بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: كتاب البيع المؤلف: الامام الخميني الجزء: 4 الوفاة: 1410 المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني الطبعة: الاولى سنة الطبع: 1421 ه / تهران المطبعة: الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني ردمك: ملاحظات: كتاب البيع المجلد الرابع تأليف الفقيه المحقق آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره) مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره)
1 هوية الكتاب * اسم الكتاب: البيع / الجزء الرابع * * المؤلف: الإمام الخميني (قدس سره) * * تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) * * سنة الطبع: بهار 1379 - صفر 1421 * * الطبعة: الأولى * * المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج * * الكمية: 3000 نسخة * * السعر: 17000 ريال * * سعر الدورة الكاملة: 84000 ريال * جميع الحقوق محفوظة للناشر
2 بسم الله الرحمن الرحيم
3 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
5 القول في الخيار
7 المراد من الخيار وهو اسم مصدر من «الاختيار» و «الاختيار» لغة بمعنى الاصطفاء والانتخاب (1). وقيل: «الخيار» و «الاختيار» بمعنى واحد، هو الاصطفاء (2). ولا يخفى: أن الاختيار بهذا المعنى، فعل النفس، وهو من مبادئ الأفعال الاختيارية، وليس بمعنى القدرة والرجحان والإرادة، بل هو أمر في قبا لهما. فالفعل الاختياري له مبادئ; من التصور، والتصديق بالفائدة، ثم الترجيح، ثم الاصطفاء، ثم الاشتياق في بعض الأفعال - ولعل الاشتياق مقدم على الاصطفاء - ثم الإرادة، وهي تصميم العزم، ولا يرجع شئ منها إلى غيره. فما قيل: من أن الإرادة هي الشوق المؤكد (3)، أو أن نسبة الإرادة إلى القدرة نسبة التمام إلى النقص، والفعلية إلى القوة (4)، أو أن الاصطفاء هو الفعل
1 - الصحاح 2: 651 - 652، أقرب الموارد 1: 311. 2 - المصباح المنير: 185، مجمع البحرين 3: 295 - 296. 3 - شرح المنظومة، قسم الحكمة: 184، كفاية الأصول: 86. 4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 2 / السطر 6. 9 في الخارج (1) لا ينبغي أن يصغى إليه; ضرورة أن الشوق من الصفات الانفعالية، والإرادة - وهي تصميم العزم - من الصفات الفعلية. مع أن الإرادة قد تتعلق بما هو مكروه جدا، بل ليس الشوق من مقدمات الأفعال دائما. كما أن القدرة - وهي القوة على الشئ، والتمكن من إيجاده - غير تصميم العزم، فالثاني من الصفات الفعلية، ومن أفعال النفس، دون الأول. وقد توجد القدرة التامة دون الإرادة، وقد تتعلق الإرادة بشئ والقدرة غير متحققة، كما لو تخيل أنه قادر، وتحققت منه مبادئ الإرادة، فأراد الإيجاد، فتبين له عدم قدرته عليه. كما أن الاصطفاء أيضا من الأمور النفسانية; إما صفة لها، أو من أفعالها، فهو غير نفس الإيجاد. نعم، ربما يقال: «إن الفعل الكذائي مختار زيد» كما يقال: «إنه مراده ومقدور له» وهذا لا يدل على وحدتها، بل يكون من قبيل انطباق مفاهيم متعددة على الموجود الخارجي. فالاصطفاء والاختيار فعل نفساني، أو صفة نفسانية مقدمة على الإرادة وعلى الإيجاد. ولا يدل نحو قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) (2) على أنه عين التعيين الخارجي; فإنه بعد التعيين اختيارا، يصح أن يقال: «اختار» أو «اصطفى ذلك».
1 - أنظر نفس المصدر: 2 / السطر 9 - 12. 2 - الأعراف (7): 155. 10 ومما ذكرنا يظهر: أن الخيار فيما نحن بصدده - الذي لا إشكال في أنه أمر اعتباري جعلي; إما بجعل المتعاقدين، أو بجعل الشارع الأقدس، أو باعتبار العقلاء في نحو خيار التخلف ونحوه - ليس بمعناه اللغوي، ولا أخص منه; فإن الاختيار والاصطفاء ليس اعتباريا، ولا قابلا للجعل التشريعي، بل ما هو قابل للجعل هو حق الاصطفاء، لا الاصطفاء. وحديث الاصطفاء الاعتباري لا محصل له; ضرورة أنه بعد جعل حق الخيار له، يكون الاصطفاء تكوينيا، واعتبار الانتخاب للفاعل غير انتخابه واصطفائه، فاعتباره لا يفيد شيئا. وبالجملة: بعد جعل الخيار، يكون الاصطفاء بفعله تكوينا، كما أن جعل اختيار بلد لحاكم، يرجع إلى جعل حق الاختيار; أي له اختيار أي شئ من شؤون البلد، لا جعل نفس اختيار شؤونه، وهو ظاهر. وبالجملة: إن المجعول في الخيارات، هو حق الاصطفاء والاختيار، وهذا مباين للمعنى اللغوي; فإنه نفس الاصطفاء، وهذا حقه. نعم، الحق مضاف إلى الاصطفاء، وهو يناسب المعنى اللغوي. وأما ما عن الفخر (قدس سره): من أنه ملك فسخ العقد (1)، وما عن غيره: من أنه ملك إقرار العقد وإزالته (2) فمضافا إلى مباينتهما للمعنى اللغوي، غير مناسبين له أيضا إلا بوجه بعيد.
1 - إيضاح الفوائد 1: 482. 2 - رياض المسائل 1: 522 / السطر 30، جواهر الكلام 23: 3، منية الطالب 2: 2 / السطر 6، و: 4 / السطر 5. 11 الخيار هو حق اصطفاء الفسخ والأولى أن يقال: إن الخيار حق اصطفاء الفسخ، لا ملك الفسخ، ولا حقه، فيناسب المعنى اللغوي وإن لم يكن عينه. وعلى ما ذكرنا، لا يرد عليه ما في تعريف الفخر، كما أن عليه يكون هذا الحق ثابتا للقصر، كما هو ثابت لغيرهم. وأما لو كان الخيار الاصطلاحي عين المعنى اللغوي، فمع الغض عن الإشكال المتقدم (1)، يرد عليه: عدم إمكان ثبوته للقصر; لعدم إمكان الاصطفاء في بعضهم، وعدم نفوذه ولا نفوذ الفسخ في الجميع. بحث حول متعلق الخيار ثم إنه لو أغمضنا عما ذكرناه ورجحناه، وقلنا: بأن الخيار هو الحق، فهل يتعلق ذلك الحق بالعقد، ويكون هو اعتبارا وإضافة مخصوصة بين العقد والأشخاص، يستتبع آثارا، منها السلطنة على الفسخ، كما عليه المحقق الخراساني (قدس سره) (2)؟ أو يتعلق بالعين المعقود عليها، يستتبع السلطنة على الرد؟ أو يتعلق بالرد، أو بالفسخ، أو بالفسخ وتركه، أو بإقرار العقد وإزالته؟ ولا يخفى: أنه على غير الفرضين الأولين، يكون متعلق الحق هو
1 - تقدم في الصفحة 10 - 11. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 143. 12 العناوين; إذ لا يعقل تعلقه بوجودها الخارجي كما هو واضح، فلا بد قبل مراجعة حكم العقلاء وأخبار الباب، من البحث ثبوتا. فنقول: أما تعلق الحق أولا وبالذات بنفس العين أو العقد، فلا معنى معقول له. وإن رجع إلى الحق على العقد فسخا وإمضاء، أو على العين ردا وإبقاء، فهو من قبيل إسناد الشئ إلى غير ما هو له، فيكون متعلقه الفسخ والرد أولا وبالذات، والعقد والعين ثانيا وبالواسطة. وأما على سائر الاحتمالات، فقد عرفت: أن متعلق الحق - على فرضها - هو العناوين، لا الخارجيات. ومن المعلوم: أن كل عنوان مستقل، ومغاير أو مضاد لعنوان آخر، فلو كان الخيار معنى وحدانيا وحقا واحدا كما هو معلوم، فلا يعقل تعلقه بالفسخ وتركه، ولا بإقرار العقد وإزالته; فإن الحق الواحد، لا يعقل أن يتعلق بالكثير مع حفظ الكثير على كثرته، والواحد على وحدته. فلا يعقل أن يكون الخيار واحدا، ومع ذلك متعلقا بعنواني «الفسخ» و «تركه» أي العنوانين المستقلين، ولا بعنواني «إقرار العقد» و «إزالته» إلا مع اعتبار الوحدة في العنوانين، أو اعتبار الكثرة في الحق، فيكون له حق على الفسخ، وحق آخر على تركه، وكذا في الفرض الآخر. لكن اعتبار الوحدة في الفسخ وتركه مع وحدة الحق، لازمه الجمع بين النقيضين أو الضدين في مقام إعمال الحق، وكذا الحال في الإقرار والإزالة. والبناء على كون الخيار حقين، أحدهما متعلق بالفسخ، والآخر بتركه; بحيث يكون له إسقاط أحدهما، وإبقاء الآخر، واضح الفساد، وكذا الحال في
13 الإقرار والإزالة. ولا يجوز عقلا تعلق الحق وسائر الوضعيات بواحد غير معين، وفرد مردد; ضرورة عدم وجود المردد خارجا، ولا ذهنا، كما لا يمكن أن يكون الحق فردا مرددا. ولو دل دليل على أن له حق الفسخ وتركه، أو أن له حق إقرار العقد وفسخه، لا بد من الالتزام بأن الحق تعلق بعنوان، قابل للانطباق على الطرفين ك «واحد منهما» مثلا، لكنه مفقود. فلا محالة يكون المتعين هو كون الخيار حق فسخ العقد، ولازم ذلك السلطنة على إعمال حقه، وترك إعماله، وهو غير كون الترك متعلقا للحق. فقولهم: إن طرفي الخيار هل يكونان وجوديين، أو أحد الطرفين وجوديا والآخر عدميا (1)؟ محل إشكال ثبوتا، ومعه لا تصل النوبة إلى مقام الإثبات. ثم إنه لا إشكال: في أن الخيار المجعول عند العقلاء - كخيار الشرط - هو حق اختيار الفسخ; إذ المستفاد من قوله: «بعتك، وشرطت لك اختيار الفسخ» أنه جعل له مالكية الاختيار، ولما كانت المالكية بالمعنى الذي في الأعيان، غير معهودة، وغير مرادة في المقام، يكون المراد جعل حق اختيار الفسخ، ولهذا يكون إسقاطه عقلائيا. بل الظاهر أن إرثه أيضا عقلائي فإذا كان في السلعة عيب ومات المشتري، يورث عند العرف خيار الفسخ، وكذا في خيار الشرط وتخلفه. وعلى هذا المعنى العقلائي، تحمل الأخبار الواردة في الخيارات
1 - منية الطالب 2: 2 / السطر 6، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 3 / السطر 32. 14 الشرعية، كخيار المجلس، وخيار الحيوان، وخيار الرؤية، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار... وصاحب الحيوان بالخيار» (1) و «له خيار الرؤية» (2) يحمل على المعنى المعهود من الخيار; أي له أن يختار الفسخ. والمستفاد عند العرف من قوله: «إن لفلان خيار الفسخ» أن له أن يختار الفسخ. فتحصل مما ذكرناه: أن الخيار على المذهب المختار، هو حق اختيار الفسخ، ولازمه السلطنة على الفسخ، ومع الغض عنه فهو حق فسخ العقد، أو ملك فسخه مرادا به الحق. فالحق متعلق بعنوان واحد، إما الاختيار كما هو الحق، أو الفسخ. وأما الاحتمالات الأخر فمزيفة ثبوتا وإثباتا، ومخالفة لارتكاز العقلاء، وجعلهم الخيارات، وفهمهم ذلك من الأدلة. مختار المحقق النائيني ونقده ومنه يظهر النظر في جل ما أفاده الأعلام، منها: ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) ومحصله: أن الحق مع من قال: بأن كلا من طرفي الخيار وجودي. وقبل تحقيقه لا بد من مقدمة، وهي: أن من العقود ما تقتضي اللزوم ذاتا، كالنكاح، والضمان،
1 - الكافي 5: 170 / 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1، و: 11، الباب 3، الحديث 6. 2 - الفقيه 3: 171 / 766، تهذيب الأحكام 7: 26 / 112، وسائل الشيعة 18: 28، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 15، الحديث 1. 15 ولا ينافي ذلك جواز فسخ النكاح بالعيوب، وفسخ الضمان إذا تبين إعسار الضامن; لقيام الدليل عليه. ومنها: ما يقتضي الجواز ذاتا كالهبة. ومنها: ما لا يقتضي شيئا منهما كالبيع، وهو يصير لازما بالالتزام بمضمونه. ثم إذا كان العقد مقتضيا للزوم أو الجواز بذاته، فاللزوم أو الجواز حكميان، ولا يقبلان الإسقاط، كما هو الشأن في جميع الأحكام الشرعية. ثم الالتزام بمضمون المعاوضة فيما لا تقتضي أحدهما، إنما هو بدلالة التزامية; فإن ما ينشأ بالعقد إما مدلول مطابقي، وهو تبديل المالين، وهو بيع. أو مدلول التزامي، وهو التعهد بما أنشأ والالتزام به، وهو عقد، ولهذا قلنا: بأن المعاطاة بيع لا عقد، وبأنها تفيد الجواز; إذ ليس لها مدلول التزامي. وهذا المدلول الالتزامي ناشئ من بناء العرف والعادة، على أن من أوجد عقدا، يلزم عليه أن يكون ثابتا عليه، وبانيا على إنفاذه، وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) ناظر إلى هذه الدلالة. ومعنى الخيار في العقود، أن زمام هذا الأمر بيد ذي الخيار، فيكون مالكا لالتزام نفسه بسبب الخيار، فله إقراره، وله حله، فمعنى ثبوت الخيار لشخص، أن اختيار المدلول الالتزامي وضعا ورفعا بيده. ومن تلك المقدمة ظهر: أن كلا من طرفي الخيار أمر وجودي (2). انتهى ملخصا. وفيه مواقع للنظر نذكر مهماتها: منها: أن المراد من اقتضاء النكاح والضمان ذاتا للزوم، والهبة للجواز، إن
1 - المائدة (5): 1. 2 - منية الطالب 2: 2 - 4. 16 كان نظير ما يقال في ذاتي باب البرهان (1)، فلازمه عدم المعللية، وامتناع الانفكاك، مع أن الأمور الاعتبارية كما أن ذاتها اعتبارية، لوازمها وأحكامها أيضا كذلك، فلا يعقل فيها اللزوم بهذا المعنى; أي كون معنى اعتباري بذاته وبلا اعتبار آخر، مقتضيا بالذات لشئ. مع أن الانفكاك في النكاح; بثبوت الخيار بالتدليس والعيب، وتخلف الوصف، وتخلف الشرط، وكذا ثبوت الخيار في الضمان، أقوى شاهد على أن اللزوم ليس من مقتضيات ذاتهما بالمعنى المذكور. وإن كان نظير ما يقال: من أن النقل مقتضى البيع; أي يكون مفاده الذاتي هو النقل (2)، فلا شبهة في أن اللزوم وكذا الجواز، ليسا مفادا لعقد من العقود. وإن كان نظير قولهم: إن الجسم يقتضي بذاته أن يكون كرويا (3); أي هو مقتضى ذاته من حيث هي، عند عدم عروض عوارض وقواسر. ففيه: - مع عدم دليل عليه، بل عدم صحته بالمعنى المذكور في الاعتباريات - أنه لا يكون حينئذ جعل الخيار أو شرط اللزوم، مخالفا لمقتضاهما بالمعنى الذي أفاده، فيصح جعلهما كما هو واضح. وإن كان المراد، قيام الدليل الشرعي على اللزوم في النكاح والضمان إلا ما استثني، وعلى الجواز في الهبة إلا ما استثني، فالتقسيم المذكور غير صحيح; لأن جميع العقود على السواء في ذلك، فمنها لازم بدليل شرعي، ومنها جائز، ولهما مستثنيات، كما أن التعبير ب «الاقتضاء الذاتي» غير وجيه. ومنها: أن قوله: ما ينشأ بالعقود إما مدلول مطابقي، أو التزامي... إلى
1 - الإشارات والتنبيهات 1: 58، الجوهر النضيد: 209. 2 - أنظر المكاسب: 215 / السطر 13 - 15. 3 - كشف المراد: 151، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 260. 17 آخره، منظور فيه; لأن الظاهر منه أن المدلول الالتزامي، ينشأ بالعقود بنحو الالتزام، مع أن الإنشاء من الأفعال الاختيارية، ولا يعقل أن يكون الفعل الاختياري من المداليل الالتزامية; لأن لازم الشئ يتحقق قهرا بوجوده، ويترتب عليه، ومعنى اختيارية الفعل إمكان التحقق وعدمه، وهو ينافي اللزوم. ومنه يظهر: أن نفس التعهد والالتزام - سواء كانا بحقيقتهما التكوينية، أو بالمعنى الاعتباري - لا يعقل أن يكونا من المداليل الالتزامية; لأنهما بكلا المعنيين، من الأفعال الاختيارية. فالتعهد النفساني فعل اختياري للنفس، والتعهد الاعتباري أمر مجعول بالاختيار، وما هو اختياري، لا يعقل لزومه لشئ قهرا. وأما احتمال أن يكون المراد: أن بناء العرف والعادة، لما كان على التعهد بما أوجده، فيكون ذلك كاللازم، فتحمل المعاقدة على ذلك المعهود. ففيه: مع أنه خلاف ظاهره، غير مرضي; لأن لازم ذلك، أن يكون اللزوم وعدمه بحسب الثبوت، تابعين لالتزام المتعاقدين وعدمه، وإن كانا بحسب الإثبات، يجبران على العمل على طبق التعهد، وهو أمر معلوم البطلان. مع أن مجرد التزام المتبايعين أو بناء العرف، على لزوم كونهما ملتزمين، لا يوجب لزوم العقد; بمعنى عدم تأثير الفسخ لو تخلف، إلا أن يرجع إلى أن اللزوم حكم عقلائي، وهو لا يحتاج إلى التجشم والتكلف بتلك المقدمة. والحق: أن اللزوم فيما كان بناء العرف عليه، إنما هو من الأحكام العقلائية له، سواء كان المتعاملان بحسب الواقع، بانيين على الإنفاذ والإبقاء لعملهما أم لا، وهو أمر صحيح، غير حديث الدلالات الالتزامية. ثم إنه لو فرض كون ذلك التعهد من المداليل الالتزامية، فلا وجه لاختصاصه بالعقود اللفظية; لأن الدلالة الالتزامية دلالة المعنى على
18 المعنى; فإن لفظ «الشمس» مثلا، لا يعقل أن يدل إلا على ما وضع له، وهو عين الشمس، فاللفظ دال عليها، وهي دالة على لازمها، فالدلالة اللفظية دلالة عليه مع الوسط; أي دلالة على ما دل على اللازم. فبناء عليه يكون عقد البيع دالا بالمطابقة على التبادل، وهو دال على التعهد المذكور، وهذا المعنى موجود في بيع المعاطاة، والاختلاف بينه وبين البيع بالصيغة في السبب، لا في المسبب الذي دل على المعنى الالتزامي، فلا وجه للتفصيل بينهما. مضافا إلى ما مر في باب المعاطاة مفصلا: من أن المعاطاة عقد كالبيع بالصيغة، وأن قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) صادق عليها أيضا، فراجع (2). ومنها: أن قوله: إن معنى الخيار، هو أن هذا المدلول الالتزامي - أي لزوم البقاء على عهده وعقده - زمام أمره بيد ذي الخيار وضعا ورفعا غير وجيه; لأن هذا المدلول الالتزامي، ليس إلا التعهد بالبقاء والثبات على ما أنشأ، فإذا صار ملكا لذي الخيار، لا يعقل أن تسلب ذاته عنه، ومعنى كون زمام أمره بيده، أن الالتزام ليس بالتزام. وإن شئت قلت: إن هذا المدلول الالتزامي، يناقض كون الزمام بيده، فكيف يمكن أن يكون معنى الخيار؟! فلا بد وأن يقال: إن الخيار رافع لهذا الالتزام، أو دافع له، وهو مناف لمطلوبه. مضافا إلى أنه لا ينبغي الإشكال، في أن الخيار المجعول بجعل المتعاقدين - كخيار الشرط - لا يصح فيه ما ذكره; ضرورة أن التعهد المذكور على فرض صحته، إنما هو فيما إذا لم يقم دليل وقرينة على عدمه، وجعلهما الخيار دليل
1 - المائدة (5): 1. 2 - تقدم في الجزء الأول: 89، 108. 19 على ذلك; إذ لا شبهة في أن المتعاقدين في البيع المشروط فيه الخيار، ليسا يتعهدان بالبقاء على ما أنشآ، ثم باشتراط الخيار يجعلان زمام هذا التعهد بيد ذي الخيار. فقوله: «بعتك، واشترطت عليك الخيار لنفسي» ليس مدلوله «بعتك، والتزمت بالبقاء على البيع، والبناء على عدم حله، واشترطت عليك أن يكون هذا الالتزام لنفسي» بل مفاده النقل وجعل الخيار لنفسه، ولازمه - على هذا المبنى - عدم التعهد والالتزام. بل ليس شئ من الخيارات العرفية والشرعية عند العرف والشرع، بالمعنى الذي أبداه، وليس في شئ من العقود إلا مفاد واحد، وهو ما تفيده ألفاظ المعاملات مطابقة، أو أفعال المتعاملين، وإنما اللزوم فيما لا خيار لهما، وعدمه فيما لهما أو لأحدهما الخيار، من الأحكام العقلائية، أو المجعولات الشرعية. فتحصل مما ذكرناه: أنه ليس للخيار طرفان وجوديان، أو وجودي وعدمي، بل الخيار حق واحد، متعلق باصطفاء الفسخ واختياره، ولازم ذلك أن يكون لذي الخيار ترك إعمال حقه. فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره)، في جواب من قال: بأن الخيار ملك إقرار العقد وإزالته بقوله: إن أريد من «إقرار العقد» إبقاؤه على حاله بترك الفسخ، فذكره مستدرك; لأن القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه، إذ القدرة لا تتعلق بأحد الطرفين (1). منظور فيه; لأن الخيار حق اعتباري، ثابت على بعض العناوين، والقدرة قوة تكوينية، لازمها في الفاعل المختار، أنه إن شاء فعل، وإن شاء ترك، وليس
1 - المكاسب: 214 / السطر 7. 20 له ثبوت في الأمور الخارجية، فالقادر له التمكن من الإيجاد بإعمال عضلاته وجوارحه، ومن تركه إعمالها. ولو كان مراده التنظير بالقدرة فلا يتم، والقياس مع الفارق; لأن الحق الواحد الثابت لعنوان، لا يعقل أن يكون عين ما ثبت لعنوان آخر، سواء كان العنوان وجوديا كإقرار العقد، أو عدميا كترك الفسخ، أو ترك الاصطفاء والاختيار، فالتحقيق ما عرفت.
21 حول أصالة لزوم البيع ثم إنهم قالوا: الأصل في البيع اللزوم (1) وهو كذلك إن أريد به القواعد الشرعية، أو الاستصحاب مع الغض عن القواعد، أو الإشكال في دلالتها، أو أريد به بناء العقلاء على اللزوم. وأما عطف بناء الشرع عليه، كما وقع من الشيخ الأعظم (قدس سره) (2)، فهو غير ظاهر، إلا أن يراد به استكشاف بناء الشرع من سيرة المتشرعة، وهو مشكل، بل ممنوع بعد تحقق البناء العقلائي، ووجود الأدلة الشرعية; لاحتمال أن المتشرعة - بما هم عقلاء - بنوا على ذلك، أو اتكلوا في ذلك على الأدلة اللفظية، أو استكشاف بناء الشرع من العمومات والقواعد الشرعية. وعليه فالاختلاف بينه وبين الأصل - بمعنى القاعدة - اعتباري، وهو كما ترى. ثم إن الأصل بالمعنى الأخير; أي بناء العقلاء، بما أنه أمر لبي ليس له عموم ولا إطلاق، لا بد فيه من الاقتصار على المتيقن، فمع الشك في البناء في
1 - تذكرة الفقهاء 1: 515 / السطر 29، جامع المقاصد 4: 282، مجمع الفائدة والبرهان 8: 382، جواهر الكلام 23: 3. 2 - المكاسب: 214 / السطر 17. 23 نوع من المعاملات أو صنف منها، يحكم بمقتضى الأصول. بل لا بد من إحراز اتصال بنائهم بزمان الشارع الصادع، أو أئمة المسلمين (عليهم السلام) كما لا يخفى. وأما القواعد والعمومات الشرعية، والأصل بمعنى الاستصحاب، فهما مفيدان في مطلق العقود على فرض تماميتهما. ونحن وإن استقصينا البحث عنهما في باب المعاطاة (1)، ولا فائدة في إعادة ما سبق، لكن نشير بنحو الإجمال إلى بعض ما ذكر، ولعله لا يخلو من بعض الزوائد. دلالة آية الوفاء على اللزوم فمنها: عموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2). و «العقود»: إما جمع «عقد» بفتح العين (3)، وهو الربط الخاص في الحبل، استعير للعقود الاعتبارية; بدعوى أنه في تبادل الإضافتين اللتين يتخيل أنهما كالحبل، تحصل عقدة كالعقدة في الحبل. فحينئذ تختص العقود بما فيها تبادل بنحو، كالبيع، والإجارة، والصلح، وتخرج منها ما لا تبادل فيها، كالنكاح، والهبة، والوقف بناء على كونه عقدا، والضمان، والكفالة، ونحوها، وكذا مطلق الإيقاعات. أو بدعوى: كون نفس الإيجاب والقبول، وربطهما في الاعتبار، بمنزلة ربط
1 - تقدم في الجزء الأول: 143. 2 - المائدة (5): 1. 3 - لسان العرب 9: 309، تاج العروس 2: 426. 24 الحبل والعقدة الحاصلة فيه، فتدخل فيه جميع أنواع العقود، وتخرج منه الإيقاعات، كالنذر، واليمين، والوقف بناء على عدم اعتبار القبول فيه. وإما جمع «عقد» بكسر العين، وهو القلادة (1)، استعير لمطلق ما لزم إتيانه; بدعوى أنه كقلادة في عنقه تلزمه حيثما كان، فتدخل فيه جميع العقود والإيقاعات والتعهدات. والأظهر مع الغض عن القرائن الخارجية، هو الأول; فإنه أوفق بالاعتبار، على إشكال يأتي الكلام فيه (2). وبالنظر إلى قوله تعالى في النكاح: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) (3) وقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح) (4) هو الثاني; لعدم التبادل في باب النكاح، ومع ذلك عبر بال «عقدة» والظاهر أن «العقود» أيضا بهذا المعنى والاعتبار. وأما بالنظر إلى صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (أوفوا بالعقود) قال: «بالعهود» (5). فالمراد ب «العقود» العهود، فتخرج العقود المصطلحة عنها; فإن اعتبار العقد المصطلح يخالف اعتبار العهد، ضرورة أن البيع والإجارة ونحوهما، ليس فيها معنى العهدة والعهد والتعهد، لا مطابقة، وهو واضح، ولا التزاما; لما تقدم من أن
1 - القاموس المحيط 1: 327، تاج العروس 2: 427. 2 - يأتي في الصفحة 27. 3 - البقرة (2): 237. 4 - البقرة (2): 235. 5 - تفسير علي بن إبراهيم 1: 160. 25 الفعل الاختياري، لا يعقل أن يكون من المداليل الالتزامية (1). مضافا إلى وضوح أن البيع ليس إلا تبادل مال بمال، إلا أنه من الأحكام العقلائية المترتبة عليه وعلى نحوه، لزوم العمل على طبق مقتضاه، وهي غير نفس العقد. نعم، في عقد الضمان والكفالة التعهد والالتزام ثابت، فيدخلان في عنوان «العهود» كما تدخل فيه قاطبة العهود; من النذر وأخويه، ومنها البيعة المأخوذة للخلفاء وولاة العهد، بحسب ما تعارف في عصر نزول الآية. وعلى هذا الاحتمال، كانت الآية أجنبية عن البيع ونحوه، إلا أن الأصحاب من عصر الشيخ (قدس سره) إلى زماننا هذا، قد تمسكوا بها لنفوذ العقود الاصطلاحية ولزومها (2)، والآيتان الواردتان في النكاح، شاهدتان أو مؤيدتان لدخول مثل عقد النكاح في العقود، وأن الاعتبار فيه وفي غيره سواء. فلا بد إما من الالتزام باستعمال «العقود» في العهود والعقود التي ليست بعهود; بنحو استعمال اللفظ في أكثر من معنى. أو الالتزام بأن «العقود» جمع «عقد» بكسر العين كما أشرنا إليه. أو الالتزام بأن العقد من عقد العسل; أي غلظ (3)، أو بمعنى أحكم (4)، فيدعى أن العقود والعهود باعتبار لزومها، فيها غلظة وإحكام، فتدخل فيها جميع العقود والعهود، ولم يظهر من الصحيحة المتقدمة، أن المراد انحصار العقود بالعهود; فإن قوله قال: «بالعهود» لم يظهر منه الانحصار، ولا التفسير، بل لعله للتنبيه
1 - تقدم في الصفحة 18. 2 - راجع ما تقدم في الجزء الأول: 116. 3 - لسان العرب 9: 310. 4 - المنجد: 518. 26 على دخول العهود فيها أيضا، فتأمل. ويمكن أن يقال: إن العهود التي وقعت بين شخصين، فيها معنى العقود أيضا، كالبيعة التي كانت متعارفة في تلك الأعصار بالتصفيق ونحوه; فإنها أيضا بمنزلة العقدة ولو ادعاء وتشبيها، فتدخل في العقود تلك العهود باعتبار العقد، لا باعتبار التعهد، وتخرج منها التعهدات الإيقاعية، كالنذر، والعهد. وبعبارة أخرى: إن في تلك العهود حيثيتين، إحداهما: التعاهد، وثانيتهما: التعاقد، وبه يحصل التعاهد، كعقد الضمان، فأطلق عليها «العقد» بهذه الحيثية. ثم إن الأظهر من بين الاحتمالات والأبعد من مخالفة الظاهر، هو أن «العقود» استعيرت لمطلق العقود المعاملية والعهدية، كعقد البيعة، والتعهدات المتداولة بين الدول أو الأشخاص، فإنها أيضا عقود تحتاج إلى الإيجاب والقبول، ولولا ذلك لما صح إيجاب الوفاء بها; لأنه فرع قرارها، فادعي أن ربط القبول بالإيجاب عقدة، وأنها حاصلة من نفس ربطهما. وفي هذا الاحتمال لا تكون مخالفة ظاهر، إلا في إطلاق «العقود» على الأفراد الادعائية، ولا محذور فيه; لقيام القرينة الواضحة عليه، فالعقد استعمل في نفس الإيجاب والقبول; بالدعوى المتقدمة. وأما سائر الاحتمالات، فتكون مخالفة للظاهر من جهات، بلا قيام قرينة. مثلا: لو أريد من «العقد» تبادل الإضافتين; بدعوى أن كل إضافة حبل، وأن التبادل بينهما عقدة، لتكثر الادعاء; فإن تبادل الإضافتين أثر العقد المصطلح، ولا معنى لوجوب الوفاء به، فلا بد من دعوى أخرى; وهي أن العقد المؤثر أثر، وفي احتمال إرادة جمع العقد بالكسر باعتبار اللزوم، يحتاج إلى دعوى أخرى... وهكذا.
27 المراد من الوفاء ثم إن الظاهر من «الوفاء» هو العمل على طبق مقتضى العقد وافيا، كما يظهر من موارد استعمالاته، مثل الوفاء بالنذر، والعهد، واليمين. والظاهر البدوي من وجوبه هو الوجوب الشرعي، ولازمه تحقق تكليفين - في مثل البيع - بعد تحققه: أحدهما: وجوب الوفاء بعنوانه. وثانيهما: حرمة حبس مال الغير أو غصبه. وفي الثمن إذا كان كليا: وجوب أداء الدين، ووجوب الوفاء بالعقد، والالتزام به مشكل جدا. فيدور الأمر بين الأخذ بعموم «العقود» ورفع اليد عن ظهور الوجوب في كونه شرعيا - فيحمل ذلك على نحو الالتزامات العقلائية - وبين رفع اليد عن العموم، وحمله على العقود العهدية التي ليس فيها إلا التعهد بعمل، نحو عقد الولاية، والتعهدات العقدية المتعارفة بين الدول والأشخاص. بل ربما يقال: إن المراد ب «العقود» هاهنا هي العهود التي وقعت في عقد الولاية، والجمع باعتبار أن العقد كان متعددا بتعدد الأشخاص، أو بتعدد الواقعة (1). وتشهد له رواية ابن أبي عمير، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في قوله تعالى:
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 7 / السطر 16، تفسير روان جاويد 2: 166. 28 (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (1) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عقد عليهم لعلي (عليه السلام) بالخلافة في عشر مواطن، ثم أنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين» (2). وتؤيدها صحيحة ابن سنان المتقدمة (3) وكون الآية في سورة المائدة المشتملة على آية تبليغ الولاية. لكنه غير مرضي بعد عموم الآية، وتمسك الأصحاب خلفا عن سلف بها، وعدم دلالة الروايتين على الانحصار، وعدم جواز الاتكال على مثل تلك التأييدات. على أنه لو نزلت الآية الكريمة في خصوص عهد الولاية، لصار شائعا; لكثرة الدواعي على ذلك، فإبقاء (العقود) على ظهورها وعمومها، ورفع اليد عن الظهور في الوجوب الشرعي أولى. بل الإنصاف: عدم ظهورها فيه، بعد كون لزوم الوفاء بالعقود والعهود عقلائيا، شائعا بين جميع الطوائف، ظاهرا لديهم، وفي مثله لا ينقدح في أذهانهم إلا ما هو الشائع بينهم، وهو المناط في الاستظهار، وظهور الأمر في الوجوب الشرعي ليس - كسائر الظهورات - مستندا إلى دلالة لفظية، بل هو كظهور الحال والمقام. ومع كون وجوبه ولزومه العقلائي مرتكزا في الأذهان، لا يحمل الكلام إلا على ما هو المرتكز، كالأمر بالعمل بخبر الثقة، أو الظهور اللفظي، أو غيرهما
1 - المائدة (5): 67. 2 - تفسير علي بن إبراهيم 1: 160، بحار الأنوار 36: 92. 3 - تقدمت في الصفحة 25. 29 مما هو معهود عند العرف. فالآية الكريمة تدل على لزوم العمل بالعقود، ولازم ذلك - بحسب الفهم العرفي - أن العقود لازمة; ضرورة أن اللزوم لازم عرفي لوجوب العمل، وكونه ملزما به، ولو قيل: «إنك ملزم بالعمل بعقد كذا، ولكن زمامه بيدك فسخا وإبقاء» عد ذلك عند العرف تناقضا. فالقول: بأن وجوب الوفاء، لا ينافي جواز العقد أو خياريته (1) ساقط جدا; لعدم جواز الاتكال في هذا المجال على التخريصات العقلية، بل المناط هو فهم العرف واستظهارهم. كالقول: بأن وجوب الوفاء، لازمه وجوب إبقاء العقد تكليفا، فهو دال على جوازه; لاعتبار القدرة في متعلق التكليف (2) ضرورة أن ذلك بعيد عن الأذهان جدا، بل لازمه إقدار المكلف على المخالفة، ثم الأمر بالوفاء. وبعبارة أخرى: ردع العقلاء عن البناء على لزوم العقد، ثم الأمر بعدم الفسخ، وهو أمر بعيد عن الأذهان، بل لعله مستهجن عند العرف لو فسر المقصود لهم، فلا ينبغي الإشكال في الدلالة على اللزوم. ثم إن ما ذكرناه: من أن وجوب الوفاء، يحمل على ما هو المرتكز العرفي، ليس المراد منه أن «العقود» فيها أيضا محمولة على العقود المعهودة اللازمة عرفا، حتى يقال: إن لازمه بطلان التمسك بالآية، ولزوم الرجوع في كل مورد إ لي الحكم العرفي.
1 - مختلف الشيعة 6: 219، أنظر المكاسب: 215 / السطر 18، الإجارة، المحقق الرشتي: 9 / السطر 15. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 6 / السطر 5 - 16. 30 بل المراد: أن خصوص وجوب الوفاء محمول على ذلك، فرفع اليد عن العموم بلا حجة، لا وجه له، فالعموم على عمومه، ووجوب الوفاء هو اللزوم العقلائي، فتدبر. ثم لو فرض أن الوجوب هو الوجوب الشرعي التعبدي، لا يضر بالمقصود; من الدلالة على اللزوم بالتقريب المتقدم، هذا على ما هو التحقيق: من أن الوفاء عبارة عن العمل بالمقتضى. وأما لو قلنا: بأنه الإبقاء للعقد، وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) بمعنى حافظوا عليها، فيحتمل أن يكون الأمر به حكما تكليفيا تعبديا، ولازمه جعل العقود جائزة أو خيارية، ثم الأمر بعدم هدمها (1). وهذا مما لا ينبغي أن ينسب إلى المتعارف من الناس، فكيف بالحكيم؟! بل يجب تنزيه كلامه عنه; فإن جعل العقود اللازمة عند العقلاء جائزة، أو جعل الجواز للعقود، ولو مع الغض عن حكم العقلاء، ثم الإلزام بإبقائها وعدم هدمها، من غرائب الأمور عند العقلاء. ويتلوه في الغرابة، جعل وجوب الوفاء إرشادا إلى الجواز وكناية عنه; فإنه من قبيل الألغاز والاحجية. مضافا إلى عدم إمكان الكناية والإرشاد إلى الجواز إلا إذا كان الحكم الإلزامي جديا، ولعل الجمع بين ذلك والإرشاد غير جائز، ولو جاز لم يحمل الكلام عليه إلا مع القرينة، مع عود المحذور المتقدم على فرض الحكم التكليفي الجدي.
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 6 / السطر 36. 31 وبعد بطلان الاحتمالين، لا بد من الحمل على الإرشاد إلى اللزوم، كسائر الأحكام الإرشادية إلى الأحكام الوضعية، وهذا مما لا مانع منه عقلا، ولا عند العقلاء والعرف، فيرجع الكلام إلى أن المكلفين ملزمون بالوفاء; لأن العقود لا تنفسخ بفسخهم، وزمامها خارج من أيديهم. ومما ذكر يظهر الكلام، فيما إذا أريد به أعم من العمل بالمقتضى، ومن إبقاء العقد; فإن جعله حكما تكليفيا في العنوانين، يأتي فيه المحذور المتقدم، كجعله إرشادا إلى الجواز، أو جعل أحدهما تكليفا، والآخر إرشادا إلى الجواز، نعم لا مانع من الإرشاد إلى اللزوم كما تقدم. حول إشكال لزوم الشبهة المصداقية في التمسك بالآية ونحوها هذا، وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) لإثبات اللزوم: من التمسك بإطلاق دليل وجوب الوفاء بالعقد حتى بعد الفسخ، وحرمة نقض ما يقتضيه كذلك، وهو اللازم المساوي للزوم (1). فأوردوا عليه: بأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية (2). وأجيب عنه بوجوه: منها: أن العقد هو الإنشاء، وهو آني التحقق، فإذا تعلق به الحكم المستمر، دل ذلك على أن الوجود الآني للموضوع، كاف لثبوت الحكم
1 - المكاسب: 215 / السطر 12. 2 - الإجارة، المحقق الرشتي: 14 / السطر 23، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 146. 32 المستمر (1). ومنها: أن العقد هو السبب; أي الألفاظ المتصرمة، والحكم المستمر تعلق بها، فيكون دليلا على لزوم الوفاء مطلقا (2). وعلى هذين التقريبين، لا يلزم التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية، وعلى هذا تكون أدلة الخيارات، من قبيل المخصصات الحكمية لدليل وجوب الوفاء. وفيه: - مضافا إلى إمكان دعوى انصراف دليل وجوب الوفاء عن التصرفات بعد الفسخ المؤثر، ومعه لا يصح التمسك به في مورد الشبهة المصداقية، فتأمل - أن تشخيص العناوين على عهدة العرف، ولا شبهة في أن الإنشاء واللفظ، ليس شئ منهما عقدا، بل العقد منشأ بالإنشاء بآلية الألفاظ بما لها من الدلالات العرفية. كما لا شبهة في أن العقد لدى العرف أمر باق، يعرضه الفسخ والهدم في مورد الخيارات العقلائية، ولا يعقل ذلك في الإنشاء واللفظ، فلا محالة يكون العقد أمرا اعتباريا باقيا لدى العرف، ومع احتمال الفسخ المؤثر ترجع الشبهة موضوعية. ولو سلم إطلاق «العقد» على الإنشاء وعلى السبب، فلا إشكال في إطلاقه على المنشأ والمسبب أيضا، ومع دوران الأمر بينهما يكون المتعين هو الأخير;
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق محمد تقي الشيرازي 2: 71 / السطر 12، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 7 / السطر 7. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق محمد تقي الشيرازي 2: 72 / السطر 19، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 7 / السطر 9. 33 حفظا لظهور دليل وجوب الوفاء، ضرورة أنه ظاهر في أن الوجوب، تعلق بعنوان موجود في ظرف الوجوب. ومنها: أن العقد العرفي موضوع لوجوب الوفاء، وهو باق حتى بعد الفسخ غير المؤثر عرفا (1); لأن الموضوعات الاعتبارية - كالموضوعات التكوينية - غير داخلة تحت تصرفات الشارع، بل له الحكم عليها إخراجا وإدخالا، ويكون حكمه من قبيل التوسعة والتضييق، والتقييد والتخصيص، ومعه لا تكون الشبهة مصداقية. ومع الغض عن ذلك، فالاعتبارات العقلائية - ومنها العقد، والبيع، والشرط ونحوها، كالبناءات العقلائية، نحو البناء على العمل بخبر الثقة، والظواهر، وأصالة الصحة - لا ترفع اليد عنها إلا بردع وأصل من الشارع الأقدس، واحتمال الردع لا يكون رادعا، كما أن ما دل على الردع إذا لم يصل إلى العرف، لا يعقل أن يكون رادعا. فالفسخ المؤثر شرعا ما لم يصل إليهم، لا يصلح لهدم العقد العرفي وفسخه، وليس الفسخ والهدم من الأمور الواقعية، اطلع عليه العرف أم لا، ومعه لا تكون الشبهة مصداقية. كما أنه على ذلك، يصح التمسك أيضا بدليل حل البيع والشرط وغيرهما; لإثبات اللزوم بالتقريب المتقدم، من غير لزوم الشبهة المصداقية. وقد فرغنا عن تفصيل الأدلة، وتحقيقها، ونقضها وإبرامها، في الجزء الأول من الكتاب، فراجع (2).
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق محمد تقي الشيرازي 2: 72 / السطر 11. 2 - تقدم في الجزء الأول: 143. 34 حول التمسك بالاستصحاب لإثبات اللزوم ثم إنه مع الغض عن الأدلة اللفظية أو الشبهة فيها، فالأصل أيضا يقتضي اللزوم; فإن أصالة بقاء العقد بعد الفسخ، وأصالة بقاء البيع، وأصالة بقاء الشرط، تنقح موضوع الأدلة الاجتهادية، ولازم وجوب الوفاء ونفوذ البيع والشرط بعد الفسخ، هو اللزوم. وملازمة المذكورات لذلك وإن كان عقليا، لكن يجب الأخذ بهذا اللازم; لأنه من لوازم الدليل الاجتهادي بعد الانطباق على المستصحب، لا من لوازم المستصحب، وما هو من الأصل المثبت هو الثاني، دون الأول. وأما إثبات اللزوم بأصالة بقاء الملك، وأصالة عدم ارتفاع أثر العقد، وأصالة عدم تأثير الفسخ - على فرض جريانها - فمثبتة. نعم، تترتب عليها الآثار الشرعية، فمع أصالة بقاء الملك، يحكم بعدم جواز تصرف الغير بغير إذن مالكه، وبصحة تصرفات المالك وجوازه... إلى غير ذلك. وأما أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرد فسخ أحدهما، كما تمسك بها الشيخ (قدس سره) في المقام واستحسنها (1)، فيرد عليها: بأنه إن جعل قوله: «بمجرد فسخ أحدهما» قيدا للمستصحب، فليس مسبوقا بالعلم. مضافا إلى الإشكال الوارد في الاحتمال الثاني; أي عدم جعله قيدا، وهو
1 - المكاسب: 214 / السطر 16. 35 أن إثبات آثار العقد - كالملك - بأصالة عدم ارتفاع الآثار مثبت; فإن رفع النقيض لإثبات نقيضه، عقلي لا شرعي، كما أن أصالة عدم كون الفسخ مؤثرا لا أصل لها، ومع فرض الجريان مثبتة. فالمعول أصالة بقاء العقد; لإثبات اللزوم وسائر الآثار، وأصالة بقاء الملك; لإثبات الآثار الشرعية المترتبة عليه. كون الاستصحاب في المقام من القسم الثاني من استصحاب الكلي ثم إن استصحاب العقد أو البيع في المقام، من القسم الثاني من استصحاب الكلي; لتردد العقد والبيع بين اللازم الباقي بعد الفسخ قطعا، وبين الجائز الزائل قطعا. وتوهم جزئيته; بأن يقال: إنا نشير إلى الموجود الخارجي المتشخص، الجزئي الحقيقي، فنقول: إنه موجود قبل الفسخ، وشك في بقائه بعده. مردود: بأنه خلط بين الحمل الأولي، وبين الشائع من هذه العناوين; فإن الموجود الخارجي وإن كان واحدا مشخصا جزئيا، إلا أن ما تعلق به العلم، لو كان هو الشخص الموجود بالحمل الشائع، لما بقي مجال للشك والترديد بأنه هذا أو ذاك، والعناوين المذكورة المتعلقة للعلم، كلها كليات بالحمل الشائع، وإن كانت بالحمل الأولي الموجود الخارجي الجزئي الحقيقي. فما هو موجود مشخص بالحمل الشائع - وهو العقد اللازم، أو العقد الجائز - لم يتعلق به العلم، وما تعلق به هو عنوان كلي، لا يأبى عن الصدق على هذا وذاك، وحديث الفرد المردد (1) حديث خرافة، فلا إشكال في أن المستصحب
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 1: 73 / السطر 21. 36 كلي ومن القسم الثاني. فإن قلت: إن وجوب الوفاء لم يتعلق بالعقود الجائزة بالضرورة، بل تعلق بما هو لازم في نظر الشارع، ففيما تردد بين الجائز واللازم، لا يصح التمسك به، وكذا الحال في حل البيع بعد الفسخ، فإنه تعلق بحصة لازمة في نظره. قلت: هذا الإشكال ضعيف جدا، وخلط بين الإرادة الاستعمالية القانونية وبين الإرادة الجدية. توضيحه: أن موضوع الأحكام إن كان الطبائع، نحو البيع في قوله تعالى: (أحل الله البيع) (1) فلا شبهة في أن لفظ (البيع) لا يدل إلا على نفس الطبيعة، والخصوصيات اللاحقة بها - خارجا، أو ذهنا - خارجة عنها، لا يعقل دلالة اللفظ عليها. كما لا شبهة في أن المعنى أي طبيعة البيع، لا يعقل أن تحكي عن الخصوصيات الزائدة، والمصاديق الخارجية أو الذهنية. نعم، بعد ما تعلق الحكم بالطبيعة، صار كأنه لازمها، فإذا وجدت في الخارج، كانت متعلقة له، فالبيع بنفس ذاته موجود مع المصاديق، وكل مصداق تمام حقيقته، كما في الكليات الأصيلة. فالحكم الثابت له، ثابت لوجوده الخارجي بعنوان بيعيته، لا بسائر الخصوصيات، ويجب الأخذ بإطلاق قوله تعالى: (أحل الله البيع) على فرض إطلاقه، ويحكم بأن البيع حلال أينما وجد، وإذا ورد تقييد من الشارع الأقدس، كشف ذلك عن جده، لا عن كيفية الاستعمال، فالمطلق حجة وكاشف عن الجد،
1 - البقرة (2): 275. 37 مع عدم الدليل على التقييد. فقوله تعالى: (أحل الله البيع) حجة على حلية البيع بلا قيد، وببركة الاستصحاب حجة على حلية البيع بعد الفسخ، إلا ما دل الدليل على خروجه. ومنه يعلم الحال في العمومات، نحو (أوفوا بالعقود) (1) فإنها أيضا - بحسب الدلالات اللفظية - لا تحكي إلا عن مفاد الألفاظ. وتوهم: أن الجمع المحلى و «كل» دالان على الأفراد الخارجية المتشخصة غير مرضي; لأن «كل» ونحوه لا يدل إلا على الكثرة بنحو الإجمال، ومن إضافته إلى طبيعة - كالعقد مثلا - يستفاد أن الكثرة لهذه الطبيعة بالدلالات المتعددة. وأما الخصوصيات اللاحقة للطبيعة خارجا، فلا تعقل دلالة تلك الألفاظ عليها، كما لا تعقل حكاية العناوين المدلولة بها عنها. فقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) لا يدل إلا على وجوب الوفاء بكل فرد من العقود، بما أنه عقد، من غير دلالة على الخصوصيات الفردية، كالعقد الربوي وغيره. فكل عقد بما هو عقد، مدلول لهذا العام، وهو حجة على لزوم الوفاء به، ودال على لزومه، فإذا ورد تخصيص عليه، يكون ذلك مخرجا عن العموم، ويبقى الباقي، فالجائز واللازم خارجان عن مفاد الأدلة، ولا يعقل كشف الألفاظ أو العناوين عنهما. فالإشكال ساقط من أصله، والتعرض له - مع وضوح بطلانه - لأجل أن
1 - المائدة (5): 1. 38 لا يشتبه الأمر على بعض الطلبة، غفلة عن أن هذا الإشكال، متوهم في جميع العمومات والإطلاقات، ولا يختص بالمقام. حكومة أصالة بقاء العقد على أصالة بقاء الملك ثم إن أصالة بقاء العقد، حاكمة على أصالة بقاء الملك; لأن الشك في بقائه، مسبب عن الشك في بقاء العقد، ومع إجراء أصالة بقاء العقد، يرتفع الشك في بقاء الملك، لا لأن الأصل السببي - بما هو - حاكم على المسببي; فإنه مزيف. بل لأن الأصل السببي، محرز ومنقح لموضوع الدليل الاجتهادي، كالعقد والبيع في المقام، فينطبق عليه الدليل الاجتهادي، وهو بلسانه مقدم على الأصل المسببي. مثلا: لو ورد دليل «بأن الكر مطهر للنجاسة» وشك في ماء أنه كر أو لا، مع مسبوقيته بالكرية، وغسل به ثوب نجس، فاستصحاب بقاء الكر، لا يكون في نفسه حاكما على استصحاب بقاء النجاسة، بل باستصحابه ينقح موضوع الدليل الاجتهادي، وهو «أن الكر مطهر للنجاسة» فهو بلسانه مقدم على استصحاب النجاسة; لأنه في استصحابها أخذ الشك في موضوعه، والدليل الاجتهادي يدل على رفع النجاسة بلا أخذ الشك فيه، وأخذ الشك في الأصل المنقح، غير مربوط بالدليل المنطبق عليه. وهذا هو الميزان في تقدم الأصول السببية على المسببية، كما نقحناه في محله (1). وتوهم: أن موضوع الدليل الاجتهادي هو العقد الواقعي، لا العقد التعبدي،
1 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 243. 39 والاستصحاب يثبت العقد التعبدي. مدفوع: بأن الاستصحاب يحكم ببقاء ما هو المتيقن إلى زمان الشك، وما هو متيقن هو العقد الواقعي، لا التعبدي، فالأصل محرز للعقد الواقعي ببركة التعبد، فمفاد دليل الاستصحاب هو التعبد ببقاء الواقع، لا التعبد ببقاء الفرد التعبدي، وهو واضح. نعم، ربما يكون الأصل مخالفا للواقع، بعد كونه أصلا محرزا، ولا بأس به، كما أن الأمارات أيضا قد تتخلف عن الواقع. فعلى ما ذكرنا: من حكومة هذا الأصل على أصالة بقاء الملك، لا يبقى مجال لها وإن كان الأصلان متوافقين. ثم مع الغض عنه، فاستصحاب بقاء الملك، ليس من استصحاب الكلي من القسم الثاني; لما تقدم في الجزء الأول: من أن الخصوصية المنوعة أو المصنفة، إنما هي في العقد، لا في المسبب عنه، فراجع (1). فهل هو من قبيل استصحاب الشخص، أو الكلي من القسم الأول؟ وجهان. حول اعتراضات استصحاب العقد ثم إنه علم مما مر: أن العمدة في المقام هو استصحاب العقد; لأنه يثبت به اللزوم ببركة انطباق وجوب الوفاء عليه، وهو من استصحاب الكلي من القسم الثاني، فلا بد من دفع بعض الإشكالات عنه، وقد تصدينا في محله وفي الجزء الأول للإشكالات المشتركة بين المقام، وسائر الموارد من هذا القسم (2).
1 - تقدم في الجزء الأول: 143. 2 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 85. 40 بقي بعض ما يختص بخصوص العقود، أو سائر الأمور الاعتبارية: منها: أن العقد أمر اعتباري، وما اعتبره العقلاء منها، ما هو مورد عملهم وحاجتهم، كعقد البيع، وعقد الصلح، والإجارة، وكذا العقد اللازم والجائز، وأما القدر المشترك بينهما فلم يعتبروه، وليست العقود كالتكوينيات; مما تكون موجودة مع الغض عن اعتبار المعتبر. وبالجملة: الجامع أيضا أمر اعتباري على فرض اعتبارهم، ومع عدمه لا واقعية له، والفرض أن اعتباره لغو، غير دخيل في أغراضهم، فاختل الاستصحاب; لفقد المستصحب. وفيه: أن الجامع بين العقود بعد اعتبارها انتزاعي، لا اعتباري، فإذا اعتبر عقد البيع ووجد، يتحقق معه طبيعي العقد، ومع وجود فرد آخر، يوجد أيضا بعين وجوده. فطبيعي العقد منتزع من العقود، ومشترك بينها، من غير لزوم اعتبار زائد على اعتبار العقود، كما أنه بإيجاد فرد من الإنسان، يوجد طبيعي الإنسان، وبإيجاد فرد آخر يوجد الطبيعي أيضا، من غير جعل متعلق بجامع الاشتراك. فجامع الاشتراك في الموردين على نعت واحد، وإن كان الجامع في الأول جامع أمور اعتبارية، وفي الثاني جامع أمور تكوينية، فلا إشكال من هذه الناحية. ومنها: أن عموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) استغراقي، وقد ذكر في السابق: أن أداة الاستغراق وضعت لتكثير مدخولها (1)، والمدخول في المقام هو طبيعة العقد، والأداة تدل على تكثيرها، فيكون مفاده وجوب الوفاء بكل فرد من
1 - تقدم في الصفحة 38. 41 أفراد العقد، فالجامع بينها ليس موضوعا لحكم شرعي، والمستصحب لا بد وأن يكون حكما، أو موضوعا لحكم، فلا يجري استصحاب الجامع، والمفروض أن ما هو المستصحب كلي، جامع بين العقدين. وفيه: أن ما هو المتعلق لوجوب الوفاء في الآية، هو طبيعي العقد في كل فرد; أي الطبيعي المتحقق في العقود، لا الخصوصيات الفردية; فإنها غير دخيلة في وجوب الوفاء. بل حتى لو قال: «أوفوا بعقودكم» لكان مفاده وجوب الوفاء بالطبيعي الصادر منهم، لا الطبيعي مع الخصوصيات الحافة به في الخارج، وذلك مثل قوله: «كل إنسان ناطق» فإن الناطقية من خواص الإنسان بما أنه إنسان، لا بما أنه متشخص بالتشخصات الفردية. فإذا وجد طبيعي العقد، وصار موضوعا لوجوب الوفاء، ثم شك في بقائه - لدوران الأمر بين كونه لازما أو جائزا - يستصحب طبيعي العقد، لا العقد الخاص الحاصل في زمان كذا، ومكان كذا، بلفظ كذا... وهكذا، والطبيعي موجود بوجود الفرد، فالجامع كان موجودا، وشك في بقائه بنظر العرف، الذي هو الميزان في المقام، وان كان مخالفا لنظر العقل الدقيق البرهاني، فلا إشكال من هذه الناحية أيضا. حول معارضة الاستصحاب باستصحاب بقاء العقد ومحكوميته له وأما معارضته باستصحاب بقاء العلقة، ومحكوميته له; بأن يقال: إن المالك كانت له علقة المالكية قبل البيع، ويحتمل حدوث علقة استرجاع
42 العين بالفسخ له عند زوال العلقة الأولى، فيستصحب طبيعي العلقة (1). أو يقال: إن له علاقة خيار الفسخ بعد العقد قبل التفرق، ويحتمل وجود علاقة جواز الاسترجاع له أيضا، فيستصحب طبيعي العلاقة بعد عدم الأولى. أو يقال: إن في زمن خيار المجلس جاز الفسخ وضعا، ومن المحتمل وجود جواز وضعي آخر (2); لاحتمال كون العقد جائزا، فالاستصحاب على التقادير من استصحاب الكلي من القسم الثالث. والإشكال فيه: بأن الكلي الطبيعي في الخارج متكثر، ولا جامع مشترك في الخارج، أو أن للطبيعي حصصا، والمعلوم حصة خاصة منه، وليس في الخارج نفس الطبيعي المشترك (3). مدفوع: بأن الميزان هو نظر العرف، لا العقل الدقيق، وتكثر الطبيعي بذاته - على ما حقق في محله (4) - أمر عقلي، لا عرفي، ولهذا يحكم العرف بأن الطبيعي يوجد بفرد ما، ولا ينعدم إلا بعدم تمام الأفراد، وأن نوع البشر وأنواع الحيوان والنبات، باقية خارجا، من صدر الخلقة إلى هذا الزمان. وهذه الأحكام من خواص وجود الطبيعي، الجامع المشترك بين الأفراد في الخارج، ولو حاولنا السير على حكم العقل الدقيق، لما جرى الاستصحاب في القسم الثاني أيضا; لعين ما ذكر. وتوهم: أن ما يحتمل بقاؤه عين ما كان موجودا في القسم الثاني، دون
1 - أنظر المكاسب: 216 / السطر 5، منية الطالب 2: 9 / السطر 19. 2 - منية الطالب 2: 10 / السطر 3. 3 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 424 - 425. 4 - الحكمة المتعالية 2: 7 - 8، شرح المنظومة، قسم المنطق: 21، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 93. 43 الثالث، وهذا هو الفارق (1) مدفوع بأنه إن كان المراد أن الطبيعي الموجود مع الفيل - في المثال المعروف - باق، فهو محتمل الوجود، والاستصحاب إبقاء ما هو المتيقن. وإن كان المراد نفس الطبيعي الجامع المشترك، فهو يقيني الوجود، ومحتمل البقاء في القسم الثالث أيضا، من غير أدنى فرق بينهما من هذه الناحية. وأما قضية الحصص، ففيها: - مع كونها مزيفة كما حقق في محله (2) - أنه لو صحت بطل استصحاب القسم الثاني أيضا. والعجب أن صاحب هذا القول، لما حاول بيان جريان استصحاب القسم الثاني، تشبث بوجود الجامع المشترك (3)، ولما وصل إلى الثالث تشبث بالحصص (4). والتحقيق: أن الاستصحاب جار في الثالث فيما ساعد عليه العرف، وهو ما إذا توجه إلى الجامع المشترك، لا الخصوصيات، والتفصيل في مظانه. والأولى في الجواب عن الأصول المتقدمة أن يقال: إن تلك العلاقة المشتركة بين الملك والجواز الحكمي، لا حكم مجعول، ولا موضوع ذو حكم، واستصحابها لإثبات الجواز الحكمي مثبت. وكذا الحال في استصحاب طبيعي العلاقة الموجودة في زمن الخيار; لاحتمال علاقة أخرى هي علاقة الجواز الحكمي. وبعبارة أخرى: إن عنوان «العلاقة» أمر منتزع عن حق الخيار وجواز
1 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 425. 2 - راجع ما تقدم في الصفحة 43، الهامش 4. 3 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 412 - 413. 4 - نفس المصدر: 425. 44 الفسخ، ولم يتعلق به حكم من الشارع، كما أنه ليس موضوعا لحكم، فلا يجري فيه الاستصحاب، واستصحاب الجامع لإثبات الفرد مثبت. وأما استصحاب طبيعي الحكم الوضعي الثابت في زمن الخيار; أي جواز الفسخ ونفوذه، لاحتمال وجود جواز وضعي آخر معه، باحتمال كون العقد جائزا، وحكومته على استصحاب بقاء العقد. ففيه: أن الجواز الوضعي أي نفوذ الفسخ، غير مجعول، بل المجعول هو الخيار; لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (1). وكذا الحال في العقد إذا كان جائزا، يكون المجعول جواز العقد، لا نفوذ الفسخ، ومع جعل الخيار للمتبايعين، وجعل البيع جائزا، لا معنى لجعل نفوذ الفسخ; إذ هو لغو، فنفوذ الفسخ في الموردين، من اللوازم العقلية للخيار وجواز البيع، فلا يكون حكما، ولا موضوع حكم، فلا يجري الأصل فيه. لكن لازم ذلك، عدم جريان استصحاب الخيار مع الشك في سقوطه، فلو شك في حدوث مسقط لخيار المجلس مثلا، فاستصحاب الخيار لإثبات نفوذ الفسخ، وحل العقد به مثبت، والتزامهم به مشكل، وإن لم يكن مانع منه. ويمكن أن يقال: إن اللوازم العقلية أو العادية تارة: تكون بنظر العرف أيضا من اللوازم، كاستصحاب حياة زيد لإثبات لحيته، أو سني عمره. وتارة: لا تكون كذلك، بل يرى العرف تعلق الجعل بها بعين تعلقه بملزومها، كجعل شئ مملوكا للإنسان، أو جعل الإنسان مالكا لشئ، كقوله: «من حاز شيئا ملكه» فإن العرف يرى أن جعل المالكية له، عين جعل المملوكية للمحاز، وجعل المملوكية للمحاز، عين جعل المالكية لمن حازه،
1 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 45 فاستصحاب أحدهما كاف عن الآخر، ولا يكون مثبتا; لعدم كونهما لازما وملزوما في نظر العرف، وإن كانا كذلك عقلا، والميزان هو الحكم العرفي وفهم العرف. ففي المقام يمكن أن يقال: إن جعل خيار فسخ العقد للمتبايعين في نظر العرف، عين جعل نفوذ فسخهما، لا أنه ملزومه، وكذا الحال في جعل جواز العقد بالنسبة إلى فسخه، فيكون استصحاب الخيار كافيا لإثبات نفوذ الفسخ، من غير لزوم كونه مثبتا فتأمل; فإن المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل، ولا تخلو من إشكال. ثم إن في حكومة هذا الاستصحاب - أي استصحاب بقاء العلقة، أو استصحاب بقاء الحكم الوضعي; أي نفوذ الفسخ - على استصحاب بقاء العقد، أو بقاء الملك إشكالا; فإن مجرد السببية والمسببية، لا يوجب تقدم الأصل السببي، ولا يكون هذا الأصل في شئ من الموارد، حاكما على المسببي. بل على ما أشرنا إليه (1) وفصلناه في محله: إن ما هو شأن الأصل في الاستصحابات الموضوعية، ليس إلا تنقيح موضوع الدليل الاجتهادي، وإنما الحاكم على الأصل المسببي، هو الدليل بلسانه (2). ففي المقام الذي يستصحب فيه الحكم الوضعي أي نفوذ الفسخ، لا يكون الأصل السببي بلسانه مقدما على المسببي، حتى يرفع شكه، بل لسانه «أنه إذا شككت فالفسخ نافذ» ولسان الأصل المسببي «أنه إذا شككت فالعقد باق» ولا تقدم لأحدهما على الآخر، وإن كان الشك في بقاء العقد، مسببا عن الشك في نفوذ الفسخ، لكن مجرد ذلك غير كاف للتقدم، فالأصلان - على فرض جريانهما - متعارضان.
1 - تقدم في الصفحة 39. 2 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 243. 46 وأوضح منه استصحاب بقاء العلقة; فإنه أيضا ليس حاكما على الأصل المقابل المسببي، فتدبر جيدا. ثم إن هاهنا تفصيلين: تفصيل المحقق النائيني في أصالة اللزوم بين العقود الإذنية وغيرها أحدهما: من بعض الأعاظم (قدس سره)، فإنه بعد تقسيم العقود إلى الإذنية، والتنجيزية، والتعليقية، اختار عدم جريان أصالة اللزوم في الإذنية; بدعوى أنها متقومة بالإذن، ومع رجوعه عنه لا معنى لبقائها. بل في الحقيقة ليست هي عقودا، وخروجها عن (أوفوا بالعقود) (1) من قبيل التخصص، وقد مثل للعقود الإذنية بالعارية، والوديعة، والوكالة، والمضاربة (2). أقول يرد عليه: - مضافا إلى أنه لو صح ما ادعاه من أنها ليست عقودا، لم يكن ذلك في الحقيقة تفصيلا في العقود - أنه ما الفرق بين المزارعة والمساقاة، وبين المضاربة، حيث لا شبهة في أنهما عقدان لازمان، دون المضاربة، فهل ماهية عقد المساقاة غير القرار على سقي الأشجار المعلومة بحصة من ثمرتها، فالملك من المالك، والعمل من العامل، والثمرة بينهما؟! وهل ماهية عقد المزارعة، غير القرار على أن الأرض من المالك، والعمل من الزارع، والحاصل بينهما، كما أن المضاربة قرار أن رأس المال من
1 - المائدة (5): 1. 2 - منية الطالب 2: 9 / السطر 12. 47 المالك، والعمل من العامل، والربح بينهما؟! ففي الحقيقة هذه الثلاثة من واد واحد، وإنما الاختلاف في المتعلقات. والتحقيق: أنها كلها من العقود; فإن ماهية العقد، ليست إلا القرار بين الطرفين في أمر، فالبيع والمضاربة والوكالة من واد واحد; من حيث العقدية. بل التحقيق: أن العارية والوديعة أيضا من العقود، وكونها جائزة - تنفسخ بفسخ أحد المتعاملين - لا يقتضي سلب العقدية عنها لو لم يؤكدها، والإنصاف أنه لا معنى محصل للعقود الإذنية. تفصيل الشيخ في أصالة اللزوم بين مثل عقد السبق والرماية وغيره ثانيهما: التفصيل بين مثل عقد السبق والرماية وغيره، كما يظهر من الشيخ الأعظم (قدس سره). قال: إنه يظهر من «المختلف» في مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة، أن الأصل عدم اللزوم (1)، ولم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) ولم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل. نعم، هو حسن في خصوص المسابقة وشبهها; مما لا تتضمن تمليكا أو تسليطا، ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر، وعدم زواله بدون رضا الطرفين (2) انتهى. أقول: أما استصحاب بقاء العقد في أمثالها، فمما لا ينبغي الإشكال فيه. وأما استصحاب الأثر فهو أيضا جار، وإن كان أمرا تعليقيا; لأن الأمر التعليقي إذا كان شرعيا، لا مانع من جريان الأصل فيه.
1 - مختلف الشيعة 6: 219. 2 - المكاسب: 216 / السطر 11. 48 وفي المقام: إن مفاد العقد ثبوت الملكية، على فرض تحقق السبق للسابق، فالقرار على ملكية معلقة على أمر، وقد أنفذه الشارع - عموما وخصوصا - في السبق والرماية، فثبوت الملكية على فرض السبق، من الأحكام الشرعية، فكأنه قال: «إذا سبق ملك» أو «من سبق ملك» فمع استصحابه وحصول المعلق عليه، أو العنوان المترتب عليه الحكم، تثبت الملكية من غير شبهة إثبات. نعم، هنا أصل آخر تنجيزي، مثل سائر موارد الأصول التعليقية; وهو أصالة عدم انتقال المملوك إلى السابق، أو أصالة عدم حصول الأثر. ولعل مراد الشيخ (قدس سره) من أصالة عدم اللزوم، هو هذا الأصل; بدعوى أن أصالة عدم النقل، وعدم حصول الأثر بعد الفسخ، مساوقة لعدم اللزوم، كما قال نظيره في تقرير أصالة اللزوم (1)، وإلا فمجرد عدم وجود أصالة بقاء الأثر، وأصالة عدم زواله بلا رضا الطرفين، لا ربط له بأصالة عدم اللزوم. وبعبارة أخرى: عدم وجود أصالة اللزوم، غير وجود أصالة عدم اللزوم، فلا بد من حمل كلامه على ما ذكرناه. لكنه يرد عليه: أن الأصل التعليقي حاكم على التنجيزي، كما قرر في محله (2)، واعترف به الشيخ الأعظم (قدس سره) (3)، وإن كان في تقريب الحكومة خلاف، وقد قررناها على ما هو الميزان في الحكومة، فراجع (4).
1 - المكاسب: 85 / السطر 4، و 214 / السطر 16. 2 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 143. 3 - فرائد الأصول 2: 653 - 654. 4 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 143 - 146. 49 جريان استصحاب بقاء العقد في الشبهات الموضوعية ثم إن ما مر إنما هو في الشبهة الحكمية، ويجري نحوها في الشبهة الموضوعية في خصوص إجراء الأصول، فإذا شك في عقد خارجي أنه مصداق للازم أو الجائز - مثل ما إذا شك في بيع خارجي أنه بيع بالصيغة أو معاطاة، بناء على جوازها، أو في عقد أنه بيع أو هبة - فتجري أصالة بقاء العقد; لتنقيح موضوع (أوفوا بالعقود) فيحكم بأنه لازم. إلا أن إحراز هذا الأصل لموضوع (أوفوا بالعقود) مبني على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية; لأن أصالة بقاء طبيعة العقد بنحو الكلي، لا تثبت العقد اللازم، وموضوع (أوفوا) هو العقد اللازم، بعد خروج العقود الجائزة منه بالتخصيص، ومع صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لا نحتاج إلى الأصل، كما أنه مع إحراز الأصل للعقد اللازم، لا نحتاج إلى العموم، كما أن أصالة بقاء الأثر، لا تحرز اللزوم إلا بالأصل المثبت. حكم الشك في أن الواقع هبة أو صدقة ثم إنه لو كان أصل محرز للجواز نأخذ به، ويكون مقدما على الأصل المتقدم، كما لو شك في أن الواقع هبة أو صدقة، فأصالة عدم قصد القربة تحرز الهبة، فيحكم بالهبة الجائزة، كذا قال الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، ولم يقرر كيفية الأصل.
1 - المكاسب: 216 / السطر 16. 50 وقد قرره بعض الأجلة بما محصله: أن الهبة والصدقة، ليس تباينهما من قبيل تباين الحقيقتين المتباينتين، ولا بنحو الماهية بشرط شئ من الطرفين; بأن تكون الهبة التمليك المجان بقصد عدم القربة، في مقابل الصدقة التي هي التمليك المجان بقصد القربة. بل من باب تباين الماهية بشرط لا، والماهية بشرط شئ، فالتمليك المجان المجرد عن قصد القربة، هبة محضة مقابل الصدقة، فحينئذ لأصالة عدم قصد القربة - الموجبة للتعبد بعدم القيد الذي يكون التمليك به صدقة - مجال (1)، انتهى ملخصا. وفيه: - مع الغض عن احتمال أن تكون الماهيتان متباينتين عرفا، كما ذهب إليه جمع (2)، ويكفي الاحتمال في عدم إجراء الأصل لإحراز مقابله - أنه يرد عليه: أولا: أن التمليك المجان المجرد عن قصد القربة، ليست له حالة سابقة، سواء رجعت القضية إلى الإيجاب العدولي; أي التمليك لا بقصد القربة، أو إلى الموجبة السالبة المحمول; أي التمليك الذي ليس بقصد القربة; فإن ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له، وإن كان الثابت أمرا عدميا، فالعقد حال وجوده يحتمل اقترانه بقصد القربة، وهذا واضح. وأما ما هو مسبوق بالعلم، فهو قضية سالبة محصلة، وهي أعم من السلب بسلب الموضوع، وهي «أنه لم يكن التمليك بقصد القربة سابقا»
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 11 / السطر 12. 2 - تذكرة الفقهاء 2: 414 / السطر 43، و: 415 / السطر 1 وما بعده، مسالك الأفهام 5: 409، و 6: 8 - 9، جواهر الكلام 28: 126. 51 واستصحاب هذا الأعم لإثبات قسم منه - أي التمليك المجرد عن قصد القربة - مثبت، كإثبات وجود الفرد الطويل باستصحاب الجامع والكلي. وثانيا: أن التمليك المجان لا بشرط - أي نفس ماهية التمليك المجان - جامع بين الهبة الجائزة واللازمة; أي الصدقة، ولا بد من فارق بين المقسم وقسميه، وكذا بين القسمين منه. والفرق بين المقسم وقسميه: هو أنه نفس التمليك المجان بلا قيد وبلا شرط، وأن القسمين متقومان بقيد وشرط، وهو قيد بشرط شئ، وقيد بشرط لا، وهما قيدان معتبران في القسمين; للامتياز بينهما وبين مقسمهما. فاستصحاب عدم قصد القربة في التمليك المجان - على فرض جريانه - لا يثبت القسم المقابل، فهو من قبيل نفي أحد القسمين; لإثبات القسم الآخر. ولا يصح القول: بأن الهبة هي التمليك لا بقيد القربة; فإن التمليك لا بشرط ولا بقيد، هو المقسم; إذ فرق بين لا بشرط وبشرط لا; فإن الأول نفس الماهية، والثاني ماهية متقيدة بقيد، ولو كان القيد عدميا. ثم في تقديم أصالة عدم قصد القربة - لإحراز الهبة الجائزة - على أصالة بقاء الأثر إشكال، إلا إذا كان الأصل المذكور محرزا لكبرى شرعية; وهي «أن التمليك المجان الذي ليست فيه القربة، هبة جائزة» لأن مجرد السببية والمسببية، ليس مناط الحكومة كما مر (1). فلو استفيد من الأدلة أو فتاوى الفقهاء، أن التمليك المجان الذي لا يكون فيه قصد القربة، هبة شرعا، صحت الحكومة، وإلا فلا.
1 - تقدم في الصفحة 39، 46. 52 الأصول الجارية فيما إذا شك في أن الواقع هبة أو بيع ثم إن أصالة بقاء الأثر سواء أحرز بها اللزوم أم لا، لا تنفع في تعيين العقد اللازم كالبيع فيما إذا شك في أن الواقع هبة أو بيع، فلا بد من الرجوع إلى الأصول الأخر في المقام. فنقول: إن الشك في المثال المتقدم، تارة يعرض بعد الفسخ، وأخرى قبله. الأصل الجاري في الشك بعد الفسخ فعلى الأول: حيث يشك في اشتغال ذمة من انتقلت إليه العين، يستصحب عدم اشتغال ذمته بالعوض أو بالعشرة مثلا، لو استشكل في الأصل الأول، وهو مقدم على أصالة البراءة العقلية بالورود. وكذا على الشرعية، كقوله (عليه السلام): «الناس في سعة ما لا يعلمون» (1) بناء على أن المراد بعدم العلم عدم الحجة، كما هو مقرر في محله (2). وهذا الاستصحاب معارض - بالعرض - لاستصحاب بقاء الأثر; للعلم الإجمالي بعد الفسخ ببطلان أحد الأصلين، فإن نفي العوض عن ذمته، وكون العين له، مخالف للواقع، وإجراءهما مستلزم للمخالفة القطعية، فيتساقطان بالمعارضة، أو لا يجريان في أطراف العلم، فتصل النوبة إلى الأصل المحكوم;
1 - عوالي اللآلي 1: 424 / 109، وسائل الشيعة 24: 90، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الذبائح، الباب 38، الحديث 2، مستدرك الوسائل 18: 20، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدمات الحدود، الباب 12، الحديث 4. 2 - أنوار الهداية 2: 438 - 441، تهذيب الأصول 2: 435 - 437. 53 أي أصالة البراءة عن العوض. فمع القول: بجريانها; لعدم أصل معارض لها (1)، يقع الإشكال في العين; فإن جعلها لمن انتقلت إليه - مع كونه بلا وجه - موجب لمخالفة العلم الإجمالي، وجعلها لمالكها الأول بلا وجه أيضا; لعدم أصل أو دليل مثبت له. والإرجاع إلى القرعة في نفس العين مشكل; لأنها إن خرجت باسم المنتقل إليه، تخالف العلم الإجمالي. ويمكن القول: بالقرعة في تعيين ما وقع; أنه هبة أو بيع، فيحكم بما خرجت به بعد ما لم يتسالما على التقايل لو كان بيعا، وكذا الحال في صورة عدم جريان أصل البراءة، بل وكذا في صورة احتمال وقوع العقد على العوض الموجود. الأصل الجاري في الشك قبل الفسخ وعلى الثاني: أي عروض الشك قبل الفسخ، فإن علم حصول الفسخ بعده، حصل العلم الإجمالي بوجوب رد العوض فعلا، أو وجوب رد العين إن فسخ. فإن قلنا: ببطلان رجوع الشرط إلى الهيئة، وأن ما هو ظاهر في الرجوع إليها، راجع إلى المادة، فالوجوب مطلق وفعلي، والواجب مقيد استقبالي، كان العلم الإجمالي مؤثرا ومنجزا، كما هو التحقيق في التدريجيات، ولا تجري أصالة البراءة عن العوض. ولا يجوز له عدم إعطاء العوض، وأخذ العين بعد الفسخ; للعلم المذكور، فلا بد من القرعة، كما في الصورة السابقة.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 11 / السطر 19. 54 وإن قلنا: بالوجوب المشروط، فمع العلم بحصول شرطه، يكون حال العلم الإجمالي المتعلق به وبغيره المطلق في التنجيز، كحال العلم الإجمالي بأحد المطلقين; لأن العقل يحكم جزما بعدم جواز المخالفة لذلك الواجب. فمن علم أن ضيف المولى سيجيء، وعلم أن إكرامه واجب بشرط المجيء، ولم يكن في الحال واجبا، لا شبهة في جواز منع الضيف عن المجيء; لعدم المخالفة حينئذ. وأما لو علم أنه يجيء، فتقاعد عن تهيئة أسباب الضيافة; بعذر «أن الواجب المشروط، لا يتحقق وجوبه إلا بعد تحقق الشرط، فالآن لا يجب علي شئ، وبعد مجيئه لا أستطيع على ضيافته» لم يعذره العقل والعقلاء، فالعلم الإجمالي الذي كان طرفاه أو أحد طرفيه كذلك، منجز بحكم العقل. بل مقدمة الواجب المشروط الكذائي، واجبة فعلا على القول بوجوب المقدمة، وقضية ترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها، أو ترشح الإرادة المتعلقة بها عن إرادته، قد فرغنا في محلها عن نقدها (1). وأما إذا علم بعدم حصول الشرط أو القيد، بناء على رجوع القيد إلى المادة، فلا إشكال في عدم تأثير العلم الإجمالي، وكذا الحال مع الشك في الحصول. وتوهم: كون الشك مع فرض الوجوب الفعلي، كالشك في القدرة، فيجب الاحتياط معه فاسد; لأن ما ذكر في الشك في القدرة (2)، إنما هو فيما كان ظاهر الأدلة الوجوب المطلق مادة وهيئة، وكان عدم القدرة عذرا عقليا في ترك
1 - مناهج الوصول 1: 356 - 357، تهذيب الأصول 1: 228 - 229. 2 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 50 - 56، تهذيب الأصول 2: 285. 55 الواجب الفعلي، فحينئذ لا بد من إحراز العذر، ولا يسمع منه احتماله. وأما في المقام، فالقيد دخيل في المتعلق، ومع الشك في تحققه يشك في التكليف، كما أنه لو قيد التكليف بحال القدرة - كما لو قال: «إن قدرت على إكرام زيد فأكرمه» - فمع الشك فيها لا يجب عليه الإكرام. ثم إنه ربما يقال: إنه في أمثال ذلك لا تجري أصالة البراءة، بل لا بد على مدعي براءة ذمته من إثباتها; لأن ذلك مقتضى أصالة الاحترام في الأموال، فالمال بطبعه يقتضي أن لا يخرج عن ملك مالكه بلا عوض (1). وفيه ما لا يخفى; لأن احترام الأموال، لا يقتضي عدم جواز تصرف صاحبه فيه بنحو الهبة والصلح مجانا، وإنما مقتضى الاحترام، ألا يتصرف فيه غيره بلا إذنه، وأن لا يذهب هدرا لو أتلفه متلف، والمال لا اقتضاء له في طبعه لو كان له طبع، فلو وهبه المالك لم يكن خلاف مقتضى طبعه، ففي مورد الشك يكون الأصل البراءة، ولا مانع منها من هذه الجهة. وأما النص الوارد عن أبي الحسن (عليه السلام) في تضمين مدعي الاستيداع عند الاختلاف بين القرض والوديعة (2)، فهو على خلاف القواعد، ولا بد فيه من الاقتصار على مورده. عدم إمكان إثبات الضمان في المقام بقاعدة اليد وغيرها ولو علمنا بطلان معاملة مرددة بين ما توجب ضمان التالف كالبيع، وما لا توجبه كالهبة، فلا يمكن إثبات الضمان بقاعدة اليد، ولا بقاعدة احترام مال
1 - منية الطالب 2: 11 / السطر 17. 2 - الكافي 5: 239 / 8، وسائل الشيعة 19: 85، كتاب الوديعة، الباب 7، الحديث 1. 56 المسلم، ولا بغيرهما، بعد عدم صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولو قلنا: بأن قاعدة اليد وغيرها منصرفة عن اليد المستولية مجانا واستئمانا، فالأمر أوضح; لأن الشبهة من قبيل الشبهة في مصداق العام. كما أنه لو قلنا: بأن باب التقييد غير باب التخصيص، وأن المطلق بعد التقييد بالمنفصل يصير معنونا، بخلاف العام، لم يصح التمسك به ولو قلنا: بصحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص. وربما يقال: إن موضوع الضمان مركب من اليد، وعدم إقدام المالك على المجانية، وهو محرز بالوجدان والأصل; أي استصحاب عدم الإقدام. وليس إقدام المالك على المجانية وعدمه، من مفاد «كان» و «ليس» الناقصتين، حتى يقال: لا يكون للعدم النعتي حالة سابقة; لأن رافع الضمان من صفات ذي اليد، لا اليد، فيحرز الموضوع بالعدم المحمولي (1). وفيه: أن ما يوجب الضمان بحسب دليل «على اليد...» هو أخذ مال الغير واستيلاؤه عليه، ولا إشكال في تقييده بالأخذ المجاني، وبعد التقييد يصير موضوع الضمان - بحسب الواقع - هو الاستيلاء غير المجاني، وهذا مما لا حالة سابقة له، وأما الإقدام على المجانية، فلا ربط له بموضوع الحكم. نعم، لو علم كون الإقدام بالإعطاء مجانيا، يثبت الأخذ المجاني والاستيلاء كذلك. وبعبارة أخرى: إن موضوع الضمان من الموضوعات المقيدة، لا المركبة. بل لو قلنا: بأن الموضوع مركب من جزئين، أحدهما: اليد، أو الأخذ والاستيلاء، وثانيهما: عدم الإقدام على المجانية، لا يعقل أن يكون السلب بنحو
1 - منية الطالب 2: 11 - 12. 57 السلب المطلق، الأعم من جعل الأخذ جزء الموضوع; لأن جزئية السلب المطلق الأعم من الأخذ، تناقض جعل الأخذ فيه جزء للموضوع، فلا بد من أن يكون الجزء قسما خاصا من السلب المطلق، وهو السلب المقارن للأخذ، واستصحاب المطلق لإثبات قسم منه مثبت، والقسم ليست له حالة سابقة. ومما ذكرنا يظهر النظر في قوله: إن رافع الضمان من صفات ذي اليد فإن صفاته لا دخل لها بالضمان وعدمه، بل ما هو الدخيل هو الاستيلاء مجانا على مال الغير، أو غير مجان، واستصحاب عدم صفات ذي اليد، وعدم إقدامه، لا يثبت الاستيلاء غير المجان. واستصحاب عدم إقدامه على الاستيلاء المجان - مع كونه معارضا باستصحاب عدم إقدامه على الاستيلاء غير المجان، ومع العوض على فرض الجريان - لا حالة سابقة له. ثم إنه استشهد على كون الموضوع مركبا من اليد، والإقدام; بأنه يكفي في تحققه تحققه قبل تسليط المالك على ماله وبعده، كما يكفي تحققه معه، فإذا تحققت يد في الأمس، وإقدام على المجانية في اليوم، يكفي لرفع الضمان (1). وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن الإقدام على المجانية قبلا، لا أثر له إلا مع بقائه إلى زمان اليد، وتحققه بعدا وإن كان يرفع الضمان، لكنه ليس لأجل كون الموضوع مركبا، بل لأجل أنه مع الإقدام عليها في زمان متأخر، ينقلب الاستيلاء غير المجان إلى الاستيلاء المجان بقاء، وهذا هو السبب لرفع الضمان، الذي هو عين الموضوع المقيد. وبالجملة: الإقدام على المجانية بعدا، رافع للضمان، سواء كان الموضوع
1 - منية الطالب 2: 12 / السطر 3. 58 مركبا، أو مقيدا، وسواء كان جزء الموضوع من صفات صاحب العين، الذي عبر عنه ب «صاحب اليد»، أو من صفات الأخذ واليد والاستيلاء. فلو غصب ماله غاصب، فرضي ببقائه عنده أمانة، انقلبت يد الغصب إلى يد الأمانة، سواء كان موضوع الضمان مركبا أو لا.
59 القول في أقسام الخيار ونقتصر منها على ما اقتصر عليه الشيخ الأعظم، وبعض من تقدم عليه (قدس سرهم):
61 الأول خيار المجلس
63 تمهيد فيما ينبغي أن يبحث عنه في خيار المجلس والمراد منه ظاهر، والبحث عن أن إضافته إلى المجلس بأية عناية، وهل هي من قبيل المجاز في الحذف، أو الاستعارة؟ غير مفيد. مع أن المظنون أن ذلك مجرد تسمية; لمناسبة ما، وللتمييز بينه وبين غيره; إذ ليس الفقيه - كالشاعر، والخطيب - بصدد الاستعمالات المجازية والكنائية، مع أن الإطلاق الاستعاري في المورد، إطلاق بارد، بل مستنكر. وما هو بحث مفيد، لا بد من تنقيحه خلال المباحث الآتية، هو أن المستفاد من النصوص والفتاوى في هذا الخيار، أن موضوعه - أي ما ثبت له الخيار - هل هو البيعان المجتمعان في مجلس البيع; بأن يكون جميع هذه القيود معتبرة فيه، فلو انتفى قيد منها انتفى الخيار، فالحضور في مجلس البيع جزء الموضوع، فالمصطحبان الخارجان منه لا خيار لهما؟ أو أن الموضوع هو البيعان المجتمعان، بلا دخل لقيد المجلس فيه، فعلى القول: بثبوته مع التوكيل في الصيغة، يثبت الخيار للموكلين إذا كانا مجتمعين ولو في غير مجلس البيع؟
65 والقول: بأن المصطحبين لهما الخيار مع الخروج عن مجلس البيع (1)، وأن ثبوت الخيار للموكلين موقوف على حضورهما في مجلس العقد (2) كأنه في غير محله; فإن الجمع بينهما غير وجيه. أو أن الموضوع هو البيعان، من غير دخالة الاجتماع فيه، وإن كانت الغاية عدم الافتراق، وكان الافتراق غاية لثبوت الخيار للبائع، لا للبائع المجتمع مع غيره؟ والفرق ظاهر بالتأمل. وربما يأتي الكلام في جميع ذلك إن شاء الله، ويتم البحث فيما يناسب هذا الخيار بذكر مسائل:
1 - تذكرة الفقهاء 1: 517 / السطر 26. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 518 / السطر 30. 66 مسألة في من يثبت له خيار المجلس لا إشكال نصا وفتوى في ثبوته للمتبايعين غير المتلاصقين، إذا كانا أصليين، وما خالفهما يطرح أو يأول، كالمنقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا صفق الرجل على البيع، فقد وجب وإن لم يفترقا» (1). وأما الوكيل، فهل يثبت له مطلقا وإن كان وكيلا في إجراء الصيغة، أو لا مطلقا؟ أو لا يثبت للوكيل في مجرد الصيغة، ويثبت لغيره مطلقا وإن كان مستقلا في إنجاز البيع فقط، بل وإن كان مشاركا مع موكله في تشخيص الصلاح والفساد، ولم يكن مستقلا؟ أو يثبت لمن استقل في البيع مطلقا، كعامل القراض، وأولى به المستقل في أموال الموكل، كما لو أوكل أمر أموا له إليه؟ وجوه. حول ثبوت الخيار للوكيل في مجرد العقد أما الوكيل في مجرد إجراء الصيغة، فقد يقال: بثبوته له; لصدق «البيع»
1 - تهذيب الأحكام 7: 20 / 87، الاستبصار 3: 73 / 242، وسائل الشيعة 18: 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 7. 67 عليه حقيقة، فيشمله النص (1). وأجيب عنه بوجوه: الاعتراض الأول على القول بالثبوت منها: أنه لا يصدق «البيع» عليه حقيقة، وإطلاقه عليه مجازي. وربما يعلل: بأن مبادئ اختيار اسم المصدر غير قائمة به، وأنه بمنزلة الآلة، وكأنه لسان الموكل، وربما تجعل هذه الأمور شواهد على الانصراف (2). وفيه: - مضافا إلى أن الجمع بين دعوى الانصراف والمجازية، جمع بين المتنافيين; فإن الانصراف إنما هو بعد الفراغ عن عدم المجازية - أن دعوى المجازية غير وجيهة; فإن مادة «البيع» موضوعة للتبادل الإنشائي المحض، وإن لم يترتب عليه الأثر، كبيع الفضولي والمكره وغيرهما; مما يصدق عليه عنوان «البيع» بالحمل الشائع عرفا، وعقلا، ولغة. وقد خلط في المقام بين الحمل الشائع والأولي، من لا ينبغي أن يشتبه عليه، ويظهر من كلامه أن البيع بالحمل الشائع، هو ما تترتب عليه الآثار. وقال: بيع الوكيل كذلك، فهو بيع بالحمل الشائع، وإن البيع الإنشائي بيع بالحمل الأولي (3). وهو بمكان من الضعف; فإن البيع بالحمل الأولي، هو مفهوم «البيع» لا البيع الإنشائي، والبيع الإنشائي المنشأ بالألفاظ، هو البيع بالحمل الشائع.
1 - الحدائق الناضرة 19: 7، جواهر الكلام 23: 5، المكاسب: 217 / السطر 4. 2 - منية الطالب 2: 12 / السطر 13. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 2. 68 نعم لو قلنا: بأن البيع الحقيقي، ما تترتب عليه الآثار فعلا، فالإنشائي بيع بالحمل الشائع وإن لم يكن حقيقيا، بل إما مجاز أو غلط، لكن المبنى فاسد. فماهية البيع هي المبادلة الكذائية، وهذا المفهوم بيع بالحمل الأولي، والمنشأ بالألفاظ إيجاد لهذه الماهية، وبيع بالحمل الشائع. وكيفما كان: مادة البيع ليست إلا ما ذكر، ولو فرض أن ماهية البيع هي المبادلة المؤثرة في النقل الواقعي، فبيع الوكيل بيع حقيقي بهذا المعنى، لكن التحقيق ما مر. وأما هيئة اسم الفاعل، فموضوعه لعنوان بسيط منتزع ممن قام به الفعل; أي الفاعل بما أنه فاعل، ولا شبهة في أن البيع يوجد بإيجاد المنشئ ومجري الصيغة، والوكيل في إجراء الصيغة، وكيل في إيجاد ماهية البيع حقيقة. فقوله: إنه بمنزلة اللسان، أو إنه بمنزلة الآلة إن أراد أنه كالآلة الجمادية مثل السيف والرمح، فهو كما ترى. وإن أراد أنه أوجد البيع بوكالة في نفس الإيجاد فقط، فهو - مع عدم صحة إطلاق «الآلة» عليه إلا بنحو من التأويل - لا يضر بالمقصود، وهو كونه بيعا حقيقة، وإن كان إيجاد البيع بوكالة من غيره. وبالجملة: إطلاق «الآلة» و «اللسان» عليه موجب للخطأ والاشتباه. بل الظاهر أنه في الأفعال الصادرة من الحيوان بإغراء صاحبه - كالكلب المعلم، أو الحيوان الضاري - يكون نفس الفعل صادرا منه حقيقة، فالكلب يأخذ الصيد بإرادته واختياره، وإن كان مطيعا لصاحبه، والسبع يقتل ما ألقي لديه، لا الملقي. نعم، إن الملقي سبب، ولما كان الحيوان المباشر للقتل، غير مدرك للحسن والقبح، ولاحترام دم المسلم، يكون السبب في القتل أقوى، لا أن المباشر آلة،
69 والقتل مستند إلى السبب، فالملقي سبب للقتل، والسبع قاتل بالمباشرة حقيقة، والسبب أقوى. وأما في البيع الصادر من الوكيل في إجراء الصيغة; أي إيجاد العقد، فالإيجاد يكون فعله، وهو سبب لوجوده، ومباشر له، وليس الموكل سببا للبيع; فإن التوكيل لا يعد تسبيبا له عرفا، ولا عقلا، بل الموكل سبب - بوجه - بإنشائه الوكالة لحصولها، والوكيل سبب بإنشائه البيع لحصوله، والسببية البعيدة - لو صح في أمثال المقام إطلاق «السبب» - لا تضر بالمقصود. وأما قوله: إن مبادئ اختيار اسم المصدر غير قائمة به فهو أوضح إشكالا; ضرورة أن المصدر مع اسمه واحد ذاتا، ومختلفان اعتبارا. ولا شبهة في أن جميع مبادئ المصدر واسمه - من التصور، والتصديق، والعزم وغيرها - قائمة بالفاعل المجري للصيغة، والموجد لماهية البيع، وتلك المبادئ لا يعقل قيامها بغيره; ضرورة أنها مبادئ صدور الفعل من فاعله، وهو الوكيل، لا الموكل، كما أن مبادئ التوكيل قائمة بالموكل، لا بالوكيل، ومبادئ القبول قائمة بالوكيل. وإن شئت قلت: إن من أوجد العقد وأجرى الصيغة - من الأصيل، والوكيل، والفضولي، والولي - كلهم على وزان واحد في إيجاد المادة بالهيئة، وقيام المبادئ بهم، لا بغيرهم; ضرورة أن كل فعل صادر من فاعل، لا يعقل أن تكون مبادؤه قائمة بغيره، وكل المذكورين على السواء في ذلك، وبعد الإيجاد على السواء في صدق «الفاعل» وعنوان «البائع» عليهم. ومناط هذا الصدق فيهم أمر واحد، هو إجراء الصيغة; أي إيجاد المادة بالهيئة، والافتراق بينهم إنما هو في أمور لا دخل لها في ذلك، فإجراؤها تمام الموضوع للصدق، من غير دخالة شئ آخر فيه، كما هو واضح لدى التدبر،
70 وسيأتي الكلام في الانصراف وما يناسبه. الاعتراض الثاني على ثبوت الخيار للوكيل في مجرد العقد ومنها: أن دليل لزوم العقد وهو قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) - سواء كان وجوب الوفاء فيه، عبارة عن وجوب إبقاء العقد، أو وجوب العمل بمقتضاه - متوجه إلى المالكين، أو إلى من له الأمر، كالأولياء، والوكيل المطلق المستقل. والوكيل في مجرد إجراء الصيغة، لا يجب عليه الوفاء بأي من المعنيين، وحيث إن أدلة الخيار مقيدة لدليل وجوب الوفاء، فلا بد وأن يختص الخيار بمن يجب عليه الوفاء، ولا يعم الأجنبي (2)، وهذا التقرير أسد من غيره. وفيه: أن وجوب الوفاء إما حكم تكليفي، يستفاد منه حكم وضعي; هو لزوم العقد، وإما كناية عن لزومه، على ما قررناه سابقا في محله (3)، ولا يعقل أن يكون دليل الخيار، مقيدا للوجوب التكليفي; فإن تقييد الحكم التكليفي بالوضعي، مما لا معنى معقول له. وبعبارة أخرى: إن الاستثناء إنما يصح على وجه الحقيقة، إذا كان المستثنى داخلا في المستثنى منه، وما هو خارج منه لا يعقل استثناؤه إلا بنحو المجاز والانقطاع، فأدلة الخيار مقيدة لما يستفاد من قوله تعالى بطريق الكناية، أو بنحو الاستلزام، لا مقيدة للوجوب التكليفي على فرض، ولا للعنوان المأتي به كناية عن غيره.
1 - المائدة (5): 1. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 9. 3 - تقدم في الجزء الأول: 186. 71 وبالجملة: إن للآية الكريمة على فرض استفادة الحكم التكليفي منها مدلولين، أحدهما: مطابقي، والآخر: استلزامي، ودليل الخيار بمنزلة الاستثناء من الحكم الوضعي; أي اللزوم المستفاد استلزاما من قوله تعالى، لا من الحكم التكليفي المطابقي. وعلى فرض كونه كناية عن اللزوم، ليس له مدلول واقعي إلا لزوم المعاملة، فكأنه قال: «كل عقد من عقودكم لازم» واستثنى منه العقد الخياري، سواء كان الخيار للمالك أو لغيره، كما لو شرطه لغيره. ويشهد له قوله (عليه السلام): «فإذا افترقا وجب البيع» (1) فإنه ظاهر - كالصريح - في أن الاستثناء من الحكم الوضعي، فكأنه قال: «لا يجب البيع قبل الافتراق». بل لقائل أن يقول: إنه على فرض كون الاستثناء من وجوب الوفاء تكليفيا، لا يلزم اختصاص الخيار بالمالك; فإن وجوب الوفاء بالعقد المتوجه إ لي المالكين، لا يختص بما إذا كان العقد صادرا منهما حقيقة. بل إذا كان العقد متعلقا بمالهما، مع رضاهما به فعلا، أو بعد التعلق كما في الفضولي، يجب عليهما الوفاء، لا لأن العقد صادر منهما حقيقة; ضرورة عدم صدوره منهما. بل لأن العقد مجاز أو مرضي به منهما، فكذلك الخيار إذا كان متعلقا بعقدهما; لأن العقد المربوط بهما خياري، غير واجب العمل، في مقابل سلب الخيار مطلقا، فالخيار في عقدهما، أو العقد المنسوب إليهما وإن كان للغير، لكنه موجب لصدق كون العقد خياريا، ولا يجب الوفاء به، فتدبر.
1 - الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، تهذيب الأحكام 7: 20 / 86، الاستبصار 3: 72 / 241، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 40. 72 الاعتراض الثالث على ثبوت الخيار للوكيل في مجرد العقد ومنها: أن مفاد أدلة الخيار، إثبات حق وسلطنة لكل من المتعاقدين، على ما انتقل إلى الآخر، بعد الفراغ عن تسلطه على ما انتقل إليه (1). ومحصل ما هو ظاهر كلامه: أن الخيار سواء كان حق فسخ العقد، أو رد العين اعتبارا إلى ملكه، إنما يثبت لمن كان قادرا على رد ما انتقل إليه بعد الفسخ خارجا; فإن الفسخ أو الرد الاعتباري المستلزم له، إنما هو لرد ما تعلق به العقد خارجا. فكما أن البيع وإن كان هو النقل الإنشائي، لكن مع عدم القدرة على تسليم العوضين وتسلمهما مطلقا، لا يعده العقلاء عقدا وبيعا، فصحة البيع عند العقلاء، موقوفة على إمكان حصول المضمون في الخارج، سواء كان بالتسليم أم بالتسلم، ومع عدم إمكان تحقق واحد منهما، والعجز المطلق عنهما، لا يكون العقد صحيحا، كذا الخيار، إنما جعل لمن كان مسلطا على ما انتقل إليه، ومع امتناع الرد، وعدم التسلط عليه، لا معنى لجعل الخيار له، ولا بد وأن تكون هذه السلطنة مفروضة، وإلا فأدلة الخيار لا تثبتها. وتشهد لما ذكرناه من مراده، الأمثلة التي أوردها، مثل كون المبيع ممن ينعتق عليه ونحوه (2)، فإنه مع حصول العتق بمجرد البيع، لا يكون لمن ينعتق عليه سلطنة على الرد خارجا، فلا يكون له الخيار.
1 - المكاسب: 216 / السطر 32. 2 - نفس المصدر: 216 / السطر 33 - 35. 73 وعلى ما استظهرنا من كلامه، لا يرد عليه بعض الإيرادات. نعم، يرد عليه: بعد الإغماض عن أن عدم صحة جعل الخيار، إنما هو فيما إذا لم يتسلط على رد عوضه أيضا، وبعد ثبوت الفرق بين العقد المعتبرة فيه قدرة التسلم والتسليم - حيث لاوجه للقول: بقيام العوض مقام المبيع - وبين الفسخ الذي هو حل العقد، المستلزم لرجوع العوضين إلى الحال الأول، ومقتضى ذلك رد مال الغير، ومع فقده رد عوضه. أن عدم اعتبار الخيار وجعله، إنما هو فيما إذا لم يمكن رد العوضين مطلقا، وليس المقام كذلك; لأن المالكين مسلطان على ذلك، وهو كاف في عدم لغوية جعل الخيار، كما أن قدرة المشتري - ولو بوسط - على التسلم، كافية في صحة البيع عند العقلاء، وإن عجز البائع عن التسليم. مضافا إلى أنه ليس ملتزما بما أفاده، فإنه لو كان المستفاد من الأدلة أن الخيار للقادر على ما انتقل إليه، يكون ذلك قيدا في الموضوع، ولازم ذلك أنه لو تلف المبيع لسقط الخيار; لعدم موضوعه. ويظهر منه في بيع من ينعتق على أحدهما، ثبوت الخيار، وإنما السقوط لأجل الإقدام على الإتلاف، ومع جهلهما بالواقعة لا مانع من ثبوته. توجيه المحقق النائيني للاعتراض الثالث ثم إن ما ذكرناه، أقرب إلى ظهور كلامه مما وجهه بعض الأعاظم: ومحصله: أن المستفاد من أدلة الخيار بمناسبة الحكم والموضوع، هو أن المحمول الذي رتب على «البيع» هو المحمول في الرتبة الثانية من الحمل، وأن الذي أخذ موضوعا للخيار، أخذ بعد الفراغ عن مالكيته لالتزام الطرف
74 المقابل; أي أنه بعد كونه قادرا على الإقالة ورد التزام الطرف، قادر على إعمال التزام نفسه; بإبقائه أو إعدامه، فمفاد الأدلة إثبات حق الخيار، بعد الفراغ عن سلطنته على الإقالة (1). وفيه: - مع عدم مطابقته لمقالة الشيخ الأعظم (قدس سره) - أنه دعوى بلا برهان، فأية مناسبة بين قوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (2) وبين القدرة على الإقالة والسلطنة عليها عرفا، حتى يدعى أنه المستفاد من الأدلة؟! ولا شبهة في أن طريق الاستفادة من الأدلة اللفظية ومناسبات الحكم والموضوع، منحصر بالعرف، ولا أظن أن ينقدح في أذهان العقلاء عند سماع قوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» الإقالة، أو السلطنة عليها، حتى بعد الدقة والنظر في المناسبات. ومن ذلك يتضح النظر في دعوى الانصراف إلى من له الإقالة، كما ادعاه بعضهم (3)، فإنه موكول إلى فهم العرف، ولا شبهة في عدم الانصراف عرفا، ولا في غفلة العرف عن الإقالة، فلا وجه لهذه الدعوى. ثم إن القائل: بأن المحمول على «البيع» في المرتبة الثانية من الحمل، أوضحه بما هو غير وجيه. فقال ما حاصله: أن المحمولات - بعد اتفاقها في تجرد عقد وضع
1 - منية الطالب 2: 12 / السطر 14. 2 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 3 - منية الطالب 2: 12 / السطر 23، أنظر مصباح الفقاهة 6: 68. 75 موضوعاتها عنها - مختلفة، ففي مثل «زيد موجود» الموضوع هو الماهية المعراة عن الوجود والعدم، وفي مثل «زيد كاتب» الموضوع ما يكون مفروغ الموجودية، وفي مثل «زيد متحرك الأصابع» الموضوع هو الموجود الكاتب. وبهذا يختلف الموضوع في الاستصحاب، فلا بد أن يلاحظ أن العناوين المأخوذة في الموضوعات، هل هي من قبيل العلل، كالتغير لعروض النجاسة على الماء، أو من قبيل الوسائط في العروض; أي الموضوع المعنون بهذا العنوان، كالمجتهد الموضوع لجواز التقليد؟ والتمييز موكول إلى العرف. ولهذا بعد زوال التغير يحكم العرف ببقاء الموضوع، بخلاف زوال الاجتهاد، ثم رتب على ذلك دعواه المتقدمة (1). وفيه: أن الموضوع في القضايا المتقدمة ليس إلا «زيد» والاختلاف بين المذكورات، إنما هو بحسب متن الواقع، لا بحسب إخبار المخبر، فإذا لوحظ الواقع، لا يكون الوجود عارضا لزيد في الخارج، ولا يكون معروض وعارض خارجي. وعروض الكتابة بحسب الواقع إنما هو لزيد الموجود، بعد اتصافه بأمور أخر; ككونه قابلا للصنعة، وكونه موجدا بإرادته للكتابة... وغير ذلك من المقدمات، وتحرك الأصابع يعرض له بعد عروض عوارض أخرى، منها الكتابة في بعض الأحيان. ولا يخفى: ثبوت الفرق الظاهر بين الموضوعات المأخوذة في الإخبارات، أو المتعلقة للإنشاءات، وبين ما هو معروض للعوارض بحسب الواقع، فالموضوع فيها قد يكون واحدا، وإن اختلف المعروض بحسب الواقع.
1 - منية الطالب 2: 12 / السطر 16. 76 فقوله: «الإنسان موجود» و «الإنسان ناطق» و «الإنسان ضاحك ومتحرك»... إلى غير ذلك، يكون الموضوع في جميعها هو «الإنسان» ليس إلا، لا الإنسان المجرد عن الوجود والعدم في المثال الأول - إلا أن يراد به الإنسان; أي نفس الماهية - ولا الإنسان مع أوصاف أخر، كما في سائر الأمثلة. والاختلاف الواقعي في العروض، لا ربط له باختلاف موضوع الإخبار، أو متعلق الإنشاء. نعم، قد تكون الموضوعات مختلفة بحسب الإخبار والإنشاء، كقوله: «جاء زيد الكاتب» وقوله: «زيد العالم العادل قام» ففي مثل هذه القضايا ينحل الإخبار إلى إخبارات عديدة; فإن النسب الناقصة - أو الهوهويات الناقصة - بعد تمامية الجملة تصير تامة. فإذا قال: «زيد العادل جاء» فقد أخبر بمجيئه أولا، وبكونه عادلا تبعا. ولو قال العادلان في الإخبار عن مجيء زيد: «جاء زيد المجتهد العادل» يثبت اجتهاده وعدالته بشهادتهما، وإن كان الإخبار تبعا. وإذا قال: «زيد الموجود كاتب» ولم يكن موجودا، ولا كاتبا، كذب كذبتين، بخلاف ما إذا قال: «زيد كاتب» فإنه كذب واحد. ولا ينبغي الخلط بين العوارض الواقعية غير المأخوذة في الموضوع، وبين العوارض المأخوذة فيه. وأما بناء جريان الاستصحاب على ما ذكره، فخلط بين موضوعات الأدلة، وموضوع الاستصحاب; فإن المعتبر في الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والمشكوك فيها. فإذا دل دليل اجتهادي على «أن الماء المتغير نجس» أو «أن العادل يجب إكرامه» فلا شبهة في أن موضوع الدليل هو «الماء المتغير» لا «الماء» و «العالم
77 العادل» لا «الإنسان». فالموضوع معنون بعنوان، ولا يمكن استفادة حكم غير المعنون منه; بإرجاع مثله إلى أن الموضوع هو الذات، والوصف خارج وعلة بحسب ظهور الدليل، وفهم العرف، لكن بعد وجود الماء المتغير والعالم العادل في الخارج، يتعلق اليقين بأن هذا الماء الخارجي نجس، وهذا الرجل الموجود واجب الإكرام. فإذا زال التغير والعلم، أو العدالة، وشك في بقاء الحكم; لأجل الشك في أن الحكم دائر مدار التغير والوصف وجودا وعدما أو لا، جرى الأصل; لأن القضية المتيقنة هي «أن هذا الماء الخارجي كان نجسا» وهي عين القضية المشكوك فيها. وتوهم: أن المتيقن هو الماء المتغير، لا الماء، فاسد; ضرورة أن الماء الخارجي أيضا متعلق لليقين. وإن شئت قلت: يصح أن يقال: «إن هذا الماء متغير بالنجاسة، وكل ماء كذلك نجس، فهذا الماء نجس» ومن المعلوم أن الوسط لا يؤخذ في موضوع النتيجة; لا عقلا، ولا عرفا. ومورد جريان الأصل ما إذا لم يحرز أن العلة منحصرة، أو أن العنوان من قبيل الواسطة في العروض; فإنه مع هذا الإحراز، لا يبقى شك حتى يستصحب، فلا بد في الإجراء من الشك في أن الواسطة هل هي واسطة في العروض، أو في الثبوت، وأن العلة هل هي منحصرة أو لا؟ وعدم الجريان مع هذا الإحراز، ليس لأجل زوال الموضوع كما قيل، بل لأجل حصول اليقين، وذلك واضح، والتفصيل موكول إلى محله (1).
1 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 203 - 220. 78 تقرير المحقق الأصفهاني للاعتراض الثالث وقد يقرر كلام الشيخ (قدس سره); بأن الخيار له معنى واحد في جميع الموارد، وذلك هو السلطنة على الاسترداد فقط، دون السلطنة على الرد والاسترداد; لأن المالك والوكيل المطلق، لهما السلطنة على الرد بالإقالة والتفاسخ، فلا معنى لجعل الخيار لهما إلا السلطنة على الاسترداد; للزوم اللغوية، بل اجتماع المثلين على ما قيل. وحيث لا يمكن إعمال السلطنة على الاسترداد، من دون سلطنة على الرد، فلا يمكن جعل الخيار - بهذا المعنى - لمن لا سلطنة له على الرد، كالوكيل غير المطلق بقسميه. ثم إنه بعد ما استشكل فيه قال: إن تمحض الخيار في السلطنة على الاسترداد المذكور، إنما يصح إذا كانت السلطنة على الإقالة، من شؤون السلطنة على المال، الثابتة بدليل السلطنة، من دون حاجة إلى دليل آخر، وإلا لكانت السلطنة على الإقالة، والسلطنة على الرد والاسترداد، متساويتين في الثبوت في العقد. ومن البين أن شمول دليل السلطنة على المال، للسلطنة على الإقالة، ليس بذلك الوضوح; فإن اعتبار الرد اعتبار ملاحظة إضافة الملكية متعلقة بالغير، لا متعلقة بنفسه، فليس عنوانه عنوان «السلطنة على ماله» فإن رد ماله لا معنى له، بل الرد لا بد من أن يتعلق عنوانا بالمال المضاف إلى غيره. فما هو مشمول لدليل السلطنة، هو التصرف الوارد على المال; باعتبار إضافته إلى المالك كالبيع، والتصرف الذي يكون موضوعه المال الملحوظة إضافته إلى غيره - كالرد الوارد على المال - لا يندرج في دليل السلطنة انتهى
79 ملخصا (1). أقول: أما كلام الشيخ (قدس سره)، فهو وإن كان يوهم بدوا، أن مراده نحو ما ذكره; باعتبار ذكر ما انتقل إلى الآخر، لكن بالتأمل الصادق يظهر أن مراده ما تقدم (2)، ولا وجه لنسبة أمر مخالف لما أفاده في معنى الخيار - قبل صحيفتين (3) - إليه، مع وضوح ورود الإشكال عليه. وأما ما استظهرناه من كلامه، فليس الإشكال فيه بذلك الوضوح. وكيف كان: يرد عليه، أنه إن كان المراد من كون الخيار هو السلطنة على الاسترداد دون الرد، أن ماهية الخيار كذلك، فهو معلوم الفساد، بل بعد وضوح أن للخيار معنى واحدا في جميع الموارد - ومنها الخيارات في باب النكاح، الذي لا تكون فيه سلطنة على الإقالة مطلقا - يعلم أن ماهية الخيار ليست سلطنة على الاسترداد فقط. بل لو تنزلنا عما هو التحقيق - من كونه حق اصطفاء الفسخ - فهو سلطنة على التراد الاعتباري; أي رد كل من العوضين إلى محله. وإن كان المراد: أن الجاعل للخيار، لما رأى أن للمالك ونحوه السلطنة على الرد بالتقايل، جعل له السلطنة على الاسترداد فقط، حتى يرجع الأمر إلى أنه لم يجعل الخيار له، بل جعل له بعض مفاد الخيار، فهو أيضا فاسد: أما أولا: فلكونه مخالفا لصريح أدلة الخيار. وأما ثانيا: فلأن الأدلة غير ناظرة إلى دليل الإقالة، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 - 13. 2 - تقدم في الصفحة 73. 3 - المكاسب: 214 / السطر 2. 80 «البيعان بالخيار» (1) لا نظر له إلى حال الإقالة، ومن له الإقالة، بل لا يعقل ذلك. وأما ثالثا: فلأنه على فرض تسليم ذلك، لا وجه لرفع اليد عن إطلاق «البيعان بالخيار» بل لا بد من البناء على أن الجاعل، جعل الخيار لمطلق البيعين، ولكن في مورد وجود السلطنة على الرد، جعل السلطنة على الاسترداد فقط. ففي الحقيقة، يكون الخيار بالمعنى الواقعي، لمجري الصيغة ومن لا سلطنة له على الإقالة، وما جعل للمالك ونحوه، هو الاسترداد فقط، وهو كما ترى. وإن كان المراد: أن الجعل تعلق بالخيار بالمعنى الواقعي; أي الرد والاسترداد مطلقا، لكن سقط حق الرد ممن له السلطنة على الرد; للمزاحمة، وعدم إمكان الاجتماع. ففيه: - مضافا إلى أن لازمه ثبوت الخيار بمعناه الواقعي، لمجري الصيغة; لفقد المزاحمة - أنه يمكن أن يقال: لا مزاحمة بين حق الخيار وحق الإقالة; فإن الأول للبيعين بمجرد البيع، فتثبت لهما السلطنة على الرد والاسترداد عند تحققه، والإقالة حق ثابت بدليل السلطنة على المال في الرتبة المتأخرة عن البيع; فإن رتبة البيع - وهو السبب - مقدمة على رتبة الملك، وهو المسبب، والحكم المتعلق بالسبب، لا مزاحم له في هذه الرتبة، والسلطنة على الإقالة لا تتحقق بعد إشغال الخيار محله. ولو منعنا ذلك، أو قلنا: بأن الرتب العقلية غير معتبرة في تعلق الأحكام بموضوعاتها، فلا وجه لتقدم السلطنة على الإقالة على الخيار; لكون الحكمين
1 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 81 متعلقين معا بالموضوع، فلا رجحان لأحدهما على الآخر; لأن دليل السلطنة، لا ينطبق على الموضوع إلا بعد تحقق الملكية، ومع تحققها يتحقق موضوع الخيار أيضا. فما أفاده القائل: من أن تمحض السلطنة على الاسترداد، إنما يصح لو كان المدرك للإقالة دليل السلطنة غير وجيه; لأن شمول دليل السلطنة ودليل الخيار على حد سواء، لو لم نقل: بأن دليل الخيار مقدم في الانطباق، كما أشرنا إليه. ثم إن ما ذكره المستشكل: من أن دليل السلطنة، قاصر عن شمول السلطنة على الإقالة; بدعوى أن اعتبار الرد اعتبار ملاحظة الملكية متعلقة بالغير، لا متعلقة بنفسه; فإن رد ماله لا معنى له، فلا يشمله دليلها، لأن ما هو المشمول له هو التصرفات المتعلقة بماله، لا المضافة إلى مال غيره لا يخلو من غرابة; لأن الإقالة لو لم تكن فسخا - على ما هو المفروض - لكانت ترادا اعتباريا برضا الطرفين. فالبائع يرد ما هو ملكه فعلا إلى ملك المشتري، والمشتري يرد ما هو ملكه كذلك إلى ملك البائع، فلكل سلطنة على رد ملكه اعتبارا، فالإقالة كالبيع في هذا المعنى، ولا معنى لتعلق السلطنة على الرد الاعتباري بملك الغير. ولو فرض تعلقها بملك الغير برضاه، فهو أيضا من شؤون سلطنة الراضي على ماله، كما لا يخفى على المتأمل. هذا كله إن قلنا: بأن حق الخيار والإقالة متعلقان بالعين; أي ماهيتهما السلطنة على الرد الاعتباري. وأما إن قلنا: بأن ماهيتهما هي السلطنة على الفسخ وحل العقد، الذي هو معنى واحد، فقد يظهر من بعضهم، أنه على فرض عدم إمكان اجتماع المثلين في
82 الاعتباريات، لا يرد إشكاله في المقام; فإن السلطنة على الحل بالتراضي، نحو سلطنة غير السلطنة على الحل قهرا، وهما نحوان من السلطنة (1). وفيه: أن نفس السلطنة لا تختلف بحسب المتعلقات، فالسلطنة على الحل في المقامين، نحو واحد بحسب نفسها، والحل أيضا واحد غير مختلف فيهما، وإنما الاختلاف في الرضا والقهر، وهما أمران خارجان عن السلطنة والحل، فلو بطل اجتماع المثلين في مثل المقام، يكون المورد منه. نعم، يمكن أن يقال: إن السلطنة على حل العقد بالخيار، سلطنة فعلية لصاحب الخيار، وأما السلطنة على حله بالإقالة، فمشروطة بحصول التراضي، فلا تكون فعلية قبله، فلا سلطنة حتى يلزم اجتماع المثلين، وبعد تحقق التراضي، لما كان المحل مشغولا بحق الخيار، لا يعقل تحقق حق الإقالة على هذا الفرض، فتكون الإقالة في مورد لم يكن الخيار محققا. والأمر سهل بعد فساد أصل المبنى، وعدم امتناع اجتماع حقوق مختلفة على موضوع واحد. حول ثبوت الخيار لمطلق الوكيل وربما يقال: بدلالة جملة من أخبار الخيارات على عدم شمولها لمطلق الوكيل. منها: رواية عمر بن يزيد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا التاجران صدقا بورك لهما، وإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما، وهما
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 13 / السطر 13 وما بعده. 83 بالخيار ما لم يفترقا، فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة، أو يتتاركا» (1). بدعوى: أن «التاجر» لا يصدق على مجري الصيغة، والصدق والكذب والخيانة ليست من شأنه، كالاختلاف والدعوى وتركها. بل لو قلنا: بأن الدعوى والترك من مختصات المالك - كالبركة وعدمها - فلا تنطبق الرواية على غيره (2). وفيه أولا: أن «التاجر» لا يصدق على مطلق البائع ولو كان مالكا; لأن «التجارة» من المواد الظاهرة عرفا في الاتخاذ شغلا، وتعتبر فيها المداومة العرفية، فلا يقال للعالم الذي يبيع أحيانا كتابه: «إنه تاجر» وإن صدق عليه «البائع». ففرق بين البائع والتاجر، فالثاني من هو شغله التجارة، واتخذها حرفة وعملا له، بخلاف الأول، ولازم ذلك عدم ثبوت الخيار للمالك والوكيل المطلق، إلا إذا كان شغلهما التجارة. فما قيل: من أن «التاجر» هو البائع، تمسكا بقول صاحب «القاموس» (3) ليس بشئ; فإن الظاهر من «القاموس» أيضا هو ما ذكرناه (4). فعلى ذلك: لا يمكن الالتزام بظاهر الرواية، ولا تصح دعوى كون الموضوع والمورد فيها وفي غيرها واحدا (5).
1 - الكافي 5: 174 / 2، تهذيب الأحكام 7: 26 / 110، وسائل الشيعة 18: 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 6. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 15. 3 - نفس المصدر: 12 / السطر 18. 4 - القاموس المحيط 1: 393. 5 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 16. 84 وثانيا: أنه في المقام، لا يحمل المطلق على المورد الأخص، ولو قلنا: بحمل المطلق على المقيد في المثبتين، كقوله: «أعتق رقبة» و «أعتق رقبة مؤمنة» فإنه في مثله يمكن أن يقال: إن ظهور القيد في القيدية والدخالة، أظهر من ظهور المطلق في الإطلاق. وأما في مثل المقام، الذي يذكر في الدليل بعض مصاديق المطلق، كما في نحو «أوف بالعقد» و «أوف بالصلح» فلا مجال لذلك إلا مع الالتزام بمفهوم اللقب. وبعبارة أخرى: بعد تمامية الحجة في المطلق المنفصل أو العموم كذلك، لا يصح رفع اليد عنها بمجرد ورود حكم نحو الحكم المطلق على بعض المصاديق، ولم يكن حمل المطلق عليه في مثله عرفيا عقلائيا. فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (1) حجة ظاهرة على الإطلاق، مع الغض عن المناقشة في إطلاقه، كما هو المفروض فعلا، وقوله: «التاجران بالخيار» لا ينافيه إلا مع صحة دعوى المفهوم، أو دعوى ظهوره في الاستقلال، وهي كما ترى: أما عدم المفهوم فظاهر. وأما بطلان دعوى الاستقلال; فلأن احتماله لا يكون بمثابة يصح معها رفع اليد عن الحجة، فالأخذ بالإطلاق متعين، بعد عدم عرفية هذا الحمل. ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (2).
1 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 2 - تهذيب الأحكام 7: 23 / 99، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 3. 85 بدعوى: أن الموضوع فيهما واحد، وموضوع خيار الحيوان، هو صاحب الحيوان والوكيل المطلق (1). وفيها: - مضافا إلى مخالفة مضمونها للنصوص والفتاوى; فإن الخيار في بيع الحيوان للمشتري، إلا أن تحمل على مبادلة حيوان بحيوان، وسيأتي الكلام فيه (2) - أن المذكور فيها جملتان وحكمان: إحداهما: المتبايعان في بيع الحيوان لهما الخيار ثلاثة أيام. وثانيتهما: المتبايعان في غير الحيوان بالخيار حتى يفترقا. وإطلاقهما محكم إلا مع ورود المقيد، ولم يرد إلا بالنسبة للجملة الأولى، وأما الثانية فباقية على إطلاقها. ومنها: أن الظاهر من سائر الروايات، هو إثبات الخيار لغير الوكيل المذكور، فكذا الحال في خيار المجلس (3). وفيه: بعد تسليم ذلك، أنه لا وجه لرفع اليد عن الإطلاق بما ذكر، من دون حصول القطع بعدم الاختلاف، ولا قيام الدليل على ذلك، وإلا فهو من القياس الذي لم نقل به. وربما يقال: إن حكمة الخيار هي الإرفاق بالمتعاملين; ليترويا، وليس من شأن الوكيل في مجرد إجراء الصيغة، التروي (4). وفيه: - مع أنه تخريص ظني، لا يعتنى به في الحكم الشرعي - أن
1 - منية الطالب 2: 13 / السطر 3، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 22. 2 - يأتي في الصفحة 262 - 263. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 33. 4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 28. 86 الحكمة لا تعمم ولا تخصص، ولا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما، كما هو ظاهر. فتحصل مما مر: أن الوجوه المتقدمة غير تامة، فالوجه الوحيد هو الانصراف عن مثل الوكيل في مجرد العقد، لا عن غيره; للغلبة، وكون الوكيل في مجرد الصيغة في المعاملات - كالبيع وغيره - نادرا جدا; بحيث تنصرف عنه الأذهان. ويؤيده بعض الوجوه المتقدمة; أي بعضها يكون منشأ للانصراف. وأما غيره مثل الوكيل في إنجاز البيع وإتمامه فقط، فلا وجه للانصراف عنه، فضلا عن الوكيل المطلق، بل لعل الوكيل في إنجاز البيع، أكثر وجودا من الوكيل المطلق، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت هذا الخيار له. حول ثبوت الخيار للموكل ثم إنه هل يثبت للموكل مطلقا، أو لا كذلك، أو يثبت له فيما إذا كان الوكيل وكيلا في مجرد العقد، دون غيره من سائر الوكلاء أو يثبت له مع حضوره في مجلس العقد؟ وجوه. وعمدة المستند للثبوت للموكل مطلقا أو في الجملة، هو صدق عنوان «البيع» عليه حقيقة، أو بنحو المجاز الشائع. أقول: أما دعوى كون «البيع» حقيقة فيه، أو كون المشتق حقيقة في المباشر والسبب (1)، فلا تخلو من احتمالات: منها: أن المشتق الاسمي كاسم الفاعل، والفعلي كالفعل الماضي،
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 5 / السطر 32، منية الطالب 2: 14 / السطر 11. 87 موضوعان للجامع بين الصدور المباشري، وتسبيب ذلك الصدور، الذي يقال له: «الصدور التسبيبي» مسامحة. ولا مجال لهذا الاحتمال في الأفعال; فإنها مشتملة على معنى حرفي، ولا جامع للمعنى الحرفي، بل لا يعقل أن يكون له جامع بالمعنى الحرفي. نعم، يتصور لمعاني الحروف جامع اسمي انتزاعي، هو وسيلة لوضع الألفاظ لها بالوضع العام، مع كون الموضوع له خاصا. فالقول: بالوضع للجامع، مساوق للقول: باسمية المعاني الحرفية، واستعمال الحروف مطلقا في غير ما وضعت لها، وهما كما ترى. وأما المشتق الاسمي، فإنه وإن كان لا مانع من وجود الجامع لمعانيه، لكن الجامع البسيط، المختص بالمباشر والسبب دون غيرهما، مفقود; فإن عنوان «من صدر منه» مختص بالمباشر. وعنوان «من صدر منه ومن هو سبب له» بهذا المعنى التركيبي، خلاف الضرورة. وعنوان «من انتسب إليه المبدأ» - مع أنه حاك عن معنى حرفي; ضرورة أن الانتساب بالحمل الشائع، من المعاني الحرفية - أعم من السبب والمباشر; فإنه يقال لمن استدعى من صاحب المال مثلا أن يبيعه من غيره، فقبل منه: «إن البيع منسوب إليه بنحو من الانتساب»... إلى غير ذلك من العناوين. مع أن القول: بالوضع للمعنى الأعم ممن صدر منه الفعل، وممن هو سبب لصدوره (1)، خلاف العرف، واللغة، وكلمات الأصحاب في المشتقات. ومنها: أن كلا من اسم الفاعل والفعل الماضي، مشترك لفظي بين الصدور
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 5 / السطر 32، منية الطالب 2: 14 / السطر 23، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 14 / السطر 28 وما بعده. 88 المباشري والسبب له، إما بالوضع فيهما، وإما بالوضع في أحدهما، وكثرة الاستعمال إلى بلوغ الحقيقة في الآخر. وهذا وإن كان لا مانع منه عقلا، لكنه يرد عليه: - مع مخالفته للواقع، وكلمات اللغويين والأصحاب - أنه لا بد في مقام إفادتهما بلفظ واحد، إما من استعماله في أكثر من معنى واحد، أو استعماله في الجامع بينهما: أما الاستعمال في الجامع، ففي الفعلي بالمعنى الحرفي غير معقول; لعدم تعقل الجامع كذلك، وفي الاسمي المحذور المتقدم، مع أنه يحتاج إلى القرينة. وأما استعمال اللفظ في الأكثر، فعلى فرض إمكانه، لا يحمل الكلام عليه إلا مع القرينة المفقودة في المقام، فلو لم تكن قرينة لتعيين أحدهما أيضا، يصير الكلام مجملا. لكن ثبوت الخيار للمالك المباشر للعقد، ضروري ومتيقن من الأخبار، فالاستعمال في الفاعل المباشر - كالمالك المباشر - ثابت، وأما في غيره فلم يثبت، فلا دليل بحسب الأخبار، على ثبوته للمالك غير المباشر. وما ربما يقال: من أن الوكيل في إجراء الصيغة كلسان الموكل، وأنه آلة له (1)، بل يظهر من بعضهم، أن ذلك من الأفعال التوليدية (2) قد عرفت سابقا ما فيه من النظر (3); وأن الفاعل المختار الذي يصدر الفعل منه بإرادته واختياره، لا يكون آلة أو كلسان لغيره. كما أن المقام ليس من قبيل الأفعال التوليدية كما هو واضح. بل ولا يكون معنى للسببية في المقام; فإن التوكيل الصادر من الموكل،
1 - منية الطالب 2: 12 / السطر 13. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 5 / السطر 34. 3 - تقدم في الصفحة 69. 89 ليس سببا لوجود البيع، بل السبب له هو الوكيل، والموكل ليس سببا قريبا، ولا بعيدا، إلا أن يتسامح في إطلاق «السبب» عليه. مع أن الأمر في الأسباب الحقيقية والعلل الواقعية، ليس كذلك; فإن الفعل مستند حقيقة إلى المباشر، وإنما ينسب إلى سببه بعلاقة السببية، لا بنحو الحقيقة. فما في كلام بعض أهل التحقيق: من أن قيام البيع بالفاعل صدوري، والصدور قابل لأن يكون مصدره وموجده متعددا طولا، فالمباشر موجد بلا وسط، والسبب موجد بالتسبيب حقيقة، والنسبة حقيقية على أي حال (1) واضح الضعف; فإن نسبة الفعل إلى السبب، لا تعقل أن تكون حقيقية. وسبب الصدور من المباشر غير الصدور تسبيبا، واختلاف التعبير موجب للخلط، فالسبب سبب لصدور الفعل من غيره، واستناد الصدور إليه مجاز بلا إشكال. فتحصل من جميع ذلك: أنه لا يمكن استفادة ثبوت الخيار للموكل، من أدلة خيار المجلس; لا من إطلاقها، فإنه فرع الوضع للجامع، وهو باطل، ولا من وضع المشتق فيها للمعنيين; لعدم ثبوته، بل الثابت عدمه، واحتياجه إلى الدلالة والقرينة على فرض الثبوت. ومن ذلك يظهر الكلام فيما إذا قلنا: بأن الاستعمال في السبب مجاز شائع، ولعله مراد الشيخ الأعظم (قدس سره) حيث قال: نسبة الفعل إلى الموكلين شائعة (2). فإن الشيوع إن صار إلى حد لا حاجة معه إلى القرينة، فالكلام فيه
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 14 / السطر 27. 2 - المكاسب: 217 / السطر 6. 90 كالسابق; لأنه يرجع إلى الوضع التعيني، وإلا فعلى مذهبهم في المجازات (1)، لا بد في مقام الإفادة للمباشر والسبب - بلفظ واحد - من استعماله، إما في أكثر من معنى واحد، وإما في معنى انتزاعي جامع بينهما، فلا بد من قرينة، وهي مفقودة. وأما على المبنى المنصور في المجاز - من كون الاستعمال فيه في المعنى الحقيقي، وكون التطبيق على غير الموضوع له ادعاء (2)، عكس ما حكي عن السكاكي (3) - فلا يلزم الاستعمال في الكثير، ولا يحتاج إلى الجامع، لكنه لا يصار إليه إلا بالقرينة. ومن ذلك يظهر النظر في كلام بعض الأعاظم (قدس سره)، حيث تشبث في الثبوت للموكل بمجرد صحة الانتساب، مستشهدا بالآيات الشريفة، التي ورد في بعضها انتساب التوفي إلى الله تعالى، وفي بعضها إلى ملك الموت، وفي بعضها إلى أعوانه (4). فإن صحة الانتساب لا إشكال فيها، لكن الاستعمال أعم من الحقيقة، والصحة لا تدل على الوقوع في المقام كما عرفت. كلام الشيخ الأعظم في إثبات الخيار للموكل وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره)، لإثبات الخيار للموكل: من أن المستفاد من أدلة سائر الخيارات، وخيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص،
1 - الفصول الغروية: 14 / السطر 12، المطول: 353 / السطر 5، شروح التلخيص 4: 22 - 26. 2 - وقاية الأذهان: 103 - 112، مناهج الوصول 1: 104 - 105، تهذيب الأصول 1: 44. 3 - مفتاح العلوم: 155 - 156، المطول: 386 - 387. 4 - منية الطالب 2: 14 / السطر 12. 91 كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا; إرفاقا له، وأن ثبوته للوكيل - لكونه نائبا عنه - يستلزم ثبوته للمنوب عنه (1). ففيه: أنه إن كان المقصود، أنه يعلم من كونه إرفاقا، ثبوته لغير من دلت الأدلة على ثبوته له، أو سراية الحكم مما دلت عليه إلى غيره، فهو في غاية الإشكال; لعدم دليل على أن الإرفاق علة لثبوته في كل مورد يقتضي الإرفاق، وإن لم يقم دليل على ثبوته. وبعبارة أخرى: لا دليل على أن الإرفاق علة لحدوث الخيار، بل غاية الأمر حصول الظن بأن حكمة الجعل هي الإرفاق، والحكمة لا تخصص ولا تعمم. وإن كان المقصود: أن كونه للإرفاق قرينة على أن «البيع» استعمل فيما وضع له وغيره، أو استعمل مجازا في معنى عام ينطبق على الوكيل، والموكل، و «البيع» وغيره، فهو أيضا غير وجيه، فأية قرينة - لأمر تخريصي - على ذلك; بحيث تكون موافقة لفهم العرف من اللفظ؟! وأما قوله: ثبوته للوكيل; لكونه نائبا عنه... إلى آخره، فإن كان المراد منه، أن ثبوته للوكيل بتبع ثبوته للموكل، فهو واضح النظر; لأن ثبوته له باعتبار صدق العنوان عليه، فكيف يدعى أن الثبوت أولا للموكل، مع عدم الدليل عليه؟! وإن كان المراد: أن ثبوته للوكيل النائب عنه، مستلزم لثبوته للموكل والمنوب عنه بطريق أولى، فهو قياس ظني لا نقول به، وتوهم أنه من الاستلزامات العرفية فاسد.
1 - المكاسب: 217 / السطر 13. 92 فتحصل من جميع ذلك: أن الخيار ثابت للمتبايعين; أي المتصديين لإجراء العقد، غاية الأمر انصرافه عمن تصدى لمجرد الصيغة، ولا يثبت للموكل مطلقا. ولازم ذلك: عدم ثبوت خيار المجلس في مورد الوكالة في مجرد إجراء الصيغة; لا للوكيل، ولا للموكل، وثبوته لسائر الوكلاء، لا لموكليهم. حول اعتبار حضور الموكل في مجلس العقد ثم إنه على فرض الثبوت للموكل، فهل يعتبر حضوره في مجلس العقد مطلقا، أو لا كذلك، أو يعتبر فيما إذا كان الوكيل وكيلا في مجرد إجراء الصيغة، دون غيره؟ وجوه، أقواها عدم الاعتبار مطلقا. أما اعتبار الحضور في المجلس بما هو مجلس البيع، فلا ينبغي الإشكال في عدمه; لعدم إشارة في الأخبار - على كثرتها - إليه، فالموضوع هو «البيعان ما لم يفترقا» أو «المجتمعان» على ما يأتي الكلام فيه (1). وأما القول: باعتبار الحضور والاجتماع للمعاملة; بدعوى أن مجرد اجتماعهما البدني، من دون مساس له بالمعاملة، غير مقصود من الأدلة، كما أن حضورهما في مجلس العقد كحضور الأجنبي عندها، ليس مقصودا أيضا، بل لا بد وأن يكون اجتماعهما على المعاملة. فالاجتماع المقوم لموضوع الخيار، اجتماع البيعين - بما هما بيعان - على المعاملة بدنا; بحيث تنشأ عن اجتماعهما (2).
1 - راجع ما يأتي في الصفحة 101. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 14 / السطر 3. 93 ففيه: أن ما هو موضوع الخيار، هو الذي يدل عليه الدليل; وهي الكبرى المعروفة «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (1) وما يستفاد منها هو ثبوت الخيار للبيعين المجتمعين، أو غير المفترقين على ما يأتي الكلام فيه، وبصدق هذا العنوان على شخص يثبت الخيار له، واحتمال قيد زائد يدفع بالإطلاق. نعم، لا شبهة في اعتبار اجتماعهما حال حدوث البيع، ولا أثر للاجتماع السابق، ولا اللاحق، وأما الحضور عند العاقد أو عقده، فلا دليل على اعتباره. وتوهم: أنه لو لم يكن الموكلان حاضرين عند المعاملة، ومجتمعين عليها; بحيث يكونان مشرفين عليها، وناظرين لها، لكانا أجنبيين عنها (2) فاسد; فإن الموكل و «السبب» - على تعبيرهم - لا يكون أجنبيا عن المعاملة، حضر في مجلسها أو لم يحضر، ولهذا صدق عليه «البيع» على الفرض; لمجرد السببية، لا للنظارة والحضور عند المعاملة، أو عند المتعاملين. نعم، الوكيلان لا بد وأن يكونا مجتمعين على المعاملة، لا لاعتباره في موضوع الحكم، بل لتوقف تحققه عليه، فالبيع لا يتحقق إلا باتفاقهما على إيجاده وإنشائه، كما لا يتحقق إلا بعد حصول مقدماته التصورية والتصديقية، وهو غير الاعتبار في موضوع الخيار شرعا. وبالجملة: المتعاقدان الوكيلان، لا يثبت لهما الخيار إلا مع اجتماعهما بدنا، وإيجادهما البيع حال الاجتماع. وأما الموكلان السببان، فصدق «البيعين» عليهما، يتوقف على إيجاد وكيليهما البيع، وثبوت الخيار لهما، يتوقف على تحقق البيع حال اجتماعهما
1 - الكافي 5: 170 / 6، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 2 - المكاسب: 217 / السطر 7. 94 البدني ولو كانا في بلد غير بلد العاقد. بل اعتبار الاجتماع على المعاملة، ينافي ثبوت الخيار لهما; فإن الحضور في مجلس العقد، ليس اجتماعا على المعاملة; لأن الاجتماع عليها، ليس إلا إيجاد المعاملة إيجابا وقبولا، فالأجنبي الحاضر في مجلس المعاملة الناظر لها، ليس مجتمعا عليها. فالمجتمعان على المعاملة إنما هما العاقدان فقط، والأجنبي أجنبي عنها، وغير مجتمع معهما عليها. وأما الموكل، فهو وإن لم يكن بأجنبي عنها; لأنه موكل و «سبب» على تعبيرهم، لكنه غير مجتمع معهما عليها، والخلط بين ما يعتبر في موضوع الخيار شرعا، وما يتوقف عليه الموضوع في تحققه، أوجب ذلك. فتحصل مما ذكر: أن المعتبر في الموكلين اجتماعهما بدنا حال إجراء الوكيلين العقد، سواء كانا في مجلس العقد وناظرين له، أم لا، كل ذلك لإطلاق الأدلة، وعدم الدليل على الاعتبار. وأما القول: بعدم اعتبار اجتماع الموكلين; بدعوى أن اجتماع الوكيلين نازل منزلته (1)، أو بدعوى أن ثبوت الخيار للموكل لجهة أخرى غير شمول نصوص المقام له، فما هو المعتبر في الثبوت بحسبها، لا يعتبر في الثبوت للموكلين (2) فغير مرضي; إذ الثبوت بدليل آخر فاسد، قد عرفت بعض الكلام فيه (3).
1 - منية الطالب 2: 15 / السطر 22، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 14 / السطر 20. 2 - جواهر الكلام 23: 8، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 14 / السطر 22. 3 - تقدم في الصفحة 87 - 90. 95 وكونهما وجودا تنزيليا لا وجه له رأسا، بل الوجود التنزيلي في النيابة أيضا، لا أصل له. وفي المقام: لو كان الوكيل وكيلا في مجرد العقد، لم ينسب العقد إليه على مبناهم، حتى يتوهم فيه ذلك. ولو كان مستقلا، فلا إشكال في عدم تنزيل نفسه مقام الموكل في المعاملات، ولا تكون أدلة الوكالة مقتضية لذلك، لو لم نقل: إن ماهية الوكالة تنافي التنزيل، ولا دليل آخر على تنزيله منزلته في المقام، ولا في غيره من موارد الوكالة. وأما ما أفاده بعضهم: من الفرق بين المواد التي لها قيام صدوري، وبين ما لها قيام حلولي، وجعل الأولى من قبيل الحقائق في السبب والمسبب، دون الثانية (1) فمع كونه غير مربوط بدعوى المدعي، واضح الضعف بالنسبة إلى السبب والمسبب، والعلة وعلة العلة. مضافا إلى بطلان توهم العلية والسببية في المقام، كما تقدم (2). حول ثبوت خيار المجلس لأشخاص متعددين ثم إنه على هذا المبنى، قد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص، من طرف واحد، أو من الطرفين. فهل يثبت لكل من الأشخاص الذين في طرف واحد، خيار مستقل، كالثابت للمشتري والبائع في سائر المعاملات، ولازمه حل العقد بفسخ أحدهم،
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 14 / السطر 27. 2 - تقدم في الصفحة 89 - 90. 96 ولزومه بإبرامه بناء على المبنى المزيف; من كون الخيار ملك إبرام العقد وإزالته (1)، وسقوطهما بمقارنة فسخ أحدهم لإبرام الآخر. وتقديم الفسخ على الإبرام على هذا المبنى، لا وجه له، وعلى المذهب المنصور، يرجع الإبرام إلى إسقاط حقه، ويؤثر الفسخ لا من باب التقديم، ولا تأثير للمتأخر لا فسخا، ولا إبراما. أو يثبت خيار واحد لمجموع من في الطرف الواحد، ولازمه عدم تأثير الفسخ أو الإبرام إلا مع اجتماعهم عليه، نظير ما يقال في إرث الخيار: من ثبوته للورثة مجموعا؟ (2). أو يثبت لطبيعي «البيع» بلا قيد، ولازمه الثبوت لكل من كان بيعا بالحمل الشائع؟ لا لأن الطبيعي واحد بوحدة عمومية سريانية، كما يقوله من لا ينبغي صدوره منه (3); ضرورة عدم العموم والسريان في الطبيعي لا ذاتا، ولا بجعله مرآة للكثرة: أما الأول: فلأن الطبيعي عبارة عن نفس الطبيعة بلا قيد، فالإنسان هو نفس الطبيعة; لا هي بخصوصياتها، ولا خصوصياتها. وأما الثاني: فلعدم تعقل مرآتية الطبيعي المعقول، لغير نفس الماهية من الأفراد والخصوصيات، حتى الأفراد الذاتية له; لأن الطبيعي واحد، ولا يعقل أن يكون الواحد مرآة للكثير، واللفظ هو الموضوع للطبيعي كلفظ «الإنسان» في الطبائع الواقعية، و «البيع» و «البيع» - في باب الاعتباريات والعناوين الاعتبارية الصادقة على الأشخاص بما هي موصوفة بها - لا يعقل أن يكونا حاكيين عن غير
1 - رياض المسائل 1: 522 / السطر 30، جواهر الكلام 23: 3. 2 - المكاسب: 291 / السطر 32. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 15 / السطر 16. 97 ما وضعا له، إلا بدال آخر كالقرينة. أو يثبت لصرف الوجود على اصطلاح الأصولي; أي أول الوجود؟ ولازمه ثبوت خيار واحد لمجموع الوكيل والموكل; لأن صرف الوجود وناقض العدم، يصدق على المتقدم من وجودات الطبيعة، إذا كانت لها وجودات مترتبة، ولا يمكن أن يكون المتأخر عنه مصداقا له، وعلى مجموع الوجودات المتعددة إذا كانت معا; فإن المجموع حينئذ مصداق واحد لهذا العنوان. والمقام من هذا القبيل; فإن صدق «البيع» عليهم في عرض واحد، والتقدم والتأخر الرتبيان، لا دخل لهما في الصدق، فحينئذ يكون فسخ الوكيل فقط بلا أثر، كفسخ الموكل، ولا بد في التأثير من اجتماعهما عليه. ومما ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق (قدس سره) (1). هذا بحسب مقام الثبوت. وأما بحسب دلالة الدليل، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (2) لا يعقل أن يكون دالا على ثبوت خيار مستقل لكل من البائع والمشتري، في البيوع التي يوجدها الأصيلان، وللمجموع أو صرف الوجود في الطرف الذي يكون ذو الخيار فيه أكثر من واحد كالمقام; ضرورة عدم إمكان الجمع بينهما في الدلالة. وحيث إن «البيع» لا يدل إلا على نفس الطبيعة، والدلالة على غيرها تحتاج إلى القرينة، فمع فقدها يحمل على المعنى الحقيقي; وهو نفس الطبيعة، فبثبوته لها يكون لكل مصداق منها خيار مستقل; فإن الطبيعة في الخارج، عين كل مصداق.
1 - نفس المصدر. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 98 ف «البائع» و «البيع» صادقان بتمام المعنى، على كل من أوجد البيع، فما ثبت للطبيعة يثبت لكل فرد، كما في قوله تعالى: (أحل الله البيع) (1) فإن (البيع) فيه نفس الطبيعة، والحلية إذا ثبتت لها صارت كأنها لازمة للطبيعة تشريعا، فكل موجود وجد، وكان عين الطبيعة، تثبت له الحلية، وكذا الحال في ثبوت الخيار، هذا بحسب ظهور اللفظ. وأما سائر الاحتمالات فتحتاج إلى قيود، كقيد مجموع الأفراد، أو صرف وجود الطبيعة، أو الطبيعة مع قيد الوحدة، وكلها تدفع بالإطلاق، من غير فرق بين القول: بأن «البيع» صادق على البائع والمشتري بنحو الحقيقة، أو بأنه يطلق «البيعان» عليهما تغليبا. بحث في الذين تفرقهم مسقط للخيار وعلى هذا الفرض، فمع اجتماع الجميع، هل العبرة بتفرق الموكلين، أو الوكيلين، أو التفرق في الجملة ولو بخروج واحد منهم عن المجلس، أو بتفرق الكل، فيكفي في بقائه بقاء أصيل مع وكيل الآخر؟ أو العبرة في السقوط عن الوكيلين بتفرقهما، وعن الموكلين بتفرقهما، فلا يكفي في بقائه بقاء أصيل مع وكيل الآخر، كما لا يكفي تفرق الوكيلين للسقوط عن الموكلين وبالعكس؟ وجوه تختلف بحسب المباني المتقدمة، وبحسب ما في روايات الباب من الاحتمالات: فإن قلنا: بأن الخيار ثابت لعنوان «البيعين المجتمعين» أو «لهما إذا اجتمعا»
1 - البقرة (2): 275. 99 أو «حين اجتمعا» وأن اللزوم ثابت لعنوان ثبوتي آخر، وهو «البيعان المفترقان» - بناء على كون الافتراق ثبوتيا - فيثبت بحسب الأخبار، حكمان لأمرين ثبوتيين. فعلى القول: بثبوت الخيار لصرف الوجود، يكون الاعتبار في ثبوت الخيار باجتماع الصرف، وفي وجوب البيع بافتراقه، فمع اجتماع الجميع يثبت الخيار، ومع تفرقهم يلزم البيع. ومع التفرق في الجملة، يقع التعارض بين الصدر والذيل; فإن صرف الوجود باق مع اجتماع ما، ويتحقق التفرق مع افتراق ما، وهما حاصلان، فمقتضى الصدر ثبوت الخيار للصرف، ومقتضى الذيل ثبوت اللزوم للبيع بنحو الإطلاق. وعلى القول: بثبوت خيار واحد للمجموع، فمع تفرق ما يسقط الخيار، ويثبت اللزوم; لارتفاع المجموع بما هو بعدم واحد منهم، وحصول التفرق كذلك. وعلى القول: بثبوته لكل واحد مستقلا، وأن كل بيع له الخيار، سواء كان في طرف واحد، أو في طرفين، فمع حصول تفرق ما - بافتراق واحد منهم - يكون مقتضى الصدر ثبوت الخيار للباقين في الجملة أو مطلقا، على احتمالين تأتي الإشارة إليهما (1)، ومقتضى الذيل لزوم العقد; لأن مقتضى ثبوت الخيار لكل واحد مجتمع مع الطرف الآخر، أو في حال الاجتماع معه، ثبوته إلى زمان التفرق، ثبت لغيره أم لا، ومقتضى الذيل لزوم البيع بتفرق كل من ثبت له الخيار; لحصوله بافتراق واحد منهم. ومع التعارض، هل يعمل على طبق أخبارا لتعارض (2); بدعوى شمولها لمثله، أو يكون المرجع إطلاق (أوفوا بالعقود) (3) أو استصحاب الخيار وعدم اللزوم؟
1 - يأتي في الصفحة 101. 2 - وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9. 3 - المائدة (5): 1. 100 فيه كلام طويل، يأتي إن شاء الله في محله (1). ومما ذكر يظهر الحال فيما إذا قلنا: بأن الخيار ثابت لعنوان «البيعين غير المفترقين» واللزوم لعنوان «المفترقين» أو أحدهما لعنوان «المجتمعين» والآخر ل «غير المجتمعين». هذا كله على فرض القول بثبوت حكمين: أحدهما الخيار، وثانيهما اللزوم. وأما إن قلنا: بأن الخيار ثابت لعنوان «الاجتماع» أو لعنوان «اللا افتراق» أو «البيعين ما لم يفترقا» ولم يكن حكم آخر لعنوان آخر; من وجوب البيع أو غيره - بل انتفاء الخيار مع حصول الافتراق; لأجل انتفاء موضوعه، لا لأجل حكم مخالف مجعول - فيرجع الأمر إلى أن البيعين بالخيار مع اجتماعهما، ولازم ارتفاع الاجتماع عدم الخيار; لعدم موضوعه. فحينئذ إن قلنا: بثبوته لصرف الوجود، فمع بقائه - ولو ببقاء شخصين - يبقى الخيار; لعدم ارتفاع موضوعه وإن حصل الافتراق في الجملة، ولا حكم آخر يعارض الصدر. وإن قلنا: بثبوته للمجموع، فمع تفرق ما يرتفع الموضوع. وإن قلنا: بثبوته لكل واحد منهم مستقلا، يسقط الخيار عن المفارق، ويبقى لغيره. ثم على القول: بثبوت الخيار لكل بيع مستقلا، فهل المعتبر في السقوط عن الوكيلين تفرقهما، وفي الثبوت عدمه، وكذا الحال في الموكلين، فكل يلاحظ مع عدله؟ أو المعتبر تفرق الكل، فلو بقي وكيل وأصيل بقي خيارهما، وإن سقط عن
1 - يأتي في الصفحة 364. 101 غيرهما؟ منشأ الاحتمالين دعوى انصراف قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار...» إلى آخره، إلى البيعين العدلين، وإنكارها، وليس الانصراف ببعيد. هذا كله بحسب الثبوت. المستفاد من الأخبار ثبوت الخيار فقط لا لزوم البيع بالتفرق وقد عرفت: دلالة الأخبار على ثبوت الخيار لنفس عنوان «البيعين» ولازمه ثبوته لكل واحد مستقلا. وأما أن الأدلة هل هي متكفلة لحكمين، أو لحكم واحد؟ فلا ينبغي الإشكال في أن المستفاد منها، أنها بصدد إثبات الخيار فقط، لا لزوم البيع; فإن أكثر أخبار الباب، لم تتعرض لحكم آخر غير الخيار. فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار حتى يفترقا» (1) ظاهر في أن الخيار ثابت للبيعين إلى حال الافتراق، وانتفاء الخيار بعده عقلي بانتفاء موضوعه، لا شرعي; ضرورة تعرضها لغاية خيار المجلس، وليس مفادها سلب الخيار مطلقا. وبعبارة أخرى: إنها دالة على ثبوت خيار المجلس إلى غاية، ويستفاد منها سلب هذا الخيار عند حصول الغاية، وهو حكم عقلي، لا يعقل تخلل جعل شرعي فيه، وليس ذلك من باب المفهوم; إذ لا بد فيه من أن يكون الثابت سنخ الحكم، لا شخصه، أو حكما خاصا، كما أنه لا بد من إحراز كون الغاية غاية للخيار، لا قيدا للموضوع.
1 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 102 وبعضها وإن كان متعرضا لما بعد الغاية، وفيه: «فإذا افترقا فلا خيار» (1) إلا أنه من الواضح، أن المراد منه نفي خصوص الخيار الثابت قبل الغاية; أي خيار المجلس، وهذا أيضا ليس حكما شرعيا، بل بيان لما يحكم به العقل; أي ارتفاع الحكم بتحقق غايته. وأما ما فيه قوله (عليه السلام): «فإذا افترقا وجب البيع» (2) فلا يعقل أن يكون الحكم فيه بوجوب البيع، مفهوما لقوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (3) ضرورة أن المفهوم رفع ما ذكر في المنطوق، وهو سلب الخيار مع الافتراق، لا ثبوت الوجوب، فلا بد وأن يكون كناية عن سلب الخيار المذكور في المنطوق، فيطابق سائر الروايات. أو يكون المراد بيان لازم عدم الخيار، ومن المعلوم أن لازم عدم الخيار الخاص، ليس لزوم البيع مطلقا، بل اللزوم الحيثي; أي اللزوم من حيث هذا الجواز الخياري، وهو يرجع إلى سقوط خياره. والشاهد على عدم المفهوم، عدم معهودية معاملة التعارض بين هذه الأخبار، وسائر الروايات الواردة في سائر الخيارات، كخيار الحيوان وغيره، مع أن النسبة بين المفهوم والمنطوق منهما، عموم من وجه، كما هو ظاهر. والسر فيه: عدم انقداح التعارض; لعدم المفهوم للغاية هنا، إما لكونها قيدا للموضوع، أو غاية لخصوص خيار المجلس.
1 - الكافي 5: 170 / 6، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 2 - الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، تهذيب الأحكام 7: 20 / 86، الاستبصار 3: 72 / 241، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4. 3 - تقدم في الصفحة السابقة، الهامش 1. 103 مضافا إلى أن لزوم العقد مع عدم الخيار، مفروغ عنه بالكتاب وغيره، وروايات الخيارات تكون بصدد بيان المقيدات لأدلة اللزوم، مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) لا بصدد بيان حكم نفس العقود. ثم إن الظاهر من الأخبار على كثرتها، أن الخيار ثابت للبيعين إلى حال الافتراق، ولا ذكر فيها للاجتماع، وحملها على ذلك - لأن الافتراق لا يعقل إلا مع الاجتماع - غير وجيه; للفرق بين ما أخذ في موضوع الحكم شرعا، وبين ما لا تتحقق الغاية إلا به عقلا. فالخيار بحسب الأدلة، ثابت للبيعين حتى يفترقا، لا للمجتمعين، ولا يصح رفع اليد عنها، إذا كان بين العنوانين اختلاف حكمي في بعض الأحيان، وقد تقدم الفرق بين الحكم على عنوان مع قيد وجودي وغيره. فتحصل من جميع ما مر: أن أخبار الباب متكفلة لإثبات حكم واحد; وهو الخيار للمتبايعين حتى يفترقا، ومع افتراقهما ينتفي الخيار; لانتفاء موضوعه، أو لحصول غايته. ومع كون الخيار لطبيعي البيعين، القابل للتكثر كما مر (1)، لا بد وأن يلاحظ الافتراق واللا افتراق، بالنسبة إلى كل مستقلا. ومع انصراف «البيعين» إلى العدلين، يعتبر في سقوط الخيار عن الوكيلين تفرقهما، لا تفرق الموكلين وبالعكس. حول دعوى كفاية عدم تفرق الوكيلين في ثبوت الخيار للموكلين وقد يقال: لو كان الوكيلان مفوضين مستقلين، يكفي عدم تفرقهما في
1 - تقدم في الصفحة 98 - 99. 104 ثبوته للموكلين، ولو لم يجتمعا أصلا; لأن «البائع» في الحقيقة هو الموكل، فإن «البيع» - كسائر المشتقات، كقوله: «باع فلان داره» - موضوع لمن انتقل عنه المال، وهو المالك. وإنما يثبت الخيار للوكيل; لأنه بدن تنزيلي للموكل، وليس للوكيل حق في عرض موكله، وإنما حقه من شؤون حقه، ومن حيث إنه نازل منزلته، فإذا كان البائع هو المالك، وكان اجتماع الوكيلين بمنزلة اجتماع المالكين، فلا يعتبر حضور المالك أصلا (1). ثم رتب عليه بعض المسائل الآتية. وفيه محال أنظار: منها: دعوى كون «البائع» وسائر المشتقات، موضوعة لمن انتقل عنه المال، فإنها واضحة الضعف; ضرورة أن هيئات المشتقات، موضوعة لأنحاء التقلبات في موادها، لا في غيرها، ف «الضارب» موضوع لعنوان بسيط، ينحل إلى الصادر منه الضرب. و «البائع» لمن صدر منه البيع، لا من انتقل عنه المال، ومن صدر منه البيع - أي المبادلة بين المالين - هو الوكيل، لا الموكل، وإنما يقال للموكل: «باع داره» لضرب من التأويل والتجوز. وبالجملة: إن كان المدعى، أن قانون الاشتقاق في مشتقات «البيع» يخالف سائر المشتقات، فهو كما ترى. وإن كان أنه موافق لها، فلازمه أن يكون «البائع» حقيقة فيمن صدر منه البيع والمبادلة، مع أنه لو كان موضوعا لمن انتقل عنه المال، لكان الصلح
1 - منية الطالب 2: 15 - 16. 105 والهبة المعوضة بيعا. ومنها: دعوى كون الوكيل بدنا تنزيليا للموكل. ولقد أشرنا سابقا إلى عدم دليل - من عرف، ولا من شرع - على ذلك (1); فإن الوكالة عرفا وشرعا، تفويض أمر إلى غيره ليعمل حال حياته، وليس في العرف لتنزيل بدن منزلة بدن اسم، ولا رسم، وكذا في الشرع، فأين هذا التنزيل، المرتبة عليه أحكام شرعية في المقام وغيره؟! ومنها: أنه لو كان الوكيل بدنا تنزيليا، والموكل هو البائع حقيقة، لكان حمل «البائع» على الوكيل مجازا، فلا تحمل الأدلة إلا على الحقيقة، ولازمه عدم ثبوت الخيار إلا للموكل. ومنها: أن لازم كون الوكيل في صدق «البيع» عليه تبعا لموكله، تبعيته له في الاجتماع البدني أيضا، فاجتماع الموكلين كاف في ثبوته للوكيلين وإن لم يجتمعا أصلا، لا اجتماع الوكيلين. ولو كان التنزيل يوجب التعاكس، فلا مجال للتفكيك بين صدق «البيع» وتحقق الاجتماع، بل لا بد من القول: بكفاية اجتماع كل من الوكيلين والموكلين في ثبوته للآخر، فما دام الموكلان مجتمعين، يبقى خيار الوكيلين أيضا، فما وجه هذا التفكيك في صدق «البيع» وصدق الاجتماع؟! حول صحة نقل خيار المجلس إلى الغير ثم إن هذا الخيار، هل هو قابل للنقل إلى غيره بصلح ونحوه، أو لا؟ الظاهر صحة النقل ولو إلى أجنبي، سواء قلنا: بأن من هو الثابت له هو
1 - تقدم في الصفحة 96. 106 البيعان بلا قيد، وأن الخيار أيضا غير مقيد بالغاية، وإنما هي بيان لرافع الخيار، لا مقيدة له; وذلك لأن الحق على هذا مطلق، فلصاحبه نقله قبل تحقق رافعه، ما لم يثبت مانع عنه، كما أن له إسقاطه على ما هو حكم الحقوق عند العقلاء. نعم، هذا الحق يرتفع بتفرق من نقله، إذا كان ذلك رافعا له مطلقا. لكن هذا الاحتمال فاسد; إذ لازمه ثبوت الخيار للبيعين المفترقين حال العقد، وعدم سقوطه إلا بمسقط آخر، وكون الافتراق مسقطا له، إذا كان البيعان مجتمعين حاله، وهو باطل، مخالف لظاهر الأدلة. أو قلنا: بأن الغاية قيد للمتبايعين، لا للخيار، وأن الظاهر أن المتبايعين ما لم يفترقا لهما الخيار بلا قيد; وذلك لأن الحق - على هذا - ثابت لهما قبل الافتراق، ولا قيد للحق، فلهما نقله، كما أن لهما إسقاطه، ومعه يثبت للمنقول إليه الخيار بلا قيد. وتفرق من نقله لا أثر له; لأن النقل حصل قبل رفع الموضوع، ورفع ما كان موضوعا في السابق، لا تأثير له في رفع الحكم المنقول. إن قلت: إن الحكم إذا ثبت لعنوان «البيعين المجتمعين» أو «غير المفترقين» بما هو، فلا يصح نقله، كما لو جعل سكنى دار لإمام مسجد، فكما لا يجوز للإمام أن ينقل ذلك إلى غيره - لكون السكنى للعنوان، لا للشخص - فكذا المقام. قلت: إن الظاهر من تعلق الحكم بكل طبيعة أو عنوان، أن المتعلق نفس الطبيعة، وطبيعي العنوان; بحيث يتكثر بتكثر المصاديق، ويثبت الحكم لها باتحادها مع الطبيعي خارجا، فيكون كل فرد ذا حكم مستقل، إلا أن تقوم قرينة على أن الحق أو الحكم، مجعول للعنوان بما هو عنوان، كالمثال المذكور; فإن القرينة قائمة على أن السكنى مجعولة لحيثية الإمامة، لا لشخص الإمام، ولا لطبيعيه، ولهذا لا ينقل، ولا يورث.
107 وحيث لا قرينة في المقام، فالخيار ثابت لطبيعي البيعين غير المفترقين، ويتكثر بتكثر الأفراد، ويثبت للأشخاص خارجا. أم قلنا: بأن الغاية قيد للخيار، فللمتبايعين خيار مغيا بغاية، وهي تفرقهما; وذلك لأنه - على هذا - يكون لهما قبل التفرق، الخيار المحدود، والحق المقيد بتفرقهما، فلهما نقل هذا الحق المحدود، فيثبت للمنقول إليه الخيار المحدود إلى زمان تفرق المتبايعين، فإذا تفرقا سقط حقهما. فإن قلت: إن هذا الحق لما كان مغيا بافتراق ذي الخيار عن مثله، فلا يعقل انتقاله إلى غيره; لأن ثبوته بلا غاية غير صحيح، وإلى تفرق المنقول إليه لا معنى له، وإلى تفرق من نقله خلاف ظاهر النص; لأن ظاهره استمراره إلى افتراق ذي الحق عن طرفه، وليس له حق حتى يمتد إلى افتراقه (1). قلت: الخيار ثابت إلى افتراق من نقله عن طرفه، وظاهر النص - بعد كون الغاية للخيار - أنه ثابت لنفس المتبايعين، ولا يعقل أن يكون ثابتا لهما بما أنهما ذوا الخيار، وظاهر الغاية أن الخيار الثابت للموضوع، مستمر إلى حدها، ورجوع الضمير إلى غير ذات المتبايعين، خلاف الظاهر جدا. ففرق بين كون ما هو المرجع موردا للخيار، وبين كونه مقيدا به، حتى يختص التفرق بذي الحق. نعم، التفرق يوجب سقوطه عمن هو ثابت له حال التفرق، فهو ثابت للمتبايعين بلا قيد، ومستمر لهما إلى تفرقهما، فتقيده بكونه من ذي الخيار، خلاف ما هو ظاهر الدليل، فلهما نقله، وبتفرقهما يسقط حق المنقول إليه; لتحقق غايته.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 15 / السطر 32. 108 حول انتقال خيار المجلس بالإرث ومما ذكرنا يتضح ثبوت إرثه ونقله قهرا، أما على إطلاق حق الخيار فظاهر. وأما على كون الخيار مغيا بتفرق المتبايعين; فلأن هذا لا يمنع من كونه موروثا، وذلك لأنه إن قلنا: بأن الاعتبار في الاجتماع والافتراق لبدنهما، وأن بدن الميتين بدن المتبايعين، وأنه لا يعتبر الاختيار والحياة في تفرق البدن، فالإرث المحدود ثابت للوارث إلى حال تفرق البدنين. فما قيل: من أن التفرق معتبر بين الإنسانين، وهما جمادان (1) مدفوع بضرورة حكم العرف; بأنهما بدنا إنسانين متبايعين، ولو تفوه ب «الجمادية وسلب الربط» لما يقال: من أن شيئية الشئ بصورته (2) فهو بنظر فلسفي دقيق، خلاف نظر العرف الذي هو المعيار في مثل المقام. وإن قلنا: بانصراف الدليل إلى تفرق الحيين، أو بأن المعتبر هو التفرق بالاختيار، فاللازم انتقال الحق المحدود إلى الوارث. وامتناع تحقق الغاية، لا يوجب عدم توريث المغيا، بل موجب لعدم سقوط الحق إلا بمسقطات أخر، كما لو حدث للمتبايعين بعد البيع حادث ألصقهما; بحيث امتنع تفرقهما، فهو لا يوجب سقوط الخيار، حتى يكون امتناع التفرق بعد ثبوت الخيار، من مسقطاته، فالبائع مات عن حق محدود قابل للنقل. وهذا معنى ترك الحق وتوريثه، فالتوريث وصيرورة الغاية ممتنعة، في
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 15 / السطر 38. 2 - الحكمة المتعالية 2: 34. 109 عرض واحد، فتدبر جيدا، هذا حال الوكيلين. حول ثبوت خيار المجلس للفضوليين وأما الفضوليان، فلا إشكال في صدق «البيعين» عليهما، لا لما أفاد الشيخ (قدس سره): من أن النقل العرفي متحقق، بناء على إرادة النقل الواقعي (1)، فإن بطلان الفضولي - بمعنى عدم النقل العقلائي، وعدم صيرورة المبيع للمشتري، والثمن للبائع - واضح عند العرف نوعا، ولهذا يرون الاحتياج إلى الإجازة. بل لما أشرنا إليه مرارا: من أن ماهية البيع، عبارة عن المبادلة الإنشائية التي يمكن إنشاؤها، دون الانتقال الواقعي الذي هو متقوم باعتبار العقلاء (2); ضرورة أن اعتبارهم ليس تحت اختيار الغير، ولا يكون قابلا للإنشاء; فإنه أمر تكويني ولو كان ارتكازيا غير متوجه إليه تفصيلا. فالفضولي والأصيل، إنما ينشئان النقل الذي تحت اختيارهما; أي التبادل، لا الانتقال الواقعي الذي يتقوم باعتبار العقلاء. وهذا الأمر الإنشائي، قد يكون موضوعا لاعتبار النقل العقلائي الواقعي، كما في الأصيلين، وقد لا يكون إلا بعد لحوق شئ له، كالإجازة في الفضولي. لكن مع ذلك، لا يثبت لهما الخيار قبل لحوق الإجازة، لا لفحوى ما ذكر في الوكيل في مجرد العقد (3); لأن الوجوه المذكورة هناك غير تامة كما عرفت (4)، بل لأن مصب أخبار جعل الخيار، إنما هو بعد الفراغ عن صحة البيع ولزومه، فالبيع
1 - المكاسب: 217 / السطر 24. 2 - أنظر ما تقدم في الجزء الأول: 75، 238، وفي هذا الجزء: 68. 3 - منية الطالب 2: 16 / السطر 14. 4 - تقدم في الصفحة 68 وما بعدها. 110 الباطل فعلا وغير اللازم ذاتا، غير مشمول لها. وقد أشرنا سابقا: إلى أن أدلة الخيار، مقيدة لدليل اللزوم (1)، فالظاهر من قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) - بناء على أنه كناية عن اللزوم - هو أن كل عقد لازم، وأن تمام موضوع اللزوم في كل مصداق هو العقد، فإطلاقه يقتضي عدم الخيار مطلقا، وأدلة الخيارات مقيدة له. وحيث إن بيع الفضولي قبل الإجازة، لا صحة له ولا لزوم، فلا خيار فيه، ضرورة عدم صحة جعله للباطل غير اللازم، وأما بعد الإجازة، فلا مانع من ثبوته فيه للفضوليين، إلا أن يقال: بالانصراف عنهما. إن قلت: إن المتفاهم من أدلة الخيار، أنه حادث بحدوث عنوان «البيعين» والفرض بطلان ذلك، وأما بعد الإجازة فلا دليل على ثبوته; لقصور الأدلة عن إثبات لحوقه فيما بعد الحدوث. قلت: مضافا إلى أن الحكم المعلق على عنوان، يثبت له من حين حدوثه، إن لم يمنع عنه مانع، وإلا فمن حين ارتفاعه، والبيعان إنما لم يثبت لهما الخيار قبل الإجازة; لكون عدم الصحة واللزوم مانعا عنه، أو لأنه مع عدمهما لا مقتضي للثبوت، وإذا صح ولزم فلا مانع من ثبوته، ولا دليل على اقتصار الثبوت على ما إذا حدث بحدوثه. إنه إذا كان «البيعان» في البيع الصحيح هو الموضوع للخيار، كان تحقق هذا العنوان وحدوثه في بيع الفضولي بعد الإجازة، فالبيعان قبلها ليسا موضوعا، وبالإجازة يتحقق الموضوع، فلا إشكال من هذه الناحية، هذا على النقل. وأما على الكشف بأقسامه، فالموضوع متحقق من حين حدوث البيع;
1 - تقدم في الصفحة 104. 111 لثبوت الصحة واللزوم من حين العقد بحسب الواقع، ولو بتعبد من الشارع في الكشف التعبدي. إلا أن يقال فيه: إن التعبد بترتيب آثار الصحة واللزوم، قاصر عن إثبات كونهما بيعين في العقد الصحيح اللازم، ولم يدل دليل على أن العقد كذلك. ولو كان العقد بين أصيل وفضولي: فهل يثبت الخيار للأصيل بناء على النقل; بدعوى أن العقد لازم من قبله، وليس له فسخه (1) وإن لم يكن صحيحا فعليا أو لا; لمنع لزومه على ما تقدم في محله (2)، ومنع عدم اعتبار الصحة; لأنها أيضا مفروغ عنها في أدلة الخيار؟ الأوجه هو الثاني. هذا كله على مبنى القوم في ماهية البيع; من كونها مركبة من الإيجاب والقبول، وأن كلا من الفضوليين موجد لجزء منها، كالموجب والقابل في بيع الأصيلين. الحق عدم ثبوت خيار المجلس للفضولي وأما على ما ذكرناه في محله: من أن تمام ماهية البيع، عبارة عن مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بعوض إنشاء (3)، وأن الانتقال الواقعي ليس دخيلا في الماهية، وأن الموجب يوجد بإيجابه تمام ماهيته، وقبول القابل لا دخل له في تحققها، وإنما هو دخيل في موضوع حكم الشارع والعقلاء، في انتقال العوضين،
1 - المكاسب: 134 / السطر 21. 2 - تقدم في الجزء الثاني: 258. 3 - تقدم في الجزء الأول: 70، 237، 325، وفي هذا الجزء: 68، 73. 112 ولزوم العمل بالعقد، فيكون قبول الفضولي لغوا بلا أثر; فإنه غير دخيل في تحقق ماهيته، وكذا في ترتب الأثر; لأن إجازة المجيز للبيع المحقق بإيجاب الموجب، موضوع الأثر، سواء قبل الفضولي أم لا. بل الإجازة هي القبول في الحقيقة، كما أن القبول اللاحق بالإيجاب في الأصيل، هو الإجازة; لأن البائع فضولي في إيجابه بالنسبة إلى المشتري، فالبائع أصيل وفضولي، والقبول إجازة كإجازة الفضولي. وجواز الفصل بين الإيجاب والقبول - كالإجازة والعقد في الفضولي - لا إشكال فيه بحسب القواعد، إلا أن يدل دليل تعبدي على عدمه. وعلى هذا: لا يكون الفضولي القابل أحد البيعين، بل أحدهما هو الفضولي الموجب، والآخر هو المجيز للشراء، فلو اجتمع الأصيلان والفضوليان في مجلس، يثبت الخيار للفضولي البائع، وللمجيز للشراء، دون صاحب السلعة، والقابل الفضولي; لأن الأول ليس ببائع، والثاني ليس بمشتر، ولا بأحد البيعين. ومن ذلك يعلم: اعتبار اجتماع الفضولي البائع والمجيز للشراء، في ثبوت الخيار لهما، هذا كله مع الغض عن انصراف أدلة الخيار عن الفضولي. وأما بناء على انصرافها عنه كما هو الظاهر، فلا يثبت لهما الخيار، لا قبل الإجازة، ولا بعدها، كما لا يثبت للمالكين; فإنهما ليسا ببائعين، وإجازتهما لا تكفي في صدق العنوان عليهما، وهو واضح. ومما تقدم يظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره)، وهو أن الإجازة من المجيز التزام بالعقد، فلا خيار بعدها (1). لما عرفت: من أن الإجازة هي قبول ما أوجده البائع الموجب، وبها يتحقق
1 - المكاسب: 217 / السطر 29. 113 النقل، ويثبت الخيار على القول به، بل ولعل من المستحيل، أن يكون ما يترتب عليه الخيار مسقطا له. بل على ما ذكره أيضا، لا تكون الإجازة التي تصحح البيع ويترتب عليها الخيار، مسقطة له إلا بدال آخر.
114 مسألة في ثبوت الخيار للولي أو الوكيل الواحد عن الطرفين لو كان العاقد واحدا كالولي، والوكيل من البائع والمشتري - على وجه يثبت له الخيار مع التعدد - فهل يثبت له كما هو المحكي عن المشهور (1)، أو لا كما عن جمع من المتأخرين (2)؟ وجهان. وربما يستدل للثاني: بأنه قد وقع الحكم بالخيار في الأخبار على صيغة التثنية مقرونة بالافتراق، وشرطهما التعدد (3). أقول: أما صيغة التثنية وهي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (4) فبحسب الوضع والدلالة في المقام، لا تدل إلا على تعدد عنوان «البائع» و «المشتري» فإن لفظ «البائع» بمادته وهيئته، يدل على الصادر منه البيع; بنحو من البساطة
1 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 545 / السطر 7، المكاسب: 217 / السطر 32. 2 - إيضاح الفوائد 1: 481، مجمع الفائدة والبرهان 8: 389، الحدائق الناضرة 19: 16، أنظر المكاسب: 217 / السطر الأخير. 3 - المكاسب: 218 / السطر 1. 4 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 115 القابلة للتحليل، والتثنية في المقام بحسب التغليب، تدل على أثنينية طبيعة البائع، فيتعلق الحكم - بحسب الجد - بطبيعة البائع، وطبيعة المشتري، وإن اتحدا في الخارج وهما البيعان; بحسب الدعوى والاستعمال. وأما تعدد المصداق الخارجي، فخارج عن مدلول اللفظ، بعد عدم الوضع للأشخاص، وليس «البيعان» نظير «الزيدين» أو «الشمسين» فإن الثاني - بعد التغليب - يدل على شخصين خارجيين، بخلاف «البيعين». وعنوان «البائع والمشتري» الدال عليه اللفظ، كما هو صادق على شخصين إذا صدر منهما الإيجاب والقبول، صادق على الواحد مع صدورهما منه، ومع الصدق يكون شخصه - بوحدته - شخص البائع والمشتري، وبدنه بدنهما، فإن ذلك مقتضى صدق العناوين على الموضوعات، فإذا كان شخص مصداقا للعالم والعادل، يكون بدنه بوحدته، بدن العالم وبدن العادل باعتبارين، وبحسب الصدقين. فدعوى: دلالة التثنية على التعدد بحسب الأشخاص، في غير محلها، وتعدد العناوين لا يقتضي تعدد الأشخاص. وأما قضية الاقتران بالافتراق، وهي العمدة في المقام، فلا بد في تحقيقها من بيان محتملات الروايات، بعد إلغاء ما هو خلاف الظاهر منها، مثل احتمال أن الموضوع للخيار «البيعان المجتمعان». فنقول: أما قوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (1) فيحتمل أن يكون «ما لم يفترقا» قيدا للموضوع بنحو السلب البسيط عن الموضوع المحقق; فإن السلب الأعم من سلب الموضوع، لا يعقل في المقام الذي ثبت فيه الخيار، وهو
1 - الكافي 5: 170 / 6، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 116 أمر ثبوتي له، فلا محالة يكون الموضوع مفروغا عنه، فالبيعان المتحققان - مسلوبا عنهما الافتراق - لهما الخيار. فالقضية المفروضة قضية سالبة بسلب المحمول، وهي صادقة على الواحد ذي العنوانين، كما هي صادقة على المتعدد، فالبيعان - أي عنوان «البائع والمشتري» المسلوب عنهما الافتراق بدنا - صادق عليه، وإلا لصدق مقابله; وهو ثبوت الافتراق، وهو محال. وعلى هذا الفرض، ليس حكم آخر متعلقا بموضوع آخر، وليس شئ يدل على أن السلب عن موضوع قابل للافتراق; لأن المقابلة مقابلة الإيجاب والسلب، وهي لا تقتضي ذلك، كاقتضاء العدم والملكة. كلام المحقق الأصفهاني وما يرد عليه فما أفاده بعض أهل التحقيق (قدس سره): من أن السالبة وإن لم تتوقف على وجود الموضوع، إلا أن الظاهر من مجموع الأخبار، أنها بصدد إثبات أمر واحد، ومن البديهي أن الموجبة تحتاج إلى وجوده، فيعلم أن السالبة بسلب المحمول (1). منظور فيه; لأنه - مضافا إلى أن السالبة في المقام، لا يعقل أن تكون بسلب الموضوع; فإن الموضوع هو «البيعان» لا بدنهما، والسلب بسلبه يوجب إثبات الخيار للمعدوم - لو كان الموضوع بدن البيعين، لكان السلب أيضا بسلب المحمول، ولا يثبت ما رامه; لما عرفت من أن بدن العاقد الواحد، بدن البائع والمشتري، لأنه لازم صدق العنوانين عليه عقلا وعرفا. ولا يلزم في صدق السالبة مع وجود الموضوع، تحقق البدنين; لمفروضية
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 16 / السطر 30. 117 كون التقابل بين الافتراق وسلبه، تقابل الإيجاب والسلب، لا العدم والملكة، واللازم صدق سلب تفرق بدنهما، وهو كذلك، وإلا لصدق نقيضه، وهو ممتنع، فامتناع تفرق بدنهما، مستلزم لوجوب نقيضه، وهو سلبه. مضافا إلى أن الحكم لما كان على العناوين الكلية، كان بدن البيعين - كنفس عنوانهما - عنوانين صادقين على المصداق الواحد. فالموجود الخارجي مجمع العنوانين، والبدنان مجتمعان في البدن الواحد الخارجي، وهو من جهة بدن البائع، ومن جهة أخرى بدن المشتري، وعدم افتراقهما كعدم افتراق بدنين ملصقين، والاجتماع في نظائره اجتماع اتحاد، لا وحدة، وإلا لا يعقل سلب أحدهما مع بقاء الآخر ضرورة. فمع اجتماع العالم والعادل في شخص، يكون بدنه بدنهما، ومع سلب العدالة، يبقى بدن العالم، ويخرج الخارج عن كونه بدن العادل، وهذا حكم العناوين المنطبقة على المصاديق. نعم، قد يتفق كون صدق العناوين على موضوع بجهة واحدة، كصرف الوجود على بعض الاصطلاحات. فتحصل مما مر: أن القائل بعدم الخيار له، إما قائل بظهور «البيعين» في تعدد الشخصين والبدنين، أو قائل: بأن التفرق وسلبه متقابلان تقابل العدم والملكة، أو قائل: بأن الموضوع للسالبة بدن البيعين، ولا بدن لهما مع الوحدة، أو قائل: بأن الموضوع في سلب الافتراق بدنان، وقد عرفت ما فيها. بل لو دل دليل على أن الخيار، ثابت مع سلب افتراق بدن البائع عن بدن المشتري، يكون السلب صادقا; لما عرفت من أن البدن الواحد، بدن البائع وبدن المشتري، وهما مجتمعان فيه، ولهذا لو أمر المولى بإطعام كل بائع، وإكساء كل مشتر، لوجب في المقام إطعامه وإكساؤه.
118 ودعوى: ظهور جملة الكلام في التعدد والانفصال خارجا، بلا بينة; لعدم دلالة لجملة الكلام، إلا أن يدعى الانصراف، وعهدتها على مدعيها. إشكال ودفع إن قلت: إن الألفاظ الموضوعة لنفس الطبائع، لا تدل إلا عليها، والدلالة على الأصناف والأشخاص، تحتاج إلى دوال أخر، فإذا لحق بها ما يدل على الاستغراق - كالجمع المحلى - يدل ذلك على تكثر المدخول فردا، لا صنفا ونوعا، كما قلنا في قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) إن الجمع يدل على كل مصداق من العقد، لا على كل نوع منه (1). وبعبارة أخرى: إنه بعد امتناع تكرر الواحد وتكثره بما هو، لا بد أن يكون التكثر إما باعتبار كثرة الأنواع، أو الأصناف، أو باعتبار كثرة الأفراد، والظاهر هو الأخير; لأنه تكثر لنفس الطبيعة، وغيره يحتاج إلى تقييد. وكذا الحال في علامة التثنية اللاحقة للطبائع، فإنها أيضا دالة على التكثر الفردي، لا النوعي والصنفي، ف «الإنسانان» صادق على مصداقين من صنفين، أو من صنف واحد، وكذا «العالمان» وغيرهما. والظاهر من التكثر الفردي بحسب فهم العرف، هو الكثرة الخارجية، لا كثرة العنوان أو الكثرة الاعتبارية، ولهذا لو أمر بإكرام عالمين، يجب عليه إكرام شخصين، ولا يكفي إكرام شخص ذي عنوانين. بخلاف ما لو قال: «أكرم العالم» ثم قال: «أكرم الهاشمي» فإن إكرام مجمع العنوانين كاف، هذا أصل.
1 - تقدم في الصفحة 38. 119 والأصل الآخر أنه في التغليب في المقام - كغيره نحو «الشمسين» و «القمرين» - يكون لحوق علامة التثنية بعد دعوى المتكلم، أن الموضوعين أو الشخصين من طبيعة واحدة. ففي مثل «شمسين» ادعى أن القمر شمس، وليس في الفلك مثلا إلا الشمس، ثم ألحق بالواحد الادعائي علامة المثنى. وفي المقام: ادعي أن المشتري بائع، وليس غير البائع عنوان، ثم ألحق بالعنوان الواحد علامة المثنى، ولازمه صدق «البايعين» على فردين خارجيين من البائع فقط، أو من المشتري فقط، أو فرد من البائع، وفرد من المشتري، لكن قامت القرينة على إرادة الأخير، فتمت الدلالة على التكثر الخارجي المنفصل. قلت: بعد تسليم المقدمة الأولى، تكون الثانية مخدوشة; فإن القرينة العرفية، قائمة على أن المراد بالتثنية البائع والمشتري; أي نفس طبيعتهما، وإرادة الفرد تحتاج إلى قرينة، ومع عدمها يحمل الكلام على ذلك، ولهذا لا ينقدح في ذهن العرف، أن البايعين والمشتريين مصداق للبايعين، وإنما الحمل على غيرهما لأجل القرينة. وبالجملة: لا يفهم من تلك الجملة إلا ما يفهم من قوله: «البائع والمشتري بالخيار» وقد عرفت حال قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما لم يفترقا» (1). وأما المغياة بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حتى يفترقا» (2): فقد يقال: بأن الافتراق معنى متقوم باثنين، وعنوان «المفترق» و «المفترق عنه» لا يجتمعان في واحد، والقضية الإيجابية تستدعي وجود الموضوع.
1 - تقدم في الصفحة 116. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 120 والظاهر من مجموع الروايات، أنها بصدد إثبات أمر واحد، فيعلم أنها أيضا كالموجبة، فيعتبر فيها وجود الموضوع (1). أقول: إن الاستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار حتى يفترقا» - بالاستناد إلى أن الموجبة تحتاج إلى وجود الموضوع - مبنية على أن الغاية دخيلة في استمرار الخيار، وداخلة في المغيا، وهو واضح البطلان. وأما إذا كانت غاية; بمعنى انقطاع الحكم بها، وأن الخيار مستمر إلى ما قبلها; وهو عدم الافتراق، فلا حكم إيجابي يحتاج إلى وجود الموضوع، والغاية في أمثال المقام من هذا القبيل. فقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط...) (2) إلى آخره، يدل على أن المراد، هو جوازهما في الليل مستمرا إلى زواله; أي ما لم يتبين الخيط الأبيض، لا أن تبينه أيضا دخيل، حتى يحكم بعدم جواز الأكل في الليل، إذا كان المكلف في محل فرض عدم تحقق النهار فيه أبدا. وبالجملة: تدل تلك الغايات على سقوط الحكم عندها، والحكم ثابت إلى انتهاء زمان مقابلاتها، فالمتفاهم من الرواية، أن الخيار ثابت ما لم تتحقق الغاية، لا إلى زمان حصولها. هذا مع الغض عن سائر الروايات، وإلا فالأمر أوضح; فإن قوله (عليه السلام) في بعضها: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار» (3) بمنزلة التفسير للرواية المتقدمة، المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ظاهر الدلالة في أن الخيار
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 16 / السطر 23 - 31. 2 - البقرة (2): 187. 3 - الكافي 5: 170 / 6، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 121 ثابت ما لم يفترقا، والافتراق رافع للخيار. وكذا الحال في بعض آخر، حيث قال (عليه السلام): «فإذا افترقا وجب البيع» (1) لما عرفت من أنه كناية عن سقوط الخيار، فتدل تلك الروايات على أن الغاية في النبوي; لرفع الحكم وعدم الخيار. فتحصل مما ذكر: أن قول المشهور بثبوت الخيار (2)، لا يخلو من قوة. ثم على فرض تسليم دلالة الروايات على ما قيل، فالظاهر عدم صحة التفصيل بين المقام، وبين ما إذا فرض رأسان على بدن واحد - بحيث يكون كل غير الآخر - وما إذا فرض البدنان ملصقين; بحيث لا يمكن انفصالهما (3)، فإن الظاهر من القضية بعد التسليم، أن الحكم ثابت للمتبايعين إذا أمكن افتراقهما، من غير فرق بين الإمكان الذاتي والوقوعي، فلا يكفي مجرد الاثنينية مع امتناع التفرق. بل لا يبعد أن يقال: إن المتلازمين بحيث لا يمكنهما التفرق لعارض - كالحبس أبدا في مجلس العقد - أيضا كذلك. ثم على فرض التوقف في استفادة حكم الموضوع من الأخبار، فالمرجع أدلة لزوم البيع، فمراد الشيخ (قدس سره) من «التوقف» (4) لعله التوقف في الاستفادة، لا في حكم الموضوع.
1 - الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، تهذيب الأحكام 7: 20 / 86، الاستبصار 3: 72 / 241، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4. 2 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 545 / السطر 7، المكاسب: 217 / السطر 32. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 6 / السطر 19. 4 - المكاسب: 218 / السطر 5. 122 مسألة في مستثنيات خيار المجلس استثني من ثبوت الخيار بعض أشخاص المبيع: منها: من ينعتق على أحد المتبايعين وقد نسب إلى المشهور عدم الخيار فيه (1)، بل قيل: إنه موضع وفاق (2)، وعن «الدروس» احتمال ثبوته للبائع (3). والظاهر عدم الكلام في أنه لا خيار بالنسبة إلى نفس العين. وأما بالنسبة إلى القيمة: فقد يقال: بعدمه أيضا; لعدم صدق «البيعين» لعدم الشراء حقيقة في العمودين، بل هو صورة شراء واستنقاذ من البائع، نظير شراء المسلم الأسير من الكافر (4)، فالاستثناء منقطع.
1 - الحدائق الناضرة 19: 16. 2 - مسالك الأفهام 3: 212. 3 - الدروس الشرعية 3: 266، أنظر المكاسب: 218 / السطر 7. 4 - منية الطالب 2: 17 / السطر 11. 123 وفيه: منع عدم الصدق; لما تقدم مرارا من أن ماهية البيع، ليست إلا المبادلة الإنشائية بين المالين، سواء حصل الانتقال حقيقة أم لا، كالبيع الفضولي (1). فالعمودان مال قبل الانعتاق وتعلق البيع، واشتراؤهما اشتراء حقيقة، وعدم تملكهما بعد البيع - على القول به - لا يخرج الشراء عن حقيقته. ولا إشكال في حصول الجد في الشراء; لاختلاف الأغراض الموجبة له بحسب الموارد، بل قد مر منا في بعض المباحث، أن اشتراء الحشرات المؤذية - لغرض إفنائها ودفعها عن الزرع ونحوه - اشتراء عقلائي، يصدق عليه «الاشتراء» حقيقة، ويتحقق الجد فيه واقعا (2). وقد يقال: بانصراف أدلة الخيارات إلى حال وجود العوضين، فإذا تلف أحدهما أو كلاهما فلا خيار، والمقام من التلف الشرعي; لامتناع رجوع الحر رقا، فعليه لا تكون الخيارات مطلقا مع التلف (3). وهذا وإن لم يكن بذلك البعد، لكن لا تطمئن به النفس. وقد يقال: بامتناع تحقق الفسخ مع التلف; فإن الفسخ إرجاع العوضين إلى محلهما قبل البيع، ولا يعقل إرجاع المعدوم، كما لا يعقل بيع المعدوم، والمنعتق وإن لم يكن معدوما، لكنه بحكمه; لأنه لا يمكن إرجاعه تحقيقا إلى محله، ولا إرجاعه إلى ملك المشتري لينتقل منه إلى البائع، تحقيقا لحقيقة الفسخ (4). وقد يجاب عنه: بأن العود تحقيقا إنما يوجب عود الحر رقا، إذا كان موجبا
1 - تقدم في الجزء الأول: 75، 238، وفي هذا الجزء: 68. 2 - المكاسب المحرمة، الإمام الخميني (قدس سره) 1: 240. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 9 / السطر 20. 4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 17 / السطر 5 - 11. 124 لعود المبيع بعينه، لا بماليته المنحفظة بعينه تارة، وببدله أخرى، والقائل بالخيار حتى مع التلف، لا بد وأن يقول: بالعود بماليته، لا بشخصه. ومختصر القول فيه: أن القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر، لا يستقل بالتحصل إلا بلحاظ ما تعلق به القرار، ولا يعقل بقاء القرار مع عدم بقاء متعلقه بنحو من الاعتبار، ولا يعقل اعتبار الحل إلا مع اعتبار بقاء العقد. فحينئذ إن كان اعتبار الحل مطلقا، وشاملا لصورة تلف العين، فلا بد من اعتبار بقاء العقد بين العينين بما هما ما لان، لا بما هما عينان، فمع بقاء العين تعود بشخصيتها وماليتها، ومع عدمه تعود بماليتها، والمالية بما هي مالية - لا بما هي متقومة بعين خاصة - لا تلف لها، وعود المالية إلى الفاسخ عين ملك البدل (1). انتهى. وهو لا يخلو من غرابة; ضرورة أن عدم بقاء العقد إلا ببقاء متعلقه، لا يوجب الالتزام بما هو فاسد عقلا وعرفا; لأنه إن كان المراد من «بقائه بما هما ما لان» أن العقد بعد تلف العين - التي هي متعلقه - تعلق بأمر آخر في وجوده البقائي، فهو واضح الامتناع. وإن كان المراد: أنه تعلق في حدوثه بهوية المتعلق، وماليته باقية بعد تلف الهوية، فإن رجع إلى التزام مالية كلية، فيكون المتعلق هوية جزئية ومالية كلية، فهو محال مع إنشاء واحد، والانحلال إلى بيعين أفسد، مع أنه كر على ما فر منه. وإن رجع إلى التعلق بالعين بماليتها; أي بما هي مال، فمع تلف العين لا يعقل بقاء ماليتها.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 17 / السطر 15. 125 وإن كان المراد: التعلق بمالية العين لا بنفسها، فهو أفسد، مع أنها تتلف بتلف العين. وإن كان المراد: التعلق بمالية باقية، فيرجع إلى أن المبيع كلي، والعين الخارجية ليست مبيعة، وهو ظاهر الفساد. فقوله: «بما هما ما لان» الظاهر في أن المتعلق مالية باقية لا عين، ظاهر في الاحتمال الأخير، ولعله أفسد الاحتمالات; فإن بقاء المالية المتحققة في العين، غير معقول، والمالية الباقية كلية لا جزئية، والمالية المتحققة فيها جزئية، لا بقاء لها بعدها. والإنصاف: أن تلك التخرصات، خارجة عن الاعتبارات العقلائية والموازين العقلية، وتصورات محضة، لا واقعية لها، ولا إشكال في أن الالتزام بعدم الخيار أولى من ذلك. العقد متوقف على وجود أطرافه حدوثا لا بقاء والتحقيق في المقام: أن بقاء العقد ببقاء متعلقه، ليس كبقاء الأعراض الخارجية ببقاء متعلقاتها; فإن الأعراض بما أنها موجودات واقعية، تحتاج إلى الجواهر، فتكون في الحدوث والبقاء تابعة لها. وأما العقد والبيع وسائر الأمور الاعتبارية، فلا إشكال في أن تحصلها تبع لوجود الأطراف، لكن لا يكون بقاؤها الاعتباري تبعا لبقاء الأطراف، بل ما هو الباقي في اعتبار العقلاء، العقد المتعلق بالعين في ظرف حدوثه، لا بنحو التقييد بالزمان حتى يلزم المحذور، بل بنحو الظرفية، فلا يلزم أن يكون الفسخ من الأصل. والباقي اعتبارا وإن احتاج إلى المتعلق، لكن لا يلزم وجود المتعلق في كل
126 زمان، بل وجوده في زمان الحدوث، كاف لاعتبار البقاء. وما ذكرناه هو الموافق لاعتبار العقلاء; فإنهم مع علمهم جزما بأن المبيع هو الفرس مثلا، ولا ينقدح في ذهنهم، أن الفرس بما هو مال أو بماليته مبيع - فضلا عن توهم كون المتعلق مالية باقية بعد تلفه، أو هو بمالية باقية بعد تلفه - يرون أن القرار المعاملي باق، فيرون أن العقد المتعلق بالفرس، قابل للفسخ بعد تلفه. فالبقاء منسوب إلى العقد الحادث في زمان وجود المتعلق، وهو أمر لا يعرض له التلف، والبقاء الاعتباري لا يحتاج إلى أزيد من ذلك. والعمدة: أنه موافق لنظر العرف، وغير مخالف للعقل والشرع. الفسخ هدم للعقد لا إرجاع العوضين إلى مالكيهما السابقين ثم إن الفسخ عبارة عن حل عقدة البيع، وقد تقدم مرارا: أن ماهية البيع - التي هي في جميع الموارد معنى واحد، وحقيقة فاردة - عبارة عن مبادلة إنشائية (1)، وهي موضوع اعتبار العقلاء، ويختلف اعتبارهم - بعد وحدة حقيقته - بحسب اختلاف الموارد; من مبادلة الأصيلين ما لهما، ومبادلة الفضولي والوكيلين، وبيع الكلي، وبيع الوقف، وبيع الحاكم الأعيان الزكوية، ومبادلتها مع حاكم آخر بأعيان زكوية أخرى. ففي جميع تلك الموارد وغيرها، ماهية البيع أمر واحد، هو تبديل شئ بالعوض إنشاء. مع أن اعتبارات العقلاء مختلفة; ففي بعضها يكون الاعتبار، انتقال
1 - تقدم تخريجها في الصفحة 124، الهامش 1. 127 العوضين إلى ملك المتعاملين، وفي بعضها إلى ملك الموكلين، وفي بعضها لا ينتقل إلى ملك أحد، كثمن الوقف العام، بل الخاص على وجه قوي، وفي بعضها لا ينتقل العوضان إلى ملك أحد، ولا يخرجان من ملك أحد، كمبادلة الأجناس الزكوية التي هي تحت تصرف الواليين. فالعقد واحد، والأحكام العقلائية مختلفة، والفسخ ليس إلا هدم العقد وحله، لا إرجاع المثمن إلى ملك البائع، والثمن إلى ملك المشتري; فإن ذلك غير مفهوم الفسخ ومعناه. نعم، حل العقد الإنشائي، له أحكام مختلفة بحسب اختلاف الموارد، كاختلاف أحكام البيع بحسبها، فقد يكون الحكم العقلائي، رجوع العين والثمن إلى ملك البائع والمشتري، وقد يكون رفع مالكية المشتري للمبيع، كما في بيع الكلي، فيسقط بالفسخ عن ذمة البائع، من غير أن يصير ملكا له، وقد يكون العود إلى الوقف... إلى غير ذلك. ومن الأحكام العقلائية بعد الفسخ، الرجوع إلى البدل بعد فقد العين، من غير أن يقدر التالف ملكا للمشتري. مع أن تقدير المبيع وفرضه، والملك الفرضي، لا يفيدان شيئا; لأن مقتضى الفسخ إن كان تلقي المبيع من المشتري، فلا إشكال في أن ما وقع عليه العقد، هو المبيع الحقيقي، لا الفرضي، وتلقيه منه غير معقول، وقد عرفت حال التعلق بالمالية; وأنه غير معقول (1). والتحقيق: أن الرجوع إلى البدل، حكم عقلائي للفسخ عند فقد المبدل،
1 - تقدم في الصفحة 125 - 126. 128 وليس مقتضى الفسخ، إلا حل العقد والمعاملة الإنشائية التي هي البيع، من غير دخالة للانتقال في ماهيته، فإذا لم تكن ماهيته إلا ذلك، فلا يعقل أن يكون الفسخ غير حله. فالانتقال حكم عقلائي عند وجود المبيع، والانتقال إلى البدل أيضا حكم عقلائي. فتحصل من جميع ما مر: أن العقد المتعلق بالعوضين باق، وأن تحصله بهما حال وجودهما، واعتبار البقاء لا يحتاج إلى بقائهما، فالباقي هو العقد المتعلق بهما في ظرف وجودهما، وأن الفسخ حل البيع الإنشائي، ومع فقد العوضين أو أحدهما، يرجع إلى البدل بحسب الحكم العقلائي، فثبوت الخيار في التالف حقيقة، أو شرعا كما في المقام، لا محذور فيه. وعليه فاللازم الأخذ بإطلاق أدلة الخيار، ولا يجوز رفع اليد عنه بعد عدم المحذور فيه، وأما على ما بنوا عليه، فاللازم منه تقييد الإطلاق عقلا; لعدم معقولية تحقق الفسخ، وما ذكروه في تصوره غير معقول، أو غير واقع، فتدبر جيدا. كلام الشيخ الأعظم والجواب عنه وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) - بعد فرض كون الملك فيمن ينعتق عليه تقديريا، لا تحقيقيا -: من أن الخيار لا وجه له; لأن المتبايعين أقدما على إتلاف العين وإخراجها عن المالية، مع علمهما بالواقعة (1).
1 - المكاسب: 218 / السطر 13. 129 ففيه: أنه إن كانت الدعوى، أن البيع سبب للانعتاق، فإيجاد السبب إخراج للشيء من المالية، وإتلاف للموضوع، فتندفع بأن ما يتصور بدوا في المقام بعد فرض إنشاء المتعاملين البيع - كسائر الموارد - أمور: منها: أن إنشاء البيع بتصرف من الشارع الأعظم، ينقلب إلى إنشاء العتق. ولا يخفى امتناعه، إن كان المراد الانقلاب حقيقة، كما لا وجه للانقلاب التعبدي، ولا دليل عليه. مع أن لازمهما عدم الخيار، لا لما ذكره، بل لعدم البيع حقيقة أو تعبدا. ومنها: أنه جعل البيع سببا للانعتاق، فما هو سبب عرفا للنقل، سبب شرعا للعتق، وعلى هذا فالإقدام على المبايعة، إقدام على إيجاد سبب التلف، والمتبايعان أتلفا المبيع، وأقدما عليه، فمع علمهما يسقط الخيار، بل لا يثبت رأسا. وفيه: - مضافا إلى عدم تحقق السببية، وعدم إمكانها في الاعتباريات; لأن مقتضى السببية بعد جعلها، ترتب المسبب عليه قهرا، ترتب المعلول على علته، والحرية كغيرها من الاعتباريات، متقومة بالاعتبار العقلائي أو الشرعي، وما كان كذلك، لا يعقل تحققه إلا بما هو من مبادئ اعتباره، ولا يعقل سببية البيع لذلك - أنه لا دليل على ذلك. بل الظاهر من الأدلة خلافه; فإن الظاهر منها، أنه بعد صيرورة العمودين ملكا ينعتقان، وقد تقدم أن حصول الملكية الحقيقية ليس بسبب البيع، بل هي من الأحكام العقلائية المترتبة عليه (1).
1 - تقدم في الصفحة 110، 112. 130 ومنها: أن بيع العمودين ونحوهما، موضوع لحكم شرعي; هو الانعتاق، وهذا لا مانع منه عقلا لو دل عليه دليل. فيكون المحصل منه: أن الشارع لم يتصرف في ماهية البيع، ولا في الإنشائي منه، ولا في الحكم العقلائي المرتب عليه; من صيرورة الثمن ملكا للبائع، والمثمن للمشتري; فإن التصرف في اعتبارهم، خارج عن نطاق التشريع، بل حكم بالانعتاق، وخالف العرف في ذلك، فلم يصر المبيع - بحكمه - ملكا للبائع، بل صار منعتقا، فالخلاف مع العرف في خصوص ذلك. ومن الواضح: أنه على هذا الفرض المعقول، لا يكون المتبايعان سببا للانعتاق بوجه من الوجوه; فإن ما هو فعلهما، هو إيجاد البيع إنشاء بإيجابه وقبوله، وأما ترتب الحكم العقلائي أو الشرعي عليه، فليس في اختيارهم ووسعهم، وإيجاد موضوع الحكم غير إيجاد سببه. ف «البيعان» صادق عليهما، والثمن منتقل إلى البائع عرفا وشرعا، والمثمن منتقل إلى المشتري عرفا، لا شرعا، بناء على عدم حصول الملك ولو في آن، فلا إشكال في لزوم الأخذ بإطلاق دليل الخيار. وأما ما قد يقال: من أن البيع الكذائي مع علمهما بالواقعة، التزام بالعقد، وإسقاط للخيار، أو دافع له (1) فغير مرضي إلا على القول: بأن الخيار متعلق بالعين، ومع تلفها يسقط بسقوط موضوعه، وهو كما ترى. وعليه لا منافاة بين الخيار، وتلف المبيع بفعل الشرع، أو بفعل أجنبي، والأخبار الواردة في خيار الحيوان الحاكمة بسقوطه بالتصرف (2)، قاصرة عن
1 - المكاسب: 218 / السطر 13 و 34. 2 - وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4. 131 شمول المقام، كما لا يخفى. إشكال ودفع إن قلت: لا إشكال في أن أدلة الخيارات، مقيدة لأدلة لزوم البيع، فيكون اللزوم في نفسه مفروغا عنه، فبناء على انتزاع الأحكام الوضعية عن التكليفية، يكون اللزوم منتزعا عن وجوب الوفاء بالعقد. ومعنى وجوب الوفاء، هو وجوب العمل على طبق مفاده، وهو مفقود في المقام; لأن العبد المنعتق غير قابل للتسليم، وليس تحت يد أحد، سواء قلنا: بحصول الملكية آنا ما المترتب عليه العتق فقط، أو قلنا: بعدمه. بل على هذا الفرض، لا يتحقق مفاد العقد رأسا، فلا يكون بيع العمودين في نفسه لازما، حتى يأتي فيه الخيار. وأما اللزوم الطارئ على هذا البيع، فإنما هو لأجل انعتاق المثمن، وعدم إمكان رجوعه، نظير لزوم المعاطاة بالتلف على القول: بجوازها، وهو غير اللزوم المجعول تبعا. قلت: - مضافا إلى بطلان المبنى; فإن الأحكام الوضعية قابلة للوضع مستقلا، وقد قلنا: إن وجوب الوفاء بالعقود كناية عن لزومها (1) - إن وجوب وفاء المشتري برد الثمن كاف لانتزاع اللزوم إذا كان عدم اللزوم على البائع لمحذور، لا في نفسه كما في المقام. ثم إن الظاهر من الأدلة الواردة في باب انعتاق العمودين ونحوهما - بملاحظة الجمع العقلائي بينها - هو صيرورتهما مملوكين آنا ما، ووقوع الانعتاق
1 - تقدم في الصفحة 28 - 30. 132 في ملك المشتري; فإن منها ما دل على أنه لو ملكهما انعتقا (1) ومنها ما دل على عدم ملكهما (2) والجمع بالمملوكية غير المستقرة عقلائي، وهذا الملك غير المستقر يترتب عليه الانعتاق فقط; بحسب حكم الشرع.
1 - راجع وسائل الشيعة 23: 18، كتاب العتق، الباب 7، الحديث 1 و 2 و 5 و 7 و 8 و 10. 2 - راجع وسائل الشيعة 23: 19، كتاب العتق، الباب 7، الحديث 2 و 4. 133 مسألة فيما يثبت فيه خيار المجلس لا يثبت خيار المجلس في شئ من العقود سوى البيع نصا (1) وفتوى (2)، وهذا مما لا ينبغي الإشكال فيه; لأن خيار المجلس شرعي، وليس عند العقلاء منه ولا من خيار الحيوان، عين ولا أثر، والأدلة - على كثرتها - مختصة بالبيع، ودعوى إلغاء الخصوصية عنه، في غاية السقوط. فهل يعم هذا الخيار جميع البيوع، على ما هو مقتضى إطلاق بعض الأخبار، أو لا يثبت في بعضها؟ حول ثبوت خيار المجلس في المعاطاة منه: المعاطاة بناء على أنها بيع جائز - وأما بناء على لزومها كما هو التحقيق، فلا إشكال في ثبوته فيها - بأن يقال: إن جعل الخيار في العقد الجائز لغو، فالعقل مقيد للإطلاق على فرضه.
1 - راجع وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1 و 2. 2 - غنية النزوع: 220، شرائع الإسلام 2: 17، قواعد الأحكام 1: 142 / السطر 2، أنظر المكاسب: 219 / السطر 15. 135 مع أن الإطلاق ممنوع; فإن مصب أدلة الخيار، إنما هو بعد الفراغ عن لزوم البيع (1). وفيه: أن اللغوية في القوانين الكلية، إنما تلاحظ بالنسبة إلى القانون الكلي، لا كل مورد; لأن الأدلة في الأحكام الكلية - ولا سيما المطلقات - غير ناظرة إلى خصوصيات المصاديق. فقاعدة الطهارة والحل تعم مورد استصحابهما، ولا يكون الجعل لغوا; لعدم لحاظ الموارد، ولا ابتلائها أحيانا بالمعارض، أو المزاحم، أو كون المكلف عاجزا، أو جاهلا، أو نائما... إلى غير ذلك. فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (2) مطلق وإن كان بعض موارده، يثبت فيه الجواز الحكمي أيضا، كما أنه مطلق ولو مع ثبوت خيار أو خيارات أخر. وأما أن مصب الأخبار هو بعد الفراغ عن اللزوم، فهو مسلم، لكن المعاطاة يعرض عليها اللزوم في بعض الموارد، كتلف العين، أو العوضين، وكامتزاجها بما يوجب سلب التميز... إلى غير ذلك، فثبوته لها بهذا اللحاظ، يكفي لعدم اللغوية لو لم يسلم ما تقدم، كما لا ينافي مصب الأدلة، وسيأتي الإشكال في إطلاقها على هذا الفرض (3)، والأمر سهل بعد كونها لازمة كسائر العقود. حول ثبوت خيار المجلس في مورد ثبوت خيار الحيوان ومنه: مورد ثبوت خيار الحيوان للمشتري، أو للبائع أيضا، إذا كانت
1 - منية الطالب 2: 21 / السطر 17. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 3 - يأتي في الصفحة 139. 136 المعاوضة بين الحيوانين بناء على ثبوته له، فإن الظاهر أن خيار المجلس والحيوان لا كثرة فيها; لا من جهة ذاتهما، وهو واضح، ولا من جهة الموضوع أو العلة، كما في خيار الغبن، وخيار العيب، فإن الكثرة هناك بكثرة العلة الموجبة لضيق ذاتي، لا ينطبق إلا على المقيد، أو بكثرة الموضوع كذلك إن قلنا: بأن الغبن ونحوه ليس علة، بل موضوع لثبوت الخيار. بخلاف خيار المجلس والحيوان، فإن المجلس لا دخل له في ثبوته، بل نفس البيع تمام الموضوع، وكثرة العوضين لا توجب كثرة المجعول، وخيار الحيوان أيضا لا يثبت إلا لنوع من العوضين، ومعه يلزم من ثبوت خيارين في بيع الحيوان أن يكون بلا موجب للتكثر. ولا يصح أن يقال: إن خيار المجلس ثابت للبيع بما هو، وخيار الحيوان ثابت لبيع الحيوان، فإن البيع بما هو من غير لحاظ المتعلق، لا واقعية له إلا تحليلا، ولا يتعلق به الخيار جزما. وبالجملة: لا يعقل تعلق جعلين بأمر واحد لا كثرة فيه; إذ يرجع في المقام إلى أن مشتري الحيوان بالخيار إلى زمان التفرق، وهو بالخيار إلى ثلاثة أيام، وبعد كون التفرق وثلاثة الأيام غاية، لا قيدا مكثرا، لا يعقل تعلق الجعلين بهما. نعم، ما هو المعقول هو امتداد الخيار المجعول في سائر المتعلقات إلى ثلاثة أيام من الحيوان. ولو نوقش في ذلك، فلا ينبغي الإشكال في أن المستفاد من الأخبار، أن خيار المجلس ثابت في غير الحيوان، وخيار الحيوان الذي جعل فيه إلى ثلاثة أيام، هو الخيار الذي جعل في غيره إلى زمان الافتراق. ففي مصححة علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته
137 يقول: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي غير الحيوان أن يفترقا» (1). وفي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (2) وقريب منهما غيرهما. والظاهر منهما الذي هو كالنص، أن خيار المجلس لغير من يكون له خيار الحيوان، بل الظاهر الذي لا ينبغي إنكاره، أن الخيار المجعول في غير الحيوان إلى أن يفترقا، مجعول فيه إلى ثلاثة أيام. والمناسب للاعتبار أيضا ذلك; فإن المظنون أن حكمة الجعل في خيار المجلس، هو النظرة لهما; للتروي وتشخيص المصلحة، وفي الحيوان أيضا كذلك، لكن لما كانت الحيوانات مختلفة من حيث الخلق والجهات الباطنية، جعل للمشتري الخيار إلى ثلاثة أيام للتروي، فلا يكون خيار الحيوان للمشتري، إلا الخيار الذي لسائر المعاملين، وإن كان امتداده إلى ثلاثة أيام. وتوهم: دلالة رواية عمار بن موسى (3) على ثبوت خيار المجلس للمشتري فاسد; لأنها تدل على سقوط الخيار بالتفرق، لا سقوط خيار المشتري فراجعها، فحينئذ لو طال مجلس المشتري والبائع إلى أزيد من ثلاثة أيام، انقضى
1 - الكافي 5: 216 / 16، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 5. 2 - تهذيب الأحكام 7: 23 / 99، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 3. 3 - عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم افترقا، فقال: وجب البيع وليس له أن يطأها وهي عند صاحبها... الحديث. الكافي 5: 474 / 10، وسائل الشيعة 18: 9، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 5. 138 خيار المشتري، دون البائع. وأما حديث النظرة للتروي، فهو حكمة مظنونة، لا تصلح لتقييد، ولا لتوسعة. فلا إشكال في امتداد خيار المجلس إلى أزيد من ثلاثة أيام، ولو أسقط المشتري خيار الحيوان في المجلس، فلا خيار له. وعلى ما ذكرنا، لا وقع للنزاع في مبدأ خيار الحيوان; بأنه حال العقد، أو حال التفرق (1)، كما لا يخفى. حول ثبوت خيار المجلس في بيع الصرف والسلم ومنه: بيع الصرف والسلم، والظاهر منهم أن ثبوت خيار المجلس فيهما، مفروغ عنه، ولا إشكال فيه، ولهذا خصوا النزاع فيه بمبدأ الخيار; وأنه حال العقد، أو حال القبض. ويمكن الإشكال في أصل ثبوته: بأن المشتق موضوع للمتلبس بالمبدأ، ومجاز في المنقضي عنه، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» حقيقة في المتلبس بالبيع; أي حال صدور المبدأ منهما. ففي غير بيع الصرف والسلم، يثبت الخيار لهما حال التلبس، وبحسب الدال الآخر - وهو الغاية - هو باق بعد انقضاء المبدأ إلى زمان التفرق، ومعلوم أنه بعد مضي زمان التلبس إلى زمان الافتراق حال انقضاء المبدأ. فحدوث الخيار للمتلبس; قضاء لحق أصالة الحقيقة، وبقاؤه إلى ما بعده; بواسطة القرينة، هذا حال سائر البيوع.
1 - المكاسب: 225 / السطر 13، منية الطالب 2: 34 / السطر 9. 139 وأما بيع الصرف والسلم، فعلى القول: بأن العقد غير لازم، والبيع غير صحيح فعلا إلى زمان القبض، فلا يثبت الخيار إلى زمان القبض. وأما بعده فلا دليل على ثبوته; لعدم صدق «البيعين» عليهما; لانقضاء المبدأ، فحال صدور البيع منهما صدق العنوان، ولم يثبت الخيار، وحال انقضاء المبدأ لم يثبت العنوان حتى يحدث الخيار. وبعبارة أخرى: إن الخيار الثابت للمتبايعين، باق إلى زمان الافتراق ولو سلب العنوان عنهما، وفي الصرف والسلم لا دليل على ثبوته، حتى يبقى إلى زمان الافتراق; لعدم تحقق العنوان في هذا الحال، هذا حال ما أخذ عنوان «البيعين» فيه. وأما ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا التاجران صدقا بورك لهما...» إلى أن قال: «وهما بالخيار ما لم يفترقا» (1) فلا إشكال في أن المراد منه هو البيعان، لا عنوان «التاجرين» بحسب الحرفة، حتى يصدق على غير المتلبس بالبيع; فإن من له حرفة التجارة، لا يثبت الخيار له جزما، فيكون المراد التاجر عملا; أي البائع والمشتري. إن قلت: البيع حقيقة في المبادلة المؤثرة، وأما المبادلة الإنشائية فهي بيع بالحمل الأولي، وهي ليست ببيع حقيقة، وظواهر الأدلة أن البيعين بالحمل الشائع، موضوع للحكم، ففي بيع الصرف والسلم، لم يتحقق عنوان «البيع والبيعين» إلا حال ترتب الأثر عليه، فيكون حدوث الخيار حال التلبس بالمبدأ. قلت: قد مر مرارا أن ماهية البيع، عبارة عن المبادلة الإنشائية (2)، وهي
1 - الكافي 5: 174 / 2، تهذيب الأحكام 7: 26 / 110، وسائل الشيعة 18: 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 6. 2 - تقدم تخريجها في الصفحة 124، الهامش 1. 140 في الحقيقة بيع، وأما الآثار المترتبة عليه، فهي أحكام عقلائية، قد تترتب عليه، وقد لا تترتب، كما في بيع الفضولي، والصرف، والسلم، ولا شبهة في صدق «البيع» على بيع الغاصب، وبيع الصرف، والخمر، وآلات القمار، ونحوها. وأما قضية الحمل الأولي والشائع، وأن البيع الإنشائي من الأولي (1)، فلا ينبغي التفوه بها، وإن صدرت عن بعض أهل التدقيق; ضرورة أن البيع الإنشائي بالحمل الأولي، هو مفهوم ذلك، وبالحمل الشائع هو المصداق الخارجي المنشأ من ذلك المفهوم. فماهية البيع الإنشائي حقيقة، هو البيع بالحمل الأولي، ومصداقه المنشأ هو البيع بالحمل الشائع، وهو الموضوع لحكم العقلاء، لا مفهومه. ولعل القائل أخذه مما ذكره بعض أهل الفلسفة: من أن الميزان في الحمل الشائع، ما يترتب عليه الأثر المطلوب، مقابل الحمل الأولي والمصاديق الذهنية (2). ولكنه أخطأ في المقام; حيث إن أثر البيع الإنشائي، ليس التبادل الواقعي المتقوم باعتبار العقلاء، الخارج عن تحت قدرة المنشئ، بل أثره هو التبادل الإنشائي، وحصول المنشأ بالحمل الشائع، مقابل مفهوم ذلك، أو صيرورته موضوعا لحكم العقلاء، أو صحة كونه كذلك وإمكانه. إن قلت: إن المشتقات التي تكون مبادؤها غير قابلة للبقاء خارجا، بل يكون وجودها آنيا، لم يعتبر فيها التلبس بالمبدأ; لعدم إمكان التلبس فيما يكون آني الوجود، والبيع والشراء من هذا القبيل. قلت: لا يعقل صدق المشتق بلا تلبس، وإنما الاختلاف في أنحاء التلبس:
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 12 / السطر 2، و: 20 / السطر 10. 2 - أنظر الحكمة المتعالية 1: 292 - 294، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 112 - 113. 141 فمنها: ما يكون التلبس به مستقرا وثابتا نحو الحرف، ولو مع عدم الاشتغال الفعلي بالعمل، كالتاجر، والصانع. ومنها: ما يكون التلبس به قابلا للبقاء، وباقيا في عمود الزمان، كالعالم، والعادل. ومنها: ما يكون التلبس به آنيا، كالقارع، والفاصل، والواصل، والموجد، ومنه البائع والمشتري، ففي مثل ذلك يكون حال التلبس - أي الآن الذي وجد فيه الفعل - آن صدق المشتقات، والآن الآخر حال انقضائها; إذ لا يعقل صدق «القرع» بدون صدق «القارع» على فاعله حاله; لأنهما متضايفان. إن قلت: الخيار ثابت للمتبايعين بعد إلحاق القبول بالإيجاب، مع أن حال القبول حال انقضاء المبدأ عن البائع الموجب، فيراد من «البائع» المنقضي عنه المبدأ، لا المتلبس به، وظاهر السياق أن المشتري أيضا ملحق به. قلت: بناء على ما بنى عليه الأصحاب - من أن البيع مركب من الإيجاب والقبول، وأنهما ركنان لماهية البيع (1) - فالإيجاب وحده ليس ببيع، بل هو المركب منه ومن القبول، فحال تحقق القبول حال صدق «البيع» وتلبس كل منهما بالمبدأ، فلا يصدق «البيعان» إلا بعد ضم القبول، وهو حال التلبس. وأما على ما ذكرناه، فلا يمنع شئ من الالتزام بثبوت الخيار للبائع قبل ثبوته للمشتري، فتأمل. إن قلت: مقتضى ثبوت الخيار إلى زمان التفرق، ووحدة الموضوع من حال الثبوت إلى حال التفرق، أن يكون الموضوع - وهو البيعان - أمرا قابلا للبقاء إلى زمانه.
1 - المختصر النافع: 118، الدروس الشرعية 3: 191، التنقيح الرائع 2: 23 - 24. 142 و «البيع» بما له من المعنى أي المتلبس بالمبدأ، لا يعقل بقاؤه، فلا بد أن يكون المراد منه عنوان «من باع واشترى» بعد عدم الجامع بين المتلبس وغيره، وهو عنوان صادق بعد الانقضاء، وحال تحقق القبض. قلت: كما يمكن ذلك، يمكن أن يكون دليل الخيار - ببركة غايته - دالا على حدوثه لعنوان المتلبس بالمبدأ، وعلى بقائه لعنوان المنقضي عنه ذلك، وفيما لم يكن أصل حدوث الخيار مسبوقا بالجعل، لم يكن دليل الخيار متكفلا ببقائه; إذ معلوم أن البقاء إنما هو بعد الحدوث. فالدليل كافل للحدوث; أخذا بظهور المشتق، وكافل للبقاء; مستفادا من الغاية، ومع هذا الاحتمال لا يصح إثبات حدوثه بعد القبض. والذي يمكن أن يقال: هو أن الأدلة العامة المثبتة للأحكام الكلية، أو المطلقة للموضوعات، إنما تثبت الحكم القانوني - بالإرادة الاستعمالية - لجميع المصاديق ونفس الطبائع، والمخصصات والمقيدات كاشفات عن الجد والحكم الواقعي في غير مواردها، من غير استعمال اللفظ في غير ما وضع له، كما هو مقرر في محله (1). فحينئذ نقول: كما أن قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) - بحسب إطلاقه - يثبت الحكم للعقد بغير قيد، ومقتضاه ثبوته في عمود الزمان، وبعد خروج بعض الزمان، وقع النزاع في جواز التمسك به لغير مورد التقييد، كذلك إطلاق الأدلة المثبتة للخيار للمتبايعين، يقتضي ثبوته لهما في جميع البيوع، حتى الصرف والسلم، فتدل على ثبوته وبقائه إلى زمان التفرق، خرج زمان ما قبل القبض في الصرف والسلم، ومقتضى الإطلاق ثبوته من زمانه إلى زمان التفرق.
1 - مناهج الوصول 2: 239 - 240، تهذيب الأصول 1: 467 - 469. 2 - المائدة (5): 1. 143 فالمورد من قبيل ما وقع النزاع فيه: من أن الصحيح التمسك بالعام أو المطلق، أو التمسك بالاستصحاب. والتحقيق على ما حقق في محله: عدم جواز التمسك بالاستصحاب (1)، ولا سيما في مثل المقام، الذي تدل فيه الأدلة بدلالة لفظية، على استمرار الخيار إلى زمان التفرق. ولا يخفى: أن الخروج في المقام، تخصيص أو تقييد ولو بلسان الحكومة; لأن شرط القبض شرعي، لا عرفي. والحق: أن الخيار على فرض عدم ثبوته حال العقد، ثابت حال القبض إلى زمان التفرق، مع أن الظاهر تسلم ثبوته في الجملة، وإنما الخلاف في المبدأ.
1 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 192 - 193. 144 مسألة في مبدأ خيار المجلس في بيع الصرف والسلم وقع الكلام في مبدأ هذا الخيار في مثل بيع الصرف والسلم، الذي لا يترتب عليه الأثر المطلوب إلا في حال متأخر عن البيع، وهو ما بعد القبض فيهما. وقد نفى الشيخ الأعظم (قدس سره)، الإشكال عن ثبوته حال العقد، إن قلنا: بأن القبض واجب تكليفا، قال: ومع عدمه ففي ثبوته خفاء (1). أقول: تنقيح المقام يتم بذكر جهات: الجهة الأولى: حكي عن العلامة (قدس سره) وجوب القبض; لئلا يلزم الربا (2). وقد أورد عليه المحققون بوجوه، ترجع إلى عدم لزوم الربا (3)، وكأنهم تسالموا على صحة قوله لو فرض لزومه، مع أنه على فرض لزومه، لا يلزم منه وجوب القبض تكليفا شرعيا; لأن حرمة الشئ غير مستلزمة لوجوب
1 - المكاسب: 219 / السطر 26. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 511 / السطر 15، المكاسب: 219 / السطر 27. 3 - حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 27 / السطر 35، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 8 / السطر 33، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 10 / السطر 32. 145 تركه شرعا، فضلا عن وجوب ضده، أو ما هو كالمقدمة لسلبه. ويرد عليه: مضافا إلى ما ذكروه، أنه على فرض قرار تعويق التقابض، لا يلزم منه الربا; لأن الاشتراط لأمر مساو للطرفين - وهو تعويق قبض هذا وهذا - لا يوجب الزيادة ولو حكمية، فاتضح أن ما أفاده غير وجيه صغرى وكبرى. وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في وجه وجوب القبض، وهو التمسك بدليل وجوب الوفاء (1). التقريب الأول لكلام الشيخ الأعظم في وجه وجوب القبض فقد يقال في تقريبه: بأن المراد منه هو وجوب إبقاء العقد، فلو لم يقبضا حتى يتفرقا، يلزم منه عدم بقائه، فلا بد من القبض حتى لا ينهدم العقد بالتفرق، فوجوب إبقاء العقد مستلزم لوجوب التقابض (2). وفيه: أنه إن كان المقصود من ذلك، أن مفاد (أوفوا...) إلى آخره في جميع العقود، هو الحكم التكليفي بإبقاء العقد، فلازمه أن تكون العقود كلها جائزة بنظر الشارع الأعظم، حتى يصح النهي عن هدمها، أو الأمر بإبقائها، وإلا لكان الأمر خارجا عن قدرة المكلف، ولا أظن التزام أحد بذلك. وإن كان المراد: أن في خصوص عقد السلم والصرف، يكون الأمر بالإبقاء تكليفيا، وفي غيرهما وضعيا، فلا بد من استعمال الأمر بالوفاء في الأمر الكنائي والحقيقي، ولعله غير معقول ولو بناء على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى. وعلى فرض معقوليته، لا بد من قيام قرينة واضحة، وهي مفقودة.
1 - المكاسب: 219 / السطر 27. 2 - حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 28 / السطر 11. 146 مضافا إلى لزوم لحاظ عقد الصرف والسلم بخصوصهما، ولحاظ سائر العقود في قبا لهما، وهو أيضا غير معقول إلا بدلالات عديدة، وإلا فالجمع المحلى، لا يدل إلا على الكثرة الإجمالية بتعدد الدال والمدلول، ولا يعقل أن يكون حاكيا عن خصوصيات الأفراد وأنواع البيوع بعناوينها. ثم على فرض تعلق التكليف الشرعي بإبقاء العقد، لا يلزم منه وجوب القبض، ولو كان القبض علة أو مقدمة لبقائه; فإن من المقرر في محاله، عدم وجوب مقدمة الواجب وعلته (1). التقريب الثاني لكلام الشيخ الأعظم وقد يقال في تقريبه: إن للعقد مرحلة، ولتأثيره في الملك مرحلة، ولكل منهما آثارا. والمراد بالوفاء إن كان الوفاء عملا، يختلف أثره العملي من حيث نفسه، ومن حيث تأثيره في الملك، فحرمة التصرف فيما انتقل عنه، أثر تأثيره في الملك عملا، وإنجاز العقد عملا بإتمامه، وقبض العوضين يدا بيد في المجلس، أثر نفس العقد عملا. فإقباض العوضين في غير الصرف، أثر الملك الحاصل بالعقد، وفي الصرف أثر إتمام العقد عملا، ولا منافاة بين الوجوب التكليفي والشرطي; فإن وجوب إيجاد الشرط عملا بالعقد - لئلا يبطل بعدم القبض مع التفرق، فيكون نقضا عمليا للعقد - لا مانع منه (2).
1 - مناهج الوصول 1: 410، تهذيب الأصول 1: 278 - 279. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 20 / السطر 20. 147 وفيه: أنه إن كان المراد بإنجاز العقد عملا، وجوب إبقاء العقد، والمنع عن نقضه العملي بالتفرق، كما هو ظاهر ذيله، فيرجع إلى التقريب المتقدم، والجواب عنه هو الجواب. وإن كان المراد: أن الإنجاز والإقباض أثر العقد، كما هو ظاهر المقابلة بينه وبين الوفاء بمعنى إبقاء العقد، فيرد عليه: أن الإنجاز والإقباض من الأفعال الاختيارية للمتعاملين، فلا يعقل أن يكون أثرا للعقد، فإن أثر الشئ يترتب عليه قهرا، والأفعال الاختيارية لها مبادئ لا تتحقق إلا بها. وإن كان المراد: أن وجوب الإنجاز والإقباض من الآثار، فمع قطع النظر عن دليل وجوب الوفاء، لا دليل عليه، ولا يعقل أن يتعلق وجوب الوفاء بالعقد بوجوب الإنجاز والإقباض; أي تعلق الوجوب بالوجوب غير معقول. مضافا إلى أنه ليس أثرا لنفس العقد; فإن الإقباض في الصرف، متمم العقد ومصححه، لا أثره المترتب عليه. مع أن وجوب الوفاء بالعقود بهذا المعنى، مختص - بحسب الجد - بالعقود الصحيحة، لا الأعم منها، وعقد الصرف قبل القبض فاسد فعلا; لأن الفاسد ما لا يترتب عليه الأثر فعلا، وإن كان قابلا للصحة بلحوق القبض، كالعقد الفضولي قبل الإجازة. كلام المحقق النائيني والمناقشة فيه ومما ذكرناه، يظهر النظر فيما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره): وهو أن العقد مشتمل على إنشاء التبديل مطابقة، وعلى التعهد بما أنشأه التزاما، وعلى الشروط الضمنية، والقبض في الصرف والسلم معتبر في الملكية، لا في أصل العقد، ولا في وجوب الالتزام بما التزم به، ولا في الشروط الضمنية كالتسليم والتسلم،
148 ولا مانع من خيار المجلس حال العقد (1). إذ فيه: مضافا إلى أن التعهد بما أنشأه المتعاملان - أي التعهد بإبقاء العقد، وعدم فسخه، على ما يظهر من ذيل كلامه - لو وقع تحت وجوب الوفاء تكليفا، يكشف عن جواز العقود بنظر الشارع، كما أن ذلك التعهد العقلائي الملازم لإمكان التخلف، كاشف عن جوازها عرفا، وعدم صحتهما غني عن البيان. ومضافا إلى عدم الأصل والأساس لهذا التعهد وتلك الشروط الضمنية، إلا لبعض منها، على احتمال يأتي في محله (2). أن شرط التسليم والتسلم على فرضه، أو التعهد بهما، إنما هو في العوضين بما هما كذلك، والمفروض أنه في المقام لا يتم العقد إلا بعد القبض، والقبض في الصرف متمم العقد، وما هو مورد الاشتراط الضمني - على فرض صحته - هو العوضان بعد تمامية العقد. وربما يتوهم: دلالة بعض روايات بيع الصرف (3) على وجوب القبض (4)، وهو بمكان من الضعف. الجهة الثانية: إنه على فرض وجوب التقابض تكليفا لا يسلم ثبوت الخيار; لأن المتفاهم
1 - منية الطالب 2: 22 / السطر 18. 2 - يأتي في الجزء الخامس: 561. 3 - نحو ما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يدا بيد، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد. وسائل الشيعة 18: 168، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 2، الحديث 3. 4 - مسالك الأفهام 3: 334، الحدائق الناضرة 19: 278 - 280، أنظر مفتاح الكرامة 4: 396 - 397. 149 من أدلة الخيارات، أنها مقيدة لأدلة لزوم البيع، وأن اللزوم في نفسه مفروغ عنه، وهو مقابل عدم اللزوم لأجل الخيار، وكذا مقابل الجواز. والظاهر من قوله (عليه السلام): «فهما بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع» (1) هو التصرف في لزوم المعاملة، لا تقييد الوجوب التكليفي، بل تقييده ابتداء، غير مناسب لعدم صحة استثناء الخيار من الوجوب التكليفي ابتداء. نعم، بعد ثبوت الخيار وتقييد اللزوم، ينتفي الوجوب التكليفي لو كان، أو يتقيد بالتبع، فالقائل بالخيار، لا بد له من إثبات اللزوم، لا إثبات وجوب القبض، وإثبات ذلك لرفع اللغوية، لا يكفي لثبوت الخيار. نعم، بعد ثبوته بإطلاق دليله، لو نوقش فيه: بلزوم اللغوية، يتشبث بنحو ذلك، وإلا فهو يثبت إمكان الخيار، لا تحققه، وقد مر أن الثبوت بالإطلاق، فرع لزوم العقد. الجهة الثالثة: على فرض عدم وجوب القبض تكليفا، يمكن القول: بثبوت الخيار حال العقد; بدعوى إطلاق بعض أدلة اللزوم لمثل هذا العقد، الذي تعرضه الصحة بلحوق القبض، ومنع ما أشرنا إليه سابقا; من أن الخيار مختص بالعقد الصحيح (2)، بل المسلم عدم الخيار في العقد الفاسد، الذي لا تعرضه الصحة مطلقا. ولهذا التزم الشيخ الأعظم (قدس سره) في بعض المسائل السالفة، بلزوم عقد
1 - الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، تهذيب الأحكام 7: 20 / 86، الاستبصار 3: 72 / 241، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4. 2 - تقدم في الصفحة 140. 150 الفضولي بالنسبة إلى الأصيل، إذا كان الفضولي من طرف واحد (1). ولا ينافي اللزوم عروض البطلان بالافتراق قبل القبض; لأن اللزوم مقابل الجواز الحكمي كالهبة، أو الحقي كالخيار، لا مقابل البطلان، كعقد الفضولي من طرف واحد، الذي يعرضه ذلك برد المالك، فلو كان لأدلة إثبات الخيار إطلاق، لا يصح رفع اليد عنه. فالعمدة بيان إطلاق دليل اللزوم، وهو قوله تعالى: (أوفوا بالعقود). ولقد قررنا دلالته على اللزوم بوجوه، بعضها مختص بالبيع الصحيح، دون بعض، ككون وجوب الوفاء كناية عن لزوم العقود، سواء كان الوفاء بمعنى العمل بمقتضى العقد، وكان الوجوب هو التكليفي، أو بمعنى الالتزام العقلائي، أم كان الوفاء بمعنى إبقاء العقد وعدم هدمه (2). فعلى جميع الاحتمالات، مقتضى الإطلاق ثبوته لبيع الصرف والسلم. لا يقال: لا معنى لوجوب الوفاء بالمقتضي في الصرف والسلم; لعدم حصول النقل. فإنه يقال: لا جد في الكنايات إلا في المعنى المكني عنه، ولا يلزم أن يكون المعنى المطابقي محققا. فقوله: «زيد كثير الرماد» لا يكون إخبارا عن كثرة الرماد، بل كناية عن وجوده، وتصح التكنية ولو لم يكن لزيد رماد; فإن الجملة وإن استعملت في المعنى الحقيقي، لكن لا يكون الإخبار عنه جدا، ولهذا يكون الصدق والكذب تابعين لتحقق الجود وعدمه، لا لكثرة الرماد وعدمها. فقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) على الاحتمال المذكور، بعث صوري إلى
1 - المكاسب: 134 / السطر 21. 2 - تقدم في الجزء الأول: 186، تقدم في الصفحة 24. 151 الوفاء، مع استعماله في الوجوب بمعناه الحقيقي، لكن الغرض إفادة اللزوم جدا، فعدم وجوبه في الصرف والسلم، لا ينافي إطلاقه بحسب المفاد الجدي والمعنى المكني عنه، فلا مانع من الأخذ بإطلاقه، والالتزام بلزومهما قبل القبض. ويمكن استصحاب بقاء العقد إلى ما بعد الفسخ قبل القبض، وهو محقق لموضوع صحة القبض بحسب الشرع، أو لجزء الموضوع لاعتبار الشرع، وجزؤه الآخر القبض. وليس البيع مؤثرا، حتى تعتري شبهة المثبتية، بل هو موضوع للحكم العقلائي أو الشرعي. والاستصحاب وإن لم يثبت به اللزوم، لكن ما يثبت به - وهو عدم الانفساخ بالفسخ - كاف في ثبوت الخيار، ولا يتوقف ذلك على ثبوت عنوان «اللزوم». فحينئذ لا مانع من الالتزام بثبوت الخيار حال العقد قبل تحقق القبض، وأثره واضح بعد ما كانت ماهيته عبارة عن حق حل العقد، فتدبر جيدا، والمسألة بعد غير خالية عن الإشكال، وإن كان ثبوته حال العقد، لا يخلو من رجحان.
152 القول في مسقطات هذا الخيار وهي أمور، يظهر الكلام فيها في ضمن مسائل:
153 مسألة في سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه في ضمن العقد الكلام في إسقاط الخيار بنحو شرط النتيجة يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه - بمعنى عدم ثبوته - في ضمن العقد، وباشتراط سقوطه بعد ثبوته بتمامية العقد; على نحو شرط النتيجة في الصورتين. ويمكن الإشكال فيه بوجوه: إشكال عدم شمول أدلة الشروط لهذا الشرط منها: عدم شمول أدلة الشروط لشرط النتيجة; أي هي ظاهرة في الوجوب التكليفي، لا الوضعي، ولا الأعم، بل الجمع بين الحكم التكليفي والوضعي بلفظ واحد - كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنون» أو «المسلمون عند شروطهم» (1) - محل إشكال (2).
1 - وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، و 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 11 / السطر 15. 155 وفيه: أن حديث امتناع الجمع بينهما لا أساس له; لإمكان الجمع بنحو قوله: «أوفوا بالشروط» فإن الوفاء هو العمل بمقتضى الشرط; فإن كان الشرط شرط الفعل، يكون لزوم العمل على طبقه إتيانه. وإن كان شرط النتيجة، يكون الوفاء هو ترتيب آثار ما هو نتيجة، نظير الوفاء بالعقد. وكذا يمكن الجمع بنحو إيجاب إنفاذ الشرط; فإن نفوذه في العمل بنحو، وفي النتيجة بنحو آخر، فلا إشكال من هذه الجهة. وأما دعوى: ظهور الأدلة في الحكم التكليفي; بمعنى أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم» كناية عن الوجوب التكليفي، لا الوضعي، ولا الأعم. فغير وجيهة; لأن قوله هذا، ظاهر في أن المؤمن ملازم لشروطه، وغير منفك عنها، وعموم «الشروط» يشمل الفعل والنتيجة، والإخبار بالملازمة وعدم الانفكاك، كناية عن العمل بمقتضى شرطه، كائنا ما كان. هذا مضافا إلى صحيحة - أو مصححة - إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): «إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به; فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما» (1). فإن المستفاد منها أن مفاد الكبرى، هو وجوب الوفاء بالشرط، ولا شبهة في أن وجوب الوفاء أعم من التكليف والوضع، بل يستفاد من الأدلة نفوذه عند الشرط، وذلك في الوضعيات ثبوته. هذا مع الغض عن الروايات الكثيرة المستفيضة في الأبواب المتفرقة، الدالة على صحة شرط النتيجة، وقد تمسك الأئمة (عليهم السلام) في بعضها لصحته
1 - تهذيب الأحكام 7: 467 / 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5. 156 بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم». راجع «الوسائل» الباب الرابع والخامس من أبواب المكاتبة، والباب الحادي عشر منها، والباب السادس من أبواب الخيارات، والباب السابع من أبواب بيع الحيوان... إلى غير ذلك (1). وفي بعض الروايات تمسك المعصوم (عليه السلام) بالكبرى المذكورة لشرط الفعل (2)، فيظهر من الطائفتين أن الكبرى المذكورة، أعم من شرط الفعل والنتيجة، وقد مر إمكان الجمع بينهما، فلا إشكال من هذه الناحية. إشكال مخالفة هذا الشرط لمقتضى العقد ومنها: أن هذا الشرط - أي شرط النتيجة بالمعنى الأول - مخالف لمقتضى العقد على ما هو ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (3) فاشتراط عدم كونه بالخيار، اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد (4). وفيه: أن مقتضى العقد المقابل لمقتضى الشرع، هو الذي يقتضيه العقد بنفسه، مع قطع النظر عن الحكم الشرعي، كالبيع بشرط عدم حصول الملكية، أو بشرط عدم العوض، بل بشرط عدم السلطنة على المعوض أو على العوض; بأنحائها بنحو الإطلاق، فإن الدليل على بطلان مثل هذه الشروط، هو لزوم
1 - راجع وسائل الشيعة 18: 16، 252، و 23: 140، 145، 155. 2 - وسائل الشيعة 21: 299، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 40، الحديث 2 و 4، و 26: 55، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 21، الحديث 1. 3 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 4 - المكاسب: 220 / السطر 16. 157 التناقض، بل عدم إمكان الجد في البيع والشرط، وعدم إمكان الجمع بينهما. وأما الأحكام الشرعية المترتبة عليه، فليست من مقتضيات نفس العقد. وتوهم: أن تلك الأحكام من مقتضياته بحسب الواقع ونفس الأمر، وهي مستورة عن نظر العقلاء، وإنما كشف عنها الشارع العالم بالواقع في غاية السقوط; ضرورة أن تلك الاعتبارات العقلائية، لا واقعية لها إلا في صقع الاعتبار العقلائي، وليست لها حقائق واقعية غيبية مخفية عن نظرهم. فجعل الخيار مثلا للمتعاقدين، حكم شرعي ثابت لهما; لبعض المصالح والحكم، كالإرفاق بهما حال اجتماعهما. هذا مضافا إلى عدم إمكان أن يكون الشئ مقتضيا لعدمه، أو لعلة عدمه، فالبيع لا يعقل أن يكون مقتضيا لحق فسخه وحله وإعدامه، كما لا يعقل أن يقتضي فسخه وانهدامه، بل مقتضاه - مع الغض عن العوارض واللواحق - هو البقاء والدوام، المقابل للحل والانهدام. بل الأصل في البيع اللزوم; عند العقلاء، والشارع الأقدس، فمقتضاه في نفسه البقاء، وبحسب حكم العقلاء والشارع اللزوم، وإنما الخيار عارض له بجهات خارجية عن نفس ذاته، ومخالف لمقتضاه - لو خلي ونفسه - وللأصل العقلائي والشرعي. ولا يذهب عليك، أن الاقتضاء الذي ذكرناه أولا، غير ما ذكرناه أخيرا، فتدبر جيدا. جواب الشيخ الأعظم عن الإشكال ثم إن كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) في المقام، لا يخلو من تشويش وتهافت، حيث أجاب عن الإشكال: بأن الخيار حق للمتعاقدين، اقتضاه العقد لو خلي
158 ونفسه، فلا ينافي سقوطه بالشرط. وبعبارة أخرى: إن المقتضي للخيار العقد بشرط لا، لا طبيعة العقد من حيث هي (1). وأنت خبير: بأن العقد لو خلي ونفسه، مقابل للعقد بشرط لا; فإن الأول لحاظه بلا قيد; بمعنى عدم لحاظ شئ معه، والثاني لحاظه بقيد; هو لحاظ عدم الاشتراط، فليس الثاني عبارة أخرى عن الأول. مضافا إلى عدم صحة المدعى; ضرورة أن قيد بشرط لا - كسائر القيود المحتملة - مدفوع بالإطلاق، فالموضوع هو المتعاقدان بلا قيد، ولازمه كون العقد بلا قيد خياريا. ولولا تفسيره بما ذكر، لكان قوله: «اقتضاه العقد لو خلي ونفسه» محمولا على الحكم الحيثي، نظير حل بهيمة الأنعام، الذي هو غير مناف للحرمة بعروض عارض، لكنه أيضا غير مرضي; ضرورة ظهور الأخبار في الحكم الفعلي. وأما دعوى: أن المتبادر من إطلاق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» هو صورة الخلو عن شرط السقوط (2)، ففيها نظر ظاهر; فإن الإطلاق يقتضي عدم دخالة قيد في الموضوع، لا دخالته، إلا أن يكون مراده انصراف الإطلاق، وهو أيضا غير مرضي، وعهدته على مدعيه. ثم إن الشيخ (قدس سره)، خلط بين مخالفة مقتضى العقد، ومخالفة مقتضى الكتاب والسنة (3)، وقد تصدى بعضهم للتوجيه، فقال: إن دائرة المنافاة لمقتضى
1 - المكاسب: 220 / السطر 22. 2 - المكاسب: 220 / السطر 24. 3 - المكاسب: 220 / السطر 25. 159 العقد، أوسع من دائرة المخالفة للكتاب والسنة. ثم عد ما يخالف الكتاب والسنة من المخالفة لمقتضى العقد (1). وهذا توجيه غير وجيه، بل لو قيل: إن دائرة المخالفة لهما أوسع; لأن المخالفة لمقتضى العقد - كالبيع بشرط عدم الملكية، أو البيع بلا عوض - من مخالفة الشرع أيضا; فإن الشارع أيضا يحكم ببطلانه جزما، لكان أصوب. إشكال مخالفة هذا الشرط للسنة ومنها: أن هذا الشرط مخالف للسنة، وهي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (2) فإن إطلاقه يقتضي ثبوت الخيار حتى حال الشرط، والشرط شرط عدم ثبوت ما ثبت بالسنة، بل شرط عدم الحكم الإلهي، خارج عن قدرة المتعاملين، فلا يعقل تأثير هذا الشرط فيقع باطلا (3). وفيه: أن الخيار حق جعله الشارع للمتعاملين، ولازم ذلك أن يكون سقوطه وبقاؤه بيدهما، كما أن لهما الإعراض عن هذا الحق، فتكون نتيجته في بعض الأحيان السقوط، وفي بعض الأحيان عدم الثبوت، وما لا يعقل هو تصرف المتبايعين في الجهل الإلهي; فإنه تم وقضى، ولا يعقل رفعه عن محله، ولا نسخه بدليل الشرط. وأما إعمال السلطنة في المجعول; وهو الحق ونفوذه، فهو من لوازم كونه
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 23 / السطر 10. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 3 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 10 / السطر 4، منية الطالب 2: 24 / السطر 12. 160 حقا، فكما أن نقل الحق إلى غيره وإسقاطه، ليسا مخالفين للسنة، مع ظهورها في أن الخيار للمتعاملين; إذ جعل الحق ملازم للسلطنة عليه، كذا الحال في دفعه رأسا، فكما لصاحب الحق أن يرفعه بإسقاطه، كذا له أن يدفعه بالقرار في ضمن العقد. وكذا الحال في أشباه المقام، فللزوج أن يشترط في ضمن عقد النكاح على زوجته، عدم حق القسم لها، فيكون الشرط دفعا لحقها، لا تصرفا في الحكم الشرعي، ولا تقييدا لدليل القسم. وهذا هو الفارق بين الحق والحكم، فاشتراط عدم الإرث مخالف لحكم الشرع; لأن الإرث حكم الله، واشتراط عدم القسم صحيح; لأنه حق للزوجة، ولها شرط عدمه، كما أن لها إسقاطه حال وجوده. بل التحقيق: أن هذا الشرط، إعمال السلطنة فيما جعله الشارع له، فهو مرتب على جعله، لا مخالف له. لا يقال: إن الخيار قبل ثبوته، عدم مطلق لا واقعية له، فلا يقع تحت جعل، ولا يحكم عليه بحكم; فإن الأعدام غير قابلة للإشارة. مضافا إلى أن إعمال السلطنة، إنما هو بعد تحقق الحق، وقبله لا حق حتى يكون البائع مسلطا عليه. فإنه يقال: إن الأعدام بالحمل الشائع كذلك، وأما الحكم على الشائع بوسيلة ما هو عدم بالحمل الأولي، فلا مانع منه، كالإخبار عن المعدوم المطلق ب «أنه لا يخبر عنه» مع أن المقام ليس كذلك، كما ستأتي الإشارة إليه (1). وأما حديث السلطنة على الحق أو المال قبل تحققهما، فخلط بين التكوين
1 - يأتي في الصفحة 182 - 183. 161 والتشريع، وبين الأمور الحقيقية والاعتبارية، فالتصرف التكويني، لا يعقل تعلقه بالأعدام، وأما التصرف الاعتباري العقلائي فلا مانع منه. والسند هو اعتبار الشرع والعقلاء في الأشباه والنظائر، نظير نقل المنفعة غير الموجودة، وبيع الثمار في الزائد عن سنة واحدة، فتأمل. وبالجملة: اشتراط عدم الخيار، لا يرجع إلى نفي الحكم الشرعي، بل يرجع إلى دفع تحقق الحق الذي جعله الشارع له. إشكال معارضة هذا الشرط لدليل إثبات الخيار ومنها: أن دليل هذا الشرط، معارض لدليل إثبات الخيار، وبينهما عموما من وجه (1). وفيه: أنه لا وجه للمعارضة رأسا; فإن الشرط إن رجع إلى نفي الحكم الشرعي، فلا مجال فيه لدليل الشرط بعد تذييله بعدم المخالفة للكتاب، ولحكم الله. وإن رجع إلى إعمال السلطنة بدفع الخيار، الذي هو حق مجعول من قبل الشرع كما هو التحقيق، فلا معارضة بينهما; لأن الشرط المذكور مترتب على الحكم الشرعي، لا مخالف له كما مر. وهذا هو الوجه في الجواب عن الإشكال. وأما سائر الأجوبة ففيها إشكال، كالقول: بحكومة أدلة الشرط على أدلة الأحكام (2)، والقول: بأن قضية الجمع بين أدلة الأحكام الأولية
1 - جواهر الكلام 23: 12، أنظر المكاسب: 220 / السطر 2. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 11 / السطر 12. 162 والثانوية، حمل الأولى على الحكم الاقتضائي في مورد التنافي (1); لأن الميزان في باب الحكومة والجمع العقلائي، هو مساعدة فهم العرف لذلك، وإلا فمجرد كون الدليل متكفلا بالأحكام الثانوية، لا يوجب الحكومة، ولا الحمل المذكور. نعم، بعض أدلة الأحكام الثانوية، حاكم على أدلة الأحكام الأولية; لخصوصية فيه، نحو دليل نفي الحرج ودليل نفي الضرر على مسلك المشهور، ودليل الرفع بالنسبة إلى ما هو ناظر إليه عرفا، ويقدم عليه عند العقلاء. ودليل الشرط على فرض كونه من أدلة الأحكام الثانوية، ليس بهذه المثابة; لأن وزان مثل قوله: «من شرط شرطا فليف بشرطه» وزان قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) بل ليس الشرط من الأحكام الثانوية بالمعنى المتقدم، ولو سلم فلا حكومة له على غيره. فالتحقيق: ما مر من عدم التعارض على أي من الاحتمالين (3)، هذا إذا رجع الشرط إلى عدم الخيار. إشكال كون هذا الشرط من إسقاط ما لم يجب وأما إن رجع إلى شرط سقوطه. فقد أورد عليه: بأنه إسقاط ما لم يجب (4). وتقريب الإشكال: أن شرط سقوط ما لم يثبت ممتنع; لامتناع الجد في
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 160. 2 - المائدة (5): 1. 3 - تقدم في الصفحة 162. 4 - أنظر المكاسب: 220 / السطر 17، راجع المغني، ابن قدامة 4: 10 و 11، الشرح الكبير، ذيل المغني، ابن قدامة 4: 65. 163 اشتراط أمر ممتنع. كما أن الإسقاط جدا في أثناء العقد ممتنع، لامتناع الجد في إنشاء أمر ممتنع مع الالتفات إلى الأطراف. كما أن تأثير هذا الشرط أو هذا الإسقاط ممتنع; لأن سقوط ما لم يثبت، مستلزم لثبوت ما لم يثبت في ظرف عدم الثبوت، وهذا هو اجتماع النقيضين. تخلص الشيخ الأعظم عن الإشكال وقد تخلص عنه الشيخ الأعظم (قدس سره); بأن المتبادر من أدلة الخيار، صورة الخلو عن الاشتراط، وعدم إقدام المتعاملين على عدم الخيار، ففائدة الشرط إبطال المقتضي، لا إثبات المانع (1). ويرجع مقصوده إلى أن الاشتراط موجب لانقلاب الموضوع; فإن موضوعه العقد بشرط لا عن الاشتراط، والعقد بشرط شئ، غير العقد بشرط لا. فما في تقريرات بعض الأعاظم (قدس سره): من أن ظاهر كلامه، تصحيح الإسقاط بتحقق المقتضي، وأنه غير صحيح; فإن وجوده من دون وجود الجزء الآخر من العلة، لا يوجب إمكان الإسقاط الفعلي (2) أجنبي عن كلامه. نعم، يرد عليه: - مضافا إلى عدم وجاهة دعوى التبادر المذكور، ومضافا إلى مخالفة ذلك لما يشترطه المتعاقدان، ولما يفهمه العرف من الاشتراط، ولكلمات الأصحاب - أن ما يوجب الانقلاب هو شرط السقوط جدا، لا لقلقة اللسان، ومع عدم تأثير شرط السقوط، لا يعقل الاشتراط على مبناهم; وهو أن
1 - المكاسب: 220 / السطر 28. 2 - منية الطالب 2: 26 / السطر 6. 164 الاشتراط يترتب عليه السقوط واقعا. وتخلص غير واحد من المحشين; بأن مثل هذا يرجع إلى السقوط بعد الثبوت; بنحو القضية التعليقية والتقديرية (1). وهذا وإن كان لا بأس به تصورا، ولا مانع منه إلا التعليق، وهو غير مانع; لعدم ثبوت الإجماع في المقام، لكن الشروط المذكورة في ضمن العقود ليست كذلك، وظاهر الفتاوى أيضا اشتراط السقوط بنحو الجزم (2)، والحمل على الاشتراط تعليقا، خلاف الظاهر. الصحيح في الجواب عن الإشكال والتحقيق: أن الإشكال بحذافيره، يندفع بما نبهنا عليه في بعض المباحث السالفة; من أن الأسباب والمسببات في الأمور الاعتبارية - من العقود والإيقاعات - لا تكون بمثابة الأمور التكوينية الواقعية; في ترتب المسببات على أسبابها قهرا، بلا دخل لاعتبار معتبر، فالأسباب الاعتبارية ليست مؤثرة بنحو القهر في المسببات; لأن المسببات فيها اعتبارية، تابعة في التحقق الاعتباري لمبادئها الخاصة بها (3). فالبيع المنشأ بألفاظه، موضوع لاعتبار العقلاء لنقل المبيع إلى المشتري،
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 11 / السطر 22، و: 87 / السطر 18، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 11 / السطر 31، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 24 / السطر 6، و: 60 / السطر 9. 2 - أنظر غنية النزوع: 217، شرائع الإسلام 2: 15، إرشاد الأذهان 1: 374، قواعد الأحكام 1: 142 / السطر 3. 3 - تقدم في الجزء الأول: 14، وفي الجزء الثاني: 194. 165 والثمن إلى البائع، لا مؤثر قهرا في ذلك ولو مع الغض عن اعتبار معتبر. وعلى هذا: لا يكون المنشئ قادرا إلا على إنشاء البيع، والبيع الإنشائي، والنقل الإنشائي; مما هو موضوع لاعتبار النقل الواقعي عند العقلاء، وهذا جار في جميع العقود والإيقاعات، كالطلاق، والتحرير، والإبراء، والإسقاط... إلى غير ذلك. وعليه فنظير إشكال امتناع الإسقاط والاشتراط، جار في جميع المعاملات والإيقاعات; فإن نقل العوضين وتبادلهما، ليس تحت اختيار المتعاملين; لوجهين: أحدهما: أن ترتب المسبب عليه ليس قهريا كالتكوين، واعتبار العقلاء ليس تحت اختيار المتعاملين. وثانيهما: أن الإيجاب في الأصيل، لا يعقل أن يكون ناقلا واقعا إلا بعد ضم القبول، ففي الحقيقة يكون الإيجاب مشتملا على الفضولية، فكيف يعقل في الفضولي والموجب إنشاء النقل الحقيقي؟! والجواب: أن حقيقة البيع ليست إلا المبادلة الإنشائية، والفضولي وغيره على السواء في إنشاء المعاملة، والاعتبار العقلائي المترتب على البيع المنشأ، خارج عن حقيقة المعاملة، بل حكم واعتبار مترتب عليها بعد حصول الشرائط المعتبرة عندهم. فالعقود والإيقاعات الباطلة، عقود وإيقاعات حقيقة وإن كانت باطلة، وهي مشتركة مع الصحيحة منها إلا في الموضوعية للاعتبار شرعا أو عرفا. فعلى هذا: يكون ما بيد البائع والشارط، هو البيع الإنشائي والشرط كذلك، ولا يترتب عليهما الأثر إلا مع القبول، وبعده يصير العقد صحيحا، والخيار ثابتا وساقطا من غير إشكال في الإنشاء والشرط، ولا في أثرهما; فإن السقوط
166 الواقعي، إنما هو باعتبار العقلاء، كالنقل الواقعي. فقبل القبول، يكون الإيجاب والشرط باطلين; بمعنى عدم ترتب الأثر عليهما، وبالقبول تتحقق الملكية، متقدمة على تحقق أثر الشرط في اعتبار العقلاء. وتوهم: أن الإسقاط الإنشائي اللحاظي أيضا يترتب على الثبوت ساقط; فإن ترتبه على الثبوت الواقعي ممنوع، وعلى الأعم حاصل; لأن الخيار أمر ثبوتي مقابل عدمه، فإنشاء إسقاطه لا يحتاج إلى أزيد من هذا الثبوت. بل على فرض تحقق الخيار في عقد مثلا، لو اشترط سقوطه في عقد آخر، لا يتقوم اشتراط سقوطه إلا بهذا النحو من الثبوت، لا بالثبوت الاعتباري الواقعي بعد امتناع كونه موجبا للسقوط كذلك. وبما ذكرناه، يمكن تصحيح كثير من الموارد التي يتوهم فيها كونه من إسقاط ما لم يجب، أو نظيره، كنفس إسقاط الخيار في ضمن العقد، لا اشتراطه، وشرط الرهن بنحو شرط النتيجة، أو جعله في ضمن عقد القرض، وشرط سقوط النفقة، أو حق القسم في ضمن عقد النكاح، وشرط إقراض البائع المشتري نفس الثمن في ضمن البيع... إلى غير ذلك. تخلص المحقق النائيني عن الإشكال وأما ما ذكره بعض الأعاظم (قدس سره): من أن إسقاط ما لم يجب، هو إسقاط حق لم ينشأ سببه أصلا، كالإسقاط قبل العقد، وأما لو وجد سببه، ولم يحصل فعلا، فلا مانع منه. ثم تمسك بقول العلامة (قدس سره) في «التذكرة»: لو وكله في شراء عبد وعتقه،
167 وفي تزويج امرأة وطلاقها، واستدانة دين وقضائه، صح (1) انتهى (2). فأنت خبير بما فيه; لأن الإشكال في المقام عقلي، ولا يرتفع بما ذكر; ضرورة أن السقوط قبل الثبوت ممتنع، كالإسقاط الحقيقي قبله، فإنشاء السبب قبل تمامه، وحصول المسبب، لا يدفع الإشكال. وأما الإشكال في باب الوكالة، فليس بعقلي، فلا مانع من التوكيل حتى قبل تحقق الموضوع، إلا أن يدل دليل شرعي على عدم الجواز. ويمكن أن يرجع كلامه إلى الإسقاط بنحو القضية التعليقية، والتفصيل بين ما قبل العقد وأثنائه; بدعوى أن الإسقاط قبل إنشاء السبب والاشتغال به، غير عقلائي، وهو جيد وإن كان مخالفا لظاهر كلامه. وعلى ذلك: لا يرد على التقريب المتقدم منا، أن لازمه صحة إبراء الدين قبل الاقتراض، وإسقاط الخيار قبل العقد; فإن مثل ذلك غير جائز، لا لامتناعه عقلا، بل لعدم عقلائيته، والأسباب العقلائية تابعة لاعتبار العقلاء، وفي غير مورده لا سببية لها. إشكال الدور وأما الإشكال: بأن لزوم الشرط موقوف على لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط كما في المقام، لزم الدور (3). ففيه: أن لزوم العقد في المقام، يتوقف على سقوط الخيار، أو عدم ثبوته،
1 - تذكرة الفقهاء 2: 117 / السطر 25. 2 - منية الطالب 2: 25 / السطر 21. 3 - المكاسب: 220 / السطر 15. 168 وهما يتوقفان على صحة الشرط، لا على لزومه، وصحته لا تتوقف على لزوم العقد; ضرورة أن الشروط في ضمن العقود الجائزة صحيحة، وإن لم تكن لازمة; لتبعية أصل الشروط للعقود في التحقق، فإذا جاز حل العقود جاز حلها. وبالجملة: إذا صح الشرط سقط الخيار، وبسقوطه يلزم البيع، فيلزم الشرط; لتبعيته له. بل جواز البيع بعد الاشتراط دوري; لأن جوازه يتوقف على صيرورته خياريا، إذ مع عدمها يكون لازما ذاتا، وصيرورته كذلك تتوقف على حل الشرط، وهو متوقف على جوازه، وهو يتوقف على جواز البيع، فجواز البيع في المقام بعد الاشتراط، يتوقف على جوازه. بل التحقيق: أن شرط السقوط بنحو شرط النتيجة، لو وقع في ضمن عقد جائز غير عقد البيع، صيره لازما; لسقوط خياره، ولو انفسخ العقد الجائز الذي شرط في ضمنه سقوط الخيار، لم يرجع الخيار، وبقي العقد على لزومه; لأن سبب سقوط الخيار صحة العقد، والفسخ إنما هو من حينه، والسبب باق على سببيته. فلا يصح أن يقال: إن سبب سقوط الخيار لو انعدم، رجع الخيار بسببه الأول، هذا كله في شرط النتيجة. الكلام في إسقاط الخيار بنحو شرط الفعل وأما شرط الفعل، كشرط عدم الفسخ، أو شرط إسقاط الخيار، فالكلام فيه: تارة: في إمكانه. وأخرى: في صيرورة عدم الفسخ أو إسقاط الخيار واجبا.
169 وثالثة: في حرمة الفسخ. ورابعة: في ترتب الحكم الوضعي على التكليفي في المقام. البحث الأول: في إمكانه أما إمكانه، فالإشكال فيه إنما هو على مبنى القائل: بأن الخيار ملك فسخ العقد وإقراره (1)، وأن إقراره والالتزام به مع إبرازه، عمل بالخيار، وموجب للزوم العقد. فيقال في المقام: إن الالتزام بالعقد في أثنائه، إما يكفي للزوم العقد بعد تحققه; بحيث يوجد مع هذا الالتزام بلا خيار، أو أن الالتزام بعد تحقق العقد والخيار، موجب للزوم. فعلى الشقين: لا يعقل الجد في الشرط المذكور; لأن إمكان الجد فيه فرع إمكان العمل به في نظره، لا بحسب الواقع، مع أنه يرى أن العقد في ظرف تحققه يكون لازما; فإن نفس هذا الاشتراط جدا، لازمه الالتزام بالعقد وإقراره، إما في أثنائه، أو بعد تحققه، فلا يبقى للعمل بالشرط مجال، ومعه لا يعقل الجد في الاشتراط، والأمر سهل بعد بطلان المبنى. البحث الثاني: في وجوب عدم الفسخ أو إسقاط الخيار تكليفا وأما أن عدم الفسخ أو إسقاط الخيار، هل يصير واجبا تكليفا؟ فنقول فيه: إن ما هو واجب بدليل الشرط، هو الوفاء به، فالوجوب الشرعي إنما تعلق بعنوان «الوفاء» ولا يعقل تعلقه بعناوين أخر، ك «عدم الفسخ»
1 - رياض المسائل 1: 522 / السطر 30، جواهر الكلام 23: 3. 170 و «إسقاط الخيار». كما أن الأمر كذلك في الأشباه والنظائر، ففي النذر والعهد والقسم، تعلق الوجوب بعنوان «الوفاء بها» لا بعناوين أخر، تتحد معها في الوجود الخارجي. فلو نذر إتيان صلاة الظهر صح، ووجب الوفاء، ولم يتعلق وجوب من قبل النذر بالصلاة; لأن التعلق بعنوانها غير ممكن، ضرورة أن عنوان «النذر» الذي تعلق به الوجوب، غير عنوان «الصلاة» ولا يمكن سراية الحكم من عنوان موضوعه إلى عنوان آخر، ولا ربط بين الصلاة والنذر في ظرف العنوانية، وبعد وجود الصلاة في الخارج - وهو ظرف اتحاد العنوانين في الوجود - لا يعقل تعلق الوجوب به; لأن الخارج ظرف السقوط بوجه. فالصلاة المأتي بها بعنوان «الوفاء بالنذر» ذات عنوانين، عنوان ذاتي هو «الصلاة» وعنوان عرضي. وفي المقام: لا يعقل أن يتعلق الوجوب المتعلق بالوفاء بغير عنوانه، وما تعلق به هو «الوفاء بالشرط» وهو عنوان غير عنوان ما تعلق به الشرط، كعنوان «الفسخ» و «عدمه» و «الخياطة» و «عدمها» مما تقع تلو الشروط. وحديث مشيرية عنوان لآخر، أو مشيرية عنوان للمصاديق الخارجية المتحدة مع مصاديقه، باطل لا يعتنى به; لعدم إمكان الإشارة بعنوان إلى ما يخالفه، فضلا عن الإشارة إلى المناقضات والمضادات، كما في باب الشروط، حيث يقع شئ ونقيضه وضده تلو الشرط في الموارد المتعددة. ثم إن الامتناع المذكور، كما هو لازم على فرض تعلق الحكم بنفس العناوين - نحو «البيع» و «الصلاة» و «الشرط» و «النذر» وهكذا - كذلك لازم على فرض تعلق الحكم على نحو القضية الحقيقية، والعام الأصولي، نحو «المؤمنون
171 عند شروطهم» (1) و «أوفوا بنذوركم» مثلا; فإن الحكم في تلك القضايا، إنما تعلق بالكثرة الإجمالية من تلك العناوين، ولا يعقل تعلقه في مقام الجعل بملازماتها ومتحداتها خارجا. فكما أن الشرط وهو قرار خاص، لا يحكي عن عنوان أو عناوين أخر، كذلك الشروط - وهي المصاديق الذاتية للقرار - لا يعقل أن تكون حاكية عن ملازماتها ومتحداتها في ظرف الخارج. ف «أوفوا بالشروط» لا تعقل حكايته عن الفسخ واللا فسخ بعنوانهما، ولا عن مصداقهما، ولا يرجع ذلك إلى قوله: «لا تفسخ» و «افسخ» و «صل» و «صم»... إلى غير ذلك، وإن كان لا يحصل الوفاء إلا بإتيان ما تعلق به الشرط، كالفسخ، والإسقاط; لأنهما كما هما مصداقان ذاتيان لعنوانهما الذاتي، مصداقان عرضيان للوفاء بالشرط. فقبل الشرط لو وجد الفسخ مثلا، لا يصدق عليه إلا عنوانه فقط، وبعد الاشتراط يصير مشروطا، ويعرض له عنوان عرضي، فإذا تحقق وجد معه عنوان ذاتي; هو عنوان «الفسخ» وعنوان عرضي; هو عنوان «الشرط» أو «المشروط» فيحصل الوفاء بإيجاده، من غير تعلق للحكم بالعنوان الذاتي أو مصداقه، فتدبر جيدا. هذا مضافا إلى أن التعلق بنفس العناوين، يوجب المحذور العقلي في بعض الموارد، كما لو شرط عليه صلاة فريضته لو رأى إهماله فيها، فإنه شرط جائز، أو نذر إتيان صلاة الفريضة، فإنه منعقد، ولازم ذلك تعلق أمرين مستقلين، وإرادتين كذلك، بعنوان واحد، وهو ممتنع كامتناع تعلق الأمر والنهي به.
1 - تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4. 172 فلا بد إما من الالتزام بسقوط الأمر بالصلاة، وهو باطل; لأن السقوط إن كان من باب المزاحمة، فلا يعقل سقوط الأهم، ولا إشكال في أن الفريضة كذلك، وبهذا يظهر فساد سقوطهما، مع أن لازمه بطلان الشرط. أو الالتزام بسقوط الأمر بالوفاء، وهو مساوق لبطلان الشرط أيضا. وتوهم: أن الأمر بالشرط أو النذر، يوجب التأكيد (1) فاسد; فإن مبادئ الأوامر التأكيدية، عين مبادئ التأسيسية، فالأمر بالصلاة مكررا تأكيد، إذا كانت مهمة في نظر الآمر، ومع اختلاف المبادئ لا يعقل التأكيد، وما ذكروه في أشباه ذلك من القول بالتأكيد، غير مرضي، فالتحقيق ما عرفت. البحث الثالث: في حرمة الفسخ ثم على فرض تسليم تعلق الأمر بالعنوان المذكور في تلو الشرط، فغايته فيما إذا شرط عدم الفسخ; أنه يجب عليه ذلك، وأما حرمة الفسخ، فمبنية على القول: بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد العام. وكذا الحال في حرمة النقض، فإنها مبتنية على اقتضاء وجوب الشرط لها، والاقتضاء المذكور باطل; لما قرر في محله (2). وحاصله: أن الاقتضاء بمعنى استلزام البعث المتعلق بالشيء للزجر عن نقيضه، مستحيل; لأن المعاني الاختيارية المتوقفة على المقدمات الخاصة بها، لا يعقل أن تكون لازمة لشئ، ومترتبة عليه قهرا.
1 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 33 - 35، راجع تهذيب الأصول 2: 23 - 25. 2 - مناهج الوصول 2: 16، تهذيب الأصول 1: 296. 173 مضافا إلى وضوح بطلان ذلك; لأن الأوامر الصادرة عن الموالي، لا تترتب عليها النواهي بالوجدان، وكذا الحال في استلزام إرادة الشئ لإرادة نقيضه. ولو قيل: إن المراد أن الآمر بشئ، لا يعقل أن يكون راضيا بتركه، فلو التفت إليه ينهى عنه، وهذا كاف في المدعى. وإن شئت قلت: إن وجوب شئ مستلزم لحرمة نقيضه، ولهذا نرى أن الموالي كثيرا ما ينهون عن ترك ما أمروا به. يقال: إن عدم الرضا بالترك أو الأمر بعدمه، إن كانا ناشئين عن مفسدة ملزمة في الترك; بدعوى أن كل شئ أمر به - لأجل مصلحة ملزمة فيه - يكون في عدمه وتركه مفسدة ملزمة، مستتبعة للحرمة والنهي عنه. ففيه: - مع بطلانه في نفسه، ومع الغض عن أن الأعدام، لا يعقل أن تكون ذات مفسدة أو مصلحة - أن الحرمة وعدم الرضا بالترك; لأجل المفسدة الكامنة في ذات المنهي عنه، لا تكونان حينئذ لاقتضاء الأمر للنهي عن النقيض، بل الحرمة وعدم الرضا ثابتتان استقلالا، لا باقتضاء الأمر، وهو واضح. وإن كانا ناشئين عن المصلحة في المأمور به; بمعنى أن النهي لأجل تحصيل المصلحة فيه، وأن عدم الرضا لذلك، فلا يعقل أن يكون النهي تحريميا تكليفيا، بل إما إرشاد عقلي، نظير الأمر بإطاعة الله، أو تأكيد لإيجاد المأمور به، ولهذا لا يكون في ترك كل أمر مخالفتان ومعصيتان وعقابان. فلو كان النهي تكليفيا، يلزم أن يكون في ترك كل أمر عقابان، وهو ضروري البطلان. فالحق: أن الأمر بالشيء، لا يقتضي النهي عن نقيضه، وكذا العكس. ثم لو أغمضنا النظر عما تقدم، وقلنا: بأن الشروط في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
174 «المؤمنون...» إلى آخره (1)، عنوان مشير إلى نفس العناوين الذاتية المأخوذة تلوها، كالبيع وعدمه، والخياطة ونحوها; بأن كان المراد منه: «أن كل عنوان جعلوه تلو الشروط يلتزمون به، وهم ثابتو الأقدام عنده» فيرجع إلى تعلق حكم شرعي مناسب للشرط بما هو تلوه. فإذا شرط أن لا يفسخ، يتعلق به النهي عنه، وإذا شرط أن يبيع يتعلق الأمر به، فالحكم الشرعي تابع للشرط وجودا وكيفية، وإنما الشرط محقق لموضوع الحكم، وهو نفس العناوين، وما تعلق بها من الحكم هو ما يناسبها أمرا ونهيا. وهذا بوجه نظير قوله تعالى: (أطيعوا الله) (2) بناء على عدم كون عنوان «الإطاعة» موضوعا لحكم عقلي، بل يكون مشيرا إلى الأحكام الصادرة عنه تعالى، فكأنه قال: «اتبع الأحكام المذكورة بعناوينها». ومعلوم: أن ذلك يختلف في الأوامر، والنواهي، وفي الأحكام التكليفية، والوضعية، والنفسية، والإرشادية... إلى غير ذلك، فأمر العباد بتبعية الأحكام بعناوينها، وهي مختلفة، فلا بد للعباد من ملاحظة ظواهر أدلة الأحكام، والاستظهار منها، وتبعيتها. وفي المقام أيضا على هذا المبنى الفاسد، لا بد للمشروط عليهم من تبعية الأحكام المتعلقة بها; تبعا للشروط وكيفيتها، فيجب عليهم الفعل تارة، والترك أخرى. فإذا شرط عدم الفسخ، وعدم البيع، يتعلق بهما حكم مناسب، كقوله:
1 - تقدم تخريجه في الصفحة 172، الهامش 1. 2 - آل عمران (3): 32 و 132، النساء (4): 59، المائدة (5): 92. 175 «لا تفسخ» أو «حرم عليك» أو «وجب عدمه» فلا بد من ملاحظة ظواهر تلك الأحكام المقدرة، التابعة للشروط المتعلقة بها. فإذا استلزم الشرط النهي عن البيع أو الفسخ ونحوهما - مما هو وسيلة إلى أمر آخر، وسبب لتحقق شئ آخر - يستفاد منه الوضع والإرشاد إلى البطلان، كما هو الشأن في النواهي المتعلقة بما ذكر ابتداء، والفرض أن الشرط ليس موضوعا لحكم، ولا الوفاء به واجبا، وإلا انهدم الأساس من أصله، فإذا استلزم النهي عن شئ نفسي كالخياطة والشرب ونحوهما، يستفاد منه التحريم النفسي. بل لو قلنا: بأن المستفاد من الدليل على هذا المبنى أيضا، وجوب ترك البيع والفسخ، فكأنه قال: «أتركهما» كان المستفاد أيضا مختلفا باختلاف الموارد، وكذا في قوله: «يحرم» و «يجب» وشبههما. فلو قال: «لا تصل في وبر ما لا يؤكل» أو قال: «اترك الثوب الكذائي في صلاتك» أو قال: «يجب عليك أن لا تصلي في وبر ما لا يؤكل» أو قال: «تحرم» أو «لا تجوز الصلاة فيه» أو قال: «يجب الاجتناب عنه فيها» يستفاد منه الوضع، لا التكليف. وقد تقدم منا مرارا: أن تلك العناوين، مستعملة في معانيها الحقيقية لغة وعرفا، وإنما تستفاد منها النفسية والوضعية والتكليفية والإرشادية; بمناسبة اختلاف الموارد والموضوعات (1). فالحرمة بمعنى الممنوعية، إذا تعلقت بأمر نفسي، يستفاد منها التكليف،
1 - تقدم في الجزء الأول: 93، 165. 176 كقوله: «يحرم شرب الخمر» أو «شربها حرام». وإذا تعلقت بما يتوقع منه التأثير والتوسل إلى شئ، كالأسباب والموضوعات المركبة المتوقع منها ذلك، وقال: «تحرم عليك الصلاة في وبر ما لا يؤكل» يستفاد منها المانعية، من غير اختلاف في المعنى المستعمل فيه في شئ من تلك الموارد والعناوين، ومن غير فرق بين كونها مدلولة بدلالة مطابقية، أو التزامية بالمعنى الأخص، أو الأعم. هذا كله إذا قلنا: بأن الشروط عنوان مشير إلى نفس العناوين الذاتية، وأن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم» (1) لا يتمحض في الوجوب التكليفي. البحث الرابع: في ترتب الحكم الوضعي على التكليفي في المقام وأما إذا قلنا: إنه ممحض فيه، ولا يستفاد من لوازمه الإرشاد، أو الوضع، ونحوهما، فالتقريب المذكور لا يفيد، وحينئذ فهل يمكن استفادة الوضع منه أيضا؟ قد قررت الدلالة عليه بوجوه: منها: ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في أول كلامه; من أن وجوب الوفاء بالشرط، مستلزم لوجوب إجباره عليه، وعدم سلطنته على تركه، فمخالفة الشرط غير نافذة في حقه (2). ومنها: ما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره): من أن النهي إذا تعلق بالمسبب، يوجب سلب قدرة الفاسخ على الفسخ، كما لو شرط أن لا يبيع من زيد، فإنه يبطل البيع;
1 - تقدم تخريجه في الصفحة 172. 2 - المكاسب: 220 / السطر 32. 177 لفساد المعاملة إذا تعلق النهي النفسي بها; لسلب قدرة المالك على البيع من زيد (1). ويرد عليهما: أنه لا يعقل تعلق الأمر والنهي التكليفيين، بما هو غير مقدور للمكلف في ظرف العمل، فكما يمتنع الأمر التكليفي جدا من الآمر الملتفت إلى شئ ممتنع، يمتنع النهي عنه أيضا; لأن غاية البعث والزجر الانبعاث والانزجار، ولا يعقل ذلك في الممتنع. وكذا الحال فيما إذا كان المأمور به أو المنهي عنه محققا، وذلك واضح. ولا فرق في الامتناع بين سلب القدرة سابقا على الأمر والنهي، أو حصوله بهما، فالآمر الملتفت إلى أن مجرد أمره يوجب سلب قدرة المأمور، لا يعقل منه صدور البعث أو الزجر، فيرجع أمره إلى التعجيز، وهو غير التكليف. وفي المقام: لو فرض أن مجرد الأمر التكليفي، يوجب سلب سلطنة المأمور على الفسخ، وسلب قدرته عنه، لا يعقل صدورهما منه; لأن المفروض أن في ظرف الانبعاث والانزجار، كان المكلف غير قادر، وصار البيع لازما، والفسخ لغوا. فيتضح من ذلك: أن الوجوب التكليفي، متوقف على إمكان الفسخ وصحته، وإمكان البيع وصحته; لأن المأمور به أو المنهي عنه، ليس صورة الفسخ وإيجاد الألفاظ; فإن ذلك لا يوجب سلب القدرة، وعدم نفوذ البيع أوا لفسخ. بل لو شككنا في مورد في نفوذ البيع أو الفسخ، وأحرزنا الوجوب أو الحرمة التكليفية المتعلقين بهما، نحكم بنفوذهما وصحتهما، كما في المقام على فرض الشك في النفوذ، كما هو واضح. ثم إن هذا على مبناهم في باب الأوامر والنواهي (2)، وأما على ما سلكنا في
1 - منية الطالب 2: 26 / السطر 15. 2 - فرائد الأصول 2: 420، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 51. 178 الأوامر والنواهي القانونية (1)، فالكلام على نحو آخر، ولا داعي للتفصيل بعد سقوط أصل المبنى. ومن الغريب ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن وجوب الوفاء بالشرط، مستلزم لوجوب إجباره وعدم سلطنته (2) مع أنهما متنافيان; لأن لازم وجوب الإجبار على ترك الفسخ إمكانه، وهو مناف لعدم السلطنة، ومع عدمها لا يعقل وجوب الإجبار، ولا معنى لوجوب إجباره على ترك لقلقة اللسان. كما أن ما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره) ظاهر النظر; فإنه بعد تمثيله الصورة الأولى من شرط الفعل في المقام، بشرط أن لا يبيع من زيد، والثانية بشرط أن يبيع منه قال: إن النهي النفسي تعلق بعدم البيع من زيد في الأولى، وبعدم البيع من غير زيد في الثانية، وهو يقتضي الفساد وسلب القدرة; لأن المعاملة من جهة تخصيص «الناس مسلطون» (3) بأدلة الشروط، تصير منهيا عنها بالنهي النفسي، لا من جهة أن وجوب البيع من زيد يوجب النهي عن ضده، بل من جهة أن القدرة شرط، ومع الشرط المذكور تسلب القدرة شرعا; للنهي النفسي المتعلق به (4) انتهى ملخصا. وفيه ما لا يخفى; ضرورة أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم» لا يدل إلا على وجوب الوفاء بالشروط بعنوانها، أو على وجوب ما يتعلق به
1 - مناهج الوصول 2: 26 و 27، أنوار الهداية 2: 214 و 215، تهذيب الأصول 1: 308. 2 - المكاسب: 220 / السطر 32. 3 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، و: 457 / 198، و 2: 138 / 383، و 3: 208 / 49، بحار الأنوار 2: 272 / 7. 4 - منية الطالب 2: 26 / 15. 179 الشرط، كعدم البيع من زيد، أو البيع منه في المثالين، وعدم الفسخ، أو إسقاط الخيار في المقام، وأما حرمة الأضداد العامة أو الخاصة، فليست مفاده، وإنما تستفاد منه على القول: باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده. وإن شئت قلت: إن شرط المتعاملين، لا يوجب تخصيص دليل السلطنة وسلب القدرة; لعدم صلاحية نفس اشتراطهما لتخصيص الأدلة الشرعية. بل لو فرض صحة التخصيص، فإنما هي من جهة الأمر بوجوب الوفاء، أو النهي المذكور، وقد عرفت الإشكال فيهما; من جهة إمكان التكليف على الفرض، ومن جهة أن النهي غيري على فرض الاقتضاء، لا نفسي، كما لا يخفى. لكن يمكن المناقشة في تخصيص دليل السلطنة بأدلة الشروط; فإن مقتضى إطلاق دليل السلطنة، نفوذ المعاملات الصادرة من صاحب المال، وحلية التصرفات الخارجية فيه، لا بمعنى استعمال لفظ «السلطنة» في الأعم. بل بمعنى ما قررناه في أشباهه; من أن المتفاهم من تعلقها بالمعاملات - كقوله: «إنه سلطان على ماله بيعا وهبة وصلحا» - هو الحكم الوضعي، ومن تعلقها بسائر التصرفات، كقوله: «إنه سلطان عليه أكلا وشربا ولبسا» هو الحكم التكليفي ولو بلازمه في المقام، فدليل السلطنة يفيد صحة البيع، ودليل الشرط على فرض التسليم، يدل على حرمته، ولا تنافي بينهما (1). مع أن النهي لم يتعلق بالمسبب كما ادعاه القائل; فإن المفروض أن الشرط هو الفعل، أي عدم البيع، أو عدم الفسخ، والنهي - على الفرض المذكور - يتعلق بالبيع والفسخ بالمعنى المصدري، وحرمته لا تنافي الحكم الوضعي المستفاد من دليل السلطنة، حتى يخصص دليلها بدليل الشرط.
1 - تقدم في الجزء الأول: 93. 180 ومن ذلك يظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) أيضا; لأن وجوب الوفاء، لا ينافي السلطنة على ترك الفسخ والحكم الوضعي. وقد يقال: إن الشرط يوجب حقا للمشروط له، ولذا يجوز إجباره، ويسقط بإسقاطه، والتصرف في متعلق حق الغير غير نافذ، فالفسخ غير نافذ (1). وفيه: أن ذلك الحق المدعى، لو كان ثابتا في محيط العقلاء، وكانوا يرون أن الشرط في مثله يوجب امتناع تأثير الفسخ ونحوه، لم يعقل الجد في الاشتراط; لأن اشتراط فعل ما يصير ممتنعا في ظرف العمل، محال من العاقل الملتفت كما مر (2). فلنا أن نقول: إن شرط الفعل في أمثال المقام واقع من العقلاء، والإجبار على العمل بالشرط حكم عقلائي، ومن هذا وذاك نجزم; بأن العقلاء لا يرون ثبوت حق يوجب امتناع الفعل والعمل بالشرط، فاحتمال حصول الحق الموجب لعدم النفوذ، مدفوع بذلك. وكذا الحال لو كان احتمال ثبوت حق شرعا، مع صحة شرط الفعل، وجواز إجباره على العمل أو لزومه، فإطلاق دليل الشرط الكذائي، يدفع احتمال الحق الكذائي. هذا كله بناء على تعلق حق للمشروط له بما تعلق به الشرط، وإلا فلا ينبغي الإشكال، في أن نفس الالتزام والشرط، يوجب حقا للمشروط له على المشروط عليه; بأن يعمل على طبق شرطه والتزامه، وهذا أمر مشترك بين جميع الشروط، من غير فرق بين المتعلقات. وللمشروط له حق إلزام المشروط عليه على ذلك، لا من باب الأمر
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 24 / السطر 27. 2 - تقدم في الصفحة 178. 181 بالمعروف; فإن ذلك الحق، ثابت له حتى عند غير منتحلي المذاهب، ولهذا لو شرط عليه عملا فنكل عنه، فرفع أمره إلى محاكم العدل أو الجور، يقبلون دعواه كسائر الدعاوي. وأما لو رجع إليهم في شخص، بدعوى أنه يشرب الخمر، أو يعمل الحرام الكذائي، أو يترك الواجب الكذائي، لم يسمعوا منه دعواه; لخروجها عن محط المخاصمات. فإلزامه إياه، ناشئ من حق مطالبته بالعمل على قراره كائنا ما كان، وهذا غير تعلق حق بمتعلق القرار، كالبيع، والفسخ، وعدمهما. وأما ما تعلق به الشرط، فلا ينبغي الإشكال في أن الحق لو تعلق به، فإنما يتعلق به تبعا للشرط، وعلى منواله، ولا يعقل تعلقه بدائرة أوسع منه، أو بغيره مما لم يتعلق به الشرط. ففي المقام: أي مورد شرط أن لا يفسخ، لا بد أن يتعلق الحق على طبق شرطه، ولا إشكال في أن الشرط المذكور، شرط عدم الفسخ بالحمل الشائع، لا الأولي; لعدم المعنى لاشتراطه، والمعدوم بالشائع، لا يعقل أن يكون موضوعا لأمر ثبوتي ولو كان اعتباريا، بل لا يعقل ثبوت محمول عدمي له. فلا يعقل صدق قضية موجبة معدولة المحمول، ولا موجبة سالبة المحمول، مع كون الموضوع عدما ومعدوما بالحمل الشائع. لا يقال: إن شرط عدم الفسخ أو البيع بالحمل الشائع، يرجع إلى ثبوت أمر ثبوتي له، وهو مستحيل على الفرض. فإنه يقال: هذا نظير النهي المتعلق بالطبيعة; للزجر عن إيجادها، فقوله: «لا تفسخ» زجر عن الفسخ، لا أمر بعدمه، فالشرط أيضا شرط «عدم الفسخ» أي هذا العنوان; للتوسل إلى الزجر عنه.
182 فالشرط متعلق بعنوان ثبوتي; لإفادة إبقاء العدم على عدميته، وترك الفسخ بالحمل الشائع، ولا يلزم من ذلك ثبوت شئ للعدم والترك. بخلاف ما لو قيل: بثبوت الحق له، فما هو شرط لا يعقل تعلق حق به، وما يعقل تعلقه به - كالعناوين الثبوتية، مثل «الخيار» أو «السلطنة» أو «العقد» - فشئ منها لا يكون متعلقا للشرط. نعم، لا بأس بتعلق الحق بعنوان «الترك وعدم الفسخ» بنحو الكلي الذي لا ينطبق إلا على مصداق واحد، وهو المصداق التخيلي، لكن شرط ترك الفسخ أو عدمه، لا يرجع إلى ذلك. وعلى فرض صحته ورجوعه إليه، لا يوجب ذلك حقا للشارط على المشروط عليه; لأن المفروض أن المجعول شرط عدم الفسخ، لا جعل الترك أو عدم الفسخ على المشروط عليه، حتى ينتزع منه الحق، والأمر سهل بعد بطلان أصل المبنى. وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في آخر كلامه: من التمسك بإطلاق دليل الشرط; لوجوب ترتيب آثار عدم الفسخ حتى ما بعد الفسخ (1)، على منوال ما ذكره في (أوفوا بالعقود) (2) فهو غير مرضي; لأن وجوب الوفاء في شرط الفعل، هو الإتيان أو الترك، لا ترتيب آثارهما، فلو كان لازم شرط عدم الفسخ ترتيب آثار العدم، لكان شرط خياطة الثوب وجوب ترتيب آثارها، وشرط الفسخ وجوب ترتيب أثره، وهو كما ترى، مع ورود بعض إشكالات أخر عليه، لا جدوى لذكرها.
1 - المكاسب: 220 / السطر 35. 2 - المائدة (5): 1. 183 لا فرق بين شرط إسقاط الخيار وشرط عدم الفسخ ثم إن حال شرط إسقاط الخيار تقريرا وجوابا، حال شرط عدم الفسخ، بل الإشكال هاهنا على التقريبات هناك أوضح; فإن لازم التقريب الأول من بيان الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، أن لازم وجوب الوفاء، وجوب إجباره على الإسقاط، وعدم سلطنته على تركه، فيكون الإسقاط غير نافذ، وهو كما ترى. ولو قيل: إنه مع عدم سلطنة الشارط على ترك الإسقاط، تستحيل سلطنته على ضده; وهو إعمال الحق بفسخ العقد (2). يقال: لا وجه للاستحالة إلا من باب الضدية، وهي غير مانعة، بل قد قررنا في محله فعلية الحكمين على المتزاحمين، وفعلية الحكمين المختلفين على عنوانين متضادين (3). ولازم تقريبه الأخير، لزوم ترتيب آثار الإسقاط بمجرد الشرط، وهو واضح النظر; فإن لازمه أن كل شرط تعلق بإيجاد شئ، يوجب لزوم ترتيب آثار الوجود، فلا يجب إتيانه; إذ بدونه أيضا تترتب عليه الآثار، وكل شرط تعلق بترك شئ لا يجب تركه; إذ مع إيجاده يترتب عليه أثر الترك، فتكون كافة الشروط الفعلية على خلاف نظر الشارطين. وقد تقدم: أن حرمة الفسخ في الفرض، لا وجه لها إلا وجوب ضده الخاص، واقتضاء الأمر للنهي عن ضده الخاص، أوضح فسادا من اقتضائه للنهي
1 - تقدم في الصفحة 177. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 25 / السطر 3. 3 - مناهج الوصول 2: 28 - 29، تهذيب الأصول 1: 310. 184 عن ضده العام (1). وكذا الحال في تقريب الحق (2)، فإنه على فرض تعلق الحق بالإسقاط، لا يوجب الفسخ تصرفا في متعلق الحق، بل يوجب رفع موضوعه، والأمر سهل بعد ما عرفت من الإشكال في أصل الدعاوي (3). في إشكال الدور على شرط الفعل ثم إن الإشكال الذي أورده الشيخ الأعظم (قدس سره) على شرط النتيجة - وهو أن لزوم الشرط متوقف على لزوم العقد، ولو انعكس لزم الدور (4) - قد عرفت اندفاعه عن شرط النتيجة، وأنه غير وارد عليه (5)، وأما في المقام فيرد حقيقة. ومجمل القول فيه: أنه إن قلنا بأن الشرط في ضمن العقد الجائز، لازم بنحو الإطلاق، ولازمه تبعية العقد للشرط في وجوبه ولزومه، فلا إشكال، لكنه غير مرضي. وإن قلنا: بأن الشرط الكذائي غير لازم رأسا وإن كان صحيحا، فلا إشكال أيضا، لكن لا يثبت لزوم العقد به. وإن قلنا: بأنه لازم ما دام العقد موجودا كما قيل (6)، فإن قلنا: بأن مجرد
1 - تقدم في الصفحة 173. 2 - تقدم في الصفحة 181. 3 - تقدم في الصفحة 177 - 181. 4 - المكاسب: 220 / السطر 14. 5 - تقدم في الصفحة 168 - 169. 6 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 22 / السطر 34. 185 الوجوب يوجب تعلق حق، يدفع سلطنة الشارط على الفسخ والإسقاط، ويلزم العقد بمجرده، فلا يلزم الدور; لأن المفروض أن الشرط لازم في الجملة في ضمن العقد الجائز، وهو كاف في سقوط الخيار ولزوم العقد، فلزومه موقوف على لزوم الشرط، دون العكس، فلا دور. وإن قلنا: بأن ثبوت الحق وسقوط الخيار، أو لزوم العقد، يتوقف على وجوب الشرط مطلقا لا في الجملة، فيمكن الفرق بين شرط الإسقاط، وشرط عدم الفسخ; فإن شرط عدمه ووجوبه، لا يعقل أن يكون محدودا، فإنه راجع إلى أنه يجب عليه عدم الفسخ ما لم يفسخ. وهذا التحديد في مثله يرجع إلى المناقضة في الجعل، فلا بد إما من الحكم ببطلان الشرط، وهو مخالف لإطلاق دليله. أو بالوجوب مطلقا; لخصوصية في الشرط، فيرجع إلى أن صحة الشرط موجبة للزومه مطلقا، فيسقط به الخيار، ويتحقق اللزوم من غير لزوم الدور. وأما شرط الإسقاط، فيمكن أن يكون واجبا ما دام العقد متحققا، وما دام عدم فسخه من غير الإشكال المتقدم، وعليه لا يمكن إثبات لزوم الشرط مطلقا إلا على نحو دائر. هذا إذا قلنا: بأن معنى وجوب الوفاء بالشرط، وجوب العناوين الواقعة تلوه، ك «عدم الفسخ» و «الإسقاط». وأما بناء على ما هو التحقيق: من أن الوجوب متعلق بعنوان «الوفاء» ولا تجب العناوين الأخر (1)، فلا مانع من تعلق الوجوب ما دام العقد موجودا، فإثبات اللزوم بنحو الإطلاق المستتبع للزوم العقد، دوري، والأمر سهل بعد بطلان
1 - راجع ما تقدم في الصفحة 170. 186 أصل الدعوى. فتحصل مما مر: أن الخيار باق، والفسخ نافذ. وعلى ذلك لو كان الشرط عدم الفسخ ففسخ، لا موضوع لخيار التخلف، وكذا لو كان إسقاط الخيار ففسخ، وتخلف به. وأما لو تخلف بتركه بعد العقد، وقلنا: بفوريته; لأجل قيام القرينة، أو كان له أمد وتخلف فيه، أو تخلف بتركه إلى التفرق، كان للمشروط له خيار التخلف. ولو قلنا: بعدم نفوذ الفسخ، وبسقوط الخيار بمجرد الشرط، فلا يعقل التخلف، إلا أن يكون الشرط مجرد التلفظ بالفسخ، وهو كما ترى. ولو قلنا: ببقاء الخيار، وعدم نفوذ الفسخ، ففي اشتراط عدمه لا يعقل التخلف. وأما في اشتراط الإسقاط ونفوذه على فرضه، فإن تخلف بناء على الفورية، أو كونه ذا أمد، أو إلى التفرق، ففيه الخيار لو لم يتعلق بواسطة الشرط حق بالخيار، أو بالعقد، بل لو كان مقتضاه حق إلزام الشارط فقط، كما أشرنا إليه، وإلا فلا أثر للتخلف حتى بعد موت المشروط له. ثم إنه على ما ذكرناه وبنينا عليه، ليس شرط عدم الخيار - وكذا شرط عدم الفسخ والإسقاط - من مسقطات الخيار; فإن الأول راجع إلى عدم الثبوت، والأخيرين لا يوجب شرطهما سقوط الخيار. نعم، شرط السقوط بعد الثبوت، يكون من المسقطات. ثم إن شرط الإسقاط إنما يصح، إذا كان الإسقاط نافذا، وإلا فلا يصح، فعلى هذا تكون رتبة البحث عن الإسقاط، مقدمة على شرطه، والأمر سهل.
187 محتملات ما عن المشهور من توقف تأثير الشرط على ذكره في متن العقد بقي الكلام فيما حكي عن المشهور: من أن تأثير الشرط موقوف على ما إذا ذكر في متن العقد، فلو ذكر قبله لم يفد (1). وما يحتمل فيه أن يكون محل الكلام أمور: منها: أن المقصود أن لا أثر للشرط الابتدائي (2)، مقابل من يرى عدم الفرق بينه وبين المذكور في ضمن العقد. ويبعد هذا الاحتمال، أن هذا ليس مخصوصا بباب الخيار، ومحل بحثه باب الشروط (3)، وقد فصلنا الكلام فيه في باب المعاطاة (4). ومنها: أن الشرط ولو كان في ضمن عقد آخر، لا يصح إذا وقع قبل العقد (5). وهذا أمر قابل للبحث في المقام; بدعوى: أن شرط عدم الخيار قبل العقد باطل; لكونه من قبيل سقوط ما لم يجب، وإرجاعه إلى الدفع إنما يصح، إذا وقع في ضمن العقد. بل الشرط مطلقا سواء كان شرط عدم الثبوت، أو شرط عدم الفسخ، أو
1 - المبسوط 2: 78، السرائر 2: 242، شرائع الإسلام 2: 15، تذكرة الفقهاء 1: 517 / السطر 14، جواهر الكلام 23: 12، أنظر المكاسب: 221 / السطر 6. 2 - أنظر عوائد الأيام: 142. 3 - يأتي في الجزء الخامس: 303. 4 - تقدم في الجزء الأول: 130. 5 - تذكرة الفقهاء 2: 117 / السطر 25. 188 الإسقاط، لا يصح قبل الاشتغال بإيجاد السبب، فلا يصح اشتراط شئ مربوط بعقد مفقود، كما قيل نظيره في الوكالة; لعدم عقلائية الاشتراط، وانصراف دليل الشرط عنه. وليس المقصود تصديق هذه الدعوى; إذ هي محل منع إلا في بعض الفروض، لا في المقام، بل المقصود أنه أمر قابل للبحث في خصوص المقام. ومنها: أن شرط عدم الفسخ وإسقاط الخيار ونحوهما - مما هو غير مربوط بالعوضين، أو خارج عن بناء العرف عادة - لا بد وأن يذكر في متن العقد، وذكره قبله والبناء عليه لا يفيد، ولعل هذا هو المراد في المقام. والتحقيق فيه: أنه إن قلنا بأن ماهية الشرط، عبارة عن الالتزام الإنشائي، المحتاج إلى الجعل والإنشاء، كماهية البيع التي هي مبادلة مال بمال إنشاء، كما مر منا مرارا (1)، فلا ينبغي الإشكال في عدم إمكان كونه من المداليل الالتزامية لألفاظ البيع، من غير فرق بين ما يرجع إلى العوضين، كشرط كون الحنطة حمراء، والثمن ذهبا ونحوهما، وبين الشروط الأخر. وذلك لأن المدلولات الالتزامية، هي اللوازم المترتبة على المدلولات المطابقية قهرا، كطلوع الشمس ووجود النهار، والأربعة والزوجية، ولا تحتاج في وجودها إلى علة مستقلة. ولا يعقل أن يكون الاشتراط معنى التزاميا، مترتبا قهرا على إنشاء البيع; لأن إنشاء الشرط يحتاج إلى مبادئ خاصة به، غير مبادئ إنشاء العقد، والمبادئ للأمر الاختياري، لا يعقل أن تترتب على أمر آخر قهرا وبلا اختيار. فالقول: بأن ما يرجع إلى شروط العوضين ونحوها، يكون إنشاء العقد
1 - تقدم في الجزء الأول: 75، 238، وفي هذا الجزء: 68، 73، 110. 189 إنشاء لها; لأنها من لوازم ألفاظ العقود، فكما أنه تنشأ بها معانيها المطابقية، فكذا مداليلها الالتزامية، بخلاف غيرها كالشرط في المقام (1)، كما ترى. وإن قلنا: بأنها عبارة عن الالتزام النفساني، إذا كان له مبرز بأي وجه كان، فيمكن أن يقال: بأن المقاولة قبل البيع وإيقاعه مبنيا عليها، مبرز عرفا للالتزام في ضمن العقد، كسائر التعهدات; لقيام القرينة العرفية، لا لكونه مدلولا التزاميا. فمن قال قبل البيع: «بعني وأنا متعهد لك بإسقاط الخيار» أو «خياطة الثوب» فقال: «بعتك» فقبل، يقال: «إنه تعهد له بكذا في عقده». لكن الشأن في كون الشرط ذلك; فإن لازمه أن لا يصدق الشرط لو باع فضولي عن صاحبه، وشرط عليه شئ، مع وضوح الصدق عرفا. مضافا إلى أن الشرط - كغيره من نظائره - من الأمور الاعتبارية العقلائية المجعولة بالتسبيب، لا من الأمور التكوينية الخارجة عنها، فهو قرار خاص كسائر القرارات، بل التعهد والالتزام ليس إلا من الاعتباريات المجعولة، كالكفالة، والضمان، ونظائرهما. فرع: في نفي خيار من نذر أن يعتق عبده إذا باعه عن العلامة في «التذكرة»: بطلان شرط نفي خيار المجلس وغيره في متن العقد، فيما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه; بأن قال، «لله علي أن أعتقك إذا بعتك». قال: لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع; لصحة النذر، فيجب الوفاء
1 - أنظر منية الطالب 2: 27 / السطر 2. 190 به، ولا يتم برفع الخيار. وعلى قول بعض علمائنا: من صحة البيع مع بطلان الشرط، يلغو الشرط، ويصح (1) انتهى. أقول: فساد الشرط اللازم منه فساد البيع - على القول: بأن الشرط الفاسد لا يجتمع مع صحة البيع - مبني إما على تعلق حق بالعين المتعلق بها النذر، أو على ثبوت تكليف يمنع عن القدرة على الشرط. وكلاهما مزيفان; فإن اعتبار النذر جعل الناذر لله تعالى على عهدته فعلا أو تركا، فهو شبيه بالدين، وإن لم يكن كذلك حقيقة، ولهذا ورد في الحج: «إن دين الله أحق بالقضاء» (2) لأن نحو اعتبار الحج أيضا شبيه بالدين; لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت) (3). فالحق لو كان، فإنما هو حق الله المتعلق بنفس الفعل أو الترك، والمتعلقات خارجة عن النذر. وتوهم: أن النذر ونحوه إذا تعلق بفعل مربوط بالعين، وصح اعتبار الحق فيها، يعتبره العقلاء مدفوع; لأن كيفية النذر في جميع الموارد على وزان واحد. فلو نذر فرش شئ في مسجد أو مشهد، أو إعطاء شئ جزئي أو كلي لشخص، أو فعل صلاة وصوم، فالناذر في أمثالها لم يجعل على عهدته إلا فعلا لله تعالى، ولم يجعل للمذكورات على عهدته شيئا، حتى ينتزع منه الحق. وانتزاع الحق الاعتباري لله تعالى فاسد جدا; لعدم اعتبار العقلاء أمثال ذلك لله تعالى شأنه، واعتباره للأشخاص مما لا وجه له، ومجرد نحو إضافة إليهم
1 - تذكرة الفقهاء 1: 495 / السطر 17. 2 - صحيح مسلم 2: 505 / 1148. 3 - آل عمران (3): 97. 191 لا يوجب ذلك. وأما تعلق الحكم التكليفي بالوفاء، فهو لا يوجب سلب القدرة شرعا، ولا يستلزم النهي عن الشرط وسائر الأضداد، وعلى فرض استلزامه فهو غيري لا يوجب الفساد، كما مر في شرط عدم الخيار (1)، هذا كله في النذر مطلقا. وأما في المقام، فالأمر أشكل; لأن النذر مشروط بالبيع، والتكليف تابع في الإطلاق والاشتراط له، فقبل تمامية البيع لم يتعلق تكليف بالوفاء; إذ ظرف الشرط هو البيع، فمع تماميته يوجد لازما وبلا خيار; لأن شرط عدم الخيار دافع له. ففي رتبة الشرط، لا حكم تكليفي ولا حق خالقي، ولا خلقي، وفي ظرف تعلق الحكم أو الحق، ليس الموضوع قابلا لتعلقهما. هذا مضافا إلى أن الحق إذا كان خلقيا، فلا يصح تعلقه في المقام بالعين; إذ لا يمكن أن يصير العبد ذا حق على نفسه، مع أن استحقاق العبد على مولاه، محل إشكال أو منع.
1 - تقدم في الصفحة 179 - 180. 192 مسألة في سقوط خيار المجلس بإسقاطه بعد العقد حكم المسألة بحسب القواعد ومن المسقطات إسقاطه بعد العقد، ولا ينبغي الإشكال فيه، من غير احتياج إلى التشبث بالإجماع والأدلة اللفظية (1); فإن احتمال عدم مسقطيته: إما من جهة احتمال أن الخيار في المقام شرعي، لا عقلائي، وأن ماهيته غير ماهية الخيار العقلائي، فمن المحتمل عدم سقوطه بالأسباب العقلائية. وهو واضح الضعف; ضرورة أن الخيار أمر معهود عند العقلاء، رائج في سوقهم، ومورد لابتلائهم صباحا ومساء، كخيار الشرط، وتخلفه، وتخلف الوصف، وخيار العيب، والغبن; مما هي عقلائية، وليست من مخترعات الشرع. ولا شبهة في فهم العقلاء من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (2) ما هو المعهود عندهم; من المعنى العرفي، والماهية العقلائية، بل ولو كان المعنى اللغوي مخالفا للعرفي في مثل ذلك الأمر الشائع، يحمل على الثاني، ولا إشكال
1 - المكاسب: 221 / السطر 27. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 193 في عدم اصطلاح خاص للشارع الأقدس في هذه الحقائق. فحقيقة الخيار شئ واحد; هي الحقيقة العرفية في جميع الموارد، وكون خيار المجلس والحيوان شرعيا، لا عقلائيا، ليس معناه أن ماهية الخيار شرعية، بل المراد أن الخيار المعهود عند العرف، مجعول شرعا في هذين الموردين. وإما من جهة احتمال أنه من الحقوق غير القابلة للإسقاط، أو أن له مسقطا خاصا. ويمكن الاستدلال عليه: بإطلاق قوله (عليه السلام) «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (1) فيدل بإطلاقه على عدم السقوط بعد الإسقاط. وفيه ما لا يخفى: أما الاحتمال الأول; فلأنه مساوق لاختلاف ماهية خيار المجلس والخيارات العرفية، وقد عرفت ما فيه. بل وكذا الثاني; لأن عدم تأثير المسقطات والأسباب العرفية، لا محالة يرجع إلى تصرف شرعي في الخيار، يجعله غير قابل للسقوط بالمسقطات العقلائية. ولو لم يسلم ذلك; لاحتمال الردع عن المسقط العرفي، فهو مدفوع بأن الردع عن هذا المعنى الرائج العقلائي، لو كان لوصل إلينا، بل في مثل ذلك لا بد من الإعلان والتكرار، حتى لا يخفى على العرف، فلا يمكن رفع اليد عن طريقة العقلاء بمجرد الاحتمال. وأما التشبث بروايات الخيار ففي غير محله; لأنها بصدد بيان ثبوت الخيار إلى غاية خاصة; هي الافتراق، ولا شبهة في أنه ليس من المسقطات، فعلى ذلك يكون للأدلة إطلاق بالنسبة إلى حال الإسقاط.
1 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 194 بل أصل جعل الخيار الذي هو الحق المجعول للمتعاملين، وإعطاء الاختيار لهما، شاهد أو دال على أن أمره بيده إبقاء وإسقاطا، وفي كيفية الإسقاط يرجع إلى المتعارف. فلا إشكال في المسألة، بعد تعارف إسقاط الحقوق بالأسباب العقلائية، من غير احتياج إلى ما في أدلة الخيارات وفحواه، ولا إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس مسلطون على أموا لهم» (1) وفحواه. مع أن قاعدة السلطنة على الأموال والحقوق والنفوس، من القواعد المحكمة العرفية، التي لا تمس كرامتها شبهة ولا إشكال، وهي معمول بها في جميع الملل والنحل، التزموا بشرع أم لا، فالاستدلال على السلطنة عليها بتلك القاعدة العقلائية، صحيح لا ريب فيه. وتوهم: شرعية القاعدة، والاحتياج إلى دعوى الفحوى (2) غير وجيه، وسيأتي الكلام فيها وفي الفحوى (3). هذا كله بحسب القواعد. استدلال الشيخ الأعظم بفحوى الأدلة على سقوط الخيار وأما مع الغض عنها، فهل يدل على المقصود ما استدل به الشيخ الأعظم (قدس سره) من فحوى الأدلة (4)؟
1 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، و: 457 / 198، و 2: 138 / 383، و 3: 208 / 49، بحار الأنوار 2: 272 / 7. 2 - المكاسب: 221 / السطر 28. 3 - يأتي في الصفحة 200. 4 - المكاسب: 221 / السطر 27. 195 ولا بد قبل الورود فيه من التنبيه على أمر; وهو أن كثيرا ما يختلط الأمر في المدعى والدليل; لأجل عدم تمحيض الكلام في المدعى والدليل الخاص به، ففي المقام يكون المدعى: هو استقلال الإسقاط للمسقطية، وأنه أحد المسقطات مقابل سائرها، فلا بد من الاستدلال عليه، وعدم الخلط بينه وبين مسقط آخر. فنقول: أما فحوى صحيحة ابن رئاب: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام، فذلك رضا منه، فلا شرط...» (1) إلى آخرها، فالظاهر عدم صحة التشبث بها; فإنها - بعد لزوم حمل الكلام فيها على الحقيقة الادعائية; ضرورة أن إحداث الحدث والتصرف الخارجي، ليس رضا منه على وجه الحقيقة - ذات احتمالات: منها: أنه رضا منه تنزيلا; لاشتراك التصرف والرضا في الأثر بحسب الواقع والحكم الإلهي، فيستفاد منها أن الرضا موجب لعدم الخيار أصالة، والتصرف موجب له; تنزيلا له منزلته تعبدا. ومن الواضح: أن الإسقاط ليس رضا، ولا منزلا منزلته، فتكون الرواية أجنبية عن الدلالة على السقوط بالإسقاط. ومنها: أن الوجه المصحح للادعاء، هو أن إحداث الحدث، كاشف نوعي عن الرضا، فحينئذ إن كان المقصود أن ذلك مصحح للدعوى، وإثبات حكم الرضا له تعبدا، فهو كالاحتمال السابق في عدم الربط بالإسقاط. وإن كان المقصود إثبات الكاشفية له شرعا; باعتبار الكشف الظني عرفا، بأن كان المراد أن التصرف وإحداث الحدث، ليس بنفسه محكوما بحكم الرضا،
1 - الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1. 196 بل يثبت به الرضا المسقط، فيحكم في الظاهر بعدم الخيار، فهو كالسابق أيضا. بل أولى بعدم الدلالة والربط; فإن الحاصل منه أن الرضا المنكشف بالتصرف مسقط، ولو انكشف تخلف الأمارة يحكم بعدم المسقطية. ولو قيل: إن التصرف إذا كان لكشفه النوعي مسقطا، لكان الإسقاط كذلك بالفحوى; لأنه دال على الرضا بالأولوية. يقال: إن المسقط حينئذ هو الرضا، لا الإسقاط، والمدعى أنه مسقط بذاته، ومستقل فيه، لا كاشف عنه. ومما ذكر يظهر الحال، لو كان المراد كشفه عن الرضا الشخصي (1)، وهو مسقط حقيقة. وكذا حال الاحتمال الآخر; وهو كون المصحح أن التصرف مظهر للرضا، والمسقط الرضا المظهر، أو إظهار الرضا (2). ومنها: أن مصحح الدعوى، هو كون الرضا حكمة للحكم، وأن التصرف مسقط، لهذه الحكمة، لا أن الرضا مسقط، أو دخيل في الإسقاط، فيرجع الأمر إلى أن الشارع جعل التصرف وإحداث الحدث مسقطا، لهذه الحكمة. وعليه فإثبات كون الإسقاط مسقطا بها، محل إشكال، بل منع; لأن المسقطية التعبدية للحكمة المذكورة، لا يستفاد منها ذلك. ومنها: أن المصحح للحمل، هو مجرد شباهة التصرفات بالرضا في الإسقاط، فيكون الرضا مسقطا مستقلا، والتصرف مسقطا كذلك، فكأنه قال: «التصرف كالرضا في الإسقاط» وكون التصرف إسقاطا; لكونه مسقطا عمليا،
1 - أنظر المكاسب: 226 / السطر 27، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 20 / السطر 2، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 37 / السطر 17. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 19 / السطر 18. 197 فالإسقاط اللفظي أولى به. ويشكل ذلك: بأن مسقطية التصرف حينئذ إن كانت تعبدية، فلا تثبت الدعوى، كما مرت الإشارة إليه (1). وإن كانت لأجل أن ذلك إنشاء فعلي للإسقاط، فهو مخالف لإطلاق النص (2) والفتوى (3); في أن إحداث الحدث يسقطه، وإن وقع ساهيا، أو ناسيا، أو غير مريد للإسقاط. بل حمل الرواية على ذلك، حمل على الفرد النادر; ضرورة أن مثل اللمس والنظر إلى ما لا يحل لغيره، لا يقع عادة في مقام إنشاء الإسقاط، لو سلمت صحة وقوع مثله لذلك، فلا محالة يكون إحداث الحدث - على هذا الفرض - مسقطا لصرف التعبد. بقي هنا بعض احتمالات أخر، لا داعي لذكرها. حول كون الإسقاط اللفظي مسقطا مستقلا في قبال الرضا ثم إنه هل يمكن أن يكون الإسقاط لفظا مسقطا مستقلا، في قبال مسقطية الرضا بالبيع؟ فيه تفصيل; فإنه إن قلنا: بأن الرضا المسقط هو الالتزام بالبيع بحسب الواقع، من غير دخالة شئ آخر فيه من الفعل أو القول المظهر له; بمعنى أنه لو رضي به يسقط الخيار واقعا وإن لم يكن له مظهر، فلا يعقل أن يكون إنشاء
1 - تقدم في الصفحة 196 - 197. 2 - أنظر وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4. 3 - شرائع الإسلام 2: 16، تذكرة الفقهاء 1: 530 / السطر 3، و: 531 / السطر 38، مسالك الأفهام 3: 201. 198 الإسقاط مسقطا; لأنه مسبوق بوجود سبب السقوط دائما، ضرورة عدم إمكان عدم الالتزام بالبيع حين إنشاء الإسقاط. فالمنشئ للإسقاط لا محالة رضي بالبيع، والتزم به، ثم أنشأه، فلا يقع الإنشاء سببا فعليا في مورد من الموارد. وإن قلنا: بأن الرضا المسقط، ليس عبارة عن الالتزام بالبيع أو ببقائه; فإنهما حاصلان دائما، بل عبارة عن الإعراض عن حق الخيار، فيكون المراد منه الالتزام بالبيع معرضا عن الحق، والمسقط هو الإعراض، نظير الإعراض عن الملك، فإنشاء الإسقاط يكون مستقلا في قبال الإعراض; فإن الإسقاط في نظر المسقط يتعلق بالحق المحقق، ولا يعقل أن يكون مسبوقا بالإعراض، أو موقوفا عليه. فالإعراض ترك الحق ورفضه، وله مقدمات، والإسقاط إفناؤه وإلقاؤه، وله مقدمات غير مقدمات الإعراض، فيكون كل منهما مستقلا في التأثير، ومخالفا ذاتا وموردا للآخر. وإن قلنا: بأن الرضا المظهر مسقط; بمعنى أن الرضا المتصف بالمظهرية مسقط، لا أن الدال على الإظهار جزء موضوع، فالإسقاط مستقل ومقدم في التأثير والسببية عليه; لأن إنشاء الإسقاط مسقط، وموجب لصيرورة الرضا مظهرا، ففي رتبة تمامية السبب، يسقط الخيار بالإسقاط، فلا يبقى مجال لتأثير الرضا الموصوف. وكذا الحال لو قلنا: بأن الإظهار جزء موضوع، أو قلنا: بأنه تمام الموضوع، ولا دخل للرضا الواقعي فيه، فإن في كل ذلك تكون سببية الإسقاط مقدمة على سببية الرضا المظهر، أو إظهار الرضا، تقدم الذات على الوصف في بعض، وتقدم الجزء على الكل في بعض، هذا حال فحوى ما دل على أن التصرف رضا منه.
199 الإشكال في فحوى دليل السلطنة لإثبات مسقطية الإسقاط وأما فحوى دليل السلطنة على الأموال، لإثبات أن الإسقاط مسقط (1)، ففيها إشكال من جهتين: الأولى: أن دليل سلطنة الناس على أموا لهم - مع الغض عن أنه حكم حيثي لا فعلي، فلا إطلاق فيه، ومع الغض عن أنه في مقابل عدم الحجر، فلا إطلاق فيه - على فرض إطلاقه، لا يشمل المقررات العقلائية أو الشرعية في باب الأسباب والمعاملات; فإن الشك تارة: في سلطنة صاحب المال على ماله، كالشك في أن له التصرف الخارجي الكذائي، أو له نقل ماله بيعا وصلحا وإجارة. وأخرى: في أن اللفظ الكذائي، هل هو سبب للنقل أم لا؟ فالشك من الناحية الأولى، يدفع بإطلاق دليل السلطنة; لأن التصرفات مطلقا - حقيقية كانت أم اعتبارية - أنحاء وأنواع لها. وأما الشك من الناحية الثانية، فلا مجال للدفع به، بل لا معنى لإطلاق الدليل لما لا يكون من حالات موضوعه، ولا من أصنافه وأنواعه، ومن المعلوم أن أسباب النقل، ليست من حالات المال، ولا من حالات السلطنة، وقد مر ذلك في باب المعاطاة (2). والشك في المقام، إن كان في سببية إنشاء الإسقاط في السقوط، لا في سلطنة ذي الحق على حقه، فلا يدفع بإطلاق الدليل، وإن كان في سلطنته على
1 - المكاسب: 221 / السطر 28. 2 - تقدم في الجزء الأول: 122. 200 الإسقاط، فلا مانع منه على فرض إطلاقه. والظاهر أن مراد الشيخ (قدس سره) في صدر كلامه هو ذلك (1)، وفي ذيله يظهر منه، التمسك بدليل السلطنة على صحة الإسقاط بكل لفظ دال عليه، فيرد عليه ما ذكر. الثانية: أنه يمكن الخدشة في الأولوية والفحوى، ويتضح الأمر ببيان الفرق بين الملك والحق من بعض الجهات; وهو - أنه بعد اشتراكهما في كونهما أمرين اعتباريين - أن الملك اعتبر بنحو الطبيعة بلا شرط، القابلة للاتحاد مع الأعيان الخارجية، فيشتق من المادة مشتق محمول على الأعيان، فيقال: «إن الدار مملوكة لفلان» كالحقائق المشتقة المحمولة بالشائع على الذوات. بل شاع حمل «الملك» على الأعيان، فيقال: «إن البستان ملك زيد» و «الملك» ما يملكه الإنسان; أي استعمل في المملوك، ولعل الاستعمال كان توسعا، ثم صار معروفا وحقيقة. وأما «الحق» فهو معتبر نحو الحقيقة بشرط لا; بالنسبة إلى المضايفات والمتعلقات، فلا يحمل على الأرض المحجرة، ولا يقال: «إنها حق زيد» بل يقال: «إن له فيها حقا» فكأنه اعتبر «الحق» بنحو الامتياز عن المتعلقات، وله نحو تعلق اعتباري، بها بخلاف «الملك». نعم، قد يطلق «الحق» بمعنى الملك، فيحمل شائعا ك «الملك». ثم إنه لا إشكال في أن الملك والحق، أمران اعتباريان مضافان إلى الملك وذي الحق، وأن مناط السلطنة على الأموال، ليس ذات الأشياء، ولا ماليتها، ولا ملكيتها بما هي، بل المناط هو الإضافة إلى المالك، ف «الناس مسلطون على
1 - المكاسب: 221 / السطر 28 - 30. 201 أموا لهم» لأجل إضافة الأموال إليهم إضافة الملكية، فالملكية والمالية المضافتان إليه، سبب السلطنة عليها. وكذا الحال في الحق، فإنه أمر اعتباري وضعي، لا يكون بنفسه موضوع دليل السلطنة الشرعية، ولا موضوع الحكم العقلائي، بل بسبب إضافته إلى ذي الحق يصير موضوعا له، فحق التحجير شئ، وإضافته إلى صاحبه شئ آخر، ينتقل إلى الغير بالإرث أو النقل. فالحق محفوظ ومنقول إلى الغير، والإضافة إلى ذي الحق تتبدل، مع حفظ أصل الماهية الاعتبارية، فمناط السلطنة في الحق والملك هو الإضافة. وعليه فدعوى الأولوية والفحوى، إن كانت لأجل أشدية الإضافة في الملك من الإضافة في الحق، ففيها: - مع بطلانها; لأن الأمور الاعتبارية لا اختلاف فيها بالشدة والضعف، والكمال والنقص، بل لا يعقل فيها ذلك، فلا يكون الملك أشد إضافة إلى صاحبه من الحق - أن لازم ذلك كون الأولوية معكوسة; لأن الإضافة الضعيفة إذا صارت موجبة للسلطنة، تكون الإضافة القوية أولى بذلك. وإن كانت لأجل كون الملك أمرا اعتباريا، أشد وأقوى من الحق، ففيها أيضا ما تقدم: من عدم الاختلاف في الشدة والكمال ومقابليهما في الاعتباريات. مع أن ضعف المتعلق، لا يوجب ضعف الإضافة، ألا ترى أن بعض الأملاك اعتباري، كمالكية الزوجة في الإرث قيمة بعض الأشياء، والمالكية في الكليات مع عدم الاختلاف في الإضافات، وقد عرفت أن مناط السلطنة هو الإضافات، لا نفس الأملاك والأشياء، وعلقة المالكية ليست أقوى من علقة الحق. وتوهم: أن الملك أعيان خارجية، والحق أمر اعتباري، وذلك يوجب
202 الاختلاف مدفوع بأن اختلاف المتعلق، لا يوجب اختلاف الإضافة كما مر. مع أن ما يكون طرف الإضافة في الملك، هو المالكية والمملوكية أولا وبالذات، والأعيان طرفها ثانيا وبالواسطة. وأما الاستدلال على المطلوب بدليل الشرط (1)، ففيه ما لا يخفى، حتى على القول: بشموله للشروط الابتدائية. سقوط خيار المجلس بكل لفظ دال عليه ثم إن الظاهر سقوطه بكل لفظ دال عليه بإحدى الدلالات العرفية، ولو كانت مجازية، أو كنائية. لا لما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) من الفحوى المتقدمة (2); أي فحوى ما دل على سقوطه بالتصرف، معللا بأنه رضا بالبيع. ولا لفحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد الفضولي (3); لأن شيئا منهما لا يدل على أن الأفعال آلات لإسقاط الخيار تسبيبا، حتى يقال: إن آلية اللفظ أولى من الفعل. بل التصرف في الأول، إنما يوجب لزوم البيع; لكونه رضا تعبديا، وهو أجنبي عن السقوط بالإسقاط، وبعض الأفعال في الثاني - لكشفه عن الرضا بالبيع - يوجب نفوذه، بناء على عدم احتياج صحة الفضولي إلى أزيد من لحوق الرضا به، وعليه فهو أجنبي عن المقام.
1 - المكاسب: 221 / السطر 29. 2 - المكاسب: 221 / السطر 30 3 - نفس المصدر: 221 / السطر 31 203 وعلى فرض كونه إجازة، لا يدل على صحة الإسقاط بالقول، بل يدل على أولوية الإجازة لفظا في نفوذ البيع. ولا لما أفاده أخيرا: من صدق «الإسقاط النافذ» بمقتضى ما تقدم من التسلط على إسقاط الحقوق (1); لما عرفت من أن دليل السلطنة، لا يثبت سببية الأسباب ونفوذها حتى على فرض إطلاقه (2)، كما أن قاعدة أن لكل ذي حق إسقاط حقه، غير ناظرة إلى أسباب السقوط. بل لأن ما دل على إسقاطه عرفا ولو بالدلالات المعتبرة المجازية، مسقط عقلائي، وهو كاف فيه بعد عدم ردع الشارع الأعظم. ثم إن تعيين ما هو دال عليه بالدلالات المعتبرة، موكول إلى العرف. وأما ما فرعه على ذلك في ذيل كلامه; من أنه لو قال أحدهما: «أسقطت الخيار من الطرفين» فرضي الآخر، سقط خيار الراضي أيضا; لكون الرضا بإسقاط الآخر خياره إسقاطا أيضا (3) فصحته موكولة إلى كون نحو قوله: «رضيت» - مترتبا على الإسقاط - إسقاطا بالدلالة العرفية، لا إجازة لإسقاطه، وهو غير خال عن الإشكال. وليس مراده ما احتمله بعض الأجلة من الوجوه المذكورة في تعليقته (4)، بل الظاهر - بقرينة تفريعه على الدلالة اللفظية، وقوله: إن الرضا إسقاط - أن مراده إظهار الرضا لفظا، لا الرضا الباطني، ولا الرضا بالبيع.
1 - نفس المصدر: 221 / السطر 31 2 - تقدم في الصفحة 200. 3 - المكاسب: 221 / السطر 31. 4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 26 / السطر 23. 204 وترجع دعواه، إلى أن العرف يرى إظهار الرضا بالإسقاط مسقطا، لا إجازة له، كما أنه لو قال أحد للزوج: «إني أجزت زوجتك في الخروج عن المنزل» فقال: «رضيت بذلك» يعد ذلك إجازة لخروجها، لا إجازة للإجازة، والأمر سهل، وتعيين المصداق ليس من شأن الفقيه، وكون ذلك إسقاطا لا يخلو من وجه، وإن لم يخل من إشكال.
205 مسألة في سقوط خيار من قال لصاحبه: «اختر» لو قال أحدهما لصاحبه: «اختر» فهل يسقط خياره؟ والظاهر أن عنوان هذه المسألة من العامة (1)، تبعا لما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طرقهم: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر» (2). وقد أرسلها ابن أبي جمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (3) وأسندها في «الغنية» إلى العامة (4)، ورواها في «الخلاف» عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (5). والظاهر من «خلاف» الشيخ، أنه مع اختيار المأمور الإمضاء، ينقطع خيارهما عند الفريقين، وإن سكت يكون انقطاع الخيار عن غير الساكت، مذهب
1 - المغني، ابن قدامة 4: 10، أنظر المجموع 9: 179. 2 - صحيح البخاري 3: 136 / 360، السنن الكبرى، البيهقي 5: 269. 3 - درر اللآلي 1: 336، مستدرك الوسائل 13: 299، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 3. 4 - غنية النزوع: 218. 5 - الخلاف 3: 11. 207 الشافعي (1). ولعله ذهب إليه لمكان ذلك النص; حملا له على التعبد، وهو بعيد، أو لظهوره في الإعراض عن حقه وإسقاطه، وهو غير ثابت. وكيف كان: يحتمل بحسب الثبوت، أن يكون المراد به الاستخبار والاستكشاف عن حال صاحبه، أو رفع اليد عن حقه والإعراض عنه، أو تفويض الاختيار والانتخاب عملا إليه، أو نقله إليه. وعلى التقادير: إما أن يفسخ المأمور من قبل نفسه، أو من قبل صاحبه، أو من قبلهما، أو يفسخ للخيار الآتي من قبله. وإما أن يمضي العقد من قبله، أو قبل صاحبه، أو من قبلهما معا، أو يمضي باعتبار الخيار الآتي من قبل صاحبه، أو يسقط الخيار كذلك، أو يسكت. فعلى الاستخبار، لا أثر له على جميع التقادير، ويكون وجوده وعدمه سواء. وعلى الإعراض وإسقاط الخيار، يسقط من غير فرق بين الفروض. وعلى تفويض الانتخاب، لا يسقط قبل إمضائه الراجع إلى سقوط خياره، ومعه يسقط. ومع الإسقاط ابتداء، يسقط لو قلنا: بأن التفويض شامل له. ومع النقل، إن فسخه من قبل نفسه، وكان له الخيار، لم يبق موضوع للبحث، وكذا لو فسخه من قبلهما. وأما لو فسخ من قبل صاحبه، فنفوذه موقوف على كون الخيار منقولا إليه
1 - الخلاف 3: 21. 208 قبل الفسخ بما دل على قبوله، ولا يصلح الفسخ للقبول والتأثير في الحل معا; فإن تأثيره يتوقف على ثبوت الخيار له، فالفسخ إما قبول، فيحتاج إلى فسخ آخر يؤثر في الحل، وإما صادر منه قبل القبول، فلا أثر له. إلا أن يقال: إن القبول لا يحتاج إلا إلى إظهار ما، وهو حاصل بأول حرف من قوله: «فسخت» وتأثيره يتوقف على تمامه، فالفسخ بأول حرف منه قبول، وبتمامه مؤثر. لكنه مشكل; من جهة أن القبول يحتاج إلى دال عقلائي، وعلى فرض كون الفسخ دالا، فلا تكون دلالته إلا بإتمامه. ومنه يظهر الحال في الإمضاء من قبل الخيار الآتي من قبل صاحبه، وفي إسقاط الخيار الآتي من قبله; فإن النفوذ فيهما، يتوقف على ثبوت الخيار له، فلا بد من القبول قبلهما. وربما يقال: إن مجرد النقل كاف في سقوط خياره (1); لأن لازم النقل، هو رفع اليد عن الخيار، وإثباته لغيره، ورفع اليد عنه مع الإظهار بلفظ «اختر» كاف في سقوطه، وهذا نظير ما قد يقال: من أن التمليك في البيع ونحوه، هو قطع الإضافة عن نفسه، وربطها بصاحبه (2). وفيه: أن تلك الأمور الاعتبارية التسبيبية، لا بد فيها من التسبيب إليها بالإرادة، فمن أراد إسقاط خياره، لا بد له من إنشائه والتسبيب إليه، والمريد للنقل لا يريد إسقاط حقه، ولا رفضه، بل يريد الإثبات للغير، والنقل إليه. وليس النقل الاعتباري، منحلا إلى السلب عن نفسه، والإثبات بعده
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 26 / السطر 35. 2 - منية الطالب 1: 35 / السطر 2. 209 لغيره; ضرورة أن لازم ذلك، قيام الإضافة بنفسها بلا أمر مضاف إليه، وهو مستحيل حتى في نقل الخيار، بل فيه أوضح; فإن نفس الخيار لا يعقل له تحقق بلا مضاف إليه. مضافا إلى بطلان ذلك عقلائيا; لأن ظرف سلب الإضافة أو الخيار عن نفسه، ظرف سقوط سلطنته عنهما، ومعه لا ملك، ولا حق له، حتى يثبته لغيره. فالنقل في المقام وسائر المقامات، عبارة عن جعل ماله لغيره، ولازمه نفيه عنه، ولا يرجع إلى نفي وإثبات، ومن الواضح أن المملك، لا يعرض عن ملكه، بل يملكه لغيره، وبثبوت الملكية لغيره اعتبارا، يسقط اعتباره له. وفي المقام: ما دل على النقل، ليس إلا تسبيبا بالنسبة إليه، وأما الإسقاط فلا يكون هو دليلا عليه، ولا تسبيبا بالنسبة إليه. وقد يقال: إن الخيار في المقام، لا يعقل ثبوته مرتين، أو ثبوت مصداقين له لشخص واحد; لعدم تحقق مكثر له، فإن التكثير إما بالسبب، أو بذي الحق، وهما منفيان، وعلى ذلك يرجع إلى إسقاط الحق (1). وفيه: - مع الغض عن أن التكثير الاعتباري، حاصل في المقام، وله أثر أيضا - أن لازم ذلك بطلان النقل، لا رجوعه إلى الإسقاط; فإن المفروض أن المنشئ أراد النقل، وقد عرفت أنه لا يرجع إلى إسقاط وإثبات، فلا وجه لإرجاع النقل إلى الإسقاط. نعم، لو كان المنشئ ملتفتا إلى عدم اعتبار مصداقين للخيار لصاحبه، لم
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 26 / السطر 38. 210 يعقل صدور إنشاء النقل منه لو لم يسقط خيار صاحبه بمسقط، فلا بد من أن يريد بذلك الكلام غير النقل، وهو خارج عن محط الكلام. ثم إنه في مقام الإثبات، يشكل استظهار أحد المحتملات بنحو تطمئن به النفس، وإن لم يبعد ترجيح احتمال التفويض عملا، وعلى ذلك تحمل كلمات القوم وبناؤهم على السقوط لو أمضى المأمور، بل لا يبعد إرجاع النص المتقدم إليه بوجه، بعد بعد الحمل على التعبد في نحو المقامات. ولو سكت المأمور، فلا إشكال في عدم سقوط خياره، وأما سقوط خيار صاحبه، فموقوف على ترجيح بعض المحتملات المتقدمة بلا وجه صحيح. والأمر سهل بعد ما لم تكن المسألة فقهية كبروية، مع الجزم بعدم التعبد فيها. عدم سقوط خيار أحد الطرفين بإسقاط الآخر ثم إنه لا ينبغي الإشكال، في أن إسقاط أحدهما خياره، لا يوجب سقوط خيار الآخر. وتوضيحه: أن المحتمل في مفاد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» أمور: منها: جعل الخيار لمجموعهما، ولازمه عدم تأثير إعمال كل منهما مستقلا; فسخا، وتنفيذا، وإسقاطا، بل التأثير موقوف على اجتماعهما في العمل. ومنها: جعل خيار واحد لكل منهما، فيكون صرف وجود الخيار لكل منهما، ولازمه تقديم من سبق منهما في الفسخ، أو الإمضاء، أو الإسقاط، ومع تقارن فسخ أحدهما مع إمضاء الآخر، يقع التعارض بينهما، فيسقطان ويبقى العقد خياريا.
211 ومنها: جعله لكل منهما مستقلا; على أن يكون لكل خيار غير خيار الآخر، ولازمه سلطنة كل على إسقاط خياره وإمضاء العقد، والفسخ، فلو أسقط خياره لم يسقط خيار الآخر، ولو أمضى سقط خياره، دون خيار صاحبه. ولو تقارن الفسخ والإمضاء يصير العقد منفسخا، لا من جهة تقديم أحد المتعارضين; لوضوح عدم التعارض بعد كون الخيار لكل واحد مستقلا، بل لأجل أن التنفيذ لا يؤثر إلا في سقوط الخيار من قبله، هذا بحسب التصور والثبوت. وأما بحسب الإثبات، فلا إشكال في أن «البيع» استعمل في نفس الطبيعة، كسائر موارد استعمال المشتقات، وتطبيق «البيع» على المشتري أيضا، لا يوجب استعماله في البائع والمشتري، على ما قرر في محله في باب الحقائق الادعائية (1). فبعد هذا الادعاء، يكون «البيع» طبيعة قابلة للصدق على البائع والمشتري، وعلامة التثنية دالة على كثرة مدخولها، فبعد ضم العلامة يصير كأنه قال: «البائع والمشتري - الذي هو بائع ادعاء - بالخيار». ولو فرض استعمال «البيعين» في البائع والمشتري، كان الأمر أوضح. ولا إشكال في أن اعتبار المجموع، يحتاج إلى مؤونة زائدة على أصل الوضع والدلالة، وهو أخذ الكثير الخارجي أو العنواني واحدا، حتى يكون الحكم لمجموعهما، وأصالة الإطلاق تنفيه، وعليه فالاحتمال الأول منفي. وأما الاحتمال الثاني، فيحتاج إلى اعتبار الوحدة في الخيار، مع أنه أيضا موضوع لنفس الطبيعة، بلا قيد الوحدة أو الكثرة، فاعتبار الوحدة أيضا، يحتاج
1 - وقاية الأذهان: 103 - 112، مناهج الوصول 1: 104 و 105، تهذيب الأصول 1: 44. 212 إلى مؤونة زائدة، مدفوعة بالأصل. وأما اعتبار الكثرة في نفس الخيار، فهو وإن كان محتاجا إلى مؤونة وقرينة، لكن القرينة عليه في المقام موجودة; وهي الحمل على الكثير بما أنه كذلك. فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» كالقول: «بأن البائع بالخيار، والمشتري بالخيار» فيدل تعدد الموضوع على تعدد الحكم. وبالجملة: الالتزام بأحد الاحتمالين الأولين، موجب للالتزام بتقييد الموضوع، أو الحكم بلا مقيد، فيبقى الاحتمال الثالث المطابق للظاهر.
213 مسألة في سقوط خيار المجلس بالتفرق ومن المسقطات افتراق المتبايعين، وفي عده منها مسامحة; إذ هو قاطع للخيار بالنص (1) والفتوى، وقد حكي الإجماع عليه في «الخلاف» (2) وغيره (3). وظاهر كلمات أصحابنا المتقدمين، أن التفرق بنفسه قاطع في مقابل التخاير; أي الرضا بالعقد مع إظهاره، كقوله: «رضينا» أو «أنفذنا» ونحوهما. قال الشيخ في «المبسوط»: إذا ثبت خيار المجلس على ما بيناه، فإنما ينقطع بأحد أمرين: تفرق، أو تخاير (4) وقريب منه عبارة «الخلاف» (5) ونحوه في «الغنية» (6).
1 - أنظر وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، و: 10 و 11، الباب 3، الحديث 3 و 6. 2 - الخلاف 3: 8. 3 - غنية النزوع: 217، تذكرة الفقهاء 1: 517 / السطر 16. 4 - المبسوط 2: 82. 5 - قال في الخلاف 3: 9، «وهو (خيار المجلس) أن يكون لكل واحد منهما الخيار وفسخ العقد ما لم يتفرقا بالأبدان، فإن قال بعد انعقاد العقد أحدهما لصاحبه: اختر الإمضاء، فإذا اختار ذلك انقطع الخيار ولزم العقد، ولم يفتقر إلى التفرق بالأبدان عن المكان. 6 - قال في غنية النزوع: 217، «ولا يسقط (خيار المجلس) إلا بأحد أمرين: تفرق وتخاير، فالتفرق: أن يفارق كل واحد منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن إيثار». 215 وأما قوله فيها: فالتفرق أن يفارق كل واحد منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن إيثار فيريد به التفرق الاختياري، نظير قول العلامة: ولو فارق أحدهما الآخر ولو بخطوة اختيارا عالمين أو جاهلين... إلى آخره (1) في قبال التفرق الإكراهي. ويظهر من صاحب «مفتاح الكرامة» أن التفرق بنفسه مسقط للخيار، بالنص، والإجماع المحكي في جملة من الكتب، وعن «الكفاية»: لا أعلم فيه خلافا، وعن «الخلاف» أيضا: لا خلاف فيه بين علمائنا (2). ومن صرح بعدم الفرق بين العالم والجاهل والناسي ونحوهم (3)، ظهر منه عدم اعتبار الرضا. محتملات مسقطية التفرق ثم إن المحتملات في الباب كثيرة: منها: أن التفرق تمام الموضوع لقطع الخيار، ولا دخل للرضا فيه. ومنها: أن الرضا مسقط، ولا دخل للتفرق بوجه، ولازمه أنه لو تفرقا بلا رضا منهما، لم يسقط خيارهما. بل لازمه عدم ثبوت خيار المجلس، وتخطئة الفقهاء في إثباته; لأن ثبوته متوقف على أن يكون التفرق غاية له، ومع عدم كون التفرق غاية، وسقوط الخيار بالرضا، فلا وجه لإثبات خيار المجلس، بل هو خيار مطلق
1 - قواعد الأحكام 1: 142 / السطر 5. 2 - كفاية الأحكام: 91 / السطر 20، الخلاف 3: 22، راجع مفتاح الكرامة 4: 542 / السطر 15. 3 - قواعد الأحكام 1: 142 / السطر 5. 216 يسقط بالرضا المظهر. ومنها: أن كل واحد منهما موجب لسقوطه، أما التفرق فلكونه غاية له. وأما الرضا المظهر; فلكونه مسقطا له، فلو أظهر الرضا قبل التفرق سقط، ولو تفرقا بلا رضا منهما زائدا على الرضا المعاملي، سقط أيضا. ومنها: أن كلا منهما دخيل بنحو جزء الموضوع أو قيده، أو أن المسقط هو الرضا المظهر بخصوص التفرق. وهو أيضا يرجع إلى القيد، ولازمه عدم سقوطه مع عدم الرضا الزائد عن أصل المعاملة ولو تفرقا، وعلى هذا أيضا لا وجه لعده من خيار المجلس. ثم إن الأظهر بين الاحتمالات هو الثالث; أخذا بإطلاق الأدلة، وعدم مقيد لها. وقد يستشكل في الإطلاق; بدعوى: أن الطريقة العقلائية قائمة على أنهم إذا اجتمعوا لمعاملة، لا يفترقون إلا بعد التزامهم بها، فيمكن ورود الإطلاقات مورد الغالب، ويكون تقريرا للطريقة العقلائية (1). وفيه: أن الغلبة لا توجب جواز رفع اليد عن الإطلاق، ومجرد إمكان ورودها مورد الغالب، لا يدفع الحجة القائمة، وليس خيار المجلس ولا غايته عقلائيين كما هو واضح، حتى يقال: إن ما ورد فيه محمول على المعنى العقلائي. نعم، لو كانت الغلبة بحيث توجب الانصراف صحت الدعوى، لكن أصل الغلبة ممنوعة، فضلا عن حدها; ضرورة أن ما هو الموجود، هو الرضا بأصل المعاملة الباقي في النفس، وهو لا يوجب سقوط الخيار. بل في هذه المعاني التسبيبية، لا بد من التسبيب المتوقف على الالتفات
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 27 / السطر 8. 217 والاختيار، نظير «التخاير» الوارد في كلماتهم (1)، ومن المعلوم أن في نوع المعاملات الرائجة في السوق، لا يلتفت فيها المتعاملان إلى التزام زائد على الرضا بأصل المعاملة، وليس فيها إلا الالتزام المعاملي الذي لا كلام فيه، وهو لا يوجب سقوط الخيار ولو صرح المتعاملان به. فما هو موجود بنحو الغلبة لا يفيد، وما هو مفيد لا يكون غالبيا، فضلا عن كونه موجبا للانصراف. وصحيحة الفضيل (2) لا تصلح لتقييد المطلقات، بعد وجود احتمالات فيها، ولعل الأرجح من بينها هو رجوع الرضا إلى الافتراق، ويكون المقصود، أنه إذا كان الافتراق برضاهما فلا خيار، ولو بقرينة رواية «دعائم الإسلام» عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «المتبايعان بالخيار فيما تبايعاه، حتى يفترقا عن رضا» (3) الظاهرة - بلا إشكال - في كون الافتراق عن رضا. ولعل الأصحاب رجحوا هذا الاحتمال; حيث قيدوا الافتراق
1 - المبسوط 2: 82، غنية النزوع: 217، السرائر 2: 246. 2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما. الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري... الحديث. وسائل الشيعة 18: 11، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 5. 3 - دعائم الإسلام 2: 43 / 104، مستدرك الوسائل 13: 297، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1. 218 ب «الإيثار» (1) وب «الاختيار» (2). ولو منع ذلك، فلا تصح دعوى الظهور في الرضا، والالتزام بالبيع زائدا على الرضا بأصل المعاملة. مضافا إلى أن الظاهر منها - حيث قال (عليه السلام) فيها: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» - أن سقوط الخيار موقوف على رضاهما معا، ورضا أحدهما لا يوجب سقوط خيار صاحبه، وهذا مناف للروايات الواردة في قيام الإمام الباقر (عليه السلام) عن المجلس وافتراقه; لإسقاط خيار صاحبه (3). مضافا إلى أن الصحيحة على هذا المعنى، غير معمول بها. فالتحقيق: أن الافتراق بنفسه موجب لقطع الخيار، من غير دخالة للرضا، كما أن التخاير والرضا المظهر، مسقط له. وحينئذ: تحقق الافتراق بالأدنى من خطوة فهل تعتبر في السقوط الخطوات، أو خطوة واحدة، أو يكفي أدنى انتقال؟ وجوه. وليعلم أولا: أنه لا إشكال في أن تشخيص موضوعات الأحكام، وكذا تطبيق العناوين على المصاديق، موكول إلى العرف; ضرورة أن الشارع الأقدس كأحدهم في إلقاء الخطابات، وليس له لسان خاص واصطلاح مخصوص. فالآيات والأخبار الواردة في الأحكام، يكون فهمها وتشخيص موضوعاتها
1 - غنية النزوع: 217. 2 - قواعد الأحكام 1: 142 / السطر 5. 3 - وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 1 و 2 و 3. 219 بحسب العناوين والمفاهيم، وتشخيص مصاديقها بحسب الواقع والخارج، محولا على العرف العام، لا العقل البرهاني الدقيق. فإذا قال: «الدم النجس كذا» يكون الاعتبار في تشخيص مفهوم «الدم» ومصداقه، بنظر العرف، فإذا رأى العرف شيئا لون الدم لا نفسه، لا يحكم بنجاسته، وإن كان اللون - بحسب البرهان العقلي - لا ينتقل إلى موضوع آخر، وكان ما يتوهمه العرف لونا، هو الدم وأجزاؤه الصغار واقعا، فالموضوع للنجاسة هو عنوان «الدم» عرفا، ومصداقه ما يراه العرف بحسب الخارج دما. ثم إن المراد من تشخيص العرف، ليس ما هو المتداول في لسان بعضهم; من التشخيص المسامحي والمسامحة العرفية; فإن العرف قد يتسامح كما في بعض الموضوعات التي لا يعتني بها، كالتبن، والكلأ، ولا يتسامح في بعضها، كالذهب، ونحوه، والميزان في موضوعات الأحكام، تشخيص العرف الدقيق المحقق، لا المسامح، إلا أن تقوم قرينة على أن الشارع أيضا، تسامح في موضوع فيتبع. وعلى ذلك: لا بد في تشخيص تحقق الافتراق، من الرجوع إلى العرف بحسب دقته، ولا يعتنى بمسامحته، إلا أن يدل دليل على المسامحة شرعا. ثم إن الظاهر من الأخبار على كثرتها، أن الغاية هي افتراق المتبايعين; أي ببدنهما، لا افتراقهما عن المجلس أو المكان، ولا بلحاظ اجتماعهما فيه، ومقتضى ذلك ملاحظة صدق «افتراق البدنين» والغض عن المكان والمجلس. وبعبارة أخرى: إن «الاجتماع» أو «اللا افتراق» بعد عدم كونهما بمعنى الاتصال والمماسة، يكون المراد منهما نحو اجتماع، أو عدم تفرق عرفي حال البيع، والتفرق المقابل لهما، هو الانتقال والتباعد عن هذه الحالة بالنظر التحقيقي العرفي، وهو يحصل بالخطوة، بل وبأدنى منها عرفا، ولو قيل معه ب «بقاء اجتماع البدنين» فهو على ضرب من التسامح والتأويل العرفي.
220 بل لو كان المراد التفرق من مكانهما أو مجلسهما - كما حكي مرسلا: «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا عن مكانهما» (1) - يصدق أيضا بالانتقال من مكانهما بالمعنى الحقيقي العرفي; فإنه عرفا عبارة عن الموضع الخاص، الذي يكون تحت قدميه، أو ركبتيه وساقيه، ولو أطلق «المجلس» أو «المكان» على أمر أوسع كالبيت والدار، كان على نحو المسامحة. فلا يكون «المكان» بالمعنى الفلسفي; أي البعد المجرد أو الموهوم الذي شغله الجسم، ولا بالمعنى المسامحي العرفي، كالبيت، والبلد، بل هو الموضع الخاص الذي وقع ثقله عليه. وعلى ذلك: لا إشكال في صدقه بالانتقال بالخطوة، وبأدنى منها، وإذا صدق عليه، فمقتضى إطلاق الأدلة كفاية ذلك. ودعوى: الانصراف (2) ممنوعة، ولا سيما في مثل هذا الحكم الذي هو على خلاف الأنظار العرفية; فإن خيار المجلس وغايته، ليس شئ منهما عرفيا عقلائيا، بل تعبديان شرعيان، ومعه لا مجال لرفع اليد عن إطلاق الدليل، كما لا مجال لدعوى الانصراف. فظهر مما ذكر: أن الميزان هو مطلق التفرق، لا التفرق المطلق. بل لعل التفرق المطلق لا معنى له، سواء أريد به التفرق الذي لا تراد الرجعة معه، أو أريد به التفرق بلا إضافة; فإن لازم الأول، عدم سقوط الخيار بالذهاب إلى بلد إذا أراد الرجوع، ولازم الثاني عدم صدق «التفرق» مطلقا، فالملحوظ لو لم يكن تفرقهما عن حال الاجتماع، فلا يحصل له معنى رأسا.
1 - الخلاف 3: 10. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 14 / السطر 5. 221 مع أن الروايات الحاكية لفعل أبي جعفر (عليه السلام) (1)، تدفع احتمال التفرق المطلق بمعنييه. بل يمكن أن يقال: إن التفرق والاجتماع - كالوصل والفصل - ليست لهما مراتب، وليسا كالقرب والبعد، فلا يوصف التفرق بالشدة والضعف، أو بالقلة والكثرة، وإنما هي للبعد بين الجسمين، وهو غير التفرق. فتحصل مما ذكر: أن «التفرق» صادق على الخطوة، بل على الأقل، فلا تعتبر الخطوة، فضلا عن الخطوات. والظاهر عدم قيام الإجماع على خصوص الخطوة، وإن كان ظاهر بعض التعبيرات ذلك، كقول الشيخ (قدس سره) في «المبسوط»: فحده - أي حد التفرق - بخطوة فصاعدا (2) لكنه لم يدع الإجماع عليه، ولم يظهر من «الغنية» دعواه، بل الظاهر أن الاجماع في كلامه، راجع إلى أصل التفرق، لا إلى حده (3). كما أنه في «الخلاف» ادعاه على أصله، لا على حده (4)، والظاهر أن صاحب «الغنية» تبع الشيخ (قدس سره) فيه وفي أمثاله. وأما الروايات الحاكية لفعل أبي جعفر (عليه السلام)، فلا دلالة لها على أن حد التفرق هو الخطوات، فقوله (عليه السلام): «قمت فمشيت خطى، ثم رجعت، فأردت أن يجب البيع» (5) كما في رواية الشيخ (قدس سره)، وعلى رواية الصدوق (قدس سره): «أردت أن
1 - تقدم تخريجها في الصفحة 219، الهامش 3. 2 - المبسوط 2: 82. 3 - غنية النزوع: 217. 4 - الخلاف 3: 8. 5 - تهذيب الأحكام 7: 20 / 84، الاستبصار 3: 72 / 239، وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 2. 222 يجب البيع حين افترقنا...» (1) لا دلالة فيه على أن الخطوات دخيلة في تحقق الافتراق. بل الظاهر منه: أنه قام ومشى خطى بحسب العادة، حتى يحصل الافتراق، وأما أن حصوله بتمامها أو ببعضها، فلا دلالة فيه عليه. ولك أن تقول: إن الافتراق العرفي حاصل بأقل منها، ولا إشكال في أنه لم يرد تفسير اللغة، وأما الافتراق الشرعي فلا معنى له; لعدم اصطلاح للشرع فيه. وأما التعبد بأن حد الافتراق الخطوات، فلا ينبغي الإشكال في أنه لا يمكن إثباته بمثل هذا التعبير، ولا سيما بعد تذييله بقوله (عليه السلام): «حين افترقنا» حيث يظهر منه إرادة حصول التفرق عرفا. بل لو بنينا على مفهوم اللقب والعدد، لم يصح إثبات هذا الحكم فضلا عن عدم المفهوم، بل على ما بينا عليه من أن التفرق يحصل دفعة، ولا مراتب لها، تكون الخطوات خارجة عن حقيقة التفرق. إلا أن يقال: إن التعبد واقع في أن ما ليس بتفرق حقيقة، دخيل في موضوع الحكم، وهو - كما ترى - مخالف للضرورة. حكم ما لو شك في تحقق الافتراق مفهوما أو مصداقا ثم إنه لو حصلت شبهة في المفهوم أو في الصدق، فلا إشكال في جريان الأصل الحكمي على جميع الاحتمالات في الموضوع، حتى على القول: بأنه هو المتبايعان المجتمعان، فضلا عن سائر الاحتمالات; لما أشرنا إليه مرارا، من
1 - الفقيه 3: 127 / 557، وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 2. 223 أنه لا ربط بين موضوع الاستصحاب، وموضوع الدليل الاجتهادي. فربما ينتفي موضوع الدليل قطعا; بانتفاء بعض القيود المأخوذة فيه، ويبقى موضوع الاستصحاب جزما، وربما يشك في بقاء موضوع الدليل، ومع ذلك يكون موضوع الاستصحاب محققا. والوجه في ذلك، أن الحكم في الدليل إذا تعلق بعنوان ك «العادل» و «المجتهد» أو بعنوان متقيد ك «المتعاملين المجتمعين» فمع ذهاب العنوان أو القيد، وإن لم يبق موضوع الدليل بالضرورة، لكنه لما كان المعتبر في الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها، فلا بد من ملاحظة موضوع القضيتين، لا موضوع الدليل. فإذا قال: «أكرم العادل» أو «يجوز تقليد المجتهد» وكان زيد عادلا ومجتهدا، يعلم ببركة الكبرى والصغرى الوجدانية، أن زيدا واجب الإكرام، وجائز التقليد; لانطباق العنوان عليه، فيقال: «إن زيدا عادل، وكل عادل واجب الإكرام» فينتج «أن زيدا واجب الإكرام». فموضوع القضية المتيقنة هو «زيد» لا «العادل» ولما احتملنا أن كونه عادلا في زمان، كاف في وجوب إكرامه أبدا - لاحتمال كون الوصف واسطة في الثبوت، لا العروض - صار ذلك منشأ لاحتمال بقاء وجوب إكرامه، فيقال: «إن زيدا كان واجب الإكرام، ويشك في بقاء وجوب إكرامه» فلا يكون في موضوع القضية الاستصحابية قيد، فلا إشكال في وحدة القضيتين. بل من المحتمل جريان الاستصحاب الموضوعي في الشبهات المفهومية أو الصدقية، وإن كان عدمه مما تسالم عليه المحققون (1); بدعوى أن الشك فيها
1 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 328 - 329 و 372، نهاية الأفكار 4: 147، حقائق الأصول 2: 458. 224 أيضا في بقاء الموجود الخارجي، الذي انطبق عليه العنوان في السابق. فاليوم الخارجي المعلوم التحقق، إذا شك في أنه عبارة عن القطعة من الزمان إلى تواري القرص، أو إلى ذهاب الحمرة، يكون الشك بعد التواري في بقائه، ويكون منشؤه الاحتمالين، فيصح أن يقال: «إنك كنت على يقين من نهارك فشككت فيه» أو «في بقائه». والفرق بين هذا وبين الشك في المواراة، مع العلم بأنها آخر النهار: إنما هو في منشأ الشك، وإلا فالقضية المتيقنة والمشكوك فيها واحدة فيهما، والشك في الموردين في البقاء، ولا يعتبر في الاستصحاب غيره مع كونه موضوعا للأثر. فقولهم هناك: إن الخارج لا شك فيه; للعلم بالتواري وبعدم زوال الحمرة، وإنما هو في معنى لغوي، وهو غير مجرى الاستصحاب (1). مخدوش بأن ذاك وذا صارا منشأ للشك في بقاء اليوم; إذ من الواضح أنه بعد التواري، وقبل ذهاب الحمرة، لا يقطع بعدم النهار، بل يشك فيه وفي بقائه، وإن كان منشؤه أمرا لغويا، ولا يعتبر فيه غير الشك في بقاء القضية المتيقنة. ولو لم يسلم ذلك; للخدشة في كونه مجراه، أو للشك فيه، فلا إشكال في الأصل الحكمي. النسبة بين الاجتماع والافتراق ثم إن الاجتماع ماهية منتزعة من كون الشيئين - فما زاد - على هيئة خاصة، وتقارب مخصوص، وكذا الافتراق بناء على كونه أمرا وجوديا، فيكون التقابل بين المجتمعين والمتفرقين، تقابل التضايف.
1 - نفس المصادر. 225 وأما بناء على كونه عدميا، فهو من أعدام الملكات، وليس تقابله مع الاجتماع تقابل الإيجاب والسلب. وشأن الأمور الانتزاعية، ألا تكون لها علة بلا واسطة، كما لا يكون لها وجود مستقل، لكن بما أنها وجوديات، لا بد لها من علة محققة، وإنما علتها هي علة مناشئ انتزاعها. فعلة الاجتماع هي ما جعل الشيئين على وضع خاص وهيئة مخصوصة، أو جعل أحدهما بحيث تحصل له مع صاحبه هيئة خاصة، وكذا الافتراق بناء على أنه أمر وجودي انتزاعي. هل يعتبر في الافتراق حصوله بفعل المتبايعين؟ ثم إنه قد يوجد الافتراق بين الشيئين بوجود منشئه بفعل فاعل مختار، وقد يوجد بفعل فاعل مضطر أو مكره، وقد يوجد بتأثير مؤثر غير شاعر، كالعلل الطبيعية، كل ذلك لا إشكال فيه. إنما الإشكال: في أن المستفاد من أدلة الخيار، هل هو اعتبار حصول الافتراق - الذي هو غاية له - بفعل المتعاملين، أو أحدهما مطلقا، أو بشرط كون الإيجاد عن اختيار منهما؟ أو لا يعتبر فيه شئ منهما، بل يكفي مطلق حصوله في تحقق الغاية، وسقوط الخيار؟ أما قضية اعتبار الاختيار، فنتعرض لها في المسألة التالية. وأما الاحتمالان الآخران، فيبتنيان على أن «الافتراق» المذكور في الروايات بصيغة المضارع، أو الماضي المنسوب إلى المتعاملين، والمجعول غاية للخيار، هل هو ظاهر في صدوره بوسط وبمنشأ انتزاعه منهما، أو ظاهر في أن المعتبر حصوله لهما وحلوله فيهما، ومع الشك يرجع إلى الأصل؟
226 والظاهر من باب «الافتعال» مع عدم قيام قرينة على الخلاف، هو الثاني; فإنه للمطاوعة ك «الانفعال» يقال: «فرقت بين الشيئين، وفرقت الشئ تفريقا، فانفرق، وافترق، وتفرق» كما في اللغة (1). والمعنى العرفي أيضا كذلك، فمعنى «يفترقان وافترقا» حصل الافتراق بينهما، و «افترق البائع من المشتري» أي حصل التفرق بينهما، ولا يعتبر فيه وفي صدقه صدوره بصدور منشئه منهما، فلو وجد الفراق والتفرق بريح، أو بفعل فاعل غيرهما، حصلت الغاية. فصح أن يقال: إذا حصل بحركة أحدهما مع سكون الآخر، تحققت الغاية، لا لأن حصوله بفعل أحدهما معتبر فيه، بل لعدم اعتبار فعلهما مطلقا في حصوله، وإن كان لا يحصل إلا بتأثير مؤثر. ويشهد له مع وضوحه، ما حكي من فعل الإمام (عليه السلام) ومشيه، وقوله (عليه السلام): «أردت أن يجب البيع حين افترقنا» (2). فلو كان لإيجاده بفعلهما دخالة في السقوط، لوجب حمل الرواية على التعبد بأن الإيجاد من أحدهما كاف للسقوط من الآخر، بعد ما تظافرت الروايات على أن افتراقهما غاية، وهو بعيد بل فاسد. أو القول: بابتناء كلامه (عليه السلام) على تجدد الأكوان، أو احتياج الباقي إلى المؤثر على ما في «الإيضاح» (3) وهو أبعد وأفسد، فلا ريب في سقوطه بأي وجه وجد الافتراق بينهما.
1 - الصحاح 4: 1540، لسان العرب 10: 243. 2 - الفقيه 3: 127 / 557، وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 2. 3 - إيضاح الفوائد 1: 482. 227 مسألة في حكم الافتراق عن إكراه لو منع عن التخاير المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه، إذا منع من التخاير. وقد علل اعتبار المنع منه في «المبسوط»: بأنه إذا كان متمكنا من الإمضاء والفسخ، فلم يفعل حتى وقع التفرق، كان ذلك دليلا على الرضا والإمضاء (1) فجعل ترك التخاير مع التمكن منه، دليلا وكاشفا عن الرضا المسقط للخيار. أقول: لا يعقل أن يكون ترك التخاير - وهو أمر عدمي - دليلا وكاشفا عن شئ; لأن الكشف أو الدلالة أمر وجودي، لا يعقل ثبوته إلا مع ثبوت المثبت له ووجوده. والمراد ب «الترك» ما هو بالحمل الشائع كذلك; فإن الترك بالحمل الأولي القابل للتصور وثبوت الشئ له، ليس كاشفا ودليلا. نعم، قد يتصور الترك بالشائع بتوسط عناوين أخر، كالعنوان الأولي ونحوه، فيخبر عنه بخبر، كما في الخبر عن المعدوم المطلق ب «أنه لا يخبر
1 - المبسوط 2: 84. 229 عنه» وقد يحدس ظنا أو قطعا - بواسطة هذا التصور والعلم بالعرض مع القرائن - بأنه راض بالبيع، وهو غير الدلالة والكشف. فلو اعتبرنا في سقوط الخيار ولزوم البيع، أن يكون الرضا مكشوفا بكاشف، وقلنا: بأن الرضا الواقعي لا يكون مسقطا وملزما ولو علم تحققه، لم يكن ترك التخاير موجبا لسقوطه ولزوم البيع. نعم، لو قلنا: إن الرضا الواقعي بنفسه مسقط، ولو لم يكن له مظهر وكاشف، كان للقيد وجه، لكنه غير صحيح; فإن لازمه عدم كون التخاير والإسقاط بعد العقد مسقطا، بل هو مخالف لإطلاق أدلة مسقطية الافتراق. هذا مضافا إلى أنه لو قلنا: بكاشفية ترك التخاير عن الرضا - بدعوى أن العرف يرى ترك التخاير كاشفا، على خلاف العقل البرهاني - نمنع كون مطلق الكاشف عنه موجبا للسقوط; فإن التحقيق أن ما هو موجب للزوم البيع، هو سقوط الخيار، وإنما التخاير من مسقطاته. وعلى ذلك: لا بد وأن يكون التخاير إنشاء للالتزام بالعقد، حتى يكون مسقطا للخيار بدلالة التزامية، على ما هو شأن جميع المعاني التسبيبية، فلا يكون مطلق الكاشف عن الرضا، صالحا لإنشاء الالتزام المسقط، أو لإنشاء الإسقاط، بل لا بد وأن يكون للكاشف آلية عقلائية لذلك، كقوله: «التزمنا» وقوله: «اخترت الالتزام به» بعد قول صاحبه: «اختر». فلو كان ضحكه مثلا كاشفا عن رضاه بالبيع، أو عن إسقاط الخيار، لا يصير البيع به لازما، ولا يسقط خياره، كما لو أوجب البيع وأنشأه بالضحك ونحوه; مما لا يكون آلة عقلائية له.
230 عدم كون ترك التخاير كاشفا عن سقوط الخيار مضافا إلى أنه لا دليل على أن ترك التخاير بما هو كاشف نوعي، يوجب لزوم البيع، أو سقوط الخيار بنفسه تعبدا ولو تخلف عن الواقع، كما لا دليل على حجيته على الواقع وكاشفيته عنه شرعا حتى يتبع. أما الأول: فواضح، إلا أن يقال: بدلالة قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن رئاب -: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام، فذلك رضا منه» (1) - على ذلك; بتعدية الحكم من خيار الحيوان إلى المقام. وهو كما ترى; فإن تعدية الحكم من خيار ومن الأمور الوجودية - الدالة نوعا على إسقاط الخيار بها - إلى الأمر العدمي غير الدال عليه فاسد، حتى على القول بالقياس. وتوهم: أن قوله (عليه السلام): «ذلك رضا منه» علة موجبة للتعدية (2)، ناشئ من عدم التأمل في الرواية، وسيأتي الكلام فيها (3). وأما الثاني: فكذلك، إلا أن يقال: بقيام السيرة العقلائية على ترتيب الأثر على الكاشف النوعي; لكشفه عن الواقع. لكنه فاسد; لأن السيرة لا تقوم على الكبرى الكلية، لعدم المعنى له، والمورد من الأمور النادرة الاتفاق، فكيف يدعى وجود السيرة عليه، وأنها بمرأى من الشارع، ولم يردع عنها؟! وكيف كان فلا وجه للقيد المذكور. وقد استدل على المطلوب بوجوه:
1 - الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1. 2 - المكاسب: 224 / السطر 12 3 - يأتي في الصفحة 296. 231 الاستدلال بالتبادر على اعتبار الاختيار منها: التبادر على اختلافهم في التعبير عنه، فقد يقال: يتبادر الاختيار; لأنهما بدونه لم يفترقا، بل فرقا (1)، والظاهر منه أن الفعل بمادته أو هيئته، يدل مطلقا على الاختيار. وقد يقال: يتبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل المختار (2)، والظاهر منه اختصاص ذلك بخصوص الفعل المسند إليه. وكيف كان: فيحتمل أن يكون المراد من «التبادر» هو المستعمل في باب الحقيقة والمجاز، كما يشعر به بعض كلماتهم، فيدعى أن الفعل مطلقا أو خصوص المسند إلى المختار، موضوع بمادته أو بهيئته للمعنى الاختياري. فعلى الأول: يكون استعمال الأفعال في غير المختار مجازا. وعلى الثاني: تكون مشتركة لفظا، وضعت بمادتها أو بهيئتها تارة لأمر اختياري، وأخرى لأمر مقابل له، نظير ما قيل: إن بعض الأفعال يعتبر فيها القصد، كالتعظيم، والتأديب، ونحو ذلك، كما أن بعضها لا يمكن صدوره إلا بلا قصد، كالسهو، والنسيان، والغفلة، أو بالاضطرار، كالموت، والسقوط، ونحو ذلك. وفي الحقيقة هذا راجع إلى مادة الفعل; بمعنى أنه يعتبر في مادته القصد أو الغفلة (3)، انتهى.
1 - مفتاح الكرامة 4: 541 / السطر 24، جواهر الكلام 23: 9. 2 - مقابس الأنوار: 242 / السطر 25، المكاسب: 222 / السطر 21. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 14 / السطر 31. 232 وفيه: أن القائل باعتبار القصد في بعض الأفعال، لا بد له من الالتزام بوضع مستقل لمادة خاصة، تكون مادة لبعض الهيئات ك «التفعيل» مثلا، فتكون المادة المتقيدة بكونها مادة لهيئة كذائية، مأخوذا فيها القصد. وهو أمر تنبو عنه الأذهان المستقيمة، ولا أظن التزام القائل به; ضرورة أن التعظيم ونحوه، مركب من هيئة «التفعيل» والمادة المشتركة بينه وبين سائر المشتقات منها، ومن الواضح أن بعض المشتقات منها، لا يؤخذ فيه القصد; لا مادة، ولا هيئة، مثل «عظم» مقابل «صغر» و «العظمة» أي الكبرياء، وكذا في سائر ما يتوهم فيه ذلك، كالإهانة، والتحقير; ضرورة أن فيها مشتقات لا مساس لها - مادة وهيئة - بالقصد والاختيار. ولا يقاس ذلك ببعض المواد التي لها معان خاصة بها في ضمن بعض الهيئات، نحو «استكان» بمعنى خضع في خصوص تلك الهيئة; فإن من الممكن في أمثالها، أن يكون ذلك لمهجورية المادة المشتركة في سائر الأبواب، لا للوضع الخاص في خصوص هذا الباب. مع أن بينها وبين المقام فرقا، ولا يبعد أن تكون «الاستكانة» من «كان يكين» أي خضع، و «المستكين» الخاضع، كما في اللغة (1)، بل هو المتعين فيها. وأما مثل كلمة «القصد» و «الاختيار» وكذا «السهو» و «الغفلة» ونحوها من العناوين، فهي موضوعة لتلك العناوين، وجارية في جميع المشتقات الطارئة عليها، وليس القصد أو الغفلة واللا قصد، مأخوذا فيها، بل نفس ذاتها قصد، أو إرادة، أو سهو، أو نسيان، وقياس التعظيم والتحقير والإهانة عليها، مع الفارق.
1 - لسان العرب 12: 192، القاموس المحيط 4: 266. 233 عدم دخالة القصد في الموضوع له والتحقيق: أن القصد غير مأخوذ لا في مواد تلك الأفعال، ولا في هيئاتها; لبطلان الاشتراك اللفظي، وعدم دلالة المادة المشتركة عليه، وإلا لدلت في جميع المشتقات الطارئة عليها، ولا الهيئة، وإلا لدلت في سائر المواد الطارئة هي عليها، ولم تختص بتلك المشتقات. وما يتراءى من دخالة القصد في التعظيم والتحقير والإهانة، فليس من جهة الوضع والدلالة اللفظية، بل حقائق تلك العناوين قد تكون من الواقعيات والتكوينيات، كعظم الجبل والشجر، وحقارة الحبوب، ومهانة البناء. فيقال: «عظم التراب والماء والشجر تعظيما» و «حقرت الحبوب تحقيرا» وأمثال ذلك، فتكون تلك الاستعمالات على وجه الحقيقة، ولا يكون باب «التفعيل» فيها إلا دالا على تعدية المادة، فمعنى «عظم» أنه صار عظيما، و «عظمه تعظيما» أي جعله عظيما، من غير دخالة القصد فيه. وقد تكون تلك العناوين من الاعتبارات العقلائية، كتعظيم العالم، وإهانة الفاسق; فإنها اعتبارية، لا حقيقة لها إلا في صقع الاعتبار، وفي مثلها ما يكون موضوع اعتبار العقلاء، هو صدور تلك الأفعال - الدالة على تعظيمه أو تحقيره وإهانته - عن قصد، لا بمعنى دخالة القصد في الموضوع له، بل بمعنى دخالته في موضوع اعتبار العقلاء. ولهذا نرى: أن إسناد تلك الأفعال بهيئاتها وموادها، إلى التكوينيات صحيح، ولا يعتبر فيها القصد، وما يعتبر فيه ذلك هو الاعتباري منها، فموضوع الاعتبار مركب من مفاد هذه الأفعال هيئة ومادة، وأمر زائد عليها; هو الصدور الاختياري القصدي.
234 ومما ذكرنا، يظهر الأمر في دعوى تبادر الصدور الإرادي من المادة أو الهيئة، إذا كان الفعل مسندا إلى الفاعل المختار (1); فإن لازمه وضع المادة للمعنى المتقيد في حال إسناد الفعل إليه، على أن يكون الظرف والحال قيدا للموضوع له. فيكون معنى المادة في «ضرب زيد» الضرب الصادر من الفاعل المختار عن اختياره، ومعنى «ضرب زيد» صدر منه الضرب الصادر من الفاعل المختار عن اختياره، وهو كما ترى، وأسوأ منه احتمال كون القيد للهيئة. وأما احتمال أن تكون المادة المتقيدة بالهيئة الخاصة، موضوعة للفعل الاختياري ففاسد; لأن القيد إن كان هو الهيئة الخاصة بعنوانها وبالحمل الأولي، فهو فاحش. وإن كان هو الهيئة بالحمل الشائع، فهو أفحش; للزوم تعدد الوضع لكل صيغة صيغة، وتعدد الدال في كل استعمال، بعد كون المادة موضوعة مستقلا، والهيئة كذلك، والمادة المتقيدة بالهيئة كذلك. والإنصاف: بطلان تلك التصورات، والتحقيق ما عرفت، هذا حال التبادر الكاشف عن الوضع. إبطال التبادر بمعنى الانصراف وأما التبادر بمعنى الانصراف، فهو غير ثابت في الأفعال التي لها مبدأ صدوري ك «ضرب» و «قام» حتى إلى الاختياري في مقابل الاضطراري القهري، فكيف بما ليس له مبدأ صدوري؟!
1 - أنظر المكاسب: 222 / السطر 21. 235 ولو سلم ذلك، فلا يسلم الانصراف إلى الاختيار مقابل الإكراه، ولو سلم فلا يسلم في مثل باب «الافتعال» الدال على المطاوعة، من دون الدلالة على الصدور بوجه، فضلا عن الصدور الاختياري، وفضلا عن الاختيار المقابل للإكراه. والقائل بالانصراف، لا بد وأن يقول: إن الافتراق الذي هو من باب «الافتعال» الدال على المطاوعة، مستعمل في غيره; أي في المبدأ الصدوري نحو «فارق»، وهو منصرف إلى الاختياري. لكن لا إلى مطلق الاختياري; فإن فعل المكره أيضا صادر منه اختيارا، بل إلى خصوص الاختياري المقابل للإكراهي; أي الفراق الذي يختاره بحسب طبعه ونفسه، بلا تحميل الغير عليه، وهذا - كما ترى - فرض في فرض. ثم إن ما أجاب به بعض أهل التحقيق (قدس سره) عن الإشكال: من أن مجرد الاستناد إلى الفاعل المختار، لا يقتضي ذلك، معللا بأن بعض أفعاله طبيعي، وبعضها اختياري، وبعضها قابل للأمرين (1) كأنه أجنبي عن ادعائه، وإلا فدعوى الانصراف لا ترد بمثله. تقرير التبادر في كلام الشيخ الأعظم وجوابه وأما التبادر الذي عول عليه الشيخ الأعظم (قدس سره) في المقام، وهو أن المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد (2)، فالمراد به هو انصراف قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حتى
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 28 / السطر 11. 2 - المكاسب: 222 / السطر 31. 236 يفترقا» (1) و «إذا افترقا» (2) إلى مفارقة كل عن الآخر عن رضا بالبيع، فالافتراق عن إكراه خارج عنه. ويمكن أن يقرر منشأ الانصراف; بأن الغالب في الافتراق خارجا، هو الافتراق مع الرضا، فينصرف الإطلاق إلى الغالب، ولا سيما إذا كان خلافه نادرا. أو يقرر بأن مناسبة الحكم والموضوع توجب الانصراف; فإن الخيار جعل لأجل الإرفاق بالمتعاملين، فلا تكون الغاية صرف التفرق، بل هو مع الرضا بالبيع. أو يقرر بأن هذا الخيار نفسا وغاية عقلائي، والطريقة العقلائية هي عدم التفرق إلا مع الرضا بالبيع، والأخبار إنما وردت لتنفيذ القاعدة العقلائية، نظير الأخبار الواردة في حجية خبر الواحد (3)، ونظير «الناس مسلطون على أنفسهم». ولم يتضح من الشيخ (قدس سره) وجه الانصراف، ولا يبعد أن يكون نظره إلى الأول. ويرد على الوجوه المذكورة جميعا: أنها على فرض تسليمها، تبتني على كون الافتراق المجعول غاية، فعلا صادرا منهما مع الاختيار، حتى يقال: بانصرافه إلى ما هو الغالب من إيجادهما المفارقة مع الرضا. أو يقال: إن المناسبة تقتضي أن تكون الغاية خصوص ذلك.
1 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 2 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 3 - وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11. 237 أو: إن السيرة على عدم التفرق إلا مع الرضا بالبيع. وأما مع ذكر الفعل المطاوعي، الذي لم يلحظ فيه الفاعل، ولا الصدور منه، فضلا عن الفاعل المختار، فلا موضوع لتلك الوجوه، بل جعل الفعل المطاوعي غاية، يدفع تلك الاحتمالات، فما هو الغاية هو حلول الفراق بجسمهما، من غير لحاظ فاعل رأسا. فالأخبار دالة على ردع السيرة، ومانعة عن الاعتناء بالغلبة والمناسبة المذكورة، فلا مجال للانصراف بوجه، بعد لزوم الأخذ بظهور الفعل المطاوعي، فكأنه قال: «المتبايعان بالخيار حتى يعرض لبدنهما الفراق، أو يحل فيهما ذلك» ومعه يكون الصدور والرضا - كالحجر جنب الإنسان - لا دخل لهما في موضوع الحكم. هذا مضافا إلى أن تلك الوجوه مخدوشة في نفسها: أما دعوى: غلبة الافتراق مع الرضا; فلأن الرضا بأصل المعاملة، لا أثر له حتى مع وجود الكاشف، وإلا لزم عدم الخيار رأسا; ضرورة أن البيع كاشف عنه، فلو كان ذلك موجبا لسقوط الخيار، لزم أن يكون نظير شرط السقوط في ضمن المعاملة، وهو واضح الفساد، فتأمل. وما هو منشأ الأثر هو الرضا الزائد على الرضا بأصل المعاملة; أي الالتزام بها، بل قد سبق منا أن نفس الالتزام، لا يؤثر في سقوط الخيار (1)، وكذا الالتزام المظهر، ما لم يكن المظهر عقلائيا دالا على إسقاطه، نظير «التزمنا» و «رضينا» مما مثل به الفقهاء (2)، ومن المعلوم أن هذا ليس غالبيا، بل الغلبة في الغفلة
1 - تقدم في الصفحة 230. 2 - أنظر تذكرة الفقهاء 1: 517 / السطر 19، مجمع الفائدة والبرهان 8: 386، مفتاح الكرامة 4: 543 / السطر الأخير. 238 عنه، مع أن مطلق الغلبة لا يوجب الانصراف. وأما قضية السيرة العقلائية; فلأنها فرع أن يكون هذا الخيار أصلا وغاية عقلائية، وهو ممنوع جدا، وعن جمع من العامة - كأبي حنيفة، ومالك، وغيرهما - عدم ثبوت هذا الخيار (1)، فلو كان عقلائيا لما وقع الاختلاف فيه. وعلى فرض تسليمها في أصل الخيار، فلا نسلمها في هذه الغاية، التي جعلت في الأخبار - على كثرتها - غاية، وهي الفعل المطاوعي; لأنها لا تكون موافقة للسيرة العقلائية، بل تعبدية. وأما مناسبة الحكم والموضوع; فلأنها أمر ظني تخريصي لبعض الفقهاء (2)، فلا تصير منشأ للانصراف عند العرف. الاستدلال بصحيحة الفضيل على اعتبار الاختيار ومنها: صحيحة الفضيل، قال (عليه السلام): «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» (3). وهي عمدة مستند الشيخ (قدس سره)، فقال: دل على أن الشرط في السقوط، الافتراق والرضا منهما، ولا ريب أن الرضا المعتبر، ليس إلا المتصل بالتفرق;
1 - بداية المجتهد 2: 168، راجع المجموع 9: 184، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 173. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 28 / السطر 8. 3 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 239 بحيث يكون التفرق عنه، أو يقال: إن الافتراق مسقط; لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد، وإعراضهما عن الفسخ (1) انتهى ملخصا. ولازم الوجهين، اعتبار صدور الافتراق الاختياري منهما، وإلا لم يكن الافتراق عنه، ولا كاشفا عنه، فينتج ذلك: أن الافتراق الإكراهي لا يوجب سقوطه، لا بحسب الثبوت، ولا الإثبات. ويرد عليه: أن ذلك مخالف لجميع الروايات، المأخوذ فيها الفعل المطاوعي، الظاهر في عدم دخالة الصدور والإصدار والاختيار فيه، ومن البعيد جدا العدول من زمن الرسول الأكرم، إلى زمان أبي عبد الله (عليه السلام)، من «فارق» الذي هو الموضوع، أو الكاشف عنه، أو جزء الموضوع، إلى «افترق» الذي ليس بمعناه دخيلا فيه بلا وجه ظاهر، وهذا غير باب الإطلاق والتقييد الشائع في الكتاب والسنة. فلا يقال: إن الحلول أعم من أن يوجد بفعله ورضاه أم لا، فيقيد بالصحيحة. فإنه يقال: باب الإطلاق والتقييد، إنما هو في جعل القوانين والأحكام الكلية والمطلقة، لا في مثل العدول عن التعبير المقصود إلى ما لا ربط له به. ومن حاول أن يفيد أن الرضا موجب لسقوط الخيار، ويقول: «إذا فارق المتبايعان سقط الخيار» وكان جده أنهما إذا رضيا بالبيع، وأراد جعل الفعل الاختياري الكاشف عن الرضا، في موضوع حكمه، فعدل عنه، وجعل في موضوع الدليل ما ليس دخيلا في موضوع الحكم، ولا كاشفا عنه رأسا، فقال: «إذا افترقا سقط الخيار» وكان مراده بحسب الجد من «افترق» و «يفترق» - أي
1 - المكاسب: 222 / السطر 32. 240 الفعل المطاوعي - «فارق» و «يفارق» بما أنهما كاشفان عن الرضا، كان كلامه في عداد الألغاز والأحاجي، ويجب تنزيه كلامهم (عليهم السلام) عنها. إلا أن يدعى: أن الظاهر من «افترق» هو «فارق» أي إيقاع كل الفراق، وهو - كما ترى - مخالف للغة، والعرف، وقاعدة باب «الافتعال». مضافا إلى أن بعض الشواهد على خلافه، ولعله يأتي الكلام فيه. ويتلوه في الضعف الوجه الآخر، وإن لم يكن بتلك المثابة، إلا أن يكون أحد جزئي الموضوع، مأخوذا على وجه الكاشف، فيكون أسوأ منه. نعم، يحتمل أن يكون «الافتراق» بالمعنى المطاوعي أحد جزئي الموضوع، والرضا بالبيع جزءه الآخر، والموضوع المركب يوجب السقوط. وما يقال: من أن الرضا موجب له، سواء وقع الافتراق أم لا، فضمه إليه لغو. مدفوع: بأن ما هو مسقط، هو الالتزام بالبيع المظهر بمظهر عقلائي، لا نفس الالتزام واقعا، ولا الرضا بحسب وجوده الواقعي، بل ولا الرضا بأصل البيع مطلقا، فجعل الرضا بوجوده الواقعي جزء للموضوع تعبدا، لا مانع منه، وهذا من باب الإطلاق والتقييد المتعارف في القوانين. وحينئذ يحتمل أن يكون جزء الموضوع، هو الرضا بأصل البيع، وأن يكون هو الرضا الثانوي; أي الالتزام الواقعي، أو الرضا بالافتراق بمعناه المطاوعي، ولا ترجيح لواحد منها; لأن الموضوع تعبدي، يمكن جعل الرضا - بأي معنى - موضوعا. وعليه لا فرق بين مقارنة الرضا للافتراق وعدمها، وقد ادعى الشيخ (قدس سره) الإجماع على خلافه (1)، وقد مر بعض الكلام في الصحيحة، وقلنا: إنها
1 - المكاسب: 222 / السطر 33. 241 لإجمالها وبعض الإشكالات الأخر، لا تصلح لتقييد المطلقات (1) فراجع، وسيجئ بعض الكلام فيها في المسألة الآتية (2). الاستدلال بحديث الرفع على اعتبار الاختيار ومنها: حديث الرفع (3) بناء على شموله للوضعيات، وقد مر أن المنع من التخاير غير معتبر رأسا (4)، والافتراق مطلقا مسقط للخيار، فلا مانع - من هذه الناحية - من التمسك بالحديث في المقام. بل لا مانع منه حتى على القول باعتباره; لأنه مع المنع من التخاير، يكون الافتراق مسقطا لو وقع بلا إكراه، وإطلاق الدليل يقتضي السقوط مع الإكراه أيضا، لكن حديث الرفع محكم عليه، ويجعل الافتراق كلا افتراق. وأما مع عدم المنع منه، فلا مجال على هذا المبنى، لحديث الرفع; لأن ترك التخاير والسكوت عنه، دليل على الرضا المسقط، فكأن المكره على الخروج قال: «أسقطت خياري» قبيل خروجه. ثم إنه قد أورد الأعلام على التمسك بالحديث أمورا:
1 - تقدم في الصفحة 239. 2 - يأتي في الصفحة 268. 3 - الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1. 4 - تقدم في الصفحة 229 - 231. 242 الاعتراض الأول على التمسك بحديث الرفع منها: أن الافتراق لا أثر له شرعا حتى يرفع به; فإن الخيار مجعول لموضوع خاص، يرتفع بالافتراق عقلا (1). توضيحه: أن المجعول هاهنا ليس إلا خيار المجلس، مقابل خيار الحيوان والرؤية، والغاية راجعة إلى خصوص هذا الخيار، ولهذا لا ينقدح في ذهن أحد، معارضة أخباره مع أخبار سائر الخيارات. وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حتى يفترقا» (2) إما قيد للموضوع; أي البيعين، أو غاية للحكم; أي خيار المجلس، وعلى الفرضين يكون انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه - وكذا انتفاء الحكم الخاص بحصول غايته - عقليا، لا شرعيا، ولا يعقل تخلل الجعل الشرعي في مثله. وعليه فقوله (عليه السلام): «فإذا افترقا فلا خيار» (3) لا يعقل أن يكون حكما شرعيا على الفرضين; ضرورة أن رفع الحكم - برفع موضوعه، أو حصول غايته - خارج عن يد الجعل. بل لو قلنا: بالمفهوم، وأن الثابت حقيقة الخيار، يمكن القول: بأن الافتراق ليس مسقطا للخيار، ولا موضوعا للحكم الشرعي; وذلك لأن أساس المفهوم حتى
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 15 / السطر 11. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 3 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3. 243 في مفهوم الغاية، إنما هو على فهم الانحصار من الدليل، وأن العلة المنحصرة لثبوت الخيار هي عدم التفرق، وكذا في سائر المفاهيم، وعدم المعلول بعدم علته المنحصرة عقلي، لا دخل للشرع فيه، فلو صرح بالمفهوم أحيانا، يكون ذلك محمولا على بيان الحكم العقلي. ألا ترى أنه لو قال: «علة وجوب إكرام زيد منحصرة بمجيئه» لم يبق معه مجال لتشريع عدم الوجوب في ظرف عدم العلة، إذا حاول بيان المفهوم، فالمفهوم حكم عقلي لازم لقضية شرطية ونحوها. وعلى ذلك: يكون التعارض دائما بين المنطوق الدال على الانحصار، ومنطوق آخر دال على ثبوت الحكم في ظرف عدم العلة، لا بين المفهوم والمنطوق. نعم، في بعض الأحيان يكون المفهوم حكما شرعيا، نظير قوله: «إن جاءك زيد لا يجب إكرامه» بناء على أن المفهوم وجوبه عند عدم المجيء، كما هو كذلك عرفا، وأما إذا كان المفهوم «ليس بلا يجب» ففيه إشكال أيضا. وإن قلنا: بأن مفهوم الغاية، إنما يستفاد من جعل ماهية الخيار وحقيقته إلى غاية، فيفهم منه أن تلك الحقيقة تنتفي عند حصول الغاية، فهو أيضا عقلي لا شرعي، والتفصيل في محله (1). إن قلت: إن دليل وجوب الوفاء بالعقد، مقيد بأدلة الخيارات، فحينئذ إن قلنا: بأن التقييد يوجب تعنون المطلق بعنوان مخالف للقيد، يكون موضوع الوفاء هو العقد غير الخياري بعد التفرق، فيكون التفرق قيدا لموضوع وجوب الوفاء، فيصح رفعه بدليل الرفع.
1 - مناهج الوصول 2: 219، راجع تهذيب الأصول 1: 454. 244 وإن لم نقل: بأنه يوجب ذلك، فلا أقل من أن يكون الموضوع - بحسب اللب - كذلك; لامتناع الإهمال الواقعي، فيكون القيد دخيلا في الموضوع واقعا، وقابلا للرفع. قلت: لا مجال على الفرضين للتمسك بحديث الرفع; لأن دليل وجوب الوفاء مقيد بدليل الخيار، وعلى الفرض يكون الموضوع بعد التقييد، هو العقد غير الخياري، والتفرق محققا للقيد عقلا، لا دخيلا في الموضوع شرعا. فالعقود على قسمين: عقود خيارية; لا يجب الوفاء بها في زمان الخيار، وعقود غير خيارية; يجب الوفاء بها، والتفرق ومضي ثلاثة أيام في خيار الحيوان، غير دخيلين في موضوع الحكم، فلا يكون اليوم الرابع وما بعده، دخيلا في وجوب الوفاء، بل عدم الخيار جزء موضوع الحكم، ودخيل فيه. الاعتراض الثاني على التمسك بحديث الرفع ومنها: أن مجرى حديث الرفع (1) هو الفعل المنوط بالقصد، كالعقود، والإيقاعات، ففي مثل باب الضمانات وأسباب الوضوء والغسل، لا يجري الحديث، وحيث إن النسيان مرفوع فيه أيضا، ولا يلتزمون بسقوط الخيار مع النسيان والغفلة، فيستكشف منه أن ذات الافتراق بما أنه فعل - لا بما هو صادر عن اختيار - جعل من المسقطات (2). وفيه: أن الحديث بإطلاقه شامل للفعل الاختياري وغيره، إذا كان منشأ للأثر، ولا دليل على اختصاصه بالفعل المنوط بالقصد، ومقتضى إطلاقه - بناء
1 - تقدم تخريجه في الصفحة 242، الهامش 3. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 15 / السطر 6. 245 على شموله للوضعيات - حكومته على دليل الإتلاف. بل اليد إن قلنا: بأن فعل المكلف وهو الأخذ، موضوع للضمان إلا أن يقوم دليل على خلافه. وعدم التزام الفقهاء بما ذكر، لا يدل على اختصاص الدليل بذلك، كما أنهم لم يلتزموا - ظاهرا - برفع الأكل والشرب المكره عليهما في شهر رمضان، مع أن المفطر هو الفعل عن عمد، لا ما إذا وقع عن غفلة ونسيان. والتحقيق في سر عدم جريانه في مثل المقام: أن فعل الفاعل والصدور منه، غير دخيل بوجه من الوجوه في ترتب الأثر; لأن الافتراق الذي هو غاية أو مسقط، هو وقوع التفرق بينهما بالمعنى الانفعالي والمطاوعي، من غير دخالة الصدور فيه رأسا. ولو كان المتعاملان سببين لحصوله; بحركة كل إلى خلاف اتجاه الآخر، لم تكن سببيتهما دخيلة في سقوط الخيار، ولا فعلهما، بل هو كالريح الموجب لتفرقهما، نظير ملاقاة النجس للماء القليل; فإن التنجس يحصل بنفس الملاقاة، من غير دخالة سببه، والأمر في أسباب الوضوء والغسل كذلك. فأمثال ذلك كلها خارجة موضوعا عن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما اكرهوا عليه» (1) فإن الظاهر منه أن الفعل الصادر عن المكلف، إن كان صدوره بإكراه مكره، فهو مرفوع لا يترتب عليه أثر، فشرب الخمر عن إكراه، لا يترتب عليه الحد، ولا فسق الفاعل، فأمثال ما ذكرناه - ومنها الافتراق - خارجة عن دليل الرفع موضوعا.
1 - تقدم تخريجه في الصفحة 242، الهامش 3. 246 الاعتراض الثالث على التمسك بحديث الرفع ومنها: ما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره): من أن مورد بعض المرفوعات، منحصر في متعلق التكليف، كالحسد، والوسوسة، والطيرة، فتعميم الرفع لموضوعات التكا ليف - كالسفر، والحضر، والتفرق - مع عدم الجامع بين المتعلق وموضوع التكليف، لا وجه له (1). وفيه: أن الجامع الذاتي بين التكليف ومتعلقه، وبين الموضوعات المتباينة - المشمولة لحديث الرفع - وإن لم يكن متحققا، لكن الجامع العرضي موجود، وهو عنوان «ما أكره عليه» الصادق على جميع المذكورات، فلا وقع لهذا الإشكال. فتحصل من جميع ما ذكرناه: أن الافتراق بأي نحو تحقق، موجب لحصول الغاية وسقوط الخيار، ولا تأثير لإكراههما، فضلا عن إكراه أحدهما دون الآخر. حكم تفرق أحد المتبايعين عن إكراه ثم على فرض كون الغاية هي التفرق الحاصل بالفعل، أو بالفعل الاختياري; بحيث يكون للتمسك بحديث الرفع مجال، لو أكره أحدهما دون الآخر، فهل يوجب ذلك سقوط خيارهما معا، أو خيار خصوص من أوجده مختارا دون غيره، أو لا يوجب سقوط شئ منهما؟ وجوه ناشئة من الاحتمالات التي في الروايات، أو الجمع بينها، ولا داعي
1 - منية الطالب 2: 29 / السطر 10. 247 لاستقصاء الكلام فيها بعد بطلان المبنى، فنقتصر على القول الإجمالي. فنقول: إن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار» (1) ظاهر في أن لكل منهما خيارا مستقلا، واحتمال أن يراد منه أن لمجموعهما خيارا واحدا; بحيث لا ينفسخ العقد إلا باجتماعهما عليه، مع كونه واضح الفساد، يخالف إطلاق «البيع» الدال على نفس الطبيعة بعد الادعاء المتقدم ذكره فيما سبق (2)، وعلامة التثنية الدالة على كثرة مدخولها; فإن اعتبار الاجتماع أمر زائد يدفع به. ولا وقع لاحتمال اعتبار الاجتماع من الغاية; لأنها إما غاية للخيار، فلا تكون قيدا للموضوع، وإما ظرف للموضوع; أي ماداما غير متفرقين لهما الخيار، أي لكل واحد منهما ذلك ما داما لم يفترقا، فالمستفاد من الصدر - بعد بطلان وحدة الخيار - أن لكل منهما خيارا مستقلا. ولا إشكال في أن الخيار الواحد له غاية واحدة، ولا يعقل أن تكون له غايتان في عرض واحد. وعليه فنقول: إن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حتى يفترقا» إما أن يراد به أن مجموع الفعلين غاية; أي إذا فارقا جميعا بفعلهما الاختياري أو بفعلهما ينقطع الخيار، ولازمه بقاء الخيار في الفرض، إلا على احتمال فخر الدين الذي هو نزاع في الصغرى (3)، ولا يكون مربوطا بالمسألة الفقهية. وهذا الاحتمال مخالف لإطلاق الكلام، بعين ما ذكرناه في مفاد الصدر; فإن اعتبار الاجتماع زائد يدفع به.
1 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 2 - تقدم في الصفحة 212. 3 - إيضاح الفوائد 1: 482. 248 وإما أن يراد به: أن افتراق كل غاية لخيار البائع، ولخيار المشتري، وهذا باطل لو أريد به أن لكل خيار غايتين عرضا. وكذا لو أريد به أن أحدهما غاية لهذا ولذاك; فإن هذا مخالف لظهور الكلام، وخلوه عن الدلالة على الوحدة لا بعينها، فلا محالة يكون كل فعل اختياري مثلا، غاية لخيار. فحينئذ إما أن يراد: أن فعل كل غاية لخيار صاحبه، وهو مقطوع الخلاف، فيبقى وجه واحد; وهو أن كل فعل غاية لخيار فاعله، ولازمه بقاء خيارهما في فرض إكراه أحدهما على الافتراق، مع بقاء الآخر وعدم صدور فعل منه، إلا على احتمال الفخر (قدس سره)، وهو كما ترى. وقد عرفت: أن سائر الاحتمالات مخالف إما للضرورة، أو لظواهر الأدلة. ثم إن احتمال أن كل فعل غاية لخيار فاعله، مخالف للروايات الحاكية لفعل الإمام (عليه السلام) (1); فإن المفروض فيها خروج الإمام (عليه السلام) وحده عن المجلس كما يظهر بالتدبر فيها، ومع ذلك قال (عليه السلام): «فلما بايعته قمت فمشيت خطى، ثم رجعت إلى مجلسي; ليجب البيع حين افترقنا» (2) الظاهر منه أن صاحبه بقي في المجلس، وأن فعله (عليه السلام) صار موجبا لسقوط الخيار من الطرفين. إلا أن يقال: إن قوله هذا يبتني على ما احتمله الفخر (قدس سره)، وهو كما ترى. وكذا تخالف صحيحة الفضيل (3) تلك الروايات; فإن الظاهر منها، أن فعل
1 - وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2. 2 - الكافي 5: 171 / 8، وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 3. 3 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3، تقدم في الصفحة 65. 249 أحدهما كاف في سقوط خيارهما، وظاهر الصحيحة أن المعتبر فعلهما مضافا إلى المقارنة مع الرضا، والأمر سهل بعد بطلان المبنى. حكم زوال الإكراه على التفرق ثم إنه بناء على عدم سقوط الخيار مع الافتراق الإكراهي، لو زال الإكراه، فعلى القول: بأن المتبادر من «الافتراق» هو الافتراق الاختياري (1)، أو القول: بأن المتبادر منه هو الافتراق عن رضا بالبيع، كما ادعاه الشيخ (قدس سره) (2)، أو القول: بأن الظاهر من صحيحة الفضيل، هو الافتراق عن رضا بالبيع (3)، أو الرضا بتنفيذه والالتزام به، أو الرضا بالافتراق، فاللازم بقاء الخيار، وعدم سقوطه إلا بالمسقطات الأخر; ضرورة أن الظاهر من الأدلة، أن حدوث الافتراق غاية. والفرض أن الافتراق الاختياري، أو الافتراق عن الرضا، لم يتحقق، وبعد رفع الإكراه لا يعقل تحققه، فمقتضى دليل إثبات الخيار إلى زمان الافتراق الاختياري، أو عن رضا منه، هو ثبوت الخيار إلى حصول الغاية، وهي صارت ممتنعة التحقق، فالخيار بحكم الدليل باق، من غير احتياج إلى الاستصحاب، ولا يتردد الأمر بين الفور والتراخي. وأما إن كان المستند دليل الرفع، فعلى القول: بأن الرفع تعلق بالآثار
1 - راجع مفتاح الكرامة 4: 541 / السطر 24، جواهر الكلام 23: 9. 2 - المكاسب: 222 / السطر 31. 3 - المكاسب: 222 / السطر 32. 250 والأحكام، لا بنفس الموضوعات (1)، فالأمر كما مر; لأن الخيار ثابت بالأدلة إلى زمان الافتراق، ولم يسقط بالافتراق الإكراهي، وبعد رفع الإكراه لا يعقل حدوث الافتراق، وتمتنع الغاية. وعلى القول: بأن الرفع تعلق بالموضوع (2)، وأن افتراقهما الإكراهي كلا افتراقهما، فيمكن أن يقال: إن حديث الرفع، محقق لموضوع قوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (3) فإذا افترقا وجدانا بعد رفع الإكراه، ينقطع الخيار; وذلك بأن يفارقا بعد رفع الإكراه عن الحالة التي كانا عليها بخطوة مثلا. فإذا كان أحدهما بالإكراه في بلد، والآخر في بلد آخر، وزال الإكراه، بقي الخيار إلى أن يتفارقا عن الهيئة الموجودة، فيسقط الخيار. وبعبارة أخرى: إن دليل الإكراه، يحكم بأنهما غير مفترقين إلى زمان رفع الإكراه، فإذا افترقا بعده وجدانا يسقط الخيار به. وإن شئت قلت: إن ذلك يستفاد من ضم دليل الإكراه إلى قوله (عليه السلام): «فإذا افترقا وجب البيع» (4). أو قلت: إن المستفاد من دليل الرفع توسعة الغاية. ولكنه مع ذلك لا يخلو من إشكال; وهو أن رفع الافتراق بدليل الرفع،
1 - فرائد الأصول 1: 320، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 345. 2 - أنوار الهداية 2: 344 و 345، تهذيب الأصول 2: 148. 3 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 4 - الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، تهذيب الأحكام 7: 20 / 86، الاستبصار 3: 72 / 241، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4. 251 لازمه العقلي سقوط الخيار بالافتراق; فإن المتفاهم من الأدلة حدوث الافتراق، لا نفس تحققه حدوثا وبقاء، ورفع الافتراق إلى زمان رفع الإكراه، لا يثبت حدوث الافتراق الحاصل بعده إلا بالأصل المثبت. إلا أن يقال: إن معنى استفادة التوسعة من دليل الرفع، أن الافتراق أعم من الحدوث، ومعه لا إشكال في سقوطه به، وإنما الإشكال في فهم ذلك من دليل الرفع; بضمه إلى الأدلة وعدمه، والأمر سهل بعد بطلان المبنى. ثم إن من المسقطات التصرف على ما قالوا (1)، وسيجئ تفصيله في خيار الحيوان إن شاء الله تعالى (2).
1 - أنظر تذكرة الفقهاء 1: 517 / السطر 13، جامع المقاصد 4: 283، مسالك الأفهام 3: 197، مجمع الفائدة والبرهان 8: 387. 2 - يأتي في الصفحة 292. 252 الثاني خيار الحيوان
253 موارد ثبوت خيار الحيوان وثبوته في الجملة مما لا إشكال فيه نصا (1) وفتوى (2)، والظاهر عموم الحكم لكل حيوان، ولا سيما بعد التعبير عنه في الروايات بلفظ العموم، وهو قوله (عليه السلام): «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام» (3) فلا فرق بين صغار الحيوان وغيرها، فيشمل العموم نحو الجراد، والزنبور، والعلق، وغيرها. نعم، لو لم يكن بعض النصوص المصرحة بثبوته في الرقيق (4) لأشكل الإثبات فيه; لكون الإنسان مقابل الحيوان عرفا. كما لا إشكال في عدم ثبوته لو وقع العقد على لحم الحيوان، سواء كان في معرض الهلاك أم لا.
1 - راجع وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3 و 4. 2 - المقنع: 365، المقنعة: 592 و 599، الخلاف 3: 12، أنظر المهذب 1: 353، شرائع الإسلام 2: 16، قواعد الأحكام: 142 / السطر 19، إرشاد الأذهان 1: 374، مسالك الأفهام 3: 199، أنظر المكاسب: 224 / السطر 14. 3 - الفقيه 3: 126 / 549، تهذيب الأحكام 7: 24 / 101، و: 25 / 107، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 1 و 4. 4 - الكافي 5: 172 / 13، تهذيب الأحكام 7: 25 / 105، وسائل الشيعة 18: 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 7. 255 والظاهر عدم ثبوته في الحيوان المذبوح والمجروح بالسهم أو بالكلب المعلم، وإن وقع العقد على الجثة الحية; لانصراف الأدلة عنها، ولعدم تعلق البيع بها إلا بما أنها جثة; لا دخل للحيوان فيها. ولا شبهة في أن زهوق روحها، لا يعد تلفا، حتى يكون على البائع قبل القبض، أو على من لا خيار له; فإن زهوقها في المذكورات لا يوجب نقصا، ووجودها لا يوجب زيادة قيمة في الجثة. نعم، لو كان المجروح بالسهم أو الكلب مما يجب ذبحه; لإدراكه حيا قابلا للذبح، فبيع وترك حتى صار ميتة، كان التلف على البائع، أو على من لا خيار له. ولا ينبغي الإشكال في عدم ثبوته في الحيوان، الذي كان رأسه وجلده مثلا لشخص، وسائر أجزائه لآخر، فباع صاحب الرأس من شخص، وصاحب البقية منه، فصار الحيوان بالبيعين ملكا له; فإن الرأس والجلد ليسا بحيوان، وكذا البقية، والمجموع لم يقع عليه البيع. وكذا في الحيوان المشاع، إذا باع أحد الشريكين نصفه من زيد، والآخر نصفه منه أيضا; فإن نصف الحيوان ليس حيوانا. بل يشكل الثبوت، لو وكل الشريكان شخصا في بيع حصتهما; فإن البيع وإن وقع ظاهرا على الحيوان، لكن بحسب الواقع يكون مثل ذلك بيعين في بيع، ولا سيما إذا وقعت المقاولة بين المشتري وبين الوكيل في نصف، واتفقا على قيمة، ثم وقعت في نصف آخر، واتفقا على قيمة أخرى غير قيمة النصف الأول، ثم وقعت المعاملة على الحيوان، فإن الظاهر عدم الخيار في الفرض، وإن قلنا: بالثبوت في الصورة السابقة; باعتبار عدم الانحلال. وأما الحيوانات التي لا تعيش بحسب نوعها إلى ثلاثة أيام، فالأقوى
256 ثبوته فيها. وتوهم: أن جعل الثلاثة فيها لغو، فالجعل المذكور مع ملاحظة عدم جعل آخر، شاهد على عدم ثبوته فيها رأسا، وأن جعل الثلاثة للإرفاق بالمشتري; ليطلع على الخصوصيات الكامنة في الحيوانات، وما لا يعيش إلى الثلاثة، لا وجه لجعلها فيه لأجل ذلك، فاسد; فإن المجعول هو الخيار إلى ثلاثة أيام; بحيث يكون في كل آن له الخيار. وليس الزمان هاهنا، كالزمان الذي جعل ظرفا لتعريف اللقطة; لأن الحكم بحفظ الملتقط، والتعريف إلى سنة، غير معقول فيما لا يعيش ولا يبقى إلى سنة، وأما الخيار فلا إشكال في جعله إلى ثلاثة بنحو القانون الكلي في الحيوانات، فعدم العيش نوعا أو شخصا إلى ثلاثة، وانقطاع خياره بموته، لا يوجب لغوية القانون الكلي. هذا إذا قلنا: بأن الموت يوجب انقطاع الخيار، وإلا - كما هو الحق - فلا إشكال فيه رأسا; فإن الخيار متعلق بالعقد، لا بالعين، فلا إشكال على الوجهين. وأما قضية الإرفاق فهي نكتة مظنونة، لا توجب توسعة ولا تضييقا، وإلا اتسع الخرق على الخارق. وبما ذكرنا يظهر: أن غاية الخيار في تلك الحيوانات أيضا إلى الثلاثة; أخذا بإطلاق الأدلة وعمومها. والظاهر عدم ثبوته في بيع الكلي; لانصراف الأدلة عنه، لعدم وقوع بيع الحيوان كليا إلا على وجه الندرة، ولأن العنوان الكلي ليس حيوانا، وإنما هو عنوان صادق عليه، ونفس العنوان حيوان بالحمل الأولي، وهو ليس بحيوان حقيقة عقلا وعرفا.
257 والتعبير في النص وهو قوله (عليه السلام): «في الحيوان كله شرط» (1) لا يشمل الكلي بلا إشكال، كما أن قوله: «كل حيوان كذا» لا يشمله، وفرق بين قوله: «بيع الحيوان كذا» وقوله (عليه السلام): «في الحيوان كله شرط» وإن كان المراد أن في الحيوان إذا بيع شرطا، لكن التعبيرين مختلفان. وكيف كان: يختص هذا الخيار بالمعين. والظاهر أن الكلي في المعين كالكلي، فلا يثبت الخيار فيه; لعين ما ذكرناه، فإن الكلي في المعين كلي متقيد. نعم، لا يبعد الثبوت إذا وقع العقد على الكلي، الذي لا ينطبق إلا على الواحد الخارجي. ويتم الكلام في هذا الخيار في ضمن مسائل:
1 - الفقيه 3: 126 / 549، تهذيب الأحكام 7: 24 / 101، و: 25 / 107، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 1 و 4. 258 مسألة حول اختصاص خيار الحيوان بالمشتري يثبت هذا الخيار للمشتري بلا إشكال نصا (1) وفتوى عندنا (2)، خلافا لعامة الفقهاء (3). وأما البائع، فهل يثبت له مطلقا، أو لا مطلقا، أو يثبت له إذا انتقل إليه الحيوان؟ وجوه وأقوال، منشؤها اختلافهم في فهم المراد من الأخبار، التي هي بحسب الظاهر مختلفة. والذي يظهر لي بعد التأمل هو عدم اختلاف فيها، ويتضح ذلك بعد بيان أمرين: أحدهما: أن التبادل في البيع قد يقع بين الأثمان والأجناس، فيختص اسم «المشتري» بمن انتقل إليه الجنس، والبائع بمن انتقل عنه ذلك، وانتقل إليه الثمن.
1 - وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3 و 4. 2 - المقنع: 365، المقنعة: 592، المبسوط 2: 78، المهذب 1: 353، شرائع الإسلام 2: 16، تحرير الأحكام 1: 166 / السطر 13، مسالك الأفهام 3: 199. 3 - أنظر الخلاف 3: 12. 259 وقد يقع بين الأجناس بعضها مع بعض، وفي مثله وإن لم يتميز المشتري عن البائع، بل كان كل منهما بائعا باعتبار، ومشتريا باعتبار آخر، لكنه لا يضر بصدق «البيع» وتحققه; لأن ماهية «البيع» هي مبادلة مال بمال، وقد حصلت المبادلة بينهما، فلا إشكال في تحقق «البيع» ولا وجه لتوهم عدم صدق «البيع» في هذه المعاوضات. وأما صدق «البائع والمشتري» عليهما، فإن «البائع» من نقل ماله بعوض، و «المشتري» من ابتاع بعوض، وهما صادقان عليهما، ولا إشكال في أن المتداول في معاوضة الأجناس، هو التبادل بينها، لا بيع أحدها بالآخر، بل لو بيع جنس بجنس على خلاف المتعارف، لا يبعد صدق «المشتري والبائع» عليهما. ثانيهما: أن مقتضى صيغة «التفاعل» هو المشاركة، فقوله: «تضارب زيد وعمرو» بمعنى ضرب كل صاحبه، ولو ذكر المتعلق وقيل: «تضاربا بالسيف» فمعناه ضرب كل صاحبه بالسيف. في تعارض روايات الباب إذا عرفت ذلك فاعلم: أن الروايات على طوائف: منها: وهي أكثرها، دالة على ثبوت الخيار للمشتري، كقوله (عليه السلام): «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري» (1) وقوله (عليه السلام): «صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام» (2).
1 - الفقيه 3: 126 / 549، تهذيب الأحكام 7: 24 / 101، و: 25 / 107، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 1 و 4. 2 - تهذيب الأحكام 7: 67 / 287، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 2. 260 ومنها: ما دلت على أن صاحب الحيوان بالخيار، من غير ذكر «المشتري» كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحيحتي زرارة (1) وابن مسلم (2): «البيعان بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام». ومنها: ما دلت على أن المتبايعين بالخيار، كقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (3). ومنها: ما دلت على ثبوته للمشتري دون البائع، كصحيحة علي بن رئاب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار; للمشتري، أو للبائع، أو لهما كليهما؟ فقال: «الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة» (4). وهذه الروايات صارت موجبة لاختلاف الأنظار، فالمشهور عدم ثبوته للبائع مطلقا (5); أخذا بالروايات الدالة على اختصاصه بالمشتري، ولا سيما صحيحة ابن رئاب التي هي كالصريحة في ذلك، وحملا للروايات المطلقة عليها، وتقديما لها على صحيحة ابن مسلم، الدالة على ثبوته لهما مطلقا.
1 - الكافي 5: 170 / 4، تهذيب الأحكام 7: 24 / 100، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 2، و: 11، الباب 3، الحديث 6. 2 - الكافي 5: 170 / 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1. 3 - تهذيب الأحكام 7: 23 / 99، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 3. 4 - قرب الإسناد: 167 / 611، وسائل الشيعة 18: 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 9. 5 - جواهر الكلام 23: 24، المكاسب: 224 / السطر 20. 261 ومنهم من قال: بثبوته للبائع مطلقا (1); أخذا بهذه الصحيحة، مع التأويل في سائر الروايات، وترجيح الصحيحة على صحيحة ابن رئاب الناصة على عدم ثبوته له. ومنهم من فصل بين ما إذا كان البائع صاحب الحيوان، فأثبت له، وما إذا لم يكن فلم يثبته (2); أخذا بإطلاق قوله (عليه السلام): «صاحب الحيوان بالخيار». ثم وقعوا في حيص بيص بالنسبة إلى صحيحة ابن مسلم. كيفية الجمع بين الأخبار والتحقيق: أنه لا اختلاف بين الأخبار رأسا بعد التأمل فيما ذكرناه آنفا: أما مادلت على أن صاحب الحيوان المشتري بالخيار (3)، أو أن الخيار للمشتري (4)، فإن في مبادلة حيوان بحيوان كل منهما مشتر وبائع، فالخيار ثابت لهما; لكون كل منهما صاحب الحيوان فعلا، ومشتريا كذلك، فالقيدان ثابتان لهما، والخيار كذلك، من غير منافاة بين المطلق وتلك الروايات، ولا منافاة بين صحيحة علي بن رئاب معها، كما سيتضح. وأما قوله (عليه السلام): «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان» (5) فهو
1 - الانتصار: 207، مفاتيح الشرائع 3: 68، أنظر مفتاح الكرامة 4: 555 / السطر 28، المكاسب: 224 / السطر 29. 2 - أنظر جامع المقاصد 4: 291، مسالك الأفهام 3: 200، الروضة البهية 3: 450، مجمع الفائدة والبرهان 8: 392، مفتاح الكرامة 4: 557. 3 - تقدم في الصفحة 260. 4 - تقدم في الصفحة 261. 5 - تقدم في الصفحة 261. 262 متعرض لقسم من المبايعات، وهو التبايع في الحيوان، ولا يصدق ذلك إلا ببيع كل منهما الحيوان من صاحبه، فلو كانت المبادلة بين الحيوان وغيره، لم يصدق «أنهما تبايعا في الحيوان» ولا إشكال في التعرض لقسم من المبادلات ولو كان نادرا. وبالجملة: المبادلة إن وقعت بين الحيوان والثمن، يكون المشتري خصوص من انتقل إليه الحيوان، دون البائع. وإن وقعت بين الحيوان وسائر الأجناس غير الأثمان والحيوانات، يكون من انتقل إليه الحيوان صاحب الحيوان فعلا، ويصدق عليه «المشتري» لما تقدم. وإن وقعت بين الحيوانين، يكون كل منهما صاحب الحيوان المشترى لما مر، فالإشكالات في المقام ناشئة عن الغض عن الأمرين المذكورين. ثم مع الغض عما ذكرنا، والبناء على ما سلكوه، فالجمع العقلائي بينها ممكن بعد التنبه على أمر; وهو أن اللازم على الفقيه الباحث في الاستظهار من الروايات، ودعوى الانصراف والإطلاق والغلبة والندرة، ملاحظة العصر والمحيط اللذين صدرت الروايات فيهما، فربما يكون في عصر أو مصر انصراف، دون غيرهما. ألا ترى: أن «الدينار» في الأعصار القديمة، كان منصرفا إلى الذهب المسكوك بسكة المعاملة، وفي عصرنا منصرف إلى الدينار المتعارف; أي الأوراق النقدية; لمكان اختلاف العصرين في الشيوع وعدمه. إذا عرفت ذلك فنقول: إن في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحيطه - أي الحجاز الذي كان الغالب فيه البدو، والتعيش بالحيوانات، كالإبل، والأغنام، ونحوهما - كانت المبادلة بين الأجناس بالأجناس، والحيوان بالحيوان، شائعة جدا، ولم تكن المبادلة بالدرهم والدينار ونحوهما شائعة كشيوعها، بل الأمر كذلك في
263 عصرنا في البوادي البعيدة عن الأمصار. ثم بعد مضي عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتابعين، وقيام سلطنة الأمويين والعباسيين مقام النبوة والخلافة، تغيرت الأحوال والأوضاع في البلاد، ولا سيما في العواصم. فقوله: «صاحب الحيوان بالخيار» حيث إنه محكي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا إشكال في إطلاقه بالنسبة إلى البائع والمشتري; لمكان شيوع المبادلات في الحيوانات، ولا وقع لدعوى الانصراف إلى المشتري، ومدعيه قايس زمانه بعصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومحيطه بمحيطه، وغفل عن الواقعة. وأما قوله: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار» (1) فهو صادر من أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وعصره ومصره مخالفان لعصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومصره; فإن في عصره (عليه السلام) كانت المبادلات بالذهب والفضة رائجة، وفي العواصم أكثر تداولا، ولهذا يمكن دعوى كون القيد غالبيا، فلا يصلح لتقييد إطلاق النبوي. وتوهم: أن الإشكال وارد على الإطلاق أيضا (2)، ناشئ عن الغفلة عما نبهنا عليه. مع أن من المحتمل، أن يكون «المشترى» في تلك الروايات بالبناء للمفعول، ليكون صفة ل «الحيوان» ومعه يكون الوصف محققا للموضوع، ولا مفهوم له، فالأمر دائر بين كونه صفة ل «صاحب الحيوان» حتى يكون له مفهوم، أو ل «الحيوان» فلا حجة لرفع اليد عن الإطلاق. وأما قوله (عليه السلام): «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري» (3) كما في
1 - تقدم في الصفحة 260. 2 - المكاسب: 225 / السطر 10. 3 - الفقيه 3: 126 / 549، تهذيب الأحكام 7: 24 / 101، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 1. 264 صحيحة الحلبي، فلا مفهوم له كما لا يخفى. وعلى فرض المفهوم، يكون هو سلب العموم، لا عموم السلب; أي ليس للبائع في جميع الحيوانات التي تباع خيار، فلا منافاة بينها وبين إثبات الخيار لصاحب الحيوان; لأن مفاد إحداهما السالبة الجزئية، ومفاد الأخرى الموجبة الجزئية بالنسبة إلى مطلق المبايعات. وبهذا يمكن الجواب عن صحيحة الفضيل، قال قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: «ثلاثة أيام للمشتري» (1). فإنه مع عدم المفهوم لها، لا يستفاد منها - على فرضه - إلا سلب الإطلاق، لا إطلاق السلب. وأما صحيحة علي بن رئاب، المفروض فيها شراء الجارية (2)، فلا ينبغي الإشكال في أن المفروض شراؤها بالأثمان، لا بالحيوان أو بالجارية; لبعد المبادلة بين الجارية والحيوانات جدا، خصوصا في عصر الصادق (عليه السلام)، الذي كان فيه بيع الجواري بالأثمان الغالية رائجا. مع أنه لو كان التبادل بينها وبين حيوان أو جارية، لذكره السائل حسب المتعارف، فلا إشكال في أن المفروض ما ذكر، فلا منافاة بينها وبين النبوي. وأما صحيحة ابن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان» (3)
1 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 11، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 5. 2 - تقدم تخريجه في الصفحة 261، الهامش 4. 3 - تقدم تخريجه في الصفحة 261، الهامش 3. 265 فتقيد بقوله (عليه السلام): «صاحب الحيوان بالخيار» (1) الظاهر منه اختصاصه به، ولا سيما مع تغيير العنوان. وتوهم: أن التقييد يوجب الحمل على الفرد النادر (2)، في غير مورده جدا; فإن المبادلة بين الحيوانات، غير نادرة حتى في عصرنا، فضلا عن عصره الذي كانت فيه رائجة، ولا سيما في الحجاز، وإن كان الشراء بالأثمان أيضا رائجا في العواصم، فالتقييد غير مستهجن بلا إشكال. فتحصل من جميع ذلك: أنه لا تعارض بين الروايات، والجمع بينها عقلائي لا مجال للشك فيه، وأن الخيار ثابت لصاحب الحيوان مطلقا، كما هو المناسب للحكم، والموضوع، وللحكمة في جعله. وأما الشهرة (3) أو دعوى الإجماع (4)، فلا يصح الاستناد إليهما، بعد كون المسألة اجتهادية متراكمة فيها الأدلة، والله العالم.
1 - تقدم في الصفحة 261. 2 - أنظر منية الطالب 2: 33 / 2. 3 - جواهر الكلام 23: 24، المكاسب: 224 / السطر 20. 4 - غنية النزوع: 219، الدروس الشرعية 3: 257 و 272، أنظر المكاسب: 224 / السطر 21. 266 مسألة هل مبدأ هذا الخيار من حين العقد، أو من حين التفرق؟ وقبل البحث عنه، لا بد من تقديم أمر: مقدمة: في ثبوت خيار المجلس لصاحب الحيوان وهو أن خيار المجلس، هل هو ثابت لمن له خيار الحيوان أم لا؟ وعلى الثاني: لا وقع للنزاع المذكور، وإن أمكن على بعض الوجوه. فنقول: يحتمل أن يكون المجعول بحسب الشرع، خيارا واحدا لجميع المتعاملين، وإنما الاختلاف في الحيوان وغيره في منتهى الخيار. وأن يكون المجعول خيارين، أحدهما: لصاحب الحيوان، وثانيهما: لغيره من المتعاملين. وأن يكون المجعول خيارين، أحدهما: لجميع المتعاملين; صاحب الحيوان وغيره، وثانيهما: لصاحب الحيوان، فلو أسقط أحدهما بقي الآخر، ولو فارق سقط خيار المجلس، وبقي له خيار الحيوان، ولو لم يتفرقا إلى ثلاثة أيام سقط خيار الحيوان، دون المجلس.
267 وجوه، أوجهها الأول، ثم الثاني; لدلالة جملة من الروايات عليه: منها: صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) فإن التفصيل بين المتبايعين في الحيوان وما سواه، ظاهر في أنه ليس في الحيوان خيار غايته التفرق. بل عدم تكرار الخيار، دليل على أن الخيار الثابت فيما سواه، هو الذي ثبت في الحيوان، إلا أن الاختلاف في غايته. وقوله (عليه السلام): «فيما سوى ذلك من بيع» دليل على أنه كان بصدد بيان أصل الخيار، لا حده وغايته، فلو كان أصل الخيار في مورده مفروغا عنه، لما ذكر لفظ «البيع» لإخراج غيره، فالوسوسة في دلالتها، كأنها في غير محلها. ومنها: رواية علي بن أسباط المعتمدة، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سمعته يقول: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي غير الحيوان أن يفترقا» (2). ومنها: صحيحة الفضيل قال قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: «ثلاثة أيام للمشتري». قال قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا» (3). ولا شبهة في كونها بصدد بيان أصل الخيار; بدليل ذكر الخصوصيات
1 - تقدم في الصفحة 261. 2 - الكافي 5: 216 / 16، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 5. 3 - الكافي 5: 170 / 6، الخصال: 127 / 128، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، الاستبصار 3: 72 / 240، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3، و: 11، الباب 3، الحديث 5. 268 الزائدة على أصل الغاية... إلى غير ذلك. وتوهم: أن الروايات بصدد بيان حد الخيار، لا أصله (1) فاسد; لما مر. مضافا إلى أن كلمة «ما» في قوله: «ما الشرط» موضوع للسؤال عن أصل الماهية، فلو أراد السؤال عن حدها، لا بد من التقدير، وهو خلاف الأصل. مع أن احتمال كونها بصدد بيان الحد والغاية، إنما هو لمكان ذكر الغاية، وإلا فضم حكم الحيوان إلى غيره، لا دخل له، فعلى ذلك لا يبقى لإثبات خيار المجلس في الحيوان، دليل أصلا; لذكر تلك الغاية في جميع روايات خيار المجلس (2). فعليه يثبت خيار الحيوان ثلاثة أيام بالدليل القطعي، ويثبت خيار المجلس في غيره كذلك، ويبقى ثبوت خياره في الحيوان مشكوكا فيه. وتؤيد كونه واحدا مختلف الغاية، مناسبة الحكم والموضوع; وأن هذا الخيار لمراعاة حال المتعاملين للتروي، وإنما الاختلاف في الغاية; لاختلاف الحيوان مع غيره في كونه صاحب صفات وأخلاق كامنة، ربما لا تظهر إلا في ثلاثة أيام أو أكثر، والتحديد بالثلاثة لمراعاة الطرفين. بل من البعيد جعل خيارين لصاحب الحيوان، من غير ظهور جهتين متعددتين مقتضيتين لذلك. وتؤيده بل تشهد عليه، الروايات الدالة على أن التلف في الثلاثة من مال البائع (3)، مع أنه في الخيار المشترك كان على المشتري.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 34 / السطر 5. 2 - أنظر وسائل الشيعة 18: 5 و 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1 و 2. 3 - أنظر وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5. 269 وربما يقال: إنا لو اخترنا ما عليه السيد المرتضى (قدس سره) (1)، لكان لوحدة الخيار مع اختلاف الغاية وجه. وأما لو قلنا: بعدم ثبوته للمنتقل عنه، فلا شبهة في أن خيار الحيوان، مغاير لخيار المجلس موضوعا ومحمولا; فإن خيار المجلس ثابت لكليهما ما دام المجلس، طال أم قصر، وخيار الحيوان يختص بمن انتقل إليه في ثلاثة أيام، فأين هذا من ذاك؟! (2) انتهى. وفيه ما لا يخفى; فإنه على فرض اختيار كلام السيد، يمكن أن يقال: إن خيار الحيوان مغاير لخيار المجلس موضوعا ومحمولا; فإن خيار المجلس ثابت للمتبايعين في غير الحيوان، وغايته الافتراق، طال أم قصر، وخيار الحيوان لهما في خصوص الحيوان في ثلاثة أيام، فأين هذا من ذاك؟! وعلى فرض اختيار كلام المشهور (3)، يمكن أن يقال: إن الخيار الواحد، ثابت للمشتري صاحب الحيوان إلى ثلاثة، ولغيره إلى زمان التفرق، فأين الاختلاف في الخيار؟! مع أن دعوى الاختلاف محمولا مصادرة، والمتبع هو ظواهر الأدلة، وهي ما عرفت. وعلى ذلك يكون مبدأ الخيار في الحيوان وغيره واحدا; وهو حين العقد، وغايته مختلفة. ثم إنه لو أغمضنا عما تقدم، وبنينا على أن مقتضى الأدلة، هو ثبوت خيار المجلس وخيار الحيوان لصاحبه، فالظاهر منها أن مبدأ الخيارين حين العقد; لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة
1 - الانتصار: 207. 2 - أنظر منية الطالب 2: 34 / 10. 3 - تقدم في الصفحة 259، الهامش 2. 270 أيام» (1)، الظاهر في أن خيار المجلس ثابت لعنوان «البيعين» وهو تمام الموضوع. ولازمه أن يتحقق الحكم بتحققه، وأن خيار الحيوان ثابت لصاحب الحيوان، وهو أيضا تمام الموضوع، وبتحقق البيع يتحقق العنوانان... إلى غير ذلك من الروايات. مضافا إلى أن ذلك، هو مقتضى وحدة السياق في الروايات، المشتملة على بيان الخيارين، بعد الجزم بأن مبدأ خيار المجلس حال العقد. لكن مبنى استفادة ذلك من الأدلة، هو كونها في مقام بيان أصل الخيار. وأما إذا كانت في مقام بيان حده وغايته، فلا يصح الاستدلال بها; فإن حاصلها - على هذا الفرض - يرجع إلى قوله: «غاية خيار المجلس المعهود هي التفرق، وغاية خيار الحيوان المعهود إلى ثلاثة» من غير تعرض للمبدأ، وبعد الفراغ عن ثبوت الخيار بنحو معهود، لا يمكن الاستدلال بها بنحو ما تقدم. فمن ذهب في الفرع السابق إلى ما ذكر، ليس له الاستدلال بها في هذا الفرع (2). ثم إن جواز الأخذ بالظواهر، فرع عدم محذور عقلي فيه، وأما معه فيجب رفع اليد عنها. وعليه فعلى فرض ورود المحذورات العقلية الآتية، لا بد من رفع اليد عن أحد الظهورين; إما ظهورها في ثبوت خيار المجلس لصاحب الحيوان زائدا على خيار الحيوان; لدفع المحذور العقلي، أو ظهورها في مبدأ خياره، بعد عدم إمكان التصرف في خيار المجلس.
1 - الكافي 5: 170 / 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 34 / السطر 5. 271 ولا يتوهم: أنه على فرض رفع اليد عن الظهور الأول، يلزم ارتكاب خلاف ظاهرين، بخلاف رفع اليد عن الثاني; لوضوح أنه مع رفع اليد عن الأول، يرتفع موضوع الظهور الثاني، لا نفس الظهور، نظير دوران الأمر بين تخصيص دليل، وبين تقييد إطلاقه، المتفرع على دخول الفرد; فإن إخراج الفرد رافع لموضوع الإطلاق، من دون أن يكون ارتكاب خلاف ظاهر بالنسبة إليه. المحذورات العقلية في القول بثبوت خيار المجلس مع خيار الحيوان ثم إن ما يمكن أن يجعل محذورا عقليا أمور: منها: ما يكون من ناحية العقد; بأن يقال: لا يعقل تزلزله مرتين في عرض واحد، كما لا يمكن لزومه مرتين، ولا جوازه الحكمي كذلك، فكما لا يعقل أن يكون عقد البيع لازما مرتين، ولا عقد الهبة جائزا كذلك، فكذا الحال في الجواز الحقي، فلا يعقل تزلزله مرتين في عرض واحد. ولعل ما عن «المبسوط» في مسألة خيار الشرط، يرجع إلى ذلك. قال: الأولى أن يقال، إنه يثبت من حين التفرق; لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد، والعقد لم يثبت قبل التفرق (1) انتهى. بأن يكون مراده من عدم الثبوت، هو التزلزل; وأن العقد المتزلزل، لا يدخل فيه الخيار ثانيا إلا بعد رفع التزلزل، الناشئ عن الخيار الثابت فيه، وهو خيار المجلس في المقام، فعند رفع تزلزله قام مقامه خيار الحيوان; لئلا يلزم المحذور العقلي. ومنها: من ناحية الاعتبار الشرعي; بأن يقال: كما لا يعقل اعتبار لزومين
1 - المبسوط 2: 85، أنظر المكاسب: 225 / السطر 15. 272 في عقد واحد، واعتبار جوازين في مثل عقد الهبة، فكذا لا يعقل اعتبار جوازين حقيين في عقد البيع. ومنها: من ناحية الحكم; أي الخيار، بأن يقال: بعد ما علم بالضرورة، أن الخيارين غير مختلفين بتمام ذاتهما، بل الخيار ماهية نوعية مختلفة بالمصنفات، فاجتماعهما في عقد واحد، أو عروضهما على موضوع واحد - كالمتبايعين - محال; للزوم اجتماع المثلين. ولو قيل: إنه خيار واحد مسبب من السببين، يلزم اجتماع السببين على مسبب واحد، وهو محال. وبالجملة: إن الأمر دائر بين كون الخيار واحدا، أو متعددا، وعلى الثاني بين كون مبدئهما واحدا أو متعددا. فإذا بطل كونه واحدا، أو متعددا متحد المبدأ، ثبت كونه متعددا مختلف المبدأ، وإذا لم يمكن التصرف في مبدأ خيار المجلس، لزم التصرف في مبدأ خيار الحيوان، فثبت المدعى. الجواب عن المحذورات العقلية والجواب عنها إجمالا: أن توهم تلك المحذورات العقلية، ناشئ من قياس التشريع والأمور الاعتبارية بالتكوين، وقياس الأحكام بالأعراض المقولية، والأسباب الشرعية بالأسباب التكوينية، مع أنه قياس باطل; إذ ليس للأحكام وجود خارجي، عارض على الموضوعات عروض الأعراض عليها. بل هي أمور اعتبارية ناشئة عن مصالح ومفاسد، فيمكن ويصح اعتبار الحكمين الوضعيين; باعتبار المصلحتين، واختلاف الجهتين، فلا ضدية ولا
273 تماثل بينها، نحو ما بين الأعراض الخارجية، وليست الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية التكوينية، حتى يمتنع اجتماعها على مسبب واحد، بل الأسباب هاهنا معرفات لموضوعات الأحكام، أو للحكم والنكات. وأما التفصيل: فالجواب عن محذور تكثر التزلزل في العقد: هو أن التزلزل فيه يرجع إلى كونه خياريا; يصح فسخه بهذا الخيار، أو بذاك، فدعوى امتناع التزلزلين، ترجع إلى دعوى امتناع اجتماع الخيارين، وهي مصادرة ظاهرة. مع أن تزلزل العقد، ليس وصفا خارجيا كتزلزل السفينة، حتى لا يعقل تكثره، بل هو تزلزل اعتباري، منشؤه كثرة حق الخيار، فلو صار ذلك منشأ للامتناع، لكان ثبوت الخيار للطرفين - كخيار المجلس - ممتنعا، والحل ما ذكرناه. والجواب عن محذور اجتماع الاعتبارين: هو أن اجتماعهما إنما يمتنع مع وحدة الجهة، كالجواز في عقد الهبة، واللزوم المطلق في عقد البيع، وأما مع كثرتها فلا محذور فيه، فاعتبار الخيار وجعله من جهة العيب، وخيار آخر من جهة الغبن، وثالث من جهة مراعاة المتعاملين حال المعاملة... إلى غير ذلك، لا محذور فيه. والجواب عن محذور اجتماع المثلين: هو أن اجتماعهما في الأحكام، لا محذور فيه مع اختلاف الجهتين، وليس المثلان هاهنا كالمثلين في الأعراض، حيث يمتنع اجتماعهما حتى مع اختلاف الجهتين، فلا يعقل حلول البياض في جسم; بجهة كونه ذا أبعاد، وعروض بياض آخر عليه; بجهة كونه متحيزا. وأما في الأحكام، فلا محذور فيه مع اختلاف الجهة، فيثبت خيار للبيعين; بجهة العيب، وآخر بجهة الغبن، وكذا يثبت حق الخيار في العقد بجهتين، فالمماثلة في الأمور الاعتبارية غيرها في المقولات.
274 رد ما فهمه المحقق الأصفهاني من كلام القوم هذا ما يجب أن يحمل عليه كلام المحققين، لا ما فهمه بعض أهل التحقيق; من احتمال كون نظرهم إلى ما اشتهر: من اشتراط استحالة اجتماع المتقابلين بوحدة الجهة. ثم ذكر كلام أهل فن الفلسفة في ذلك المجال، ثم استشكل عليهم: بأن حق الخيار، ليس من مقولة الإضافة (1)... إلى آخر ما قال. مع أن كلامهم صحيح، وأجنبي عما فهمه، أو احتمل تطبيقه عليه; إذ ليس الكلام في المقولات والمتماثلين المقوليين، بل في الحكمين المتماثلين، والتحقيق ما أفادوه (2). ويجاب عن محذور اجتماع السببين على مسبب واحد - لو قيل: بوحدة الخيار -: بأن الأسباب الشرعية ليست - كالعقلية - مؤثرات وموجدات، بل هي معرفات كالمعرفات المنطقية، كقولهم: «الإنسان حيوان ناطق» و «الإنسان حيوان ضاحك» و «هو ماش مستقيم القامة»... إلى غير ذلك، وجميعها معرفات لموضوع واحد بجهات مختلفة. فالأسباب والتعليلات الشرعية، معرفات للموضوعات، أو حكم ونكات للجعل، لا مؤثرات وعلل واقعية، حتى يمتنع اجتماعها على مسبب ومعلول واحد.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 34 / السطر 27. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 520 / السطر 24، مفتاح الكرامة 4: 553 / السطر 19، مقابس الأنوار: 245 / السطر 34. 275 فقوله: «الخمر حرام; لأنه مسكر» معرف للموضوع; أي المسكر، لا علة لثبوت الحكم للخمر; لعدم تعقل كون شئ علة لثبوت حكم، بحيث يترتب الحكم على الموضوع بهذه العلة، من دون حصول المبادئ التصديقية والتصورية للحكم، الذي هو منشأ من الجاعل، وبعد الجعل أيضا اعتبار لا واقعية له في غير صقع الاعتبار، فالسببية والمسببية والعلية والمعلولية في الأحكام، باطلة. نعم، الأحكام مجعولة بالجعل الشرعي، ومعلولة لمبادئه المقررة، ولا يعقل أن تكون لها علة وراء ذلك، فقولهم في جواب الإشكال: إن العلل الشرعية معرفات (1) صحيح متقن. وفي هذا المقام أيضا، أطال بعض أهل التحقيق - بعد حمل «المعرف» على الكاشف عن العلة الواقعية (2) - بما هو أجنبي عن كلامهم، وغير سديد في نفسه، فراجعه. حول إشكال المحقق النائيني كما أن بعض أعاظم العصر، استشكل عليهم: بأن النزاع في أن الأسباب معرفات لا علل، لا ربط له بالمقام; لأن الخيارين تابعان لمقتضى دليلهما قبل التفرق، سواء كان مناطهما حكمة أو علة. ولو كان المراد من «المعرف» أن موضوع الحكم الذي أخذ في القضية
1 - مفتاح الكرامة 4: 553 / السطر 22، مقابس الأنوار: 245 / السطر 35، جواهر الكلام 23: 28. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 35 / السطر 9. 276 الحقيقية، ليس علة لثبوت الحكم عند تحققه، فهذا بديهي البطلان; لعدم إمكان تحقق الموضوع، وعدم تحقق الحكم (1)، انتهى ملخصا. وأنت خبير بما فيه، فكأنه (رحمه الله) لم يصل إلى مغزى مرادهم; فإن المقصود هاهنا دفع الإشكال العقلي، على فرض تعدد الخيار تارة، وعلى فرض وحدته أخرى، من غير نظر إلى مقام الإثبات، فكلامه غير مربوط بكلامهم، كما هو واضح. وأما قضية علية الموضوع للحكم، فهي غير سديدة; ضرورة أن موضوعات الأحكام لو كانت عللا لها، لما تخلفت المعلولات عنها، ولما عقل تخلل الجعل بين العلة والمعلول، فلا بد عليها من ترتب الأحكام على الموضوعات قبل الشارع، وهو كما ترى. وأما بعد الجعل فليست الموضوعات عللا لها; لأن الأحكام مترتبة - بحسب الجعل الشرعي - على عناوين كلية أو مطلقة، فإذا تحقق الفرد، انطبق عليه أو تحقق به العنوان الذي له حكم، فلا يعقل أن يكون الموضوع مؤثرا وموجدا له، ولا يعقل تجدد حكم عند تحقق الموضوع. بل الحكم ثابت بجعل واحد، على عنوان منطبق على الخارج، فالموضوع موضوع للحكم، لا علة له، وهو ظاهر. حول الاستدلال بالأخبار لكون المبدأ حال التفرق واستدل على كون مبدئه من حين التفرق: بما دلت على أن تلف الحيوان
1 - منية الطالب 2: 34 / السطر 22. 277 في الثلاثة على البائع (1)، مع أنه في الخيار المشترك على المشتري (2)، فيستكشف من ذاك وذلك، أنه من حين التفرق. وفيه: - مضافا إلى أن من الممكن أن لا يثبت خيار المجلس في الحيوان، وتكون تلك الروايات شاهدة على ذلك كما مر (3) - أنه ليس في مقابل تلك الروايات، دليل لفظي على أن التلف في الخيار المشترك، على المشتري، بل كونه منه على حسب القواعد العقلائية. ومجمل الكلام: أن هاهنا قواعد عقلائية: منها: أن العقد الجامع للشرائط من المالكين، يوجب الملكية، وهو تمام السبب لتحققها. ومنها: أن العقد المحقق، لا ينفسخ بلا سبب من الأسباب العقلائية. ومنها: أن تلف مال المالك مضمون عليه، ويخرج من كيسه مع عدم أسباب الضمان على الغير. فمع دلالة الروايات على أن تلف الحيوان في الثلاثة مضمون على البائع (4) لا بد من رفع اليد عن إحدى تلك القواعد; بأن يقال: إن التالف في زمان الخيار ملك للبائع، وإن انقضاء الخيار جزء سبب للانتقال، فتنتقض الأولى. أو يقال: إنه صار ملكا له، وانفسخ العقد قبل التلف بلا سبب، أو بالتلف بنحو الشرط المتأخر، الذي ليس هو من الأسباب العقلائية، فتنتقض الثانية. أو يقال: إنه مع تأثير العقد وعدم انفساخه، يكون تلفه على البائع،
1 - وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5. 2 - أنظر مقابس الأنوار: 245 / السطر 26، أنظر المكاسب: 225 / السطر 18. 3 - تقدم في الصفحة 269. 4 - راجع وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5. 278 فتنتقض الثالثة. فتلك القواعد لا تعارض الروايات الدالة، على أن تلف الحيوان في الثلاثة، مضمون على البائع (1)، ولا قاعدة أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، المستفادة من الروايات الشريفة (2); وذلك لإمكان رفع اليد عن كل واحدة منها تعبدا، وليس دليل لفظي في مقابلها، حتى يتوهم التعارض. ثم إنه يمكن استظهار انفساخ العقد قبل التلف من بعضها، كمرسلة علي بن رباط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيام، فهو من مال البائع» (3) الظاهرة في أن التالف صار ملكا للبائع فتلف. ويمكن حملها على عدم حصول الملك زمان الخيار، لكنه بعيد غايته، ولم يلتزم مشهور العلماء به، ومخالف لروايات أخر (4). وعلى ذلك: تحمل بعض الروايات، الظاهرة بدوا في عدم حصول الملك، كقوله (عليه السلام): «الضمان على البائع حتى ينقضي الشرط، ويصير المبيع للمشتري» (5) فيحمل على أن المراد منه، استقرار ملك المشتري. فهذه القاعدة حاكمة على القاعدة العقلائية; بأن الانفساخ لا بد له من
1 - أنظر وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5. 2 - وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، و: 20، الباب 8، الحديث 2. 3 - الفقيه 3: 127 / 555، تهذيب الأحكام 7: 67 / 288، وسائل الشيعة 18: 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 5. 4 - وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4، و: 13، الباب 4، الحديث 1، و: 19، الباب 8، الحديث 1. 5 - الكافي 5: 169 / 3، وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2. 279 سبب، فالحكم الشرعي قائم مقام السبب. مع إمكان أن يقال: إن التعبد الشرعي وقع في الموضوع، فجعل التالف قبل انقضاء الشرط، بحكم مال البائع في هذا الأثر. وعلى ذلك: لو دلت الروايات على كون مبدأ خيار الحيوان حين العقد، ودلت تلك الروايات (1)، على أن التلف في زمان خيار الحيوان على البائع، لا يصح رفع اليد عن واحدة منهما; لعدم التعارض بينهما، ولا دليل لفظي على أن الضمان في الخيار المشترك على المشتري حتى يعارضها. فيؤخذ بالظهورين، ويحكم بأن التلف في الثلاثة من مال البائع; تحكيما للأدلة الشرعية على القاعدة العقلائية، القابلة للتخصيص، كما هو الحال في الخيار المختص، فالحال في الخيار المشترك، هو الحال في المختص، فالتحكيم في الموردين على السواء. بيان حال الأصول الشرعية في المقام وأما الأصول الشرعية، فلا وقع لها بعد ذلك، مع أن شيئا منها - كأصالة عدم ارتفاع الخيار، وأصالة بقائه، وأصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس - لا يثبت كون مبدئه حال التفرق. كما أنه لا يثبت بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد، بقاؤه إلى الثلاثة من حين التفرق. كما أن أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس، غير جارية على وجه - لعدم الحالة السابقة - ومثبتة على وجه آخر.
1 - تقدم تخريجها في الصفحة السابقة، الهامش 1. 280 وأما أصالة بقاء الخيار، لو أريد منها ترتيب آثاره، من غير نظر إلى إثبات المبدأ بها، فجارية على فرض كون خيار المجلس والحيوان، واحدا شخصيا، سواء كان التفرق قبل انقضاء الثلاثة من حين العقد، أو مقارنا للانقضاء، أو متأخرا عنه; فإن المستصحب شخص الخيار المتيقن الوجود، والمشكوك فيه بقاء، لكن المبنى فاسد. وعلى فرض ثبوت الخيارين، تجري إذا وقع التفرق قبل انقضاء الثلاثة من حين العقد; لاستصحاب شخص خيار الحيوان. وأما لو وقع بعد الثلاثة فجريانها محل إشكال; من ناحية الإشكال في جريان استصحاب القسم الثالث من الكلي، أو من ناحية أن الخيار الكلي الجامع، لا مجعول شرعا، ولا موضوع أثر; فإن ما هو المجعول وما هو موضوع للآثار، هو خيار المجلس، وخيار الحيوان، والجامع أمر انتزاعي من المجعولين، ولا يتعلق به جعل، والآثار مترتبة على كل خيار مستقلا، لا على الجامع بينهما. فما هو المورث، خيار المجلس وخيار الحيوان، لا الجامع بينهما; بحيث يكون المورث في الخيارين أمور ثلاثة: هذا الخيار، وذاك، والجامع بينهما; لأن الجامع غير مجعول، فلا يكون حقا حتى يورث، وكذا الحال في سائر الآثار، وفي سائر الموارد الشبيهة بالمورد. وليس ما ذكرناه إنكارا لاستصحاب الكلي رأسا، أو القسم الثالث منه; فإن جريانه - حتى في القسم الثالث في بعض الفروض - لا مانع منه، والتفصيل في محله (1).
1 - راجع الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 91 - 93. 281 حول ثبوت خيار الحيوان للوكيل وللفضولي وفي السلم ثم إن البحث هاهنا عن ثبوته للوكيل مطلقا، أو الوكيل المطلق، وللفضولي، وفي السلم قبل القبض، مخالف - من حيث المستند - معه في خيار المجلس; فإن عنوان الأدلة هناك «البيعان» وقد قلنا: بأنه غير صادق إلا على منشئ الصيغة; لأن ماهية البيع هي التبادل الإنشائي الحاصل بها، فالوكيل - حتى في إجرائها - بائع، دون الموكل، والفضولي بائع دون الأصيل (1). وأما في المقام، فألسنة الأدلة مختلفة، ففي بعضها: «المتبايعان بالخيار» (2). وفي بعضها: «للمشتري الخيار» (3). وفي بعضها: «صاحب الحيوان المشتري» (4). وفي بعضها: «صاحب الحيوان» (5). وتلك الروايات وإن كانت مثبتة، لكن وحدة الحكم محرزة، فلا بد من تقييد مطلقاتها; فإن صاحب الحيوان هو المالك، سواء كان مجري الصيغة أم لا، دون
1 - تقدم في الصفحة 67 - 70. 2 - تهذيب الأحكام 7: 23 / 99، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 3. 3 - تهذيب الأحكام 7: 25 / 107، وسائل الشيعة 18: 11، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 4، مع اختلاف يسير. 4 - تهذيب الأحكام 7: 67 / 287، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 2. 5 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، تهذيب الأحكام 7: 24 / 100، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1، و: 11، الباب 3، الحديث 6. 282 الفضولي أو الوكيل، والمتبايع هو مجري الصيغة، سواء كان مالكا، أو وكيلا، أو فضوليا، وكذا المشتري. فلو قلنا: بأن الخيار متعدد; أخذا بالدليلين المثبتين، فإما أن يكون المراد ب «المتبايعان» و «المشتري» أعم من مالك الحيوان ومن الوكيل ونحوه، فلازمه ثبوت خيارين في الحيوان لصاحبه، تارة: بعنوان «الصاحب» وأخرى: بعنوان «المتبايع» أو «المشتري» وهو واضح الفساد. أو يكون المراد من العنوان، خصوص الوكيل والفضولي، دون المالك، فهو أيضا باطل، بل الإثبات لغير المالك بهذه العبارة، مستهجن وخلاف تعارف التكلم. فلا بد وأن يكون الحكم وهو الخيار واحدا، فتحمل المطلقات على المقيد، ويثبت الخيار لخصوص المالك المجري للصيغة; لأن بين عنوان «الصاحب» و «البائع» عموما من وجه، والجمع العقلائي يقضي بتقييد كل بالآخر، وإثبات الحكم لمجمع العنوانين، وهو صاحب الحيوان المجري للصيغة. وقد يقال: إن صاحب الحيوان، أعم من مالكه والوكيل الذي يتلقى الحيوان، وهو مخالف للظاهر، وعلى فرضه يثبت لمجمع عنواني «المتلقي له المجري لها» وهو الوكيل المطلق، و «الصاحب المجري لها». ويظهر الكلام أيضا في بيع السلم; فإنه قبل القبض لا يصدق عليه «صاحبه» ولا «المتلقي له» بحكم الشرع، فلا يثبت الخيار إلا بعده. ولا يثبت للفضولي; لعدم كونه صاحبا، ولا لصاحب المال; لعدم كونه بائعا ومجريا للصيغة، من غير فرق بين القول: بالكشف، أو النقل، هذا بحسب الروايات، ومقتضى الجمع بينها. نعم، لو كان استعمال «البائع» و «المتبايعين» في صاحب المال - إذا وكل غيره في مجرد الصيغة - شائعا، وكان من المجازات الراجحة عرفا، لكان ثابتا للمالك في الفرض.
283 مسألة في دخول الليالي في الأيام الثلاثة في دخول الليا لي في الأيام الثلاثة أصالة، أو تبعا وحكما، وعدمه، وفي التلفيق وعدمه وجوه، والاحتمالات كثيرة، نذكر ما يعتد بها: منها: أن يكون الخيار في ثلاثة أيام، من طلوع الشمس إلى غروبها فقط، وتكون الليا لي مطلقا - حتى الليلتان المتوسطتان - خارجة، فيكون العقد في غير الثلاثة لازما، وفيها خياريا. ولا بأس به لو اقتضى الدليل ذلك، نظير طريان الجواز بعد اللزوم في خيار التأخير وما يفسد ليومه; بدعوى أن «اليوم» حقيقة في بياض النهار من الطلوع إلى الغروب، والليل خارج منه (1). وعليه فيكون مقتضى الأدلة والأخبار الكثيرة ذلك، ولا دافع له; فإن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام» (2) ظاهر - على تلك الدعوى - في أن الخيار ثابت له في الأيام الثلاثة، من طلوع الشمس إلى غروبها.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 19 / السطر 3، أنظر منية الطالب 2: 36 / السطر 9، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 36 / السطر 17. 2 - الكافي 5: 170 / 4 و 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 و 2. 285 ودعوى: أن الخيار ثابت له من حين العقد، مستمرا إلى آخر الثلاثة، فتكون الليلتان المتوسطتان داخلتين، والليلة الأولى بعضها أو تمامها، وبعض اليوم قبل الثلاثة داخلة حكما; بمقتضى الثبوت من حال العقد، والاستمرار إلى آخر الثلاثة (1). مبنية على استفادة ذلك من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «صاحب الحيوان» الظاهر في أن الخيار ثابت له، وأنه تمام الموضوع له، فبتحققه يتحقق الخيار، وإلا تخلف الحكم عن موضوعه، ومن وحدة السياق; فإن خيار المجلس ثابت من حال العقد، مستمرا إلى التفرق، وهو عطف عليه، ولازمه - بحكم وحدة السياق - ثبوته حاله مستمرا إلى الغاية. وفيه: أن الثبوت لصاحب الحيوان بمجرد وجود عنوانه، صحيح لولا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ثلاثة أيام» فإنه - على الفرض - بمنزلة قوله: «لصاحب الحيوان خيار ثلاثة أيام; من طلوع الشمس إلى غروبها» ومقتضى ذلك ثبوته له في الثلاثة لا غير، ولا يدل على ثبوته من حال العقد مستمرا إلى آخر الثلاثة. وأما اقتضاء وحدة السياق ذلك فممنوع; لأن وحدته لا تصادم الظهور اللفظي المذكور. مضافا إلى أن تغيير العبارة في الخيارين، دافع لتوهم وحدته، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيعان بالخيار حتى يفترقا» (2) ظاهر في ثبوته لهما إلى زمان الافتراق، فالثبوت من حين تحقق العنوان، والاستمرار إلى حصول الغاية، هو مقتضى ظاهر اللفظ.
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 18 / السطر 17. 2 - الكافي 5: 170 / 4، وسائل الشيعة 18: 11، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 6. 286 ثم عطف عليه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولصاحب الحيوان ثلاثة أيام» (1) ولو كان المراد ثبوته له نحو ثبوت خيار المجلس، لقال: «إلى مضي ثلاثة أيام» فتغيير السياق والعنوان دال على اختلافهما، ومعه لا وقع لتوهم وحدة السياق. وسائر الروايات على كثرتها، بهذا المضمون، كقوله (عليه السلام): «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (2). مضافا إلى إمكان أن يقال: إن الخيار في الثلاثة ثابت في حال العقد، نظير الواجب التعليقي، فيكون ثبوته ثلاثة أيام فعليا، والثابت استقباليا، ولا بأس به لو اقتضاه الدليل، وإن كان الحكم وضعيا، فتأمل، لكن قد عرفت أن مقتضى الأدلة هو ما مر. وعلى ذلك: يمكن إرجاع صحيحة علي بن رئاب (3) إلى سائر الروايات حتى ذيلها. هذا كله بناء على ما ذكروه: من أن «اليوم» في تلك الروايات، عبارة عن بياض النهار من الطلوع إلى الغروب، وأن الاستمرار وكونه من حال العقد، مستفاد من الخارج (4). لكن الإنصاف: أن المتفاهم عرفا من نفس الروايات، أن الخيار مستمر من حال العقد إلى ثلاثة أيام، وأن الليلتين المتوسطتين، والليالي الثلاث بعض
1 - نفس المصدر. 2 - تهذيب الأحكام 7: 23 / 99، وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 3. 3 - قرب الإسناد: 167 / 611، وسائل الشيعة 18: 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 9، و: 13، الباب 4، الحديث 3. 4 - تقدم تخريجه في الصفحة 285، الهامش 2. 287 الأحيان، مراده من «اليوم» إما لكون الاستعمال في تلك التراكيب من المجاز الشائع، أو لقيام قرينة حالية على ذلك; ضرورة عدم الانقداح في الأذهان من نحو قوله: «للبيعين» أو «للمتبايعين ثلاثة أيام الخيار» إلا أن الخيار ثابت لهما بمجرد تحقق الوصف إلى تمام الثلاثة. ودخول الليل مستفاد من نفس تلك التراكيب، نحو قوله (عليه السلام): «أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام» (1). وقوله (عليه السلام): «إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام، فأتم الصلاة» (2). وبالجملة: كلما ذكر «اليوم» وحده ك «يوم الجمعة» و «يوم الخميس» لا يراد به إلا بياض النهار; من الطلوع إلى الغروب. وكلما ذكر بصيغة الجمع ك «ثلاثة» و «أربعة» ونحوهما، يراد منه حال ثبوت الحكم إلى آخر العدد إلا مع قيام قرينة على الخلاف، ولا ينقدح في ذهن العرف من تلك التراكيب، خصوص بياض النهار، حتى يلتمس دخول الليل من دليل آخر. فقوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن رئاب: «الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة» (3) أي مهلة، كقول العرف: «أمهلني ثلاثة أيام» أو «أنت على مهلة أربعة أيام» فإن من الواضح أن المراد من مثله، المهلة إلى آخر الثلاثة، لا في خصوص بياض اليوم، وخروج الليل منها. ويتضح ذلك من قوله (عليه السلام) فيها: «فإذا مضت ثلاثة أيام، فقد وجب
1 - راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، أحاديث الباب 10. 2 - الفقيه 1: 280 / 1270، تهذيب الأحكام 3: 220 / 551، وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17. 3 - تقدم تخريجه في الصفحة 287، الهامش 3. 288 الشراء» الظاهر منه أن ما قبل مضيها بتمامه، ظرف لعدم الوجوب. وهذا هو الظاهر من سائر الروايات أيضا، ولهذا لم يذكر في الروايات - على كثرتها - إلا «الخيار للمشتري» أو «لصاحب الحيوان ثلاثة أيام» من دون ذكر المراد من «الثلاثة» ولم يسأل سائل عن مراده منها. ولا يصح أن يقال: إن السائل في جميعها فهم من «اليوم» المعنى اللغوي، ودخول الليلتين من الخارج، فلا ينبغي الإشكال في ذلك. ثبوت التلفيق في الأيام الثلاثة كما لا ينبغي الإشكال، في فهم التلفيق من أمثال تلك التراكيب، ولا سيما في بيع الحيوان، الذي هو واقع أثناء النهار نوعا، وقلما يتفق وقوعه عند طلوع الشمس، أو غروبها، والوقوع في الليل أيضا قليل. فإذا قيل في هذا الجو: «إن الخيار للمشتري ثلاثة أيام» لا ينقدح في ذهنه إلقاء نصف النهار، الذي وقعت البيوع - نوعا - فيه. و «اليوم» نظير «الشهر» و «السنة» والمراجع إلى موارد ثبوت الأحكام لها، يقطع بإرادة التلفيق، كباب الحيض، والنفاس، والمقام عشرة أيام، واليوم والليلة في مقدار الرضاع. وكذا «الشهر» في موارد ثبوت الحكم له، إلا ما قامت القرينة على خلافه، وكباب العدد، وإنظار ثلاثة أشهر في الظهار، والأشهر الأربعة التي يحرم للزوج ترك الوطء أكثر منها، وكذا «السنة» فراجع مواردها، كالسنة في تعريف اللقطة، وفي أحداث السنة... إلى غير ذلك. نعم، يبقى الإشكال في الآفاق التي يكون نهارها شهرا، أو شهرين، أو ستة أشهر، وليلها كذلك، والظاهر أن الأحكام الكثيرة الثابتة لتلك العناوين، ثابتة في
289 تلك الآفاق أيضا، ولا يمكن الالتزام بأن تلك الأحكام - على كثرتها - مخصوصة بآفاقنا، وما يقرب منها. والأقرب فيما يدخل فيه التلفيق، هو التقدير بمقدار آفاقنا، على ما حررنا في كتاب «تحرير الوسيلة» (1).
1 - راجع تحرير الوسيلة 2: 606، المسألة 14. 290 مسألة في مسقطات خيار الحيوان يسقط هذا الخيار بأمور: أحدها: اشتراط سقوطه في العقد. ثانيها: إسقاطه بعده، على التفصيل الذي مر في خيار المجلس (1). ويجوز اشتراط سقوط بعضه وإسقاطه، سواء كان اليوم الأول، أو الثاني، أو الثالث، وكذا الحال في خيار المجلس، فيصح اشتراط سقوطه في بعض الزمان إلى حال التفرق; وذلك لأن الخيار فيهما، أمر ممتد بامتداد الزمان، والمجعول هو الخيار ثلاثة أيام، أو إلى زمان التفرق، واعتبر الامتداد في نفس المجعول، نظير باب الإجارة. فالجعل والمجعول واحد ممتد قابل للانحلال، وليست نسبة الزمان إليه كنسبته إلى خيار العيب; فإنه غير ممتد في الجعل، وإنما يبقى في عمود الزمان ما لم يسقط بمسقط. ففرق بين كون المجعول بما هو، ممتدا قابلا للانحلال، وبين ما هو غير ممتد جعلا، بل باق إلى زمان السقوط بمسقط، فالفرق بين خيار العيب والغبن وخيار
1 - تقدم في الصفحة 153. 291 المجلس والحيوان، كالفرق بين البيع والإجارة. فما في تعليقة المحقق الخراساني (قدس سره): من أن ثبوته بعد إسقاط اليوم الوسط، إما إعادة المعدوم، أو تحقق بلا سبب (1) خلط بين المجعول الممتد جعلا، والمجعول غير الممتد، الذي يبقى بمضي الزمان. وإن شئت قلت: إن الخيار في القطعات مجعول في عر ض واحد، فالخيار ثلاثة أيام، مجعول واحد ممتد في عرض واحد، فلا مانع من إسقاط قطعة منه، أية قطعة كانت. فنسبة أجزاء الزمان إلى الخيار، كنسبة أجزاء المبيع الواحد، فلو باع دارا تنتقل إلى المشتري - بانتقال واحد، وبيع فارد - بما لها من الأجزاء، فكل جزء منها ينتقل إليه بانتقال الكل، وهو مالك لكل جزء منها بمالكية كلها، وله بيع بعضها أي بعض كان، والأمر جار في خيار المجلس أيضا; إسقاطا، واشتراطا. سقوط خيار الحيوان بالتصرف ثالثها: التصرف، وليعلم أن الخيار - كسائر الأمور الوضعية الاعتبارية - من الأمور التسبيبية بالمعنى المعقول فيها، فكما لا توجد إلا بسبب عقلائي إن كان عقلائيا، كذلك لا تسقط إلا بسبب عقلائي، من غير فرق بين كون السبب قولا نحو «أسقطت الخيار» أو «التزمت بالبيع» اللازم منه إسقاطه. أو فعلا دالا عليه، أو على الالتزام الملازم له، ومن غير فرق بين كون الفعل تصرفا، أو إحداث حدث، أم لا، كما لو اشترى فرسا، واشترى له قبل انقضاء ثلاثة أيام سرجا وعنانا، فإنه فعل دال على الالتزام بالبيع، وإسقاط الخيار عرفا، وإن لم يكن تصرفا وإحداث حدث فيه.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 174. 292 فكل قول أو فعل، دال عرفا على إسقاطه، أو الالتزام بالبيع اللازم منه إسقاطه، فهو مسقط مع قصد الإسقاط، وأما الرضا الباطني والالتزام القلبي والإسقاط بنحو حديث النفس، فلا يكون مسقطا عرفا. والفعل والقول غير الدالين على إنشاء الإسقاط والارتضاء بالبيع، لا يعدان مسقطين في العرف وعند العقلاء، كما لا يعدان بيعا وإجارة وغيرهما، إلا مع الدلالة العرفية على الإنشاء والتسبيب. المراد بالتصرف المسقط للخيار ثم إن العنوان الذي أخذ في الروايات موضوعا للحكم في المقام، هو «إحداث الحدث» (1) وهو لا يصدق على التصرف إلا إذا كان موجبا لتغيير في العين، كأخذ الحافر، والنعل، والصبغ، أو صبغ الشعر، لا مثل الركوب، والسقي، والتعليف، والاستخدام، ونحوها. وتدل عليه: - مضافا إلى الروايات الكثيرة في أبواب الفقه، الدالة على أن إحداث الحدث نظير ما ذكر، مثل ما دل على سقوط الرد في خيار العيب، إذا أحدث في العين شيئا (2). وقد ذكر في رواية أخرى: «إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه، وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ، يرجع بنقصان العيب» (3)،
1 - راجع وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4. 2 - الكافي 5: 207 / 3، تهذيب الأحكام 7: 60 / 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2. 3 - الكافي 5: 207 / 2، الفقيه 3: 136 / 592، تهذيب الأحكام 7: 60 / 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3. 293 حيث يظهر منها أن إحداث الحدث من قبيل ذلك. وما دل على الرد من أحداث السنة (1) المفسرة بالجنون، والجذام، ونحوهما. وما دل على جواز الإجارة بأكثر مما استؤجر، إذا أحدث في العين حدثا (2) ومثل بحفر النهر وشقه، وحفر البئر... إلى غير ذلك، كقوله (عليه السلام): «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع» (3). صحيحة الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام)، في الرجل اشترى من رجل دابة، وأحدث فيها حدثا; من أخذ الحافر، أو نعلها، أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها، أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقع (عليه السلام): «إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله» (4). والظاهر كالنص منها، أن إحداث الحدث مقابل الركوب، وجوابه (عليه السلام): بأن ما يوجب وجوب البيع هو إحداث الحدث، يظهر منه بلا ريب أن الركوب فراسخ لا يوجبه، فضلا عن غيره، كالسقي، والتعليف، ونحوهما. فالحدث عبارة عن أمثال ما ذكر في النص، وأمثال الركوب غير إحداث الحدث، والمسقط هو الإحداث، لا غيره من التصرفات، وهذا مما لا ينبغي
1 - راجع وسائل الشيعة 18: 98، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 2. 2 - راجع وسائل الشيعة 19: 129، كتاب الإجارة، الباب 22. 3 - الفقيه 3: 127 / 555، تهذيب الأحكام 7: 67 / 288، وسائل الشيعة 18: 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 5. 4 - تهذيب الأحكام 7: 75 / 320، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 2. 294 الإشكال فيه. وأما الأمثلة المذكورة في الروايات; أي تقبيل الجارية، ولمسها، والنظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء (1) التي صارت منشأ لتشويش الأصحاب واضطرابهم (2); بتخيل أن الظاهر منها أن مطلق التصرف - بل غيره نحو النظر المحرم - موجب لسقوطه، وهذا لا يمكن الالتزام به. ولذا ذهب بعضهم إلى أن التصرفات المالكية موجبة للسقوط، لا مثل التصرف الاختياري (3). فالتحقيق فيها: أنها لخصوصية للجارية ليست في الحيوانات، وهي أن تقبيلها ولمسها والنظر إلى عورتها، تعد حدثا فيها وحادثة من الحوادث، بخلاف لمس الحيوان وتقبيله، وبخلاف استخدامها وأمرها ونهيها. ولهذا ترى في صحيحة ابن رئاب (4) - مع أن كلامه في الشرط في الحيوان، وقد حكم بأن إحداث الحدث يوجب سقوط الشرط لما سئل عقيبه عن الحدث - عدل عن مطلق الحيوان إلى الجارية، وعن سائر التصرفات فيها إلى خصوص ما هو مربوط بالأمر الجنسي، الذي له خصوصية عند الناس، فعد ما ذكر حدثا، فلو كان الاستخدام ونحوه حدثا، كان أولى بالذكر; لكونه أكثر تداولا
1 - قرب الإسناد: 167 / 611، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 3. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 51 / السطر 19، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 19 / السطر 10. 3 - جامع المقاصد 4: 304، مفتاح الكرامة 4: 560 / السطر 17، أنظر المكاسب: 227 / السطر 20. 4 - الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1. 295 مما ذكر. كما أنه لو كان مطلق التصرفات المالكية حدثا في الحيوان، لكان أولى بالذكر; لعدم خلو الحيوان المشترى عن تصرف مالكي في الجملة، كأخذه، والذهاب به إلى محله. فلا ينبغي الإشكال، في أن إحداث الحدث في الحيوان، ليس إلا أمثال ما ذكر في صحيحة الصفار (1)، فأمثال ما وقع في كلماتهم كالمحكي عن «التذكرة» وغيرها (2)، والتصرفات المالكية - مثل الركوب، والإسراج، والسقي، ونحوها - خارجة عنه. هل يعتبر علم المتصرف والتفاته؟ ثم إنه لو قلنا: بانصراف الأخبار إلى إحداث الحدث مع الالتفات إلى الموضوع والحكم; لندرة الاشتباه والنسيان في ثلاثة أيام، أو قلنا: بأن قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن رئاب: «فذلك رضا منه» (3) يدل على أن إحداث الحدث لكونه اختيارا والتزاما بالبيع، يوجب سقوط الخيار، وحيث إنه مع الجهل بالحكم - أي الخيار - أو الموضوع، لا يكون كذلك، فيظهر منه اعتبار العلم والالتفات، فيقيد به غيره، لكان الحاصل منها موافقتها مع المسقط العرفي. وأما لو قلنا: بأن إطلاقها يقتضي التعميم بالنسبة إلى عدم الالتفات
1 - تقدم في الصفحة 294. 2 - السرائر 2: 280، تذكرة الفقهاء 1: 530 / السطر 3، و: 531 / السطر 38، جامع المقاصد 4: 291، أنظر مفتاح الكرامة 4: 560. 3 - تقدم تخريجه في الصفحة 295، الهامش 4. 296 والجهل، ولا سيما وأن الجهل بالحكم أمر شائع، فلا وجه للانصراف، وأن قوله (عليه السلام): «ذلك رضا منه» لا يدفع الإطلاق; لاحتمال كون إحداث الحدث مطلقا، بحكم الرضا والالتزام بالبيع المستلزم للسقوط، فلا محالة يكون الحكم في غير مورد الالتفات تعبديا; ضرورة أنه مع الجهل والاشتباه، لا يكون الإحداث اختيارا والتزاما زائدا على أصل الرضا بالبيع، فلا يكون مسقطا عقلائيا. ولا بأس به; إذ لا استبعاد في التعبد بالسقوط، فيما إذا أحدث في العين شيئا، وقد وقع نظيره في خيار العيب، حيث حكم بسقوط الرد إذا أحدث في العين شيئا، ثم علم بالعيب. وعلى هذا الفرض أيضا، لا يرد بعض المحذورات المشار إليها في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره); من لغوية الخيار على فرض، واستهجان التعليل على فرض آخر (1). نعم لو قلنا: بأن الحدث مطلق التصرفات المالكية حتى مثل أمر الجارية بإغلاق الباب، ومثل سقي الدابة وتعليفها، فالمحذور وارد، ولا دافع له; ضرورة أن التصرف المالكي - بحسب الغالب - يتحقق بعد البيع، مثل تسلم الحيوان، وحفظه، وسقيه، ونحو ذلك، فيلزم منه سقوطه بعد البيع بلا فصل، فتلزم لغوية الخيار إلا نادرا. كما أنه على فرض جعل قوله (عليه السلام): «ذلك رضا منه» علة، يلزم المحذور الآخر الذي تنبه عليه الشيخ الأعظم (قدس سره); وهو أن تعليل الحكم على المطلق بهذه العلة، غير الموجودة إلا في قليل من أفراده، مستهجن (2).
1 - المكاسب: 226 / السطر 12، و: 227 / السطر 26. 2 - المكاسب: 227 / السطر 28. 297 تعارض الأخبار على ما ذكره الفقهاء ثم إنه على ما استظهرناه (1)، لا معارضة بين الروايات مطلقا، كما يظهر بالتأمل. وأما على ما ذكروه (2)، فيقع التعارض بين صحيحة ابن رئاب (3) ومكاتبة الصفار (4) فإن مفاد الأولى أن مطلق التصرف مسقط، ومفاد الثانية أن المسقط خصوص تصرف يوجب تغيير العين، كالنعل، وأخذ الحافر، لا مثل الركوب وسائر التصرفات، ولا يصح تقييد الصحيحة بها; فإنه تقييد مستهجن، وبالفرد النادر، فيقع التعارض بينهما. كما يقع التعارض بينها وبين صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى شاة، فأمسكها ثلاثة أيام، ثم ردها. فقال: «إن كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها، رد معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن، فليس عليه شئ» (5) المحمولة إما على الفسخ قبل تمام الثلاثة وإن ردها بعدها، أو على كون الرد آخر اليوم الثالث، الذي يصدق معه الإمساك ثلاثة أيام، فتعارض ما دل على أن مطلق التصرف مسقط، ورد الأمداد
1 - تقدم في الصفحة 293. 2 - تقدم في الصفحة 295. 3 - تقدم تخريجه في الصفحة 295، الهامش 4. 4 - تقدم تخريجه في الصفحة 294، الهامش 4. 5 - الكافي 5: 173 / 1، و: 174 / ذيل الحديث 1، تهذيب الأحكام 7: 25 / 107، وسائل الشيعة 18: 26، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 13، الحديث 1. 298 محمول على الاستحباب. وعن «معاني الأخبار» عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من اشترى محفلة فليرد معها صاعا» (1). والمراد بها ما اجتمع اللبن في ضرعها، ومعلوم أن الرد إنما هو للحلب، لا مطلقا، والرد إنما هو في زمن الخيار، فتعارض تلك الصحيحة. بل تعارضها صحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، ويشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: «على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع للمشتري» (2). إذ من المعلوم أن التلف إذا كان في زمان الخيار، كان على البائع، لا مطلقا، فلو كان مطلق التصرف موجبا لسقوط الخيار، كان التلف على المشتري قبل انقضاء الثلاثة إلا نادرا، والتقييد هاهنا مستهجن أيضا. وأما رواية الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام، فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف بالله ما رضيه، ثم هو بريء من الضمان» (3) فمع
1 - معاني الأخبار: 282، وسائل الشيعة 18: 27، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 13، الحديث 3. 2 - الكافي 5: 169 / 3، وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2. 3 - تهذيب الأحكام 7: 80 / 343، وسائل الشيعة 18: 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 4. 299 ضعفها (1)، تكون بصدد بيان حكم آخر. والظاهر من الجواب، أن السؤال كان عن ضمانه، لا عن كيفية سقوط الخيار، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يستحلف...» إلى آخره، إيكال إلى الحكم الثابت المعلوم; أي ما يوجب سقوط الخيار، وهو الارتضاء بشرطه.
1 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن الحسن بن أبي الحسن الفارسي، عن عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه. والرواية ضعيفة بالفارسي، فإنه لا نعرفه وبعبد الله بن الحسن (الحسين) وأبيه لأنهما لم يوثقا. أنظر معجم رجا ل الحديث 10: 164 و 168، و 4: 336، و 5: 239. 300 الثالث خيار الشرط
301 صحة خيار الشرط وثبوته لا إشكال في صحة اشتراط الخيار في العقد، وثبوته بالشرط، والأصل فيه - مع الغض عن عقلائيته - هي الأخبار المستفيضة العامة (1)، والأخبار الخاصة التي تقدم بعضها (2). وربما يستشكل فيه تارة: بأن شرط النتيجة غير مشمول للروايات (3)، وقد مر التحقيق فيه في خيار المجلس (4). وأخرى: بأن هذا الشرط مخالف للكتاب، وهو قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (5) وللسنة، وهي قوله (عليه السلام): «فإذا افترقا وجب البيع» (6) (7).
1 - وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1 و 2 و 5. 2 - وسائل الشيعة 18: 18، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 7 و 8. 3 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 11 / السطر 15 و 20 و 31. 4 - تقدم في الصفحة 155. 5 - المائدة (5): 1. 6 - الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، تهذيب الأحكام 7: 20 / 86، الاستبصار 3: 72 / 241، وسائل الشيعة 18: 6 و 9، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1 و 2، الحديث 4. 7 - مستند الشيعة 14: 382. 303 وقد أجاب عنه بعض الأعاظم (قدس سره) (1) بما لا يخلو من إشكال ظاهر، قد مر في المعاطاة تفصيله (2). والتحقيق في الجواب عنه: بعد مسلمية صحة هذا الشرط حتى عند المستشكل; لدلالة الأخبار الخاصة عليها، وحكاية نقل الإجماع عليها مستفيضا (3). أن الشرط في ضمن العقد، إن قلنا: بأنه من توابعه في وجوب الوفاء بالعقد; بحيث يكون وجوب الوفاء شاملا للعقد، وللخصوصيات المشتمل عليها حتى مثل الشرط في ضمنه، فلا إشكال فيه; فإن العمل بالاشتراط حينئذ، من مقتضيات وجوب الوفاء، لا من مخالفاته، فإن وجوب الوفاء المتعلق بعنوان «العقد» أو (العقود) لا يمس كرامته الاشتراط; لأن سلب العنوان عن موضوعه غير معقول. ولا يرجع الشرط إلى سلب الحكم عن موضوعه، بل لا يعقل الجد في هذا الشرط من الملتفت، فيرجع الشرط إلى ثبوت الخيار للعقد المتحقق بالإيجاب والقبول، والفرض أن الشرط في ضمنه ومن متعلقاته، ووجوب الوفاء بعد تحققه مع الشرط متعلق بالعقد ومتعلقاته، ومنها الشرط، فلا يعقل أن يكون حينئذ مخالفا لوجوب الوفاء; لأن مقتضى وجوبه هو العقد الخياري، والشيء لا ينافي مقتضاه، وهو ظاهر. وإن قلنا: بكون الشرط مستقلا في وجوب الوفاء به بدليل الشرط، والعقد مستقلا فيه بدليل وجوب الوفاء به، فالعقد الموجود بشرطه، يجب الوفاء به
1 - منية الطالب 2: 39 / السطر الأخير. 2 - راجع ما تقدم في الجزء الأول: 109. 3 - مستند الشيعة 14: 382. 304 بدليله، ويجب الوفاء بشرطه بدليل الشرط. فيمكن على هذا أن يقال: إن العقد ليس مشمولا لدليل وجوب الوفاء قبل لزوم الوفاء بالشرط، حتى يكون الشرط مخالفا له، بل انطباق دليل لزوم الوفاء بالعقد والشرط، في عرض واحد، ولازمه عدم مخالفة الشرط لدليل وجوب الوفاء; لعدم انطباق دليل وجوب الوفاء - بنحو الإطلاق - على العقد الخاص. وإن شئت قلت: إن الشرط يمنع عن تحقق وجوب الوفاء بنحو الإطلاق، والمنع عن التحقق غير المخالفة للشرع، ويمكن منع إطلاق دليل وجوب الوفاء لحال الشرط. وكيف كان: فلا إشكال في المسألة، وإن اختلفت الطرق في كيفية تصحيحها.
305 مسألة في عدم الفرق بين اتصال زمان الخيار بالعقد وانفصاله لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد، أو منفصلا عنه; لإطلاق أدلة الشرط (1)، ولا ضير في صيرورة العقد اللازم جائزا بدليل الشرط، ولا سيما مع وقوع نظيره في الشرع. نعم هنا كلام: وهو أنه لو كان المستند لوجوب الوفاء ولزوم العقد، هو قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) فإن كان المستفاد منه هو العموم الزماني أو الحكم الاستمراري - بأن يكون مقتضى إطلاقه ثبوت اللزوم مستمرا، نظير ما تقدم في دليل إثبات خيار الحيوان (3)، حيث حكم بالخيار ثلاثة أيام، وقلنا: بأنه قابل للتقطيع من الأول أو الوسط، فيثبت الحكم لما بعده بنفس دليل الإثبات - ففيما بعد زمان الخيار سواء كان متصلا أم منفصلا، لا مانع من التمسك بالعموم أو الإطلاق.
1 - أنظر وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6 و 7 و 8. 2 - المائدة (5): 1. 3 - تقدم في الصفحة 291. 307 لكن الشيخ الأعظم (قدس سره) استشكل على الفرض الثاني; أي الحكم الاستمراري (1)، وسيأتي الكلام معه (2). وأما إن كان المستفاد منه ثبوت اللزوم فقط، أو وجوب الوفاء حدوثا - وأما بقاؤه في عمود الزمان; فلكون الحادث باقيا ما لم ينقطع بمزيل، نظير الملكية الحادثة بالبيع - فلا يصح التمسك به بالنسبة إلى سائر القطعات، وسيأتي الكلام في مقام الإثبات في خيار الغبن (3) إن شاء الله. اشتراط تعيين المدة بدوا وختما ثم إنه يشترط تعيين المدة وضبطها بدوا وختما، فلو تراضيا على مدة مجهولة - كقدوم الحاج مثلا - بطل البيع; لصيرورته غرريا، وذلك لأن خيار فسخ العقد إذا كان مجهولا، يصير العقد بحسب استقراره وتزلزله مجهولا، فالخيار لما كان من الأول متعلقا بالعقد، كانت جهالته جهالته. وهذا الشرط غير مثل شرط الخياطة، حتى يتشبث في تعدي غرريته إليه بما تشبث به بعض أهل التحقيق (قدس سره) (4); مما لا يسلم عن المناقشة، ومع سلامته تبعيد للمسافة، فقياس هذا الشرط بسائر الشروط مع الفارق، فلو لم نقل بالتعدي في غير هذا الشرط، لا مجال لإنكاره فيه.
1 - المكاسب: 242 / السطر 30. 2 - يأتي في الصفحة 551. 3 - يأتي في الصفحة 552. 4 - لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 38 / السطر 26 - 32. 308 إشكال عدم شمول حديث الغرر لمورد الجهالة بزمان الخيار ثم إنه قد يستشكل في المقام: بأن حديث «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (1) لا يشمل الغرر الحاصل من جهالة مدة الخيار، وإلا لبطلت كل البيوع بجهالة مدة خيار المجلس، بل لا تضر جهالة أصل ثبوت الخيار، بل الجهل بالخيار للشبهة الموضوعية، لازال حاصلا في موارد الغبن، والعيب، وغيرهما. فيعلم: أن المراد من الحديث النهي عن بيع، يكون المبيع أو الثمن فيه مجهولا كما أو وصفا، فتكون إضافة «البيع» إلى «الغرر» من قبيل الإضافة إلى المفعول (2). وفيه: أن النهي إنما تعلق بفعل المتبايعين، وهو البيع بمعناه المصدري، فيكون الحاصل: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، نهى عن إيقاع البيع الغرري فالأحكام الشرعية أو العقلائية المترتبة على البيع بعد تحققه، خارجة عن مصب الحديث. ولا يقاس الخيار المجعول بجعل المتبايعين، بالخيارات غير المجعولة منهما; فإنها تتعلق به بعد تحققه وتماميته. ولو لم يسلم ما ذكر، فلا إشكال في خروج تلك الخيارات والجهالة الحاصلة منها في البيع، عن الحديث بالقرينة القطعية، فيبقى الخيار المجعول بجعلهما.
1 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، عوالي اللآلي 2: 248 / 17، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3، مستدرك الوسائل 13: 283، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 33، الحديث 1، مسند أحمد 1: 302، سنن أبي داود 2: 274 / 3376، السنن الكبرى، البيهقي 5: 338. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 21 / السطر 2. 309 ودعوى: كشف المراد بواسطة تلك القرينة، في غير محلها، فإطلاقه محكم في غير مورد تلك الخيارات. فإن قلت: إن جهالة الخيار، توجب جهالة نفس البيع من حيث مقدار تزلزله، وقوله: «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» لا يعقل شموله بلفظ واحد للغرر في المتعلق، والغرر في نفس البيع، حتى يستفاد منه عدم صحة بيع شئ مجهول صفة أو ذاتا، وبيع مجهول من حيث الخيار. بل لو قلنا: بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، يمكن المناقشة في جوازه في المقام; مما يكون الأمران مترتبين، وأحدهما في طول الآخر. وعلى فرض تسليم جوازه، فحمل الكلام عليه محتاج إلى مؤونة وقرينة مفقودة، ولا إشكال في شموله لجهالة المتعلق، فبقي شموله لنفس البيع مشكوكا فيه، ولا يدفع هذا الشك بالإطلاق، ولا دليل على استعماله في أكثر من المعنى الواحد الذي هو المتيقن. قلت: على فرض اختصاص الحديث بالغرر في المتعلق، يشمل جميع أنحاء الجهالات الحاصلة فيه، حتى ما هي حاصلة فيه من قبل نفس البيع; فإن البيع الخياري يوجب التزلزل في الملكية، والجهالة فيه تتعدى إلى المبيع، ومقتضى الإطلاق النهي عن مطلق الجهالة، بأي نحو حصلت. كما أنه على فرض اختصاصه بالغرر في نفس البيع، يشمل بإطلاقه جميع أنحاء الجهالات الحاصلة فيه; من قبل ذاته، أو متعلقاته، فإثبات المطلوب لا يتوقف على استعمال اللفظ في أكثر من معنى. ومما ذكرناه، يظهر الجواب عن شبهة أخرى، وهي أن اشتراط الخيار مطلقا - سواء اشترط مدة معلومة أو مجهولة - يوجب الغرر; لعدم العلم بمقدار تزلزل البيع والملك، لأن الاختيار في إعماله إلى الغير، وفعله مجهول عند المشروط
310 عليه، بل عند الشارط أيضا غالبا. فإذا علم صحة شرط المدة المعلومة، يستكشف منها أن الغرر المذكور، لا يضر بصحة المعاملة والشرط; وذلك لأن الغرر الآتي من قبل الاشتراط، مشمول للقاعدة، لا الآتي من قبل عمل صاحب الخيار; فإنه بعد ثبوت الخيار له، فالجهل بعمله متأخرا عن القرار المعلوم، لا يضر بالبيع، ولا بالشرط. ثم إنه لو قلنا: بأن الغرر عبارة عن الجهالة، فلا إشكال في أن الجهالات التي يتسامح فيها العرف، داخلة فيه، إلا إذا كان التعارف في مواردها شائعا; بنحو يوجب انصراف الإطلاق عنها، لكنه ممنوع. فالنهي عن الغرر موجب للبطلان حتى في موارد التسامح; فإن مرجعه إلى التسامح في الحكم الشرعي. وأما إن كان بمعنى الخطر، فيمكن أن يقال: إن موارد تسامح العرف - نحو جعل الخيار إلى قدوم الحاج، أو إلى الحصاد - ليست من الغرر، فلا يشملها الحديث، إلا أن يدل دليل على أن مطلق الجهالة مضرة، وهو أمر آخر، ولا دليل على ذلك بنطاقه الواسع. وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلى التشاح - بحيث يكون النادر كالمعدوم - لا تعد غررا، كتفاوت المكاييل والموازين (1). ففيه: أن الغرر عنده بمعنى الجهالة، وعليه فإن كان المراد أن ما لا يرجع إلى التشاح، خارج موضوعا عن الغرر، ففيه ما لا يخفى; فإن الغرر ليس قسما خاصا من الجهالة بلا ريب.
1 - المكاسب: 228 / السطر 16. 311 وإن كان المراد: أنه خارج حكما، فلا بد من دعوى أن العلة لمفسدية الغرر، هي كونه في معرض التشاح، فيختص بمورده. وفيها: - مضافا إلى عدم الدليل على ذلك، فلا وجه لرفع اليد عن الإطلاق - أن لازمها صحة المعاملة في كثير من موارد الغرر، مما لا يلتزم القائل به. ثم إن التفصيل في الغرر ومعناه وما يتعلق به، خارج عن البحث هاهنا، وقد سبق الكلام في ذلك في بعض المباحث السالفة، كالبحث عن اعتبار القدرة على التسليم (1)، فراجع.
1 - راجع ما تقدم في الجزء الثالث: 295. 312 مسألة فيما لو قال بعتك على أن يكون لي الخيار لو قال: «بعتك على أن يكون لي الخيار» ففيه خلاف بين الفقهاء: فمن قائل: إنه فاسد، كأبي حنيفة (1). ومن قائل: إن له الخيار أبدا، وهو المحكي عن الحسن بن صالح بن حي (2)، ولعله موافق للقاعدة; فإن مقتضى الإطلاق أن لا يحد بحد، وليس ذلك مشمولا لدليل الغرر، نظير جعل الخيار لفظا إلى الأبد. ومن قائل: إن له الخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام، وقد جعله السيد (قدس سره) في «الانتصار» من متفردات الإمامية، واستدل عليه بالإجماع (3)، كما استدل به الشيخ (4) وابن زهرة (قدس سرهما) (5)، على تأمل في كلامه.
1 - الخلاف 3: 20، بداية المجتهد 2: 209، أنظر المجموع 9: 225، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 177. 2 - أنظر الانتصار: 211، الخلاف 3: 20، بداية المجتهد 2: 209. 3 - الانتصار: 210 - 211. 4 - الخلاف 3: 20. 5 - غنية النزوع: 219. 313 وعن «المقنعة» (1) و «الجواهر» (2) و «الكافي» (3) أيضا: التمسك به، وفي «الخلاف» دعوى ورود الأخبار به (4)، ومن هنا صارت المسألة عويصة. ولولا دعوى ورود الأخبار، كان القول بما ذكروه وادعوا عليه الإجماع متعينا; فإن الثابت من دعاوى هؤلاء العمد، الإجماع أو الشهرة بين الطائفة في تلك الطبقة، وهي حجة قاطعة في تلك المسألة، التي لا طريق للاجتهاد فيها. وأما بعض الأمور الاعتبارية التي وقعت في كلامهم، كقول السيد (قدس سره): ويمكن أن يكون الوجه مع إطلاق الخيار في صرفه إلى ثلاثة أيام، أن هذه المدة التي هي المعهودة المعروفة في الشريعة لأن يصرف الخيار فيها، والكلام إذا أطلق، وجب حمله على المعهود والمألوف فيه (5) انتهى. فلا إشكال في أنها ليست مستندهم ومحل اتكالهم، بل بعد ثبوت الحكم بالإجماع المدعى، تكون تلك الاعتبارات من قبيل ذكر نكتة، كما هو ظاهر كلامهم. لكن دعوى ورود الأخبار في المسألة، توجب تزلزل الإجماع والشهرة; لاحتمال كون مستندهم تلك الأخبار المجهولة عندنا، وعدم الوصول لا يدل على عدم الوجود، وعدم وجودها في الكتب التي عندنا، لا يدل على عدم وجودها مطلقا; لاحتمال عروض عوارض، منها سقوطها عن النسخ التي عندنا من كتب الشيخ (قدس سره).
1 - المقنعة: 592. 2 - جواهر الفقه: 54. 3 - الكافي في الفقه: 353. 4 - الخلاف 3: 20. 5 - الانتصار: 211. 314 واحتمال كون الأخبار عبارة عن التي في خيار الحيوان (1)، مدفوع وباطل بلا إشكال. وعلى ذلك: صارت المسألة مشكلة; فإن مقتضى القواعد صحته وكونه أبديا، ومع الغض عنها يقع باطلا; لقاعدة الغرر، ومقتضى نقل الإجماع في المسألة هو ما أفادوه. فرفع اليد عن إجماعهم في مثل تلك المسألة مشكل، والبناء على ما ذكروه مع احتمال تعويلهم على الأخبار المجهولة عندنا، مشكل آخر; لاحتمال كون اجتهادهم فيها غير اجتهادنا، والاعتماد على ما حكي عن الحسن بن صالح (2)، مشكل ثالث. ثم على فرض القول: بثبوته ثلاثة أيام شرعا، فهل يوجب هذا التحديد - ولو مع جهل المتبايعين به - اندفاع الغرر، كما عن صاحب «مفتاح الكرامة» (3) أو يوجب الأول إلى العلم به اندفاعه؟ أو لا يوجب مطلقا، أو يفصل بين العلم والجهل؟ وجوه، أوجهها عدم الاندفاع مطلقا: أما مع الجهل فظاهر; فإن التحديد الواقعي، لا يوجب رفع الجهالة عن البيع حال تحققه، كما أن العلم بعد بيع المجهول، لا يندفع به ذلك، وإلا جاز بيع الجزاف إذا آل الأمر إلى العلم بعد البيع، فالميزان في الجهل والغرر، هو حال تحقق البيع. وأما مع علمهما بحكم الشرع، فإن صار ذلك منشأ لجعل ثلاثة أيام، فلا
1 - أنظر تذكرة الفقهاء 1: 520 / السطر 2، جواهر الكلام 23: 33. 2 - تقدم تخريجه في الصفحة 313، الهامش 2. 3 - مفتاح الكرامة 4: 562 / السطر 2 - 3. 315 كلام فيه، ولا يكون مورد البحث. وأما إن كان المجعول هو المجهول، وإن ترتب عليه حكم شرعي، فالغرر حاصل، وإنما يستكشف التخصيص في دليله. وإن شئت قلت: إن الحكم الشرعي، مترتب على البيع والشرط الغرري، فلا يعقل أن يندفع به الغرر.
316 مسألة في أن مبدأ خيار الشرط هو حال العقد مبدأ هذا الخيار مع عدم قرينة معينة، هو حال العقد; لاقتضاء إطلاق الاشتراط ذلك، سواء جهل المتبايعان بوجود خيار لهما أم لا، لكن بشرط أن يكون اشتراط الخيار، في زمان أطول من زمان الخيار الموجود، فلو شرط الخيار عشرة أيام، وكان له الخيار ثلاثة أيام، يكون المبدأ من حال العقد; للإطلاق. ولا يتبادر من حال العالم بالخيار، أنه جعل في زمان لولا الخيار لزم العقد; لمنعه في الفرض، لإمكان أن يكون الجعل، أكثر من زمان الخيار الموجود، ليستفيد منه فيما بقي من الزمان، وأن يكون زمان التروي أكثر مما هو الموجود. نعم، لو علم بالخيار، واشترط الخيار موافقا في الزمان مع الموجود، فالظاهر مع عدم القرينة لفظا أو حالا، هو الجعل في الزمان الذي لا خيار له; للتبادر المذكور، ولكون جعله حينئذ في زمان الخيار الموجود كاللغو. مبدأ خيار الشرط مع الجهل بثبوت خيار المجلس أو الحيوان ثم إنه مع الجهل بالخيار، فالمبدأ من حين العقد، لكن إذا قلنا: بامتناع جمع الخيارين، وقلنا: بتقدم أدلة خيار المجلس والحيوان على أدلة خيار
317 الشرط كما هو الحق، فلا بد من تقطيع خيار الشرط إذا كان زمانه أطول، كما لو جعل الخيار عشرة أيام، فيحكم ببطلانه بالنسبة لزمان الخيار الموجود، وصحته في البقية; لأن المجعول أمر ممتد قابل للتقطيع والانحلال. وأما لو كان المجعول بمقدار الخيار الموجود، أو أقل منه، فيحكم ببطلان الشرط. وأما الحكم بصحته، وجعل مبدئه حين ارتفاع الخيار، فلا وجه له، بل هو حكم على المتعاقدين، على خلاف قصدهما في المبدأ والمنتهى. وما أفاد بعض الأعاظم إشكالا على الشيخ الأعظم (قدس سرهما): من مقايسة المقام ببيع ما يملك وما لا يملك، حيث صح فيما يملك (1) ففي غير محله; لأن في المثال المذكور يمكن أن يقال: إن البيع الإنشائي الذي هو تمام ماهية البيع، تحقق فيهما، ولكن لم يكن فيما لا يملك ممضى من الشرع ومورد الاعتبار عند العقلاء، ولا مانع من الانحلال بهذا الوجه. وما نحن فيه إنما يشبه البيع المذكور، لو قلنا: بتقطيع الخيار، وبالصحة فيما بقي من الزمان، وهو خلاف القول: بأن المبدأ من حين التفرق، فجعل المبدأ من حينه خلاف قصدهما، ولا ربط له ببيع ما يملك وما لا يملك. ثم إنه لو جعل مبدأ الخيار حين التفرق عن المجلس، وكان زمان التفرق مجهولا، فالظاهر بطلانه; للغرر والجهالة، خلافا لبعض المحشين، حيث قال: إن زمان الخيار معلوم، وهو مثلا ثلاثة أيام، ولا يلزم العلم بزمانه (2). وفيه: أن الخيار قد يجعل ثلاثة أيام في شهر معلوم، فالظاهر فيه
1 - راجع منية الطالب 2: 41 / السطر ما قبل الأخير. 2 - لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 21 / السطر 34. 318 الصحة; لأن الجهالة غير مربوطة بالجعل، وإنما هي في التطبيق، وهو متأخر عنه، وغير مربوط به. وقد يجعل ثلاثة أيام في شهر مجهول، كما لو قال: «لك الخيار ثلاثة أيام في شهر ما» فلا ينبغي الإشكال في بطلانه; لأن الجهالة في المجعول، وفي المقام أيضا تكون الجهالة في المبدأ المجعول، والقياس بخيار الحيوان والمجلس، في غير محله.
319 مسألة في صحة جعل الخيار لأجنبي يصح جعل الخيار لأجنبي، وحكي عليه الإجماع (1). وفي «الجواهر»: بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه (2)، بل الظاهر من «التذكرة» إجماع فقهاء المسلمين - ما عدا الشافعي في أحد قوليه (3) - عليه; لعموم دليل الشرط. وربما يستشكل فيه: بأن ذلك مخالف لماهية الخيار المعهودة عند الشرع والعرف، سواء كان الخيار هو حق التراد الاعتباري، أو حق فسخ العقد; فإن المعهود منه هو الرد في ملك الفاسخ بالفسخ، أو بالتراد، فيمكن أن يقال: إن هذا الشرط مخالف للشرع والعرف (4).
1 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 562 / السطر 16، رياض المسائل 1: 524 / السطر 24. 2 - جواهر الكلام 23: 34. 3 - أنظر تذكرة الفقهاء 1: 521 / السطر 7، بداية المجتهد 2: 211، المغني، ابن قدامة 4: 100، الشرح الكبير، ذيل المغني 4: 68. 4 - أنظر المكاسب: 229 / السطر 17، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 40 / السطر 17. 321 وفيه: أن الخيار هو حق متعلق بالعقد، ومع إعماله ينفسخ، ونتيجة الانفساخ رجوع كل عوض إلى صاحبه، فالرجوع إليه ليس دخيلا في ماهية الخيار، حتى يقال: إن جعله للأجنبي مخالف لهما. والعمدة هو الإشكال الآخر; وهو أن جعل الخيار له - نظير تمليك ملك له - لا بد فيه من قبوله، حتى يصير ذا الخيار، فإن حصول التملك له قهرا، خلاف سلطنته على نفسه مما هي عقلائية، بل وشرعية، بل التمليك في الأعيان وجعل الحق، من العقود المحتاجة إلى القبول، إلا أن يدل دليل على عدمه، كباب الإرث، والظاهر من الأصحاب ومعقد الإجماع، هو عدم الحاجة إليه. إلا أن يقال: إنه لم يظهر من كلمات الأصحاب إلا جواز جعله للأجنبي، من غير تعرض للاحتياج إلى القبول وعدمه. وبعبارة أخرى: إنهم بصدد بيان جواز أصل الجعل، ولا إطلاق لكلامهم بالنسبة إلى هذه الحيثية، لكنه بعيد. فالأولى أن يقال: إنه مع عدم قيام الإجماع إلا على أصل الجعل، فالظاهر اعتباره بحسب القواعد، ولو قام الإجماع على عدم الحاجة إلى القبول، نأخذ به; لجواز تخصيص القاعدة به. ويمكن أن يقال: إن جعل الخيار للأجنبي، ليس من قبيل التمليك ونظيره، حتى يحتاج إلى القبول، بل من قبيل جعل السلطنة في شئ لأحد، فجعل الخيار من الإيقاعات، لا من العقود، وفيه تأمل وإشكال. جعل الخيار للأجنبي نحو جعله لنفسه أو لصاحبه ثم إن الظاهر من كلماتهم، أن جعل الخيار للأجنبي، نحو جعله لنفسه أو لصاحبه; فإن قولهم: «يجوز جعل الخيار لهما، أو لأحدهما، أو لثالث ولهما، أو
322 لأحدهما مع الثالث» (1) وسائر التعبيرات القريبة منه، ظاهر جدا في جعل الخيار. فالقول: بالتحكيم (2) أو الوكالة (3)، مخالف لفتوى الفقهاء، بل لجعل العقلاء بحسب طبعهم وارتكازهم، بل لا معنى للوكالة في مثل المقام، الذي لم يثبت فيه الخيار للموكل، وكون الوكالة بمعنى أن الخيار للأجنبي بجعل المتعامل، عبارة أخرى عن جعل الخيار له، والتسامح في إطلاقها عليه. وإنما ارتكب المتأخرون ما ارتكبوا من التأويل; لأجل عدم توريث هذا الخيار، وعدم جواز نقله، ومن الواضح أن هذا لا يوجب صرف كلام الجاعل عما جعله، وكلمات الأصحاب إلى شئ بعيد عن الأذهان. مع أن لازم ما ذكروه، أنه لو صرح الجاعل بجعل الخيار للأجنبي - كجعله لنفسه; أي الخيار المعهود - لصار موروثا وقابلا للانتقال، فلو صح ذلك لا وجه لتأويل الكلمات، وحمل كلام الجاعل على ما يخالف ارتكازه وجعله. ولو قلنا: بأن جعل الخيار المعهود صحيح، ولكن لا يورث هذا الحق، ولا ينتقل إلى الغير، فنأخذ بظاهر الكلمات، ونحكم بثبوته له وإن كان لا يورث ولا ينتقل. وأما دعوى: بطلانه من جهة عدم قبوله للإرث والانتقال، فلا وجه لها; لأن انفكاك الحكمين عن بعض الحقوق، غير عزيز. وبالجملة: لا إشكال في ظهور معقد الإجماع في جواز جعل الخيار
1 - أنظر المبسوط 2: 86، الخلاف 3: 36، شرائع الإسلام 2: 16، تذكرة الفقهاء 1: 521 / السطر 20، قواعد الأحكام: 142 / السطر 23. 2 - راجع مفتاح الكرامة 4: 562 / السطر ما قبل الأخير، رياض المسائل 1: 524 / السطر 26، جواهر الكلام 23: 35، المكاسب: 229 / السطر 17. 3 - تحرير الأحكام: 166 / السطر 26. 323 المعهود له، ولا في أن جعل الخيار هاهنا كجعله لنفسه أو لصاحبه. فحينئذ إن قلنا: بأن هذا الخيار لا يورث ولا ينتقل، وإن صرح الجاعل بجعله للأجنبي، فلا وجه للتأويل، وإن لم يدل دليل على عدمهما، فلا مانع من إثباتهما، ولا إشكال فيه من نقل أو عقل. عدم إرث خيار الشرط والتحقيق أن يقال: إن هذا الخيار لا يورث; لانصراف أدلة الإرث عن مثله، فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه» (1) ينصرف عن حق لا أثر له بالنسبة إلى الورثة، وإنما أثره راجع إلى الأجنبي. بل يمكن أن يقال: بعدم صدق «ما تركه» عليه; فإنه لم يترك لورثته، ولم ينتفع الورثة منه بوجه، وأما الانتقال إلى الغير فليس لازما لكل حق، ومن المحتمل عدم قبوله النقل، ومقتضى الأصل عدم النقل. وعلى ذلك: ليس أثره التصالح بشئ، حتى يقال: إن هذا أثره، وأما إمكان أخذ الورثة شيئا أحيانا لإسقاطه، فهو ليس أثر الخيار. فالتحقيق: أنه لا يورث ولا ينتقل، وأنه لا إشكال من هذه الجهة في ثبوته للأجنبي، حتى نحتاج في دفعه إلى تأويل غير صحيح. عدم سقوط خيار الأجنبي بإسقاط الشارط ثم إن الظاهر عدم سقوط خيار الأجنبي بإسقاط الشارط، وإنما يسقط
1 - الكافي 1: 406 / 6، مفتاح الكرامة 4: 590 / السطر 5، رياض المسائل 1: 527 / 22، جواهر الكلام 23: 75، المكاسب: 290 / السطر 20، مسند أحمد 2: 453، و 4: 133، سنن ابن ماجة 2: 914 / 2738. 324 بإسقاط ذي الخيار، والشارط ليس بذي الخيار، بل لو قلنا: بالتحكيم أيضا، لم يكن للشارط حق إسقاطه. وأما ما يقال: من أن خيار الأجنبي حق للمشروط له; أي الشارط، فكما يجوز له إسقاط خيار نفسه، يجوز له إسقاط خيار الأجنبي (1). ففيه: أنه إن كان المراد من أن الخيار حق للمشروط له، أن له خيار الفسخ لا للأجنبي، فهو واضح الفساد. وإن كان المراد: أن له حقا في عرض حق الأجنبي فكذلك; لأن لازمه صحة فسخه، مع أن الخيار إنما هو مجعول للأجنبي، ولم يجعل لنفسه. وإن كان المراد: أن له حقا في طول حق الأجنبي، فتعلق حقه بحقه، ويكون حق الأجنبي موضوع حقه، فلازم إسقاطه سقوط حقه المتعلق بحق الأجنبي، لا سقوط خياره. مضافا إلى أنه لا دليل على ثبوت ذلك الحق الطولي. ولو قيل: إن للشارط الرجوع عن شرطه، وصرف النظر عنه، ومعه يسقط خيار الأجنبي. يقال: إنه ممنوع; فإن الرجوع عن الشرط ورفع اليد عنه لو سلم، إنما هو فيما لا يكون الحق للغير، وأما بعد جعله له، فلا وجه لتأثير رجوعه عن الشرط. عدم لزوم مراعاة مصلحة الشارط ثم إن الظاهر عدم لزوم مراعاة مصلحة الشارط، سواء كان المجعول خيارا
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 25 / السطر 29. 325 أو تحكيما; لعدم الدليل عليه، وكون ذلك غرضا للعقلاء نوعا، لا يوجب الاشتراط الضمني وتعلق الجعل به، كما في سائر الأغراض العقلائية في المعاملات، ولم يجعله أمينا أو وكيلا، حتى يجب عليه مراعاتها. حكم جعل الخيار لمتعدد ولو جعل الخيار لمتعدد، فإن كان المجعول خيارا واحدا لمجموع الأشخاص، فلا إشكال في عدم نفوذ الفسخ والإمضاء إلا مع اجتماعهم عليه، فلو مات أحدهم قبلهما، لم يقم وارثه مقامه حتى على القول: بالتوريث في مثله; لأن الخيار لم يثبت له، لا كلا وهو واضح، ولا بعضا; لعدم التبعيض فيه، فلا يكون له جزء من الخيار. وكذا لو مات الجميع، فلا يقوم ورثتهم مقامهم; لأن المجموع بما هو، ليس له وارث، والمفروض ثبوته له بما هو واحد اعتباري. ولو جعل الخيار لكل واحد منهم مستقلا، فلكل حق الفسخ، فلو فسخ واحد منهم انفسخ. وأما لو أمضى، فإن قلنا في ماهية الخيار: بأنها ملك فسخ العقد وإبرامه، فالظاهر لزومه بإمضاء واحد منهم وإبرامه، فلا يبقى مجال لفسخ الآخر، ولو تقارن الفسخ والإبرام، لم يؤثر شئ منهما، وبقي خيارهما. وإن قلنا: بأنها عبارة عن ملك فسخه، وإنما الإمضاء والإبرام يوجب سقوط الخيار، فمع ثبوته للمتعدد، لا يترتب على الإنفاذ والإمضاء إلا سقوط خياره خاصة; لعدم سلطنته على خيار غيره، فلو أمضى أحدهما وفسخ الآخر بعده ينفسخ، ولو تقارنا يقدم الفسخ.
326 مسألة في جواز اشتراط المشاورة مع الغير يجوز لهما أو لأحدهما اشتراط المؤامرة، كما في بعض المتون (1)، والاستئمار كما في بعض (2). والمراد منهما المشاورة والاستشارة ممن يعينه الشارط، وليس المراد - على ما يظهر من الفقهاء - طلب الأمر والبعث إلى الرد والفسخ، حتى يستشكل: بامتناع البعث جدا إلى ما لا تحصل القدرة عليه إلا به، بل يلزم الدور; إذ معلوم أن الأمر من المشاور إرشاد إلى ما هو صلاح، لا أمر نظير الأمر المولوي، الذي لا يعقل توجهه إلى غير القادر. فما في بعض التعليقات من الإشكال والجواب (3) بما لا يغني من الحق شيئا، ناشئ من عدم التوجه إلى مرامهم.
1 - شرائع الإسلام 2: 16، إرشاد الأذهان 1: 374، قواعد الأحكام: 142 / السطر الأخير. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 521 / السطر 23، المكاسب: 229 / السطر 21. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 40 / السطر 24. 327 حكم اشتراط المشاورة بعد ثبوت الخيار ثم إن الشرط قد يكون بعد فرض ثبوت الخيار، إما بجعل الشارع، كخيار المجلس، أو الحيوان، فيشترط البائع على المشتري أن لا يرد إلا بأمر ممن عينه، أو بجعل منهما له الخيار، فيجعل له الخيار، ويشترط عليه ذلك. فاشتراط المؤامرة، يرجع إلى الاشتراط في الأخذ بالخيار، فلو فسخ قبل الاستثمار والأمر، فالنفوذ وعدمه مبنيان على استفادة الحكم الوضعي من اشتراط عدم الرد إلا بأمر المستأمر وعدمه. ولا يبعد أن يكون مراد الأصحاب قديما من اشتراط المؤامرة، هو هذا القسم: قال في «الخلاف»: لو باعه بشرط أن يستأمر فلانا، فليس له الرد حتى يستأمره، وللشافعي فيه وجهان... إلى أن قال: والثاني له الرد من غير استئمار (1). وعن العلامة (قدس سره) في «التحرير»: أن له الفسخ قبل الاستئمار (2). ومن المعلوم: أنه لا مجال للرد قبل الاستئمار، إذا كان الخيار موقوفا عليه، فالظاهر من ذلك، أن شرط الاستئمار بعد الفراغ عن الخيار، وإنما يرجع الخلاف إلى أن الاشتراط يوجب سلب تنفيذ الرد أولا، وهو خلاف معقول. بل الظاهر من جواز اشتراط المؤامرة كما في المتون، ومن كلام الشيخ (قدس سره) في «المبسوط» - إذا قال: بعتك هذه السلعة على أن استأمر فلانا في الرد، كان
1 - الخلاف 3: 37، أنظر المغني، ابن قدامة 4: 102، الشرح الكبير، ذيل المغني 4: 68. 2 - تحرير الأحكام 1: 166 / السطر 28، أنظر جواهر الكلام 23: 35. 328 على ما شرط، وليس له الرد حتى يستأمر; لأنه شرط على أن يكون له الرد (1) - هو هذا الفرض; لأن اشتراط الخيار بعد الأمر ومعلقا عليه، غير اشتراط المؤامرة في الرد. مضافا إلى أن الشرط من البائع على المشتري، واشتراطه ثبوت الخيار له، خلاف المعهود من الشروط. وعلى هذا الفرض، لا إشكال في صحة الشرط; لإطلاق الأدلة. ولا يرد عليه نظير الإشكال الآتي في الفرض الآخر; وهو رجوع شرط المؤامرة إلى اشتراط الخيار، على فرض أمر المستأمر بالرد; بأن يشترط أن له الخيار بعد أمر المستأمر، فإنه قد يستشكل فيه: بأنه تعليق في جعل الخيار (2). ويمكن أن يجاب عنه: بأن التعليق ليس أمرا باطلا عقلا، بل البطلان لأجل دعوى الإجماع (3)، فعلى فرض كون المراد من «الاستئمار» هذا الفرض، فلا إجماع على البطلان، بل ادعي على الصحة، وعلى فرض احتمال ذلك، لا يصح الاعتماد على الإجماع، بل أدلة الشروط محكمة. نعم، لو أحرز أن مرادهم هو الفرض الأول، يشكل الحكم بالصحة في هذا الفرض; لأجل دعوى الإجماع على اعتبار التنجيز، ولأنه غرر. وقد اعتبر جمع من الأصحاب تعيين المدة; دفعا للغرر (4)، لكن لا يدفع به;
1 - المبسوط 2: 86. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 26 / السطر 6. 3 - مسالك الأفهام 5: 357، تمهيد القواعد: 533، المكاسب: 99 / السطر 9. 4 - تحرير الأحكام: 166 / السطر 28، مسالك الأفهام 3: 202، مجمع الفائدة والبرهان 8: 401، كفاية الأحكام: 98 / السطر 38، مفتاح الكرامة 4: 563 / السطر 25، رياض المسائل 1: 524 / السطر 31. 329 فإن الخيار - على الفرض - مجعول على فرض أمر المستأمر، وهو مجهول التحقق والزمان. وليس هذا الجهل خارجا عن الجعل، كالجهل بالعمل بالشرط، إذا جعل الخيار ثلاثة أيام مثلا; فإنه لا جهالة فيه، وإنما هي في أمر خارج، وفي المقام يكون المجعول معلقا على أمر مجهول، كما لو جعل الخيار عند قدوم الحاج، والاستشكال في شمول النهي عن الغرر لمثله (1)، قد تقدم الجواب عنه، فما لم يحرز كون هذا الفرض مراد الأصحاب، يبقى على الإشكال من حيث التعليق والغرر. وأما الصورة الأولى، فتصح على القواعد; لأن الغرر ليس في المجعول، فإن شرط الاستئمار من زيد مثلا في ظرف الخيار، لا غرر فيه. ثم إنه على الصورة الثانية، لو أمر بالفسخ يثبت له الخيار، لكن لا يجب عليه الفسخ; لعدم اشتراطه حتى يجب بدليله، ولو أمر بالإنفاذ لم يترتب عليه أثر; لأن المفروض أن العقد لازم لا خيار فيه. وعلى الصورة الأولى، يجب عليه العمل بقوله، ولو تخلف كان للشارط خيار التخلف، هذا على القول بنفوذ عمله مع مخالفة الشرط.
1 - تقدم في الصفحة 309. 330 مسألة: في بيع الخيار من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه، ويقال له: «بيع الخيار» وهو جائز - إجمالا - بالأدلة العامة (1) والخاصة (2)، بل عن «التذكرة» وغيرها (3) الإجماع عليه. ويتم الكلام فيه في ضمن أمور: الأمر الأول: في أنحاء ما يتصور من هذا الشرط وأن أيا منها موافق للقواعد العامة: النحو الأول من بيع الخيار منها: أن يؤخذ الرد قيدا للخيار; بمعنى أن يشترط الخيار المتقيد برد الثمن، من غير تعليق، ولا توقيت، بل بنحو التضييق جعلا، فيكون له الخيار
1 - وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1 و 2 و 5. 2 - يأتي في الصفحة 336. 3 - الخلاف 3: 19، جواهر الفقه: 54، تذكرة الفقهاء 1: 521 / السطر 39، جامع المقاصد 4: 293، مسالك الأفهام 3: 202، أنظر المكاسب: 229 / السطر 30. 331 المتقيد المتضيق في جميع الوقت المضروب، نظير جعل الخيار تحت السقف ثلاثة أيام، لا بمعنى تعليقه بذلك، حتى لا يثبت إلا تحته، بل بمعنى تقييده بذلك. وهذا لا إشكال في صحته; لعدم التعليق فيه، وعدم الجهالة في الجعل والمجعول، والجهل بوقت الأداء، خارج عن محط الجعل، نظير الجهل بإعمال خيار الشرط إذا جعل ثلاثة أيام. النحو الثاني ومنها: أن يعلق الخيار على رد الثمن في الوقت المضروب، ويرجع إلى ذلك - بحسب اللب - ما إذا جعل الخيار في وقت الرد وظرفه، فلا يثبت إلا بعد تحقق المعلق عليه أو الوقت المأخوذ. وفي هذين الفرضين لا يكون الخيار متقيدا; لعدم كون المعلق عليه قيدا، فيكون الخيار بلا قيد ثابتا، فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) غير مرضي. ولعله مبني على ما ذهب إليه: من رجوع القيود في الواجب المشروط إلى المادة (2). وفي هذا الفرض إشكال، لا من حيث التعليق، فإنه سهل; لعدم الدليل على بطلانه شرعا، وعدم كونه ممتنعا عقلا، بل من جهة الغرر والجهالة إن قلنا: بجريانه في الشروط، ولا سيما ما هو في ضمن البيع ومن متعلقاته; لشمول النهي عن بيع الغرر له.
1 - المكاسب: 230 / السطر 6. 2 - مطارح الأنظار: 52 / السطر 33. 332 وما قيل: من أنه تندفع الجهالة بتعيين المدة، كما هو المتعارف من تحديده بالرد في رأس السنة إلى يوم، أو يومين، أو أزيد (1). ففيه ما لا يخفى; لأنه إن أراد بذلك، أن الخيار معلق على الرد في رأس السنة مع اختلاف يسير، فهو خارج عن محط البحث; لأن المفروض جعله معلقا على رد الثمن، في أي وقت من الوقت المضروب، والعمل الخارجي - وهو الرد غالبا في أواخر الوقت - غير مربوط بالتحديد والتوقيت. ولهذا لو رده بعد مضي نصف السنة أو أقل أو أكثر، كان له الخيار بحسب الفرض، مع أن الجهالة بيوم أو يومين أو أكثر، مضرة ولو تسامح فيها العرف; لعدم خروجه بذلك عن الغرر، إلا أن يدعى الانصراف فيما يتسامح فيه، وهو ممنوع. وإن أراد: أن التحديد بالسنة، موجب للخروج عن الغرر، ففيه منع; لأن المجعول الخيار المعلق على أمر مجهول في ظرف سنة أو أكثر. وهذا نظير جعل الخيار عند قدوم الحاج في خلال السنة، فإن العلم بمدة الوقت المضروب، إنما يرفع الغرر بالنسبة إليه، لا بالنسبة إلى ما علق عليه، وهو واضح. فهذا الفرض باطل بحسب القواعد، سواء كان معلقا، أو موقتا، لو كان المراد ب «التوقيت» جعل الخيار في ظرف رد الثمن إلى سنة. نعم، لو كان المراد منه التوقيت برأس السنة، فقال: «لك الخيار مع الرد في رأسها» لا إشكال فيه; لعدم الجهالة، كما لا إشكال في التعليق كذلك.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 41 / السطر 25. 333 النحو الثالث ومنها: أن يؤخذ قيدا للفسخ لا للخيار، وهذا إن رجع إلى أن لا فسخ له إلا برد الثمن، فهو باطل; لأن الخيار حق الفسخ، فجعله مطلقا مع التقييد بما ذكر متنافيان. وإن رجع إلى شرط ترك الإعمال مضافا إلى شرط الخيار، فلا مانع منه، لكن لو تخلف وفسخ قبل رده، كان نفوذه وعدمه مبنيين على استفادة الوضع من الشرط المذكور وعدمه، وهو محل الكلام. النحو الرابع ومنها: أن يشترط على المشتري، أن يكون رد الثمن فسخا فعليا، وهو على وجهين: أحدهما: اشتراط إيقاع الفسخ وإنشائه بالرد، نظير المعاطاة في البيع، وهذا لا مانع منه، لكن لا بد من قصد الفسخ بالرد. ثانيهما: اشتراط وقوعه بالرد; بمعنى صيرورة الرد بواسطة الشرط سببا للفسخ ولو لم يقصده حين الرد، وصحة هذا مبنية على أن دليل الشرط، كاف في إثبات سببية ما لا يكون سببا شرعا وعرفا، وفيه إشكال. النحو الخامس ومنها: أن يشترط عليه انفساخ العقد حال رد الثمن، فيكون من قبيل شرط النتيجة.
334 والإشكال فيه: بعدم نفوذ شرط النتيجة، قد مر دفعه سابقا (1). كما أن الإشكال: بأنه يرد عليه أحد المحذورين، وهو إما انفساخ العقد بلا سبب، وإما اقتضاء الشئ عدم نفسه (2)، ساقط; لأن السبب فيه هو الشرط، كما في سائر شروط النتيجة، وليس للانفساخ سبب خاص كالطلاق، حتى لا يقوم الشرط مقامه، ولأن العقد لا يقتضي عدم نفسه، بل الشرط يقتضي انفساخه بعد تحققه، ولا محذور فيه، فاندفع بما ذكر إشكال الشيخ الأعظم (قدس سره) (3). وأما ما قيل: من أنه أي فرق بين البيع وحله؟! فكما لا يوجب الشرط تحقق عنوان «البيع» كذلك لا يوجب تحقق عنوان «الانفساخ والحل» (4). ففيه: أن تحقق عنوان «البيع» بالاشتراط أيضا لا مانع منه; فإن ماهية البيع، عبارة عن مبادلة مال بمال، وألفاظ العقود والأسباب الفعلية، أسباب لتحققها، لا أنها دخيلة في أصل الماهية. وعليه فيمكن اشتراط التبادل بين ماله ومال المشروط له في ضمن عقد، فإذا قبل المشروط عليه تحقق التبادل، ويصدق عليه عنوان «البيع» ويكون سببه الشرط، والتعاقد حصل بالشرط وقبوله. مع أن القياس مع الفارق; فإن الانفساخ كسقوط الخيار، لا كالتعاقد. النحو السادس ومنها: اشتراط الإقالة، أو اشتراط البيع الجديد، أو اشتراط نقل المبيع إليه.
1 - تقدم في الصفحة 155. 2 - منية الطالب 2: 44 / السطر 15. 3 - المكاسب: 230 / السطر 16. 4 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 41 / السطر 35. 335 ولا يخفى: أن الصور المذكورة، منها ما هي مربوطة ببيع الخيار، ومنها غير مربوطة به، بل ذكرت استطرادا. ثم إن إشكال الجهالة والغرر، يأتي في أكثر الصور، فما فيها الغرر بالوجه الذي مر بيانه (1)، تبطل على القواعد، ولا بد في صحتها من التماس دليل; من إجماع، أو أخبار خاصة. الأمر الثاني: فيما يستفاد من الأخبار الخاصة فمنها: موثقة إسحاق بن عمار (2) قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل وأنا عنده، فقال له: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فمشى إلى أخيه، فقال له: أبيعك داري هذه وتكون لك أحب إلي من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي. فقال: «لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه» (3). وفيها احتمالات: منها: أن يكون المراد برد المبيع عند رد الثمن، ثبوت خيار الفسخ له إذا
1 - تقدم في الصفحة 332 - 333. 2 - رواها الكليني، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار. والرواية موثقة على ما نسبه الشيخ الطوسي إليه من مذهب الفطحية. لكن تقدم في الصفحة 156، ويأتي في الصفحة 378 ما يظهر من المصنف (قدس سره) أن النسبة غير تامة حيث عبر ب «صحيحة» أو «مصححة» إسحاق بن عمار. أنظر رجا ل النجاشي: 71 / 169، الفهرست: 15 / 52. 3 - الكافي 5: 171 / 10، الفقيه 3: 128 / 559، تهذيب الأحكام 7: 23 / 96، وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1. 336 جاء بالثمن، ويكون رده فسخا فعليا للعقد، ولازمه وجوب رد المبيع، فيكون الكلام في الحقيقة جار مجرى العادات من قولهم: «بعتك على شرط إن رددت ثمنك رددت داري» أي كان لي الخيار. وهذا بعيد عن لفظ الرواية، وإن كان قريبا إلى فهم العرف في أمثال المقام. ومنها: أن يكون المراد اشتراط الفسخ على المشتري، إذا جاء البائع بالثمن، فمراده من رد المبيع عند المجيء بالثمن، الرد الاعتباري الحاصل بالرد الخارجي، فيجب عليه الفسخ، وإن لم يفعل كان للبائع خيار التخلف، وهذا أقرب إلى لفظها. ومنها: اشتراط الانفساخ. ومنها: اشتراط الإقالة. ومنها: اشتراط التمليك الجديد... إلى غير ذلك. وكيف كان: فيظهر منها أن الجهالة في الشرط بهذا النحو، غير مضرة; إذ لا يبعد إلغاء الخصوصية، على أي فرض كان المقصود من تلك الفروض المحتملة، والتعدي إلى سائر المحتملات. وأما إثبات الحكم للمحتملات; بترك الاستفصال، فغير مرضي; لأن ذلك إنما هو فيما لو أحرزنا تساوي الاحتمالات عند الإمام (عليه السلام)، وأما لو احتمل أن أحد الاحتمالات كان ظاهرا عنده في أنه مراد للسائل والمجيب، فلا يصح التمسك بترك الاستفصال، كما هو واضح. ويقرب من تلك الموثقة صحيحة سعيد بن يسار (1) وفيها الاحتمالات المتقدمة أيضا. ومنها: رواية معاوية بن ميسرة قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا
1 - الكافي 5: 172 / 14، الفقيه 3: 128 / 558، تهذيب الأحكام 7: 22 / 95، وسائل الشيعة 18: 18، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 7، الحديث 1. 337 عبد الله (عليه السلام) عن رجل، باع دارا له من رجل، وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله. قال: «له شرطه...» (1) إلى آخرها. والظاهر من لفظها شرط النتيجة، لكن يبعده عدم تعارفه، ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن ثبوت الخيار له. ومنها: رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سئل عن رجل باع داره، على شرط أنه إن جاء بثمنها إلى سنة أن يرد عليه. قال: «لا بأس بهذا، وهو على شرطه» (2). وهي ظاهرة في شرط البائع على المشتري، ولعلها أظهر في شرط الخيار. وكيف كان: تدل هذه الروايات على صحة الشرط مع الجهالة في المجعول وزمان الخيار، أو زمان لزوم الرد، أو الفسخ، أو الانفساخ. الأمر الثالث: حول الثمن المشروط رده حكم ما إذا كان الثمن عينا معينة الثمن المشروط رده، إما شخصي، أو كلي في الذمة. فعلى الأول: إن لم يقبضه فهل له الخيار أم لا؟
1 - تهذيب الأحكام 7: 176 / 780، وسائل الشيعة 18: 20، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 3. 2 - دعائم الإسلام 2: 44 / 107، مستدرك الوسائل 13: 301، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1. 338 اختار المحققون الأول (1)، وإن اختلف طريق استدلالهم عليه. قال الشيخ الأعظم (قدس سره): فإن لم يقبضه فله الخيار وإن لم يتحقق رد الثمن; لأنه شرط على تقدير قبضه (2). وفيه نظر واضح; فإن الشرط إذا كان هو الرد على تقدير القبض، يكون الخيار مشروطا به، فمع عدم تحققه ولو بعدم تحقق القبض، لا يتحقق الخيار، والمفروض أنه ليس هنا شرطان. وقال السيد الطباطبائي (قدس سره) وتبعه غيره ما حاصله: أن الرد طريق إلى حصول الثمن عند المشتري، ولا موضوعية لعنوان «الرد» فمع حصوله ولو بعدم قبضه يتحقق الشرط، فله الخيار (3). وفيه: أن الشرط على أقسام كما تقدم (4)، فمنها ما لا يعقل أن يكون الرد فيه طريقا إليه، كشرط فسخ العقد بالرد، وشرط تملك المثمن بتمليك الثمن بالرد. ومنها: ما لا معنى للطريقية فيه، كشرط الانفساخ، فإن لازمه - على الطريقية - أن يكون العقد بمجرد وجوده منفسخا; ضرورة أن الثمن حاصل عنده، والشرط محقق، وكشرط الخيار معلقا على الرد أو موقتا، فإن لازمه لغوية الاشتراط، فإن المعلق عليه حاصل. فهذا الشرط إما باطل للغويته، أو ملغى، ويرجع إلى شرط الخيار في سنة
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 26 / السطر 35، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 23 / السطر 9، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 42 / السطر 7. 2 - المكاسب: 230 / السطر 18. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 26 / السطر 35. 4 - تقدم في الصفحة 331. 339 مثلا بلا تعليق وتوقيت; ضرورة أن المفروض، هو ثبوت الخيار بوجود المعلق عليه في أي وقت; من أول العقد إلى آخر الوقت المضروب، والفرض أنه حاصل من أول الأمر، فلا معنى لتعليقه عليه. مضافا إلى أن الطريقية بقول مطلق في مثله، محل إشكال. وليس المقام نظير الأداء في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1) ضرورة أن لا خصوصية هناك للأداء، بل الغاية هي وصول مال الغير إليه بأي نحو كان. بل المقام بوجه، نظير أداء الدين بمال معين; فإن وصوله إلى الدائن بأي وجه، لا يكون أداء، بل لا بد من إعطاء المالك إياه لأدائه حتى يقع. وفي المقام أيضا، لا يصير الثمن ملكا للمشتري، ولا يتحقق الخيار بالرغم من البائع الشارط، ولو بغصب الثمن منه، أو بترك أدائه إليه مع المطالبة مثلا، بل لا بد في تحقق الخيار من أن يتحقق الشرط باختيار منه، إما برده إذا كان عنده، أو بإذنه في التصرف فيه والتسلط عليه، والطريقية بهذا النحو لا مضايقة فيها، ولا يرد عليها الإشكال في غالب الصور. أقسام ما يشترط رده في بيع الخيار ثم إن الشرط إما شرط رد العين المقبوضة، أو شرط رد بدلها على فرض عدمها، أو شرط رد البدل مع وجود العين، أو شرط الرد مطلقا بلا تعيين.
1 - عوالي اللآلي 1: 224 / 106، مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12، مسند أحمد 5: 8، سنن ابن ماجة 2: 802 / 2400، السنن الكبرى، البيهقي 6: 95. 340 والكل صحيح إلا ما قبل الأخير، فإن هذا الشرط مخالف لمقتضى الحل، فلو رجع الشرط إلى أن ينحل العقد، ويرجع البدل عوض الثمن، فهو أمر غير معقول. وإن رجع إلى شرط التبادل بعد الحل، فهو مشكل ثبوتا، وباطل إثباتا. أما الأول: فلأن انحلال شرط الخيار - على تقدير رد البدل - إلى شرط الخيار برد البدل، وإلى التبادل بعد الفسخ وانحلال العقد باطل; ضرورة أن هذا الشرط لا ينحل عرفا ولا عقلا إلى الشرطين المذكورين، أحدهما: حال العقد، وثانيهما: بعد العمل الخارجي والانحلال. بل في إمكان هذا الانحلال تأمل وإشكال، والتصحيح بدليل الاقتضاء - كما زعمه بعض أهل التحقيق (1) - لا وجه له. وأما الثاني: فلأن تحقق النتيجة بالشرط، لا يعقل أن يكون بعد بطلان الشرط، والفرض أن التبادل إنما هو بعد حل العقد الذي بحله يبطل الشرط، فظرف التبادل ظرف حل الشرط بحل العقد، فلا شرط حتى يتحقق به التبادل بنحو شرط النتيجة، والشرط المتقدم لا أثر له بالنسبة إلى حال عدمه. تصحيح المحقق النائيني شرط رد البدل مع وجود العين وقد يقال في مقام تصحيحه: إن الرد إن كان فسخا فعليا، يكون الشرط فاسدا. إلا أن يقال: مرجع هذا الشرط إلى إسقاط الخصوصية، ففي مورد خيار الشرط، يمكن شرط رد مثل الثمن في العقد; لأن الشرط ينحل إلى شرطين;
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 42 / السطر 16. 341 شرط تحقق الخيار، وشرط مالكية كل منهما لما في يده من مالك الآخر. وليس هذا مخالفا للكتاب، بل مخالف لإطلاق الفسخ; فإن إطلاقه يقتضي رد العين ما دامت موجودة، وبالشرط يقيد الإطلاق، فيجعلها في حكم التلف. وأما لو كان الرد مقدمة للفسخ فلا محذور فيه; لأن الفسخ لا يتحقق به، وإنما يصير المردود في يد المشتري بمنزلة المقبوض بالسوم، فإذا فسخ البائع ينتقل الثمن الموجود إلى المشتري، والمردود باق في ملك البائع، فلهما أن يتراضيا على أن يكون كل منهما بدلا عن الآخر، ويصير الشرط سببا لوجوب ذلك. لكن هذا يصح بناء على أن المستفاد من ضمان اليد، أن ما أخذ يضمن بماليته، ونوعيته، وشخصيته، فلصاحب المال إسقاط كل واحد من هذه الخصوصيات، فيصح ذلك بالشرط (1) انتهى ملخصا. وفيه ما لا يخفى، أما فيما إذا كان الرد فسخا فعليا; فلأنه إن كان المراد من «شرط مالكية كل منهما لما في يده من مالك الآخر» أن الشرط تمليك البدل بالعين قبل تحقق الرد، فهو واضح الإشكال; فإن الرد حينئذ لا يمكن أن يكون فسخا للعقد، بل هو رد مال الغير إلى صاحبه. وإن كان المراد: اشتراط كون العائد بالرد بدل الثمن لا عينه، فهو شرط مخالف للعقل، ولمقتضى ماهية الفسخ. والقول: بأنه ليس مخالفا للكتاب صحيح; لأن الكتاب لا يتعرض لذلك، لكن القول: بأنه مخالف لإطلاق الفسخ غير ظاهر، بل الظاهر مخالفته لماهية الفسخ; فإن الفسخ بماهيته يقتضي عود الثمن، فالشرط مخالف لمقتضى ذات الفسخ.
1 - منية الطالب 2: 45 / السطر 24. 342 ولو كان الشرط صالحا لجعل العين بمنزلة التالف، لما احتاج إلى التكلف، بل يصح شرط رد البدل ابتداء، لكن من الواضح أن الشرط لا يصلح لذلك; لأن ما هو مخالف لماهية الفسخ، باطل عقلا. بل مع تلف العين، لا يكون الفسخ موجبا لرد البدل ابتداء; فإنه مخالف لماهيته، بل موجب لرد العين اعتبارا، فيجب عليه ردها، ومع عدمها يكون المثل أو القيمة بدلا في مقام الرد، نظير باب الضمان إذا قلنا: بأن نفس العين مضمونة مطلقا، فتأمل. وإن كان المراد: وقوع التملك بالشرط بعد حل العقد، فهو مخالف لما تقدم منه; من كون الرد فسخا فعليا، مع ورود الإشكال المتقدم عليه; وهو تأثير الشرط بعد حله بحل العقد. وأما فيما إذا كان الرد مقدمة للفسخ; فلأنه يرد عليه: - مضافا إلى ما تقدم في محله تفصيلا; من الإشكال في كون مقتضى اليد ما ذكر (1)، ومضافا إلى أن التصحيح لا يتوقف على ما ذكر في ضمان اليد، بل لولا الإشكال الذي ذكرناه، يصح التبادل بنحو شرط النتيجة، سواء قلنا: بالضمان أم لا، أو قلنا: بالضمان على مسلك المشهور، أم لا - ما أوردناه على غيره; من أن الشرط لا يؤثر بعد انحلاله، وقبله لا موضوع للتبادل (2)، هذا كله إذا كان الثمن عينا معينة. حكم ما إذا كان الثمن كليا في ذمة البائع أو المشتري وأما إذا كان كليا في ذمة البائع، فشرط رد الثمن يرجع إلى شرط رد البدل
1 - تقدم في الجزء الأول: 382 وما بعدها. 2 - تقدم في الصفحة 341. 343 لسقوط الدين عن ذمته بوقوع العقد، وحينئذ فهل يوجب الفسخ عود الاشتغال الأول، ويكون من قبيل إعادة المعدوم عرفا وفي عالم الاعتبار، أو حصول اشتغال جديد؟ فيه كلام، ولا يبعد موافقة العرف للأول، ولا إشكال فيه. ولو كان كليا في ذمة المشتري، فمع عدم القبض يكون الكلام فيه ما مر. وأما معه بتسليم المصداق، فهل مقتضى الفسخ رجوع هذا المصداق; لكونه الطبيعي الواقع عليه البيع، ويكون نفس الطبيعي المنطبق عليه طرف الإضافة، فلا يجوز تبديل المصداق؟ أو رجوع الطبيعي القابل للصدق على كثيرين، فله إرجاع مصداق آخر؟ والأقرب إلى النظر: أن ما هو طرف الإضافة، هو الطبيعي القابل للصدق، والموجود في الخارج وإن كان نفس الطبيعي، لكن لا بما أنه قابل للصدق، فلا يكون طرفا للإضافة، بل بنظر العرف يكون الموجود مصداق الطبيعي، لا نفسه، ولا يكون المصداق طرف الإضافة. الأمر الرابع: في عدم انفساخ البيع بمجرد رد الثمن نسب المحقق صاحب «المقابس» إلى ظاهر الأصحاب، أن رد الثمن بمجرده ليس قاطعا للبيع. قال: فإن بيع الشرط عندهم، ما اشترط فيه الخيار بعد رد الثمن، فيتعقبه الخيار بعد الرد، ولا ينفسخ البيع معه إلا بالفسخ، والاكتفاء بالرد - لكونه فسخا بنفسه - مردود; لعدم دلالته عليه قطعا وإن كان مما يؤذن بإرادته; فإن الإرادة غير المراد (1) انتهى.
1 - مقابس الأنوار: 248 / السطر 33. 344 ومراده من عدم الدلالة هو عدمها في الفرض المذكور، ومن الواضح أنه لا يدل على الفسخ قطعا، ولو أراد الفسخ به لا يقع ولا ينفسخ بحسب الواقع، وهذا مراده من «أن إرادته غير المراد» وهو كلام متين. كلام المحقق الأصفهاني والجواب عنه وقد تصدى بعض أهل التحقيق (قدس سره) في تعليقته لتصحيح وقوع الفسخ به في الفرض. قال: والتحقيق إمكان الفسخ; بتقريب أن الرد شرط مقارن لحق الخيار، وهو مقارن لأثره; وهي السلطنة على الفسخ، فاتحاد السبب المقارن لحق الفسخ ولأثره، لا مانع من تأثيره، فالرد شرط لحق الخيار، وسبب للفسخ... إلى أن قال: والتقدم والتأخر الذاتيان لا ينافيان المعية في الوجود. نعم، الفسخ بالبيع وبالعتق فيه محذور; من حيث أن مقتضى الفسخ، صيرورة العين ملكا للفاسخ مقارنا لفسخه، ومقتضى البيع صيرورتها ملكا للمشتري، واجتماع ملكين بالاستقلال، على عين واحدة، في زمان واحد، غير معقول. كما أن مقتضى العتق زوال الملك، فاجتماع الملك بالفسخ وزوال الملك بالعتق، من اجتماع النقيضين. ومثل هذا المحذور غير موجود هنا; فإن الرد الذي يتحقق به الفسخ، ليس سببا مقارنا لسقوط الخيار، حتى يلزم ثبوته وسقوطه في زمان واحد (1)، انتهى. وفيه مواقع للنظر: منها: أن الشرطية والسببية إن كانتا عقليتين كما هو ظاهر كلامه، فلازم
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 42 / السطر 39. 345 كون الرد سببا للفسخ أنه سبب تام له، ولازم كونه شرطا للخيار، أن الخيار يوجد في الرتبة المتأخرة عن شرطه. ومن الواضح: أن سببيته للفسخ في الرتبة المتأخرة عن تأثير الشرط، ولا يعقل أن تكون في عرضه، ولازم ذلك تأخر المعلول أي الفسخ، عن علته - وهي الرد - برتبتين، وهو غير معقول; لأن لازم المعلولية والعلية تأخرها عنها برتبة. ولو كان تأخر الفسخ عن الخيار آنيا، فهو أفحش، لكنه مخالف للفرض. وبالجملة: لا إشكال في تأخر الفسخ عن الخيار، والتأخر إما زماني، أو في الرتبة، وفي كليهما محذور. ولو قيل: إن الرد شرط للخيار، والرد المشروط به سبب للفسخ. ففيه: - مع كونه خلاف الفرض; لأن المفروض أن الرد بنفسه سبب - أن المشروط بما هو كذلك، موقوف على وجود الشرط خارجا، فبعد تحقق الخيار، يتحقق الرد المشروط، ولازم ذلك أن الرد بوجوده البقائي مؤثر، مع أنه لا بقاء له أولا، ولا تأثير للوجود البقائي ثانيا. ولو كانت الشرطية والسببية عقلائية - بمعنى أن الرد موضوع لحكم العقلاء بالخيار، وموضوع لحكمهم بالفسخ - فلازمه أن الرد إذا وجد، كان موضوعا لحكمهم بالخيار فقط، دون الفسخ، وبعد ثبوت الخيار يصير موضوعا للفسخ، وهو باطل; لأن لازمه الحكم على الوجود البقائي، ولا بقاء له، كما لا تأثير له بحكم العقلاء. ومنها: أن ما أفاده من عدم المحذور في المقام، يرد عليه: أن المحذور فيه كالمحذور في الفسخ بالعتق; فإن ثبوت الخيار مقارنا للفسخ والانفساخ، مستلزم لاجتماع المتنافيين; فإن ثبوت الخيار فرع ثبوت البيع، ففي زمان واحد
346 يكون البيع موجودا ومنفسخا. وأيضا: في حال ثبوت الخيار، يكون المبيع ملكا للطرف، وفي حال الفسخ لا يكون ملكا له، فاللازم منه أن يكون شئ واحد، في حال واحد، ملكا لشخص، ولا يكون ملكا له، وهو من اجتماع النقيضين. ومنها: أن المحذور الذي أفاده في الفسخ بالبيع، غير لازم; فإن الفسخ إنما يقع بإيجاب البائع الذي هو فعله، ولا دخل لقبول المشتري في ذلك، فبالإيجاب ينتقل الملك إلى الفاسخ، وبعد ضم القبول ينتقل إلى المشتري، فلا يجتمع المالكان على ملك واحد. بل يمكن تقريب عدم المحذور في العتق أيضا; بأن يقال: إن العتق ليس سببا نظير الأسباب التكوينية، بل إنشاء العتق موضوع لحكم العقلاء بالتحرير، فيمكن أن يكون الإنشاء سببا للفسخ، وموضوعا لحكم العقلاء بالتحرير، فلا يلزم التناقض، فتأمل فإن فيه إشكالا. فتحصل مما ذكرناه: صحة ما نسب إلى الأصحاب; من عدم انقطاع البيع بمجرد رد الثمن (1)، مع أن هذه المسائل عرفية عقلائية، ولا إشكال في أن حكم العقلاء موافق للأصحاب، ولا يعتنى بالوجوه العقلية على فرض صحتها. ومما ذكرناه، يظهر الكلام فيما إذا كان نفوذ الفسخ، معلقا على الرد، والكلام فيه هو الكلام فيما مر - بناء على عدم نفوذه قبل الرد - من لزوم تأخر المسبب عن سببه التام برتبتين، ولزوم تحقق العقد وعدمه، فلا بد بعد الرد من الفسخ. نعم، لو كان الشرط أن يكون الرد فسخا، فلا إشكال فيه لو قلنا: بصحة هذا الشرط مستقلا، أو برجوعه إلى ثبوت الخيار قبله.
1 - تقدم في الصفحة 344. 347 الأمر الخامس في سقوط خيار بيع الخيار بإسقاطه بعد العقد قالوا: يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد، بناء على تعليق الخيار بالرد، أو توقيته به. وظاهر الشيخ الأعظم (قدس سره)، أن السبب - وهو العقد - كاف في صحة إسقاطه منجزا (1). وفيه نظر واضح; فإن تحقق السبب لا يخرج الإسقاط عن كونه إسقاطا لما لم يجب، ولا يدفع الاستحالة. ولعل مراده من «كفاية العقد» أن الإسقاط على نحو الواجب المشروط بما هو مرضي عنده - وهو رجوع الشرط إلى المادة (2) - يكفيه تحقق العقد، مقابل عدم الجواز قبل تحققه; إما للإجماع على عدم صحته، أو لكونه غير عقلائي. وقد يقال: بصحة الإسقاط على نحو الواجب المشروط، فيكون السقوط - بعد تحقق الخيار - بتحقق الرد، وليس هذا من إسقاط ما لم يجب (3). ويمكن الإشكال فيه ثبوتا - بناء على مسلك القوم; من سببية الإسقاط للسقوط، وجريان السببية بالمعنى المعهود في التكوين، في الأمور الاعتبارية - بأن يقال: إن السقوط لا بد له من سبب محقق حاله، وإنشاء الإسقاط المشروط
1 - المكاسب: 230 / السطر الأخير. 2 - مطارح الأنظار: 52 / السطر 33. 3 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 27 / السطر 10، هداية الطالب: 444 / السطر 31. 348 بتحقق الخيار أو الرد، لا يعقل أن يؤثر فيه حال الإنشاء; ضرورة عدم تحقق شرطه، ولا من حين تحقق الشرط; لكونه معدوما حاله، ولا يعقل تأثير المعدوم. وليس للإيقاعيات عندهم بقاء اعتباري، ولهذا قالوا: بعدم جريان الفضولية فيها (1). ولا يقاس المقام بالواجب المشروط أو المعلق; لأن المقام من قبيل تأثير الأسباب في المسببات، وهناك من قبيل تمامية الحجة على العبد، أو فعلية الواجب بحصول شرطه. نعم، يمكن تصحيحه بما سلكناه في أمثال المقام; من عدم معقولية السببية والمسببية المعهودتين، بل يكون العقد والإيقاع المحققان بإيجاد المنشئ، موضوعين للحكم العقلائي (2). فالتحرير الإنشائي من المحرر، موضوع لحكم العقلاء بالتحرير الحقيقي الاعتباري، وكذا الحال في الإسقاط، فلا يكون ذلك سببا للسقوط تكوينا، وترتب السقوط عليه، ليس كترتب المسبب على سببه، بل كترتب الحكم على موضوعه. ولقد ذكرنا في الفضولي: أن المنشأ في العقود والإيقاعات، له وجود إنشائي بقائي، ولولا الإجماع لكانت الفضولية جارية في الإيقاعات أيضا (3). فعلى ذلك: لو أنشأ الإسقاط مشروطا بوجود الخيار، يكون لوجوده
1 - غاية المراد: 177، أنظر المكاسب: 124 / السطر 14. 2 - تقدم في الصفحة 165 - 166. 3 - تقدم في الجزء الثاني: 127. 349 الإنشائي تحقق، وبعد تحقق الشرط يصير موضوعا لحكم العقلاء بالسقوط، هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المطلوب. ولكن مع ذلك لا يتم إلا بعد إثبات أن الإسقاط - كذلك - كان متعارفا لدى العقلاء في عصر الشارع، أو أئمة الإسلام، حتى يثبت نفوذه بإمضائهم المستكشف عن سكوتهم. وأما الأمر الذي لا أثر له ولا عين في سوق المسلمين; لا في عصرنا، ولا في أعصار أخر، فلا يمكن الحكم بصحته، بل مع احتمال عدم تعارفه في عصر الشارع أو الأئمة، لا يمكن الحكم بصحته، فكيف مع الجزم بعدمه؟! هذا حال الإسقاط مشروطا بحال ثبوته. وأما الإسقاط منجزا، بدعوى: أن المشروط له مالك للخيار، ولو من حيث تملكه للرد الموجب له، فله إسقاطه، كما هو مقتضى ذيل كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) (1). ففيه: أن تملك شرط الخيار، لا يوجب تملكه فعلا إلا على التوسع والتجوز. نعم، هو مالك لأن يتملكه، وهو غير كاف للإسقاط منجزا. وأما دعوى: كون مالكيته للرد من قبيل الحقوق، فيصح إسقاطه (2)، ومعه لا يثبت الخيار ولو مع الرد - كدعوى كون الاشتراط من الحقوق، فيصح إسقاطه (3) - فهي بلا بينة، ويكفي الشك في كونهما من الحقوق; لأن مقتضى الأصل بقاؤهما بعد الإسقاط.
1 - المكاسب: 231 / السطر 1. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري 1: 286 / السطر 36. 3 - حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 62 / السطر 4. 350 مع أن الظاهر أنهما ليسا من الحقوق، بل الأول ليس إلا مقتضى سلطنته على ماله، وهي ليست من الحقوق، ولا يصح إسقاطها. والثاني قرار معاملي، لا حق، من غير فرق بين شرط الفعل، أو النتيجة، وما هو من الحقوق إنما هو متعلق الشرط أحيانا، ففي اشتراط الخياطة تصير الخياطة حقا للشارط، لا الاشتراط، وهو ثابت في شرط النتيجة أيضا. ويسقط أيضا بانقضاء المدة، وعدم رد الثمن لو كان مشروطا به، أو البدل لو كان مشروطا به عند فقده. عدم ثبوت الخيار مع مغايرة المردود للمشترط ثم إنه لو كان المردود من غير جنسه، أو فاقدا للقيد المعتبر - ولو لأجل الانصراف نحو قيد الصحة - لم يثبت الخيار; لعدم تحقق المعلق عليه. بل لو رضي الطرف به أيضا لم يثبت; لأن المفروض أن الصحة شرط، ولا ينقلب عما هو عليه بتراضيهما. فما في تعليقة بعض الأعاظم (قدس سره): من إبداء الفرق بين غير الجنس وبين المعيب، أو الفاقد للوصف; بمقايسة المقام بباب البيع إذا وقع على غير الجنس بعنوان الجنس، أو وقع على المعيب بعنوان الصحيح; حيث إنه يبطل في الأول، ويصح في الثاني، ويثبت خيار تخلف الوصف، وكذا لو وقع على الكلي الموصوف، وأدى الفاقد، كان للمشتري قبوله، وإسقاط وصفه الذي في عهدته (1). فيه ما لا يخفى: أما قياس المقام بالمبيع الشخصي الموصوف، فلأنه مع
1 - منية الطالب 2: 47 / السطر 10 وما بعده. 351 الفارق; إذ البيع وقع على الشخص، وتخلف الوصف لا يوجب تخلف البيع، وأما في المقام، فالخيار علق على رد الموصوف، ومع فقد الوصف يتخلف الرد، فلا يثبت الخيار. وأما القياس بالكلي فلا يصح كلامه; لا في المقيس، ولا في المقيس عليه; فإن الكلي الموصوف لا ينطبق على غيره، فالمردود غير المبيع، وجواز الاستبدال لا يجعل غيره مبيعا، وفي المقام أيضا بعد فرض كون الشرط - ولو انصرافا - هو الصحيح، فمع رد المعيب لم يكن المردود مصداقا للشرط، فلا وجه لثبوت الخيار. هل التصرف مسقط للخيار في بيع الخيار؟ وأما السقوط بالتصرف، فوقع فيه الكلام بين الأعلام، والظاهر عدم ورود كلماتهم على محط واحد، كما يظهر بالمراجعة إليها (1). فلا بد من تمحيص الكلام فيما يختص بالمقام من بين سائر الخيارات; وهو فرض أن الخيار معلق على الرد، ولا يكون ثابتا قبله، وأن الشرط هو رد عين الثمن، وأن التصرف - بما هو - مسقط عقلائي، أو ملازم للسقوط عند العقلاء، فيقال في المقام: إن المسقط الفعلي، هل هو كالمسقط اللفظي أم لا؟ وأما البحث عن أن تصرف ذي الخيار، مسقط له أو لا، فهو أمر مشترك بين سائر الخيارات، وينبغي أن يكون خارجا عن البحث. كما أن البحث عن أن الخيار إذا علق على الرد، يكون غررا، أو أن ظاهر
1 - جواهر الكلام 23: 40، أنظر المكاسب: 231 / السطر 3 - 10، منية الطالب 2: 49 / السطر 2، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 44 / السطر 21. 352 الأخبار أو ظاهر المتعاملين، أن الخيار ثابت بعد العقد، والقيد يرجع إلى الفسخ، أو أن التصرف في زمان الخيار - وهو بعد الرد - مسقط، كلها خارجة عن البحث في المقام. إذا عرفت ذلك فالتحقيق: أن الفعل هاهنا ليس كالقول; فإن الإسقاط بالقول يمكن أن يكون على نحو التعليق، حتى لا يرجع إلى إسقاط ما لم يجب، فيقول: «أسقطت خياري حال تحقق الرد» أو «الخيار» أو «أسقطت خياري حال ثبوته». وأما الإسقاط بالفعل فلا يعقل فيه التعليق، كما لا يعقل أن يكون مسقطا فعلا; لعدم فعلية الخيار، وكونه في أهبة الوجود، لا يدفع الإشكال العقلي، والسقوط بما أنه أمر تسبيبي لا بد له من سبب، ولا تعقل سببية الفعل له تنجيزا، ولا تعليقا، هذا إذا أريد بالفعل، كونه مسقطا وسببا للإسقاط مباشرة. وأما باعتبار دلالته على الالتزام بالبيع، حتى يترتب عليه سقوط الخيار، فيكون الفعل مسقطا بالواسطة، ففيه أيضا إشكال; فإن الفعل لا يدل إلا على الالتزام بالبيع فعلا، وأما الالتزام به على تقدير الرد، فليس مدلولا عليه به، والدلالة لا بد وأن تكون عقلائية. فلا يصح أن يقال: إن الفاعل ينوي بفعله الالتزام على تقدير الرد أو الخيار. ولو قيل: إن الالتزام بالبيع، يوجب عدم ثبوت الخيار عند الرد. يقال: - مضافا إلى أن الكلام في المسقط، والمفروض خارج عن البحث - إن عدم الثبوت إما لأجل إسقاط الاشتراط، أو لإسقاط حق الرد، وإلا فلا وجه لعدمه، وقد مر أنهما ليسا من الحقوق، وعدم الثبوت مع تحقق الشرط خلف. ولو قيل: إن الفعل دال على الالتزام بنحو الإطلاق، فيشمل الالتزام حال ثبوت الخيار، فيسقط.
353 يقال: إنه لا معنى للإطلاق هاهنا; لا في الفعل وهو واضح، ولا في المنكشف; ضرورة أنه ليس إلا نفس الالتزام، لا هو ولو على تقدير ثبوت الخيار، أو تحقق الشرط. ولو قيل: إن الالتزام منكشف بالفعل، وهو باق إلى زمان ثبوت الخيار، وهذا كاف في السقوط. يقال: مع منع البقاء دائما، إن وجوده البقائي غير كاف لذلك، بل لا بد من أن تكون الدلالة عليه من الدلالات العقلائية; ضرورة أن تلك المعاني التسبيبية لا يترتب عليها أثر، إلا مع التسبب إليها بالأسباب العقلائية. فتحصل من ذلك: أن الفعل ليس كالقول في المقام، فتدبر. وأما توهم: أن قوله (عليه السلام) في رواية ابن رئاب: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام، فذلك رضا منه، فلا شرط» (1) يدل على دفع الخيار، كما يدل على رفعه (2)، ففي غاية السقوط. الأمر السادس في سقوط الخيار في بيع الخيار بتلف المبيع لو تلف المبيع فالظاهر سقوط الخيار، لا لتعلقه - مطلقا، أو في خصوص المقام - بالعين، ولا لكون الخيار عبارة عن رد الثمن واسترداد المثمن. بل لخصوصية في بيع الخيار; وهي معهودية رجوع نفس العين برد الثمن
1 - الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 44 / السطر 3. 354 أو مثله; فإن بيع الخيار بحسب النوع الذي يشذ خلافه، إنما يقع على المبيع - الذي يكون لصاحبه علاقة به بخصوصه - بالثمن الذي هو محل احتياجه; ليصرفه فيما يحتاج إليه، فيبيع داره التي هي ظل رأسه، وضيعته التي هي قرة عينه. وإنما يقدم على بيعها بأقل من قيمتها; لأجل العلم والاطمئنان بإمكان أداء الثمن واسترجاعها، ولو كان نظره إلى ماليتها، لا إلى عينها، لما باعها إلا بثمن المثل; لتحصيل ماليتها الواقعية، ولم يكن وجه لبيعها بالشرط. فالبيع لا يقع بحسب النوع، إلا مع الغرض في إرجاع نفس العين، وإنما يقع في أمثال الدار والضيعة، وبعض الأمتعة التي تكون مورد نظر البائع بخصوصيتها، ويكون لها ثبات وبقاء، لا في مطلق الأمتعة ومال التجارة. والروايات الواردة في المقام، تدل - بأقوى دلالة - على أن للبائع علاقة بخصوص المبيع، كقوله في موثقة إسحاق: «أبيعك داري هذه وتكون لك، أحب إلي من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة، أن ترد علي» (1). ومن الواضح: أن هذا الشخص لما احتاج إلى بيع داره، وكانت مورد علاقته الخاصة، أراد أن لا تخرج الدار من يده، وعلى فرضه لا تخرج من يد أخيه، ولا وجه لأن يقال: إن الدار بماليتها كانت مورد نظره وعلاقته. والعجب، من قياس بعضهم الدار بالثمن، فقال: كما أن المراد بالثمن ليس خصوصه، كذلك الدار (2)، ضرورة قيام القرينة القطعية على أن المراد بالثمن
1 - الكافي 5: 171 / 10، الفقيه 3: 128 / 559، تهذيب الأحكام 7: 23 / 96، وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1. 2 - أنظر منية الطالب 2: 50 / السطر 3، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 44 / السطر 34. 355 المشروط رده هو المثل; لاحتياجه إلى صرف عينه، وقيام القرينة على أن المراد بالدار خصوصها، لا ماليتها. ونظيرها في الدلالة رواية معاوية بن ميسرة، حيث قال فيها: «إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك» (1) وهل يصح أن يقال: إن المنظور ماليتها؟! ثم إن البيع إذا وقع بما هو نظير ما في الروايات، فلا إشكال في اشتراط رجوع عين المبيع. وأما إن وقع بصورة أخرى، نحو أن يقول: «بعتك داري على أن يكون لي الخيار إلى سنة إن رددت مالك» فالظاهر أيضا لزوم رجوع عينها; لأجل تلك المعهودية والتعارف، الموجبين للانصراف. وبالجملة: إن كان للشرط ظهور فهو متبع، كأن شرط رجوع العين إن كانت موجودة، وإلا فرجوع البدل، أو شرط رجوع العين فقط. وأما إن شرط رجوع البدل، ففيه إشكال ثبوتا وإثباتا، وقد مر الكلام فيه (2). وإن لم يكن له ظهور لفظي، فلولا هذا التعارف الموجب للانصراف، لكان حال المقام حال سائر الخيارات; من رجوع العين بالفسخ على حسب القاعدة، ومع تلفها يرجع إلى البدل، وكيفية ذلك والإشكالات فيه وطريق الدفع، موكولة إلى محلها (3).
1 - تهذيب الأحكام 7: 176 / 780، وسائل الشيعة 18: 20، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 3. 2 - تقدم في الصفحة 229. 3 - يأتي في الجزء الخامس: 483. 356 لا فرق في سقوط الخيار بين التلف قبل الرد أو بعده ثم إن الظاهر عدم الفرق بين التلف قبل الرد والتلف بعده، سواء قلنا: بأن التلف مسقط للخيار أم لا. وما يقال من أنه بعد الرد، مشمول لقاعدة التلف في زمان الخيار ممن لاخيار له، ولازمه انفساخ العقد، ومعه لا معنى للخيار ولو قلنا: بأن التلف لا يوجب سقوطه (1). فيه: أن القاعدة بهذا المتن، لا دليل عليها من الأخبار والإجماع; لأن المسألة محل إشكال وخلاف في كثير من فروعها، والأخبار الواردة في خيار الحيوان (2) وخيار الشرط (3)، لا يثبت بها هذا العموم، والتحقيق والتفصيل موكول إلى أحكام الخيار (4). ولا يذهب عليك: أنه على فرض شمول القاعدة للمقام، لا يمكن أن يلتزم فيه بالانفساخ قبل التلف، الذي التزموا به في غير المقام; للفرار من ضمان من لا خيار له لملك ذي الخيار، وذلك لأن لازمه رجوع العين إلى مالكها، ثم ضمان المشتري لملك غيره. كما أنه لا يمكن الالتزام ببقاء العقد وضمان المشتري للتالف; لأنه يلزم منه الجمع بين الثمن والمثمن بقيمته، فلا بد إما من الالتزام بأن الضمان متقدم على الانفساخ، أو الالتزام بمقالة صاحب «الجواهر» (قدس سره); من كون العين
1 - أنظر جواهر الكلام 23: 39، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 28 / السطر 16. 2 - وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3 و 4 و 5. 3 - وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6 و 7 و 8. 4 - يأتي في الجزء الخامس: 461. 357 مضمونة بمثلها أو قيمتها (1)، فله أن يفسخ العقد، ويأخذ البدل، والذي يسهل الخطب هو عدم شمولها للمقام. ثم إنه على جميع التقادير المتقدمة، يكون الضمان بالقيمة الواقعية، لا بالمسمى. حكم ما لو باع ما اشتراه ببيع الخيار ثم إنه على ما ذكرنا في بيع الخيار (2)، فاللازم منه وجوب حفظ المبيع; لأنه مقتضى القرار والشرط في المقام، ولو تخلف وباعه، فهل يقع باطلا أو لا؟ وجهان مبنيان على ثبوت الحكم الوضعي في الشروط التي تتعلق بالأفعال، وعدمه. وأما ما قيل: من أن وجوب العمل بالشرط، يوجب تعجيز المشتري عن بيعه فلا يرجع إلى محصل; فإن نفس الوجوب لا يوجب إلا الإلزام بالعمل، وصيرورته موجبا لعدم تأثير البيع لو تخلف، أول الكلام، بل ما هو مقتضى الشرط وجوب حفظه، لا حرمة بيعه. فلا وجه للبطلان إلا دعوى: كون وجوب الشئ مقتضيا لحرمة ضده الخاص، وكونها إرشادا إلى البطلان، وهي كما ترى باطل في باطل. حكم تلف الثمن في بيع الخيار ولو تلف الثمن، فإن كان بعد الرد، فمع شمول القاعدة لتلفه ينفسخ العقد، ويرجع المبيع.
1 - جواهر الكلام 23: 39. 2 - تقدم في الصفحة 354. 358 وإن كان قبل الرد، فعلى القول بالخيار فكذلك. وعلى القول: بعدم حدوثه إلا بالرد، فلا تشمله القاعدة إن كانت هي التي تداولتها ألسنة الفقهاء; ضرورة أن ما قبله ليس زمان الخيار. إلا أن يدعى: أن ما ثبت بالأخبار، أوسع من هذه الجهة من القاعدة; فإن المتفاهم منها أن التلف إذا وقع قبل استقرار العقد، وصيرورة المبيع أو الثمن للطرف، مضمون على غير ذي الخيار، والكلام في القاعدة وحدودها موكول إلى محله (1). الأمر السابع ثبوت هذا الخيار منوط بجعل الجاعل سعة وضيقا لا إشكال في أن ثبوت هذا الخيار، منوط بجعل الجاعل توسعة وتضييقا، فلو اشترط الرد إلى الأعم من المشتري ووكيله ووليه - عرضا، أو طولا - يثبت على حسب ما اشترط من غير إشكال. كما أنه لو اشترط الرد إلى خصوص نفسه بنحو التقييد، لم يثبت الخيار إلا بالرد إليه. وهكذا لو كان الشخص مورده; بمعنى عدم التقييد والتعميم في الجعل، بأن كان المورد خصوص المشتري; بحيث لم يكن لكلامه إطلاق ولا تقييد، ولكن لم ينطبق إلا على شخصه بالتضييق الذاتي. والمفروض في هذا القسم، أن لا يفهم من كلامه التعميم ولو بالقرائن،
1 - يأتي في الجزء الخامس: 461. 359 حتى يصح التقسيم إلى الأقسام الثلاثة. فما في كلام بعض الأجلة: من أن التخصيص إذا كان من باب الموردية، فكأنه اشترط الرد إلى من كان مالكا للمال، ومتصرفا فيه، ووليا عليه (1). ليس على ما ينبغي، ولا وجه معه إلى تثليث الأقسام; فإن استفادة التعميم باللفظ الصريح وغيره، لا توجب تكثير الأقسام. مع أن الواقع بحسب النوع، على خلافه; فإن الجاعل للخيار لنفسه، غافل نوعا عن الطوارئ، كالغيبة، والجنون، ونحوهما. ثم إن ما هو قابل للبحث، هو الصورة الأخيرة والصورة الثانية; أي ما هو بنحو التقييد. ومحصل الكلام فيهما: أنه إن كان الاعتبار العقلائي أو الشرعي في باب الوكالة، هو تنزيل نفس الوكيل منزلة الموكل، أو تنزيل فعله مقام فعله، فيكفي الرد إليه ولو كان الشرط هو الرد إلى خصوص المشتري على وجه التقييد; لأن المفروض كون الوكيل هو الموكل اعتبارا وتنزيلا، ومقتضى حكومة دليلها، كون الرد إليه ردا إلى المشتري. كما أنه لو كان الاعتبار فيها هو تنزيل فعله منزلة فعل الموكل، لكفى الرد إليه أيضا; لأن قبوله هو قبول الموكل، واستيلاءه هو استيلاؤه لو كان الشرط ذلك، فيتحقق الشرط، ويثبت الخيار. وأما لو قلنا: بأن باب الوكالة، ليس إلا إيكال أمر إلى الوكيل، ويكون فعل الوكيل نافذا على موكله; لكونه وكيلا، لا لكونه منزلا منزلته، ولا لكون فعله كذلك، فلا يكفي الرد إليه; لعدم تحقق الشرط به.
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 29 / السطر 30. 360 وكذا الكلام في الولي الشرعي أو العقلائي، طابق النعل بالنعل، هذا بحسب التصور. وأما بحسب الدلالة والإثبات، فلا ينبغي الإشكال: في أن الوكالة - بل وكذا النيابة في الصلاة والصوم، فضلا عن ولاية الفقيه أو غيره - ليس اعتبارها هو أحد التنزيلين المذكورين وإن تكرر ذكره في كلماتهم (1). بل ما هو عند العقلاء هو نفوذ فعل الوكيل; لأجل وكالته، فالفعل فعله، والشخص شخصه، ودليل الوكالة يوجب نفوذ فعل الوكيل على موكله، كما لو أذن له في فعل، من غير جعل الوكالة، ففعل المأذون له نافذ في حق آذنه، من غير احتمال تنزيل، وليس اعتبار الوكالة في الشرع غير ما هو عند العقلاء. وأولى بذلك ولاية الفقيه على القصر، فإن تنزيله منزلتهم - مع ركاكته - لازمه بطلان عمله، وعدم نفوذه في مثل الولاية على المجنون والصغير كما لا يخفى. ومما ذكرناه، يظهر الكلام في الرد إلى الوارث، فإنه لا يحقق الشرط; لعدم التعميم فرضا، وعدم الدليل على تنزيل الوارث منزلة المورث، ولو سلم فإنما هو في خصوص الإرث، لا مطلقا. فما قيل: من أنه يجب أن يخرج الرد إلى الوارث عن محل الخلاف; لأن الوارث ينتقل إليه المال على نحو تعلق حق البائع به، فالرد إليه كالرد إلى مورثه (2) لا يصغى إليه، والتعليل عليل من جهتين.
1 - منية الطالب 2: 53 / السطر 20. 2 - بلغة الفقيه 2: 262، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 29 / السطر 32، منية الطالب 2: 15 / السطر 13 و 23، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 222 / السطر 35. 361 وكذا الحال فيما إذا اشترى الأب للطفل بخيار البائع; لأن الشرط إما أن يكون الرد إلى الولي مطلقا، فهو خارج عن محط الكلام، أو إلى الطفل فلا يقوم الولي مقامه; لعدم الدليل على التنزيل، أو إلى الولي المشتري، فلا يقوم الولي الآخر مقامه. بل لو سلم قيام الوكيل أو الولي مقام صاحب المال، لا وجه للقيام هاهنا; لعدم وجه لقيام ولي مقام ولي آخر. ومنه يظهر الحال في الحاكم، فإنه مع اشتراط الأعم خارج عن البحث، ومع اشتراط الرد إلى الحاكم المشتري، لا يتحقق الخيار بالرد إلى غيره; لعدم الدليل على تنزيل حاكم محل حاكم آخر. هذا غاية ما يمكن أن يقال، لكنه مشكل، سواء كان التنزيل - على فرضه - تنزيلا في الذات، أو في الفعل; فإن ما قلنا في باب تحكيم دليل التنزيل على الأدلة الواقعية; إنما هو لكشفه عن إرادة المولى. فقوله (عليه السلام): «لا صلاة إلا بطهور» (1) ظاهر في الطهور الواقعي، وقوله (عليه السلام): «كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر» (2) حاكم بحصول الطهور، وموسع لموضوع الدليل الواقعي، وكاشف عن أن الطهارة المعتبرة في الصلاة، أعم من الواقعية والظاهرية. نعم، لو دل الدليل على أن «لا صلاة إلا بالطهور الواقعي» فالدليل الثانوي لا يعقل أن يكون معمما، فلا محالة تترتب عليه آثار الواقع ما دام لم ينكشف
1 - الفقيه 1: 22 / 67، تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، و: 209 / 605، الاستبصار 1: 55 / 160، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1. 2 - تهذيب الأحكام 1: 284 / 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4. 362 الخلاف، على تأمل. وهذا التعميم والتحكيم لا يعقل في المقام; لأن الشارط - وهو المكلف - يعلم بتعلق إرادته بعنوان خاص، سواء قيده أم لا، ولا يعقل كشف تعميم إرادته من الدليل الشرعي، ولا من بناء العقلاء. إلا أن يكون المراد: أن بناءهم يصير قرينة على تعميم الشرط، وهو خلاف المفروض، فالدليل المذكور لا يعقل أن يكون محققا للشرط. نعم، للمولى أن يحكم بترتيب آثار الشرط على ما هو مخالف لشرط الشارط، لكنه مقطوع الخلاف. فالأقوى: عدم كفاية الرد إلى الوكيل أو الولي، إلا في مورد كان الكلام ظاهرا أو نصا في التعميم. الأمر الثامن في اعتبار رد جميع الثمن أو بعضه على حسب ما اشترط لا إشكال في أنه إذا صرح باشتراط الفسخ برد جميع الثمن، وكذا إذا أطلق، لم يكن له ذلك إلا برد الجميع، فلو رد بعضه بعنوان الثمنية، لم يتحقق به الشرط، وكانت يده عليه يد ضمان، كالمقبوض بالبيع الفاسد، ولم يجز له التصرف مطلقا حتى مع الاستئمان. ولو شرط خيار الفسخ برد بعض الثمن، كان له الفسخ برده. ولو شرط الفسخ في كل جزء برد ما يحاذيه من الثمن، فهل يصح له الفسخ ويجوز، أم لا؟ فيه كلام. قد يقال: إن شرط الخيار مخالف للسنة، ومحتاج إلى دليل خاص،
363 والأدلة الخاصة لا تشمل إلا فسخ العقد برد الثمن، وهذا الإشكال مشترك بين الصورتين الأخيرتين، فكما أن رد بعض الثمن - لفسخ ما يقابله - ليس مشمولا لها، كذلك رد بعضه; لفسخ نفس العقد. ولعل المراد من «مخالفته للشرع» أن ظاهر الشرع لزوم العقد في نفسه، وشرط الخيار مخالف له (1). وفيه: أن العمدة في الدلالة على اللزوم، قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) وهو مؤيد للشرط، لا مخالف; فإن الشرط في ضمن العقد من متعلقاته، ومقتضى لزوم الوفاء به هو العمل بمقتضى القرار; أي العقد بشرطه، كما أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس مسلطون» (3) و «المؤمنون عند شروطهم» (4) لو كان دليلا على اللزوم، لا ينافي ما ذكر. وأما مثل: (أحل الله البيع) (5) ونحوه، ففي دلالته على اللزوم إشكال، وعلى فرضها يكون مثل: (أوفوا بالعقود) مقدما عليه. والإنصاف: أنه لا إشكال من هذه الناحية. إشكال عدم قابلية العقد للتبعيض والعمدة هو الإشكال المختص بالصورة الثالثة; وهو أن العقد بسيط غير قابل للتبعيض.
1 - مستند الشيعة 14: 387، أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 30 / السطر 13. 2 - المائدة (5): 1. 3 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، بحار الأنوار 2: 272 / 7. 4 - الكافي 5: 404 / 8، تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4. 5 - البقرة (2): 275. 364 الجواب الأول فقد يقال في جوابه: إن العقد الواقع على شئ قابل للتحليل، ينحل إلى عقود كثيرة; حسب تحليل المعقود عليه، وهذا هو المبنى لخيار تبعض الصفقة، فيصح فسخ عقد انحلالي، دون آخر (1). وفيه: مضافا إلى أنه أمر لا يقبله العقلاء، بل هو مستنكر عندهم; ضرورة أن من باع أو اشترى دابة أو دارا، لا ينقدح في ذهنه - نوعا - أبعاض المبيع، سواء الأبعاض الخارجية العرضية والطولية، كالنصف، ونصف النصف. والقائل: بانحلال العقد، لا بد وأن يقول بقرارات متعددة، والقرار لا يعقل أن يكون مغفولا عنه حينه، ولو قيل لمن باع فرسا: «إنك أوقعت عقودا كثيرة» لاستنكره، والانحلال الذي له حكم، لا بد أن يكون كذلك. ومضافا إلى أن القائل: بالانحلال - على نحو يستقل كل عقد في الفسخ والإمضاء; بدعوى كونه موافقا للقواعد - لا بد وأن يلتزم بذلك في أشباهه، كالنذر، والعهد، واليمين، فيكون تعلق النذر بشئ قابل للانحلال، موجبا لكثرة النذر، ولترتب الحكم على كل واحد منها مستقلا كما في المقام، فلا محالة يتحقق الحنث بمقدار أبعاض الشئ المنذور. وفي المقام: لو قلنا بوجوب الوفاء بالعقود شرعا، لا بد من الالتزام بحصول المعاصي غير المحدودة; بمخالفة العقد الواقع على الشئ القابل للتحليل، وتنظير المقام بمثل العموم الأفرادي والإطلاق، في غير محله، كما لا يخفى على المتأمل.
1 - منية الطالب 2: 54 - 55، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 47 / السطر 25. 365 أنه يرد عليه: أن لا إشكال في أن العقد وقع على الكل، والقائل بالانحلال يعترف بذلك، ولا إشكال في أنه ناقل للكل، وعليه فتكون العقود الانحلالية غير ناقلة; لامتناع تحصيل الحاصل، فلا تكون تلك العقود غير الناقلة عقلائية; لا إنشاء، ولا واقعا. ومع الغض عنه لا تأثير لفسخها، ومع الغض عنه، لا يكون فسخ العقد الانحلالي، موجبا لفسخ العقد الواقع على الكل، وبدونه يجب الوفاء به. هذا مضافا إلى أن لازم الانحلال الطولي، أن يتكثر العقد على جزء واحد مرات عديدة، بل إلى غير النهاية; لأن مراتب الكسور لا حد لها، فالعقد الواقع على الكل، إذا انحل إلى العقد على النصف، يكون النصف متعلقا للعقد مرتين، وينحل النصف إلى نصفين... وهكذا، فيتعدد العقد - أي القرار المعاملي بين المتعاملين على مراتب الكسور - بتعددها. ثم إن العين لها أجزاء عرضية، فيتعدد العقد على شئ واحد حسب الأجزاء الخارجية، المجهولة غالبا عند المتعاقدين. ولو قيل: إن العقد لم يقع على الكل، ومعنى الانحلال أنه عقود واقعة على الأجزاء العرضية فقط، فهو أفحش. مع أن لازمه عدم تبعض الصفقة; فإن معنى التبعض، أن المعقود عليه شئ واحد ذو أبعاض، لا أن عقودا متعددة تعلقت بالأبعاض مستقلا، فليس للمعقود عليه - بما هو معقود عليه - أبعاض، والأبعاض ليست بمعقود عليها. وتوهم: أن العقود وإن كانت كثيرة على أبعاض كثيرة، لكن الشرط الضمني أن تكون الأبعاض منضمة، لا منفردة (1) فاسد، مع أن لازمه ثبوت خيار تخلف الشرط، لا تبعض الصفقة.
1 - منية الطالب 2: 54 / السطر الأخير. 366 ومنه يظهر: أن خيار تبعض الصفقة فيما يثبت، غير خيار الشرط، فالقول: بالشرط الضمني - مع مخالفته للواقع العقلائي - هادم لخيار التبعض. والتحقيق: أن خيار التبعض خيار عقلائي برأسه، مقابل خيار الشرط وغيره، وليس من جهة تعدد العقود، ولا يبتني على الانحلال المزيف آنفا، فإذا وقع العقد على عين يملك البائع بعضها - مع عدم علم المشتري - يقع العقد الإنشائي على المجموع، وهو عقد واحد إنشائي متعلق بواحد، ويترتب عليه النقل الإنشائي، الذي هو المناط في تحقق عنوان «البيع» وإن لم يترتب عليه النقل الواقعي إلا فيما يملكه. فبيع ما يملكه البائع مع ما لا يملكه، بيع واحد - لا بيوع متعددة - واقع على شئ واحد; هو المبيع بتمامه، لا بأبعاضه، لكنه لا يؤثر بحسب اعتبار العقلاء، في النقل الواقعي إلا فيما يملكه، ويكون للمشتري خيار التبعض، لا للشرط الضمني، ولا لتعدد البيع; فإن كل ذلك أجنبي عن خيار التبعض، وهادم لأساسه، بل لكونه أمرا عقلائيا، كخيار العيب، والغبن، ونحوهما. الجواب الثاني عن الإشكال وقد يقال في مقام الجواب: إنه لا ينافي بساطة الالتزام جعل التبعيض في الملتزم; فإن التبعيض قد ينشأ من جعل مختلفي الحكم متعلقين لبيع واحد، كما لو باع الخل والخمر، ومال نفسه ومال غيره صفقة. وقد ينشأ من جعل البائع أو المشتري بالنسبة إلى الثمن أو المثمن، الذي لولا الجعل كانت جميع أجزائه متحدة الحكم. ففيما لو أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن، لم يكن له الفسخ إلا برد الجميع. وأما لو شرط الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن، فالبائع بالشرط
367 جعل المبيع للمشتري متبعضا، ولا مانع عنه (1)، انتهى. وأنت خبير بما فيه من عدم حل المشكلة; فإن الإشكال في تبعض العقد، لا المعقود عليه، وأن الخيار في بعض المبيع، يلزم منه تبعض ما هو بسيط، وإلا فلو كان الشرط رد البعض بنحو شرط النتيجة، لا لخيار الفسخ فيه، فلا مانع منه، وهو خارج عن محط الكلام. وأما قضية بيع الخمر والخل، ومال الغير ومال نفسه، فقد عرفت الكلام فيها، وأنها أجنبية عن المقام، فإنه هناك يؤثر العقد في النقل الحقيقي فيما يجوز النقل فيه، ولا يؤثر في غيره، وهو غير تجزئة العقد الذي هو بسيط، فلا ينحل الإشكال بما ذكره. الحق في الجواب عن الإشكال والتحقيق: أن الأمور الاعتبارية ومنها العقود، لا ينبغي خلطها بالأمور التكوينية الواقعية، ألا ترى أن الأشياء الواقعية - كالدار، والدابة، ونحوهما - لا يعقل أن تكون هي ولا أوصافها، نسبية بالنسبة إلى الأشخاص. فلا تكون الدابة مثلا، عربية بالنسبة إلى شخص، وغير عربية بالنسبة إلى آخر، ولا يكون البناء مستحكما بالنسبة إلى شخص، وغير مستحكم بالنسبة إلى آخر، أو متزلزلا بالنسبة إلى شخص، وغير متزلزل بالنسبة إلى آخر. وأما العقد فقد يكون متزلزلا بالنسبة إلى شخص، ولازما غير متزلزل بالنسبة إلى آخر، كما في خيار الحيوان الثابت للمشتري، وكما في عقد الأصيل مع الفضولي، بناء على ما قاله بعض المحققين: من لزومه بالنسبة إلى
1 - منية الطالب 2: 54 / السطر 16. 368 الأصيل (1). فالعقد أمر اعتباري مضاف إلى الأعيان وأجزائها، وفي سوق العقلاء قابل للتجزئة، فترى أن في بيع طن من البطيخ، إذا ظهر العيب في نصفه مثلا، يصح عند العقلاء رد البعض ولو بالإقالة، ومن الواضح أن بيعه ليس بيوعا عندهم، ولا رد بعضه بيعا جديدا. كما أن جعل الخيار لبعض المثمن أمر عقلائي، لا لتعدد العقد; فإنه واضح الفساد، ولا ينقدح في ذهن العرف، بل لأن العقد قابل للفسخ بالنسبة، وهو أمر اعتباري تابع لاعتبار العقلاء كيفية، وفي التجزئة وعدمها. ولا ينبغي الشك في أن جعل الخيار في البيع بالنسبة إلى بعض المبيع عقلائي، في حين أن تعدد البيع في مثل بيع الدار والدابة، غير عقلائي، وليس ذلك إلا لأن العقد قابل للحل بالإضافة، والبقاء بالإضافة، والقياس بالحبل ونحوه من التكوينيات باطل، والأمر موكول إلى العقلاء والعرف، ومع كونه عقلائيا فلا مانع من اشتراطه. حكم اشتراط رد الجميع تدريجا في زمان محدود ثم إنه مع إقدام المتعاملين على الاشتراط الذي مرجعه إلى التبعيض، لا وجه لخياره. ولو اشترط رد الجميع تدريجا في زمان محدود، ولم يرد، فإن رجع الشرط إلى تعقب كل رد بالآخر، بطل ما فسخ من الأول إذا لم يتعقبه رد الباقي، ولو كان شرطا زائدا، فله خيار تخلف الشرط مع عدم الرد.
1 - جامع المقاصد 6: 331، المكاسب: 134 / السطر 15. 369 وأما خيار التبعض، فلا يثبت على مبنى القائل بالانحلال على إشكال، ويثبت على المبنى المنصور، ولا تنافي بين ثبوت خيار الشرط، وخيار التبعض فيما يتبعض بلا إقدام عليه. بطلان اشتراط الخيار برد بعض مجهول ثم إنه لو شرط رد البعض المجهول; لثبوت الخيار فيما يقابله، فالشرط غرري مجهول باطل. وكذا لو شرط الرد تدريجا إلى تمام المدة; بأن يشترط الخيار في مقدار مجهول، عند رد مقدار مجهول... وهكذا عند رد مقدار آخر أيضا إلى أن يتم مقدار الثمن، ويؤول الأمر إلى العلم، فإن ذلك باطل; لأن الشروط مجهولة، والأول إلى العلم لا يفيد، كما أن الأول إليه في مقام التسليم، غير مفيد. بطلان اشتراط الخيار برد مقدار مجهول وكذا الحال لو شرط رد مقدار غير معين مجهول; لثبوت خيار فسخ أصل المعاملة، فإنه أيضا قرار مجهول، ولو بالنسبة إلى مقدار ما يؤدي، ولا يكفي في رفع الغرر والجهالة علمهما بمبدأ الخيار ومنتهاه. وقياس المورد بجعل أصل الخيار في مدة معلومة - حيث يصح بلا كلام - مع الفارق; لأن الجعل في المقام مجهول وإن آل إلى العلم، وهناك لا جهالة فيه، وإنما الجهل في عمل البائع، وهو خارج عن المعاملة، وهذا نظير شرط الخيار في مدة معلومة، عند إعطاء شئ مجهول، ولا سيما إذا كان الإعطاء بعنوان التمليك، فتدبر.
370 الأمر التاسع في جواز اشتراط الخيار للمشتري برد المثمن كما يجوز للبائع اشتراط الخيار برد الثمن، كذا يجوز للمشتري اشتراط الخيار برد المثمن، والكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة في الإطلاق، واشتراط رد البعض. ولا إشكال هنا في انصراف الإطلاق إلى رد نفس العين، ويجوز التصريح برد البدل ولو مع وجود العين; لأن اشتراط ثبوت الخيار برد البدل، لا مانع منه، وإنما الإشكال العقلي في اشتراط كون الفسخ، موجبا لرجوع بدل العين الموجودة. فلو رد البدل، وفسخ العقد، يكون مقتضاه رجوع العوضين - أي العين والثمن - إلى محلهما، ويرد البدل إلى صاحبه إن لم يملكه. ولو شرط الخيار برد البدل، وأراد حصول التبادل بذلك الشرط - بعد الفسخ ورجوع العين إليه - بينها وبين البدل، فهو باطل ثبوتا وإثباتا; لعدم إمكان كون شرط الخيار، منحلا إلى شرط التبادل بعد ثبوته والفسخ وتملك العين; لعدم إمكان الجمع بين المترتبين برتب عديدة في إنشاء واحد. ومع الغض عنه، لا يعقل تأثير الشرط بعد حل العقد وحله بتبعه، وقد مر الكلام فيه (1)، فراجع. ومنه يظهر الكلام في اشتراط رد التالف بالمثل في القيمي وبالعكس، فتدبر جيدا.
1 - تقدم في الصفحة 341. 371 مسألة في بطلان الاشتراط في الإيقاعات لا ينبغي الإشكال في عدم جواز شرط الخيار في الإيقاعات، كما هو المتسالم بين الأصحاب (1) إلا من شذ من المتأخرين (2). بل لا ينبغي الإشكال في عدم صحة مطلق الشرط فيها ولو مثل شرط الخياطة; لأن ما يظهر من اللغويين، هو أن «الشرط» إلزام والتزام في البيع ونحوه (3)، والظاهر من الظرف أن يكون البيع حاويا له; أي يقع الشرط في ضمنه وخلاله، بحيث يدعى أنه ظرفه، وأنه فيه. ومن المعلوم: أن الإيقاع لا يعقل فيه ذلك; فإنه لا يعقل أن يرتبط به الشرط الواقع بعده; أي بعد تماميته عنوانا وتأثيرا، فضلا عن أن يكون في ضمنه وخلاله.
1 - لاحظ المبسوط 2: 81، السرائر 2: 246، شرائع الإسلام 2: 17، تذكرة الفقهاء 1: 528 / السطر 3، جواهر الكلام 23: 64، أنظر المكاسب: 233 / السطر 8. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 31 / السطر 33، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 48 / السطر 10. 3 - لسان العرب 7: 82، القاموس المحيط 2: 381، أقرب الموارد 1: 583. 373 فما قد يقال في جواب أن الشرط التزام في ضمن العقد لغة وعرفا، أو انصرافا: من أنه لا يجب في تحقق الشرط إلا أن يكون في ضمن التزام، لا في ضمن التزامين (1) كأنه لم يصل إلى مغزى الإشكال; ضرورة أن الإيقاع لا ضمن له، بل إما غير محقق، أو محقق ومفروغ عنه، بخلاف العقود، فإن الظرفية - ولو بنحو من الادعاء - محققة فيها. ولو توهم: إمكان الضمنية في بعض الفروض النادرة، كقوله: «أبرأتك، وشرطت عليك كذا عن دينك» فهو - مع احتمال عدم صدق «الضمنية» عليه; إذ ليس المراد منها وقوع الشرط في خلال الألفاظ، بل المراد وقوعه في ضمن الالتزام - ليس من الشروط العقلائية، ومع التسليم لا تثبت به الكلية التي هي المدعى. ولو أغمضنا عنه، فلا إشكال في عدم إحراز كون الشرط تلو الإيقاع أن يصدق عليه «الشرط» لغة وعرفا وعند العقلاء، ومعه لا مجال للتمسك بأدلة الشروط لتنفيذه. إن قلت: بناء على ما ذكرت سابقا; من أن ماهية البيع تتحقق بإيجاب الموجب فقط، ومنزلة القبول منزلة الإجازة في عقد الفضولي (2)، لم يكن الشرط في ضمن البيع، فلا بد من الالتزام بأنه لا يلزم أن يكون في ضمن العقد، بل يجوز ولو وقع بعده. قلت: إن الإيجاب محقق لمفهوم «البيع» ولا تترتب عليه الآثار العقلائية، إلا بعد ضم القبول إليه، فالعقد المؤثر بالحمل الشائع، لا يتم إلا بعد القبول، وعليه فالشرط واقع في خلاله عرفا، ولا يكون المفهوم من كلمات اللغويين
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 48 / السطر 13. 2 - تقدم في الجزء الأول: 325. 374 والأصحاب والأدلة إلا مثل ذلك. نعم، لو كان شخص وكيلا من الجانبين، فأوقع الإيجاب الذي هو تمام المعاملة بالحمل الشائع، ثم أراد إردافه بالشرط، نلتزم بعدم صحته، فلا بد في مثله من الإيجاب من قبل صاحب السلعة، ثم الشرط، ثم القبول، ولا محذور فيه. فتحصل مما ذكر: أن الإيقاع لا يقبل الشرط مطلقا، سواء فيه شرط الخيار وغيره. عدم صحة شرط الخيار في الإيقاعات ولو سلمنا قبول الإيقاع للشرط في ضمنه، أو قلنا: بصحة الشرط الابتدائي، فالظاهر عدم صحة شرط الخيار فيه; لأن الخيار إنما يصح في العقود، لأنها أمور اعتبارية، باقية لدى الشرع والعرف اعتبارا، ولهذا نرى ثبوت الخيار فيها عند العرف والشرع، ومنه يستكشف أنها موجودة عندهما، فيصح فسخه وحله. وأما الإيقاعات، فلا دليل على بقائها الاعتباري عند العقلاء أو الشرع، بل الظاهر عدم اعتبارهم ذلك، ومعه لا معنى لحله أو رفعه، والشك في ذلك كاف في عدم ثبوته. ولا ينافي ذلك ما رجحناه في باب الفضولي; من بقاء المسبب الاعتباري في الإيقاعات (1); للفرق بين السبب والمسبب. وما قد يقال: من أن الخيار في المقام عبارة عن رفع الشئ، كرفع الملكية
1 - تقدم في الجزء الثاني: 128. 375 أو البينونة الحاصلة بالطلاق، مع أن عنوان «الحل» هاهنا بمعنى تفكيك المسبب عن سببه، فإذا انفكا فقد انحل أحدهما عن الآخر، وهذا معقول في الإيقاع (1). يرد عليه: أن رفع البينونة أجنبي عن خيار الفسخ، ورفع السبب فرع وجوده، ولا وجود له في الإيقاع اعتبارا عند العقلاء، فلا معنى لرفعه، بخلاف العقود، ولا يكون السبب الاعتباري، سببا بحدوثه للمسبب حدوثا وبقاء، كالسبب الإلهي، حتى يصح فيه تفكيكه بقاء عن المسبب. مع أن أمثال المقام موكولة إلى العرف، فلا بد في البناء على الصحة من موافقة العرف والعقلاء، ولا مجال للتصورات والتعسفات، وليس كل ما يتصور واقعا عرفيا، وموافقا لاعتبار العقلاء. مضافا إلى أن العدم لا يحتاج في بقائه إلى سبب، والإبراء تعلق بأمر وجودي فأعدمه، وبعده لا معنى للسببية والمسببية. مع أن رفع سبب الإبراء مثلا، لا يكفي في وجود المسبب، بل لا بد في تحققه من سبب مستأنف عقلائي. وبالجملة: لا يمكن إثبات المطلوب إلا بإحراز ما تقدم، وأنى لنا بإحرازه؟! وتوهم: أن الظاهر من دليل «المؤمنون عند شروطهم» (2) - ولا سيما مع استثناء الشرط المخالف للكتاب - أن كل شرط لازم الوفاء إلا ما استثني منه، فيستكشف من ذلك أن السبب في الإيقاع باق، وقابل للحل أو الإعدام فاسد; لأن الظاهر من الدليل المذكور وكذا دليل وجوب الوفاء بالعقد، أن العقود والشروط
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 48 / السطر 15. 2 - تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4. 376 التي أوقعهما العقلاء، لازمتا الوفاء. ولهذا لو كان الشرط لغفلة من المتعاملين، مخالفا لمقتضى العقد، لم يكن صحيحا وإن لم يكن مخالفا للشرع، وكذا لو كان الشرط غير عقلائي، كما لو شرط في ضمن معاملة المشي منكوسا، أو تقبيل رأس المنارة. وفي المقام: حيث إن شرط رفع السبب عن محله باطل; لأنه محال، وشرط رفعه بعد تحققه - ليترتب عليه رجوع ما عدم - فرع كونه باقيا ومؤثرا في وجوده البقائي، وهما مفقودان. فلا بد من الالتزام بجعل الشرط ما ليس بسبب سببا، وما ليس بمسبب مسببا; ضرورة أن العدم لا تعقل فيه السببية والمسببية، والإبراء تعلق بالوجود، فصارت الذمة بريئة، وبعدها لا شئ صالح للسببية والمسببية في العدم عرفا وعقلا، فلا بد من جعل الشرط المعدوم مسببا وسببا. بل لا يكفي مجرد ذلك، فلا بد من اعتبار الوجود بعد سلب سبب العدم، ودليل الشرط لا يصلح لشئ مما ذكر. وينبغي أن يكون هذا مراد الشيخ (قدس سره); من أن دليل الشرط لا يجعل ما ليس بسبب شرعا سببا (1)، وهو حق; لأن شرط كون صيغة البيع طلاقا، أو صيغة الطلاق بيعا، والسعال إيجابا، والعطسة قبولا، فاسد غير عقلائي، ولا شرعي. مع أن احتمال كون هذا الشرط مخالفا للشرع، كاف في عدم جواز التمسك بدليله; للشبهة المصداقية. وتوهم: إجراء أصل عدم المخالفة للشرع; للخروج عن المستثنى، والاندراج في المستثنى منه (2) فاسد; لما تكرر منا; من عدم جريانه على
1 - المكاسب: 233 / السطر 16. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 49 / السطر 5. 377 فرض، وكونه مثبتا على آخر (1)، وسيجئ إن شاء الله في محله تفصيلا (2). استنتاج وجود محذورين لشرط الخيار في الايقاعات ثم إن المتحصل مما مر: أن لشرط الخيار في الإيقاع محذورين: أحدهما: المحذور المشترك بين جميع الشروط. وثانيهما: ما هو مختص بشرط خيار الفسخ والحل، الذي هو محل الكلام في المقام. وقد يتوهم: أن المحذور الثاني مندفع; بدليل ورود الحل والفسخ في بعض الإيقاعات، كالرجوع في الطلاق الرجعي، وبيع الوقف مع اشتراطه فيه بناء على كونه إيقاعا، والرد إلى الرق مع تخلف الشرط (3)، كما وردت به موثقة إسحاق بن عمار أو صحيحته، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يعتق مملوكه، ويزوجه ابنته، ويشترط عليه إن هو أغارها أن يرده في الرق. قال: «له شرطه» (4). وفيه ما لا يخفى، أما الرجوع إلى الزوجية في الطلاق الرجعي، فلا يكون من حل الطلاق بلا شبهة، بل عبارة عن التمسك بالزوجية، والرجوع
1 - تقدم في الجزء الأول: 651 - 652، وفي الجزء الثالث: 500، وهذا الجزء: 35 و 280. 2 - يأتي في الجزء الخامس: 267. 3 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 32 / السطر 5 وما بعده، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 48 / السطر 3. 4 - الكافي 6: 179 / 3، تهذيب الأحكام 8: 222 / 795، وسائل الشيعة 23: 27، كتاب العتق، الباب 12، الحديث 3. 378 إليها، فهو مما ثبت له شرعا، وتترتب عليه الزوجية، وتعود بلا حل في الطلاق، فلو صرح بالرجوع إلى نفس الزوجية، وعدم فسخ الطلاق، كفى. ولهذا لو أنكر الطلاق ترجع الزوجية، ويكون الإنكار رجوعا; لكونه متمسكا بها، ولا يعقل أن يكون ذلك فسخا وحلا. وأما اشتراط بيع الوقف في بعض الأحيان، كما وردت به الرواية (1) فهو أيضا ليس من اشتراط الحل والفسخ، بل هو من حدود الوقف; فإن «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» والوقف وشرط البيع عند الحاجة مثلا، يرجع إلى تحديده إلى زمانها. وأما رواية إسحاق، فالظاهر منها إرجاع الرق ورد المعتق إليه، على القول بجوازه، لا إبطال العتق وفسخه وحله، وهو واضح. كما قد يتوهم: اندفاع المحذور الأول; بورود روايات دالة على صحة الشرط في العتق، ففي موثقة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إن أبا نيزر (3) ورباحا، وجبيرا، أعتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين» (4).
1 - وسائل الشيعة 19: 198، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 3. 2 - رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، أو قال محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله. والرواية موثقة بالحسن بن علي بن فضال، فإنه جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في الحديث وكان فطحيا. أنظر الفهرست: 47 / 153، رجا ل النجاشي: 34 / 72. 3 - وفي نسخة: أبا نيروز [منه (قدس سره)]. 4 - الكافي 6: 179 / 1، وسائل الشيعة 23: 25، كتاب العتق، الباب 10، الحديث 1. 379 وفي موثقة أبي العباس (1)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قال: غلامي حر، وعليه عمالة كذا وكذا سنة. قال: «هو حر، وعليه العمالة» (2). وعن «الفقيه» بإسناده عن أبان مثله، وزاد قلت: إن ابن أبي ليلى يزعم أنه حر، وليس عليه شئ. قال: «كذب، إن عليا (عليه السلام) أعتق أبا نيزر (3) وعياضا، ورباحا، وعليهم عمالة كذا وكذا سنة، ولهم رزقهم وكسوتهم بالمعروف تلك السنين» (4) (5). وفيه: أن الظاهر من الرواية الثانية، وكذا ما استشهد فيها بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، أن إثبات العمالة لم يكن بطريق الاشتراط، فيمكن أن يكون بطريق الاستثناء; فإن منافع العبد لمولاه، وله استثناؤها حين العتق، وهذا غير الاشتراط فيه. وأما الرواية الأولى، فالظاهر رجوعها إلى الثانية، التي استشهد فيها الإمام الصادق (عليه السلام) بعمل أمير المؤمنين (عليه السلام).
1 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن السندي بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن أبي العباس. والرواية موثقة لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان. أنظر رجا ل النجاشي: 13 / 8، رجال الكشي: 375 / 705، معجم رجا ل الحديث 1: 157 / 37. 2 - تهذيب الأحكام 8: 237 / 857، وسائل الشيعة 23: 25، كتاب العتق، الباب 10، الحديث 2. 3 - وفي نسخة: أبا نيروز [منه (قدس سره)]. 4 - الفقيه 3: 75 / 262. 5 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 31 / السطر 13 وما بعده. 380 مع أن قوله (عليه السلام): «على أن يعملوا» غير ظاهر في الاشتراط، وغير آب عن الحمل على الاستثناء. وتشهد لذلك أو تؤيده، موثقة زرارة (1)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه، وهو يعلم أن له مالا، ولم يكن استثنى السيد المال حين أعتقه، فهو للعبد» (2). حيث يظهر منها أن الاستثناء أمر معهود. وكيف كان: لا تدل تلك الطائفة على المطلوب، بل في رواية أبي جرير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لمملوكه: أنت حر، ولي مالك. قال: «لا يبدأ بالحرية قبل المال، يقول: لي مالك، وأنت حر، برضا المملوك، فإن ذلك أحب إلي» (3). ولو كان الشرط في العتق صحيحا، لما كان يأمره بذلك، ويظهر منها أنه بنحو الاستثناء، فيكون الاستثناء قبل التحرير أحرى. بل يمكن الاستئناس لعدم صحة الشرط، من صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعتق جاريته، وشرط عليها أن تخدمه
1 - رواها الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن بكير، عن زرارة. والرواية موثقة بعبد الله بن بكير فإنه فطحي ثقة. أنظر الفهرست: 106 / 452، رجا ل الكشي: 345 / 639، و 375 / 705. 2 - الكافي 6: 190 / 2، الفقيه 3: 69 / 237، تهذيب الأحكام 8: 223 / 804، الاستبصار 4: 10 / 31، وسائل الشيعة 23: 47، كتاب العتق، الباب 24، الحديث 1. 3 - الكافي 6: 191 / 5، تهذيب الأحكام 8: 224 / 806، الاستبصار 4: 11 / 33، وسائل الشيعة 23: 48، كتاب العتق، الباب 24، الحديث 5. 381 خمس سنين فأبقت، ثم مات الرجل، فوجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها؟ قال: «لا» (1). بأن يقال: لو كان الشرط في العتق نافذا، لكان للورثة حق استخدامها بالإرث، والحمل على التقييد بنحو لا يورث، أو على انقضاء زمان الاستخدام، خلاف الظاهر، وخلاف ترك الاستفصال. وأما صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله: أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن أزوجك جاريتي هذه، فإن نكحت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك، فنكح أو تسرى، أعليه مائة دينار ويجوز شرطه؟ قال: «يجوز عليه شرطه» (2). وقريب منها صحيحة محمد بن مسلم إلا أن فيها: في الرجل يقول لعبده: أعتقك على أن أزوجك ابنتي (3) وكذا في غيرها (4). فيحتمل فيها أن يكون التزويج والإلزام بالمائة - على تقدير النكاح، أو التسري - كلها شرطا في العتق. وأن يكون التزويج شرطا فيه، والآخر شرطا في النكاح.
1 - الكافي 6: 179 / 2، الفقيه 3: 69 / 235، تهذيب الأحكام 8: 222 / 797، وسائل الشيعة 23: 26، كتاب العتق، الباب 11، الحديث 1. 2 - الفقيه 3: 69 / 233، وسائل الشيعة 23: 27، كتاب العتق، الباب 12، الحديث 1. 3 - الكافي 6: 179 / 4، تهذيب الأحكام 8: 222 / 796، وسائل الشيعة 23: 27، كتاب العتق، الباب 12، الحديث 4. 4 - الفقيه 3: 69 / 234، وسائل الشيعة 23: 27، كتاب العتق، الباب 12، الحديث 2. 382 وأن يكون المراد من قوله: «على أن أزوجك» بمعنى أن المقاولة كانت على أن يعتقه لتزويج البنت والشرط فيه، فأعتقه وزوجه، وشرط عليه ما ذكر. ثم إن احتمال أن يكون التزويج شرطا في العتق، يبعده أن ذلك الشرط غير معهود، بل من المستنكر عند العقلاء; فإن الأب لا يشترط على شخص أن يزوجه ابنته. ولو فرض بعيدا أن يتفق ذلك، لا بد وأن تكون العبارة: «أعتقك على أن تتزوج ابنتي» حتى يكون الشرط على الزوج. والظاهر أن المولى لما رأى العبد شخصا صالحا لائقا بأن يزوجه ابنته، وإنما العيب فيه هو الرقية، أراد أن يجعله عاتقا; لرفع العيب والعار، ثم تزويجه بالشرط الكذائي، كما يكشف ذلك من موثقة إسحاق المتقدمة، حيث قال فيها: إن الرجل يعتق مملوكه، ويزوج ابنته، ويشترط عليه كذا (1) وهذا أمر صحيح معقول. والظاهر أن سائر الروايات بهذه المثابة، مع أن تلك الروايات، لم تكن بصدد بيان تمام القضية وكيفية الاشتراط، ولهذا لم يذكر فيها قبول الرجل، مع أن قبوله بعد العتق معتبر. والإنصاف: أن الخروج عن القواعد من أجل تلك الروايات، غير صحيح. نعم، قال المجلسي (رحمه الله): أجمع الأصحاب على أن المعتق إذا شرط على العبد المعتق شرطا سائغا في العتق، لزمه الوفاء به، سواء كان الشرط خدمة
1 - تقدم تخريجه في الصفحة 378، الهامش 4. 383 معينة، أم مالا معينا. وهل يشترط في لزوم الشرط قبول المملوك؟ قيل: لا، وهو ظاهر اختيار المحقق (قدس سره) (1)، وقيل: يشترط مطلقا، وهو اختيار العلامة (قدس سره) في «القواعد» (2) فاشترط قبوله في اشتراط المال، دون الخدمة، واختاره فخر المحققين (قدس سره) (3). انتهى (4). والعبارة كما ترى ناقصة، لكن المراد معلوم، وهو أن المسألة ذات أقوال ثلاثة، إلا أن الشأن في الاعتماد على نقل هذا الإجماع; ضرورة أن مستند الأصحاب، هو تلك الروايات لا غيرها، والاختلاف في الفرع الآخر، مبني على اختلاف الأخبار. وكيف كان: لو فرض صحة الإجماع، أو سلمت دلالة تلك الروايات على المقصود، فلا يستفاد منهما جواز شرط الخيار، كما هو المقصود هاهنا; فإن محط الأخبار وكذا معقد الإجماع، غير ما ذكر، بل ادعي عدم الخلاف في بطلان شرط الخيار في الإيقاع (5). فتحصل مما ذكر: عدم صحة الشرط في الإيقاعات، ولا سيما شرط الخيار، فإنه مما لا ينبغي الإشكال في بطلانه.
1 - شرائع الإسلام 3: 81. 2 - قواعد الأحكام 2: 98 / السطر 9. 3 - إيضاح الفوائد 3: 478. 4 - مرآة العقول 21: 295، ملاذ الأخيار 13: 438، مع اختلاف يسير. 5 - المكاسب: 233 / السطر 8، وراجع ما تقدم في الصفحة 373، الهامش 1. 384 بطلان شرط الخيار في العقد المتضمن للإيقاع ومما ذكرناه، يظهر حال العقد المتضمن للإيقاع كعقد الصلح إذا كان التصالح على الإبراء، كأن يقول: «صالحتك على إبراء ذمتك في مقابل كذا» وكالصلح المتضمن للإسقاط، كقوله: «صالحتك على إسقاط دعواي في مقابل كذا» مما يكون التصالح على نفس الإبراء والإسقاط، فإن هدم الإبراء والإسقاط، فرع اعتبار وجودهما بعد العقد، وقد عرفت الإشكال فيه (1). صحة شرط الخيار في العقد المفيد فائدة الإبراء وأما العقد المفيد فائدة الإبراء أو الإسقاط، كالصلح على ما في الذمة، حيث يكون موجبا لإبرائها بعد تحقق الصلح، فالظاهر جواز الاشتراط فيه; لأنه كسائر العقود وكغيره من موارد الصلح، وكبيع الدين على من عليه ذلك. وقد وقع الخلط في كلام الشيخ (قدس سره) (2) وبعض آخر (3) بين العقد المشتمل على الإيقاع، والعقد الذي يفيد فائدته، فلا تغفل. بطلان شرط الخيار في العقود الجائزة أبدا دون ما تلزم أحيانا وأما العقود الجائزة، التي لا يعتريها اللزوم في حال، فلا يصح شرط الخيار فيها; ضرورة أنه لغو غير عقلائي، فلا يصح في الوكالة، والعارية، والوديعة،
1 - تقدم في الصفحة 375 - 376. 2 - المكاسب: 233 / السطر 19. 3 - منية الطالب 2: 57 / السطر 10. 385 ونحوها، لا لأنها عقود إذنية، أو ليست بعقود إلا مسامحة; ضرورة أنها عقود جائزة كسائر العقود الجائزة. ولا لأن الخيار ملك الالتزام، ولا التزام فيها (1); فإنه غير مرضي، ولا دليل عليه في العرف والشرع، بل العرف على خلافه. بل لأن أدلة الشروط والعقود، لا تشمل ما لا يكون عقلائيا، بل يعد لغوا وباطلا. نعم، لو كان عقد جائز نفسا وذاتا، يطرأ عليه اللزوم ولو في بعض الأحوال أو الأحيان، فمن أجل خروج شرط الخيار فيه بذلك عن اللغوية، لا مانع منه لولا محذور آخر، كالهبة على ذي رحم، بل مطلق الهبة بملاحظة لزومها في بعض الأحيان، كما لو تصرف في الموهوب بما يخرجه عن القيام بعينه. وكذا الهبة المعوضة، فإن الشرط فيها لا يكون لغوا، إلا أن احتمال كون اللزوم فيها حكميا، وكون الشرط مخالفا للكتاب، يمنع عن صحته، وأصالة عدم المخالفة، لا تجري على ما يأتي في محله، وأشرنا إليه فيما سلف (2). بطلان شرط الخيار في الوقف وأما الوقف، فلا يصلح للخيار فيه; لأنه إيقاع على الأظهر، وماهيته حبس العين، وتسبيل المنفعة، ولا فرق في ماهيته بين الأوقاف العامة التي قالوا: بعدم الاحتياج فيها إلى القبول، وبين الخاصة، وإنما الاختلاف بينهما في المتعلقات، لا في نفسها، فهو إيقاع في الموردين، ولا يحتاج إلى القبول فيهما. ولو قلنا: باحتياج الأوقاف الخاصة إلى القبول، أو احتياج الوقف مطلقا
1 - منية الطالب 2: 55 / السطر 6. 2 - تقدم في الصفحة 377 - 378. 386 إليه، فلا يخرجه هذا القبول من الإيقاع إلى العقود; ضرورة أن اعتبار القبول، ليس لأجل أن الوقف معاقدة بين الواقف والموقوف عليه، بل لأن تملك المنفعة - على ما قيل - لا بد فيه من القبول، ولا معنى للتملك القهري، وهذا غير كون الوقف من المعاقدات. مع أنه لا دليل على هذا المدعى، فيمكن أن يكون الوقف كالإرث. وعلى أي حال: سواء كان محتاجا إليه أم لا، لا دليل على بقائه اعتبارا عند العرف أو الشرع، بل الظاهر أنه لا يكون باقيا، بخلاف المعاقدات; لبقائها عرفا وشرعا; فعدم صلاحية الوقوف مطلقا للخيار; لعدم إمكان الفسخ والحل فيه، كما مر في الإيقاع (1). بل لو سلم كونه من العقود، فليس من العقود التي لها بقاء اعتبارا، ولو شك في ذلك كفى في عدم صحته. هذا هو الوجه، وأما الوجوه الأخر: ككونه عبادة، ويشترط فيها القربة، وأنه فك ملك بلا عوض (2)، فمنظور فيها، وقد تصدى المحققون لجوابها (3)، فلا نطيل.
1 - تقدم في الصفحة 378. 2 - مسالك الأفهام 3: 212، أنظر جواهر الكلام 23: 63، المكاسب: 233 / السطر 25، منية الطالب 2: 57 / السطر 2. 3 - حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 68 / السطر 24، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 33 / السطر 11، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 27 / السطر 8، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 49 / السطر الأخير. 387 بطلان شرط الخيار في الصدقة وأما الصدقة، فلا يصح شرط الخيار فيها ولو مع الغض عن النص; لما تقدم من احتمال مخالفته للشرع (1). مع أن ظاهر النصوص، عدم الجواز في مطلق الصدقة، حتى الوقف الذي أريد به وجه الله; لكونه صدقة بحسب النص، لقوله (عليه السلام): «إنما الصدقة لله عز وجل، فما جعل لله عز وجل فلا رجعة له فيه» (2). والظاهر عدم شموله للبيع ونحوه، إذا فرض إتيانه بقصد القربة; لانصراف الدليل عنه بلا شبهة، ولكونه غير مجعول لله تعالى بحسب طبعه، بل مجعول لغرض الانتفاع ونحوه وإن كان يتفق حصول قصد التقرب فيه طولا، ولهذا يحتمل أن لا يشمل الوقف نوعا، فيختص بما هو ممحض في الله تعالى. وكيف كان: لا شبهة في شموله للصدقة المعروفة، ودعوى أن جعل الخيار يوجب التزلزل فيها من الأول، فلا يصدق معه «الرجوع» و «الرجعة» كما ترى (3). عدم صحة شرط الخيار في عقد النكاح وأما النكاح، فلا يصح فيه; للتسالم بين الأصحاب، ودعوى الإجماع
1 - تقدم في الصفحة 377. 2 - الفقيه 4: 183 / 641، وسائل الشيعة 19: 204، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 11، الحديث 1. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 33 / السطر 32، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 50 / السطر 29. 388 وعدم الخلاف فيه (1). ولأن النكاح بما أن له شأنا خاصا في جميع الملل والنحل وآدابا خاصة، وكذا الفراق منه - حتى أنه قد اعتبرت فيه شرعا شروط وآداب خاصة، وسبب خاص; هي كلمة «هي طالق» لا غير، حتى المجازات والكنايات وما يفيد صريحا الفراق والطلاق، إلا في بعض الموارد المستثنى منه شرعا - يحدس الفقيه بأنه ليس مثل المعاملات القابلة للفسخ بتوافق المتعاملين، ولا قابلا لجعل الخيار فيه، وأن لزومه حكمي; غير قابل للانحلال إلا بما جعله الشارع الأقدس موجبا له. ولا أقل من الاطمئنان والوثوق، بأن جعل الخيار مخالف للشرع، مع أن الشك كاف في ذلك. بطلان شرط الخيار في الرهن وأما الرهن، فلا يصح شرط الخيار فيه; لأنه مخالف لماهيته التي هي الاستيثاق على الدين، فأي استيثاق مع تمكن الراهن من حله بمجرد الإرادة والإنشاء؟! نعم، لا تبعد صحته معلقة على أمر يوجب رفع الحاجة إلى الاستيثاق. ثم إن الرهن لما كان جائزا من قبل المرتهن، فلا معنى للتقايل فيه; لأن التقايل فيما كان زمام أمره بيد الطرفين، بحيث لا ينفسخ إلا باجتماعهما عليه، وأما ما كان قابلا للانفساخ بفسخهما، أو فسخ أحدهما، فلا يجري فيه التقايل.
1 - الخلاف 3: 16، المبسوط 2: 81، السرائر 2: 246، مسالك الأفهام 3: 212، المكاسب: 233 / السطر 23. 389 فلا يتوهم أن الرهن مما يصح فيه التقايل، ولا يصح فيه جعل الخيار، وهو نقض للكبرى المدعاة (1). صحة خيار الشرط في المعاطاة وأما المعاطاة، فالظاهر دخول خيار الشرط فيها أيضا، وما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من عدم إمكان ارتباطه بالإنشاء الفعلي (2) غير وجيه; لأن الارتباط ليس إلا اعتباريا، وهو يحصل بالتعاطي مبنيا على الشرط. حول قاعدة كل ما تجري فيه الإقالة يصح فيه شرط الخيار ثم إن تلك الكبرى أي: كل ما تجري فيه الإقالة، يصح شرط الخيار فيه، تصح أصلا، ولا دليل على صحتها عكسا. أما الأولى: فالسر فيها ليس ما أفاده الشيخ الأعظم (رحمه الله) (3) على ما يتضح بالتأمل، بل السر أن المعاملة التي يجري فيها التقايل، يستكشف منه أنها تحت تصرف المتعاملين بعد تحققها ولزومها، وخروج أمرها من يد كل واحد منهما. فيستكشف من ذلك بنحو الوضوح والأولوية: أن زمام أمرها قبل تحققها ولزومها، بيدهما في ذلك. وإن شئت قلت: يستكشف منه أن اللزوم حقي، فلهما الاجتماع على رفعه بقاء، فضلا عن حال الحدوث الذي لم تخرج بعد عن تحت تصرفهما، أو تصرف
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 50 / السطر 35. 2 - المكاسب: 234 / السطر 9. 3 - المكاسب: 234 / السطر 12. 390 واحد منهما، فلازم صحة التقايل فيما يصح فيه، صحة جعل الخيار فيه برضاهما. وأما الثانية: فلأن من المحتمل أن يكون عقد، موضوعا لحكم شرعي بعد تحققه، دون ما قبله، فيكون لهما التصرف فيه حال حدوثه، دون حال بقائه، ولا راد لهذا الاحتمال، وعليه فيصح أن يستدل بعروض التقايل، على صحة جعل الخيار دون العكس. فحينئذ لو كان الصداق يصح فيه التقايل; إما لأجل صحة فسخ النكاح بالنسبة، كما مر نظيره في المعاملات، وإن كان هاهنا محل إشكال، أو لأجل أن الصداق أمر خارج عن ماهية النكاح، ويجري فيه التقايل بوجه مع بقاء النكاح على حاله، صح فيه الخيار.
391 الرابع خيار الغبن
393 أدلة خيار الغبن الاستدلال على خيار الغبن بآية التجارة لا إشكال في ثبوته; للتسالم بين الأصحاب من زمن شيخ الطائفة (1)، ولما يأتي من الوجه فيه (2)، وإنما الإشكال في الأدلة التي أقاموها عليه. وليعلم أولا: أن الخيار هاهنا كسائر الخيارات العقلائية والشرعية; مما يسقط بالإسقاط، ويورث... إلى غير ذلك من الأحكام، فلا بد للمستدل من أن يستدل بما يثبت كذلك، وأما الاختيار في الرد والقبول، الذي ثبت في بيع المكره والفضولي، فهو أجنبي عن المقام. فعن العلامة (قدس سره) (3) الاستدلال بقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) (4).
1 - الخلاف 3: 41، المهذب 1: 361، غنية النزوع: 224، السرائر 2: 249، تذكرة الفقهاء 1: 522 / السطر 40، أنظر مفتاح الكرامة 4: 570 / السطر 5، جواهر الكلام 23: 41، المكاسب: 234 / السطر 21. 2 - يأتي في الصفحة 417. 3 - تذكرة الفقهاء 1: 522 / السطر 41، أنظر المكاسب: 234 / السطر 23 4 - النساء (4): 29. 395 واستدل الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) بقوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (2) وجعل التمسك به أولى مما استدل به العلامة (قدس سره)، وإن استشكل في كل من التقريبين. واستدل بعض الأعاظم (قدس سره) بتمام الآية; من المستثنى، والمستثنى منه (3). فيقع الكلام أولا: في إمكان الجمع بلفظ واحد بين صحة المعاملة ولزومها على فرض، وبين صحتها مع الخيار أو بطلانها على فرض آخر. فيكون مفاد قوله تعالى: (تجارة عن تراض) أن التجارة عن تراض صحيحة، ولا عن تراض باطلة في بعض المعاملات، وخيارية في بعضها بالمعنى المتقدم الذي (4) هو محل البحث في المقام. والظاهر عدم الإمكان إن أريد الإثبات بنفس الآية، لا بالاتكال على حكم العقلاء; وذلك لأن نفي الرضا فيما يعتبر فيه ذلك، لا يعقل أن يكون نافيا لشئ، ومثبتا لشئ آخر، وكذا النهي عن أكل الأموال بالباطل، لا يعقل أن يكون موجبا لبطلان المعاملة وسلب صحتها، أو موجبا لسلب تأثير الأسباب الباطلة وموجبا لثبوت الخيار كما لا يخفى. مضافا إلى أنه مع إمكان الجمع، لا تكون الآية الكريمة دالة على المقصود. فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في تقريب الكلام المحكي عن العلامة (قدس سره): من أن رضا المغبون مبني على عنوان مفقود، وهو عدم نقصه في المالية عما يأخذه،
1 - المكاسب: 234 - 235. 2 - النساء (4): 29. 3 - منية الطالب 2: 58 / السطر 17. 4 - تقدم في الصفحة 395. 396 فكأنه قال: «اشتريت هذا الذي يساوي درهما بدرهم» فإن تبين الخلاف تبين أنه لم يكن راضيا، لكن لما كان المفقود صفة، لا يوجب تبين فقدها إلا الخيار، فالآية تدل على عدم لزوم العقد (1)، انتهى ملخصا. فيه: - مضافا إلى أنه على فرض تماميته، يكون الخيار خيار تخلف الوصف، لا خيار الغبن، ومضافا إلى الخلط بين دلالة الآية، وبين الحكم العقلائي - أن الآية لا تدل إلا على عدم الرضا بكون الفاقد للوصف مقابلا لثمنه، ومع فقد الرضا يكون باطلا; غير مترتب عليه الأثر، ومع لحوق الرضا يصير صحيحا كالفضولي، وهو غير ثبوت خيار الغبن، الذي هو حق قابل للإسقاط والتوريث. ألا ترى: أن ما ذكره صادق في العقد الفضولي والمكره، وأنه مع فقد الرضا باطل، ومع لحوقه به يصير صحيحا فعليا، مع أن ذلك الاختيار - أي اختيار الإجازة والرد - أجنبي عن الخيار؟! مضافا إلى أن المفروض أن المغبون حينما أوجد المعاملة، كان راضيا بها على ما وقعت عليه وإن وصفه بوصف كان مفقودا من الأول، ولا يعقل كشف عدم رضاه حال التبين عن عدم رضاه من الأول، كتوصيف الفرس الخارجي بالعربية. فالخيار لحكم عقلائي، والرضا بالفاقد للوصف، موجب لسقوط خياره، وأين هذا من دلالة الآية؟! ومما ذكرنا يظهر الكلام في تقريب دلالة صدر الآية، الذي جعله أولى بالتمسك من ذيلها; فإن ما يدل عليه، هو أن أكل المال بالأسباب الباطلة محرم،
1 - المكاسب: 234 / السطر 24. 397 ويظهر منه أن الأسباب الباطلة تقع فاسدة، وأما ثبوت الخيار مع ذلك، فهو أمر أجنبي عن مفاده. وما أفاده: من أن أكل المال على وجه الخدع مع عدم تسلط المخدوع - بعد تبين خدعه - على رد المعاملة، وعدم نفوذ رده، أكل بالباطل، وأما مع رضاه بعد التبين، فلا يعد أكلا بالباطل (1) انتهى. غير مرضي; فإنه - مضافا إلى أن مفاد الصدر، هو بطلان الأسباب الباطلة فقط، وأما عدم البطلان مع لحوق الرضا، فهو تمسك بالصدر والذيل معا - أن لازم ذلك هو البطلان في حال، والصحة في حال آخر، لا الخيار. مع أن عدم تسلطه على رد المعاملة، وعدم نفوذ رده، غير مربوط بالخيار، وغير مربوط بكون الأكل باطلا مع سبب باطل، فإثباته بالآية غير ممكن. كما يظهر الكلام في التشبث بتمام الآية; أي المستثنى منه والمستثنى (2)، بأنه إذا لم يكن راضيا فداخل في المستثنى منه، وإن صار راضيا يدخل في المستثنى، ضرورة أن الأمر في بيع الفضولي والمكره أيضا كذلك. مع أن هذا الاختيار الموجب لذلك، أجنبي عن خيار الغبن، بل عن الخيار مطلقا. بيان التعارض بين صدر آية التجارة وذيلها وحله ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره) بعد تقريب دلالة صدر الآية، أوقع التعارض بينه وبين ذيلها:
1 - المكاسب: 234 / السطر 30 - 31. 2 - تقدم في الصفحة 396. 398 تارة: تعارضا بالذات; بأن أكل المال على وجه الخدع أكل بالباطل، فيشمله الصدر، وتجارة عن تراض فيشمله الذيل. وأخرى: تعارضا بالعرض; بأن التجارة عن تراض، تشمل ما كان الغبن فيه على غير وجه الخدعة فقط، والأكل بالباطل يختص بما كان الغبن فيه على وجهها، ومع عدم القول بالفصل في الموردين، يقع التعارض، فيرجع على الفرضين إلى أصالة اللزوم (1). وفيه ما لا يخفى، سواء قلنا: بأن الاستثناء متصل، ومخرج للتجارة عن الأكل المنهي على جميع الوجوه (2)، وقوله تعالى: (بالباطل) تعليل للمستثنى منه; وذلك لإخراج التجارة عن تراض عن سائر الوجوه، فلا يحرم الأكل بها، ولا تكون من الأسباب الباطلة. أم قلنا: بأنه منقطع (3); فإن معنى الانقطاع في الاستثناء، ليس استقلال الجملتين; بحيث لا ترتبط إحداهما بالأخرى بوجه. بل الظاهر المطابق للفصاحة والاعتبار، أن المتكلم بصدد تأكيد الجملة المستثنى منها، وإخراج ما لا يكون داخلا; بدعوى أنه لما لم يكن المستثنى منه قابلا للإخراج منه، أخرج ما لم يكن داخلا; وذلك لأجل التأكيد، كقوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما) (4) ومعه يكون للكلام
1 - المكاسب: 234 - 235. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 1: 74 / السطر 15، منية الطالب 1: 50 / السطر 12. 3 - المكاسب: 122 / السطر 11، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 81 / السطر 5. 4 - الواقعة (56): 25 و 26. 399 - صدرا وذيلا - ظهور واحد. ومع الغض عنه، فلا إشكال في أن التقابل بين الجملتين في كلام واحد، موجب للظهور في أن التجارة ليست كسائر الوجوه باطلة، فهي مقابلة للباطل، فتكون بذاتها خارجة عن الأكل بالأسباب الباطلة، ومعه تكون الجملة الثانية مقدمة وحاكمة على الأولى، فلا وجه للتعارض. مضافا إلى أن التجارة لما كانت بحسب نظر العقلاء، من الأسباب غير الباطلة، فهذا يؤكد تحكيم الذيل على الصدر. الاستدلال على خيار الغبن بتخلف الشرط الضمني وقد يقال في بيان ثبوت الخيار: بأنه من جهة تخلف الشرط الضمني; فإن بناء المتعاقدين على تساوي العوضين في المالية، فيناط التبديل بالتساوي، وحيث كان هذا البناء نوعيا بحسب العرف، جرى نفس إجراء العقد مجرى اشتراط تساويهما في المالية، وتخلف البناء يوجب عدم التراضي بالمعاملة. ولما ثبت في الفضولي والمكره أن الرضا اللاحق كالسابق، فلم يكن تخلف البناء موجبا لفساد البيع رأسا، فله إقرار العقد واختيار نتيجته، وله رده... إلى أن قال بعد كلام طويل: إنه لو كان مدرك الخيار خصوص الشرط الضمني، فإثباته بالمعنى المصطلح في غاية الإشكال; لأن إناطة العوضين بالشرط، أو الوصف صريحا أو ضمنيا، لا يفيد إثبات الخيار... إلى آخر ما قال (1). وهذا قريب من تقريب الشيخ لكلام العلامة (قدس سرهما) (2)، لكن مع فرق بينهما;
1 - منية الطالب 2: 57 - 59. 2 - تقدم في الصفحة 397، الهامش 1. 400 وهو أن الظاهر من كلام الشيخ (قدس سره)، توصيف العوض بالمساواة، فيكون التخلف من قبيل تخلف الوصف، فيختص ببيع الأعيان الخارجية، دون الكليات; فإن توصيف الكلي بأي وصف كان، يوجب عدم انطباقه على المفقود، لا انطباقه عليه وثبوت الخيار. وأما الاشتراط، فيعم الأعيان والكليات; من أجل إمكان خيار تخلف الشرط فيهما. وفيه: أن ما يدعى من الشرط الضمني، أو الوصف الضمني، لم يثبت، بل المقطوع به خلافه; ضرورة أن من راجع السوق، لا يرى من هذا الابتناء والاشتراط الضمني أثرا، ولو كان ذلك عقلائيا وموجبا لحق عقلائي، لكان واضحا عندهم. مع أنه لو ادعى أحد، أن في جميع المعاملات اشتراطا بين المتعاملين، زائدا على المبادلة، لعد هازلا. على أنه لو كان هذا الاشتراط عقلائيا ثابتا فيها، لكان التصريح بالاشتراط لغوا زائدا، مع أنه صحيح عقلائي، وليس التصريح به لدفع وقوع الخلاف، فإن المدعى أن ذلك ثابت لدى المتعاملين مطلقا، ولا يعد توضيحا وتأكيدا لما هو ثابت. فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من أنه من قبيل الدواعي، بل قد لا يكون منها (1) متين، بل الشك في هذا الابتناء والاشتراط، كاف في عدم ثبوت الخيار، والرجوع إلى أصالة اللزوم. ثم على فرض ثبوت الشرط الضمني، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الخيار
1 - المكاسب: 234 / السطر 28. 401 بتخلفه، وإن كان هو خيار تخلف الشرط، لا خيار الغبن; فإن ثبوته بتخلفه عقلائي بلا ارتياب. فما توهم القائل بالشرط الضمني من عدم ثبوت الخيار، بل غاية الأمر ثبوت حق للمشروط له، فله إسقاط حقه ورضاه بالفاقد، وله عدم إسقاطه، وهذا لا يلازم فسخ العقد، فلعله يكون من الحقوق التي تبقى في ذمة من عليه الحق، ولا يمكن استيفاؤه (1) غير مرضي جدا. الاستدلال على خيار الغبن بحديث «لا ضرر» ومما استدل (2) به قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر ولا ضرار» (3) وقد عده الشيخ الأعظم (قدس سره) أقوى ما استدل به عليه (4)، والاستدلال به مبني على ما هو معروف عندهم; من أن مفاده هو نفي الضرر والضرار (5). وأما لو بنينا على أنه محمول على النهي، كقوله تعالى: (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (6) كما اختاره المتبحر المدقق شيخ الشريعة
1 - منية الطالب 2: 59 / السطر 11. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 522 / السطر 40، مفتاح الكرامة 4: 570 / السطر 24، رياض المسائل 1: 525 / السطر 12، مستند الشيعة 14: 390. 3 - الكافي 5: 294 / 8، الفقيه 3: 147 / 648، تهذيب الأحكام 7: 146 / 651، وسائل الشيعة 25: 429، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3 و 4. 4 - المكاسب: 235 / السطر 3. 5 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 116 و 118، كفاية الأصول: 432، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 37 / السطر 17، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 207 / السطر 12. 6 - البقرة (2): 197. 402 الأصفهاني (قدس سره) (1)، سواء قلنا: بأنه نهي شرعي إلهي كما هو مختاره، أم قلنا: بأنه نهي سلطاني كما هو المختار، فيكون أجنبيا عن الاستدلال به للمقام، وقد استقصينا البحث عنه في رسالة مفردة (2)، لا تتضح حقيقة الحال فيه إلا بالرجوع إليها. ثم ليعلم: أنه لا إشكال في أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر ولا ضرار» مجاز، سواء قلنا بمقالة الشيخ الأعظم (قدس سره)، أم قلنا بغيرها من المحتملات الكثيرة. وتوهم: أنه حقيقة على فرض حمله على نفي الموضوع تشريعا، لا نفي الموضوع الخارجي تكوينا، كما ادعاه بعض الأجلة في تعليقه على البيع (3). أو أنه حقيقة; لأنه محمول على نفي حقيقة الأحكام الضررية من صفحة التكوين، وأنها بشراشر هويتها وتمام حقيقتها مما تنالها يد الجعل فإن تشريعها عين تكوينها... إلى آخر ما نسج على هذا المنوال، كما هو صادر عن بعض الأعاظم (قدس سره) (4) لا ينبغي الإصغاء إليهما; ضرورة أن إطلاق «الضرر» وإرادة الموضوعات الضررية أو الأحكام الضررية، لا يمكن أن يكون حقيقة. حديث «لا ضرر» ناف غير مثبت لحكم نعم، لا إشكال في أن هذا التركيب من الحقائق الادعائية، لا من قبيل المجاز في الحذف، ولا من استعمال اللفظ في غير الموضوع له. وعليه فيقع الكلام: في إمكان تكفل دليل «لا ضرر...» لنفي الأحكام
1 - قاعدة لا ضرر، شيخ الشريعة الأصفهاني: 18 - 19 و 24 - 25. 2 - بدائع الدرر في قاعدة لا ضرر، الإمام الخميني (قدس سره): 86 و 105. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 52 - 53. 4 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 203 / السطر 1، و: 207 / السطر 12. 403 الضررية، وإثبات الخيار ونحوه بلفظ واحد، واستعمال كذلك. فنقول: لا ينبغي الإشكال في أن دليل «لا ضرر...» ليس نحو دليل نفي الحرج; فإن الثاني المستفاد من قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (1) لا يكون متكفلا إلا لسلب جعل الحرج في الدين، ولا يعقل أن يفيد بهذا اللفظ إثبات شئ; من حكم وضعي، أو تكليفي. وأما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر ولا ضرار» بعد كونه من الحقائق الادعائية، فلا محالة يكون للدعوى المذكورة مصحح، فإن كان المصحح هو عدم جعل الأحكام الضررية، فادعى المتكلم أنه إذا لم يكن في تشريع الأحكام حكما ضرريا، فلا يتحقق ضرر، فلا يعقل أيضا تكفله بإثبات خيار أو نحوه. وأما إذا كان المصحح لها هو سد جميع أنحاء الضرر، فكما أنه لم يجعل الأحكام الضررية، وسد باب الضرر من هذه الناحية، كذلك سد باب إضرار الناس بعضهم ببعض في عالم التشريع; بالنهي عن الضرر والإضرار، وكذلك سد باب الضرر الوارد على الناس; بجبرانه في التشريع، وسد الخلة من هذه الناحية أيضا. فإذا رأى المتكلم، أن الشارع الأقدس سد جميع أبواب الضرر; بحيث لو دخل أحد في هذه الشريعة يأمن عن مطلق الضرر; لعدم الجعل، والنهي عن الإيقاع، وجبر ما وقع، صح له دعوى أنه لا ضرر ولا ضرار. وعلى هذا: يكون «لا ضرر...» مشرعا; بمعنى أنه إذا أتلف شخص مال غيره، يستفاد من القاعدة ضمانه، ووجوب رد غرامته، وإذا أضر به نفسا أو طرفا، يكون له القصاص أو الدية، وإذا غصب ماله يجب عليه الرد، وإذا باع
1 - الحج (22): 78. 404 ماله بأقل من قيمته من دون إقدام منه، يكون له الرد والخيار... وهكذا. فيمكن على هذا، الجمع في هذا الدليل بين نفي الأحكام الضررية، وإثبات الأحكام الوجودية. ثم بعد إمكان ذلك، يمكن دعوى كون المصحح للدعوى في المقام، هو ذلك; إذ بدون سد جميع أنحاء الضرر، لا تصح دعوى عدم تحققه، فلو أرخى للناس عنانهم في إضرار بعضهم بعضا، لم تصح له دعوى عدم تحقق الضرر في أرجاء الشريعة، وإن سد من قبل عدم تشريع الأحكام الضررية. ولو سد من هذه الناحية أيضا، لكن بعد إضرار بعضهم بعضا، لم يسد ضررهم بإيجاب الجبران مالا أو نفسا، لم تصح الدعوى المذكورة، فمصحح تلك الدعوى، هو سد جميع أنحاء الضرر والضرار. فحينئذ يكون دليل نفي الضرر، نافيا للأحكام الضررية، ومثبتا لما يدفع به الضرر، كالدرك، والخيار، ونحوهما، هذا غاية ما يمكن أن يقرر به وجه الاستدلال. لكن يمكن الإشكال فيه: بأن هذا الكلام قد يصدر من سلطان، فيدعي «أنه لا ضرر ولا ضرار في أرجاء مملكتي» فبما أنه ينفي الضرر عن حيطة سلطانه، لا تصح الدعوى إلا مع عدم كون مقرراته ضررية، ومع الدفاع عن المظلومين، وتدارك ما وقع من الضرر والنقص على رعيته. وأما لو صدر عن المشرع والمقنن بما هو مشرع ومقنن، كان ذلك قرينة على نفي الضرر في تشريعه وتقنينه، فحينئذ لو كان حكم بإطلاقه يستتبع الضرر، ينفى بدليله. وأما النهي عن الضرر والضرار، فإنما هو لدفع وقوع الضرر الخارجي على الناس، من غير دخالة لتشريعه في الوقوع في الضرر، فالضرر غير مربوط
405 بالتشريع، والنهي تشريع لدفعه، والدعوى المذكورة أجنبية عن الدفاع عن إضرار الغير. وأولى بذلك تدارك ما وقع من الضرر مالا ونفسا; فإن الضرر لم يكن في تشريعه وتقنينه، بل لو أمر بالجبر والتدارك، فإنما هو لرفع الضرر غير المربوط بالتشريع. وبالجملة: لا تكون دعوى المشرع إلا نفي الضرر في تشريعه، ومصححه ليس إلا عدم جعل الأحكام الضررية في شريعته، ودفع الناس عن الإضرار وتداركه بعد تحققه، غير مربوطين بدعواه. عدم جعل للشارع لصحة العقود ولزومها ثم إن الصحة واللزوم في العقود، لما كانا من الأحكام العقلائية الثابتة بين العقلاء، من غير فرق بين منتحلي الإسلام وغيرهم، لم يكونا من الأحكام الشرعية، والمجعولات الإلهية، ومن جملة تشريعاته، بل ما ورد من الشارع ليس إلا الإرشاد إلى ما عليه العقلاء، والتصديق لما بنوا عليه وإنفاذه. وليس الإنفاذ إلا إبقاء ما هو محقق بحاله، نظير أصالة الصحة، وقاعدة اليد، وحجية خبر الثقة، والظواهر... إلى غير ذلك، فإن في شئ من تلك الموارد، ليس للشارع تشريع وتقنين، فيصح للشارع دعوى عدم الضرر والضرار في تشريعه وتقنينه، ولو كانت العقود العقلائية فيها ضرر على الناس. نعم، له أن يدفع الضرر عنهم; بجعل الخيار، أو نفي الصحة، أو بالتدارك، لكنها لا تكون مستفادة من دليل نفي الضرر. وإن شئت قلت: بعد صحة الدعوى، إذا لم يكن في تشريعه ضرر - وإن كان فيما بين الناس معاملات ضررية، لم يكن للمشرع دخالة فيها، وإنما أقرها
406 على ما هي عليه - لم يكن دليل على شمول دليل نفي الضرر لمثلها، وإطلاق الدليل لا يشمل ما خرج عنه موضوعا. بل يمكن الإشكال ولو على فرض تشريع الشارع الأقدس الصحة واللزوم على طبق بناء العقلاء عليهما: إما بأن يقال: إن الضرر لم يرد على الناس من قبل تشريع الشارع، بل هو وارد عليهم، شرع اللزوم والصحة، أم لم يشرع، فيمكن معه أيضا دعوى عدم الضرر والضرار في أحكامه. أو بأن يقال: إن نفي تشريع الضرر، لا يكفي لسلب صحة المعاملات الضررية ولزومها، بل ما هو المؤثر هو ردعهم عن بنائهم، فسلب التشريع لا ينافي الصحة واللزوم، وما هو المنافي - أي الردع - لا يكون مفاد نفي الضرر. ولو نوقش فيه بأن يقال: إن نفس الإمضاء والإنفاذ، بما أنه من الأمور الإنشائية الجعلية، إذا كان ضرريا يشمله دليل نفي الضرر. يرد عليه: أن إنشاء الإنفاذ لا دخالة له في جواز العمل، بل عدم الردع يكفي في ذلك ولو قلنا: بأنه لأجل كشف رضاه، وهو أيضا ليس بتشريع حتى يشمله دليل نفيه، والشاهد عليه أنه لو علمنا برضاه ولو من سكوته، كفى في ذلك. نعم، يمكن أن يقال: إن التشريع الموافق لبناء العقلاء، لا يخرج عن الحكم التشريعي، ومع ضرريته عن كونه تشريعا ضرريا، ونفي التشريع بدليل نفي الضرر، كاف في بطلان المعاملة، أو سلب لزومها، وإن كان ذلك لأجل أن لازمه الردع عرفا، وكون الردع من اللوازم العقلائية - كما أنه كاف في ذلك - يوجب أن تكون الصحة أو اللزوم مشمولة لدليل لا ضرر، والمسألة بعد لا تخلو من إشكال.
407 عدم نفي «لا ضرر» للزوم ثم مع الغض عما مر، فلا ينبغي الإشكال في أن ما يوجب الضرر، هو البيع الغبني الصادر من المتعاملين، فالبيع ضرري بالذات، وحكم الشارع بالصحة ضرري بالتبع، فهي منفية بدليل لا ضرر، ولازمه بطلانه. وأما اللزوم، فهل هو أيضا مشمول لدليل نفي الضرر، وأن نفي الضرر كما ينفي حكم الشارع بالصحة، ينفي حكمه باللزوم؟ الظاهر أنه لا ينفيه; لأنه لا دخالة له في الضرر المعاملي، فإن المعاملة - لازمة كانت أم غير لازمة - ضررية، واللزوم مانع عن التخلص عن الضرر، لا أنه ضرر أو ضرري، فلا يكون مشمولا لدليله. نعم، قد يكون المنع عن دفع الضرر حرجيا، وهو خارج عن البحث. وما يقال: من أن البيع بوجوده الحدوثي المشمول لدليل الصحة ضرري، وبوجوده البقائي أيضا ضرري، والموجب له هو اللزوم (1) في غاية الإشكال; لأن الضرر هو بيع الشئ بأقل من قيمته أو بأكثر، وهذا - بقاء وحدوثا - ضرري ما دام موجودا، سواء كان لازما أم غير لازم، وحكم الشرع بالصحة ضرري حدوثا وبقاء. وأما اللزوم، فيوجب عدم تمكن المغبون من دفع الضرر الواقع عليه، ورفع اللزوم يوجب تمكنه من دفع الضرر الحاصل بالبيع وصحته، ودليل «لا ضرر...» إنما يكون مفاده نفي التشريع الضرري، وأما تشريع ما يتخلص به
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 53 / السطر 9 و 11. 408 من الضرر، فهو أجنبي عن مفاده. فالبيع الغبني لازما كان أم جائزا ضرري، والفرق بينهما: أن للبائع في الثاني طريقا للتخلص عن الضرر، دون الأول، وعدم طريق للتخلص عنه ليس ضررا. فما أفاده المحققون في المقام غير مرضي; فإن بعضهم ذهب إلى أن دليل الصحة مشمول للقاعدة، ولا تصل النوبة إلى دليل اللزوم، لكن الإجماع قائم على صحة البيع الغبني، فالمنفي هو اللزوم. أو أن نفي الصحة مخالف للامتنان، ومعلوم أن دليل نفي الضرر امتناني، فلا ترفع به الصحة، فيكون المنفي اللزوم (1). وبعضهم ذهب إلى أن الجمع بين القواعد ولزوم العمل بها حتى الإمكان، يوجب أن يكون المنفي اللزوم; أخذا بالقاعدة بالنسبة إلى الصحة. أو أن الضرر إنما يتوجه إليه من اللزوم، لا من الصحة (2)، وقد ظهر الإشكال فيها مما ذكرناه. ثم إن قضية امتنانية نفي الضرر، لا تتنافى مع رفع الصحة الفعلية، كما في حديث الرفع (3) بالنسبة إلى بيع المكره; فإن البيع العقلائي - على الفرضين - محقق، وإنما الشارع الأقدس نفى الحكم الضرري; أي الصحة، كما رفع ما اكرهوا عليه، فتتوقف الصحة الفعلية على إجازة المكره والمغبون، من غير مخالفة للامتنان. ثم إن الإجماع على الصحة، أو مخالفة نفي الصحة للامتنان، لا يوجب
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 53 / السطر 16 - 20. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 37 - 38. 3 - التوحيد: 353 / 24، الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1 و 2. 409 شئ منهما انطباق دليل لا ضرر على اللزوم، بعد ما عرفت من أن اللزوم لا دخل له بالضرر، وسد باب التخلص عنه ليس ضررا، فيلزم - على فرض صحة الإجماع، أو امتنانية الحديث - عدم بطلان البيع، فيكون صحيحا لازما، ومجرد الإجماع على الصحة، لا يوجب تطبيق ما لا يكون مفادا ل «لا ضرر...» عليه، وكذا حال الامتنان. فتحصل مما مر: أن مفاد دليل نفي الضرر، إن كان نفي الأحكام الضررية، أو نفي الموضوع الضرري - كالبيع ونحوه بلحاظ الأحكام - فلا يثبت به الخيار، ولا تحتمل فيه المحتملات التي أشار إليها الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، وأضاف إليها بعض السادة الأجلة في تعليقته (2). المحتملات الأخر في الحديث باعتبار المنفي وهنا احتمالات أخر زائدة على ما ذكراه; إذ بعد فرض أن مفاده نفي الحكم ابتداء، أو نفيه باعتبار نفي الموضوع، فلا يحتمل فيه إلا نفي الصحة. نعم، فرق بينهما من جهة أن نفي الصحة، لا ينافي بقاء العقد الإنشائي العقلائي، فيكون قابلا لإلحاق إجازة المغبون به، فيصير صحيحا فعلا، كعقد الفضولي. وأما نفي الموضوع في اعتبار الشارع، فينافي لحوقها به; لعدم تحقق بيع في اعتباره، حتى تلحق به الإجازة. وبهذا البيان يمكن المناقشة في صحة لحوقها بعقد المكره; لأن
1 - المكاسب: 235 / السطر 8. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 37 / السطر 11. 410 قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «رفع.... ما اكرهوا عليه» (1) ظاهر في رفع الموضوع اعتبارا، إلا أن يدل دليل على صحة اللحوق به، هذا حال الاحتمالين. وأما على الاحتمال الذي تقدمت الإشارة إليه; من كونه حقيقة ادعائية (2)، وكون مصحح الدعوى سد أنحاء الضرر، سواء كان من قبل الحكم، أو من قبل المكلفين; بإضرار بعضهم ببعض، فمنعهم عن ذلك، بل وشرع جبر الضرر فيما وقع المكلف فيه، فتأتي الاحتمالات على فرض قيام الإجماع على عدم بطلان البيع الغبني، إذ لولا الإجماع يحكم ببطلانه; لأجل نفي الحكم الضرري. وأما مع عدم البطلان، فيمكن دفع الضرر وجبره; برفع اللزوم حكما، أو بإثبات خيار فسخ العقد; أي خيار الغبن، أو برفع اللزوم حكما بالنسبة، أو بجعل الخيار كذلك، أو بجعل الأرش والدرك أو بالتخيير بين المذكورات... إلى غير ذلك. فلا يمكن مع الاحتمالات، وعدم القدر المتيقن بينها، الحكم بواحد منها تعيينا أو تخييرا; إذ من المحتمل أن يكون الدفع بالخيار لا بغيره، أو بالأرش لا بغيره، أو بالجواز الحكمي لا بغيره... إلى غير ذلك. بطلان بعض الاحتمالات ثم إن بعض الاحتمالات التي ذكرت في المقام، لا يمكن الالتزام بها، ولا تطبيقها على القواعد، كاحتمال رد الزائد، أو الفسخ بالنسبة إليه، مع عدم رد شئ من العوض، كما نسب نظيره إلى الأكثر في البيع المحاباتي الصادر من
1 - تقدم في الصفحة 409، الهامش 3. 2 - تقدم في الصفحة 403 - 404. 411 المريض (1); ضرورة أن رد العقد في المقدار الزائد مع عدم رد ما يقابله من المثمن أو الثمن، مخالف لمقتضى العقد، كما حكي عن العلامة (قدس سره) إشكالا على القوم في معاملة المريض (2). ولا تخلص من هذا الإشكال إلا إذا كان الزائد عطية، لا دخيلا في المعاملة، وهو خلاف الواقع، وخلاف الفرض، ولا سيما في المقام. تكلف المحقق اليزدي لتطبيق خيار الغبن على القواعد وقد تكلف بعض السادة الأجلة (قدس سره) لتصحيحه، وتطبيقه على القواعد في المقام، وفي المعاملة المحاباتية، ولم يأت بشئ. قال: «يمكن أن يقال: إذا كانت مقابلة المجموع بالمجموع; بتخيل مساواتهما في المالية، فكأنه قابل كل جزء من أحدهما بما يساويه في المالية، فإذا فرضت زيادة مالية أحدهما، فكأنها لم تقابل في المعاملة بعوض، وإنما أعطيت مجانا، فبهذا الاعتبار يجوز لصاحب الزيادة استردادها. إلى أن قال: وهذا إذا كان بنحو التقييد، يستلزم بطلان المعاملة بالنسبة إليه، وإن كان على وجه الداعي أو الاشتراط، يكون له الخيار في الاسترداد. إلى أن قال: فله الإمضاء وله الاسترداد» (3) انتهى، ثم قال بمثل ذلك في البيع المحاباتي من المريض. وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن البيع لو وقع على المجموع بالمجموع، فإن
1 - المكاسب: 235 / السطر 8. 2 - تذكرة الفقهاء 2: 518 / السطر 1، المكاسب: 235 / السطر 10. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 35 - 36. 412 كان على داعي التساوي، فلا يوجب خيارا، ولا بطلانا، وعليه لا معنى لتوهم المجانية (1). وإن وقع عليهما مع اشتراط التساوي ضمنا، فلازمه خيار تخلف الشرط، لا استرداد الزيادة. وإن وقع على المثمن مثلا بما عدا الزيادة من الثمن، فتكون الزيادة خارجة عن المعاملة، فلا معنى لإمضائها في الجميع. وإن كانت الزيادة بمنزلة المجان، لا مجانية حقيقة، وتكون - بحسب الحقيقة - المقابلة بين المجموع بالمجموع، فلا تثبت دعواه. وقد تصدى بعض أهل التحقيق (قدس سره) لتصحيح بيع المريض (2)، ولم يأت بشئ، فراجع. وقد ظهر من جميع ما مر، عدم كون دليل نفي الضرر قابلا للاستناد في إثبات خيار الغبن. وأما الروايات الخاصة فعلى طائفتين: الاستدلال على خيار الغبن بأحاديث تلقي الركبان الطائفة الأولى: المرسلة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في باب تلقي الركبان، فعن «غوالي اللآلئ» عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه نهى من تلقي الركبان، وقال: «من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق» (3).
1 - نفس المصدر: 36 / السطر 2. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 53 / السطر 36. 3 - عوالي اللآلي 1: 218 / 85، مستدرك الوسائل 13: 281، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 29، الحديث 3. 413 وفي «الخلاف» في مسألة خيار الغبن: روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه نهى عن تلقي الركبان، «فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق» (1). وفي «الغنية»: وبنهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تلقي الركبان، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق» (2). وقد استشكل فيها بضعف السند أولا (3)، واحتمال كون الخيار غير الغبن، بل خيار التلقي، كما أفتى به بعض العامة (4)، بل ابن إدريس (5) هنا (6). أقول: أما ضعف السند فظاهر، ولم يظهر من الشيخ (قدس سره) أنها مستندة، بل يحتمل أن يكون استناده إليها إلزاما على العامة، كما هو دأبه في «الخلاف». بل هو الظاهر من ابن زهرة، حيث قال بعد تمسكه بالإجماع على ثبوت خيار الغبن: ويحتج على المخالف بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر...» إلى أن قال: وبنهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تلقي الركبان... إلى آخر ما تقدم. ودعوى: اشتهار الحديث بين القدماء من أصحابنا (7)، عهدتها على المدعي، مع أن نفس اشتهار الحديث لا يفيد، بل الجابر هو الاستناد في مقام الفتوى، ولم يثبت ذلك. بل لم تثبت الفتوى على خيار الغبن من قدماء أصحابنا، وإنما اشتهرت من
1 - الخلاف 3: 42. 2 - غنية النزوع: 224. 3 - المكاسب: 235 / السطر 3. 4 - الأم 3: 93، المغني، ابن قدامة 4: 281، المجموع 13: 24. 5 - السرائر 2: 237. 6 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 35 / السطر 29. 7 - مستند الشيعة 14: 389، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 52 / السطر 34، هداية الطالب: 454 / السطر 13. 414 زمان شيخ الطائفة (قدس سره) إلى ما بعده. وأما ضعف الدلالة فغير مرضي; لأنه الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق» كما في المرسلة، أو المرسلات المتقدمة. وكما فيما روى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار» (1). إذ من المعلوم: أن التعليق بإتيان السوق ودخوله، إنما هو لأجل الاطلاع على السعر الذي لا يحصل غالبا إلا بمراجعة السوق، ولو كان الخيار لنفس التلقي، لم يكن هذا التذييل مناسبا، بل نفس مناسبة الحكم والموضوع، توجب الوثوق بأنه خيار الغبن. وعن «دعائم الإسلام» عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه نهى عن تلقي الركبان، قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «هو تلقي الركبان لشراء السلع منهم خارجا من الأمصار; لما يخشى في ذلك على البائع من الغبن، ويقطع بالحاضرين في المصر عن الشراء، إذا خرج من يخرج لتلقي السلع قبل وصولها عليهم» (2). وهو أيضا يؤيد كون الخيار للغبن; فإن القطع بالحاضرين، لا يرتبط بخيار صاحب السلعة. بل لولا الغبن، يكون جعل الخيار كاللغو; ضرورة عدم الداعي للأخذ به نوعا، وقلما يتفق أن يفسخ البائع العقد مع كون القيمة مساوية للقيمة السوقية، فلا إطلاق للروايات يشمل غير المغبون.
1 - صحيح مسلم 3: 337 / 17، سنن النسائي 7: / 257، السنن الكبرى، البيهقي 5: 348. 2 - دعائم الإسلام 2: 31 / 64، مستدرك الوسائل 13: 281، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 29، الحديث 2. 415 الاستدلال على خيار الغبن بالروايات الدالة على حرمة الغبن الطائفة الثانية: جملة من الروايات، كرواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «غبن المسترسل سحت» (1). ورواية السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): غبن المسترسل ربا» (2). ورواية ميسر، عنه (عليه السلام) قال: «غبن المؤمن حرام» (3)... إلى غير ذلك (4). والاحتمالات في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «غبن المسترسل ربا» كثيرة، بعد ما كان الحمل على غير ما هو له، وكان استعاريا، فإنه يمكن أن يكون المراد ب «الغبن» معناه المصدري الذي هو معناه الحقيقي; أي الخديعة، وب «الربا» الفضل الحاصل بالبيع الربوي; أي خديعة المسترسل - أي الذي استأنس واطمأن بك في بيعه - بمنزلة الربا في الحرمة، فيكون التنزيل بلحاظ شدة حرمته. أو يكون المراد ب «الغبن» هو الزيادة الحاصلة بالبيع الغبني، فنزلت منزلة الزيادة الحاصلة بالبيع الربوي في الحرمة، فتدل على بطلان بيعه، أو
1 - الكافي 5: 153 / 14، وسائل الشيعة 18: 31، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 1. 2 - بحار الأنوار 100: 104 / 57، مستدرك الوسائل 13: 307، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 13، الحديث 1. 3 - الكافي 5: 153 / 15، تهذيب الأحكام 7: 7 / 22، وسائل الشيعة 18: 32، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 2. 4 - راجع وسائل الشيعة 17: 385، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 2، الحديث 7. 416 على الحرمة وإن لم يكن البيع باطلا، وتكون الزيادة ملكه، نظير ما قاله صاحب «الحدائق» (قدس سره) في العين التي يأخذها صاحبها بقضاء الجائر (1). أو يكون المراد: أن البيع الغبني كالبيع الربوي في الحرمة، أو فيها وفي البطلان... إلى غير ذلك من الاحتمالات، ويأتي بعضها في رواية إسحاق، وكيف كان لا مساس لها بالخيار كما لا يخفى. فتحصل مما مر: أن ما ذكروا في الاستدلال على الخيار لا يتم. نعم، يمكن أن يقال: إن الخيار في البيع الغبني، عقلائي بعنوان خيار الغبن، وهذا أسد ما في الباب. والإنصاف: أنه ثابت بذلك، وبالشهرة الثابتة من زمن الشيخ (قدس سره) إلى عصرنا (2)، بل عن جمع من الأصحاب دعوى الشهرة مطلقا (3)، وفي «الغنية» الإجماع عليه (4)، وبروايات تلقي الركبان المنقولة بين الفريقين، الدالة على خيار الغبن.
1 - الحدائق الناضرة 5: 508، الدرر النجفية: 45 / السطر 29. 2 - الخلاف 3: 41، السرائر 2: 249، تذكرة الفقهاء 1: 522 / السطر 40، مفتاح الكرامة 4: 570 / السطر 5، جواهر الكلام 23: 41، المكاسب: 234 / السطر 21. 3 - المهذب البارع 2: 374، مسالك الأفهام 3: 203، الروضة البهية 3: 463، مفتاح الكرامة 4: 570 / السطر 5 - 6، المكاسب: 235 / السطر 34. 4 - غنية النزوع: 224. 417 مسألة في شروط خيار الغبن يشترط في هذا الخيار أمران: الأمر الأول: عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم فلا خيار، وإن صدق عليه «الغبن» بالمعنى المعروف بين الأصحاب; وهو بيع الشئ بأقل من قيمته، أو بأكثر، بل بالمعنى اللغوي، إذ كان أحد معانيه هو النقص، كما يظهر من اللغة (1). وحكي عن الصيمري، وأبي العباس، وجماعة، أن حقيقة الغبن نقص أحد العوضين عن الآخر (2)، وإن أشعر آخر كلامهم بخلاف المقصود، لكنه ضعيف، كما يظهر بالتأمل فيه. وقيل: أهل الغبن أهل النقص في المعاملة (3)، هذا لو صح استعماله متعديا، بل وإن لم يصح، غاية الأمر لا يصح الغابن والمغبون بالمعنى المقصود.
1 - لسان العرب 10: 15، المصباح المنير: 442، أقرب الموارد 2: 860، المنجد: 544. 2 - المهذب البارع 2: 376، أنظر مفتاح الكرامة 4: 571 / السطر 10. 3 - مجمع البحرين 6: 288. 419 نعم، لا يصدق «الغبن» بمعنى الخديعة، لكن ما هو المقصود في المقام ليس بهذا المعنى. وعلى أي حال: لا يهمنا تشخيص المعنى اللغوي; لأنه لم يقع في الروايات موضوعا لحكم الخيار، وما وقع منه فيها مثل «غبن المسترسل» (1) أو «غبن المؤمن» (2) أجنبي عن المقام. نعم، في رواية «الدعائم» المتقدمة (3) إشعار بأن الموضوع هو الغبن. ثم إنه لا ينبغي الإشكال، في عدم الخيار مع علم المغبون; لما تقدم: من أن أسد الأدلة هو البناء العقلائي (4)، ولا إشكال في عدمه هاهنا. كما لا إشكال في عدم الإجماع والشهرة، لو لم نقل: بكونهما على خلافه، كما حكي الإجماع عن «التذكرة» و «المسالك» (5). كما أن سائر ما يتمسك به لهذا الخيار - غير دليل نفي الضرر - قاصر عن إثباته للعالم، كقوله تعالى: (تجارة عن تراض) (6) و (لا تأكلوا أموالكم) (7) وكالوصف أو الشرط الضمنيين، وهو واضح. وكذا روايات تلقي الركبان، فإن مصبها الجاهل بالقيمة; بدليل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق» (8).
1 - تقدم في الصفحة 416. 2 - تقدم في الصفحة 416. 3 - تقدم في الصفحة 415. 4 - تقدم في الصفحة 417. 5 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 2، مسالك الأفهام 3: 203، أنظر مفتاح الكرامة 4: 571 / السطر 12. 6 - النساء (4): 29. 7 - النساء (4): 29. 8 - تقدم في الصفحة 413، 414. 420 وأما دليل نفي الضرر: فقد يقال: بعدم شموله له; لأنه وارد في مقام الامتنان، ولا امتنان مع علمه وإقدامه (1)، وقالوا نظير ذلك في دليل الحرج، وفي سائر ما ورد الدليل فيه في مقامه (2). والظاهر عدم صحة هذه المزعمة في شئ من الموارد; فإن كون الورود في مقام الامتنان، لا يوجب تقييد الدليل; لاحتمال كونه نكتة للجعل، لا علة للحكم، ودعوى الانصراف عما لا يكون فيه امتنان كما ترى، وعهدتها على مدعيها، فإطلاق الدليل محكم. مع أن جعل الخيار حتى للعالم بالغبن، لا يكون مخالفا للامتنان، بل يؤكده; باعتبار احتمال حصول البداء للمغبون، لوضوح الفرق بين أمثال الصوم والأغسال الضررية والحرجية، وبين البيع الضرري; لإمكان أن يقال فيها: إن المكلف إذا تكلف وأتى بها بعد ضرريتها وحرجيتها، فالأمر بإتيانها ثانيا، أو بقضاء ما يشترط فيه الطهارة، خلاف الامتنان. وأما الخيار في البيع الضرري، ولو مع إيقاعه عن علم به، فلا يكون مخالفا للمنة، بل هي المرتبة الأعلى منها. هذا كله مع أن هنا روايات خاصة، تدفع هذه المزعمة، وهي ما وردت في باب وجوب الإفطار في السفر في شهر رمضان، كرواية ابن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر». ثم قال: «إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، أصوم شهر رمضان
1 - المكاسب: 236 / السطر 1، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 184. 2 - نهاية الأفكار 3: 212. 421 في السفر؟ فقال: لا. فقال: يا رسول الله، إنه علي يسير. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أيحب أحدكم لو تصدق بصدقة أن ترد عليه؟!» (1). وقريب منها مرسلة ابن أبي عمير (2). وكموثقة السكوني (3)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله عز وجل أهدى إلي وإلى أمتي هدية، لم يهدها إلى أحد من الأمم، كرامة من الله لنا. قالوا: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: الإفطار في السفر، والتقصير في الصلاة، فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله عز وجل هديته» (4). فترى كيف منع عن الصوم في السفر; لأجل كونه ردا لهديته تعالى، مع أن
1 - الكافي 4: 127 / 3، الفقيه 2: 90 / 403، تهذيب الأحكام 4: 217 / 630، وسائل الشيعة 10: 175، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 5. 2 - الكافي 4: 127 / 2، وسائل الشيعة 10: 174، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 4. 3 - رواها الشيخ الصدوق، عن أبيه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني. والرواية موثقة بالسكوني فإنه كان عاميا ثقة معتمدا عند الأصحاب. أنظر عدة الأصول 1: 149، معجم رجا ل الحديث 3: 105 / 1283. 4 - علل الشرائع: 382 / 1، وسائل الشيعة 10: 177، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 12. 422 من المعلوم أن هذا الحكم من الأحكام الامتنانية، كما يظهر من الآية الشريفة: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (1). ويظهر ذلك بوضوح من موثقة السكوني، فيظهر من تلك الروايات، عدم جواز رد ما يمن الله تعالى به، وأن الحكم الامتناني ثابت ولو مع إقدام المكلف. والإنصاف: أنه لا أصل لهذا المدعى رأسا إلا في بعض الموارد، مع قيام قرائن عقلائية عليه. ثم إنه لا إشكال، في أنه يلحق بالجاهل بالقيمة جهلا مركبا، الغافل عنها في ثبوت الخيار، من غير فرق بين كونه مسبوقا بالعلم وعدمه، كما لا إشكال في لحوق الاطمئنان بالقيمة، بالعلم بها في عدم ثبوته. حول ثبوت خيار الغبن مع الشك أو الظن بالقيمة وأما الشك فيها أو الظن بها، فهل هو ملحق بالعلم في عدمه، أو بالجهل في ثبوته، أو يفصل بين الموارد؟ والتحقيق أن يقال بعد الغض عما مر من الإشكالات (2): إنه إن قلنا: بأن الإقدام على البيع الضرري بعنوانه، موجب لمنع التشبث بالحديث لرفع الضرر، فلا يعقل تحقق الإقدام عليه من الشاك والظان; فإن الإقدام على الشئ بعنوانه، هو إتيانه بما هو عليه من العنوان، كإتيان الصلاة بعنوان وجوبها، فإن ذلك لا يعقل تمشيه من غير العالم به، وهذا كالجزم بالنية.
1 - البقرة (2): 185. 2 - تقدم في الصفحة 404. 423 فالإقدام على البيع الضرري بلا إحرازه، كالإقدام على إتيان الواجب بما هو كذلك بلا إحرازه، ولا يعقل البناء القلبي على أنه ضرري، كما لا يعقل الإقدام على الشئ على أي تقدير; بمعنى كون التقدير قيدا للإقدام، فإن الفعل الخارجي لا يعقل تحققه على أي تقدير. نعم، يمكن قصد إتيانه وإن كان فيه الضرر، لكنه ليس إقداما على الضرر، بل إقدام على البيع المحتمل كونه ضرريا، فلو كان مجرد الاحتمال والشك يوجب صدق الإقدام على الضرر، يجب أن يصدق الإقدام على عدم الضرر; لأن احتماله أيضا محقق. فالإقدام على المشكوك فيه إن كان إقداما على أحد طرفي الشك، لا بد من صدقه بالنسبة إلى الطرفين، وهو محال. وإن قلنا: بأن الإقدام على البيع غير المأمون من الضرر، كاف في عدم انطباق الحديث عليه، فلا شبهة في تحققه. وإن قلنا: بأن عنوان «الإقدام على الضرر» أو «على ما لا يؤمن منه» غير معتبر; لأنه ليس مأخوذا في لسان دليل، بل ما يمنع عن التمسك به، هو عدم كون نفي الضرر منة، أو كون نفيه خلاف المنة، من غير نظر إلى لفظة «الإقدام» فالظاهر تحقق المنة، ولا يكون نفيه خلافها. كما أنه إن شككنا في أنه موافق للمنة أولا; لأجل الشك في مفهومها، لا يصح رفع اليد عن إطلاق دليل «لا ضرر...» لأن الشبهة مفهومية مرددة بين الأقل والأكثر، ولا تكون من قبيل القرائن الحافة بالكلام حتى توجب الإجمال. بل الإطلاق منعقد، وبعد التأمل والتفكر في أطراف القضية، ننتقل إلى ما أفاده الأعلام، هذا بناء على التمسك في الخيار ب «لا ضرر...».
424 وأما بناء على ما قلنا: من أن الخيار عقلائي (1)، فلا تبعد عقلائيته في مورد الشك والظن بعدم الضرر، وأما مع الظن به لو كان غير معتبر، فيشكل إحراز البناء. حكم ما لو أقدم على الغبن فبان أزيد ولو أقدم على غبن يتسامح به، فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع، وإن كان كل واحد مما يتسامح به، أو أقدم على ما لا يتسامح به، فبان أزيد بما يتسامح به، أو بما لا يتسامح به، أو أقدم على ما يتسامح به، فبان أزيد بما لا يتسامح به، فالظاهر - بناء على أن الخيار لتخلف شرط التساوي - عدم ثبوته في شئ من تلك الصور; لأنه مع العلم بعدم التساوي، لا يعقل اشتراطه، والمفروض أنه عالم بعدمه. إلا أن يقال: إنه في هذا الفرض، يكون الشرط الضمني غير ما في سائر الفروض، نحو اشتراط عدم الزيادة عن هذا المقدار بما لا يتسامح به، أو بمجموعه، وهو - كما ترى - لا يرجع إلى محصل. والعجب من بعض الأعاظم (قدس سره) حيث قال: وقد يتوهم أن من أقدم على ما لا يتسامح به، فكأنه أسقط شرط التساوي، فلا موجب آخر للخيار. ولكنه فاسد; لأن مقدار التفاوت له مراتب، فقد يسقط المغبون جميعها، وقد يسقط بعضها، فلو أسقط مقدارا خاصا، فلا وجه لسقوط الخيار رأسا (2) انتهى.
1 - تقدم في الصفحة 417. 2 - منية الطالب 2: 63 / السطر 17. 425 وفيه ما لا يخفى; لأن الإشكال في الثبوت، لا في السقوط بعد الثبوت; ضرورة أن الشرط - على زعمه - هو التساوي، ومع عدمه لا معنى لشرطه، بل لا يعقل الجد فيه، ولا مراتب للتساوي حتى يقال: شرط بعضها دون بعض، أو أسقط كذلك. فقوله: «مقدار التفاوت له مراتب» أجنبي عن الإشكال والجواب عنه. ثم لا ينبغي الإشكال، في أن الإقدام على الغبن بما لا يتسامح به، موجب لعدم تحقق البناء على اشتراط التساوي. وأما إذا كان مما يتسامح به، فقد يتوهم: أن الاختلاف بمثله لا يخرج الشئ عن صدق التساوي، فلا يرد الإشكال في مثل هذه الصورة; بعدم تعقل اشتراط التساوي مع العلم بعدمه. لكنه فاسد; فإن المفروض أنه اختلاف وغبن، لكنه قليل، والتفاوت ولو كان باليسير، لا يجتمع مع التساوي عرفا ولا عقلا. نعم، قد يكون التفاوت بين الشيئين عقليا لا عرفيا، حتى مع الدقة العرفية; كما لو كان إناءان مملوءان من الماء، متساويين في الوزن والمقدار، فوضع رأس الإصبع على أحدهما; بحيث صار مرطوبا، فلا إشكال في صيرورته ناقصا عن الآخر في المقدار عقلا، كما لا إشكال في عدم التفاوت عرفا، حتى مع كمال دقته. وأما الاختلاف بمقدار واحد في مائة أو أكثر، فيوجب الخروج عن التساوي عرفا، فالزيادة بمقدار التسامح وإن لم توجب الخيار على ما سيأتي (1)، لكن لا إشكال في إيجابه عدم التساوي، ولا يعقل معه شرطه، فلا بد للقائل من
1 - يأتي في الصفحة 443. 426 العدول عن هذا الشرط إلى شرط آخر، وهو كما ترى. بل مع العلم بالتساوي أيضا، لا يتمشى الشرط العقلائي; لأن الباعث على الاشتراط عند العقلاء، هو تحصيل ما يشترطه تارة، كشرط الفعل، والخيار عند التخلف أخرى، كشرط التساوي في المقام، وشرط الوصف ونحوه، ومع العلم بتحقق ما أراد اشتراطه، لا يعقل الجد في الاشتراط العقلائي; فإنه لغو. فمن اشترى فرسا، لا يعقل عنده الجد في اشتراط عدم كونه حمارا، فمع العلم الوجداني بالتساوي، لا يعقل اشتراطه، كما لا يعقل اشتراط خلافه، هذا على مبنى شرط التساوي (1). وأما على مبنى كون الخيار عقلائيا (2)، فالظاهر اختلاف الصور المتقدمة في الحكم; فإن الزيادة على ما أقدم عليه، إذا كانت مما لا يتسامح بها، فالخيار ثابت، وكذا لو كان المقدم عليه مع الزيادة مما لا يتسامح بهما مجتمعا. بخلاف ما لو كان الإقدام على ما لا يتسامح به، وكانت الزيادة مما يتسامح فيها، فإن الخيار لا يثبت في هذه الصورة. وأما على مبنى لا ضرر (3)، فالظاهر ثبوت الخيار فيما إذا كانا باجتماعهما مما لا يتسامح به; لعدم الإقدام على المجموع الموجب للضرر، وإنما أقدم على ما لم يكن ضررا عرفا، كما هو ثابت فيما إذا كانت الزيادة مما لا يتسامح بها، وإن كان ما أقدم عليه أيضا مما لا يتسامح به; ضرورة تحقق ضرر لم يقدم عليه. وأما لو كان الزائد مما يتسامح به، والمقدم عليه مما لا يتسامح به،
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 34 / السطر 29، منية الطالب 2: 57 / السطر 18. 2 - حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 74 / السطر 30، تقدم في الصفحة 417. 3 - تقدم في الصفحة 420، الهامش 3. 427 فالظاهر عدم الخيار; لأنه أقدم على الضرر الموجب للخيار، والزائد على إقدامه كالحجر جنب الإنسان، فلا وجه للخيار مع إقدامه على ما هو الضرر، وعدم كون الزائد ضررا عرفا ومما لا يتغابن الناس به. هل تعتبر قيمة حال العقد أو غيرها؟ ثم إنه هل المعتبر القيمة حال العقد، فلو زادت بعده ولو قبل اطلاع المغبون على النقصان حال العقد، لم تنفع، أو المعتبر القيمة حال العلم، أو حال الفسخ، أو يفصل بين ما إذا قلنا: بأن خيار الغبن ثابت حال العقد، والعلم كاشف عقلا عنه، أو شرط متأخر، فيثبت الخيار حاله، وبين ما إذا قلنا: بأن ظهور الغبن شرط مقارن، فلا يثبت الخيار؟ قد يقال: بأن التحقيق هو التفصيل; لأنه على الثاني يكون العقد لازما إلى حال ظهور الغبن، وحاله لا يكون ثبوت اللزوم ضرريا على الفرض حتى يرتفع. وعلى الأول: يكون اللزوم حال ثبوته ضرريا، فيثبت الخيار، وارتفاع القيمة ليس مانعا عن ثبوته; لا حدوثا، ولا بقاء; أما حدوثا فلتمامية علته، وأما بقاء فلأنه ليس من مسقطات الخيار (1). وفيه: أنه يمكن المناقشة في كلا الشقين: أما في الشق الأول فبأن يقال: إن الخيار غير ثابت وإن قلنا: بأن العقد بنفسه موجب للخيار، وأن العلم كاشف، أو قلنا: بأنه شرط متأخر; وذلك لأن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر...» (2) لا يشمل الضرر المتدارك قبل اطلاعه، أو قبل
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 54 / السطر 38. 2 - تقدم في الصفحة 402. 428 فسخه. بل يمكن أن يقال: إنه مع ارتفاع النقص وتغيير السعر، لا يعد ضررا عرفا، فلا موجب للخيار. وأما في الشق الثاني: فبأنه يمكن الالتزام بالخيار حتى على فرض كون العلم شرطا مقارنا; بأن يقال: إن حدوث الضرر جزء من علة الخيار، والعلم به جزء آخر، فالخيار ثابت بالضرر الحادث المعلوم في الحال، بعد بطلان كون التدارك موجبا لعدم صدق «الضرر» أو موجبا لعدم انطباق دليل نفيه. فعلى القول: بأن مفاد «لا ضرر...» - ولو انصرافا - هو الضرر غير المتدارك (1)، لا يثبت الخيار مع تداركه إلى زمان الاطلاع أو الفسخ; أي قبله، سواء قلنا: بأن الخيار من حال العقد، أم قلنا: بأنه من حال العلم بالغبن. وعلى القول: بالتعميم، وأن العقد الضرري موجب للخيار بدليل نفي الضرر، والتدارك خارج عن مفاده (2)، فيثبت الخيار، سواء قلنا: بأنه ثابت من حال العقد، أو ثابت من حال العلم: أما على الأول: فواضح. وأما على الثاني: فلأن القائل: بأن دليل الخيار «لا ضرر...» وأن الخيار ثابت من حال ظهور الغبن، فلا محالة يلتزم بأن الخيار ثابت بدليل نفي الضرر مطلقا، وإنما قام الدليل الشرعي - من إجماع ونحوه - على أنه غير ثابت إلى زمان ظهور الغبن، فالإجماع مثلا مقيد لإطلاق دليل الإثبات.
1 - الوافية: 194، أنظر رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 114، قاعدة لا ضرر، شيخ الشريعة الأصفهاني: 24 - 25. 2 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 114 و 116، كفاية الأصول: 432 - 433، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 199 - 200. 429 أو يلتزم بأن الضرر بوجوده الحدوثي جزء الموضوع، والعلم جزء آخر، هذا بناء على كون المبنى دليل نفي الضرر. وأما على القول: بالشرط الضمني (1)، فلازم ما قاله صاحب هذا القول: من اشتراط التساوي بين العوضين، هو ثبوت الخيار من غير فرق بين تغيير السعر وعدمه، والقول: بأن الشرط هو تساويهما عند التسليم (2)، لا يرجع إلى مستند، كما هو واضح. فما أفاده صاحب هذا القول، وأتعب نفسه، كأنه لا يرجع إلى محصل، فراجع، هذا كله فيما لا يتوقف الملك فيه على القبض. وأما ما توقف فيه الملك على القبض، كبيع الصرف والسلم، وارتفع الغبن قبله، فلا ينبغي الإشكال في عدم الخيار مع زوال التفاوت حين القبض; لعدم صحة البيع شرعا قبله، فلا ضرر; لأنه إنما يصدق بتحقق النقل والتبادل الواقعي، لا بالإنشائي، وعند حصوله المفروض أنه لا ضرر ولا غبن. ولو قيل: بأن الإقباض واجب، فدليل نفي الضرر يرفع وجوبه (3). قلنا: إنه على فرض تسليمه، أجنبي عن الخيار الذي نحن بصدده. ثم إنه على فرض الاستناد في الخيار إلى الإجماع والشهرة، أو بناء العقلاء، فلا يمكن إثباته في المقام; للشك في ثبوت الإجماع أو الشهرة فيه، كما لا يمكن إحراز البناء العقلائي. وأما روايات تلقي الركبان (4)، حيث علق فيها الخيار على دخول السوق،
1 - تقدم في الصفحة 427. 2 - منية الطالب 2: 63 - 64. 3 - المكاسب: 236 / السطر 13. 4 - تقدم في الصفحة 413 - 415. 430 فيحتمل أن يكون المراد أنه إذا دخل السوق، ورأى عند دخوله الغبن، فله الخيار، فيراد الغبن الفعلي حال الدخول، فلا خيار مع عدم الغبن حاله وإن كان موجودا حال البيع. ويحتمل أن يكون المراد: أنه إذا دخله، وعلم أن بيعه حال إنشائه كان غبنيا، فله الخيار، فالمعتبر هو الغبن حال البيع وإن تغير السعر، ولم يظهر ترجيح بينهما. حول ثبوت خيار الغبن للموكل فقط أو للوكيل فقط ثم إن الظاهر: أن الخيار هاهنا، ثابت للموكل فقط إن كان المستند له حديث نفي الضرر; ضرورة أنه لا ضرر على الوكيل بوجه، كما هو واضح. وتوهم: أن «لا ضرر...» ينفي الحكم الضرري، من غير نظر إلى كون الضرر واردا على الشخص نفسه (1) في غاية السقوط; ضرورة أن «لا ضرر...» ورد - على المبنى المعروف - لنفي الضرر عمن توجه إليه. فكما ينفي الصوم أو الوضوء الضرري عمن كانا ضرريا عليه، كذلك ينفي لزوم العقد بالنسبة إلى من ورد الضرر عليه على فرض لزومه، فهل ترى أنه ينفي اللزوم بالنسبة إلى الغابن أو الأجنبي؟! والوكيل في ورود الضرر كالأجنبي في المقام. وتوهم: أن «لا ضرر...» حاكم على دليل وجوب الوفاء بالعقد، فينفي وجوبه عمن هو مكلف بالوفاء به (2) فاسد; فإنه وإن كان حاكما عليه، لكن
1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 31 / السطر 4. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 31 / السطر 3. 431 ينفي وجوبه عن خصوص من ورد عليه الضرر، وإلا فالغابن أيضا مكلف بالوفاء. بل على بعض الاحتمالات، إن وجوبه لا يختص بالمتعاملين، بل يجب على جميع المكلفين ترتيب آثار لزوم العقد على ما أوجده المكلف، وإن اختلفت كيفيته بالنسبة إلى الأجانب. فلو فسخ من لا خيار له، يجب على غيره ترتيب آثار عدمه، فلا يجوز له اشتراء ما أخذه الفاسخ بلا خيار، ولا ترتيب آثار ملكيته، بل يجب ترتيب آثار ملكية صاحبه، ومع ذلك لا ينفي الحديث اللزوم بالنسبة إليهم. ولو لم يسلم وجوب الوفاء على جميع المكلفين، فلا إشكال في أصل البيان. ولو كان المستند هو الشرط الضمني بين المتعاملين، فالظاهر ثبوت الخيار للوكيل إذا كان مفوضا; فإن المعاهدة والمشارطة إنما وقعت بينهما، والموكل أجنبي بالنسبة إليها. والخيار على هذا المبنى، خيار تخلف الشرط، لا خيار الغبن، ولا شرط بين الموكل وغيره في هذه المعاملة، ومجرد كون المال للموكل، لا يوجب أن يكون طرف الاشتراط، حتى يكون تخلفه موجبا لخياره. فتوهم: أن العقد والشرط كما ينسبان إلى الوكيل، ينسبان إلى الموكل (1) خال عن التحصيل، كما فصلناه في بعض المباحث السالفة (2). نعم، لو كان الخيار للموكل، كان للوكيل المطلق والمفوض إليه الأمر; على نحو يشمل الفسخ فسخه باعتبار وكالته، لا لثبوت الخيار له.
1 - منية الطالب 2: 14 / السطر 12، و: 66 / السطر 1. 2 - تقدم في الصفحة 90 - 91. 432 ثبوت الخيار للموكل ولو كان المستند بناء العقلاء، فالظاهر ثبوته للموكل; لأن ما عندهم هو خيار الغبن، والمغبون هو الموكل، لا الوكيل. ثم إن الميزان في العلم والجهل، هو علم من له الخيار وجهله، فيختلف على المباني. فاتضح مما ذكرناه: أن سبيل الاستدلال في هذا الخيار، غير سبيله في خيار المجلس والحيوان، فإن الخيار في الأول ثبت للبيعين، وقلنا: إن عنوانهما لا يصدق إلا على الوكيل حتى المجري للصيغة، لا على الموكل (1)، وفي الثاني ثبت لصاحب الحيوان (2)، فالبحث فيهما غير البحث هاهنا. صحة البحث عن ثبوت الخيار للموكل مع علم الوكيل ثم إنه قد يتوهم: أن البحث عن ثبوت الخيار للموكل، مع علم الوكيل بالغبن - كما ورد في بعض عباراتهم - لا يصح; فإن الوكالة إن شملت صورة علم الوكيل بالغبن، فلا وجه للخيار; لإقدام الوكيل على الضرر وتوكيله على ذلك، فهما مقدمان عليه، فلا خيار. وإن لم تشمل بطل عقده، ويصير فضوليا، فلو أجازه مع علمه بالواقعة، فلا خيار (3).
1 - تقدم في الصفحة 67 - 70 و 92 - 93. 2 - تقدم في الصفحة 266. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 30 / السطر 37. 433 لكنه فاسد; فإن الوكالة إذا كانت على نحو التفويض - ولا سيما إذا كان التفويض في جميع أموره - فلا يختلج في ذهن الموكل آحاد تصرفات الوكيل بالتفصيل. نعم، ليس للوكيل التصرف المخالف لمصلحة موكله، وليست سعة الوكالة بنحو الإطلاق; شاملة للتصرفات ذات المفسدة. لكن لو رأى الوكيل مصلحة ملزمة في بيع السلعة غبنيا، أو لاشتراء متاع كذلك - كما لو لم يوجد طالب إلا بأقل من القيمة، وعلم بأنه لو لم يبع العين بما يطلبه المشتري، تلفت بآفة سماوية ونحو ذلك - فلا إشكال في شمول الوكالة له، من غير توجه من الموكل إلى مثل هذا البيع بعنوانه، بل لا التفات له إلا إلى كون عمل الوكيل موافقا لصلاحه، فالبيع وقع صحيحا، والخيار ثابت على بعض المباني، للموكل الجاهل بالواقعة. حكم اختلاف المتبايعين في العلم بالغبن وعدمه ولو اختلفا، فقال المغبون: «كنت جاهلا بالواقعة» وقال صاحبه: «بل كنت عالما» فهل المدعي هو الغابن ليطلب منه البينة، أو المغبون؟ وليعلم: أن الميزان في تشخيص المدعي والمنكر هو العرف; ضرورة أن موضوعات الأحكام مأخوذة منهم، ومنها «المدعي» و «المنكر» المأخوذان في قوله (عليه السلام): «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» (1). وهنا موازين أخر مذكورة في كتب القضاء، يدعى أنها راجعة إلى الميزان
1 - الكافي 7: 361 / 4 و 6، تهذيب الأحكام 6: 229 / 554، وسائل الشيعة 27: 233 - 234، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 3، الحديث 2 و 3. 434 المذكور بحسب المصاديق، كقولهم: إن المدعي من لو ترك ترك (1) أو إنه من ادعى خلاف الأصل. والظاهر أن الأول منهما راجع إلى الميزان المذكور، وأما رجوع الثاني إليه فمحل إشكال; إذ المراد ب «الأصل» أعم من الأصول العقلائية، فيشمل الأصول الشرعية، كالاستصحاب، وموافقته ومخالفته لقوله، غير مربوطة بالعرف. ثم على فرض الرجوع إلى الأصول في التشخيص، فهل الميزان هو الأصل الجاري في مصب الدعوى، أو الجاري في مرجعها وفيما هو الغرض منها في طرحها؟ فإن كان الميزان هو المصب لا المرجع، فالأصل الجاري في غيره لا يفيد، وكذا الحال على فرض كون الميزان هو المرجع، فإن الأصل الجاري في غيره لا يفيد. والأصل في ذلك، هو أن المدعي إذا ادعى ما له أثر على موازين القضاء، فهل يجب على القاضي قبوله، وليس له إرجاع دعواه إلى غير ما ادعاه، أو يجب عليه أن ينظر إلى نتيجتها، وإلى ما ترجع إليه روح الدعوى؟ الأقوى هو الأول. وكيف كان: فالأصول التي ادعي في المقام جريانها لتشخيص المنكر، مثل أصالة اللزوم، وأصالة عدم إقدام المغبون، وأصالة عدم نفوذ فسخه، وأصالة عدم الخيار... (2)، إلى غير ذلك، لا تفيد، ولا تجري للتشخيص إذا كان الميزان
1 - شرائع الإسلام 4: 97، قواعد الأحكام 2: 208 / السطر 3، اللمعة الدمشقية: 90، رياض المسائل 2: 410 / السطر 7، جواهر الكلام 40: 371. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 55 / السطر 35. 435 مصب الدعوى. فلو ادعى الجهل، فالأصل المشخص هو أصالة عدم علمه على فرض جريانها، لا أصالة اللزوم، أو أصالة عدم الخيار، ونحوهما; فإنها غير مربوطة بمصبها. كما أنه لو كان الميزان هو المرجع، فلا أصل إلا أصالة عدم الخيار، فالجمع بينها كأنه خلط. ثم إنه بناء على أن الاعتبار بمصب الدعوى، وكون الاختلاف بينهما في جهالة المغبون وعلمه، فبناء على أن التشخيص على عهدة العرف، لا إشكال في أن المدعي هو المغبون; لأنه الذي تترك الدعوى بتركه، والعرف أيضا مساعد على ذلك، فعليه إقامة البينة إن أمكنت. ومع عدم البينة، يقبل يمينه مع شاهد واحد; بناء على قبول اليمين والشاهد الواحد في مطلق الدعاوي المالية، أو مع تعذر اليمين من المنكر، فالتمسك بأصالة عدم علمه (1); لتوجه اليمين، وقبولها مع شاهد واحد، في غير محله. وأما بناء على أن المدعي من كان قوله على خلاف الأصل، فعلى فرض جريان أصالة عدم علم المغبون، يكون المدعي هو الغابن. لكن الشأن في جريانها; فإن ما هو المسبوق بالعلم، هو عدم علمه بالقيمة قبل تحقق البيع، وهو ليس موضوعا لحكم، وما هو الموضوع - على فرض - هو إيقاع البيع عن جهل، وهذا لا يثبت بأصالة عدم العلم. وإن شئت قلت: إن إيقاع البيع عن جهل بالقيمة، غير مسبوق بالعلم، وما
1 - المكاسب: 236 / السطر 18. 436 هو المسبوق بالعلم، هو الجهل غير المربوط بالبيع، واستصحاب المطلق لإثبات المقيد مثبت. وأما ما يقال: من أن الحكم يستفاد من قاعدة نفي الضرر، وأن اللزوم الضرري مرفوع، وكون اللزوم ضرريا واقعا - إذا لم يكن المتعامل عالما، أو إذا كان جاهلا - غير دخله شرعا، بل تمام الموضوع كون الحكم ضرريا، فأصالة عدم العلم لا تنفع حينئذ (1). ففيه: أن دليل «لا ضرر...» إذا كان واردا مورد المنة كما عليه القوم (2)، فلا محالة يكون منصرفا عمن هو عالم بالضرر، فالمنفي هو الحكم الضرري عمن هو جاهل بالقيمة، وهذا أمر مستفاد من الدليل الشرعي، فيكون الجهل دخيلا في موضوعه، أو ما هو كموضوعه. نعم، لو كان الدخيل هو عدم الإقدام، فأصالة عدم العلم لا تثبت عدم إقدامه عن علم، كما أنه لو كان الدخيل هو امتنانية الحكم، فأصالة عدم العلم لا تثبتها، والأمر سهل بعد الإشكال في أصل جريانها. ومما ذكر يظهر الكلام في أصالة عدم الخيار، بناء على كون الميزان مرجع الدعوى، أو إذا ادعى المدعي الخيار، ونفاه المنكر، فإن عدم الخيار المطلق، ليس موضوعا للأثر، وعدمه في البيع ليست له حالة سابقة، كما يرد ذلك على أصالة عدم الإقدام، لو كان الخلاف فيه. وما قيل: من أن الموضوع هو الإقدام وعدمه، فلا مانع من إجراء أصالة
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 55 / السطر 38. 2 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 121 و 125، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 184، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 215 / السطر 23، و: 222 / السطر 23. 437 عدم الإقدام، مع أن الإقدام بنفسه أمر مسبوق بالعدم، وليس نعتا للعقد (1) غير وجيه; فإن الإقدام أيضا ليس موضوعا، وما هو الموضوع - على فرضه - هو الإقدام على العقد، أو عدم الإقدام عليه، وهو غير مسبوق بالعلم، وما هو مسبوق هو نفي الإقدام بالسلب البسيط الذي لا يثبت العدم الخاص. والتحقيق: أن المغبون مدع على جميع التقادير، سواء جرت أصالة عدم العلم، أو أصالة عدم الخيار، أو غيرهما، أم لا، وسواء كان من أهل الخبرة أم لا; لأن تشخيص المدعي والمنكر - كسائر موضوعات الأحكام - موكول إلى العرف ليس إلا. ولا إشكال في أن المدعي عرفا هو المغبون، وهو الذي إن ترك ترك، وهو الذي أقام الدعوى على الغابن، والأصل - على فرض كونه ضابطا مستقلا آخر - في طول تشخيص العرف. بل كون الأصل مشخصا للمدعي والمنكر، وصالحا لتشخيص العناوين، محل إشكال، والعهدة في تحقيقه على كتاب القضاء. وكيف كان: لا تكون خبروية المغبون في المقام، منافية للتشخيص العرفي ومقابلة له، بل هي مؤكدة لكون المغبون مدعيا، والغابن منكرا. فعليه يكون الحكم على موازين القضاء في جميع الفروض; هو أن الحلف على الغابن، وإقامة البينة على المغبون، فإذا كان الغابن منكرا لدعوى المغبون الجهالة، فلا محالة يكون جازما، وعليه الحلف كما في سائر الدعاوي. وإن أجاب: ب «لا أدري» أو سكت عن الجواب، فيعامل معه كما في سائر الدعاوي المجابة بهما، بتفصيل مذكور في مورده.
1 - منية الطالب 2: 66 / السطر 2. 438 وأما يمين المغبون المدعي فلا وجه لها; لأن يمينه مخالفة للقواعد، وإنما الخارج عنها غير المورد، فلا دليل على توجه الحلف إليه، ولا على كون حلفه فاصلا للخصومة. فتحصل من جميع ذلك: أنه لا يفترق المقام عن سائر موارد الدعوى. لكن كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، لا تخلو عن اضطراب، كما أن كلمات المحققين المحشين (قدس سرهم) (2)، لا تخلو من خلط وإشكال. ومما ذكرناه يظهر حال سائر موارد الاختلاف والتنازع مما تعرض لها الشيخ الأعظم (قدس سره) وما لم يتعرض له، كالاختلاف في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده (3)، فإن تشخيص المدعي والمنكر على العرف. قصور الأصول الموضوعية عن حل اختلاف المتبايعين وأما الأصول الموضوعية المذكورة منها في المقام وغير المذكورة، فلا أصل لها; إما لعدم جريانها، وإما لكونها مثبتة; فإن أصالة عدم التغيير لا تجري بهذا العنوان; لعدم سبق عدم التغيير بالعلم، وإرجاعها إلى أصل بقاء السلعة على ما كانت عليها حال العقد إلى زمان التنازع الذي اتفقا فيه على القيمة - لكشف حال القيمة حال العقد - من أجلى الأصول المثبتة. وأوهن منها إجراء الأصل بنحو القهقرى (4); لأنه لا أصل له أولا، ولكونه
1 - المكاسب: 236 / السطر 17 - 23. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 39 - 40، منية الطالب 2: 66 / السطر 3، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 56 / السطر 3. 3 - المكاسب: 236 / السطر 24. 4 - أنظر منية الطالب 2: 67 / السطر 5. 439 مثبتا ثانيا; فإن التعبد ببقائها إلى حال العقد، لا يثبت تعلق العقد بها. ومنه يظهر الحال لو كانت قيمة ما قبل العقد مسبوقة بالعلم، فادعى وقوعه على الزائد أو الناقص، فإن التعبد ببقائها على حالها إلى حين العقد، لا يثبت وقوع العقد عليها إلا بالأصل المثبت. وأما أصالة عدم تعلق العقد بالزائد أو بالناقص، كما زعم بعضهم (1) جريانها من غير كونها مثبتة، فهي غير جارية; لأن عدم تعلقه بالزائد بنحو السلب البسيط الذي هو أعم من عدم الموضوع، لا يكون موضوع أثر. واستصحابه لإثبات ما هو الموضوع وهو قسم منه - أي العدم مع وجود الموضوع بنحو السالبة البسيطة المتحققة الموضوع، أو الموجبة السالبة المحمول، أو المعدولة - مثبت; لأن إجراء أصل بقاء العام لإثبات قسم منه، من أوضح المثبتات، وأما القسم الموضوع للأثر فلا حالة سابقة له. كما يظهر مما ذكرناه حال ما إذا اتفقا على التغيير، واختلفا في تأريخ العقد، أو في تأريخ التغيير، أو في تأريخهما، فإن إشكال المثبتية وارد على جميعها، فلا نطيل بالبحث عنها.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 56 / السطر 31. 440 الأمر الثاني اشتراط كون التفاوت فاحشا في ثبوت الخيار فقد حكي عن «التذكرة»: أن حده عندنا ما لا يتغابن الناس بمثله (1). وفي «القواعد»: الزيادة والنقيصة التي لا يتغابن بمثلها وقت العقد (2)، وقريب منهما في «الوسيلة» (3). وفي «اللمعة»: هو ثابت إذا كان بما لا يتغابن به غالبا (4). ولعله مأخوذ من رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: «ينظر في حال السلعة، فإن كان مثلها يباع بمثل ذلك الثمن، أو بقريب منه مثل ما يتغابن الناس بمثله، فالبيع جائز، وإن كان أمرا فاحشا، وغبنا بينا، حلف البائع بالله الذي لا إله إلا هو على ما ادعاه من الغلط إن لم يكن له بينة، ثم قيل للمشتري: «إن شئت خذها بمبلغ القيمة، وإن شئت فدع»» (5). فدلت على ثبوت الخيار للمغبون، وعلى أن حده ما كان فاحشا، وحد مقابله ما يقرب من الثمن مثل ما يتغابن الناس بمثله. فقولهم: ما لا يتغابن الناس بمثله، حد الغبن الفاحش.
1 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 3، المكاسب: 236 / السطر 27. 2 - قواعد الأحكام 1: 143 / السطر 4. 3 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 237. 4 - اللمعة الدمشقية: 119. 5 - دعائم الإسلام 2: 56 / 150، مستدرك الوسائل 13: 307، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 13، الحديث 2. 441 وفي «الشرائع»: من اشترى شيئا ولم يكن من أهل الخبرة، وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به، كان له فسخ العقد (1) وقريب منه في «الخلاف» (2) و «المبسوط» (3). وفي «الدروس»: إذا لم يتفاوت به الثمن غالبا وقت العقد (4). وعبر كثير منهم في مقام تحديده ب «الزيادة والنقيصة التي لا يتسامح بمثلها عادة» ك «الحدائق» (5) و «المستند» (6) وهو ظاهر من الشيخ الأعظم (قدس سره) (7)، ومحشي كتابه (8)، وقد فسر ثاني الشهيدين عبارة «اللمعة» المتقدمة بما لا يتسامح به (9). بيان المراد من التغابن وكيف كان: يحتمل أن يكون المراد من «التغابن» تحمل الغبن، فيرجع إلى التسامح، وعليه فهل الميزان التسامح حال العقد مع علم المغبون، أو جهله والتفاته إلى إمكان كون الزيادة كذا، أو التسامح بعده؟
1 - شرائع الإسلام 2: 16. 2 - الخلاف 3: 41. 3 - المبسوط 2: 87. 4 - الدروس الشرعية 3: 275. 5 - الحدائق الناضرة 19: 41. 6 - مستند الشيعة 14: 392. 7 - المكاسب: 236 / السطر 28. 8 - حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 77 / السطر 6، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 40 / السطر 14، منية الطالب 2: 67 / السطر 14. 9 - الروضة البهية 3: 464. 442 ومن الواضح الفرق بينها، فإن التسامح مع العلم في غاية الندرة إلا مع عوارض خارجية، بخلاف التسامح مع الجهل والالتفات، أو بعد العقد. ويحتمل قريبا أن يكون المراد ب «التغابن» في الرواية وكلام من عبر بمثلها، أن يغبن الناس بعضهم بعضا بمثله; لأن التساوي حقيقة بين الثمن والمثمن في القيمة في غاية الندرة، ولا سيما في عصر صدور الرواية، بل في أعصار أهل المتون مما لم يعهد فيها تثبيت قيم الأمتعة، وفي عصرنا أيضا كذلك في غير ما له قيمة ثابتة، ولا سيما في بعض النواحي. فسنة الأسواق مطلقا على التغابن، والبيع بزيادة أو نقيصة طفيفة، لا مع العلم، بل مع الجهل بالقيمة بالنظر الدقيق. فقوله: «ما يتغابن الناس بمثله» (1) معناه أنه إذا كان التفاوت يسيرا، يقع التغابن به في نوع المعاملات، وتقع غالبا مع الاختلاف بمثل ذلك، وكان غبن أحد المتعاملين بمثله متعارفا بحسب نوع المعاملات، فلا خيار، وإنما الخيار فيما إذا وقعت المعاملة على خلاف سنة السوق; بأن يكون التفاوت فاحشا، والغبن بينا، وإلا لزم وقوع جميع المعاملات - إلا نادرا - خياريا، وهو باطل عند العقلاء وعلى مذاق الشرع والفقه. وعلى هذا، يسقط كثير من الاحتمالات الواقعة في كلمات المحشين لكلام الشيخ (قدس سره) (2).
1 - تقدم في الصفحة 441. 2 - حاشية المكاسب، الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 77 / السطر 20، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 40 / السطر 14، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 31 / السطر 34، منية الطالب 2: 67 / السطر 14، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 56 / السطر 3. 443 والذي يظهر لي، أن كلمات القوم من زمن شيخ الطائفة (قدس سره)، إلى زمان الشهيد الثاني (قدس سره)، ظاهرة في الاحتمال الأخير، ثم تغيرت العبارات. ولعل منشأه تفسير الشهيد الثاني (قدس سره) «التغابن» ب «التسامح» (1) مع عدم شاهد في اللغة والعرف عليه; فإن «التغابن» في اللغة بمعنى غبن بعض بعضا، يقال: «تغابن القوم» أي غبن بعضهم بعضا، كما في «الصحاح» (2) و «القاموس» (3) و «المنجد» (4). ويمكن الاستدلال عليه، أما على ما سلكناه (5); فبعدم بناء العقلاء على الخيار في مثله، وهو واضح. وأما على التمسك بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر...» (6) فلأنه منصرف عما هو جار في السوق، وكانت سنته مبنية عليه. وتوهم: أنه لا وجه ولا منشأ للانصراف (7) واضح الدفع; فإن منشأه عدم
1 - تقدم في الصفحة 442. 2 - الصحاح 6: 2173. 3 - القاموس المحيط 4: 255. 4 - المنجد: 544. 5 - تقدم في الصفحة 417. 6 - تقدم في الصفحة 402. 7 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 40 / السطر 13، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 31 / السطر 25، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 57 / السطر 1 - 2. 444 الانقداح في الأذهان العرفية بأن «لا ضرر...» مثبت للخيار في جميع المعاملات، التي جرت العادة بالتغابن فيها، بل هو منصرف عن الغبن المتسامح فيه الذي لا يعدونه شيئا، بل يتسامحون به عند احتماله. بل ربما يطلق عليه «عدم الضرر والغبن» ولو بنحو الحقيقة الادعائية، ومنه يظهر الانصراف في روايات تلقي الركبان (1)، فلا إشكال في الحكم. كما أن الظاهر: أن المقصود ب «الفاحش» وبمقابله في النص وكلمات الأصحاب - ما عدا متأخري المتأخرين - هو الاحتمال الأخير المشار إليه. حكم الشك في مفهوم التغابن ولو شككنا فيما يتغابن الناس به، أو فيما يتسامح الناس فيه; أي شككنا في حده نظير الشبهة المفهومية، فإن قلنا: بانصراف دليل نفي الضرر عنه، فلا يصح التمسك به; لفرض إجماله، ولا شك في سرايته إلى الدليل، فالمرجع عموم وجوب الوفاء; لأن المخصص مجمل ومنفصل، ولا يسري إجماله إلى العام. إلا أن يقال: بالفرق بين المخصص المجمل، والدليل الحاكم المجمل; بدعوى سراية إجمال الحاكم إلى المحكوم; فإنه ناظر إليه، وكأنه مفسر له. فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر...» على مبنى القوم; أي لا حكم ضرري، فلا لزوم ضرري، ولا وجوب وفاء ضرري، فيكون حاله حال القيد المتصل، وعليه لا يصح التمسك به، ولا بالعام المنفصل عنه.
1 - تقدم في الصفحة 413 - 415. 445 وإن أنكرنا الانصراف، وقلنا: بخروج الغبن غير الفاحش بمثل رواية «الدعائم» المؤيدة بفتوى الشيخ (قدس سره) ومن بعده إلى عصر الشهيد (قدس سره) (1) على طبقها، فإجمال المخصص لا يسري إلى إطلاقه، فيكون هو المرجع، لا دليل وجوب الوفاء. إلا أن يقال: بالفرق بين المخصص المنفصل، والمقيد المنفصل، ويلتزم بسراية الإجمال من المقيد إلى ما يتقيد به، فيسري إجماله إلى دليل نفي الضرر، وعلى القول: بسراية الإجمال من الدليل الحاكم إلى المحكوم، لا يصح التمسك بإطلاقه، ولا بعموم وجوب الوفاء. ولو شككنا في أن ما به التفاوت، هل هو بمقدار يتغابن به الناس أم لا; لشبهة خارجية، فلا يصح التمسك بشئ من الإطلاق والعموم; للشبهة المصداقية إما في نفس الإطلاق، أو للمقيد والمخصص. المدار في الضرر الموجب للخيار هو الشخصي ثم إن الظاهر: أن المناط في الضرر الموجب للخيار، هو الضرر الحاصل في كل معاملة بالنسبة إلى أحد المتعاملين، من غير فرق بين الأشخاص من حيث الغنى والفقر، والثروة وعدمها; ضرورة أن كل مقدار يكون ضررا في المعاملة، ويكون مما لا يتغابن الناس بمثله بالمعنى المتقدم، فهو موجب للخيار ولا فرق في ضرريته بين الأشخاص. فبيع ما يساوي عشرة بالسبعة مثلا، مما لا يتغابن به الناس، سواء كان
1 - تقدم في الصفحة 441 - 442. 446 البائع ممن لا يهتم بهذا الضرر أم لا، فعدم اعتداد المتعامل بالضرر، أمر خارج عن الغبن في البيع، ولا تعقل سراية اختلاف المتعاملين في المقام إلى المعاملة. وإن شئت قلت: إن نقص السلعة عن الثمن أو بالعكس، أمر نفسي، لا نسبي، وليس مثل الحرج، حيث إنه يمكن أن يكون عمل واحد كالصوم، حرجيا بالنسبة إلى شخص، وغير حرجي بالنسبة إلى آخر. وكذا الإجحاف وعدمه، معتبران في الشئ بالنسبة إلى الأشخاص، فيختلفان باختلاف أحوالهم. وأما الضرر الموجب للخيار; وهو نقص كذائي، فلا يعقل اختلافه بالنسبة إلى الأشخاص. نعم، لو كان عنوان «الضرر» أعم من الضرر والحرج، كان بالنسبة إلى هذا الصنف نسبيا، لكنه بعيد عن الصواب. وأما قضية شراء ماء الوضوء، حيث فرقوا بين الإجحاف على المشتري وعدمه (1)، فهي - مضافا إلى ورود النص (2) فيها - مبنية على أمر آخر; وهو أن دليل «لا ضرر...» على فرض صحة ما أفاده الأعلام (قدس سرهم) (3)، هل هو مخصوص بباب الضرر المالي في المعاملات، كما أن الحرج مخصوص بباب التكاليف، أم كل منهما أعم من الموردين؟
1 - غنية النزوع: 64، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 70، جامع المقاصد 1: 474 - 475، جواهر الكلام 5: 97 و 99، المكاسب: 236 / السطر 32. 2 - وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمم، الباب 26، الحديث 1 و 2. 3 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 114، كفاية الأصول: 432، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 200، نهاية الدراية 4: 451. 447 لا يبعد أن يكون الاختصاص أقرب إلى الاعتبار وإلى كلمات الأصحاب، نعم الظاهر عمومه بالنسبة إلى الضرر النفسي. ولو قيل: بعموم الضرر لمورد التكاليف، فلا بد من الالتزام بتخصيص دليل نفيه في جميع مواردها; لأن اشتراء الماء للوضوء ولو بقيمته السوقية - بل بأقل منها - ضرر على المكلف من قبل الحكم الشرعي; فإن إلزامه باشتراء الماء وصبه في غير غرضه، ضرر عليه، ولولا تكليف المولى لم يشتر شيئا لا يرجع نفعه إليه. وكذا مؤونة الحج بتمامها ضرر على المكلف، سواء اشترى مؤونته بالقيمة العادلة أم لا، وهذا بخلاف باب المعاملات التي يرجع نفع المال فيها إلى نفسه. وبالجملة: مع قطع النظر عن إطاعة المولى، إن اشتراء الماء للوضوء، كاشترائه وإهراقه بإلزام من الغير. هل يتصور غبن المتبايعين معا؟ ثم إنه قد ذكر الشهيد (قدس سره) في «المسالك»: أن المغبون إما البائع، أو المشتري، أو هما (1)، وقريب منه في شرحه ل «اللمعة» (2) فاستشكل الأمر في تصور غبن الطرفين.
1 - مسالك الأفهام 3: 205. 2 - الروضة البهية 3: 467. 448 وقد حكى الشيخ الأعظم (قدس سره) وجوها كلها مخدوشة أشار إليها (1). وقد تصدى بعض المحشين لتصويره (2) بما هو غير مرضي; لأن كل ما ذكر خارج عن غبنهما في المعاملة، بل المغبون أحدهما، والآخر ورد عليه الضرر خارج المعاملة ولو لأجلها. والظاهر عدم تصوره إلا إذا قلنا: بأن «الضرر» أعم من المالي والحالي، و «الغبن» أيضا أعم، فحينئذ يمكن أن تكون معاملة بعينها ضررية بالنسبة إلى أحدهما، وحرجية بالنسبة إلى الآخر، فلو باع أمته بأكثر من قيمتها، فبان أنها أخته التي كان بيعها نقصا في شرفه وحرجا عليه، يكون الغبن في الطرفين، والأمر سهل.
1 - المكاسب: 237 / السطر 8. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 40 / السطر 31، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 58 / السطر 5. 449 مسألة في أن ظهور الغبن شرط لحدوث الخيار أو كاشف عنه حال العقد هل ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار، أو كاشف عقلي عن ثبوته حال العقد؟ والمحتملات على الأول كثيرة، نذكر مهماتها: منها: كون العلم بالغبن شرطا مقارنا، نحو الإجازة على النقل، أو شرطا متأخرا نحو الاحتمالات التي في الإجازة، بناء على كونها شرطا متأخرا. وعلى الاحتمالين، يحتمل أن يكون المشروط - أي السبب الاقتضائي - هو الغبن، ويحتمل أن يكون هو البيع الغبني. ومنها: كون العلم جزء الموضوع، وجزءه الآخر هو الغبن، أو البيع الغبني. ثم إنه بناء على كون العلم شرطا مقارنا، أو جزء موضوع، يرد إشكال عقلي، نظير الإشكال العقلي في الإجازة على النقل (1); وهو أن ما هو المشروط والسبب الاقتضائي أو جزء الموضوع، غير موجود عند ظهور الغبن، وما هو
1 - تقدم في الجزء الثاني: 213. 451 موجود عنده، ليس مشروطا، ولا جزء موضوع للخيار. توضيحه: أن ما هو السبب الاقتضائي أو جزء الموضوع، هو التفاوت الحاصل عند حدوث البيع، أو البيع الحادث المتعلق بالمتفاوتين بما هو حادث; بمعنى دخالة حدوثه فيه. وأما التفاوت الحاصل قبله، أو بعده، أو نفس التفاوت القابل للانطباق على ما قبله وما بعده، فليس سببا، ولا دخيلا بنحو من الدخالة في الحكم. فإذا لوحظ التفاوت المستمر بينهما; مما قبل العقد إلى زمانه، ومنه إلى ما بعده، لا يكون السبب أو جزء الموضوع، إلا التفاوت الموجود حال العقد; بنحو يكون الحال قيدا لا ظرفا، وإلا يرجع إلى عدم الفرق بين حاله وما قبله وما بعده. مع أن التفاوت الحاصل بعد العقد أو الباقي بعده، لا دخل له حتى على القول بتدارك الضرر إذا ارتفع الغبن بعد العقد; لأن القائل به لا يلتزم بالخيار إذا حدث التفاوت بعد العقد مع التساوي حاله، فلا محالة يكون سبب الخيار عنده، هو الغبن الحادث حال العقد إذا لم يتدارك. ثم إن من الواضح: أن ما هو الباقي في الأمور الاعتبارية التي قلنا: ببقائها اعتبارا، هو نفس الأمر الاعتباري وذاته، لا حال حدوثه، فالحادث الباقي هو العقد والبيع، دون العقد بما هو حادث; لامتناع كون الحدوث باقيا، فإنه دفعي. كما أن الحادث بما هو حادث، غير ممكن البقاء، بل ما هو الباقي نفس الحادث، لا حال حدوثه، ولا بما هو حادث. فإذا كان السبب، أو الموضوع، أو جزء السبب، هو التفاوت الموجود في البيع الحادث بما هو حادث، فلا يعقل بقاؤه واستمراره لا اعتبارا، ولا حقيقة، فلا يعقل أن يكون العلم المتأخر، شرطا له بنحو الشرط المقارن.
452 ولا فرق فيما ذكرناه بين الحقائق المستمرة الوجود، والاعتباريات والانتزاعيات; فإن الزمان باق بنفسه، وأما مبدؤه فلا يكون باقيا. وكذا قطعاته الاعتبارية والانتزاعيات التي يكون منها الغبن والتفاوت والزيادة والنقيصة، مستمرة بذاتها باستمرار مناشئها، وأما المنتزع من الحادث بما هو حادث، فلا يبقى، ولا يستمر. وبالجملة: يرد في المقام الإشكال الذي في الإجازة على النقل، ولا يدفع بالجواب الذي قلنا به في ذلك المقام (1); فإن البيع لما لم يكن إلا نفس طبيعة التمليك بالعوض، أو التبادل بين العوضين، من غير دخالة للحدوث فيها، فيكون باقيا اعتبارا، كما يكون حادثا كذلك. وأما في المقام، حيث كان حال الحدوث دخيلا، فلا يعقل بقاؤه، والظاهر أن هذا أمر عرفي، كما أنه عقلي، هذا حال الشرط. وأما احتمال أن يكون العلم جزء، والغبن حال حدوث البيع جزء آخر، أو البيع الغبني الحادث بما هو حادث جزء، فلا يعقل; لأن المفروض أن أحد الجزءين معدوم، والخيار أمر ثبوتي، ولا يعقل أن يكون المعدوم حال عدمه، سببا ولو لأمر اعتباري، ولا موضوعا لأمر ثبوتي ولو كان اعتباريا; لامتناع ثبوت شئ لأمر غير ثابت عقلا وعرفا. ويمكن أن يقال: إن الخيار هاهنا وفي سائر الخيارات، ثابت لأحد المتعاملين، أو لهما، ففي المقام إن المغبون له الخيار، وليس الغبن بوجوده الخارجي سببا للخيار، أو جزء سبب له، وليس المقام كالبيع، حيث إن البيع الخارجي المنشأ سبب للنقل الإنشائي.
1 - تقدم في الجزء الثاني: 213. 453 فحينئذ يصح رفع الإشكال: بأن الغبن بوجوده اللحاظي، سبب لجعل الخيار من أول العقد، أو سبب لجعله حال العلم به، فالجاعل قد يرى أن المصلحة في جعل الخيار للمغبون، حال وجود الغبن من أول العقد، وقد يرى المصلحة لجعله من حال علم المغبون بالغبن، فلا يرد إشكال تأثير المعدوم، أو كونه جزء الموضوع. نعم، لا بد وأن يكون لوجود الغبن خصوصية، أو للغبن المعلوم خصوصية، لأجلها تعلق الجعل بالخيار، لكن العلم قد يتعلق بالشيء المعدوم لا بما أنه معدوم، بل بوسيلة عنوان موجود في الذهن، كالعلم بشريك الباري والحكم به، وبالمعدوم المطلق والحكم به. فحال حدوث البيع وكذا التفاوت بقيد حال حدوثه، وإن كانا معدومين حال العلم كما تقدم (1)، لكن العلم يتعلق بهما متأخرا عنهما، فيكون الوجود العلمي اللحاظي، سببا أو دخيلا في جعل الخيار، هذا بحسب مقام الثبوت. مقتضى الأدلة الكشف عن ثبوت الخيار حال العقد وأما في مقام الإثبات، فمقتضى جميع الأدلة، ثبوت الخيار من حال العقد، وعدم دخل العلم فيه بوجه: أما الخيار العقلائي الثابت بنبائهم وحكمهم، فلا شبهة في أنه معلول نفس الغبن، ولا يرى العقلاء للعلم دخالة فيه بوجه، وهو الدليل الوحيد في خياره. وأما سائر الأدلة، فدلالتها على الثبوت حاله واضحة، إلا رواية تلقي
1 - تقدم في الصفحة 452 - 453. 454 الركبان، وهي ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق» (1) فإنه قد يتوهم دلالتها على ثبوته من حال العلم (2). وفيه أولا: أن غاية الأمر في هذه الرواية، دلالتها على ثبوته حال العلم، وأما عدم ثبوته حال العقد فلا; فإن العقد السلبي إنما يستفاد من المفهوم، ولا مفهوم لها; إما لأن المفهوم فيما إذا كان ما في تلو الشرط سنخ الحكم، دون شخصه. وإما لأن لفظة «إذا» مشتركة بين ما يتضمن الشرط وغيره، فغاية الدلالة الثابتة أن وقت وروده في السوق له الخيار، من غير تعرض لحال العقد، ولثبوت الخيار وعدمه فيها. وأما قضية انتفاء الحكم الخاص عن الموضوع المقيد بانتفاء قيده، فهو ليس من الدلالة اللفظية، بل هو حكم العقل بانتفائه عند عدمه، وهو لا يعارض الدليل إذا دل على الثبوت في غير محل القيد. والمفروض: أن سائر ما دل على الخيار مطلق، كدليل الضرر، ورواية «الدعائم» المتقدمة (3)، فلا منافاة بين هذه الرواية وبين سائر الأدلة; لكونهما مثبتتين. وثانيا: أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا دخل السوق» كناية عن أمر آخر، فيحتمل أن يكون كناية عن علمه بالغبن، أو كناية عن نفس تفاوت السوق، فكأنه قال: «إذا دخل السوق، وكان التفاوت فيه فاحشا، فله الخيار» ولا ترجيح للأول إلا
1 - عوالي اللآلي 1: 218 / 85، مستدرك الوسائل 13: 281، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 29، الحديث 3. 2 - المكاسب: 237 / السطر 34. 3 - تقدم في الصفحة 415. 455 بالظن، وهو غير حجة في مثله. مع أنه لو قال: «فإذا دخل السوق، وعلم أنه مغبون، فله الخيار» لم يفهم منه إلا كون الخيار للغبن، لا لغيره; لمناسبة الحكم والموضوع، وعدم موضوعية العلم فيه. حول كلام الشيخ الأعظم في المقام وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) للجمع بين كلمات القوم، كما هو ظاهر النسخ المعروفة، أو لتحقيق المقام، كما هو ظاهر المحكي عن بعض النسخ المصححة من قوله: توضيح ذلك أو الأولى أن يقال: إنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية، التي يقتدر بها على الفسخ والإمضاء قولا أو فعلا، فلا يحدث إلا بعد ظهور الغبن. وإن أريد ثبوت حق للمغبون، لو علم به لقام بمقتضاه، فهو ثابت قبل العلم، وإنما يتوقف على العلم إعمال هذا الحق (1)، انتهى. فلم يتضح أن مراده، أن الخيار مردد بين أحد أمرين: إما السلطنة الفعلية، أو ملك فسخ العقد. أو أن الخيار هاهنا متعدد: أحدهما ثابت حين ظهور الغبن، والآخر حين العقد. أو أنه ذو مرتبتين: بمرتبته الضعيفة ثابت حال العقد، وبمرتبته القوية حال العلم. أو أنه سلطنة تكون بالقوة حال العقد، وبالفعل حال ظهور الغبن، على أن
1 - المكاسب: 237 / السطر الأخير. 456 يكون المراد ب «الملك» السلطنة بالقوة. ولا يخفى ما في كلها من الخدشة: فإنه يرد عليه على الأول: - مضافا إلى منافاته لما سبق منه في أول الخيارات; من أنه ملك فسخ العقد (1)، فلا وجه للترديد هاهنا - أنه لا وجه لما ذكره عقيب قوله هذا كالتفريع عليه: من أن بعض الآثار للأول، وبعضها للثاني، وبعضها يحتمل أن يكون لذلك، أو لذاك (2); إذ لا يعقل أن يكون أثر الخيار مترتبا على ما ليس بخيار، والفرض أن الخيار إما ذاك لا غير، وإما ذلك لا غير. وعلى الثاني: - مضافا إلى وضوح بطلانه، وعدم التزام أحد حتى نفسه الشريفة بذلك، وإن أمكن أن يقال: إن رواية تلقي الركبان أثبتت خيارا للعالم بالغبن، وسائر الأدلة أثبتت خيارا آخر من أول العقد، لكنه كلام خال عن التحصيل، وقد مر الكلام في الرواية (3) - أنه ينافي ما ذكره من الثمرة بين القولين. مع أن لازم التعدد، صحة إسقاط أحدهما دون الآخر، وهو كما ترى. وعلى الثالث: أنه لا يعقل تحقق الشدة والضعف في الأمور الاعتبارية ولو كانت شبيهة ببعض المقولات، فلا محالة يرجع الاختلاف إلى التعدد الباطل بالضرورة. وعلى الرابع: أن السلطنة بالقوة ليست بسلطنة، بل عدم فيه ملكة السلطنة كالنواة، فإنها شجرة بالقوة، والنطفة، فإنها حيوان بالقوة، فلا يصح
1 - المكاسب: 214 / السطر 2 و 9. 2 - المكاسب: 238 / السطر 2. 3 - تقدم في الصفحة 414 - 415، و 455. 457 إسقاطها، مع أنه قال: إن الإسقاط بعد العقد من آثار الحق الواقعي (1). بقي احتمال آخر; وهو أن الخيار ملك الفسخ إلى زمان العلم، ثم ينقلب إلى السلطنة الفعلية، وهو كما ترى. ثم إن ما ذكره: من اختلاف الآثار، وترتب بعضها على ذاك، وبعضها على ذلك فيه أيضا مناقشة قد تعرض لها الأعلام (2)، والتحقيق أن جميعها مترتب على الخيار الواقعي.
1 - المكاسب: 238 / السطر 4. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 41 / السطر 14، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 32 / السطر 15 و 24، منية الطالب 2: 69 / السطر 6. 458 القول في مسقطات هذا الخيار بحث في إمكان إسقاطه والبحث عنها على ما سلكناه في دليله (1); من أنه بعنوانه خيار عقلائي لا إشكال فيه; إذ بناء عليه يكون هو من الحقوق عند العقلاء، وقابلا للإسقاط. وكذا على ما سلكه بعض الأعاظم (قدس سره); من حديث الاشتراط الضمني; فإن خيار تخلف الشرط، من الخيارات العقلائية بلا ريب. لكنه استشكل فيه وقال: لو كان مدرك الخيار خصوص الشرط الضمني، فإثباته بالمعنى المصطلح في غاية الإشكال; لأن إناطة العوضين بالشرط أو الوصف - صريحا، أو ضمنيا - لا يفيد إثبات الخيار; لأن غاية التقييد ثبوت حق للمشروط له، فله إسقاط حقه ورضاه بالفاقد، وله عدم إسقاط حقه. وهذا لا يلازم فسخ العقد، فلعله يكون من الحقوق التي تبقى في ذمة من عليه الحق، ولا يمكن استيفاؤه كسائر الديون (2). انتهى. وفيه ما لا يخفى; فإنه بعد الاعتراف بحديث الاشتراط الضمني، استشكل
1 - تقدم في الصفحة 417. 2 - منية الطالب 2: 59 / السطر 10. 459 فيما هو مقتضاه في المقام، وأنكر ما هو كالواضحات، وأثبت ما هو لغو محض; ضرورة أن خيار تخلف الشرط عقلائي، وهو عبارة أخرى عن خيار الفسخ، وهو من أجلى المطالب العقلائية وأوضحها، فقوله: في غاية الإشكال، لا بد وأن يبدل بأنه في غاية الوضوح. وأما قوله: فله إسقاط حقه وعدمه... إلى آخره، فهو من غرائب الكلام; فإن لازمه أن يكون جعل الشرط الضمني لأجل الإسقاط، فإنه لا أثر له عنده إلا ذلك، وهو لغو محض، لا يرتكبه العقلاء. وأما على البناء على سائر الأدلة، فمع الغض عن عقلائية المسألة، ومعهودية عنوان الخيار عند العقلاء، لا يمكن إثبات كونه حقا قابلا للإسقاط أو النقل; فإن قوله: «له الخيار» في هذا الخيار، أو في غيره كخيار المجلس والحيوان، لا يدل إلا على أنه مختار، وله الاختيار في الفسخ والإمضاء، وهو أعم من كون العقد خياريا بالمعنى المصطلح. فلو كان العقد ما دام المجلس موجودا ولم يتفرق المتعاملان، جائزا حكما لدى الشارع الأقدس، صح أن يقال: «له الخيار» فإن «الخيار» بمعنى الاختيار لغة (1) وعرفا، والمعنى الاصطلاحي خلاف اللغة. لكن لما كان «الخيار» بمعنى حق الفسخ والإمضاء، أمرا عقلائيا معهودا، لا ينقدح في ذهن العرف من قوله: «له الخيار» إلا المعنى المعهود، فإثبات الخيار - بذلك المعنى - في كل مورد ورد فيه «أنه بالخيار» لأجل تلك المعهودية، وإن كان اللفظ بحسب معناه اللغوي غير ذلك.
1 - الصحاح 2: 651، لسان العرب 4: 259، المصباح المنير 1: 185، القاموس المحيط 2: 26. 460 وأما دليل نفي الضرر، فغاية ما يمكن أن يقال فيه لإثبات الخيار: هو أن نفي الوجوب الوضعي، مستلزم لثبوت بديله، وهو الجواز الوضعي، ولما كان هذا الجواز لأجل المغبون، ينتزع منه الحق له. أو يقال: إن اللزوم حقي بدليل ثبوت الإقالة، وسلب اللزوم الحقي مستلزم لثبوت بديله، وهو الجواز الحقي. ويرد على التقريبين: أن المراد ب «البديل» إن كان هو النقيض صح الاستلزام، لكنه لا يفيد; لأن الجواز الوضعي أو الحقي، ليس بديلا ونقيضا له. وإن كان هو الضد فلا يصح; لأن نفي الضد لا يستلزم ثبوت ضده إلا في الضدين اللذين لا ثالث لهما مع حفظ الموضوع. وفي المقام: كما أن الجواز الحقي ضد للزوم حقيا كان أو حكميا، كذلك الجواز الحكمي ضد له، فلا يكونان مما لا ثالث لهما. مضافا إلى أنه يرد على التقريب الأول: أن مجرد كون الحكم الوضعي لأجله، لا يستلزم كونه حقا; فإنه على الحكمية أيضا يكون لأجله. وعلى الثاني: أن الوجوب الحقي مما لا معنى محصل له، والإقالة أيضا ليست من الحقوق، بل حكم عقلائي وشرعي، ولهذا لا تسقط بالإسقاط، ولا تكون قابلة للنقل، فاللزوم والحقية مما يتنافران، فلا معنى للزوم الحقي. والتحقيق: ما تقدم من صحة البحث عن المسقطات، وهي أمور:
461 الأول إسقاط الخيار بعد العقد بعد العلم بالغبن وليعلم أن السبب للخيار: يحتمل أن يكون المرتبة الأولى من الغبن غير المتسامح فيه; بنحو اللا بشرط، من غير دخالة الحد فيه، فتكون هي السبب في ضمن سائر المراتب، وتكون الزيادة غير دخيلة في السببية. ويمكن أن تكون كل مرتبة، سببا مستقلا لفرد من الخيار، لكن مع دخالة الحد; بحيث لا يتكثر الخيار، أو كل مرتبة سببا بنحو اللا بشرط مع التداخل في السببية عند الاجتماع; لئلا يتكثر الخيار. ويمكن أن يكون صرف وجود الغبن سببا، فيكون السبب واحدا، موجودا بوجود كل مرتبة. وفي جميع الاحتمالات، يكون الخيار واحدا شخصيا، وإن اختلفت الاحتمالات من جهات أخر. ثم إن الإسقاط، قد يتعلق بالخيار المتحقق الموجود خارجا ولو كان وجودا اعتباريا، لكن المعتبر في الخارج وإن كان ظرف الاعتبار، إلا أنه يقابل الخارج، كسائر الأمور الاعتبارية العقلائية أو الشرعية. وقد يتعلق بعنوان كلي قابل للانطباق على الخارج. وعلى الفرضين، قد يكون الإسقاط والمتعلق مطلقا، كقوله: «أسقطت هذا الخيار» أو «أسقطت خياري في البيع».
462 وقد يكون الإسقاط مطلقا، والمتعلق مقيدا، كقوله: «أسقطت هذا الخيار الناشئ من الغبن الكذائي» أو «أسقطت الخيار الناشئ منه». وقد يكون المتعلق مطلقا، والإسقاط معلقا، كقوله: «أسقطت هذا الخيار إن كان ناشئا من الغبن الكذائي» أو «أسقطت خياري إن نشأ منه» والثمرة بين الاحتمالات المتقدمة واضحة لدى التأمل. سقوط الخيار لو تعلق الإسقاط المطلق بالخيار الموجود ثم إن الإسقاط لو كان مطلقا، وتعلق بالخيار الموجود، فلا ينبغي الإشكال في سقوطه، سواء كان بلا قيد وهو واضح، أم كان مقيدا وتخلف القيد; فإن تقييد الموجود الخارجي، لا يوجب عدم تعلق الإسقاط به على فرض تخلف القيد، نظير تعلق البيع بالفرس الخارجي المتقيد بالعربي، حيث يوجب تخلف الوصف الخيار مع صحة البيع، وله نظائر أخر. فقولهم: بالفرق بين الداعي والتقييد (1)، غير وجيه في هذا الفرض الذي هو مورد بحثهم. ولعل مراد الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن الخيار واحد (2)، أنه واحد شخصي تعلق به الإسقاط، فلا محالة يسقط وإن فرض التقييد. نعم، لو كان الإسقاط معلقا، لا يسقط مع تخلف المعلق عليه; لعدم تعلق
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 187، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 41 / السطر 26، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 59 / السطر 9، الخيارات (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي: 207. 2 - المكاسب: 238 / السطر 15. 463 الإسقاط إلا على فرض معدوم. وما قيل: من أن التقييد يرجع إلى التعليق (1) غير وجيه; لأن تقييد المتعلق، لا يوجب تقييدا أو تعليقا للهيئة، كما أن تعليق الهيئة لا يوجب تقييدا في المتعلق، ونظيره الواجب المطلق المتعلق بالمقيد، والمشروط المتعلق بالمطلق. هذا إذا كان الإسقاط متعلقا بالوجود الخارجي. وأما لو كان متعلقا بالعنوان الكلي، فإن كانا مطلقين فلا إشكال في السقوط. وأما مع تعليق الهيئة والتخلف، أو تقييد المتعلق مع تخلف القيد، فلا إشكال في عدم السقوط; لأن الكلي المقيد لا ينطبق على فاقد القيد، أو على المقيد بقيد آخر، كما أن الإسقاط المعلق، لا يعقل أن يكون إسقاطا بلا حصول المعلق عليه. نعم، فيما إذا تعلق بالكلي يكون الفرق بين الداعي والتقييد في محله، لكنه خارج عن محط البحث كما لا يخفى. ثم إنه على فرض أن الخيار مسبب عن أولى المراتب، لو أسقط الخيار الناشئ من الغبن الأفحش مثلا، وكان الغبن كذلك، لم يسقط; لأن الغبن المذكور لم يكن سببا للخيار. هذا إذا كان المتعلق كليا، وإلا فيسقط كما مر، وعليك باستخراج الثمرة من الاحتمالات الأخر. هذا كله بحسب الاحتمال والثبوت.
1 - أنظر منية الطالب 2: 69 / السطر 19. 464 مقتضى جميع المباني ثبوت الخيار بصرف وجود الغبن وأما بحسب مقام الإثبات، فلا ينبغي الإشكال في أن مقتضى جميع المباني في ثبوته، هو كون صرف وجود الغبن سببا له; فإن صرف وجود تخلف الشرط - على فرض كون المبنى هو الشرط الضمني - موجب له، وصرف وجود الضرر من غير نظر إلى مراتبه سبب، وصرف وجود الغبن على مبنى عقلائية الخيار سبب. وصرف وجود الغبن غير المتسامح به على فرض كون المبنى رواية «الدعائم» (1) المتقدمة أو روايات تلقي الركبان (2) - على فرض دلالتها - هو السبب، كما هو واضح، هذا من ناحية السبب. وأما المسبب، فبناء عليه هو الفرد الخاص الواحد بوحدة سببه. تعلق الإسقاط عادة بالخيار الموجود وأما الإسقاط، فلا إشكال في تعلقه بحسب العادة بالخيار المتحقق في البيع، والتعلق بالكلي القابل للانطباق أو بنحو التعليق، يحتاج إلى اعتبار زائد، ودلالة زائدة. فحينئذ يكون الإسقاط موجبا للسقوط; من غير فرق بين الداعي والتقييد، حتى التقييد اللفظي، ومن غير فرق بين العلم بمقدار الغبن، والجهل به، ومن غير فرق بين تخلف علمه عن الواقع وعدمه، ومن غير فرق بين كون الإسقاط
1 - تقدم في الصفحة 415. 2 - تقدم في الصفحة 413. 465 بلا عوض أو مع العوض، سواء كان جعل العوض بنحو الجعالة، أو بنحو التصالح، وسواء كان المصالح عليه الإسقاط، أو حق الإسقاط - بناء على كونه حقا - أو الخيار. نعم، لا خفاء في أن التصالح على الأخيرين، خارج عن البحث، وإن اضطربت كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) وبعض المحشين (2) لكلامه; في كون التصالح على الإسقاط، أو على الخيار. هل يجري الخيار في التصالح على إسقاط الخيار؟ بقي شئ: وهو أن التصالح إذا كان على الإسقاط نظير التصالح على إبراء الدين، فهل يجري فيه خيار الغبن بل سائر الخيارات أم لا؟ لا لكونه مبنيا على رفع النزاع، أو على المغابنة، فإنهما غير مطردين، بل لأن الإسقاط تعلق بالخيار، وهو أمر وجودي فأعدمه، ولا بقاء للأمر العدمي حتى اعتبارا، والتصالح وإن كان عقدا، لكن إذا كان طرفه الإيقاع الموجب للإعدام، فلا يعقل جريان التقايل والفسخ فيه. مع أن الفسخ أو التقايل في العقود المتعارفة - التي يكون طرفاها وجوديين، وينتقل كل من مالكه إلى الآخر - يوجب رجوع كل إلى المحل الأول، ولا معنى لرجوع الساقط، بل لو ثبت الخيار بعد السقوط، لا بد وأن يكون بسبب جديد. وتوهم: أنه مع الفسخ يرجع الساقط بسببه الأول غير سديد; فإن السبب
1 - المكاسب: 238 / السطر 16 - 20. 2 - منية الطالب 2: 70 / السطر 5 - 8. 466 الأول - وهو إنشاء الإسقاط - معدوم، والمنشأ هاهنا أمر عدمي لا بقاء له. والإنصاف: أن إثبات خيار الغبن هاهنا، تخريص لا واقعية له. نعم، لو كان المتصالح عليه هو الخيار، ينتقل هو إلى الطرف، ويجري فيه التقايل والفسخ كسائر العقود، وكذا لو تعلق بحق الفسخ، بناء على كونه حقا، لكن فرض تعلقه بهما خارج عن محط البحث. ثم إن الغبن هاهنا كسائر الموارد ناشئ من الجهل بمقدار المالية، سواء وقع التصالح على الخيار أو حق الفسخ، أو على الإسقاط; لأن قيم هذه الموضوعات، مختلفة بلحاظ الغبن الموجب لها. والعجب من الشيخ الأعظم (قدس سره)، حيث ذهب إلى وحدة الخيار (1)، ومع ذلك قال في المقام: إن الجهل هاهنا بعينه، لا بقيمته (2) هذا حال إسقاطه بعد العلم بالغبن. جواز إسقاط الخيار قبل ظهور الغبن وأما الإسقاط قبل ظهور الغبن، فالظاهر جوازه، سواء قلنا: بأن ظهوره شرط شرعي، أو كاشف عقلي. والإشكالات المتوهمة في المقام أمور: أحدها: من ناحية عدم عقلائية هذا النحو من الإسقاط، أما على الشرطية; فلأن إسقاط ما ليس بمتحقق حينه غير عقلائي، ولو كان بنحو التعليق على ثبوته، نظير طلاق غير الزوجة معلقا على زوجيتها، وعتق غير العبد معلقا
1 - المكاسب: 238 / السطر 15. 2 - المكاسب: 238 / السطر 22. 467 على تحقق العبودية، وإبراء الدين مع عدم تحققه معلقا، فإنها باطلة; لعدم عقلائيتها، ولا إشكال في أن العقود والإيقاعات، لا بد وأن تكون عقلائية; فإنها من الاعتبارات العقلائية. ولقد أجاب عنه الشيخ الأعظم (قدس سره): بأنه يكفي في ذلك وجود المقتضي، وإن لم يتحقق شرطه، ولا المشروط به، كإبراء المالك الودعي المفرط; أي على فرض تفريطه (1) وهو كلام متين، والمثال العقلائي منطبق على المورد. وما أوردوه عليه في التعليقات على كتابه (2)، أجنبي عن كلامه; ضرورة أنه لم يقل: بأنه مع وجود المقتضي يكون الخيار محققا، أو مع عدم تحققه يصح الإسقاط فعلا، بل مراده دفع الإشكال العقلائي بكفاية وجود المقتضي، وإن أشار ضمنا إلى دفع الإشكال العقلي أو الشرعي بالتعليق، كما تعرض لهما بعد ذلك. فلو كان مراده ما توهموا، لما كان وقع لكلامه الآتي; إذ مع صحة الإسقاط فعلا وتنجيزا، لا معنى للتعليق، وأما على الكاشفية العقلية، فيتوجه قريب من هذا الإشكال; وهو أن مثل هذا الإسقاط من الشبهة المصداقية لبناء العقلاء، والجواب هو الجواب. ثانيها: من ناحية العقل أو الشرع، فإن الإسقاط الفعلي مخالف للعقل; لعدم الخيار على فرض كون العلم شرطا، وإسقاط ما ليس بموجود محال، وعدم إحرازه على فرض كونه كاشفا، والإسقاط المنجز محال; لأن التنجيز متفرع على العلم، والإسقاط التعليقي مخالف للشرع.
1 - المكاسب: 238 / السطر 24. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري 1: 301 / السطر 1، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 33 / السطر 22، منية الطالب 2: 70 / السطر 13، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 60 / السطر 4 - 16. 468 فأجاب الشيخ الأعظم (قدس سره): باختيار الشق الثاني، والمنع عن مخالفته للشرع; لعدم الدليل عليه إلا الإجماع المدعى، وهو غير ثابت في العقود، فضلا عن الإيقاعات. وعلى فرض تسليمه فيها، لا يثبت في مثل المقام مما كان مفهوم الإيقاع معلقا عليه في الواقع، كطلاق مشكوكة الزوجية، وإعتاق مشكوك الرقية (1). ثالثها: أن التفكيك بين الإيقاع والوقوع، كالتفكيك بين الإيجاد والوجود محال، وهو لازم في المقام على فرض الشرطية، ومحتمل على الفرض الآخر. وفيه: أنه لا تفكيك بين الإيقاع المعلق والوقوع، فإنه إنشاء فعلي لأمر استقبالي، كالواجب المعلق، أو إنشاء مشروط بشرط استقبالي، كالواجب المشروط. والسر فيه: أن الامتناع، إنما هو في الإيجاد والوجود تكوينا; لعدم إمكان التعليق والاشتراط فيه، دون التشريع والأمر الاعتباري. هذا فيما إذا كان الإسقاط بلا عوض. حكم ما لو كان إسقاط خيار الغبن مع العوض وأما إذا كان مع العوض، فقد استشكل فيه من حيث فقدان العوض على الشرطية، واحتماله على غيرها، فيحكم بالبطلان (2). وفيه: أن المفروض أن الصلح واقع على نفس الإسقاط، لا على الخيار، أو حق الإسقاط، ولا إشكال في أن الإسقاط له مالية باعتبار احتمال الخيار، كما أن له مالية بواسطة نفس الخيار، فالمتعامل الذي له علاقة ببقاء العقد;
1 - المكاسب: 238 / السطر 25. 2 - أنظر المكاسب: 238 / السطر 29. 469 لأجل كونه ذا نفع كثير، ويحتمل أن يكون لطرفه خيار، أو يحتمل أن يتحقق له ذلك، يصير الإسقاط الموجب لسقوط الخيار على فرضه، ذا قيمة عنده، ويكون موردا لرغبة العقلاء، وبذل المال في قباله. وأما الشيخ الأعظم (قدس سره) ومن تبعه (1)، فقد أعرضوا عما هو محط البحث إلى جعل الخيار مورد التصالح، فوقعوا في حيص بيص من ناحية، والتوجيه والجواب; بما هو أجنبي عن محط الكلام، فتدبر. الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد فإن رجع هذا الشرط إلى عدم ثبوته، وكان دفعا، لا رفعا وإسقاطا، كما نسبه الشيخ الأعظم (قدس سره) إلى المشهور في باب خيار المجلس (2)، فلا ترد عليه الإشكالات التي في المقام: من عدم عقلائية الإسقاط قبل تحقق الحق، وعدم إمكان إسقاط ما لم يتحقق، وبطلان التعليق شرعا، وعدم إمكان الجزم في الإنشاء. وأما إن كان المراد، اشتراط السقوط بالمعنى المتفاهم منه، فيرد عليه نظير تلك الإشكالات، والجواب ظاهر مما تقدم (3).
1 - المكاسب: 238 / السطر 29، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 188، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 42 / السطر 7، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 33 / السطر 34، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 60 / السطر 20. 2 - المكاسب: 220 / السطر 30. 3 - تقدم في الصفحة 155. 470 كما أن بعض الإشكالات التي في خيار المجلس والحيوان - على ما تقدم - لا ترد هاهنا، ككون الشرط مخالفا للسنة (1)، أو التعارض بين دليل الشرط ودليل إثبات الخيار (2); فإن عمدة الدليل في المقام هو البناء العقلائي، لا الدليل اللفظي، ولا يجري فيه ما ذكر. كما لا يجري بناء على كون الخيار للشرط الضمني، وكذا لو كان لدليل نفي الضرر، فإن الاشتراط إقدام رافع لدليل الضرر. وأما مثل روايات تلقي الركبان (3) أو رواية «الدعائم» (4) المتقدمة، فهي من قبيل المؤيدات، لا الدليل المثبت. إشكال الشهيد في المقام والجواب عنه وأما الإشكال المحكي عن الشهيد (قدس سره): من أنه لو اشترطا رفعه أو رفع خيار الرؤية، فالظاهر بطلان العقد; للغرر (5). ففيه: أنه إن كان المراد من «الغرر» في «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (6) هو الجهالة، كما هو الظاهر منهم، ولعله المستفاد من بعض الروايات، فلا ينبغي الإشكال في أنه لا يعم الجهالة بالقيمة.
1 - تقدم في الصفحة 160. 2 - تقدم في الصفحة 162. 3 - تقدم في الصفحة 413. 4 - تقدم في الصفحة 415. 5 - الدروس الشرعية 3: 276، أنظر المكاسب: 238 / السطر 32. 6 - دعائم الإسلام 2: 21 / 34، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب التجارة، الباب 40، الحديث 3. 471 لا لأجل عدم دخول القيم في متعلقات البيوع، وظهور النبوي في أن ما تعلق به البيع وانتقل به إلى الطرف، لا بد وأن لا يكون مجهولا (1)، وإلا لزم عدم بطلان البيع مع جهالة أوصاف المبيع ولو كانت مرغوبا فيها، وموجبة لتفاوت القيم، فإنها أيضا غير داخلة في متعلق البيع، فإن التبادل إنما هو بين ذوات المبيع والأثمان لا الذات مع الأوصاف; بحيث تكون هي جزء المبيع أو الثمن. وما هو معروف: من أن للأوصاف قسطا من الثمن (2)، لا يراد منه ما هو ظاهره، بل المراد أنها موجبة لزيادة قيم الأمتعة المبتاعة، فلو قلنا: بأن الجهالة تعم الجهل بالذات، وبالأوصاف المرغوب فيها، لا وجه لاستثناء القيم، فإنها أيضا أوصاف اعتبارية للأمتعة. ولا لما قيل: من أن القيم ليست من الأوصاف المرغوب فيها نوعا (3) ضرورة أن باب التجارات والمكاسب، هو باب التوجه صرفا إلى القيم، واعتبار الأوصاف لأجل قيمها، لا لذاتها. نعم، من اشترى شيئا لاستفادته الشخصية كانت رغبته فيه; لصفاته وخواصه، لا لماليته. بل عدم شموله للجهل بالقيمة; لأجل أن القيم - ولا سيما في تلك الأعصار القديمة - لم تكن منضبطة تحت ميزان معلوم وقاعدة مضبوطة. وفي عصرنا أيضا ترى: أن السعر في كل سوق في بلد واحد، بل في كل دكة، يختلف عن السعر في غيره، بحيث لو كان الشرط في البيع العلم بالقيمة،
1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 34 / السطر 4. 2 - أنظر المكاسب: 253 / السطر 21. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 61 / السطر 6 - 8. 472 اختل نظام السوق، أو وقع نوع المعاملات باطلا; لأن الجهل بالقيمة أمر شائع، قلما يتفق التحرز عنه. ففي مثله يكون نحو قوله: «نهى عن بيع الغرر» منصرفا إلى الجهالة بذاته، وبصفاته المضبوطة، كما أنه منصرف عن الصفات التي لا يعتني بها العقلاء في معاملاتهم، وهي التي خارجة عن رغبتهم. فلا إشكال في خروج الجهل بالمالية، والجهل بمثل تلك الصفات، عن مصب الدليل. ثم لو فرض شمول «الغرر» بمعنى الجهالة لمثلهما، فلا إشكال في أن ثبوت الخيار لا يفيد لرفعها، ولا ترتفع به، وعليه فكيف يصح القول: بأن اشتراط رفع الخيار موجب للغرر؟! وإن كان المراد من «الغرر» هو الخطر - ولعل نظر الشهيد (قدس سره) إليه; لأنه على الاحتمال الأول لا وجه لقوله: بخلافه على هذا الاحتمال - يمكن أن يقال: إن الخطر الناشئ من قبل الجهل بالقيمة أو بغيرها، يدفع بالخيار. لكن يرد عليه أيضا: أن دخول الجهل بالقيمة في الغرر، مستلزم لما تقدم في الوجه المتقدم، وعلى فرض شموله له، فلا يكون الخيار دافعا للخطر المعاملي; فإن نفس الخيار بما هو، غير دافع له، وإنما الرافع هو الفسخ، وهو رافع للخطر الواقع، لا مانع عنه. فالمعاملة وقعت خطرية، وللمغبون رفع الخطر المتوجه إليه بالفسخ، فالنهي شامل للمعاملة المذكورة وإن كانت متعقبة بالفسخ، فالتعقب بما يدفع الخطر هاهنا، كالتعقب بحصول العلم في الفرض السابق، مع وقوع المعاملة مجهولة.
473 إشكال الدور وجوابه ثم إنه قد يتوهم: ورود الدور في المقام إن قلنا: بأن الخيار موجب للصحة (1); لأن الخيار لا يكون إلا في البيع الصحيح، فوجوده يتوقف على صحة البيع، فلو كانت الصحة متوقفة عليه، لزم الدور. وفيه ما لا يخفى: فإن هذا دور معي لا مانع منه، فصحة العقد وخياريته تحققتا معا. وإن شئت قلت: إن الخيار متحقق في المعاملة الصحيحة بنفس الخيار، ولا مانع منه. إشكال بعض الأجلة في إسقاط الخيار وهنا وجه آخر نقل عن بعض الأجلة; وهو أن نفس شرط السقوط غرري، للجهل بالغبن وبالخيار، وحيث إن الشرط كالجزء من أحد العوضين، يتفاوت به قيمتهما، يسري الغرر منه إلى العوضين، فيفسد البيع وإن لم نقل: بمفسدية الشرط في غير المقام. بل وإن لم نقل بشمول النهي عن الغرر له; فإن الشرط بوجوده موجب للغرر في البيع، لا بحكمه (2). وفيه: - مضافا إلى أن تماميته مبنية على شمول النهي عن الغرر للجهل بالمالية والقيمة، وقد عرفت عدم شموله له (3) - أنه لا إشكال في أنه مع
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 61 / السطر 9. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 61 / السطر 18. 3 - تقدم في الصفحة 472 - 473. 474 اختلاف قيم الأشياء بواسطة ضم الشروط إليها، واختلاف القيم باعتبار اختلاف الشروط، كما تختلف قيمة شرط سقوط الخيار المعلوم مع شرط سقوط المجهول، وفي الثاني تختلف من حيث اختلاف الغبن المحتمل. فإذا كان الغبن المحتمل عشرة، يكون لشرط سقوط الخيار قيمة عقلائية، وإذا كان مائة تكون له قيمة أزيد، فمع كل احتمال قيمة عادلة، لا بد من العلم بها قبل العقد; بالسؤال من أهل الخبرة، أو بمراجعة السوق مثلا، فإذا جهل بها بطل، وإذا علم صح، كما أنه مع عدم شرط السقوط، يكون للمتاع قيمة، بخلافها مع شرطه. فالاشتراط وعدمه غير موجبين للجهل بالقيمة وعدمه، فمع قصد الاشتراط يمكن العلم بالقيمة العادلة، فيدفع به الغرر، ومع عدمه أيضا يمكن العلم وعدمه. والأسلم من بين الاحتمالات هو الاحتمال الثاني، مع أنه أيضا غير وجيه كما عرفت (1). إشكال آخر في إسقاط الخيار وهنا احتمال آخر مبني على التوجيه الأخير، بعد البناء على أن للخيار أفرادا متعددة حسب اختلاف مراتب الغبن، كما أشرنا إليه سابقا (2); بأن يقال: إن الخيار الناشئ عن الغبن بمقدار العشرة، غير الخيار الناشئ عنه بمقدار الخمسة، ومع الجهل بالمقدار وبأصل الخيار، لا يعلم أن هنا خيارا حتى يسقط،
1 - تقدم في الصفحة 473. 2 - تقدم في الصفحة 462. 475 وعلى فرضه لا يعلم أن أي الأفراد يسقط، وهذا هو الغرر. وفيه: أنه مع الغض عن إيجابه الجهل بالقيمة، لا وجه لسراية الغرر إلى البيع، وقد عرفت أن الشرط لا يوجب الجهل بالقيمة، فعلى فرض تسليم المبنى الفاسد، لا يبطل العقد ببطلان الشرط. الإشكال في إسقاط خيار الرؤية وأما خيار الرؤية فيقال: إن اشتراط سقوطه ينافي اشتراط الأوصاف، أو الإخبار الضمني المستفاد من التوصيف، فيقع البيع معه بلا توصيف واشتراط، وهو الغرر (1). وفيه: أن ما يدفع الغرر هو التوصيف أو الاشتراط، ولا ينافيهما اشتراط سقوط الخيار معلقا على تخلف الشرط، كما لا يتنافى الإخبار التنجيزي بطلوع الشمس، مع الإخبار التعليقي بأنه لو لم تكن طالعة فالليل محقق. فليس هذا الاشتراط - أي اشتراط سقوطه على فرض ثبوته، وعلى فرض تخلف الوصف - إلقاء للتوصيف، ولا في حكمه وبمنزلته، بل لا يعقل ذلك; بداهة أنه لا يمكن رفع الحكم لموضوعه، فالدافع للغرر هو نفس التوصيف، وهو حاصل، سواء شرط السقوط أم لا. مع أن رفع الغرر قد يكون بتوصيف الغير، وبرؤيته حال حضوره واطمئنانه بالبقاء، فعلى فرض تسليم ما تقدم لا يطرد، كما لا يخفى.
1 - جامع المقاصد 4: 303، المكاسب: 251 / السطر 19، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 90 / السطر 37. 476 الثالث تصرف المغبون بعد العلم بالغبن تصرفا مسقطا لبعض الخيارات المتقدمة حكم التصرف غير المتلف والكلام هاهنا في سقوط الخيار بالتصرف بما هو تصرف، لا في الإسقاط الفعلي المشروط بقصده مع كون الفعل آلة للإسقاط عند العقلاء، وإلا فقد تقدم في بعض المباحث السابقة، أن في الإسقاط العملي - كالإسقاط القولي - لا بد من كون الفعل المسقط دالا عقلائيا مقصودا به الإسقاط، وبدونهما لا يقع به الإسقاط (1)، كما قلنا: إن الفعل لا يصلح للإسقاط التعليقي (2). فقبل تحقق الخيار، لا يكون الفعل صالحا للإسقاط، كما لا يصلح له قبل العلم به، وقصد الإسقاط التعليقي بالفعل، لا يوجب كونه مسقطا عقلائيا; لأن التعليق في الفعل غير معقول، والقصد بلا دال عقلائي غير مسقط. وأما الفعل الدال على الرضا بالعقد ولو بقاء، فلا يوجب السقوط، سواء قلنا: بأن الخيار حق الفسخ (3)، أو حق الفسخ والإبرام (4).
1 - تقدم في الصفحة 292 - 293. 2 - تقدم في الصفحة 353. 3 - المكاسب: 214 / السطر 2، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 61 / السطر 26. 4 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 144، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 61 / السطر 23. 477 وتوهم: أن في الإبرام يكفي الرضا الفعلي أو القولي (1) غير وجيه; لأن حق الإبرام كالفسخ، يحتاج في إعماله إلى إنشائه والرضا، والدال عليه غير إنشاء الإبرام، فلا بد من قيام الدليل على كون نفس الفعل الدال على الرضا إبراما. نعم، الفعل الدال على الالتزام بالعقد، هو عبارة أخرى عن الدال على الإبرام، وهو غير الرضا به. وما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من التمسك ببعض معاقد الإجماعات; بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة (2) غير وجيه، كالتمسك بعموم العلة الواردة في خيار الحيوان، وقد مر الكلام فيه (3). وأما ما أفاده: من قصور دليل نفي الضرر والإجماع عن إثبات الخيار حال الرضا; بدعوى أن الأول كما لا يجري مع الإقدام عليه من أول الأمر، كذلك لا يجري مع الرضا به بعده، وأن الثاني غير ثابت معه (4). فإن كان مراده من عدم الجريان: أن دليل نفي الضرر لا يشمل العقد المتعقب بالرضا من أول الأمر، وأن الإجماع لم يقم على خيارية العقد المتعقب به من أول الأمر، فمع الرضا ينكشف عدم الخيار من حال حدوث العقد. ففيه ما لا يخفى; فإن إطلاق دليل نفي الضرر، يقتضي نفي اللزوم ولو تعقب بالرضا، والتقييد يحتاج إلى دليل، ولازم عدم ثبوت الإجماع أيضا، عدم خيارية العقد الضرري من أول الأمر، ولا أظن التزام أحد بذلك. وإن كان المراد: أن دليل نفي الضرر في البقاء والحالات المتأخرة،
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 61 / السطر 23. 2 - المكاسب: 239 / السطر 9. 3 - تقدم في الصفحة 196. 4 - المكاسب: 239 / السطر 10. 478 لا يجري، وكذا الإجماع لم يثبت فيه. فالذي يمكن أن يقرر به هذه الدعوى، هو أن يقال: إن دليل وجوب الوفاء - سواء كان كناية عن لزوم العقد، أو دالا على الوجوب التكليفي المنتزع منه اللزوم - له عموم أحوالي; بحيث يكون الوفاء في كل قطعة من الزمان واجبا مستقلا، ينتزع منه لزوم مستقل، فيكون في كل عقد وجوبات حسب قطعات الزمان، ودليل نفي الضرر حاكما على كل منها. فإذا كان في حال حدوث العقد جاهلا بالضرر غير مقدم عليه، وقع العقد خياريا بدليل نفي الضرر، فإذا علم بالخيار والغبن ورضي به، لا يجري الدليل، ولا يكون حاكما على المصداق الحاضر من وجوب الوفاء. أو يقال: إن دليل وجوب الوفاء، يثبت لزوما مستمرا باستمرار الزمان، قابلا للتقطيع، ودليل نفي الضرر جار في القطعة الحادثة، دون القطعة الأخرى; لتعلق الرضا بالغبن فيها. وفيه: - مضافا إلى أن لازم ذلك، أنه لو أقدم حال الحدوث، وأحجم عنه في القطعة المتجددة، أن يصير العقد خياريا، بعد ما كان لازما، وهكذا أن يكون له في كل قطعة حكم على حدة، فيلحق بالعقد خيارات ولزومات كثيرة. ومضافا إلى أن لازم ذلك، جواز إسقاط الخيار في قطعة من الزمان دون أخرى، وهما فاسدان بالضرورة، ولا أظن تفوه أحد بهما. وتوهم: أن الخيار الواحد، ينتزع من التكاليف الكثيرة في غير محله -. أن كون مفاد دليل وجوب الوفاء ذلك باطل، وغاية الأمر أن لدليل وجوبه إطلاقا في كل عقد، ومقتضاه أن العقد بما هو، تمام الموضوع لوجوب الوفاء، لا أن لكل قطعة وجوبا، ولا أن له وجوبا جعليا مستمرا، ومع عدم ذلك لا وجه لما
479 أفاد، وبقية الكلام تأتي إن شاء الله تعالى (1). هذا حال تصرفه قبل العلم بالخيار أو بعده، تصرفا غير متلف، أو ما بحكمه. حكم التصرف المتلف وأما التصرف المتلف، أو المخرج عن ملكه، كالبيع اللازم، والوقف، والعتق، فإن كان قبل العلم بالغبن والخيار، فلا يكون مسقطا اختياريا حتى مع القصد; لما عرفت من عدم صلاحية الفعل - ولو مع القصد - للإسقاط التعليقي، فضلا عن عدم القصد (2). إشكال عدم معقولية بقاء الخيار مع الإتلاف لكن يمكن أن يقال: لا يعقل بقاء الخيار مع الإتلاف، أو التلف السماوي، وما بحكمهما في مطلق الخيارات; لعدم تعقل إعمال الخيار، من غير فرق بين كونه متعلقا بالعين أو بالعقد، فإن الفسخ عبارة عن حل العقد المتعلق بالعين، فلا بد للفسخ من عمل مقابل عمل العقد حتى يكون به فسخا، والعين التالفة لا يعقل رجوعها إلى البائع ويلحق بها التالف الحكمي. وما قد يقال: من أن الفسخ موجب لحل القرار العقدي (3)، فمع وجود العين يردها، ومع عدمها يرد بدلها، فيكون ردا تقديريا لا يرجع إلى محصل; لأن الفسخ
1 - يأتي في الصفحة 543 - 545. 2 - تقدم في الصفحة 353 و 477. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 191 - 192، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 62 / السطر 27، و: 63 / السطر 38. 480 مقابل للعقد، ولا يعقل أن يكون عمله إلا حله، والعقد لم يتعلق بالبدل على تقدير عدم العين، ففي فرض عدم العين لو أفاد رد البدل، لم يكن مفهوم «الفسخ» صادقا ومنطبقا عليه. والتحقيق أن يقال: إن ماهية العقد كما مر الكلام فيها غير مرة (1)، عبارة عن المبادلة الإنشائية وإن لم يترتب عليها الأثر الفعلي; بدليل أن بيع الفضولي بيع حقيقة، ولا يعقل تحقق البيع مع عدم تبادل بين السلعة والثمن. ومن الواضح: أن التبادل الحقيقي بمعنى صيرورة العين ملكا حقيقيا اعتباريا للمشتري، والثمن ملكا للبائع، غير معقول; لعدم حصول ذلك قبل الإجازة، فلا بد من أن يكون التبادل إنشائيا بنحو الجد، فالبيع صادق عرفا وشرعا مع عدم النقل الفعلي، فيكون تمام ماهيته هو النقل الإنشائي. بل قد تقدم منا: أن تمام ماهية البيع يوجد بالإيجاب فقط، والقبول لا يكون من مقومات ماهية البيع، بل حاله حال الإجازة (2)، ففي جميع المعاملات يكون التبادل الإنشائي مقوما لماهيتها. بل ما هو تحت قدرة المتعاملين، ليس إلا ذلك; فإن الملكية الواقعية والنقل الحقيقي، من الاعتبارات العقلائية أو الشرعية، وليست تحت قدرة المتعاملين، فالمتحقق بعملهما هو المعاملة الإنشائية، وهي موضوعة لحكم العقلاء مطلقا، أو مع شرط كالإجازة في الفضولي. فإذا تحقق البيع الإنشائي الفضولي، يصير المبيع ملكا إنشائيا للمشتري، والثمن بالعكس، ولا يعقل أن يتحقق البيع - أي المبادلة الكذائية - ولا يصير
1 - تقدم في الجزء الأول: 75، 238، 243، والجزء الثاني: 536، وتقدم في الصفحة 68، 110، 124. 2 - تقدم في الجزء الأول: 325، 343. 481 البائع مالكا، فالملك إنشائي، والبائع والمشتري مالكان بالملك الإنشائي، ولا منافاة بين كون العين ملكا حقيقيا للأصيل قبل إجازته، وملكا إنشائيا للفضولي. وعلى ذلك: لا يعقل أن يكون الفسخ ردا للعين حقيقة، بل بمقتضى كونه حلا للعقد، يرجع به الملك الإنشائي، فالعين وقف حقيقة، وملك إنشائي للفاسخ. وكما أن العقد الإنشائي، موضوع لحكم العقلاء بالمالكية الحقيقية تارة: بنحو الإطلاق، إذا كان المتعامل أصيلا، وأخرى: مع شرط، كذلك الفسخ بعد تحققه وحل العقد الإنشائي به، يصير موضوعا لحكم العقلاء تارة: برد العين، إذا كانت موجودة، وأخرى: برد مثلها أو قيمتها. وهذه الأحكام لا دخل لها في ماهية الفسخ، كما لا دخل لحكم العقلاء بكون المبيع ملكا حقيقيا للمشتري في ماهية البيع. وفي العين التالفة يتصور ذلك أيضا; لأن العقد المتعلق بها حال وجودها، باق حتى بعد تلفها، لا بمعنى التعلق حال التلف، بل بمعنى أن المتعلق بالموجود باق إلى حال تلفه، والفسخ حل العقد الباقي، وترجع العين - إنشاء، لا حقيقة - بواسطة الفسخ، وحكمه العقلائي ما عرفت. وهكذا ينبغي أن يحقق في المقام في دفع الإشكال، هذا حال الإشكال المشترك. إشكال قصور دليل نفي الضرر عن إثبات خيار الغبن مع التلف وأما المختص بخيار الغبن، على فرض كون دليله حديث نفي الضرر، فقد يقال: إن دليل نفيه قاصر عن إثبات الخيار، والمتيقن منه هو جواز رد العين
482 المغبون فيها، فإذا امتنع ذلك فلا دليل على جواز الفسخ (1). ولو سلم ثبوته به، وإطلاقه لحال تلف العين، لكن إخراج المغبون العين عن ملكه، التزام بالضرر ولو جهلا منه به، ولو سلم عدم التزامه، وإطلاق دليل الخيار لهذا الحال، يعارض تضرر المغبون بتضرر الغابن بقبول البدل. وقد أجاب عنه الشهيد السعيد (قدس سره) - على المحكي (2) - بما لا يخلو من جودة على بعض الاحتمالات. ويمكن أن يقال في تقرير الإشكال على الشق الأول: إن دليل لزوم العقد إن كان هو (أوفوا بالعقود) (3) فبناء على إبقائه على ما هو ظاهره من الوجوب التكليفي، يكون مفاده وجوب العمل على طبق مفاد العقد، كما هو الظاهر من الوفاء بالعقد، والنذر، ونحوهما، فيجب رد المبيع إلى المشتري، والثمن إلى البائع. ولو وقع التراد يجب العمل على ذلك بقاء، فالرد إلى ملكه ثانيا، مخالف لوجوب الوفاء وإدامة العمل على طبق مضمونه. ومن المعلوم: أن العين إذا تلفت، أو خرجت عن تحت قدرة المشتري، لا يبقى للوفاء معنى، فدليل نفي الضرر إنما يجري، إذا كان لوجوب الوفاء تحقق، ومع تلف العين لا معنى لجريانه، ولا للحكومة، ورد البدل ليس مفاد وجوب الوفاء، فلا وجه لوجوبه ولا لجوازه. فيصح أن يقال: إن دليل نفي الضرر، لا يدل إلا على جواز رد العين، ومع
1 - المكاسب: 239 / السطر 26. 2 - اللمعة الدمشقية: 119، أنظر المكاسب: 239 / السطر 30. 3 - المائدة (5): 1. 483 عدمها يمتنع ذلك، فإذا امتنع رد المعوض، امتنع استرداد عوضه; بمعنى تراد العوضين، فالعقد لازم لذلك. نعم، لو كان وجوب الوفاء كناية عن لزوم البيع، يكون تراد العينين أجنبيا عن مفاده. وفيه ما لا يخفى من فساد المبنى; ضرورة عدم حرمتين تكليفيتين مع عدم رد المبيع إلى صاحبه: حرمة من قبل غصب ماله أو حبسه، وأخرى من قبل عدم الوفاء بالعقد، بل الظاهر أنه كناية عن اللزوم كما تقدم الكلام فيه (1). بل لو كان الحكم تكليفيا ينتزع منه لزوم العقد، وليس فيه لزومات عديدة، ولا وجوبات كذلك، فلا يفترق هذا عن البناء على كونه كناية عن اللزوم، فإذا جرى دليل نفي الضرر عند حدوث المعاملة، يسلب منها اللزوم، سواء قلنا: بحدوث الخيار، أم قلنا: بالجواز، ولا بد في رفعه من رافع - إسقاطا، أو انقلابا - إلى اللزوم. وإن شئت قلت: إن اللزوم مستفاد أو منتزع من نفس وجوب الوفاء، المنطبق عليه حال حدوثه بلا قيد. ويمكن أن يقال في تقريب قصور دليل نفي الضرر: بأنه على فرض الإطلاق لا يصح الأخذ به; للزوم التخصيصات الكثيرة المستهجنة، كما قرر في محله (2) في الإشكالات الواردة عليه على مبنى القوم، ولا تصح التفصيات المذكورة عنه (3)، فلا يصح العمل بدليله إلا إذا عمل المشهور على طبقه;
1 - تقدم في الجزء الأول: 186، تقدم في الصفحة 28، 132، 151. 2 - فرائد الأصول 2: 537، بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدس سره): 87 - 88. 3 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 121، فرائد الأصول 2: 537، منية الطالب 2: 211 / السطر 16. 484 لاستكشاف قرينة حافة به مجهولة عندنا، لئلا يلزم الاستهجان، ولم يحرز عمل المشهور به فيما إذا تلفت العين. بل قيل: إن المشهور من عصر المحقق (قدس سره) ومن بعده، على عدم الخيار مع التلف الحقيقي أو الحكمي (1). وهذا هو المناسب للتعبير الوارد في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن المتيقن من دليل نفي الضرر، هو جواز الرد مع وجود المبيع (2)، فإنه مع إطلاق دليله، لا وقع للقدر المتيقن. وعلى ذلك: فعلى فرض دلالة دليل نفي الضرر على الخيار أيضا، يكون المتيقن منه إلى زمان قدرة المشتري على الرد. نعم، يبقى الكلام: في أن اللازم في المورد بعد عدم الإطلاق لدليل نفي الضرر، هل هو التمسك بعموم وجوب الوفاء، أو بإطلاقه، أو استصحاب الخيار، أو الجواز؟ وأما قضية إقدام المغبون إذا أتلفها حقيقة أو حكما، على الالتزام بالضرر ولو مع جهله (3). ففيها: - مع الغض عن أنه مع الجهل لا يكون إقداما عليه - أن الإقدام عليه لا يصلح لإسقاط الخيار، إلا أن يكون الفعل دالا عليه تعليقا، وهو ممنوع، ومجرد الرضا بالضرر بل الالتزام به، لا يوجب سقوطه.
1 - أنظر المكاسب: 239 / السطر 23. 2 - المكاسب: 239 / السطر 27. 3 - المكاسب: 239 / السطر 29. 485 الجواب عن دعوى تعارض الضررين وأما قضية معارضة الضررين (1)، فهي ممنوعة; فإنه - مع الغض عن أن «الضرر» بحسب العرف واللغة، هو النقص في الأموال والأنفس، ونقض الأغراض لا يعد ضررا - لو فرض إطلاق دليل نفي الضرر لحال تلف المبيع، وإثبات الخيار به، وفرض كون نقض الغرض ضررا، إنما يقع البائع في الضرر لأجل اللا ضرر المثبت للخيار. ولازم نفي دليل الضرر للحكم الناشئ منه هذا الضرر، حكومة مصداق من دليله على مصداق آخر; فإن اللا ضرر الجاري في طرف المشتري، ينفي اللزوم، ويجعل البيع خياريا، وهو ضرر على البائع، واللاضرر الجاري في طرف البائع، ينفي اللا ضرر الجاري في طرف المشتري الموجب للضرر. ولازمه حكومة أحد المصداقين من الدليل على الآخر، لا تعارض الفردين من الضرر، ونتيجة ذلك عدم الخيار للمشتري المغبون. ومع الغض عن الحكومة، أو المناقشة في حكومة مصداق على مصداق من دليل واحد، وإن كان لا مانع منها في نحو هذه الحكومة، فالظاهر على هذا المبنى أيضا - أي مبنى معارضة دليل نفي الضرر في مصداقين - تقدم ما في طرف الغابن على ما في طرف المغبون; لأن النسبة بين الدليل في المصداقين هي العموم المطلق، فإن ما يثبت الخيار للمغبون، بإطلاقه شامل لحال وجود العين وتلفها، سواء كان التلف حقيقيا، أو حكميا، وما ينفيه يختص بحال تلفها. فمفاد الدليل في طرف المغبون، نفي اللزوم مطلقا، اللازم منه الخيار على
1 - المكاسب: 239 / السطر 28. 486 الفرض، أو اللازم منه الجواز على فرض آخر، ومفاده في طرف الغابن، نفي الخيار أو الجواز في خصوص حال التلف، والجمع العقلائي يقضي بتقييد المطلق، لا إيقاع التعارض بينهما. هذا كله مع تسليم إطلاق دليل نفي الضرر، لحال لزوم الضرر منه، وإلا فلا موضوع للتعارض. المناقشة في إطلاق دليل نفي الضرر وجوابها وربما يناقش في الإطلاق تارة: بأن دليل نفيه بما أنه ورد منة على العباد، لا يعقل إطلاقه لحال ضرريته; فإنه دليل نفي الضرر، لا إثباته. وأخرى: بأنه لا معنى لإثبات الخيار ثم نفيه; فإنه لغو. وفيه: أنه لا يراد من كونه منة، أنه كذلك بالنسبة إلى الناس مطلقا، بل لا بد على فرض كونه منة، من ملاحظة المنة بالنسبة لخصوص من جرى في حقه; وهو المغبون. فالمصداق الجاري للمغبون منة عليه بإطلاقه، ولا يلزم أن يكون منة على الغابن، وإلا فإثبات الخيار للمغبون، خلاف المنة على الغابن كما لا يخفى. وأما إثباته ثم نفيه، فليس إلا إثباتا قانونيا إنشائيا، والجد يخالفه، كما في جميع المطلقات والمقيدات، والعمومات ومخصصاتها. التفصيل بين التلف الحقيقي والحكمي ثم إنه ربما يفصل بين التلف الحقيقي والحكمي كالبيع اللازم، والعتق، والوقف، وأمثالها (1); بأن مقتضى البناء على توقف الخيار على إمكان الرد، أنه
1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 34 / السطر 37. 487 مع التلف الحقيقي يسقط الخيار. وأما مع التلف الحكمي، فحيث يمكن الرد برفع الموانع، لا يسقط الخيار، بل لازم ثبوت الرد بدليل نفي الضرر، هو رفع جميع الموانع منه، فيكون دليل نفيه حاكما على جميع الأدلة المانعة للرد، كدليل لزوم البيع، والعتق، والوقف. فكما أن للمغبون حل البيع الأول; لحكومة دليل نفي الضرر على دليل لزومه، كذلك له حل كل عقد أو إيقاع وقع على العين; بدليل حكومته على أدلة لزومها، فيثبت الخيار في التلف الحكمي، دون الحقيقي. وفيه: أن المراد من «إمكان رد العين» هو إمكان ردها في الملك، لا الرد الخارجي; ضرورة أن الرد الخارجي لا يكون مفاد الدليل، والرد الاعتباري لا يعقل مع تلف العين، سواء كان حقيقيا أو حكميا. فمع تسليم المبنى لا وقع لهذا الإشكال; فإن دليل نفي الضرر، قاصر عن إثبات الرد في هذا الحال. عدم الفرق بين كون المغبون مشتريا أو بائعا ثم إنه لا فرق في جميع ما تقدم إشكالا وجوابا، وما هو مقتضى الأدلة، بين كون المغبون مشتريا أو بائعا، لا في أصل ثبوت الخيار، ولا في سقوطه، على اختلاف المباني. إلا أن يقال: دليل ثبوته على فرض كونه «لا ضرر...» قاصر عن إثباته للبائع; لعدم الجابر، ولكنه ضعيف لا يعتنى به. أو يقال: إطلاقه شامل لحال تصرف البائع في الثمن، ولا مانع من الأخذ به; لعدم الشهرة أو الإجماع على سقوطه به، بخلاف تصرف المشتري في المبيع، وهذا أيضا كسابقه في الضعف; لعدم الإجماع، ولا الشهرة المتبعة في
488 تصرف المشتري أيضا. عدم الفرق في التصرف الناقل بين الجائز واللازم ولا فرق في التصرف الناقل بين الجائز وغيره، أما على المذهب المنصور; من أن حق الفسخ متعلق بالعقد لا بالعين، وأن الفسخ حل العقد الإنشائي، وأن رد البدل بعد عدم صلاحية العين للرد حكم عقلائي (1)، فلأن الفسخ لا يؤثر في رد العين; لعدم كونه مقتضيا لذلك. وحكم العقلاء مترتب على الفسخ الإنشائي، وتابع له، لا حكم مستقل بالرد الخارجي للعين كائنة ما كانت، ومع عدم كونها ملكا فعليا للمشتري، لا يحكم العقلاء إلا بالبدل، والحكم بتحصيلها بالفسخ مثلا، ينافي تبعية حكم العقلاء للفسخ. وأما على القول: بأن مقتضى الفسخ وحل العقد رد العين إلى محلها الأصلي (2)، فالأمر أوضح; لأن المفروض أن العين خارجة عن ملكه، فلا يعقل تأثير الفسخ في ردها إلى محلها. نعم، لو كان فسخ العقد الأول صالحا لأن يكون بنحو الكناية، فسخا للعقد الثاني - ليحصل الملك الموقوف عليه فسخ العقد الأول - لكان للفرق وجه، لكنه ممتنع، فلا يعقل أن يكون الفسخ بلفظ واحد تملكا للعين، وفسخا للعقد، كما هو ظاهر.
1 - تقدم في الصفحة 482. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 7 / السطر 21، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 56 / السطر 23. 489 وهنا وجه آخر للفرق; وهو دعوى أن الفسخ كالبيع في كونه عند العقلاء، موقوفا على إمكان التسليم، فكما أن البيع مع امتناع تسليم العوضين وتسلمهما غير عقلائي، كذلك الفسخ. ففي مورد الخروج عن ملكه لزوما - كالوقف، والعتق، والبيع اللازم - يمتنع التراد المعتبر في الفسخ، على وزان اعتباره في البيع، بخلاف الخروج بنحو الجواز; لإمكانه معه. ويردها: أن اعتبار ذلك في العقود مسلم، دون الفسخ; لأن حكم العقلاء بالبدل عند فقد العين، كاف في عقلائيته، ومن الواضح أن هذا غير جار في البيع. حكم ما لو اتفق زوال المانع بالفسخ أو بالبيع الجديد ولو اتفق زوال المانع بالفسخ، أو بالبيع الجديد، فإن كان بعد الفسخ وقبل رد البدل، فالظاهر عدم رجوع العين; لأن الفسخ أثر أثره، من إرجاع البدل على القول به، أو رجوعه بحكم العقلاء، ولا ينقلب عما هو عليه، ودعوى كونه من قبيل بدل الحيلولة (1)، بلا دليل. وأولى بذلك، ما إذا زال المانع بعد الفسخ ورد البدل. وأما إن كان قبل الفسخ، فالظاهر كونه مؤثرا في ردها. وقد يفرق في الفرض بين الفسخ، والنقل الجديد (2): بأن الفسخ موجب لعود الملكية الأولى عرفا، والزائل العائد كالذي لم يزل، فيكون الفسخ مؤثرا في
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 44 / السطر 2. 2 - المكاسب: 240 / السطر 6 - 7، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 43 / السطر 29. 490 رجوع العين، وواقعا في محله. وأما في الملك الجديد، فلا يكون الفسخ مؤثرا، ويكون العائد كالذي لم يعد; فإن حقيقة الفسخ رد ما هو مملوك بالعقد المفسوخ، وهذا ليس مملوكا بالعقد الذي يراد فسخه، بل مملوك بالملك الجديد، وليس مقتضى الفسخ رده. إلا أن يقال: إن رد العين بالفسخ مع وجودها فعلا في ملك المشتري عقلائي، ولا يلتفت العقلاء إلى أنها حصلت بملك جديد أم لا. وإن شئت قلت: إن علاقة العقد الأول، لم تسلب عن العوضين، فتأمل. بيان حال الفروع التي ذكرها الشيخ الأعظم ثم إن الفروع التي ذكرها الشيخ الأعظم (قدس سره)، كالإجارة، والامتزاج والتغير بالزيادة والنقيصة (1)، فعلى المذهب المنسوب إلى المشهور (2)، لو قيل: إن دليل نفي الضرر مطلق، يوجب الخيار أو الجواز مطلقا، وإنما يقيد بالإجماع أو الشهرة المعتمدة، لم تلحق تلك الموارد ونحوها بالتلف أو النقل اللازم; لأن المتيقن منهما غيرها. وإن قيل: بقصور دليله وعدم إطلاقه، فالمتيقن منه عدم تغيير العين، وبقاؤها على ما هي عليه حال البيع، فتلحق به. وكذلك لو قيل بالإطلاق، لكنه لا يجوز العمل به إلا مع إحراز عمل المشهور به، فإن ورود التقييدات الكثيرة الموجبة للاستهجان، كاشف عن احتفافه بقيود لم تصل إلينا.
1 - المكاسب: 240 / السطر 7 و 27. 2 - المكاسب: 239 / السطر 23، وتقدم في الصفحة 485. 491 وأما على المذهب المنصور; من ثبوت الخيار حتى مع التلف (1)، فعلى فرض إطلاق دليل نفي الضرر، وثبوت الخيار أو الجواز في تلك الأمثلة، يقع الكلام في أمر آخر، وهو أنه هل ترجع العين عند الفسخ فيها، أو أنها تلحق بالتلف الحقيقي والحكمي في الرجوع إلى البدل مثلا، أو قيمة؟ والذي يمكن أن يقال: إنه بناء على ما اختاره بعض الأعاظم (قدس سره); من أن العقد لما وقع على العين بصورتها الشخصية، والنوعية، وبماليتها، فالفسخ أيضا على طبقه، وبه ينحل العقد، ويرد جميع ما تعلق بها مع وجودها. ومع فقد الشخصية ووجود المثل يرد المثل، ومع فقده أيضا ترد مالية العين (2)، فالقول بالبدل، إنما هو لاقتضاء الفسخ له. فاللازم على هذا المبنى، رجوع العين بمقدار بقائها، والبدل بمقدار التلف، أو الخروج عن الملك، ففي الإجارة ترد العين، ويجبر النقص على احتمال. وفي الامتزاج يرد ربع المجموع، نصف ما تعلق به العقد إن كان الامتزاج بالمساوي وزنا، وإلا فبالنسبة; ضرورة أن الشركة لا توجب تلف العين وإعدامها، وحدوث عين أخرى، وإنما خرج بالامتزاج الموجب لها نصف العين مشاعا عن ملكه، وبقي النصف المشاع، فيرد الباقي، ويرد البدل في غيره، ويجبر النقص. وكذا الحال في التغيير بالنقيصة، وكذا في الزيادة الموجبة للشركة، ومع عدمها ترد العين، ويجبر النقص. وأما على المختار في الفسخ، من كونه حلا للعقد الإنشائي، وكون رد
1 - تقدم في الصفحة 481 - 482. 2 - منية الطالب 1: 135 / السطر 18، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 79 / السطر 2، و: 91 / السطر الأخير. 492 العين أو البدل حكما عقلائيا مترتبا عليه (1)، فلا يبعد جريان ما ذكر أيضا. هذا كله في تصرف المغبون. تصرف الغابن مسقط للخيار على بعض الوجوه وأما تصرف الغابن، فعلى بعض الوجوه المذكورة في المغبون، يسقط به الخيار إن كان التصرف متلفا ولو حكما، كالوجه المتقدم الذي ذكرناه، وقلنا: إنه مشترك بين الخيارات (2); وهو أن الفسخ لا يعقل إلا مع بقاء العوضين، وكبعض الوجوه الأخر; كقصور دليل الخيار بالوجهين المتقدمين (3). نعم، لا يجري فيه بعض ما تقدم هناك، كدلالة التصرف على الرضا، وكالتشبث بالدليل التعبدي، ومعارضة الضررين (4). هل للمغبون إبطال نقل الغابن من الحين أو الأصل أم لا؟ والتحقيق: كما مر بقاء الخيار معه (5)، فلو فسخ ووجد العين خارجة عن ملك الغابن لزوما بالبيع اللازم، أو بالعتق، أو الوقف، فهل يتسلط على إبطاله أو لا؟ وعلى الأول: فهل له إبطاله من حينه، أو من الأصل؟ والمسألة متفرعة على البناء على صحة تصرفه ونفوذه.
1 - تقدم في الصفحة 482، 489. 2 - تقدم في الصفحة 480. 3 - تقدم في الصفحة 482 - 483. 4 - تقدم في الصفحة 486. 5 - تقدم في الصفحة 488، 492. 493 وجه القول بأن له الإبطال من الحين هو أن يقال: إن تصرفه جائز تكليفا ووضعا، سواء قلنا: بأن الخيار حق متعلق بالعقد أو بالعين; فإن التصرفات المذكورة، لا تنافي حق المغبون قبل الفسخ ولو مع العلم بالغبن، فضلا عما قبله، فلا يكون حقه مانعا عن نفوذها. وليس هذا الحق كحق الرهانة، بل هو كحق المستأجر، المتعلق بالعين المستأجرة لاستيفاء المنافع، حيث إن نفوذ بيعها لا مانع منه; فإنه غير مزاحم لحقه. فالحق بما هو، لا يكون مانعا عن صحة التصرفات ولو تعلق بالعين، بل لزوم العقد بالنسبة إلى المتعاملين، لا يزاحمه أيضا، ومقتضى دليل السلطنة صحة التصرف، كما أن مقتضى الأدلة لزومه، وإنما المزاحم لزومه بالنسبة إلى المغبون، لكن لا مطلقا، بل حال إعمال الخيار. فما هو المزاحم هو اللزوم بالنسبة إليه حال إعمال الخيار، فيندفع به مزاحمه، وينفسخ العقد أو النقل الوارد على العين; لتقدم حق المغبون عليه، وثبوته قبله، ومقتضى ذلك هو الإبطال من الحين. وما يقال: من أن الإبطال من الحين، لازمه حصول الملك المحدود إلى حينه، بل مقتضى فسخ البيع الأول، تلقي الملك من الغابن، لا من المشتري الثاني، ولا يكون ذلك إلا بالإبطال من الأصل (1). غير وجيه; فإن الإبطال أو الانفساخ غير المحدودية، وأما التلقي من الغابن، فهو يحصل بالفسخ وإن كان إبطالا من الحين، فإنه حل العقد الذي بينه وبين المغبون، وبحله يبطل بيع الغابن، فيرجع الملك إليه، ثم منه إلى المغبون،
1 - أنظر المكاسب: 297 / السطر 11، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 63 / السطر 38، و: 180 / السطر 33. 494 فالإبطال من الحين أو من الأصل، لا يفترقان. نعم، لو قيل: ببطلان تصرف الغابن رأسا، يكون التلقي منه بلا وسط، لكن المفروض صحة التصرف. ثم إنه لا فرق في دعوى المزاحمة، بين كون حق الخيار متعلقا بالعين أو بالعقد، فإنه على الثاني أيضا تقع المزاحمة بينهما; بدعوى أن ماهية الفسخ، هي حل العقد، وإرجاع كل عوض إلى محله الأول، حتى على القول: بأن الحل مع فقد الخصوصية الشخصية، يقتضي رجوع البدل; ضرورة أن إرجاع الشخص مع إمكانه مقدم، وعدم إمكانه في التصرفات اللازمة، موقوف على عدم حق إبطال العقد الثاني للمغبون، وهو مخالف لتقدم حقه عند المزاحمة. فما قيل في جواب القائل: من أن الخيار حق متعلق بالعقد، لا بالعين، أو أن مقتضى الفسخ مع فقد العين، إرجاع البدل، والمانع الشرعي كالعقلي (1). في غير محله; لأن مقتضى الفسخ رجوع العين مع إمكانه، ومع المزاحمة وتقدم حق المغبون، يكون إرجاعها ممكنا، فتدبر جيدا. لكن يرد على إمكان إرجاع العين، وتسلط المغبون على الإبطال: أنه بعد فرض عدم مزاحمة حق الخيار لنفوذ التصرفات اللازمة، ولزومها بالنسبة إلى المتعاقدين - ولهذا كان المفروض صحة التصرفات المذكورة - فالقائل بجواز الإبطال: إما قائل: بثبوت حق فسخ العقد الثاني للمغبون حال فسخ العقد الأول، وبكون فسخه موجبا لحل العقد الثاني أولا، ورجوع العين إلى الغابن، ثم موجبا لفسخ العقد الأول، فيتلقى العين من الغابن، وتنتقل من ملكه إلى ملك الفاسخ.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 191 - 192، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 63 / السطر 35 - 38. 495 ولا يخفى: أنه ممتنع; لأن إيقاع الأمرين المترتبين - ولا سيما إذا كان أثر أحدهما، موضوعا للإنشاء في الآخر - بلفظ واحد محال، فلا يعقل أن يكون إنشاء فسخ العقد الأول، موجبا لفسخ العقد الثاني، ثم بعد رجوع العين، يؤثر في إرجاعها إلى المغبون بالفسخ المذكور، وهو واضح. ولا فرق في الاستحالة بين القول: بثبوت حق للمغبون، أو القول: بالجواز، وأن المزاحمة توجب بطلان العقد الثاني. أو قائل: بأن لصاحب الخيار، يثبت حق فسخ العقد الثاني قبل فسخ الأول، فيفسخه مقدمة لفسخه. وفيه: أن الحق إن جاء من قبل المزاحمة، فلا يعقل ثبوته قبلها، والمفروض أنه قبل إعمال الخيار لا مزاحمة، وإلا لزم بطلان العقد الثاني من رأس; لعدم الفرق بين القرب والبعد من الفسخ. أو قائل: بأن العقد الثاني ينفسخ قبل فسخ الأول ليتلقى العين من الغابن. وفيه: أن الانفساخ لا بد له من سبب، ولا يعقل أن يكون فسخ العقد الأول سببا له. مع أن المفروض أنه لا مزاحمة بين النقل اللازم والحق قبل حال الفسخ، وإلا لزم البطلان من رأس. تقريب آخر لحق إبطال المغبون نقل الغابن ويمكن تقريب الانفساخ، أو حق الإبطال وخيار الفسخ، قبل إعمال الخيار، بوجه آخر; وهو أن مقتضى إطلاق دليل خيار المغبون، أن له الخيار حتى مع التلف الحقيقي والحكمي، ومعنى الخيار، حق فسخ العقد ورد العوضين إلى محلهما قبل العقد.
496 فإطلاق دليله في غير التلف الحقيقي، يكشف عن القدرة الفعلية لذي الخيار، ومقتضاه كشف انفساخ العقد قبل إعمال الخيار. وإنما قلنا: «قبل إعماله» جمعا بين إطلاق دليله، وإطلاق دليل صحة البيع ولزومه. وإنما قلنا: بانفساخه، دون الرجوع إلى البدل; لتقدم دليل الخيار على دليل الصحة واللزوم، لتقدم تعلق حقه. فالانفساخ قبله آنا ما، هو مقتضى العمل بالأدلة بالمقدار الممكن، وتقديم دليل الخيار على دليلهما، وكشف الانفساخ من إطلاق ما يدل على القدرة الفعلية. ولو قلنا: بالكشف عن القدرة ولو مع الوسط، كان المنكشف حق فسخ العقد قبل إعمال الخيار، فله إبطاله مقدمة لإعمال خياره. ولا فرق في ذلك بين القول: بتعلق حق الخيار بالعقد أو بالعين، وبين القول: بأن مقتضى الفسخ رد البدل مع فقد العين، والجواب عنه: بأن التلف الحكمي كالحقيقي في غير محله. لكن يرد عليه في خصوص خيار الغبن: أن الدليل لإثباته إن كان البناء العقلائي كما هو التحقيق، أو الشرط الضمني، فلا مجال لهذا التوهم; ضرورة أن ثبوت الخيار العقلائي، لا يكشف عن الانفساخ، بل إطلاق دليل الصحة واللزوم، كان محكما، لا يمس كرامته شئ، ومعه يرجع إلى البدل، كالتلف الحقيقي. نعم، لو كان بناؤهم على رد العين حتى في النقل اللازم، كان لتوهم الكشف من تقرير الشارع الأقدس وجه، لكنه فاسد; لعدم البناء المذكور أولا، ولصلاحية إطلاق دليل الصحة واللزوم للرادعية عنه ثانيا. وإن كان الدليل حديث نفي الضرر، فهو - مع الغض عن الإشكالات المشار
497 إليها فيما سبق (1) - لا يثبت إلا نفي لزوم العقد، فلا يقتضي إطلاقه إلا عدم لزومه حتى مع تلف العين حكما أو حقيقة، وأين ذلك من إثبات القدرة الفعلية كما توهم (2)؟! فتأمل. ولو سلم إطلاق دليله، وثبوت الخيار به مطلقا، فالتحقيق أن يقال فيه وفي الخيارات التي لها أدلة مطلقة: إن وجه توهم كشف الانفساخ، إنما جاء من قبل أن مقتضى ثبوت الخيار، هو حق إرجاع العوضين إلى ملكية المتعاقدين قبل العقد حقيقة، وأن الفسخ ردهما إلى محلهما الأول. وهو فاسد; لما مر منا مرارا: من أن ماهية البيع ونحوه، متقومة بالتبادل الإنشائي في الملكية، لا الحقيقي (3)، وأن البيع ليس إلا ما أنشأه المتعاملان، وترتب الآثار خارج عنه، ولا ريب في أن الفسخ حل البيع، والخيار حق فسخه، ولا يعقل أن يكون العقد ما ذكرناه، والفسخ ردا في الملكية الحقيقية، بل الرد فيها ليس تحت قدرة ذي الخيار. فالفسخ على وزان العقد، متعلق بالعقد الإنشائي، وحل له، فيصير موضوعا لحكم العقلاء برجوع الملكية الحقيقية، فإطلاق دليل الخيار، لا يثبت إلا حق حل العقد الإنشائي، حتى مع التلف الحقيقي والحكمي. وأما رد العوضين في الملكية الحقيقية، فأجنبي عن مفاد الفسخ والخيار، بل بعد الفسخ يكون الرجوع الإنشائي، موضوعا للحكم العقلائي أو الشرعي، فلا وجه لكشف إطلاق دليل الخيار، انفساخ العقد الثاني توطئة.
1 - تقدم في الصفحة 483 - 484. 2 - تقدم في الصفحة 496 - 497. 3 - تقدم في الجزء الأول: 238، 243، والجزء الثاني: 536، وتقدم في الصفحة 68، 110، 124، 418. 498 مقتضى الحكم العقلائي عند نقل الغابن مال المغبون نعم، يقع الكلام: في أن الحكم العقلائي، هل هو سقوط الخيار بالتصرف المتلف; بمعنى عدم ترتيب الأثر على الفسخ، فيقع الفسخ لغوا؟ أو أنه رجوع الثمن الموجود إلى ملك المشتري، من دون رجوع شئ إلى ملك البائع، بل المشتري مكلف برد البدل؟ أو مع رجوع البدل، فيصير ملكا للبائع؟ فعلى الأول: يكون الخيار ساقطا، كما نسب إلى المشهور بين المتأخرين (1). وعلى الثاني: يكون رد البدل، شبيها ببدل الحيلولة، لا نفسه. وعلى الثالث: يتم الأمر، ولا ترجع العين، حتى مع عودها إليه بعد الفسخ. ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأخير، أوفق بنظر العرف; فإنه مقتضى ثبوت الخيار، وعدم وجه لسقوطه، ومقتضى عدم وجه لرجوع المقابل بلا رجوع شئ إلى طرفه، والرجوع إلى البدل مع فقد المبدل عقلائي. ولا فرق فيما ذكر بين النقل، وبين مانع آخر كالاستيلاء، ولا في النقل اللازم والجائز; فإن المانع عن رد المنقول، ليس لزوم النقل. بل مع عدم ملكية الغابن، لا يعقل أن يرد العين بفسخ المغبون; لأن ردها من غير ملك الغابن، خلاف ماهية الفسخ أولا، وبلا دليل ثانيا، والرد إلى ملكه
1 - تقدم في الصفحة 485، الهامش 1. 499 ثم إلى ملك المغبون، محال كما تقدم (1)، وإلزامه على الفسخ قبل إعمال الخيار، لا دليل عليه، وبعده كذلك بعد تأثير الخيار أثره; من رد البدل، أو حكم العقلاء بملكيته له. وأما ما أفاده السيد الطباطبائي (قدس سره)، وقايس المقام بضمان اليد على مسلكه; من أن نفس شخص العين في التلف وما بحكمه، ترجع إلى ذمة الغابن، فهو مأخوذ برد العين مطلقا إلى المغبون، ولم يملك البدل قبل رده إليه خارجا. فمع إمكان رد العين، لزمه ردها بفسخ النقل الجائز، وإقالة اللازم مع إمكانها، بل وباشترائها منه إن لم يكن ضررا أو حرجا; لأن ردها بالفسخ ولو اعتبارا، مقتضى ماهية فسخ المعاوضة، دون رد بدلها. فالفسخ يوجب حل العقد، ومقتضى حله رجوع نفس العين، ومع تلفها يعتبر كونها موجودة، ورجوعها إلى المغبون في ذمة الغابن (2). ففيه ما لا يخفى; بداهة أن نفس استدلاله، كاف في هدم أساسه; ضرورة أن العقد، إنما تعلق بالعين بوجودها الحقيقي الخارجي، وهي غير ممكنة الرجوع بالفسخ في التلف الحقيقي بل الحكمي، بل في مطلق الخروج عن الملك، والوجود الفرضي الاعتباري، لم يتعلق به العقد، فلا يعقل أن يتعلق به الفسخ; بعين ما ذكره في البدل. وتوهم: أن مراده رجوع نفس العين الخارجية اعتبارا، لا رجوع الأمر الاعتباري فاسد; لأن المتلف الحقيقي ليس له خارج، فلا يعقل رجوعه وصيرورته ملكا، والمنقول ملك الغير، فلا يصير ملكا للمغبون بالفسخ.
1 - تقدم في الصفحة 495 - 496. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 43 / السطر 18. 500 مع أن الرجوع كذلك أيضا، مخالف لماهية الفسخ المقابلة لماهية البيع كما لا يخفى، مع أن ظاهر كلامه ومقايسته، ينافي هذا التوهم. ثم إن القياس بضمان اليد مع الفارق; فإنه في المقام، لا بد وأن تراعى حقيقة الفسخ، وهي لا تتناسب مع رد غير ما تعلق بها العقد; وهي العين الخارجية على مسلكهم، وفي ضمان اليد يؤخذ بظاهر «على اليد ما أخذت...» (1) فيمكن أن يدعى أنه ظاهر في أن نفس ما أخذت - وهي العين - تعتبر في الذمة، فلا شباهة بين المقامين. مع أن مسلكه في ذلك المقام (2)، أيضا غير مرضي، وقد مر في محله وجه المناقشة فيه (3). حكم ما لو اتفق رجوع العين إلى الغابن بفسخ أو إقالة ثم إنه لو اتفق رجوع العين بفسخ أو إقالة، فإن كان قبل الفسخ، ترد بالفسخ على مسلكهم، أو يحكم بردها بعد الفسخ الإنشائي على مسلكنا. وإن كان رجوعها بنقل جديد لا ترد على قولهم، وترد على ما ذهبنا إليه من الحكم العقلائي، وأما بعد الفسخ فلا وجه لردها مطلقا. وربما يقال: بتعلق حق المغبون بها; لأن منشأ تعلق الحق بالبدل تعذر العين، فلو ارتفع التعذر ترجع، فيكون المقام كما لو صار الخل عند الغاصب خمرا، فأخذ المالك بدله، ثم صار خلا، فإنه ترتفع البدلية (4).
1 - مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12، السنن الكبرى، البيهقي 6: 90. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 1: 96 / السطر 27. 3 - تقدم في الجزء الأول: 379، 488. 4 - منية الطالب 2: 77 / السطر 6. 501 وفيه: أن التعذر جهة تعليلية لرجوع البدل، ومعه لا وجه لما ذكر، ورجوع البدل إلى زمان رفع التعذر - بمعنى كون الجهة تقييدية - مخالف للأسباب والمسببات العقلائية، ولماهية الفسخ، وقياسه بالخل المغصوب مع الفارق، فالفسخ بعد إعمال الخيار، لا يرد العين مطلقا. حكم تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين البحث الأول: فيما لو كان التغيير بالنقيصة ولو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، أو تغيرت بفعل أجنبي، أو بآفة سماوية، فإن كان التغير بالنقيصة، فلا إشكال في عدم الضمان لو كان النقص فيما لا يكون مورد أغراض العقلاء، ولا يوجب اختلاف القيمة، كما لا إشكال في الضمان فيما إذا تلف بعض العين. حول ضمان الغابن للصفات المفقودة وإنما الإشكال، في النقص بالصفات الدخيلة في الأغراض، الموجبة لاختلاف القيم، فهل هو يوجب الضمان مطلقا، كما قال به جمع (1)، أو لا مطلقا كما قال بعض آخر (2)، أو يفرق بين صفة الصحة وصفة الكمال، فيضمن في
1 - حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري 1: 307 / السطر 13، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 44 / السطر 16، منية الطالب 2: 77 - 78. 2 - مسالك الأفهام 3: 205، مستند الشيعة 14: 393، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 64 / السطر 34. 502 الأولى دون الثانية، كما يظهر من الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)؟ وجوه: تقرير المحقق اليزدي لضمان الصفات مطلقا فربما يقرر الضمان مطلقا; بأن الفسخ يوجب انحلال العقد حال الفسخ، على ما عليه العوضان حال العقد، فيرجع العين إلى المغبون مضمونة على الغابن; بجميع الأوصاف الدخيلة في القيم، كما ترجع نفس العين مضمونة عليه. نعم، لو كان الفسخ موجبا لانحلاله بما عليه العوضان حال الفسخ، لم يتجه الضمان، لكن الأول أوجه (2). وفيه: أنه لا وجه للأول رأسا; ضرورة أن مفاد العقد، هو نقل العين بالعوض، ونقل الأوصاف خارج عن مفاده، وإنما تنتقل تبعا لنقل العين بتبعية أوصاف الملك له، ولا يعقل أن يكون مفاد الفسخ، غير حل العقد بماله من المفاد. وليس مفاد العقد، نقل الموصوف والصفة في عرض واحد، وإلا لزم توزيع الثمن على العين والصفة، وكون الصفة جزء المبيع، لا وصفه، وهو خلاف الواقع، حتى فيما إذا باع الموصوف بما هو موصوف، ولهذا يكون في تخلف الوصف خيار التخلف، لا التبعض. بل لو فسخ حال اتصافها بالأوصاف، لم يعمل الفسخ بالذات إلا في رد ما وقع عليه العقد، وهو نفس العين وإن انتقل الوصف أيضا تبعا.
1 - المكاسب: 240 / السطر 28 - 30، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 64 / السطر 31. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 44 / السطر 16. 503 فما هو باق مفقود الصفة عين ما أثر البيع في نقله، وما تعلق البيع به بلا نقيصة، والنقص إنما وقع في المبيع، لا بما أنه منقول بالبيع. هذا مضافا إلى أن دعوى انحلال العقد حال الفسخ; بما عليه المبيع حال العقد، لا ترجع إلى محصل; فإن معنى انحلاله من حال الفسخ، رجوع العين بما هي عليه حال الفسخ، لا بما كانت عليه حال العقد; ضرورة فقدان الصفات التي كانت عليها حال العقد. واعتبار الموجودية حال الفسخ، لا يوجب تغيير الواقع، والوصف الاعتباري لا يكون مضمونا، إلا أن يدعى رجوع العين بخصوصياتها حال العقد مضمونة على الغابن، وهي دعوى في دعوى، بلا بينة، بل هي مصادرة. تقرير المحقق النائيني لضمان الصفات مطلقا ويتلو هذا الوجه في الضعف، ما ادعاه بعضهم: من كون ضمان الأوصاف مطلقا ضمان اليد، حيث قال ما حاصله: أن العوضين قبل الإقباض، مضمونان بالضمان المعاوضي على من بيده، فإذا تلف المبيع مثلا قبل القبض، يكون مضمونا على البائع، فينفسخ العقد، ويرد الثمن إلى المشتري، فهذا هو الضمان المعاوضي. وبعد القبض مضمون على المشتري بضمان اليد، فإذا تلف، وعرض الفسخ على المعاملة، يكون عليه رد مثله أو قيمته، ولا إشكال في أن مقتضى اليد، ضمان الصفات التي هي تحت يده، فالضمان هاهنا عينا، كضمان اليد في باب الغصب. ولا يتوهم: أن التلف في ملكه، ولا يوجب ذلك الضمان; فإن ذلك مستلزم لنفي الضمان بالنسبة إلى نفس العين أيضا، فإنها أيضا تلفت في ملكه، مع أنها
504 مضمونة قطعا. وبالجملة: إن الضمان المعاوضي قبل القبض، ينقلب إلى ضمان اليد بعده، ومقتضاه الضمان حتى في النقص الحاصل بالإجارة (1). وفيه ما لا يخفى; فإن تصوره يكفي في التصديق بتزييفه، وأظن أنه مأخوذ من ظاهر تعبيرهم في أحكام القبض: «بأن من أحكامه انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض». مع أن المراد من العبارة، ليس الضمان لأحد، بل المراد أنه بعد القبض، يكون تلفه من مال القابض، لا أنه ضامن للمقبوض منه; ضرورة أنه لا وجه للضمان، فإن موضوع قاعدة اليد، الاستيلاء على مال الغير كإتلافه في قاعدة الإتلاف. بل شمول قاعدة اليد لمثل ما ذكر غير معقول; فإن الظاهر منها كون اليد سببا للضمان فعلا، وإن كان معنى الضمان أمرا تعليقيا، لكن هذا الأمر التعليقي، ثابت فعلا على المستولي، والضمان المدعى في المقام معلق على انفساخ العقد، فلا بد من تكفلها لأمر فعلي وتقديري بلفظ واحد، وهو غير معقول. مضافا إلى أن اليد على مال نفسه، لا تكون سببا للضمان بلا ريب، وبعد انتقال العين إلى الطرف بالفسخ أو الإقالة، تكون الأوصاف معدومة، فلا تقع تحت يده، فلا سبب لضمانها رأسا. فلا ينبغي الإشكال في بطلانه على مبنى كون الفسخ من الحين، وأن العين بجميع خصوصياتها في زمن الخيار، لمالكها كما هو المفروض. وأما ما ذكره من النقض: بأن لازم عدم الضمان في الأوصاف، عدمه في
1 - منية الطالب 2: 77 - 78. 505 نفس العين، فغير مرضي; لأن العين أيضا غير مضمونة بضمان اليد، بل رجوعها مع وجودها، ورجوع بدلها عند فقدها، من مقتضيات الفسخ، أو من الأحكام المترتبة عليه، ولا شبهة في أن الفسخ الموجب للإنحلال، موجب لرد العوضين، على اختلاف في كيفيته. فالبدل المردود، أو المحكوم بالرد، ملك للمغبون على عهدة الغابن، في مقابل العوض المردود، فأين هذا من ضمان اليد؟! وهذا أمر عقلائي أو عقلي، ثابت عند كافة العقلاء حتى عند من لا يرى لضمان اليد واقعية، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن ضمان اليد بهذا المعنى المفتى به، ليس عقلائيا، بخلاف ضمان الإتلاف (1). نعم، لو قلنا: بأن الفسخ يوجب انقلاب ملك العوضين من الأصل انقلابا حقيقيا، كما ذكر في الإجازة على الكشف على بعض المحتملات (2)، أو قلنا: بالانقلاب الحكمي; بمعنى وجوب ترتيب آثار الانقلاب من الأصل، أو قلنا: بأن البيع في زمان الخيار لم يؤثر في الملكية، لكان الضمان موجها، لكن المباني بين باطل عقلا، وبين باطل عند العقلاء والشرع. تقريب الضمان بمقتضى حديث نفي الضرر ويمكن تقريب الضمان مطلقا بأن يقال: إن ذلك مقتضى حديث نفي الضرر، بناء على أن نفيه من الحقائق الادعائية، والمصحح للدعوى هو نفي الضرر مطلقا في حيطة الشرع، وسد جميع أنحائه من قبله; بعدم تشريع الأحكام
1 - تقدم في الجزء الأول: 506 - 507. 2 - تقدم في الجزء الثاني: 248. 506 الضررية، والنهي عن الإضرار بالغير، والحكم بالجبران لو وقع الضرر عليه بحكم شرعي، أو من قبل الغير. فلو فسخ، ورد إليه المبيع بلا جبران نقصه - سواء كان من جهة الصحة، أو الكمال، أوا لإجارة - يكون ضررا عليه، ونفيه بما ذكر موجب لجعل جبر ضرره. أو يقال كما قال المحقق الخراساني (قدس سره) في خصوص وجدان العين مستأجرة: إن ذلك مقتضى نفي الضرر عن المعاملة الغبنية; فإن ضرر الغبن في صورة نقص القيمة - بنقص العين بأحد الوجوه المتقدمة - غير مرتفع إلا بجعل الأرش. ولازمه جواز الفسخ مع الأجرة في العين المستأجرة، ومع جبر النقص في الناقصة (1)! والجواب عنه على التقريب الثاني: أنه لا إشكال في أن البيع الغبني بمجرد حدوثه، مشمول لحديث نفي الضرر (2)، وينفى به اللزوم على المبنى، وفي هذا الحال لم يرد نقص على العين; فإن المفروض وقوعه بعد البيع بفعل الغابن أو غيره. فدليل نفيه ينفي اللزوم، من غير فرق بين هذا البيع وغيره، فالضرر الحاصل من قبل الغبن مرتفع بالخيار، من غير دخالة للحالات اللاحقة. وأما النقص الحاصل فيما بعد، فهو نقص بعد البيع، وبعد انطباق دليل نفي الضرر وثبوت الخيار، ولا دخالة له في غبن المعاملة، ولا يعقل سلب دليل نفي الضرر عن موضوعه، بعد انطباقه عليه، وتعلقه بأمر آخر.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 193 - 194. 2 - الكافي 5: 294 / 8، الفقيه 3: 147 / 648، تهذيب الأحكام 7: 146 / 651، وسائل الشيعة 25: 429، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3 و 4. 507 وبالجملة: إن لوحظ حال حدوث العقد، يكون اللزوم ضرريا منفيا بالحديث، والتغيير اللاحق لا دخالة له فيه. وإن لوحظ حال التغيير، فهو حاصل في ملك الغابن بفعله، أو بفعل آخر، ومن الواضح أنه لا يوجب شيئا، ولا يؤثر في الضرر الحاصل من أصل المعاملة، ولا في نفيه، بل هو أجنبي عن دليل نفي الضرر. وإن لوحظ الفسخ، فهو ليس إلا حل العقد باختيار من الفاسخ، وليس فيه بما هو حل ضرر، بل هو حل للمعاملة الغبنية، والغبن حال العقد لم يرتفع فرضا، وهو لا يقتضي إلا رد العين بما هي عليه من الحالات حال الفسخ، فلا معنى لضرريته. ولو فرض كونه ضرريا، فلا بد من نفيه، والحكم ببطلان الفسخ، وهذا غير مشمول لدليل نفيه; لعدم إلزام من الشارع، فله اختياره، وله تركه. ويرد على التقريب الأول: أن مفاد «لا ضرر...» لو كان ذلك، لم يستلزم إلا جبر الضرر الحاصل من الغير، كما لو أتلف ماله، أو أضر بجسمه، وفي المقام لم يكن إضرار عليه من قبل أحد; فإن النقص وقع في ملك الغابن، دون المغبون، وهو بفسخه أعاد العين إلى ملكه، من غير دخالة أحد فيه، فلا وجه للجبر في مثله. تقريب الضمان بمقتضى الحكم العقلائي وقد يقال: إن مقتضى الحكم العقلائي، إرجاع العين على ما هي عليها من الصفات والشؤون حال العقد، ومع فقدها الجبران، فلو باع فرسا صحيحا، وسلمه إلى المشتري كذلك، فأرجعه إليه المشتري بعد الفسخ معيبا، فله الاعتراض; بأن ما سلمه مخالف في الصفات لما أعاده، وكذا مع تسليم العين
508 مسلوبة المنفعة. وفيه: أن هذه دعوى بلا بينة، بل البينة على خلافها; فإنها - مع كونها منقوضة بما إذا باع بستانا، فيه من أنواع الفواكه والخضروات ما لا يحصى، ثم فسخ بعد استيفاء المشتري جميعها، فلا شبهة في عدم ضمانه للمنافع المستوفاة، مع أن ما يتوهم جار فيها - مندفعة بأن هذا التوهم، جاء من قبل قياس المورد، بما إذا سلم البائع العين إلى المشتري، مبنيا على ردها إليه على ما هي عليه لو فسخ العقد، ففسخ المشتري، ورد العين على غير ما كانت عليه حينما تسلمها من البائع. وأين ذلك مما وقع العقد، وصارت العين ملكا للمشتري، واستفاد منها كسائر الملاك بحق ثابت له، ثم إن البائع - بسوء اختياره - فسخ العقد، وأرجع العين التي وقع عليها العقد إلى ملكه، فوجب على المشتري تسليم ما أرجعها بالفسخ؟! فلا يكون الإرجاع بفعل المشتري، حتى يتوهم ورود الاعتراض عليه. بل لو كان الإرجاع بفعل المشتري أيضا، لم يرد الاعتراض عليه، بعد التصرف في ماله، وعدم اقتضاء الفسخ إلا حل العقد، وإرجاع العوضين حال الفسخ بما لهما من الشؤون. كلام المحقق الأصفهاني في المقام ونقده ومما ذكرنا، يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق (قدس سره)، في خصوص وجدان العين مستأجرة قال: والإنصاف: أن منافع العين حال الفسخ، حيثيات وشؤون قائمة فعلا - حقيقة، أو عرفا - بالعين، لا أنها منفصلة حقيقة عنها، والإجارة استيفاء اعتباري، وفي الحقيقة إتلاف لشؤون العين حال الفسخ، بالإجارة الصحيحة
509 اللازمة، ومقتضى رجوع العين بما لها من المنافع الموجودة في الحقيقة التالفة بالاعتبار، تداركها بأداء تفاوتها مسلوبة المنفعة وغير مسلوبة.... إلى أن قال: من المستبشع جدا شرعا، استيفاء منافع العين خمسين سنة، وإعادتها بلا تدارك (1). والظاهر أن عمدة ما دعاه إلى الالتزام بما هو واضح الضعف، هو توهم الاستبشاع المدعى، وإلا فلا شبهة في أن المنافع ولو كانت من شؤون العين، انتقلت بحق إلى المستأجر، وصارت من المنافع المستوفاة بالنسبة إلى الغابن، من غير إتلاف على المغبون; ضرورة عدم كونها ملكا له، ومجرد كونها من شؤون العين، لا يوجب إتلافها على من لم تكن ملكا له. كما أنه لا إشكال في أن المنافع، لا ترجع بالفسخ في عرض العين، بل الفسخ لا شأن له إلا حل العقد، ورد ما انتقل به لا غير، ولم ينتقل به إلا نفس العين، والمنافع صارت ملكا للطرف; لأنها تبع لملكه، كما صرح به القائل فيما قبل. فالعمدة توهم البشاعة، وهي لو صحت، جرت في المثال المتقدم، بل وفي رد العين معيبة مهزولة فاقدة للأوصاف الكمالية. مع أنه لم يلتزم فيه بالجبران، بل لم يلتزم أحد بجبران المنافع المستوفاة، كالمثال المتقدم. بل يمكن أن يقال: من البعيد من الشارع الأقدس، أن يحكم بملكية شئ لشخص، وجواز تصرفه فيه بما شاء، وكان مقتضى الفسخ عرفا - المرضي به شرعا - هو الحل من حينه، ثم يحكم بالضمان بلا سبب من الإتلاف واليد، فهل
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 65 / السطر 11. 510 المستبشع أن لا يكون المتصرف في ماله ضامنا لغير المالك، أو المستبشع خلافه؟! فتدبر جيدا. ثم إنه يظهر مما ذكرناه، النظر في دعوى انفساخ الإجارة (1)، أو التدارك بأجرة المسمى أو المثل (2)، ومن المعلوم أن ما قلناه من الوجه في انفساخ البيع، إذا وجد العين منقولة بالبيع اللازم (3)، لا يجري في المقام، كما أنه ظهر النظر في التفصيل الذي أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) (4). البحث الثاني: فيما لو كان التغيير بالزيادة حكم الزيادة الحكمية أو الانتزاعية ولو كان التغيير بالزيادة، فإن كانت حكمية محضة، كقصارة الثوب، وتعليم الصنعة; مما هي صفة حقيقية، أو كانت صفة انتزاعية، كصيرورة العين في يد الغابن جنب الشوارع العامة، أو الساحات الوسيعة، أو نحو ذلك مما توجب زيادة القيم، فالظاهر رجوع العين بصفتها إلى الفاسخ، وليس للغابن شئ، سواء كانت بفعله، أو بفعل الله تعالى. وما ذكروا وجها للشركة في المالية بالنسبة (5)، أو لبقاء الزيادة في ملك
1 - جامع الشتات 3: 432، أنظر المكاسب: 240 / السطر 31. 2 - قواعد الأحكام 1: 154 / السطر 23، أنظر المكاسب: 240 / السطر 33، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 193. 3 - تقدم في الصفحة 496 - 497. 4 - المكاسب: 240 / السطر 27. 5 - المكاسب: 240 / السطر الأخير، منية الطالب 2: 79 / السطر 9. 511 الغابن (1)، أو للرجوع إلى أجرة المثل (2)، أو غير ذلك مخدوش: كقول بعضهم في الفرع السابق: بأن مقتضى الفسخ، هو رجوع العين بما لها من الصفات حال العقد، إلى الفاسخ حين الفسخ، ولازمه في المقام، هو رجوعها مجردة عن الصفات الحادثة بعد العقد قبل الفسخ (3)، وبقاء الزيادة في ملك الغابن المالك لها قبل الفسخ بتبع العين، ولازمه كون العين مجردة عنها للمغبون، وتلك الزيادة للغابن. ومن المعلوم: أنه على هذا المبنى، ليست مالية العين الموصوفة، مشتركة بينهما بالمعنى المعهود من الشركة، بل لكل منهما قيمة ماله. نعم، قد يكون طريق تعيين قيمة الوصف بتقويم العين موصوفة، وغير موصوفة، وهذا غير الاشتراك. وفيه: - مضافا إلى ما مر من الإشكال فيه في الفرع السابق (4); فإن مقتضى الفسخ حل العقد، ورجوع العين على ما هي عليه في حال الفسخ - أن تلك الأوصاف، لا تعتبر عند العقلاء ملكا، ولا مالا، وإن أوجبت زيادة المالية في العين، فهل يصح أن يقال: «إن علم زيد مملوك لمن علمه» أو «إن قرب داره إلى الشارع مملوك له» أو «إن كونها جنب الساحة ملكه»... إلى غير ذلك؟! فالفسخ يرد العين، وبردها ترجع جميع الصفات الحقيقية والانتزاعية، لا بمعنى نقل الصفات إلى ملكه تبعا، بل بمعنى رد العين الموصوفة بالصفات، ولا يعقل بقاؤها في ملك الغابن مع رد العين، بعد عدم كونها مفروزة ومملوكة رأسا،
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 65 / السطر 29. 2 - مستند الشيعة 14: 393، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 194. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 44 / السطر 16. 4 - تقدم في الصفحة 503. 512 فلا يقاس المقام بباب بيع العين المستأجرة. ومنه يظهر النظر في قول بعضهم: من أنه لو كانت الزيادة بفعل من الغابن، يصير شريكا مع المغبون; فإن كونها أثرا لفعله يوجب أن يملكها، ولا ينافي تبعية العمل للعين في الملكية، ملكيته الاستقلالية عند خروج العين عن ملكه; فإن هذا العمل له جهتان: جهة منسوبة إلى الفاعل من حيث صدوره عنه. وجهة منسوبة إلى المحل من حيث وقوعه فيه. وجهة الوقوع متأخرة رتبة عن جهة الصدور، فيلاحظ في المقام ملكيته من حيث الصدور، فإذا ملكه مستقلا، فلا ينتقل بانتقال العين، فيصير شريكا مع المغبون في المالية، لا في العين (1)، انتهى. فإن فيه: - مضافا إلى ورود الإشكال المتقدم عليه - ما لا يخفى; ضرورة أن ما تقدم رتبة أو اعتبارا على جهة الوقوع، هو نفس جهة الصدور، لا الصادر بهذه الجهة، فالتعليم مقدم على التعلم رتبة، لا أن صفة العلم مقدمة على نفسها بجهتين، فإنه واضح البطلان، وعليه لا يثبت بذلك ما رامه. إلا أن يدعى: أن المملوك هو جهة الصدور، فالغابن مالك لتعليمه، وهو أفسد. مضافا إلى أن لازم ما أفاده، عدم حصول الشركة لا في العين، ولا في المالية; ضرورة أنه بعد استقلال الصفة في الملكية، وعدم نقلها بنقل العين، تكون مستقلة في المالية، فلكل من العين وصفتها ملكية ومالية ممتازة غير مربوطة بصاحبتها.
1 - منية الطالب 2: 79 / السطر 9. 513 هذا مضافا إلى أن الاستقلال إن كان قبل الفسخ - ولازمه كون الغابن مالكا للعين بلا صفة مستقلا، وللصفة مستقلا - فهو واضح البطلان. وإن حصل الاستقلال بعد الفسخ فلا يفيد، مع أنه لا وجه له، والاستقلال قبيل الفسخ أفسد. ومما تقدم يظهر النظر في قول بعضهم: حيث إن العين لا بد من رجوعها بما هي عليه حال الفسخ من الأوصاف المقومة لماليتها، والأوصاف المقومة لماليتها، أجنبية عن هذا الوصف الزائد الموجب لزيادة المالية، فالمالية الزائدة غير القابلة للانفكاك عن العين، تكون كالشركة من حيث الإشاعة، التي لا تنفك إلا بعد الإفراز، فهذه المالية الزائدة، لمن أحدثها في العين العائدة (1)، انتهى. إذ فيه: أن مقتضى الفسخ، إذا كان رجوع العين بما هي عليه حال الفسخ، كما هو التحقيق، فلا يبقى مجال لما ذكره; فإن العين بماليتها مطلقا، صارت بالفسخ ملكا للمغبون، فقوله: «إن الأوصاف المقومة لماليتها، أجنبية عن هذا الوصف الزائد» ليس له معنى محصل. ولو كان مراده: أن مقتضى الفسخ، رجوع العين بما لها من الصفات حال العقد، وكانت النسخة مغلوطة، والصحيح: «بما هي عليه حال العقد» يرد عليه الإشكال المتقدم، مع أن الظاهر أنه لا يلتزم به. والقول: بأن العين والوصف يرجع إلى الفاسخ، لكن المالية بعد البيع تقسم بينهما بالنسبة (2) لا يرجع إلى محصل. كما أن القول: بوجوب دفع أجرة المثل رفعا للضرر; فإن دفع العين الزائدة
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 65 / السطر 29. 2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 45 / السطر 7. 514 بهذه الزيادة بدون الأجرة، يكون ضررا على الغابن، كما نفى البعد عنه المحقق الخراساني (قدس سره) (1) غير مرضي; فإنه مع الغض عن الإشكال في حديث «لا ضرر...» بما تقدم (2). ومع الغض عن أن المقام من قبيل عدم الانتفاع بالعين، وأن ما كان ضررا عليه، هو المصارف التي أنفقها في حصول تلك الصفة أحيانا، لا يكون حديث نفي الضرر مشرعا على مبناهم، بل هو ناف للحكم الضرري، فلو كان الفسخ ضرريا ينفى بحديثه، وهو لا يلتزم به. مع أن ما ورد عليه من الضرر، مما أوقعه هو على نفسه لو كان عالما بالخيار، بل مع عدمه في وجه، بل لا معنى لأجرة المثل في العمل في ملكه، والفسخ حيث يرد نفس العين، لا العين والوصف، أو هي وزيادة القيمة، فليس ضرريا. إلا أن يقال: يكفي في ذلك انتهاؤه إليه، وكيف كان لا وجه معتد به لذلك. حكم الزيادة العينية ولو كانت الزيادة عينية محضة، كالبناء، والغرس، فلا إشكال في بقائها على ملك الغابن، ورجوع نفس الأرض إلى المغبون بلا زيادة، وحينئذ فهل للمغبون قلعها بلا أرش، أو معه، أو ليس له ذلك؟ وجوه: فإن قلنا: بأن إشغال الأرض بتلك الزيادة من غير حق، بحكم الغصب،
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 194. 2 - تقدم في الصفحة 507 - 508. 515 وهي عرق ظالم لا حرمة له (1)، ولا فرق بين الغصب والظلم ابتداء وبقاء، كان للمالك قلعها وهدمها، وعلى الغابن نفقة القلع، وطم الحفر، وكل نقص ورد على الأرض. وعلى ذلك: لا تصل النوبة إلى تعارض السلطنتين والضررين، كما أن الأمر كذلك في الغصب الابتدائي. لكن في كون ذلك بحكم الغصب إشكال بل منع; فإن هذا العرق عرق محق، وله احترام، وإنما العرق الظالم، ما إذا كان الغرس أو البناء في المغصوب، أو على وجه الظلم. ففرق بين الغصب ابتداء والغرس ظلما، وبين كون العرق حقا وإن لم يكن له حق البقاء; فإن عدم حق البقاء، لا يوجب صيرورة العرق عرق ظالم. بل لو كان الغرس حقا، ثم غصب صاحبه الأرض المشغولة به، لم يكن الغرس غير محترم، ولا عرق ظالم، فضلا عن المقام، فلا شبهة في أن الغرس محترم، لا يجوز قلعه، ولا يكون هدرا. ولو قيل: إن الغابن لو علم خيار المغبون، وأن الأرض في معرض العود، يكون قد هتك حرمة ماله وهدره. يقال: إن ذلك موقوف على أن انتقال الأرض إلى البائع، يجعلها بحكم المغصوب ابتداء، ويصير العرق به عرقا ظالما، وهو ممنوع، بل لو علم بإعمال الخيار أيضا، لم يصر ماله المحترم هدرا. نعم، لو كان الخيار حقا قائما بالعين، لكان العرق عرقا ظالما، ولكنه ممنوع، فالعرق محترم، وإن لم يكن له حق البقاء.
1 - أنظر وسائل الشيعة 25: 388، كتاب الغصب، الباب 3، الحديث 1. 516 وأما دعوى: كون الغرس أو البناء، استيفاء لمنفعة العين إلى زمان فساد الغرس وهدم البناء، قياسا بإجارة العين قبل فسخ المغبون، في قبال الدعوى السابقة (1). ففيها: منع ظاهر; فإن الإجارة موجبة لإفراز المنفعة، وصيرورتها للمستأجر، وصيرورة الأرض مسلوبة المنفعة في ملك صاحبها، وأين هذه من المقام مما يكون الاستيفاء تدريجيا؟! قصور دليل السلطنة عن تخليص كل من الغابن والمغبون لماله ثم إنه بناء على احترام مال الغابن، قد يتوهم، أن لكل من الغابن والمغبون، تخليص ماله عن مال غيره، واستبداده بذلك، وإن كان عليهما ضمان النقص; بأن يقال: إن ذلك مقتضى سلطنة الناس على أموالهم، فلكل سلطنة على ماله ليخلصه (2). وفيه: أن قاعدة السلطنة إن كانت عقلائية كما هو الحق، فلا إطلاق فيها، وليس للعقلاء البناء على السلطنة على المال، حتى مع سلب السلطنة عن غيره، فعند تزاحم السلطنتين، لا بد من العلاج العقلائي. وإن كان المبنى لتلك القاعدة، المرسلة المعروفة (3) فلا شبهة في أن
1 - أنظر المكاسب: 241 / السطر 8، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 66 / السطر 21. 2 - المكاسب: 241 / السطر 10، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 46 / السطر 3 - 8. 3 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، و 2: 138 / 383، بحار الأنوار 2: 272 / 7. 517 مفادها هو الحكم الحيثي، نظير قوله تعالى: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) (1). بل المقام أولى بذلك; فإن الإطلاق يوجب نحو تناقض في مدلول الدليل، فإن كل واحد من الأفراد، لو كان مسلطا على ماله ولو مع سلب سلطنة غيره، لرجع المدلول إلى إطلاق السلطنة وعدمه، وليس من قبيل الدليلين حتى يقع التزاحم بعد تحقق الإطلاق، فتدبر جيدا. فالمغبون في المقام مسلط على ماله وهو الأرض، لا على الغرس والبناء، فلا يجوز له التصرف فيهما إلا بإذن صاحبهما، ومالك الغرس سلطان على غرسه، وليس له سلطان على الأرض يتصرف فيها، ولا يجوز له ذلك إلا بإذن صاحبها. فما في بعض التعليقات: من أن النظر في مقتضيات سلطنة الطرفين - ولو بالمآل - يقتضي سلطنة المغبون على الإبقاء والقلع بالمعنى الذي عرفته، ولا يقتضي سلطنة الغابن على شئ من القلع والإبقاء (2) غير وجيه. عدم حكومة نفي الضرر على قاعدة السلطنة وبما ذكرناه من قصور دليل السلطنة، عن الإطلاق لما يوجب مزاحمة سلطنة الآخر (3)، يظهر أنه لا يبقى مجال للتمسك بدليل نفي الضرر على مبنى القوم; من أن مفاده نفي الأحكام الضررية (4)، ضرورة أنه مع عدم الإطلاق، لا
1 - المائدة (5): 1. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 66 / السطر 8. 3 - تقدم في الصفحة 517. 4 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 116 و 118، كفاية الأصول: 432، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 37 / السطر 17، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 207 / السطر 12. 518 مجال لحكومته على دليلها; فإنها فرعه، فلا وقع لدليل نفيه، والمفروض عدم استفادة حرمة الإضرار منه. نعم، بناء على كون مفاده النهي عن الإضرار - سواء كان ممحضا فيه كما هو المنصور (1)، أو أعم منه ومن النفي، كما هو أحد الاحتمالات فيه - يصح التمسك به فيما إذا لزم منه الضرر، كقلع المغبون، أو الغابن، أو إبقاء الغابن بلا أجرة المثل. نعم، لا ضرر في إبقائه معها، ولا في إبقاء المغبون، لكن مجرد ذلك لا يوجب جوازه، أو سلطنتهما عليه; فإن الإبقاء من قبل المغبون رغما للغابن، حبس لمال الغابن، و «لا يحل ماله إلا بطيب نفسه» ومقتضى نسبة عدم الحل إلى ذات المال - مع أنها إلى غير ما هو له - هو عدم حل كل ما يرجع إليه; من التصرف، والتقلب، والحبس، ومنع المالك عنه، والمزاحمة لسلطانه، ومنه يظهر حال إبقاء الغابن رغما للمغبون. فاتضح من ذلك: أنه على فرض دلالة دليل نفي الضرر على حرمته، يكون بعض الفروض منهيا عنه بدليله، وبدليل حرمة التصرف في مال الغير، ودليل عدم حل ماله، وبعض الفروض منهيا عنه بدليل حرمة مال الغير وإن لم يشمله دليل نفي الضرر. كما ظهر: أن جميع فروض المسألة - من القلع، والإبقاء، سواء كان من قبل البائع، أو المشتري - مستلزم لمخالفة دليل شرعي، وبعضها مخالف لدليلين، فلا يتصور فرض سالم من المخالفة، وعلى هذا لا بد من ملاحظة أقل المحاذير.
1 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدس سره): 86. 519 للبائع إلزام المشتري بالقلع أو أجرة المثل ولا يبعد أن يقال: إن للبائع إلزام المشتري بأحد أمرين: إما قلع شجره، وهدم بنائه، وطم الأرض، أو إبقاؤهما مع أجرة المثل، وعلى المشتري أحد الأمرين، لا يجوز له التخلف عنهما; فإن في ذلك جمعا بين الحقين، وعدم إضرار أحدهما بالآخر، وأقل مخالفة للأدلة. بل هو موافق للحكم العقلائي; فإن الغابن إذا كان شاغلا لملك المغبون، ولم يكن عرقه عرقا ظالما، يصير الحكم العقلائي: كونه ملزما بالقلع، أو الإبقاء بأجرة، ولا فرق في ذلك بين البناء، والشجر، والزرع، وكون الزرع له أمد، لا يوجب الفرق (1). ولو تخلف الغابن عن الأمرين، وامتنع منهما، فللمغبون القلع، أو الإبقاء وإلزامه بالأجرة، فلو كان الأمر في معرض التنازع ومظنة الفساد، لا بد من الرجوع إلى الحاكم، وعدم الاستبداد بالأمر. ولو قلع المغبون قبل الرجوع إلى الغابن، كان عليه التفاوت بين المقلوع والمنصوب ما دام عمر الشجر، مع استثناء أجرة المثل لتلك المدة. فالقول: بأن عليه التفاوت بين المقلوع والمنصوب الذي ليس له بقاء (2) غير مرضي، مع أن المقلوع في هذا الفرض أكثر قيمة من المنصوب في أكثر الفروض.
1 - مسالك الأفهام 4: 111، أنظر المكاسب: 241 / السطر 19. 2 - جواهر الكلام 27: 93 - 94 و 177، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 46 / السطر 19. 520 كالقول: بأن عليه التفاوت بين المقلوع والمنصوب دائما (1)، فإن للمنصوب بلا أجرة قيمة زائدة، وثبوت تلك الزيادة عليه بلا وجه. حكم التغير بالامتزاج مع غير الجنس ولو كان التغيير بالامتزاج بغير جنسه، واستهلك فيه عرفا، فلا إشكال في الرجوع إلى المثل أو القيمة; فإن المبيع تالف عرفا، وإن لم يكن كذلك عقلا، بل لعله يمكن إرجاعه بالآلات الحديثة، والبحث عن حكم الإرجاع لا فائدة له. وكذا يرجع إلى المثل أو القيمة، لو لم يستهلك ولم يتلف، لكن حدثت بعد الخلط والمزج ماهية أخرى، وتبدل الممزوجان بحقيقة غيرهما; لأن ما تعلق به العقد هو الخل مثلا، لا السكنجبين، ومقتضى الفسخ رجوع الخل، وهو غير موجود، نظير ما إذا فسخ بيع البيض بعد انقلابه إلى الفرخ. ومجرد كون الفرخ لصاحب البيض، وحصول الشركة في السكنجبين إذا كان الخل لشخص، والعسل للآخر، لا يصحح الرجوع; لأن الشركة هناك لأجل كون المادة لهما، وتبدل ملكهما بالسكنجبين نظير تبدل النواة بالنخلة، والبيض بالفرخ، حيث إن قلب الحقيقة والتبدل بحقيقة أخرى، لا يوجب سلب الملكية. وأما الرجوع في الخيار، فموقوف على وجود ما تعلق به البيع، ومن الواضح أنه لم يتعلق البيع بالحقيقة الموجودة، بل تعلق بما ليس بموجود، وتبدل إلى حقيقة أخرى، فتوهم الاشتراك في المقام (2)، ساقط لا وجه له.
1 - مسالك الأفهام 4: 111، المكاسب: 241 / السطر 11. 2 - أنظر المكاسب: 241 / السطر 24، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 195 - 196، منية الطالب 2: 82 / السطر 6. 521 وقد يقال: إن مقتضى الفسخ، رجوع العين بماليتها الشخصية القائمة بها، لا المطلقة، كما في التلف; فإن مقتضى الاعتبار فيما لا يمكن انفكاكه عن مال المفسوخ عليه، ثبوت الشركة فيه إما عينا، أو مالية (1). وفيه ما لا يخفى; فإن الفسخ فيما إذا تبدل المبيع بحقيقة أخرى، لا يؤثر في الرجوع، حتى يأتي حديث إمكان الانفكاك وعدمه. وتوهم: أن مقتضى البيع، نقل العين بأوصافها الحقيقية والاعتبارية، ومنها المالية، ومقتضى الفسخ إرجاع ما نقله، ومع عدم خصوصية للعين وأوصافها الحقيقية، ووجود المالية الخاصة، ترجع المالية الخاصة، فتكون مشتركة بينهما. غير وجيه; إذ - مع الغض عن أن تبديل حقيقة بحقيقة أخرى، مستلزم لتبديل ماليتها بمالية أخرى; فإن مالية السكنجبين غير مالية الخل والعسل، ومالية البيض غير مالية الفرخ - يكون توهم تعلق البيع بالعين وماليتها، بمكان من الضعف. ولعل منشأ التوهم: أن البيع عرف بمبادلة مال بمال (2)، فتكون المالية دخيلة في ماهيتها. وهو غير وجيه; لأن المراد ب «المال» هو العين، أو الشئ الذي له مالية، لا المالية، ولا هو والمالية; ضرورة أن عقد البيع في العرف وعند العقلاء، متعلق بالأعيان، وجهة المالية تعليلية، لا تقييدية، فالدار منقولة بالبيع، ولها قيمة، لا الدار المتقومة بالقيمة محط الإنشاء. مع أن البيع كان أسبق في التأريخ، من اعتبار المالية بما هي محققة في
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 68 / السطر 1. 2 - المكاسب: 79 / السطر 2. 522 الأعصار الأخيرة، وكان البيع بمعاوضة الأجناس بالأجناس، ولم يكن للمالية اسم، ولا رسم، واختلاف الرغبات كانت في تلك الأعصار، موجبة لاختلاف كيفية البيع، مثل تبديل من بمنين، أو بأمنان. ولو امتزج بغير الجنس، ولم ينقلب إلى حقيقة أخرى، لكن صار بحيث يتعذر تخليصه منه كامتزاج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو يتعسر كامتزاج الخشخاش بالسمسم، فمقتضى الفسخ رجوع نفس العين التي تعلق بها العقد، وبعد الفسخ تحدث الشركة الحكمية الظاهرية على احتمال. حكم امتزاج المالين كما أن الأمر كذلك إذا كان المالان لشخصين وامتزجا، ولكن حصول الشركة - ولو ظاهرية - في خلط غير المتجانسين، محل إشكال بل منع، بل الظاهر لزوم التخلص في مثله بالتصالح لو لم نقل بأنه في حكم التالف، كما لا يبعد. حكم امتزاج المبيع بمثله ولو كان الامتزاج بمثله المشابه له في الأوصاف; بحيث لو كانا لشخصين، لحصلت الشركة الواقعية القهرية، كامتزاج حليب بمثله. فإن قلنا: بأن الامتزاج، لا يمنع عن اعتبار الملكية الاستقلالية بأحكامها للممتزج; فإنه شئ موجود بحقيقته وشخصيته، وإنما سلب منه الامتياز بحسب نظر العرف، وهو لا يمنع عن اعتبارها بعد كونها ذا أثر أو آثار، وإنما قلنا: بالشركة في اختلاط المالين من مالكين; لقيام الدليل الشرعي كالإجماع. فالفسخ موجب لرجوع نفس ما تعلق به العقد إلى البائع، فحينئذ إن قام
523 الإجماع على الشركة في مثل ذلك أيضا، نحكم بها، وإلا فنحكم بالشركة الظاهرية الحكمية، أو نقول: بلزوم التخلص بالتصالح. وإن قلنا: بعدم اعتبار الملكية الاستقلالية في الممتزج كذلك، بل بعد الامتزاج يصير الموضوعان موضوعا واحدا، لشخص، أو لشخصين، فالشركة لأجل تبدل الشخصين بالشخص الواحد، والشخصيتين بشخصية واحدة، ولازمه الشركة الواقعية إذا كانا لمالكين; فإن لازم صيرورة ما لهما مالا واحدا، هو الشركة بنحو الإشاعة بينهما، من غير تبادل بين ماليهما، فلا يؤثر الفسخ في رده، بل هو بحكم التلف. والتحقيق: هو هذا الاحتمال، فإنه مع خلط مائع بمائع خلطا تاما، يرفع الامتياز، كخلط حليب بمثله، فترتفع الكثرة، وتحل محلها الوحدة، فالحليب الموجود بعد الخلط، موجود واحد، له حد واحد، بعد كون الحليبين موجودين مختلفين. وليس حال المائعات كالجامدات، نظير خلط الحنطة بالحنطة; فإن في خلط الحنطتين، لا ينقلب المتعدد إلى الواحد إلا بنحو الاعتبار، وإلا فكل حبة موجودة بوجودها الخاص بها عرفا وعقلا، خلطت بغيرها أم لا. بخلاف المائعات; فإن خلطها موجب لصيرورتها موضوعا وحدانيا بنظر العرف، فلا يكون الحليب المخلوط بمثله، موجودا بوجوده الخاص به بنحو الوحدة مماسا بمثله. فالخلط في مثله يرفع الامتياز واقعا عرفا، فلو فسخ العقد بعده، لا يعقل تأثيره في رده; لعدم وجوده بهويته الخاصة به التي تعلق بها البيع، ولا تأثيره في رد بعض الموجود كنصفه; ضرورة أن رده ليس مقتضى الفسخ. والقول: برجوع ذاته بلا حد كالقول: برجوعها منفكة عن الحد الموجود
524 لا يرجع إلى محصل; فإنها بلا حد أو منفكة عن الحد الموجود، ماهية موجودة في العقل، لا في الخارج، ولم يتعلق بها العقد، وما في الخارج فعلا، هو موجود واحد، لا موجودان وهويتان، تعلق بأحدهما العقد. فما هو موجود فعلا، لم يتعلق به، ولا ببعضه الخارجي، ولا ببعضه المشاع، عقد، فلا يعقل تأثير الفسخ في رده أو رد بعضه، فيكون متعلق العقد بحكم التالف، يرجع بعد الفسخ إلى مثله. نعم، الظاهر وجوب تأدية النصف من هذا الموجود; لكونه أقرب إلى العين، فالقول بالشركة غير مرضي (1); لأن الشركة فرع رجوع ما تعلق به العقد. اللهم إلا أن يتشبث في المقام بحكم العرف، ويقال: إن مقتضى عقل العرف، أن ما له موجود في الموجود الخارجي، وإن كان مخلوطا بغيره، ومقتضى الفسخ رجوع هذا المال المخلوط، ولازمه الشركة، فإن كان هذا حكم العرف غير المتسامح، فلا بأس به. ومما ذكرنا يظهر حال الخلط بالأردأ أو بالأجود، فإن المائعات المتجانسة حالها كما عرفت. حكم اختلاط الجامدات وأما الجامدات، فحالها غير حال المائعات، وقياسها بها مع الفارق، فلو خلط الحنطة التي تعلق البيع بها بحنطة مثلها، يكون مقتضى الفسخ، رجوع الحبوب المختلطة التي تعلق بها العقد، فتصير ملكا للفاسخ، وتبقى الحبات
1 - المكاسب: 241 / السطر 25، منية الطالب 2: 82 / السطر 18. 525 الأخر في ملك صاحبها، فلا بد بعد ذلك من التصالح، أو القول بالشركة الحكمية. حصول الشركة في المختلطين إنما هو بعد الفسخ ثم إنه في خلط الجامدات وكذا المائعات، لو قلنا: بأن مقتضى الفسخ، عود نفس ما تعلق به البيع المخلوط بغيره، وأنه موجود بشخصيته ونوعيته، لا بد وأن يقال: إن الشركة على القول بها، إنما تحصل بعد الفسخ وبعد عود المبيع، فلا محالة تتوقف الشركة على التبادل بين المالين المخلوطين; بمعنى مبادلة بعض المشاع من كل منهما بالآخر. ولا يعقل حصولها بغير ذلك: أما في الجامدات فظاهر، وأما في المائعات فكذا على هذا المبنى. لكن النقص الحاصل بالشركة، سواء كانت في المتماثلين، أم في المختلفين، لو كانت نفس الشركة عيبا ونقصا، لا يكون مضمونا على أحدهما، وإن قلنا: بأن نقص المبيع مضمون على الغابن في المسألة السابقة; لأن النقص هاهنا حصل بفعلهما، فإنه لولا الخلط الحاصل بفعل الغابن، والفسخ الذي هو فعل المغبون، لما تحققت الشركة. وليس هو كالنقص بفعل الغابن قبل الفسخ، فالمبيع يرجع إلى البائع على ما هو عليه، والخلط قبل الفسخ لم يكن نقصا; لعدم الشركة، وبعده نقص، لكنه حصل بالفسخ الذي هو فعل المغبون، فالقياس بين المسألتين في غير محله. وأما الرجوع إلى التفاوت بين الجيد والردئ، فهو موجب للربا، سواء قلنا: بالشركة في المقدار بقدر تفاوت القيمتين، أم قلنا: بالرجوع إلى التفاوت مع اشتراكهما بنسبة كمية مالهما، فلا فرق في ذلك بين الرجوع إلى الأرش من
526 ثمنه، أو غيره، أو من الجنس الممتزج. نعم، لو قلنا: بأن هذا التبادل القهري المترتب على الفسخ عقيب الخلط، خارج عن الربا (1)، فلا مانع من ثبوت التفاوت بأحد الوجوه; لأنه عقلائي في المبادلة بين المتفاوتين في الأوصاف المرغوبة، فالتفاوت هاهنا ثابت وإن قلنا: بعدم الضمان في النقص الحكمي كما تقدم (2)، والفرق بينهما واضح. حكم تلف العوضين مع الغبن بقي الكلام: في حكم تلف العوضين مع الغبن، وقد مر بعض الكلام في التلف الحكمي (3)، كالخروج عن الملك بنقل لازم، وأما في التلف الحقيقي، فربما يتوجه إشكال عقلي في بقاء العقد، وإشكال عقلائي أو عقلي في ثبوت الخيار. أما الأول: فبأن يقال: إن العقد من الماهيات التي لا تحصل لها إلا مع وجود طرفيها، فالبيع مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بعوض، فكما لا يعقل تحققه مع عدمهما، أو عدم أحدهما في الحدوث، لا يعقل بقاؤه مع تلفهما، أو تلف أحدهما، فالعقدة الاعتبارية - كالعقدة الحقيقية - لا يعقل تحققها مع التلف. وإن شئت قلت: إن الإشارة إلى العدم، وتصور المعدوم بما هو كذلك محال، فضلا عن الربط بينهما، كما أن ملك المعدوم محال، فإذا كان بقاؤه ممتنعا، يكون ثبوت الخيار فيه كذلك، من غير فرق بين القول: بأنه حق متعلق بالعقد، أو بالعين.
1 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 47 / السطر 23. 2 - تقدم في الصفحة 502. 3 - تقدم في الصفحة 480. 527 وأما الثاني: فلأن الفسخ كما مر، عبارة عن حل العقد، وإرجاع ما تعلق به إلى محله الأول (1)، ومع فقد المتعلق، وعدم إمكان ملكيته، لا يعقل إعمال الخيار وتأثيره، ولو فرض بقاء العقد، وإرجاع غير ما تعلق به العقد، لم يكن هذا من مقتضيات الفسخ. وقد يقال: إن العقد متعلق بالعين بشخصيتها، ونوعيتها، وماليتها، ومع تلف الأوليين تبقى الأخيرة (2)، فيكون متعلقه من هذه الجهة موجودا، فيندفع الإشكال الأول، والفسخ يتعلق بالعقد، وترجع به المالية، فيندفع الثاني. وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن متعلق العقد، هو نفس العين، دون المالية، وكون العين مالا، لا يقتضي أن يكون المتعلق ماليتها، وهو واضح. ولو سلم ذلك، فلا ينحل به الإشكال; فإن المالية المعتبرة في المال، لا يعقل بقاؤها مع تلفه، فمع تلف العين تتلف جميع خصوصياتها واعتباراتها، إلا أن يلتزم بتعلق العقد بالمالية ولو لم تكن منسوبة ومعتبرة في العين، وهو واضح البطلان. وقد يقال: إنه إذا قلنا بتعلق الخيار بالعقد، وأنه حق حله: إن العقد اللبي المعنوي الاعتباري، أمر قابل للبقاء والانحلال، والعقد - أي القرار المعاملي - وإن لم يكن مستقلا في التحصل، بل لا بد من تعلقه بالملكية ونحوها، إلا أن المقوم لهذا الأمر الاعتباري، هو الملكية العنوانية في أفق القرار المعاملي، لا الملكية الاعتبارية القائمة بمعتبرها، فزوال الملكية الحقيقية، لا يوجب انعدام الملكية العنوانية.
1 - تقدم في الصفحة 480. 2 - منية الطالب 1: 135 / السطر 18، و 2: 184 / السطر 21، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 79 / السطر 2، و 2: 179 / السطر 12. 528 فتلف العين، لا يوجب انعدام موضوع حق الخيار، إلا إذا ثبت في مورد، أن الحق أخذ على وجه مخصوص، وهو حق حل العقد المتعلق بالعوضين بشخصهما، لا بماليتهما المحفوظة ولو ببدلهما، فالعقد حينئذ وإن كان باقيا إلى الآخر، إلا أن إعمال الحق ممتنع; لضيق دائرته (1)، انتهى. وفيه ما لا يخفى; فإن المراد ب «الملكية العنوانية»: إما عنوان «الملكية» ساقطة الإضافة عن العين، أو وجودها الذهني الحاكي عن الخارج. أما الأول: فبطلانه واضح; ضرورة أن العقد مبادلة مال بمال، في ملكيتهما المضافة إليهما، المعتبرة فيهما، لا مبادلة ملك مطلق بمثله، والظاهر عدم إرادته ذلك. وأما الثاني: فمثله في الضعف; فإن مرجعه إلى أن البيع، عبارة عن مبادلة صورة ذهنية، بصورة ذهنية عنوانية، حاكية عن العين الخارجية. ولعله مأخوذ من قول من قال: إن المعلوم بالذات هو ما يكون حاضرا في أفق النفس، وأما الخارج فهو معلوم بالعرض وبتوسط المعلوم بالذات (2). فقاس المقام به، والتزم بأن متعلق العقد هو الملكية المعلومة بالذات وفي أفق النفس، مع أن قياسه مع الفارق; فإن المبادلة إنما وقعت على الملك المتحقق في الخارج بنحو من الاعتبار، لا على ما وجد في أفق النفس. وإن شئت قلت: إن التبادل بين المعلومين بالعرض، لا المعلومين بالذات. بل جل الأحكام العقلية والعقلائية، ثابتة للمعلومات بالعرض، فالإنسان المعلوم بالعرض، ناطق مستقيم القامة، والماء المعلوم بالعرض، رافع للعطش، والسلعة المعلومة بالعرض، لها قيمة ومرغوبية، وهي ملك لصاحبها،
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 190 / السطر 17. 2 - الحكمة المتعالية 6: 151 و 163. 529 ويبذل بإزائها المال، والتبادل الاعتباري إنما يقع بين الملكيتين الخارجيتين بالاعتبار. فأفق القرار المعاملي، هو المبادلة في الملكية، المعتبرة في الأعيان، القائمة بها بنحو من الاعتبار. وأما قوله: إنه إذا ثبت في مورد، أن الحق أخذ على وجه مخصوص... إلى آخره، فجواب على طبق الكلام المتقدم من بعض الأعاظم (قدس سره)، وقد عرفت ما فيه (1)، وأن الأمر دائما كذلك، ولا يحتاج إثباته إلى دليل، بل نفس تصور القضية كاف لتصديقها. والذي يمكن أن يقال: إن العقد الإنشائي - بالمعنى الذي تقدم الكلام فيه مرارا (2) - ليس نظير الأعراض الخارجية للجواهر، التي هي موجودة حقيقة، مستمرة باستمرار الزمان، ومتدرجة بتدرجه بتبع معروضاتها، تابعة لها في الوجود والعدم. ومعنى بقاء العقد الإنشائي الاعتباري، غير معنى البقاء المنسوب إلى الجواهر والأعراض، حيث إن بقاءها عبارة عن استمرار وجودها تبعا للزمان، والأمر الاعتباري ليس له حقيقة مع الغض عن الاعتبار، وإن كان اعتباره اعتبار أمر في الخارج. فالملكية والزوجية ونحوهما - كالقرارات والعقود الاعتبارية - اعتبارات خارج الذهن، لكن لا كالأعراض الخارجية، فعقد البيع الإنشائي، وجوده عبارة عن المبادلة المعهودة، وهي موجودة ما لم ينفسخ بخيار أو بإقالة، فوجوده ليس
1 - تقدم في الصفحة 528. 2 - تقدم في الجزء الأول: 75، 238، 243، والجزء الثاني: 536، وتقدم في الصفحة 68، 110، 124، 481. 530 وجود أمر زماني، وكذا بقاؤه، فعقد مبادلة الفرس بالعوض مثلا، موجود اعتباري لا ينعدم إلا بحله بأسبابه. فالاعتبار الذي تعلق بالعوضين في زمان وجودهما - أي القرار المعاملي بينهما في ذلك الظرف والحين - لا ينعدم في الاعتبار بانعدام العوضين، ولم يكن استمراره باستمرارهما، ولم يكن وجوده الاعتباري تابعا لهما، بل تابع لاعتباره في ظرفه. ولا يعقل أن يكون بقاؤه مستمرا باستمرار الزمان; إلا أن يكون الاعتبار مستمرا، أو يكون اعتبار الاستمرار فيه باستمراره، وهما مفقودان، فالوجود والبقاء في تلك الأمور الاعتبارية، ليسا كالحقائق. بل معنى بقائها، أن تلك العقدة التي حصلت في ظرفها بين الشيئين اعتبارا، لم تنفسخ، فانعدامها بانفساخ العقد، لا بعدم العوضين. الانفساخ في المقام انفساخ أمر إنشائي ثم إن الانفساخ انفساخ أمر إنشائي كما مر (1)، كإقالة الفضوليين قبل الإجازة، بناء على ثبوتها في الفضولي كما لا يبعد. وللانفساخ أحكام عقلائية، كما للعقد الإنشائي، ومن الأحكام العقلائية له ثبوت العوض على عهدة البائع أو المشتري، مع فقد العين حال الانفساخ. ولا ينبغي توهم: أن لازم ما ذكرناه، هو أن الفسخ من الأصل; فإن العقد لم يتقيد بالزمان، وليس الفسخ فسخ العقد في الزمان الماضي، بل هو فسخ نفس العقد الذي لا يتقيد بزمان، وإن كان حادثا فيه، نظير ما قالوا - في جواب القول:
1 - تقدم في الصفحة 482 و 498. 531 بأن الإجازة في عقد الفضولي تعلقت بالعقد الذي تحقق في الزمان الماضي، فلا بد أن تؤثر من الأول -: من أن العقد لم يتقيد بالزمان، بل مبادلة بين الشيئين (1). وفي المقام يقال: إن الفسخ حل العقد من غير تقيد بزمان، ولازمه الحل في الحال، لا بمعنى التقيد به، بل بمعنى الحصول في الحال تبعا لسببه. وما ذكرناه موافق للفهم العقلائي، والبناء العرفي، المتبعين في أمثال المقام، ولو رجع الكلام المتقدم من بعض أهل التحقيق (قدس سره) إلى ذلك، فلا مضايقة. تلف ما في يد المغبون أو الغابن مضمون بقيمة يوم الفسخ ومما ذكرناه يظهر: أن تلف ما في يد المغبون أو الغابن بآفة سماوية، أو بإتلاف من في يده في القيميات، مضمون بقيمة يوم الفسخ; فإن حال الفسخ وحل القرار الإنشائي، حال قيام العوض مقام التالف مضمونا على من تلف عنده. وأما قيمة حال التلف، أو حال الأداء، فهي مبنية على مبان غير وجيهة; كالبناء على انقلاب الضمان المعاوضي بضمان اليد عند تسلم العوض (2)، فإنه - على هذا المبنى - لو قلنا: بأن مقتضى ضمان اليد، هو وقوع نفس العين على عهدة الضامن، كما قال به جمع، فلازمه اعتبار قيمة يوم الأداء (3). ولو قلنا: بأن مقتضاه هو الجبران عند التلف، وأن معنى ضمان اليد، أنه لو
1 - المكاسب: 132 / السطر 32، منية الطالب 1: 235 / السطر 2، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 146 / السطر 25. 2 - منية الطالب 2: 77 / السطر 22، و: 184 / السطر الأخير. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 39 و 197، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 43 / السطر 19. 532 تلف يجبر بمثله أو بقيمته، فلازمه قيمة يوم التلف. ويأتي الاحتمالان على فرض أن يكون الفسخ من الأصل، فإنه على هذا الفرض، وإن امتنع انقلاب ملك الغابن مثلا، بملك المغبون في عمود الزمان، كما يقال في الكشف الانقلابي (1)، لكن لا مانع من الحكم بترتيب أثر ملكه من الأول بعد الفسخ، ولازمه وجوب ترتيب أثر وقوع اليد على ملك الغير الموجب للضمان. فعلى الاحتمال الأول: يكون الاعتبار بقيمة يوم الأداء. وعلى الثاني: بقيمة يوم التلف. كما أن لازم القول بأن الفسخ موجب لرد نفس العين على ذمة المفسوخ عليه، هو قيمة يوم الأداء، لكن المباني فاسدة، لا سبيل إلى الالتزام بها. حكم ما لو أتلف الأجنبي العين ففسخ المغبون ويظهر من التأمل فيما مر: أنه لو أتلفه الأجنبي، ففسخ المغبون، يرجع المالك قبل الفسخ إلى المتلف بقيمة يوم التلف، بناء على ما هو التحقيق; من أن إتلاف مال الغير في القيميات موجب للضمان بالقيمة يوم التلف (2)، ويرجع الفاسخ إلى صاحبه أو بالعكس بقيمة يوم الفسخ، هذا على المبنى المنصور. وأما بناء على القول بانقلاب الضمان المعاوضي - بعد التسليم والتسلم - إلى ضمان اليد، وبناء على أن مقتضى اليد وكذا مقتضى قاعدة الإتلاف، وقوع
1 - المكاسب: 134 / السطر 23، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 144 / السطر 35. 2 - تقدم في الجزء الأول: 596، 617، 628. 533 نفس العين على عهدة الغابن، وبناء على أن مقتضى الفسخ رجوع نفس العين على ذمة المفسوخ عليه، فيتخير المالك بين الرجوع إلى المتلف، وإلى صاحبه. فلو رجع إلى صاحبه يرجع هو إلى المتلف، دون العكس، نظير باب تعاقب الأيدي، فإن العين مضمونة على صاحبه، والعين المضمونة مضمونة على المتلف، والاعتبار على ذلك بقيمة يوم الأداء. ولو قلنا: بأن مقتضى ضمان اليد، ثبوت نفس العين على العهدة، ومقتضى قاعدة الإتلاف، ثبوت قيمتها يوم الإتلاف، فلو غصبها الأجنبي، ثم أتلفها، فمقتضى اليد ثبوتها على عهدته، والاعتبار في القيمة بيوم الأداء، ومقتضى قاعدة الإتلاف ثبوت قيمة يوم التلف. فهل مقتضى قاعدة اليد مقدم على مقتضى قاعدة الإتلاف; لسبقها، ومع ثبوت العين في العهدة بالسبب السابق، ويتبعه قيمتها في ضمنها، لا يبقى مجال لتأثير السبب اللاحق، فيكون الاعتبار بقيمة يوم الأداء؟ أو يقدم مقتضى قاعدة الإتلاف، ويوجب ثبوت القيمة بتمامها على عهدته، محو ضمان نفس العين; لعدم اعتبارها مسلوبة القيمة، فيكون الاعتبار بقيمة يوم الإتلاف؟ أو تكون العين بقاعدة اليد، ثابتة على عهدة الغاصب إلى حال الإتلاف، ومن حاله يكون ثبوت قيمة العين، بقاء مسببا عن القاعدتين، وثبوت العين بسبب اليد مستقلا; بدعوى أن لثبوتها مجردة عن قيمة يوم التلف أثرا; وهو ثبوت قيمتها يوم الدفع؟ وجوه مبنية على مبان غير وجيهة، ويأتي الكلام أيضا في إتلاف المالك قبل الفسخ، بناء على بعض المباني.
534 حكم إتلاف الغابن ما في يد المغبون قبل الفسخ وبالعكس ويظهر مما ذكرناه، حكم إتلاف الغابن ما في يد المغبون قبل الفسخ وبالعكس، على المذهب المختار، وعلى غيره. لكن هنا كلام; وهو أنه على القول: بأن الضمان المعاوضي، ينقلب بعد التسليم إلى ضمان اليد، وأن مقتضى ضمانها، أن العين بخصوصياتها الشخصية وعلى ما هي عليها، على عهدة من تسلمها، أنه لو غصب الغابن مثلا ما في يد المغبون قبل الفسخ، تقع العين - بدليل ضمان اليد بخصوصياتها، وعلى ما هي عليها - على عهدته للمغبون. فتكون العين بخصوصياتها الشخصية، مضمونة على المغبون للغابن، وعلى الغابن للمغبون، وهو ممتنع، نظير كون زيد مديونا لعمرو بعشرة، وكون عمرو مديونا لزيد بهذه العشرة بعينها، فيكون كل منهما مديونا ودائنا بالنسبة إلى عشرة خاصة، فإنه غير معقول. وتوهم: أن باب التهاتر من هذا القبيل (1) فاسد; فإن التهاتر أينما تحقق، يكون بين المتماثلين من جميع الجهات، فلو كان لزيد عشرة على عمرو بسبب الإقراض، فأتلف ماله المساوي لعشرة، واشتغلت ذمته له بعشرة مثلها تهاترا; ضرورة أنه لا تكون العشرة المسببة عن الإقراض عين الأخرى. وكذلك الأمر في المثليات، وليس مقتضى الضمان فيها أو في القيميات، اعتبار ثبوت نفس التالف أو ماليته القائمة به، على عهدة المتلف، بل مقتضاه
1 - أنظر منية الطالب 2: 85 / السطر 16، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 70 / السطر 18. 535 ثبوت مثل التالف أو قيمة مثل قيمته مقدارا على عهدته، فلو أتلف كل من الشخصين مال صاحبه، وكان المالان متساويين في القيمة، تشتغل ذمة كل منهما لصاحبه بقيمة مساوية لماله، فيتهاتران. ولا يدفع الإشكال، بأن ما على المغبون هو العين بخصوصياتها، وما على الغابن هو العين المضمونة على المغبون، كما يقال في تعاقب الأيدي (1); ضرورة أن ذلك الدفع ليس إلا تفسيرا للأمر المحال، نظير أن يقال: «إن ذمتي مشغولة بعشرة لزيد، وإن ذمة زيد مشغولة بهذه العشرة التي اشتغلت ذمتي له» والأمر سهل بعد فساد المبنى. مسألة: في عدم اختصاص خيار الغبن بالبيع لا ينبغي الإشكال: في أن خيار الغبن، لا يختص بالبيع بناء على كونه عقلائيا (2)، وكذا بناء على الاستناد فيه إلى دليل نفي الضرر (3)، أو الشرط الضمني (4). نعم، لو كان المستند هو الإجماع (5)، أو قلنا: بأن دليل نفي الضرر يحتاج
1 - منية الطالب 1: 302 / السطر 1، وتقدم في الجزء الثاني: 478. 2 - تقدم في الصفحة 417. 3 - تقدم في الصفحة 402، الهامش 3. 4 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 34 / السطر 29 و: 38 / السطر 25، منية الطالب 2: 57 / السطر 18. 5 - غنية النزوع: 224، مختلف الشيعة 5: 75، أنظر المكاسب: 234 / السطر 21. 536 إلى الجابر (1)، أو كان المستند بعض الروايات كرواية «دعائم الإسلام» المتقدمة (2)، فيشكل الإثبات، فالخيار ثابت في جميع المعاوضات المبنية على التدقيق. وأما ما لا يكون كذلك، كالصلح لرفع التنازع، أو لرفع الشغل المحتمل، فإن كان التساهل فيه بنحو الإطلاق، أو احتمل الاشتغال بأكثر مما ادعي، فصالح كائنا ما كان فلا خيار. وأما لو تردد بين العشرة والعشرين فصالح، ثم ظهر ألف مثلا، فالظاهر ثبوته. وأما في الجعالة، فالظاهر عدم الثبوت; لأنها ليست من المعاوضات بالمعنى المعهود، ولهذا لا يعتبر فيها ما اعتبر فيها، فلو جعل دينارا في رد دابته، مع اختلاف الدواب، واختلاف العمل باختلافها، صح، فلا تجري فيها أدلة إثباته.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 197، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 70 / السطر 27. 2 - تقدم في الصفحة 415. 537 مسألة في أن خيار الغبن على نحو التراخي اختلفوا في كون هذا الخيار على الفور، أو على التراخي. واستدل للقول الأول: بأن الخيار على خلاف القواعد، فيقتصر فيه على المتيقن (1). وللقول الثاني: بالاستصحاب (2). والاستدلالان مبنيان على فرض عدم إطلاق لدليل الخيار، وعدم دليل على التراخي، وانتهاء الأمر إلى الشك فيهما، وسيأتي الكلام في حال دليله. حول التمسك بالعموم أو استصحاب حكم المخصص وعلى فرض عدم الإطلاق لدليله، لو شك في بقاء الخيار بعد الزمان المتيقن: فهل المرجع عموم أو إطلاق (أوفوا بالعقود) (3) أو استصحاب حكم
1 - جامع المقاصد 4: 38، مسالك الأفهام 3: 204، أنظر المكاسب: 242 / السطر 26. 2 - الحدائق الناضرة 19: 43، جواهر الكلام 23: 43، أنظر المكاسب: 242 / السطر 27، منية الطالب 2: 92 / السطر 15. 3 - المائدة (5): 1. 539 المخصص؟ فنقول: إن لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) عموما أفراديا مستفادا من دلالة لفظية; أي الجمع المحلى باللام، وإطلاقا مستفادا من جعل الحكم على الأفراد بلا قيد. الفرق بين العموم والإطلاق وقد تكرر منا: أن العموم غير الإطلاق دلالة ومدلولا (1)، وأن في الأول، يثبت الحكم لكل مصداق من الطبيعة بدلالة لغوية وألفاظ موضوعة، كلفظ «الكل» والجمع المحلى ونحوهما، الموضوعة للكثرة الإجمالية، فالمدلول فيه هو جميع مصاديق الطبيعة، والدال هو اللفظ الموضوع للشمول والتكثير. وأما الإطلاق، فلا يكون من المداليل اللفظية واللغوية، ولم يوضع له لفظ، بل الحجة عليه فعل المتكلم، لا قوله; فإن العاقل غير الغافل، إذا كان في مقام بيان مقصوده، وجعل شيئا موضوعا في كلامه لحكم، ولم يقيده بقيد، يستكشف من فعله ذلك، أن تمام موضوع حكمه هو الذي أتى به في كلامه. فإذا قال: «أعتق رقبة» يستدل بأخذ «الرقبة» بلا قيد موضوعا في كلامه، على أنها بلا قيد «المؤمنة» أو غيرها، موضوع لحكمه، فيعلم منه أن تمام الموضوع، هو «الرقبة» من غير قيد، فيستدل بفعله على مراده، كما يستدل في العام بقوله عليه. فالمراد المحكوم عليه في المطلق، هو نفس ما جعله موضوعا، من غير دلالة على كثرة، أو استمرار، أو نحوهما، فالمطلق بعد تمامية مقدمات الإطلاق،
1 - تقدم في الجزء الأول: 125، و الجزء الثاني: 328. 540 لا يفيد كثرة بوجه من الوجوه. فما في كلمات بعض المحققين (قدس سره) من أن المطلق بعد تمامية المقدمات، يدل على السريان والشيوع، حتى قالوا في تعريفه: إنه ما دل على شائع في جنسه (1) غير وجيه. كما أن البحث عن ألفاظ المطلق، كما وقع منهم (2)، ليس على ما ينبغي; فإن المطلق المقابل للمقيد في البحث الأصولي، لا يدل على شائع، ولا على كثرة، بل الإطلاق - كما أشرنا إليه - ليس من الدلالات اللفظية، وليس له لفظ، ولا وضعت له لغة. ولا فرق فيما هو مناط الاحتجاج، وفيما هو المقصود من الإطلاق، بين الألفاظ الدالة على الطبائع مثل «البيع» و «الرقبة» وبين الأعلام الشخصية ك «زيد». فقوله: «أكرم زيدا» بعد مقدمات الإطلاق مطلق، كقوله: «أعتق رقبة» ولا دلالة لهما على الشيوع والسريان، بل لا يعقل الدلالة بعد عدم الوضع، ومقدمات الحكمة لا تجعل غير الدال دالا، ومن الواضح أن الألفاظ الموضوعة للطبائع، لا تدل إلا على نفس الطبائع، والدلالة على الكثرة والشياع، تحتاج إلى دال لفظي، ومقدمات الحكمة، لا تفيد إلا ما أشرنا إليه: من أن ما جعل متعلقا، هو تمام الموضوع، سواء كان طبيعة، أم علما. وأما ما تكرر في كلامهم من أن الإهمال الثبوتي محال، فاللزوم الحقيقي
1 - كفاية الأصول: 288، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 562، درر الفوائد، المحقق الحائري: 234، نهاية الأفكار 2: 567، مقالات الأصول: 500. 2 - كفاية الأصول: 282 - 286، أنظر فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 566 - 573، درر الفوائد، المحقق الحائري: 231. 541 المجعول في الآية له تعين واقعي، إما بجميع الأزمنة، أو ببعضها (1). ففيه: أن معنى عدم إمكان الإهمال ثبوتا، ليس لزوم لحاظ ما ليس موضوعا، ولا دخيلا فيه، في موضوع الحكم. ففي المقام: إن موضوع وجوب الوفاء هو العقد، وبعد مقدمات الإطلاق، يكشف أن العقد تمام الموضوع، ولا دخل لشئ آخر فيه، فلو فرض إمكان إيجاد العقد في غير الزمان والمكان، كان الموضوع متحققا; لعدم دخالتهما في موضوع الحكم، فالعقد بعد وجوده، يجب الوفاء به أينما تحقق، وفي أي زمان كان. لكن لا بمعنى دخالتهما في موضوع الحكم، ولا بمعنى لحاظهما حال الجعل، بل بمعنى أن العقد أينما وجد، يكون عقدا، فيجب الوفاء به. ولو فرض قيام دليل على عدم وجوب الوفاء به في زمان، يكشف ذلك عن كون الموضوع هو العقد في غير هذا الزمان، فبعد ورود القيد، يكشف أن الموضوع - لبا - مقيد بغير الزمان الخارج، لا أن الإطلاق يقتضي ذلك، وللتفصيل محل آخر. وأنت إذا تأملت فيما ذكر، تعرف أن كثيرا من المباحث التي وقعت في المطلق والمقيد، خارجة عن محط الكلام، وعما هو المطلوب في ذلك الباب، وأنه لا أصل للإطلاق البدلي والشمولي، ولا موضوع للبحث عن أن الدال على البدلية والشمول، لفظ موضوع لهما، كلفظة «أي» أو هيئة النكرة، فإن ما يفيده الإطلاق، أجنبي عن البدلي والشمولي. فقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) له دلالة لفظية على وجوب الوفاء بكل عقد بتعدد الدوال والمدلولات، وأما أن العقد تمام الموضوع لوجوب الوفاء،
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 72 / السطر 28. 2 - المائدة (5): 1. 542 أو جزؤه، وله قيد أو جزء آخر، فلا يدل عليه اللفظ والقول. بل كونه تمام الموضوع، مستفاد من جعله موضوعا للحكم بلا قيد، فيحتج للعموم بالقول، وللإطلاق بالفعل، والعموم دال على الكثرة، دون الإطلاق. ثم إن الإطلاق في الآية، متفرع على العموم; فإن موضوع العموم العقد، وبعد تعلق وجوب الوفاء به بلا قيد، يحكم بالإطلاق، فالإطلاق موضوعه العقد المتعلق به الحكم، أو الحكم المتعلق بالعقد. ومقتضى التفرع، أن التخصيص في العام، حيث يوجب رفع حكمه عن الموضوع الخاص، فلا يبقى معه محل للإطلاق، وأما التقييد في الإطلاق، فلا يمس كرامة العام. وعليه ففي التخصيص خلاف ظاهر واحد; لأنه لا يوجب تقييد المطلق، حتى يوجب بذلك خلاف ظاهر آخر، بل يوجب رفع موضوع الإطلاق، كما أنه ليس في التقييد إلا خلاف ظاهر واحد، ولا يوجب التصرف في العام. فاتضح من ذلك: أن التخصيص في عموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) عبارة عن إخراج ما دل العموم على دخوله في الحكم، نظير التخصيص بدليل حرمة الربا، وبيع الغرر، ومن المعلوم أن هذا غير مربوط بالإطلاق، نعم يرتفع به موضوعه. وأما التقييد في إطلاقه، فهو عبارة عن ورود قيد، يوجب الكشف عن عدم كون المطلق تمام الموضوع، بل له قيد آخر، فلو دل الإجماع مثلا، على عدم وجوب الوفاء بالعقد في ساعة، يكشف ذلك عن أن موضوع وجوبه، ليس العقد المطلق، بل العقد في غير ساعة كذائية، فهذا تصرف في الإطلاق وخلاف ظاهره. ولا يعقل أن يكون تخصيصا; فإن الساعات والحالات، لم تكن مشمولة للعموم، ولم يكن العام دالا عليها، فلا يعقل كون التصرف المذكور، راجعا إلى
543 التخصيص، كما لا يعقل أن يرجع التخصيص إلى التقييد. فما في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره): من أنه لا يلزم من ذلك زيادة تخصيص، إذا خرج الفرد في ساعة أو بعدها مستمرا (1) خلط بين التخصيص والتقييد; ضرورة أن خروج ساعة، لا يعقل أن يكون تخصيصا، بعد عدم دلالة العام على الزمان والحالات، بل هو تقييد، ويتجه معه التمسك بالإطلاق في غير الزمان الخارج. كلام العلامة الحائري والجواب عنه ومما ذكرناه في معنى الإطلاق، واختلاف موضوعه مع موضوع العموم في قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) يتضح الجواب عن المناقشة التي أوردها شيخنا العلامة أعلى الله مقامه. وحاصلها: أن المطلق في سائر المقامات، يشمل ما تحته من الجزئيات في عرض واحد، ويستقر ظهوره في الحكم على كل ما يدخل تحته بدلا أو استغراقا، فإذا خرج منفصلا شئ منه، بقي الباقي بنفس الظهور المستقر. وفي المقام: إن الزمان أمر واحد مستمر، وبعد مقدمات الحكمة يستمر من أول وجود الفرد إلى آخره، فإذا انقطع الاستمرار بخروج فرد يوم الجمعة مثلا، فليس لهذا العام دلالة على دخول هذا الفرد يوم السبت; إذ لو كان داخلا، لم يكن هذا الحكم استمرارا للحكم السابق (3)، انتهى. إذ مبنى هذه المناقشة على شمول الإطلاق للجزئيات، واستقرار ظهوره
1 - المكاسب: 242 / السطر 31. 2 - المائدة (5): 1. 3 - درر الفوائد، المحقق الحائري: 571. 544 في الحكم على كل ما دخل تحته، وفي المقام استقر ظهوره في استمرار الحكم; من أول وجود الفرد إلى آخره. وقد عرفت: أن الإطلاق المقابل للتقييد، أجنبي عن ظهور القضية في الحكم على المصاديق، وأجنبي عن الظهور في استمرار الحكم على الفرد إلى آخر وجوده (1)، فالبحث عن عرضية الجزئيات وعدمها، بحث غير مربوط بباب الإطلاق. فالعقد في كل مصاديق العام بعد تمامية المقدمات، محكوم عليه بوجوب الوفاء، من غير دخالة شئ فيه، فيحكم بأنه تمام الموضوع لحكمه، ولازم ذلك عقلا أنه إذا وجد في أي مكان أو زمان، أو مع أي عارض، ثبت له الحكم بما هو عقد، لا بما هو موجود مع المقارنات أو مع المتحدات. فالحكم كأنه لازم ماهيته، فإذا وجد وبقي في عمود الزمان، بقي حكمه، وإذا ورد دليل على عدم لزوم الوفاء به في قطعة من الزمان، أو في حالة كذائية، يتقيد الإطلاق به، ويستكشف منه أن الموضوع للوفاء، هو العقد في غير القطعة الخارجة، أو الحال الخارجة، ويبقى الإطلاق في غير مورد التقييد بحاله، فيتمسك به عند الشك. فطولية الزمان وعرضية العوارض، غير دخيلة في الإطلاق والتمسك به. كلام المحقق النائيني وجوابه ويظهر أيضا الإشكال فيما فصله بعض الأعاظم (قدس سره)، وحاصله: أن استمرار الحكم ودوامه فرع وجوده، ومع الشك فيه، لا يعقل التمسك بالإطلاق لكشف
1 - تقدم في الصفحة 540 - 541. 545 حاله; فإنه من قبيل إثبات الموضوع بالحكم (1). لأنه ناشئ من عدم تفكيك العام وموضوعه، عن المطلق وموضوعه; فإن موضوع المطلق أو ما هو دخيل فيه، هو الحكم الذي يثبت بألفاظ العموم، وما لم يخصص العام، يكون موضوع المطلق محققا، لا بدليل الإطلاق، بل بدليل العام. وبالجملة: إن العام الشامل لجميع الأفراد، إن خصص، فلا مجال للإطلاق بعد رفع موضوعه، وإن لم يخصص، فلا مجال للشك في بقاء موضوعه، وإن شك في تخصيصه، فبأصالة العموم يحرز موضوع الإطلاق، فليس في شئ من الموارد توهم إثبات الموضوع بالحكم. في التفصيل بين الخروج من الأول والأثناء نعم، هنا مناقشة أخرى على ما حررناه; من أن الإطلاق غير العموم، وأن التخصيص غير التقييد، ولا يوجب التخصيص في العام تقييدا في المطلق وبالعكس (2). وهي أن لازم ما ذكر، التفصيل بين ما إذا خرج فرد في أول الزمان، وشك في أنه خرج مطلقا، أو في خصوص الزمان الأول - كخيار الغبن بناء على ما هو الحق; من ثبوته بعد العقد بلا فصل - وبين ما خرج في الأثناء، مع العلم بدخوله قبل زمان الخروج، كخيار التأخير، وخيار الغبن; بناء على ثبوته بعد ظهوره، فشك في حكمه فيما بعد الزمان المتيقن.
1 - منية الطالب 2: 89 / السطر 5، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 535 - 537. 2 - تقدم في الصفحة 540 - 541 و 542 - 543. 546 فيتمسك بالاستصحاب في الأول، لا بالإطلاق; لأن الأمر دائر بين التخصيص والتقييد، ويكون من قبيل العلم الإجمالي بورود التخصيص في العام، مع بقاء الإطلاق على حاله; لأن الخروج الموضوعي لا يخالف الإطلاق، أو التقييد في الإطلاق من غير تصرف في العام، فيقع التعارض بين أصالتي العموم والإطلاق. فعلى القول: بعدم ترجيح في البين، يكون المرجع هو الاستصحاب أو أصل آخر. وأما في الثاني: فلا مجال للعموم; للعلم بعدم ورود التخصيص عليه، بل الأمر دائر بين كثرة التقييد وقلته، فيؤخذ بالمتيقن، ويتمسك بالإطلاق في المشكوك فيه. والجواب عنها: أن المحرر في محله، أن مورد جريان أصالة الإطلاق - وكذا أصالة العموم، وأصالة الحقيقة - ما إذا شك في المراد (1)، كما لو شك في تخصيص العام في المقام بالنسبة إلى عقد، وأنه خارج أم لا. وأما إذا علم المراد وحكم الفرد، وشك في أنه خارج تخصيصا أو تخصصا، كما لو شك في المقام في عقد لم يجب الوفاء به; في أنه خرج عن العموم بالتخصيص وبنحو الخروج الموضوعي بالنسبة إلى الإطلاق، أو خرج عن الإطلاق تقييدا، فلا يجري الأصل. فلو علم بأن فردا من العام، محكوم عليه بغير حكم العام، وشك في أنه من مصاديقه وخارج عنه تخصيصا، أو ليس من مصاديقه، فلا مجال لأصالة العموم لكشف حال الفرد، وكذا الحال في أصل الحقيقة، وأصالة الإطلاق.
1 - فرائد الأصول 1: 54، تهذيب الأصول 1: 511. 547 والمفروض في المقام، أن من المعلوم عدم ثبوت وجوب الوفاء في أول الزمان، والشك إنما هو في أن الخروج بنحو التقييد، أو بنحو التخصيص والخروج الموضوعي بالنسبة إلى الإطلاق، وفي مثله لا مجال للأصل. مضافا إلى أن تلك الأصول، غير جارية فيما إذا لم يكن لها أثر; فإنها أصول عقلائية عملية، ولا أثر لأصالة الإطلاق مع العلم بخروج الزمان الأول، فلا يعقل جريانها لإدخاله. ولو جرت لإثبات لازمها، وهو ورود التخصيص على العام، اللازم منه خروج المورد موضوعا عن تحت الإطلاق، لزم من إجرائها عدمها; لأن التقييد متفرع على العموم، فكان مرجع أصالة الإطلاق في المقام، إلى عدم الحكم بعدم موضوعه، وهو كما ترى. تفصيل المحقق الخراساني وجوابه ثم إن هذا التفصيل المتوهم، مقابل التفصيل الذي التزم به المحقق الخراساني (قدس سره): وهو أنه مع الخروج من الأول، لا مانع من التمسك بالعام، بل ينطبق عليه بعد زمان الخروج، بخلاف الخروج في الأثناء، فإنه بعد انطباقه على الفرد، لا مجال فيه للتمسك به بعد الإخراج (1). وقد ظهر ما فيه مما تقدم: من أن المقام مقام تقييد المطلق، لا تخصيص العام، ولا فرق في جريان أصالة الإطلاق، بين القطعات المشكوك فيها، على ما تقدم من معنى الإطلاق (2).
1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 198. 2 - تقدم في الصفحة 542 - 543. 548 كلام بعض المحشين وجوابه ومما ذكرناه يظهر النظر في كلمات بعض المحشين (قدس سره)، حيث أتعب نفسه الشريفة بتمهيد مقدمات كثيرة، ذكر فيها: أن الزمان بحسب طبعه كذا، وأنه قد يكون ظرفا للحكم أو لمتعلقه، وقد يكون تحت دائرة الحكم، وقد يكون فوقها. وأنه قد يؤخذ على نحو العموم المجموعي، وقد يؤخذ على نحو العموم الاستغراقي... إلى غير ذلك; مما هي أجنبية عن الإطلاق وباب المطلق والمقيد (1). كما يظهر النظر في قول بعض آخر من أن مقتضى الإطلاق، الحمل على اللا بشرط القسمي، ثم نسج على منواله (2). مع أن مقتضاه في الطبائع، متحد مع مقتضاه في الأفراد بوجه; وهو كون ما هو متعلق الحكم أو موضوعه في لسان الدليل، تمام الموضوع كما تقدم (3). ومختلف معه بوجه; وهو أن المأخوذ في الدليل، إن كان من الطبائع، يكون مقتضى الإطلاق، أن نفس الطبيعة تمام الموضوع، وهي الماهية لا بشرط; أي المقسم بين الأقسام الثلاثة، فإن كلا من الأقسام، متقيد بقيد، أو ممتاز عن غيره باعتبار، من غير فرق بينهما. وحديث أخفية مؤونة اللا بشرط القسمي غير صحيح; فإن الأقسام إن كانت متقومة بالاعتبار، وكان التمييز بينها بذلك، فلا يكون اعتبار أخف من اعتبار.
1 - منية الطالب 2: 87 / السطر 10. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 72 / السطر 21. 3 - تقدم في الصفحة 540 - 542. 549 وإن كان الامتياز بضم قيد في كل منها، فلا يكون قيد أخف من صاحبه. مع أن الحمل على الأخف على فرضه، إنما هو مع عدم إمكان الحمل على نفس الطبيعة، التي هي خالية عن القيد والاعتبار مطلقا، ولا ينبغي الإشكال في أنه بمكان من الإمكان، بل هو المتعين; إذ الأقسام كلها ممتنعة الانطباق على الخارج، وقضية كون اللحاظ آليا، في غير محلها. كما أن توهم كون الماهية لا بشرط - أي المقسم - هي الماهية من حيث هي، فاسد جدا; فإنها لا تكون مقسما، ولا غير مقسم، ولا موضوعا لحكم، ولا غير موضوع، والمقسم والمحكوم عليه بالحكم، لا يعقل أن يكون الماهية من حيث هي. وإن كان المأخوذ في الدليل هو الفرد والشخص; مما لا معنى للمقسم والأقسام فيه، فمقتضى الإطلاق أن هذا الشخص، هو تمام الموضوع، من غير دخالة شئ آخر، فالبحث عن الماهية وأقسامها، وأن مقتضاه الحمل على اللا بشرط القسمي، أجنبي عن مثله ولو فرض كونه صحيحا في الطبائع. ولا يخفى: أن المطلق في قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) من قبيل الفرد، لا الطبيعة; فإن مقتضى جعل الطبيعة الجامعة بين المصاديق تلو أداة العموم، هو التكثير بحسب الأفراد، لا بحسب الأنواع; فإن الدلالة على النوع، تحتاج إلى دال مفقود. فقوله: «كل إنسان» يدل بتعدد الدال، على الكثرة بحسب الأفراد; فإن «الإنسان» دال على نفس الطبيعة، و «الكل» دال على كثرتها، وأما الدلالة على الصنف فتحتاج إلى مؤونة زائدة.
1 - المائدة (5): 1. 550 وكذا الحال في «العقد» فإنه دال على نفس الطبيعة، وأداة العموم دالة على تكثيرها، لا تنويعها، وعليه فالبحث عن الماهية بأقسامها، حشو في المقام. ثم إنه لا فرق فيما ذكرناه في معنى الإطلاق (1)، بين أن يستفاد من قوله تعالى: (أوفوا) وجوب الوفاء، وينتزع منه اللزوم (2)، أويكون كناية عن لزوم العقد (3). وكون اللزوم معنى واحدا، لا يضر بالإطلاق وبالتمسك به، بعد ورود قيد، كما أن وجوب الوفاء أيضا أمر واحد، ولا ينافي الإطلاق، فتدبر جيدا فيما تقدم. وجوه أخرى لإثبات العموم الزماني وقد يتمسك لإثبات العموم الزماني أو الاستمرار بوجوه: منها: ما عن «جامع المقاصد» من أن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة، وإلا لم ينفع بعمومه (4) انتهى. ولا يخفى: أنه لا يرجع إلى التشبث بالإطلاق، بل مبنى الاستفادة أمر خارجي; وهو أن وجوب الوفاء بكل عقد، لو لم يكن على وجه العموم والاستمرار لزمت اللغوية; لعدم الدليل في الآن الثاني بعد العقد، على وجوب الوفاء به، فيلزم عدم الانتفاع بالعموم الأفرادي، مع أنه وارد لإثبات الحكم والعمل به، وهو عين اللغوية، فوجب - تنزيها لكلام الحكيم عنها - الاستتباع المذكور.
1 - تقدم في الصفحة 540 و 542 - 543. 2 - المكاسب: 215 / السطر 17. 3 - تقدم في الصفحة 132. 4 - جامع المقاصد 4: 38، أنظر المكاسب: 242 / السطر 27. 551 فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في رده (1)، كأنه في غير محله; فإنه لم يتمسك بالإطلاق وبمقدمات الحكمة الجارية لإثباته، حتى يتوجه إليه ما أفاده مع الإشكال فيه على ما تقدم (2)، بل تمسك بما تقدم، وهو غير مقدمات الحكمة. نعم، يرد عليه: أنه يكفي للانتفاع بالعموم الأفرادي، والخروج عن اللغوية، إطلاق الدليل زائدا على عمومه، كما مر مفصلا (3)، فلا يتم إثبات العموم الزماني أو الاستمرار الزماني بما أفاد، فالوجه هو التمسك بالإطلاق، وهو غير العموم الزماني أو استمراره. ومنها: ما يقال من أن الاستمرار، يستفاد من نفس مفهوم «الوفاء» (4) فإنه عبارة عن الالتزام بالعقد، أو العمل بمضمونه والبقاء على ذلك، فلو لم يلتزم به، ونقضه في بعض الأحيان، أو عمل به، ثم رجع إلى سلعته أو ثمنه بعنوان النكول عن البقاء على عقده، لم يكن موفيا بالعقد، فمفهوم «الوفاء» يستفاد منه إبقاء العقد، والعمل به حدوثا وبقاء بالمعنى المذكور. وفيه: أن المدعى لو رجع إلى اعتبار الدوام والاستمرار الزماني في مفهوم «الوفاء» لغة، وأنه وضع للعمل على طبق ما يتعلق به استمرارا، وعدم الرجوع عنه بعد العمل، فكأنه قال: «اعمل بالعقد دائما، وإذا عملت فلا ترجع عن ذلك بعنوان النكول عن الالتزام به» فحينئذ لا حاجة إلى مقدمات الحكمة، بل قام اللفظ الدال على المضمون مقامها.
1 - المكاسب: 242 / السطر 30. 2 - تقدم في الصفحة 544. 3 - تقدم في الصفحة 550. 4 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 72 / السطر 31. 552 فهو كما ترى; ضرورة أن مفهومه لا يدل لغة على تلك المعاني الكثيرة، ولا يتطابق المدعى مع لغة ولا عرف، بداهة صحة تقسيمه إلى الدائم وغيره، وصدقه مع الوفاء في زمان دون آخر. ولو لم يرجع إلى الدلالة اللفظية، فمع إنكار الإطلاق زائدا على العموم في قوله تعالى، لا يمكن استفادة ما ذكر منه; فإنه يرجع إلى وجوب الوفاء بكل عقد في الجملة، أو في زمان ما، فمع عدم وجوبه بدليل الخيار في الجملة، لا يمكن إثباته بمفهوم الوفاء. وبعبارة أخرى: إن وجوب الوفاء بالعقد; بنحو ينطبق على الاستمرار على نحو ما تقدم، متفرع على الإطلاق بعد فرض عدم الدلالة اللغوية، فمعه يثبت المطلوب، وإلا فلا; فإن العمل في الجملة، أو الالتزام كذلك، كاف في صدق «الوفاء» ومع الإهمال لا دليل على أزيد منه. نعم، يستفاد من مفهوم «الوفاء» بحسب العرف، أنه ليس مجرد العمل على طبق العقد، بل لو عمل ورجع عنه، لا بعنوان الغصب، بل بعنوان نقض عقده، لم يكن موفيا، لكن كل ذلك متفرع على الإطلاق، فمع عدمه لا يصار إليه. ومنها: غير ذلك مما هو أضعف مما ذكر (1). هل المرجع استصحاب الخيار بعد عدم الإطلاق؟ ثم إنه لو قلنا: بعدم الإطلاق لدليل لزوم العقد، ولا لدليل الخيار، فهل المرجع استصحاب الخيار أم لا؟ قد يقال: بالثاني; لعدم وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها; فإن
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 72 / السطر 38. 553 المتيقن سابقا، ثبوت الخيار للمتضرر، الذي كان تضرره من قبل الحكم الشرعي، ومع تمكنه من الفسخ، وتركه عمدا، لا يكون العنوان محفوظا، ولا يصدق «أنه متضرر من قبل الشرع» لأنه متضرر من قبل سوء اختياره، فموضوع القضية المتيقنة، غير القضية المشكوك فيها. ولا يرد عليه: أن الموضوع في باب الاستصحاب، يؤخذ من العرف، فلا وجه للشك فيه; لأن ما يؤخذ من العرف، هو حيثية البقاء، لا حيثية الثبوت، فلو لم يحرز ما هو الموضوع أولا، بل ثبت الحكم في العنب مثلا، وشك في دخالة العنبية في موضوع الحكم، فلا يمكن إسراؤه إلى الزبيب بالاستصحاب. وبالجملة: إذا أحرز بمناسبة الحكم والموضوع، أن الموضوع هو ذات الشئ، وشك في علية الوصف للحكم حدوثا، أو حدوثا وبقاء، فهنا محل الاستصحاب، وأما لو لم يحرز ذلك، واحتمل أن الوصف تمام الموضوع - كالفقر لاستحقاق الزكاة - فلا يجري الاستصحاب (1). أقول: مبنى الإشكال فيما إذا كان المستند دليل نفي الضرر، دون سائر الأدلة كما لا يخفى. ويرد عليه أولا: أن المستفاد من دليل نفي الضرر، الحاكم على دليل لزوم العقد، هو نفي لزومه. ولو قلنا: بأن نفيه يلازم الجواز الحقي، فالقضية المتيقنة هي: «أن العقد كان جائزا أو خياريا» وهي عين القضية المشكوك فيها. نعم، يمكن الإشكال فيه: بأن استصحاب الجواز للعقد، مستلزم لنفوذ الفسخ، فلا يجري الاستصحاب; فإنه مثبت.
1 - منية الطالب 2: 86 - 87. 554 إلا أن يقال: إن جعل النفوذ للفسخ شرعا، لازم جعل الجواز للعقد، فيكون النفوذ من الأحكام الشرعية المترتبة على الجواز. وفيه منع; فإن النفوذ إذا كان لازما عقلا للجواز، فلا وجه لجعله، ويكون ذلك من اللغو، وهذا نظير جعل الملازمة بين الشيئين، كالغليان والحرمة مثلا، فإنه يغني عن جعل الحرمة عقيب الغليان، وفي مثله لو كان المستند دليلا اجتهاديا، تثبت به اللوازم والملازمات. وإن كان أصلا، لا يثبت به إلا نفس المستصحب إن كان له أثر شرعي. فاستصحاب جواز العقد لو لم يثبت به نفوذ الفسخ، فلا أثر له. وثانيا: لو قلنا بأن مقتضى دليل نفي الضرر، ثبوت الخيار للمتضرر المذكور بمعناه الاشتقاقي، فلا مانع من جريانه; فإن المعتبر في الاستصحاب، هو وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها موضوعا ومحمولا، لا وحدة القضية المستفادة من الأدلة الاجتهادية مع القضية المشكوك فيها. وتوضيحه: أن الحكم في الدليل الاجتهادي، إذا تعلق بعنوان ك «العنب» أو «العالم» أو «المتضرر الكذائي» وشك في ثبوت الحكم الكلي لما يغايره عنوانا، أو يخالفه وصفا، فلا يجري الاستصحاب لإثبات الحكم على غير العناوين; للزوم وحدة القضيتين. وأما إذا ثبت الحكم للموضوع الخارجي كالعنب الخارجي مثلا، وصار محكوما عليه بحكم، وبعد صيرورته زبيبا شك في بقائه، فلا ينبغي الإشكال، في أن الموجود الخارجي بهويته، متعلق لليقين ببركة الكبرى الكلية، فيقال: «إن هذا الموجود عنب، وكل عنب كذا، فهذا كذا» على طبق جميع القياسات. وهكذا يقال: «إن زيدا عالم، وكل عالم واجب الإكرام، فزيد واجب الإكرام» فالقضية المتيقنة ليست هي «أن العنب كذا» أو «أن العالم كذا».
555 وإن شئت قلت: إذا وجب إكرام زيد العالم، كان زيد واجب الإكرام، ومع زوال علمه، فلا شك في بقائه، فيصح في المقام أن يقال: «إن البائع كان له الخيار، ويشك في بقائه» فموضوع القضيتين هو «البائع» ببركة الكبرى الكلية، المنطبقة على الصغرى، على حذو جميع الأقيسة. وتوهم: أن ما ذكر، مخالف لما مر منا مرارا; من أن العموم كالإطلاق، لا يثبت الحكم به إلا للأفراد بما هي أفراد ذاتية له (1)، فقوله: «أكرم كل عالم» لا يثبت به إلا وجوب إكرام المصاديق الذاتية، أي كل فرد بما هو عالم، لا بما هو مصداق لعنوان آخر. فالقضية المتيقنة هي «وجوب إكرام العالم المتحقق بما هو عالم» فلا حكم لزيد وغيره من المصاديق بغير عنوان العام. فاسد: فإن ما ذكرناه هو بيان مقتضى الدليل الاجتهادي; فإن الحكم على عنوان، لا يعقل أن يسري منه إلى عنوان آخر، سواء في ذلك العنوان المطلق، كقوله: «أكرم العالم» ومصاديق العنوان، كقوله: «أكرم كل عالم» فإن الحكم فيه أيضا تعلق بكل فرد من عنوان العالم، لا بغيره. هذا بحسب جعل الأحكام على العناوين، أو بنحو القضية الحقيقية. وأما بعد انطباق العنوان على الخارج، فيكون المصداق الخارجي المنطبق عليه العنوان، عين العنوان اللا بشرط، فزيد في الخارج عين العالم، لا هو شئ، والعالم شئ آخر، اجتمعا في وجود واحد. فإذا لوحظت العناوين ذهنا، وجرد الموضوع عن عناوينه، يكون كل عنوان غير الآخر وغير المصاديق، وإذا وجد المصداق يكون المعنون والعنوان
1 - تقدم في الصفحة 170 - 171. 556 شئ واحد. فزيد هو العالم بعينه في الخارج، لا أنه شئ، والعالم شئ آخر، فإن ذلك مقتضى لا بشرطية الطبيعة، ومقتضى الحمل الشائع الهوهوي على ما هو المقرر في مقاره، ولا سيما في المشتقات وكيفية أوضاعها، فزيد عين العالم في الخارج، وعين من وجب إكرامه، فيجب إكرامه بعين وجوب إكرام العالم. وهو المصحح للقياس المنطقي، الموافق لنظر العرف والعقلاء، فكما يكون وجوب إكرام زيد العالم متيقنا، يكون وجوب إكرام زيد أيضا متيقنا، وإن كان تعلق اليقين به ببركة الكبرى الشرعية المنضمة إلى الصغرى الوجدانية، فيكون المناط في الاستصحاب، هو وحدة القضيتين، ولا ينبغي الإشكال في وحدتهما، فلا إشكال من هذه الناحية. وقد ظهر مما ذكر: أنه لا فرق في ذلك بين استفادة الحكم من الدليل اللفظي وغيره، ولا بين كونه متعلقا بالعنوان - مشتقا كان أم غيره - أو متعلقا بذات موصوف، فالتفصيل في غير محله. نعم، لو قلنا: باختصاص الاستصحاب في الشك في الرافع، وعدم جريانه في الشك في المقتضي، فالظاهر عدم جريانه في المقام، بناء على كون المدرك للخيار هو الإجماع; لاحتمال كون الخيار بحسب الواقع، محدودا بحد خاص; هو ساعة بعد العلم، أو بعد العقد. وكذا بناء على كون المدرك «لا ضرر...» مع الشك في أن الثابت به، هو الخيار المحدود أو غيره. والأمر سهل بعد جريانه في الشك في المقتضي أيضا، كما قرر في محله (1).
1 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 32. 557 استفادة التراخي من بناء العقلاء ثم إن ما تقدم: من التمسك بالعام أو بالاستصحاب، إنما هو مع الغض عن الدليل المثبت للخيار، وأما بالنظر إليه، فعلى ما تقدم منا; من أن هذا الخيار عقلائي بعنوان خيار الغبن (1)، فالظاهر هو التراخي; فإن المناط العقلائي هو الغبن، ولا يرتفع ذلك بتأخيره. إشكال الردع عن البناء العقلائي ودفعه ثم إن هاهنا إشكالا، في أصل إثبات الخيار بالطريقة العقلائية، فضلا عن إثبات تراخيه; وهو إمكان رادعية أدلة اللزوم - مثل (أوفوا بالعقود) (2) - للبناء العقلائي، ومعه لا مجال لإثباته به. وفيه: أن الأمور العقلائية الرائجة في سوقهم، لا بد في ردعها من الإعلام الصريح، ولا شبهة في أن تلك الأمور العقلائية، كانت رائجة في عصر الشارع الأقدس، وبعده في عصر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مع كون مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) بمرأى ومسمع منهم، فعدم ورود الردع الصريح الواضح، دال على أن ما عند العقلاء مرضي، ولا سيما مثل خيار الغبن، المؤيد ثبوته في تلك الأعصار بالروايات من طرق الفريقين (3). فمثل (أوفوا بالعقود) الذي لا يفهم العامة دلالته على لزوم العقد، فضلا
1 - تقدم في الصفحة 417. 2 - المائدة (5): 1. 3 - تقدم في الصفحة 413 - 416. 558 عن فهم الإطلاق منه، الذي يحتاج إلى بيان وتوضيح، ويخفى على كثير من العلماء لا يصلح للرادعية عما هو رائج عند العامة وأهل السوق. فلا ينبغي الإشكال من هذه الجهة، ويتضح أن التراخي هو الأقوى فيه. كما أن مقتضى كون المستند له هو الاشتراط الضمني، وقضية تخلف الشرط، هو التراخي أيضا. استفادة التراخي بناء على كون المستند دليل نفي الضرر وأما بناء على كون المستند دليل نفي الضرر: فربما يقال في أمثال ذلك التركيب - أي اسم الجنس الواقع في سياق النفي -: إنه من ألفاظ العموم، فيستفاد منه لغة ووضعا، نفي جميع مصاديق الضرر، ومن المعلوم أن الدلالة اللفظية، لا تحتاج إلى مقدمات الحكمة. أو يقال: بأنه وإن لم يكن الوقوع في سياق النفي، من ألفاظ العموم، لكن النفي المتعلق بالجنس، دال بلفظه على السلب المطلق، فلا يحتاج إلى مقدمات الحكمة. وفيه ما لا يخفى: أما في الدعوى الأولى; فلأنه لا بد في الدلالة اللفظية، من لفظ دال على الكثرة والعموم، وهو مفقود; فإن اسم الجنس موضوع للطبيعة اللا بشرط، ولا يعقل أن يكون الدال عليها، دالا على الكثرة. كما لا يعقل أن تكون الطبيعة اللا بشرط، دالة على الكثرات، التي تنطبق هي عليها في الخارج، ولفظة «لا» موضوعة للنفي بالمعنى الحرفي، ومع الدخول على الجنس يستفاد من الدوال الثلاثة - أي اسم الجنس، وحرف النفي، والإضافة - أن الطبيعة منفية، فلا دلالة فيها على الكثرة والعموم بوجه. وأما في الدعوى الثانية; فلأن إطلاق السلب، من المدلولات المحتاجة
559 إلى دال لفظي لو كان بالوضع، وليس في الكلام إلا اسم الجنس، الذي لا يدل إلا على نفس الطبيعة، لا الطبيعة المطلقة، وحرف النفي لا ينفي إلا ما هو مدخولها، فلا دال لفظي على إطلاق الطبيعة، فاستفادة الإطلاق محتاجة إلى مقدمات الحكمة، كسائر المطلقات. نعم، بعد جريانها يكون مقتضى النفي بنحو الإطلاق - أي بلا قيد - بحسب الحكم العرفي، هو أن عدم الطبيعة بعدم جميع مصاديقها. وبالجملة: لا فرق في المطلقات بين المثبتات وغيرها; في الاحتياج إلى مقدمات الحكمة. إلا أن يتشبث في تلك التراكيب بفهم العرف العموم، أو الإطلاق من نفس اللفظ، والعهدة على مدعيه. وأما قضية تمامية مقدمات الحكمة في قاعدة «لا ضرر...» فمجمل القول فيها: أن مرسلة الصدوق (قدس سره) وهي قوله: «قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الإسلام يزيد ولا ينقص» (1). وقال: «قال: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فالإسلام يزيد المسلم خيرا، ولا يزيده شرا» (2). وإن كانت كلاما ابتدائيا، وكانت في مقام بيان مقصوده، لكنها غير مربوطة بالمقام; فإن الظاهر منها - بقرينة الجملة السابقة، والتفريع اللاحق - أن اختيار دين الإسلام، لا ضرر ولا ضرار فيه، بل يوجب التدين بهذه الديانة نيل
1 - الفقيه 4: 243 / 776، وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 9. 2 - الفقيه 4: 243 / 777، وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 10. 560 الخير والسعادة. وأما الروايات الواردة في قضية سمرة بن جندب (1) فهي على فرض كونها في مقام بيان الكبرى، لا تكون إلا في مقام بيان حكم «الضرار» لا «الضرر»، و «الضرار» على ما فصلناه في الرسالة المعمولة للقاعدة، غير «الضرر» فإن أكثر موارد استعماله، هو إيصال الحرج والمكروه والتضييق، بخلاف «الضرر» و «الإضرار» فإنهما بمعنى الضرر المالي والنفسي (2). وأما ما يقال: من أن «الضرار» في الحديث بمعنى المجازاة، فإنه فعال من الضرر، أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه (3)، فقد فرغنا في محله عن تضعيفه (4)، فراجع. مضافا إلى أن نفي المجازاة عن المعتدي، ينافي الكتاب والسنة، الناصين بثبوت القصاص والتقاص، كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (5) وغيره. ولا إشكال: في أن مورد ورود الروايات، هو من قبيل إيقاع التضييق والتحريج; إذ كان الخبيث سمرة بن جندب لعنه الله، يدخل على أهل بيت الأنصاري فجأة وبلا استئذان، ناظرا إلى شئ من أهله، وكان ذلك شاقا على الأنصاري، فحينئذ فالكبرى على فرض كونها مورد البيان، لا تكون كذلك إلا في
1 - الكافي 5: 292 / 2، و: 294 / 8، الفقيه 3: 147 / 648، تهذيب الأحكام 7: 146 / 651، وسائل الشيعة 25: 427، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 1 و 3 و 4. 2 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدس سره): 65. 3 - مجمع البحرين 3: 373، النهاية، ابن الأثير 3: 81. 4 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدس سره): 70. 5 - البقرة (2): 194. 561 «لا ضرار...» دون «لا ضرر...». فإذن لا دليل على الإطلاق في قاعدة «لا ضرر...» فاستفادة أصل الخيار منها - مع الغض عما تقدم - محل منع، فضلا عن استفادة التراخي. إلا أن يقال: باستفادة الإطلاق من وحدة السياق، أو من مناسبة الحكم والموضوع. ثم إنه مع البناء على الإطلاق، فلا شبهة في أن مثل «لا ضرر...» ودليل نفي الحرج الناظر إلى الأدلة الشرعية، تكون نتيجة إطلاقه أن الأحكام الضررية مطلقا مرفوعة، من غير فرق بين توجه الضرر من قبل العموم أو الإطلاق. فحينئذ يحتمل أن يكون النفي في قاعدة الضرر في المقام، متوجها إلى عموم (أوفوا بالعقود) فيكون بمنزلة المخصص له، ومع إخراج الفرد، ينتفي موضوع الإطلاق بالنسبة إلى حالاته; للتفرع المتقدم ذكره (1)، فلا يستفاد منه إلا خروج الفرد الذي كان لولاه، واجب الوفاء في الجملة. وبما أن دليل نفيه، لا يمكن أن يثبت شيئا زائدا على النفي، أو ما يترتب عليه - مثل الخيار مثلا على القول به - فلا يثبت به إلا الخيار في الجملة وبنحو الإهمال، تبعا للمنفي. ويحتمل أن يكون متوجها إلى الإطلاق، لا العموم. ويحتمل أن يكون متوجها إليهما، والترتب بين العموم والإطلاق، وتفرع الثاني على الأول، لا يمنع من شمول القاعدة لهما في عرض واحد; فإن عنوان «الضرر» متساوي النسبة إليهما، كعنوان «الوجود» الشامل للعلة والمعلول في
1 - تقدم في الصفحة 543. 562 عرض واحد. فحينئذ هل مقتضى حكومة القاعدة على قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) هو الفور، أو التراخي؟ ربما يقال: بالأول; بدعوى أن العقد إذا وجد، يرتفع بدليل نفي الضرر، وجوب الوفاء به في القطعة الأولى من الزمان، فيجعله متمكنا من الفسخ بعد ما لم يكن كذلك، فمع ترك الفسخ اختيارا، يكون اللزوم الضرري فيما بعد الزمان الأول، مستندا إلى اختياره، لا إلى الشارع (2). وبعبارة أخرى: إن ترك فسخه مع العلم والعمد، إقدام على الضرر في القطعات المستقبلة، فلا يشمله دليل نفي الضرر، ومقتضى إطلاق دليل اللزوم، وجوب الوفاء به في تلك القطعات، فينتج الفورية. وفيه: أن الاختيار الآتي من قبل دليل نفي الضرر، لا يعقل أن يكون مانعا عن رفع اللزوم في القطعات الآتية; ضرورة أن مقتضى حكومة الأدلة الثانوية - كالحرج والضرر - على الأدلة الأولية، هو رفع الحكم الكلي بالحكم الكلي في محيط التشريع. فدليل نفي الضرر حكم قانوني كلي، حاكم على الأحكام القانونية الكلية، ونتيجتها التخصيص أو التقييد فيها، من غير نظر إلى المصاديق الخارجية. ولا شبهة في أن العقد الغبني ضرري بجميع حالاته، وفي جميع قطعات الزمان، كما لا شبهة في أن المغبون لم يقدم على الضرر في شئ من القطعات
1 - المائدة (5): 1. 2 - أنظر المكاسب: 242 / السطر 28، حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 85 / السطر 36. 563 حال إيجاد العقد، ومقتضى حكومة دليل نفي الضرر على الكبرى الكلية، أن لزوم العقد الضرري - غير المقدم عليه بجميع حالاته، وفي جميع القطعات - مرتفع. ودعوى: أن دليل نفي الضرر، ينطبق على القطعة الأولى الموجودة بعد العقد، فتصير سائر القطعات مقدما عليها، في غاية السقوط; فإنها ناشئة عن توهم كون حكومة دليل نفي الضرر على (أوفوا بالعقود) تدريجية، وأنه لا يكون بالنسبة إلى القطعات غير الموجودة حاكما، بل ينطبق الدليل على القطعة الأولى، فلا يبقى مجال لانطباقه على سائرها. وهو مزيف; بأن الحكومة بين الأدلة الكلية، قبل تحقق عقد وعاقد، ونتيجتها التخصيص، أو التقييد في الأدلة العامة والمطلقة، ونتيجتها - بحسب اللب - ثبوت الحكم واقعا لعنوان كلي مخصص أو مقيد، وهو أن لزوم كل عقد ضرري، لم يقدم المغبون على الضرر فيه، مرتفع. فإذا وجد عقد كذائي، تنطبق عليه الكبرى المخصصة، ولا يعقل أن يكون التحكيم تابعا لوجود العقد، كما لا يعقل أن يكون تدريجيا، ولازم ذلك كله، أن يكون الخيار على التراخي. ثم على القول بالفور; استنادا إلى إطلاق دليل اللزوم والإخراج بمقدار انطباق الدليل الحاكم، فاللازم هو ثبوته بمقدار تمكن المغبون من إنشاء الفسخ، والزائد عليه داخل في الإطلاق. بل لو كان عنوان «الفور» مدلول دليل فكذلك; لأن موضوعات الأدلة وإن كانت عرفية عنوانا وانطباقا، لكن المراد من تشخيص العرف، هو عقل العرف الدقيق، مقابل حكم العقل البرهاني، لا التسامح العرفي. إلا أن يثبت في مقام، أن بناء المتكلم على المسامحة العرفية، كما أن
564 الأمر كذلك ظاهرا في باب نصاب الغلات; حيث إنه بالأوزان المتعارفة للغلات، على ما هي عليه نوعا، ولا شبهة في أنها مخلوطة بغير جنسها، كالحبات السود، والحشيش، على النحو المتعارف، ففي بلوغ النصاب نحو مسامحة عرفية. كما أن القائل بالتراخي لا يلتزم ببقاء الخيار إلى الأبد، أو إلى زمان الأعقاب اللاحقة، بل إلى حد عدم التواني الموجب للحرج أو الضرر أحيانا. بل لا يبعد أن يكون للتراخي حد عرفا، وهو عدم التواني والتسامح من غير غرض عقلائي ولا شخصي، ولا دليل على ثبوته زائدا على ذلك، والمرجع في غيره إطلاق دليل اللزوم. ثم إنه على ما ذكرناه: من كون هذا الخيار على التراخي (1)، لا يبقى مجال للبحث عن معذورية الجاهل بالخيار، والفروع المتفرعة عليه. ومع الغض عنه، فإن كان المستند للفورية، هو قصور الأدلة عن إثبات المقدار الزائد عليها، كما لو كان المستند الإجماع، أو بناء العقلاء، ولم يحرز التراخي منه، أو قاعدة نفي الضرر، مع القول: بإثباتها في الجملة، وبعدم الإطلاق لها، أو القول: بحكومتها على العموم، لا على الإطلاق; لتقدم رتبته. فعلى جميع تلك المباني، لا وجه للتفصيل بين العالم وغيره; لعدم دخالة حالات المكلف في الأحكام الواقعية، إلا ما دل الدليل عليها، فالقدر المتيقن من الأدلة هو الفور، وفي غير مورده يكون الإطلاق مرجعا. وأما على القول: بإطلاق دليل نفي الضرر، والاستناد إليه في إثبات الخيار، فإن قلنا: بأن ما يلزم منه الضرر هو اللزوم، وأما الصحة بلا لزوم فلا
1 - تقدم في الصفحة 558. 565 تكون ضررية. وقلنا: بأن دليل نفيه وإن لم يكن فيه إهمال، لكنه يختص بما إذا كان الضرر من قبل الشرع محضا، فاللازم منه الفورية في جميع الصور المتصورة الكثيرة، من غير فرق بين العالم، والجاهل المركب، والبسيط الملتفت، والغافل، والناسي للحكم، أو الموضوع; فإن في جميع الصور، يكون الخيار ثابتا في القطعة الأولى، وأما في سائر القطعات، فليس الضرر من قبل الشارع، بل من تواني ذي الخيار، أو جهله، أو نسيانه، أو غفلته، فلا يأتي التفصيل بين الصور. وكذا لو قلنا: بأن الضرر من قبل أصل المعاملة، لا لزومها، وبعد ما لم يكن دليل نفي الضرر رافعا لصحتها، بل كان حاكما على دليل اللزوم، على ما تقدم منهم، فتكون الحكمة في نفي الضرر، الدفاع عن الضرر الواقع، ورفعه بالخيار المجعول; بأن جعل ذلك ليكون وسيلة للدفاع عن الضرر. وقلنا: بأن ما من قبل الشارع، وهو جعل الوسيلة للدفاع، حاصل بدليل نفي الضرر، من غير نظر إلى حالات ذي الخيار، فعدم القدرة على استعمالها - للجهل أو النسيان أو الغفلة - غير مربوط بالشارع، فلازمه الفورية، وعدم التفصيل أيضا. نعم، لو قلنا: بأن دليل نفي الضرر مطلق، وإنما قيد بأمر واحد; وهو إقدام المغبون على الضرر، لأجل كون الجعل امتنانيا على ما قيل (1) - اتجه التفصيل بين العالم والجاهل البسيط الملتفت، وبين الجاهل المركب بالحكم أو بالموضوع، والغافل والناسي كذلك; أي في جميع صور عدم انقداح الخيار أو
1 - رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأنصاري 23: 121 و 125، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 184، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 215 / السطر 23، و: 222 / السطر 23. 566 الفورية في ذهنه. نعم، قد يتفق الإقدام على نحو التعليق، غير المنافي للعلم بالخلاف، كما أن العالم بالخيار مع الجهل بالفورية، قد يكون مقدما، وقد لا يكون، وكذا الشاك في الخيار، أو في فوريته، والأمر سهل بعد بطلان أصل المدعى. وأما صور التنازع، فقد مر التفصيل في بعضها في أوائل البحث عن هذا الخيار (1)، وقلنا: بأن تشخيص المدعي والمنكر عرفي، من غير دخالة للأصول الشرعية فيه. ولو قلنا: بصحة الاتكال عليها لتشخيصهما، فلا يجري شئ من الأصول في المقام، كأصالة عدم العلم بالموضوع، أو بالحكم، أو أصالة عدم النسيان، أو عدم الغفلة، إلا أن ترجع إلى أصل عقلائي; فإن تلك الأصول إما أن تكون فاقدة الركن، أو تكون مثبتة، فراجع.
1 - تقدم في الصفحة 434. 567 الخامس خيار التأخير
569 أدلة خيار التأخير وهو مما لا كلام ولا إشكال في ثبوته إجمالا، والإجماع عليه محكي في كتب القدماء والمتأخرين (1)، وإنما الكلام في الدليل على أصله، وحدوده، وشروطه. فعن العلامة (قدس سره) في «التذكرة» التمسك بدليل نفي الضرر (2). والظاهر أن مراده منه، إثبات أصل الخيار، لا حدوده وشروطه على نحو ما أفتى به الأصحاب. وفيه مناقشة زائدة على ما تقدم في الدليل المذكور (3); وهي أن البيع المذكور، ولزومه، والصبر على تأخير الثمن، ليس شئ منها ضرريا، كما اعترف به بقوله: الصبر أبدا مظنة الضرر (4).
1 - الانتصار: 210، الخلاف 3: 20، غنية النزوع: 219 - 220، تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 15، مسالك الأفهام 3: 208، كفاية الأحكام: 92 / السطر 11، مفتاح الكرامة 4: 576 / السطر 31، مستند الشيعة 14: 396، أنظر جواهر الكلام 23: 51. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 16، أنظر المكاسب: 244 / السطر 28. 3 - تقدم في الصفحة 404 - 405. 4 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 15. 571 الاستدلال لخيار التأخير بدليل نفي الحرج والأولى الاستدلال لأصل الخيار إجمالا، بدليل نفي الحرج (1)، بناء على جريانه في المعاملات أيضا، كما هو مقتضى إطلاقه; فإن حفظ مال الغير لزوما، والمنع عن التصرف فيه، وحفظ منافعه أو نماءاته كذلك في بعض الموارد، وكونها مضمونة عليه، مع حرمانه عن الثمن المقابل للسلعة في مدة خارجة عن المتعارف في المعاملات، أمر حرجي مطلقا أو بحسب الغالب، لو لم نقل: إن نفس التكليف بذلك تحريج عليه. ولا إشكال في أن الحرج، ليس في نفس البيع ونفوذه وصحته، وإنما هو في لزومه; فإنه مستلزم للتكلف والحرج المنفي بدليل نفيه، ولا ترد عليه المناقشات التي تقدم في خيار الغبن، ورودها على دليل نفي الضرر (2)، كما لا يخفى. فاللزوم الحرجي منفي كالصوم الحرجي، ولازمه الجواز الحقي المساوق للخيار. بل الظاهر: أن العرف يفهم من عدم جعل اللزوم للبيع، الذي هو بحسب الأصل لازم عرفا وشرعا، أنه خياري، لا أنه جائز حكما، ولا سيما مع كون الخيار فيه معهودا عند العرف. ولو سلم عدم الحرج فيما ذكر في جميع البيوع، فلا إشكال في ثبوته في كثير منها، ولا سيما في مثل بيع الحيوانات والجواري، الذي كان شائعا في ذلك العصر.
1 - المائدة (5): 6، الحج (22): 78. 2 - تقدم في الصفحة 402 وما بعدها. 572 استفادة نفي اللزوم من أخبار الباب بالقرائن الخارجية والداخلية ومن هذا، ومعلومية كون الحكم في الأخبار الآتية (1) للإرفاق بالبائع، ونجاته عما وقع فيه - وهو في نفي اللزوم، لا الصحة كما هو واضح - يمكن استظهار ما عليه الأصحاب قديما وحديثا إلا من لا يعتنى بخلافه (2)، من أخبار الباب، فيكون ما ذكر قرينة على المراد منها، بعد البناء على عدم ظهورها في نفي الصحة. توضيحه: أنه قد مر منا مرارا، أن ماهية البيع عرفا وشرعا، عبارة عن المبادلة الإنشائية (3)، سواء ترتبت عليها الملكية الواقعية أم لا، كبيع الفضولي، وعقد المكره، فحينئذ يكون نفي الحقيقة المستفاد من مثل تركيب «لا بيع» - مع الغض عن القرائن - من المجازات; أي من الحقائق الادعائية المحتاجة إلى المصحح. فلو كان للموضوع أثر واضح بارز، يتبادر منه عند ذكره، كالشجاعة للأسد، والسخاوة لحاتم، لحمل الكلام عليه، ويكون هو المصحح للدعوى، ومع فقده فإن كانت للموضوع آثار عديدة، فمقتضى الإطلاق أن المصحح رفع جميعها، هذا إذا كانت الآثار عرضية. وأما إذا كان بعضها في طول بعض، كاللزوم المترتب على العقد الصحيح، فلا يصح أن يكون المصحح جميع الآثار، فلا بد وأن يكون إما الصحة، وإما
1 - يأتي في الصفحة 575. 2 - مختلف الشيعة 5: 102، أنظر المكاسب: 245 / السطر 2. 3 - راجع ما تقدم في الصفحة 530، الهامش 2. 573 اللزوم، وعليه فلا يحمل قوله (عليه السلام): «فلا بيع» (1) على نفي واحد منهما إلا بقرينة. ومع الغض عن بعض القرائن في نفس الأخبار الآتية، يكون ما تقدم - من نفي اللزوم لحرجيته، ومن كون الحكم إرفاقا بالبائع، دون المشتري - قرينة على نفي اللزوم. ولا يبعد أن تكون تلك الأخبار، تابعة لما هو المستفاد من الآية الكريمة، النافية لجعل الحرج (2) وإن كان التحديد والشروط تعبدية. وتوهم: أن المتبادر من مثل «لا بيع» و «لا صلح» ونحوهما، هو نفي الصحة، فيحمل عند إطلاقه عليه; لأجل صيرورته بكثرة الاستعمال فيه إما معنى حقيقيا له، أو من المجازات الراجحة، المحمول عليها الكلام عند عدم القرينة (3). مدفوع: بأن استعمال هذا التركيب في النهي وفي نفي الكمال، رائج شائع، فلا يكون الاستعمال في نفي الأثر أو نفي الصحة، من المجازات الراجحة، فضلا عن كونه حقيقة تعينية فيه. والسر في انقداح نفي الصحة من قوله: «لا بيع» هو تخيل أن البيع حقيقة في النقل المؤثر، وهو في غاية الضعف; ضرورة أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأعم، ويدل عليه صحة تقسيم البيع إلى الصحيح والفاسد على نحو الحقيقة بلا شائبة التأول.
1 - الكافي 5: 170 / 4، و: 171 / 11، الفقيه 3: 127 / 554، تهذيب الأحكام 7: 21 / 88، وسائل الشيعة 18: 21، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1. 2 - المائدة (5): 6، الحج (22): 78. 3 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 88 / السطر 16. 574 وما قد يقال: من أن الأمر في المسببات، دائر بين الوجود والعدم، لا بين الصحة والفساد (1)، مبني على أن المسبب هو النقل الواقعي لا الإنشائي، وهو ضعيف كما تقدم مرارا (2). فحينئذ نقول: مع صرف الذهن عن هذا التوهم، وتجريده منه، لا شبهة في أن قوله (عليه السلام): «فلا بيع» (3) كما يصح ويحسن فيما إذا لم يؤثر، كذا يصح ويحسن فيما إذا كان متزلزلا، يرفع أثره بمجرد لفظ. فالبيع المتزلزل كأنه ليس ببيع، كالبناء الذي أشرف على الانهدام; فإنه يصح أن يدعى «أنه ليس ببناء» فالصحة واللزوم، حكمان عقلائيان ثابتان للبيع عندهم، فالبيع الذي في معرض الانهدام والفسخ، بمنزلة عدمه إدعاء، كالبيع الذي لا أثر له. وعليه فالحمل على واحد منهما، يحتاج إلى قرينة، وقد مرت الإشارة إلى قرينتين خارجيتين (4). وهنا قرائن داخلية مستفادة من نفس أخبار الباب، كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: الرجل يشتري من الرجل المتاع، ثم يدعه عنده ويقول: حتى آتيك بثمنه. قال: «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له» (5) وغيرها مما هي نحوها (6)، فإن فيها قرينتين على المدعى:
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 76 / السطر 13. 2 - تقدم في الجزء الأول: 75، والثاني: 570، وتقدم في الصفحة 110 و 124 و 481. 3 - تقدم تخريجه في الصفحة 574، الهامش 1. 4 - تقدم في الصفحة السابقة. 5 - تقدم تخريجه في الصفحة 574، الهامش 1. 6 - يأتي في الصفحة الآتية. 575 إحداهما: أن الظاهر أن الجواب المحذوف في الشرطية، هو لزوم الأداء ولا بديته، لا الصحة; فإن تقديرها أمر لا يبعد من البشاعة، وذلك لأن مبنى البيع على اللزوم عند العقلاء، وهذا الكلام سيق لبيان تخلص البايع مما وقع فيه، فيكون المراد «أنه إذا جاء في الثلاثة وجب عليك الرد وإلا فلا» مع أن انفساخ البيع بلا سبب، وعلى وجه التعبد، بعيد عن الأذهان، وأبعد منه تعليق الصحة على ما ذكر. وأما نفي اللزوم الموافق للإرفاق، فلا يستبعده العقلاء، بل يكون موافقا لمذاقهم، فيكون حاصل القضية الشرطية: «إن جاءك في الثلاثة لزمك الرد; لكون البيع لازما، وإلا فلا يلزم» ويفهم منه «أنك على خيار» فيتفرع عليه «أنه لا بيع له». وثانيتهما: قوله (عليه السلام): «فلا بيع له» فإنه المناسب للزومه من جانب واحد، دون الصحة. وتشهد للمدعى رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قال فيمن اشترى صفقة، وذهب ليجيء بالثمن، فمضت ثلاثة أيام ولم يأت به: «فلا بيع له إذا جاء يطلب، إلا أن يشاء البائع» (1). ضرورة أن الصحة والفساد، ليسا تابعين لمشيئة البائع، وما يصح أن يعلق على مشيئته، هو اختياره للأخذ والفسخ، فهي شاهدة على المراد في سائر الروايات، والإشكال في سندها لا ينافي التأييد. ويمكن تأييد المدعى، برواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية، وقال: أجيئك بالثمن.
1 - دعائم الإسلام 2: 46 / 113، مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1. 576 فقال: «إن جاء فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له» (1). بناء على أن التأجيل إلى الشهر، حكم استحبابي، لا أنه حكم مختص بالجارية; لمخالفة الاختصاص لعمل معظم الأصحاب كما أفيد (2)، ومن المعلوم أن استحباب الصبر إلى الشهر، ينافي انفساخ العقد وبطلانه، ومناسب لرفع اللزوم. وتؤيده أيضا المرسلة الواردة فيما يفسد من يومه (3) المعبر فيها بمثل ما في روايات الباب، مع إطباقهم على عدم الفساد، على ما حكي (4)، وقوله (عليه السلام): «العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه، يوم إلى الليل» (5). بناء على كونه من الرواية كما لا يبعد، فإن العهدة تناسب اللزوم، لا الصحة، ولا سيما في الأعيان الخارجية. وأما صحيحة علي بن يقطين: أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع، ولا يقبضه صاحبه، ولا يقبض الثمن. قال: «فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، وإلا فلا بيع بينهما» (6).
1 - تهذيب الأحكام 7: 80 / 342، الاستبصار 3: 78 / 261، وسائل الشيعة 18: 23، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 6. 2 - المكاسب: 247 / السطر 6. 3 - الكافي 5: 172 / 15، تهذيب الأحكام 7: 25 / 108، الاستبصار 3: 78 / 262، وسائل الشيعة 18: 24، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 11، الحديث 1. 4 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 76 / السطر 23. 5 - الفقيه 3: 127 / 555، وسائل الشيعة 18: 25، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 11، الحديث 2. 6 - تهذيب الأحكام 7: 22 / 92، الاستبصار 3: 78 / 259، وسائل الشيعة 18: 22، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 3. 577 فلا تنافي ما تقدم; فإن التعبير بأن «الأجل بينهما ثلاثة» لمناسبة ما، وهي أنه لما وجب الصبر على البائع، والإمهال بالمشتري، فكأن الأجل بينهما، وإلا فالأجل والإمهال، ليس من قبل المشتري. وبهذه المناسبة، عبر عن عدم لزوم البيع من قبل البائع بأنه «لا بيع بينهما» فهو تعبير شبيه بتعبيره المتقدم، ومحمول على سائر الروايات. ويمكن تقريب المقصود بوجه أقرب; وهو أن البيع اللازم له وصفان: أحدهما: الصحة، وهي وصف نفسي له، ولا تختلف بالإضافة إلى المتبايعين، ولا يصح أن يقال: إنهما مالكان لها. وثانيهما: اللزوم، وهو كون العقد أو البيع، بنحو لا ينفسخ بفسخ واحد منهما، إلا إذا اجتمعا على فسخه وإقالته، فهو أمر يملكه المتبايعان بالاشتراك، كالعين المشتركة بينهما، فملك كل واحد منهما ناقص، ولا ينفذ فسخه; لكونه تصرفا في سلطان صاحبه. وعليه فلو كان لأحدهما الخيار، يصح أن يقال: «إنه مالك له دون صاحبه، وإن البيع له دون صاحبه» كما ورد في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن بعت رجلا على شرط، فإن أتاك بمالك، وإلا فالبيع لك» (1). ولا إشكال في أن المراد به، هو كونه تحت سلطانه، وله الفسخ والإبقاء، فعبر عن الخيار ب «أنه لك». ففي المقام يكون المراد، أنه إذا لم يجيء بالثمن، فلا يكون مالكا وسلطانا على البيع، بعد معلومية كونهما سلطانا بالاشتراك، فمع سلب مالكيته، يكون المالك الآخر مستقلا، فله البيع بلا مزاحم.
1 - تهذيب الأحكام 7: 23 / 97، وسائل الشيعة 18: 18، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 7، الحديث 2. 578 وبعبارة أخرى: إن البيع لهما إلى ثلاثة أيام، فان لم يجيء بالثمن تسلب مالكيته، وتبقى مالكية الآخر بلا مزاحم، وهو معنى الخيار والسلطنة على الفسخ والإمضاء. وبهذا يظهر المراد من قوله (عليه السلام) في رواية ابن يقطين: «فلا بيع بينهما» (1) فكأن البيع بينهما كالعين المملوكة لهما، فإذا لم يأت بالثمن، خرج البيع عن الاشتراك في المملوكية، فلا يكون بينهما، كما يقال عند بيع أحد الشريكين حصته من السلعة المشتركة بينهما من صاحبه: «إنها ليست بينهما» فلا إشكال - بحمد الله تعالى - في دلالة الأدلة على ما هو المشهور. منع دلالة «لا بيع» على نفي الصحة ثم مع الغض عما تقدم، وتسليم ظهور قوله (عليه السلام): «لا بيع» (2) وأمثال هذا التركيب في نفي الأثر والصحة; بدعوى أن كثرة الاستعمال، وصلت إلى حد أوجبت صيرورة ذلك من الحقائق التعينية، أو المجازات الراجحة، فصار المعنى الحقيقي مهجورا، فيجب حمل الكلام على هذا المعروف، إلا أن تقوم قرينة على الخلاف. يرد عليه: أن كثرة الاستعمال بنحو ذلك، حادثة بعد ما لم تكن، وتأريخ حصول الكثرة والهجر عن المعنى الحقيقي، غير معلوم، ويحتمل حصولها كذلك فيما بعد عصر صدور تلك الروايات. ولو سلم حمل تلك التراكيب في عصرنا على نفي الصحة، لكن لا دليل
1 - تقدم في الصفحة 577. 2 - تقدم في الصفحة 574. 579 على موافقة عصر الأئمة (عليهم السلام) لعصرنا، ومع الاحتمال، لا يجوز الحمل على غير المعنى الحقيقي، وأصالة عدم الاستعمال إلى زمان الهجر - كأصالة عدم الهجر إلى زمان الاستعمال - ليست بشئ، مع أن القرائن والشواهد للحمل على نفي اللزوم، موجودة كما مرت (1). ثم لو سلم ظهور تلك الروايات في عصر الأئمة (عليهم السلام)، وفيما بعده إلى عصرنا في نفي الصحة، فلا ينبغي الإشكال في صيرورتها بذلك، موهونة بترك عمل أصحابنا قديما وحديثا بها. ودعوى الإجماع (2) من عصر السيد المرتضى (قدس سره)، إلى الأعصار المتأخرة، على خلاف مضامينها، والشهرة المحققة على صحة البيع وثبوت الخيار للبائع، تجعل الأخبار المخالفة لها بينة الغي، ومخالفها بين الرشد، على طبق القاعدة التي أسست في مقبولة عمر بن حنظلة (3). وقد قرر في محله: أن المراد بالشهرة المذكورة فيها، هي الشهرة الفتوائية (4); فإن اشتهار الرواية، ونقل جميع العلماء والرواة لها، مع تركهم العمل بها، يجعلها مهجورة بينة الغي، ولا دليل على حجية الأخبار إلا بناء العقلاء، والروايات الواردة في ذلك المضمار كلها إرشادية، لا يحتمل فيها التأسيس. ومن الواضح: أنه ليس بناء العقلاء على العمل برواية، نقلها الثقات والرواة، وتركوا العمل بها.
1 - تقدم في الصفحة 573. 2 - تقدم في الصفحة 571، الهامش 1. 3 - الكافي 1: 67 / 10، تهذيب الأحكام 6: 301 / 845، الاحتجاج 2: 260 / 232، وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 1. 4 - التعادل والترجيح، الإمام الخميني (قدس سره): 175. 580 فعلى ذلك: تكون الروايات غير صالحة للعمل بها، وتكون الشهرة معتمدة، مثبتة للحكم على طبق ما أفتى به كافة الفقهاء، إلا من شذ ممن لا يعتنى بخلافه (1). إلا أن يقال: باحتمال تخلل الاجتهاد، الموجب لعدم حجية الشهرة، وهو وهم في وهم، وخيال في خيال. المرجع مع فرض إجمال الروايات ثم لو أغمضنا عما تقدم، فالمحتملات في الروايات كثيرة: منها: بطلان البيع من الأول، وقد يقال: إنه أظهر الاحتمالات (2)، وفيه ما مر (3). ومنها: البطلان بعد الثلاثة. ومنها: الانفساخ من الأول; بمعنى حدوثه وانفساخه. ومنها: انفساخه بعد الثلاثة. ومنها: عدم لزومه من الأول. ومنها: عدم اللزوم بعد الثلاثة. ولا إشكال في أن لازم جميع الاحتمالات، عدم لزومه بعد الثلاثة ولو بنحو عدم الموضوع، فعلى فرض الإجمال فيها يؤخذ باللازم المشترك، واللازم منه عدم جواز التمسك بدليل وجوب الوفاء. فيقع الكلام في سائر القواعد:
1 - مختلف الشيعة 5: 102، أنظر المكاسب: 245 / السطر 2. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 2: 88 / السطر 23. 3 - تقدم في الصفحة 574. 581 فإن قلنا: بمقالة العلامة (قدس سره): من نفي اللزوم بقاعدة «لا ضرر...» (1) أو قلنا: بما أشرنا إليه من نفيه بقاعدة نفي الحرج (2)، فلا يبقى مجال للأصل. وإن استشكلنا في الأولى بما مر (3)، وفي الثانية: بأنه لم يعهد تمسك الفقهاء بها في المعاملات، حتى ادعى بعض المشايخ أن قاعدة نفي الحرج مخصوصة بغير المعاملات، أو بالعبادات (4) - ويشهد له أنه لو كان دليل نفي الحرج مستندا فيها، لزاد عدد الخيار على ما ذكروا - فالمرجع هو الأصل. فبالنظر إلى جميع الاحتمالات المتقدمة، لا يجري الاستصحاب; لعدم الحالة السابقة، فلا يجري أصل الصحة، أو أصل بقاء الأثر، بل مقتضى الأصل بقاء كل عوض على ملك صاحبه الأول، وعدم النقل إلى الطرف. ومع الغض عنها، والبناء على دوران الأمر بين الانفساخ من الحين ونفي اللزوم، فجريان أصالة صحة العقد لا مانع منه، إن كان الأثر مترتبا عليها، دون العقد الصحيح، وإلا فهي مثبتة. وإن كان الأثر مترتبا على العقد الصحيح، فيجري الاستصحاب; لأن العقد كان صحيحا قبل الثلاثة فيستصحب، لكن لا يترتب عليه ثبوت الخيار، أو عدم اللزوم; فإن عدم اللزوم المعلوم، أعم من عدمه بنفي الموضوع، واستصحاب الأثر أو العقد الصحيح لإثبات الأخص مثبت، بل مع الغض عنه أيضا يكون مثبتا، والأمر سهل. نعم، بعد إنشاء الفسخ يعلم بعدم بقاء العقد، لكن لا يثبت أنه كان خياريا
1 - تقدم في الصفحة 571. 2 - تقدم في الصفحة 572. 3 - تقدم في الصفحة 571. 4 - لم نعثر عليه. 582 حتى تترتب عليه أحكامه. وأما الإشكال: بأن العقد الصحيح مقسم للازم وغيره، ويكون اللزوم كالفصل له، وبارتفاعه يرتفع (1) فمندفع بأن اللزوم والجواز، كالحالات للعقد الصحيح; ضرورة عدم ارتفاع العقد الصحيح أو صحته بتغييره من الجواز إلى اللزوم، كما في خيار المجلس والحيوان، بل العقد الصحيح محفوظ في الحالين. وكذا الحال في تغيير اللزوم إلى الجواز، فالقضية المتيقنة عين المشكوك فيها.
1 - أنظر المكاسب: 245 / السطر 5، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 52 / السطر 11. 583 شروط خيار التأخير ثم إنهم اشترطوا في هذا الخيار أمورا: أحدها: عدم قبض المبيع وقد حكي الإجماع عليه (1). ويمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2) بعد الخدشة في إطلاق ما هو قابل للاعتماد عليه من الأخبار. ولو قلنا: بإجمال صحيحة ابن يقطين (3) فيؤخذ بالقدر المتيقن في الخروج عن إطلاق الآية، فضلا عما إذا قلنا: بظهور الصحيحة في الاشتراط. بدعوى: أن «بيعه» في قوله (عليه السلام): «فإن قبض بيعه، وإلا فلا بيع بينهما» ظاهر في المبيع، ولو بقرينة قوله في صدرها: «الرجل يبيع البيع» المراد منه المبيع، فيكون الذيل تابعا له، وظاهرا في الاشتراط، من غير فرق بين تخفيف
1 - جواهر الكلام 23: 53، المكاسب: 245 / السطر 7. 2 - المائدة (5): 1. 3 - تقدم في الصفحة 577. 585 «قبض» ليكون المراد إن قبض صاحبه، أو تشديده ليكون المراد إقباض البائع، وإن كان التشديد أقرب; فإن السؤال والجواب مسوقان لحال البائع، وذكر الصاحب تطفل. بل ذلك أيضا قرينة أخرى على أن «بيعه» بمعنى المبيع. كما أن الحكم كذلك إن قرئ «بيعه» بالتشديد، وكذا «قبض» فيكون المراد: «إن أقبض البائع المشتري، وإلا فلا بيع» أو قرئ «قبض» بالتخفيف و «بيعه» بالتشديد، ويكون المراد به المشتري، فإنه أحد البيعين. نعم، لو قرئ «قبض» بالتخفيف و «بيعه» بالتشديد، وكان المراد منه البائع، خرج عن الاستدلال، لكن غيرا لاحتمال الأول المؤيد بالقرينتين، بعيد عن الذهن. إلا أن يقال: إن القرينة قد توجب ظهور اللفظ، فيكون متبعا، وقد توجب الظن بالمراد، لا من باب ظهور اللفظ، فلا يكون حجة. والمقام من قبيل الثاني; فإن في لفظي «قبض» و «بيعه» احتمالات، لا ترجيح لبعضها ترجيحا مربوطا بظهورهما، بل يكون الترجيح بالحدس والتخمين، ومثله لا يتبع، فكثرة الاحتمال توجب إجمالها. الروايات الدالة على عدم اشتراط عدم القبض ويمكن الاستدلال على عدم الاشتراط بإطلاق بعض روايات الباب، كموثقة إسحاق بن عمار، عن عبد صالح (عليه السلام) قال: «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام، ولم يجيء، فلا بيع له» (1).
1 - تهذيب الأحكام 7: 22 / 91، الاستبصار 3: 78 / 260، وسائل الشيعة 18: 22، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 4. 586 فإنها بإطلاقها تشمل ما إذا قبض المبيع، فإطلاقها حجة إلا أن يدل دليل على التقييد. وكرواية أبي بكر بن عياش، قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له» (1). فدلت على أن تمام الموضوع في الخيار، تأخير الثمن، ولا اعتبار بقبض المبيع وعدمه; على حسب إطلاقها. بل بإطلاق رواية علي بن يقطين (2) في اشتراء الجارية، والأمد فيه وإن كان شهرا، إلا أن الخيار هو خيار التأخير، سواء قلنا: بأن الأمد حكم استحبابي، أو مخصوص بالجارية، أو بمطلق الحيوان. بل بإطلاق صحيحة زرارة (3) فإن قوله: «ثم يدعه عنده» أعم من الإيداع بعد القبض أو قبله، بناء على كفاية هذا المقدار من القبض. فتحصل مما ذكر: أن مقتضى إطلاق الروايات، ثبوت الخيار حتى مع قبض المبيع. لكن الإنصاف: أن المتفاهم عرفا من صحيحة ابن يقطين (4) بقرينة ما تقدم، هو الاحتمال الأول الذي اتكل عليه الشيخ الأعظم (قدس سره) (5)، ولا يعتنى بسائر
1 - الكافي 5: 172 / 16، تهذيب الأحكام 7: 22 / 90، وسائل الشيعة 18: 21، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 2. 2 - الفقيه 3: 127 / 555، تهذيب الأحكام 7: 80 / 342، الاستبصار 3: 78 / 261، وسائل الشيعة 18: 23، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 6. 3 - تقدم في الصفحة 575. 4 - تقدم في الصفحة 577. 5 - المكاسب: 245 / السطر 7. 587 الاحتمالات البعيدة عن الأذهان. احتمال بطلان البيع أو ثبوت الخيار لهما لكن هنا احتمال آخر، قريب إلى الفهم لولا مخالفته للقوم; وهو بطلان البيع وانفساخه، أو ثبوت الخيار لهما; فيما إذا كان البائع لم يقبض الثمن، ولم يقبض المبيع صاحبه، كما هو مفاد الصحيحة (1)، مقابل جميع الروايات سؤالا وجوابا، فإن المفروض في سائر الروايات، عدم مجيء المشتري بالثمن، والجواب فيها: أنه «لا بيع له» أي للمشتري. والمستفاد منه على ما تقدم (2)، ثبوت الخيار للبائع، كما هو الموافق للإرفاق به، ولدفع الضرر المحتمل، والحرج، فتكون تلك الأمور أو بعضها، نكتة للتشريع، وفي الصحيحة يكون المفروض تقصير البائع في عدم القبض والإقباض، فيناسب الإرفاق بالمشتري. لكن مقتضى قوله (عليه السلام): «لا بيع بينهما» (3) ألا يكون الخيار لخصوص المشتري، فإما أن يكون المراد ثبوت الخيار لهما، أو يكون المراد بطلانه في هذا الفرض، فيكون الحاصل هو التفصيل، لكنه غير مرضي; لعدم قائل به، بل يمكن المناقشة فيه.
1 - تقدم في الصفحة 577. 2 - تقدم في الصفحة 574. 3 - تقدم في الصفحة 577. 588 تعارض صحيحة ابن يقطين مع صحيحة زرارة ويمكن أن يقال: إن صحيحة ابن يقطين معارضة لصحيحة زرارة (1); إذ بعد ما فرض في السؤال عدم إقباض المبيع، وعدم قبض الثمن، فاختصاص إقباض المبيع وجودا وعدما بالذكر في الجواب، يجعلها ظاهرة في عدم الاعتبار بقبض الثمن. ولو قيل: إن عدم ذكر الثمن; لأجل الاتكال على الفرض الموجود في الصدر. يقال: إن المفروض فيه عدم قبض المبيع والثمن كليهما، فلا وجه لاختصاص المبيع بالذكر، فذكر المبيع بالخصوص، دليل على عدم الاعتبار بقبض الثمن بحسب الظهور العرفي. وفي صحيحة زرارة - مع فرض قبض المبيع، والإيداع بعده عنده على احتمال، أو عدم قبض شئ من المبيع والثمن على احتمال آخر - اختصاص قبض الثمن وجودا وعدما بالذكر في الجواب، يجعلها ظاهرة في كون الاعتبار بقبض الثمن وعدم قبضه، وإلا لما خصه بالذكر مع فرض عدم القبض فيهما. وأولى بذلك لو قيل: بظهور «يدعه» في كونه بعد القبض، خصوصا مع التصدير بلفظة «ثم» التي هي للتأخير. فيقع التعارض بينهما، فمع تكافئهما في السند، وكونهما مخالفتين للشهرة، وللكتاب، ولفتوى العامة، على ما في «الانتصار» (2)
1 - تقدم في الصفحة 575. 2 - الانتصار: 210. 589 و «الخلاف» (1) و «التذكرة» (2) فإن قلنا: بالتخيير بالأخذ بأيهما، وأن ما يختاره الفقيه يصير حجة، يكون المأخوذ مقيدا لإطلاق موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة (3). وإن قلنا: بسقوطهما يكون المرجع إطلاق الموثقة، هذا بناء على القول بتعارضهما. وأما بناء على إنكار التعارض، والقول: بأنه لا ينقدح في ذهن العرف منهما المخالفة بالتباين والتعارض، بل بالإطلاق والتقييد، فيقيد إطلاق الموثقة بكل من الصحيحتين، وإطلاق كل منهما بالأخرى، كما يظهر بالتأمل، فتكون النتيجة هي الموافقة للمشهور. حكم امتناع البائع من القبض والإقباض ثم إنه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان من البائع; بأن بذل له الثمن، فامتنع من قبضه ومن إقباض المبيع، فهل لا يثبت الخيار; لكون هذا الخيار للإرفاق بالبائع ودفع تضرره، فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله؟ أو يثبت; لأن الإرفاق، أو دفع التضرر، أو رفع الحرج، ليس شئ منها علة للحكم; بحيث يكون الحكم دائرا مدارها، بل هي من قبيل علل التشريع، فالميزان مقدار دلالة النصوص؟ ومجمل الكلام: أن المتصور فيما هو موضوع الأثر في المقام، وجودا
1 - الخلاف 3: 20. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 18. 3 - تقدم في الصفحة 586. 590 وعدما، في طرف المبيع والثمن، أمور: منها: أن يكون الموضوع فيهما صرف الوصول إلى الطرف بأي نحو كان. ومنها: تمكين البائع أو المشتري صاحبه. ومنها: أن يكون المعتبر الإقباض والإيصال. ومنها: التفصيل بين المبيع والثمن; بأن يكون المعتبر في أحدهما، صرف الوصول أو التمكين أو الإقباض، وفي الآخر ما يقابله، هذا بحسب الاحتمال. وأما بحسب الإثبات، فالعنوان المأخوذ في جانب الثمن في جميع الروايات، هو «عدم المجيء بالثمن» أو «عدم المجيء» أو العنوان المقابل له، ولا شبهة في أن ذلك كناية، وليس المراد معناه الحقيقي. فيحتمل أن يكون كناية عن إيصال الثمن وإقباضه، وأن يكون كناية عن تمكين البائع منه. بل يحتمل أن يكون المراد، وصول الثمن إليه، ولو لأجل بعض المناسبات المغروسة في الذهن; بأن يقال: إن الاقباض والتمكين، مقدمتان لوصوله إليه، ولا موضوعية لهما، فالمقصود هو الوصول، لا ما هو طريق إليه، وفي مقابله عدمه. فإذا كان العنوان المذكور، كناية عن أحد المذكورات، فإن قامت قرينة على أحدها يؤخذ بمقتضاها، وإلا فاللازم الأخذ بالقدر المتيقن في الخروج عن إطلاق دليل اللزوم، وسيأتي الكلام فيه (1). وأما العنوان المأخوذ في جانب المثمن، على ما في صحيحة ابن يقطين (2) فهو «إقباض المبيع وعدمه» والجمود على ظاهرها، يقتضي أن يكون المعتبر في
1 - يأتي في الصفحة 596. 2 - تقدم في الصفحة 577. 591 جانب المبيع، إقباض البائع الموقوف تحققه على قبض المشتري، فإن قبضه وإلا فالبيع خياري، ومن المعلوم عدم حصول الإقباض والقبض; فيما إذا امتنع منه عدوانا. لكن لا شبهة في انصراف العنوان عن العدواني منه بمناسبات، نحو كون الخيار إرفاقا بالبائع، أو لنكتة التضرر، أو المعرضية له، أو للحرج، بل يرى العرف ثبوت الخيار لمثل المورد مستنكرا، لا تنبغي نسبته إلى الشارع الأقدس، فلا إشكال في عدم الخيار. كما أن مقتضى الجمود على الظاهر، كون قبض المشتري بلا إذن كلا قبض; ضرورة عدم حصول الإقباض المأخوذ في العنوان. ولو قيل: إن مقتضى فهم العرف من قوله: «قبضه» و «لم يقبضه» أن الموضوع قبض المشتري، والإقباض مقدمة لحصوله، ولا دخل للمعنى المصدري فيه، بل هو كالآلة لحصوله. يقال: - مضافا إلى أنه لا شاهد لهذه الدعوى، ولا يسلم كونه كالآلة، ولا سيما في هذا الخيار التعبدي - إن غاية ما يمكن أن يقال: هو عدم اعتبار الإقباض إذا كان قبضه بحق، كما لو أدى ثمنه. وبعبارة أخرى: إن القبض المتفرع على الإقباض، حق يترتب عليه عدم جواز استرداده، وغاية ما يساعده العرف على فرض تسليم الدعوى، هو إلغاء المعنى المصدري، فيبقى اعتبار القبض بحق، ولا إطلاق يشمل مطلق القبض ولو بلا إذن وحق. حكم امتناع المشتري من القبض ولو مكن المشتري من القبض فلم يقبض، فمقتضى ظاهر النص ثبوت
592 الخيار; لعدم حصول الإقباض والقبض. إلا أن يقال: إن ما يعتبر في أمثال المقام وأشباهه، هو التمكين، بل يرى العرف التخلية بينه وبين المبيع قبضا، أو لا يفهم من النص غير ذلك. وهو مشكل، بل المناسب لكون الحكم إرفاقا بالبائع، ثبوت الخيار له في المورد. ثم إن ما تقدم من الكلام، هو مبنى الفروع المذكورة، وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره); من الابتناء على قاعدة الضمان في التلف قبل القبض (1)، فجعل مدار الحكم على الضمان ورفعه، فلا وجه له. إلا أن يكون الاتكال في ثبوت الخيار على قاعدة «لا ضرر...» ومع ذلك لا يخلو من مناقشات على هذا المبنى أيضا، ومع عدم صحة المبنى فالأولى ترك التعرض له. حكم قبض بعض المبيع ثم إن قبض بعض المبيع كلا قبض; لأن بعضه ليس بمبيع، فيصدق معه «عدم قبض المبيع» وقد تقدم في بعض المباحث السالفة، أن البيع إنما يتعلق بالشيء الوحداني، من غير لحاظ أجزائه (2)، وأن ما ينتقل بالبيع هو نفس الشئ، لا هو وأجزاؤه، وإن كان لازم انتقال الكل، ثبوت الملكية للأجزاء أيضا إذا لوحظت مستقلة. فالمبيع واحد متعلق بالواحد، وإلا لزمت إشكالات تقدمت الإشارة إلى بعضها.
1 - المكاسب: 245 / السطر 14. 2 - تقدم في الجزء الثاني: 516. 593 نعم، في بعض الموارد يساعد العرف على تحليل البيع إلى بيعين، كبيع ماله ومال غيره، أو بيع المملوك وغير المملوك، وأما لو باع فرسا مثلا، لم ينحل بيعه إلى بيع أجزائه الداخلية والخارجية، والمعينة والمشاعة، وإن انتقلت تبعا لانتقال الذات. فمقتضى الصحيحة (1)، أن قبض البعض كلا قبض، ودعوى الانصراف إلى صورة عدم قبض شئ منه، أو دعوى تبعيض الخيار، غير مسموعتين. الشرط الثاني: عدم قبض الثمن واشتراطه مقتضى النصوص والفتاوى (2)، وقبض البعض كلا قبض; لما مر في قبض بعض المبيع (3). وأما الاستدلال (4) أو التأييد (5) بفهم القاضي أبي بكر بن عياش (6)، ففي غير
1 - تقدم في الصفحة 577. 2 - الانتصار: 210، الخلاف 3: 20، شرائع الإسلام 2: 17، مسالك الأفهام 3: 208، المكاسب: 245 / السطر 20. 3 - تقدم في الصفحة 593. 4 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 24. 5 - المكاسب: 245 / السطر 20. 6 - المذكور في رواية عبد الرحمن بن الحجاج حيث قال: اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه، ثم احتسبت أياما، ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه، فقال: قد بعته فضحكت، ثم قلت: لا والله لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم، فأتيته فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر: بقول من تريد أن أقضي بينكما؟ أبقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له. وسائل الشيعة 18: 21، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 2. 594 محله; فإن الظاهر من تلك الواقعة، أن الرواة لم ينقلوا جميعها، بل اقتصروا على نقل روايته عن المعصوم (عليه السلام)، لا قضائه في الواقعة; ضرورة أن نقل الرواية، ليس قضاء وحكما موجبا لفصل الخصومة، بل نقل لمستنده، كما يظهر من قوله: «بقول من تريد أن أقضي بينكما؟» إلى آخره. ولم يتضح أنه قضى بنفع صاحب المحمل، حتى يكون فهمه مؤيدا، أو بنفع ابن الحجاج، حتى يكون مخالفا، فمستند الحكم هو الأخبار الظاهرة في الشرط المذكور. ثم إنه لو قلنا: بأن ظاهر الأخبار والمتفاهم منها عرفا ولو للانصراف، أن الثمن كان كليا، كما هو المتعارف في الأثمان، ولندرة وقوع مقابله، فحينئذ يكون تعينه بتعيين المشتري، كما هو الشأن في أمثاله، كالمبيع الكلي الذي يتعين بتعيين البائع، فلو قبض البائع مقدارا مساويا للثمن من مال المشتري، لا يصير ملكا له، ولا يكون قابضا للثمن. فاعتبار الإذن هاهنا، غير اعتباره في الأعيان الخارجية; فإن المأخوذ هناك ملك للآخذ، ومبيع أو ثمن للسلعة إذا كان عينا، على خلاف المتعارف، والمأخوذ هاهنا غصب، وملك للغير، ولا يكون مبيعا، ولا ثمنا، فاعتبار الإذن لازم لكلية الثمن في الذمة، وعدم تعينه إلا بتعيين المشتري. ولو كان القبض بدون الإذن حقا، كما لو عرض المبيع عليه، فلم يأخذه، ولم يقبض الثمن، فهل يتعين الكلي به، ويصير المقبوض ثمنا، أو لا بل يكون ذلك تقاصا؟
595 وجهان مبنيان على أن امتناعه، موجب لسقوط ولايته على التعيين، وثبوتها لطرفه، كما لو أرجع الأمر إلى الحاكم، وهو تولي التعيين، فإنه ولي الممتنع. أو لا يثبت له إلا جواز أخذ المقدار الذي على عهدة المشتري تقاصا، فيسقط الكلي عن ذمته، من غير انطباق على الخارج وصيرورته ثمنا، ففرق في الأخذ بحق بين الأعيان الخارجية وغيرها. ولو مكنه المشتري ولم يقبض، فهل يتعين في الثمنية، ويتحقق القبض المعتبر؟ وجهان مبنيان على أن المستفاد من الأخبار، أن المجيء بالثمن، كناية عن تمكين البائع منه، أو عن الإقباض والقبض. فعلى الأول: يحصل الأمران; أي تعين المأتي به في الثمنية، وحصول المعلق عليه، بخلاف الثاني، إلا أن يقال: بأن التخلية قبض. والأرجح بحسب نظر العرف، المتفاهم من الأشباه والنظائر، هو الأول. مضافا إلى ما تقدم في امتناعه عن تسليم المبيع: من أن ثبوت الخيار له أمر مستنكر معه، وينبغي تنزيه الشارع الأقدس عنه، وامتناعه عن أخذ الثمن أيضا كذلك. ولو قبض مقدارا مساويا للثمن بلا إذن المشتري، فأذن له، لا إشكال في تعين الثمن فيه. والبحث عن الكاشفية والمثبتية - نظير البحث عن الكشف والنقل في بيع الفضولي - مبني على جريان الفضولي فيه; بأن يقال: إن المقام ليس نظير التصرف التكويني غير الاعتباري في العين الشخصية، حتى لا يجري فيه الفضولي; فإن ما وقع محرما ومغصوبا، لا ينقلب عما هو عليه.
596 بل الكلام هاهنا: في أن الكلي في الذمة، القابل للانطباق على المقبوض انطباقا اعتباريا، هل يصير بالإذن منطبقا عليه في الحين، أو من حال القبض؟ والأمر سهل بعد كون الكشف على خلاف القواعد، ومحتاجا إلى دليل مفقود في المقام، هذا كله في الكلي. وأما لو قلنا: بالتعميم في جانب الثمن، فالبحث في الثمن الشخصي، كالبحث في المبيع كذلك، كما أنه لو قلنا: بالتعميم في المبيع، فالبحث فيه حتى في الكلي في المعين، كالبحث في الثمن الكلي. الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين لأن الظاهر من قوله (عليه السلام) في الثمن: «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له» (1) أن الخيار مترتب على عدم المجيء، الذي كان بناء المعاملة - بحسب طبعها - على مجيئه، وأن هذا الإمهال شرعي، لا معاملي. فلو شرط المشتري على البائع تأجيل الثمن، واقتضى طبع المعاملة التأخير والإمهال، لا وجه لترتب الخيار على تأخيره، ولا سيما إذا كان ثلاثة أيام أو أكثر. كما أن الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن يقطين: «الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، وإلا فلا بيع بينهما» (2) أن الإمهال والتأجيل من الشرع، في ظرف لم يكن لهما بحسب القرار المعاملي التأخير، وإنما رتب الخيار على ترك ما لا ينبغي تركه.
1 - تقدم في الصفحة 575. 2 - تقدم في الصفحة 577. 597 الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا والدليل على ذلك، لزوم الاقتصار في الخروج عن دليل اللزوم، على ما قامت الحجة عليه. والأخبار في المقام: منها: ماله إطلاق شامل للعين، والكلي في الذمة، لكنه غير نقي السند، كرواية أبي بكر بن عياش (1) فإنه لا ينبغي الإشكال في إطلاقها وشمولها لهما. والقول: بأن الكلي قبل تعلق البيع به معدوم، لا يصدق عليه «أنه شئ» (2) في غير محله; ضرورة امتناع تعلق البيع بالمعدوم، بل الكلي قبل تعلقه به، وعند المقاولة، وقبيل إنشاء البيع، يكون ملحوظا وموجودا وإن لم يتعلق بالذمة إلا بعده. فموجوديته اللحاظية قبل تحقق الإنشاء، وإنما يتعلق البيع بالموجود اللحاظي، وهو شئ لا يعقل أن يكون لا شئ، واعتباره على ذمة البائع بعد تمامية المعاملة، والخلط بينهما، أوجب الدعوى المذكورة. ومنها: ما هو نقي السند، فاقد الدلالة، كصحيحة علي بن يقطين (3) وموثقة إسحاق بن عمار (4) فإن «البيع» فيهما مستعمل مجازا، ويراد به المبيع، وعلاقة المجاز أو مصحح الدعوى، إما الإشراف على البيع، كما في قوله: «من
1 - تقدم في الصفحة 587. 2 - المكاسب: 246 / السطر 8، منية الطالب 2: 97 / السطر 14. 3 - تقدم في الصفحة 577. 4 - تقدم في الصفحة 586. 598 قتل قتيلا» (1) فيشمل الكلي والجزئي، وإما عرضة المبيع للبيع، فيختص بالأعيان الخارجية. ويحتمل بعيدا أن تكون كلا الأمرين، فيشملهما. ومع كون كل من العلاقتين معتبرة، ومصححة للمجاز، وعدم قيام قرينة على تعيين إحداهما، فلا محالة لا بد من الاقتصار على المتيقن وهو الأعيان; فإنها مشمولة له على أي تقدير، وأما الكلي في الذمة، فلا يثبت إلا أن تكون العلاقة هي الإشراف، ولم تقم قرينة على كونها كذلك. إلا أن يقال: إن ترك الاستفصال في صحيحة ابن يقطين، دليل على أن الحكم ثابت مطلقا، سواء استعمل بعلاقة الإشراف، أم بعلاقة أخرى. لكنه غير واضح; لاحتمال كون إحدى العلاقتين معهودة، أو ظاهرة عند المتكلم والمخاطب، ولم يظهر لنا ذلك. ويمكن الاستئناس للاختصاص بالأعيان; بأن تأخير الثمن فيها، وبقاءها عند البائع معطلة، يناسب الخيار، وبأن المتعارف هو اشتراؤها، وإبقاؤها إلى المجيء بالثمن، كما تشهد به موارد الأسئلة في أخبار الباب: من اشتراء المتاع وإيداعه عند البائع (2)، واشتراء المحمل (3) والجارية (4)، والمفروض فيها الأعيان. ولا يبعد إلحاق الكلي في المعين بالأعيان الخارجية; بدعوى: شمول
1 - مستدرك الوسائل 18: 35، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدمات الحدود، الباب 31، الحديث 1. 2 - تقدم في الصفحة 575. 3 - تقدم في الصفحة 587، الهامش 1. 4 - تقدم في الصفحة 587، الهامش 2. 599 اللفظ له على كلتا العلاقتين، وإن كان لا يخلو من إشكال. وأما الثمن، فيحتمل اعتبار أن يكون كليا; اقتصارا فيما هو خلاف الأصل، على مورد انصراف الأخبار; ضرورة ندرة وقوع البيع بالثمن الخارجي، فذلك التعارف وهذه الندرة، يوجبان الانصراف إلى الكلي. لكن الأرجح عدم اعتباره; لأن المتفاهم من نحو قوله (عليه السلام): «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له» (1) أن موضوع الحكم هو تأخيره، من غير دخالة للكلية والجزئية فيه. ولو سلم الانصراف في نفسه، لكن المناسبة المرتكزة في الأذهان، توجب ألا ينقدح فيها إلا إناطة الحكم بنفس تأخيره. مع أن عدم اعتبار كونه كليا، متسالم فيه بين الأصحاب، ولم ينقل فيه خلاف، والظاهر أنه لأجل التبادر المذكور. جملة من الشروط التي قيل باعتبارها ثم إن هاهنا أمورا، قيل باعتبارها: منها: عدم الخيار لهما، أو لأحدهما مطلقا (2)، أو عدم خيار الشرط (3)، أو عدم الخيار للبائع (4). وربما يستدل لاعتبار عدم الخيار مطلقا لهما: بأن مقتضى قوله (عليه السلام): «وإلا
1 - تقدم في الصفحة 575. 2 - تحرير الأحكام 1: 167 / السطر 3. 3 - السرائر 2: 277. 4 - مفتاح الكرامة 4: 579 / السطر 31، جواهر الكلام 23: 55، أنظر المكاسب: 246 / السطر 17. 600 فلا بيع له» المستفاد منه الخيار، أن الثابت عند عدم المجيء هو الخيار المطلق; لامتناع كونه مقيدا بالسبب; لعدم تعقل تقييد المسبب بسببه، وتأثيره في المسبب الآتي من قبله. فإذا لم يعقل التقييد، لا بد وأن يكون مطلقا، ولما كان الخيار المنفي عند المجيء، ما هو المثبت عند عدمه، فلا محالة يكون مطلقا، وهو مناف لوجود خيار لهما أو لأحدهما، هذا إذا قدر عدم الخيار. ولو قدر اللزوم في مقابل الجواز الخياري، فلا بد وأن يكون مطلقا أيضا; لما تقدم، وهو مناف للجواز في الجملة، مع أن اللزوم الحيثي، لا معنى له (1). وفيه: أنه إن أريد الإشكال من ناحية العقل البرهاني، وكيفية تأثير الأسباب في المسببات، فحله بأن يقال: إن السبب كما لا يعقل أن يؤثر في المقيد به، لا يعقل أن يؤثر في المطلق; بمعنى كونه سببا للوجود الساري، أو الطبيعة السارية في جميع الوجودات; بحيث يكون سببا لما حصل من سائر الأسباب. فلا يعقل أن يكون التأخير، سببا للخيار المطلق الساري; ضرورة عدم ترتب سائر الخيارات عليه، ولا يكون سببا للخيار الآتي من قبله، ولا لحصة من الخيار; ضرورة أن الماهية المقيدة، ليس لها تحقق قبل تأثير السبب. بل لا معنى لوجود الحصص في باب وجود الكلي الطبيعي; فإن التحقيق فيه، أن كل مصداق تمام حقيقة الطبيعي، لا حصة منه، فزيد إنسان بتمام الحقيقة الإنسانية، لا حصة من الإنسان، بل لا يعقل أن يكون الإنسان ذا حصص، فالموجود بالسبب طبيعي الإنسان. وفي المقام: الموجود بسبب التأخير، طبيعي الخيار، لا مطلقه، ولا مقيده،
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 80 / السطر 39. 601 ولا حصته، كما أن الموجود بسبب الغبن أو العيب أو سائر الأسباب، طبيعية، والطبيعي يتكثر بتكثر الأفراد أو الفصول، وينعدم بانعدام الأفراد; بمعنى أن له وجودات وأعداما. فهو موجود ومعدوم في حال واحد; بوجود مصداق، وعدم مصداق، من غير توهم تناقض. نعم، نفي الوجود المطلق، مناقض لإثبات مصداق منه، وكذا العكس، بخلاف نفي الطبيعي وإثباته. وما اشتهر في الأفواه والألسن: من أن وجود الطبيعي بوجود فرد ما، وعدمه بعدم جميع الأفراد كلام سطحي غير تحقيقي، بل ما أخذ في موضوع القضيتين مختلفان; لأن الموضوع في قوله: «الطبيعي موجود بوجود فرد ما» هو الطبيعي، وفي قوله: «وعدمه بعدم جميع الأفراد» هو الماهية المطلقة، وهي غير الطبيعي; فإن الطبيعي لا مطلق ولا مقيد. فتحصل مما ذكر: أن السبب سبب للطبيعي، فإذا وجدت أسباب له يتكثر بتكثرها، وإذا عدم أحد الأسباب عدم الطبيعي تبعا لسببه، ولا ينافي ذلك موجوديته بسبب آخر. وعليه فعند مجيء المشتري بالثمن، ينتفي طبيعي خيار التأخير، أو يمنع عن تحققه، ولا ينافي ذلك وجود خيار أو خيارات أخر. ولك أن تقول: إن السبب موجب لوجود الطبيعي، لا المطلق، ولا المقيد بقيد مطلقا، لكن لا يعقل أن يكون المسبب أوسع أو أضيق من سببه، وهو من قبيل ما يقال: «لا مطلق، ولا مقيد، ولكن لا ينطبق إلا على المقيد». فبوجود السبب يوجد الطبيعي، ويحدد بحدود علته، وبعدم سببه ينعدم ما هو مترتب على ذلك السبب، ولا ينافيه وجود خيار آخر مترتب على سببه، هذا
602 بحسب الموازين العقلية. لكن قد كررنا القول: بأن تلك الموازين لا تناسب الفقه، بل الخلط بين المسائل الفقهية والعقلية، موجب لمفاسد كثيرة (1). فنقول: إن ترتب الخيار على تأخير الثمن، أو على الغبن وغيره، ليس كترتب المسببات التكوينية على أسبابها وعللها، بل الخيار من الأحكام الوضعية، المجعولة بجعل تشريعي عند وجود شئ، أو على موضوع، فلا مانع من جعل خيار التأخير عند تأخير المشتري الثمن، وجعل خيار العيب إذا كان المبيع معيبا. فالثابت في المقام هو خيار التأخير، والمنفي هو ذلك، لا خيارات أخر، فلا منافاة بين نفي خيار وثبوت خيار آخر. استدلال العلامة على هذا الشرط ومنعه واستدل لهذا الشرط (2): بأن الظاهر أن الموجب للخيار، هو تأخير القبض والإقباض بلا حق، وفي صورة وجود الخيار يكون التأخير بحق; لما عن «التذكرة»: من أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع، ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار (3)، فإذا كان التأخير منهما بحق، خرج عن موضوع الأخبار. وأولى بذلك ما إذا كان الخيار باشتراط منهما; فإنه بمنزلة اشتراط التأجيل
1 - تقدم في الجزء الثاني: 96، وفي الجزء الثالث: 409، 413، وتقدم في الصفحة 273. 2 - أنظر جواهر الكلام 23: 55، المكاسب: 246 / السطر 21 - 26. 3 - تذكرة الفقهاء 1: 537 / السطر 30. 603 الذي تقدم الكلام فيه (1). وفيه منع ما في «التذكرة» فإنه لو سلم قصور دليل وجوب الوفاء بالعقد، عن إثبات وجوب التسليم في زمان الخيار، فلا إشكال في عدم جواز حبس مال الغير بلا إذن منه. فما دام العقد موجودا يكون المبيع للمشتري، والثمن للبائع، ليس لأحد التصرف فيهما، ولا يحل حبسه، ولا سائر أنحاء الاستيلاء والتصرف فيه. نعم، لذي الخيار إعماله، ورد كل مال إلى صاحبه، وهذا لا يوجب جواز التأخير في زمان الخيار. فالقول: بأن اشتراط الخيار بمنزلة اشتراط التأجيل، لا يستند إلى معتمد، فضلا عما إذا كان الخيار شرعيا أو عقلائيا، من غير اشتراط منهما. بل يمكن المناقشة فيه على فرض تسليم ما في «التذكرة» أيضا; بأن يقال: إن الأخبار المتقدمة، لا تدل بدلالة لفظية على اعتبار كون التأخير بلا حق، بل غاية ما في الباب، أنها منصرفة عن صورة شرط التأجيل، لا عن مورد جواز التأخير المستفاد من الشرع. كيف؟! وإن الظاهر منها أن مبدأ الثلاثة من حين العقد، على ما يأتي الكلام فيه، وخيار المجلس كالملازم للبيع، قلما يتفق بيع ليس فيه ذلك، والمجالس مختلفة طولا وقصرا. والقول: بالانصراف عن مورد الخيار والتأخير بحق مطلقا ملازم لرفض أخبار خيار التأخير، أو الحمل على مورد نادر، ولا سيما إذا ضم إلى خيار
1 - تقدم في الصفحة 597. 604 المجلس سائر الخيارات، وهو كما ترى، والانصراف عن موارد سائر الخيارات دون خيار المجلس، تحكم. والحاصل: أن التأجيل بقرارهما، خارج عن منصرف الأخبار، وأما جواز التأخير المترتب على الخيار بحكم الشرع - على فرض تسليمه - فليس خارجا عنه، والعمدة في الجواب هو المنع المتقدم. ومن ذلك، يظهر الكلام في التفصيل بين خيار الشرط وغيره، وبين خيار البائع والمشتري. وأما التمسك بدليل نفي الضرر، وبقضية الإرفاق (1)، فقد ظهر مما مر عدم صحة الاعتماد عليهما. ومنها: تعدد المتعاملين ولا إشكال في ظهور النصوص في خصوص مورد التعدد، لكن مع اشتراط هذا الخيار بعدم قبض المبيع، وعدم قبض الثمن، وبعدم شرط التأجيل، لا وقع لهذا الشرط; ضرورة أن القبض والإقباض لا يعتبران، بل لا معنى لهما مع الوحدة، كالولي على طرفي المعاملة، أو الوكيل المطلق منهما. فحينئذ يكون التعدد متحققا مع الشرطين المتقدمين، ولا وجه ولا أثر لاعتباره مستقلا ثانيا.
1 - مفتاح الكرامة 4: 579 / السطر 32، أنظر المكاسب: 246 / السطر 30، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 82 / السطر 16. 605 ومنها: ألا يكون المبيع حيوانا أو جارية كما نسب إلى الصدوق (قدس سره) (1). وفيه: أنه لا مستند لإخراج مطلق الحيوان، والاستناد فيه إلى رواية ابن يقطين (2) الواردة في الجارية كما ترى. وأما الجارية، فمستند الحكم فيها تلك الرواية، وهي غير معتمدة; لإعراض المشهور عنها، ولا داعي لتوجيهها بالتكلف. مبدأ الثلاثة من حين العقد ثم إنه لا ينبغي الإشكال، في أن مبدأ الثلاثة من حين العقد; لظهور كافة الروايات فيه، كقوله (عليه السلام): «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام» (3). وقوله: يبيع البيع، ولا يقبضه صاحبه، ولا يقبض الثمن. قال (عليه السلام): «فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام» (4). وقوله (عليه السلام): «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام، ولم يجيء» (5). فتحمل عليها صحيحة زرارة (6) التي فيها احتمالات، كاحتمال رجوع
1 - المقنع: 365، أنظر جواهر الكلام 23: 56، المكاسب: 247 / السطر 2. 2 - تقدم في الصفحة 576 - 577. 3 - تقدم في الصفحة 587. 4 - تقدم في الصفحة 577. 5 - تقدم في الصفحة 586. 6 - تقدم في الصفحة 575. 606 الضمير إلى الاشتراء، أو إلى الإيداع، أو إلى الغياب الذي يستفاد من قوله: «آتيك بثمنه» على بعد، أو كونه كناية عن عدم الإقباض، مع السكوت عن المبدأ، فيرفع هذا الإجمال بالظهور المستفاد من سائر الروايات. كما تحمل على ذلك الظهور رواية «دعائم الإسلام» (1) وإن كان لها نوع ترجيح في كون المبدأ الذهاب، لكنها - لضعفها سندا، واحتمال كون المضي فيها أيضا من حال الاشتراء - لا تقاوم سائر الروايات.
1 - تقدم في الصفحة 576. 607 القول في مسقطات هذا الخيار قد يقال: بأن نفي البيع المستفاد من الروايات وقاعدة «لا ضرر...» المحمول على نفي اللزوم، بديله هو الجواز، دون حق الخيار، والذي يقبل الإسقاط هو الحق، دون الجواز الذي هو حكم. وأما الإجماع فلا يكون مدركا تعبديا مع وجود الأخبار والقاعدة (1). وفيه: أن قوله (عليه السلام): «لا بيع له» المأخوذ في جميع الأخبار (2) إلا رواية ابن يقطين (3)، الظاهر في أنه لا يكون البيع ملكه، ولا يكون هو سلطانا عليه، يستفاد منه - على ما تقدم الكلام فيه (4) - أن السلطنة لصاحبه بلا مزاحم فراجع. وعليه فظاهر الروايات، هو إثبات السلطنة ونفيها، وهو يناسب الحق. وأما الجواز الحكمي، فالتعبير عنه ب «كونه له» أو «لهما» أو «ليس له» لا يخلو من حزازة، بل يحمل على هذا المعنى أيضا، ما في صحيحة ابن يقطين
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 83 / السطر 8. 2 - تقدم في الصفحة 586، 587. 3 - تقدم في الصفحة 577. 4 - تقدم في الصفحة 578 - 579. 609 «فلا بيع بينهما». مع أن تسالم الأصحاب سلفا وخلفا، على أن الثابت خيار التأخير، كاف في ثبوت الحكم، ولا سيما إذا كان المدعى ظهور الروايات في الجواز الحكمي. ثم إن المسقطات في هذا الخيار على أقسام: منها: إسقاطه في الثلاثة أو بعدها أو شرط سقوطه أو إسقاطه في ضمن العقد; بنحو شرط النتيجة، أو شرط الفعل، قبلها أو بعدها. وقد مر البحث فيما يصح منها، وما لا يصح، مع الإشكالات المتوهمة والجواب عنها بنحو الاستقصاء والتفصيل في خيار المجلس (1)، فلا داعي للتكرار. ومنها: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة فإن المحكي عن «التذكرة» سقوطه به (2)، ولعل نظره إلى أن مدرك الخيار قاعدة نفي الضرر، وقد تقدم أن مدركه الوحيد هو الأخبار (3)، فالبحث عن مقتضى قاعدة نفي الضرر، في غير محله، وإن أصر عليه الشيخ الأعظم (قدس سره) (4). وأما الأخبار، فمقتضى إطلاقها عدم السقوط به، بل التفاهم من
1 - تقدم في الصفحة 155. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 29، أنظر المكاسب: 247 / السطر 14. 3 - تقدم في الصفحة 573 - 579. 4 - المكاسب: 247 / السطر 15. 610 قوله (عليه السلام): «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له» (1) أن زمام أمره خرج عن قدرته بعد ثلاثة، وانقطع عنه سلطانه بعدها، فلا ينبغي الإشكال في عدم السقوط به، من غير حاجة إلى الاستصحاب. نعم، لو كان المدرك الإجماع، فالمرجع هو الاستصحاب، بعد كون الشك في سقوطه بعد ثبوته. ومنها: أخذ الثمن من المشتري بعنوانه فإن رجع ذلك إلى الإسقاط العملي، فلا يكون مسقطا مستقلا. لكن الكلام في كونه إسقاطا عمليا، فإنه يعتبر في الإسقاط بالقول أو الفعل أمران: أحدهما: كون ما به ينشأ قولا أو فعلا، آلة عقلائية للإيجاد والإنشاء; فإن تلك المعاني التسبيبية الاعتبارية العقلائية، لا يصلح التسبيب إليها إلا بما هو آلة له عندهم، فالبيع ونحوه لا ينشأ عرفا بمثل السعال والعطاس، وإن قصد بهما ذلك. ثانيهما: قصد الإيجاد والإنشاء بها، ومجرد أخذ الثمن ومطالبته، ليسا آلة لإنشاء الإسقاط. نعم، يمكن أن يكونا في بعض الأحيان، كاشفين عن الالتزام بالبيع، زائدا على الالتزام الملازم له حدوثا وبقاء، كما لو علم البائع الحكم، والموضوع، وأخذ الثمن بعنوانه، فإنه كاشف عقلائي عن الالتزام الملازم للإعراض عن حقه، فيسقط الحق بالإعراض، لا بالإسقاط، ولهذا يعد ذلك مقابل الإسقاط.
1 - تقدم في الصفحة 574. 611 ثم إنه لو لم يقصد بهما الالتزام الكذائي الملازم للإعراض عنه، لم يسقط حقه واقعا، لكن في مقام الإثبات والدعوى، لا تسمع دعواه إلا بدليل، كدعوى عدم إرادة الإسقاط من اللفظ الدال عليه. فالقصد وإن كان معتبرا في الإسقاط بالمسقط، لكن اللفظ والفعل الظاهرين في ذلك، يحملان عليه في مقام الإثبات ما لم يثبت الخلاف. نعم، يمكن منع كشف المطالبة عن الالتزام به; فإنها أعم منه، كما لا يخفى. فيصح التفصيل بين الأخذ بعنوان ثمنه مع العلم حكما وموضوعا، وبين مطالبته كذلك; لإمكان كونها لكشف حال المشتري في الإعطاء وعدمه، حتى يتضح تكليفه فسخا وإمضاء. وأما كون الأخذ أو المطالبة مسقطا تعبديا، أو كاشفا عن الالتزام الزائد على الالتزام بأصل المعاملة، ففيه إشكال قد مر الكلام فيه في بعض الخيارات (1). مسألة: في كون خيار التأخير على التراخي هل هذا الخيار على الفور، أخذا بإطلاق (أوفوا بالعقود) (2) على ما تقدم استقصاء الكلام فيه (3); بدعوى عدم إطلاق في الأخبار الدالة على الخيار أو الجواز؟
1 - تقدم في الصفحة 353، 477. 2 - المائدة (5): 1. 3 - تقدم في الصفحة 539. 612 أو أنه على التراخي; بدعوى: كون المقام مورد التمسك باستصحاب حكم المخصص، لا بالعموم أو الإطلاق؟ والأقوى هو التراخي، لا لذلك، بل لإطلاق دليل الخيار; فإن قوله (عليه السلام) في الأخبار: «فلا بيع له» (1) المستفاد منه - على ما تقدم - سقوط سلطنته، وبقاء سلطنة صاحبه بلا مزاحم مطلق (2)، يؤخذ به، فيقيد به إطلاق دليل اللزوم.
1 - تقدم في الصفحة 586، 587. 2 - تقدم في الصفحة 578 - 579 و 609. 613 مسألة في أن تلف المبيع بعد ثلاثة أيام من البائع لو تلف المبيع بعد ثلاثة أيام كان من البائع، وادعي عليه الإجماع مستفيضا (1)، بل متواترا (2). ويدل عليه النبوي المعروف بين الفريقين، المنجبر ضعفه باستناد الأصحاب إليه، وهو: «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (3). ورواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته، حتى يقبض المتاع، ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله
1 - المكاسب: 247 / السطر 33. 2 - رياض المسائل 1: 526 / السطر 8، أنظر المكاسب: 247 / السطر 33. 3 - عوالي اللآلي 3: 212 / 59، مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1، المغني، ابن قدامة 4: 117 و 219. 615 إليه» (1). حيث إنه يستفاد من الجواب، أن تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع، من غير فرق بين زمان الخيار وغيره، ومن غير فرق بين قرار الإتيان به غدا وعدمه، ونحوها غيرها. معارضة القاعدة بحديث «الخراج بالضمان» وقد يتوهم: معارضة الكلية المذكورة بقاعدة الملازمة بين النماء والدرك، المستفادة من النبوي المنقول مرسلا (2)، وهو: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن «الخراج بالضمان» (3). فإن المبيع نماؤه للمشتري نصا (4) وفتوى (5) إلا شاذا (6)، فلا بد وأن يكون
1 - الكافي 5: 171 / 12، تهذيب الأحكام 7: 21 / 89، و: 230 / 1003، وسائل الشيعة 18: 23، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 10، الحديث 1. 2 - أنظر المكاسب: 247 / السطر الأخير. 3 - سنن ابن ماجة 2: 754 / 2243، السنن الكبرى، البيهقي 5: 321. 4 - كرواية إسحاق بن عمار قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) وسأله رجل وأنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه، فقال: أبيعك داري هذه، وتكون لك أحب إلي من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي؟ فقال: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه. قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلة للمشتري، ألا ترى أنه لو احترقت لكانت من ماله. وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1. 5 - شرائع الإسلام 2: 17، جواهر الكلام 23: 82. 6 - أنظر جواهر الكلام 23: 78 و 82. 616 تلفه عليه بقاعدة الملازمة، وهو ينافي القاعدة المذكورة. وفيه أولا: أن لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الخراج بالضمان» احتمالات: منها: وهو أقربها إلى اللفظ، أن الخراج الذي يأخذه والي المسلمين، نحو الزكاة والخمس والجزية وغيرها، إنما هو بإزاء الضمانات والتعهدات التي عليه بالنسبة إلى المسلمين; من إدارة شؤونهم العامة. بل لعل التعبير ب «القضاء» وعد ذلك من قضاياه; لأجل أن ذلك من الأحكام السلطانية، وأن الوالي موظف بذلك، والشعب مطالبون منه. ومنها: أنه حث منه (صلى الله عليه وآله وسلم) على تحسين التجارة، والفلاحة والزراعة، وتربية المواشي، وغير ذلك من أنحاء المكاسب; بأن يكون المراد بيان أن الخراج - أي المنافع الحاصلة من أنواع المكاسب - مرهون بالتكفل والتعاهد لتحسين ما ذكر. ومنها: ما هو المعروف بينهم، وهو الذي فهمه أبو حنيفة، وأفتى على طبقه في القضية المنقولة في صحيحة أبي ولاد بأن منافع البغلة للغاصب المتعدي; لأنه لما تعدى وصارت يده يد غصب، ضمن العين، وملك المنافع; لأن الخراج والمنافع بإزاء الضمان. وقد قال الصادق (عليه السلام): «في مثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها» (1) فالرواية بهذا المعنى، مورد تكذيب أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد حكم بالضمان في البغلة عينا ومنفعة. وأما ما في رواياتنا من أن الغلة للمشتري، مذيلة بقوله (عليه السلام): «ألا ترى
1 - الكافي 5: 290 / 6، تهذيب الأحكام 7: 215 / 943، الاستبصار 3: 134 / 483، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب، الحديث 1. 617 أنه لو احترقت لكانت من ماله؟!» (1). وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أرأيت لو أن الدار احترقت، من مال من كانت؟! تكون الدار دار المشتري» (2). فهو موافق لأمر عقلائي، وهو أن الدار للمشتري، فغلتها له، واحتراقها من ماله، ولا يستفاد من مثلها أن ضمان مال الغير، سبب لنقل منافعه إلى الضامن. فلا بد في النبوي المذكور - على فرض صدوره وتسليم كون معناه ما ذكر - من صرفه عن ذلك المعنى، وحمله على مضمون تلك الروايات، ولكن قد عرفت أن الأرجح في النبوي الاحتمال الأول (3). وثانيا: أنه لا يستفاد من النبوي وكذا من الأخبار المشار إليها، الملازمة بين النماء والدرك; بمعنى أن من عليه الغرم فله الغنم، وبالعكس، بل الظاهر منها أن الخراج بإزاء الضمان، وأن كل من هو ضامن لشئ فله منافعه، لا العكس. فقاعدة ضمان البائع قبل القبض، لا تنافي النبوي; فإن الثاني بمنزلة الكبرى للأولى، فبالأولى يثبت أن البائع ضامن للمبيع قبل قبضه، وبالثاني يثبت أن منافع العين له، فلا تنافي بينهما، وإنما التنافي بين القاعدة وما دل على أن تلف المال، لا يكون مضمونا على غير مالكه، كما هو قاعدة عقلائية.
1 - الكافي 5: 171 / 10، الفقيه 3: 128 / 559، تهذيب الأحكام 7: 23 / 96، وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1. 2 - تهذيب الأحكام 7: 176 / 780، وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 3. 3 - تقدم في الصفحة 617. 618 وثالثا: أن الظاهر من القاعدة، أن العقد منفسخ قبل تلف المبيع، كما سنشير إليه، فلا تكون مخالفة للنبوي، ولا للأخبار المتقدمة (1). نعم، هي مخالفة لقاعدة عقلائية أخرى; وهي عدم انفساخ العقد بلا موجب، والأمر فيه سهل، لأنه أمر تعبدي ثابت بالشرع. ورابعا: أنه بعد اللتيا والتي، تكون القاعدة أخص من النبوي، فلا يعارضها. معارضة القاعدة بقاعدة أن التلف في زمان الخيار وأما توهم: معارضتها لقاعدة أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له (2). ففيه: أنه لم ترد هذه الكلية في لسان دليل، وإنما الدليل على أن التلف على غير صاحب الخيار، روايات واردة في خيار الحيوان والشرط، والمستفاد منها - على فرض تسليم كونه كليا - هو أن التلف ليس عليه حتى يصير المبيع ملكا مستقرا له. ففي رواية ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، ويشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: «على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع للمشتري» (3).
1 - تقدم في الصفحة 617 - 618. 2 - أنظر المكاسب: 248 / السطر 1. 3 - الكافي 5: 169 / 3، الفقيه 3: 126 / 551، وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2. 619 ونحوها أو قريب منها غيرها (1)، فلا يستفاد منها عموم يشمل المورد. ثم مع الغض عما تقدم، فالظاهر من قاعدة التلف قبل القبض، أن التلف واقع على مال البائع، لا أنه ضامن للتلف الواقع في ملك المشتري، فتدل على فسخ البيع قبل التلف، ووقوعه على مال البائع. وأما قاعدة: التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، فمن أجل أنها مستفادة من الروايات المشار إليها، ويكون المفروض فيها تحقق البيع، وكونه خياريا، فمقتضاها أن التلف مع فرض تحقق البيع وقيامه بحاله، ممن لاخيار له. ومقتضى تلك القاعدة، أن التلف قبل القبض الموجب لانفساخ البيع، يقع على البائع، وحينئذ فتكون قاعدة التلف قبل القبض، رافعة لموضوع قاعدة التلف في زمن الخيار، لا معارضة لها، فتدبر جيدا. حكم تلف المبيع في الأيام الثلاثة والتلف في الثلاثة أيضا من مال البائع; للقاعدة، والرواية المتقدمتين (2)، وحال دعوى الإجماع (3) معلومة. ولا يتوهم هاهنا، معارضتهما لقاعدة التلف في زمان الخيار، وقاعدة كون تلف المال من مالكه لا تقاوم الدليل الشرعي، بل بمقتضى قاعدة التلف قبل القبض، يكون البيع منفسخا، فلا تتنافى القاعدة مع تلك القاعدة العقلائية. نعم، الانفساخ بلا موجب مخالف للقاعدة، لكن لا تقاوم القاعدة الدليل الشرعي، الذي مقتضاه انفساخه تعبدا.
1 - وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 1. 2 - تقدمتا في الصفحة 615 - 616. 3 - مفتاح الكرامة 4: 582 / السطر 4، أنظر المكاسب: 248 / السطر 4. 620 حكم امتناع المشتري من القبض ولو مكنه من القبض ولم يتسلم، فالظاهر سقوط الضمان: إما لأن القبض المعتبر في جميع الموارد، يتحقق بذلك، وأن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كل مبيع تلف قبل قبضه» (1) كناية عن تسلطه وتمكنه بعد ما لم يكن المراد المعنى الحقيقي; أي جعله في قبضته، فإن العرف لا يفهم من مثل التعبير المذكور، إلا تسلطه وتمكنه، كما في التأدية المأخوذة غاية لضمان اليد، والقبض المعتبر في الصرف والسلم، وغيرهما. وإما لأن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع في المقام ذلك، بل من البعيد جدا أن يمكنه، ويمتنع عن التسلم بلا حق، ومع ذلك يحكم عليه الشارع الأقدس بضمانه عند التلف، وكذا الحال في أمثال المقام.
1 - تقدم في الصفحة 615. 621 مسألة في ثبوت خيار التأخير بعد يوم فيما يفسد ليومه روى الكليني والشيخ (قدس سرهما)، بإسنادهما عن محمد بن أبي حمزة أو غيره، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أو أبي الحسن (عليه السلام): في الرجل يشتري الشئ الذي يفسد من يومه، ويتركه حتى يأتي بالثمن. قال: «إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن، وإلا فلا بيع له» (1). والسند مجبور بعمل الطائفة بها، والفتوى بمضمونها (2); إذ لم يكن لهم في هذا الخيار بهذا العنوان مستند سواها، فلا إشكال من جهة السند. كما لا إشكال في المقام في ثبوت الخيار، لا بطلان البيع أو انفساخه، بل ربما يستدل بها على ثبوت الخيار في المسألة السابقة; لموافقة مضمون روايات تلك المسألة لمضمونها. بل الظاهر منها: أنه قسم من خيار تأخير الثمن في خصوص الموضوع
1 - الكافي 5: 172 / 15، تهذيب الأحكام 7: 25 / 108، الاستبصار 3: 78 / 262، وسائل الشيعة 18: 24، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 11، الحديث 1. 2 - أنظر جواهر الكلام 23: 59. 623 المذكور، كما أن الخيار إلى شهر، قسم آخر منه في خصوص الجارية، أو مطلق الحيوان، على ما نسب إلى الصدوق (قدس سره) (1)، فخيار التأخير حينئذ جنس ذو أنواع، أو نوع ذو أصناف. المراد من قوله «يفسد من يومه» إنما الإشكال في المراد بقوله: «يفسد من يومه» فهل المراد أنه يفسد في يومه، كما في بعض نسخ «الكافي» (2)؟ أو أنه يأخذ في الفساد مبتدأ من يومه؟ أو يكون اليوم علة لعروضه عليه؟ أو يكون المراد «من يومه» اليوم والليلة الآتية، والمراد أنه يفسد في طول اليوم والليلة الآتية؟ أو يكون المراد من قوله: «يفسد» الإشراف على الفساد في اليوم؟ احتمالات، بعضها مقطوع الفساد، وبعضها مخالف للظاهر. والأولى أن يقال: إن المراد من قوله ذلك، هو ما لا يبقى سليما إلا مقدار يوم، فيفسد بمضي يوم; أي مقداره، ولما كان عرضة مثل هذا للبيع في السوق أثناء النهار، لا أوله - فإن المتعارف في مثله خصوصا في الآفاق الحارة التي صدرت فيها الرواية، عرضه على المشتري بعد مضي ساعات من النهار; بحيث كان زمان الاشتراء قبل الزوال، وبعد طلوع الشمس بساعات - كان مقدار سلامته
1 - المقنع: 365، أنظر مختلف الشيعة 5: 101. 2 - الكافي 5: 172 / 15. 624 من الفساد متقدرا بيوم. فمنتهى بقائه سليما، بعد ساعات من الليل إن اشترى في النهار، كما هو المتعارف المفروض. فسأل السائل عن اشتراء ما لا يبقى سليما إلا مقدار ساعات النهار. فأجاب: بأن البيع لازم إلى الليل، فإن لم يأت بالثمن فله الخيار. فليس حلول الليل غاية لصحته، بل الغاية مضي مقدار من الليل، فهو في أول الليل كان سليما يمكن بيعه، وكان السوق قائما في أوله، فجعل له الخيار ليفسخ، ويبيع متاعه قبل الفساد، وقبل تعطيل السوق. وكيف كان: لا إشكال في ثبوت الخيار له قبل عروض الفساد. المراد ب «اليوم» في الرواية ومما ذكرناه يظهر: أن المراد ب «اليوم» في السؤال، ليس يوم الشراء، بل المراد تحديد عمر المشترى سليما، ولما كان المتعارف في الاشتراء أثناء النهار، أجاب بما أجاب. فحينئذ يمكن استفادة معنى أوسع من الرواية; وهو أن الاشتراء في أي زمان وقع، فعليه الصبر إلى ما قبل عروض الفساد بمقدار يسع بيعه. بل يمكن إلحاق كل ما يفسد في يوم، أو يوم ونصف، أو يومين، ولو بمناسبات مرتكزة في الأذهان; بأن يقال: إن الأمتعة التي لها بقاء فوق ثلاثة أيام - كالمحمل، والجارية، ونحوهما - مشمولة للأخبار المتقدمة (1)، والبيع فيها
1 - تقدم في الصفحة 586 - 587. 625 لازم إلى ثلاثة أيام، ثم يصير خياريا، وما يفسد من يومه مشمول لهذه الرواية. وما لا يكون نحوهما، كما يفسد من يومين، أو يوم ونصف، أو نصف يوم، لا يلحق بالقسم الأول بلا إشكال، فالأمر فيه دائر بين إلحاقه بالقسم الثاني في الحكم، فيثبت الخيار له قبيل الأخذ في الفساد، وعدم إلحاقه به، فيحكم بلزوم المعاملة، ولزوم الصبر إلى عروض الفساد، وانفساخ البيع، وكون الفساد والتلف من مال البائع; أي ألزمه الشارع الأقدس بالصبر إلى فساد متاعه المشترى، وهذا احتمال لا ينبغي انتسابه إلى الشارع الأقدس. وهنا احتمالات أخر; وهي جعله وليا للبيع عن صاحبه، أو إجازة التصرف له في ملك المشتري، وإن لم يكن له بيعه، فلو باع كان فضوليا موقوفا على إجازة المشتري، أو لزوم رجوعه إلى الحاكم. وهذه الاحتمالات بعيدة أو فاسدة، ولا سيما بعضها، فالأقرب إلى الأذهان، أن تلك الأمتعة لا يخرج حكمها عن القسمين المنصوصين، ولما لم يصح إلحاقها بالأول، فلا محالة تلحق بالثاني. ثم إن هذا الخيار، هل هو خيار تأخير الثمن، أو خيار عدم قبض المثمن؟ ظاهر الرواية (1) الأول، ولا سيما مع موافقتها لفظا للروايات المتقدمة (2)، ومقتضى بعض المناسبات الثاني، وقد جزم به السيد الطباطبائي (قدس سره) (3)، وحمل قوله (عليه السلام): «إن جاء بالثمن» على الكناية عن عدم قبض المثمن، وهو بعيد لفظا، وإن كان لا يبعد اعتبارا.
1 - تقدم في الصفحة 623. 2 - تقدم في الصفحة 586 - 587. 3 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي: 57 / السطر 20. 626 شروط الخيار فيما يفسد ليومه وأما الشروط المعتبرة في خيار التأخير: فمنها: ما هو معتبر فيه، كعدم قبض المثمن، وكونه عينا. ومنها: ما هو معتبر بحسب ظاهر الرواية، كعدم قبض الثمن. ومنها: ما لا يعتبر فيه، كعدم شرط التأخير; فإن لازم اعتباره لزوم البيع فيما إذا اشترط التأخير، وترتب ما تقدم (1) من المحذور عليه; مما هو بعيد غايته. اختصاص الرواية بالفساد الحقيقي ثم إن ظاهر النص (2)، هو الفساد الحقيقي المساوق للتلف عرفا، فلا يشمل التغيير الموجب للنقص وقلة المشتري، وإن كانت المناسبات العرفية موافقة للتعميم، ولا سيما أن مثل الخضروات - فضلا عن الفواكه - لا تفسد من يومها، بل تتغير بما يقال مسامحة: «إنها فاسدة». وبعد، فبعض فروع المسألة محل إشكال، وأما تغيير السوق فلا يكون فسادا بلا ريب.
1 - تقدم في الصفحة 597. 2 - تقدم في الصفحة 623. 627 السادس خيار الرؤية
629 ثبوت خيار الرؤية وهو خيار مستقل، غير خيار تخلف الشرط، وتخلف الوصف، فلو قيدنا الموضوع: بأنه الخيار المسبب عن رؤية المبيع، على خلاف ما اشترط فيه المتبايعان، أو بخلاف ما وصفه البائع (1)، فلا بد إما من الالتزام، بأن المعتبر هاهنا هو الاشتراط أو التوصيف، اللذان لا يوجب تخلفهما الخيار، كالتوصيف خارج المعاملة، وكذا الاشتراط بنحو لا يعد شرطا ضمنيا، بل يعد من متعلقات البيع. أو الالتزام: بأن المعتبر هاهنا أعم مما يوجب الخيار. فعلى فرض الاشتراط أو التوصيف الموجبين للخيار، يكون له خياران: أحدهما: خيار الرؤية. ثانيهما: خيار تخلف الشرط أو الوصف. فيجتمع هذا الخيار مع غيره تارة، ويفارقه أخرى، وإلا فالقيد بنحو يكون ثبوته ملازما لثبوت خيار آخر عقلائي، لعله يعد لغوا. وأما ما يظهر من كثير منهم: من أن هذا الشرط للتخلص عن الغرر.
1 - المكاسب: 248 / السطر الأخير، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 46 / السطر 33، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 86 / السطر 32. 631 ففيه ما لا يخفى; فإنه - مضافا إلى أن الغرر يمكن أن يرفع بوجه آخر، كالمشاهدة السابقة، وكتوصيف الغير، أو التوصيف خارج البيع - لا يصح أن يجعل ما يرفعه من شروط هذا الخيار، بل هو من شروط البيع، كان خياريا أم لا. وكيف كان: لا دليل على القيد المأخوذ في هذا الخيار في ظاهر بعض كلماتهم. الاستدلال للخيار بصحيحة جميل بن دراج ويدل على الخيار - مضافا إلى تسالمهم عليه، بل قيل: إن الإجماع عليه مستفيض (1) - صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى ضيعة، وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلبها، ثم رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «لو أنه قلب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة، ثم بقي منها قطعة ولم يرها، لكان له في ذلك خيار الرؤية» (2). والظاهر منها كما ترى، عدم فرض اشتراط أو توصيف من البائع، بل كان الاشتراء بعد التردد إلى الضيعة مرارا، الموجب لمشاهدتها مرة بعد أخرى، وللرغبة في شرائها، فاشتراها من غير تقليب وتفتيش كامل لقطعاتها، ولا يعتبر في شراء مثلها ورفع الجهالة والغرر، غير المشاهدة المتعارفة، وأما مشاهدة كل
1 - المكاسب: 249 / السطر 1. 2 - الفقيه 3: 171 / 766، تهذيب الأحكام 7: 26 / 112، وسائل الشيعة 18: 28، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 15، الحديث 1، مع تفاوت يسير. 632 قطعة مستقلة فلا. وبالجملة: إن ظاهرها أن البيع وقع بلا توصيف واشتراط في ضمن العقد، ولا قبله، بل استنادا إلى الذهاب إليها، والدخول فيها مرارا، كما يدل عليه قوله: «كان يدخلها...» إلى آخره، وهذا المقدار من المشاهدة، كاف في رفع الغرر في أمثال الضيعة، بل الدور ونحوها. ثم إنه لما اشتراها قلبها وفتشها زائدا عما تقدم، فوجدها على خلاف ما توهمه من المرغوبية والأوصاف فاستقال، ولو كان المفروض التوصيف والاشتراط الموجبين للخيار عرفا، لم يكن محتاجا إلى الاستقالة، بل كان له الخيار عرفا. وبالجملة: يظهر منها أن خيار الرؤية، خيار مستقل ثابت للشيء، سواء كان له خيار آخر أم لا. نعم، لا ينبغي توهم ثبوته بمجرد عدم الرؤية، ولو لم يكن المرئي مخالفا لاعتقاده، بل الظاهر من الرواية، أن الحكم ثابت لمورد كان المرئي على خلاف ما اعتقده; بواسطة المشاهدة السابقة مثلا. ثم إن في الرواية احتمالا آخر، وهو بطلان البيع; بأن يقال: إن عدم رؤية بعض المبيع، موجب للغرر المبطل، فقوله (عليه السلام): «كان له خيار الرؤية» محمول على أن له الاختيار عند الرؤية في اشترائه وعدمه، أو له الخيار في قبول هذا البيع ورده إن قلنا: بصحة قبول الإنشاء المتعلق بالمجهول عند رفع الجهالة. وفيه: - مضافا إلى ما أشرنا إليه; من عدم اعتبار هذه التدقيقات في باب الغرر، ولا سيما في مثل الضيعة وأشباهها، بل يكفي الاطلاع الحاصل بالمشاهدة
633 على النحو المتعارف في رفع الغرر، فيقع البيع صحيحا (1) - أن التعبير بأن «له خيار الرؤية» يخالف الاحتمال المذكور كما لا يخفى. ثم إن قوله (عليه السلام): «في ذلك خيار الرؤية» يحتمل أن يكون إشارة إلى الشراء المستفاد من قول السائل. ويحتمل أن يكون إشارة إلى الضيعة، المذكورة صريحا وغير صريح مرارا. أو إلى القطعة غير المرئية المذكورة أخيرا. والظاهر المناسب للخيار المتعلق بالعقد، هو الأول; فإن ما يصح أن يكون له فيه خيار بلا تأول، هو الشراء، وأما الضيعة فانتساب الخيار إليها، مأول ومخالف للظاهر، فضلا عن الانتساب إلى القطعة التي لا تكون متعلقة للبيع، حتى يكون له خيار فيها، فالرجوع إليها، يحتاج إلى تأويل آخر مضافا إلى التأويل المذكور. فله الخيار لفسخ العقد، لا لفسخه بالنسبة، ولا لرد القطعة التي يرجع ردها إلى الفسخ بالنسبة; فإنه بعيد، بل غير صحيح إلا فيما إذا انحل العقد إلى عقود عرفا، وهو في غير المورد. وأما ما في بعض التعليقات: من احتمال ثبوت خيارين له: أحدهما: خيار الرؤية فيما لم يره. وثانيهما: خيار تبعض الصفقة فيما رآه (2). فهو لا يخلو من غرابة; فإن التبعض لم يكن قبل إعمال الخيار فيما لم يره، وبعده يكون السبب له إعماله، فهو لو ثبت لا بد وأن يثبت للبائع، لا للمشتري
1 - تقدم في الصفحة 632 - 633. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 87 / السطر 7. 634 الموجب له. وكيف كان: فالظاهر ثبوت خيار واحد متعلق بالعقد. الاستدلال للخيار بصحيحة زيد الشحام وقد يستدل على الخيار بصحيحة زيد الشحام (1)، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم. فقال: «لا يشتري شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج» (2). وفيه: أن الظاهر من الرواية - كما هو المعهود ظاهرا من فعل المشترين في شراء سهام القصابين - هو اشتراء السهم الذي سيخرج فيما بعد فعلا، فيكون السهم مال البائع قبل خروج السهم، وهذا نظير بيع الثمار قبل أن توجد ويملكها المالك، بل هو أهون كما لا يخفى. لكن الصحة على خلاف القواعد; إذا تعلق البيع بما سيوجد في بيع الثمار، وبما سيتعين في المقام. والظاهر من النهي عن الاشتراء قبل الإخراج، بطلان الشراء كذلك، كما هو كذلك في أمثال المقام، فيكون السؤال والجواب قرينة على المراد من قوله (عليه السلام): «فهو بالخيار إذا خرج» وهو أن اختياره في الشراء وعدمه باق، ولم يسلب بهذا الشراء.
1 - الحدائق الناضرة 19: 57، أنظر المكاسب: 249 / السطر 4. 2 - الكافي 5: 223 / 3، الفقيه 3: 146 / 643، تهذيب الأحكام 7: 79 / 340، وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 15، الحديث 2. 635 ويحتمل أن يراد منه خياره في الرد والقبول، نظير الفضولي لو قلنا بجواز لحوق الإجازة ببيع المجهول عند علمه به، فعليه لا ربط لها بالخيار، فضلا عن خيار الرؤية. ويحتمل أن يكون مراد السائل، اشتراء سهامهم المشاعة بينهم وبين غيرهم، فينقل المال إلى المشتري قبل الإسهام. فحينئذ إن اشتراها بالتوصيف، كان الخيار لتخلف الوصف إن كان إفراز السهام بإذنه، وإلا فيحتمل أن يكون المراد «بالخيار» خيار قبول التقسيم وعدمه، فتدل الرواية حينئذ على جريان الفضولي في الإفراز والتقسيم. وإن اشتراها بغير توصيف ولا مشاهدة، كان باطلا، فيبقى ظهور النهي عن الاشتراء على حاله من الإرشاد إلى البطلان، ويصير قرينة على المراد من قوله (عليه السلام): «فهو بالخيار» كما تقدم (1). وهنا احتمال آخر; وهو كون الشراء بالمشاهدة، ولما كانت السهام بالتعديل، كانت المشاهدة رافعة للغرر، فلما خرج السهم رأى الخارج مخالفا لما اعتقده، كما في صحيحة جميل، فيكون الخيار للرؤية إن كان التقسيم بإذنه، وإلا فيأتي الاحتمال المتقدم، أو كونه بوصف خارج عن المعاملة، فرأى تخلفه، فثبت خيار الرؤية. ومع كثرة الاحتمال يسقط الاستدلال، ولا سيما مع أظهرية الاحتمال الأول. وأما احتمال كون القسمة باطلة; لعدم التعديل، فمخالف لظاهرها (2). كما أن احتمال كون المراد «بالخيار» خيار الحيوان غير صحيح; لعدم
1 - تقدم في الصفحة 635. 2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 87 / السطر 15. 636 ثبوته للمشاع كما هو المفروض، والحمل على الكلي في المعين (1) بعيد، بل غير صحيح، مع أن مبدأه حال العقد، لا حال إخراج السهم. عقلائية خيار الرؤية وحدوده ثم إنه لو قلنا: بأن المعتبر في هذا الخيار، رؤية المبيع على خلاف ما اشترط فيه المتبايعان، كما هو صريح الشيخ الأعظم (قدس سره) (2)، أو على خلاف توصيف المتبايعين في ضمن العقد - على خلاف ما يستفاد من الصحيحة - كان هذا الخيار على القاعدة بلا إشكال; فإن خيار تخلفهما عقلائي، لا يحتاج إلى دليل لفظي. كما أن لازم ذلك ثبوته في جميع المعاملات، كالصلح، والإجارة، وفي أنواع الأمتعة; من الحيوان، والدار، وغيرهما، ولا يختص بالمشتري، بل يثبت للبائع أيضا عند تخلفهما على اختلاف الشروط والأوصاف. لكن في ثبوت خيار الرؤية على هذا الوجه، إشكال تقدمت الإشارة إليه (3). وأما بناء على الاستناد في ثبوته إلى صحيحة جميل، التي وردت في الضيعة الحاضرة المشاهدة، من دون إشارة فيها إلى الاشتراط والتوصيف، بل كان المفروض فيها رفع الغرر بالمشاهدة، وكثرة الدخول في الضيعة، فمقتضى
1 - المكاسب: 249 / السطر 9، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 87 / السطر 33. 2 - المكاسب: 248 / السطر الأخير. 3 - تقدم في الصفحة 631. 637 الجمود عليها، عدم ثبوته إلا في الضيعة ونحوها، لا في مثل الحيوان والأمتعة، ولا في الكلي في المعين، والمشاع، ولا في العين الغائبة الموصوفة لا في ضمن العقد. لكن الظاهر المتفاهم منها عرفا ولو بمناسبات مرتكزة في الأذهان، ثبوته في مطلق المبيع، ضيعة كان أم غيرها، حاضرا كان أم غائبا; لفهم العرف أن الحكم لرؤية المبيع على خلاف ما اعتقده، سواء شاهد بعضه واعتقد الوصف في الكل، أم لم يشاهده واعتقد كونه موصوفا بكذا; لتوصيف البائع أو غيره. ومن غير فرق بين العين الشخصية المعينة، والكلي في المعين أو المشاع; مما تأتي فيه الرؤية على خلاف الوصف، أو الرؤية السابقة. وأما إثباته للبائع بهذه الصحيحة فمشكل; للإشكال في إلغاء الخصوصية عرفا، لكن ثبوته له مورد تسالمهم، بل اتفاقهم على ما حكي (1).
1 - المكاسب: 249 / السطر 10. 638 مسألة في أن مورد خيار الرؤية هو العين الشخصية مورد هذا الخيار العين الشخصية، حاضرة كانت كما في مورد الصحيحة، أم غائبة بالشرط الذي تقدم الكلام فيه (1)، بناء على اندراج الكلي في المعين والمشاع في العين الشخصية، وإلا فمورده أعم منها. فلو شاهد ضيعة ونحوها بنحو رافع للغرر عرفا، فاشترى جزء مشاعا منها، ثم بعد استقصاء الفحص رآها على خلاف ما اعتقده، كان له الخيار، وكذا في الكلي في المعين. حول ما هو شرط في صحة بيع العين الغائبة ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره)، تعرض في المقام لما هو شرط في صحة البيع; من التوصيف بما ترفع به الجهالة (2)، وأوكل إلى العرف أخيرا (3).
1 - تقدم في الصفحة 631. 2 - المكاسب: 249 / السطر 13. 3 - المكاسب: 249 / السطر 34. 639 وقد تعرضنا لحديث الغرر، وما هو المحتمل فيه بنحو الاستقصاء في البيع (1)، فلا نطيل بالإعادة، ولا بأس بالتعرض لبعض إشكالات لم نتعرض لها ظاهرا سابقا: الإشكال الأول على كفاية ذكر الأوصاف ومنها: أن ذكر الأوصاف في العين، لا يخرج البيع عن كونه غررا، بل يوجب أن يكون الغرر أعظم; فإن في ترك التوصيف، غررا من حيث الجهل بالصفة، فإذا أخذ مقيدا بها صار مشكوك الوجود; لأن المبيع الموصوف بكذا، لا يعلم وجوده. فأجاب عنه الشيخ الأعظم (قدس سره): بأن أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط، لا التقييد (2)، وهذا منه تسليم للإشكال على فرض التوصيف، وهو غير متجه. والأولى أن يقال: إن التوصيف والتقييد، الذي قد يوجب أن يكون المبيع مشكوك الوجود، إنما هو في المبيع الكلي; فإنه ربما يوصف بأوصاف يشك معها في تحقق مصداق له في الخارج، فيكون التوصيف موجبا للغرر الأعظم. وأما الجزئي الخارجي، فلا يخرج بالتقييد والتوصيف عن كونه موجودا، ولا عن كونه مبيعا، وإن تخلف عنه القيد والوصف; فإن البيع إنما يتعلق بالموجود المشخص موصوفا بكذا، وتخلف الوصف لا يوجب عدم تعلق البيع بالموجود. نعم، بناء على تعلق البيع في المبيع الخارجي المتحقق، بالعنوان الذهني
1 - تقدم في الجزء الثالث: 295. 2 - المكاسب: 250 / السطر 4. 640 - كما قيل وسيجئ الكلام فيه (1) - يمكن توجيه الإشكال والتخلص بما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره)، لكن المبنى في غاية السقوط. فالموجود الخارجي المتعلق به البيع، لا يخرج عن الشخصية والوجود ولو قيد بألف قيد، والبيع إنما يتعلق به متقيدا وموصوفا، غاية ما في الباب، أن تخلفه يوجب الخيار، لا الشك في الوجود. نعم، رفع الغرر بصرف التوصيف والتقييد محل إشكال، كما أن رفعه بالاشتراط والالتزام كذلك. وقد يستشكل على مقالة الشيخ (قدس سره): بأن التقييد وكذا الاشتراط في المقام، غير صحيح. أما الأول: فلأنه مختص بالكليات التي يصح فيها التضييق، لا في الجزئي الخارجي. وأما الثاني: فلأن الاشتراط والالتزام، إنما يصح في شرط الفعل وشرط النتيجة، لا في مثل المقام الذي تكون الصفة فيه، إما موجودة بعللها التكوينية، أو لا، ولا يكون الالتزام مؤثرا فيه (2). وفيه: أن التقييد والتوصيف في الجزئيات، وإن لم يوجب تضييقها، لكنه عقلائي، ويترتب عليه الخيار، فيصح بيع الفرس الخارجي مثلا متقيدا ب «العربي» وموصوفا به، وهو أمر عقلائي يوجب تخلفه الخيار. وأما الاشتراط والالتزام، فإن كان الدليل عليه وجوب الوفاء بالشرط، لتم ما أفاده، وأما إذا كان ذلك الالتزام أمرا عقلائيا، يترتب عليه خيار تخلف الشرط والالتزام - كما في المقام - فلا، فالاشتراط والالتزام في المقام، عقلائي يترتب عليه الأثر، لا أنه أمر يجب الوفاء به.
1 - يأتي في الصفحة 642. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 88 / السطر 24. 641 الإشكال الثاني ومنها: ما عن «مجمع البرهان» وحاصله أن العقد واقع على شئ مغاير للموجود، فالمعقود عليه غير موجود، والموجود غير معقود عليه (1)، ونظير ذلك ما قيل في الاقتداء بشخص بتخيل أنه زيد، فبان عمرا: إنه إن كان الاقتداء على نحو التقييد بطل، وإن كان على نحو الداعي، صح بالبرهان المذكور (2). وفيه: أن البيع في العين الشخصية وكذا الاقتداء، لا يتعلقان إلا بالموجود الخارجي، لا بالعنوان الذهني القابل للانطباق على الخارج وعدمه. فالمبيع هو الموجود الخارجي، الذي وصف بوصف مفقود فيه، والمقتدى به هو الشخص الخارجي; قيد بوصف أم لا، والتقييد لا يوجب ألا يتعلق بالخارج. نعم، قد يقال في تقرير الإشكال: بأن العنوان الخاص، إن كان واسطة في الثبوت، وكان العقد متعلقا بالخارج، فالموجود معقود عليه. وإن كان واسطة في العروض، فلا تعلق للبيع حقيقة بالذات إلا بالعنوان الخاص، فإذا لم يكن للعنوان وجود، لم يكن شئ تعلق به البيع بالعرض بواسطة العنوان. ثم قال: مقتضى البرهان هو الثاني، ثم نسج على هذا المنوال بوجه لا يليق ذكره في الفقه (3). والجواب عنه: هو أن البيع لا يتعلق بالعنوان الذهني لا عقلا، ولا عرفا; لأن العنوان الفاني في العين الخارجية، لا يكون منظورا فيه، بل هو منظور به،
1 - مجمع الفائدة والبرهان 8: 183، أنظر المكاسب: 250 / السطر 15. 2 - العروة الوثقى 1: 768، فصل في الجماعة، المسألة 12. 3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 89 / السطر 2 - 12. 642 والمنظور فيه إنما هو الخارج، وهو متعلق للبيع، لا العنوان. نعم، في بيع الكلي، يكون نفس العنوان منظورا فيه، وموردا للنقل، فالملكية والنقل والانتقال الاعتباري، وإن كان ظرف اعتبارها الذهن، لكن يعتبرها العقلاء أمرا خارجيا، فالدار الموجودة، ملك بالحمل الشائع ومنقولة بالبيع، لا عنوانها الفاني فيها، كما توهمه القائل. وليس في الأمور الاعتبارية محل للبراهين العقلية والفلسفية، فلا العقل يحكم بأن البيع متعلق بالعنوان، ولا العرف. وقوله: يلزم أن يكون الأصيل اعتباريا، والاعتباري أصيلا لا يرجع إلى محصل. وأما قوله أخيرا: بأن العرف يرى العناوين واسطة في الثبوت. ففيه: أن العرف لا يرى الواسطة، حتى يقال: إنها واسطة في الثبوت أو في العروض، بل يرى التبادل بين الأعيان الخارجية، بلا توسط شئ، فالعقد الذي يوجب الربط الملكي، لا يتعلق إلا بنفس الخارج; أي المعلوم بالعرض، فإن كان مراده من «الواسطة في الثبوت» ذلك، فلا مضايقة. بل التحقيق: أن العقل الدقيق، يحكم في أمثال المقام بالوساطة في الثبوت، والعرف لا يرى واسطة أصلا. ويمكن أن يقرر الإشكال: بأن ما هو الموجود في الخارج هو الأعيان، لا بوصف كونها مبيعة، وأما المبيع بما هو كذلك، فلا يكون هو العين بما هي، بل هو العين المقيدة، ومع فقد القيد لا يعقل بقاء المقيد، فما هو موجود ليس بمبيع، وما هو مبيع - وهو الشخص مقيدا - ليس بموجود. والجواب عنه: هو الذي أشار إليه بعض المحققين (قدس سره)، ولعله صاحب «الجواهر» وهو أنه ناشئ من عدم التفرقة بين وصف المعين، والوصف المعين;
643 أي بين التوصيف في المبيع الشخصي الخارجي، وبين توصيف العنوان الكلي وتقييده، وكذا من عدم الفرق بين الأوصاف الذاتية والعرضية (1). ومحصله: أن القيود في الكليات مطلقا، توجب حدوث عناوين مختلفة، تكون لكل عنوان مصاديق غير مصاديق عنوان آخر. وبعبارة أخرى: كافة القيود في الكليات، من قبيل المقومات. وأما الأوصاف في الأعيان الخارجية، فليست دخيلة في نفس التبادل الذي هو ماهية البيع; فإن التبادل يقع بين الأعيان والأموال، والأوصاف خارجة عن محطه، ولهذا لا يقسط الثمن على الذات والصفة، وإن صارت الصفات موجبة لتفاوت القيم. فالأوصاف في الأعيان الخارجية، ليست من مقومات البيع، ولا دخيلة فيه، بل أمور زائدة عن محط التبادل، ولما وصف المبيع بها، صار تخلفها موجبا للخيار; أي خيار تخلف الوصف، فتوصيف المبيع حيث وقع في ضمن البيع، ولم يكن أجنبيا عنه، يوجب تخلف الوصف الخيار، وليس الوصف مقوما للمبيع، حتى يوجب تخلفه البطلان. نعم، بعض الأوصاف من المقومات، بل تسميتها ب «الأوصاف» لا تخلو من مسامحة، كما لو أشار إلى شئ فقال: «بعتك هذا الفرس» فتبين أنه سبحة، أو سجادة، فإن المشار إليه، لا يشترك مع العنوان إلا في المادة الأولية، على القول بها، وهي لا تكون موضوع حكم عرفي عقلائي، حتى يقال: إنه من قبيل تخلف الوصف. ففي مثله يكون البيع باطلا بلا ريب، وتشخيص الذاتي والعرضي موكول إلى العرف.
1 - جواهر الكلام 23: 94، أنظر المكاسب: 250 / السطر 21. 644 الإشكال الثالث ومنها: أنه بعد تسليم جميع ما تقدم، يشكل الحكم بالصحة من جهة أخرى; وهي أنه يعتبر في البيع أن يكون عن رضا، وفي المقام يكون الرضا بالمقيد، لا بالخالي عن القيد، فما هو الموجود والمتعلق للبيع، غير مرضي به، وما هو مرضي به غير موجود. وفيه: أن القيد لو رجع إلى الشرط كما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) (1)، وبنى عليه بعض الأعيان (2) في الجواب عن الشبهة، لم يكن فقده موجبا لفقد الرضا; فإن الشرط التزام في التزام، فتخلف ذاك الالتزام، لا يوجب عدم الرضا بالالتزام الآخر، وسيأتي الكلام فيه في محله (3). وأما لو لم يرجع إليه فلا يصح الجواب المذكور، بل الحق في الجواب أن يقال: إن ما هو المعتبر في التجارة، أن تكون مقرونة بالرضا المعاملي; أي تكون نفس التجارة والتبادل، مقرونة بالرضا، لا بالكره ونحوه. وأما ما هو الخارج عن المبادلة، فلا دخل له فيها، حتى يقال: باعتبار الرضا فيه. ولا شبهة: في أن التبادل إنما وقع بين العين والمال، لا بين العين والوصف وبين المال، ولهذا لا يقسط الثمن، فالرضا التجاري - ولو لأجل زعم وجود الصفة فيها - موجود بالضرورة، والزائد عليه غير معتبر. وأسد شئ في مثل المقام، هو الرجوع إلى العرف والعقلاء، ولا شبهة في
1 - المكاسب: 250 / السطر 4. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 48 / السطر 39. 3 - يأتي في الجزء الخامس: 361. 645 أن تخلف الوصف عندهم في العين الموصوفة، موجب للخيار، ولا ينقدح في الأذهان ما هو المذكور في الكتب العلمية. فاتضح أن الصفات خارجة عن البيع، ولا يوجب تخلفها البطلان. ثم إن في مورد هذا الخيار لا يثبت الأرش; لعدم الدليل عليه، وهو واضح. مسألة في فورية خيار الرؤية هل هذا الخيار عند الرؤية فوري، كما عليه الأكثر على ما حكي (1)، بل عن ظاهر «التذكرة» عدم الخلاف بين المسلمين إلا أحمد (2)، حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية؟ والأصل فيه مع الغض عن تسالمهم، إطلاق دليل وجوب الوفاء، بعد الإشكال في إطلاق صحيحة جميل (3) بدعوى أنها بصدد بيان تشريع الخيار، كالأدلة التي بصدد أصل التشريع. وأما لو قلنا: بالإطلاق، وأنها بصدد بيان الخيار، فمقتضاها التراخي. وقد يقال: إن الصحيحة تدل على التراخي بوجه آخر; وهو وقوع الفصل الطويل بين بيان الحكم، وبين الأخذ بالخيار في مورد السؤال في الصحيحة (4).
1 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 294 / السطر 4، المكاسب: 250 / السطر 31. 2 - تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 28، أنظر المكاسب: 250 / السطر 32، الشرح الكبير، ذيل المغني 4: 25. 3 - تقدم في الصفحة 632. 4 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 59 / السطر 35. 646 وفيه: أن الظاهر من أمثال الصحيحة، أنها سؤال عن الحكم الكلي، لا أنه وقع أمر شخصي أريد السؤال عن حكمه، فأصحاب الأئمة (عليهم السلام)، كانت طريقتهم فرض مسائل لأخذ الجواب والثبت في كتبهم، ولعل كثيرا منها لم تكن واقعة في الخارج، كما يظهر بالمراجعة إلى الأصول المنقول فيها رواياتهم، فلا وجه لما ذكره. والمسألة محل إشكال، وإن كان الأرجح كونه على الفور; لذلك التسالم بين فقهاء المسلمين، وللشك في إطلاق الصحيحة، فتأمل.
647 مسألة في مسقطات خيار الرؤية يسقط هذا الخيار بناء على فوريته، بترك المبادرة عرفا بعد الرؤية، دون البناء على التراخي، وفي التعبير ب «السقوط» مسامحة. وبإسقاطه منجزا قولا أو فعلا بعد الرؤية، وقبلها على نحو التعليق أو التوقيت بما بعد الرؤية، بناء على ثبوته بعدها. وفي إسقاطه بالتصرف والفعل قبلها على هذا البناء، إشكال، بل منع على ما تقدم (1) في بعض الخيارات. وأما الإسقاط جزما وفعلا قبل الرؤية، فصحته تتوقف على ثبوت الخيار واقعا من حين العقد، ولا إشكال في ثبوته كذلك بناء على كون المستند فيه تخلف الشرط، أو الوصف، أو دليل نفي الضرر، على كلام فيه. وأما بناء على كون المستند صحيحة جميل (2) كما هو الحق، فالمحتمل فيها كثير، ككون الرؤية مأخوذة على نعت الصفتية تمام الموضوع، أو بعضه، أو على نحو الطريقية الخاصة كذلك، أو على نحو الطريقية بلا قيد كذلك،
1 - تقدم في الصفحة 352. 2 - تقدم في الصفحة 632. 649 ولوازم الاحتمالات تظهر بالتأمل، هذا بحسب الثبوت. لكن المتفاهم منها ولو بمعونة المناسبات العرفية، هو كونها طريقا محضا، والحكم مترتب على تخلف الواقع عما اعتقده، أو وصف له، ولازمه ثبوت الخيار من حين العقد. ويمكن تقريب ذلك: بأن ما أخذ في السؤال فيها - من دخوله فيها مرارا، ومن تقليبها بعد الشراء، واستقالة صاحبه - كلها ظاهر في أن المشاهدة السابقة والتقليب اللاحق، إنما كانت لأجل الكشف عن حالها، ولما تبين أن الضيعة كانت بحسب الواقع مخالفة لما اعتقده استقاله، وليس في شئ منها شبهة موضوعية أصلا. وكذا الحال في قوله (عليه السلام) في الجواب: «إنه لو قلب منها، ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة» ضرورة أن التقليب والنظر لا موضوعية لهما، بل أخذا طريقا إلى كشف حالها. والمراد من «لم يرها» في قوله (عليه السلام): «بقي منها قطعة ولم يرها» مقابل النظر والتقليب، وكأنه استدراك منهما، فلم تؤخذ الرؤية إلا بنحو الكاشفية; أي لم يكن منكشفا له حال القطعة. وقوله (عليه السلام): «لكان له خيار الرؤية» ظاهر في ترتب الحكم على عدمها، وعدم كشف حال القطعة مع كونها مخالفة لما اعتقده; أي له خيار رؤيتها على خلاف ما اعتقده، وبعد كون جميع تلك العناوين مأخوذة على نحو الطريقية، تحمل الرؤية على الطريقية; لوحدة السياق. مضافا إلى عدم التناسب بين الخيار والرؤية، وإنما التناسب العقلائي بينه وبين تخلف الواقع، كما في سائر الخيارات المناسبة لهذا الخيار، ولا سيما مع كون الرؤية ونحوها لها سمة الطريقية، وأخذها على نحو الموضوعية يحتاج
650 إلى مؤونة زائدة وقرينة. فلو قال: «إذا رأى الضيعة على خلاف ما اعتقده، كان له الخيار» لما شك العرف في أن الحكم، مترتب على نفس المخالفة، ولا ينقدح في الأذهان الموضوعية. فالحق: ثبوته من حين العقد، فيصح إسقاطه فعلا أو قولا قبل الرؤية. نعم، في صحة الإسقاط حقيقة وتنجيزا، مع احتمال عدم ثبوته، كلام. حكم شرط سقوط الخيار في ضمن العقد ولو شرط سقوطه في ضمن العقد، ففيه وجوه: رابعها: التفصيل بين الموارد، كما سنشير إليه (1). ويمكن أن يستدل للفساد والإفساد بأمور: منها - وهو العمدة -: أن الغرر إنما يرفع في الكليات بصرف التوصيف، فلو باع عبدا كليا بلا وصف، فهو مجهول وغرر، ولو وصفه بما هو المرغوب فيه عند العقلاء، ودخيل في ماليته، يرفع الغرر به. وأما الأعيان الخارجية، فرفع الغرر فيها بالعلم بتحقق الأوصاف، وعدم تحققها، وإنما يرفع الغرر بالإخبار عن تحقق الأوصاف إذا أفاد الوثوق; لكونه بمنزلة العلم. ولما كان توصيف المبيع الخارجي في ضمن الجملة الإنشائية، يرجع إلى الإخبار بالوصف، يرفع الغرر به; إذ من الواضح أن الجملة الوصفية الناقصة، وإن لم تتصف بالصدق والكذب، إلا أنها إذا اندرجت في ضمن الجملة التامة،
1 - يأتي في الصفحة 654 - 655. 651 خرجت من النقص إلى التمام. فجملة «غلام زيد» أو «العبد الكاتب» غير محتملة للصدق والكذب، لكن إذا قيل: «رأيت غلام زيد» أو «العبد الكاتب» خرجت من النقص إلى التمام، واتصفت بالصدق والكذب; فإن قوله هذا ينحل إلى الإخبار برؤية الغلام، والإخبار بأنه غلام زيد، وكذا أشباههما. وكذا فيما لو كانت الناقصة من متعلقات الجملة الإنشائية، كقوله: «أكرم زيدا العادل» فإنه إخبار ضمني بعدالته، فكأنه قال: «أكرم زيدا، وهو عادل» فلو لم يكن كذلك كان كاذبا. فتوصيف المبيع الشخصي في الجملة الإنشائية التامة، إخبار بوجود الأوصاف فيه، ولهذا يرفع الغرر به لو حصل الوثوق من إخباره، ولو لم يكن التوصيف إخبارا، فلا معنى لحصول الوثوق بالواقع من توصيفه; فإن نفس ذلك لا يحكي عن الواقع، هذا لو قلنا: بأن الغرر هو الجهالة. وأما لو قلنا: بأنه البيع مجازفة، فالخروج عن الجزاف لا يكون بمحض التوصيف أيضا، بل لكونه إخبارا عن الواقع المحقق. هل الإخبار بالوصف ينافي شرط سقوط الخيار أم لا؟ ولو قلنا: بأن إخبار البائع موجب لرفع الغرر تعبدا، ولصحة البيع كذلك; بمعنى أنه يصح الاتكال على إخباره، لا بد من إرجاع التوصيف إلى الإخبار أيضا، حتى يصح الاتكال عليه. فعلى هذا: لا بد من ملاحظة التنافي بين هذا الإخبار، وشرط سقوط الخيار. فنقول: إن رجع شرط السقوط، إلى شرط سقوط الخيار المحقق، فلا
652 إشكال في التنافي; ضرورة منافاة الإخبار بوجود الوصف، مع شرط سقوط الخيار الموجود، الراجع إلى الإخبار بوجود الخيار، ولازمه الإخبار بتخلف الوصف، فالإخبار بوجود الوصف وعدمه متناقضان. وأما لو رجع إلى سقوطه على فرض تحققه، كما هو المفروض في المقام، فلا تنافي بين القضيتين في غير مثل المقام; ضرورة عدم مخالفة الإخبار بوجود شئ تنجيزا، للإخبار بأمر آخر على فرض عدم وجود هذا الشئ، كقوله: «الشمس طالعة» وقوله: «لو لم تكن طالعة فالليل موجود». وكذا الحال في قوله: «بعتك العبد الكاتب» وقوله: «لو لم يكن كاتبا فليس لك الخيار» أو «ليس لك ذلك لو تخلف الوصف» فإنه لا معنى للتنافي بين الجملة الوصفية، الراجعة إلى الإخبار بوجود الوصف، وبين الجملة التي مفادها نفي الخيار، ولازمها نفيه على فرض عدم الوصف، هذا بحسب حكم العقل الناظر إلى نفس الجمل. وأما بحسب النظر العقلائي في المقام، فلما كان اشتراط عدم الخيار; للاحتياط على حفظ البيع عن الفسخ بالخيار أحيانا، وهو ملازم لاحتمال تخلف الوصف - إذ مع القطع بعدم تخلفه يكون الاشتراط لغوا، إلا في بعض الفروض النادرة المغفول عنها، كاشتراطه لغرض آخر، مثل خوف إنكار المشتري الاتصاف، وحصول النزاع بينهما، وهو خارج عن محط البحث - كان اشتراط عدم الخيار الذي لا يكون إلا في فرض احتمال تخلف الوصف، مخالفا مع الإخبار جزما عن وجوده. فالتنافي إنما يكون بين التوصيف الملازم للإخبار جزما بوجود الوصف، فيما إذا كان المبيع الأعيان الخارجية - كما هو المفروض - وبين احتمال عدم الوصف اللازم من اشتراط سقوط الخيار.
653 إلا أن يقال: إن ذلك كذلك لو كان الإخبار عن يقين، وأما إذا كان عن اطمئنان بالوصف ووثوق به فلا; لأن الإخبار كذلك صحيح، ومع ذلك لا ينافي الاحتمال الضعيف الذي لا يعتنى به، فاشتراط سقوطه لسد هذا الاحتمال. كما أن الغرر أيضا، مدفوع مع الاطمئنان بوجود الوصف الحاصل من إخبار البائع، ولا يعتبر فيه اليقين بوجوده. لكن هذا لا يدفع الإشكال في غالب الموارد، بل يختص بما إذا كان البائع المخبر بوجود الصفة، شخصا يطمأن به ويوثق به; من حيث الاجتناب عن الكذب. فحينئذ مع اشتراطه سقوط الخيار، يحمل إخباره على الإخبار الاطمئناني، واشتراطه لسد الاحتمال الضعيف، فيندفع الغرر لأجل إخباره الموثوق به. وأما في غير هذا المورد النادر فلا; لأنا لو فرضنا اتكال العقلاء على إخبار البائع غير المتهم بالكذب، وقلنا: بأنه كاف في رفع الغرر، لا نسلم اتكالهم على قول من أخبر وأظهر الاحتمال المخالف له، بل يكفي الشك في اتكالهم عليه. وأما الروايات الواردة في الكيل، وجواز الاتكال على كيل البائع وإخباره (1)، فهي لا تشمل مثل المفروض حتى في موردها، فضلا عن هذا المقام. وما دل على النهي عن البيع مجازفة في باب المكيل، لو قلنا: بأن المستفاد منه، أن الميزان في باب رفع الغرر، ألا يكون البيع مجازفة، لا يفيد في المقام; إذ يشكل خروجه عن المجازفة; فيما إذا أظهر البائع الترديد في إخباره، أو كان لازم قوله ذلك، وما تقدم في إخبار الثقة المطمأن به، لا وقع له في غيره. فتحصل مما ذكر: التفصيل بين ما إذا كان البائع ثقة مورد اطمئنان المشتري
1 - وسائل الشيعة 17: 343، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5. 654 وغيره، فيكون تفصيلا في المسألة، أوسع من تفصيل الشيخ الأعظم (قدس سره)، حيث فصل بين ما إذا كان الغرر، مدفوعا بتوصيف البائع، وبين غيره (1). ومما ذكرنا يظهر النظر في كلمات كثير منهم، حيث يظهر منها أن الغرر مدفوع بصرف التوصيف، أو بصرف الالتزام، ثم دفعوا التنافي على طبق هذه المزعمة (2). وقد مر: أن نفس التوصيف والالتزام، لا يدفعان الغرر إلا بلازمهما، وهو الإخبار بالواقعة، وقد عرفت حال الإخبار والتنافي في المقام (3). ومنها: ما استدل به الشيخ الأعظم (قدس سره)، وهو أن رفع الغرر لأجل سبب الخيار، وهو اشتراط تلك الأوصاف، المنحل إلى ارتباط الالتزام العقدي بوجود هذه الصفات; لأنها إما شروط للبيع، أو قيود للمبيع، واشتراط سقوط الخيار، راجع إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك الأوصاف وعدمها، والتنافي بين الأمرين واضح انتهى (4). وفي قوله احتمالات: منها: وهو الظاهر من اللفظ، أن الالتزام العقدي، مشروط بوجود الصفات ومعلق عليه، سواء رجع التوصيف إلى كونه شرطا للبيع، فيرجع قوله: «بعتك العبد الكاتب» إلى «بعتك العبد مشروطا بأنه كاتب» أو قيدا للمبيع، فيكون المراد «بعتك العبد الذي هو كاتب» أي إذا كان كاتبا.
1 - المكاسب: 251 / السطر 27. 2 - جواهر الكلام 23: 96، المكاسب: 251 / السطر 7، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 60 / السطر 32، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 90 / السطر 35. 3 - تقدم في الصفحة 652. 4 - المكاسب: 251 / السطر 19. 655 ويؤكد هذا الظاهر قوله: اشتراط سقوط الخيار، راجع إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك الأوصاف وعدمها. ولازم هذا الاحتمال، بعد الغض عن بطلان العقد كذلك، وبعد التزامه (قدس سره) بالصحة، هو بطلان العقد إذا تخلف الوصف، فيرجع شرط سقوط الخيار، إلى شرطه في العقد الباطل، وهو باطل لذلك، لا لما أفاده. مضافا إلى عدم صحة التفصيل الآتي في كلامه: من صحة العقد والشرط إذا اندفع الغرر بأمر آخر، كالمشاهدة ونحوها (1); فإنه مع عدم حصول المعلق عليه، باطل ولو لم يكن غرريا. ومنها: أن يكون المراد بالارتباط فيما إذا كان قيدا في المبيع، أن متعلق البيع هو المشروط والشرط معا; بحيث يكون التقيد أو القيد جزء للمبيع. ويرد عليه: - مضافا إلى ما تقدم - أن الأوصاف ليست جزء، ولهذا لا يقسط عليها الثمن. ومنها: وهو الأظهر، بل لعله المتعين بحسب مسلكه، أن المراد بالارتباط، كون الالتزام في ضمن الالتزام، بناء على رجوعه إلى الشرط في البيع، والالتزام بكون المبيع كذلك، بناء على كونه قيدا للمبيع. ويؤكد هذا قوله الآتي: إن البائع يتعهد بوجودها في المبيع، والمشتري يعتمد على هذا التعهد (2). وعلى هذا الاحتمال فالجواب عنه: هو أن اشتراط سقوط الخيار، لا يعقل أن يكون منافيا للالتزام بوجود الصفات; ضرورة أن الخيار - على هذا المبنى - مسبب عن تخلف الصفات الملتزم بها في العقد، فلا الالتزام في نفسه سبب له،
1 - المكاسب: 251 / السطر 27. 2 - المكاسب: 251 / السطر 23. 656 ولا فقد الصفة، بل السبب هو فقد ما التزمه وتعهد به. فحينئذ يرجع اشتراط سقوط الخيار، إلى اشتراط سقوط الخيار الآتي من قبل تخلف الصفات المتعهد بها، ولا يعقل أن يكون المسبب منافيا لسببه، ولا رجوع ما يكون مترتبا على الالتزام والتعهد إلى عدم الالتزام. بل هذا الشرط يؤيد التعهد والالتزام بوجود الصفات ويؤكدهما، لا أنه يخالفهما، وهو واضح، وهذا من غير فرق بين كون الصفات شروطا في العقد، أو كونها قيودا للمبيع. ثم لو سلمت المنافاة بين التعهدين والالتزامين كما أفاده، فلازمه بطلان هذا الشرط مطلقا; لذلك التنافي في الجعل، فلا يصح منه التفصيل بين كون الشروط رافعة للغرر، وبين كون الغرر مندفعا بالمشاهدة ونحوها، لا بالالتزام المذكور. والظاهر منه: أن في الصورة الثانية يصح الشرط والبيع، وهو كما ترى. نعم، على الفرض الأول يبطل البيع بلا إشكال، وعلى الثاني يبطل الشرط، وبطلان البيع مبني على أن الشرط الفاسد مفسد. ومما ذكرناه يظهر الإشكال في كلامه الآخر; وهو أن البائع يتعهد بوجودها في المبيع، والمشتري يعتمد على هذا التعهد، فاشتراط البائع على المشتري عدم تعهده بها، والالتزام بالعقد بدونها، ظاهر المنافاة لذلك; فإن البائع لم يشترط عدم تعهده بها، بل اشتراط عدم الخيار آت من قبل تعهده، وهو مؤيد للتعهد، لا مناف له.
657 مسألة في عدم سقوط الخيار ببذل التفاوت أو البدل لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت، وكذا غيره من الخيارات الشرعية، بل والعقلائية إلا خيار الغبن على احتمال قوي، بناء على كونه عقلائيا على ما هو التحقيق (1). وأما سائر الخيارات، فلا دليل على سقوطها بذلك. ففي الخيار المبحوث عنه الذي هو ثابت بالشرع، لا دليل على سقوطه بذلك، بل مقتضى إطلاق دليله عدم السقوط به. وأما بذل البدل، فلا يوجب السقوط مطلقا حتى في خيار الغبن، فإلزام المشتري ببذل التفاوت له، أو بذل البدل، بلا وجه. نعم، لو رضي بذلك فلا مانع منه; فإن في الأول يرجع إلى سقوط خياره في مقابل بذل التفاوت، وفي الثاني يرجع إلى فسخ الأول، وإحداث معاملة جديدة.
1 - تقدم في الصفحة 417. 659 حكم اشتراط البدل في ضمن العقد وأما اشتراط البدل في ضمن العقد، فهو على جميع أنحائه مشترك في الإشكال مع اشتراط سقوطه، فلا بد إما من البحث مع الغض عن الإشكال المتقدم (1)، أو فرض المسألة فيما هو خال عنه، كما إذا كان التوصيف عن اطمئنان، لا عن يقين، وكان البائع ممن يطمئن به المشتري، وموثوقا به عنده، وكان التعليق والاشتراط لأجل الاحتمال الضعيف. وكيف كان: فشرط ذلك على أنحاء: منها: أن يكون شرط فعل، وهو يتصور على وجهين: أحدهما: أن يشترط عليه بأنه على فرض التخلف، يبادل المبيع غير الموصوف بعين أخرى موصوفة، أو غير موصوفة، سواء كانت من سنخ المبيع، أو غيره، كتبادل العبد غير الكاتب بعبد آخر كاتب أو غيره، أو بعين أخرى كالدار مثلا. والإشكال فيه: بأنه على نحو التعليق (2)، وهو باطل، مدفوع بعدم الدليل على بطلان التعليق في غير البيع، وفي البطلان في البيع أيضا إشكال; للإشكال في تحقق الإجماع حتى فيه. كما أن الإشكال: بأن المبيع مجهول حال الشرط (3) أيضا ليس بشئ; لأنه شرط الفعل، والمبيع لا بد وألا يكون مجهولا حال إيقاع البيع، لا حال الشرط.
1 - تقدم في الصفحة 652. 2 - المكاسب: 252، أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 61 / السطر 34. 3 - المكاسب: 252 / السطر 5، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 92 / السطر 16. 660 والعمدة هو الإشكال: بأن الشرط غرري (1); فإنه معلق على أمر لم يعلم تحققه، وهو غرر. فعلى القول: بجريان الغرر في الشروط; لما قيل: من أنه «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغرر» وقد تمسك به شيخ الطائفة (قدس سره) في مسائل «الخلاف» في غير موضع (2)، فاللازم بطلانه بناء على كون «الغرر» في الحديث بمعنى الجهالة أو الخطر. وأما إن قلنا: بأن الأقرب في مفاد الحديث، هو النهي عن الخدعة، مع ضعفه، وعدم الجابر له، فلا إشكال من هذه الجهة أيضا. وثانيهما: أن يشترط بيع العبد الكاتب مثلا، بثمن العبد غير الكاتب، إذا تخلف الوصف. وهل هذا يرجع إلى شرطين، أحدهما: شرط انحلال العقد، وثانيهما: شرط البيع الجديد؟ أو هو شرط واحد، وهو شرط البيع الجديد، لكن العمل به يتوقف على تحصيل الثمن بالفسخ أو بالإقالة، فدليل وجوب الوفاء بالشرط، يلزمه بتحصيل مقدماته مع الإمكان، فإن كان البيع خياريا، وجب عليه الفسخ للعمل بالشرط، وإلا وجبت عليه الإقالة لو طالب بها المشروط له؟ الظاهر ذلك; لما يأتي الكلام فيه (3). ولا يخفى: أن المشروط له، تارة يكون هو البائع، وأخرى المشتري، ويفترقان في بعض الأمور.
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 61 / السطر 35. 2 - الخلاف (طبع إسماعيليان النجفي) 2: 135، كتاب الضمان، المسألة 13 و: 139 و 140، كتاب الشركة، المسألة 5 و 6. 3 - أنظر ما يأتي في الصفحة 665. 661 ويرد على هذا الشرط إشكالات، عمدتها بطلانه من جهة أن العمل به غير مقدور; فإن الشرط لما كان في ضمن البيع، فبانحلاله ينحل الشرط، ومعه لا معنى للعمل به، فقبل انحلال البيع لا محل للعمل بالشرط، وبعده لا شرط حتى يعمل به. وقد يقال: إن الشرط في أصل انعقاده، لا يكون إلا في ضمن البيع إذا كان التزاما في التزام. وأما انحلاله بانحلال العقد فتابع لأمر آخر; وهو كون متعلقه بمنزلة الضميمة لأحد العوضين، دون ما إذا كان أجنبيا عنهما، وإنما أتي به في ضمن العقد تحقيقا لعنوانه، وفيما نحن فيه يكون الشرط بمنزلة الأجنبي، فلا ينحل بانحلال العقد (1). وفيه ما لا يخفى; فإنه مع الاعتراف بأن حقيقة الشرط، لا تتحقق إلا في ضمن العقد، وأن ماهيته التزام في التزام، فلا معنى لاستقلاله في وجوده البقائي; إذ يلزم منه كونه مختلف الحقيقة في الوجود الحدوثي والبقائي. فمن يرى أن الشرط قابل للاستقلال، لا معنى لالتزامه بكونه التزاما في التزام، كما أن من يرى ذلك، لا يمكنه الالتزام باستقلاله بقاء. واحتمال كون وجوده الحدوثي، كافيا في وجوب الوفاء به ولو بعد الانحلال أضعف; لأن بقاء الحكم مع انحلال الموضوع، لا معنى له، وهذا مثل أن يقال: «يجب الوفاء بالعقد ولو بعد فسخه وانحلاله» ولهذا لم يلتزمه القائل، وإنما التزم باستقلاله في البقاء، وهو كما ترى. ومنها: شرط النتيجة، وهو أيضا يتصور على نحوين:
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 92 / السطر 25. 662 الأول: أن يشترطا كون العين، بدلا عن عين أخرى إذا تخلف الوصف. وقد يورد عليه زائدا عما ورد على النحو الأول المتقدم: بأن دليل الشرط لا يفي لإثبات شرط النتيجة، كما أشار إليه الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) في الاحتمال الآتي. وفيه: أنه قد مر سالفا إطلاق دليله له، وإمكان الجمع بين شرط الفعل وشرط النتيجة بلفظ واحد، وأنه ورد في أخبار كثيرة التمسك بعموم دليل الشرط; لإثبات شرط النتيجة، كما ورد التمسك به لإثبات شرط الفعل (2)، فلا إشكال من هذه الجهة. والعمدة في المقام أيضا، إشكال غررية الشرط، لو قلنا: بعموم دليل الغرر للشروط. الثاني: أن يشترطا صيرورة العين بدلا عن الثمن، وهذا يقع على وجوه: أحدها: الاشتراط في ضمن العقد; بأن يشترطا انفساخ العقد إذا تخلف الوصف، وصيرورة العين الكذائية بعد الانفساخ، بدلا من الثمن; بمعنى اشتراط الشرطين في متن العقد بنحو الترتب. وهذا لا إشكال فيه إلا الإشكالات المشتركة، وقد مر أن العمدة هو بطلان الشرط الثاني، وعدم إمكان نفوذه; لانحلال الشرط بانحلال البيع بالشرط الأول، فيقع الشرط الثاني باطلا (3). ثانيها: اشتراط الأمرين في عرض واحد، معلقا على تخلف الوصف; بأن
1 - المكاسب: 252 / السطر 4. 2 - تقدم في الصفحة 155. 3 - تقدم في الصفحة 661 - 662. 663 يشترطا الانفساخ والتبادل، مترتبا على تخلفه. ويرد عليه زائدا على ما تقدم: أن التبادل في عرض الانفساخ، غير معقول، كما أن ترتب التبادل على التخلف غير معقول; فإنه لا بد وأن يقع بين الثمن المنتقل إلى المشتري والعين، وهو متأخر عن الانفساخ المتأخر عن تخلف الوصف، فترتب التبادل على تخلف الوصف، غير معقول، وهذان الاحتمالان لم يكونا مفروضين في كلامهم. ثالثها: اشتراط كون الثمن بدلا عن العين الموصوفة مثلا، إذا تخلف الوصف. ويرد عليه مضافا إلى ما تقدم: أن هذا الشرط باطل; فإن الثمن والمثمن ملك للبائع، فلا يعقل التبادل بينهما. وقد يتخلص منه: بأن شرط التبادل بينهما ينحل إلى شرطين، أحدهما: ذلك، وثانيهما: شرط انفساخ العقد (1). وفيه: أنه لا يعقل أن ينحل الشئ إلى نفسه وغيره، والمفروض أن الشرط ليس إلا التبادل بينهما، فكيف ينحل هذا إلى نفسه وغيره، ولا سيما مع كون غيره متقدما عليه رتبة، كما أشرنا إليه؟! وقد يقال: إن هذا الشرط، لا بد وأن يتضمن لشرط الانفساخ حتى يقع صحيحا (2). وفيه: أن المفروض اشتراط التبادل، ومن المعلوم عدم تضمنه لشرط آخر.
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 93 / السطر 5. 2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 93 / السطر 5. 664 بل لا يعقل أن يكون الشرط المذكور متضمنا له; فإن الاشتراط من الأفعال الاختيارية للشارط، ويحتاج إلى مقدمات مستقلة نحو المقدمات التي في اشتراط التبادل، ولا يعقل أن يكون هذا الاشتراط في ضمن اشتراط آخر، فالقول: بلا بدية تضمنه له، لا يرجع إلى محصل. ومنه يتضح بطلان القول: بأن شرط التبادل مستلزم لشرط الانفساخ، نظير ما قالوا في وجوب المقدمة: من أن وجوب ذيها مستلزم لوجوبها. وقد أبطلناه في محله (1); فإن استلزام أمر لأمر اختياري - بحيث يترتب الفعل الاختياري عليه - غير معقول; فإن كل فعل اختياري، متوقف على مقدمات خاصة به، لا يعقل تحققه إلا بها. ولو قيل: إن وجوب الوفاء بالشرط المذكور في العقد، متوقف على انفساخه، فوجوبه يوجب انفساخه. يقال: إن وجوب الوفاء به، متوقف على الانفساخ; لأنه مع عدمه لا يعقل التبادل، فلو كان الانفساخ مترتبا على وجوبه كان محالا; للدور الواضح. هذا مضافا إلى أنه لم يدل دليل على صحة هذا الشرط حتى نتشبث لتوجيهه، بل الظاهر وقوعه باطلا. ولو قيل: إن الشرط مبني عند المتعاملين على انفساخ العقد ليصح ذلك. يقال: مجرد بنائهما لا يوجب الانفساخ; فإنه أمر تسبيبي، محتاج إلى سبب وجعل، والفرض أن الشرط في المقام ليس إلا أمرا واحدا; هو كون الثمن بدلا من العين، ومجرد توقف ذلك على ملكية المشتري للثمن، لا يوجب تحقق
1 - مناهج الوصول 1: 323 و 410، تهذيب الأصول 1: 199 و 278. 665 شرط الانفساخ القائم مقام سببه. والحق: أن هذا الشرط باطل لوجوه، عمدتها الوجهان المشار إليهما. سقوط خيار الرؤية بالاشتراط المذكور ثم إن الظاهر سقوط خيار الرؤية بالاشتراط المذكور على وجوهه المتقدمة; فإن لازمه الالتزام بالعقد الخياري - بعد فرض خياريته - زائدا على الالتزام العقدي، فإنه بعد فرض تخلف الوصف الموجب للخيار، التزم بالعقد، وشرط التبادل فعلا أو نتيجة. وإن شئت قلت: قد أعرض المشتري عن خياره، من غير فرق في ذلك بين وقوع الشرط صحيحا أم لا، ومن غير فرق بين الوجوه المتقدمة حتى فيما لو شرط الانفساخ; فإن هذا تمسك بدليل الشرط للانفساخ، وإعراض عن حق فسخه. وأما دعوى: أن هذه المعاملة بشرطها لا تكون ضررية، فلا تكون مشمولة لدليل نفي الضرر (1) فغير وجيهة; لأن دليل الخيار هاهنا ليس إلا صحيحة جميل (2) وهو خيار تعبدي. ولو فرض كون الحكمة فيه هو الضرر، لم يوجب ذلك أن يكون المدار عليه نفيا وإثباتا.
1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 50 / السطر 10 و 14، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 92 / السطر 8 و 18. 2 - تقدم في الصفحة 632. 666 مسألة في اختصاص خيار الرؤية بالبيع يشكل ثبوت خيار الرؤية في غير البيع كالإجارة والصلح ونحوهما; لكونه تعبديا، واختصاص دليله وهو صحيحة جميل (1) بالبيع، فيشكل إلغاء الخصوصية، وإجراؤه في غيره، فعموم أدلة اللزوم في غير البيع محكم. نعم، لو كان سببه التعهد بوجود الوصف; توصيفا أو اشتراطا في ضمن المعاملة، لا ينبغي الإشكال في عدم اختصاص خيار تخلفهما بالبيع; فإنه أمر عقلائي مترتب على تخلف الشرط أو الوصف، لكنه خارج عن خيار الرؤية. والخلط بين خيار الرؤية وخيار تخلف الشرط أو الوصف، صار موجبا لما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في الاستدلال على عدم اللزوم (2); فإن ما ذكره تقريب لثبوت خيار التخلف، وإن كان في صحته إشكال.
1 - تقدم في الصفحة 632. 2 - المكاسب: 252 / السطر 12. 667 مسألة في اختلاف المتبايعين وله صور نذكر مهماتها: منها: اختلافهما في توصيف المبيع وعدمه أو في تعهد البائع بوجود الوصف في ضمن العقد وعدمه، فادعى المشتري ذلك، وأنكره البائع. وليعلم أولا: أنه لو قلنا بأن الاعتبار في تشخيص المدعي والمنكر، بما تنتهي إليه دعواهما، وهو في المقام ثبوت الخيار وعدمه، وقلنا: بأن تمام الدعاوي المتصورة في المقام، ترجع إلى دعوى ثبوته، لكان المدعي في المقام هو المشتري بلا إشكال; لكونه كذلك عرفا، والمرجع في تشخيصهما هو العرف، كما في سائر الموضوعات المترتبة عليها الأحكام. كما أنه مع الإغماض عن التشخيص العرفي، والاتكال في تشخيصهما على الأصل، يمكن التمسك في المقام باستصحاب اللزوم الذي هو مع البائع، فيكون مدعي خلافه - وهو المشتري - مدعيا.
669 نعم، لا تجري أصالة عدم الخيار في البيع; لعدم الحالة السابقة على فرض، والمثبتية على آخر. ولو قلنا: بأن الاعتبار في تشخيصهما بمحط الدعوى، وليس للقاضي إرجاعها إلى أمر آخر إذا كان لدعواهما أثر - ولو بلوازمها على فرض قيام البينة، أو لوازم الحكم الصادر منه - كان اللازم حينئذ النظر في موارد اختلافهما، منها ما تقدم ذكره; من الاختلاف في أصل التوصيف والتعهد. فعلى فرض كون المرجع في تشخيصهما هو العرف، لا إشكال في أن المشتري مدع. وأما بناء على الاتكال على الأصول، فيمكن التفصيل على حسب اختلاف أنحاء طرح الدعوى. فإن قال المشتري: «إن البائع قال: بعتك هذا العبد الكاتب، وأنا قلت: قبلت بيع هذا العبد الكاتب» يمكن أن يقال إنهما يتوافقان في بيع العبد في زمان، ويختلفان في توصيفه، فبيع العبد إيجابا وقبولا، ثابت في زمان متقدم، كما أن عدم توصيفه متيقن في حال، ويشك في توصيفه، فيصح أن يقال: إن توصيف المبيع في هذا البيع الخارجي، مسبوق بالعدم، والأصل عدم توصيفه. وعليه فيكون المشتري مدعيا; لأن قوله مخالف للاستصحاب، مع الغض عن بعض الإشكالات. وأولى بذلك لو كانت الدعوى تعهده في ضمن البيع، إذا كان القبول أيضا على نعت التفصيل كما تقدم. وإن قال المشتري: «إن البائع قال: بعتك الكاتب» مريدا به الموجود الخارجي الموصوف، وقال البائع: «بل قلت: بعتك هذا العبد» فلا يجري الأصل; لأن «الكاتب» وإن انحل إلى ذات ووصف على ما قيل، لكن لا يكون هذا
670 الانحلال، موجبا لتعلق البيع بالذات في زمان متقدم قبل تعلقه بالموصوف حتى يجري الأصل. بل الانحلال عقلائي أو عقلي، من غير أن يكون الإنشاء أو المنشأ، تدريجي الوجود خارجا، فيكون المورد حينئذ من التداعي مع الغض عن حكم العرف; لأن كلا منهما يدعي أمرا مغايرا للآخر، وإن اتفقا في التعلق بالعبد الخارجي، كما هو المفروض. ثم إن في الفرض الأول، لو قال المشتري: «أنا قلت: قبلت» من غير ذكر «العبد» و «الكاتب» يشكل إجراء الأصل; لأن عنوان «البيع» وإن وجد بإنشاء البائع، وهو على نعت التفصيل، لكن لا يترتب عليه الأثر إلا بعد ضم القبول. فموضوع الأثر هو الإيجاب والقبول، والمنشأ المترتب عليه الأثر، لا يكون موجودا في زمان مع عدم النعت، وانحلال القبول إلى قبول البيع والتوصيف، لا يوجب حصول التقدم الزماني لقبول أصل البيع قبل قبول التوصيف، حتى يجري الأصل بالنسبة إلى التوصيف. فعدم التوصيف في البيع المؤثر، ليست له حالة سابقة حتى تستصحب، وعدم التوصيف في الإيجاب لا أثر له، فتدبر. ولو اتفقا في التوصيف، واختلفا في وجود الوصف المذكور حال البيع فلا أصل في محط الاختلاف لتشخيص المنكر، سواء أحرز الاتصاف به قبل البيع، أو أحرز عدم اتصافه كذلك، أم لم تحرز الحالة السابقة; فإن استصحاب كونه موصوفا إلى حال البيع، لا يثبت تعلقه بالموصوف إلا على القول بالأصل المثبت، وليس المورد من موارد إحراز الموضوع بالأصل والوجدان، كما هو ظاهر، ومنه يتضح ما إذا كان مسبوقا بالعدم. ومع عدم العلم بالحالة السابقة، فأصالة عدم تعلق العقد بالعين
671 الملحوظ فيها الوصف الموجود - كأصالة عدم تعلقه بمقابله - مما لا مجرى لها; فإن السلب البسيط المحصل الأعم من سلب الموضوع، وإن كانت له حالة سابقة، لكنه ليس موضوعا لحكم، واستصحابه لإثبات قسم منه الذي هو موضوع مثبت، والسلب الخاص - أي السلب عن الموضوع المحقق - ليست له حالة سابقة. فقول الشيخ الأعظم (قدس سره) في المقام: إن اللزوم من أحكام تعلق البيع بالعين الملحوظة فيها الصفات الموجودة، والأصل عدمه (1) مخدوش بأن ما هو موضوع الحكم، ليس عدم التعلق أعم من عدم البيع والبائع، بل والشرع الأقدس، بل الموضوع عدم تعلق البيع المحقق بالعين الكذائية، وليست له حالة سابقة، واستصحاب العدم الأزلي لإثباته مثبت. بل عدم اللزوم بمعنى خيارية البيع، ليس من أحكام عدم تعلق البيع بالوصف الموجود، بل من أحكام تعلقه بالوصف المفقود. ويمكن الإشكال فيه أيضا: بأنه ليس من أحكام ذلك، بل من أحكام تخلف الوصف عما وصفه; فإنه خيار تخلف الوصف عند العقلاء، فموضوعه تخلفه، لا عدمه. نعم، مع العلم بعدمه يعلم تخلفه; للتلازم، وأما الأصل الشرعي فلا يمكن إثبات اللازم والملازم به. ومما ذكرناه يتضح حال سائر الاختلافات المتصورة في المقام; كالاختلاف في كون المبيع موافقا لما اعتقده المشتري من الأوصاف، أو مخالفا له فيما هو ممحض في خيار الرؤية، وكالاختلاف في كون فقد الوصف من حال البيع، أو
1 - المكاسب: 252 / السطر 22. 672 طارئا بعده، بعد الاتفاق في فقدانه فعلا... إلى غير ذلك. ثم لو قلنا: بأن الاعتبار في تشخيص المدعي والمنكر بمصب الدعوى، ولم يكن لواحد منهما أصل يتكل عليه، وأغمضنا عن تشخيص العرف وسائر الموازين، كان المورد من موارد التداعي. وأما التمسك بأصالة اللزوم أي الاستصحاب، فلا وقع له; لأن الميزان في التشخيص هو الأصل الجاري في مصب الدعوى، واستصحاب بقاء العقد أو آثاره، أجنبي عما هو محط الدعوى.
673 مسألة في حكم شراء شئ بعضه موجود وبعضه معدوم ومن الفروع التي تتفرع على خيار الرؤية: أنه لو اشترى شيئا بعضه موجود، وبعضه معدوم، كالثوب الذي نسج بعضه، وقد رأى ما نسج، واعتقد أن الباقي يوجد كما نسج بحسب الأوصاف، أو اشتراه على ذلك. فهل هو صحيح أم لا؟ وعلى فرض صحته، هل له فيه خيار الرؤية أم لا؟ وعلى فرض ثبوته، هل هو ثابت له كسائر موارد خيارها أم لا؟ هذا هو الفرع الذي يناسب خيار الرؤية، وينبغي أن يقع البحث فيه. وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) من الوجوه في تصحيح البيع، فهي وإن كانت صحيحة، لكنها لا تناسب المقام، ولا سيما ما فرض فيه بيع الكلي. ثم إنه لا إشكال في بطلان البيع المذكور بالنسبة إلى المعدوم; ضرورة أن المعدوم لا تعقل الإشارة إليه، فضلا عن صيرورته طرف الإضافة، حقيقية كانت، أم اعتبارية. وتوهم: أنه لا مانع عرفا من كون العدم، طرفا للإضافة الاعتبارية، بل
1 - المكاسب: 252 / السطر 26. 675 هو واقع في الشرع، كما في بيع الثمار زائدا عن سنة واحدة، وبيع الخضروات بالنسبة إلى اللقطات المتأخرة ونحوها، بل نقل المنفعة المعدومة بالإجارة، والوقف للمعدوم، والوصية للمعدوم وبالمعدوم (1). فاسد; لأن ما توهمه العرف من كونه معدوما، والمعدوم في حال عدمه محكوما عليه بحكم كذا، ليس معدوما، بل موجود في أذهانهم، والمحكوم عليه هو الوجود الحاضر في الأذهان، من غير إمكان أن يكون كاشفا عن العدم; لعدم إمكان كونه كاشفا، أو مكشوفا، أو محكوما عليه بحكم ثبوتي، أو قابلا لإشارة، أو تصور، أو تصديق. وليس حكم العرف هاهنا، كحكمه بأن الدم الموجود في الثوب لون، على خلاف حكم العقل بأنه جوهر موجود فيه، لا عرض منتقل عن محله إلى محل آخر; فإن ما في الثوب قابل للحكم عليه بأنه لون، أو جوهر طاهر، أو نجس، وإن اختلف العرف والعقل فيه، وأما المعدوم فلا يعقل تعلق حكم به، ولا كونه موردا للاعتبار، والإضافة، والنقل، بل كل ما يقال فيه توهمات غير مربوطة به. فكما لا يعقل ثبوت حكم له عقلا، لا يعقل ثبوته له عرفا، وحل شبهة أن المعدوم المطلق لا يخبر عنه، مع أن هذا إخبار عنه، على عهدة محلها (2). كما أن توهم: الفرق بين المعدوم المطلق والمضاف فاسد، ناشئ من اشتباه المضاف والمضاف إليه. وأما ما توهم: من وقوعه في الشرع فهو فاسد جدا; لأن غير المعقول
1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 94 / السطر 25. 2 - الحكمة المتعالية 1: 347، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 51. 676 لا يعقل وقوعه، بل كلها قابلة للتصحيح، فبيع الثمار بالنسبة إلى السنين المتأخرة، من قبيل ضم الكلي إلى الجزئي الموجود; فإن «ثمرة السنة الكذائية» عنوان كلي لا ينطبق إلا على مصداق واحد، كالكوكب الفاعل للنهار. وهكذا الحال في بيع الخضروات، وسائر الأشباه والنظائر، والوقف على الطبقات المتأخرة في الوجود، وقف على العناوين، كالوقف على السادة، وإنما تنطبق على الخارج بعد وجود المصاديق. ولو قلنا: بأن الإجارة نقل المنفعة، يرجع إلى نقل كلي لا ينطبق إلا على المنفعة المتدرجة الوجود. وبالجملة: لا يعقل توجيه الأمر المحال، فلا بد من التصحيح بنحو كما ذكرنا، أو من التأويل، أو الحمل على التعبد المحض، من دون أن يكون الحكم للمعدوم، هذا هو الوجه في بطلان بيع المعدوم، لا ما هو المحكي عن «المبسوط» (1)، وغيره (2). ثم لو أغمضنا عن ذلك، فإثبات خيار الرؤية فيه محل كلام; لأن ما ثبت بصحيحة جميل (3) مورده عدم رؤية أوصاف ما هو موجود، وشمولها لعدمها بعدم الموضوع، محل إشكال، بل منع، إلا أن يقال: بالغاء الخصوصية عرفا. وعلى فرض ثبوته، فلا إشكال في عدم ثبوته من حين العقد; لأن حاله لم يكن حال تخلف الوصف عما اعتقده، أو تخلفه عن التوصيف، بل يدور الأمر بين ثبوته حال الرؤية، أو حال نسج الثوب مخالفا للموجود.
1 - المبسوط 2: 77، أنظر مختلف الشيعة 5: 104. 2 - المهذب 1: 352. 3 - تقدم في الصفحة 632. 677 هذا، وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في جوار الحضرة العلوية - على مشرفها أفضل السلام وأزكى التحية - يوم الاثنين 25 / ج 1 / 1394 حامدا لله تبارك وتعالى، مصليا على رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله الطاهرين.
678 الفهارس العامة 1 - الآيات الكريمة 2 - الأحاديث الشريفة 3 - أسماء المعصومين (عليهم السلام) 4 - الأعلام 5 - الكتب الواردة في المتن 6 - الموضوعات
679 1 - فهرس الآيات الكريمة الآية رقمها الصفحة البقرة (2) ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر 185 423 وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط... 187 121 لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل 188 396، 420 فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما... 194 561 لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج 197 402 ولا تعزموا عقدة النكاح 235 25 أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح 237 25 أحل الله البيع 275 37، 38، 99، 364 آل عمران (3) أطيعوا الله 175
681 ولله على الناس حج البيت 97 191 النساء (4) لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل 29 396، 420 إلا أن تكون تجارة عن تراض 29 395 تجارة عن تراض 29 396، 420 المائدة (5) أوفوا بالعقود 1 16، 19، 24، 25، 31، 38، 41، 47، 48، 50، 71، 100، 104، 111، 119، 143، 151، 163، 183، 303، 307 يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 1 29 أحلت لكم بهيمة الأنعام 1 518 الأعراف (7) واختار موسى قومه سبعين رجلا 155 10
682 الحج (22) ما جعل عليكم في الدين من حرج 78 404 الواقعة (56) لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما 25 399 إلا قيلا سلاما سلاما 26 399
683 2 - فهرس الأحاديث الشريفة الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، وإلا فلا بيع بينهما 597 إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله 294 إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام، فأتم الصلاة 288 إذا صفق الرجل على البيع، فقد وجب وإن لم يفترقا 67 إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه، وهو يعلم أن له مالا... 381 أرأيت لو أن الدار احترقت، من مال من كانت؟! تكون الدار... 618 أردت أن يجب البيع حين افترقنا... 222، 227 أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام 288 إن أبا نيزر ورباحا، وجبيرا، أعتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين 370 إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان 422 إن بعت رجلا على شرط، فإن أتاك بمالك، وإلا... 578 إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له 575، 597، 600، 611 إن جاء فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له 577 إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن، وإلا فلا بيع له 623
684 إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيام، فهو من مال البائع 279، 294 إن دين الله أحق بالقضاء 191 إن رسول الله، عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشر مواطن... 29 إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه، وأخذ الثمن 293 إن كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها، رد معها ثلاثة... 298 إنما الصدقة لله عز وجل، فما جعل لله عز وجل فلا رجعة له فيه 388 إنه لو قلب منها، ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة... 632، 650 البيعان بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار... 15، 261، 270 البيعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر 207 البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار 121، 268 البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه 434 التاجران بالخيار 85 الخراج بالضمان 616، 617 الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي غير الحيوان... 137، 268 الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة 261، 288 رفع.... ما اكرهوا عليه 411
685 الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر 421 صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام 261، 285 صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام 260 الضمان على البائع حتى ينقضي الشرط، ويصير المبيع... 279 على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع... 399، 619 على اليد ما أخذت حتى تؤدي 57، 340، 501 العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه... 577 غبن المسترسل سحت 416 غبن المؤمن حرام 416، 420 فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما 219، 239 فإذا افترقا وجب البيع 72، 103، 212، 150، 251، 303 فإذا مضت ثلاثة أيام، فقد وجب الشراء 288 فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، وإلا... 577، 578، 606 فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام... 196، 232، 355
686 فإن تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق 414 فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق 413، 414، 420 فلما بايعته قمت فمشيت خطى، ثم رجعت إلى مجلسي; ليجب... 249 فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق 414، 415 فهما بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع 150 فهو بالخيار إذا خرج 635 في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري 255، 264 في مثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها 617 قال رسول الله: إذا التاجران صدقا بورك لهما، وإذا كذبا وخانا... 83 قال رسول الله: إن الله عز وجل أهدى إلي وإلى أمتي هدية... 422 قال رسول الله: غبن المسترسل ربا 416 قال رسول الله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام... 299 قال النبي: الإسلام يزيد ولا ينقص 560 كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر 362 كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه 615، 621 لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه 336 لا بأس بهذا، وهو على شرطه 338
687 لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو... 415 لا صلاة إلا بطهور 362 لا ضرر ولا ضرار في الإسلام 402، 403، 404، 408، 410، 414، 424، 428، 429، 431، 437، 444، 445، 447، 488، 508، 515، 557، 560، 562، 582، 593، 609 لا يحل ماله إلا بطيب نفسه 519 لا يشتري شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم... 635 لو أنه قلب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة، ثم بقي منها... 633 ما اكرهوا عليه 246 ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه 324 ما يتغابن الناس بمثله 441، 443 المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان 85، 138، 261، 262، 265 المتبايعان بالخيار فيما تبايعاه، حتى يفترقا عن رضا 218 المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا عن مكانهما 221 المسلمون عند شروطهم 155
688 من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام، ولم يجيء، فلا بيع له 586، 606 من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا... 587، 606 من اشترى محفلة فليرد معها صاعا 209 من تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق 413، 455 من شرط لامرأته شرطا فليف لها به 156 الناس في سعة ما لا يعلمون 53 الناس مسلطون على أموالهم 179، 195، 201، 364 الناس مسلطون على أنفسهم 237 الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها 379 هو تلقي الركبان لشراء السلع منهم خارجا من الأمصار... 415 ينظر في حال السلعة، فإن كان مثلها يباع بمثل ذلك الثمن... 441
689 3 - فهرس أسماء المعصومين (عليهم السلام) محمد = رسول الله = النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 29، 83، 121، 140، 207، 218، 240، 263، 264، 299، 309، 310، 413، 415، 416، 421، 422، 455، 471، 616، 661 علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين (عليه السلام) 29، 67، 156، 379، 380 أبو جعفر = الإمام الباقر (عليه السلام) 219، 222، 381، 575، 578 أبو عبد الله = جعفر بن محمد = الإمام الصادق (عليه السلام) 83، 85، 138، 240، 261، 265، 279، 298، 299، 338، 378، 379، 380، 382، 415، 416، 421، 422، 441، 576، 615،
690 617، 618، 619، 623، 632، 635 العبد الصالح = أبو إبراهيم = أبو الحسن = موسى بن جعفر = الإمام الكاظم (عليه السلام) 56، 576، 577، 586، 623 أبو الحسن الرضا (عليه السلام) 137، 264، 268 أبو جعفر الثاني = الإمام الجواد (عليه السلام) 28 الإمام الهادي (عليه السلام) 294 الأئمة (عليهم السلام) 24، 156، 558، 580، 647
691 4 - فهرس الأعلام أبو الجارود 337، 578 أبو نيزر 379، 380 ابن أبي جمهور 207 ابن أبي عمير 28، 422 ابن أبي ليلى 380 ابن إدريس 414 ابن بكر بن عياش 587، 594، 598 ابن رئاب 196، 261، 262، 295، 296، 298 ابن زهرة 313، 414 ابن سنان 29، 619 ابن عمير 207 ابن مسلم 261، 265 ابن يقطين 576، 579، 585، 587، 589، 591، 597، 599، 606، 609
692 أبو جرير 381 أبو حنيفة 239، 313 أبو العباس 380، 419 أبو العلاء 421 أحمد 646 إسحاق 355، 379، 383، 417 إسحاق بن عمار 156، 336، 378، 416، 586، 590، 598 بعض الأجلة 51، 204، 360، 403، 412، 474 بعض السادة الأجلة 410، 412 بعض الأعاظم 15، 47، 74، 148، 158، 167، 177، 179، 247، 276، 304، 318، 351، 396، 403، 425، 459، 492، 530، 545 بعض أهل التحقيق 90، 91، 98، 117، 224، 236، 275، 276، 308، 341، 345، 413، 509، 532 بعض أهل التدقيق 141 بعض المحشين 318، 449، 466، 549
693 بعض المحققين 361، 541، 643 جميل بن دراج 632، 646، 649، 667، 677 الحلبي 265، 298 الحسن بن صالح 315 الحسن بن صالح بن حي 313 الحسين بن زيد 299 الخراساني = المحقق الخراساني رباح 380 زرارة 261، 281، 575، 587، 589 زيد الشحام 635 سعيد بن يصار 337 السكوني 416، 422، 423 سمرة بن جندب 561 السيد الطباطبائي 339، 500، 626
695 640، 641، 645، 655، 663، 667، 672 شيخ الشريعة الأصفهاني 402، 403 شيخ الطائفة = الشيخ الطوسي 26، 215، 313، 328، 395، 415، 417، 444، 661 صاحب الجواهر 357، 643 صاحب الحدائق 417 صاحب الغنية 222 صاحب القاموس 84 صاحب مفتاح الكرامة 216، 315 الصدوق 222، 560، 606، 624 الصفار 294، 296، 298 الصيمري 419 الطباطبائي = السيد الطباطبائي عبد الرحمان بن أبي عبد الله 379، 382 عبد الله بن حنان 25، 299 عقبة بن خالد 615 العلامة 145، 167، 190، 216، 328،
696 384، 395، 396، 400، 412، 517، 582، 603 علي بن أسباط 137، 268 علي بن رئاب 231، 261، 262، 265، 279، 288 علي بن يقطين 576، 577، 598 عمار بن موسى 138 عمر بن حنظلة 580 عمر بن يزيد 83 عياض 380 الفخر = فخر الدين = فخر المحققين 11، 12، 248، 249، 384 الفضيل 218، 239، 249، 250، 265، 268 الكليني 623 مالك 239 المجلسي 383 المحقق = صاحب الشرائع 384، 485 المحققون 339، 541، 642 المحقق الخراساني 12، 292، 507، 515، 548
697 محمد بن أبي حمزة 623 محمد بن مسلم 85، 138، 261، 268، 382 المرتضى = السيد المرتضى معاوية بن ميسرة 337 موسى 10 نافع 207 يعقوب بن شعيب 381
698 5 - فهرس الكتب الواردة في المتن القرآن الكريم الانتصار 313، 589 الإيضاح 227 التحرير 328 تحرير الوسيلة 290 التذكرة 167، 190، 296، 321، 331، 420، 441، 571، 590، 603، 604، 610، 646 الجواهر 314، 321، 357، 643