منهاج الفقاهة (جزء 5) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهاج الفقاهة (جزء 5) - نسخه متنی

محمد صادق روحانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: منهاج الفقاهة
المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني
الجزء: 5
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: 1418 - 1376 ش
المطبعة: سپهر
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: منهاج الفقاهة التعليق علي مكاسب الشيخ الأعظم
منهاج الفقاهة
التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم
لآية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
الجزء الخامس

1
الكتاب: منهاج الفقاهة / ج 5
المؤلف آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
الطبعة: الرابعة
تاريخ النشر: 1418 ه‍ ق - 1376 ه‍ ش
المطبعة: سپهر
الكمية: 1000 نسخة
السعر: 950 تومان

2
البايع
الخيارات

3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أولانا من التفقه في الدين والهداية إلى الحق وأفضل
صلواته وأكمل تسليماته على رسوله صاحب الشريعة الخالدة وعلى آله
العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه، سيما بقية الله في الأرضين أرواح
من سواه فداه.
وبعد،
فهذا هو الجزء الخامس من كتابنا منهاج الفقاهة وقد وفقنا إلى طبعه
والمرجو من الله تعالى التوفيق لنشر بقية المجلدات فإنه ولي التوفيق.

4
مسألة: الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم، {1} فإن الظاهر
الاجماع على اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد وفي التذكرة أنه اجماع. وفي
المبسوط الاجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء ولا الطير في الهواء.
وعن الغنية أنه إنما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفظا مما
لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء والطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف

5
واستدل في التذكرة على ذلك بأنه نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر {1} وهذا غرر
والنهي هنا يوجب الفساد اجماعا على الظاهر المصرح به في موضع من الإيضاح
واشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر إرساله. أما كون ما نحن فيه غررا فهو
الظاهر من كلمات كثير



(1) الوسائل - باب 40 - من أبواب آداب التجارة حديث 3 - والمستدرك باب 31 من أبواب آداب التجارة حديث 1 -
الدعائم ج 2 - ص 19 سنن بيهقي ج 5 ص 338 - وسنن الترمذي ج 3 ص 532 - وأخرجه مسلم في صحيحه ج 5 ص 3
- وأبو داود في كتاب البيوع.
6
من الفقهاء وأهل اللغة حيث مثلوا للغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء مع أن
معنى الغرر على ما ذكره أكثر أهل اللغة صادق عليه والمروي عن أمير المؤمنين عليه السلام
أنه عمل ما لا يؤمن معه من الضرر.
وفي الصحاح الغرة الغفلة والغار الغافل وأغره أي أتاه على غرة منه واغتر
بالشئ أي خدع به والغرر الخطر ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر وهو مثل بيع
السمك في الماء والطير في الهواء إلى أن قال: والتغرير حمل النفس على الغرر، انتهى.
وعن القاموس: ما ملخصه غره غرا وغرورا وغرة بالكسر فهو مغرور
وغرير كأمير خدعه وأطمعه في الباطل إلى أن قال: غرر بنفسه تغريرا أو تغره أي
عرضها للهلكة والأسم الغرر محركة إلى أن قال: والغار الغافل، واغتر غفل والأسم
الغرة بالكسر، انتهى.
وعن النهاية بعد تفسير الغرة بالكسر بالغفلة أنه نهى عن بيع الغرر وهو ما
كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول، وقال الأزهري: بيع الغرر ما كان على
غير عهدة ولا ثقة ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول
وقد تكرر في الحديث ومنه حديث مطرف أن لي نفسا واحدة وإني لأكره أن أغر بها
أي أحملها على غير ثقة وبه سمي الشيطان غرورا لأنه يحمل الانسان على محابه
ووراء ذلك ما يسوؤه، انتهى.

7
وقد حكى أيضا عن الأساس والمصباح والمغرب والجمل والمجمع تفسير الغرر
بالخطر ممثلا له في الثلاثة الأخيرة ببيع السمك في الماء والطير في الهواء. وفي التذكرة
أن أهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين ومراده من التفسير التوضيح بالمثال وليس في
المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير كما يظهر بالتأمل.
وبالجملة فالكل متفقون على أخذ الجهالة في معنى الغرر سواء تعلق الجهل
بأصل وجوده أم بحصوله في يد من أنتقل إليه أم بصفاته كما أو كيفا. وربما يقال إن
المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره لا مطلق
الخطر الشامل لتسليمه وعدمه ضرورة حصوله في بيع كل غائب خصوصا إذا كان
في بحر ونحوه، بل هو أوضح شئ في بيع الثمار والزرع ونحوهما.
والحاصل أن من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة إلى
التسلم وعدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر وفيه أن الخطر من حيث حصول
المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله فلا وجه لتقييد كلام
أهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين واحتمال إرادتهم ذكر المثالين
لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في
كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا للجهالة بالصفات هذا مضافا إلى استدلال
الفريقين من العامة والخاصة بالنبوي

8
المذكور على اعتبار القدرة على التسليم كما يظهر من الإنتصار حيث قال: فيما حكى
عنه ومما انفردت به الإمامية القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضميمة ولا يشتري
وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنه لا يجوز بيع الآبق على كل حال إلى أن قال: ويعول مخالفونا في منع بيعه على أنه
بيع غرر وأن نبينا صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الغرر إلى أن قال: وهذا ليس بصحيح لأن هذا
البيع يخرجه عن أن يكون غررا انضمام غيره إليه، انتهى.
وهو صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي على اشتراط القدرة على
التسليم. والظاهر اتفاق أصحابنا أيضا على الاستدلال به كما يظهر للمتتبع و
سيجئ في عبارة الشهيد التصريح به، وكيف كان، فالدعوى المذكورة مما لا
يساعدها اللغة ولا العرف ولا كلمات أهل الشرع وما أبعد ما بينه وبين ما عن
قواعد الشهيد رحمه الله

9
حيث قال: الغرر ما كان له ظاهر محبوب وباطن مكروه قاله بعضهم ومنه قوله تعالى:
* (متاع الغرور) * وشرعا هو جهل الحصول {1} ومجهول الصفة فليس غررا وبينهما
عموم وخصوص من وجه لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم
الصفة من قبل أو وصف الآن ووجود الجهل بدون الغرر في المكيل والموزون
والمعدود إذا لم يعتبر.
وقد يتوغل في الجهالة كحجر لا يدري أذهب أم فضة أم نحاس أم صخر
ويوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة ويتعلق الغرر والجهل تارة بالوجود
كالعبد الآبق المجهول الوجود وتارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود وبالجنس
كحب لا يدري ما هو وسلعة من سلع مختلفة وبالنوع كعبد من عبيد وبالقدر ككيل لا
يعرف قدره والبيع إلى مبلغ السهم وبالعين كثوب من ثوبين مختلفين وبالبقاء كبيع
الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض الأصحاب. ولو اشترط أن يبدو الصلاح لا محالة
كان غررا عند الكل كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلا والغرر قد يكون بما له مدخل
ظاهر في العوضين وهو ممتنع اجماعا وقد يكون بما يتسامح به عادة لقلته كأس
الجدار وقطن الجبة وهو معفو عنه اجماعا ونحوه اشتراط الحمل وقد يكون مرددا
بينهما وهو محل الخلاف كالجزاف في مال الإجارة

10
والمضاربة والثمرة قبل بدو الصلاح والآبق بغير ضميمة، انتهى.
وفي بعض كلامه تأمل ككلامه الآخر في شرح الإرشاد حيث ذكر في مسألة
تعين الأثمان بالتعيين الشخصي عندنا قالوا يعني المخالفين من العامة تعينها غرر
فيكون منهيا عنه. أما الصغرى فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع.
وأما الكبرى فظاهرة إلى أن قال قلنا: إنا نمنع الصغرى لأن الغرر احتمال مجتنب عنه
في العرف بحيث لو تركه وبخ عليه وما ذكروه لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه،
انتهى.
فإن مقتضاه أنه لو اشترى الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن
غررا لأن العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير. وكذا لو اشترى
المجهول المردد بين ذهب ونحاس بقيمة النحاس بناء على المعروف من تحقق الغرر
بالجهل بالصفة. وكذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقن منه فإن ذلك كله مرغوب
فيه عند العقلاء بل يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا فالأولى أن هذا
النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات وليس منوطا
بالنهي من العقلاء ليخص مورده بالسفهاء أو المتسفهة

11
ثم إنه قد حكى عن الصدوق في معاني الأخبار تعليل فساد بعض المعاملات
المتعارفة في الجاهلية كبيع المنابذة والملامسة وبيع الحصاة بكونها غررا مع أنه
لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة بناء على ما فسر به من أنه قول أحدهما لصاحبه انبذ
إلى الثوب أو انبذه إليك فقد وجب البيع، وبيع الحصاة بأن يقول: إذا نبذت الحصاة
فقد وجب البيع، ولعله كان على وجه خاص يكون فيه خطر والله العالم.

12
وكيف كان فلا اشكال في صحة التمسك لاعتبار القدرة على التسليم بالنبوي
المذكور إلا أنه أخص من المدعي لأن ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحر يمتنع
خروجه منه عادة ونحوه ليس في بيعه خطر لأن الخطر إنما يطلق في مقام يحتمل
السلامة ولو ضعيفا لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال على بطلانه بلزوم السفاهة
وكون أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل بل لا يعد مالا عرفا {1} وإن كان ملكا
فيصح عتقه ويكون لمالكه لو فرض التمكن منه إلا أنه لا ينافي سلب صفة التمول عنه
عرفا. ولذا يجب على غاصبه رد تمام قيمته إلى المالك {2} فيملكه مع بقاء العين على
ملكه على ما هو ظاهر المشهور.

13
ثم إنه ربما يستدل على هذا الشرط بوجوه أخر منها ما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وآله
من قوله: لا تبع ما ليس عندك، {1} بناء على أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز
بيع الغائب والسلف إجماعا فهي كناية لا عن مجرد الملك لأن المناسب حينئذ ذكر
لفظة اللام ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من
الخاصة والعامة بها على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم شرائها من
مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعه ولو من نفسه فإن السلطنة والقدرة على
التسليم حاصلة هنا مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين أن يكون كناية عن
السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده وإن
كان غائبا {2} وعلى أي حال فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بادلته أو بحمله على
النهي المقتضي لفساده بمعنى عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك وكيف كان فتوجيه
الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن. وأما الايراد عليه بدعوى أن المراد به
الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشئ الغير المملوك ثم تحصيله



(1) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود، وباب 2 من أبواب عقد البيع
وسنن الترمذي ج 3 ص 534 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.
14
بشرائه ونحوه ودفعه إلى المشتري، فمدفوع بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا
المورد وليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد.
نعم يمكن أن يقال إن غاية ما يدل عليه هذا النبوي بل النبوي الأول أيضا
فساد البيع بمعنى عدم كونه علة تامة لترتب الأثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعي
بانتفاء صفة الغرر وتحقق كونه عنده ولو أبيت إلا عن ظهور النبويين في الفساد بمعنى
لغوية العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعي دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر
وبين اخراج بيع الرهن وبيع ما يملكه بعد البيع، وبيع العبد الجاني عمدا وبيع المحجور
لرق أو سفه أو فلس
ثالثها: السلطنة عليه والقدرة على تسليمه.
رابعها: السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد.
ومن البين أن الأول ليس بمراد قطعا لجواز بيع الغائب اجماعا.
والثاني خلاف الظاهر، فإن بيع المملوك بيع ماله لا بيع ما عنده، فبيع غير المملوك
بيع ما ليس له، لا بيع ما ليس عنده.
والثالث يدفعه استدلال الفقهاء بهذا النبوي على عدم جواز بيع العين الشخصية
المملوكة للغير.
فيتعين الرابع، فيدل على فساد بيع ما لا يكون مالكا له، وما لا يقدر على تسليمه،
فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بادلته أو بحمله على النهي المقتضي لفساده بمعنى عدم
وقوعه لبائعه لو أراد ذلك.
وفيه: إن إرادة القدرة على التسليم خاصة من التصرفات الخارجية المماسة للعين،
إما وحدها أو مع الملكية خلاف الظاهر، بل إما أن يراد مطلق التصرفات الخارجية أو لا
يكون ذلك بالخصوص بمراد، وحيث إنه لا يعتبر السلطنة الخارجية المماسة للعين قطعا، فلا
يكون ذلك بمراد لا مستقلا ولا ضمنا، بل الظاهر منه إرادة السلطنة الاعتبارية على
التصرفات التسبيبية المعاملية، فيكون أجنبيا عن المقام.

15
فإن البائع في هذه الموارد عاجز شرعا من التسليم ولا رجحان لهذه
التخصيصات. فحينئذ لا مانع عن التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع
رجاء التمكن منه [مراعى بالتمكن منه] في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به.
وقد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضال والمجحود من غير إباق مراعي
بإمكان التسليم واحتمله في التذكرة لكن الانصاف أن الظاهر من حال الفقهاء
اتفاقهم على فساد بيع الغرر بمعنى عدم تأثيره رأسا كما عرفت من الإيضاح.
ومنها أن لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين إلى
صاحبه {1} فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع



1) المائدة آية 2.
16
ويضعف بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا منعنا
الملازمة وإن أريد مطلق وجوبه فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن كما لو تجدد العجز
بعد العقد. {1} وقد يعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب، ثم يدفع بمعارضته بأصالة
عدم تقيد البيع بهذا الشرط {2} وفي الاعتراض والمعارضة نظر واضح، {3} فافهم

17
ومنها إن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه ولا يتم إلا
بالتسليم {1} ويضعفه منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم بل منع عدم كون
الغرض منه إلا الانتفاع [بعد التسليم لا الانتفاع] المطلق.
ومنها إن بذل الثمن على غير المقدور سفه فيكون ممنوعا وأكله أكلا بالباطل.
وفيه أن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها بل
تركه اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم.

18
ثم إن ظاهر معاقد الاجماعات كما عرفت كون القدرة شرطا كما {1} هو كذلك في
التكاليف وقد أكد الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما
لا يمكن فيه التسليم فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط {2} ومع ذلك كله فقد استظهر
بعض من تلك العبارة أن العجز مانع لا أن القدرة شرط قال: ويظهر الثمرة في موضع
الشك، ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال والضالة وجعله دليلا على أن
القدر المتفق عليه ما إذا تحقق العجز وفيه ما عرفت من أن صريح معاقد الاجماعات
خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هي شرطية القدرة أن
العجز أمر عدمي لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر.
فكيف يكون مانعا من {3} أن المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده
العدم، ثم لو سلم صحة اطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في صورة الشك الموضوعي
أو الحكمي ولا في غيرهما فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة والعجز مع سبق القدرة
فالأصل بقاؤها أولا معه فالأصل عدمها أعني العجز سواء جعل

19
القدرة شرطا أو العجز مانعا وإذا شككنا في أن الخارج عن عمومات الصحة
هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو شككنا في أن المراد بالعجز ما يعم التعسر كما
حكى أم خصوص التعذر فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية
القدرة شرطا أو العجز مانعا. {1}
والحاصل أن التردد بين شرطية الشئ ومانعية مقابله إنما يصح ويثمر في
الضدين مثل الفسق والعدالة لا فيما نحن فيه وشبهه كالعلم والجهل وأما اختلاف
الأصحاب في مسألة الضال والضالة فليس لشك المالك في القدرة والعجز ومبنيا
على كون القدرة شرطا أو العجز مانعا كما يظهر من أدلتهم على الصحة والفساد بل لما
سيجئ عند التعرض لحكمها

20
ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو في زمان استحقاق التسليم {1} فلا
ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم كما لا يقدح عدمها
قبل الاستحقاق ولو حين العقد

21
ويتفرع على ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري، {1}
وفيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا كما إذا اشترى من ينعتق عليه فإنه ينعتق بمجرد
الشراء ولا سبيل لأحد عليه، {2} وفيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد أما
لاشتراط تأخيره مدة وأما لتزلزل العقد كما إذا اشترى فضولا فإنه لا يستحق
التسليم إلا بعد إجازة المالك {3} فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها

22
لكن يشكل على الكشف من حيث إنه لازم {1} من طرف الأصيل فيتحقق الغرر
بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لم يقدر على تحصيله.
نعم هو حسن في الفضولي من الطرفين ومثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو
فكه، {2} بل وكذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلم {3} لأن تأثير العقد قبل التسليم
في المجلس موقوف على تحققه فلا يلزم غرر ولو تعذر التسليم بعد العقد رجع إلى
تعذر الشرط. ومن المعلوم أن تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح بل لا
يقدح العلم بتعذره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله

23
فإن الشروط المتأخرة لا يجب احرازها حال العقد ولا العلم بتحققها فيما بعد.
والحاصل أن تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه لا من
شروط تأثيره والسر فيه أن التسليم فيه جزء الناقل فلا يلزم غرر من تعلقه بغير
المقدور.
وبعبارة أخرى الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل ولهذا لا يقدح
كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده والمفروض أن المبيع بعد تحقق
الجزء الأخير من الناقل وهو القبض حاصل في يد المشتري فالقبض مثل الإجازة
بناء على النقل وأولى منها بناء على الكشف. وكذلك الكلام في عقد الرهن فإن
اشتراط القدرة على التسليم فيه بناء على اشتراط القبض إنما هو من حيث اشتراط
القبض فلا يجب احرازه حين الرهن ولا العلم بتحققه بعده فلو رهن ما يتعذر
تسليمه. ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثر العقد أثره وسيجئ الكلام في باب
الرهن. اللهم إلا أن يقال إن المنفي في النبوي هو كل معاملة يكون بحسب العرف
غررا. فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف والسلم إذا وقع على عوض مجهول قبل
القبض أو غير مقدور غرر عرفا لأن اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا
عرفي فيصدق الغرر والخطر عرفا، وإن لم يتحقق شرعا إذ قبل التسليم لا انتقال
وبعده لا خطر لكن النهي والفساد يتبعان بيع الغرر عرفا. {1}

24
ومن هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه لا عن المالك ما لا
يقدر على تسليمه. اللهم إلا أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطلاع على كون أثر المعاملة
شرعا على وجه لا يلزم منه خطر، فإن العرف إذا اطلعوا على انعتاق القريب بمجرد
شرائه لم يحكموا بالخطر أصلا، وهكذا فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار
الشرعية للمعاملة، {1} فتأمل.
ثم إن الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلا من الفاضل القطيفي {2} المعاصر

25
حيث حكى عنه أنه قال في ايضاح النافع أن القدرة على التسليم من مصالح
المشتري فقط لا أنها شرط في أصل صحة البيع فلو قدر على التسلم صح البيع وإن لم
يكن البائع قادرا عليه بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم
جاز وينتقل إليه ولا يرجع على البائع لعدم القدرة إذا كان البيع على ذلك مع العلم
فيصح بيع المغصوب ونحوه {1}
نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا لم يصح المعاوضة عليه بالبيع،
لأنه في معنى أكل مال بالباطل وربما احتمل امكان المصالحة عليه.
ومن هنا يعلم أن قوله يعني المحقق في النافع لو باع الآبق منفردا لم يصح إنما
هو مع عدم رضا المشتري أو مع عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا ولو
أراد غير ذلك فهو غير مسلم انتهى.
وفيه ما عرفت من الاجماع ولزوم الغرر الغير المندفع بعلم المشتري لأن
الشارع نهى عن الاقدام عليه إلا أن يجعل الغرر هنا بمعنى الخديعة {2} فيبطل في
موضع تحققه وهو عند جهل المشتري وفيه ما فيه.

26
ثم إن الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين أن القدرة على التسليم ليست
مقصودة بالاشتراط إلا بالتبع وإنما المقصد الأصلي هو التسلم {1} ومن هنا لو كان
المشتري قادرا دون البائع كفى في الصحة كما عن الإسكافي والعلامة وكاشف الرموز
والشهيدين والمحقق الثاني وعن ظاهر الإنتصار أن صحة بيع الآبق على من يقدر
على تسلمه مما انفردت به الإمامية وهو المتجه لأن ظاهر معاقد الاجماع بضميمة
التتبع في كلماتهم واستدلالاتهم بالغرر وغيره مختص بغير ذلك ومنه يعلم أيضا أنه لو
لم يقدر أحدهما على التحصيل لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق
المشتري للتسليم كما لو اعتاد الطائر العود صح {2} وفاقا للفاضلين والشهيدين
والمحقق الثاني وغيرهم.
نعم عن نهاية الإحكام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة في الحال على
التسليم وأن عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث، وفيه أن العادة باعثة
كالعقل

27
مع أن الكلام على تقدير الوثوق ولو لم يقدرا على التحصيل وتعذر عليهما إلا
بعد مدة مقدرة عادة، وكانت مما لا يتسامح فيه كسنة أو أزيد. {1} ففي بطلان البيع
لظاهر الاجماعات المحكية ولثبوت الغرر أو صحته، لأن ظاهر معقد الاجماع التعذر
رأسا. ولذا حكم مدعيه بالصحة هنا، والغرر منفي مع العلم بوجوب الصبر عليه إلى
انقضاء مدة، كما إذا اشترط تأخير التسليم مدة وجهان بل قولان، تردد فيهما في
الشرائع، ثم قوى الصحة وتبعه في محكي السرائر والمسالك والكفاية وغيرها.
نعم للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة، ولو كان مدة
التعذر غير مضبوطة عادة كالعبد المنفذ إلى هند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها،
ففي الصحة اشكال من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة
وقت تسليم العين. وقد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف للوقف المنقطع،

28
ثم إن الشرط هي المقدرة المعلومة للمتبايعين، {1} لأن الغرر لا يندفع بمجرد
القدرة الواقعية.
ولو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع وتجددها بعد ذلك صح،
ولو لم يتجدد بطل. والمعتبر هو الوثوق، فلا يكفي مطلق الظن ولا يعتبر اليقين.

29
ثم لا اشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لا ما إذا وكيلا في مجرد
العقد، {1} فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه. وأما لو كان وكيلا في البيع
ولوازمه، بحيث يعد الموكل أجنبيا عن هذه المعاملة، فلا اشكال في كفاية قدرته،
وهل يكفي قدرة الموكل الظاهر. نعم {2} مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد
فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك، وربما قيد الحكم بالكفاية بما إذا رضي
المشتري بتسليم الموكل ورضي المالك برجوع المشتري عليه {3}

30
وفرع على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي {1} لأن التسليم المعتبر
من العاقد غير ممكن قبل الإجازة وقدرة المالك إنما تؤثر لو بنى العقد عليها وحصل
التراضي بها حال البيع، لأن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا، بل مع
الشرط المذكور وهو غير متحقق في الفضولي والبناء على القدرة الواقعية باطل، إذ
الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية إلى أن قال، والحاصل أن القدرة قبل
الإجازة لم توجد وبعدها إن وجدت لم تنفع.

31
ثم قال: لا يقال إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بارضاء المالك، وأنه لا يخرج
عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد، {1} لأن هذا الفرض
يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الإذن للبيع، غاية الأمر حصوله بالفحوى
وشاهد الحال، {2} وهما من أنواع الإذن، فلا تكون فضوليا ولا يتوقف صحته على
الإجازة ولو سلمنا بقائه على الصفة، فمعلوم أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون
الحكم على هذا الفرض، {3} وفيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثم في تفريع
الفضولي ثم في الاعتراض الذي ذكره ثم في الجواب عنه أولا وثانيا تأمل، بل
نظر {4} فتدبر.

32
مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا على المشهور بين علمائنا كما في التذكرة،
بل {1} إجماعا كما عن الخلاف والغنية والرياض، وبلا خلاف كما عن كشف الرموز
لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف ومع احتماله بيع غرر منفي اجماعا نصا وفتوى،
خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا، ولعله الإسكافي حيث إن المحكي عنه
أنه لا يجوز أن يشتري الآبق وحده، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه
البائع انتهى.
وقد تقدم عن الفاضل القطيفي في ايضاح النافع منع اشتراط القدرة على
التسليم.
وقد عرفت ضعفه لكن يمكن أن يقال بالصحة في خصوص الآبق لحصول
الانتفاع به بالعتق، خصوصا مع تقييد الإسكافي بصورة ضمان البائع، فإنه يندفع به
الغرر عرفا، لكن سيأتي ما فيه، فالعمدة الانتفاع بعتقه، وله وجه لولا النص الآتي
والاجماعات المتقدمة، مع أن قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا يخرجه عن الغرر،
وكما لا يجوز جعله مثمنا

33
لا يجوز جعله منفردا ثمنا لاشتراكهما في الأدلة. {1} وقد تردد في اللمعة في
جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا، وإن قرب أخيرا المنع منفردا، ولعل الوجه
الاستناد في المنع عن جعله مثمنا إلى النص والاجماع الممكن دعوى اختصاصهما
بالمثمن دون نفي الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق، ويؤيده حكمه بجواز
بيع الضال والمجحود مع خفاء الفرق بينهما وبين الآبق في عدم القدرة على التسليم،
ونظير ذلك ما في التذكرة حيث ادعى أولا الاجماع على اشتراط القدرة على التسليم
ليخرج البيع عن كونه بيع غرر.
ثم قال والمشهور بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفردا، إلى أن قال: وقال
بعض علمائنا بالجواز وحكاه عن بعض العامة أيضا، ثم ذكر الضال ولم يحتمل فيه إلا
جواز البيع منفردا أو اشتراطه الضميمة، فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر،
والتوجيه يحتاج إلى تأمل.



1) التذكرة ج 1 ص 466 - مسألة بيع الطير في الهواء - ونحوه عن الشهيد - وسبقهما الشيخ في الخلاف.
34
وكيف كان فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه. فيعتبر فيه القدرة على
التسليم {1} وجهان، بل قولان من عمومات الصلح وما علم من التوسع فيه لجهالة
المصالح عنه إذا تعذر أو تعسر معرفته. بل مطلقا {2} واختصاص الغرر المنفي بالبيع،
ومن أن الدائر على ألسنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع حتى أنهم
يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات، كالإجارة
والمزارعة والمساقاة والجعالة. بل قد يرسل في كلماتهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن
الغرر.
وقد رجح بعض الأساطين جريان الاشتراط فيما لم يبن على المسامحة من
الصلح، وظاهر المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر على تسليمه على القول بعدم
اشتراط القبض في الرهن جواز الصلح عليه.



1) الوسائل، - باب 5 - من أبواب أحكام الصلح حديث 1.
35
وأما الضال والمجحود والمغصوب ونحوها مما لا يقدر على تسليمه فالأقوى
فيها عدم الجواز {1} وفاقا لجماعة للغرر المنفي المعتضد بالاجماع المدعى على
اشتراط القدرة على التسليم، إلا أن يوهن بتردد مدعيه، كالعلامة في التذكرة في
صحة بيع الضال منفردا ويمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض
مضمونا على البائع.
وأما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به، فهو ضرر قد أقدم عليه، وجهالته غير
مضرة مع امكان العلم بتلك المدة، {2} كضالة يعلم أنها لو لم توجد بعد ثلاثة أيام
فلن توجد بعد ذلك وكذا في المغصوب والمنهوب.
والحاصل أنه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه في حكم التلف المقتضي
لانفساخ البيع من أصله، وفرض عدم تسلط البائع على مطالبته بالثمن، لعدم تسليم
المثمن، فإنه لا خطر حينئذ في البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت
الانتفاع بالمبيع فيها هذا

36
ولكن يدفع جميع ما ذكر أن المنفي في حديث الغرر كما تقدم، هو ما كان غررا
في نفسه عرفا، مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية الثابتة للبيع، ولذا قوينا فيما سلف
جريان نفي الغرر في البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم.
ومن المعلوم أن بيع الضال وشبهه، ليس محكوما عليه في العرف بكونه في
ضمان البائع، بل يحكمون بعد ملاحظة اقدام المشتري على شرائه بكون تلفه منه،
فالانفساخ بالتلف حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي ليس في نفسه غررا
عرفا ومما ذكر يظهر أنه لا يجدي في رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعى بالتسليم،
فإن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به وإلا تخير بين الفسخ والامضاء، كما
استقر به في اللمعة، {1} فإن ثبوت الخيار حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي
فرض فيه العجز عن تسلم المبيع،

37
فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع المبطل له، لكن قد مرت المناقشة في
ذلك بمنع اطلاق الغرر على مثل هذا بعد اطلاعهم على الحكم الشرعي اللاحق للمبيع
من ضمانه قبل القبض ومن عدم التسلط على مطالبته الثمن، فافهم.
ولو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد، فباعه على أن يكون له
الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده إلى ثلاثة أيام، أمكن جوازه لعدم الغرر حينئذ
عرفا، {1} ولذا لا يعد بيع العين الغير المرئية الموصوفة بالصفات المعينة من بيع
الغرر، لأن ذكر الوصف بمنزلة اشتراطه فيه الموجب للتسلط على الرد، ولعله لهذا
اختار في محكي المختلف تبعا للإسكافي جواز بيع الآبق إذا ضمنه البائع، فإن الظاهر
منه اشتراط ضمانه، وعن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه، وإن كان قد يرد على هذا
عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان، فتأمل.

38
مسألة: المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا، {1} فلو باع بحكم أحدهما
بطل {2} اجماعا كما عن المختلف والتذكرة، واتفاقا كما عن الروضة وحاشية الفقيه
للسلطان، وفي السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري ابطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه
الثمن. فإنه باطل بلا خلاف بين المسلمين، والأصل في ذلك حديث نفي الغرر المشهور
بين المسلمين.
ويؤيده التعليل {3} في رواية حماد بن ميسرة عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه كره
أن يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم.



1) الوسائل باب 23 من أبواب أحكام العقود حديث 4.
2) نفس المصدر حديث 2.
39
لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت
له: ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي فقبضتها منه، ثم بعثت إليه بألف درهم
فقلت له: هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها، فأبى أن يقبلها مني وقد كنت
مسستها قبل أن أبعث إليه بألف درهم، فقال: أرى أن تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن
كان قيمتها أكثر مما بعثتها إليه كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة، وإن كان قيمتها
أقل مما بعثت إليه فهو له قال: قلت له أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد أن مسستها، قال:
ليس عليك أن تردها عليه ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب، لكن التأويل
فيها متعين {1} لمنافاة ظاهرها لصحة البيع، وفساده فلا يتوهم جواز التمسك بها
لصحة هذا البيع، إذ لو كان صحيحا لم يكن معنى لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع
بثمن خاص.
نعم هي محتاجة إلى أزيد من هذا التأويل بناء على القول بالفساد بأن يراد من
قوله باعنيها بحكمي قطع المساومة على أن أقومها على نفسي بقيمتها العادلة في نظري
حيث إن رفاعة كان نخاسا يبيع ويشتري الرقيق فقومها رفاعة على نفسه بألف
درهم. أما معاطاة وأما مع انشاء الايجاب وكالة والقبول أصالة، فلما مسها وبعث
الدراهم لم يقبلها المالك لظهور غبن له في البيع وأن رفاعة مخطئ في القيمة، أو لثبوت
خيار الحيوان للبائع على القول به



1) الوسائل - باب 18 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
40
وقوله إن كان قيمتها أكثر فعليك أن ترد ما نقص إما أن يراد به لزوم ذلك عليه من
باب ارضاء المالك إذا أراد إمساك الجارية. حيث إن المالك لا حاجة له في الجارية،
فيسقط خياره ببذل التفاوت. وأما أن يحمل على حصول الحبل بعد المس فصارت أم
ولد، وتعين عليه قيمتها إذا فسخ البائع، وقد يحمل على صورة تلف الجارية وينافيه
قوله فيما بعد فليس عليك أن تردها، إلى آخره.
وكيف كان، فالحكم بصحة البيع بحكم المشتري وانصراف الثمن إلى القيمة
السوقية لهذه الرواية، كما حكى عن ظاهر الحدائق ضعيف، وأضعف منه ما عن
الإسكافي من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت، ويكون للمشتري الخيار ويرده
أن البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره الخيار.
وأما بيع خيار الرؤية فذكر الأوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول
الغرر كما تقدم، عند حكاية قول الإسكافي في مسألة القدرة على التسليم.

41
مسألة: العلم بقدر المثمن كالثمن شرط {1} باجماع علمائنا كما عن التذكرة،
وعن الغنية العقد على المجهول باطل، بلا خلاف.
وعن الخلاف ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا وإن شوهد اجماعا.
وفي السرائر ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف والأصل في ذلك ما تقدم
من النبوي المشهور {2} وفي خصوص الكيل والوزن خصوص الأخبار المعتبرة {3}
منها صحيحة الحلبي في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، ثم إن
صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر
الذي ابتعته، قال لا يصلح إلا بكيل. قال وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا
يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام وفي رواية الفقيه فلا يصح بيعه مجازفة
والإيراد على دلالة الصحيحة



1) الوسائل - باب 40 - من أبواب آداب التجارة حديث 3.
2) باب 4 من أبواب عقد البيع حديث 2.
42
بالاجمال {1} وباشتمالها على خلاف المشهور من عدم تصديق البائع {2} غير
وجيه لأن الظاهر من قوله سميت فيه كيلا أنه يذكر فيه الكيل فهي كناية عن كونه
مكيلا في العادة. اللهم إلا أن يقال: إن توصيف الطعام بكونه كذلك الظاهر في التنويع
مع أنه ليس من الطعام ما لا يكال ولا يوزن إلا في مثل الزرع قائما، يبعد إرادة هذا
المعنى، فتأمل.
وأما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول على شرائه سواء زاد أو نقص
خصوصا إذا لم يطمئن بتصديقه لا شرائه على أنه القدر المعين الذي أخبر به البائع،
فإن هذا لا يصدق عليه الجزاف، قال في التذكرة: لو أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك
الكيل صح عندنا.
وقال في التحرير لو أعلمه بالكيل فباعه بثمن سواء زاد أو نقص لم يجز.

43
وأما نسبة الكراهة إلى هذا البيع فليس فيه ظهور في معنى المصطلح يعارض
ظهور لا يصلح ولا يصح في الفساد. {1}
وفي الصحيح عن ابن محبوب عن زرعة عن سماعة، قال: سألته عن شراء
الطعام وما يكال ويوزن بغير كيل ولا وزن، فقال: إما أن تأتي رجلا في طعام قد
كيل أو وزن تشتري منه مرابحة، فلا بأس أن اشتريته منه ولم تكله أو لم تزنه إذا
أخذه المشتري الأول بكيل أو وزن، وقلت له عند البيع إني أربحك كذا وكذا {2}
ودلالتها أوضح من الأولى.



1) الوسائل باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 7.
44
ورواية أبان عن محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترينا طعاما
فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله قال: لا بأس، قلت: أيجوز أن أبيعه
كما اشتريت بغير كيل، قال: أما أنت فلا تبعه حتى تكيله دلت على عدم جواز البيع
بغير كيل إلا، إذا أخبره البائع فصدقه {1} وفحوى مفهوم رواية أبي العطارد وفيها
قلت: فأخرج الكر والكرين فيقول الرجل أعطنيه بكيلك فقال: إذ ائتمنك فلا بأس
به، ومرسلة ابن بكير عن رجل سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجص
فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل، فقال: أما أن يأخذ كله بتصديقه، وأما أن يكيله
كله فإن المنع من التبعيض المستفاد منه ارشادي محمول على أنه إن صدقه فلا حاجة
إلى كلفة كيل البعض وإلا فلا يجزي كيل البعض، ويحتمل الرواية الحمل على استيفاء
المبيع بعد الاشتراء، وكيف كان. ففي مجموع ما ذكر من الأخبار وما لم يذكر مما فيه
إيماء إلى المطلب، من حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند السائل وتقرير
الإمام كما في رواية كيل ما لا يستطاع عده وغيرها، مع ما ذكر من الشهرة المحققة



1) الوسائل باب 5 من أبواب عقد البيع حديث 4.
2) نفس المصدر حديث 6.
3) نفس المصدر حديث 3.
45
والاتفاقات المنقولة كفاية في المسألة، ثم إن ظاهر اطلاق جميع ما ذكر أن
الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي {1} وإن كان حكمته سد باب المسامحة المفضية
إلى الوقوع في الغرر، كما أن حكمة الحكم باعتبار بعض الشروط في بعض المعاملات
رفع المنازعة المتوقعة عند إهمال ذلك الشرط، فحينئذ فيعتبر التقدير بالكيل والوزن
وإن لم يكن في شخص المقام غرر، كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان
من جنسه أو غيره {2} المتساوي له في القيمة فإنه لا يتصور هنا غرر أصلا مع الجهل
بمقدار كل من العوضين، ويحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الأخبار على المورد
الغالب، وهو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا على التقدير فلو
فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفى

46
كما في الفرض المزبور، وكما إذا كان للمتبايعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن
الواقع، وكما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وزن الميزان لمثله كما لو دفع فلسا وأراد به
رهنا لحاجة. فإن الميزان لم يوضع لمثله فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين {1} ولا
منافاة بين كون الشئ من جنس المكيل والموزون، وعدم دخول الكيل والوزن فيه
لقلته كالحبتين والثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد كما نبه عليه في القواعد
وشرحها وحاشيتها، ومما ذكرنا يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة،
فإنها وإن كانت من الموزون
ولذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها إلا أنها عند وقوعها ثمنا حكمها
كالمعدود في أن معرفة مقدار ماليتها لا يتوقف على وزنها، فهي كالقليل والكثير من
الموزون الذي لا يدخله الوزن. وكذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من
النحاس والفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان، وكذا الدرهم والدينار الخالصان،
فإنهما وإن كانا من الموزون ويدخل فيهما الربا اجماعا إلا أن ذلك لا ينافي جواز
جعلهما عوضا من دون معرفة بوزنهما لعدم غرر في ذلك أصلا

47
لعدم غرر في ذلك أصلا.
ويؤيد ذلك جريان سيرة الناس على المعاملة بهما من دون معرفة أغلبهم
بوزنهما.
نعم يعتبرون فيهما عدم نقصانهما عن وزنهما المقرر في وضعهما من حيث
تفاوت قيمتهما بذلك. فالنقص فيهما عندهم بمنزلة العيب. ومن هنا لا يجوز اعطاء
الناقص منهما لكونه غشا وخيانة. وبهذا يمتاز الدرهم والدينار عن الفلوس السود
وشبهها، حيث أن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها، فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه
وإلى ما ذكرنا من الفرق. أشير في صحيحة ابن عبد الرحمن قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام أشتري الشئ بالدراهم فأعطى الناقص الحبة والحبتين، قال: لا حتى
تبينه، ثم قال: إلا أن تكون هذه الدراهم إلا وضاحية التي تكون عندنا عددا. {1}
وبالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله مدار الغرر
الشخصي قريب في الغاية إلا أن الظاهر كونه مخالفا لكلمات الأصحاب في موارد
كثيرة.



1) الوسائل باب 10 من أبواب الصرف حديث 7.
48
ثم إن الحكم في المعدود ووجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل والموزون بلا
خلاف ظاهر، {1} ويشير إليه بل يدل عليه تقرير الإمام في الرواية الآتية، المتضمنة
لتجويز الكيل في المعدود المتعذر عده، {2} ويظهر من المحكي عن المحقق الأردبيلي
المناقشة في ذلك، بل الميل إلى منعه، وجواز بيع المعدود مشاهدة، ويرده رواية الجوز
الآتية، والمراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها بأعدادها، كالجوز والبيض
بخلاف مثل الشاة والفرس والثوب وعد العلامة البطيخ والباذنجان في المعدودات
حيث قال في شروط السلم من القواعد: ولا يكفي في السلم وصحته العد من
المعدودات بل لا بد من الوزن في البطيخ والباذنجان والرمان، وإنما اكتفى بعدها في
البيع للمعاينة، انتهى.
وقد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ والرمان إذا كان رطبا، لعدم الوزن
وثبوته مع الجفاف، بل يظهر منه كون القثاء والخوخ والمشمش أيضا غير موزونة،
وكل ذلك محل تأمل لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن.
فالظاهر أن تقدير المال عرفا في المذكورات بالوزن لا بالعدد كما في الجوز والبيض.



1) الوسائل باب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
49
مسألة: لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون والمعدود
بما يتعارف التقدير به هو حصول الغرر الشخصي، فلا اشكال في جواز تقدير كل
منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفى الغرر بذلك {1}، بل في كفاية المشاهدة فيها
من غير تقدير أصلا. لكن تقدم أن ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار
التقدير من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدي إلى التنازع
المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات زيادة على التراضي
الفعلي حال المعاملة، وحينئذ فيقع الكلام والاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير
ما تعارف فيه.
فنقول اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا وبالعكس وعدمه، على أقوال ثالثها
جواز المكيل وزنا دون العكس، لأن الوزن أصل الكيل وأضبط، وإنما عدل إليه في
المكيلات تسهيلا، فالمحكي عن الدروس في السلم جوازه مطلقا، حيث قال: ولو
أسلم في المكيل وزنا وبالعكس فالوجه الصحة لرواية وهب عن الصادق عليه السلام،
وكأنه أشار بها إلى رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (صلوات الله عليهم) قال
لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن.
ولا يخفى قصور الرواية سندا بوهب ودلالة بأن الظاهر منها جواز أسلاف الموزون
في المكيل وبالعكس، لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن وبالعكس، ويعضده ذكر

50
الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن، فالذي ينبغي أن يقال إن
الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر، من حيث جعله دليلا على
التقدير المعتبر فيه، بأن يستكشف من الكيل وزن الموزون وبالعكس، وتارة في
كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف. أما الأول فقد يكون التفاوت
المحتمل مما يتسامح فيه عادة، وقد يكون مما لا يتسامح فيه. {1} أما الأول، فالظاهر
جوازه خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف فيه، لأن ذلك غير خارج في الحقيقة
عن تقديره مما يتعارف فيه، غاية ما في الباب أن يجعل التقدير الآخر طريقا إليه.
ويؤيده رواية عبد الملك بن عمر وقال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أشتري مائة
راوية من زيت فأعرض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك
قال: لا بأس، استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه {2} بوزن
واحد من المتعدد ونسبة الباقي إليه



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
51
وأردفه بقوله ولأنه يحصل المطلوب وهو العلم، واستدلاله الثاني يدل على
عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر والتقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في
مورد السؤال وهو تعذر وزن مائة راوية من الزيت. ولا يخفى أن هذه العلة لو سلمت
على وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال، إنما يجب الاقتصار على موردها لو كان
الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير، وقد عرفت أن هذا في الحقيقة تقدير، وليس
بجزاف. نعم ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما
سيجئ.
وأما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه، {1} فالظاهر أيضا الجواز مع البناء
على ذلك المقدر المستكشف من التقدير، إذا كان ذلك التقدير أمارة على ذلك
المقدار، لأن ذلك أيضا خارج عن الجزاف، فيكون نظير اخبار البائع بالكيل،
ويتخير المشتري لو نقص وما تقدم من صحيحة الحلبي في أول الباب من المنع عن
شراء أحد العدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك، هذا كله مع جعل التقدير
الغير المتعارف أمارة على المتعارف.

52
وأما كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصالة من غير ملاحظة التقدير
المتعارف، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا على المشهور، كما عن الرياض لأن ذلك
ليس من بيع المكيل مجازفة، المنهي عنه في الأخبار ومعقد الاجماعات لأن الوزن
أضبط من الكيل ومقدار مالية المكيلات معلوم به أصالة من دون ارجاع إلى الكيل
والمحكي المؤيد بالتتبع أن الوزن أصل للكيل وأن العدول إلى الكيل من باب
الرخصة. {1} وهذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات. ويشهد
لأصالة الوزن أن المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة على اختلافها في المقدار
ليس لها مأخذ إلا الوزن، إذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكائيل عليه.
وأما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ففيه اشكال،
بل لا يبعد عدم الجواز.
وقد عرفت عن السرائر أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف، فإن هذه
مجازفة صرفة



1) الوسائل - باب 7 - من أبواب السلف حديث 1.
53
إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه وعاء منضبط، فهو بعينه ما منعوه من التقدير
بقصعة حاضرة أو ملأ اليد، فإن الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة
زائدة على ما يحصل بالمشاهدة، فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلى كفاية
المشاهدة.
ثم إنه قد علم مما ذكرنا أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد
المتبايعين دون الآخر، {1} كالحقة والرطل والوزنة باصطلاح أهل العراق، الذي
لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم فإنه غير جائز، لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات
عليه وجعله في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا
يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة. هذا كله في المكيل والموزون.

54
وأما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه فالكلام فيه كما عرفت في
أخويه، {1} وربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده، فيكال بالمكيال ثم يعد ما فيه. ثم يكال ما بقي
على حساب ذلك العدد قال: لا بأس به.
فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة، ولم
يردعه الإمام عليه السلام بالتنبيه على أن ذلك غير مختص بصورة الاضطرار، لكن التقرير
غير واضح، فلا ينهض الرواية لتخصيص العمومات ولذا قوى في الروضة الجواز مطلقا.
وأما كفاية الكيل فيه أصالة فهو مشكل لأنه، لا يخرج عن المجازفة، والكيل لا
يزيد على المشاهدة.
وأما الوزن، فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم أنه لا يكفي العد في
المعدودات، وإن جاز بيعها معجلا بالعد، بل لا بد من الوزن، أنه لا خلاف في أنه
أضبط وأنه يغني عن العد، فقولهم في شروط العوضين أنه لا بد من العد في المعدودات
محمول على أقل مراتب التقدير



1) الوسائل - باب 6 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 2.
2) الوسائل - باب 7 - من أبواب عقد البيع حديث 1.
55
لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم ويكفي الوزن عن العد، فإنه
يوهم كونه الأصل في الضبط، إلا أن يريدوا هنا الأصالة والفرعية بحسب الضبط
المتعارف لا بحسب الحقيقة، فافهم.
بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشئ مكيلا أو موزونا {1} فقد قيل إن
الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع،
وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع
كذا، وإلا فلا.
وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته إلى الأصحاب، وربما منع ذلك

56
بعض المعاصرين قائلا إن دعوى الاجماع على كون المدار هنا على
زمانه صلى الله عليه وآله على الوجه المذكور غريبة {1}، فإني لم أجد ذلك في كلام أحد من
الأساطين، فضلا عن أن يكون اجماعا، نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا لا
أنه كذلك بالنظر إلى الجهالة والغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلى الله عليه وآله في
رفع شئ من ذلك واثباته، انتهى.
أقول ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك هنا يعني في شروط
العوضين وإنما ذكروه في باب الربا حق، إلا أن المدار وجودا وعدما في الربا على
اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشئ.
وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط والمعيار فيه هنا يعني في شروط
العوضين إلا أن الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا وفي ذلك الباب.
وأما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا وعدم جريانه في شروط العوضين كما
ذكره فهو حلاف الواقع

57
أما أولا: فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه، {1} قال في المبسوط في
باب الربا: إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلى الله عليه وآله في شئ الكيل لم يجز إلا كيلا في
سائر البلاد وما كانت فيه وزنا لم يجز إلا وزنا في سائر البلاد والمكيال مكيال أهل
المدينة والميزان ميزان أهل مكة هذا كله بلا خلاف، فإن كان مما لا تعرف عادة في
عهده صلى الله عليه وآله حمل على عادة البلد الذي فيه ذلك الشئ فما عرف بالكيل لا يباع إلا
كيلا، وما عرف فيه الوزن لا يباع إلا وزنا، انتهى.
ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع لا لخصوص مبايعة المتماثلين
ونحوه كلام العلامة في التذكرة.
وأما ثانيا: فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا. وفي باب الربا أن
الموضوع في كلتا المسألتين شئ واحد، {2} أعني المكيل والموزون قد حمل عليه
حكمان، أحدهما عدم صحة بيعه جزافا، والآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض
متفاضلا، ويزيده وضوحا ملاحظة أخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا
ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين.
{1} الأول: إن التتبع في كلمات الأصحاب يشهد بذلك. وذكر منها عبارة المبسوط.
وفيه: أن ما أفاده في المبسوط الصريح في ذلك خيرة التذكرة ونهاية الأحكام
والمختلف و حواشي الشهيد وغيرها، وهو المنقول عن القاضي كما عن مفتاح الكرامة،
ولكن القدماء من الأصحاب لم يصر حوا بذلك.
{2} الثاني: إن المقطوع به بعد التتبع أن الموضوع في هذه المسألة وفي مسألة الربا
واحد وهو المكيل والموزون، وقد حمل عليه حكمان:
أحدهما: عدم جواز بيعه متفاضلا.
ثانيهما: عدم جواز بيعه مجازفة. فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في
كلتا المسألتين.
وفيه: إن ما ذكروه إن كان ضابطة لتعيين المفهوم، أو كان ضابطة لتعيين المصداق مع
كونه ظاهرا في ضبط ما هو مصداق الموضوع في المقامين، كما إذا ذكروا المسألتين

58
وأما ثالثا: فلأنه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا أن من شرط الربا كون
الكيل والوزن شرطا في صحة {1} بيعه قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط
اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعا على ذلك أنه لا ربا في الماء إذ لا يشترط في بيعه
الكيل أو الوزن وقال في الدروس ولا يجري الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة
بيعه نقدا. ثم قال وكذا الحجارة والتراب والحطب ولا عبرة ببيع الحطب وزنا في
بعض البلدان لأن الوزن غير شرط في صحته، انتهى.
وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم فلا حظ المسالك هنا وشرح
القواعد وحاشيتها للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة والمراد بالمكيل
والموزون هنا جنسه وإن لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة أو لكثرته
كالزبرة ولازم ذلك يعني اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في
صحة بيعه أنه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو موزونا على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لزم أن لا يجوز بيعه جزافا وإلا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط
الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه.
وبالجملة فتلازم الحكمين أعني دخول الربا في جنس واشتراط بيعه بالكيل
أو الوزن مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب وحينئذ فنقول: كلما ثبت كونه
مكيلا أو موزونا في عصره صلى الله عليه وآله فهو ربوي في زماننا {2} ولا يجوز بيعه جزافا، فلو
فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا وإن لم يلزم غرر للاجماع.

59
ولما عرفت من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه
فهو حكم لحكمة غير مطردة نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور، لرفع التنازع
واعتبار الانضباط في المسلم فيه، لأن في تركه مظنة التنازع والتغابن ونحو ذلك.
والظاهر كما عرفت من غير واحد أن المسألة اتفاقية، وأما ما علم أنه كان
يباع جزافا في زمانه صلى الله عليه وآله. فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا.
والظاهر أنه اجماعي، كما يشهد به دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس
بربوي والشهرة محققة على ذلك نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من اطلاق النهي عن
بيع المكيل أو الموزون جزافا.
الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه السلام أو في عرف السائل أو في عرف
المتبايعين أو أحدهما وإن لم يتعارف في غيره، وكذلك قوله عليه السلام ما كان من طعام
سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة. الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب وفي
عرفه، وإن لم يكن كذلك في عرف الشارع.
اللهم إلا أن يقال: إنه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف
الأئمة عليهم السلام وأصحابهم
كذلك في عهد الشارع الأقدس. فإنه يستنتج منهما اعتبار الكيل والوزن في ما كان
مكيلا وموزونا في عهده.
وإن شئت قلت: بهيئة الشكل الأول ما كان مكيلا أو موزونا في عهده يجري فيه
الربا، وما يجري فيه الربا يشترط أن يباع بالكيل أو الوزن، ونتيجتهما أن كل ما كان مكيلا
أو موزونا في عهده يشترط أن يباع بالكيل أو الوزن.
وفيه: إن الأمر الأول - وهو الكبرى في القياس - إن أريد به أن من شرط جريان
الربا كون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه ولو في زمانه صلى الله عليه وآله خاصة فهو
حق، إلا أنه لا يفيد للمستدل. وإن أريد به أنه من شرطه كون ذلك شرطا في صحته إلى
الأبد، وما دام يجري فيه الربا فهو أول الكلام وغير ثابت.
فالإنصاف أن دعوى الاجماع، بل الشهرة في المقام في غير محلها.
إذا عرفت هذه الأمور فاعلم: أن الكلام يقع في موردين:

60
كان غير مقدر في زمان الشارع، حتى يتحقق المنافاة، والأصل في ذلك أن
مفهوم المكيل والموزون في الأخبار لا يراد بهما كل ما فرض صيرورته كذلك، حتى
يعم ما علم كونه غير مقدر في زمان الشارع، بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون
بهما في زمان المتكلم، وهذه الأفراد لا يعلم عدم كونها مكيلة ولا موزونة في زمن
النبي صلى الله عليه وآله لكن يرد على ذلك مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال
ويوزن، {1} أنه لا دليل حينئذ على اعتبار الكيل في ما شك في كونه مقدرا في ذلك
الزمان، مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر، إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله
في مفهوم المكيل والموزون، بل لا بد من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور
الأخبار ولا دليل أيضا على الحاق كل بلد لحكم نفسه مع اختلاف البلدان.
والحاصل أن الاستدلال بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن على ما هو
المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلى الله عليه وآله، ثم بما اتفق عليه البلاد، ثم بما
تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسه في غاية الاشكال. فالأولى تنزيل الأخبار على
ما تعارف تقديره عند المتبايعين



1) الوسائل - باب 40 - من أبواب آداب التجارة حديث 3.
61
وثبات ما ينافي ذلك من الأحكام المشهورة بالاجماع المنقول المعتضد
بالشهرة المحققة، وكذا الاشكال لو علم التقدير في زمن الشارع ولم يعلم كونه بالكيل
أو بالوزن. ومما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في
التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ على المتعارف عند الشارع {1} ولكون
المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان. بأن الحقيقة العرفية
هي المرجع عند انتفاء الشرعية ولكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان بأن
العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه، انتهى.
وذكر المحقق الثاني أيضا: إن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل
اطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله، فالمعتبر هو العرف

62
السابق، ولا أثر للتغير الطارئ للاستصحاب ولظاهر قوله صلى الله عليه وآله حكمي على
الواحد حكمي على الجماعة. وأما في الأقارير والأيمان ونحوها فالظاهر الحوالة على
عرف ذلك العصر الواقع فيه شئ عنها حملا له على ما يفهمه الموقع، انتهى.
أقول ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون، بل الكلام فيما هو المعتبر في
تحقق هذا المفهوم، فإن المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا فلا يباع جزافا أو لا يباع
بعضه ببعض إلا متساويا. إما أن يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم أو يراد به ما
هو المكيل في العرف العام، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف، وعلى أي تقدير، فلا
يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد، فلا بد لبيان حكم غير المراد من دليل خارجي
وإرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها وخصوصا
مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقة، لا مع عدمه غير صحيحة كما لا يخفى.
ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا حيث تأمل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف
الشارع والعرف العام والعرف الخاص، معللا باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف
عرفا عاما أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلى كل بلد، بلد كما قيل في
المأكول والملبوس في السجدة من الأمر الوارد بهما لو سلم، والظاهر هو الأخير،
انتهى.
وقد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها على

63
عرفهم صلوات الله عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب
اجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخرة، وما لم يعلم، فهو بناء على قواعدهم يرجع
إلى العرف العام إلى آخر ما ذكره من التفصيل، ثم قال: ويمكن أن يستدل للعرف
العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا، فإن
الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلى تسميته عرفا مكيلا، ويمكن تقييده بما لم يعلم
حاله في زمانهم عليهم السلام انتهى.
أقول: قد عرفت أن الكلام هنا ليس في معنى اللفظ، لأن مفهوم الكيل معلوم
لغة، وإنما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم، {1} ثم لو فرض
كون الكلام في معنى اللفظ، كان اللازم حمله على العرف العام إذا لم يكن عرف
شرعي لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ على المعنى
العرفي، بل لا بد من الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعي، ومع العجز يحكم بإجمال
اللفظ، كما هو واضح، هذا كله مع أن الأخبار إنما وصلت إلينا من الأئمة (صلوات الله
وسلامه عليهم) فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع. وأما ما استشهد به
للرجوع إلى العرف العام من قوله عليه السلام ما سميت فيه كيلا الخ



1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الربا حديث 6.
64
فيحتمل أن يراد عرف المخاطب فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين. نعم
مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص لمقطوعة ابن هاشم الآتية، فتأمل
وأبعد شئ في المقام ما ذكره في جامع المقاصد: من أن الحقيقة العرفية يعتبر
فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد
استقرارها فيما قبله انتهى.
وبالجملة، فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل، لكن الظاهر أن كلها متفق
عليها. نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة في أن لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا
أو أنه يغلب جانب التحريم، كما عليه جماعة من أصحابنا، لكن الظاهر اختصاص
هذا الحكم بالربا، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير، ثم إنه
يشكل الأمر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع، لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو
بالوزن ففيه وجوه أقواها وأحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر، وأشكل من ذلك
ما لو علم كون الشئ غير مكيل في زمن الشارع أو في العرف العام، مع لزوم الغرر
فيه عند قوم خاص ولا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفي
الغرر لاحتمال كون ذلك الشئ من المتبدلات في زمن الشارع أو في العرف بحيث
يتحرز عن الغرر بمشاهدته. وقد بلغ عند قوم في العزة إلى حيث لا يتسامح فيها،
فالأقوى وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن
أو العد.
وبالجملة فالأولى جعل المدار فيما لا اجماع فيه على وجوب التقدير بما بنى
الأمر في مقام استعلام مالية الشئ على ذلك التقدير، فإذا سئل عن مقدار ما عنده
من الجوز فيجاب بذكر العدد، بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان
والبطيخ، فإنه لا يجاب إلا بالوزن، وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير، فربما يجاب
بالكيل وربما يجاب بالوزن. لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من
حيث الوزن، إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن وقد تقدم أن الوزن أصل في
الكيل وما ذكرنا هو المراد بالمكيل والموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب
الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع وبدخول الربا فيهما، وأما ما لا يعتبر مقدار ماليته
بالتقدير بأحد الثلاثة كالماء والتبن والخضريات.

65
فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير فإن اختلف البلاد في التقدير
والعدم، فلا اشكال في التقدير في بلد التقدير. وأما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك
لابتذال الشئ عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة كفت
المشاهدة، وإن كان لعدم مبالاتهم بالغرر واقدامهم عليه حرصا مع الاعتداد
بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة، فلا اعتبار بعادتهم، بل يجب مخالفتها. فإن النواهي
الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات، كبيع الملاقيح والمضامين والملامسة
والمنابذة والحصاة على بعض تفاسيرها وثمر الشجر قبل الوجود وغير ذلك لم يرد
إلا ردا على من تعارف عندهم الاقدام على الغرر والبناء على المجازفات الموجب
لفتح أبواب المنازعات وإلى بعض ما ذكرنا أشار ما عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،
عن رجاله ذكره في حديث طويل، قال: ولا ينظر فيما يكال أو يوزن إلا إلى العامة،
ولا يؤخذ فيه الخاصة، فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم،
لأن أصل اللحم أن يوزن وأصل الجوز أن يعد، وعلى ما ذكرنا،

66
فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع {1} لا ببلد العقد ولا ببلد المتعاقدين، وفي شرح
القواعد لبعض الأساطين، ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي، ولو اختلف فلكل
بلد حكمه كما هو المشهور، وهل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين الأقوى، الأول ولو
تعاقدا في الصحراء {2} رجعا إلى حكم بلدهما، ولو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم
أو ذو الاعتبار على ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه والمشتري في ثمنه أو يبني على
الاقراع مع الاختلاف، وما اتفقا عليه مع الاتفاق أو التخيير ولعله الأقوى، ويجري
مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان والأولى التخلص بإيقاع
المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة ونحوها، ولو
حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي فالأقوى التخيير، ومع
الاختصاص بجمع قليل اشكال، انتهى.

67
مسألة: لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه {1} على المشهور،
وعبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه، ويدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة،
وما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول على صورة ايقاع
المعاملة غير مبنية على المقدار المخبر به، وإن كان الأخبار داعيا إليها، فإنها لا تخرج
بمجرد ذلك عن الغرر.
وقد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك.



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 4.
2) الوسائل - باب 4 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 2.
3) الوسائل - باب 5 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 6.
68
ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار، {1} كما يشهد به
الروايات المتقدمة، فلو لم يفد ظنا فإشكال من بقاء الجهالة الموجبة للغرر ومن عدم
تقييدهم الأخبار بإفادة الظن ولا المخبر بالعدالة، والأقوى بناء على اعتبار التقدير
وإن لم يلزم الغرر الفعلي هو الاعتبار. نعم لو دار الحكم مدار الغرر، كما في صحة
المعاملة ايقاعها مبنية على المقدار المخبر به وإن كان مجهولا ويندفع الغرر ببناء
المتعاملين على ذلك المقدار، فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة على أوصاف
مذكورة في العقد، فيقول بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا، وعلى كل
تقدير الحكم فيه بالصحة، فلو تبين الخلاف، {2} فأما أن يكون بالنقيصة

69
وأما أن يكون بالزيادة، فإن كان بالنقيصة تخير المشتري بين الفسخ وبين
الإمضاء، بل في جامع المقاصد احتمال البطلان، كما لو باعه ثوبا على أنه كتان فبان
قطنا، ثم رده بكون ذلك من غير الجنس وهذا منه وإنما الفائت الوصف لكن يمكن أن
يقال مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية {1} لا
يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما في أصل الحقيقة بخلاف الجزء والكل
فتأمل.
فإن المتعين الصحة والخيار، ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار
للبائع مع الزيادة وللمشتري مع النقيصة بقوله تخير المغبون، فربما تخيل بعض تبعا
لبعض أن هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء، معللا بأن خيار الوصف إنما
يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد، ويدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة
من التذكرة: بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص. وفي باب الصرف من
القواعد: بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما أخبر البائع تخير المشتري بين الفسخ
والإمضاء بحصة معينة من الثمن، وتصريح

70
جامع المقاصد في المسألة الأخيرة بابتنائها على المسألة المعروفة وهي ما لو
باع متساوي الأجزاء على أنه مقدار معين فبان أقل، ومن المعلوم أن الخيار في تلك
المسألة أما لفوات الوصف، وأما لفوات الجزء على الخلاف الآتي. وأما التعبير
بالمغبون فليشمل البائع على تقدير الزيادة والمشتري على تقدير النقيصة، {1} نظير
تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع والمشتري في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع
تبين الخلاف، حيث قال: تخير المغبون منهما
وأما ما ذكره من أن الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد
ففيه أن ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ككتابة
العبد وخياطته. وأما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع
كمقدار معين من الكيل أو الوزن أو العد فهذا لا يحتاج إلى ذكره في متن العقد، فإن
هذا أولى من وصف الصحة الذي يغني بناء العقد عليه عن ذكره في العقد، فإن معرفة
وجود ملاحظة الصحة

71
ليست من مصححات العقد بخلاف معرفة وجود المقدار المعين، وكيف كان
فلا اشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف، وإنما الاشكال في أن المتخلف في
الحقيقة هل هو جزء المبيع أو وصف من أوصافه، فلذلك اختلف في أن الامضاء هل
هو بجميع الثمن، أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الأجزاء إلى المعدوم. {1}
وتمام الكلام في موضع تعرض الأصحاب للمسألة، ثم إن في حكم اخبار البائع
بالكيل والوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا
إلى مقدار المبيع وأوقع العقد بناء عليه، كما إذا جعلنا الكيل في المعدود والموزون
طريقا إلى عده أو وزنه.

72
مسألة: قال في الشرائع يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم
يمسحا {1} ولو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر ادراكه بالمشاهدة،
انتهى.
وفي التذكرة لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة صح كالثوب والدار والغنم
اجماعا.
وصرح في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم وإن لم يعلم عددها.
أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد {2} لثبوت الغرر غالبا مع
جهل أذرع الثوب وعدد قطيع الغنم والاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا
بالمشاهدة عين المجازفة.
وبالجملة فإذا فرضنا أن مقدار مالية الغنم قله وكثرة يعلم بالعدد، فلا فرق بين
الجهل بالعدد فيها وبين الجهل بالمقدار في المكيل والموزون والمعدود. وكذا الحكم في
عدد الأذرع والطاقات في الكرابيس والجربان في كثير من الأراضي المقدرة عادة
بالجريب. نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في أذرع بعض طاقات الكرابيس، لكن
الاعتماد على هذه من حيث كونه طريقا إلى عدد الأذرع، نظير اخبار البائع، وليس
هذا معنى كفاية المشاهدة وتظهر الثمرة في ثبوت الخيار، إذ على تقدير كفاية المشاهدة
لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من المشاهدة، إلا
إذا كان النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا وعرضا.

73
وبالجملة فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل
إناطة الحكم به ولو لم يكن غرر، كما استظهرناه في المكيل والموزون، فافهم.
مسألة: بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء {1} كصاع من صبرة مجتمعة
الصيعان أو متفرقتها أو ذراع من كرباس أو عبد من عبدين وشبه ذلك يتصور على
وجوه:
الأول: أن يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة {2} مقدرا بذلك العنوان
فيريد بالصاع مثلا من صبرة تكون عشرة أصوع عشرها، ومن عبد من العبدين
نصفهما

74
ولا اشكال في صحة ذلك، ولا في كون المبيع مشاعا في الجملة، ولا فرق بين
اختلاف العبدين في القيمة وعدمه، ولا بين العلم بعدد صيعان الصبرة وعدمه، لأن
الكسر مقدر بالصاع فلا يعتبر العلم بنسبته إلى المجموع هذا، {1} ولكن قال في
التذكرة والأقرب أنه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل،
بخلاف الذراع من الأرض، انتهى. {2}
ولو يعلم وجه الفرق إلا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد والشاة. {3}

75
الثاني: أن يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الأفراد المتصورة
في المجموع، {1} نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد، وهذا يتضح في صاع من
الصيعان المتفرقة ولا اشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة، {2}
كالعبدين المختلفين لأنه غرر.
لأن المشتري لا يعلم بما يحصل في يده منهما. وأما مع اتفاقهما في القيمة، كما في
الصيعان المتفرقة، فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع، {3} بل في الرياض نسبته
إلى الأصحاب.
وعن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد
من غير تعيين أحد طرفيه إلى الأصحاب، واستدل على المنع بعضهم بالجهالة التي
تبطل معها البيع اجماعا، {4} وآخر بأن الابهام في البيع مبطل له {5} لا من حيث
الجهالة، ويؤيده أنه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين
المتساويين بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو صح، خلافا لبعض
العامة. {6}

76
وثالث بلزوم الغرر ورابع بأن الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به
كسائر الصفات الموجودة في الخارج وأحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به
لأنه أمر انتزاعي من أمرين معينين ويضعف الأول بمنع المقدمتين لأن الواحد على
سبيل البدل غير مجهول إذ لا تعين له في الواقع حتى يجهل، والمنع عن بيع المجهول ولو
لم يلزم غرر غير مسلم.
نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين، ففي
السرائر بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين قال: إن ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها، مناف لأصول مذهب
أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف
انتهى، وعن الخلاف في باب السلم: أنه لو قال اشترى منك أحد هذين العبدين أو
هؤلاء العبيد لم يصح الشراء، دليلنا أنه بيع مجهول فيجب أن لا يصح ولأنه بيع غرر
لاختلاف قيمتي العبدين ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع، وقد ذكرنا هذه
المسألة في البيوع.
وقلنا إن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين.
فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية ولم يقس غيرهما عليهما، انتهى.
وعبارته المحكية في باب البيوع هي: أنه روى أصحابنا أنه إذا اشترى عبدا
من عبدين على أن للمشتري أن يختار أيهما شاء أنه جائز، ولم يرووا في الثوبين شيئا،
ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة. وقوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم
وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين إن عدم تشخيص المبيع من الغرر الذي موجب
النهي عنه الفساد اجماعا
وظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة، وكون مثلها قادحة اتفاقا، مع فرض
عدم نص، بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته، لإجماع الأمة. ومما ذكرنا
من منع كبرى الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع، أعني كون
الابهام مبطلا.
{1} الثالث لزوم الغرر
{2} الرابع إن الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به كساير الصفات
الموجودة في الخارج وأحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامها به

77
وأما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الأفراد في الصفات
الموجبة لاختلاف القيمة، ولذا يجوز الأسلاف في الكلي من هذه الأفراد، مع أن
الانضباط في السلم آكد. وأيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة ولا فرق
بينهما من حيث الغرر قطعا، ولذا رد في الإيضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلي
برجوعه إلى عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد اجماعا
وأما الرابع فبمنع احتياج صفة الملك إلى موجود خارجي فإن الكلي المبيع
سلما أو حالا مملوك للمشتري ولا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا
للمشتري فالوجه أن الملكية أمر اعتباري يعتبره العرف والشرع أو أحدهما في
موارده وليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة والسواد. {1}
ولذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين بل أحد الشخصين ونحوهما
فالانصاف كما اعترف به جماعة أولهم المحقق الأردبيلي عدم دليل معتبر على المنع،
قال في شرح الإرشاد على ما حكى عنه بعد أن حكى عن الأصحاب المنع عن بيع
ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أي الطرفين، قال: وفيه تأمل، إذ لم يقم
دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم، فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا
الكرباس من أي طرف أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض. فما المانع
بعد العلم بذلك، انتهى.

78
فالدليل هو الاجماع لو ثبت، وقد عرفت من غير واحد نسبته إلى الأصحاب
قال بعض الأساطين في شرحه على القواعد، بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من
الثوب والأرض الراجع إلى بيع الكسر المشاع، قال: وإن قصدا معينا من عين أو
كليا لا على وجه الإشاعة بطل، لحصول الغرر بالابهام في الأول، وكونه بيع المعدوم
وباختلاف الأغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر، وللإجماع المنقول فيه إلى أن
قال: والظاهر بعد إمعان النظر ونهاية التتبع أن الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر
العرفي وبالعكس، وارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل
الماهية ولعل الدائرة في الشرع أضيق وإن كان بين المصطلحين عموم وخصوص من
وجهين، {1} وفهم الأصحاب مقدم لأنهم أدرى بمذاق الشارع وأعلم، انتهى.
ولقد أجاد حيث التجأ إلى فهم الأصحاب فيما يخالف العمومات. فرع على
المشهور، من المنع لو اتفقا على أنهما أرادا غير شائع لم يصح البيع لاتفاقهما على
بطلانه، {2}

79
ولو اختلافا فادعى المشتري الإشاعة فيصح البيع، {1} وقال البائع أردت
معينا ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشتري عملا بأصالة الصحة وأصالة عدم
التعيين، انتهى.
وهذا حسن لو لم يتسالما على صيغة ظاهرة في أحد المعنيين أما معه فالمتبع هو
الظاهر وأصالة الصحة لا تصرف الظواهر. وأما أصالة عدم التعيين فلم أتحققها {2}
وذكر بعض من قارب عصرنا أنه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة كان حمل
الفعل على الصحة قرينة صارفة وفيه نظر. {3}

80
الثالث: من وجوه بيع البعض من الكل أن يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة
المصاديق في الأفراد المتصورة في تلك الجملة. {1}
والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني كما حققه في جامع المقاصد بعد التمثيل
للثاني بما إذا فرق الصيعان وقال بعتك أحدها أن المبيع هناك واحد من الصيعان
المتميزة المتشخصة غير معين، فيكون بيعه مشتملا على الغرر. وفي هذا الوجه أمر
كلي غير متشخص ولا متميز بنفسه ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة ويوجد
به ومثله ما لو قسم الأرباع وباع ربعا منها من غير تعيين ولو باع ربعا قبل القسمة
صح وتنزل على واحد منها مشاعا لأنه حينئذ أمر كلي.
فإن قلت المبيع في الأولى أيضا أمر كلي قلنا: ليس كذلك بل هو واحد من
تلك الصيعان المتشخصة مبهم بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلي وبحسب
الواقع جزئي غير معين ولا معلوم والمقتضي لهذا المعنى هو تفريق الصيعان وجعل
كل واحد منها برأسه فصار اطلاق أحدها منزلا على شخص غير معلوم فصار كبيع
إحدى الشياة وأحد العبيد، ولو قال بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها لحكمنا
بالصحة، انتهى.

81
وحاصله أن البيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق
على الأفراد المتصورة في تلك الجملة. {1}
وفي الإيضاح أن الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة وبين الفرد
المنشر، ثم الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعنى، كما هو صريح جماعة منهم: الشيخ
والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم. بل الظاهر عدم الخلاف فيه وإن اختلفوا في
تنزيل الصاع من الصبرة على الكلي أو الإشاعة، لكن يظهر مما عن الإيضاح وجود
الخلاف في صحة بيع الكلي، وأن منشأ القول بالتنزيل على الإشاعة هو بطلان بيع
الكلي بهذا المعنى، والكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة، قال في الإيضاح في
ترجيح التنزيل على الإشاعة: إنه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين، فلا يكون
معلوم العين وهو الغرر الذي يدل النهي عنه على الفساد اجماعا، ولأن أحدهما بعينه
لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح ولا بعينه هو المبهم وابهام المبيع مبطل،
انتهى.

82
وتبعه بعض المعاصرين مستندا تارة إلى ما في الإيضاح من لزوم الابهام
والغرر، {1} وأخرى إلى عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا على وجه
الإشاعة. {2}
وثالثة: باتفاقهم على تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على
الإشاعة. {3} ويرد الأول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر، فكيف نسلم
في الكلي والثاني بأنه معهود في الوصية والاصداق، مع أنه لم يفهم مراده من
المعهودية في مورد، فإن أنواع الملك بل كل جنس لا يعهد تحقق أحدها في مورد
الآخر إلا أن يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلي
المشترك بين أفراد موجودة، فيكفي في رده النقض بالوصية وشبهها. هذا كله مضافا
إلى صحيحة الأطنان الآتية فإن موردها أما بيع الفرد المنتشر وأما بيع الكلي في
الخارج.
وأما الثالث: فسيأتي الكلام فيه انشاء الله تعالى.

83
مسألة: لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل على الوجه الأول من الوجود
الثلاثة المتقدمة أعني الكسر المشاع أو على الوجه الثالث وهو الكلي {1} بناء على
المشهور من صحته وجهان: بل قولان حكى، ثانيهما عن الشيخ والشهيدين والمحقق
الثاني وجماعة. واستدل له في جامع المقاصد بأنه السابق إلى الفهم وبرواية يزيد بن
معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى عن رجل عشرة آلاف طن من أنبار
بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد
بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت



1) الوسائل - باب 19 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
84
فأعطاه المشتري من ثمنه ألف درهم ووكل من يقبضه، فأصبحوا وقد وقع في
القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال عليه السلام العشرة
آلاف طن التي بقيت هي للمشتري والعشرون التي أحرقت من مال البائع، ويمكن
دفع الأول بأن مقتضى الوضع في قوله صاعا من صبرة هو الفرد المنتشر الذي
عرفت سابقا أن المشهور، بل الاجماع على بطلانه ومقتضى المعنى العرفي هو المقدار
المقدر بصاع، وظاهره حينئذ الإشاعة لأن المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع
فيه. وأما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر كما اعترف به في الرياض، لكن
الانصاف أن العرف يعاملون في البيع المذكور، معاملة الكلي، فيجعلون الخيار في
التعيين إلى البائع وهذه أمارة فهمهم الكلي {1}
وأما الرواية فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر، فلا بأس بحملها على الكلي
لأجل القرينة الخارجية، وتدل على عدم الإشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار
المبيع، وكونه مالا للمشتري، فالقول الثاني لا يخلو من قوة، بل لم نظفر بمن جزم
بالأول وإن حكاه في الإيضاح قولا ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا
أمور:

85
أحدها: كون التخيير في تعيينه بيد البائع، {1} لأن المفروض أن المشتري لم
يملك إلا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص، فلا يستحق على البائع خصوصية،
فإذا طالب بخصوصية زائدة على الطبيعة فقد طالب بما ليس حقا له، وهذا جار في
كل من ملك كليا في الذمة أو في الخارج، فليس لمالكه اقتراح الخصوصية على من
عليه الكلي، ولذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصى الميت لرجل بواحد من
متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده ونحو ذلك

86
إلا أنه قد جزم المحقق القمي في غير موضوع من أجوبة مسائله بأن الاختيار
في التعيين بيد المشتري {1} ولم يعلم له وجه مصحح فيا ليته قاس ذلك على طلب
الطبيعة حيث إن الطالب لما ملك الطبيعة على المأمور واستحقها منه، لم يجز له بحكم
العقل مطالبة خصوصية دون أخرى، وكذلك مسألة التمليك كما لا يخفى، وأما على
الإشاعة فلا اختيار لأحدهما لحصول الشركة، فيحتاج القسمة إلى التراضي.
ومنها أنه لو تلف بعض الجملة وبقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري
فيه، {2} لأن كل فرد من أفراد الطبيعة وإن كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه إلا أنه
يتوقف على تعيين مالك المجموع واقباضه، فكلما تلف قبل اقباضه خرج عن قابلية
ملكيته للمشتري فعلا فينحصر في الموجود

87
وهذا بخلاف المشاع فإن ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من
دون حاجة إلى اختيار واقباض، فكلما يتلف من المال فقد تلف من المشتري جزء
بنسبة حصته.
ومنها أنه لو فرضنا أن البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر
صاعا كليا آخر.
فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان للأول، {1} لأن الكلي المبيع ثانيا، إنما هو
سار في مال البائع، وهو ما عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف
جميع ما كان الكلي فيه ساريا، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض {2} وهذا بخلاف ما
لو قلنا بالإشاعة،

88
ثم اعلم أن المبيع إنما يبقى كليا ما لم يقبض. وأما إذا قبض {1} فإن قبض
منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري، {2} وإن قبض في ضمن الباقي بأن أقبضه
البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء والباقي أمانة حصلت الشركة لحصول ماله
في يده وعدم توقفه على تعيين واقباض، حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري
له فعلا وينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف على البائع دون المشتري
ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما. {3}

89
والحاصل أن كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا أو بعضا ملكا فعليا
للمشتري، والملك الفعلي له حينئذ هو الكلي الساري. فالتالف المعين غير قابل لكون
جزئه محسوبا على المشتري، لأن تملكه لمعين موقوف على اختيار البائع واقباضه
فيحسب على البائع بخلاف التالف بعد الاقباض، فإن تملك المشتري لمقدار منه
حاصل فعلا لتحقق الاقباض، فنسبة كل جزء معين من الجملة إلى كل من البائع
والمشتري على حد سواء. نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع على وجه الايفاء
بل على وجه التوكيل في التعيين أو على وجه الأمانة، حتى يعين البائع بعد ذلك كان
حكمه حكم ما قبل القبض، {1} هذا كله مما لا اشكال فيه، وإنما الاشكال في أنهم
ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات، واستثنى منها أرطالا معلومة، أنه لو خاست الثمرة
سقط من المستثنى بحسابه. {2}
وظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناة على الإشاعة، ولذا قال في الدروس:

90
إن في هذا الحكم دلالة على تنزيل الصاع من الصبرة على الإشاعة، وحينئذ
يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين حيث إن مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق
على تنزيلها على الإشاعة، والمشهور هنا التنزيل على الكلي وهو ما تقدم من
الصحيحة المتقدمة، وفيه أن النص إن استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن
مورده إلى مسألة الاستثناء أو بيان الفارق وخروجها عن القاعدة، وإن اقتصر على
مورده لم يتعد إلى غير مورده حتى في البيع، إلا بعد إبداء الفرق بين موارد التعدي
وبين مسألة الاستثناء.
وبالجملة فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء على التعدي عن مورده
الشخصي وأضعف من ذلك الفرق بقيام الاجماع على الإشاعة في مسألة الاستثناء
لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها إلى توقيف بالخصوص وأضعف من هذين الفرق
بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة وغيرهما مما يحمل الكلي فيها على الإشاعة وبين
البيع باعتبار القبض في لزوم البيع وايجابه على البائع فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع
يجب دفعه إلى المشتري إذ هو شبه الكلي في الذمة.

91
وفيه مع أن إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة والاستثناء أن ايجاب
القبض على البائع يتوقف على بقائه إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في
التالف والحكم بالبقاء يتوقف على نفي الإشاعة، فنفي الإشاعة بوجوب الاقباض لا
يخلو عن مصادرة، كما لا يخفى. وأما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في
الفرق ومثله في الضعف لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من
الصبرة قبل القبض فيلزم على البائع تسليم المبيع منها وإن بقي قدره، فلا ينقص
المبيع لأجله بخلاف الاستثناء، فإن التلف فيه بعد القبض والمستثنى بيد المشتري
أمانة على الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما.
ولهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا بخلاف البائع هناك، انتهى.
وفيه مع ما عرفت من أن التلف من الصبرة قبل القبض إنما يوجب تسليم تمام
المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة، فكيف يثبت به، أنه إن أريد من كون التلف

92
في مسألة الاستثناء بعد القبض أنه بعد قبض المشتري، ففيه أنه موجب لخروج البائع
عن ضمان ما يتلف من مال المشتري ولا كلام فيه ولا اشكال وإنما الاشكال في الفرق
بين المشتري في مسألة الصاع والبائع في مسألة الاستثناء حيث إن كلا منهما
يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه فكيف يحسب نقص التالف على
أحدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلي وإن أريد من كون
التلف بعد القبض أن الكلي الذي يستحقه البايع قد كان في يده بعد العقد فحصل
الاشتراك فإذا دفع الكل إلى المشتري فقد دفع مالا مشتركا فهو نظير ما إذا دفع
البائع مجموع الصبرة إلى المشتري، فالاشتراك كان قبل القبض، ففيه أن الإشكال
بحاله إذ يبقى سؤال الفرق بين قوله: بعتك صاعا من هذه الصبرة وبين قوله بعتك هذه
الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها، وما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول؟
مع كون مقتضى الكلي عدم تعين فرد منه أو جزء منه لمالكه، إلا بعد إقباض مالك
الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء، فإن كون الكل بيد البائع المالك للكلي
لا يوجب الاشتراك هذا مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد

93
العقد بالاشتراك وعدم جواز تصرف المشتري إلا بإذن البايع كما يشعر به
فتوى جماعة منهم الشهيدان والمحقق الثاني بأنه لو فرط المشتري وجب أداء
المستثنى من الباقي ويمكن أن يقال إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال إن
كان على عدم الإشاعة قبل التلف واختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود كما
ينبئ عنه فتوى جماعة منهم بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة
البايع في الباقي ويؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء الأرطال المعلومة من
الثمرة على استقلال المشتري في التصرف وعدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء،
فالمسألتان مشتركتان في التنزيل على الكلي ولا فرق بينهما إلا في بعض ثمرات
التنزيل على الكل وهو حساب التالف عليهما، ولا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق
إلا دعوى أن المتبادر من الكلي المستثنى هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري لا
مطلق الموجود وقت البيع، وإن كان بنائهم على الإشاعة من أول الأمر أمكن أن يكون الوجه في ذلك أن المستثنى كما يكون ظاهرا في الكلي كذلك

94
يكون عنوان المستثنى منه الذي انتقل إلى المشتري بالبيع كليا، بمعنى أنه
ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع فمعنى بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها بعتك
الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع، فهو كلي كنفس الصاع فكل
منهما مالك لعنوان كلي، فالموجود مشترك بينهما لأن نسبة كل جزء منه إلى كل منهما
على نهج سواء، فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح، وكذا التالف نسبته
إليهما على السواء فيحسب عليهما، وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا، فإن مال البائع
ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا بعتك صاعا من هذه الصبرة، إذ لم يقع موضوع
الحكم في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع.
فإن قلت: إن مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا في الخارج فيكون
كليا كنفس الصاع، قلت: نعم، ولكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتى يبقى ما
بقي ذلك العنوان ليكون الباقي بعد تلف البعض مصداقا لهذا العنوان وعنوان الصاع
على نهج سواء ليلزم من تخصيصه بأحدهما الترجيح من غير مرجح فيجئ
الاشتراك، فإذا لم

95
فإذا لم يبق إلا صاع كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم
بكونه مالكا له ولا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع فتأمل.
هذا ما خطر عاجلا بالبال، وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام الذي لم يبلغ إليه
ذهني القاصر إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفى الله عن الزلل في المعاثر، قال
في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد: إن أقسام بيع الصبرة عشرة {1} لأنها
إما يكون معلومة المقدار أو مجهولة، فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع وبيع جزء منها
معلوم مشاع، وبيع مقدار كقفيز تشتمل عليه وبيعها كل قفيز بكذا {2} لا بيع كل قفيز
منها بكذا، {3}

96
والمجهولة كلها باطلة {1} إلا الثالث وهو بيع مقدار معلوم يشتمل الصبرة
عليه ولو لم يعلم باشتمالها عليه. {2} فظاهر القواعد والمحكي عن حواشي الشهيد
وغيرها عدم الصحة واستحسنه في الروضة، ثم قال: ولو قيل بالاكتفاء بالظن
باشتمالها عليه كان متجها والمحكي عن ظاهر الدروس واللمعة: الصحة قال فيها، وإن
نقصت تخير بين أخذ الموجود منها بحصة من الثمن وبين الفسخ لتبعض الصفقة وربما
يحكى عن المبسوط والخلاف خلافه ولا يخلو عن قوة، وإن كان في تعيينه نظر، لا
لتدارك الضرر [الغرر] بالخيار لما عرفت غير مرة من أن الغرر إنما يلاحظ في البيع
مع قطع النظر عن الخيار الذي هو من أحكام العقد، فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند
العقد، بل لمنع الغرر وإن قيل عدم العلم بالوجود من أعظم أفراد الغرر، قلنا: نعم، إذا
بنى العقد على جعل الثمن في مقابل الموجود.
وأما إذا بنى على توزيع الثمن على مجموع المبيع الغير معلوم الوجود بتمامه فلا
غرر عرفا وربما يحتمل الصحة مراعي بتبين اشتمالها عليه.

97
وفيه أن الغرر إن ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال هذا، ولكن الأوفق
بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة إلا مع العلم بالاشتمال أو الظن الذي يتعارف
الاعتماد عليه ولو كان من جهة استصحاب الاشتمال.
وأما الرابع مع الجهالة وهو بيعها كل قفيز بكذا، فالمحكي عن جماعة المنع وعن
ظاهر اطلاق المحكي من عبارتي المبسوط والخلاف أنه لو قال: بعتك هذه الصبرة كل
قفيز بدرهم صح البيع، قال في الخلاف لأنه لا مانع منه والأصل جوازه. {1}
وظاهر اطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال، وعن الكفاية نفي البعد عنه إذ
المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن مما يمكن أن يعرف بأن يكال الصبرة ويوزع الثمن على
قفزاتها، {2} قال: وله نظائر ذكر جملة منها في التذكرة وفيه نظر.

98
مسألة: إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها، {1} فإن اقتضت العادة
تغيرها عن صفاتها السابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين، فلا يصح البيع إلا
بذكر صفات تصحح بيع الغائب، لأن الرؤية القديمة غير نافعة وإن اقتضت العادة
بقائها عليها، فلا إشكال في الصحة ولا خلاف أيضا إلا من بعض الشافعية وإن
احتمل الأمران جاز الاعتماد على أصالة عدم التغير والبناء عليها في العقد، {2}.



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب عقد البيع.
99
فيكون نظير أخبار البائع بالكيل والوزن، لأن الأصل من الطرق التي
يتعارف التعويل عليها ولو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليها لحصول أمارة
على خلافه فإن بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول، وهو ما اقتضى العادة
تغيره لم يجز البيع وإلا جاز مع ذكر تلك الصفات لا بدونه، لأنه لا ينقص عن الغائب
الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها، بل يمكن القول بالصحة في القسم
الأول إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا، لكن هذا كله
خارج عن البيع بالرؤية القديمة،

100
وكيف كان فإذا باع أو اشترى برؤية قديمة، فانكشف التغير تخير المغبون {1}
وهو البائع، إن تغير إلى صفات زادت في ماليته والمشتري إن نقصت عن تلك
الصفات لقاعدة الضرر، ولأن الصفات المبني عليها في حكم الصفات المشروطة {2}
فهي من قبيل تخلف الشرط، كما أشار إليه في نهاية الإحكام والمسالك بقولهما:
الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئي فكل ما فات منها فهو بمثابة
التخلف في الشرط، انتهى.
وتوهم أن الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها، فما نحن فيه من قبيل
ما لم يذكر من الشروط في متن العقد مدفوع، بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد
صيرورتها مأخوذة فيه حتى لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد والصفات
المرئية سابقا حيث إن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها كانت دخولها في العقد أولى من
دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية، ولذا لو لم يبن البيع عليها ولم يلاحظ
وجودها في البيع كان البيع باطلا

101
فالذكر اللفظي إنما يحتاج إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد
واحتمل في نهاية الإحكام: البطلان، ولعله لأن المضي على البيع وعدم نقضه عند
تبين الخلاف إن كان وفاء بالعقد وجب فلا خيار، وإن لم يكن وفاء لم يدل دليل على
جوازه، وبعبارة آخر العقد إذا وقع على الشئ الموصوف انتفى متعلقه بانتفاء صفته،
وإلا فلا وجه للخيار {1} مع أصالة اللزوم، ويضعفه أن الأوصاف الخارجة عن
حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع. أما ببناء العقد عليها وأما بذكرها في متن العقد
لا يعد، من مقومات للعقد، كما أنها ليست من مقومات المبيع، ففواتها فوات حق
للمشتري ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه، وتمام الكلام في
باب الخيار انشاء الله تعالى.

102
فرعان الأول: لو اختلفا في التغيير فادعاه المشتري، {1} ففي المبسوط والتذكرة
في الإيضاح والدروس وجامع المقاصد والمسالك تقديم قول المشتري، لأن يده
على الثمن، كما في الدروس وهو راجع إلى ما في المبسوط والسرائر من أن المشتري
هو الذي ينتزع منه الثمن ولا ينتزع منع إلا باقراره أو ببينة تقوم عليه، انتهى {2}

103
وتبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع الموصوف إذا لم
يسبقه برؤية حيث تمسك بأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به
أو يثبت بالبينة ولأن البائع يدعي علمه بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به
والأصل عدمه كما في التذكرة ولأن الأصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع
المقاصد، ويمكن أن يضعف الأول بأن يد المشتري على الثمن بعد اعترافه بتحقق
الناقل الصحيح يد أمانة غاية الأمر أنه يدعي سلطنته على الفسخ فلا ينفع تشبثه
باليد إلا أن يقال إن وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع على الثمن {1} بناء على ما
ذكره العلامة في أحكام الخيار من التذكرة ولم ينسب خلاف إلا إلى بعض الشافعية
من عدم وجوب تسليم الثمن، والمثمن في مدة الخيار وإن تسلم الآخر، وحينئذ
فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع على أخذ الثمن فلا مدفع لهذا
الوجه إلا أصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجئ.

104
والثاني: مع معارضته بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع على وصف آخر {1}
حتى يكون حقا له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشتري بهذا الوصف وعلمه
بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفى غيره بالأصل
الذي يرجع إليه أصالة عدم تغير المبيع لم يجز أصالة عدم علمه بهذا الوصف. {2}
والثالث: بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا، ولذا يجوز له
امضاء العقد وثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت فعليه الاثبات
والمرجع أصالة لزوم العقد ولأجل ما ذكرنا قوى بعض تقديم قول البائع هذا

106
ويمكن بناء المسألة على أن بناء المتبايعين حين العقد على الأوصاف {1}
الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد فهي كشروط مضمرة في نفس
المتعاقدين كما عرفت عن النهاية والمسالك، ولهذا لا يحصل من فقدها إلا خيار لمن
اشترطت له، ولا يلزم بطلان العقد أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون
المعقود عليه هو الشئ المقيد، ولذا لا يجوز الغائها في المعقود عليه، كما يجوز إلغاء
غيرها من الشروط، فعلى الأول يرجع النزاع في التغير وعدمه إلى النزاع في
اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه، والأصل مع البائع،
وبعبارة أخرى النزاع في أن العقد وقع على الشئ الملحوظ فيه الوصف المفقود أم لا
لكن الانصاف أن هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار لكنه ليس
شيئا مستقلا حتى يدفع عند الشك بالأصل، بل المراد به ايقاع العقد على العين
الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه متصفا
بذلك الوصف فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد،
فحينئذ يرجع النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق على الشئ الموجود حتى يلزم
الوفاء وعدمه والأصل عدمه ودعوى معارضته بأصالة عدم وقوع العقد على العين
المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع إلا بعد اثبات وقوع العقد على العين الغير المقيدة
بأصالة عدم وقوع العقد على المقيدة وهو غير جائز، كما حقق في الأصول. وعلى
الثاني يرجع النزاع إلى رجوع العقد والتراضي على الشئ المطلق

107
بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه، والأصل مع المشتري،
ودعوى معارضته بأصالة عدم وقوع العقد على الشئ الموصوف بالصفة
المفقودة {1} مدفوعة، بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا، حتى يلزم على
المشتري الوفاء به، فالزام المشتري بالوفاء بالعقد موقوف على ثبوت تعلق العقد
بهذا، وهو غير ثابت والأصل عدمه، وقد تقرر في الأصول أن نفي أحد الضدين
بالأصل لا يثبت الضد الآخر ليترتب عليه حكمه، وبما ذكرنا يظهر فساد التمسك
بأصالة اللزوم، حيث أن المبيع ملك المشتري والثمن ملك البائع اتفاقا وإنما اختلافهما
في تسلط المشتري على الفسخ فينفي ما تقدم من قاعدة اللزوم. توضيح الفساد أن
الشك في اللزوم وعدمه من حيث الشك في متعلق العقد، فإنا نقول: الأصل عدم
تعلق العقد بهذا الموجود حتى يثبت اللزوم وهو وارد على أصالة اللزوم.
والحاصل أن هنا أمرين أحدهما عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود
وأخذه فيه، وهذا الأصل ينفع في عدم الخيار لكنه غير جار لعدم الحالة السابقة.

108
والثاني: عدم وقوع العقد على الموصوف بذلك الوصف المفقود، وهذا جار
غير نافع نظير الشك في كون الماء [الخاص] المخلوق دفعة كرا من أصله، {1} فإن
أصالة عدم كريته نافعة غير جار وأصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة، في
ترتب آثار القلة على الماء المذكور فافهم واغتنم.
وبما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد {2} الحاكمة
على الأصول العملية المتقدمة، مثل ما دل على حرمة أكل المال إلا أن تكون تجارة
عن تراض، وعموم ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه، وعموم الناس
مسلطون على أموالهم، بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشتري على استرداد
الثمن من البائع، لأن المفروض صيرورته ملكا، إذ لا يخفى عليك أن هذه العمومات
مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي لا يدفع عوضه الذي وقع
المعاوضة عليه إلى المشتري، فإذا شك في ذلك، فالأصل عدم دفع العوض، وهذا
هو الذي تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه، فإن عدم وصول حقه إليه
يثبت موضوع خيار تخلف الوصف. فإن قلت: لا دليل على كون الخارج عن
العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور، بل نقول:

109
قد خرج من تلك العمومات المال الذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق
على المدفوع. فإذا شك في ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة {1} قلت
السبب في الخيار وسلطنة المشتري على فسخ العقد وعدم وجوب الوفاء به عليه هو
عدم كون العين الخارجة منطبقة على ما وقع العقد عليه.
وبعبارة أخرى هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه
إلى المشتري، لا وقوع العقد على ما يطابق العين الخارجية، كما أن السبب في لزوم
العقد مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها إلى ملك المشتري
والأصل موافق للأول ومخالف للثاني، مثلا إذا وقع العقد على العين على أنها سمينة
فبانت مهزولة، فالموجب للخيار هو أنه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه، وهو
السمين، لا وقوع العقد على السمين، فإن ذلك لا يقتضي الجواز وإنما المقتضي للجواز
عدم انطباق العين الخارجية على متعلق العقد.
ومن المعلوم أن عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك، فقد تحقق مما
ذكرنا صحة ما تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه.



1) النساء آية 29.
2) الوسائل - باب 3 - من أبواب مكان المصلي - والمستدرك ج 1 ص 222 والاحتجاج ص 267.
3) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث و ج 1 ص 154 الطبع القديم.
110
وكذا صحة ما في التذكرة من أصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا الموجود
حتى يجب الوفاء بما ألزم. نعم ما في المبسوط والسرائر والدروس من أصالة بقاء يد
المشتري على الثمن، كأنه لا يناسب أصالة اللزوم، بل يناسب أصالة الجواز عند
الشك في لزوم العقد، كما يظهر من المختلف في باب السبق والرماية، وسيأتي تحقيق
الحال في باب الخيار، وأما دعوى ورود أصالة عدم تغير المبيع على الأصول
المذكورة، {1} لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع، فهي مدفوعة مضافا
إلى منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة، {2} فاختلف في زمان المشاهدة
كما إذا علم بكونها سمينة وأنها صارت مهزولة، ولا يعلم أنها في زمان المشاهدة
كانت باقية على السمن أو لا. فحينئذ مقتضى الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة،
فالأصل تأخر التغير لا عدمه الموجب للزوم العقد أن مرجع أصالة عدم تغير المبيع
إلى عدم كونها حين المشاهدة سمينة.
ومن المعلوم أن هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد، نظير أصالة عدم وقوع العقد
على السمين. نعم لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة، وتعلق العقد بالمهزول
ثبت لزوم العقد، ولكن الأصول العدمية في مجاريها لا يثبت وجود أضدادها، هذا كله

111
مع دعوى المشتري النقص الموجب للخيار، ولو ادعى البائع الزيادة الموجبة
لخيار البائع، {1} فمقتضى ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع، لأن الأصل
عدم وقوع العقد على هذا الموجود حتى يجب عليه الوفاء به. وظاهر عبارة اللمعة
تقديم قول المشتري هنا ولم يعلم وجهه.

112
الثاني: لو اتفقا على التغير بعد المشاهدة ووقوع العقد على الوصف المشاهد
واختلفا في تقدم التغير {1} على البيع ليثبت الخيار، وتأخره عنه على وجه لا يوجب
الخيار تعارض كل من أصالة عدم تقدم البيع والتغير على صاحبه، وحيث إن مرجع
الأصلين إلى أصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا وأصالة بقاء السمن وعدم
وجود الهزال حال البيع.
والظاهر أنه لا يترتب على شئ منهما الحكم بالجواز واللزوم، لأن اللزوم من
أحكام وصول ما عقد عليه وانتقاله إلى المشتري وأصالة بقاء السمن لا يثبت
وصول السمين، كما أن أصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه،

113
فالمرجع إلى أصالة عدم وصول حق المشتري إليه، {1} كما في المسألة
السابقة، إلا أن الفرق بينهما هو أن الشك في وصول الحق هناك ناشئ عن الشك في
نفس الحق، وهنا ناشئ عن الشك في وصول الحق المعلوم. وبعبارة أخرى الشك
هنا في وصول الحق، وهناك في حقه الواصل، ومقتضى الأصل في المقامين عدم
اللزوم، ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع، بأن اتفقا على
مشاهدته مهزولا، ووقوع العقد على المشاهد وحصل السمن.

114
واختلفا في تقدمه على البيع ليثبت الخيار للبائع فافهم وتدبر. {1}
فإن المقام لا يخلو عن اشكال واشتباه، ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما
يكفي في قبضه التخلية، واختلفا في تقدم التلف على البيع وتأخره، {2} فالأصل بقاء
ملك المشتري على الثمن لأصالة عدم تأثير البيع،. وقد يتوهم جريان أصالة صحة
البيع هنا للشك في بعض شروطه وهو وجود المبيع.
وفيه أن صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر شرعا، فإذا
فرضنا أنه عقد على شئ معدوم في الواقع، فلا تأثير له عقلا في تمليك العين، لأن
تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند الوجود

115
ولا على قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته غير معقول، ومجرد انشائه باللفظ لغو
عرفا يقبح مع العلم دون الجعل بالحال، فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا
يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم {1} لأن التمليك الحقيقي غير متحقق
والصوري، وإن تحقق لكنه ليس بفاسد، إذ اللغو فاسد عرفا أي قبيح إذا صدر عن
علم بالحال.
وبالجملة: الفاسد شرعا الذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي
المقصود الذي لم يمضه الشارع، فافهم.
هذا فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقدم بيع الراهن على
رجوع المرتهن عن إذنه في البيع وتأخيره عنه،

116
حيث تمسك بأصالة صحة الرجوع عن الإذن لأن {1} الرجوع لو وقع بعد
بيع الراهن كان فاسدا لعدم مصادفته محلا يؤثر فيه، نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا
أو تحقق الانشاء الحقيقي عرفا ولو فيما إذا باع بلا ثمن {2} أو باع ما هو غير مملوك،
كالخمر والخنزير وكالتالف شرعا كالغريق والمسروق أو معدوم قصد تملكه عند
وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة كما لو باع ما أتلفه زيد على
عمرو {3} أو صالحه إياه بقصد حصول أثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة
والفساد، فإذا حكم بفساد شئ من ذلك، ثم شك في أن العقد الخارجي منه أم من
الصحيح حمل على الصحيح.

117
مسألة: لا بد من اختبار الطعم واللون والرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف
ذلك، {1} كما في كل وصف يكون كذلك إذ لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم بين
هذه الأوصاف وبين تقدير العوضين بالكيل والوزن والعد، ويغني الوصف عن
الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف دون ما لا ينضبط كمقدار الطعم والرائحة
واللون وكيفياتها، فإن ذلك مما لا يمكن ضبطه إلا باختبار شئ من جنسه، ثم الشراء
على ذلك النحو من الوصف مثل أن يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة فبيع منه
لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف.

118
وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامة. نعم لو لم
يرد من اختبار الأوصاف إلا استعلام صحته وفساده جاز شرائها بوصف الصحة،
كما في الدبس والدهن مثلا، فإن المقصود من طعمها ملاحظة عدم فسادهما، بخلاف
بعض أنواع الفواكه والروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ورائحتها، ولا
يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها وفسادها واطلاق كلمات الأصحاب في
جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته {1} بالوصف محمول على ما إذا أريد الأوصاف
التي لها مدخل في الصحة لا الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة، بقرينة
تعرضهم بعد هذا البيان جواز شرائها من دون اختبار ولا وصف بناء على أصالة
الصحة، وكيف كان فقد قوى في السرائر عدم الجواز أخيرا بعد اختيار جواز بيع ما
ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعى عليه الاجماع في الغنية. قال يمكن أن يقال إن
بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون بالوصف، لأنه غير غائب، فيباع مع
خيار الرؤية بالوصف. فإذن لا بد من شمه وذوقه لأنه حاضر مشاهد غير غائب
يحتاج إلى الوصف وهذا أقوى، انتهى.



1) الحجرات آية 6.
2) الوسائل - باب 5 - من أبواب عقد البيع.
119
ويضعفه أن المقصود من الاختبار رفع الغرر، فإذا فرض رفعه بالوصف كان
الفرق بين الحاضر والغائب تحكما، بل الأقوى جواز بيعه من غير اختبار ولا وصف
بناء على أصالة الصحة وفاقا للفاضلين، ومن تأخر عنهما، لأنه إذا كان المفروض
ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه، فذكره في الحقيقة يرجع إلى ذكر
وصف الصحة.
ومن المعلوم أنه غير معتبر في البيع اجماعا، بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا
لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب. وأما رواية محمد بن العيص عن الرجل
يشتري ما يذاق أيذوقه قبل أن يشتري؟ قال: نعم، فليذقه ولا يذوقن ما لا
يشتري، فالسؤال فيها عن جواز الذوق لا عن وجوبه، ثم إنه ربما نسب الخلاف في
هذه المسألة إلى المفيد والقاضي وسلار وأبي الصلاح وابن حمزة، {1} قال في المقنعة



1) الوسائل - باب 25 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
120
كل شئ من المطعومات والمشمومات يمكن للإنسان اختباره من غير افساد
له كالأدهان المختبرة بالشم وصنوف الطيب والحلوات المذوقة، فإنه لا يصح بيعه
بغير اختبار، فإن ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا والمتبايعان فيها بالخيار، {1} فإن
تراضيا بذلك لم يكن به بأس انتهى.
وعن القاضي أنه لا يجوز بيعه إلا بعد أن يختبر فإن بيع من غير اختبار كان
المشتري مخيرا في رده له على البائع، والمحكي عن سلا وأبي الصلاح وابن حمزة
اطلاق القول بعد صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار من غير تعرض
لخيار المتبايعين كالمفيد أو للمشتري كالقاضي. ثم المحكي عن المفيد وسلار أن ما
يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة.
وعن النهاية والكافي أن بيعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من
العيوب {2}.
وعن القاضي لا يجوز بيعه إلا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب. قال في
محكي المختلف بعد ذكر عبارة القاضي: إن هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين.
إما الصحة أو البراءة من العيوب وليس بجيد، بل الأولى انعقاد البيع سواء شرط
أحدهما أو خلى عنهما أو شرط العيب.
والظاهر أنه إنما صار إلى الايهام من عبارة الشيخين حيث قالا: إنه جاز على
شرط الصحة أو بشرط الصحة، ومقصودهما أن البيع بشرط الصحة أو على شرط
الصحة جائز لا أن جوازه مشروط بالصحة أو البراءة، انتهى.

121
أقول: ولعله لنكتة بيان أن مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في
العقد كما عبر في القواعد فيما يفسده الاختبار: بقوله جاز شرط الصحة لكن
الانصاف: إن الظاهر من عبارتي المقنعة والنهاية ونحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في
العقد، كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلى آخرها.
وعبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ. وظاهر الكل كما ترى
اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده، كما تقدم من الحلي فلا يكفي ذكر الأوصاف
فضلا عن الاستغناء عنها بأصالة السلامة، ويدل عليه أن هؤلاء اشترطوا في ظاهر
عبائرهم المتقدمة: اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار وإن
فهم في المختلف خلاف ذلك لكن قدمنا ما فيه، فينبغي أن يكون كلامهم في الأمور
التي لا تنضبط {1} خصوصية طعمها وريحها بالوصف.
والظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب، إلا
أن تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار {2} كالشاهد على أن المراد بالأوصاف
التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة، كما أن مقابله وهو ما يفسد الشئ
باختباره كالبيض والبطيخ كذلك غالبا، ويؤيده حكم القاضي بخيار المشتري.

122
وكيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف، فلا
خلاف معهم منا ولا من الأصحاب، وإن كان مذهبهم موافقا للحلي {1} بناء على
إرادة الأوصاف التي بها قوام السلامة من العيب، فقد عرفت أنه ضعيف في الغاية
وإن كان مذهبهم عدم كفاية البناء على أصالة السلامة عن الاختبار والوصف وإن
كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار، فقد عرفت أن الظاهر من حالهم وحال
غيرهم عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان
الشخصية.
ويمكن أن يقال بعد منع جريان أصالة السلامة في الأعيان لعدم الدليل عليها
لا من بناء العقلاء إلا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد، {2} مع أن الكلام في كفاية
أصالة السلامة عن ذكر الأوصاف أعم، ولا من الشرع لعدم الدليل عليه أن السلامة
من العيب الخاص متى ما كانت مقصودة {3} على جهة الركنية للمال، كالحلاوة في
الدبس والرائحة في الجلاب والحموضة في الخل وغير ذلك مما يذهب بذهابه معظم
المالية، فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه
الصفات وحيث فرض عدم اعتبار أصالة السلامة.

123
فلا بد من الاختبار أو الوصف أو الاعتقاد بوجودها، لأمارة عرفية مغنية
عن الاختبار والوصف ومتى ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه لم تجب احرازها.
نعم لما كان الاطلاق منصرفا إلى الصحيح {1} جاء الخيار عند تبين العيب، فالخيار
من جهة الانصراف نظير انصراف الاطلاق إلى النقد لا النسية وانصراف اطلاق
الملك في المبيع إلى غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في احراز
الصحة والبناء عليها على أصالة السلامة.
وبعبارة أخرى، الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر، ككون الجارية
ممن لا تحيض في سن الحيض، ومثل هذا لا يعتبر احراز السلامة عنه، وقد يستلزمه
ككون الجارية خنثى، وكون الدابة لا يستطيع المشي أو الركوب والحمل عليه، وهذه
مما يعتبر احراز السلامة عنها، وحيث فرض عدم احرازها بالأصل، فلا بد من
الاختبار أو الوصف، هذا ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل أن بعضهم كالمحقق في النافع
والعلامة في القواعد عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه، هذا، ولكن الانصاف
أن مطلق العيب {2} إذا التفت إليه المشتري وشك فيه فلا بد في دفع الغرر من احراز
السلامة عنه. أما بالاختبار وأما بالوصف وأما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام
الوصف. أما لأجل الانصراف. وأما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب
أصلا، فلا بد أما من كفاية الاطلاق في الكل للأصل والانصراف.
وأما من عدم كفايته في الكل نظرا إلى أنه لا يندفع به الغرر إلا إذا حصل منه
الوثوق، حتى أنه لو شك في أن هذا العبد صحيح أو أنه أجذم لم يجز البناء على أصالة

124
السلامة إذا لم يفد الوثوق، بل لا بد من الاختبار أو وصف كونه غير أجذم،
وهذا وإن كان لا يخلو عن وجه إلا أنه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع
من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب
وعدمها.
مسألة: يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار {1} اجماعا على
الظاهر والأقوى عدم اعتبار اشتراط الصحة في العقد، وكفاية الاعتماد على أصالة
السلامة {2} كما فيما لا يفسده الاختبار، خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار
اشتراط الصحة

125
أو البراءة من العيوب {1} أو خصوص أحدهما. وقد عرفت تأويل العلامة
في المختلف لعبارتي المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك وارجاعهما إلى ما أراده من
قوله في القواعد جاز بيعه بشرط الصحة من أنه مع الصحة يمضي البيع ولا معها
يتخير المشتري وعرفت أن هذا التأويل مخالف للظاهر حتى أن قوله في القواعد
ظاهر في اعتبار شرط الصحة.
ولذا قال في جامع المقاصد: وكما يجوز بيعه بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا،



1) الوسائل - باب 40 - من أبواب آداب التجارة حديث 3.
126
وكيف كان، فإذا تبين فساد البيع، {1} فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر
ونحوه، فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة والجوز تخير بين الرد والأرش، ولو
فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعد الفاسد من أفراد ذلك الجنس عرفا كالجوز الأجوف
الذي لا يصلح إلا للاحراق، فيحتمل قويا بطلان البيع إن لم يكن لفاسده قيمة
تبين بطلان البيع لوقوعه على ما ليس بمتمول، وإن كان تبين الفساد بعد الكسر ففي
الأول تبين الأرش خاصة لمكان التصرف، ويظهر من المبسوط قول بأنه لو كان
تصرفه على قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد، والمراد بالأرش تفاوت ما
بين صحيحه وفاسده الغير المكسور، لأن الكسر نقص حصل في يد المشتري، ومنه
يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة، لأن العبرة في التمول بالفاسد
الغير المكسور، ولا عبرة بخروجه بالكسر عن التمول، ويبطل البيع في الثاني

127
أعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط والسرائر.
وظاهر من تأخر عنهما وظاهرهم بطلان البيع من رأس، كما صرح به الشيخ
والحلي والعلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه على ما لا قيمة له كالحشرات وهو
صريح جملة ممن تأخر عنهم وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس، فإن ظاهره
انفساخ البيع من حيث تبين الفساد لا من أصله، {1} وجعل الثاني احتمالا ونسبه إلى
ظاهر الجماعة، ولم يعلم وجه ما اختاره. ولذا نسب في الروضة خلافه إلى الوضوح
وهو كذلك فإن الفاسد الواقعي إن لم يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا
لأن اشتراط تمول العوضين واقعي لا علمي



1) الوسائل - باب 5 و 8 - من أبواب الخيار.
128
وإن كان من الأموال الواقعية، فإن لم يكن بينه وبين الصحيح تفاوت في
القيمة لم يكن هنا أرش ولا رد {1} بل كان البيع لازما وقد تلف المبيع بعد قبضه وإن
كان بينه وبين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين
الصحيح والفاسد من الثمن لا جميع الثمن.
اللهم إلا أن يقال إنه مال واقعي إلى حين تبين الفساد، فإذا سقط عن المالية
لأمر سابق على العقد وهو فساده واقعا كان في ضمان البائع، فينفسخ البيع حينئذ بل
يمكن أن يقال بعدم الانفساخ فيجوز له الامضاء، فيكون المكسور ملكا له وإن خرج
عن المالية بالكسر وحيث إن خروجه عن المالية لأمر سابق على العقد كان مضمونا
على البائع، {2} وتدارك هذا العيب أعني فوات المالية، لا يكون إلا بدفع تمام الثمن،
لكن سيجئ ما فيه من مخالفة القواعد والفتاوى. وفيه وضوح كون ماليته عرفا
وشرعا من حيث الظاهر.

129
وأما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من أول الأمر مع أنه لو
كان مالا واقعا فالعيب حادث في ملك المشتري، فإن العلم مخرج له عن المالية لا
كاشف فليس هذا عيبا مجهولا ولو سلم فهو كالأرمد يعمى بعد الاشتراء، والمريض
يموت مع أن فوات المالية يعد تلفا لا عيبا، ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار
ملكية المشتري الثمن إلى حين تبين الفساد، وعن الدروس واللمعة أنها تظهر في مؤنة
نقله {1} عن الموضع الذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره، فعلى الأول على البائع
وعلى الثاني على المشتري لوقوعه في ملكه، وفي جامع المقاصد الذي يقتضيه النظر
أنه ليس له رجوع على البائع بها لانتفاء المقتضي وتبعه الشهيد الثاني قال لأنه نقله
بغير أمره فلا يتجه الرجوع عليه بها وكون المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع
حيث رجع بما غرم إنما يتجه مع الغرور وهو منفي هنا لاشتراكهما في الجهل، انتهى.
واعترض عليه بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار، وهنا قول ثالث نفي
عنه البعد بعض الأساطين، وهو كونه على البائع على التقديرين وهو بعيد على تقدير
الفسخ من حين تبين الفساد، هذا كله في مؤنة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع
الكسر.

130
وأما مؤنة نقله من موضع الكسر، لو وجب تفريغه منه {1} لمطالبة مالكه،
أو لكونه مسجدا أو مشهدا، فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة:
فالظاهر أنه على البايع على التقديرين، لأنه بعد الفسخ ملكه، وأما لو لم يكن
قابلا للتملك فلا يبعد مؤاخذة المشتري به وفي رجوعه على البائع ما تقدم في مؤنة
نقله إلى موضع الكسر، ثم إن المحكي في الدروس عن الشيخ وأتباعه أنه لو تبرأ
البائع من العيب {2} فيما لا قيمة لمكسوره صح، قال: ويشكل أنه أكل مال بالباطل،
وتبعه الشهيد والمحقق الثانيان



1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 3 - 4 - 5.
131
وقد تصدى بعض لتوجيه صحة اشتراء البراءة {1} بما حاصله منع بطلان
البيع وإن استحق المشتري مجموع الثمن من باب الأرش المستوعب، فإن الأرش
غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب، لا أنه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما
قابله من المثمن، ولذا يسقط بالاسقاط ولا يتعين على البائع الاعطاء من نفس الثمن
ليسقط بالتبري وليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع إذ المثمن يتحقق على
حسب معاملة العقلاء، ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في صحة البيع، فمع فرض رضاه
بذلك يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو.
نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب، ولعله لذا لم يعبروا
بالبطلان وإن ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن، وفهم منه جماعة بطلان البيع، لكنه
قد يمنع بعدم خروجه عن المالية وإن لم يكن له قيمة وهو أعم من بطلان البيع، انتهى
محصله وفيه مواقع للنظر فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع، كالشيخ
في المبسوط والحلي في السرائر والعلامة في التذكرة، معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا
قيمة له، وبين من صرح برجوع المشتري بتمام الثمن الظاهر في البطلان، فإن الرجوع
بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان، ويكفي في ذلك ما تقدم من الدروس من أن
ظاهر الجماعة البطلان، من أول الأمر، واختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد،
فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش،

132
بل ظاهر العلامة رحمه الله في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث إنه بعد
حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له، وحكاية ذلك عن بعض
الشافعية قال، وقال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة، بل لأن الرد ثبت على سبيل
استدراك الظلامة، {1} وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك
يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع ويظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن
يختص، حتى يجب عليه تطهير الموضع عنها، انتهى.
هذا مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان بناء على ما ذكرنا من القطع بأن الحكم
بمالية المبيع هنا شرعا وعرفا حكم ظاهري، وتمول العوضين واقعا شرط واقعي لا
علمي، ولذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا {2} وغير
ذلك إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما، ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن
المالية وبين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم. {3} فلعله أراد الملكية مضافا إلى أن
الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال، لأن الأرش كما صرحوا به
تفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب. نعم ذكر العلامة في التذكرة والتحرير
والقواعد أن المشتري للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن
أو طلب الأرش، فإن استوعب الجناية القيمة كان الأرش جميع الثمن أيضا

133
وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن
بعد فراجع، وكيف كان فلا أجد وجها لما ذكره، وأضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر
من منع حكم الشيخ وأتباعه بصحة البيع واشتراط البائع على المشتري البراءة من
العيوب، وزعم أن معنى اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشتري على البائع
البراءة من العيوب، فيكون مرادفا لاشتراط الصحة، وأنت خبير بفساد ذلك، بعد
ملاحظة عبارة الشيخ والأتباع. فإن كلامهم ظاهر أو صريح في أن المراد براءة البائع
من العيوب لا المشتري. نعم لم أجد في كلام الشيخين والمحكي عن غيرهما تعرضا
لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره، ثم إنه ربما يستشكل في جواز
اشتراط البراءة من العيوب {1} الغير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر، فإن بيع
ما لا يعلم صحته، وفساده لا يجوز إلا بناء على أصالة الصحة، واشتراط البراءة كان
بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب وعدمها، وقد صرح العلامة وجماعة
بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة، وسيجئ توضيحه في
باب الخيارات انشاء الله.
مسألة: المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأره {2} والفأر
بالهمزة قيل جميع فأرة كتمر وتمرة.
وعن النهاية أنه قد لا يهمز تخفيفا ومستند الحكم العمومات {3} الغير المزاحمة بما يصلح

134
للتخصيص عدا توهم النجاسة {1} المندفع في باب النجاسات بالنص
والاجماع {2} أو توهم جهالته بناء على ما تقدم من احتمال عدم العبرة بأصالة
الصحة في دفع الغرر ويندفع بما تقدم من بناء العرف على الأصل في نفي الفساد {3}
وبناء الأصحاب على عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة
لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد. وأما الغرر من
جهة تفاوت أفراد الصحيح الذي لا يعلم إلا بالاختبار فلا رافع له. نعم قد روي في
التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة، وكيف
كان. فإذا فرض أنه ليس له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في
القيمة، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بإبرة، ثم اخراجه وشمه



1) الوسائل - باب 43 - من أبواب لباس المصلي - وباب 95 و 97 - من أبواب آداب الحمام.
135
ثم لو شمه ولم يرض به فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو
فرض حصوله فيه، ولو بكونه جزءا أخيرا لسبب النقص بأن فتق قبله بإدخال
الخيط والإبرة مرارا وجه، مبني على ضمان النقص في المقبوض بالسوم، {1} فالأولى
أن يباشر البائع ذلك فيشم المشتري الخيط، ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع
اللؤلؤ في الصدف وهو كذلك، وصرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج
للجهالة وهو حسن، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث
الكبر والصغر.



1) الحجرات: 6.
2) الوسائل - باب 5 - من أبواب عقد البيع.
136
مسألة: لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه، {1} لأن
ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة، فيكون المجموع مجهولا، إذ لا نعني بالمجهول ما
كان كل جزء جزء منه مجهولا، ويتفرع على ذلك أنه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو
كان مملوكا لجهالته وإن ضم إليه القصب أو غيره، ولا اللبن في الضرع ولو ضم إليه ما
يحلب منه أو غيره على المشهور، كما في الروضة وعن الحدائق: وخص المنع جماعة بما
إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما إلى المعلوم، وجوزوا بيعه إذا كان
تابعا للمعلوم، وهو المحكي عن المختلف وشرح الإرشاد لفخر الاسلام والمقتصر،
واستحسنه المحقق والشهيد الثانيان. ولعل المانعين لا يريدون إلا ذلك، نظرا إلى أن
جهالة التابع لا يوجب الغرر، ولا صدق اسم المجهول على المبيع عرفا، حتى يندرج
في اطلاق ما دل من الاجماع على عدم جواز بيع المجهول. فإن أكثر المعلومات بعض
أجزائها مجهول، خلافا للشيخ في النهاية، وابن حمزة في الوسيلة، والمحكي عن
الإسكافي والقاضي، بل في مفتاح الكرامة أن الحاصل من التتبع أن المشهور بين
المتقدمين هو الصحة، بل عن الخلاف والغنية الاجماع في مسألة السمك، واختاره من
المتأخرين المحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية والمحدث العاملي والمحدث الكاشاني.
وحكى عن ظاهر غاية المراد وصريح حواشيه على القواعد

137
وحجتهم على ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك واللبن
وغيرهما.
ففي مرسلة البزنطي التي إرسالها كوجود سهل فيها سهل، {1} عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شيئا من سمك فباع [فيباع] وما في الأجمة.
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس بأن يشتري الآجام إذا
كان فيها قصب، والمراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة واللاحقة. {2} ورواية
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء، قال
يصيد كفا من سمك تقول أشتري منك هذا السمك، وما في هذه الأجمة بكذا وكذا.



1) الوسائل - باب 12 - من أبواب عقد البيع حديث 2.
2) نفس المصدر حديث 6.
3) نفس المصدر حديث 5.
138
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الفقيه، قال: سألته عن اللبن يشترى
وهو في الضرع، قال: لا، إلا أن يحلب لك في سكرجة، {1} فيقول: اشتر مني هذا اللبن
الذي في الاسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في الضرع شئ كان
ما في السكرجة، وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم يبيع البانها بغير كيل، قال: نعم حتى تنقطع أو شئ
منها، بناء على أن المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه، {2} أو بيع شئ منه محلوب
في الخارج، وما بقي في الضرع بعد حلب شئ منه. وفي الصحيح إلى ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل اشترى من رجل
أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما، قال: لا بأس إن لم يكن
في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف.



1) الوسائل - باب 8 - من أبواب عقد البيع حديث 2.
2) نفس المصدر حديث 1.
3) الوسائل - باب 10 - من أبواب عقد البيع حديث 1.
139
وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل، يتقبل
بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد
والسمك والطير وهو لا يدري، لعله لا يكون شئ من هذا أبدا أو يكون، أيشتريه
وفي أي زمان يشتريه ويتقبل به، قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا. أنه قد
أدرك فاشتره وتقبل به. وظاهر الأخيرين كموثقة سماعة أن الضميمة المعلومة إنما
تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع، لا من حيث جهالته، فإن ما في
الاسكرجة غير معلوم بالوزن والكيل. وكذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة
في رواية الهاشمي، مع أن المشهور، كما عن الحدائق المنع عن بيع الأصواف على ظهور
الغنم، بل عن الخلاف عليه الاجماع، والقائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي، مع
منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلى الأصواف، فتبين أن الرواية لم
يقل أحد بظاهرها، {1} ومثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول، روايتا
أبي بصير والبزنطي فإن الكف من السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون. ولذا
جعلوه من الربويات، ولا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة،
لاحتمال أن لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة
الحديد بخلاف القليل منه. وأما رواية معاوية بن عمار فلا دلالة فيها على بيع السمك
إلا بقرينة روايتي أبي بصير والبزنطي التين عرفت حالهما، فتأمل.



1) الوسائل - باب 12 - من أبواب عقد البيع حديث 4.
140
ثم على تقدير الدلالة إن أريد انتزاع قاعدة منها وهي جواز ضم المجهول إلى
المعلوم وإن كان المعلوم غير مقصود، إلا حيلة لجواز نقل المجهول، فلا دلالة فيها على
ذلك، ولم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة، بل المعلوم من بعضهم بل كلهم
خلافه فإنا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو
التقدير بمجرد ضم شئ معلوم إليه، كما يشهد به تتبع كلماتهم، وإن أريد الاقتصار
على مورد النصوص وهو بيع سمك الآجام ولبن الضرع وما في البطون مع الأصواف
فالأمر سهل على تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين
الكل، من عدم جواز بيع المجهول مطلقا.
بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم، وأصله من العلامة قال في القواعد في
باب شرط العوضين: كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم إلى معلوم.
ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا، انتهى.
وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه إلا أن مرادهم من المقصود
والتابع غير واضح والذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة: إن مراده بالتابع
ما يشترط دخوله في البيع، {1} وبالمقصود ما كان جزء، قال في القواعد في باب
الشرط في ضمن البيع:

141
لو شرط أن الأمة حامل والدابة كذلك صح، أما لو باع الدابة وحملها
والجارية وحملها، بطل لأن كلما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزء من المقصود
ويصح تابعا، انتهى.
وفي باب ما يندرج في المبيع قال: السادس العبد، ولا يتناول ماله الذي ملكه
مولاه إلا أن يستثنيه المشتري إن قلنا إن العبد يملك فينتقل إلى المشتري مع العبد،
وكان جعله للمشتري ابقاء له على العبد، فيجوز أن يكون مجهولا أو غائبا. أما إذا
أحلنا تملكه وباعه وما معه صار جزء من المبيع، فيعتبر فيه شرائط البيع، انتهى.
وبمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا وبين جعله جزء صرح في التذكرة
في فروع مسألة تمليك العبد وعدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار وأخشاب
السقوف.
وقال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين: لو باع الحمل مع أمه جاز
إجماعا.
وفي موضع من باب الشرط في العقد: لو قال بعتك هذه الدابة وحملها لم يصح
عندنا، لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء ولا جزء.
وقال أيضا: ولو باع الحامل ويشترط للمشتري الحمل، صح لأنه تابع
كأساس الحيطان وإن لم يصح ضمه في البيع مع الأم للفرق بين الجزء والتابع.
وقال في موضع آخر: لو قال بعتك هذه الشياة وما في ضرعها من اللبن لم يجز
عندنا، وقال في موضع آخر لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها صح، وإن جعلها
جزء من المبيع لم يصح

142
وهذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول على وجه الجزئية من غير فرق
بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول. وقد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع
المقاصد في مسألة اشتراط دخول الزرع في بيع الأرض، قال: وما قد يوجد في بعض
الكلام من أن المجهول إن جعل جزء من المبيع لا يصح وإن اشترط صح، ونحو ذلك،
فليس بشئ لأن العبارة لا أثر لها والمشروط محسوب من جملة المبيع، ولأنه لو باع
الحمل والأم صح البيع، ولا يتوقف على بيعها، واشتراطه انتهى.
وهو الظاهر من الشهيدين في اللمعة والروضة حيث اشترطا في مال العبد
المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع، وقد صرح الشيخ في مسألة
اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال، وعن الشهيد: لو اشتراه وماله صح، ولم
يشترط علمه ولا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك، وإن أحلنا ملكه اشترط. قال في
الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع، فالأقوى الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط
ولا يضر الجهالة لأنه تابع، انتهى.
واختاره جامع المقاصد، ثم التابع في كلام هؤلاء يحتمل أن يراد به ما يعد في
العرف تابعا، كالحمل مع الأم، واللبن مع الشاة، والبيض مع الدجاج، ومال العبد معه
والباغ في الدار، والقصر في البستان، ونحو ذلك {1} مما نسب البيع عرفا إلى المتبوع
لا إليهما معا وإن فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الأحيان، بل بالتابع
خاصة، كما قد يتفق في حمل بعض أفراد الخيل.

143
وهذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات، كما تقدم عن الدروس
وجامع المقاصد، من صحة بيع الأم وحملها، لأن الحمل تابع. قال في جامع المقاصد
في شرح قوله المتقدم في القواعد: ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا أن
اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى، إلا أن يقال التبعية إنما
تتحقق مع الأم، لأنه حينئذ بمنزلة بعض أجزائها ومثله زخرفة جدران البيت، انتهى.
وفي التمثيل نظر، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام، إلا أن يريد
مثال الأجزاء لا مثال التابع، لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال
العبد، وفاقا للشيخ رحمه الله مع أن مال العبد تابع عرفي، كما صرح به في المختلف في مسألة
بيع العبد واشتراط ماله، ويحتمل أن يكون مرادهم التابع بحسب قصد المتبايعين،
وهو ما يكون المقصود بالبيع غيره، وإن لم يكن تابعا عرفيا، كمن اشترى قصب
الآجام وكان فيها قليل من السمك، أو اشترى سمك الآجام وكان فيها قليل من
القصب، وهذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع، وقد يكون كذلك بحسب
الشخص، كمن أراد السمك القليل لأجل حاجة، لكن لم يتهيأ له شراؤه إلا في ضمن
قصبة الأجمة، والأول هو الظاهر من مواضع من المختلف منها في بيع اللبن في الضرع
مع المحلوب منه، {1} حيث حمل رواية سماعة المتقدمة على ما إذا كان المحلوب
يقارب الثمن ويصير أصلا، والذي في الضرع تابعا.

144
وقال في مسألة بيع ما في بطون الأنعام مع الضميمة والمعتمد أن نقول إن كان
الحمل تابعا صح البيع، كما لو باعه الأم وحملها، أو باعه ما يقصد مثله بمثل الثمن،
وضم الحمل فهذا لا بأس به وإلا كان باطلا. وأما الاحتمال الثاني أعني مراعاة
الغرض الشخصي للمتبايعين، فلم نجد عليه شاهدا إلا ثبوت الغرر على تقدير تعلق
الغرض الشخصي بالمجهول وانتفائه على تقدير تعلقه بالمعلوم، ويمكن تنزيل
اطلاقات عبارات المختلف عليه، كما لا يخفى وربما احتمل بعض. بل استظهر أن
مرادهم بكون المعلوم مقصودا والمجهول تابعا، كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم، بمعنى
الإقدام منهما ولو لتصحيح البيع على أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو وإن
سمى ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع {1} قال ولا ينافيه كون المقصود بالنسبة
إلى الغرض ما فيه الغرر، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد
ذلك في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض، بإيقاع العقد على شئ معين معلوم لا
نزاع فيه، وجعل ذلك من التوابع واللواحق، لما عقد عليه البيع، فلا يقدح حصوله
وعدم حصوله كما أومى إليه في ضميمة الآبق وضميمة الثمر على الشجر، وضميمة ما
في الضروع وما في الآجام، انتهى.
ولا يخفى أنه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل، إلا أن يريد بالتابع
جعل المجهول شرطا، والمعلوم مشروطا، فيريد ما تقدم عن القواعد والتذكرة، ولا
أظن إرادة ذلك من كلامه

145
بقرينة استشهاده بأخبار الضميمة في المورد المتفرقة، والأوفق بالقواعد أن
يقال: أما الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة، وأما قصد
المتبايعين بحسب الشخص. فالظاهر أنه غير مؤثر في الغرر وجودا وعدما، لأن
الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد
الشخصية، بل وكذلك قصدهما بحسب النوع على الوجه الذي ذكره في المختلف من
كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع له وللمجهول. وأما التابع العرفي فالمجهول منه
وإن خرج عن الغرر عرفا، إلا أن المجعول منه جزء داخل ظاهرا في معقد الاجماع
على اشتراط العلم بالمبيع المتوقف على العلم بالمجموع. نعم لو كان الشرط تابعا
عرفيا {1} خرج عن بيع الغرر وعن معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما
فيقتصر عليه، هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين. وأما التابع للمبيع الذي
يندرج في المبيع، وإن لم ينضم إليه حين العقد، ولم يخطر ببال المتبايعين. فالظاهر عدم
الخلاف والاشكال في عدم اعتبار العلم به، إلا إذا استلزم غررا في نفس المبيع، إذ
الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع لا الساري من المجهول
إلى المعلوم، فافهم.

146
مسألة: يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة
والنقيصة {1} على المشهور، بل لا خلاف فيه في الجملة. بل عن فخر الاسلام
التصريح بدعوى الاجماع قال: فيما حكى عنه: نص الأصحاب على أنه يجوز الاندار
للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد استثنى من المبيع أمر مجهول واستثناء
المجهول مبطل للبيع، إلا في هذه الصورة، فإنه لا يبطل اجماعا، انتهى.
والظاهر أن اطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ولو من أول الأمر،
بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضا، ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة
ستة: {2}
الأول: جواز الاندار بشرطين: كون المندر متعارف الاندار عند التجار
وعدم العلم بزيادة ما يندره، وهو للنهاية والوسيلة وعن غيرهما.
الثاني: عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها وهو للتحرير.
الثالث: اعتبار العادة مطلقا ولو علم الزيادة أو النقيصة ومع عدم العادة فيما
يحتملهما وهو لظاهر اللمعة وصريح الروضة.
الرابع: التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة، فيجوز مطلقا، وما علم
الزيادة فالجواز بشرط التراضي.
الخامس: عطف العلم بالنقيصة على الزيادة. وهو للمحقق الثاني ناسبا له إلى
كل من لم يذكر النقيصة.
السادس: إناطة الحكم بالغرر.

147
ثم إن صورة المسألة أن يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم أنه عشرة أرطال، فإذا
أريد بيع المظروف فقط كما هو المفروض وقلنا بكفاية العلم بوزن المجموع وعدم
اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا على ما هو مفروض المسألة ومعقد الاجماع
المتقدم، {1} فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا. وحينئذ فلا يحتاج إلى الاندار
لأن الثمن والثمن معلومان بالفرض، {2} وأخرى يباع على وجه التسعير بأن يقول:
بعتكه كل رطل بدرهم، {3} فيجئ مسألة الاندار للحاجة إلى تعيين ما يستحقه
البائع من الدراهم.
ويمكن أن يحرر المسألة على وجه آخر وهو أنه بعدما علم وزن الظرف
والمظروف، وقلنا بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا، فاندار أي مقدر للظرف
يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم، وهل هو منوط بالمعتاد بين التجار، والتراضي
أو بغير ذلك.

148
فالكلام في تعيين المقدار المندر، لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف {1}
بعد قيام الاجماع على عدم لزوم العلم بوزنه، بالتقدير، أو بأخبار البائع، وإلى هذا
الوجه ينظر بعض الأساطين حيث أناط المقدار المندر بما لا يحصل معه غرر،
واعترض على ما في القواعد ومثلها من اعتبار التراضي في جواز اندار ما يعلم
زيادته، بأن التراضي لا يدفع غررا ولا يصحح عقدا، وتبعه في ذلك بعض أتباعه،
ويمكن أن يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول
من البيع على جواز الاندار، إذ على الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا على
جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول، لا على جواز اندار مقدار معين، إذ الاندار
حينئذ لتعيين الثمن {2} فتأمل:
وكيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين فإن جماعة منهم كما
عرفت من الفاضلين وغيرهما خصوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة، فلو
كان الاندار لاحراز وزن المبيع وتصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا، إذ لا معنى
لإيقاع العقد على وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض، وقد صرح المحقق
والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأن الاندار
من دون التراضي تضييع لمال أحدهما، ولا يخفى أنه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد
لتصحيحه لم يتحقق تضييع المال لأن الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف، سواء
فرض زائدا أو ناقصا، هذا مع أنه إذا فرض

149
كون استقرار العادة على اندار مقدار معين يحتمل الزيادة والنقيصة، {1}
فالتراضي على الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا لا يوجب غررا، بل يكون
كاشتراط زيادة مقدار على المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع، مثلا لو كان
المجموع عشرة أرطال، وكان المعتاد اسقاط رطل للظرف، فإذا تراضيا على أن يندر
للظرف رطلان فكأنه شرط للمشتري أن لا يحسب عليه رطلا ولو تراضيا على اندار نصف رطل، فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة،
فلا معنى للاعتراض على من قال باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو
نقيصته بأن التراضي لا يدفع غررا، ولا يصحح عقدا، وكيف كان. فالظاهر هو
الوجه الأول، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث
تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول، كما عنون المسألة بذلك في اللمعة، بل نسبه
في الحدائق إليهم لا من حيث إندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد والتواطئ
على إيقاع العقد على الباقي بعد الإندار.
وذكر المحقق الأردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة، أن المراد أنه يجوز بيع
الموزون بأن يوزن مع ظرفه، ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا، بحيث
يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد ولا أنقص، بل وإن تفاوت لا يكون إلا بشئ
يسير متساهل به عادة، ثم دفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع، انتهى.

150
فظاهره الوجه الأول الذي ذكرنا حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع
الظرف، وجعل الاندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه دفع ثمنه.
وفي الحدائق في مقام الرد على من الحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم
بها، قال: إن الاندار حق للمشتري، لأنه قد اشترى مثلا مائة من من السمن في هذه
الظروف، فالواجب قيمة المائة المذكورة وله اسقاط ما يقابل الظروف من هذا
الوزن، انتهى.
وهذا الكلام وإن كان مؤيدا لما استقر بناه في تحرير المسألة، إلا أن جعل
الاندار حقا للمشتري والتمثيل بما ذكر لا يخلو عن نظر، فإن المشتري لم يشتر مئة من
من السمن في هذه الظروف، لأن التعبير بهذا من العلم بعدم كون ما في هذه الظروف
مئة من لغو، بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مئة من،
فإن باعه بثمن معين فلا حاجة إلى الاندار ولا حق للمشتري وإن اشتراه على وجه
التسعير بقوله: كل من بكذا، فالاندار، إنما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع على
المشتري من الثمن، فكيف يكون الواجب قيمة المئة كما ذكره المحدث.
وقد علم مما ذكرنا أن الإندار الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن
المبيع بوزن، إنما هو لتعيين حق البائع وليس حقا للمشتري.

151
وأما الأخبار {1} فمنها موثقة حنان، قال: سمعت معمر الزيات قال لأبي
عبد الله عليه السلام إنا نشتري الزيت في زقاقة، فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق، فقال له
إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه {2} قيل: وظاهره
عدم اعتبار التراضي.
أقول المفروض في السؤال هو التراضي، {3} لأن الحاسب هو البائع أو وكيله
وهما مختاران والمحسوب له هو المشتري والتحقيق أن مورد السؤال صحة الأندار
مع إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف، أو مع ردها إلى البائع
من دون وزن لها، فإن السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين
عليه، فلا اطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي ويؤيده النهي عن ارتكابه مع العلم
بالزيادة، فإن المنهي عنه ليس ارتكابه بغير تراض، فافهم.



1) - الوسائل - باب 20 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 4.
152
فحينئذ لا يعارضها ما دل على صحة ذلك مع التراضي، مثل رواية علي بن أبي حمزة قال سمعت معمر الزيات: يسأل أبا عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك نطرح
ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا، فربما زاد وربما نقص، قال: إذا كان
ذلك عن تراض منكم فلا بأس، {1} فإن الشرط فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في
ذلك وعدم المانع منه شرعا فيشبه التراضي العلة التامة الغير المتوقفة على شئ،
ونحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الإسناد عن أخيه
موسى عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية والجوالق، فيقول: ادفع
الناسية رطلا أو أكثر من ذلك أيحل ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية
والجوالق فلا بأس، إذا تراضيا، {2} ثم إن قوله إن كان يزيد وينقص في الرواية
الأولى يحتمل أن يراد به الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة بمعنى
زيادة مجموع ما أندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه، أو بمعنى أنه يزيد في بعض الزقاق
وينقص في بعض آخر، وأن يراد به الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر {3} في نوع
هذه المعاملة، بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة وفي بعض أخرى النقيصة.
وهذا هو الذي فهمه في النهاية، حيث اعتبر أن يكون ما يندر للظروف مما
يزيد تارة وينقص أخرى، ونحوه في الوسيلة ويشهد للاحتمال الأول رجوع ضمير
يزيد وينقص إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق، وللثاني عطف النقيصة
على الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالهما، وللثالث ما ورد في
بعض الروايات {4} من أنه ربما يشتري الطعام من أهل السفينة ثم يكيله فيزيد.
قال عليه السلام: وربما نقص، قلت: وربما نقص، قال: فإذا نقص ردوا عليكم، قلت: لا، قال: لا بأس.



1) - الوسائل - باب 20 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1 - 3
2 - نفس المصدر حديث 3.
153
فيكون معنى الرواية أنه إذا كان الذي يحسب لكم زائدا مرة وناقصا أخرى، فلا
بأس بما يحسب، وإن بلغ ما بلغ، وإن زاد دائما فلا يجوز إلا بهبة أو ابراء من الثمن أو
مع التراضي، بناء على عدم توقف الشق الأول عليه، ووقوع المحاسبة من السمسار
بمقتضى العادة من غير اطلاق صاحب الزيت، وكيف كان فالذي يقوى في النظر هو
المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة، لأصالة عدم
زيادة المبيع عليه وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشتري من الثمن، {1} لكن
العمل بالأصل لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال.

154
وأما مع العلم بالزيادة أو النقيصة، فإن كان هنا عادة تقتضيه كان العقد واقعا
عليها مع علم المتبايعين بها، لعله مراد من لم يقيد بالعلم ومع الجهل بها أو عدمها، فلا
يجوز إلا مع التراضي، لسقوط حق من له الحق، سواء تواطئا على ذلك في متن العقد
بأن قال: بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم على أن يسقط لكل ظرف كذا،
فهو هبة له، أو تراضيا عليه بعده باسقاط من الذمة أو هبة للعين.
هذا كله مع قطع النظر عن النصوص. وأما مع ملاحظتها، فالمعول عليه رواية
حنان {1} المتقدمة

155
الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار
الخاص متعارفا، {1} واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح
به في بيع كل مظروف بحسب حاله، وكان الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية،
فعبر بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب وحيث إن ظاهر الرواية جواز الاندار
واقعا، بمعنى عدم وقوعه مراعي بانكشاف الزيادة والنقيصة علمنا بها كذلك،
فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء
بالموازين الزائدة عما يتسامح به، فإن ذلك يحتاج إلى هبة جديدة ولا يكفي اقباضها
من حيث كونها حقا للمشتري، هذا كله مع تعارف اندار ذلك المقدار وعدم العلم
بالزيادة. وأما مع عدم القيدين، فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة يجوز
الأندار، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الأمرين ومعها يجوز بناء على انصراف
العقد إليها، لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد، لأن هذا
ليس من أفراد المطلق حتى ينصرف بكون العادة صارفة له.

156
ثم الظاهر أن الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن والزيت، بل يعم كل
ظرف كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين رحمه الله وعبارة النهاية
والوسيلة والفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني رحمه الله، ويؤيده الرواية المتقدمة عن
قرب الإسناد لكن لا يبعد أن يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشئ
فيه وعدم تفريغه منه كقوارير الجلاب والعطريات لا مطلق الظرف اللغوي أعني
الوعاء، ويحتمل العموم وهو ضعيف. نعم يقوى تعدية الحكم إلى كل مصاحب للمبيع
يتعارف بيعه معه كالشمع في الحلي المصنوعة من الذهب والفضة، وكذا المظروف
الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له كقليل من الدبس في الزقاق.
وأما تعدية الحكم إلى كل ما ضم إلى المبيع مما لا يراد بيعه معه فمما لا ينبغي احتماله.
مسألة: يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه، {1} وإن لم يعلم إلا بوزن
المجموع على المشهور، بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة، إلا ما أرسله في الروضة،
ونسب في التذكرة إلى بعض العامة استنادا إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم،
والظرف لا يباع وزنا، بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد واختلاف
قيمتهما، فالغرر الحاصل في بيع الجزاف حاصل هنا، والذي يقتضيه النظر أما فيما نحن
فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه، فالقطع بالجواز منضما إذ
لم يحصل من الانضمام مانع ولا ارتفع شرط.

157
وأما في غيره من أحد المنضمين اللذين لا يكفي في بيعه منفردا، معرفة وزن
المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي، {1} كما لو باع سبيكة من ذهب مردد
بين مائة مثقال وألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما ألفي مثقال. فإن الاقدام
على هذا البيع اقدام على ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء. {2} وأما مع انتفاء الغرر الشخصي
وانحصار المانع في النص الدال على لزوم الاعتبار بالكيل
والوزن والاجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل
والموزون، فالقطع بالجواز، لأن النص والاجماع إنما دل على لزوم اعتبار المبيع لا كل
جزء منه ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون
الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشي بالشمع وعدم جواز بيع الشمع كذلك،
فإن فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته وإلا فلا،

158
ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور: {1}
إحداها: أن يبيعه من ظرفه بعشرة مثلا، فيقسط الثمن على قيمتي كل من
المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط، فإذا قيل قيمة الظرف درهم وقيمة
المظروف تسعة كان للظرف عشر الثمن.
الثانية: أن يبيعه مع ظرفه بكذا على أن كل رطل من المظروف بكذا، {3}
فيحتاج إلى اندار مقدار للظرف ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك وهذا في معنى
بيع كل منهما منفردا

159
الثالثة: أن يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا على أن يكون التسعير للظرف
والمظروف، {1} وطريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك أن يوزن الظرف
منفردا وينسب إلى الجملة، ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، وتبعه على هذا غير
واحد ومقتضاه أنه لو كان الظرف رطلين والمجموع عشرة أخذ له خمس الثمن،
والوجه في ذلك ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا، حتى أنه يجوز أن يفرض
تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه من المظروف. فالمبيع كل رطل
من هذا المجموع لا من المركب من الظرف والمظروف، {2} لأنه إذا باع كل رطل من
الظرف والمظروف بدرهم مثلا وزع الدرهم على الرطل والمظروف بحسب قيمة
مثلهما. فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور الذي هو وزن الظرف الموجود فيه
مساويا لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود، فكيف يقسط الثمن
عليه أخماسا.

160
مسألة: المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي
استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد
من فاسده ويسلم من الربا. {1}
وعن إيضاح النافع أنه قد يجب، وهو ظاهر عبارة الحدائق أيضا وكلام
المفيد رحمه الله في المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب لأنه بعد ذكر قوله تعالى: * (لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض) *.
وقوله تعالى: انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا
تيمموا الخبيث منه تنفقون) * قال فندب إلى الانفاق من طيب الاكتساب، ونهى عن
طلب الخبيث للمعيشة والانفاق، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب
والحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال، ولا كان على ثقة في تفقه من طيب الاكتساب.
وقال تعالى: أيضا: * (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع
وحرم الربا) * فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحل الله وحرم من
المتاجر والاكتساب، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول من اتجر
بغير علم فقد ارتطم في الربا، ثم ارتطم ثم قال: قال الصادق عليه السلام من أراد التجارة
فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر
تورط في الشبهات، انتهى.



1) التوبة: 122.
2) أصول الكافي ج 1 ص 30 باب فرض العلم.
161
أقول: ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب إلا أن تعبيره بلفظ ينبغي ربما يدعي ظهوره
في الاستحباب، إلا أن الانصاف أن ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في
الوجوب من باب المقدمة، فإن معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد بالنظر إلى
ما يبتلى به من الأمور، وليس معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا دفعة،
بل عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد أن يفعله، أو عند إرادة الاقدام على
أفعال يعلم بوجود الحرام بينها، فإنه معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم،
وإن لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه، فإن التفاته السابق وعلمه بعدم خلو ما
يريد مزاولتها من الأفعال من الحرام كاف في حسن العقاب، وإلا لم يعاقب أكثر الجهال
على أكثر المحرمات، لأنهم يفعلونها وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب.



1) - تفسير الصافي ج 2 ص 169 - ذيل آية 149 الأنعام ونحوه في تفسير البرهان.
162
ولذا أجمعنا على أن الكفار يعاقبون على الفروع، وقد ورد ذم الغافل المقصر
في معصيته في غير واحد من الأخبار، ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي
الذي يفعله من غير شعور، كما هو ظاهر جماعة، تبعا للأردبيلي رحمه الله: من عدم العقاب
على الحرام المجهول حرمته عن تقصير لقبح خطاب الغافل، فيقبح عقابه، لكن
وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل واجب على هذا القول، كما اعترفوا به.

163
والحاصل أن التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا على فعل الحرام، ولا على
ترك التعلم، إلا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال تحريمه لا يوجد له وجه، بعد
ثبوت أدلة التحريم ووجوب طلب العلم على كل مسلم، وعدم تقبيح عقاب من
التفت إلى وجود الحرام في أفراد البيع التي يزاولها تدريجا على ارتكاب الحرام في
هذا الأثناء، وإن لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام.
ثم إن المقام يزيد على غيره، بأن الأصل في المعاملات الفساد، فالمكلف إذا
أراد التجارة وبنى على التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس على وجه
العوضية يحرم عليه ظاهرا الاقدام على كل تصرف منها بمقتضى أصالة عدم انتقاله
إليه إلا مع العلم بإمضاء الشارع لتلك المعاملة، ويمكن أن يكون في قوله عليه السلام: التاجر
فاجر، والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق إشارة إلى هذا المعنى بناء على أن الخارج من العموم ليس إلا من علم بإعطاء الحق وأخذ الحق، فوجوب معرفة
المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي، لنهي الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله
إليه بناء على أصالة عدم انتقاله إليه، وفي غير هذا المقام عقلي مقدمي لئلا يقع في الحرام.

164
وكيف كان فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر، بل الأولى وجوبه عليه
عقلا وشرعا، وإن كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط، ويمكن
توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا الدقيقة والمعاملات
الفاسدة كذلك. ويطلع على موارد الشبهة والمعاملات الغير الواضحة الصحة،
فيجتنب عنها في العمل فإن القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوى، لا
الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات، ويشهد للغاية الأولى قوله عليه السلام في مقام تعليل
وجوب التفقه: إن الربا أخفى من دبيب النملة على الصفا، وللغاية الثانية قول
الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة: من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات، لكن ظاهر
صدره الوجوب فلاحظ.

165
وقد حكى توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد، ولا يخلو عن وجه في مقام
التوجيه، ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات
الفاسدة التي أهمها الربا، الجامعة بين أكل المال بالباطل وارتكاب الموبقة الكذائية، لم
يعتبر فيه كونه عن اجتهاد. بل يكفي فيه التقليد الصحيح، فلا تعارض بين أدلة التفقه
هنا، وأدلة تحصيل المعاش، نعم ربما أورد في هذا المقام وإن كان خارجا عنه
التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات، وأنواع
المعاملات المتوقف على الاجتهاد، وبين أدلة طلب الإكتساب والاشتغال في تحصيل
المال لأجل الانفاق على من ينبغي أن ينفق عليه، وترك إلقاء كله على الناس
الموجب لاستحقاق اللعن، فإن الأخبار من الطرفين كثيرة يكفي في طلب الإكتساب
ما ورد من: أنه أوحى الله تعالى إلى داوود (على نبينا وآله وعليه السلام): يا داود
إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا. فبكى عليه السلام أربعين
صباحا ثم الآن الله تعالى له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم،
فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها واستغنى عن بيت المال، الحديث.

170
وما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: ليس منا من ترك دنياه لآخرته، أو
آخرته لدنياه، وإن العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال.
وأما الأخبار في
طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن يذكر وأوضح من أن يحتاج إلى الذكر، وذكر في
الحدائق: إن الجمع بينهما بأحد وجهين أحدهما وهو الأظهر بين علمائنا تخصيص
أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم ويقال: بوجوب ذلك على
غير طالب العلم المستقل تحصيله واستفادته وتعليمه وإفادته، قال: وبهذا الوجه
صرح الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسماة (بمنية المريد في آداب المفيد والمستفيد)
حيث قال في جملة شرائط العلم: وأن يتوكل على الله ويفوض أمره إليه ولا يعتمد
على الأسباب فيتوكل عليها، فيكون وبالا عليه، ولا على أحد من خلق الله تعالى
بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى فيظهر له من نفحات قدسه ولحظات أنسه ما به
يحصل مطلوبه ويصلح به مراده. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله تعالى قد
تكلف [تكفل] لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره، بمعنى أن غيره محتاج إلى السعي
على الرزق حتى يحصل له، وطالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب وكفاه مؤنة
الرزق إن أحسن النية، وأخلص القربة، وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته ما لا
يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالى وجمل ما اشتغلت بالعلم وهو مبادئ عشر
الثلاثين وتسعمأة إلى يومنا هذا وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين
وتسعمأة.
وبالجملة ليس الخبر كالعيان، وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب
الكليني قدس سره بإسناده إلى الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم، وقد
نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابي: من تؤمل لما قد نزل بك؟
فقلت: فلانا، فقال إذا والله لا تسعف بحاجتك ولا تبلغ أملك ولا تنجح طلبتك،
قلت: وما علمك رحمك الله قال: إن أبا عبد الله حدثني أنه قرأ في بعض كتبه أن الله
تبارك وتعالى يقول وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاع مكاني على عرشي لأقطعن
أمل كل مؤمل غيري باليأس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي
ولأبعدنه من وصلي أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي ويرجو غيري ويقرع
باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا
الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها، ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني

171
جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممن
لا يمل من تسبيحي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا، بقولي
ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني، فما
لي أراه لاهيا عني أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثم انتزعته منه فلم يسألني رده
وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة؟ ثم أسأل فلا أجيب سائلي أبخيل أنا
فيبخلني عندي أوليس الجود والكرم لي، أوليس العفو والرحمة بيدي؟ أوليس أنا
محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفلا يستحي المؤملون أن يؤملوا غيري؟ فلو أن
أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا، ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع
ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه، فيا بؤسا للقانطين
من رحمتي، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني، انتهى الحديث الشريف وانتهى كلام
شيخنا الشهيد رحمه الله.
قال في الحدائق ويدل على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلى
أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أيها الناس إن
كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال،
إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم، وسيفي لكم، والعلم
مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه، الخبر.
قال: ويؤكده ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي وكبر يائي ونوري.
وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته
ملائكتي وكفلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر
فتأتيه الدنيا وهي زاعمة. الحديث. انتهى كلامه وأنت خبير بأن ما ذكره من كلام
الشهيد رحمه الله وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين
أدلة الطرفين لأن ما ذكر من التوكل على الله وعدم ربط القلب لغيره لا ينافي
الاشتغال بالاكتساب، ولذا كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وعلى أخيه
وزوجته وولديه وذريته) جامعا بين أعلى مراتب التوكل، وأشد مشاق الاكتساب:
وهو الاستقاء لحائط اليهودي، وليس الشهيد أيضا في مقام أن طلب

172
العلم أفضل من التكسب، وإن كان أفضل، بل في مقام أن طالب العلم إذا
اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب
العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين. والحاصلة من الموقوفات للمدارس
وأهل العلم؟ والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان
واتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم إلا بما في أيديهم
من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك، كما كان متعارفا في ذلك
الزمان بل في كل زمان فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات
التي ذكرناها.
وبالجملة، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله من أوله إلى آخره، وما
أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور أعني تخصيص أدلة طلب الحلال بغير
طالب العلم. ثم إنه لا اشكال في أن كل من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى
الأحكام الأربعة أو الخمسة. ولا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب
ولا الواجب الكفائي الواجب العيني، ولا اشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين
المعينين مقدم على غيره، وكذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به،
وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم، فيجب أو يستحب مقدمة.
بقي الكلام في المستحب من الأمرين عند فرض عدم امكان الجمع بينهما.
ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على الأمرين فرب من
لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلا شئ قليل لا يترتب عليه كثير فائدة، ويترتب على
اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه
من التجار المخالطين معه، على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبة فيحصل
بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم، ورب
من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له
من كسبه إلا قليل من الرزق فإنه لا اشكال في أن اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه
الصدقات أرجح. وما ذكر من حديث داود (على نبينا وآله وعليه السلام) فإنما هو
لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشئ من وظائف النبوة والرئاسة العلمية.

173
وبالجملة فطلب كل من العلم والرزق إذا لوحظ المستحب منها من حيث
النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح، وإذا لوحظ من جهة النفع
الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل، فثبت من ذلك كله أن
تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر المستحبات المتنافية، كالاشتغال بالاكتساب
أو طلب العلم الغير الواجبين مع المسير إلى الحج المستحب أو إلى مشاهد
الأئمة عليهم السلام، أو مع السعي في قضاء حوائج الإخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو
المال الحلال إلى غير ذلك، مما لا يحصى.

174
مسألة: لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية، {1} واختلفوا
في حرمته وكراهته، فعن التقي والقاضي والحلي والعلامة في المنتهى الحرمة، وهو
المحكي عن ظاهر الدروس وحواشي المحقق الثاني وعن الشيخ وابن زهرة، لا يجوز.
وأول في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة، وهي أي الكراهة مذهب الأكثر، بل عن
ايضاح النافع أن الشيخ ادعى الاجماع على عدم التحريم.
وعن نهاية الإحكام تلقي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا وليس حراما
اجماعا ومستند التحريم ظواهر الأخبار. {2}
منها ما عن منهال القصاب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لا تلق، فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله نهى عن التلقي قلت: وما حد التلقي قال عليه السلام ما دون غدوة أو روحة قلت
وكم الغدوة والروحة، قال: أربعة فراسخ، قال ابن أبي عمير، وما فوق ذلك فليس بتلق



1) - الوسائل - باب 36 - من أبواب آداب التجارة.
175
وفي خبر عروة لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر، ولا يبيع حاضر
لباد والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض.
وفي رواية أخرى لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه.
وظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة، فيكون أكلا بالباطل، ولم يقل به
إلا الإسكافي.
وعن ظاهر المنتهى الاتفاق على خلافه، فيكون الرواية مع ضعفها مخالفة
لعمل الأصحاب {1} فيقصر عن إفادة الحرمة والفساد، نعم لا بأس بحملها على
الكراهة لو وجد القول بكراهة الأكل مما يشترى من الملتقي، ولا بأس به حسما
لمادة التلقي، ومما ذكرنا يعلم أن النهي في سائر الأخبار أيضا محمول على الكراهة،
لموافقته للأصل {2} مع ضعف الخبر

176
ومخالفته للمشهور. ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ، {1} كما في كلام بعض.
والظاهر أن مرادهم خروج الحد عن المحدود، {2} لأن الظاهر زوال المرجوحية إذا
كان أربعة فراسخ. وقد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه.
وروي أن حد التلقي روحة فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو جلب، فإن الجمع
بين صدرها وذيلها لا يكون إلا بإرادة خروج الحد عن المحدود، كما أن ما في الرواية
السابقة أن حده ما دون غدوة أو روحة محمول على دخول الحد في المحدود، لكن
قال في المنتهى حد علمائنا التلقي بأربعة فراسخ، فكر هوا التلقي إلى ذلك الحد، فإن
زاد على ذلك كان تجارة وجلبا وهو ظاهر لأنه بمضيه ورجوعه يكون مسافرا،
ويجب عليه القصر فيكون سفرا حقيقيا، إلى أن قال ولا يعرف بين علمائنا خلافا فيه انتهى.

177
والتعليل بحصول السفر الحقيقي يدل على مسامحة في التعبير، ولعل الوجه في
التحديد بالأربعة أن الوصول إلى الأربعة بلا زيادة ونقيصة نادر، فلا يصلح أن يكون ضابطا لرفع الكراهة إذ لا يقال إنه وصل إلى الأربعة إلا إذا تجاوز عنها ولو
يسيرا.
فالظاهر أنه لا اشكال في أصل الحكم وإن وقع اختلاف في التعبير في
النصوص والفتاوى ثم إنه لا اشكال في اعتبار القصد، {1} إذ بدونه لا يصدق عنوان
التلقي، فلو تلقى الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم. وكذا في
اعتبار قصد المعاملة من المتلقي فلا يكره لغرض آخر ولو اتفقت المعاملة.



1) الوسائل باب 36 من أبواب التجارة حديث 1.
2) نفس المصدر حديث 4.
178
قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد {1}
وفيه أنه مبني على عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير، فيحتمل أن يكون العلة في
كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقي، أو مظنة حبس المتلقين
ما اشتروه أو ادخاره عن أعين الناس وبيعه تدريجا، بخلاف ما إذا أتى الركب
وطرحوا أمتعتهم في الخانات والأسواق، فإن له أثرا بينا في امتلاء أعين الناس
خصوصا الفقراء وقت الغلاء إذا أتى بالطعام، وكيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم
بسعر البلد محل مناقشة، ثم إنه لا فرق بين أخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو
غيرهما. نعم لا بأس باستيهابهم ولو باهداء شئ إليهم



1) أورد صاحب الوسائل صدره في الوسائل - باب 36 - من أبواب آداب التجارة حديث - وذيله في - باب 37 - منها
حديث 1.
2) الوسائل - باب 37 - من أبواب آداب التجارة حديث 1.
179
ولو تلقاهم لمعاملات أخر غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم
المرجوحية، {1} نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام: المسلمون يرزق الله
بعضهم من بعض. قوى سراية الحكم إلى بيع شئ منهم وايجارهم المساكن
والخانات، كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل، كما يدل عليه
النبوي العامي: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار
قوى سراية الحكم إلى كل معاملة يوجب غبنهم كالبيع والشراء منهم متلقيا، وشبه
ذلك، لكن الأظهر هو الأول



1) - الوسائل - باب 36 - من أبواب آداب التجارة حديث 1.
2) - نفس المصدر حديث 5.
180
وكيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم
الخيار. {1} وقد يحكى عن الحلي ثبوت الخيار وإن لم يكن غبن، ولعله لاطلاق
النبوي المتقدم {2} المحمول على صورة تبين الغبن بدخول السوق والاطلاع على
القيمة، واختلفوا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي على قولين سيجئ ذكر
الأقوى منهما في مسألة خيار الغبن انشاء الله.
مسألة: يحرم النجش على المشهور كما في الحدائق، {3} بل عن المنتهى وجامع
المقاصد: إنه محرم اجماعا لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله الواشمة والمؤتشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله.
وفي النبوي المحكي عن معاني الأخبار لا تناجشوا ولا تدابروا قال: ومعناه أن يزيد
الرجل في ثمن السلعة، وهو لا يريد شرائها ليسمع غيره فيزيد بزيادته والناجش
خائن، والتدابر الهجران انتهى كلام الصدوق. والظاهر أن المراد بزيادة الناجش
مواطاة البائع المنجوش له.

181
مسألة: إذا دفع انسان إلى غيره مالا ليصرفه في قبيل، يكون المدفوع إليه
منهم {1} ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون الدافع، كمال الإمام
أو رد المظالم المدفوع إلى الحاكم، فله صور:
إحداها: أن يظهر قرينة على عدم جواز رضاه بالأخذ منه كما إذا عين له منه
مقدارا قبل الدفع أو بعده، ولا اشكال في عدم الجواز لحرمة التصرف في مال الناس
على غير الوجه المأذون فيه. {2}
الثانية: أن يظهر قرينة حالية أو مقالية على جواز أخذه منه مقدارا مساويا
لما يدفع إلى غيره أو أنقص أو أزيد، ولا اشكال في الجواز حينئذ {3} إلا أنه قد
يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع، إلى الأصناف المختلفة، كان عين
للمجتهدين مقدارا، وللمشتغلين مقدارا، واعتقده الدافع بعنوان يخالف معتقد
المدفوع إليه {4}

182
والتحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه إن كان عنوان الصنف على وجه
الموضوعية {1} كأن يقول ادفع إلى كل مشتغل كذا، وإلى كل مجتهد كذا وخذ أنت ما
يخصك. وإن كان على وجه الداعي بأن كان عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك
المقدار، كان المتبع اعتقاد الدافع لأن الداعي إنما يتفرع على الاعتقاد لا الواقع.
الثالثة: أن لا يقوم قرينة على أحد الأمرين، ويطلق المتكلم {2} وقد اختلف
فيه كلماتهم بل كلمات واحد منهم، فالمحكي عن وكالة المبسوط، وزكاة السرائر،
ومكاسب النافع، وكشف الرموز، والمختلف، والتذكرة، وجامع المقاصد: تحريم
الأخذ مطلقا.
وعن النهاية ومكاسب السرائر والشرائع، والتحرير، والارشاد، والمسالك
والكفاية: أنه يجوز له الأخذ منه إن أطلق من دون زيادة على غيره. ونسبه في
الدروس إلى الأكثر. وفي الحدائق إلى المشهور وفي المسالك هكذا شرط كل من
سوغ له الأخذ.
وعن نهاية الإحكام والتنقيح والمهذب البارع والمقنعة: الاقتصار على نقل
القولين، وعن المهذب البارع: حكاية التفصيل بالجواز إن كان الصيغة بلفظ ضعه
فيهم، أو ما أدى معناه، والمنع إن كانت بلفظ: ادفعه، وعن التنقيح عن بعض الفضلاء:
إنه إن قال هو للفقراء جاز

183
وإن قال اعطه للفقراء، فإن علم فقره لم يجز إذ لو أراده لخصه، وإن لم يعلم
جاز احتج القائل بالتحريم مضافا إلى ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع
للمدفوع إليهم، {1} المؤيد بما قالوه فيمن وكلته امرأة أن يزوجها من شخص فزوجها
من نفسه أو وكله في شراء شئ فأعطاه من عنده بصحيحة ابن الحجاج المسندة في
التحرير إلى مولانا الصادق عليه السلام وإن أضمرت في غيره، قال: سألته عن رجل أعطاه
رجلا مالا ليصرفه في محاويج أو في مساكين، وهو يحتاج أيأخذ منه لنفسه؟ ولا
يعلمه هو، قال: لا يأخذ شيئا حتى يأذن له صاحبه
واحتج المجوزون بأن العنوان المدفوع إليه شامل له والفرض الدفع إلى هذا
العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير واللفظ وإن سلم عدم شموله له لغة إلا أن
المنساق عرفا صرفه إلى كل من اتصف بهذا العنوان. فالعنوان موضوع لجواز الدفع
يحمل عليه الجواز. نعم لو كان المدفوع إليهم أشخاصا خاصة. وكان الداعي على
الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور، والرواية معارضة بروايات أخر،



1) - الوسائل - باب 84 - من أبواب ما يكتب به حديث 3.
184
مثل ما عن الكافي الصحيح عن سعد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يعطى الزكاة يقسمه في أصحابه أيأخذ منه شيئا؟ قال: نعم.
وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم في رجل أعطى مالا
يفرقه ممن يحل له، أيأخذ شيئا لنفسه؟ وإن لم يسم له قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما
يعطي غيره، وصحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي
الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن يحل له الصدقة، قال: لا بأس
أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعه في مواضع
مسماة إلا بإذنه.
والذي ينبغي أن يقال: أما من حيث دلالة اللفظ الدال على الإذن في الدفع
والصرف فإن المتبع الظهور العرفي وإن كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره
كما أن الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم على الظهور العرفي
الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن، ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد.



1) - الوسائل - باب 40 - من أبواب المستحقين للزكاة حديث 1.
2) - نفس المصدر حديث 2.
3) - نفس المصدر حديث 3.
185
فالأولى حمل الأخبار المجوزة {1} على ما إذا كان غرض المتكلم صرف
المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر، وحمل
الصحيحة المانعة [السابقة] على ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور فأمرها بالدفع إلى
مساكين على وجه يكون المسكنة داعيا إلى الدفع لا موضوعا، ولما لم يعلم المسكنة
في المأمور لم يحصل داع على الرضا بوصول شئ من المال إليه، ثم على تقدير
المعارضة فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ، {2} لأن الشك بعد تكافؤ الأخبار في
الصارف الشرعي عن الظهور العرفي ولو لم يكن للفظ ظهور، فالواجب بعد التكافؤ
الرجوع إلى المنع {3} إذ لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذن من المالك أو الشارع.
مسألة: احتكار الطعام وهو كما في الصحاح وعن المصباح جمع الطعام
وحبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته. {4}

186
وقد اختلف في حرمته فعن المبسوط والمقنعة والحلبي في كتاب المكاسب
والشرائع والمختلف الكراهة وعن كتب الصدوق والاستبصار والسرائر والقاضي
والتذكرة والتحرير والإيضاح والدروس وجامع المقاصد والروضة: التحريم، وعن
التنقيح والميسية تقويته وهو الأقوى بشرط عدم باذل الكفاية لصحيحة سالم
الحناط {1} قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما عملك؟ قلت: حناط وربما قدمت على
نفاق وربما قدمت على كساد فحبست، قال: فما يقول من قبلك فيه قلت: يقولون
يحتكر قال: يبيعه أحد غيرك قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزء قال: لا بأس إنما
كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حذام، وكان إذا دخل الطعام المدينة
اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال له يا حكيم بن حذام إياك أن تحتكر، فإن الظاهر
منه أن علة عدم البأس وجود الباذل فلولاه حرم.
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحكرة فقال إنما الحكرة أن
يشتري طعاما وليس في المصر طعام غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعاما غيره
فلا بأس، أن تلتمس بسلعتك الفضل وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي والتهذيب
قال وسألته عن الزيت، قال إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه، وعن أمير
المؤمنين عليه السلام



1 - الوسائل - باب 27 و 28 - من أبواب آداب التجارة.
2 - الوسائل - باب 28 - من أبواب آداب التجارة حديث 3.
187
في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك الأشتر فامنع من الاحتكار فإن رسول الله
منع منه {1} وليكن البيع بيعا سمحا في موازين عدل لا يجحف بالفريقين البائع
والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير إسراف.
وصحيحة الحلبي قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام ويتربص به هل يصلح
ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا لا
يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر وترك الناس ليس لهم طعام، فإن الكراهة في
كلامهم عليهم السلام وإن كان يستعمل في المكروه والحرام {2} إلا أن في تقييدها بصورة عدم
باذل غيره مع ما دل على كراهة الاحتكار مطلقا قرينة على إرادة التحريم {3} وحمله
على تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفى وإن شئت قلت: إن المراد
بالبأس في الشرطية الأولى التحريم لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا
فالشرطية الثانية كالمفهوم لها، ويؤيد التحريم ما عن المجالس بسنده عن أبي
مريم الأنصاري



1) - الوسائل - باب 28 - من أبواب آداب التجارة حديث 13.
2 - نفس المصدر حديث 2.
188
عن أبي جعفر عليه السلام قال قال: رسول الله صلى الله عليه وآله أيما رجل اشترى طعاما فحبسه
أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين، ثم باعه وتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما
صنع. وفي السند بعض بني فضال، والظاهر أن الرواية مأخوذة من كتبهم التي {1}
قال العسكري عليه السلام عند سؤاله عنها خذوا بما رووا وذروا ما رأو ففيه دليل على
اعتبار ما في كتبهم فيستغنى بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند، وقد ذكرنا أن
هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الاجماع
الذي ادعاه الكشي على تصحيح ما يصح عن جماعة ويؤيده أيضا ما عن الشيخ
الجليل الشيخ ورام من أنه أرسل عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرائيل قال: أطلعت على
النار فرأيت في جهنم واديا فقلت يا مالك لمن هذا؟ قال لثلاثة: المحتكر، والمدمنين
للخمر، والقوادين.
ومما يؤيد التحريم ما دل على وجوب البيع عليه، فإن إلزامه بذلك ظاهر في
كون الحبس محرما إذ الإلزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة سلطنة
الناس على أموالهم.



1 - الوسائل - باب 28 - من أبواب آداب التجارة حديث 6.
2 - الوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي حديث 13.
189
ثم إن كشف الإبهام عن أطراف المسألة يتم ببيان أمور:
الأول: في مورد الاحتكار، {1} فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة
وبعض الأخبار المتقدمة: اختصاصه بالطعام. وفي رواية غياث بن إبراهيم ليس
الحكرة إلا في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وعن الفقيه: زيادة الزيت، وقد
تقدم في بعض الأخبار المتقدمة أيضا دخول الزيت أيضا.
وفي المحكي عن قرب الإسناد برواية أبي البختري عن علي عليه السلام قال: ليس
الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن.
وعن الخصال في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله الحكرة في ستة أقسام الحنطة، والشعير، والتمر، والزيت، والزبيب
والسمن، ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا، وعن
كشف الرموز وظاهر السرائر دعوى الاتفاق عليه.
وعن مجمع الفائدة نفي الخلاف فيه، وأما الزيت فقد تقدم في غير واحد من
الأخبار ولذا اختاره الصدوق والعلامة في التحرير حيث ذكر أن به رواية حسنة
والشهيدان والمحقق الثاني وعن ايضاح النافع أن عليه الفتوى.
وأما الملح فقد ألحقه بها في المبسوط والوسيلة والتذكرة ونهاية الأحكام
والدروس {2} والمسالك ولعله لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار: من حاجة
الناس



1 - الوسائل - باب 27 - من أبواب آداب التجارة.
190
الثاني روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أن الحكرة في الخصب أربعون
يوما، وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين في الخصب، فصاحبه
ملعون وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فملعون. {1}
ويؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة، وحكي عن الشيخ ومحكي القاضي
والوسيلة العمل بها، وعن الدروس أن الأظهر تحريمه مع حاجة الناس ومظنتها
الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص للرواية، انتهى.
وأما تحديده بحاجة الناس فهو حسن، كما عن المقنعة وغيرها، ويظهر من
الأخبار المتقدمة.
وأما ما ذكره من حمل رواية السكوني عن بيان مظنة الحاجة فهو جيد، {2}
ومنه يظهر عدم دلالتها على التحديد بالعددين تعبدا.



1 - الوسائل - باب 27 - من أبواب آداب التجارة حديث 4.
2 - نفس المصدر حديث 1.
191
الثالث: مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في بادئ النظر حصر
الاحتكار في شراء الطعام، لكن الأقوى التعميم بقرينة تفريع قوله: فإن كان في
المصر طعام ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع
الطعام وحبسه، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والاحراز، إلا أن يراد
جمعه في ملكه، ويؤيد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بأن يترك الناس ليس
لهم طعام، وعليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون
موهوبا له، أو كان قد اشتراه لحاجة، فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه
المالك فحبسه متربصا للغلاء.
الرابع: أقسام حبس الطعام كثيرة لأن الشخص إما أن يكون قد حصل
الطعام لحبسه أو لغرض آخر، أو حصل له من دون تحصيل له، والجس إما أن يراد
منه نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في أنفسهم أو يريد به الغلاء وهو اضرارهم
من حيث المال أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله وإن حصل ذلك لغلاء
عارضي لا يتضرر به أهل البلد، كما قد يتفق ورود عسكر وزوار في البلاد وتوقفهم
يومين أو ثلاثة فيحدث للطعام عزة لا يضر بأكثر أهل البلد، وقد يريد بالحبس
لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخرا هذا كله مع حصول الغلاء بجسه. وقد
يجس انتظارا لأيام الغلاء من دون حصول الغلاء بجسه بل لقلة الطعام آخر السنة أو
لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام، ثم حبسه لانتظار أيام الغلاء قد يكون للبيع
بأزيد من قيمة الحال. وقد يكون لحب إعانة المضطرين ولو بالبيع عليهم والارفاق
بهم، ثم حاجة الناس قد يكون لأكلهم وقد يكون للبذر أو علف الدواب أو
الاسترباح بالثمن وعليك في استخراج أحكام هذه الأقسام {1} وتميز المباح
والمكروه والمستحب من الحرام.

192
الخامس: الظاهر عدم الخلاف كما قيل في اجبار المحتكر على البيع، حتى على
القول بالكراهة، بل عن المهذب البارع الاجماع عليه، وعن التنقيح كما في الحدائق
عدم الخلاف فيه، وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب.
ولذا ذكرنا أن ظاهر أدلة الاجبار تدل على التحريم، لأن إلزام غير اللازم
خلاف القاعدة. نعم لا يسعر عليه اجماعا، كما عن السرائر، وزاد وجود الأخبار المتواترة. وعن المبسوط عدم الخلاف فيه، لكن عن المقنعة أنه يسعر عليه بما يراه
الحاكم.
وعن جماعة منهم العلامة وولده والشهيد: أنه يسعر عليه إن أجحف بالثمن،
لنفي الضرر، {1} وعن الميسي والشهيد الثاني: أنه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا
بين النهي عن التسعير والجبر بنفي الاضرار.
خاتمة
ومن أهم آداب التجارة الاجمال في الطلب والاقتصاد فيه. ففي مرسلة ابن
فضال عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ودون
طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة
المنصف المتعفف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بد للمؤمن
منه، إن الذين أعطوا المال، ثم لم يشكروا لا مال لهم.
وفي صحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة
الوداع إلا أن روح الأمين نفث في روعي: إنه لن يموت نفس حتى يستكمل رزقها
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بشئ
من معصية الله، فإن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق في خلقه حلالا، ولم يقسمها حراما،

193
فمن اتقى الله وصبر أتاه الله برزقه من حله ومن هتك حجاب الستر وعجل
فأخذه من غير حله قصر به من رزق الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول: إعلموا علما
يقينا أن الله عز وجل لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت
مكائدته أن يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته
أن يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم.
أيها الناس إنه لن يزداد امرء نقيرا لحذفة ولم ينقص امرء نقيرا لحمقه، فالعالم
بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا
في مضرته، ورب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه ورب مغرور في الناس
مصنوع له فأبق أيها الساعي من سعيك، وأبصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك،
وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وآله.
وفي رواية عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل
وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، يعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا
حيلة.
وفي مرفوعة سهل بن زياد أنه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما فعل عمر بن
مسلم قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: ويحه أما علم أن
تارك الطلب لا تستجاب له دعوته، إن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل
قوله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * اغلقوا
الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إليهم،
فقال لهم: ما دعاكم إلى ما صنعتم؟ فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله تكفل الله تعالى لنا
بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة. فقال صلى الله عليه وآله أنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم
بالطلب. وقد تقدم رواية أنه ليس منا من ترك آخرته لدنياه، ولا من ترك دنياه
لآخرته. وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلى جميع أنبيائه
الصلاة والسلام بعد الحمد لله الملك العلام على ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من
أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام
للخاص والعام.

194
الخيارات

195
القول في الخيار وأقسامه وأحكامه:
مقدمتان الأولى: الخيار اسم مصدر من الاختيار غلب في كلمات جماعة من
المتأخرين في ملك فسخ العقد {1} على ما فسره به في موضع من الإيضاح فيدخل
ملك الفسخ في العقود الجائزة. وفي عقد الفضولي وملك الوارث رد العقد على ما زاد
على الثلث، وملك العمة والخالة لفسخ العقد علي بنت الأخ والأخت وملك الأمة
المزوجة من عبد فسخ العقد إذا أعتقت وملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب.
ولعل التعبير بالملك

197
للتنبيه على أن الخيار من الحقوق لا من الأحكام {1} فيخرج ما كان من قبيل
الإجازة والرد لعقد الفضولي والتسلط على فسخ العقود الجائزة فإن ذلك من
الأحكام الشرعية لا من الحقوق. ولذ لا تورث ولا تسقط بالاسقاط. وقد يعرف
بأنه ملك اقرار العقد وإزالته ويمكن الخدشة فيه بأنه إن أريد من اقرار العقد ابقائه
على حاله بترك الفسخ، {2} فذكره مستدرك لأن القدرة على الفسخ عين القدرة على
تركه إذ القدرة لا يتعلق بأحد الطرفين وإن أريد منه إلزام العقد وجعله غير قابل
لأن يفسخ. ففيه أن مرجعه إلى اسقاط حق الخيار، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار

198
مع أن ظاهر الالزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار
المشترك فإن لكل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا. ثم إن ما ذكرناه من معنى الخيار
هو المتبادر منه عرفا عند الاطلاق في كلمات المتأخرين وإلا فاطلاقه في الأخبار
وكلمات الأصحاب على سلطنة الإجازة والرد لعقد الفضولي وسلطنة الرجوع في
الهبة وغيرهما من أفراد السلطنة شائع.
الثانية: ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه أن الأصل في البيع اللزوم، {1}
قال في التذكرة: الأصل في البيع اللزوم، لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك،
والأصل الاستصحاب، والغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار
إليه، وإنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه، انتهى.
أقول المستفاد من كلمات جماعة: إن الأصل هنا قابل لإرادة معان:

199
الأول: الراجح: احتمله في جامع المقاصد مستندا في تصحيحه إلى الغلبة. {1}
وفيه أن أراد غلبة الأفراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس، أو
الحيوان أو الشرط، وإن أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة مع أنه
لا يناسب ما في القواعد من قوله: وإنما يخرج من الأصل لأمرين ثبوت خيار أو
ظهور عيب.
الثاني: القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند الشك في
بعض الأفراد، أو بعض الأحوال، وهذا حسن، لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في
توجيه الأصل.
الثالث: الاستصحاب ومرجعه إلى أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرد فسخ
أحدهما وهذا حسن.
الرابع: المعنى اللغوي بمعنى {2} أن وضع البيع وبنائه عرفا وشرعا على اللزوم
وصيرورة المالك الأول كالأجنبي، وإنما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لأحدهما أو
لهما يسقط بالاسقاط، وبغيره، وليس البيع كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز
رجوع الواهب، بمعنى كونه حكما شرعيا له أصلا وبالذات، بحيث لا يقبل الاسقاط.

200
من هنا ظهر أن ثبوت خيار المجلس في أول أزمنة انعقاد البيع، لا ينافي كونه
في حد ذاته مبنيا على اللزوم، لأن الخيار حق خارجي قابل للانفكاك. نعم لو كان في
أول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا
للسقوط، كان منافيا لبنائه على اللزوم. فالأصل هنا، كما قيل نظير قولهم: إن الأصل
في الجسم الاستدارة فإنه لا ينافي كون أكثر الأجسام على غير الاستدارة لأجل
القاسر الخارجي ومما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية حيث أنكر هذا
الأصل لأجل خيار المجلس، إلا أن يريد أن الأصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء
عدم اللزوم، وسيأتي ما فيه.
بقي الكلام في معنى قول العلامة في القواعد والتذكرة أنه لا يخرج من هذا
الأصل {1} إلا بأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب. فإن ظاهره أن ظهور العيب سبب
لتزلزل البيع في مقابل الخيار، مع أنه من أسباب الخيار وتوجيهه بعطف الخاص على
العام، كما في جامع المقاصد {2} غير ظاهر، إذ لم يعطف العيب على أسباب الخيار بل
عطف على نفسه وهو مباين له لا أعم. نعم قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله
وإنما يخرج عن الأصل بأمرين:

201
أحدهما: ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في أحد العوضين بل
للتروي خاصة.
والثاني: ظهور عيب في أحد العوضين، انتهى.
وحاصل التوجيه على هذا أن الخروج عن اللزوم لا يكون إلا بتزلزل العقد
لأجل الخيار، والمراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل
المتعاقدين لا لاقتضاء نقص في أحد العوضين وبظهور العيب ما كان الخيار لنقص
أحد العوضين لكنه مع عدم تماميته تكلف في عبارة القواعد مع أنه في التذكرة ذكر في
الأمر الأول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد أسباب الخيار وجعل السابع منها
خيار العيب، وتكلم فيه كثيرا ومقتضى التوجيه أن يتكلم في الأمر الأول فيما عدا
خيار العيب ويمكن توجيه ذلك بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل
الخيار {1} فإن نفس ثبوت الأرش بمقتضى العيب، وإن لم يثبت خيار الفسخ موجب
لاسترداد جزء من الثمن، فالعقد بالنسبة إلى جزء من الثمن متزلزل قابل لابقائه في
ملك البائع واخراجه عنه، ويكفي في تزلزل العقد ملك اخراج جزء مما ملكه البائع
بالعقد عن ملكه، وإن شئت قلت: إن مرجع ذلك إلى ملك فسخ العقد الواقع على
مجموع العوضين من حيث المجموع، ونقض مقتضاه من تملك كل من مجموع العوضين
في مقابل الآخر، لكنه مبني على كون الأرش جزءا حقيقيا من الثمن كما عن بعض
العامة ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.
وقد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الأرش كونه جزءا من الثمن، بل له
ابداله، لأن الأرش غرامة، وحينئذ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلا في العقد، {2}

202
ثم إن الأصل بالمعنى الرابع إنما ينفع مع الشك في ثبوت خيار في خصوص
البيع، لأن الخيار حق خارجي يحتاج ثبوته إلى الدليل. أما لو شك في عقد آخر من
حيث اللزوم والجواز فلا يقتضي ذلك الأصل لزومه لأن مرجع الشك حينئذ إلى
الشك في الحكم الشرعي. وأما الأصل بالمعنى الأول فقد عرفت عدم تماميته. وأما
بمعنى الاستصحاب فيجري في البيع وغيره إذا شك في لزومه وجوازه. وأما بمعنى
القاعدة فيجري في البيع وغيره، لأن أكثر العمومات الدالة على هذا المطلب يعم غير
البيع. وقد أشرنا في مسألة المعاطاة إليها ونذكرها هنا تسهيلا على الطالب.
فمنها قوله تعالى * (أوفوا بالعقود) * {1} دل على وجوب الوفاء بكل عقد،
والمراد بالعقد مطلق العهد، كما فسر به في صحيحة ابن سنان المروية في تفسير علي
بن إبراهيم،



1 - المائدة: 2.
203
أو ما يسمى عقدا لغة وعرفا، والمراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في
نفسه بحسب الدلالة اللفظية، نظير الوفاء بالنذر، فإذا دل العقد مثلا على تمليك العاقد
ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك، من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له،
فأخذه من يده بغير رضاه والتصرف فيه كذلك، نقض لمقتضى [لمضمون] ذلك العهد
فهو حرام.
فإذا حرم باطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد، ومنها التصرفات
الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه، كان هذا لازما مساويا للزوم
العقد وعدم انفساخه بمجرد فسخ أحدهما، فيستدل بالحكم التكليفي على الحكم
الوضعي أعني فساد الفسخ من أحدهما بغير رضا الآخر، وهو معنى اللزوم، بل قد
حقق في الأصول أن لا معنى للحكم الوضعي إلا ما انتزع من الحكم التكليفي، ومما
ذكرنا ظهر ضعف ما قيل

204
[القائل هو العلامة في المختلف] من أن معنى وجوب الوفاء بالعقد، العمل بما
يقتضيه من لزوم وجواز، فلا يتم الاستدلال به على اللزوم. {1}
توضيح الضعف أن اللزوم والجواز من الأحكام الشرعية للعقد، وليسا من
مقتضيات العقد في نفسه، مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم هذا المعنى أعني
وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه، يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد،
مساويا للزوم وأضعف من ذلك ما نشاء من عدم التفطن لوجه دلالة الآية على
اللزوم، مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور، وهو أن المفهوم من الآية عرفا
حكمان تكليفي ووضعي. وقد عرفت أن ليس المستفاد منها إلا حكم واحد تكليفي
يستلزم حكما وضعيا ومن ذلك

205
ومن ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالى: * (أحل الله البيع على) *
اللزوم {1} فإن حلية البيع التي لا يراد منها إلا حلية جميع التصرفات المترتب عليه
التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضاء الآخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك
الفسخ وكونه لغوا غير مؤثر،



1 - سورة البقرة آية 275.
206
ومنه يظهر وجه الاستدلال على اللزوم بإطلاق حلية أكل المال بالتجارة عن
تراض، {1} فإنه يدل على أن التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق حتى بعد
فسخ أحدهما من دون رضاء الآخر، فدلالة الآيات الثلاث على أصالة اللزوم على
نهج واحد لكن يمكن أن يقال: إنه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع
الآثار الثابتة باطلاق الآيتين الأخيرتين، لم يمكن التمسك في رفعه إلا بالاستصحاب
ولا ينفع الاطلاق. {2}



1 - سورة النساء آية 29.
208
ومنها قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * {1} دل على حرمة
الأكل بكل وجه يسمى باطلا عرفا، وموارد ترخيص الشارع ليس من الباطل،
فإن أكل المارة من ثمرة الأشجار التي تمر بها باطل لولا إذن الشارع الكاشف عن
عدم بطلانه، وكذلك الأخذ بالشفعة والخيار، فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما
يكشف عن ثبوت حق لذوي الخيار والشفعة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن أخذ
مال الغير وتملكه من دون إذن صاحبه باطل عرفا، {2} نعم لو دل الشارع على
جوازه، كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حق للفاسخ
متعلق بالعين



1 - سورة النساء آية 29.
209
ومما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه. {1}



1 - هذا المضمون في كثير من الأخبار راجع الوسائل - باب 3 - من أبواب مكان المصلي - والمستدرك ج 9 ص 212
وغيرهما.
210
ومنها قوله: الناس مسلطون على أموالهم، فإن مقتضى السلطنة التي أمضاها
الشارع: أن لا يجوز أخذه من يده وتملكه عليه من دون رضاه، {1} ولذا استدل
المحقق في الشرائع على عدم جواز رجوع المقرض فيما أقرضه بأن فائدة الملك
التسلط، ونحوه العلامة في بعض كتبه.
والحاصل أن جواز العقد الراجع إلى تسلط الفاسخ على تملك ما انتقل عنه
وصار مالا لغيره وأخذه منه بغير رضاه مناف لهذا العموم.
ومنها قوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم. {2} وقد استدل به على اللزوم غير
واحد منهم المحقق الأردبيلي قدس سره بناء على أن الشرط مطلق الالزام والالتزام ولو
ابتداءا من غير ربط بعقد آخر، فإن العقد على هذا شرط فيجب الوقوف عنده
ويحرم التعدي عنه



1 - البحار ج 1 - ص 154 الطبع القديم - و ج 2 - ص 272 الطبع الحديث.
2 - الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار وفيها المسلمون.
211
فيدل على اللزوم بالتقريب المتقدم في: أوفوا بالعقود. لكن لا يبعد منع صدق
الشرط في الالتزامات الابتدائية، بل المتبادر عرفا هو الالزام التابع، كما يشهد به
موارد استعمال هذا اللفظ حتى في مثله قوله عليه السلام في دعاء التوبة: ولك يا رب شرطي
أن لا أعود في مكروهك وعهدي أن أهجر جميع معاصيك، وقوله عليه السلام في أول دعاء
الندبة: بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا كما لا يخفى على من تأملها
مع أن كلام بعض أهل اللغة يساعد على ما ادعيناه من الاختصاص. ففي القاموس:
الشرط إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه
ومنها الأخبار المستفيضة في أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا، {1} وأنه إذا افترقا
وجب البيع، وأنه لا خيار لهما بعد الرضا. فهذه جملة من العمومات الدالة على لزوم
البيع عموما أو خصوصا.



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار.
212
وقد عرفت أن ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا، وربما يقال إن مقتضى
الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، فإن الظاهر من كلماتهم عدم
انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع، وهذا الاستصحاب حاكم على
الاستصحاب {2} المتقدم المقتضي للزوم. ورد بأنه إن أريد بقاء علاقة الملك أو
علاقة يتفرع على الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك، وإن أريد بها سلطنة إعادة
العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك {3} وإنما تحدث بعد زوال الملك
لدلالة دليل، فإذا فقد الدليل فالأصل عدمها

213
وإن أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع، فإنها تستصحب عند الشك،
فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار، كما يقال الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد
التصرف في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف، ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه
في المجلس {1}

214
بل مطلقا بناء على أن الواجب هنا الرجوع في زمان الشك إلى عموم: أوفوا
بالعقود {1} لا الاستصحاب أنه لا يجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع
الافتراق، {2} فيبقى ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم، فتأمل.



1 - سورة المائدة آية 2.
215
ثم إنه يظهر من المختلف في مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة، أن الأصل
عدم اللزوم، {1} ولم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * {2}
ولم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل، نعم هو حسن في خصوص المسابقة
وشبهه، مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا [تسليما] {3} ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر
وعدم زواله بدون رضا الطرفين، ثم إن ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة
اللزوم إنما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم، ويجري أيضا فيما إذا شك في عقد
خارجي أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز، بناء على أن المرجع في الفرد المردد
بين عنواني العام، والمخصص إلى العموم. وأما بناء على خلاف ذلك، فالواجب
الرجوع عند الشك في اللزوم إلى الأصل، بمعنى استصحاب الأثر وعدم زواله بمجرد
فسخ أحد المتعاقدين، إلا أن يكون هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز



1 - سورة المائدة آية 2.
216
كما إذا شك في أن الواقع هبة أو صدقة. فإن الأصل عدم قصد القربة، فيحكم
بالهبة الجائزة، {1} لكن الاستصحاب المذكور إنما ينفع في اثبات صفة اللزوم.
وأما تعيين العقد اللازم حتى يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا أريد
تعيين البيع عند الشك فيه وفي الهبة فلا، بل يرجع في أثر كل عقد إلى ما يقتضيه
الأصل بالنسبة إليه، فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض، حكم بالبراءة {2} التي هي
من آثار الهبة

217
وإذا شك في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان، لعموم على اليد إن كان هو
المستند في الضمان بالعقود الفاسدة، {1} وإن كان المستند دخوله في ضمان العين {2} أو
قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا
لها كان الأصل البراءة أيضا.
القول في أقسام الخيار
وهي كثيرة إلا أن أكثرها متفرقة والمجتمع منها في كل كتاب سبعة، {3} وقد
أنهاها بعضهم إلى أزيد من ذلك، حتى أن المذكور في اللمعة مجتمعا أربعة عشر، مع
عدم ذكره لبعضها، ونحن نقتفي أثر المقتصر على السبعة كالمحقق والعلامة قدس سره، لأن ما
عداها لا يستحق عنوانا مستقلا، إذ ليس له أحكام مغاير لسائر أنواع الخيار، فنقول
وبالله التوفيق.



1 - المستدرك - باب 1 - من كتاب الوديعة، كنز العمال ج 5 ص 257.
218
الأول في خيار المجلس:
فالمراد بالمجلس، مطلق مكان المتبايعين حين البيع، {1} وإنما عبر بفرده الغالب
وإضافة الخيار إليه لاختصاصه به وارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق،

219
ولا خلاف بين الإمامية في ثبوت هذا الخيار، {1} والنصوص به مستفيضة،
والموثق الحاكي لقول علي عليه السلام إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب مطروح أو
مأول ولا فرق بين أقسام البيع وأنواع المبيع، نعم سيجئ استثناء بعض أشخاص
المبيع كالمنعتق على المشتري، وتنقيح مباحث هذا الخيار ومسقطاته يحصل برسم
مسائل.



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 1. 2 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 2.
3 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 3. 4 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 7.
220
مسألة: لا اشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصيلين، ولا في ثبوته للوكيلين
في الجملة. {1} وهل يثبت لهما مطلقا خلاف، قال في التذكرة: لو اشترى الوكيل أو باع
أو تعاقد الوكيلان تعلق الخيار بهما وبالموكلين مع حضورهما في المجلس، وإلا
فبالوكيلين فلو مات الوكيل في المجلس والموكل غائب انتقل الخيار إليه، لأن ملكه
أقوى من ملك الوارث. وللشافعية قولان:
أحدهما: أنه يتعلق بالموكل، والآخر أنه يتعلق بالوكيل، انتهى.
أقول: والأولى أن يقال إن الوكيل إن كان وكيلا في مجرد اجراء العقد، فالظاهر عدم
ثبوت الخيار لهما وفاقا لجماعة، منهم المحقق والشهيد الثانيان، لأن المتبادر من
النص غيرهما وإن عممناه لبعض أفراد الوكيل، ولم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه

221
بحكم الغلبة إلى خصوص العاقد المالك، مضافا إلى أن مفاد أدلة الخيار اثبات
حق وسلطنة لكل من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلطه،
على ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج، {1}
ألا ترى أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة
أو اعتاقه لنذر، فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه، لأدلة الخيار بزعم اثباتها للخيار
المستلزم لجواز رده على البائع وعدم وجوب عتقه

222
هذا مضافا إلى ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه وبين خيار
الحيوان {1} الذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة، فإن المقام
وإن لم يكن من تعارض المطلق والمقيد إلا أن سياق الجميع يشهد باتحاد المراد من
لفظ المتبايعين مع أن ملاحظة حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور {2} مضافا إلى
أدلة سائر الخيارات. {3} فإن القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.
والظاهر عدم دخوله في اطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة، فإن الظاهر من
قوله: اشترى الوكيل أو باع تصرف الوكيل بالبيع والشراء لا مجرد ايقاع الصيغة.
ومن جميع



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 1. 2 - نفس المصدر حديث 5.
223




1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 6. 2 - سورة المائدة: 2.
224
ومن جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر
الحدائق، وأضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ {1} بزعم أن الخيار
حق ثبت للعاقد بمجرد اجرائه للعقد، فلا يبطل بمنع الموكل، وعلى المختار فهل يثبت
للموكلين، فيه اشكال من أن الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان، فلا يعم
الموكلين. {2} وذكروا أنه لو حلف على عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله، ومن أن
الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين، ونسبة الفعل إليهما شائعة. ولذا لا يتبادر من
قوله: باع فلان ملكه الكذائي كونه مباشرا للصيغة وعدم الحنث بمجرد التوكيل في
اجراء الصيغة



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 3.
225
ممنوع، فالأقوى ثبوته لهما ولكن مع حضورهما في مجلس العقد {1} والمراد به
مجلسهما المضاف عرفا إلى العقد، فلو جلس هذا في مكان وذاك في مكان آخر
فاطلعا على عقد الوكيلين، فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما، إلا إذا صدق كون
مكانيهما مجلسا لذلك العقد، بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين والعبرة بافتراق
الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين.

227
هذا كله إن كان وكيلا في مجرد ايقاع العقد. وإن كان وكيلا في التصرف المالي
كأكثر الوكلاء فإن كان مستقلا في التصرف في مال الموكل بحيث يشمل فسخ
المعاوضة بعد تحققها نظير العامل في القراض وأولياء القاصرين {1}.
فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص، {2} ودعوى تبادر المالكين ممنوعة
خصوصا إذا استندت إلى الغلبة، فإن معاملة الوكلاء والأولياء لا تحصى،

229
وهل يثبت للموكلين أيضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة اشكال، {1}
من تبادر المتعاقدين من النص. وقد تقدم عدم حنث الحالف على ترك البيع ببيع
وكيله ومن أن المستفاد من أدلة سائر الخيارات وخيار الحيوان المقرون بهذا الخيار
في بعض النصوص كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا ارفاقا له {2} وأن ثبوته
للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه {3} إلا أن يدعي مدخلية المباشرة
للعقد، فلا يثبت لغير المباشر.
ولكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوة

230
وحينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة من طرف واحد أو
من الطرفين فكل من سبق من أهل الطرف الواحد إلى اعماله نفذ وسقط خيار
الباقين {1} بلزوم العقد أو بانفساخه، وليس المقام من تقديم الفاسخ على المجيز، فإن
تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين وهذا فرض من جانب واحد،



1 - سورة الزمر: 42. 2 - سورة السجدة: 11.
231




1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار.
232
ثم على المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال
العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرق المتعاقدين أو بتفرق الكل، فيكفي بقاء أصيل مع
وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الأخير، {1}
وإن لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد وبعده، بل كان وكيلا
في التصرف على وجه المعاوضة كما إذا قال له اشتر لي عبدا.
والظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الاطلاق إلى غير ذلك، بل
لما ذكرنا في القسم الأول من أن اطلاق أدلة الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من
العاقدين على ما نقله عنه بعد الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه فلا تنهض
لاثبات هذا التمكن عند الشك فيه، ولا لتخصيص ما دل على سلطنة الموكل على ما
انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده إلى مالكه الأصلي. وفي
ثبوته للموكلين ما تقدم



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار.
233
والأقوى اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه، ثم هل
للموكل بناء على ثبوت الخيار له تفويض الأمر إلى الوكيل بحيث يصير ذا حق
خياري الأقوى العدم، {1} لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة
القول به عند العقد لا لحوقه له بعده، نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف
فسخا أو التزاما،

234




1 - سورة المائدة: 2.
235
ومما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين وإن جعلنا الإجازة كاشفة {1}
لا لعدم صدق المتبايعين، لأن البيع النقل ولا نقل هنا كما قيل لاندفاعه بأن البيع النقل
العرفي وهو موجود هنا.
نعم ربما كان ظاهر الأخبار حصول الملك شرعا بالبيع وهذا المعنى منتف في
الفضولي قبل الإجازة، ويندفع أيضا بأن مقتضى ذلك عدم الخيار في الصرف
والسلم قبل القبض، مع أن هذا المعنى لا يصح على مذهب الشيخ القائل بتوقف
الملك على انقضاء الخيار

236
فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوى ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين
الغير المستقلين، {1} نعم في ثبوته للمالكين بعد الإجازة مع حضورهما في مجلس العقد
وجه، واعتبار مجلس الإجازة على القول بالنقل له وجه {2} خصوصا على القول بأن
الإجازة عقد مستأنف، على ما تقدم توضيحه في مسألة عقد الفضولي ويكفي حينئذ
الانشاء أصالة من أحدهما، والإجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس عرفا،

237
نعم يحتمل في أصل المسألة أن يكون الإجازة
من المجيز التزاما بالعقد، {1} فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت،
فتأمل.
ولا فرق في الفضوليين بين الغاصب وغيره، فلو تبايع غاصبان، ثم تفاسخا لم
يزل العقد عن قابلية لحوق الإجازة، {2} بخلاف ما لو رد الموجب منهما قبل قبول
الآخر لاختلال صورة المعاقدة والله العالم.
مسألة: لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو
وكالة {3} على وجه يثبت له الخيار مع التعدد، بأن كان وليا أو وكيلا مستقلا في
التصرف. فالمحكي عن ظاهر الخلاف والقاضي والمحقق والعلامة والشهيدين والمحقق
الميسي والصيمري وغيرهم، ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين، لأنه بائع ومشتر، فله
ما لكل. منهما

239
كسائر أحكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين، واحتمال كون الخيار
لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام العنوانين لشخص واحد، مندفع
باستقرار سائر أحكام المتبايعين، وجعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني على
الغالب خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم واستقر به فخر الدين، ومال إليه
المحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني والمحدث البحراني واستظهره بعض الأفاضل
ممن عاصرناهم. ولا يخلو عن قوة بالنظر إلى ظاهر النص، لأن الموضوع فيه صورة
التعدد {1} والغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد، ولولاها لأمكن استظهار كون
التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع والمشتري كساير أحكامها

240
إذ لا يفرق العرف بين قوله المتبايعان كذا، وقوله لكل من البائع والمشتري،
إلا أن التقييد بقوله حتى يفترقا، ظاهر في اختصاص الحكم بصورة امكان فرض
الغاية، ولا يمكن فرض التفرق في غير المتعدد. {1}
ومنه يظهر سقوط القول بأن كلمة، حتى تدخل على الممكن والمستحيل، إلا
أن يدعي أن التفرق غاية مختصة بصورة التعدد، لا مخصصة للحكم بها. وبالجملة
فحكم المشهور بالنظر إلى ظاهر اللفظ، مشكل نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن
الإشكال فيه والأولى التوقف، تبعا للتحرير وجامع المقاصد، ثم لو قلنا بالخيار.
فالظاهر بقائه إلى أن يسقط بأحد المسقطات غير التفرق. {2}

241
مسألة: قد يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار. {1}
منها من ينعتق على أحد المتبايعين والمشهور كما قيل عدم الخيار مطلقا، بل
عن ظاهر المسالك أنه محل وفاق، واحتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع، والكلام
فيه مبني على قول المشهور من عدم توقف الملك على انقضاء الخيار، وإلا فلا اشكال
في ثبوت الخيار
والظاهر أنه لا اشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى نفس العين، لأن
مقتضى الأدلة الانعتاق بمجرد الملك والفسخ بالخيار من حينه لا من أصله، ولا دليل
على زواله بالفسخ مع قيام الدليل على زوال الحرية بعد تحققها إلا على احتمال ضعفه
في التحرير

242
فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا مبني على تزلزل العتق. وأما الخيار بالنسبة
إلى أخذ القيمة فقد يقال مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ودليل عدم عود الحر إلى
الرقية، فيفرض المعتق كالتالف

243
فلمن أنتقل إليه أن يدفع القيمة ويسترد الثمن وما في التذكرة من أنه وطن
نفسه على الغبن المالي، {1} والمقصود من الخيار أن ينظر ويتروى لدفع الغبن عن
نفسه ممنوع لأن التوطين على شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا على الغبن من
حيث المعاملة، وكذا لمن أنتقل عنه أن يدفع الثمن ويأخذ القيمة، وما في التذكرة من
تغليب جانب العتق إنما يجدي مانعا عن دفع العين، لكن الانصاف أنه لا وجه للخيار
لمن أنتقل إليه، لأن شرائه اتلاف له في الحقيقة، واخراج له عن المالية، وسيجئ
سقوط الخيار بالاتلاف {2} بل بأدنى تصرف، فعدم ثبوته به أولى ومنه يظهر عدم
ثبوت الخيار لمن أنتقل عنه، لأن بيعه ممن ينعتق عليه اقدام على اتلافه

244
واخراجه عن المالية.
والحاصل إنا إذا قلنا إن الملك فيمن ينعتق عليه تقديري لا تحقيقي فالمعاملة
عليه من المتبايعين مواطاة على اخراجه عن المالية، وسلكه في سلك ما لا يتمول
لكنه حسن مع علمهما، فتأمل.
وقد يقال إن ثبوت الخيار لمن أنتقل عنه مبني على أن الخيار والانعتاق، هل
يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما، أو الأول بالأول والثاني بالثاني، أو
العكس {1} فعلى الأولين والأخير يقوى القول بالعدم لأنصية أخبار العتق وكون
القيمة بدل العين



1 - الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
245
فيمتنع استحقاقها من دون المبدل ولسبق تعلقه على الأخير ويحتمل قريبا
الثبوت جمعا بين الحقين {1} ودفعا للمنافاة من البين، وعملا بالنصين {2} وبالإجماع
على عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين، وتنزيلا للفسخ منزلة الأرش {3} مع
ظهور عيب في أحدهما، وللعتق بمنزلة تلف العين، ولأنهم حكموا بجواز الفسخ
والرجوع إلى القيمة فيما إذا باع بشرط العتق، فظهر كونه ممن ينعتق على المشتري أو
تعيب بما يوجب ذلك. والظاهر عدم الفرق بينه وبين المقام، وعلى الثالث يتجه الثاني
لما مر ولسبق تعلق حق الخيار وعروض العتق، ثم قال: وحيث كان المختار في الخيار
أنه بمجرد العقد وفي العتق أنه بعد الملك.

246
ودل ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب على أن أحكام العقود والايقاعات
تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرق بين الخيار وغيره، بل قد صر
حوا بأن الخيار يثبت بعد العقد، وأنه علة والمعلول لا يتخلف عن علته، كما أن
الانعتاق لا يتخلف عن الملك، فالأقرب هو الأخير، كما هو ظاهر المختلف والتحرير،
ومال إليه الشهيدان لم يثبت الاجماع على خلافه، ويؤيده اطلاق الأكثر ودعوى
ابن زهرة الاجماع على ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب المبيع من غير استثناء،
انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول إن قلنا إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج الملك عن ملك
من أنتقل إليه {1} إلى ملك من أنتقل عنه
نظرا إلى أن خروج أحد العوضين عن ملك أحدهما



1 - الوسائل - باب 7 - من أبواب كتاب العتق. 2 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار.
247
يستلزم دخول الآخر فيه ولو تقديرا، لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه، {1} ولو
قلنا بكون الخيار بمجرد العقد والانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل
المنعتق عليه، لأن يخرج من ملك المشتري إلى ملك البائع ولو تقديرا، إذ ملكية
المشتري لمن ينعتق عليه ليس على وجه يترتب عليه سوى الانعتاق، ولا يجوز
تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري إلى ملك البائع، ثم انعتاقه مضمونا على المشتري، كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار، ثم
فسخ البائع.
والحاصل أن الفاسخ يتلقى الملك من المفسوخ عليه وهذا غير حاصل فيما نحن فيه.
وإن قلنا إن الفسخ لا يقتضي أزيد من رد العين، إن كان موجودا وبدله إن
كان تالفا أو كالتالف، ولا يعتبر في صورة التلف امكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من
المفسوخ عليه وتملكه منه، بل يكفي أن يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها
مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف، كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ والرجوع إلى
القيمة فيما تقدم

248
في مسألة البيع بشرط العتق، ثم ظهور المبيع منعتقا على المشتري وحكمهم
برجوع الفاسخ إلى القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم امكان تقدير عود
الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة التلف إلى الفاسخ كان الأوفق بعمومات الخيار
القول به هنا، والرجوع إلى القيمة، إلا مع اقدام المتبايعين على المعاملة مع العلم
بكونه ممن ينعتق عليه، {1} فالأقوى العدم لأنهما قد تواطئا على اخراجه عن المالية
الذي هو بمنزلة اتلافه.
وبالجملة فإن الخيار حق في العين وإنما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء، فإذا
كان نقل العين ابطالا لماليته وتفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط
سقوطه فلم يحدث حق في العين حتى يتعلق ببدله.
وقد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع باتلاف المبيع ونقله إلى من ينعتق
عليه كالاتلاف له من حيث المالية، فدفع الخيار به أولى وأهون من رفعه فتأمل.

249
ومنها العبد المسلم المشترى من الكافر {1} بناء على عدم تملك الكافر للمسلم
اختيارا، فإنه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لأحدهما. أما بالنسبة إلى العين فلفرض
عدم جواز تملك الكافر للمسلم وتمليكه إياه. وأما بالنسبة إلى القيمة، فلما تقدم من أن الفسخ يتوقف على رجوع العين إلى مالكه الأصلي ولو تقديرا، لتكون مضمونة له
بقيمته على من أنتقل إليه ورجوع المسلم إلى الكافر غير جائز، {2} وهذا هو المحكي
عن حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال إنه يباع ولا يثبت له خيار المجلس ولا الشرط،
ويمكن أن يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط، وإن ثبت للمشتري، فيوافق
مقتضى كلام فخر الدين في الإيضاح، من أن البيع بالنسبة إلى الكافر استنقاذ،
وبالنسبة إلى المشتري كالبيع بناء منه على عدم تملك السيد الكافر له لأن الملك
سبيل، وإنما له حق استيفاء ثمنه منه.
لكن الانصاف أنه على هذا التقدير لا دليل على ثبوت الخيار للمشتري
أيضا، لأن الظاهر من قوله: البيعان بالخيار اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من
الطرفين، مع أنه لا معنى لتحقق العقد البيعي من طرف واحد، فإن شروط البيع إن
كانت موجودة تحقق من الطرفين وإلا لم يتحقق أصلا

250
كما اعترف به بعضهم في مسألة بيع الكافر الحربي من من ينعتق عليه،
والأقوى في المسألة وفاقا لظاهر الأكثر وصريح كثير ثبوت الخيار في المقام، وإن
تردد في القواعد بين استرداد العين أو القيمة، وما ذكرنا من أن الرجوع بالقيمة مبني
على امكان تقدير الملك في ملك المالك الأصلي، لو أغمضنا عن منعه كما تقدم في
المسألة السابقة غير قادح هنا، لأن تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه
بدله ليس سبيلا للكافر على المسلم، {1} ولذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه، وقد مر
بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين



1 - سورة النساء آية 141. 2 - الوسائل - باب 73 - من أبواب كتاب العتق.
251
ومنها شراء العبد نفسه بناء على جوازه، {1} فإن الظاهر عدم الخيار فيه ولو
بالنسبة إلى القيمة لعدم شمول أدلة الخيار، له {2} واختاره في التذكرة، وفيها أيضا أنه
لو اشترى جمدا في شدة الحر ففي الخيار اشكال، {3} ولعله من جهة احتمال اعتبار
قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار، {4} فلا يندفع الاشكال بما في جامع
المقاصد من أن الخيار لا يسقط بالتلف بأنه لا يسقط به إذا ثبت قبله، فتأمل.

252
مسألة: لا يثبت خيار المجلس في شئ من العقود سوى البيع {1} عند علمائنا،
كما في التذكرة، وعن تعليق الارشاد وغيرهما وعن الغنية: الاجماع عليه، وصرح
الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك أيضا، بل عن الخلاف الاجماع على عدم
دخوله في الوكالة والعارية والقراض والحوالة والوديعة إلا أنه في المبسوط بعد ذكر
جملة من العقود التي يدخلها الخيار والتي لا يدخلها قال: وأما الوكالة والوديعة،
والعارية والقراض والجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع، انتهى. {2}
ومراده خيار المجلس والشرط، وحكي نحوه عن القاضي ولم يعلم معنى
الخيار في هذه العقود، بل جزم في التذكرة بأنه لا معنى للخيار فيها لأن الخيار فيها لأن الخيار فيها
أبدا. واحتمل في الدروس أن يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخيار،
ولعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذه العقود لا الموجب، إذ لا
معنى لتوقف جواز تصرف المالك في هذه العقود

253
على انقضاء الخيار، لأن أثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف، فهو الذي
يمكن توقفه على انقضاء الخيار الذي جعل الشيخ قدس سره أثر البيع متوقفا عليه، لكن
الانصاف أن تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام يشهد بعدم إرادته هذا
المعنى، فإنه صرح في مواضع قبل هذا الكلام وبعده باختصاص خيار المجلس بالبيع،
والذي يخطر بالبال أن مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد
البيع {1} فتنفسخ بفسخه في المجلس، وهذا المعنى وإن كان بعيدا في نفسه إلا أن
ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه إلى الذهن. وقد ذكر نظير ذلك في جريان
الخيارين في الرهن والضمان. وصرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود
لأنها جائزة {2} فيجوز الفسخ في كل وقت، وهو محتمل كلام الشيخ، فتأمل، وكيف
كان فلا اشكال في أصل هذه المسألة.

254
مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، {1} لأن ظاهر النص كون البيع علة
تامة {2} ومقتضاه كظاهر الفتاوى شمول الحكم للصرف والسلم قبل القبض، ولا
اشكال فيه

255
لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف والسلم وجوبا تكليفيا أما
للزوم الربا كما صرح به في صرف التذكرة {1}. وأما لوجوب الوفاء بالعقد {2} وإن لم
يكن بنفسه مملكا، لأن ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض.
أما لو قلنا بعدم وجوب التقابض وجواز تركه إلى التفرق المبطل للعقد



1 - سورة المائدة: 2.
256
ففي أثر الخيار خفاء، لأن المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين على ملكه
وعدم حق لأحدهما في مال الآخر، ويمكن أن يكون أثر الخيار خروج العقد بفسخ
ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض المملك فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في
العقد، لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير قال في التذكرة: لو
تقابضا في عقد الصرف، ثم أجازا في المجلس لزم العقد، وإن أجازا قبل التقابض.
فكذلك وعليهما التقابض، فإن تفرقا قبله انفسخ العقد، ثم إن تفرقا عن تراض لم
يحكم بعصيانهما، فإن انفرد أحدهما بالمفارقة عصى، انتهى.



1 - الوسائل - باب 2 - من أبواب الصرف.
257
وفي الدروس يثبت يعني خيار المجلس في الصرف تقابضا أولا فإن التزما به
قبل القبض وجب التقابض، فلو هرب أحدهما عصى وانفسخ العقد، ولو هرب قبل
الالتزام فلا معصية ويحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لأن للقبض مدخلا في اللزوم
فله تركه، انتهى.
وصرح الشيخ أيضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل التقابض،
ومما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد
الفضوليين على القول بثبوت الخيار لهما من زمان إجازتهما على القول بالنقل، وكذا
على الكشف {1} مع احتمال كونه من زمان العقد.

258
القول في مسقطات الخيار
وهي أربعة على ما ذكرها في التذكرة: اشتراط سقوطه في ضمن العقد،
واسقاطه بعد العقد، والتفرق، والتصرف، {1} فيقع الكلام في مسائل:
مسألة: لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن
العقد وعن الغنية الاجماع عليه، {2} ويدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون
أو المسلمون عند شروطهم



1 - الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار و - باب 4 - من أبواب المكاتبة وغيرهما من الأبواب.
259
وقد يتخيل معارضته بعموم أدلة الخيار، {1} ويرجح على تلك الأدلة
بالمرجحات {2} وهو ضعيف، لأن الترجيح من حيث الدلالة والسند مفقود، {3}
وموافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم في عموم أدلة
الشروط، كما يظهر من كتبهم

260
ونحوه في الضعف التمسك بعموم أوفوا بالعقود بناء على صيرورة شرط عدم
الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به، {1} إذ فيه أن أدلة الخيار أخص،
فيخصص بها العموم {2} بل الوجه مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط عدم
نهوض أدلة الخيار للمعارضة، لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع {3}،
فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي وهو الشرط لوجوب العمل به شرعا، بل التأمل
في دليل الشرط يقضي

261
بأن المقصود منه رفع اليد عن الأحكام الأصلية الثابتة للمشروطات قبل
وقوعها في حيز الاشتراط فلا تعارضه أدلة تلك الأحكام فحاله حال أدلة وجوب
الوفاء بالنذر والعهد في عدم مزاحمتها بأدلة أحكام الأفعال المنذورة، لولا النذر.
ويشهد لما ذكرنا من حكومة أدلة الشرط وعدم معارضتها للأحكام الأصلية
حتى يحتاج إلى المرجح استشهاد الإمام في كثير من الأخبار بهذا العموم على مخالفة
كثير من الأحكام الأصلية، {1} منها صحيحة مالك بن عطية قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن رجل كان له أب مملوك وكان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدت
بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد، هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما
عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار بعد ذلك على أبي إذا أنت ملكت نفسك؟ قالت
نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال عليه السلام لا يكون لها
الخيار المسلمون عند شروطهم، والرواية محمولة بقرينة الاجماع على عدم لزوم
الشروط الابتدائية على صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم {2} أو المصالحة
على اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال، وكيف كان فالاستدلال فيها
بقاعدة الشروط على نفي الخيار الثابت بالعمومات دليل على حكومتها عليها لا
معارضتها المحوجة إلى التماس المرجح.



(1) - الوسائل - باب 11 - من أبواب المكاتبة.
262
نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه {1}



1 - الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار و - باب 4 - من أبواب المكاتبة وغيرهما من الأبواب.
2 - الوسائل - باب 11 - من أبواب المكاتبة.
263
الأول: إن الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما، لأن
الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه على أصل العقد، {1} بل هو كالوعد
فلزوم الشرط يتوقف على لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

264
الثاني: إن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد على ما هو ظاهر قوله: البيعان
بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد. {1}
الثالث: ما استدل به بعض الشافعية على عدم جواز اشتراط السقوط من أن
اسقاطه الخيار في ضمن العقد اسقاط لما لم يجب، لأن الخيار لا يحدث إلا بعد البيع
فاسقاطه فيه كاسقاطه قبله، هذا، ولكن شئ من هذه الوجوه لا يصلح
للاستشكال.
أما الأول: فلأن الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية لأنها كالوعد
والواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع بقائها على الجواز، لأن الحكم
بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان، لأن الشرط تابع
وكالتقييد للعقد المشروط به. أما إذا كان نفس مؤدي الشرط لزوم ذلك العقد
المشروط به كما فيما نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام أصل العقد، فلزومه الثابت
بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد، فلا يلزم تفكيك بين التابع
والمتبوع في اللزوم والجواز.
وأما الثاني: فلأن الخيار حق للمتعاقدين اقتضاه العقد لو خلى ونفسه، {2}

265
فلا ينافي سقوطه بالشرط، وبعبارة أخرى المقتضي للخيار العقد بشرط لا،
لا طبيعة العقد من حيث هي، حتى لا يوجد بدونه وقوله: البيعان بالخيار وإن كان له
ظهور في العلية التامة، إلا أن المتبادر من اطلاقه صورة الخلو عن شرط السقوط، مع أن مقتضى الجمع بينه وبين دليل الشرط كون العقد مقتضيا لاتمام العلة ليكون
التخلف ممتنعا شرعا، {1} نعم يبقى الكلام في دفع توهم أنه لو بنى على الجمع بهذا
الوجه بين دليل الشرط وعمومات الكتاب والسنة لم يبق شرط مخالف للكتاب
والسنة. بل ولا لمقتضى العقد ومحل ذلك وإن كان في باب الشروط إلا أن مجمل القول
في دفع ذلك فيما نحن فيه، إنا حيث علمنا بالنص والاجماع أن الخيار حق مالي قابل
للاسقاط والإرث، لم يكن سقوطه منافيا للمشروع [للمشروط] فلم يكن اشتراطه
اشتراط المنافي، كما لو اشترطا في هذا العقد سقوط الخيار في عقد آخر.

266
وأما عن الثالث بما عرفت من أن المتبادر من النص المثبت للخيار صورة
الخلو عن الاشتراط واقدام المتبايعين على عدم الخيار، ففائدة الشرط ابطال
المقتضي لا اثبات المانع، {1} ويمكن أن يستأنس لدفع الاشكال من هذا الوجه
الثالث ومن سابقه، بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة.
ثم إن هذا الشرط يتصور على وجوه:
أحدها: أن يشترط عدم الخيار وهذا هو مراد المشهور من اشتراط
السقوط {2} فيقول: بعت بشرط أن لا يثبت خيار المجلس، كما مثل به في الخلاف
والمبسوط والغنية والتذكرة لأن المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

267
الثاني: أن يشترط عدم الفسخ فيقول: بعت بشرط أن لا أفسخ في
المجلس، {1} فيرجع إلى التزام ترك حقه، فلو خالف الشرط وفسخ، فيحتمل قويا
عدم نفوذ الفسخ، لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب اجباره عليه وعدم
سلطنته على تركه، كما لو باع منذور التصدق به على ما ذهب إليه غير واحد، فمخالفة
الشرط وهو الفسخ غير نافذة في حقه، ويحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار والالتزام
بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ على ما قاله بعضهم من أن بيع منذور التصدق
حنث موجب للكفارة لا فاسد،

268
وحينئذ فلا فائدة في هذا غير الإثم على مخالفته إذ ما يترتب على مخالفة
الشرط في غير هذا المقام من تسلط المشروط له على الفسخ لو خولف الشرط غير
مرتب هنا، والاحتمال الأول أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال على وجوب
ترتب آثار الشرط، وهو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتى بعد الفسخ، {1}
فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره في الاستدلال بعموم وجوب
الوفاء بالعقد على كون فسخ أحدهما منفردا لغوا، لا يرفع وجوب الوفاء.

269
الثالث: أن يشترط اسقاط الخيار، {1} ومقتضى ظاهره وجوب الاسقاط بعد
العقد {2} فلو أخل به وفسخ العقد ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان والأقوى
عدم التأثير،

270
وهل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار بعد العقد وإن لم
يفسخ {1} وجهان من عدم حصول الشرط ومن أن المقصود منه ابقاء العقد، فلا
يحصل التخلف إلا إذا فسخ، {2} والأولى بناء على القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم
الخيار، لعدم تخلف الشرط وعلى القول بتأثيره ثبوت الخيار لأنه قد يكون الغرض
من الشرط عدم تزلزل العقد {3} ويكون بقاء المشترط على سلطنة الفسخ مخالفا
لمصلحة المشروط له.

271
وقد يموت ذو الخيار وينتقل إلى وارثه. بقي الكلام في أن المشهور أن تأثير
الشرط إنما هو مع ذكره في متن العقد، {1} فلو ذكراه قبله لم يفد لعدم الدليل على
وجوب الوفاء به، وصدق الشرط على غير المذكور في العقد غير ثابت، لأن المتبادر
عرفا هو الالتزام المرتبط بمطلب آخر. {2} وقد تقدم عن القاموس أنه الالزام
والالتزام في البيع ونحوه.
وعن الشيخ والقاضي تأثير الشرط المتقدم قال في محكي الخلاف لو شرطا
قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط ولزم العقد بنفس الايجاب
والقبول، ثم نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي ثم قال: دليلنا أنه لا مانع من
هذا الشرط والأصل جوازه وعموم الأخبار في جواز الشرط يشمل هذا الموضع،
انتهى.

272
ونحوه المحكي عن جواهر القاضي وقال في المختلف على ما حكى عنه بعد ذلك
وعندي في ذلك نظر، فإن الشرط إنما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا
قبل العقد وتبايعا على ذلك الشرط صح ما شرطاه، انتهى.
أقول التبايع [التباني] على ذلك الشرط إن كان بالإشارة إليه في العقد بأن
يقول مثلا: بعت على ما ذكر فهو من المذكور في متن العقد وإن كان بالقصد إليه
والبناء عليه عند الانشاء، فهذا هو ظاهر كلام الشيخ. نعم يحتمل أن يريد الصورة
الأولى وأراد بقوله قبل العقد قبل تمامه، وهذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع
من هذا الاشتراط ويؤيده أيضا بل يعينه أن بعض أصحاب الشافعي إنما يخالف في
صحة هذا الاشتراط في متن العقد وقد صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية
في اشتراط عدم الخيار في متن العقد، واستدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد، فلا
يصح اسقاطه قبل تمامه.

273
والحاصل أن ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف والتذكرة واستدلال الشيخ
على الجواز وبعض الشافعية على المنع، يكاد يوجب القطع بعدم إرادة الشيخ صورة
ترك الشرط في متن العقد وكيف كان. فالأقوى أن الشرط الغير المذكور في متن
العقد، غير مؤثر لأنه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق، لأن المتحقق في السابق. إما
وعد بالتزام، أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به، والعقد اللاحق وإن وقع مبنيا عليه
لا يلزمه لأنه إلزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد إلا بجعل المتكلم، وإلا فهو بنفسه
ليس من متعلقات الكلام العقدي مثل العوضين وقيودهما حتى يقدر شرطا منويا،
فيكون كالمحذوف النحوي بعد نصب القرينة، فإن من باع داره في حال بنائه في
الواقع على عدم الخيار له، لم يحصل له في ضمن بيعه إن شاء التزام بعدم الخيار ولم
يقيد انشائه بشئ بخلاف قوله: بعتك على أن لا خيار لي الذي مؤداه بعتك ملتزما
على نفسي وبانيا على أن لا خيار لي فإن انشائه للبيع قد اعتبر مقيدا بانشائه

274
التزام عدم الخيار فحاصل الشرط إلزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالأول
وتمام الكلام في باب الشروط انشاء الله تعالى.



1 - الوسائل - باب 19 - من أبواب المتعة من كتاب النكاح حديث 1.
2 - الوسائل - باب 19 - من أبواب المتعة حديث 4. 3 - الوسائل - باب 19 - من أبواب المتعة حديث 2.
275
فرع ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس
وغيره في متن العقد، وهو ما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه بأن قال لله: علي
أن أعتقك إذا بعتك قال لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر، {1}
فيجب الوفاء به ولا يتم برفع الخيار وعلى قول بعض علمائنا من صحة البيع مع
بطلان الشرط يلغو الشرط ويصح البيع ويعتق انتهى.
أقول هذا مبني على أن النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر على
التصرفات المنافية له. {2} وقد مر أن الأقوى في الشرط أيضا كونه كذلك.

276
مسألة: ومن المسقطات اسقاط هذا الخيار بعد العقد {1} بل هذا هو المسقط
الحقيقي ولا خلاف ظاهرا في سقوطه بالاسقاط، ويدل عليه بعد الاجماع، فحوى ما
سيجئ من النص الدال على سقوط الخيار بالتصرف، معللا بأنه رضاء بالبيع، {2}
مضافا إلى القاعدة المسلمة من أن لكل ذي حق اسقاط حقه، {3} ولعله لفحوى
تسلط الناس على أموالهم فهم أولى بالتسلط على حقوقهم المتعلقة بالأموال،



1 - الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1. 2 - البحار ج 1 ص 156 الطبع القديم.
278
ولا معنى لتسلطهم على مثل هذا لحقوق الغير القابلة للنقل، {1} إلا نفوذ تصرفهم فيها
بما يشمل الاسقاط، ويمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام
الابتدائي. ثم إن الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه بإحدى الدلالات
العرفية {2} للفحوى المتقدمة {3} وفحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال في إجازة
عقد الفضولي {4}.

280
وصدق الاسقاط النافذ بمقتضى ما تقدم من التسلط على اسقاط الحقوق وعلى هذا
فلو قال أحدهما: أسقطت الخيار من الطرفين، فرضي الآخر سقط خيار الراضي {1}
أيضا، لكون رضاه باسقاط الآخر خياره اسقاطا أيضا.



1 - الوسائل - باب 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
2 - الوسائل - باب 14 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
281
مسألة: لو قال أحدهما لصاحبه: اختر، {1} فإن اختار المأمور الفسخ فلا
اشكال في انفساخ العقد، وإن اختار الامضاء ففي سقوط خيار الأمر أيضا مطلقا كما
عن ظاهر الأكثر بل عن الخلاف، الاجماع عليه، أو بشرط إرادته تمليك الخيار
لصاحبه، وإلا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة، أو مع قيد إرادة الاستكشاف
دون التفويض ويكون حكم التفويض كالتمليك، أقوال ولو سكت فخيار الساكت
باق اجماعا، ووجهه واضح. وأما خيار الأمر ففي بقائه مطلقا أو بشرط عدم إرادة
تمليك الخيار، كما هو ظاهر التذكرة، أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ، أقوال
والأولى أن يقال: إن كلمة اختر



1 - الخلاف كتاب البيوع مبحث خيار المجلس.
282
بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب أحد طرفي العقد من الفسخ والامضاء،
وليس فيه دلالة على ما ذكروه من تمليك الخيار أو تفويض الأمر أو استكشاف الحال
نعم الظاهر عرفا من حال الأمر أن داعيه استكشاف حال المخاطب {1} وكأنه
في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب أمر الشئ، كما يظهر من باب الطلاق
فإن تم دلالته حينئذ على اسقاط الأمر خياره بذلك وإلا فلا مزيل لخياره،

283
وعليه يحمل على تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض أخبار خيار المجلس، أنهما
بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه اختر. {1}
ثم إنه لا اشكال في أن اسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر،
ومنه يظهر أنه لو أجاز أحدهما وفسخ الآخر، انفسخ العقد لأنه مقتضى ثبوت
الخيار، فكان العقد بعد إجازة أحدهما جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز، كما لو
جعل الخيار من أول الأمر لأحدهما وهذا ليس تعارضا بين الإجازة والفسخ
وترجيحا له عليها.
نعم لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين {2} كما لو فرض ثبوت الخيار
من طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما لمتعدد كالأصيل والوكيل فأجاز أحدهما
وفسخ الآخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة، كما لو باع
عبدا بجارية، ثم اعتقهما جميعا، حيث إن اعتاق العبد فسخ، وإعتاق الجارية، إجازة،
أو اختلف الورثة في الفسخ والإجازة تحقق التعارض. وظاهر العلامة في جميع هذه
الصور، تقديم الفسخ، ولم يظهر له وجه تام وسيجئ الإشارة إلى ذلك في موضعه.

284
مسألة: من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين {1} ولا اشكال في سقوط
الخيار به ولا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع، {2} وإن كان ظاهر بعض
الأخبار ذلك {3} مثل قوله، فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا ومعنى حدوث
افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد، افتراقهما بالنسبة إلى الهيئة
الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الإضافي ولو بمسماه ارتفع
الخيار



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار. 2 - نفس المصدر.
285
فلا يعتبر الخطوة، {1} ولذا حكي عن جماعة: التعبير بأدنى الانتقال. والظاهر أن ذكره في بعض العبارات لبيان أقل الأفراد خصوصا مثل قول الشيخ في الخلاف
أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبني على الغالب في الخارج أو في التمثيل لأقل
الافتراق فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفي مجرد افتراقهما ويظهر من بعض
اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الأصحاب. وعن صريح آخر التأمل، وكفاية
الخطوة لانصراف الاطلاق إلى أزيد منها فيستصحب الخيار، ويؤيده قوله في بعض
الروايات: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطأ ليجب البيع حين افترقنا، وفيه منع
الانصراف ودلالة الرواية.

286
ثم اعلم أن الافتراق على ما عرفت من معناه يحصل بحركة أحدهما وبقاء
الآخر في مكانه فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق افتراقهما، {1} فالحركة من
أحدهما لا يسمى افتراقا حتى يحصل عدم المصاحبة من الآخر، فذات الافتراق من
المتحرك واتصافها بكونها افتراقا من الساكن، ولو تحرك كل منهما، كان حركة كل
منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر، وكيف كان فلا يعتبر في الافتراق
المسقط، حركة كل منهما إلى غير جانب الآخر، كما يدل عليه الروايات الحاكية
لشراء الإمام عليه السلام أرضا وأنه عليه السلام قال:



1 - الوسائل - باب 2 - من أبواب الخيار.
287
فلما استوجبتها قمت فمشيت خطئا ليجب البيع حين افترقنا {1} فأثبت افتراق
الطرفين بمشيه عليه السلام فقط.
مسألة: المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه إذا منع من التخاير
أيضا {2} سواء بلغ حد سلب الاختيار أم لا لأصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار
من الفعل المسند إلى الفاعل المختار، {3} مضافا إلى حديث: رفع ما استكرهوا
عليه {4} وقد تقدم في مسألة



1 - الوسائل - باب 56 - من أبواب جهاد النفس.
288
اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه عموم: الرفع للحكم الوضعي
المحمول على المكلف فلا يختص برفع التكليف، هذا. ولكن يمكن منع التبادر فإن
المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لم يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس
الفاعل، بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا في مقابل المكره الفاعل
بالاختيار لدفع الضرر المتوعد على تركه، فإن التبادر ممنوع، فإذا دخل الاختياري
المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل، مع أن المعروف بين الأصحاب
أن الافتراق ولو اضطرارا مسقط للخيار، إذا كان الشخص متمكنا من الفسخ
والامضاء، مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار

289
قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور، لأنه إذا كان متمكنا من الامضاء
والفسخ فلم يفعل، حتى وقع التفرق كان ذلك دليلا على الرضا والامضاء، انتهى.
وفي جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من
الاختيار انتهى.
ومنه يظهر أنه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره للاعتراف
بدخول المكره والمضطر إذا تمكنا من التخاير.
والحاصل إن فتوى الأصحاب هي أن التفرق عن إكراه عليه وعلى ترك
التخاير غير مسقط للخيار، {1} وأنه لو حصل أحدهما باختياره سقط خياره، وهذا
لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الأدلة بالتفرق الاختياري، ولا بأن مقتضى
حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق، لأن المفروض أن التفرق
الاضطراري أيضا مسقط

290
مع وقوعه في حال التمكن من التخاير، فالأولى الاستدلال عليه مضافا إلى
الشهرة المحققة الجابرة للإجماع المحكي وإلى أن المتبادر من التفرق ما كان عن رضاء
بالعقد {1} سواء وقع اختيارا أو اضطرارا بقوله عليه السلام في صحيحة الفضيل: فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما، {2} دل على أن الشرط في السقوط الافتراق والرضا
منهما، ولا ريب أن الرضا المعتبر ليس إلا المتصل بالتفرق {3} بحيث يكون التفرق
عنه إذ لا يعتبر الرضا في زمان آخر اجماعا، أو يقال إن قوله بعد الرضا إشارة إلى
إناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما، فيكون الافتراق مسقطا
لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد {4} واعراضهما عن الفسخ



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 3.
291
وعلى كل تقدير. فيدل على أن المتفرقين ولو اضطرارا، إذا كانا متمكنين من
الفسخ ولم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد فسقط خيارهما، فهذا هو
الذي استفاده الشيخ قدس سره كما صرح به في عبارة المبسوط المتقدمة

292
مسألة: لو أكره أحدهما على التفرق ومنع عن التخاير وبقي الآخر في
المجلس {1} فإن منع من المصاحبة والتخاير لم يسقط خيار أحدهما، لأنهما مكرهان
على الافتراق وترك التخاير، فدخل في المسألة السابقة وإن لم يمنع من المصاحبة.
ففيه أقوال وتوضيح ذلك، أن افتراقهما المستند إلى اختيارهما كما عرفت، يحصل
بحركة أحدهما اختيارا وعدم مصاحبة الآخر كذلك، وأن الاكراه على التفرق لا
يسقط حكمه ما لم ينضم معه الاكراه على ترك التخاير، فحينئذ نقول تحقق الاكراه
المسقط في أحدهما دون الآخر يحصل تارة بإكراه أحدهما على التفرق وترك
التخاير وبقاء الآخر في المجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير، وأخرى بالعكس
بإبقاء أحدهما في المجلس كرها مع المنع عن التخاير، وذهاب الآخر اختيارا، ومحل
الكلام هو الأول وسيتضح به حكم الثاني والأقوال فيه أربعة:
سقوط خيارهما، كما عن ظاهر المحقق والعلامة وولده السعيد والسيد العميد
وشيخنا الشهيد (قدس الله أسرارهم).
وثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط والمحقق والشهيد الثانيين ومحتمل الإرشاد.
وسقوطه في حق المختار خاصة. وفصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس،
فالثبوت لهما وبين مفارقته فالسقوط عنهما

293
ومبني الأقوال على أن افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف على
حصوله عن اختيارهما أو يكفي فيه حصوله عن اختيار أحدهما؟ وعلى الأول هل
يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو يتوقف سقوط خيار كل واحد على مجموع
اختيارهما فعلى الأول يسقط خيار المختار خاصة، كما عن الخلاف وجواهر
القاضي، وعلى الثاني يثبت الخياران، كما عن ظاهر المبسوط والمحقق والشهيد
الثانيين. وعلى الثاني فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا وحركة
صادرة باختيار أحدهما أو يكفي كونه تركا اختياريا، كالبقاء في مجلس العقد مختارا،
فعلى الأول يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء الآخر في مجلس العقد
وذهابه على الثاني يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق والعلامة وولده السعيد
والسيد العميد وشيخنا الشهيد.
واعلم أن ظاهر الإيضاح أن قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما وأن
محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا وإلا سقط خيارهما اتفاقا، حيث
قال في شرح قول والده: لو حمل أحدهما ومنع عن التخابر لم يسقط خياره على
اشكال. وأما الثابت فإن منع من المصاحبة والتخاير لم يسقط خياره وإلا فالأقرب
سقوطه، فيسقط خيار الأول، انتهى.



1 - الوسائل - باب 56 - من أبواب جهاد النفس.
294
قال إن هذا مبني على بقاء الأكوان وعدمه وافتقار الباقي إلى المؤثر وعدمه
وأن الافتراق ثبوتي أو عدمي فعلى عدم البقاء أو افتقار الباقي إلى المؤثر يسقط، لأنه
فعل المفارقة، وعلى القول ببقائها واستغناء الباقي عن المؤثر وثبوتية الافتراق لم
يسقط خياره، لأنه لم يفعل شيئا.
وإن قلنا: بعدمية الافتراق والعدم ليس بمعلل فكذلك.
وإن قلنا إنه يعلل سقط أيضا والأقرب عندي السقوط لأنه مختار في المفارقة، انتهى.
وهذا الكلام وإن نوقش فيه بمنع بناء الأحكام على هذه التدقيقات إلا أنه على كل
حال صريح في أن الباقي لو ذهب اختيارا فلا خلاف في سقوط خياره، وظاهره
كظاهر عبارة القواعد أن سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر فينتفي
القول المحكي عن الخلاف والجواهر، لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا
القول، قال: لو أكرها، أو أحدهما على التفرق بالأبدان على وجه يتمكنان من الفسخ
والتخاير فلم يفعلا، بطل خيارهما أو خيار من تمكن من ذلك ونحوه المحكي عن
القاضي، فإنه لولا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر على قوله: بطل خيارهما، فتأمل.



1 - الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 3.
295
بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها وفيه تأمل، وكيف كان
فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين للأصل وما تقدم من تبادر تفرقهما عن
رضا منهما فإن التفرق وإن لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين ولا من أحدهما إلا
أن المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق، فرضاء أحدهما في المقام وهو الماكث لا دليل
على كفايته في سقوط خيارهما، ولا في سقوط خيار خصوص التراضي، إذ الغاية
غاية للخيارين فإن تحققت سقطا وإلا ثبتا، ويدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل
المصرحة بإناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء رضاء أحدهما، {1} ولكن
يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما وتبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوع،
بل المتيقن اعتبار رضا أحدهما.

296
وظاهر الصحيحة وإن كان اعتبار ذلك إلا أنه معارض بإطلاق ما يستفاد من
الرواية السابقة الحاكية لفعل الإمام عليه السلام وأنه قال: فمشيت خطئا ليجب البيع حين
افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، وجعل وجوب
البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الإمام عليه السلام، {1}
ودعوى انصرافه إلى صورة شعور الآخر وتركه المصاحبة اختيارا ممنوعة.
وظاهر الصحيحة وإن كان أخص {2} إلا أن ظهور الرواية في عدم مدخلية
شئ آخر زائدا على مفارقة أحدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من
المقامات، مثل ما إذا مات أحدهما وفارق الآخر اختيارا. فإن الظاهر منهم عدم
الخلاف في سقوط الخيارين. وقد قطع به في جامع المقاصد مستدلا بأنه قد تحقق
الافتراق، فسقط الخياران، مع أن المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه، وكذا
لو فارق أحدهما في حال نوم الآخر، أو غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك بنقل
الاجماع عن السيد عميد الدين.

297
وظاهر المبنى المتقدم عن الإيضاح أيضا عدم الخلاف في عدم اعتبار الرضا
من الطرفين. وإنما الخلاف في أن البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا، بل ظاهر
القواعد أيضا أن سقوط خيار المكره متفرع على سقوط خيار الماكث من غير إشارة
إلى وجود خلاف في هذا التفريع وهو الذي ينبغي، لأن الغاية إن حصلت سقط
الخياران وإلا بقيا، فتأمل:
وعبارة الخلاف المتقدمة وإن كانت ظاهرة في التفكيك بين المتبايعين في الخيار
إلا أنها ليست بتلك الظهور لاحتمال إرادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من
حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال الآخر، فلا ينافي سقوط خيار الآخر لأجل
التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما في الغاية، مع أن شمول عبارته لبعض الصور
التي لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه، كما لا يخفى على المتأمل،
وحملها على ما ذكرنا من إرادة المتمكن، لا بشرط إرادة خصوصه فقط أولى من
تخصيصها ببعض الصور. ولعل نظر الشيخ والقاضي إلى أن الافتراق المستند إلى
اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما، فالمستند إلى اختيار أحدهما مسقط
لخياره خاصة وهو استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص. ثم إنه يظهر مما
ذكرنا حكم عكس المسألة

298
وهي ما إذا أكره أحدهما على البقاء ممنوعا من التخاير وفارق الآخر
اختيارا، فإن مقتضى ما تقدم من الإيضاح من مبنى الخلاف في سقوط الخيارين
هنا، ومقتضى ما ذكرنا من مبنى الأقوال جريان الخلاف هنا أيضا وكيف كان،
فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا أقوى كما لا يخفى.
مسألة: لو زال الاكراه، {1} فالمحكي عن الشيخ وجماعة، امتداد الخيار
بامتداد مجلس الزوال. {2} ولعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال الاكراه
كالمعدوم، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باق {3} وفيه أن الهيئة
الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا غاية الأمر عدم ارتفاع حكمها وهو
الخيار بسبب الاكراه، ولم يجعل مجلس زوال الاكراه

299
بمنزلة مجلس العقد. والحاصل أن الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد،
فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار، فلا بد أما من القول بالفور كما عن التذكرة،
ولعله، لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين، وأما من القول بالتراخي
إلى أن يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار والوجهان جاريان في كل خيار لم
يظهر حاله من الأدلة.



1) المائدة: 2.
300
مسألة: ومن مسقطات هذا الخيار التصرف {1} على وجه يأتي في خياري
الحيوان والشرط، ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس وفي الصرف، والعلامة
في التذكرة، ونسب إلى جميع من تأخر عنه، بل ربما يدعي اطباقهم عليه وحكى عن
الخلاف والجواهر والكافي والسرائر ولعله لدلالة التعليل في بعض أخبار خيار
الحيوان {2}



1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
301
وهو الوجه أيضا في اتفاقهم على سقوط خيار الشرط وإلا فلم يرد فيه نص
بالخصوص، بل سقوط خيار المشتري بتصرفه، مستفاد من نفس تلك الرواية
المعللة حيث قال: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك
رضا منه فلا شرط {1} فإن المنفي يشمل شرط المجلس والحيوان، فتأمل.
وتفصيل التصرف المسقط سيجئ انشاء الله تعالى.

302
والثاني: خيار الحيوان، {1} لا خلاف بين الإمامية في ثبوت الخيار في الحيوان
للمشتري، وظاهر النص والفتوى، العموم لكل ذي حياة فيشمل مثل الجراد
والزنبور والسمك والعلق ودود القز ولا يبعد اختصاصه بالحيوان، المقصود حياته
في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء والجراد المحرز في الإناء وشبه ذلك خارج،
لأنه لا يباع من حيث إنه حيوان، بل من حيث إنه لحم و {2} يشكل فيما صار كذلك
لعارض كالصيد المشرف على الموت

303
بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم، وعلى كل حال فلا يعد زهاق روحه
تلفا من البائع قبل القبض، أو في زمان الخيار، {1} وفي منتهى خياره مع عدم بقائه
إلى الثلاثة، وجوه، {2}

304
ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين، {1} كما هو المنساق في النظر من
الاطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الاجماع كما في التذكرة، بالحكمة الغير
الجارية في الكلي الثابت في الذمة أو يعم الكلي كما هو المترائي من النص والفتوى لم
أجد مصرحا بأحد الأمرين.
نعم يظهر من بعض المعاصرين الأول ولعله الأقوى، وكيف كان، فالكلام
فيمن له الخيار وفي مدته من حيث المبدأ والمنتهى، ومسقطاته يتم برسم مسائل.
مسألة: المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري، {2} حكى عن الشيخين
والصدوقين والإسكافي وابن حمزة والشاميين الخمسة والحلبيين الستة ومعظم
المتأخرين،



1) البقرة: 275.
305
وعن الغنية، وظاهر الدروس، الاجماع عليه، لعموم قوله عليه السلام إذا افترقا
وجب البيع، {1} خرج المشتري وبقي البائع،



1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار.
306
بل لعموم: أوفوا بالعقود بالنسبة إلى ما ليس فيه خيار المجلس بالأصل أو
بالاشتراط، ويثبت الباقي بعدم القول بالفصل {1} ويدل عليه أيضا ظاهر غير واحد
من الأخبار {2}



1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار 2) المائدة: 2.
307
منها صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما الشرط
في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري، قلت: وما الشرط في غير الحيوان؟ قال:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افتراقا فلا خيار بعد الرضا منهما، وظهوره في
اختصاص الخيار بالمشتري، واطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد
الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا، {1} ويتلوها في الظهور رواية علي بن
أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري فإن
ذكر القيد مع اطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية، {2} ونحوها صحيحة الحلبي في
الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري



1) ذكره صدره في باب 3 وذيله في باب 1 من أبواب الخيار في الوسائل.
2) الوسائل - باب 3 - من أبواب الخيار حديث 8.
3) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
308
وصحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الشرط في الحيوانات ثلاثة
أيام للمشتري، أظهر من الكل، صحيحة ابن رئاب {1} المحكية عن قرب الإسناد
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار للمشتري أو للبائع
أو لهما كليهما، قال الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيام، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد
وجب الشراء.



1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
2) الوسائل - باب 3 - من أبواب الخيار حديث 9.
309
وعن سيدنا المرتضى قدس سره وابن طاووس ثبوته للبائع أيضا {1} وحكى عن
الإنتصار دعوى الاجماع عليه لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار
المجلس، {2} ولصحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما
سوى ذلك من بيع حتى يفترقا، {3} وبها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد
الافتراق وهي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد. {4}



1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 1.
2) الوسائل - باب 3 - من أبواب الخيار حديث 3.
310
وقد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم وزرارة وأضرابهما على
غيرهم من الثقات مضافا إلى ورودها في الكتب الأربعة المرجحة على مثل قرب
الأسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن
مراجعتها. وأما الصحاح الآخر المكافئة سندا لصحيحه ابن مسلم فالانصاف أن
دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة، {1} فيمكن حملها على
بيان الفرد الشديد الحاجة، لأن الغالب في المعاملة خصوصا معاملة الحيوان كون
إرادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه على خفايا الحيوان ولا ريب أن الأظهرية
في الدلالة متقدمة في باب الترجيح على الأكثرية.
وأما ما ذكر في تأويل صحيحة ابن مسلم، من أن خيار الحيوان للمشتري
على البائع، فكان بين المجموع، ففي غاية السقوط. وأما الشهرة المحققة فلا تصير حجة
على السيد، بل مطلقا بعد العلم بمستند المشهور، وعدم احتمال وجود مرجح لم
يذكروه، واجماع الغنية لو سلم رجوعه إلى اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرد
ثبوته له معارض باجماع الإنتصار الصريح في ثبوته للبائع، ولعله لذا قوى في
المسالك قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة، بل الاتفاق على خلافه وتبعه على
ذلك في المفاتيح، وتوقف في غاية المراد وحواشي القواعد وتبعه في المختصر هذا
ولكن الانصاف أن أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن
الصحيحة {2} مع اشتهارها بين الرواة حتى محمد بن مسلم الراوي للصحيحة

311
مع أن المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق والمتيقن خروج
المشتري، {1} فلا ريب في ضعف هذا القول.

312
نعم هنا قول ثالث، لعله أقوى منه وهو ثبوت الخيار لمن أنتقل إليه الحيوان ثمنا
أو مثمنا، نسب إلى جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك {1} لعموم
صحيحة محمد بن مسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة
أيام، {2} ولا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة ابن فضال لاحتمال
ورود التقييد مورد الغالب لأن الغالب، كون صاحب الحيوان مشتريا، {3} ولا ينافي
هذه الدعوى التمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم



1) المائدة: 2.
2) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 1.
313
لأن الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها، ولا يوجب تنزيل
الاطلاق، {1} ولا ينافيها أيضا ما دل على اختصاص الخيار بالمشتري لورودها
مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان. ولا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار
للمتبايعين، {2} لامكان تقييدها وإن بعد



1) النساء: 23.
314
بما إذا كان العوضان حيوانين، لكن الإشكال في اطلاق الصحيحة الأولى من
جهة قوة انصرافه إلى المشتري فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد
المجلس، {1} فلا محيص عن المشهور.
مسألة: لا فرق بين الأمة وغيرها في مدة الخيار، {2} وفي الغنية، كما عن
الحلبي أن مدة خيار الأمة مدة استبرائها، بل عن الأول دعوى الاجماع، وربما
ينسب هذا إلى المقنعة والنهاية والمراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة
الاستبراء، ولم أقف لهم على دليل.

315
مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، {1} فلو لم يفترقا ثلاثة أيام انقضى
خيار الحيوان أو بقي خيار المجلس، لظاهر قوله عليه السلام إن الشرط في الحيوان ثلاثة
أيام. وفي غيره حتى يتفرقا خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق.
وكذا الشيخ والحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة
الدليل الذي ذكراه قال في المبسوط: الأولى أن يقال: إنه يعني خيار الشرط يثبت
من حين التفرق

316




1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 4.
317
لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد، والعقد لم يثبت قبل التفرق، {1} انتهى.



1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار حديث 1.
318
ونحوه المحكي عن السرائر وهذه الدعوى لم نعرفها نعم ربما يستدل عليه
بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد {1} بل أصالة عدم حدوثه قبل
انقضاء المجلس {2}

319
وبلزوم اجتماع السببين على مسبب واحد، وما دل على أن تلف الحيوان في
الثلاثة من البائع {2} مع أن التلف في الخيار المشترك من المشتري، ويرد الأصل
ظاهر الدليل مع أنه بالتقرير الثاني مثبت {1}



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار.
320
وأدلة التلف من البائع محمول على الغالب، من كونه بعد المجلس {1} ويرد
التداخل بأن الخيارين إن اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد وإن اتحدا.
فكذلك

321
لأن الأسباب معرفات، وأما لأنها علل ومؤثرات يتوقف استقلال كل واحد
منها في التأثير على عدم مقارنة الآخر أو سبقه فهي علل تامة إلا من هذه الجهة {1}
وهو المراد مما في التذكرة في الجواب عن أن الخيارين مثلان فلا يجتمعان، من أن
الخيار واحد والجهة متعددة.
ثم إن المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي على القول
بكون الإجازة ناقلة، أو زمان الملك؟ {2} عبر بذلك للغلبة الظاهر هو الثاني، كما
استظهره بعض المعاصرين

322
قال: فعلى هذا لو أسلم حيوانا في طعام وقلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان
وإن كان بائعا كان مبدءه بعد القبض وتمثيله بما ذكر مبني على اختصاص الخيار
بالحيوان المعين وقد تقدم التردد في ذلك.
ثم إن ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف ولو قبل القبض يدل
على أنه لا يعتبر في الخيار الملك، لكن لا بد له من أثر. وقد تقدم الاشكال في ثبوته في
الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض.
مسألة: لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام، {1} لا
لدخول الليل في مفهوم اليوم، بل للاستمرار المستفاد من الخارج، ولا في دخول
الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار ولو عقد في الليل.
فالظاهر بقاء الخيار إلى آخر اليوم الثالث، ويحمل النقص عن اليوم الثالث
بمقدار ما بقي من ليلة العقد، لكن فيه أنه يصدق حينئذ الأقل من ثلاثة أيام،

323
والاطلاق على المقدار المساوي للنهار ولو من الليل خلاف الظاهر. قيل:
والمراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالة، فتدخل
الثلاثة، وإلا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد، انتهى.
فإن أراد الليلة السابقة على الأيام فهو حسن إلا أنه لا يعلل بما ذكر وإن أراد
الليلة الأخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد إذ لا
نقول باستعمال اليومين الأولين في اليوم والليلة واستعمال اليوم الثالث في خصوص
النهار، بل نقول إن اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين لا في
مجموع النهار والليل أو مقدارهما، ولا في النهار ولو ملفقا من الليل، {1} والمراد من
الثلاثة أيام هي بلياليها أي ليالي مجموعها لا كل واحد منها فالليالي لم ترد من نفس
اللفظ، وإنما أريدت من جهة الاجماع وظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار
الخيار، فكأنه قال: الخيار يستمر إلى أن يمضي ست وثلاثون ساعة من النهار.

324
مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:
أحدها: اشتراط سقوطه في العقد {1} ولو شرط سقوط بعضه، فقد صرح
بعض بالصحة ولا بأس به.
والثاني: اسقاطه بعد العقد، {2} وقد تقدم الأمران.
والثالث: التصرف ولا خلاف في اسقاطه في الجملة لهذا الخيار، {3} ويدل
عليه قبل الاجماع النصوص:

325
ففي صحيحة ابن رئاب، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة
أيام فذلك رضا منه ولا شرط له، قيل له: وما الحدث؟ قال إن لامس أو قبل أو نظر
منها إلى ما كان محرما عليه قبل الشراء، وصحيحة الصفار كتبت إلى أبي محمد عليه السلام في
الرجل اشترى دابة من رجل فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب
ظهرها فراسخ أله أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي
يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقع عليه السلام إذا أحدث فيها حدثا فقد
وجب الشراء انشاء الله تعالى.
وفي ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الإسناد قلت له أرأيت إن قبلها
المشتري أو لامس؟ فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره، فقد
انقضى الشرط ولزم البيع. واستدل عليه في التذكرة بعد الاجماع بأن التصرف دليل
الرضا وفي موضع آخر منها أنه دليل الرضا بلزوم العقد، وفي موضع آخر منها كما في
الغنية أن التصرف إجازة.



1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
2) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 2.
3) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 3.
326
أقول: المراد بالحدث إن كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك إلا
برضاه كما يشير إليه قوله: أو نظر إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء، فلازمه كون
مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا، كما صرح به في التذكرة في
بيان التصرف المسقط للرد بالعيب من أنه لو استخدمه بشئ خفيف مثل أسقني أو
ناولني الثوب أو أغلق الباب، سقط الرد، ثم استضعف قول بعض الشافعية بعدم
السقوط معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك بأن المسقط مطلق
التصرف، وقال أيضا لو كان له على الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليها بطل الرد،
لأنه استعمال وانتفاع، انتهى.
وقال في موضع من التذكرة: عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من
المشتري قبل عمله بالعيب أو بعده يمنع الرد، انتهى.
وهو في غاية الاشكال لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث، وعدم دلالة
ذلك على الرضا بلزوم العقد، مع أن من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشتري عن
ذلك في أثناء الثلاثة، فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو مع أنهم ذكروا أن الحكمة في هذا
الخيار الاطلاع على أمور خفية في الحيوان

327
توجب زهادة المشتري، وكيف يطلع الانسان على ذلك بدون النظر إلى
الجارية ولمسها وأمرها بغلق الباب والسقي وشبه ذلك.
وإن كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد، كما
يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب، {1} ويظهر من استدلال
العلامة وغيره على المسألة، بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد، فهو لا يناسب
اطلاقهم الحكم باسقاط التصرفات التي ذكروها ودعوى أن جميعها مما يدل لو خلي
وطبعه على الالتزام بالعقد، فيكون إجازة فعلية كما ترى.
ثم إن قوله عليه السلام في الصحيحة فذلك رضاء منه يراد منه الرضا، بالعقد في
مقابلة كراهة ضده أعني الفسخ وإلا فالرضا بأصل الملك مستمر من زمان العقد إلى
حين الفسخ، ويشهد لهذا المعنى رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين
عن أبيه عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل اشترى عبدا
بشرط إلى ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال: يستحلف بالله تعالى ما رضيه، ثم
هو برئ من الضمان، فإن المراد بالرضا الالتزام بالعقد، والاستحلاف في الرواية
محمولة على سماع دعوى التهمة أو على صورة حصول القطع للبائع بذلك، إذا عرفت
هذا فقوله عليه السلام فذلك رضاء منه ولا شرط له {1} يحتمل وجوها

328
أحدها: أن يكون الجملة جوابا للشرط فيكون حكما شرعيا بأن التصرف
التزام بالعقد وإن لم يكن التزاما عرفا. {1}
الثاني: أن يكون توطئة للجواب وهو قوله: ولا شرط له {2} لكنه توطئة
لحكمة الحكم وتمهيد لها لا علة حقيقة، فيكون إشارة إلى أن الحكمة في سقوط الخيار
بالتصرف دلالته غالبا على الرضا، نظير كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس
بالتفرق في قوله فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما، فإنه لا يعتبر في الافتراق
دلالة على الرضا، وعلى هذين المعنيين فكل تصرف مسقط وإن علم عدم دلالته
على الرضا.
الثالث: أن تكون الجملة اخبارا عن الواقع نظرا إلى الغالب وملاحظة نوع
التصرف لو خلي وطبعه، ويكون علة للجواب {3} فيكون نفي الخيار معللا بكون
التصرف غالبا دالا على الرضا بلزوم العقد، وبعد ملاحظة وجوب تقييد اطلاق
الحكم بمؤدى علته، كما في قوله: لا تأكل الرمان لأنه حامض. دل على اختصاص
الحكم بالتصرف الذي يكون كذلك. أي دالا بالنوع غالبا على التزام العقد، وإن لم
يدل في شخص المقام

329
فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي في الرضا، نظير ظهور
الألفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة، كما إذا دل الحال أو
المقام على وقوع التصرف للاختبار، أو اشتباها بعين أخرى مملوكة له ويدخل فيه
كلما دل نوعا على الرضا وإن لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع والأذن للبائع في
التصرف فيه.
الرابع: أن يكون اخبارا عن الواقع ويكون العلة هي نفس الرضا الفعلي
والشخصي ويكون اطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة، فيكون موضوع الحكم في
الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي، فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار. {1} ثم إن
الاحتمالين الأولين وإن كانا موافقين لاطلاق سائر الأخبار واطلاقات بعض
كلماتهم، مثل ما تقدم من التذكرة من أن مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط، وكذا
غيره كالمحقق والشهيد الثانيين بل لاطلاق بعض معاقد الاجماع، إلا أنهما بعيدان عن
ظاهر الخبر، مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم. فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف
للاختبار والحفظ. بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة على الرضا كما سيجئ

330
ويؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال على الرضا.
وإن لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية للمشتري {1} على ما صرح به في التحرير
والدروس، فعلم أن العبرة بالرضا وإنما اعتبر التصرف للدلالة وورود النص أيضا
بأن العرض على البيع إجازة، {2} مع أنه ليس حدثا عرفا. ومما يؤيد عدم إرادة
الأصحاب كون التصرف مسقطا إلا من جهة دلالته على الرضا، حكمهم بأن كل
تصرف يكون إجازة من المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع، {3} فلو كان
التصرف مسقطا تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه إجازة
إلى كونه فسخا.
وقد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول وبالفعل، وذكر
التصرف مثلا للفسخ والإجازة الفعليين، فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف
مسقطا لا للدلالة على الرضا بأن الأصحاب يعدونه في مقابل الإجازة.

331
وأما المعنى الرابع فهو وإن كان أظهر الاحتمالات من حيث اللفظ، بل جزم به
في الدروس ويؤيده ما تقدم من رواية عبد الله به الحسن بن زيد، الحاكية للنبوي
الدال كما في الدروس أيضا على الاعتبار بنفس الرضا.
وظاهر بعض كلماتهم الآتية أن المستفاد من تتبع الفتاوى الاجماع على عدم
إناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد، مع أن أظهريته بالنسبة إلى المعنى الثالث غير
واضحة، فتعين إرادة المعنى الثالث، ومحصله دلالة التصرف لو خلي وطبعه على
الالتزام وإن لم يفد في خصوص المقام، فيكون التصرف إجازة فعلية في مقابل
الإجازة القولية وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه، قال في المقنعة: إن هلاك
الحيوان في الثلاثة من البائع، إلا أن يحدث فيه المبتاع حدثا يدل على الرضا
بالابتياع، انتهى.
ومثل للتصرف في مقام آخر بأن ينظر إلى الأمة إلى ما يحرم لغير المالك.
وقال في المبسوط في أحكام العيوب: إذا كان المبيع بهيمة وأصاب بها عيبا فله ردها.
وإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها وسقيها وعلفها وحلبها وأخذ لبنها، وإن
نتجت كان له نتاجها، ثم قال: ولا يسقط الرد لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك
الرد بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده، وليس هنا شئ من ذلك، انتهى.

332
وفي الغنية: لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه، إلا أن يكون المبتاع
قد أحدث فيه حدثا يدل على الرضا، انتهى.
وقال الحلبي في الكافي في خيار الحيوان: فإن هلك في مدة الخيار فهو من مال
البائع، إلا أن يحدث فيه حدثا يدل على الرضا، انتهى.
وفي السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام، قال: هذا إذا لم
يحدث في هذه المدة حدثا يدل على الرضا ويتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته، أو
يكون لمثل ذلك التصرف أجرة، بأن يركب الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية
أو يلامسها، أو يدبرها تدبيرا، ليس له الرجوع فيه كالمنذور، انتهى.
وقال في موضع آخر: إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة.
وأما العلامة: فقد عرفت أنه استدل على أصل الحكم بأن التصرف دليل
الرضا باللزوم.
وقال في موضع آخر لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت، لم
يكن ذلك رضاء بها، ثم قال: ولو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك
رضاء منه بإمساكه، ولو حلبها في طريقه فالأقرب أنه تصرف يؤذن بالرضا. وفي
التحرير في مسألة سقوط رد المعيب بالتصرف قال: وكذا لو استعمل المبيع أو
تصرف فيه بما يدل على الرضا وقال في الدروس: استثنى بعضهم من التصرف
ركوب الدابة والطحن عليها وحلبها، إذ بها يعرف حالها ليختبر وليس ببعيد.
وقال المحقق الكركي: لو تصرف ذو الخيار غير عالم، كأن ظنها جاريته
المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة. ففي الحكم تردد، ينشأ من
اطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف ومن أنه غير قاصد إلى لزوم البيع إذ لو علم لم
يفعل، والتصرف إنما عد مسقطا لدلالته على الرضا باللزوم وقال في موضع آخر:
ولا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها
تصرفا، ثم قال وهل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد أن لا يعد. وكذا لو أراد
ردها وحلبها لأخذ اللبن على اشكال ينشأ من أنه ملكه، فله استخلاصه، انتهى.

333
وحكى عنه في موضع آخر أنه قال والمراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود
منه التملك لا الاختبار ولا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقي، انتهى.
ومراده من التملك البقاء عليه والالتزام به ويحتمل أن يراد به الاستعمال
للانتفاع بالملك لا للاختبار أو الحفظ، هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام،
الظاهرة في المعنى الثالث. وحاصله التصرف على وجه يدل عرفا لو خلي وطبعه،
على الالتزام بالعقد، ليكون اسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة على
وقوعه لا الالتزام لكن يبقى الاشكال المتقدم سابقا من أن أكثر أمثلة التصرف
المذكورة في النصوص والفتاوى ليست كذلك بل هي واقعة غالبا مع الغفلة أو التردد
أو العزم على الفسخ مطلقا. وإذا اطلع على ما يوجب زهده فيه. فهي غير دالة في
نفسها عرفا على الرضا. ومنه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا
من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة، فيكون مورد الخيار في
غاية الندرة بأن الغالب في هذه التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم فلا
يسقط بها الخيار، إذ فيه أن هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه
رضاء، لأن المصحح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضاء هو ظهوره فيه



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 4.
334
عرفا من أجل الغلبة، فإذا فرض أن الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها
لا عن التزام بالعقد بل مع العزم على الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة، كان تعليل الحكم
على المطلق بهذه العلة الغير الموجودة إلا في قليل من أفراده مستهجنا. وأما
الاستشهاد لذلك بما سيجئ من أن تصرف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقط
لخياره اتفاقا، وليس ذلك إلا من جهة صدوره لا عن التزام بالعقد، بل مع العزم
على الفسخ برد مثل الثمن. ففيه ما سيجئ ومما ذكرنا من استهجان التعليل على
تقدير كون غالب التصرفات واقعة لا عن التزام يظهر فساد الجمع بهذا الوجه يعني
حمل الأخبار المتقدمة على صورة دلالة التصرفات المذكورة على الرضا بلزوم العقد
جمعا بينها وبين ما دل من الأخبار على عدم سقوطه بمجرد التصرف مثل رواية
عبد الله بن الحسن المتقدمة التي لم يستفصل في جوابها بين تصرف المشتري في العبد
المتوفى في زمان الخيار وعدمه، وإنما أنيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي ومثل
الخبر المصحح في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم رد قال: إن كان تلك
الثلاثة أيام شرب لبنها يرد معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شئ،
ونحوه الآخر {1} وما فيهما من رد ثلاثة أمداد لعله محمول على الاستحباب مع أن
ترك العمل به لا يوجب رد الرواية، فتأمل.



1) الوسائل - باب 13 - من أبواب الخيار حديث 1.
335
وقد أفتى بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة وحلبها أياما، ثم وجد
المشتري فيها عيبا ثم قال وقيل ليس له ردها لأنه تصرف بالحلب.
وبالجملة فالجمع بين النص والفتوى الظاهرين في كون التصرف مسقطا
لدلالته على الرضا بلزوم العقد وبين ما تقدم من التصرفات المذكورة في كثير من
الفتاوى خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق
الرد أو التردد فيه، وفي التصرفات للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم
العقد في غاية الإشكال والله العالم بحقيقة الحال.
الثالث: خيار الشرط أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد {1} ولا خلاف في
صحة هذا الشرط ولا في أنه لا يتقدر بحد عندنا ونقل الاجماع عليه مستفيض،
والأصل فيه قبل ذلك الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط إلا ما استثنى
والأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة.
فمن الأولى: الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوى تواتره أن المسلمين عند
شروطهم، {2} ويزيد في صحيحة ابن سنان، إلا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز.
وفي موثقة إسحاق بن عمار: إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما.



1) راجع الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار - وباب 4 من أبواب كتاب المكاتبة.
336
نعم في صحيحة أخرى لابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا
يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم، فيما وافق كتاب الله لكن
المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للاجماع على عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر
الكتاب، وتمام الكلام في معنى هذه الأخبار وتوضيح المراد من الاستثناء الوارد فيها
يأتي في باب الشرط في ضمن العقد انشاء الله، والمقصود هنا بيان أحكام الخيار
المشترط في العقد وهي تظهر برسم مسائل.
مسألة: لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه، {1} لعموم
أدلة الشرط، {2} قال في التذكرة: لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي



1) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار حديث 2.
338
واستدل له في موضع أخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم {1} ورد
بعدم المانع من ذلك، مع أنه كما في التذكرة منتفض بخيار التأخير وخيار الرؤية. نعم
يشترط تعيين المدة فلو تراضيا على مدة مجهولة {2} كقدوم الحاج بطل بلا خلاف،
بل حكى الاجماع عليه صريحا



1) التذكرة ج 1 - ص 466 - مسألة بيع الطير في الهواء - وعن الشهيد ره نحوه.
339
لصيرورة المعاملة بذلك غررية، {1} ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض
المقامات واقدام العقلاء عليه أحيانا، {2} فإن المستفاد من تتبع أحكام المعاملات
عدم رضاء الشارع بذلك، إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة والساعتين من
زمان الخيار فضلا من اليوم واليومين.
وبالجملة، فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة إلى المداقة وإلا
لم يكن بيع الجزاف وما تعذر تسليمه، والثمن المحتمل للتفاوت القليل وغير ذلك من
الجهالات غررا، لتسامح الناس في غير مقام الحاجة إلى المداقة في أكثر الجهالات.
ولعل هذا مراد بعض الأساطين من قوله إن دائرة الغرر في الشرع أضيق من
دائرته في العرف، وإلا فالغرر لفظ لا يرجع في معناه إلا إلى العرف. نعم الجهالة التي
لا يرجع الأمر معها غالبا إلى التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا،
كتفاوت المكائيل والموازين

340
ويشير إلى ما ذكرنا الأخبار الدالة على اعتبار كون السلم إلى أجل معلوم،
وخصوص موثقة غياث: لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم لا يسلم إلى
دياس أو إلى حصاد. مع أن التأجيل إلى الدياس والحصاد وشبههما فوق حد
الاحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع، وربما يستدل على ذلك بأن اشتراط المدة
المجهولة مخالف للكتاب والسنة، لأنه غرر. {1} وفيه أن كون البيع بواسطة الشرط
مخالفا للكتاب والسنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب والسنة، ففي الثاني يفسد
الشرط ويتبعه البيع، وفي الأول يفسد البيع فيلغو الشرط. اللهم إلا أن يراد أن نفس
الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر وإن لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر فيكون
مخالفا للكتاب والسنة، لكن لا يخفى سراية الغرر إلى البيع، {2} فيكون الاستناد في
فساده إلى فساد شرطه المخالف للكتاب كالأكل من القفاء.

341
مسألة: لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة كقدوم الحاج، وبين عدم
ذكر المدة أصلا كأن يقول: بعتك على أن يكون لي الخيار وبين ذكر المدة المطلقة، كان
يقول بعتك على أن يكون لي الخيار مدة لاستواء الكل في الغرر، {1} خلافا للمحكي
عن المقنعة والانتصار والخلاف والجواهر والغنية والحلبي فجعلوا مدة الخيار في
الصورة الثانية ثلاثة أيام ويحتمل حمل الثالثة عليها وعن الإنتصار والغنية
والجواهر، الاجماع عليه. وفي محكي الخلاف وجود أخبار الفرقة به ولا شك أن هذه
الحكاية بمنزلة إرسال أخبار {2} فيكفي في انجبارها الاجماعات المنقولة. ولذا مال
إليه في محكي الدروس لكن العلامة في التذكرة لم يحك هذا القول إلا عن الشيخ قدس سره
وأوله بإرادة خيار الحيوان.
وعن العلامة الطباطبائي في مصابيحه: الجزم به، وقواه بعض المعاصرين
منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة من أنه ليس في الأدلة ما يخالفه إذ الغرر مندفع
بتحديد الشرع وإن لم يعلم به المتعاقدان

342
كخيار الحيوان الذي لا اشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته، وزاد في
مفتاح الكرامة التعليل بأن الجهل يؤل إلى العلم الحاصل من الشرع.
وفيه ما تقدم في مسألة تعذر التسليم من أن بيع الغرر موضوع عرفي حكم فيه
الشارع بالفساد، والتحديد بالثلاثة تعبد شرعي لم يقصده المتعاقدان، فإن ثبت
بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر وكان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد في
بعض الوصايا المبهمة أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص، وهو إهمال
مدة الخيار.
والحاصل أن الدعوى في تخصيص أدلة نفي الغرر لا في تخصصها والانصاف
أن ما ذكرنا من حكاية الأخبار ونقل الاجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر،
لأن الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شئ من هذه الأخبار في كتابيه
الموضوعين لإيداع الأخبار، أنه عول في هذه الدعوى على اجتهاده في دلالة
الأخبار الواردة في شرط الحيوان، {1} ولا ريب أن الاجماعات المحكية إنما تجبر
قصور السند المرسل المتضح دلالته



1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
343
أو القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأسا فالتعويل
حينئذ على نفس الجابر ولا حاجة إلى ضم المنجبر، إذ نعلم اجمالا أن المجمعين
اعتمدوا على دلالات اجتهادية استنبطوها من الأخبار.
ولا ريب أن المستند غالبا في اجماعات القاضي وابن زهرة اجماع السيد في
الإنتصار، نعم قد روي في كتب العامة أن حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة
أصابته في رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وآله: إذا بعت فقل لا خلابة، وجعل له الخيار ثلثا، في
رواية: ولك الخيار ثلاثا، {1} والخلابة: الخديعة، وفي دلالته فضلا عن سنده ما لا
يخفى وجبرها بالاجماعات كما ترى



1) التذكرة ج 1 ص 519.
344
إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين إلى خلافها في الخروج عن قاعدة
الغرر مشكل، بل غير صحيح، فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوة، ثم إنه ربما يقال
ببطلان الشرط دون العقد ولعله مبني على أن فساد الشرط لا يوجب فساد العقد،
وفيه أن هذا على القول به فيما إذا لم توجب الشرط فسادا في أصل البيع كما فيما نحن
فيه، حيث إن جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا وإلا فالمتجه فساد البيع ولو لم
نقل بسراية الفساد من الشرط إلى المشروط، وسيجئ تمام الكلام في مسألة
الشروط.
مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، لأنه المتبادر من الاطلاق {1} ولو كان
زمان الخيار منفصلا كان مبدئه أول جزء من ذلك الزمان، فلو شرط خيار الغد كان
مبدأه من طلوع فجر الغد، فيجوز جعل مبدأه من انقضاء خيار الحيوان بناء على أن
مبدأه من حين العقد

345
ولو جعل مبدأه من حين التفرق، بطل لأدائه إلى جهالة مدة الخيار. {1}
وعن الشيخ والحلي أن مبدأه من حين التفرق، وقد تقدم عن الشيخ وجهه مع
عدم تماميته، نعم يمكن أن يقال هنا أن المتبادر من جعل الخيار جعله في زمان لولا
الخيار لزم العقد، كما أشار إليه في السرائر، لكن لو تم هذا لاقتضى كونه في الحيوان
من حين انقضاء الثلاثة، مع أن هذا إنما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس وإلا فمع
الجهل به لا يقصد إلا الجعل من حين العقد، بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم
على المتعاقدين بخلاف قصدهما {2}

346
مسألة: يصح جعل الخيار لأجنبي، قال في التذكرة: لو باع العبد وشرط الخيار
للعبد صح البيع والشرط عندنا معا، {1} وحكي عنه الاجماع في الأجنبي، قال لأن
العبد بمنزلة الأجنبي

347
ولو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار، فإن اختلفوا في الفسخ
والإجازة قدم الفاسخ {1} لأن مرجع الإجازة إلى اسقاط خيار المجيز (خاصة)
بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار، فإن النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة
بعد ذلك

348
وعن الوسيلة: إنه إذا كان الخيار لهما واجتمعا على فسخ أو امضاء نفذ، وإن لم يجتمعا
بطل {1} وإن كان لغيرهما ورضي، نفذ البيع، وإن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين
الفسخ والامضاء، {2} انتهى

349
وفي الدروس يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا ولا اعتراض عليه ومعهما أو مع
أحدهما، ولو خولف أمكن اعتبار فعله وإلا لم يكن لذكره فائدة، انتهى. {1}
أقول ولو لم يمض فسخ الأجنبي مع إجازته والمفروض عدم مضي إجازته مع
فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة، {2} ثم إنه ذكر غير واحد أن الأجنبي يراعي
المصلحة للجاعل ولعله لتبادره من الاطلاق وإلا فمقتضى التحكيم نفوذ حكمه على
الجاعل من دون ملاحظة مصلحة، {3} فتعليل وجوب مراعاة الأصلح بكونه أمينا
لا يخلو عن نظر.

350
ثم إنه ربما يتخيل أن اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع، {1} نظرا إلى أن الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل كخياري
المجلس والشرط أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن لنفس المتعاقدين وهو ضعيف
لمنع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعا ولا عقلا

351
بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين وإن كان أجنبيا، {1} فحينئذ يجوز
للمتبايعين اشتراط حق للأجنبي في العقد وسيجئ نظيره في إرث الزوجة للخيار
مع عدم إرثها من العين.
مسألة: يجوز لهما اشتراط الاستئمار {2} بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي
في أمر العقد فيأتمر بأمره أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداء وعلى الأول فإن فسخ المشروط
عليه من دون استئمار لم ينفذ ولو استأمره، فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ
قطعا، إذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستئمار، بل الالتزام بأمره مع أنه لو كان
الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك أيضا ملك الفسخ، وإن أمره بالفسخ لم يجب عليه
الفسخ بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ، إذ لا معنى لوجوب الفسخ عليه. أما مع
عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح إذ المفروض أن الثالث لا سلطنة له على الفسخ
والمتعاقدان لا يريدانه. وأما مع طلب الآخر

352
للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ على المستأمر بالكسر، راجع إلى حق
لصاحبه عليه، فإن اقتضى اشتراط الاستئمار ذلك الحق على صاحبه عرفا فمعناه
سلطنة صاحبه على الفسخ {1} فيرجع اشتراط الاستئمار إلى شرط لكل منهما على
صاحبه.

353
والحاصل: إن اشتراط الاستئمار من واحد منهما على صاحبه إنما يقتضي
ملكه للفسخ، إذا أذن له الثالث المستأمر واشتراطه لكل منهما على صاحبه يقتضي
ملك كل واحد منهما للفسخ عند الإذن، ومما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني وهو
الإئتمار بأمره الابتدائي فإنه إن كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو أمره به وإن كان
لكل منهما ملكا، كذلك. ثم في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة وعدمه وجهان {1}
أوجههما العدم إن لم يستفد الاعتبار من اطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

354
مسألة: من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه، ويقال له بيع الخيار {1}
وهو جائز عندنا كما في التذكرة، وعن غيرها الاجماع عليه وهو أن يبيع شيئا
ويشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها ويرتجع المبيع، والأصل فيه بعد
العمومات المتقدمة في الشرط النصوص المستفيضة، منها موثقة إسحاق بن عمار،
وقال سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام وسأله رجل وأنا عنده، فقال له رجل مسلم
احتاج إلى بيع داره فمشى [فجاء] إلى أخيه فقال له: أبيعك داري هذه ويكون لك
أحب إلى من أن يكون لغيرك على أن تشترط لي أني إذا جئتك بثمنها إلى سنة
تردها علي قال لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردها عليه قلت: أرأيت [فإنها كانت فيها
الغلة كذا في الوسائل] لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة؟ فقال للمشتري: ألا ترى
أنها لو احترقت كانت من ماله



1) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار حديث 1.
355
ورواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود ويسأل أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل باع دارا له من رجل وكان بينه وبين الذي اشترى منه الدار خلطة فشرط أنك
إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال له شرطه قال له أبو
الجارود فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين، قال هو ماله
وقال عليه السلام أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري.
وعن سعيد بن يسار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنا نخالط أناسا من أهل
السواد أو غيرهم فنبيعهم ونربح عليهم في العشرة اثني عشر وثلاثة عشر ونؤخر
ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها، ويكتب لنا رجل منهم على داره أو أرضه بذلك
المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بأنه باع وقبض الثمن منا فنعده إن جاء هو
بالمال إلى وقت بيننا وبينهم أن ترد عليه الشراء فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم
فهو لنا، فما ترى في هذا الشراء؟ قال: أرى أنه لك إن لم يفعله وإن جاء بالمال الموقت
فرد عليه.



1) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار حديث 3.
2) الوسائل - باب 7 - من أبواب الخيار حديث 1.
356
وعن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال إن بعت رجلا على شرط، فإن أتاك
بمالك وإلا فالبيع لك، {1} إذا عرفت هذا فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور:
الأول: إن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور على وجوه:
أحدها: أن يؤخذ قيدا للخيار على وجه التعليق أو التوقيت فلا خيار
قبله {2} ويكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد ولو بقليل ولا خيار قبل الرد،
والمراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه وإن أبى المشتري.



1) الوسائل - باب 7 - من أبواب الخيار حديث 2.
357
الثاني: أن يؤخذ قيدا للفسخ بمعنى أن له الخيار في كل جزء من المدة المضروبة
والتسلط على الفسخ على وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخره عنه. {1}
الثالث: أن يكون رد الثمن فسخا فعليا بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه
المبيع {2} وعليه حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدالة على عود المبيع بمجرد رد
الثمن.

358
الرابع: أن يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد {1} فمرجع ثبوت الخيار له إلى
كونه مسلطا على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ وهذا هو الظاهر من رواية
معاوية بن ميسرة، ويحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار وموثقة
إسحاق بن عمار وعنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا
القسم من البيع في الخيار أصلا، وإنما ذكره في أمثلة الشروط الجائزة في متن العقد،
قال: إن يبيع ويشترط على المشتري إن رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له،
انتهى.

359
الخامس: أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة على المشتري بأن يلتزم
المشتري على نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن واستقاله {1}
وهو ظاهر الوسيلة حيث قال إذا باع شيئا على أن يقيله في وقت كذا بمثل
الثمن الذي باعه منه لزمته الإقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة، انتهى.
فإن [وأن] أبي أجبره الحاكم أو أقال عنه وإلا استقل بالفسخ وهو محتمل
روايتي سعيد بن يسار وإسحاق بن عمار على أن يكون رد المبيع إلى البائع فيهما
كناية عن ملزومه وهي الإقالة، لا أن يكن وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع
بمجرد فسخه بعد رد الثمن على ما فهمه الأصحاب ومرجعه إلى أحد الأولين،
والأظهر في كثير من العبارات مثل الشرائع والقواعد والتذكرة هو الثاني لكن
الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع، فإن فيه اشكالا من
جهة أن انفساخ البيع بنفسه بدون انشاء فعلي أو قولي يشبه انعقاده بنفسه في مخالفة
المشروع {2} من توقف المسببات على أسبابها الشرعية وسيجئ في باب الشروط
ما يتضح به صحة ذلك وسقمه.
الأمر الثاني: الثمن المشروط رده إما أن يكون في الذمة وإما أن يكون
معينا {3} وعلى كل تقدير أما أن يكون قد قبضه وأما لم يقبضه، فإن لم يقبضه فله
الخيار، وإن لم يتحقق رد الثمن

360
لأنه شرط على تقدير قبضه وإن لم يفسخ حتى انقضت المدة لزم البيع ويحتمل العدم،
بناء على أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله، {1} وإن قبض الثمن المعين
فإما أن يشترط رد عينه أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب
لا منه، أو مطلقا أو ولو مع التمكن منه على اشكال في الأخير من حيث اقتضاء
الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الامكان. وفي جواز اشتراط رد القيمة في المثلي
وبالعكس وجهان. وأما أن يطلق، فعلى الأول لا خيار إلا برد العين، فلو تلف لا من
البائع. فالظاهر عدم الخيار {2}

361
إلا أن يكون اطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة سقوطه باتلاف البائع،
فيبقى الخيار في اتلاف غيره على حاله، وفيه نظر.
وعلى الثاني: فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط.
وأما الثالث: فمقتضى ظاهر الشرط فيه رد العين ويظهر من اطلاق محكي
الدروس وحاشية الشرائع أن الاطلاق لا يحمل على العين {1} ويحتمل حمله على
الثمن الكلي وسيأتي

362
وإن كان الثمن كليا فإن كان في ذمة البائع، كما هو مضمون رواية سعيد بن
يسار المتقدمة فرده بأداء ما في الذمة، سواء قلنا إنه عين الثمن أو بدله، من حيث إن
ما في ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له، فكأنه تلف، فالمراد برده المشترط رد
بدله {1} وإن لم يكن الثمن في ذمة البائع وقبضه، فإن شرط رد ذلك الفرد المقبوض أو
رد مثله بأحد الوجوه المتقدمة، فالحكم على مقتضى الشرط، وإن أطلق فالمتبادر
بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل. إما
مطلقا، أو مع فقد العين، ويدل عليه صريحا بعض الأخبار المتقدمة إلا أن المتيقن
منها صورة فقد العين.
الأمر الثالث: قيل ظاهر الأصحاب، بناء على ما تقدم، من أن رد الثمن في هذا
البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع، أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ {2} وصرح به في
الدروس وغيره

363
ولعل منشأ الظهور أن هذا القسم فرد من خيار الشرط، مع اعتبار شئ زائد فيه
وهو رد الثمن، وعللوا ذلك أيضا بأن الرد من حيث هو لا يدل على الفسخ أصلا، {1}
وهو حسن مع عدم الدلالة. أما لو فرض الدلالة عرفا. أما بأن يفهم منه كونه تمليكا
للثمن من المشتري ليتملك منه المبيع على وجه المعاطاة، وأما بأن يدل الرد بنفسه
على الرضا بكون المبيع ملكا له والثمن ملكا للمشتري، فلا وجه لعدم الكفاية مع
اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو أخفى من ذلك دلالة، وما قيل من أن الرد يدل على
إرادة الفسخ والإرادة غير المراد. {2} ففيه أن المدعي دلالته على إرادة كون المبيع
ملكا له والثمن ملكا للمشتري {3} ولا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من هذا مع أن
ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع {4} بل قد عرفت في رواية معاوية بن
ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، فيحمل على تحقق الفسخ الفعلي به {5}

365
الأمر الرابع: يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد {1} على الوجه الثاني من
الوجهين الأولين، بل وعلى الوجه الأول بناء على أن تحقق السبب وهو العقد كاف
في صحة اسقاط الحق {2} لكن مقتضى ما صرح به في التذكرة: من أنه لا يجوز
اسقاط خيار الشرط أو الحيوان بعد العقد بناء على حدوثهما من زمان التفرق عدم
الجواز أيضا، إلا أن يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد، ولو من حيث
تملكه للرد {3} الموجب له فله اسقاطه بخلاف ما في التذكرة

366
ويسقط أيضا بانقضاء المدة {1} وعدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا
على التفصيل المتقدم، ولو تبين المردود من غير الجنس فلا رد ولو ظهر معيبا كفى في
الرد وله الاستبدال، {2}

367
ويسقط أيضا بالتصرف {1} في الثمن المعين مع اشتراط رد العين {2} أو حمل
الإطلاق عليه، وكذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل الاطلاق على اعتبار رد
العين المدفوع، كل ذلك لاطلاق ما دل على أن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه
رضاء بالعقد ولا خيار. وقد عمل الأصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري
المجلس والشرط،

368
والمحكي عن المحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية: إن الظاهر عدم سقوط هذا
الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في هذا الخيار عليه، لأنه شرع لانتفاع البائع
بالثمن فلو سقط الخيار سقط الفائدة، {1} وللموثق المتقدم المفروض في مورده
تصرف البائع في الثمن وبيع الدار لأجل ذلك، {2} والمحكي عن العلامة الطباطبائي
في مصابيحه الرد على ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الأصحاب بما محصله أن
التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار ولا خيار إلا بعد الرد {3} ولا ينافي شئ مما
ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد لأن ذلك منه بعده لا قبله وإن كان قادرا على ايجاد
سببه فيه، إذ المدار على الفعل لا على القوة على أنه لا يتم فيما اشترط فيه الرد

369
في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا، انتهى. محصل كلامه وناقش بعض من
تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله بأن ذلك يقتضي جهالة
مبدأ الخيار.
وبأن الظاهر من اطلاق العرف وتضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ
بتوقف الملك على انقضاء الخيار ببعض الأخبار المتقدمة في هذه المسألة الدالة على أن غلة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدة زمان الخيار، انتهى.
أقول في أصل الاستظهار المتقدم والرد المذكور عن المصابيح والمناقشة على
الرد نظر {1}
أما الأول: فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب في غير
مورد النص عليه باتفاق الأصحاب. وأما بناء هذا العقد على التصرف فهو من جهة
أن الغالب المتعارف، البيع بالثمن الكلي.

370
وظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن، ولذا قوينا حمل الاطلاق في هذه
الصورة على ما يعم البدل، وحينئذ فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا
على الرضا بلزوم العقد، إذ لا منافاة بين فسخ العقد وصحة هذا التصرف واستمراره
وهو مورد الموثق المتقدم أو منصرف اطلاقه أو من جهة تواطئ المتعاقدين على
ثبوت الخيار مع التصرف أيضا، أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في
الثمن، وقد مر أن السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتى المقرون منه بعدم
الرضا بلزوم العقد.
وأما الثاني: فلأن المستفاد من النص والفتوى كما عرفت، كون التصرف
مسقطا فعليا، كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح اسقاطه بالقول.
والظاهر عدم الاشكال في جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرد، هذا، مع أن
حدوث الخيار بعد الرد مبني على الوجه الأول المتقدم من الوجوه الخمسة في
مدخلية الرد في الخيار ولا دليل على تعينه في بيع الخيار المتعارف بين الناس. بل
الظاهر من عبارة غير واحد، هو الثاني، أو نقول إن المتبع مدلول الجملة الشرطية
الواقعة في متن العقد، فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار وقد يؤخذ قيدا للفسخ، نعم لو
جعل الخيار والرد في جزء معين من المدة كيوم بعد السنة

371
كان التصرف قبله تصرفا مع لزوم العقد، وجاء فيه الاشكال في صحة
الاسقاط هنا، ولو قولا من عدم تحقق الخيار ومن تحقق سببه. وأما المناقشة في
تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار {1} ففيه أنها لا تقدح مع تحديد
زمان التسلط على الرد والفسخ بعده إن شاء، نعم ذكر في التذكرة أنه لا يجوز اشتراط
الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الاطلاق من حين العقد لكن الفرق يظهر
بالتأمل وأما الاستشهاد عليه بحكم العرف، {2} ففيه أن زمان الخيار عرفا، لا يراد
به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا، أو بجعل المتعاقدين والمفروض أن الخيار هنا
جعلي، فالشك في تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين. وأما ما ذكره بعض
الأصحاب في رد الشيخ من بعض أخبار المسألة {3} فلعلهم فهموا من مذهبه توقف
الملك على انقضاء زمان الخيار مطلقا حتى المنفصل كما لا يبعد عن أطلاق كلامه،
واطلاق ما استدل له به من الأخبار.



1) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار حديث 1.
372
الأمر الخامس: لو تلف المبيع كان من المشتري {1} سواء كان قبل الرد أو
بعده ونمائه أيضا له مطلقا. والظاهر عدم سقوط خيار البائع فيسترد المثل أو القيمة
برد الثمن أو بدله ويحتمل عدم الخيار بناء على أن مورد هذا الخيار هو إلزام أن له رد
الثمن وارتجاع البيع وظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك فلا خيار مع تلفه. {2}

373
ثم إنه لا تنافي بين شرطية البقاء وعدم جواز تفويت الشرط {1} فلا يجوز
للمشتري اتلاف المبيع كما سيجئ في أحكام الخيار لأن غرض البائع من الخيار
استرداد عين ماله ولا يتم إلا بالتزام ابقائه للبايع ولو تلف الثمن، {2} فإن كان بعد
الرد وقبل الفسخ، فمقتضى ما سيجئ من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار
له {3} كونه من المشتري وإن كان ملكا للبائع إلا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن
ويدعى اختصاصها بالمبيع، كما ذكره بعض المعاصرين واستظهره من رواية معاوية
ابن ميسرة المتقدمة ولم أعرف وجه الاستظهار {4}



1) الوسائل - باب 5 و 8 - من أبواب الخيار.
375
إذ ليس فيها إلا أن نماء الثمن للبائع وتلف المبيع من المشتري وهما اجماعيان حتى في
مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما إلى تلك الرواية ولا يكون الرواية
مخالفة للقاعدة، وإنما المخالف لها هي قاعدة أن الخراج بالضمان {1} إذا انضمت إلى
الاجماع على كون النماء للمالك، نعم الاشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها
لجميع أفراد الخيار، لكن الظاهر من اطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن
واختصاصها بالخيارات الثلاثة أعني خيار المجلس والشرط والحيوان وسيجئ
الكلام في أحكام الخيار وإن كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء على عدم ثبوت
الخيار قبل الرد. وفيه مع ما عرفت من منع المبنى منع البناء، {2} فإن دليل ضمان من
لا خيار له مال صاحبه هو تزلزل البيع سواء كان بخيار متصل أو منفصل كما يقتضيه
أخبار تلك المسألة كما سيجئ ثم إن قلنا بأن التلف الثمن من المشتري انفسخ البيع
وإن قلنا بأنه من البائع. فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل ويرتجع المبيع.



1) صحيح الترمذي ج 5 ص 285 - وسنن أبي دود ج 2 - ص 255. والمبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان.
376
الأمر السادس: لا اشكال في القدرة على الفسخ برد الثمن على نفس المشتري،
أو برده على وكيله المطلق، أو الحاكم، أو العدول، مع التصريح بذلك في العقد، {1}
وإن كان المشروط هو رده إلى المشتري مع عدم التصريح ببدله {2} فامتنع رده إليه
عقلا لغيبة ونحوها أو شرعا لجنون ونحوه



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار.
377
ففي حصول الشرط برده إلى الحاكم كما اختاره المحقق القمي في بعض أجوبة مسائله
وعدمه كما اختاره سيد مشائخنا في مناهله قولان: {1} وربما يظهر من صاحب
الحدائق الاتفاق على عدم لزوم رد الثمن إلى المشتري مع غيبته حيث أنه بعد نقل
قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار وأنه لا اعتبار بالأشهاد
خلافا لبعض علمائنا قال: إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع
بعد دفع الثمن فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري وجعل الثمن أمانة
إلى أن يجئ المشتري وإن كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا أنه بعيد عن مساق
الأخبار المذكورة، انتهى.
أقول لم أجد فيما رأيت من تعرض لحكم رد الثمن مع غيبة المشتري في هذا
الخيار ولم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتى يحضر المشتري،
وذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من
حيث هو في مقابل العامة وبعض الخاصة، حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور
الخصم، ولا تنافي بينه وبين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ وهو رد الثمن
إلى المشتري، مع أن ما ذكره من أخبار المسألة لا يدل على اعتبار حضور الخصم في
الفسخ وإن كان موردها صورة حضوره لأجل تحقق الرد، إلا أن الفسخ قد يتأخر
عن الرد بزمان، بناء على مغايرة الفسخ للرد وعدم الاكتفاء به عنه.

378
نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم لكن
الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار، خصوصا لو فرض قولهم
بحصول الفسخ بمجرد رد الثمن، فافهم،
وكيف كان، فالأقوى فيما لم يصرح باشتراط الرد إلى خصوص المشتري هو
قيام الولي مقامه، {1} لأن الظاهر من الرد إلى المشتري حصوله عنده وتملكه له،
حتى لا يبقى الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ، ولذا لو دفع إلى وارث المشتري كفى،
وكذا لو رد وارث البائع مع أن المصرح به في العقد رد البائع وليس ذلك لأجل إرثه
للخيار، لأن ذلك متفرع على عدم مدخلية خصوص البائع في الرد، وكذا الكلام في
وليه ودعوى أن الحاكم إنما يتصرف



1) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح - مبحث ولاية الحاكم.
379
في مال الغائب على وجه الحفظ والمصلحة، والثمن قبل رده باق على ملك
البائع وقبضه عنه الموجب لسلطنة البائع على الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو
شبهه فلا يكون وليا في القبض فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد الفسخ مدفوعة
بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتى يناط بالمصلحة، بل البائع حيث
وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول
المشتري أو وليه للثمن حتى يقال إن ولايته في القبول متوقفة على المصلحة، بل
المعتبر تمكين المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ، ومما ذكرنا يظهر جواز الفسخ
برد الثمن إلى عدول المؤمنين ليحفظوها حسبة عن الغائب وشبهه، ولو اشترى الأب
للطفل بخيار البائع فهل يصح له الفسخ مع رد الثمن إلى الولي الآخر، أعني الجد
مطلقا، {1} أو مع عدم التمكن من الرد إلى الأب، أو لا؟ وجوه ويجري مثلها

380
فيما لو اشترى الحاكم للصغير، فرد البائع إلى حاكم آخر وليس في قبول الحاكم
الآخر مزاحمة للأول حتى لا يجوز {1} قبوله للثمن ولا يجري ولايته بالنسبة إلى هذه
المعاملة بناء على عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر في مثل هذه الأمور لما عرفت
من أن أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا بل البائع إذا وجد من يجوز أن
يتملك الثمن عن المشتري عنه فسخه جاز له الفسخ وليس في مجرد تملك الحاكم
الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول غاية الأمر وجوب دفعه إليه مع
احتمال عدم الوجوب لأن هذا ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول فلا
مزاحمة لكن الأظهر أنها مزاحمة عرفا. {2}

381
الأمر السابع: إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك إلا برد
الجميع، {1} فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ وليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه
لبقائه على ملك البائع. والظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه على وجه الثمنية إلا
أن يصرح بكونها أمانة عنده إلى أن يجتمع قدر الثمن فيفسخ البائع، ولو شرط البائع
الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن {2} جاز الفسخ فيما قابل المدفوع
وللمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع وخرجت المدة وهل له ذلك



1) الوسائل - باب 7 - من أبواب الخيار.
382
قبل خروجها الوجه ذلك {1} ويجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين
من الثمن في المدة بل بجزء غير معين {2} فيبقى الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.

383
الأمر الثامن: كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري
اشتراط الفسخ برد الثمن {1} ولا اشكال في انصراف الاطلاق إلى العين ولا في
جواز التصريح برد بدله مع تلفه، لأن مرجعه إلى اشتراط الخيار برد المبيع مع
وجوده وبدله مع تلفه، وعدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ وفي جواز
اشتراط رد بدله ولو مع التمكن من العين اشكال، من أنه خلاف مقتضى الفسخ، لأن
مقتضاه رجوع كل من العوضين إلى صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ على
وجه غير مشروع بل ليس فسخا في الحقيقة، نعم لو اشترط رد التالف بالمثل في
القيمي، وبالقيمة في المثلي {2} أمكن الجواز لأنه بمنزلة اشتراط ايفاء ما في الذمة بغير
جنسه، لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة والقيمي بالمثل، ولا اشتراط رجوع
غير ما اقتضاه العقد إلى البائع، فتأمل. ويجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل
إليه أو بدله والله العالم.
مسألة: لا اشكال ولا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع، {3}
وجريانه في كل معاوضة لازمة، كالإجارة والصلح والمزارعة والمساقات، بل قال
في التذكرة الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة خلافا
للجمهور،

384
ومراده ما يكون لازما {1} لأنه صرح بعدم دخوله في الوكالة والجعالة
والقراض والعارية والوديعة لأن الخيار لكل منهما دائما فلا معنى لدخول خيار
الشرط فيه. والأصل فيما ذكر عموم المؤمنون عند شروطهم، بل الظاهر المصرح به
في كلمات جماعة دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة ولو من طرف واحد،
بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة، إلا أن يدعي من الخارج عدم معنى للخيار في
العقد الجائز، ولو من الطرف الواحد، فعن الشرائع والارشاد والدروس وتعليق
الإرشاد ومجمع البرهان والكفاية، دخول خيار الشرط في كل عقد سوى النكاح
والوقف والإبراء والطلاق والعتق وظاهرها ما عدا الجائز. ولذا ذكر نحو هذه العبارة
في التحرير بعدما منع الخيار في العقود الجائزة وكيف كان. فالظاهر عدم الخلاف
بينهم في أن مقتضى عموم أدلة الشرط الصحة في الكل وإنما الإخراج لمانع، {2} ولذا
قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره
أنه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم. فالمهم
هنا بيان ما خرج عن هذا العموم.



1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار و - باب 4 - من أبواب المكاتبة.
385
فنقول أما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها {1}
كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر على عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن
العقود، قيل لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين {2} كما ينبه عليه جملة من
الأخبار والايقاع إنما يقوم بواحد

386
وفيه أن المستفاد من الأخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له والمشروط
عليه لا كونه متوقفا على الايجاب والقبول، ألا ترى أنهم جوزوا أن يشترط في
اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم غاية الأمر توقف
لزومه كاشتراط مال على العبد على قبول العبد، على قول بعض، لكن هذا غير
اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب والقبول. فالأولى الاستدلال عليه مضافا إلى
امكان منع صدق الشرط وانصرافه {1} خصوصا على ما تقدم عن القاموس بعد
مشروعية الفسخ في الايقاعات حتى تقبل لاشتراط التسلط على الفسخ فيها
والرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعي في بعض أقسامه لا يقبل
الثبوت في غير مورده، بل ولا السقوط في مورده، ومرجع هذا إلى أن مشروعية
الفسخ لا بد لها من دليل، وقد وجد في العقود من جهة مشروعية الإقالة، وثبوت
خيار المجلس والحيوان وغيرهما في بعضها بخلاف الايقاعات، {2} فإنه لم يعهد من
الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها.

387
وبالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا، فإذا لم يعلم كون الفسخ
سببا لارتفاع الايقاع أو علم عدمه بناء على أن اللزوم في الايقاعات حكم شرعي
كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه في متن الايقاع هذا
كله مضافا إلى الاجماع عن المبسوط ونفي الخلاف عن السرائر على عدم دخوله في
العتق والطلاق وإجماع المسالك على عدم دخوله في العتق والإبراء، ومما ذكرنا في
الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع ولو كان عقدا كالصلح المفيد
فائدة الابراء كما في التحرير وجامع المقاصد

388
وفي غاية المرام أن الصلح إن وقع معاوضة دخله خيار الشرط وإن وقع عما
في الذمة مع جهالته أو على اسقاط الدعوى قبل ثبوتها لم يدخله لأن مشروعيته
لقطع المنازعة فقط، واشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته وكل شرط
ينافي مشروعية العقد غير لازم، انتهى والكبرى المذكورة في كلامه راجعة إلى ما
ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات، ولا أقل من الشك في ذلك الراجع إلى الشك في
سببية الفسخ لرفع الايقاع.



1) الوسائل - باب 10 - من أبواب كتاب العتق.
389
وأما العقود فمنها ما لا يدخله اتفاقا، ومنها ما اختلف فيه، ومنها ما يدخله
اتفاقا. {1}
فالأول: النكاح، {2} فإنه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف والمبسوط
والسرائر وجامع المقاصد والمسالك، الاجماع عليه ولعله لتوقف ارتفاعه شرعا على
الطلاق {3} وعدم مشروعية التقايل فيه. {4}

390
ومن الثاني: الوقف، فإن المشهور عدم دخوله فيه {1} وعن المسالك أنه
موضع وفاق ويظهر من محكي السرائر والدروس وجود الخلاف فيه، وربما علل
باشتراط القربة فيه {2} وأنه فك ملك بغير عوض والكبرى في الصغريين
ممنوعة، {3} ويمكن الاستدلال له



1) الوسائل - باب 11 - من أبواب كتاب الوقوف والصدقات و - باب 6 - من أبواب الكتاب الهبات و - باب 24 - من أبواب
الصدقة.
391
بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونه أحق بالوقف عند الحاجة
وهي قوله عليه السلام من أوقف أرضا ثم قال: إن احتجت إليها فأنا أحق بها، ثم مات
الرجل فإنها ترجع في الميراث {1} وقريب منها غيرها وفي دلالتها على المدعى
تأمل، ويظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة تجويز اشتراط الخيار
في الوقف ولعله المخالف الذي أشير إليه في محكي السرائر والدروس



1) الوسائل - باب 3 - من أبواب كتاب الوقوف والصدقات حديث 3.
2) التهذيب ج 9 ص 950 طبع النجف.
392
وأما حكم الصدقة فالظاهر أنه حكم الوقف، قال في التذكرة في باب الوقف:
أنه يشترط في الوقف الالزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه ويكون الوقف باطلا
كالعتق والصدقة، انتهى.
لكن قال في باب خيار الشرط: أما الهبة المقبوضة فإن كانت لأجنبي غير
معوض عنها ولا قصد بها القربة ولا تصرف المتهب، يجوز للواهب الرجوع فيها
وإن اختل أحد القيود لزمت، وهل يدخلها خيار الشرط الأقرب ذلك، انتهى.
وظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتى الصدقة، وكيف كان فالأقوى
عدم دخوله فيها لعموم ما دل على أنه لا يرجع فيما كان لله، {1} بناء على أن المستفاد
منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة، ولو شك في
ذلك كفي في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها وتوهم امكان
اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع



1) الوسائل - باب 11 - من أبواب كتاب الوقوف والصدقات حديث 1.
393
ومنه الصلح، {1} فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالعلامة في التذكرة،
دخول الخيار فيه مطلقا، بل عن المهذب البارع في باب الصلح الاجماع على دخوله
فيه بقول مطلق. وظاهر المبسوط كالمحكي عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا. وقد
تقدم التفصيل عن التحرير وغاية المرام ولا يخلو عن قرب {2}

394
لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الابراء أو ما يفيد فائدته {1} ومنه
الضمان: {2} فإن المحكي عن ضمان التذكرة والقواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه،
وهو ظاهر المبسوط والأقوى دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه، ومنه الرهن {3} فإن
المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لأن الرهن وثيقة للدين،
والخيار ينافي الاستيثاق {4} ولعله لذا استشكل في التحرير وهو ظاهر المبسوط،
ومرجعه إلى أن مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة، والخيار مناف
لذلك.

395
وفيه أن غاية الأمر كون وضعه على اللزوم، فلا ينافي جواز جعل الخيار
بتراضي الطرفين، {1} ومنه الصرف فإن صريح المبسوط والغنية والسرائر عدم
دخول خيار الشرط فيه، مدعين على ذلك الاجماع ولعله لما ذكره في التذكرة
للشافعي المانع عن دخوله في الصرف والسلم من أن المقصود من اعتبار التقابض
فيهما أن يفترقا ولا يبقى بينهما علقة ولو أثبتنا الخيار بقيت العلقة، والملازمة ممنوعة،
كما في التذكرة، ولذا جزم فيها بدخوله في الصرف {2} وإن استشكله أولا كما في
القواعد.
ومن الثالث: أقسام البيع ما عدا الصرف ومطلق الإجارة والمزارعة
والمساقاة وغير ما ذكر من موارد الخلاف، فإن الظاهر عدم الخلاف فيها.
واعلم أنه ذكر في التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة وإن لم يكن فيها رد، ولا يتصور إلا بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام.
وأما التراضي الفعلي فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء على وجوب
ذكر الشرط في متن العقد، ومنه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة. {3}
{1} وأجاب عنه المصنف رحمه الله: بأن غاية الأمر كون وضعه على اللزوم، فلا ينافي
جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين.
وفيه: إن المدعى منافاة الخيار والتزلزل لحقيقة الرهن لا لحكمه، فيكون من قبيل
الشرط المخالف لمقتضى العقد.
وبما ذكرناه في هذه الأبواب يظهر الحكم في سائر الأبواب التي لم نتعرض لها.
{2} قوله والملازمة ممنوعة كما في التذكرة ولذا جزم فيها بدخوله في الصرف
لأن العلقة الحقية تتعلق بالعقد لا بالعوضين فهما يفترقان ولا علقة بينهما ولا
يستحق أحدهما شيئا من صاحبه ولو كان الخيار ثابتا - ويمكن منع المقدمة الأولى، إذ
لا سبيل لنا إلى اثبات أن المقصود من اعتبار التقابض ما ذكر.
{3} وهل يجري هذا الخيار في المعاطاة أم لا نظرا إلى أن الشرط القولي لا يمكن
ارتباطه بالانشاء الفعلي ذكره في محكي التذكرة تبعا للمبسوط.

396
وإن قلنا بلزومها من أول الأمر أو بعد التلف، والسر في ذلك أن الشرط
القولي لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلي، وذكر فيهما أيضا دخول الخيار في
الصداق، {1} ولعله لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات، كما إذا زوجها الولي
بدون مهر المثل، وفيه نظر وذكر في المبسوط أيضا دخول هذا الخيار في السبق
والرماية للعموم.
أقول: والأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحة التقايل في
العقد فمتى شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة
أحدهما أو كليهما على الفسخ، فإن اقدامه على ذلك حين العقد كاف في ذلك بعد ما
وجب عليه شرعا القيام والوفاء بما شرطه على نفسه، فيكون أمر الشارع إياه بعد
العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ والالتزام وعدم الاعتراض عليه، قائما
مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه وإن لم يرض فعلا

397
وأما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه، لأنه إذا لم يثبت تأثير
الفسخ بعد العقد عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد لسلطنة أحدهما عليه لا
يحدث له أثرا لما عرفت من أن الالتزام حين العقد لا يفيد إلا فائدة الرضاء الفعلي
بعد العقد بفسخ صاحبه ولا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا والله العالم.
الرابع: خيار الغبن {1} وأصله الخديعة، قال في الصحاح: هو بالتسكين في
البيع والغبن بالتحريك في الرأي، وهو في اصطلاح الفقهاء تمليك ماله بما يزيد على
قيمته مع جهل الآخر {2} وتسمية المملك غابنا والآخر مغبونا مع أنه قد لا يكون
خدع أصلا، كما لو كانا جاهلين



1) سورة التغابن: 9.
2) سفينة البحار ج 2 ص 305.
3) جامع أحاديث الشيعة - باب 6 - من أبواب تحنيط الميت حديث 1.
398
لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة على وجه الخدع {1} والمراد بما يزيد أو ينقص
العوض مع ملاحظة ما انضم إليه الشرط، فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقل منه مع
اشتراط الخيار للبائع، فلا غبن لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع
اللازم وهكذا غيره من الشروط.
والظاهر أن كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه {2}
بخلاف الجهل بقيمته، ثم إن ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين
الأصحاب، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا وعن نهج الحق نسبته إلى الإمامية.
وعن الغنية والمختلف الاجماع عليه صريحا، نعم المحكي عن المحقق قدس سره في
درسه انكاره ولا يعد ذلك خلافا في المسألة {3} كسكوت جماعة عن التعرض له.

399
نعم حكى عن الإسكافي منعه وهو شاذ، واستدل في التذكرة على هذا الخيار
بقوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *. {1} قال: ومعلوم أن المغبون لو
عرف الحال لم يرض وتوجيهه أن رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه
مبني على عنوان مفقود، {2} وهو عدم نقصه عنه في المالية، فكأنه قال: اشتريت هذا
الذي يسوي [يساوي] درهما بدرهم، فإذا تبين أنه لا يسوي [يساوي] درهما تبين
أنه لم يكن راضيا به عوضا لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين
فقده كاشفا عن بطلان البيع بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين
فقدها، إلا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم ولم يرض به،
فالآية إنما تدل على عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض الغير المساوي
كان كالرضا السابق لفحوى حكم الفضولي والمكره



1) النساء آية 29.
400
ويضعف يمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس إلا من قبيل الداعي الذي لا
يوجب تخلفه شيئا، {1} بل قد لا يكون داعيا أيضا. {2}
كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم على
أخذ الشئ وإن كان ثمنه أضعاف قيمته والتفت إلى احتمال ذلك مع أن أخذه على
وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد، {3}

401
ولو أبدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * كان
أولى {1} بناء على أن أكل المال على وجه الخدع ببيع ما يسوى درهما بعشرة مع
عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على رد المعاملة وعدم نفوذ رده أكل المال
بالباطل، أما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد أكلا بالباطل، ومقتضى الآية وإن كان
حرمة الأكل حتى قبل تبين الخدع، إلا أنه خرج بالإجماع وبقي ما بعد اطلاع المغبون
ورده للمعاملة لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن
تراض) * بناء على ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي، فمع التكافؤ
يرجع إلى أصالة اللزوم، {2} إلا أن يقال إن التراضي مع الجهل بالحال لا يخرج عن
كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا بالباطل، {3}



1) النساء: 29.
402
ويمكن أن يقال: إن آية التراضي يشمل غير صورة الخدع، كما إذا أقدم
المغبون على شراء العين محتملا لكونه بإضعاف قيمته فيدل على نفي الخيار في هذه
الصورة من دون معارضة فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل فتعارض
مع آية النهي المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل {1} فيرجع
بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل وتكافؤهما إلى أصالة اللزوم. واستدل
أيضا في التذكرة بأن النبي صلى الله عليه وآله أثبت الخيار في تلقي الركبان وإنما أثبته للغبن، {2}



1) أخرجه مسلم في 21 كتاب البيوع حديث رقم 17. وأخرجه أبو داود في 22 كتاب البيوع باب في التلقي حديث رقم
3437. ورواه الشيخ في الخلاف ج 2 ص 76 طبع قم عن أبي هريرة.
403
ويمكن أن يمنع صحة حكاية اثبات الخيار لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين
الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل {1} وأقوى ما استدل به على ذلك في التذكرة
وغيرها قوله صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار في الاسلام {2}



1) الوسائل - باب 1 - من أبواب موانع الإرث والتذكرة المسألة الأولى من خيار الغبن وهو مروي مع حذف كلمة في
الاسلام في الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار وباب 12 و 7 من أبواب كتاب احياء الموات وباب 5 من أبواب كتاب
الشفعة وفي الكتب الأخر وأيضا مروي مع إضافة كلمة على مؤمن في الوسائل في جملة من الأبواب وفي المستدرك
وغيرهما.
404
وكان وجه الاستدلال أن لزوم مثل هذا البيع وعدم تسلط المغبون على
فسخه ضرر عليه، واضرار به فيكون منفيا، فحاصل الرواية أن الشارع لم يحكم
بحكم يكون فيه الضرر ولم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا، ولم يمض لهم من
التصرفات ما فيه ضرر على الممضي عليه، ومنه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد
يكون لزومه ضرارا على الممضي عليه، سواء كان من جهة الغبن أم لا، وسواء كان
في البيع، أم في غيره كالصلح الغير المبني على المسامحة والإجارة وغيرها من
المعاوضات، هذا.
ولكن يمكن الخدشة في ذلك بأن انتفاء اللزوم وثبوت التزلزل في العقد لا
يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد والامضاء بكل الثمن، {1} إذ يحتمل أن يتخير
بين امضاء العقد بكل الثمن ورده في المقدار الزائد، {2} غاية الأمر ثبوت الخيار
للغابن لتبعض المال عليه، فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشترى بأزيد من
ثمن المثل، وحاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري في
أن له استرداد الزيادة من دون رد جزء من العوض، كما عليه الأكثر في معاوضات
المريض المشتملة على المحابات، وإن اعترض عليهم العلامة بما حاصله أن استرداد
بعض أحد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضى المعاوضة {3}.

405
ويحتمل أيضا أن يكون نفي اللزوم بتسلط المغبون على إلزام الغابن بأحد
الأمرين من الفسخ في الكل. ومن تدارك ما فات على المغبون برد القدر الزائد أو
بدله، ومرجعه إلى أن للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن، التفاوت، {1} فالمبذول
غرامة لما فات على المغبون على تقدير امضاء البيع، لا هبة مستقلة، كما في الإيضاح
وجامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن
للتفاوت بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار، وسيجئ
ذلك، وما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة واحتمله في القواعد من أنه إذا
ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا
خيار للمشتري فإن مرجع هذا إلى تخيير البائع بين رد التفاوت وبين الالتزام بفسخ
المشتري.
وحاصل الاحتمالين عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت فالمتيقن من
ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل، ولعل هذا هو الوجه في استشكال
العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل، بل قول بعض بعدمه، كما يظهر من
الرياض،

406
ثم إن المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال إنها لا تخرج لمعاملة المشتملة على الغبن
عن كونها مشتملة عليه ولا جزء من أحد العوضين حتى يكون استرداده مع
العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض وتمام العوض منافيا لمقتضى المعاوضة، بل هو
غرامة لما أتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية، فلا يعتبر كونه من عين الثمن
نظير الأرش في المعيب.
ومن هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح وجامع المقاصد من الاستدلال على
عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب، بأن بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن
كونها غبنية لأنها هبة مستقلة حتى أنه لو دفعه على وجه الاستحقاق لم يحل أخذه، إذ
لا ريب في أن من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره، انتهى بمعناه، وجه الخدشة ما تقدم

407
من احتمال كون المبذول غرامة لما أتلفه الغابن على المغبون قد دل عليه نفي الضرر.
وأما الاستصحاب ففيه أن الشك في اندفاع الخيار بالبذل لا في ارتفاعه به إذ من
المحتمل ثبوت الخيار على الممتنع دون الباذل، ثم إن الظاهر أن تدارك ضرر، المغبون
بأحد الاحتمالين المذكورين أولى من اثبات الخيار له، لأن إلزام الغابن بالفسخ ضرر
لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من أعواض أموالهم خصوصا النقود ونقض
الغرض ضرر وإن لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون، إلا أنه يصلح مرجحا لأحد
الاحتمالين المذكورين على ما اشتهر من تخييره بين الرد والامضاء بكل الثمن إلا أن
يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة لكون المقصود
اقتنائها للتجمل. وقد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل، فتأمل.

408
وقد يستدل على الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن، {1} فعن الكافي بسنده
إلى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت، وعن الميسر
عن أبي عبد الله عليه السلام قال غبن المؤمن حرام،



1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 1 وذكره في باب 9 من أبواب آداب التجارة.
2) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 2.
409
وفي رواية أخرى لا تغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل
وعن مجمع البحرين: أن الاسترسال: الاستئناس والطمأنينة إلى الانسان
والثقة به فيما يحدثه وأصله السكون والثبات، ومنه الحديث أيما مسلم استرسل إلى
مسلم فغبنه فهو كذا ومنه غبن المسترسل سحت انتهى.
ويظهر منه أن ما ذكره أولا حديث رابع والانصاف عدم دلالتها على المدعي،
فإن ما عدا الرواية الأولى ظاهرة في حرمة الخيانة في المشاورة، {1} فيحتمل كون
الغبن بفتح الباء.



1) الوسائل - باب 2 - من أبواب آداب التجارة حديث 7.
2) المستدرك - باب 13 - من أبواب الخيار حديث 1.
3) المستدرك - باب 13 - من أبواب الخيار حديث 2.
410
وأما الرواية الأولى فهي وإن كانت ظاهرة فيما يتعلق بالأموال، لكن يحتمل حينئذ
أن يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب على أصل العمل {1}
والخديعة في أخذ المال، ويحتمل أن يراد كون المقدار الذي يأخذه زايدا على ما
يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة والضمان، {2} ويحتمل إرادة كون مجموع العوض
المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة خاصة وهي اطلاع
المغبون ورده للمعاملة المغبون فيها، ولا ريب في أن الحمل على أحد الأولين أولى ولا
أقل من المساواة للثالث، فلا دلالة، فالعمدة في المسألة الاجماع المحكي المعتضد
بالشهرة المحققة، وحديث نفي الضرر بالنسبة إلى خصوص الممتنع عن بذل التفاوت،
ثم إن تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل.

411
مسألة: يشترط في هذا الخيار أمران: {1}
الأول: عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم بالقيمة فلا خيار بل لا غبن، {2} كما
عرفت بلا خلاف ولا اشكال، لأنه أقدم على الضرر، {3}

412
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو ملتفتا إليها، ولا
بين كونه مسبوقا بالعلم وعدمه، ولا بين كونه الجهل المركب والبسيط مع الظن بعدم
الزيادة والنقيصة أو الظن بهما أو الشك، {1} ويشكل في الأخيرين إذا أقدم على
المعاملة بانيا على المسامحة على تقدير الزيادة والنقيصة فهو كالعالم، بل الشاك في
الشئ إذا أقدم عليه بانيا على تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح
عليه أو الذم، ومن حيث معذوريته لو كان ذلك الشئ مما يعذر الغافل فيه
والحاصل أن الشاك الملتفت إلى الضرر مقدم عليه، {2} ومن أن مقتضى
عموم نفي الضرر واطلاق الاجماع المحكي ثبوته بمجرد تحقق الضرر، خرج المقدم
عليه عن علم

413
بل مطلق الشاك ليس مقدما على الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه ومساواته
للعالم في الآثار ممنوعة حتى في استحقاق المدح والذم، لو كان المشكوك مما يترتب
عليه ذلك عند الإقدام عليه، ولذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه على الغبن حالة
أخرى لو حصلت له قبل العقد، لم يقدم عليه، نعم لو صرح في العقد بالالتزام به ولو
على تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا إلى اسقاط الغبن، ومما ذكرنا يظهر ثبوت
الخيار للجاهل وإن كان قادرا على السؤال، كما صرح به في التحرير والتذكرة، ولو
أقدم عالما على غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه
ومن المعلوم فلا يبعد الخيار {1} ولو أقدم على ما لا يتسامح، فبان أزيد بما
يتسامح به منفردا، أو بما لا يتسامح ففي الخيار وجه،

414
ثم إن المعتبر القيمة حال العقد فلو زادت بعده ولو قبل اطلاع المغبون على
النقصان حين العقد لم ينفع لأن الزيادة إنما حصلت في ملكه والمعاملة وقعت على
الغبن. ويحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد، فلا يثبت الرد
المشروع لتدارك الضرر، {1} كما لو برأ المعيوب قبل الاطلاع على غبنه بل في
التذكرة أنه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد، وأشكل منه ما
لو توقف الملك على القبض فارتفع الغبن قبله، {2} لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من
دون نقص في قيمته

416
نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد، {1} كما صرح به العلامة في
الصرف يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب اقباض الزائد في مقابلة الناقض، لكن
ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض ولو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد، {2}
فإنه لا عبرة بهما اجماعا كما في التذكرة، ثم إنه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد، بل
العبرة بعلم الموكل وجهله. {3}

417
نعم لو كان وكيلا في المعاملة والمساومة، فمع علمه وفرض صحة المعاملة
حينئذ لا خيار للموكل {1} ومع جهله يثبت الخيار للموكل إلا أن يكون عالما
بالقيمة، وبأن وكيله يعقد على أزيد منها ويقرره له، وإذا ثبت الخيار في عقد الوكيل
فهو للموكل خاصة، إلا أن يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ، فإنه كالولي
حينئذ وقد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس، {2}

418
ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن وبالبينة إن تحققت وبقول مدعيه مع
اليمين، {1} لأصالة عدم العلم {2} الحاكمة على أصالة اللزوم، مع أنه قد يتعسر إقامة
البينة على الجهل، ولا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال، فتأمل.
هذا كله إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة بحيث لا يخفى عليه القيمة إلا
لعارض من غفلة أو غيرها، وإلا فلا يقبل قوله. كما في الجامع والمسالك. {3}

419
وقد يشكل بأن هذا إنما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر على
الأصل، فغاية الأمر أن يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعي لما
تعسر إقامة البينة عليه ولا يعرف إلا من قبله يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا من
هذا القبيل. {1} إلا أن يقال إن مقتضى تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول
بيمينه {2} لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتى في قبول
قوله إذا تعسر عليه إقامة البينة ألا ترى أنهم لم يحكموا بقبول قول مدعي فساد العقد
إذا تعسر عليه إقامة البينة على سبب الفساد، هذا مع عموم تلك القاعدة، {3} ثم اندراج المسألة فيها محل تأمل، {4}

420
ولو اختلفا في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده، مع تعذر الاستعلام، فالقول قول
منكر سبب الغبن {1} لأصالة عدم التغير {2} وأصالة اللزوم، ومنه يظهر حكم ما لو
اتفقا على التغير واختلفا في تاريخ العقد، ولو علم تاريخ التغير فالأصل وإن اقتضى
تأخر العقد الواقع على الزائد عن القيمة، إلا أنه لا يثبت به وقوع العقد على الزايد
حتى يثبت العقد.

421
الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا، {1} فالواحد بل الاثنان في العشرين
لا يوجب الغبن وحده عندنا، كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله، {2} وحكى
فيها عن مالك أن التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، وإن كان بأكثر من الثلث
أوجبه، ورده بأنه تخمين لم يشهد له أصل في الشرع، انتهى.
والظاهر أنه لا اشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا، نعم الاشكال
في الخمس ولا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه: كما سيجئ التصريح من المحقق
القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين، ثم الظاهر أن المرجع عند الشك في ذلك هو
أصالة ثبوت الخيار، لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه، ويحتمل الرجوع إلى أصالة
اللزوم، لأن الخارج هو الضرر الذي يناقش [يتفاحش] فيه لا مطلق الضرر بقي
هنا شئ

422
وهو أن ظاهر الأصحاب وغيرهم أن المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة
ضررية مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبايعين، {1} ولذا حدوه بما لا
يتغابن به الناس أو بالزائد على الثلث، كما عرفت عن بعض العامة.
وظاهر حديث نفي الضرر المستدل عليه في أبواب الفقه ملاحظة الضرر
بالنسبة إلى شخص الواقعة، ولذا استدلوا به على عدم وجوب شراء ماء الوضوء
بمبلغ كثير إذا أضر بالمكلف، ووجوب شرائه بذلك المبلغ على من لا يضر به ذلك،
مع أن أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق الكل.
والحاصل أن العبرة إذا كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء الوضوء بأضعاف
قيمته، وإن كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال
المغبون وغيره، وإلا ظهر اعتبار الضرر المالي {2} لأنه ضرر في نفسه من غير
مدخلية، لحال الشخص، وتحمله في بعض المقامات إنما خرج بالنص،
بقرانين يسوى قرانا واحدا، وفي المعاملات الخطيرة ربما يقدمون على الرد مع كون
التفاوت بالعشر، كما إذا اشترى شيئا بعشرة ملايين تومان وهو يسوى تسعة،
فما أفاده المصنف رحمه الله في مقام الضابط كغيره لا يتم.
وأما الثالث: فإن كان مدرك الخيار قاعدة نفي الضرر فلا يمكن التمسك بها، لأن
مخصص القاعدة في موارد الاقدام وإن لم يكن لفظيا، إلا أنه القرينة المقارنة، وفي مثله
لا يتمسك بالعموم، فيتعين الرجوع إلى أصالة اللزوم، وإن كان هو الشرط الضمني فثبوته
غير محرز، فالمتعين الرجوع إلى أصالة اللزوم أيضا.
{1} بقي في المقام اشكال، ومحصله: إن المدار في الضرر في باب العبادات
والمعاملات إن كان على الضرر المالي فلم يجب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته، وإن كان
على الضرر الحالي كما هو فتوى الأصحاب في باب الوضوء تعين التفصيل في خيار الغبن
بين ما يضر بحال المغبون وغيره.
وأجاب المصنف قدس سره عن ذلك بجوابين:
{2} الأول: إن المدار على الضرر المالي، وإنما لا يلتزم به في باب الوضوء للنص
الخاص.

423
ولذا أجاب في المعتبر عن الشافعي المنكر لوجوب الوضوء في الفرض
المذكور، بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص ويمكن أيضا أن يلتزم الضرر المالي
في مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص. بل لعدم كونه ضررا
بملاحظة ما بإزائه من الأجر {1} كما يشير إليه قوله عليه السلام بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه
بأضعاف قيمته أن ما يشترى به مال كثير.
نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف، انتفى بأدلة نفي الحرج {2} لا دليل نفي
الضرر، فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون إلا إذا كان تحمله حرجا اشكال،



1) الوسائل - باب 26 - من أبواب التيمم حديث 1 و 2.
424
ذكر في الروضة والمسالك تبعا لجامع المقاصد في أقسام الغبن أن المغبون إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو هما، انتهى.
فيقع الاشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا، والمحكي عن بعض
الفضلاء في تعليقه على الروضة، ما حاصله: استحالة ذلك حيث قال: قد عرفت أن
الغبن في طرف البائع إنما هو إذا باع بأقل من القيمة السوقية. وفي طرف المشتري إذا
اشترى بأزيد منها ولا يتفاوت الحال بكون الثمن والمثمن من الأثمان أو العروض أو
مختلفين، وحينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين، وإلا لزم كون الثمن أقل من القيمة
السوقية وأكثر وهو محال، فتأمل، انتهى.
وقد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض الفروض
منها ما ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في جواب من سأله عن هذه العبارة من
الروضة، قال: إنها تفرض فيما إذا باع متاعه بأربعة توأمين من الفلوس على أن يعطيه
عنها ثمانية دنانير معتقدا أنها يسوي بأربعة توأمين ثم تبين أن المتاع يسوي خمسة
توأمين وأن الدنانير تسوي خمسة توأمين إلا خمسا، فصار البائع مغبونا من كون
الثمن أقل من القيمة السوقية بخمس تومان، والمشتري مغبونا من جهة زيادة الدنانير
على أربعة توأمين فالبائع مغبون في أصل البيع والمشتري مغبون فيما التزمه من
اعطاء الدنانير عن الثمن وإن لم يكن مغبونا في أصل البيع، انتهى.
أقول الظاهر أن مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما
يصل إلى البائع بسبب مجموع العقد والشرط، كما لو باع شيئا يسوي خمسة دراهم
بدرهمين، على أن يخيط له ثوبا مع فرض كون أجرة الخياطة ثلاثة دراهم. ومن هنا
يقال إن للشروط قسطا من العوض وإن أبيت إلا عن أن الشرط معاملة مستقلة ولا
مدخل له في زيادة الثمن وخرج ذلك عن فرض غبن كلي من المتبايعين في معاملة
واحدة لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة، وكون الغبن من طرف واحد.
ومنها ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما إذا باع شيئين في
عقد واحد

425
بثمنين، فغبن البائع في أحدهما والمشتري في الأخر. وهذا الجواب قريب من
سابقه في الضعف لأنه إن جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما
خاصة حتى يجوز له الفسخ في العين المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان
كان الغبن في كل واحدة منهما لأحدهما خاصة فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي
غبن البايع خاصة والمشتري خاصة، وإن لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن أصلا مع
تساوي الزيادة في أحدهما للنقيصة في الآخر، ومع عدم المساواة فالغبن من طرف
واحد.
ومنها أن يراد بالغبن في المقسم معناه الأعم الشامل لصورة خروج العين
المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده أو خروج ما أخبر البائع بوزنه على خلاف
خبره، وقد أطلق الغبن على هذا المعنى الأعم العلامة في القواعد والشهيد في اللمعة
وعلى هذا المعنى الأعم تحقق الغبن في كل منهما وهذا حسن، لكن ظاهر عبارة
الشهيد والمحقق الثانيين إرادة ما عنون به هذا الخيار وهو الغبن بالمعنى الأخص على
ما فسروه به.
ومنها ما ذكره بعض من أنه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد في مكانين،
كما إذا حصر العسكر البلد وفرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته في البلد،
فاشترى بعض أهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين
القيمتين فالمشتري مغبون لزيادة الثمن على قيمة الطعام في مكانه، والبائع مغبون
لنقصانه عن القيمة في مكانه، ويمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق على قيمته حين
العقد، ولا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد، وإنما نزلت قيمته بقبض المشتري
ونقله إياه إلى مكان الرخص.
وبالجملة: الطعام عند العقد لا يكون إلا في محل واحد له قيمة واحدة.
ومنها ما ذكره في مفتاح الكرامة من فرضه فيما إذا ادعى كل من المتبايعين
الغبن، كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة، ثم ادعى كل منهما نقص ما في يده عما في
يد الآخر، ولم يوجد المقوم ليرجع إليه فتحالفا، فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه
وقال ويتصور غبنهما في أحد العوضين، كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم، ثم ادعى البائع
كونه يسوي بمأتين والمشتري كونه لا يسوي إلا بخمسين، ولا مقوم يرجع إليه
فيتحالفان ويثبت الفسخ لكل منهما، انتهى.

426
وفيه أن الظاهر أن لازم التحالف عدم الغبن في المعاملة أصلا، مع أن الكلام في
الغبن الواقعي دون الظاهري، والأولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث، {1} والله
العالم.



1) سورة المائدة آية 7 سورة الحج آية 77 سورة البقرة آية 185.
427
مسألة: ظهور الغبن، شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته
حين العقد، {1} وجهان، منشأهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد
اجماعهم واستدلالاتهم.
فظاهر عبارة المبسوط والغنية والشرائع وغيرها هو الأول، وفي الغنية
الاجماع على أن ظهور الغبن سبب للخيار وظاهر كلمات آخرين الثاني وفي
التذكرة أن الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا وقولهم لا يسقط هذا الخيار
بالتصرف، فإن المراد التصرف قبل العلم بالغبن وعدم سقوطه ظاهر في ثبوته،

428
ومما يؤيد الأول أنهم اختلفوا في صحة التصرفات الناقلة في زمان الخيار ولم
يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون، بل صرح بعضهم
بنفوذها وانتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلى البدل، ويؤيده أيضا الاستدلال في
التذكرة والغنية على هذا الخيار بقوله صلى الله عليه وآله في حديث تلقي الركبان أنهم بالخيار إذا
دخلوا السوق، فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن، هذا
ولكن لا يخفى امكان ارجاع الكلمات إلى أحد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا
في المعنى الأخر.
وتوضيح ذلك أنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها على الفسخ
والامضاء قولا أو فعلا فلا يحدث إلا بعد ظهور الغبن، وإن أريد ثبوت حق للمغبون
لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم {1} وإنما يتوقف على العلم اعمال هذا
الحق،

429
فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس
أو الحيوان أو غيرها، ثم إن الآثار المجعولة للخيار بين ما يترتب على تلك السلطنة
الفعلية، كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون إلا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله كما
سيجئ ومنه التلف.
فإن الظاهر أنه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون
التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن، كما جزم به بعض وتردد فيه
آخر وبين ما يترتب على ذلك الحق الواقعي كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره، {1}
وبين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة، {2} فإن تعليلهم المنع عنها بكونها
مفوتة لحق ذي الخيار من العين ظاهر في ترتب المنع على وجود نفس الحق، وإن لم
يعلم به، وحكم بعض من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرفات الواقعة
من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه أن المنع لأجل التسلط الفعلي، والمتبع دليل كل
واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الأثر على نفس الحق الواقعي ولو كان
مجهولا لصاحبه. وقد يظهر منه ترتبه على السلطنة الفعلية، ويظهر ثمرة الوجهين أيضا
فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع

430
فصادف الغبن، ثم إن ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب، وقد يستظهر
من عبارة القواعد في باب التدليس، الوجه الأول قال: وكذا يعني لا رد لو تعيبت
الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس، انتهى.
فإنه ذكر في جامع المقاصد أنه لا فرق بين تعيبها قبل العلم وبعده، لأن العيب
مضمون على المشتري، ثم قال: إلا أن يقال إن العيب بعد العلم غير مضمون على
المشتري لثبوت الخيار وظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب، لكون العيب في
زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له، لكن الاستظهار المذكور مبني على شمول
قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب وسيجئ عدم العموم إن شاء الله تعالى.
وأما خيار الرؤية فسيأتي أن ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها.
مسألة يسقط هذا الخيار بأمور: أحدها: اسقاطه بعد العقد، {1} وهو قد يكون
بعد العلم بالغبن، فلا اشكال في صحة اسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن ولا مع
الجهل بها إذا أسقط الغبن المسبب عن أي مرتبة كان فاحشا كان أو أفحش

431
ولو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة. ففي السقوط وجهان {1} من عدم
طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق، كما لو أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا
يبلغ القذف، فتبين كونه قذفا، ومن أن الخيار أمر واحد مسبب عن مطلق التفاوت
الذي لا يتسامح به ولا تعدد فيه فيسقط بمجرد الاسقاط، {2} والقذف وما دونه من
الشتم حقان مختلفان.

432
وأما الاسقاط بعوض بمعنى المصالحة عنه به فلا اشكال فيه مع العلم بمرتبة
الغبن أو التصريح بعموم المراتب، ولو أطلق وكان للاطلاق منصرف، كما لو صالح
عن الغبن المحقق في المتاع المشتري بعشرين بدرهم، فإن المتعارف من الغبن المحتمل
في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين، فيصالح عن هذا
المحتمل بدرهم فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر، وأن المبيع يسوي درهمين. ففي
بطلان الصلح لأنه لم يقع على الحق الموجود، أو صحته مع لزومه لما ذكرنا من أن
الخيار حق واحد له سبب واحد وهو التفاوت الذي له أفراد متعددة، فإذا أسقطه
سقط أو صحته متزلزلا، لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد أن عوضه المتعارف
درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله أزيد من الدرهم ضرورة أنه كلما كان التفاوت
المحتمل أزيد يبذل في مقابله أزيد مما يبذل في مقابله لو كان أقل فيحصل الغبن في
المصالحة {1} إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه، وبين
كونه لأجل الجهل بعينه وجوه، وهذا هو الأقوى فتأمل

433
وأما اسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن. {1}
فالظاهر أيضا جوازه، ولا يقدح عدم تحقق شرطه بناء على كون ظهور الغبن
شرطا لحدوث الخيار

434
إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار، وهو الغبن الواقعي {1} وإن لم يعلم به،
وهذا كاف في جواز اسقاط المسبب قبل حصول شرطه، كإبراء المالك الودعي
المفرط عن الضمان، {2} وكبراءة البائع من العيوب الراجعة إلى اسقاط الحق المسبب
عن وجودها قبل العلم بها، ولا يقدح في المقام أيضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق، إذ لا
مانع منه إلا التعليق وعدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن الايقاعات، وهو
غير قادح هنا، فإن الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء
عليه.

435
وأما ما نحن فيه وشبهه {1} مثل طلاق مشكوك الزوجية، واعتاق مشكوك
الرقية منجزا أو الابراء عما احتمل الاشتغال به، فقد تقدم في شرائط الصيغة أنه لا
مانع منه، لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلم، ومنه البراءة
عن العيوب المحتملة في المبيع وضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير. {2}
نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به، فإنه لا بد من وقوع شئ
بإزائه {3} وهو غير معلوم



1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
436
فالأولى ضم شئ إلى المصالح عنه المجهول التحقق {1} أو ضم سائر الخيارات إليه
بأن يقول صالحتك عن كل خيار لي بكذا ولو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض
عليه {2} لأن المعدوم إنما دخل على تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

437
الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد {1} والاشكال فيه
من الجهات المذكورة هنا أو المتقدمة في اسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي
عنها، نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار وخيار الرؤية وهو لزوم الغرر من
اشتراط اسقاطه قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه: ولو اشترطا رفعه أو رفع
خيار الرؤية. فالظاهر بطلان العقد للغرر، انتهى.
ثم احتمل الفرق بين الخيارين بأن الغرر في الغبن سهل الإزالة وجزم
الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد والشرط، وتردد فيه المحقق الثاني إلا أنه
استظهر الصحة ولعل توجيه كلام الشهيد هو أن الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية
المبيع كالجهل بصفاته لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه إلى الجهل
بمقدار ماليته، {2} ولذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل لها في القيمة لكن
الأقوى الصحة، لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك في
القيمة، {3} وأيضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتى يكون
اسقاطه موجبا لثبوته، وإلا لم يصح البيع إذ لا يجدي في الاخراج عن الغرر ثبوت
الخيار

438
لأنه حكم شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر، وإلا لصح كل بيع غرري على وجه
التزلزل وثبوت الخيار {1} كبيع المجهول وجوده والمتعذر تسليمه.
وأما خيار الرؤية {2} فاشتراط سقوطه راجع إلى اسقاط اعتبار ما اشترطاه

439
من الأوصاف في العين الغير المرئية، فكأنهما تبايعا، سواء وجد فيها تلك الأوصاف
أم لا فصحة البيع موقوفة على اشتراط تلك الأوصاف واسقاط الخيار في معنى
الغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناك أيضا، لأن مرجع اسقاط خيار
الرؤية إلى التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط لا إلى عدم التزام ما اشترطاه من
الأوصاف، ولا تنافي بين أن يقدم على اشتراء العين بانيا على وجود تلك الأوصاف،
وبين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت فتأمل
وسيجئ تمام الكلام في خيار الرؤية، وكيف كان فلا أرى اشكالا في اشتراط
سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر، إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن أصلا لم يلزم
منه غرر
الثالث: تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد
علمه بالغبن، {1} ويدل عليه ما دل على سقوط خياري المجلس والشرط به، مع عدم
ورود نص فيهما واختصاص النص بخيار الحيوان، وهو اطلاق بعض معاقد الاجماع،
بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة وفيما انتقل عنه فسخ،

440
وعموم العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان المستدل بها في كلمات العلماء على
السقوط وهي الرضا بلزوم العقد مع أن الدليل هنا أما نفي الضرر وأما الاجماع. {1}
والأول منتف، فإنه كما لا يجري مع الاقدام عليه فكذلك لا يجري مع الرضا به
بعده
وأما الاجماع فهو غير ثابت مع الرضا إلا أن يقال إن الشك في الرفع لا الدفع
فنستصحب، {2} فتأمل.
أو ندعي أن ظاهر قولهم فيما نحن فيه أن هذا الخيار لا يسقط بالتصرف شموله
للتصرف بعد العلم بالغبن واختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك، لكن
الانصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن وغرضهم من تخصيص
الحكم بهذا الخيار أن التصرف مسقط لكل خيار ولو وقع قبل العلم بالخيار، كما في
العيب والتدليس سوى هذا الخيار، ويؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من أن التصرف قبل
العلم بالعيب والتدليس ملزم لدلالته على الرضا بالبيع فيسقط الرد، وإنما يثبت
الأرش في خصوص العيب عدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب، وكيف كان،
فاختصاص التصرف الغير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفى على المتتبع
في كلماتهم.

441
نعم لم أجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكى عن صاحب المسالك وتبعه جماعة
لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل، مما لا ينبغي، بل ربما
يستشكل في حكمهم بعد السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار
التدليس والعيب بالتصرف قبل العلم والاعتذار بالنص إنما يتم في العيب دون
التدليس، فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص ومقتضى القاعدة في حكم
التصرف قبل العلم فيهما واحد والتحقيق أن يقال: إن مقتضى القاعدة عدم السقوط
لبقاء الضرر وعدم دلالة التصرف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد وتحمل الضرر.
نعم قد ورد النص في العيب على السقوط وادعى عليه الاجماع مع أن ضرر
السقوط فيه متدارك بالأرش، وإن كان نفس إمساك العين قد تكون ضررا، فإن تم
دليل في التدليس أيضا، قلنا به، وإلا وجب الرجوع إلى دليل خياره، ثم إن الحكم
بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني على ما تقدم في الخيارات السابقة من
تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد، وإلا كان اللازم في غير ما دل
فعلا على الالتزام بالعقد من أفراد التصرف الرجوع إلى أصالة بقاء الخيار.
وقد قيل في وجه التأمل أمور:
منها: ما أفاده السيد الفقيه رحمه الله، وهو: إن الشك في بقاء الخيار من قبيل الشك في
المقتضي لعدم احراز مقدار استعداد المستصحب مع التصرف، فلا يجري فيه
الاستصحاب.
ومنها: أن المورد مما يجب فيه الاستدلال بعموم العام لا استصحاب حكم المخصص.
ومنها: ما أفاده المحقق النائيني رحمه الله، وهو: إن الشك شك في الموضوع، لأن موضوع
من له الخيار ليس ذات المغبون ولا العقد الغبني، بل يحتمل أن يكون لوصف عدم الرضا
ولو نوعا دخل في الموضوع، فلا يجري الاستصحاب.
وبعض هذه الوجوه لا يخلو عن النظر، ولكن في بعضها الآخر - بضميمة أن المختار
عدم جريان الاستصحاب في الأحكام - كفاية،
ولكن مع ذلك كله يرد على أصل الاستدلال: إن مفروض البحث هو التصرف غير
الكاشف عن الالتزام بالعقد، وعليه فلا مانع من اجراء قاعدة لا ضرر.

442
الرابع: من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا
مخرجا عن الملك على وجه اللزوم كالبيع والعتق، {1} فإن المصرح به في كلام المحقق
ومن تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ. وقيل: إنه المشهور وهو كذلك بين
المتأخرين.
نعم ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع أنه لو هلك السلعة
أو تصرف فيها سقط الرد، والظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن، كما يظهر من
جامع المقاصد في شرح قول الماتن، ولا يبطل الخيار بتلف العين فراجع، واستدل
على هذا الحكم في التذكرة بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك، وهو
بظاهره مشكل، لأن الخيار غير مشروط عندهم بإمكان رد العين ويمكن أن يوجه
بأن حديث نفي الضرر لم يدل على الخيار

443
بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها، فإذا امتنع ردها، فلا دليل على
جواز فسخ العقد، {1} وتضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن
بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفين إنما يكون بتسلط المغبون على رد العين
فيكون حاله من حيث إن له القبول والرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في أن له أن
يشتري وأن يترك وليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه، مع أن اخراج المغبون
العين عن ملكه التزام بالضرر، ولو جهلا منه به {2} هذا، ولكن اعترض عليهم
شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد في اللمعة بما توضيحه: إن الضرر الموجب للخيار
قبل التصرف ثابت مع التصرف، والتصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه، لما
عرفت من أن الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلا صورة الاقدام عليه عالما به،
فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها على
ملكه وبدلها مع عدمه، وفوات خصوصية العين على الغابن ليس ضررا

444
لأن العين المبيعة إن كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها، وإن كانت قيمية،
فتعريضها للبيع يدل على إرادة قيمتها، فلا ضرر أصلا فضلا عن أن يعارض ضرر
زيادة الثمن على القيمة خصوصا مع الافراط في الزيادة والانصاف إن هذا حسن
جدا، لكن قال في الروضة: إن لم يكن الحكم اجماعا {1}
أقول: والظاهر عدمه {2} لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدم
على المحقق فيما تتبعت، ثم إن مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف
بين البائع والمشتري، قال في التحرير بعد أن صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان
أو مشتريا. ولا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد، ومقتضى اطلاقه عدم الفرق
بين الناقل اللازم وبين فك الملك كالعتق والوقف، وبين المانع عن الرد مع البقاء على
الملك كالاستيلاد. بل ويعم التلف

445
وعن جماعة تخصيص العبارة بالمشتري، فإن أرادوا قصر الحكم عليه فلا يعرف له
وجه، إلا أن يبني على مخالفته لعموم دليل الخيار، أعني نفي الضرر فيقتصر على مورد
الاجماع
ثم إن ظاهر التقييد بصورة امتناع الرد، وظاهر التعليل بعدم امكان
الاستدراك ما صرح به جماعة من أن الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار {1} إذا فسخه
فضلا عن مثل التدبير والوصية من التصرفات الغير الموجبة للخروج عن الملك
فعلا وهو حسن، لعموم نفي الضرر {2} ومجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك
ضرر الغبن،

446
ولو اتفق زوال المانع كموت ولد أم الولد وفسخ العقد اللازم لعيب أو غبن. {1}
ففي جواز الرد وجهان من أنه متمكن حينئذ، ومن استقرار البيع {2} وربما
يبنيان على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد، {3} وكذا الوجهان فيما لو
عاد إليه بناقل جديد وعدم الخيار هنا أولى لأن العود هنا بسبب جديد، وفي الفسخ
برفع السبب السابق وفي لحوق الإجارة بالبيع، قولان {4} من امتناع الرد وهو مختار
الصيمري وأبي العباس، ومن أن مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك {5}
وهو المحكي عن ظاهر الأكثر، ولو لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد،
وكذا لو لم يعلم به حتى انفسخ البيع

447
وفي لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه أقواها
اللحوق {1} لحصول الشركة، فيمتنع رد العين الذي هو مورد الاستثناء.

448
وكذا ولو تغيرت العين بالنقيصة، {1} ولو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية
أو من الجهتين فالأقوى الرد في الوسطى {2} بناء على حصول الشركة في غيرها
المانعة عن رد العين، فتأمل. هذا كله في تصرف المغبون.
وأما تصرف الغابن فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خيار المغبون به، {3}

449
وحينئذ فإن فسخ ووجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو الوقف أو البيع
اللازم، ففي تسلطه على ابطال ذلك من حينه {1} أو من أصلها كالمرتهن
والشفيع، {2} أو رجوعه إلى البدل، {3} وجوه من وقوع العقد في متعلق حق الغير
فإن حق المغبون ثابت بأصل المعاملة الغبنية. وإنما يظهر له بظهور السبب فله الخيار
في استرداد العين إذا ظهر السبب وحيث وقع العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه
من رأس



1) البحار ج 2 ص 372 الطبع الحديث.
450
ومن أن وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس، {1} كما في بيع
الرهن ومقتضى فسخ البيع الأول تلقي الملك من الغابن الذي وقع البيع معه، لا من
المشتري الثاني، ومن أنه لا وجه للتزلزل، إما لأن التصرف في زمان خيار الغير
المتصرف صحيح لازم، كما سيجئ في أحكام الخيار فيسترد الفاسخ البدل.
وأما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا على وجه يمنع من تصرف من
عليه الخيار، كما هو ظاهر الجماعة هنا وفي خيار العيب قبل ظهوره، فإن غير واحد
ممن منع من تصرف غير ذي الخيار بدون إذنه أو استشكل فيه حكم بلزوم العقود
الواقعة قبل ظهور الغبن والعيب، وهذا هو الأقوى، وسيأتي تتمة لذلك في أحكام
الخيار.

451
وكذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد {1} ويحتمل هنا تقديم حق الخيار
لسبق سببه على الاستيلاد، ثم إن مقتضى ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع
عن ملك الغابن بالعقد الجائز، {2} لأن معنى جوازه تسلط أحد المتعاقدين على
فسخه، أما تسلط الأجنبي وهو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد
صحيحا.
وفي المسالك لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار، ألزم بالفسخ، فإن
امتنع فسخه الحاكم، وإن تعذر فسخه المغبون، {3} ويمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون
إما بدخول العين في ملكه وإما بدخول بدلها. {4}

452
فعلى الأول لا حاجة إلى الفسخ حتى يتكلم في الفاسخ. وعلى الثاني فلا وجه
للعدول
عما استحقه بالفسخ إلى غيره اللهم إلا أن يقال إنه لا منافاة لأن البدل
المستحق بالفسخ إنما هو للحيلولة، فإذا أمكن رد العين وجب على الغابن
تحصيلها، {1} لكن ذلك أنما يتم مع كون العين باقية على ملك المغبون، {2} وأما مع
عدمه وتملك المغبون للبدل فلا دليل على وجوب تحصيل العين، ثم على القول بعدم
وجوب الفسخ في الجائز، لو اتفق عود الملك إليه لفسخ، فإن كان ذلك قبل فسخ
المغبون.
فالظاهر وجوب رد العين، وإن كان بعده، فالظاهر عدم وجوب رده {3}
لعدم الدليل بعد تملك البدل ولو كان العود بعقد جديد فالأقوى عدم وجوب الرد
مطلقا، لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه، والفاسخ إنما يملك بسبب ملكه السابق بعد
ارتفاع السبب الناقل

453
ولو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، {1} فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو
بالامتزاج فإن كان بالنقيصة، فإما أن يكون نقصا يوجب الأرش، وأما أن يكون مما
لا يوجبه {2} فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش، كما هو مقتضى الفسخ، لأن
الفائت مضمون بجزء من العوض

454
فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله {1} ومثل
ذلك ما لو تلف بعض العين، وإن كان مما لا يوجب شيئا رده بلا شئ،



1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار.
455
ومنه ما لو وجد العين مستأجرة، {1} فإن على الفاسخ الصبر إلى أن ينقضي مدة
الإجارة، ولا يجب على الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقية المدة بعد
الفسخ، لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد والفسخ، فهي ملك
للمفسوخ عليه، فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق، فإذا تحقق في زمان ملك منفعة
العين بأسرها ويحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة، لأن ملك منفعة الملك المتزلزل
متزلزل {2} وهو الذي جزم به المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في
البيع، وفيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة.
نعم ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبايعين أنه
إذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الأجرة للمشتري المؤجر ووجب عليه للبائع
أجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ، وقرره على ذلك شراح الكتاب وسيجئ ما
يمكن أن يكون فارقا بين المقامين

456
وإن كان التغيير بالزيادة فإن كانت حكمية محضة كقصارة الثوب وتعليم
الصنعة، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن يقوم العين معها ولا معها
ويؤخذ النسبة، {1} ولو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة.
فالظاهر عدم شئ لمحدثها لأنه إنما عمل فيما له وعمله لنفسه غير مضمون على
غيره ولو لم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال، ولو في ضمن العين

457
ولو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس. {1} ففي تسلط المغبون على القلع بلا
أرش، {2} كما اختاره في المختلف في الشفعة أو عدم تسلطه عليه مطلقا، كما عليه
المشهور فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري أو تسلطه عليه مع
الأرش كما اختاره في المسالك هنا وقيل به في الشفعة والعارية وجوه

458
من أن صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة عن كونه في مكان
صار ملكا للغير، فلا حق للغرس كما إذا باع أرضا مشغولة بماله وكان ماله في تلك
الأرض أزيد قيمة، {1} مضافا إلى ما في المختلف في مسألة الشفعة، من أن الفائت لما
حدث في محل معرض للزوال لم يجب تداركه ومن أن الغرس المنصوب الذي هو مال
للمشتري مال مغاير للمقلوع عرفا وليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون
تفاوت قيمته باعتبار المكان مضافا إلى مفهوم قوله صلى الله عليه وآله: ليس لعرق ظالم حق {2}
فيكون كما لو باع الأرض المغروسة، ومن أن الغرس إنما وقع في ملك متزلزل، ولا
دليل على استحقاق الغرس {3} على الأرض البقاء، وقياس الأرض المغروسة على
الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها ولا تغرم لها أجرة المثل فاسد للفرق
بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه



1) الوسائل - باب 3 - من كتاب الغصب حديث 1.
460
فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان في الأرض. فالتحقيق
إن كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له على الآخر ولا عليه له {1} فلكل
منهما تخليص ماله عن مال صاحبه، فإن أراد مالك الغرس قلعه فعليه أرش طم
الحفر، وإن أراد مالك الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس، أعني تفاوت ما بين كونه
منصوبا دائما، وكونه مقلوعا، وكونه مالا للمالك على صفة النصب دائما ليس اعترافا
بعدم تسلطه على قلعه، {2} لأن المال هو الغرس المنصوب ومرجع دوامه إلى دوام
ثبوت هذا المال الخاص له، فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان، فافهم.
ويبقى الفرق بين ما نحن فيه وبين مسألة التفليس حيث ذهب الأكثر إلى أن
ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس ولو مع الأرش، ويمكن الفرق بكون حدوث ملك
الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس
بخلاف مسألة التفليس لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الأرض
المغروسة {3}.

461
وليس للمشتري قلعه، ولو مع الأرش بلا خلاف. بل عرفت أن العلامة في المختلف
جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق أرش الغرس، ثم إذا جاز القلع فهل يجوز
للمغبون مباشرة القلع أم له مطالبة المالك بالقلع ومع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه؟
وجوه ذكروها فيما لو دخلت أغصان شجر الجار إلى داره، ويحتمل الفرق بين
المقامين {1} من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك. ولذا قيل فيه بعدم
وجوب إجابة المالك الجار إلى القلع وإن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله. هذا
كله حكم التخليص وأما لو اختار المغبون الابقاء فمقتضى ما ذكرنا من عدم ثبوت
حق لأحد المالكين على الآخر استحقاقه الأجرة على البقاء لأن انتقال الأرض إلى
المغبون {2} بحق سابق على الغرس، لا بسبب لا حق له، هذا كله حكم الشجر. وأما
الزرع ففي المسالك أنه يتعين ابقائه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر، {3} ولعله لامكان
الجمع بين الحقين على وجه لا ضرر فيه على الطرفين بخلاف مسألة الشجر، فإن في
تعيين ابقائه بالأجرة ضررا على مالك الأرض لطول مدة البقاء، فتأمل.

462
ولو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الأرض منعه {1} لاستلزام نقص
أرضه، فإن كلا منهما مسلط على ماله ولا يجوز تصرفه في مال غيره إلا بإذنه أم لا؟
لأن التسلط على المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف في ماله، وجهان
أقواهما الثاني.
ولو كان التغير بالامتزاج {2} فإما أن يكون بغير جنسه، وأما أن يكون
بجنسه.

463
فإن كان بغير جنسه، فإن كان على وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله
بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت، فهو في حكم التالف يرجع إلى قيمته {1}
وإن كان لا على وجه يعد تالفا كالخل مع الأنجبين.

464
ففي كونه شريكا {1} أو كونه كالمعدوم وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا
لمالكين ومن تغير حقيقته، {2} فيكون كالتلف الرافع للخيار {3}

465
وإن كان الامتزاج بالجنس، فإن كان بالمساوي يثبت الشركة، {1} وإن كان
بالأردأ فكذلك وفي استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس
الممتزج أو من ثمنه وجوه، {2}

466
ولو كان بالأجود احتمل الشركة في الثمن، بأن يباع ويعطي من الثمن بنسبة قيمته،
ويحتمل الشركة بنسبة القيمة {1} فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردئ كان
المجموع بينهما أثلاثا ورده الشيخ في مسألة رجوع البائع على المفلس بعين ماله بأنه
يستلزم الربا، قيل: وهو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة. بقي الكلام في حكم
تلف العوضين مع الغبن {2} وتفصيله أن التلف. إما أن يكون فيما وصل إلى الغابن، أو
فيما وصل إلى المغبون، والتلف. إما بآفة أو باتلاف أحدهما أو باتلاف الأجنبي

467
وحكمها أنه لو تلف ما في يد المغبون، فإن كان بآفة، فمقتضى ما تقدم من التذكرة في
الاخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم امكان الاستدراك سقوط الخيار {1}
لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره. ولذا اختار غير واحد بقاء
الخيار، فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف أو يوم الفسخ وأخذ ما عند الغابن أو بدله.
وكذا لو كان بإتلافه ولو كان باتلاف الأجنبي ففسخ المغبون أخذ الثمن ورجع الغابن
إلى المتلف إن لم يرجع المغبون عليه وإن رجع عليه بالبدل. ثم ظهر الغبن ففسخ رد
على الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ ولو كان باتلاف الغابن فإن لم يفسخ
المغبون أخذ القيمة من الغابن وإن فسخ أخذ الثمن، ولو كان اتلافه قبل ظهور الغبن
فأبراه المغبون من الغرامة ثم ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة لأن ما أبرأه
بمنزلة المقبوض، ولو تلف ما في يد الغابن بآفة أو باتلافه

468
ففسخ المغبون، أخذ البدل وفي اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ، قولان. ظاهر
الأكثر الأول.
ولكن صرح في الدروس والمسالك ومحكي حاشية الشرائع للمحقق الثاني
وصاحب الحدائق وبعض آخر: إنه لو اشترى عينا بعين فقبض إحداهما دون
الأخرى فباع المقبوض، ثم تلف غير المقبوض، إن البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقه
قبل القبض بخلاف البيع الثاني، فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير
المقبوض. {1}
وهذا ظاهر بل صريح في أن العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين،
والفرق بين المسألتين مشكل، وتمام الكلام في باب الإقالة إن شاء الله تعالى،



1) الوسائل - باب 5 و 8 - من أبواب الخيار.
469
ولو تلف باتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ إلى الغابن لأنه الذي يرد إليه
العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله، ولأنه ملك القيمة على المتلف، ويحتمل الرجوع
إلى المتلف، {1} لأن المال في ضمانه، وما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته ولذا
صرح في الشرائع بجواز المصالحة على ذلك المتلف بما لو صالح به على قيمته لزم الربا،
وصرح العلامة بأنه لو صالحه على نفس المتلف بأقل من قيمته لم يلزم الربا، وإن
صالحه على قيمته بالأقل لزم الربا، بناء على جريانه في الصلح

470
ويحتمل التخيير أما الغابن فلأنه ملك البدل وأما المتلف فلأن المال المتلف في
عهدته {1} قبل أداء القيمة، وإن كان باتلاف المغبون، فإن لم يفسخ غرم بدله ولو
أبرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسح رد الثمن وأخذ قيمة التلف لأن المبرأ
منه كالمقبوض هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام، وينبغي
إحالة الزائد على ما ذكروه في غير هذا المقام والله العالم بالأحكام ورسوله وخلفائه
الكرام صلوات الله عليه وعليهم إلى يوم القيام.
مسألة: الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية بناء على الاستناد في
ثبوته في البيع إلى نفي الضرر، {2} نعم لو استند إلى الاجماعات المنقولة أمكن
الرجوع في غير البيع إلى أصالة اللزوم وممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر
الدين قدس سره في شرح الإرشاد وصاحب التنقيح وصاحب ايضاح النافع وعن إجارة
جامع المقاصد جريانه فيها مستندا إلى أنه من توابع المعاوضات. نعم حكي عن
المهذب البارع عدم جريانه في الصلح.
ولعله لكون الغرض الأصلي فيه قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ وفيه ما
لا يخفى

471
وفي غاية المرام التفصيل {1} بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة فيجري فيه، وبين
الواقع على اسقاط دعوى قبل ثبوتها، ثم ظهر حقيقة ما يدعيه وكان مغبونا فيما
صالح به والواقع على ما في الذمم وكان مجهولا، ثم ظهر بعد عقد الصلح وظهر غبن
أحدهما على تأمل. ولعله للاقدام في هذين على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان.
فقد أقدم على الضرر وحكى عن بعض التفصيل {2} بين كل عقد وقع شخصه على
وجه المسامحة وكان الإقدام فيه على المعاملة مبنيا على عدم الالتفات إلى النقص
والزيادة بيعا كان أو صلحا أو غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن، وبين غيره.
وفيه مع أن منع صدق الغبن محل نظر أن الحكم بالخيار لم يعلق في دليل على مفهوم
لفظ الغبن حتى يتبع مصاديقه. فإن الفتاوى مختصة بغبن البيع وحديث نفي الضرر
عام لم يخرج منه إلا ما استثنى في الفتاوى من صورة الاقدام على الضرر عالما به،
نعم لو استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن أكل المال بالباطل أمكن
اختصاصها بما إذا أقدم على المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك الاحتمال
والحاصل أن المسألة لا يخلو عن اشكال من جهة أصالة اللزوم واختصاص
معقد الاجماع والشهرة بالبيع وعدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع،

472
كما تعرضوا لجريان خيار الشرط وتعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع،
لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض أفراد ما عدا البيع، فلا يدل على عموم غيره
لما عدا البيع ومن دلالة حديث نفي الضرر، على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها في
صورة امتناع الغابن، عن بذل التفاوت بعد الحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند
الأصحاب. وقد استدل به الأصحاب على اثبات كثير من الخيارات، فدخوله فيما
عدا البيع، لا يخلو عن قوة. {1} نعم يبقى الاشكال في شموله للصورة المتقدمة، وهي
ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان أو غيره على عدم المغابنة
والمكايسة من حيث المالية، كما إذا احتاج المشتري إلى قليل من شئ مبتذل لحاجة
عظيمة دينية أو دنيوية، فإنه لا يلاحظ في شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه، فإن
في شمول الأدلة لمثل هذا خفاء، بل منعا، إلا أن يتم بعدم القول بالفصل، {2} والله
العالم.



1) الوسائل - باب 12 و 7 - من أبواب كتاب احياء الموات وغيرهما من الأبواب المتقدم إليها الإشارة.
2) النساء آية 29.
3) نفس المصدر.
4) وهو النبوي المروي عن غير طرقنا المتقدم.
5) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 1.
473
مسألة: اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي على
قولين {1}
واستند للقول الأول: وهو المشهور ظاهرا إلى كون الخيار على خلاف
الأصل فيقتصر فيه على المتيقن وقرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود
يستتبع عموم الأزمنة وإلا لم ينتفع بعمومه، انتهى. {2}
وللقول الثاني: إلى الاستصحاب {3} وذكر في الرياض ما حاصله أن المستند
في هذا الخيار إن كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب وإن كان نفي
الضرر وجب الاقتصار على الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.



1) المائدة: 2.
474
أقول: ويمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة، أما في وجوب الاقتصار على
المتيقن فلأنه غير متجه مع الاستصحاب. وأما ما ذكره في جامع المقاصد من عموم
الأزمنة، فإن أراد به عمومها المستفاد من اطلاق الحكم بالنسبة إلى زمانه الراجع
بدليل الحكمة إلى استمراره في جميع الأزمنة، فلا يخفى أن هذا العموم في كل فرد من
موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم، فإذا فرض خروج فرد منه، فلا يفرق فيه
بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان ما إذ ليس في خروجه دائما زيادة
تخصيص في العام حتى يقتصر عند الشك فيه على المتيقن، نظير ما إذا ورد تحريم
فعل بعنوان العموم {1} وخرج منه فرد خاص من ذلك الفعل، لكن وقع الشك في أن
ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الأزمنة أو عام لجميعها، فإن اللازم هنا
استصحاب حكم الخاص {2} أعني الحلية لا الرجوع فيما بعد الزمان المتيقن إلى
عموم التحريم، وليس هذا من معارضة العموم للاستصحاب، والسر فيه ما عرفت
من تبعية العموم الزماني للعموم الافرادي فإذا فرض خروج بعضها، فلا مقتضى
للعموم الزماني فيه حتى يقتصر فيه من حيث الزمان على المتيقن، بل الفرد الخارج
واحد دام زمان خروجه أو انقطع.

475
نعم لو فرض إفادة الكلام للعموم الزماني على وجه يكون الزمان مكثر
الأفراد العام، بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر كان اللازم بعد
العلم بخروج فرد في زمان ما، الاقتصار على المتيقن، لأن خروج غيره من الزمان
مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه، كما إذا قال المولى لعبده:
أكرم العلماء في كل يوم بحيث كان اكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام
ذلك العالم في اليوم الآخر، فإذا علم بخروج زيد العالم وشك في خروجه عن العموم
يوما أو أزيد، وجب الرجوع في ما بعد اليوم الأول إلى عموم وجوب الاكرام، لا
إلى استصحاب، عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك
بالاستصحاب بل يجب الرجوع إلى أصل آخر، كما أن في الصورة الأولى لو فرضنا
عدم حجية الاستصحاب لم يجز الرجوع إلى العموم فما أوضح الفرق بين
الصورتين {1}.

476
ثم لا يخفى أن مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في الصورة الأولى من
الاطلاق المحمول على العموم بدليل الحكمة وكونه في الصورة الثانية عموما لغويا، بل
المناط كون الزمان في الأولى ظرفا للحكم وإن فرض عمومه لغويا، فيكون الحكم
فيه حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد، فيكون مرجع الشك فيه إلى الشك في
استمرار حكم واحد وانقطاعه فيستصحب والزمان في الثانية مكثر لأفراد موضوع
الحكم فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني إلى ثبوت حكم الخاص لفرد من
العام مغاير للفرد الأول ومعلوم أن المرجع فيه إلى أصالة العموم، فافهم واغتنم.

477
وبذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد بأن آية أوفوا وغيرها مطلقة لا
عامة، فلا تنافي الاستصحاب إلا أن يدعي أن العموم الاطلاقي لا يرجع إلا إلى
العموم الزماني على الوجه الأول، فقد ظهر أيضا مما ذكرنا من تغاير موردي
الرجوع إلى الاستصحاب والرجوع إلى العموم، فساد ما قيل في الأصول من أن
الاستصحاب قد يخصص العموم ومثل له بالصورة الأولى، زعما منه أن
الاستصحاب قد خصص العموم. وقد عرفت أن مقام جريان الاستصحاب لا يجوز
فيه الرجوع إلى العموم ولو على فرض عدم الاستصحاب، ومقام جريان العموم لا
يجوز الرجوع إلى الاستصحاب ولو على فرض عدم العموم، فليس شئ منهما
ممنوعا بالآخر في شئ من المقامين، إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول، لأن
العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب
الوفاء به في زمان واحد وبين عدم وجوبه رأسا، نظير العقد الجائز دائما، فليس
الأمر دائرا بين قلة التخصيص وكثرته، حتى يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن {1}

478
فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار على ما سنشير إليه لم يجز التمسك
بالعموم أيضا، نعم يتمسك فيه حينئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات.
وأما استناد القول بالتراخي إلى الاستصحاب، فهو حسن على ما اشتهر من
المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم الشرعي الثابت بغير الأدلة
اللفظية المشخصة للموضوع، مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء. وأما
على التحقيق من عدم احراز الموضوع في مثل ذلك على وجه التحقيق، فلا يجري فيما
نحن فيه الاستصحاب، فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك
ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع فلا معنى لانسحابه في الآن
اللاحق، مع كون الشخص قد تمكن من التدارك ولم يفعل، لأن هذا موضوع آخر
يكون اثبات الحكم له من القياس المحرم. {1} نعم لو أحرز الموضوع من دليل لفظي
على المستصحب أو كان الشك في رافع الحكم حتى لا يحتمل أن يكون الشك لأجل
تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب.

479
وأما ما ذكره في الرياض، ففيه أنه إن بنى الأمر على التدقيق في موضوع
الاستصحاب كما أشرنا هنا وحققناه في الأصول، فلا يجري الاستصحاب وإن كان
المدرك للخيار الاجماع، وإن بنى على المسامحة فيه كما اشتهر جرى الاستصحاب
وإن استند في الخيار إلى قاعدة الضرر، كما اعترف به ولده قدس سره في المناهل مستندا إلى
احتمال أن يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم وإن ارتفع إلا أن يدعي أنه إذا
استند الحكم إلى الضرر، فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره
وهو غير محقق في الزمان اللاحق كما أشرنا

480
ثم إنه بنى المسألة بعض المعاصرين {1} على ما لا محصل له فقال ما لفظه أن المسألة
مبتنية على أن لزوم العقد معناه أن أثر العقد مستمر إلى يوم القيامة، وأن عموم الوفاء
بالعقود عموم زماني للقطع، بأن ليس المراد بآية الوفاء بالعقود آنا ما، بل على الدوام
وقد فهم المشهور منها ذلك باعتبار أن الوفاء بها العمل بمقتضاها. ولا ريب أن مفاده
عرفا وبحسب قصد المتعاقدين الدوام، فإن دل دليل على ثبوت خيار من ضرر، أو
اجماع أو نص في ثبوته في الماضي، أو مطلقا

481
بناء على الاهمال لا الاطلاق في الأخبار، فيكون استثناء من ذلك العام
ويبقى العام على عمومه، كاستثناء أيام الإقامة والثلثين ووقت المعصية ونحوها من
حكم السفر، أو أن اللزوم ليس كالعموم وإنما يثبت ملكا سابقا، ويبقى حكمه
مستصحبا إلى المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين، والثاني وارد على الأول
فيقدم عليه والأول أقوى، لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضي بعدم
اعتبار السابق أما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق، انتهى.
ولا يخفى أن ما ذكره من المبنى للرجوع إلى العموم وهو استمرار اللزوم مبني
لطرح العموم والرجوع إلى الاستصحاب. {1} وأما ما ذكره أخيرا لمبنى الرجوع إلى
الاستصحاب.

482
وحاصله أن اللزوم إنما يثبت بالاستصحاب، فإذا ورد عليه استصحاب
الخيار قدم عليه، ففيه أن الكل متفقون على الاستناد في أصالة اللزوم إلى عموم آية
الوفاء، {1} وإن أمكن الاستناد فيه إلى الاستصحاب أيضا، فلا وجه للاغماض عن
الآية. وملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب الخيار، ثم إنه قد علم
من تضاعيف ما أوردناه على كلمات الجماعة أن الأقوى كون الخيار هنا على الفور،
لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان الثاني بالعموم لما عرفت سابقا من أن مرجع العموم
الزماني في هذا المقام إلى استمرار الحكم في الأفراد، فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل
على العود إليه، كما في جميع الأحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع ولا
باستصحاب الخيار لما عرفت من أن الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع
الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ، فلا يشمل الشخص
المتمكن منه التارك له، بل قد يستظهر ذلك من حديث نفي الضرر تعين الرجوع إلى
أصالة فساد فسخ المغبون {2} وعدم ترتب الأثر عليه، وبقاء آثار العقد فيثبت
اللزوم من هذه الجهة وهذا ليس كاستصحاب الخيار، لأن الشك هنا في الواقع.
فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي، فافهم واغتنم
والحمد لله.

483
هذا مضافا إلى ما قد يقال هنا وفيما يشبهه من إجازة عقد الفضولي ونكاحه
وغيرهما من أن تجويز التأخير فيها ضرر على من عليه الخيار وفيه تأمل.
ثم إن مقتضى ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الأخير هي الفورية
العرفية {1} لأن الاقتصار على الحقيقية حرج على ذي الخيار، فلا ينبغي تدارك
الضرر به والزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم على رده بين أهل
هذا القول، لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب على القول بفوريته ما هو
أوسع من الفور العرفي. قال خيار العيب ليس على الفور على ما تقدم، خلافا
للشافعي، فإنه اشترط الفورية والمبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدد ولا الركض للرد
وإن كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله الخيار إلى أن يفرغ، وكذا لو اطلع
حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها، فلا بأس اجماعا. وكذا لو لبس ثوبا أو
أغلق بابا ولو اطلع على العيب ليلا فله التأخير إلى أن يصبح وإن لم يكن عذر،
انتهى.
وقد صرح في الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب من ذلك وجعلها من
الأعذار، وصرح في الشفعة بأنه لا يجب المبادرة على خلاف العادة، ورجع في ذلك
كله إلى العرف فكل ما لا يعد تقصيرا لا يبطل به الشفعة وكل ما يعد تقصيرا وتوانيا
في الطلب، فإنه مسقط لها، انتهى.

484
والمسألة لا يخلو عن اشكال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول الليل
عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دليل عليه، نعم لو توقف الفسخ
على الحضور عند الخصم أو القاضي أو على الاشهاد، توجه ما ذكر في الجملة مع أن
قيام الدليل عليه مشكل إلا أن يجعل الدليل على الفورية لزوم الاضرار لمن عليه
الخيار، فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه، فإن هذا هو الذي
يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه وكون تصرفاته فيه في
معرض النقص، لكنك عرفت التأمل في هذا الدليل، فالانصاف أنه إن تم الاجماع
الذي تقدم عن العلامة على عدم البأس بالأمور المذكورة وعدم قدح أمثالها في
الفورية، {1} فهو وإلا وجب الاقتصار على أول مراتب امكان انشاء الفسخ والله
العالم.
ثم إن الظاهر أنه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم
نفي الضرر، {2} إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن، والجاهل بحكمه، وليس ترك الفحص
عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن وعدمه ولو جهل
الفورية.
فظاهر بعض الوفاق على المعذورية ويشكل بعدم جريان نفي الضرر هنا
لتمكنه من الفسخ وتدارك الضرر، فيرجع إلى ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد
وعدم صحة فسخ المغبون يعد الزمان الأول

485
وقد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار التأخير والمناط واحد ولو
ادعي الجهل بالخيار فالأقوى القبول إلا أن يكون مما لا يخفى عليه هذا الحكم
الشرعي إلا لعارض ففيه نظر.
وقال في التذكرة في باب الشفعة أنه لو قال إني لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو
قال أخرت، لأني لم أعلم أن الشفعة على الفور، فإن كان قريب العهد بالاسلام أو
نشأت في برية لا يعرفون الأحكام قبل قوله وله الأخذ بالشفعة وإلا فلا، انتهى.
فإن أراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه الجهل فلا حاجة
إليه، لأن أكثر العوام وكثير من الخواص لا يعلمون مثل هذه الأحكام، وإن أراد
تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه عدم العلم ففيه أنه لا داعي إلى اعتبار
الظهور مع أن الأصل العدم والأقوى أن الناسي في حكم الجاهل وفي سماع دعواه
النسيان نظر من أنه مدع ومن تعسر إقامة البينة عليه وأنه لا يعرف إلا من قبله.
وأما الشك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته ويحتمل عدم معذوريته لتمكنه من
الفسخ بعد الاطلاع على الغبن ثم السؤال عن صحته شرعا فهو متمكن من الفسخ
العرفي، إذ الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر فافهم
والله العالم.

486
/ 1