منهاج الفقاهة (جزء 6) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهاج الفقاهة (جزء 6) - نسخه متنی

محمد صادق روحانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: منهاج الفقاهة
المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني
الجزء: 6
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: 1418 - 1376 ش
المطبعة: العلمية
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: منهاج الفقاهة التعليق علي مكاسب الشيخ الأعظم
منهاج الفقاهة
التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم
آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
الجزء السادس

1
الكتاب: منهاج الفقاهة / ج 6
المؤلف: آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
الطبعة: الرابعة
تاريخ النشر: 1418 ه‍ ق - 1376 ه‍ ش
المطبعة: العلمية
الكمية: 1000 نسخة
السعر: 950 تومان

2
الخيارات

3
(بسم الله الرحمن الرحيم)
الحمد لله على ما أولانا من التفقه في الدين والهداية إلى الحق، وأفضل صلواته
وأكمل تسليماته على رسوله صاحب الشريعة الخالدة، وعلى آله العلماء بالله الأمناء
على حلاله وحرامه، سيما بقية الله في الأرضين أرواح من سواه فداه.
وبعد،
فهذا هو الجزء السادس من كتابنا منهاج الفقاهة وقد وفقنا إلى طبعه، وهو آخر
أجزاء هذه الموسوعة وقد من الله تعالى على بالتوفيق لاتمام هذا السفر الجليل إنه ولي
التوفيق

4
الخامس خيار التأخير
قال في التذكرة من باع شيئا ولم يسلمه إلى المشتري ولا قبض الثمن ولا شرط
تأخيره ولو ساعة لزم البيع ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو
أحق بالعين وإن مضت الثلاثة ولم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد والصبر
والمطالبة بالثمن {1} عند علمائنا أجمع، والأصل في ذلك قبل الاجماع المحكي عن
الإنتصار والخلاف والجواهر وغيرها المعتضد بدعوى الاتفاق المصرح بها في
التذكرة والظاهرة من غيرها وبما ذكره في التذكرة من أن الصبر أبدا مظنة الضرر
المنفي بالخبر، {2} بل الضرر هنا أشد من الضرر في الغبن حيث إن المبيع هنا في ضمانه
وتلفه منه وملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار.
5
الأخبار المستفيضة {1} منها رواية علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: الأجل بينهما ثلاثة أيام،
فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما ورواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح، قال: من
اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ولم يجئ فلا بيع له ورواية ابن الحجاج قال: اشتريت
محملا وأعطيت بعض الثمن وتركته عند صاحبه، ثم احتبست أياما ثم جئت إلى بائع
المحمل لأخذه، فقال: قد بعته، فضحكت ثم قلت لا والله لا أدعك أو أقاضيك فقال:
أترضى بأبي بكر بن عياش قلت: نعم، فأتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر
بقول من تحب [تريد] أن أقضي بينكما أبقول صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول
صاحبي، قال: سمعته يقول من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا
فلا بيع له.



(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب الخيار حديث 3.
(2) نفس المصدر ح 4.
(3) نفس المصدر ح 2
6
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت له: الرجل يشتري من الرجل
المتاع ثم يدعه عنده، فيقول آتيك بثمنه قال إن جاء ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا
بيع له. {1}
وظاهر هذه الأخبار بطلان البيع، كما فهمه في المبسوط حيث قال روى
أصحابنا أنه إذا اشتري شيئا بعينه بثمن معلوم، وقال للبائع أجيئك بالثمن ومضى،
فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له وإن لم يرتجع بطل البيع، انتهى.
وربما يحكى هذا عن ظاهر الإسكافي المعبر بلفظ الروايات، وتوقف فيه
المحقق الأردبيلي، وقواه صاحب الكفاية، وجزم به في الحدائق طاعنا على العلامة في
المختلف حيث إنه اعترف بظهور الأخبار في خلاف المشهور، ثم اختار المشهور
مستدلا بأن الأصل بقاء صحة العقد وحمل الأخبار على نفي اللزوم.



(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب الخيار حديث 1.
(2) نفس المصدر ح 6.
7
أقول ظهور الأخبار في الفساد في محله إلا أن فهم العلماء وحملهم الأخبار على
نفي اللزوم {1} مما يقرب هذا المعنى مضافا إلى ما يقال من أن قوله (عليه السلام) في أكثر تلك الأخبار لا بيع له {2} ظاهر في انتفاء البيع بالنسبة إلى المشتري فقط، ولا يكون إلا
نفي اللزوم من طرف البائع، إلا أن في رواية ابن يقطين فلا بيع بينهما، {3} وكيف كان
فلا أقل من الشك فيرجع إلى استصحاب الآثار المترتبة على البيع {4} وتوهم كون
الصحة سابقا في ضمن اللزوم، فيرتفع

8
بارتفاعه، مندفع بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة، {1} وإنما هو حكم
مقارن له في خصوص البيع الخالي من الخيار،

9
ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور:
أحدها: عدم قبض المبيع، {1} ولا خلاف في اشتراطه ظاهرا، ويدل عليه من
الروايات المتقدمة قوله في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة فإن قبض بيعه وإلا فلا
بيع بينهما، {2} بناء على أن البيع، هنا بمعنى المبيع لكن في الرياض انكار دلالة
الأخبار على هذا الشرط وتبعه بعض المعاصرين ولا أعلم له وجها غير سقوط هذه
الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية واحتمال قراءة قبض بالتخفيف وبيعه
بالتشديد {3} يعني قبض بائعه الثمن ولا يخفى ضعف هذا الاحتمال لأن استعمال البيع
بالتشديد مفردا نادر، {4} بل لم يوجد مع امكان اجراء أصالة عدم التشديد، {5}
نظير ما ذكره في الروضة من أصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة

10
ثم إنه لو كان عدم قبض المشتري لعد وأن البائع بأن بذل له الثمن فامتنع من أخذه
واقباض المبيع {1} فالظاهر عدم الخيار لأن ظاهر النص والفتوى كون هذا الخيار
ارفاقا للبائع ودفعا لتضرره، {2} فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله

11
ولو قبضه المشتري على وجه يكون للبائع استرداده، كما إذا كان بدون إذنه
مع عدم اقباض الثمن. ففي كونه كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو كونه قبضا، وجوه
رابعها ابتناء المسألة على ما سيجئ في أحكام القبض من ارتفاع الضمان عن البائع
بهذا القبض وعدمه. ولعله الأقوى {1} إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر
على البائع، إلا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه وتضرره بعدم وصول ثمنه إليه
وكلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة. وأما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك
فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم وإن ادعى انصراف الأخبار إلى غير هذه
الصورة، لكنه مشكل كدعوى شمولها ولو قلنا بارتفاع الضمان ولو مكن المشتري من
القبض فلم يقبض، فالأقوى أيضا ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان وعدمه.

12
وربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات ثم يدعه عنده عدم كفاية
التمكين {1} وفيه نظر، والأقوى عدم الخيار لعدم الضمان {2} وفي كون قبض بعض
المبيع كلا قبض لظاهر الأخبار أو كالقبض لدعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض
شئ منه أو تبعيض الخيار بالنسبة إلى المقبوض وغيره استنادا مع تسليم
الانصراف المذكور إلى تحقق الضرر بالنسبة إلى غير المقبوض لا غير وجوه. {3}

13
الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن {1} واشتراطه مجمع عليه نصا وفتوى
وقبض البعض كلا قبض بظاهر الأخبار المعتضد بفهم أبي بكر بن عياش في رواية
ابن الحجاج المتقدمة، وربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة وفيه نظر {2}



(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب الخيار حديث 3.
(2) نفس المصدر حديث 2.
14
والقبض بدون الإذن كعدمه {1} لظهور الأخبار في اشتراط وقوعه بالإذن في
بقاء البيع على اللزوم، مع أن ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه على وجه
يجوز له التصرف فيه باق. نعم لو كان القبض بدون الإذن حقا كما إذا عرض المبيع
على المشتري فلم يقبضه.
فالظاهر عدم الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار وعدم تضرر البايع
بالتأخير، {2} وربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الإذن في
الشرط السابق

15
أعني قبض المبيع نظر إلى أنهم شرطوا في عناوين المسألة في طرف المبيع عدم
اقباض المبيع إياه، وفي طرف الثمن عدم قبضه، {1} وفيه نظر، لأن هذا النحو من
التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، فيعبر في طرف الثمن والمثمن بما هو
فعل له وهو القبض في الأول والاقباض في الثاني، فتأمل.

16
ولو أجاز المشتري قبض الثمن بناء على اعتبار الإذن كانت في حكم
الإذن {1} وهل هي كاشفة أو مثبتة أقواهما الثاني {2} ويترتب عليه ما لو قبض قبل
الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.
الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين، {3} لأن المتبادر
من النص غير ذلك فيقتصر في مخالفة الأصل على منصرف النص مع أنه في الجملة
اجماعي.

17
الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا أو شبهه كصاع من صبرة، {1} نص عليه
الشيخ في عبارته المتقدمة في نقل مضمون روايات أصحابنا وظاهره كونه مفتى به
عندهم، وصرح به في التحرير والمهذب البارع وغاية المرام وهو ظاهر جامع
المقاصد حيث قال لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة، وقال في الغنية وروى
أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض المبيع وقال أجيئك بالثمن ومضى، فعلى البائع
الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بين فسخ البيع ومطالبته بالثمن، هذا إذا كان المبيع مما
يصح بقائه، فإن لم يكن كذلك كالخضروات فعليه الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار
ثم ذكر أن تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري وبعده من مال البائع ثم قال
ويدل على ذلك كله اجماع الطائفة، انتهى.
وفي معقد اجماع الإنتصار والخلاف وجواهر القاضي لو باع شيئا معينا بثمن
معين لكن في بعض نسخ الجواهر لو باع شيئا غير معين، وقد أخذ عنه في مفتاح
الكرامة وغيره ونسب إلى القاضي دعوى الاجماع على غير المعين، وأظن الغلط في
تلك النسخة.

18
والظاهر أن المراد بالثمن المعين في معقد اجماعهم هو المعلوم في مقابل المجهول
لأن تشخص الثمن غير معتبر اجماعا. ولذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط المبيع
بالمعين والثمن بالمعلوم، ومن البعيد اختلاف عنوان ما نسبه في الخلاف إلى اجماع
الفرقة وأخبارهم مع ما نسبه في المبسوط إلى روايات أصحابنا مع أنا نقول إن
ظاهر المعين في معاقد الاجماعات التشخص العيني لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول
ولو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة إلى الثمن للاجماع على عدم اعتبار
التعيين فيه مع أنه فرق بين الثمن المعين والشئ المعين، فإن الثاني ظاهر في الشخصي
بخلاف الأول. وأما معقد اجماع التذكرة المتقدم في عنوان المسألة فهو مختص
بالشخصي، لأنه ذكر في معقد الاجماع أن المشتري، لو جاء بالثمن في الثلاثة فهو أحق
بالعين ولا يخفى أن العين ظاهر في الشخصي هذه حال معاقد الاجماعات. وأما
حديث نفي الضرر فهو مختص بالشخصي {1} لأنه المضمون على البائع قبل القبض
فيتضرر بضمانه وعدم جواز التصرف فيه وعدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي

19
وأما النصوص فروايتا ابن يقطين وابن عمار مشتملتان على لفظ البيع المراد
به المبيع الذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة للبيع ولا مناسبة في اطلاقه على
الكلي {1} كما لا يخفى
ورواية زرارة ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ المتاع، وقوله: يدعه
عنده فلم يبق إلا قوله (عليه السلام) في رواية أبي بكر بن عياش: من اشترى شيئا، فإن
اطلاقه وإن شمل المعين والكلي، إلا أن الظاهر من لفظ الشئ الموجود الخارجي، كما
في قول القائل اشتريت شيئا، [ولو في ضمن أمور متعددة كصاع من صبرة] والكلي
المبيع ليس موجودا خارجيا، إذ ليس المراد من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في
الخارج، لأن المبيع قد يكون معدوما عند العقد والموجود منه قد لا يملكه البائع حتى
يملكه، بل هو أمر اعتباري يعامل في العرف والشرع معه معاملة الأملاك، وهذه
المعاملة وإن اقتضت صحة اطلاق لفظ الشئ عليه أو على ما يعمه، إلا أنه ليس
بحيث لو أريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجي الشخصي احتيج
إلى قرينة على التقييد، فهو نظير المجاز المشهور،

20
والمطلق المنصرف إلى بعض أفراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق إلى
القرينة، {1} فلا يمكن هنا دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجي بأصالة عدم
القرينة فافهم.
فقد ظهر مما ذكرنا أن ليس في أدلة المسألة من النصوص والاجماعات المنقولة
ودليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي، وربما ينسب التعميم إلى ظاهر الأكثر لعدم
تقييدهم البيع بالشخصي، وفيه أن التأمل في عباراتهم، مع الانصاف يعطي
الاختصاص بالمعين، أو الشك في التعميم، مع أنه معارض بعدم تصريح أحد بكون
المسألة محل الخلاف من حيث التعميم والتخصيص، إلا الشهيد في الدروس، حيث قال: إن الشيخ (رحمه الله) قيد في المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فإنه ظاهر في عدم فهم
هذا التقييد من كلمات باقي الأصحاب، لكنك عرفت أن الشيخ (رحمه الله) قد أخذ هذا
التقييد في مضمون روايات أصحابنا

21
وكيف كان، فالتأمل في أدلة المسألة وفتاوي الأصحاب يشرف الفقيه على
القطع باختصاص الحكم بالمعين، ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار منها
عدم الخيار لأحدهما أو لهما قال {1} في التحرير ولا خيار للبائع لو كان في المبيع
خيار لأحدهما.
وفي السرائر قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله: ولم يشترطا خيارا لهما أو
لأحدهما، وظاهره الاختصاص بخيار الشرط، ويحتمل أن يكون الاقتصار عليه
لعنوان المسألة في كلامه بغير الحيوان وهو المتاع، وكيف كان، فلا أعرف وجها
معتمدا في اشتراط هذا الشرط سواء أريد ما يعم خيار الحيوان أم خصوص خيار
الشرط، وسواء أريد مطلق الخيار ولو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة أم أريد
خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة.

22
سواء أحدث فيها أم بعدها وأوجه ما يقال في توجيه هذا القول مضافا إلى
دعوى انصراف النصوص إلى غير هذا الفرض أن شرط الخيار في قوة اشتراط
التأخير وتأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع.
وتوضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في أحكام الخيار، من أنه لا يجب على البائع
تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار، {1} ولو تبرع أحدهما
بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على تسليم ما في يده الآخر، وله استرداد
المدفوع قضية للخيار، وقال بعض الشافعية ليس له استرداده وله أخذ ما عند
صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهى.

23
وحينئذ فوجه هذا الاشتراط أن ظاهر الأخبار كون عدم مجئ المشتري
بالثمن بغير حق التأخير، وذو الخيار له حق التأخير، وظاهرها أيضا كون عدم
اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الاقباض.
والحاصل إن الخيار بمنزلة تأجيل أحد العوضين وفيه بعد تسليم الحكم في
الخيار وتسليم انصراف الأخبار إلى كون التأخير بغير حق {1} أنه ينبغي على هذا
القول كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق، {2} وكون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان
مع اتفاقهم على ثبوته فيه {3} كما يظهر من المختلف، وذهب الصدوق إلى كون الخيار
في الجارية بعد شهر، إلا أن يراد بما في التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام
الخيار ثابتا لأحدهما،

24
فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة {1} وقد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع
من جهة أخرى، فيسقط معه هذا الخيار لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره، وقد
اندفع بغيره ولدلالة النص والفتوى على لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة
ثبوت الخيار له قال: {2} ودعوى أن المراد من الأخبار اللزوم من هذه الجهة
مدفوعة، بأن التأخير سبب للخيار، ولا يتقيد الحكم بالسبب {3} وبين ما إذا كان
الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه مع أن اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار في
الحيوان ووجه ضعف هذا التفصيل أن ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في
الثلاثة. وأما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب

25
فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير {1} ولذا
لا ينافي هذا الخيار خيار المجلس ومنها تعدد المتعاقدين لأن النص مختص بصورة
التعدد، {2} ولأن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس {3}

26
وخيار المجلس باق مع اتحاد العاقد إلا مع اسقاطه.
وفيه أن المناط عدم الاقباض والقبض ولا اشكال في تصوره من المالكين مع
اتحاد العاقد من قبلهما. وأما خيار المجلس فقد عرفت أنه غير ثابت للوكيل في مجرد
العقد وعلى تقديره فيمكن اسقاطه أو اشتراط عدمه. نعم لو كان العاقد وليا بيده
العوضان لم يتحقق الشرطان الأولان أعني عدم الاقباض والقبض، وليس ذلك من
جهة اشتراط التعدد، ومنها أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية {1} فإن
المحكي عن الصدوق في المقنع، أنه إذا اشترى جارية فقال: أجيئك بالثمن، فإن جاء
بالثمن فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له
وظاهر المختلف نسبة الخلاف إلى الصدوق في مطلق الحيوان والمستند فيه
رواية ابن يقطين عن رجل اشترى جارية فقال: أجيئك بالثمن فقال: إن جاء بالثمن
فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له ولا دلالة فيها على صورة عدم اقباض الجارية
ولا قرينة على حملها عليها، {2} فيحتمل الحمل على اشتراط المجئ بالثمن إلى شهر
في متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط ويحتمل الحمل على استحباب صبر
البائع وعدم فسخه إلى شهر،



(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب الخيار حديث 6.
27
وكيف كان، فالرواية مخالفة لعمل المعظم فلا بد من حملها على بعض الوجوه،
ثم إن مبدأ الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد، {1} وجهان، من ظهور قوله
فإن جاء بالثمن بينه وبين ثلاثة، أيام في كون مدة الغيبة ثلاثة ومن كون ذلك كناية
عن عدم التقابض ثلاثة أيام، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية ابن يقطين الأجل
بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما وهذا هو الأقوى. {2}

28
مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:
أحدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال، ولا خلاف، {1} وفي سقوطه
بالاسقاط في الثلاثة وجهان، {2} من أن السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا
يتحقق إلا بعد الثلاثة {3}

29
ولذا صرح في التذكرة بعدم جواز اسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا
بكون مبدئه بعده، مع أنه أولى بالجواز ومن أن العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في
اسقاطه {1} مضافا إلى فحوى جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد. {2}

30
الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، {1} حكى عن الدروس وجامع
المقاصد وتعليق الإرشاد، ولعله لعموم أدلة الشروط {2} ويشكل على عدم جواز
إسقاطه في الثلاثة بناء على أن السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير
دون العقد، فإن الشرط إنما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط، ولا يوجب
شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط، {3} فإن كان اجماع على السقوط
بالشرط، كما حكاه بعض قلنا به، بل بصحة الاسقاط بعد العقد لفحواه وإلا فللنظر
فيه مجال.



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار وباب 4 من أبواب كتاب المكاتبة من كتاب العتق وغيرهما.
31
الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة {1} فإن المصرح به في التذكرة سقوط
الخيار حينئذ، وقيل بعدم السقوط بذلك استصحابا وهو حسن لو استند في الخيار
إلى الأخبار.
وأما إذا استند فيه إلى الضرر، فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا
ضرر ليتدارك بالخيار {2} ولو فرض تضرره سابقا بالتأخير، فالخيار لا يوجب
تدارك ذلك وإنما يتدارك به الضرر المستقبل، ودعوى أن حدوث الضرر قبل البذل
يكفي في بقاء الخيار مدفوع، بأن الأحكام المترتبة على نفي الضرر تابعة للضرر
الفعلي، لا مجرد حدوث الضرر في زمان: ولا يبعد دعوى انصراف الأخبار إلى
صورة التضرر فعلا بلزوم العقد بأن يقال: بأن عدم حضور المشتري علة لانتفاء
اللزوم يدور معها وجودا وعدما، وكيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.

32
الرابع: أخذ الثمن من المشتري بناء على عدم سقوطه بالبذل {1} وإلا لم يحتج
إلى الأخذ به والسقوط به لأنه التزام فعلي بالبيع ورضاء بلزومه {2} وهل يشترط
إفادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن، فلو احتمل كون الأخذ بعنوان
العارية أو غيرها لم ينفع أم لا يعتبر الظن أيضا وجوه من عدم تحقق موضوع
الالتزام إلا بالعلم ومن كون الفعل مع إفادة الظن أمارة عرفية على الالتزام كالقول،
ومما تقدم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاء نوعيا بالعقد، {3} وهذا
من أوضح أفراده وقد بينا عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف على
الرضا، وخير الوجوه أوسطها، لكن الأقوى الأخير

34
وهل يسقط الخيار بمطالبة الثمن {1} المصرح به في التذكرة وغيرها العدم،
للأصل وعدم الدليل، ويحتمل السقوط لدلالته على الرضا بالبيع، وفيه أن سبب
الخيار هو التضرر في المستقبل، لما عرفت من أن الخيار لا يتدارك به ما مضى من
ضرر الصبر ومطالبة الثمن لا يدل على التزام الضرر المستقبل، حتى يكون التزاما
بالبيع، بل مطالبة الثمن أنما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ، لا الالتزام بذلك
الضرر ليسقط الخيار، وليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن ونحوه مما كان
الضرر حاصلا بنفس العقد، حتى يكون الرضا به بعد العقد والعلم بالضرر التزاما
بالضرر الذي هو سبب الخيار. {2}
وبالجملة، فالمسقط لهذا الخيار ليس إلا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن أو
التزامه بإسقاطه، أو اشتراط سقوطه، وما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل
على الرضا فإنما هو حيث يكون العقد سببا للخيار ولو من جهة التضرر بلزومه، وما
نحن فيه ليس من هذا القبيل، مع أن سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن
أيضا محل نظر لعدم كونه تصرفا والله العالم.

35
مسألة: في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان، {1} وقد تقدم ما
يصلح أن يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار، مع قطع النظر عن
خصوصيات الموارد، وقد عرفت أن الأقوى الفور، ويمكن أن يقال في خصوص ما
نحن فيه أن ظاهر قوله (عليه السلام) لا بيع له نفي البيع رأسا والأنسب بنفي الحقيقة بعد عدم
إرادة نفي الصحة هو نفي لزومه رأسا {2} بأن لا يعود لازما أبدا، فتأمل.

36
ثم على تقدير إهمال النص وعدم ظهوره في العموم يمكن التمسك
بالاستصحاب {1} هنا، لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان، فعوده يحتاج
إلى دليل، وليس الشك هنا في موضوع المستصحب نظير ما تقدم في استصحاب
الخيار، لأن الموضوع مستفاد من النص فراجع، وكيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو
عن قوة. أما لظهور النص وأما للاستصحاب.
مسألة: لو تلف المبيع بعد الثلاثة، كان من البائع اجماعا {2} مستفيضا، بل
متواترا، كما في الرياض، ويدل عليه النبوي المشهور وإن كان في كتب روايات
أصحابنا غير مسطور كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، {3} واطلاقه
كمعاقد الاجماعات يعم ما لو تلف في حال الخيار أم تلف بعد بطلانه، كما لو قلنا
بكونه على الفور فبطل بالتأخير، أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال.



(1) المستدرك باب 9 من أبواب الخيار حديث 1.
37
وقد يعارض النبوي بقاعدة الملازمة بين النماء والدرك {1} المستفادة من
النص والاستقراء والقاعدة المجمع عليها، من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار
له، {2} لكن النبوي أخص من القاعدة الأولى، فلا معارضة والقاعدة الثانية لا
عموم فيها، يشمل جميع أفراد الخيار لا جميع أحوال البيع، حتى قبل القبض، بل
التحقيق فيها كما سيجئ إن شاء الله اختصاصها بخيار المجلس. والشرط والحيوان
مع كون التلف بعد القبض ولو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع
أيضا. {3}



(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 285 وسنن أبي داود ج 2 ص 255 والمبسوط كتاب البيوع.
(2) الوسائل - باب 5 و 8 - من أبواب الخيار.
38
وعن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم المفيد والسيدان
مدعين عليه الاجماع وهو مع قاعدة ضمان المالك لماله يصح حجة لهذا القول، لكن
الاجماع معارض، بل موهون والقاعدة مخصصة بالنبوي المذكور المخبر من حيث
الصدور مضافا إلى رواية عقبة بن خالد في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه
غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله، فسرق المتاع من مال
من يكون؟ قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المال ويخرجه
من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه حقه ولو مكنه من
القبض {1} فلم يتسلم فضمان البائع مبني على ارتفاع الضمان بذلك وهو الأقوى، قال
الشيخ في النهاية إذا باع الانسان شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن ومضى
المبتاع، فإن العقد موقوف ثلاثة أيام، فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له
وإن مضت ثلاثة أيام كان البائع أولى بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم
يكن قبضه إياه كان من مال البائع دون المبتاع،



(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار.
39
وإن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة الثلاثة أيام كان من مال المبتاع وإن هلك
بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع على كل حال، لأن الخيار له بعدها، انتهى {1}.
المحكي في المختلف وقال بعد الحكاية وفيه نظر، إذ مع القبض يلزم البيع، انتهى.
أقول كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين، فيشمل ما بعد القبض وما قبله
خصوصا مع قوله على كل حال، لكن التعميم مع أنه خلاف الاجماع مناف لتعليل
الحكم {2} بعد ذلك بقوله لأن الخيار له بعد الثلاثة أيام، فإن المعلوم إن الخيار إنما
يكون له مع عدم القبض، فيدل ذلك على أن الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض.
مسألة: لو اشترى ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه وبين الليل وإلا
فلا بيع له، كما في مرسلة محمد بن أبي حمزة والمراد من نفي البيع نفي لزومه ويدل عليه
قاعدة نفي الضرر، فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن.

40
ومن هنا يمكن تعدية الحكم إلى كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر، وإن خرج
عن مورد النص، كما إذا كان المبيع مما يفسد في نصف يوم أو في يومين فيثبت فيه
الخيار في زمان يكون التأخير عنه ضررا على البائع، لكن ظاهر النص يوهم
خلاف ما ذكرنا، لأن الموضوع فيه ما يفسد من يومه والحكم فيه بثبوت الخيار من
أول الليل، فيكون الخيار في أول أزمنة الفساد.
ومن المعلوم أن الخيار حينئذ لا يجدي للبائع شيئا، لكن المراد من اليوم اليوم
وليله، {1}



(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب الخيار حديث 1.
41
فالمعنى أنه لا يبقى على صفة الصلاح أزيد من يوم بليله، فيكون المفسد له المبيت
لا مجرد دخول الليل، فإذا فسخ البائع أول الليل أمكن له الانتفاع به وببدله، ولأجل
ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت وأنه ثابت عند دخول
الليل وفي معقد اجماع الغنية أن على البائع الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار.
وفي محكي الوسيلة أن خيار الفواكه للبائع فإذا مر على المبيع يوم ولم يقبض
المبتاع كان البائع بالخيار ونحوها عبارة جامع الشرائع. نعم عبارات جماعة من
الأصحاب لا يخلو عن اختلال في التعبير، لكن الاجماع على عدم الخيار للبائع في
النهار يوجب تأويلها إلى ما يوافق الدروس، وأحسن تلك العبارات عبارة
الصدوق في الفقيه التي أسندها في الوسائل إلى رواية زرارة {1} قال: العهدة فيما
يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل فإن المراد بالعهدة عهدة
البائع.



(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب الخيار حديث 2.
42
وقال في النهاية وإذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر وغيرها
ولم يقبض المبتاع ولا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما، فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك
اليوم وإلا فلا بيع له، انتهى.
ونحوها عبارة السرائر، والظاهر أن المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير
القبض والاقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم، وأما المتأخرون فظاهر
أكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار، {1} وإن اختلفوا بين من عبر بكون الخيار
يوما، ومن عبر بأن الخيار إلى الليل، ولم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع
وضوح المقصد إلا متابعة عبارة الشيخ في النهاية



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار.
43
لكنك عرفت أن المراد بالخيار فيه اختيار المشتري، وأن له تأخير القبض
والاقباض {1} وهذا الاستعمال في كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ
الخيار، فلا يحسن المتابعة هنا في التعبير والأولى تعبير الدروس كما عرفت.
ثم الظاهر أن شروط هذا الخيار شروط خيار، التأخير {2} لأنه فرد من
أفراده كما هو صريح عنوان الغنية وغيرها، فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط.
نعم لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم بالبيع الشخصي أو ما في حكمه كالصاع
من الصبرة، وقد عرفت هناك أن التأمل في الأدلة والفتاوى يشرف

44
الفقيه على القطع بالاختصاص أيضا وحكم الهلاك في اليوم هنا، وفيما بعده حكم
المبيع هناك في كونه من البائع في الحالين ولازم القول الآخر هناك جريانه هنا، كما
صرح به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري ثم إن المراد بالفساد في النص
والفتوى ليس الفساد الحقيقي {1} لأن موردها هو الخضر والفواكه والبقول، وهذه لا
تضيع بالمبيت ولا تهلك
{2} بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الأمور بسبب
المبيت ولو لم يحدث في البيع إلا فوات السوق، {3} ففي إلحاقه بتغير العين وجهان من
كونه ضررا ومن امكان منع ذلك لكونه فوت نفع لا ضرر. {4}

45
السادس خيار الرؤية
والمراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه فيه
المتبايعان {1} ويدل عليه قبل الاجماع {2} المحقق والمستفيض حديث نفي
الضرر، {3} واستدل عليه أيضا



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار.
46
منها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى
ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقبلها، ثم
رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إنه لو قلب منها ونظر إلى تسع
وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية ولا بد من حملها
على صورة يصح معها بيع الضيعة. {1} إما بوصف القطعة الغير المرئية أو بدلالة ما
رآه منها على ما لم يره.
وقد يستدل بصحيحة زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل



(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب الخيار حديث 1.
(2) نفس المصدر حديث 2.
47
اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم، فقال (عليه السلام) لا يشتر شيئا
حتى يعلم أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج قال في الحدائق.
وتوضيح معنى هذا الخبر ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب وهو مجهول، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أشتري الغنم جماعة ثم تدخل دارا ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحدا واثنين
وثلاثة وأربعة وخمسة ثم يخرج السهم قال: لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا
عدلت القسمة، الخبر.
أقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه، لأن المشتري لسهم القصاب إن
اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية، وإن اشترى سهمه المعين الذي يخرج فهو
شراء فرد غير معين وهو باطل، وعلى الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع. {1}

48
ويمكن حمله على شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة، ويكون له خيار
الحيوان {1} إذا خرج السهم، ثم إن صحيحة جميل مختصة بالمشتري. والظاهر
الاتفاق على أن هذا الخيار يثبت للبائع أيضا {2} إذا لم ير المبيع وباعه بوصف غيره،
فتبين كونه زائدا على ما وصف



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 8.
49
وحكى عن بعض أنه يحتمل في صحيحة جميل أن يكون التفتيش من البائع بأن يكون
البائع باعه بوصف المشتري، وحينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما على تقدير
هذا الاحتمال {1} ولا يخفى بعده وأبعد منه دعوى عموم الجواب والله العالم.
مسألة: مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة، {2} والمعروف أنه
يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع التي يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر، إذ لولاها
لكان غررا وعبر بعضهم عن هذه الأوصاف بما يختلف الثمن باختلافه، كما في
الوسيلة وجامع المقاصد وغيرهما، وآخر بما يعتبر في صحة السلم وآخرون
كالشيخين والحلي اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة.

50
والظاهر أن مرجع الجميع واحد، ولذا ادعى الاجماع على كل واحد منها، ففي
موضع من التذكرة يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفي في السلم
عندنا. وعنه في موضع آخر من التذكرة أن شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع
الجهالة عند علمائنا أجمع ويجب ذكر اللفظ الدال على الجنس، ثم ذكر أنه يجب ذكر
اللفظ الدال على التميز وذلك بذكر جميع الصفات التي يختلف الأثمان باختلافها
ويتطرق الجهالة بترك بعضها، انتهى.
وفي جامع المقاصد ضابط ذلك، أن كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته
وانتفائه ويتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره، فلا بد من
استقصاء أوصاف السلم، انتهى.
وربما يتراءى التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه وكفاية ذكر أوصاف
السلم من جهة أنه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الأوصاف لافضائه إلى عزة
الوجود أو لتعذر الاستقصاء على التحقيق {1} وهذا المانع مفقود فيما نحن فيه، قال في
التذكرة

51
في باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان بأوصافه المقصودة
وإن تفاوت به الغرض والقيمة لافضائه إلى عزة الوجود، انتهى.
وقال في السلم في الأحجار المتخذة للبناء: أنه يذكر نوعها ولونها ويصف
عظمها فيقول: ما يحمل البعير منها اثنين أو ثلاثا أو أربعا على سبيل التقريب دون
التحقيق لتعذر التحقيق، ويمكن أن يقال: إن المراد ما يعتبر في السلم في حد
ذاته، {1} مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض أفراد السلم وإن كان
يمكن أن يورد على مسامحتهم هناك أن الاستقصاء في الأوصاف شرط في السلم غير
مقيد بحال التمكن، فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم بعدم اشتراطه، كما حكموا
بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط أوصافه وتمام الكلام في محله، ثم إن الأوصاف
التي يختلف الثمن من أجلها غير محصورة {2} خصوصا في العبيد والإماء فإن
مراتبهم الكمالية التي يختلف بها أثمانهم غير محصورة جدا والاقتصار على ما يرفع به
معظم الغرر إحالة على مجهول، بل يوجب الاكتفاء على ما دون صفات السلم

52
لانتفاء الغرر عرفا بذلك، مع أنا علمنا أن الغرر العرفي أخص من الشرعي، وكيف
كان فالمسألة لا يخلو عن اشكال وأشكل من ذلك أن الظاهر أن الوصف يقوم مقام
الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة، وعلى هذا فيجب أن يعتبر في الرؤية أن يحصل
بها الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه {1}
قال في التذكرة: يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا
مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب يبطل
إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى.
وحاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما يعتبر في صحة السلم
وبيع الغائب
ومن المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية على جميع الصفات
المعتبرة في السلم وبيع العين الغائبة، فإنه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن
الجارية بل ولا على نوعها ولا غيرها من الأمور التي لا يعرفها إلا أهل المعرفة بها،
فضلا عن مرتبة كمالها الانساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال، ويبعد
كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة، بل يلزم من ذلك عدم صحة شراء
غير العارف بأوصاف المبيع الراجعة إلى نوعه أو صنفه أو شخصه، بل هو بالنسبة
إلى الأوصاف التي اعتبروها كالأعمى لا بد من مراجعته لبصير عارف، ولا أجد في
المسألة أوثق من أن يقال: إن المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة والغائبة
الموصوفة، {2} فإن دل على اعتبار أزيد من ذلك حجة معتبرة أخذ به

53
وليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الاجماع حجة، مع استناده في ذلك إلى
كونه غررا عرفا، حيث قال في أول مسألة اشتراط العلم بالعوضين أنه أجمع علماؤنا
على اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما ملك بإزاء ما بذل، فينتفي الغرر فلا يصح بيع
العين الغائبة ما لم يتقدم رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى.
ولا ريب أن المراد بمعرفة ما ملك معرفته على وجه وسط بين طرفي الاجمال
والتفصيل، ثم إنه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الأوصاف لا يخرج
البيع عن كونه غررا، {1} لأن الغرر بدون أخذ الصفات من حيث الجهل بصفات
المبيع، فإذا أخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود، لأن العبد المتصف بتلك
الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج والغرر فيه أعظم، ويمكن أن يقال إن أخذ
الأوصاف في معنى الاشتراط لا التقييد {2} فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا وكذا
ولا غرر فيه حينئذ عرفا. وقد صرح في النهاية والمسالك في مسألة ما لو رأى المبيع،
ثم تغير عما رآه أن الرؤية بمنزل الاشتراط

54
ولازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا.
ويمكن أن يقال ببناء هذا البيع على تصديق البائع أو غيره في اخباره باتصاف
المبيع بالصفات المذكورة، كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل والوزن، ولذا ذكروا أنه
يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما، وكيف كان، فلا
غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة ولا دليل شرعا
أيضا على المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات، فيتعين الحكم بجوازه
مضافا إلى الاجماع عليه ممن عدا بعض العامة، ثم إن الخيار بين الرد والامساك مجانا
هو المشهور بين الأصحاب، {1} وصريح السرائر تخييره بين الرد والامساك
بالأرش وأنه لا يجبر على أحدهما ويضعف بأنه لا دليل على الأرش.
نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش، لكن بخيار
العيب لا خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصفه، إذ لولا الوصف ثبت خيار العيب
أيضا وسيجئ عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة إلى وصف الصحة، وأضعف
من هذا ما ينسب إلى ظاهر المقنعة والنهاية والمراسم من بطلان البيع، إذا وجد على
خلاف ما وصف،

55
لكن الموجود في المقنعة والنهاية إن لم يكن على الوصف كان البيع مردودا ولا
يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد لا الباطل فعلا، وقد عبر في النهاية عن خيار
الغبن بذلك فقال: ولا بأس بأن يبيع الانسان متاعا بأكثر مما يسوى إذا كان المبتاع
من أهل المعرفة، فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا وعلى تقدير وجود القول
بالبطلان، فلا يخفى ضعفه لعدم الدليل على البطلان بعد انعقاده صحيحا عدا ما في
مجمع البرهان.
وحاصله وقوع العقد على شئ مغاير للموجود، فالمعقود عليه غير موجود
والموجود غير معقود، عليه {1} ويضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا
يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا، بأن يقال إن المبيع فاقد للأوصاف
المأخوذة فيه، لا أنه مغاير للموجود، {2} نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل في
حقيقة المبيع عرفا، فالظاهر عدم الخلاف في البطلان ولو أخذ في عبارة العقد على
وجه الاشتراط كأن يقول بعتك ما في البيت على أنه عبد حبشي فبان حمار أو حبشيا،



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 3 - 4.
56
إلا أن يقال إن الموجود وإن لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلا أن اشتراط اتصافه
بالأوصاف في معنى كون القصد إلى بيعه بانيا على ذلك الأوصاف، فإذا فقد ما بنى
عليه العقد، فالمقصود غير حاصل، فينبغي بطلان البيع، {1} ولذا التزم أكثر
المتأخرين بفساد العقد بفساد شرطه، فإن قصد الشرط إن كان مؤثرا في المعقود
عليه، فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد، وإلا لم يوجب فساده فساد العقد،
بل غاية الأمر ثبوت الخيار.
ومن هنا يظهر أن دفع ما ذكر في وجه البطلان الذي جعله المحقق الأردبيلي
موافقا للقاعدة واحتمله العلامة (قدس سره) في النهاية، فيما إذا ظهر ما رآه سابقا على خلاف
ما رواه، بأنه اشتباه ناشئ عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات والوصف
المعين في الشخصيات، {2} وبين الوصف الذاتي والعرضي، وأن أقصى ما هناك كونه
من باب تعارض الإشارة والوصف والإشارة أقوى

57
مجازفة لا محصل لها. {1} وأما كون الإشارة أقوى من الوصف عند التعارض،
فلو جرى فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف، فينبغي لزوم العقد واثبات الخيار من
جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتى يتقوم به وكونه عرضيا لا ذاتيا
إعادة للكلام السابق، ويمكن أن يقال إن المستفاد من النصوص والاجماعات في
الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة الغير المتقومة للمبيع، سواء
علم القصد إليها من الخارج أم اشترطت في العقد، كالحكم بمضي العقد على المعيب مع
عدم القصد إلا إلى الصحيح ومنه المصراة وكالحكم في النص والفتوى بتبعيض
الصفقة إذا باع ما يملك وما لم يملك وغير ذلك، {2} فتأمل. وسيجئ بعض الكلام في
مسألة الشرط الفاسد انشاء الله تعالى

58
نعم هنا اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخلي في الحقيقة عرفا
الموجب ظهور خلافه بطلان البيع والخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار، فإن
الظاهر دخول الذكورة والأنوثة في المماليك في حقيقة المبيع لا في مثل الغنم، وكذا
الرومي والزنجي حقيقتان عرفا، وربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل
الأوصاف، كما إذا باعه الدهن أو الجبن أو اللبن على أنه من الغنم فبان من الجاموس.
وكذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر، ويمكن إحالة اتحاد الجنس ومغايرته
على العرف {1} وإن خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الرباء، فتأمل.
مسألة: الأكثر على أن الخيار عند الرؤية فوري، {2} بل نسب إلى ظاهر
الأصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد، حيث جعله
ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية واحتمل في نهاية الإحكام ولم أجد لهم
دليلا صالحا على ذلك إلا وجوب الاقتصار في مخالفة لزوم العقد على المتيقن، ويبقي
على القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن والعيب سؤال الفرق بين المقامين،

59
مع أن صحيحة جميل المتقدمة في صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة
الخيار فيها على عدم الفورية وإن كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض
الخيارات المستندة إلى النص.
وقد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في اثبات التراخي وإن استندوا
إليه في بعض الخيارات السابقة.
مسألة: يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا {1} على الوجه المتقدم في خيار
الغبن وباسقاطه بعد الرؤية {2}

60
وبالتصرف بعدها {1} ولو تصرف قبلها. ففي سقوط الخيار وجوه ثالثها
ابتناء ذلك على جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء على أن التصرف اسقاط
فعلي، {2} وفي جواز اسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان على أن الرؤية سبب أو
كاشف، {3} قال في التذكرة لو اختار امضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لتعلق الخيار
بالرؤية، انتهى.
وحكي ذلك من غيرها أيضا، وظاهره أن الخيار يحدث بالرؤية لا أنه يظهر
بها ولو جعلت الرؤية شرطا لا سببا أمكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق المسبب وهو
العقد ولا يخلو عن قوة



(1) مر مكررا مصادر الحديث وأخيرا في خيار الغبن.
61
ولو شرط سقوط هذا الخيار، ففي فساده وافساده للعقد كما عن العلامة
وجماعة أو عدمهما كما عن النهاية وبعض أو الفساد دون الافساد وجوه، بل
أقوال {1} من كونه موجبا لكون العقد غررا، {2} كما في جامع المقاصد من أن
الوصف قام مقام الرؤية، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي ولا
موصوف، ومن أن دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتى يثبت بارتفاعه،



(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب الخيار حديث 1.
62
فإن الخيار حكم شرعي لو أثر في دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا
والعلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فإن الغرر هو الاقدام
على شراء العين الغائبة على أي صفة كانت، ولو كان الالتزام المذكور مؤديا إلى
الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه، لأنه بمنزلة بيع الشئ
صحيحا أو معيبا بأي عيب كان، ولا شك أنه غرر وإنما جاز بيع الشئ غير مشروط
بالصحة اعتمادا على أصالة الصحة لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة والعيب
في المبيع، لأن تخالف أفراد الصحيح والمعيب أفحش من تخالف أفراد الصحيح
واقتصارهم في بيان الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة على ما عدا الصفات
الراجعة إلى العيب إنما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف بأصالة الصحة لا لجواز
اهمالها عند البيع، فحينئذ فإذا شرط البراءة من العيوب، كان راجعا إلى عدم
الاعتداد بوجود تلك الأوصاف وعدمها، فيلزم الغرر خصوصا على ما حكاه في
الدروس عن ظاهر الشيخ وأتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة
لمكسوره كالبيض والجوز الفاسدين، كذلك حيث إن مرجعه على ما ذكروه هنا في
اشتراط سقوط خيار الرؤية إلى اشتراط، عدم الاعتداد بمالية المبيع ولذا اعترض
عليهم الشهيد وأتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط لكن مقتضى اعتراضهم فساد
اشتراط البراءة من سائر العيوب ولو كان للمعيب قيمة لأن مرجعه إلى عدم
الاعتداد بكون المبيع صحيحا ومعيبا بأي وصف كان، ثم إنه قد يثبت فساد هذا
الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتى يلزم فساد البيع ولو على القول بعدم
استلزام فساد الشرط لفساد العقد بل من أنه اسقاط لما لم يتحقق بناءا على ما عرفت
من أن الخيار إنما يتحقق بالرؤية، فلا يجوز إسقاطه قبلها فاشتراط الإسقاط لغو
وفساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد، فيتعين المصير إلى ثالث الأقوال المتقدمة، لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول

63
وأقوى الأقوال أولها، لأن رفع الغرر عن هذه المعاملة وإن لم يكن لثبوت
الخيار لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر العرفي المتحقق في البيع، إلا أنه
لأجل سبب الخيار {1} وهو اشتراط تلك الأوصاف المنحل إلى ارتباط الالتزام
العقدي بوجود هذه الصفات، لأنها أما شروط للبيع وأما قيود للمبيع كما تقدم
سابقا، واشتراط سقوط الخيار راجع إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك
الصفات وعدمها، {2} والتنافي بين الأمرين واضح، وأما قياس هذا الاشتراط
باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بأن نفي العيوب ليس مأخوذا في البيع على وجه
الاشتراط أو التقييد وإنما اعتمد المشتري فيهما على أصالة الصحة لا على تعهد البائع
لانتفائها حتى ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها

64
بخلاف الصفات فيما نحن فيه، فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع، والمشتري
يعتمد على هذا التعهد، فاشتراط البائع على المشتري عدم تعهده لها، والتزام العقد
عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك.
نعم لو شاهده المشتري واشتراه معتمدا على أصالة بقاء تلك الصفات،
فاشتراط البائع لزوم العقد عليه وعدم الفسخ لو ظهرت المخالفة كان نظير اشتراط
البراءة من العيوب، كما أنه لو أخبر بكيله أو وزنه فصدقه المشتري، فاشترط عدم
الخيار، ولو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه، كما يظهر من التحرير في بعض فروع
الأخبار بالكيل والضابط في ذلك أن كل وصف تعهده البائع. وكان رفع الغرر بذلك،
لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، وكل وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر على
أمارة أخرى جاز اشتراط سقوط خيار فقده، كالأصل أو غلبة مساواة باطن
الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك.
ومما ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد وغيره في المنع والجواز بين اشتراط البراءة
من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة وبين اشتراط البراءة من العيوب في العين
المشكوك في صحته وفساده، وظهر أيضا أنه لو تيقن المشتري بوجود الصفات
المذكورة في العقد في المبيع، فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار على تقدير فقدها،
لأن رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها

65
وكذا لو اطمأن بوجودها ولم يتيقن والضابط كون اندفاع الغرر باشتراط
الصفات وتعهدها من البائع وعدمه، هذا مع امكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار
على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع خرج اشتراط التبري من العيوب
بالنص والاجماع، لأن قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص كما أشرنا إليه سابقا وظهر
أيضا ضعف ما يقال {1} من أن الأقوى في محل الكلام الصحة لصدق تعلق البيع
بمعلوم غير مجهول ولو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار
وإلا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار وهو معلوم العدم واقدامه على
الرضاء بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف ادخال الغرر عليه
من قبل نفسه، انتهى.
توضيح الضعف أن المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار، وهو التزام البائع
وجود الوصف لا نفس الخيار وأما كون الاقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة
في البيع الغرري والمسألة موضع اشكال.

66
مسألة: لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت ولا بابدال العين، لأن العقد إنما وقع
على الشخصي فتملك غيره يحتاج إلى معاوضة جديدة، {1} ولو شرط في متن العقد
الابدال لو ظهر على خلاف الوصف. ففي الدروس أن الأقرب الفساد، ولعله لأن
البدل المستحق عليه بمقتضى الشرط إن كان بإزاء الثمن فمرجعه إلى معاوضة جديدة
على تقدير ظهور المخالفة، بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة، وينعقد بيع آخر،
فيحصل بالشرط انفساخ عقد وانعقاد عقد آخر، كل منهما معلق على المخالفة.
ومن المعلوم عدم نهوض الشرط لاثبات ذلك، وإن كان بإزاء المبيع الذي
ظهر على خلاف الوصف، فمرجعه أيضا إلى انعقاد معاوضة تعليقية غررية، لأن
المفروض جهالة المبدل وعلى أي تقدير، فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور،
فيفسد ويفسد العقد، {2}

67




(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار.
68




(1) المائدة آية 2.
(2) النساء آية 30.
(3) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار.
69
وبذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض على الشهيد (قدس سره) {1} حيث قال بعد
نقل عبارة الدروس وحكمه بالفساد ما لفظه ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر على الوصف أو لا وفيه أنه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف
المشروط ومجرد شرط البائع الابدال مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا
للفساد لعموم الأخبار المتقدمة.
نعم لو ظهر مخالفا، فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة، ولا يجبره هذا الشرط
لا طلاق الأخبار والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور
حيث لا تأثير له مع الظهور وعدمه.



(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب الخيار.
(2) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار.
71
وبالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على
الاطلاق وجها يحمل عليه، انتهى.
مسألة: الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع على عين شخصية
موصوفة كالصلح والإجارة {1} لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة، فأما أن
يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الأردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة.
وأما أن يحكم بلزومه من دون خيار، {2} والأول مخالف لطريقة الفقهاء في
تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه. والثاني فاسد من جهة أن دليل اللزوم
هو وجوب الوفاء بالعقد وحرمة النقض.
ومعلوم أن عدم الالتزام بترتب آثار العقد على العين الفاقدة للصفات
المشترطة فيها ليس نقضا للعقد، بل قد تقدم عن بعض أن ترتيب آثار العقد عليها
ليس وفاء وعملا بالعقد حتى يجوز،

72
بل هو تصرف لم يدل عليه العقد فيبطل.
والحاصل أن الأمر في ذلك دائر بين فساد العقد وثبوته مع الخيار والأول
مناف لطريقة الأصحاب في غير باب فتعين الثاني.
مسألة: لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة، {1} وقال المشتري قد اختلف.
ففي التذكرة قدم قول المشتري لأصالة براءة ذمته من الثمن {2} فلا يلزمه ما لم يقر به
أو يثبت بالبينة، ورده في المختلف في نظير المسألة بأن اقراره بالشراء اقرار بالاشتغال
بالثمن، ويمكن أن يكون مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه {3} إلى البائع، بناء
على ما ذكره في أحكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن ولا المثمن في
مدة الخيار، وإن تسلم الآخر

73
وكيف كان فيمكن أن يخدش بأن المشتري قد أقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف
صفة المبيع أم لم يختلف، غاية الأمر سلطنته على الفسخ لو ثبت إن البائع التزم على
نفسه اتصاف المبيع بأوصاف مفقودة، {1} كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا،
وحيث لم يثبت ذلك، فالأصل عدمه، فيبقى الاشتغال لازما غير قابل للإزالة بفسخ
العقد، هذا، ويمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات في المبيع وإن كان في معنى الاشتراط،
إلا أنه بعنوان التقييد. فمرجع الاختلاف إلى الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها
صفات مفقودة، أو تعلقه بعين لو حظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها واللزوم من
أحكام البيع {2} المتعلق بالعين على الوجه الثاني، والأصل عدمه ومنه يظهر الفرق
بين ما نحن فيه وبين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد. وقد تقدم توضيح ذلك وبيان
ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيير ما شاهداه قبل
البيع.

74
مسألة: لو نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل، {1}
كما عن المبسوط والقاضي وابن سعيد (قدس سره) والعلامة في كتبه وجامع المقاصد. واستدل
عليه في التذكرة وجامع المقاصد بأن بعضه عين حاضرة وبعضه في الذمة مجهول.

75
وعن المختلف صحته، ولا يحضرني الآن حتى أتأمل في دليله، والذي ذكر
للمنع لا ينهض مانعا، فالذي يقوى في النظر: إنه إذا باع البعض المنسوج المنضم إلى
غزل معين على أن ينسجه على ذلك المنوال فلا مانع منه، وكذا إذا ضم معه مقدارا
معينا كليا من الغزل الموصوف على أن ينسجه كذلك، إذ لا مانع من ضم الكلي إلى
الشخصي، وإليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام، حيث جعل اشتراط نسج
الباقي كاشتراط الخياطة والصبغ. وكذا إذا باعه أذرعا معلومة منسوجة مع هذا
المنسوج بهذا المنوال، ولو لم ينسجه في الصورتين الأوليتين على ذلك المنوال ثبت
الخيار، لتخلف الشرط ولو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول، وبقي
على مال البائع وكان للمشتري الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه والله العالم.

76
السابع خيار العيب
اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا على سلامة العين من العيب {1} وإنما ترك
اشتراطه صريحا اعتمادا على أصالة السلامة {2} وإلا لم يصح العقد من جهة الجهل
بصفة العين الغائبة وهي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق به الأغراض.
ولذا اتفقوا في بيع العين الغائبة على اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن
باختلافها، ولم يذكروا اشتراط صفة الصحة، فليس ذلك إلا من حيث الاعتماد في
وجودها على الأصل، فإن من يشتري عبدا لا يعلم أنه صحيح سوي أم فالج مقعد
لا يعتمد في صحته إلا على أصالة السلامة، كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا على بقائه
على ما شاهده، فلا يحتاج إلى ذكر تلك الصفات في العقد. وكما يعتمد على اخبار
البائع بالوزن. قال في

78
قال في التذكرة الأصل في المبيع من الأعيان والأشخاص السلامة من
العيوب الصحة، فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في مقابلة تلك العين، فإنما بنى
اقدامه على غالب ظنه المستند إلى أصالة السلامة، انتهى. {1}
وقال في موضع آخر اطلاق العقد واشتراط السلامة يقتضيان السلامة على
ما مر من أن القضاء العرفي يقتضي أن المشتري إنما بذل ماله بناء على أصالة السلامة
فكأنها مشترطة في نفس العقد، انتهى. {2}
ومما ذكرنا يظهر أن الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلى الفرد
الصحيح ليرد عليه: أولا منع الانصراف ولذا لا يجري في الأيمان والنذور، وثانيا
عدم جريانه فيما نحن فيه، لعدم كون المبيع مطلقا، بل هو جزئي حقيقي خارجي.
وثالثا بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا على المعيب، فلا معنى لامضاء العقد الواقع
عليه أو فسخه حتى يثبت التخيير بينهما، ودفع جميع هذا بأن وصف الصحة قد أخذ
شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في
العين الخارجية، وإنما استغني عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في وجودها
على الأصل، كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود أصلها وصفاتها على
الأصل. {3}
ولقد أجاد في الكفاية حيث قال: إن المعروف بين الأصحاب أن اطلاق العقد

79
يقتضي لزوم السلامة، ولو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف إلى
الصحيح من جهة ظاهر الاقدام أيضا، ويحتمل كونه من جهة الاطلاق المنصرف إلى
الصحيح في مقام الاشتراء، وإن لم ينصرف إليه في غير هذا المقام، فتأمل.
ثم إن المصرح به في كلمات جماعة أن اشتراط الصحة في متن العقد يفيد
التأكيد {1} لأنه تصريح بما يكون الاطلاق منزلا عليه، وإنما ترك لاعتماد المشتري
على أصالة السلامة، فلا يحصل من أجل هذا الاشتراط خيار آخر غير خيار العيب،
كما لو اشترط كون الصبرة كذا وكذا صاعا، فإنه لا يزيد على ما إذا ترك الاشتراط
واعتمد على اخبار البائع بالكيل، أو اشترط بقاء الشئ على الصفة السابقة المرئية،
فإنه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا على أصالة بقائها.
وبالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة أم لم يشترط، ويؤيده ما ورد
من رواية يونس {2} في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء
قال: يرد عليه فضل القيمة، فإن اقتصاره (عليه السلام) على أخذ الأرش الظاهر في عدم
جواز الرد يدل على أن الخيار خيار العيب، ولو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم
يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطء أو مقدماته



(1) الوسائل - باب 6 - من أحكام العيوب حديث 1.
80
ومنه يظهر ضعف ما حكاه في المالك من ثبوت خيار الاشتراط هنا، فلا
يسقط الرد بالتصرف ودعوى عدم دلالة الرواية على التصرف أو عدم دلالته على
اشتراط البكارة في متن العقد كما ترى.
مسألة: ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الرد وأخذ
الأرش {1} بلا خلاف ويدل على الرد الأخبار المستفيضة الآتية.
وأما الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدل على التخيير بينه وبين الرد {2}
بل ما دل على الأرش يختص بصورة التصرف المانع من الرد، فيجوز أن يكون
الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري لا لتعيين أحد طرفي التخيير بتعذر
الآخر.

81
نعم في الفقه الرضوي: فإن خرج السلعة معيبا وعلم المشتري، فالخيار إليه إن
شاء رده وإن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب. {1} وظاهره كما في الحدائق
التخيير بين الرد وأخذه بتمام الثمن وأخذ الأرش، ويحتمل زيادة الهمزة في لفظه أو
ويكون واو العطف. فيدل على التخيير بين الرد والأرش



(1) المستدرك - باب 12 - من أبواب الخيار حديث 3.
(2) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3. وجملة من أبواب أحكام العيوب.
(3) الوسائل - باب 6 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
(4) الوسائل - باب 7 - من أبواب أحكام العيوب حديث 3.
(5) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2 وباب 4 من أبواب الحكام العيوب.
82
وقد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار {1} وهو صعب جدا،
وأصعب منه جعله مقتضى القاعدة بناء على أن الصحة، وإن كانت وصفا، فهي بمنزلة
الجزء، فيتدارك فائته باسترداد ما قابله من الثمن، ويكون الخيار حينئذ لتبعض
الصفقة وفيه منع المنزلة عرفا ولا شرعا.
ولذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق
المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله على ما صرح به العلامة وغيره،

83
ثم منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا أخذ وجوده في المبيع
الشخصي على وجه الشرطية، كما في بيع الأرض على أنها [أنه] جربان معينة وما
نحن فيه من هذا القبيل. {1}

84
وبالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الاجماع على التخيير بين
الرد والأرش، نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أن أخذ الأرش
مشروط باليأس عن الرد، لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية وبعض مواضع
المبسوط ينافيه اطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش {1} فافهم.
ثم إن في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه {2} ما تقدم في خيار
الغبن. وقد عرفت أن الأظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب والغبن واقعا، وإن كان ظاهر
كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب، خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة
رؤية المبيع على خلاف ما اشترط.

85
وقد صرح العلامة بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية قبلها، معللا بأن الخيار إنما
يثبت بالرؤية، لكن المتفق عليه هنا نصا وفتوى جواز التبري واسقاط خيار
العيب {1}



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2.
86
ويؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب، {1} أن استحقاق المطالبة بالأرش
الذي هو أحد طرفي الخيار لا معنى لثبوته بظهور العيب، بل هو ثابت بنفس انتفاء
وصف الصحة هذا مضافا إلى أن الظاهر من بعض أخبار المسألة أن السبب هو نفس
العيب، لكنها لا تدل على العلية التامة، فلعل الظهور شرط، وكيف كان فالتحقيق ما
ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم من أحكام هذا الخيار إلى
دليله، وأنه يفيد ثبوته بمجرد العيب أو بظهوره، والمرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد
الأمرين هي القواعد، فافهم.
ثم إنه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن والمثمن، كما صرح به العلامة وغيره،
هنا وفي باب الصرف فيما إذا ظهر أحد عوضي الصرف معيبا. والظاهر أنه مما لا
خلاف فيه وإن كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع، لأن الغالب كون الثمن نقدا
غالبا والمثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد. {2}

87
القول في مسقطات هذا الخيار
بطرفيه أو أحدهما.
مسألة: يسقط الرد خاصة بأمور.
أحدها: التصريح بالتزام العقد وإسقاط الرد واختيار الأرش {1} ولو أطلق
الالتزام بالعقد، فالظاهر عدم سقوط الأرش ولو أسقط الخيار فلا يبعد سقوطه. {2}
الثاني: التصرف في المعيب عند علمائنا، {3} كما في التذكرة. وفي السرائر
الاجماع على أن التصريف يسقط الرد بغير خلاف منهم، ونحوه المسالك،

88
وسيأتي الخلاف في الجملة من الإسكافي والشيخين وابن زهرة. وظاهر المحقق،
بل المحقق الثاني، واستدل عليه في التذكرة أيضا، تبعا للغنية بأن تصرفه فيه رضاء
منه به على الإطلاق، ولولا ذلك كان ينبغي له الصبر والثبات حتى يعلم حال صحته
وعدمها، وبقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو
عوار ولم يتبرأ إليه ولم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار
وبذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع، ويرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء
والعيب، من ثمن ذلك لو لم يكن به. {1}



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2.
89
ويدل عليه مرسلة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو
المتاع فيجد به عيبا، قال: إن كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن ثمن،
وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب. هذا، ولكن الحكم
بسقوط الرد بمطلق التصرف حتى مثل قول المشتري للعبد المشتري ناولني الثوب أو
أغلق الباب، على ما صرح به العلامة في غاية الاشكال، {1} لا طلاق قوله (عليه السلام) إن
كان الثوب قائما بعينه رده المعتضد باطلاق الأخبار في الرد. خصوصا ما ورد في رد
الجارية بعد ما لم تحض ستة أشهر عند المشتري، ورد المملوك في أحداث السنة. ونحو
ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل أغلق الباب ونحوه،
وعدم ما يصلح للتقييد مما استدل به للسقوط، فإن مطلق التصرف لا يدل على
الرضا، خصوصا مع الجهل بالعيب.
وأما المرسلة، فقد عرفت اطلاقها لما يشمل لبس الثوب واستخدام العبد،
بل وطئ الجارية لولا النص المسقط للخيار به.



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب.
(2) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
90
وأما الصحيحة، فلا يعلم المراد من احداث شئ في المبيع، لكن الظاهر بل
المقطوع عدم شموله لغة ولا عرفا لمثل استخدام العبد وشبهه، مما مر من الأمثلة، فلا
يدل على أزيد مما دل عليه ذيل المرسلة من أن العبرة بتغير العين وعدم قيامها
بعينها. اللهم إلا أن يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان، من النص الدال على أن
المراد باحداث الحدث في المبيع هو أن ينظر إلى ما حرم النظر إليه قبل الشراء، فإذا
كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل على سقوط الخيار هنا بكل تصرف،
فيكون ذلك النص دليلا على المراد بالحدث هنا. وهذا حسن، لكن إقامة البينة على
اتحاد معنى الحدث في المقامين، مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا
المعنى مشكلة، ثم إنه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام، لمطلق التصرف، فلا دليل
على كونه من حيث الرضا بالعقد، فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه، وإن كان النص في
خيار الحيوان دالا على ذلك، بقرينة التعليل المذكور فيه على الوجوه المتقدمة هناك
في المراد من التعليل، {1} لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام أيضا يدل على سقوط
هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا، بل عرفت من التذكرة والغنية أن علة
السقوط دلالة التصرف نوعا على الرضا



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار.
(2) الوسائل - باب 3 - من أبواب أحكام العيوب.
(3) الوسائل - باب 2 - من أبواب أحكام العيوب.
91
ونحوه في الدلالة على كون لسقوط بالتصرف من حيث دلالته على الرضا
كلمات جماعة ممن تقدم عليه ومن تأخر عنه، قال في المقنعة فإن لم يعلم المبتاع
بالعيب، حتى أحدث فيه حدثا، لم يكن الرد، وكان له أرش العيب خاصة، وكذلك
حكمه إذا أحدث فيه حدثا بعد العلم، ولا يكون احداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب
رضاء به منه، انتهى.
فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الاحداث على الرضا بالعيب
ظاهر خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في أن سقوط الرد بالحدث لدلالته
على الرضا بأصل البيع ومثلها عبارة النهاية من غير تفاوت. وقال في المبسوط إذا
كان المبيع بهيمة فأصاب بها عيبا كان له ردها، فإذا كان في طريق الرد جاز له
ركوبها وعلفها وسقيها وحلبها وأخذ لبنها، وإن نتجت كان له نتاجها، كل هذا لأنه
ملكه وله فيه فائدته وعليه مؤنته، والرد لا يسقط، لأنه إنما يسقط الرد بالرضا
بالمعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده وليس هنا شئ من
ذلك، انتهى.
وقال في الغينة: ولا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالأرش،
لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب، انتهى.
وفي السرائر قال في حكم من ظهر على عيب فيما اشتراه ولا يجبر على أحد
الأمرين يعني الرد والأرش قال: هذا إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في
العادة، أو ينقص قيمته بالتصرف، انتهى.
وفي الوسيلة ويسقط الرد بأحد ثلاثة أشياء بالرضا وبترك الرد بعد العلم به
إذا عرف أن له الرد وبحدوث عيب آخر عنده، انتهى.
وهي بعينه كعبارة المبسوط المتقدمة، ظاهرة في أن التصرف ليس بنفسه
مسقطا إلا إذا دل على الرضا، وقال في التذكرة: لو ركبها ليسقيها، ثم يردها لم يكن
ذلك رضاء منه بامساكها، ولو حلبها في طريق الرد، فالأقوى أنه تصرف يؤذن
بالرضا بها، وقال بعض الشافعية لا يكون رضاء بإمساكه، لأن اللبن ماله قد
استوفاه في حال الرد، انتهى.

92
وفي جامع المقاصد والمسالك في رد ابن حمزة القائل بأن التصرف بعد العلم
يسقط الأرش أيضا. أن التصرف لا يدل على اسقاط الأرش، نعم يدل على الالتزام
بالعقد. وفي التحرير: لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه بما يدل على الرضا
قبل علمه بالعيب وبعده سقط الرد، انتهى.
وقد ظهر من جميع ذلك أن التصرف من حيث هو ليس مسقطا، وإنما هو
التزام ورضاء بالعقد فعلا، فكل تصرف يدل على ذلك عادة فهو مسقط، وما ليس
كذلك فلا دليل على الاسقاط به، كما لو وقع نسيانا أو للاختبار، ومقتضى ذلك أنه لو
وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط، خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب
عليه، وحصل بقصد الاختبار، إلا أن المعروف خصوصا بين العلامة ومن تأخر عنه:
عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده، والذي
ينبغي أن يقال: وإن كان ظاهر المشهور خلافه: إن التصرف بعد العلم مسقط للرد
إذا كان دالا بنوعه على الرضا، {1} كدلالة اللفظ على معناه لا مطلق التصرف،
والدليل على اسقاطه مضافا إلى أنه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل على اعتبار
الالتزام إذا دل عليه باللفظ ما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث
بكونه رضاء بالبيع. ولذا تعدينا إلى خيار المجلس والشرط وحكمنا بسقوطهما
بالتصرف فكذلك خيار العيب. وأما التصرف قبل العلم بالعيب، فإن كان مغيرا
للعين بزيادة أو نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازما وجائز.

93
وبالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشئ بعينه، فهو مسقط أيضا،
لمرسلة جميل المتقدمة، ويلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو إجارة أو شبه ذلك.
وظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار على ذلك، حيث قال في أول
المسألة: ويسقط الرد بأحداثه فيه حدثا، كالعتق وقطع الثوب سواء كان قبل العلم
بالعيب أو بعده.
وفي مسألة رد المملوك من أحداث السنة، فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته
ثبت الأرش، انتهى.
وهو الظاهر من المحكي عن الإسكافي حيث قال: فإن وجد بالسلعة عيبا وقد
أحدث فيه ما لا يمكن معه ردها إلى ما كانت عليه قبله، كالوطئ للأمة والقطع
للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه، كان له فضل ما بين الصحة والعيب، انتهى.
وهذا هو الذي ينبغي أن يقتصر عليه من التصرف قبل العلم وأما ما عدا
ذلك من التصرف قبل العلم كحلب الدابة وركوبها وشبه ذلك، فلا دليل على
السقوط به بحيث يطمئن به النفس، وأقصى ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة
بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان، من التمثيل للحدث بالنظر وباللمس وقيام النص
والاجماع على سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم، مع عدم دلالته على الالتزام
بالبيع وعدم تغييره للعين، واطلاق معقد الاجماع المدعى في كثير من العبائر،
كالتذكرة والسرائر والغنية وغيرها، وفي نهوض ذلك كله لتقييد اطلاق أخبار الرد،
خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد، كالنص برد الجارية بعد ستة أشهر،
ورد الجارية إذا لم يطأها ورد المملوك من أحداث السنة نظر، بل منع، خصوصا
معاقد الاجماع، فإن نقلة الاجماع كالعلامة والحلي وابن زهرة قد صر حوا في كلماتهم
المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد. فكأن دعوى الاجماع وقعت من هؤلاء على
السقوط {1} بما يدل على الرضا من التصرف، خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث إنه
اختار ما قويناه من التفصيل بين صورتي العلم والجهل، والمغير وغيره

94
حيث قال (قدس سره) وخامسها يعني مسقطات الرد التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله
إلا بملكه، أو الإذن الحاصل له بعد العلم بالعيب، فإنه يمنع من الرد لشئ من العيوب
ولا يسقط حق المطالبة بالأرش، لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب. وكذا
حكمه إن كان قبل العلم بالعيب، وكان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو
نقصان فيه كالقطع للثوب، وإن لم يكن كذلك، فله الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن
وطئ الجارية فإنه يمنع من ردها لشئ من العيوب إلا الحبل، انتهى كلامه.
وقد أجاد (قدس سره) فيما استفاده من الأدلة. وحكي من المبسوط أيضا أن التصرف
قبل العلم لا يسقط به الخيار، لكن صرح بأن الصبغ وقطع الثوب يمنع من الرد
فاطلاق التصرف قبل العلم محمول على غير المغير.
وظاهر المقنعة والمبسوط: إنه إذا وجد العيب بعد عتق العبد والأمة، لم يكن له
ردهما، وإذا وجده بعد تدبير هما أو هبتهما، كان مخيرا بين الرد وأخذ أرش العيب،
وفرقا بينهما وبين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق، ويرده مع أن مثلهما تصرف
يؤذن بالرضا مرسلة جميل، {1} فإن العين مع الهبة والتدبير غير قائمة، وجواز
الرجوع وعدمه لا دخل له في ذلك



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
95
ولذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار، مع أنه لم يقل أحد من
الأمة بجواز الرد حينئذ، وقال بعد ما ذكر: إن الذي يقتضيه أصول المذهب أن
المشتري إذا تصرف في المبيع أنه لا يجوز له رده، ولا خلاف في أن الهبة والتدبير
تصرف.
وبالجملة فتعميم الأكثر لا فراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم وما قبله
مشكل والعجب من المحقق الثاني أنه تنظر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة، مع
تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.
الثالث: تلف العين أو صيرورته كالتالف، فإنه يسقط الخيار هنا {1} بخلاف
الخيارات المتقدمة الغير الساقطة بتلف العين، والمستند فيه بعد ظهور الاجماع إناطة
الرد في المرسلة السابقة بقيام العين، {2} فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه،

96
فلو تلف أو انتقل إلى ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق
العبد على المشتري، فلا رد. {1}
ومما ذكرنا ظهر أن عد انعتاق العبد على المشتري مسقطا برأسه، كما في
الدروس لا يخلو عن شئ. نعم ذكر أنه يمكن ارجاع هدا الوجه إلى التصرف، وهو
أيضا لا يخلو عن شئ، والأولى ما ذكرناه، ثم إنه لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز
رده للأصل {2} خلافا للشيخ بل المفيد (قدس سره).

97
الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري {1} وتفصيل ذلك أنه إذا
حدث العيب بعد العقد على المعيب، فأما أن يحدث قبل القبض، وأما أن يحدث بعده
في زمان خيار، يضمن فيه البائع المبيع أعني خيار المجلس والحيوان والشرط. وأما
أن يحدث بعد مضي الخيار، والمراد بالعيب الحادث هنا هو الأخير. وأما الأول فلا
خلاف ظاهرا في أنه لا يمنع الرد، {2} بل في أنه هو كالموجود قبل العقد حتى في ثبوت
الأرش فيه على الخلاف الآتي في أحكام القبض.



(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار - والمستدرك - باب 9 - من أبواب الخيار.
98
وأما الحادث في زمن الخيار فكذلك، لا خلاف في أنه غير مانع عن
الرد، {1} بل هو سبب مستقل موجب للرد، بل الأرش على الخلاف الآتي



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
99
فيما قبل القبض، بناء على اتحاد المسألتين، كما يظهر من بعض، ويدل على ذلك
ما يأتي من أن الحدث في زمان الخيار مضمون على البائع ومن ماله، ومعناه ضمانه
على الوجه الذي يضمنه قبل القبض، بل قبل العقد إلا أن المحكي عن المحقق في درسه
فيما لو حدث في المبيع عيب {1} أن تأثير العيب الحادث في زمن الخيار. وكذا عدم
تأثيره في الرد بالعيب القديم إنما هو ما دام الخيار، فإذا انقضى الخيار كان حكمه
حكم العيب المضمون على المشتري، قال في الدروس لو حدث في المبيع عيب غير
مضمون على المشتري لم يمنع من الرد إن كان قبل القبض، أو في مدة خيار المشتري
المشترط أو بالأصل فله الرد ما دام الخيار، فإن خرج الخيار ففي الرد خلاف بين ابن
نما وتلميذه المحقق (قدس سره)، فجوزه ابن نما، لأنه من ضمان البائع ومنعه المحقق (قدس سره) لأن الرد
لمكان الخيار، وقد زال. ولو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار
فالباب واحد، انتهى.

100
لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني وهو حدوث العيب في
مبيع صحيح، ولعل الفرع الأول مترتب عليه، لأن العيب الحادث إذا لم يكن
مضمونا على البائع {1} حتى يكون سببا للخيار غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد
بالخيارات الثلاثة كان مانعا عن الرد بالعيب السابق، إذ لا يجوز الرد بالعيب مع
حدوث عيب مضمون على المشتري، فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار لا بالعيب
السابق. فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع {2} للعيب الحادث. ولذا ذكر في اللمعة أن
هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع {3} من أن العيب الحادث في الحيوان
مضمون على البائع مع حكمه بعدم الأرش، ثم إنه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول
شيخه، {4} ويضعف كلاهما بأن الظاهر تعدد الخيار، وفيه أن قول ابن نما (رحمه الله) لا يأبى
عن التعدد كما لا يخفى.

101
وأما الثالث: أعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض والخيار. {1}
فالمشهور أنه مانع عن الرد بالعيب السابق، بل عن شرح الارشاد لفخر الاسلام.
وفي ظاهر الغنية الاجماع عليه، والمراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما
يوجب الأرش، فيعم عيب الشركة وتبعض الصفقة إذا اشترى اثنان شيئا فأراد
أحدهما رده بالعيب، أو اشترى واحد صفقة وظهر العيب في بعضه فأراد رد المعيب
خاصة، ونحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد وغيره ونسيان الدابة
للطحن كما صرح به في جامع المقاصد ويمكن الاستدلال على الحكم في المسألة
بمرسلة جميل المتقدمة، فإن قيام العين وإن لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف، كما
اعترف به بعضهم في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين. إلا أن
الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب وخياطته وصبغه ما يقابل تغير
الأوصاف والنقص الحاصل ولو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب وخياطته.
نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة، كالثمن وتعلم الصنعة، لكنه يندفع بأن

102
الظاهر من قيام العين بقائه بمعنى أن لا ينقص ماليته لا بمعنى أن لا يزيد ولا ينقص،
كما لا يخفى على المتأمل.
واستدل العلامة في التذكرة على أصل الحكم قبل المرسلة، بأن العيب الحادث
يقتضي اتلاف جزء من المبيع، فيكون مضمونا على المشتري، {1} فيسقط رده
للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق أولى من تحمل
المشتري به للعيب الحادث هذا. ولكن المرسلة لا تشمل جميع أفراد النقص مثل
نسيان الدابة للطحن وشبهه والوجه المذكور في التذكرة قاصر عن إفادة المدعي،
لأن المرجع بعد عدم الأولوية من أحد الطرفين إلى أصالة ثبوت الخيار، وعدم ما
يدل على سقوطه، غاية الأمر أنه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش للبائع إذا
رده، كما إذا تقايلا أو فسخ أحدهما بخياره بعد تعيب العين، أما مثل نسيان الصنعة
وشبهه فلا يوجب أرشا بل يرده، لأن النقص حدث في ملكه وإنما يضمن وصف
الصحة لكونه كالجزء التالف. فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله. نعم لو علل الرد بالعيب
القديم، بكون الصبر على المعيب ضررا، أمكن أن يقال إن تدارك ضرر المشتري
بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر على العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي
الضرر لكن العمدة في دليل الرد هو النص والاجماع، فاستصحاب الخيار عند الشك
في المسقط لا بأس به

103
إلا أن الأنصاف أن المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ والخياطة هو إناطة
الحكم بمطلق النقص.
توضيح ذلك أن المراد بقيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها وتغيرها على
ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة على ذلك، لكن المراد من التغير هو الموجب للنقص
لا الزيادة، لأن مثل السمن لا يمنع الرد قطعا، والمراد بالنقص هو الأعم من العيب
الموجب للأرش، {1} فإن النقص الحاصل بالصبغ والخياطة إنما هو لتعلق حق
المشتري بالثوب من جهة الصبغ والخياطة. وهذا ليس عيبا اصطلاحيا ودعوى
اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعم مثل نسيان الدابة
للطحن، يدفعه أن المقصود مجرد النقص مع أنه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث وإن لم يكن عيبا اصطلاحيا، ثبت في المغير وغيره للقطع بعدم الفرق، فإن المحتمل هو
ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
104
إلا مع أرشه وكونه مجرد نقص لا يوجب أرشا كنسيان الكتابة والطحن. أما
الفرق في أفراد النقص الغير الموجب للأرش، بين مغير العين حسا وغيره فلا مجال
لاحتماله.
ثم إن ظاهر المفيد في المقنعة، المخالفة في أصل المسألة، وأن حدوث العيب لا
يمنع من الرد لكنه شاذ على الظاهر، ثم مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار
بين بقاء العيب الحادث وزواله، فلا يثبت بعد زواله {1} لعدم الدليل على الثبوت بعد
السقوط، قال في التذكرة عندنا أن العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق،
سواء زال أم لا، لكن في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشتري ولم يكن بسببه
كان له الرد ولا أرش عليه، انتهى.
ولعل وجهه أن الممنوع هو رده معيوبا، {2} لأجل تضرر البائع وضمان
المشتري لما يحدث وقد انتفى الأمران

105
ولو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد، {1} كما في
الدروس وغيره لأن عدم الجواز لحق البائع {2} وإلا فمقتضى قاعدة خيار الفسخ
عدم سقوطه بحدوث العيب، غاية الأمر ثبوت قيمة العيب، وإنما منع من الرد هنا
للنص والاجماع أو للضرر

106
ومما ذكرنا يعلم أن المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب
لا الأرش {1} الذي يغرمه البائع للمشتري عند عدم الرد لأن العيب القديم مضمون
بضمان المعاوضة والحادث مضمون بضمان اليد. {2}
ثم إن صريح المبسوط أنه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالأرش
وهذا أحد المواضع التي أشرنا في أول المسألة إلى تصريح الشيخ فيها بأن الأرش
مشروط باليأس من الرد، وينافيه اطلاق الأخبار بأخذ الأرش.

107
تنبيه
ظاهر التذكرة والدروس أن من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض
الصفقة على البائع. {1}
وتوضيح الكلام في فروع هذه المسألة أن التعدد المتصور فيه التبعض أما في
أحد العوضين وأما في البائع وأما في المشتري.
فالأول: كما إذا اشترى شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من بائع واحد فظهر
بعضه معيبا، وكذا لو باع شيئا بثمن، فظهر بعض الثمن معيبا.
والثاني: كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا، فظهر معيبا وأراد المشتري
أن يرد على أحدهما نصيبه دون الآخر.
والثالث: كما إذا اشترى اثنان من واحد شيئا، فظهر معيبا، فاختار أحدهما
الرد دون الآخر والحق بذلك الوارثان لمشتري واحد للمعيب.
وأما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن وبعضه الآخر بثمن
آخر فلا اشكال في كون هذا عقدين ولا اشكال في جواز التفريق بينهما.

108
أما الأول: فالمعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد، بل الظاهر
المصرح به في كلمات بعض الاجماع عليه {1} لأن المردود إن كان جزءا مشاعا من
المبيع الواحد، {2} فهو ناقص من حيث حدوث الشركة،

109
وإن كان معينا، فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه وكل منهما نقص
يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، {1} فهو أولى بالمنع عن الرد من نسيان
الدابة الطحن. وهذا الضرر وإن أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض
الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة إلا أنه يوجب الضرر على المشتري إذ قد
يتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح، ويدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة
الثوب والصبغ، فإن المانع فيهما ليس إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ
والخياطة لا مجرد تغير الهيئة. ولذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد
قطعا.

110
وقد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور
الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء منه {1} لا أقل من الشك لعدم
اطلاق موثوق به والأصل اللزوم، وفيه مضافا إلى أن اللازم من ذلك عدم جواز رد
المعيب منفردا وإن رضي البائع، لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء
لا لوجود المانع عنه وهو لزوم الضرر على البائع حتى ينتفي برضا البائع، أنه لا يشك
أحد في أن دليل هذا الخيار كغيره من أدلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق
الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء ولذا لم يجوز أحد تبعيض ذي الخيار أجزاء ماله فيه
الخيار، ولم يحتمل هنا أحد رد الصحيح دون المعيب وإنما وقع الاشكال في أن محل
الخيار هو هذا الشئ المعيوب، غاية الأمر أنه يجوز رد الجزء الصحيح معه لئلا
يتبعض الصفقة عليه. وأما لقيام الاجماع على جواز رده وأما لصدق المعيوب على
المجموع {2} كما تقدم، أو أن محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوبا
ولو من حيث بعضه.
وبعبارة أخرى الخيار المسبب عن وجود الشئ المعيوب في الصفقة نظير
الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة، في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو
سبب للخيار أم لا، بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في رد البيع الظاهر في تمام
ما وقع عليه العقد {3}

111
لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب نظير أخبار خيار الحيوان.
وهذا المقدار لا يدل على حكم ما لو انضم المعيب إلى غيره، بل قد يدل كأخبار خيار
الحيوان على اختصاص الخيار بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو
جزئه الحقيقي كبعض الثوب لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل
الكلام.
ومنه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشئ
قائما بعينه، {1} لأن المراد بالشئ هو المعيب، ولا شك في قيامه هنا بعينه.
وبالجملة فالعمدة في المسألة مضافا إلى ظهور الاجماع، ما تقدم من أن مرجع
جواز الرد منفردا إلى اثبات سلطنة للمشتري على الجزء الصحيح من حيث
إمساكه، ثم سلب سلطنته عنه بخيار البائع ومنع سلطنته على الرد أولا أولى ولا أقل
من التساوي، فيرجع إلى أصالة اللزوم {2}



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
112
والفرق بينه وبين خيار الحيوان الاجماع، كما أن للشفيع أن يأخذ بالشفعة في
بعض الصفقة.
وبالجملة فالأصل كاف في المسألة، ثم إن مقتضى ما ذكروه من الحاق تبعض
الصفقة بالعيب الحادث أنه لو رضي البائع بتبعض الصفقة جاز الرد، كما في التذكرة
معللا بأن الحق لا يعدوهما وهذا مما يدل على أن محل الخيار هو الجزء المعيب، {1}
إلا أنه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع، إذ لو كان محله المجموع لم يجز رد
المعيب وحده إلا بالتفاسخ ومعه يجوز رد الصحيح منفردا أيضا.



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
113
وأما الثالث: وهو تعدد المشتري بأن اشتريا شيئا واحدا، فظهر فيه
عيب، {1} فإن الأقوى فيه عدم جواز انفراد أحدهما على المشهور كما عن جماعة.
واستدل عليه في التذكرة وغيرها بأن التشقيص عيب مانع من الرد، {2} خلافا
للمحكي عن الشيخ في باب الشركة، والإسكافي والقاضي والحلي وصاحب
البشرى فجوزوا الافتراق.

114
وفي التذكرة ليس عندي فيه بعد، إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقصا،
فالشركة حصلت بايجابه، وقواه في الإيضاح لما تقدم من التذكرة، وظاهر هذا
الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري، واستجوده في
التحرير وقواه في جامع المقاصد وصاحب المسالك.
وقال في المبسوط إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة، ثم أصابا به عيبا
كان لهما أن يرداه وكان لهما أن يمسكاه، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الامساك كان
لهما ذلك.
ثم قال ولو اشترى أحد الشريكين للشركة، ثم أصابا به عيبا، كان لهما أن يردا
وأن يمسكا، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الامساك نظر، فإن أطلق العقد ولم يخبر
البائع أنه قد اشترى للشركة لم يكن له الرد، لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فإذا ادعى
أنه اشتراه له ولشريكه فقد ادعى خلاف الظاهر، فلم يقبل قوله، وكان القول قول
البائع مع يمينه، إلى أن قال وإن أخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان:
أحدهما: وهو الصحيح أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لاثنين، فقد علم
البائع أنه يبيعه من اثنين وكان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر، وقيل فيه وجه
آخر، وهو أنه ليس له الرد، لأن القبول في العقد كان واحدا، انتهى.
وظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحدا من
اثنين. أما إذا تحقق القبول من الشريكين، فلا كلام في جواز الافتراق، ثم الظاهر منه
مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع وجهله، لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي
التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحد، فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في
صورة عدم اخبار المشتري بالاشتراك، بأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه لا بعدم علم
البائع بالتعدد وكذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من
المشتري على أن الشراء بالاشتراك دليل على أنه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد
في الواقع بالبينة وإن لم يعلم به البائع إلا أن يحمل اليمين على يمين البائع على نفي العلم،
ويراد من البينة البينة على اعلام المشتري للبائع بالتعدد، وكيف كان فمبني المسألة
على ما يظهر من كلام الشيخ على تعدد العقد بتعدد المشتري ووحدته.

115
والأقوى في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا، لأن الثابت من الدليل هنا
خيار واحد متقوم باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال، ولا دليل على تعدد الخيار
هنا إلا اطلاق الفتاوى والنصوص من أن من اشترى معيبا فهو بالخيار، الشامل لمن
اشترى جزءا من المعيب، لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه إلى غير المقام، ولو سلمنا
الظهور لكن لا ريب في أن رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه، بل
ليس قائما بعينه ولو بفعل الممسك لحصته وهو مانع من الرد، ومن ذلك يعلم قوة المنع
وإن قلنا بتعدد العقد وما ذكروه تبعا للتذكرة من أن التشقيص حصل بإيجاب
البائع {1} فيه أنه أخرجه غير مبعض وإنما تبعض بالاخراج والمقصود حصوله في يد
البائع، كما كان قبل الخروج {2} وخلاف ذلك ضرر عليه، وعلم البائع بذلك ليس
فيه اقدام على الضرر إلا على تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض وهو محل
الكلام. {3}

116
والحاصل أن الفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى غير وجيه.
وأما الثاني: وهو تعدد البائع، فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق
إذ لا ضرر على البائع بالتفريق {1} ولو اشترى اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد
اشترى كل من كل ربعا فإن أراد أحدهما رد ربع إلى أحد البائعين دخل في المسألة
الثالثة، ولذا لا يجوز لأن المعيار تبعض الصفقة على البائع الواحد.

117
مسألة: يسقط الأرش دون الرد في موضعين: {1}
أحدهما: إذا اشترى ربويا بجنسه فظهر عيب في أحدهما فلا أرش حذرا من
الربا {2} ويحتمل جواز أخذ الأرش ونفى عنه البأس في التذكرة {3} بعد أن حكاه
وجها ثالثا لبعض الشافعية موجها له بأن المماثلة في مال الربا إنما يشترط في ابتداء
العقد وقد حصلت والأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق، انتهى.
ثم ذكر أن الأقرب أنه يجوز أخذ الأرش من جنس العوضين لأن الجنس لو
امتنع أخذه لامتنع أخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شئ آخر،
انتهى وعن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض أصحابنا المتقدم على
العلامة

118
وحاصل وجهه أن صفة الصحة لم تقابل بشئ من الثمن حتى يكون المقابل
للمعيب الفاقد للصحة أنقص منه قدرا بل لم تقابل بشئ أصلا ولو من غير الثمن وإلا
لثبت في ذمة البائع وإن لم يختر المشتري الأرش بل الصحة وصف التزمها لبائع
في المبيع من دون مقابلته بشئ من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع إلا أن
المشهور جوز للمشتري مع تبين فقده أخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن أو
غيره وهذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع، {1}
هذا ولكن يمكن أن يدعي أن المستفاد من أدلة تحريم الربا

119
وحرمة المعاوضة إلا مثلا بمثل بعد ملاحظة أن الصحيح والمعيب جنس واحد
أن وصف الصحة في أحد الجنسين كالمعدوم {1} لا يترتب على فقده استحقاق
عوض ومن المعلوم أن الأرش عوض وصف الصحة عرفا وشرعا فالعقد على
المتجانسين لا يجوز أن يصير سببا لاستحقاق أحدهما على الآخر زائدا على ما
يساوي الجنس الآخر.
وبالجملة فبناء معاوضة المتجانسين على عدم وقوع مال في مقال الصحة
المفقودة في أحدهما والمسألة في غاية الاشكال ولا بد من مراجعة أدلة الربا وفهم
حقيقة الأرش وسيجئ بعض الكلام فيه انشاء الله.

120
الثاني: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة فإنه لا يتصور هنا أرش {1}
حتى يحكم بثبوته وقد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد وقد يناقش في ذلك بأن الخصاء
موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة وإنما يرغب في
الخصي قليل من الناس لبعض الأغراض الفاسدة أعني عدم تستر النساء منه
فيكون واسطة في الخدمات بين المرء وزوجته وهذا المقدار لا يوجب زيادة في أصل
المالية {2} فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره لكن الأنصاف إن الراغب فيه
لهذا الغرض حيث يكون كثيرا لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لولا هذا
الغرض {3} صح أن يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي فكان هذا
الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا وصحة الغرض وفساده شرعا لا دخل لها في
المالية العرفية، كما لا يخفى.

121
وبالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال
بإزائه سواء كان من جهة أغراض أنفسهم أم من جهة بيعه على من له غرض فيه مع
كثرة ذلك المشتري وعدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.
مسألة: يسقط الرد والأرش معا بأمور.
أحدها: العلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف ولا اشكال {1} لأن الخيار إنما ثبت
مع الجهل. {2}

122
وقد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة، {1} وفيه نظر {2} وحيث لا
يكون العيب المعلوم سببا للخيار



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2.
123
فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص {1} الذي له
أحكام خاصة فسد الشرط وأفسد {2} لكونه مخالفا للشرع {3} ولو أراد به مجرد
الخيار كان من خيار الشرط ولحقه أحكامه لا أحكام خيار العيب..

124
الثاني: تبري البائع عن العيوب اجماعا في الجملة {1} على الظاهر المصرح به
في محكي الخلاف والغنية ونسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع والأصل في الحكم قبل
الاجماع مضافا إلى ما في التذكرة من أن الخيار إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد
السلامة. فإذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع صحيحة زرارة المتقدمة ومكاتبة
جعفر بن عيسى الآتية ومقتضى اطلاقهما كمعقد الاجماع المحكي عدم الفرق بين
التبري تفصيلا وإجمالا ولا بين العيوب الظاهرة والباطنة لاشتراك الكل في عدم
المقتضي للخيار مع البراءة خلافا للمحكي في السرائر عن بعض أصحابنا من عدم
كفاية التبري اجمالا. وعن المختلف نسبة إلى الإسكافي

125
وقد ينسب إلى صريح آخر كلام القاضي المحكي في المختلف مع أن المحكي عن
كامل القاضي موافقة المشهور وفي الدروس نسب المشهور إلى أشهر القولين ثم إن
ظاهر الأدلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد وأما التبري من العيوب
المتجددة {1} الموجبة للخيار



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2.
(2) الوسائل - باب 8 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
126
فيدل على صحته وسقوط الخيار به عموم المؤمنون عند شروطهم {1} قال في
التذكرة بعد الاستدلال بعموم المؤمنون لا يقال إن التبري مما لم يوجد يستدعي
البراءة مما لم يجب {2} لأنا نقول إن التبري إنما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد لا
من العيب، {3} انتهى.
أقول المفروض أن الخيار لا يحدث إلا بسبب حدوث العيب والعقد ليس سببا
لهذا الخيار {4} فإسناد البراءة إلى الخيار لا ينفع وقد اعترف قدس سره في بعض كلماته
بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية بعد العقد وقبل الرؤية. {5} نعم ذكر في التذكرة
جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته وكلمات غيره
كالشهيد والمحقق الثاني.
وبالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب والبراءة من خيار الرؤية



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار وباب 4 من أبواب المكاتبة.
127
بل الغرر في الأول أعظم {1} إلا أنه لما قام النص والاجماع على صحة التبري
من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته مع امكان الفرق بين العيوب
والصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأول بالاعتماد على أصالة
السلامة {2} فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه
إلا بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر.
وأما البراءة عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر في البيع حتى
يحتاج إلى دفع الغرر بأصالة عدمها لأنها غير موجودة بالفعل في المبيع حتى يوجب
جهالة

128
ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى أمور: {1}
الأول: عهدة العيوب ومعناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه إلى
عدم التزام سلامته فلا يترتب على ظهور العيب رد ولا أرش فكأنه باعه على كل
تقدير.
الثاني: ضمان العيب وهذا أنسب بمعنى البراءة ومقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير
الصحة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا يوجب إلا تخييرا بين الرد
والامضاء مجانا ومرجع ذلك إلى اسقاط أرش العيوب في عقد البيع لا خيارها.
الثالث: حكم العيب ومعناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضى العقد بسبب
العيب والأظهر في العرف هو المعنى الأول والأنسب بمعنى البراءة هو الثاني. {2}
وقد تقدم عن التذكرة المعنى الثالث وهو بعيد عن اللفظ إلا أن يرجع إلى
المعنى الأول والأمر سهل، ثم إن تبري البائع عن العيوب مطلقا أو عن عيب خاص
إنما يسقط تأثيره من حيث الخيار أما سائر أحكامه فلا، فلو تلف بهذا العيب في أيام
خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النص {3}

129
لكن في الدروس أنه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار المشتري
فالأقرب عدم ضمان البايع وكذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده
وتلف في زمان خيار المشتري ويحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان
العين معه وأقوى اشكالا ما لو تلف به وبعيب آخر تجدد في الخيار، انتهى كلامه رفع
مقامه

130
ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد والأرش بها.
منها زوال العيب قبل العلم {1} به كما صرح به في غير موضع من التذكرة
ومال إليه في جامع المقاصد واختاره في المسالك، بل وكذا لو زال بعد العلم به قبل
الرد وهو ظاهر التذكرة حيث قال في أواخر فصل العيوب لو كان المبيع معيبا عند
البائع ثم أقبضه وقد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه وسبق العيب لا يوجب خيارا كما
لو سبق على العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط
حق الرد، انتهى.
وهو صريح في سقوط الرد وظاهر في سقوط الأرش كما لا يخفى على المتأمل
خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد والأرش معا على زوال
العيب، حيث قال لو اشترى عبدا وحدث في يد المشتري نكتة بياض في عينه
ووجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما، فقال البائع الزائلة هي القديمة فلا رد ولا أرش
وقال المشتري بل الحادثة ولي الرد قال الشافعي يتحالفان الخ. ما حكاه عن
الشافعي وكيف كان ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه لأن ظاهر أدلة الرد
خصوصا بملاحظة أن الصبر على العيب ضرر هو رد المعيوب وهو المتلبس
بالعيب {2} لا ما كان معيوبا في زمان فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار.

131
وأما الأرش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد
فقد استقر بالعقد {1} خصوصا بعد العلم بالعيب والصحة إنما حدثت في ملك
المشتري فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلى دليل، فالقول
بثبوت الأرش وسقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا للاجماع ولم أجد من
تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده.

132
نعم هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي وهو أن الزائل العائد
كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد {1} لكن عرفت مرارا أن المرجع في ذلك هي الأدلة
ولا منشأ لهذه القاعدة.
ومنها التصرف بعد العلم بالعيب فإنه مسقط للأمرين {2} عند ابن حمزة في
الوسيلة ولعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب، والنص المثبت للأرش بعد
التصرف ظاهر فيما قبل العلم ورد بأنه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب والأولى أن يقال
إن الرضا بالعيب لا يوجب اسقاط الأرش

133
وإنما المسقط له ابراء البائع عن عهدة العيب، وحيث لم يدل التصرف عليه
فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف {1} مع أن اختصاص النص بصورة
التصرف قبل العلم ممنوع، فليراجع.



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
(2) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2.
134
ومنها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب {1} كالبغل الخصي بل
العبد الخصي على ما عرفت فإن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة والرد لأجل
التصرف.



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
(2) الوسائل - باب 4 و 5 - من أبواب أحكام العيوب.
(3) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العيوب حديث 3.
(4) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 8.
(5) نفس المصدر حديث 2.
135
وقد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر على المشتري بصبره على المعيب،
وفيه أن العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض فلا بأس بأن يكون الخيار فيه
كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف مع عدم أرش فيه وحله أن الضرر أما أن يكون من حيث القصد إلى ما هو أزيد مالية من الموجود. وأما أن يكون من حيث
القصد إلى خصوصية مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته، والأول مفروض
الانتفاء، والثاني قد رضي به وأقدم عليه، المشتري بتصرفه فيه بناء على أن
التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبين
عدمها فيه إلا أن يقال إن المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت
الأرش وإلا فمقتضى القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف {1} كما في غير العيب
والتدليس من أسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة
الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها أرشا فإن خيار التخلف فيها لا يسقط
بالتصرف كما صرح به، نعم لو اقتصر في التصرف المسقط على ما يدل على الرضا
كان مقتضى عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

136
ومنها حدوث العيب في المعيب المذكور {1} والاستشكال هنا بلزوم الضرر
في محله {2} فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له لأن الصحة
في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في المبيع التي لا يوجب فواتها أرشا والنص
الدال على اشتراط الرد بقيام العين وهي المرسلة المتقدمة مختص بمورد امكان تدارك
ضرر الصبر على المعيب بالأرش {3} والاجماع فيما نحن فيه غير متحقق {4} مع ما
عرفت من مخالفة المفيد في أصل المسألة هذا كله مضافا إلى أصالة جواز الرد الثابت
قبل حدوث العيب وهي المرجع بعد معارضة الضرر المذكور بتضرر البائع بالفسخ
ونقل المعيب إلى ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب وكيف كان فلو
ثبت الاجماع أو استفيض بنقله على سقوط الرد بحدوث العيب والتغيير على وجه
يشمل المقام وإلا فسقوط الرد هنا محل نظر بل منع.



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 3.
(2) مر في خيار الغبن وغيره مصادر الحديث مرارا.
137
ومنها ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه لأجل
الربا {1}.
أما المانع الأول: فالظاهر أن حكمه كما تقدم في المعيب الذي لا ينقص ماليته
فإن المشتري لما أقدم على معاوضة أحد الربويين بالآخر أقدم على عدم مطالبة مال
زائد على ما يأخذه بدلا عن ماله وإن كان المأخوذ معيبا فيبقى وصف الصحة كسائر
الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها إلا جواز الرد بلا أرش فإذا تصرف فيه
خصوصا بعد العلم تصرفا دالا على الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد كما في
خيار التدليس بعد التصرف. نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما
تقدم.
وأما المانع الثاني: فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد أيضا وهو
مبني على عموم منع العيب الحادث من الرد حتى في صورة عدم جواز أخذ الأرش.
وقد عرفت النظر فيه وذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد وهو أنه لو رد
فأما أن يكون مع أرش العيب الحادث. وأما أن يرد بدونه فإن رده بدونه كان ضررا
على البائع وإن رد مع الأرش لزم الربا قال لأن المردود حينئذ يزيد على وزن
عوضه والظاهر أن مراده من ذلك أن رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة ومقتضى
المعاوضة بين الصحيح والمعيب من جنس واحد أن لا يضمن وصف الصحة بشئ إذ
لو جاز ضمانه لجاز أخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه فيكون وصف الصحة في كل من
العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال فإذا حصل الفسخ وجب تراد
العوضين من غير زيادة ولا نقيصة

138
ولذا يبطل التقاتل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين فإذا
استرد المشتري الثمن لم يكن عليه إلا رد ما قابله لا غير، فإن رد إلى البائع قيمة
العيب الحادث عنده كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده لم يكن
ذلك إلا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن فيلزم وقوع الثمن بإزاء
مجموع المثمن ووصف صحته فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد
العلامة (رحمه الله) بلزوم الربا. أما لزوم الربا في أصل المعاوضة {1} إذ لولا ملاحظة جزء
من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة وقيمتها عند استرداد
الثمن. وأما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن وزيادة {2}
والأول أولى ومما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بأن قيمة العيب الحادث غرامة لما
فات في يده مضمونا عليه نظير المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب فلا ينضم إلى
المثمن حتى يصير أزيد من الثمن.

139
إذ فيه وضوح الفرق فإن المقبوض بالسوم إنما يتلف في ملك مالكه فيضمنه
القابض والعيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشتري له إلا بعد تقدير رجوع
العين في ملك البائع وتلف وصف الصحة منه في يد المشتري، فإذا فرض أن صفة
الصحة لا تقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشتري
كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها.
والحاصل أن البائع لا يستحق من المشتري إلا ما وقع مقابلا بالثمن وهو نفس
المثمن من دون اعتبار صحته جزء فكأنه باع عبدا كاتبا فقبضه المشتري، ثم فسخ
أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة. نعم هذا يصح في غير الربويين لأن وصف
الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن
المقابل لنفس المبيع مع الصحة، ثم إن صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم على
المشتري بالصبر على المعيب مجانا فيما نحن فيه

140
فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين {1} اقتصر في المبسوط على
حكايتهما
أحدهما: جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث {2} لما
تقدم إليه الإشارة من أن أرش العيب الحادث في يد المشتري نظير أرش العيب
الحادث في المقبوض بالسوم في كونها غرامة تالف مضمون على المشتري لا دخل له
في العوضين حتى يلزم الربا

141
الثاني: أن يفسخ البيع لتعذر امضائه {1} وإلزام المشتري ببدله من غير
الجنس معيبا بالعيب القديم وسليما عن الجديد ويجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا
أرش ومع الأرش واختار في الدروس تبعا للتحرير. الوجه الأول مشيرا إلى
تضعيف الثاني بقوله لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل {2} وتبعه المحقق
الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات وأنه كأرش عيب العين
المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام وإن كانت ربوية فكما لا يعد هنا ربا فكذا
لا يعد في صورة النزاع.
أقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه وبين أرش عيب المقبوض بالسوم فإنه
يحدث في ملك مالكه بيد قابضه والعيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري ولا
يقدر في ملك البائع إلا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن إلى المشتري والمفروض
عدم المقابلة بين شئ منه وبين صحة البيع.
ومنها تأخير الأخذ بمقتضى الخيار فإن ظاهر الغنية اسقاطه للرد والأرش
كليهما حيث جعل المسقطات خمسة التبري والرضا بالعيب وتأخير الرد مع العلم
لأنه على الفور بلا خلاف ولم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش، ثم ذكر حدوث
العيب وقال ليس له ههنا إلا الأرش ثم ذكر التصرف وحكم فيه بالأرش فإن في
إلحاق الثالث بالأولين في ترك ذكر الأرش فيه، ثم ذكره في الأخيرين وقوله ليس
[له] ها هنا ظهورا في عدم ثبوت الأرش بالتأخير وهذا أحد القولين منسوب
إلى الشافعي. ولعله لأن التأخير دليل الرضا ويرده بعد تسليم الدلالة أن الرضا
بمجرده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرف

142
نعم سقوط الرد وحده له وجه {1} كما هو صريح المبسوط والوسيلة على ما
تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط ويحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة بناء على
ما تقدم في سائر الخيارات من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم على
المتيقن السالمة عما يدل على التراخي عدا ما في الكفاية من اطلاق الأخبار
وخصوص بعضها. وفيه أن الاطلاق في مقام بيان أصل الخيار. {2} وأما الخبر
الخاص فلم أقف عليه وحينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للأصل لا يخلو عن قوة
مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه على الفور ولا يعارضه ما في المسالك
والحدائق من أنه لا نعرف فيه خلافا لأنا عرفناه. ولذا جعله في التذكرة أقرب وكذا
ما في الكفاية من عدم الخلاف لوجود الخلاف. نعم في الرياض أنه ظاهر أصحابنا
المتأخرين كافة والتحقيق رجوعا لمسألة إلى اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام
وعدمه.

143
ولذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي إلا به وإلا فلا يحصل من فتوى
الأصحاب إلا الشهرة بين المتأخرين المستندة إلى الاستصحاب ولا اعتبار بمثلها.
وإن قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن
كما لا يخفى والله العالم.
مسألة: قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا {1} أو
كان المشتري بالخيار، انتهى.
ومثله ما عن الخلاف وفي موضع آخر من المبسوط وجب عليه أن يبينه ولا
يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب والأول أحوط ونحوه عن فقه الراوندي ومثلهما في
التحرير، وزاد الاستدلال عليه بقوله لئلا يكون غاشا وظاهر ذلك كله عدم الفرق
بين العيب الجلي والخفي، وصريح التذكرة والسرائر كظاهر الشرائع الاستحباب
مطلقا.
وظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي والجلي، فيجب في الأول مطلقا، كما
هو ظاهر جماعة أو مع التبري، كما في الدروس، فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة
أقوال. {2}

144
والظاهر ابتناء الكل على صدق الغش وعدمه، والذي يظهر من ملاحظة
العرف واللغة في معنى الغش أن كتمان العيب الخفي وهو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار
المتعارف قبل البيع غش، فإن الغش، كما يظهر من اللغة خلاف النصح. أما العيب
الظاهر فالظاهر أن ترك إظهاره ليس غشا، نعم لو أظهر سلامته عنه على وجه يعتمد
عليه، كما إذا فتح قرآنا بين يدي العبد الأعمى مظهرا أنه بصير يقرأ، فاعتمد المشتري
على ذلك وأهمل اختباره كان غشا {1}
قال في التذكرة في رد استدلال الشافعي على وجوب إظهار العيب (مطلقا)
بالغش أن الغش ممنوع بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري وتبينه والتقصير
في ذلك من المشتري، انتهى.
ويمكن أن يحمل بقرينة ذكر التقصير على العيب الظاهر، كما أنه يمكن حمل
عبارة التحرير المتقدمة المشتملة على لفظ الكتمان وعلى الاستدلال بالغش على
العيب الخفي بل هذا الجمع ممكن في كلمات الأصحاب مطلقا، ومن أقوى الشواهد
على ذلك أنه حكى عن موضع من السرائر أن كتمان العيوب مع العلم بها حرام
ومحظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه فلا حظ، ثم التبري من
العيوب هل يسقط وجوب الاعلام في مورده، كما عن المشهور أم لا، فيه اشكال نشأ
من دعوى صدق الغش.

145
ومن أن لزوم الغش من جهة ظهور اطلاق العقد في التزام البائع بالصحة، فإذا
تبرأ من العيوب ارتفع الظهور {1} أو من جهة ادخال البائع للمشتري فيما يكرهه
عامدا والتبري لا يرفع اعتماد المشتري على أصالة الصحة، فالتعزير إنما هو لترك ما
يصرفه عن الاعتماد على الأصل والأحوط الاعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط، ثم إن المذكور في جامع المقاصد والمسالك وعن غيرهما أنه ينبغي بطلان البيع في مثل
شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه والآخر مجهول إلا أن
يقال إن جهالة الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة، كما لو ضم ماله ومال غيره
وباعهما، ثم ظهر البعض مستحقا، فإن البيع لا يبطل في ملكه وإن كان مجهولا قدره
وقت العقد، انتهى.



(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
146
أقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن ولا يخرجه عن
حقيقته، كالملح الزائد في الخبز، فلا وجه للاشكال المذكور. نعم لو فرض المزج على
وجه يوجب تعيب الشئ من دون أن يستهلك فيه، بحيث يخرج عن حقيقته إلى
حقيقة ذلك الشئ توجه ما ذكروه في بعض الموارد.
مسائل:
في اختلاف المتبايعين وهو تارة في موجب الخيار، وأخرى في مسقطه وثالثة
في الفسخ أما الأول: ففيه مسائل: الأولى: لو اختلفا في تعيب المبيع وعدمه مع تعذر
ملاحظته لتلف أو نحوه، {1} فالقول قول المنكر بيمينه.

147
الثانية: لو اختلفا في كون الشئ عيبا وتعذر تبين الحال، لفقد أهل الخبرة {1}
كان الحكم كسابقه، نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في الرد دون {2}
الأرش، لأصالة البراءة.
الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك،
بأن {3} حدث بعد القبض وانقضاء الخيار

148
كان القول قول منكر تقدمه للأصل {1}، حتى لو علم تاريخ الحدوث وجهل
تاريخ العقد لأن أصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا تثبيت وقوع العقد على
العيب
وعن المختلف أنه حكى عن ابن الجنيد أنه إن ادعى البائع أن العيب حدث
عند المشتري حلف المشتري إن كان منكرا، انتهى.
ولعله لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود {2}
وعدم استحقاقه الثمن كلا وعدم لزوم العقد نظير ما إذا ادعى البائع تغير العين عند
المشتري وأنكر المشتري. وقد تقدم في محله هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا
يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه، وإلا عمل عليها من غير
يمين.

149
قال في التذكرة ولو أقام أحدهما بينة عمل بها، {1} ثم قال: ولو أقاما بينة
عمل ببينة المشتري {2} لأن القول قول البائع لأنه ينكر، فالبينة على المشتري وهذا
منه مبني على سقوط اليمين على المنكر بإقامة البينة وفيه كلام في محله، وإن كان لا
يخلو عن قوة

150
وإذا حلف البائع فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب {1} أو نفي استحقاق
الرد أو الأرش إن كان قد اختبر المبيع واطلع على خفايا أمره، كما يشهد بالاعسار
والعدالة وغيرهما مما يكتفي فيه بالاختبار الظاهر.
ولو لم يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا شك في ذلك
وجه احتمله في جامع المقاصد وحكي عن جماعة، كما يحلف على طهارة المبيع
استنادا إلى الأصل



(1) الوسائل - باب 22 - من أبواب كتاب الأيمان.
151
ويمكن الفرق بين الطهارة وبين ما نحن فيه {1} بأن المراد بالطهارة في استعمال
المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي، كما أن المراد بالملكية
والزوجية ما استند إلى سبب شرعي ظاهري، كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في
جواز الحلف على ملكية ما أخذ من يد المسلمين.
وفي التذكرة بعد ما حكى عن بعض الشافعية جواز الاعتماد على أصالة
السلامة في هذه الصورة، قال: وعندي فيه نظر أقربه الاكتفاء بالحلف في نفي العلم،
واستحسنه في المسالك قال: لاعتضاده بأصالة عدم التقدم، فيحتاج المشتري إلى
اثباته وقد سبقه إلى ذلك في الميسية وتبعه في الرياض.



(1) الوسائل - باب 25 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى من كتاب القضاء - حديث 2.
(2) الوسائل - باب 17 - من أبواب كتاب الشهادات.
152
أقول إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في اسقاط أصل الدعوى
بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال. {1} نعم لو أريد سقوط الدعوى إلى أن
تقوم البينة، {2} فله وجه وإن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفي بذلك منه،
فيرد الحاكم اليمين على المشتري، فيحلف وهذا أوفق بالقواعد.
ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم على القول به بما إذا لم
يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار على البت قولا
واحدا {3} لكن الظاهر أن المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلى يمين نفي العلم، إذ
مع الاختبار يتمكن من الحلف على البت، فلا حاجة إلى عنوان مسألة اليمين على نفي
العلم، لا أن اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار، فافهم.



(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى كتاب القضاء.
153
فرع لو باع الوكيل، فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد رده على الموكل، لأنه
المالك والوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أمر به، فلا عهدة عليه، ولو اختلف
الموكل والمشتري في قدم العيب وحدوثه، {1} فيحلف الموكل على عدم التقدم، كما
مر ولا يقبل اقرار الوكيل بقدمه، لأنه أجنبي



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب كتاب الوديعة - وغيره من أبواب سائر الكتب.
154
وإذا كان المشتري جاهلا بالوكالة ولم يتمكن الوكيل عن إقامة البينة، فادعى
على الوكيل بقدم العيب، {1} فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده على
الموكل، لأن اقرار الوكيل بالسبق دعوى بالنسبة إلى الموكل لا يقبل إلا بالبينة، فله
احلاف الموكل على عدم السبق {2} لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله
عليه مع انكاره اليمين [ولو رد اليمين] على الوكيل، فحلف على السبق ألزم الموكل ولو
أنكر الوكيل التقدم، {3} حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف ولم
يتمكن من الرد على الموكل، لأنه لو أقر رد عليه، وهل للمشتري تحليف الموكل لأنه
مقر بالتوكيل الظاهر لا، لأن دعواه على الوكيل يستلزم انكار وكالته وعلى الموكل
يستلزم الاعتراف به، {4} واحتمل

155
واحتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره، ثم إذا لم يحلف
الوكيل ونكل، فحلف المشتري اليمين المردودة ورد العين على الوكيل، فهل للوكيل
ردها على الموكل أم لا، وجهان، {1} بناهما في القواعد على كون اليمين المردودة
كالبينة، فينفذ في حق الموكل، أو كإقرار المنكر، فلا ينفذ، {2} وتنظر فيه في جامع
المقاصد بأن كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل على الموكل، لأن الوكيل معترف
بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة القائمة على السبق الكاذبة باعترافه، قال: اللهم إلا أن يكون انكاره لسبق العيب استنادا إلى الأصل، بحيث لا ينافي ثبوته ولا دعوى
ثبوته كأن يقول لا حق لك علي في هذه الدعوى، إذ ليس في المبيع عيب ثبت لك به
الرد علي، فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة على القولين المذكورين، انتهى.

156
وفي مفتاح الكرامة أن اعتراضه مبني على كون اليمين المردودة كبينة الراد {1}
والمعروف بينهم أنه كبينة المدعي أقول كونه كبينته لا ينافي عدم نفوذها للوكيل
المكذب لها على الموكل وتمام الكلام في محله.
الرابعة: لو رد سلعة بالعيب، فأنكر البائع أنها سلعته، {2} قدم قول البائع كذا
في التذكرة والدروس وجامع المقاصد، لأصالة عدم حق له عليه وأصالة عدم كونها
سلعته وهذا بخلاف ما لو ردها بخيار، فأنكر كونها له، فاحتمل هنا في التذكرة
والقواعد تقديم قول المشتري ونسبه في التحرير إلى القيل لاتفاقهما على استحقاق
الفسخ بعد أن احتمل مساواتها للمسألة الأولى.

157
أقول النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار ومع
الاتفاق عليه، كما لا يخفى لكن ظاهر المسألة الأولى كون الاختلاف في ثبوت خيار
العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة أو غيرها، والحكم تقديم قول
البائع مع يمينه.
وأما إذا اتفقا على الخيار واختلفا في السلعة، {1} فلذي الخيار حينئذ الفسخ
من دون توقف على كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها، فإذا فسخ وأراد رد
السلعة فأنكرها البائع، فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة
هي التي وقع العقد عليها.
نعم استدل عليه في الإيضاح بعد ما قواه بأن الاتفاق منهما على عدم لزوم
البيع واستحقاق الفسخ والاختلاف في موضعين:
أحدهما: خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة والمشتري ينكرها
والأصل عدمها {2}
الثاني: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري، فالبائع يدعيه والمشتري ينكره
والأصل بقائه {3} وتبعه في الدروس، حيث قال: لو أنكر البائع كون المبيع مبيعه،
حلف ولو صدقه على كون المبيع معيوبا وأنكر تعيين المشتري، حلف المشتري
انتهى:

158
أقول أما دعوى الخيانة فلو احتاجت إلى الاثبات ولو كان معها أصالة عدم
كون المال الخاص هو المبيع، لوجب القول بتقديم قول المشتري في المسألة
الأولى {1} وإن كانت هناك أصول متعددة على ما ذكرها في الإيضاح، وهي أصالة
عدم الخيار وعدم حدوث العيب وصحة القبض بمعنى خروج البائع من ضمانه، لأن
أصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم وهو وارد على جميع الأصول
العملية، {2} نظير أصالة الصحة. وأما ما ذكره من أصالة صحة القبض فلم نتحقق
معناها وإن فسرناها من قبله بما ذكرنا لكن أصالة الصحة لا تنتفع لاثبات لزوم
القبض. {3} وأما دعوى سقوط حق الخيار فهي إنما تجدي

159
إذا كان الخيار المتفق عليه لأجل العيب، كما فرضه في الدروس وإلا فأكثر
الخيارات مما أجمع على بقائه مع التلف على أن أصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت إلا
ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة إلا من جهة التلازم الواقع بينهما. ولعل نظر
الدروس إلى ذلك لكن للنظر في اثبات أحد المتلازمين بالأصل الجاري في الآخر
مجال، كما نبهنا عليه مرارا.
وأما الثاني: وهو الاختلاف في المسقط ففيه أيضا مسائل:
الأولى: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب وعدمه {1} قدم منكر العلم،
فيثبت الخيار.
الثانية: لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده، {2} على القول بأن
زواله بعد العلم لا يسقط الأرش بل ولا الرد، ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار
لأصالة بقائه وعدم زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن
سببه أو شرطه العلم به حال وجوده وهو غير ثابت

160
فالأصل لزوم العقد وعدم الخيار وجهان: أقواهما الأول والعبارة المتقدمة
من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تومئ إلى
الثاني، فراجع.
ولو اختلفا بعد حدوث عيب جديد وزوال أحد العيبين، {1} في كون الزائل
هو القديم حتى لا يكون خيار أو الحادث حتى يثبت الخيار، فمقتضى القاعدة بقاء
القديم الموجب للخيار ولا يعارضه أصالة بقاء الجديد لأن بقاء الجديد لا يوجب
بنفسه سقوط الخيار إلا من حيث استلزامه لزوال القديم، وقد ثبت في الأصول أن
أصالة عدم أحد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه

161
لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف، قال: لو اشترى عبدا
وحدث في يده نكتة بياض بعينه ووجد نكتة قديمة، ثم زالت إحداهما. فقال البائع
الزائلة القديمة فلا رد ولا أرش وقال المشتري بل الحادثة ولي الرد قال الشافعي:
يحلفان على ما يقولان فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد المشتري
بيمينه أخذ الأرش، انتهى.
الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه، {1} فادعي البائع حدوثه عند
المشتري والمشتري سبقه، ففي الدروس أنه كالعيب المنفرد يعني أنه يحلف البائع كما
لو لم يكن سوى هذا العيب واختلفا في السبق والتأخر. ولعله لأصالة عدم التقدم {2}
ويمكن أن يقال: إن عدم التقدم هناك راجع إلى عدم سبب الخيار. وأما هنا فلا يرجع
إلي ثبوت المسقط، بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري، وقد مر غير مرة أن
أصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخر، {3} وإنما يثبت بها
عدم التقدم الذي لا يثبت به التأخر، ثم قال في الدروس لو ادعى البائع زيادة العيب
عند المشتري وأنكر المشتري احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن، والزيادة
موهومة، ويحتمل حلف البائع اجراء للزيادة مجرى العيب الجديد

162
أقول: قد عرفت الحكم في العيب الجديد وإن حلف البائع فيه محل نظر، ثم إنه
لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد على المقدار
المتفق عليه أنه كان متقدما أو متأخرا.
وأما إذا اختلفا في أصل الزيادة، فلا اشكال في تقديم قول المشتري.
الرابعة: لو اختلفا في البراءة قدم منكرها، {1} فيثبت الخيار لأصالة عدمها
الحاكمة على أصالة لزوم العقد.
وربما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك، قال: كتبت إلى أبي
الحسن (عليه السلام) جعلت فداك: المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه



(1) الوسائل - باب 8 - من أبواب أحكام العيوب.
163
برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقد الثمن
فربما زهد فيه، فإذا زهد فيه ادعى عيوبا وأنه لم يعلم بها، فيقول له المنادي قد برئت
منها فيقول المشتري لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه أم لا يصدق؟
فكتب (عليه السلام) إن عليه الثمن، الخبر.
وعن المحقق الأردبيلي أنه لا يلتفت إلى هذا الخبر لضعفه مع الكتابة ومخالفة
القاعدة، انتهى {1}
وما أبعد ما بينه وبين ما في الكفاية، من جعل الرواية مؤيدة لقاعدة البينة على
المدعي واليمين على من أنكر.

164
وفي كل منهما نظر {1}
وفي الحدائق: إن المفهوم من مساق الخبر المذكور، أن انكار المشتري إنما وقع
مدالسة لعدم رغبته في المبيع وإلا، فهو عالم بتبري البائع والإمام (عليه السلام) إنما ألزمه بالثمن
من هذه الجهة. وفيه أن مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه وبين
الله بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع
والمشتري، مع أن حكم العالم بالتبري المنكر له مكابرة معلوم لكل أحد خصوصا
للسائل كما يشهد به قوله أيصدق أم لا يصدق، الدال على وضوح حكم صورتي
صدقه وكذبه، والأولى توجيه الرواية بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة
بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على وجه يسمعه كل من حضر للشراء
فدعوى المشتري مخالفة للظاهر، نظير دعوى الغبن والغفلة عن القيمة ممن لا يخفى
عليه قيمة المبيع، بقي في الرواية اشكال آخر، من حيث إن البراءة من العيوب عند
نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب، بل يعتبر وقوعه في متن العقد
ويمكن التفصي عنه. أما بالتزام كفاية تقدم الشرط على العقد {2} بعد وقوع العقد
عليه، كما يأتي في باب الشروط. وأما بدعوى أن نداء الدلال بمنزلة الايجاب

165
لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه أحد الحضار بقيمته، فينادي الدلال
ويقول بعتك هذا الموجود بكل عيب ويكرر ذلك مرارا من دون أن يتم الايجاب،
حتى يتمكن من ابطاله عند زيادة من زاد.
والحاصل جعل ندائه ايجابا للبيع، ولو أبيت إلا عن أن المتعارف في الدلال
كون ندائه قبل ايجاب البيع، أمكن دعوى كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك،
مع أن الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الايجاب كما لا يخفى.
ثم الحلف هنا على نفي العلم بالبراءة {1} لأنه الموجب لسقوط الخيار لانتفاء
البراءة واقعا.
الخامسة: لو ادعى البائع رضاء المشتري به بعد العلم أو اسقاط الخيار أو
تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري لأصالة عدم هذه الأمور،

166
ولو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه وقدمه {1} ففي تقديم مدعي
الحدوث لأصالة عدم تقدمه كما تقدم سابقا في دعوى تقدم العيب وتأخره أو مدعي
عدمه لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب والشك في سقوطه بحدوث العيب
الآخر في ضمان المشتري فالأصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب حتى
يضمنه المشتري.
وأما الثالث: ففيه مسائل:
الأولى: لو اختلفا في الفسخ فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه. {2} وفي
الدروس أنه يمكن جعل اقراره انشاءه {3} ولعله لما اشتهر من أن من ملك شيئا ملك
الاقرار به {4}

167
كما لو ادعى الزوج الطلاق، ويدل عليه بعض الأخبار الواردة فيمن أخبر
بعتق مملوكه {1} ثم جاء العبد يدعي النفقة على أيتام الرجل وأنه رق لهم وسيجئ
الكلام في فروع هذه القاعدة، وإن كان بعد انقضاء زمان الخيار {2} كما لو تلف العين
افتقر مدعيه إلى البينة ومع عدمها حلف الآخر على نفي علمه بالفسخ إن ادعى عليه
علمه بفسخه،



(1) الوسائل - باب 26 - من أبواب بيع الحيوان.
168
ثم إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش لئلا يخرج
من الحقين أم لا لإقراره بالفسخ وزاد في الدروس أنه يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين
من الأرش وما زاد على القيمة من الثمن إن اتفق لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن
ورد القيمة فيقع التقاص في قدر القيمة ويبقى قدر الأرش مستحقا على التقديرين،
انتهى.
الثانية: لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت {1} بناء على فورية الخيار
ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد {2} وعدم حدوث الفسخ في أول
الزمان {3} أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ {4} وجهان: ولو كان منشأ النزاع
الاختلاف في زمان وقوع العقد

169
مع الاتفاق على زمان الفسخ {1} ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ
وجه يضعف بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة إلى أصالة عدم تقدمه على
الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان. وهذه المسألة نظير
ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة المطلقة وادعت هي تأخره عنها. {2}
الثالثة: لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته بناء على فوريته {3} سمع
قوله إن احتمل في حقه الجهل للأصل وقد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر إلا إذا
نشأ في بلد لا يعرفون الأحكام والجهل بالفورية فيعذر مطلقا لأنه مما يخفى على
العامة

170
القول في ماهية العيب وذكر بعض أفراده {1}
اعلم أن حكم الرد والأرش معلق في الروايات على مفهوم العيب والعوار.
أما العوار ففي الصحاح أنه العيب وأما العيب فالظاهر من اللغة والعرف أنه
النقص عن مرتبة الصحة {2} المتوسطة بينه وبين الكمال، فالصحة ما يقتضيه أصل
الماهية المشتركة بين أفراد الشئ لو خلي وطبعه والعيب والكمال يلحقان له لأمر
خارج عنه ثم مقتضى حقيقة الشئ قد يعرف من الخارج كمقتضى حقيقة الحيوان
الأناسي وغيره فإنه يعلم أن العمى عيب ومعرفة الكتابة في العبد والطبخ في الأمة
كمال فيهما وقد يستكشف ذلك بملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود صفة في أغلب
أفراد الشئ يكشف عن كونه مقتضى الماهية المشتركة بين أفراده وكون التخلف في
النادر لعارض.



(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
171
وهذا وإن لم يكن مطردا في الواقع إذ كثيرا ما يكون أغلب الأفراد متصفة
بصفة لأمر عارضي أو لأمر مختلفة، إلا أن بناء العرف والعادة على استكشاف حال
الحقيقة عن حال أغلب الأفراد. ومن هنا استمرت العادة على حصول الظن بثبوت
صفة الفرد من ملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود الشئ في أغلب الأفراد وإن لم
يمكن الاستدلال به على وجوده في فرد غيرها لاستحالة الاستدلال ولو ظنا
بالجزئي على الجزئي إلا أنه يستدل من حال الأغلب على حال القدر المشترك ثم
يستدل من ذلك على حال الفرد المشكوك.
إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج
عن المجرى الطبيعي وهو ما يقتضيه الخلقة الأصلية.

172
وأن المراد بالخلقة الأصلية ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع، وأن ما خرج عن
ذلك بالنقص فهو عيب وما خرج عنه بالمزية فهو كمال فالضيعة إذا لوحظت من
حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضى طبيعتها فزيادة
الخراج على ذلك المقدار عيب، ونقصه عنه كمال وكذا كونها مورد العساكر ثم لو
تعارض مقتضى الحقيقة الأصلية وحال أغلب الأفراد التي يستدل بها على حال
الحقيقة عرفا رجح الثاني {1} وحكم للشئ بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة
والعيب والكمال بالنسبة إليها. ومن هنا لا يعد ثبوت الخراج على الضيعة عيبا مع أن
حقيقتها لا تقتضي ذلك وإنما هو شئ عرض أغلب الأفراد فصار مقتضى الحقيقة
الثانوية فالعيب لا يحصل إلا بزيادة الخراج على مقتضى الأغلب.

173
ولعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم بل عدم الخلاف بينهم في أن الثيبوبة
ليست عيبا في الإماء، وقد ينعكس الأمر فيكون العيب في مقتضى الحقيقة الأصلية
والصحة بالخروج إلى مقتضى الحقيقة الثانوية كالغلفة فإنها عيب في الكبير لكونها
مخالفة لما عليه الأغلب إلا أن يقال إن الغلفة بنفسها ليس عيبا إنما العيب كون
الأغلف موردا للخطر بختانه. ولذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير.
ويمكن أن يقال إن العبرة بالحقيقة الأصلية والنقص عنها عيب وإن كان على
طبق الأغلب {1} إلا أن حكم العيب لا يثبت مع اطلاق العقد حينئذ لأنه إنما يثبت
من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام بالسلامة فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد
فإذا فرض الأغلب على خلاف مقتضى الحقيقة الأصلية لم يقتض الاطلاق ذلك بل
اقتضى عكسه أعني التزام البراءة من ذلك النقص فاطلاق العقد على الجارية بحكم
الغلبة منزل على التزام البراءة من عيب الثيبوبة



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب أحكام العيوب حديث 2.
174
وكذا الغلفة في الكبير فهي أيضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا
للخطر عند الختان إلا أن الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم
يقتض الاطلاق التزام سلامته من هذا العيب بل اقتضى التزام البائع البراءة من هذا
العيب.
فقولهم إن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء.
وقول العلامة في القواعد إن الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد
إرادتهم نفي حكم العيب من الرد والأرش لا نفي حقيقته ويدل عليه نفي الخلاف في
التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع أنه في التحرير والتذكرة اختار الأرش مع
اشتراط البكارة مع أنه لا أرش في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر.
وتظهر الثمرة فيما لو اشترط المشتري البكارة والختان فإنه يثبت على الوجه
الثاني حكم العيب من الرد والأرش لثبوت العيب غاية الأمر عدم ثبوت الخيار مع
الاطلاق لتنزله منزلة تبري البائع من هذا العيب فإذا زال مقتضى الاطلاق
بالاشتراط ثبت حكم العيب
وأما على الوجه الأول فإن الاشتراك لا يفيد الأخيار تخلف الشرط دون
الأرش لكن الوجه السابق أقوى عليه فالعيب إنما يوجب الخيار إذا لم يكن غالبا في
أفراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها والغلبة الصنفية مقدمة على النوعية عند
التعارض فالثيبوبة في الصغيرة الغير المجلوبة عيب لأنها ليست غالبة في صنفها وإن
غلبت في نوعها.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص للشئ من حيث عنوانه مع
قطع النظر عن كونه مالا فإن {1} الانسان الخصي ناقص في نفسه وإن فرض زيادته
من حيث كونه مالا

175
وكذا البغل الخصي حيوان ناقص وإن كان زائدا من حيث المالية على غيره،
ولذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الأرش في مثل ذلك.
ويحتمل قويا أن يقال إن المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي
الغير الموجب للنقص كالخصاء ونحوه ليس عيبا إلا أن الغالب في أفراد الحيوان لما
كان عدمه كان اطلاق العقد منزلا على اقدام المشتري على الشراء مع عدم هذا
النقص اعتمادا على الأصل والغلبة فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد
لا يوجب تخلفه إلا خيار تخلف الشرط، ويظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء
على عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط، فتأمل. {1}
وفي صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فإنه مضمون على
الأول بناء على اطلاق كلماتهم أن العيب مضمون على البائع بخلاف الثاني فإنه لا
دليل على أن فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون على البائع
بمعنى كونه سببا للخيار

176
وللنظر في كلا شقي الثمرة مجال {1}
وربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السياري الحاكية
لقصة ابن أبي ليلى، {2} حيث قدم إليه رجل خصما له فقال: إن هذا باعني هذه
الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفها شعرا وزعمت أنه لم يكن لها قط، فقال له
ابن أبي ليلى: إن الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتى يذهبوه فما الذي كرهت، فقال له:
أيها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به، قال فاصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى
في بطني، ثم دخل بيته وخرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له: أي
شئ تروون عن أبي جعفر في امرأة لا تكون على ركبها شعرا أيكون هذا عيبا، فقال
له محمد بن مسلم: أما هذا نصا فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن
أبي ليلى: حسبك هذا فرجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب. فإن ظاهر اطلاق الرواية
المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها
فيها وفهم ابن أبي ليلى من حيث قوله وعمله كون مجرد الخروج عن المجرى



(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار والمستدرك - باب 9 - من أبواب الخيار.
(2) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار.
(3) الوسائل - باب 1 - من أبواب العيوب حديث 1.
177
الطبيعي عيبا وإن كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه كما يظهر من
قول ابن أبي ليلى إن الناس ليحتالون، الخ. وتقرير المشتري له في رده لكن الانصاف
عدم دلالة الرواية على ذلك.
أما أولا: فلأن ظاهر الحكاية أن رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر {1} بل
لكونها في أصل الخلقة، كذلك الكاشف عن مرض في العضو أو في أصل المزاج كما
يدل عليه عدم اكتفائه في عذر الرد بقوله لم أجد على ركبها شعرا حتى ضم إليه
دعواه أنه لم يكن لها قط. وقول ابن أبي ليلى إن الناس ليحتالون في ذلك حتى يذهبوه
لا يدل على مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض، وإنما هي مغالطة عليه تفصيا
عن خصومته لعجزه عن حكمها والاحتيال لاذهاب شعر الركب لا يدل على أن
عدمه في أصل الخلقة شئ مرغوب فيه كما أن احتيالهم لاذهاب شعر الرأس لا يدل
على كون عدمه من أصله لقرع أو شبهه أمرا مرغوبا فيه.

178
وبالجملة فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب مما يقطع أو
يحتمل كونه لأجل مرض عيبا وقد عد من العيوب الموجبة للأرش بما هو أدون من
ذلك وأما ثانيا: فلأن قوله (عليه السلام) فهو عيب، إنما يراد به بيان موضوع العيب {1}
توطئه لثبوت أحكام العيب له والغالب الشائع المتبادر في الأذهان هو رد المعيوب.
ولذا اشتهر كل معيوب مردود.
وأما باقي أحكام العيب وخياره مثل عدم جواز رده بطرو موانع الرد بخيار
العيب وكونه مضمونا على البائع قبل القبض، وفي مدة الخيار فلا يظهر من الرواية
ترتبها على العيب، فتأمل..
وأما ثالثا: فلأن الرواية لا تدل على الزائد عما يدل عليه العرف لأن المراد
بالزيادة والنقيصة على أصل الخلقة، ليس مطلق ذلك قطعا فإن زيادة شعر رأس
الجارية أو حدة بصر العبد أو تعلمهما للصيغة والطبخ. وكذا نقص العبد بالختان
وحلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين أن يكون المراد بها الزيادة والنقيصة الموجبين
لنقص في الشئ من حيث الآثار والخواص المترتبة عليه، ولازم ذلك نقصه من
حيث المالية {3} لأن المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار
والمنافع.

179
وأما رابعا: فلأنا لو سلمنا مخالفة الرواية للعرف في معنى العيب فلا ينهض
لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لولا النص المعتبر لا مثل هذه الرواية
الضعيفة بالارسال، فافهم. {1}
وقد ظهر مما ذكرنا أن الأولى في تعريف العيب ما في التحرير {2} والقواعد
من أنه نقص في العين أو زيادة فيها، يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار. ولعله
المراد بما في الرواية كما عرفت ومراد كل من عبر بمثلها.
ولذا قال في التحرير بعد ذلك. وبالجملة كلما زاد أو نقص عن أصل الخلقة
والقيد الأخير لا دراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الأغراض {3} كما قد
يقال ذلك في العبد الخصي، ولا ينافيه ما ذكره في التحرير من أن عدم الشعر على
العانة عيب في العبد والأمة لأنه مبني على ما ذكرنا في الجواب الأول عن الرواية من أن ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج لا على أنه لا يعتبر في العيب
النقيصة المالية. وفي التذكرة بعد أخذ نقص المالية في تعريف العيب، وذكر كثير من
العيوب والضابط أنه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين
نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه، انتهى
كلامه

180
وما أحسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد فيدخل فيه
مثل خصاء العبد، كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض قد يتعلق بالفحولة وإن
زادت قيمته باعتبار آخر، وقد دخل المشتري على ظن السلامة، انتهى.
ويخرج منه مثل الثيبوبة والغلفة في المجلوب. ولعل من عمم العيب لما
لا يوجب نقص المالية كما في المسالك. وعن جماعة أراد به مجرد موجب الرد لا العيب
الذي يترتب عليه كثير من الأحكام كسقوط خياره بتصرف أو حدوث عيب أو
غير ذلك.
وعليه يبنى قول جامع المقاصد كما عن تعليق الإرشاد حيث ذكر أن اللازم
تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء والجب لأن
المستفاد من ذكر بعض الأمثلة أن الكلام في موجبات الرد لا خصوص العيب،
ويدل على ذلك أنه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس
عيبا بعلم المشتري بجلبه إذ ظاهره أنه مع عدم العلم عيب فلولا أنه أراد بالعيب
مطلق ما يوجب الرد لم يكن معنى لدخل علم المشتري وجهله في ذلك. {1} الكلام
في بعض أفراد العيب {2}

181
مسألة: لا اشكال ولا خلاف في كون المرض عيبا واطلاق كثير، وتصريح
بعضهم يشمل حمى يوم بأن يجده في يوم البيع، قد عرض له الحمى وإن لم يكن نوبة
له في الأسبوع قال في التذكرة الجذام والبرص والعمى والعور والعرج والقرن والفتق
والرتق والقرع والصمم والخرس عيوب اجماعا، وكذا أنواع المرض سواء استمر
كما في الممراض أو كان عارضا ولو حمى يوم، والإصبع الزائدة والحول والحوص
والسبل واستحقاق القتل في الردة أو القصاص والقطع بالسرقة أو الجناية
والاستسعاء في الدين عيوب اجماعا، ثم إن عدا حمى اليوم المعلوم كونها حمى يوم
يزول في يومه ولا يعود مبني على عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقة لأن ذلك
ليس منقصا للقيمة.
مسألة: الحبل عيب في الإماء كما صرح به جماعة، وفي المسالك الاجماع عليه
في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطئ ويدل عليه الأخبار الواردة في تلك المسألة
وعلله في التذكرة باشتماله على تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا مع عدم
كون الحمل للبائع، وإلا فالأمر واضح ويؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات
وعدم قابليتها للاستيلاد إلا بعد الوضع. أما في غير الإماء من الحيوانات ففي التذكرة
أنه ليس بعيب ولا يوجب الرد بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل في بيع
الحامل كما هو مذهب الشيخ، وقال بعض الشافعية يرد به وليس بشئ، انتهى.
ورجح المحقق الثاني كونه عيبا وإن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لأنه وإن
كان زيادة مزوجه إلا أنه نقيصة مزوجه الآخر لمنع الانتفاع بها عاجلا ولأنه
لا يؤمن عليها من أداء الوضع إلى الهلاك والأقوى على قول الشيخ ما اختاره في
التذكرة لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر وأداء الوضع إلى الهلاك
نادر في الحيوانات لا يعبأ به. نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص يوجب
الخيار دون الأرش كوجدان العين مستأجرة وكيف كان، فمقتضى كون الحمل عيبا
في الإماء أنه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها لحدوث العيب في يده
سواء نقصت بعد الولادة أم لا لأن العيب الحادث مانع وإن زال على ما تقدم من
التذكرة.

182
وفي التذكرة لو كان المبيع جارية معيبة فحبلت وولدت في يد المشتري فإن
نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم وكان له الأرش وإن لم تنقص فالأولى
جواز ردها وحدها من دون الولد إلى أن قال، وكذا حكم الدابة لو حملت عند
المشتري وولدت فإن نقصت بالولادة فلا رد وإن لم تنقص ردها دون ولدها لأنه
المشتري، انتهى.
وفي مقام آخر لو اشترى جارية حائلا أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على
عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد بالحمل فلا رد إن كان الحمل في يد المشتري وبه قال
الشافعي: وإن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد انتهى.
وفي الدروس لو حملت إحداهما يعني الجارية والبهيمة عند المشتري
لا بتصرفه فالحمل له فإن فسخ رد الأم ما لم تنقص بالحمل أو الولادة.
وظاهر القاضي أن الحمل عند المشتري يمنع الرد لأنه إما بفعله أو إهمال
المراعاة حتى ضربها الفحل وكلاهما تصرف، انتهى.
لكن صرح في المبسوط باستواء البهيمة والجارية في أنه إذا حملت إحداهما
عند المشتري وولدت ولم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد الأم دون الولد وظاهر
ذلك كله خصوصا نسبة منع الرد إلى خصوص القاضي وخصوصا مع استدلاله على
المنع بالتصرف لا حدوث العيب تسالمهم على أن الحمل الحادث عند المشتري في
الأمة ليس في نفسه عيبا بل العيب هو النقص الحادث بالولادة وهذا مخالف للأخبار
المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل وللإجماع المتقدم عن
المسالك وتصريح هؤلاء بكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله على التغرير بالنفس
والجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الأخيرة المحكية عن التذكرة
من اطلاق كون الحمل عند البائع عيبا وإن لم ينقص وعند المشتري بشرط النقص
من غير فرق بين الجارية والبهيمة مع أن ظاهر العبارة الأولى كالتحرير والقواعد
الفرق فراجع.
قال في القواعد لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير تصرف فالأقرب
أن للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة، انتهى.
وهذا بناء منه على أن الحمل ليس عيبا في غير الأمة، وفي الإيضاح أن هذا بناء على

183
قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال ظاهر وأما عندنا
فالأقوى ذلك لأنه كالثمرة المتجددة على الشجرة وكما لو أطارت الريح ثوبا
للمشتري في الدار المبتاعة والخيار له فلا يؤثر ويحتمل عدمه لحصول خطر ما
ولنقص منافعها فإنها لا تقدر على الحمل العظيم، انتهى.
ومما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب إلى الإيضاح من أن ما قربه في القواعد مبني
على قول الشيخ من دخول الحمل في بيع الحامل. نعم ذكر في جامع المقاصد أن ما
ذكره المصنف إن تم فإنما يخرج على قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا
للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار. ولعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها
على ما يتراءى من تعليله بقوله لأن الحمل زيادة يعني أن الحامل ردت إلى البائع مع
الزيادة لا مع النقيصة.
لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الأمة.
وكيف كان فالأقوى في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الرد ما دام
الحمل وابتناء حكمها بعد الوضع وعدم النقص على ما تقدم من أن زوال العيب
الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا، وأما حمل غير الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا
موجبا للأرش لعدم الخطر فيه غالبا وعجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب إلا
فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الأرش لكن لما كان المراد بالعيب
الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات الغير الموجب للأرش وكان محققا هنا
مضافا إلى نقص آخر وهو كون المبيع متضمنا لمال الغير لأن المفروض كون الحمل
للمشتري اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.
مسألة: الأكثر على أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء بل في التحرير لا نعلم فيه
خلافا ونسبه في المسالك كما عن غيره إلى اطلاق الأصحاب لغلبتها فيهن فكانت
بمنزلة الخلقة الأصلية واستدل عليه أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب
على ما ادعاه المستدل عن رجل باع جارية على أنها بكر، فلم يجدها كذلك قال:
لا ترد عليه ولا يجب عليه شئ أنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها.
وفي كلا الوجهين نظر:

184
ففي الأول: ما عرفت سابقا من أن وجود الصفة في أغلب أفراد الطبيعة إنما
يكشف عن كونها بمقتضى أصل وجودها المعبر عنه بالخلقة الأصلية إذا لم يكن
مقتضى الخلقة معلوما فيما نحن فيه وإلا فمقتضى الغالب لا يقدم على ما علم أنه
مقتضى الخلقة الأصلية وعلم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه
خصوصا مع ما عرفت من اطلاق مرسلة السياري غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا
عدم تنزيل اطلاق العقد على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة.
ولا يثبت الخيار بوجودها وإن كانت نقصا في الخلقة الأصلية.
وأما رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود لتعليله (عليه السلام) عدم الرد مع اشتراط
البكارة باحتمال ذهابها بعارض وقدح هذا الاحتمال أما لجريانه بعد قبض المشتري
فلا يكون مضمونا على البائع. وأما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطئ أحد
لها فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضى تعليل عدم الرد
بهذا الاحتمال أنه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال
طبيعي فعدمها نقص في أصل الطبيعة فيكون عيبا.
وكيف كان فالأقوى أن الثيبوبة عيب عرفا وشرعا إلا أنها لما غلبت على
الإماء لم يقتض اطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك ويظهر الثمرة فيما لو اشترط في
متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا أو اشترط خصوص البكارة فإنه يثبت
بفقدها التخيير بين الرد والأرش لوجود العيب، وعدم المانع من تأثيره ومثله ما لو
كان المبيع صغيرة أو كبيرة لم تكن الغالب على صنفها الثيبوبة فإنه يثبت حكم
العيب.
والحاصل أن غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه فإذا وجد ما
يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب ولعل هذا هو مراد المشهور أيضا ويدل على ذلك
ما عرفت من العلامة (قدس سره) في التحرير من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا مع أنه
في كتبه بل المشهور كما في الدروس على ثبوت الأرش إذا اشترط البكارة فلولا أن
الثيبوبة عيب لم يكن أرش في مجرد تخلف الشرط.
نعم يمكن أن يقال إن مستندهم في ثبوت الأرش ورود النص بذلك فيما رواه
في الكافي والتهذيب عن يونس في: رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها

185
قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق، ثم إنه نسب في التذكرة إلى
أصحابنا عدم الرد بمقتضى رواية سماعة المتقدمة وأوله بما وجهنا به تلك الرواية.
وذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال على تأويلها، ولو
شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد، لأنه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.
مسألة: ذكر في التذكرة والقواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير،
لأنه يخاف عليه من ذلك وهو حسن على تقدير تحقق الخوف على وجه لا يرغب في
بذل ما يبذل لغيره بإزائه، ويلحق بذلك المملوك المجدر، فإنه يخاف عليه لكثرة موت
المماليك بالجدري ومثل هذين. وإن لم يكن نقصا في الخلقة الأصلية إلا أن عروض
هذا النقص أعني الخوف مخالف لمقتضى ما عليه الأغلب في النوع أو الصنف ولو كان
الكبير مجلوبا من بلاد الشرك فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا فيه مع الجهل
دون العلم وهو غير مستقيم لأن العلم والجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا نعم
لما كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن اطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه
التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب، ويظهر الثمرة هنا أيضا فيما
لو اشترط الختان فظهر أغلف فيثبت الرد والأرش. فاخراج العلامة الثيبوبة وعدم
الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه (قدس سره) في مقام عد العيوب
الموجبة فعلا للخيار.
مسألة: عدم الحيص ممن شأنها الحيض بحسب السن والمكان وغيرها من
الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية لأنه خروج عن المجرى
الطبيعي ولقول الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض
عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل قال إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك
من كبر فهذا عيب ترد منه وليس التقييد بمضي ستة أشهر إلا في مورد السؤال فلا
داعي إلى تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات ثم إن حمل الرواية على
صورة عدم التصرف في الجارية حتى بمثل قول المولى لها أسقني ماء
وأغلق الباب في غاية البعد. وظاهر الحلي في السرائر وعدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

186
مسألة: الإباق عيب بلا اشكال ولا خلاف لأنه من أفحش العيوب ويدل
عليه صحيحة أبي همام الآتية في عيوب السنة. لكن في رواية محمد بن قيس أنه ليس
في الإباق عهدة ويمكن حملها على أنه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما
يشهد قوله (عليه السلام) في رواية يونس أن العهدة في الجنون والبرص سنة بل لا بد من
ثبوت كونه كذلك عند البائع وإلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع ولا
خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع، وهل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد قولان
من الشك في كونه عيبا والأقوى ذلك وفاقا لظاهر الشرائع. وصريح التذكرة لكون
ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف ولا يشترط إباقه عند المشتري قطعا.
مسألة: الثفل الخارج عن العادة في الزيت والبذر ونحو هما عيب يثبت به الرد
والأرش {1} لكون ذلك خلاف ما عليه غالب أفراد الشئ

187
وفي رواية ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل
يشتري زق زيت يجد فيه دريا قال: إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس
عليه أن يرده وإن لم يكن يعلم فله أن يرده.
نعم في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه أن عليا قضى في رجل اشترى من
رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى علي (عليه السلام) فقال له
علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل إنما بعته منه حكرة، فقال له علي (عليه السلام):
إنما اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا.



(1) الوسائل - باب 7 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1 - 3.
188
قال في الوافي يقال اشترى المتاع حكرة أي جملة وهذه الرواية بظاهرها
مناف لحكم العيب من الرد والأرش وتوجيهها بما يطابق القواعد مشكل، {1} وربما
استشكل في أصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع وكفاية معرفة
وزن السمن بظروفه خارجة بالاجماع كما تقدم أو مفروضة في صورة انضمام الظرف
المفقود هنا لأن الدردي غير متمول والأولى أن يقال إن وجود الدردي إن أفاد
نقصا في الزيت من حيث الوصف وإن أفضى بعد التخليص إلى نقص الكم نظير
الغش في الذهب كان الزائد منه على المعتاد عيبا وإن أفرط في الكثرة ولا اشكال في
صحة البيع حينئذ، لأن المبيع زيت وإن كان معيوبا. وعليه يحمل ما في التحرير من أن الدردي في الزيت والبذر عيب موجب للرد والأرش وإن لم يفد إلا نقصا في الكم
فإن باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة ومشاهدة شئ منه تكون أمارة على باقيه
وقال بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا فظهر امتزاجه بغيره الغير
الموجب لتعيبه. فالظاهر صحة البيع وعدم ثبوت الخيار أصلا لأنه اشترى السمن
الموجود في هذه العكة ولا يقدح الجهل بوزنه للعلم به مع الظرف

189
والمفروض معرفة نوعه بملاحظة شئ منها بفتح رأس العكة فلا عيب ولا
تبعض صفقة إلا أن يقال إن اطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون
ما عدا العكة سمنا فيلحق بما سيجئ في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار
خاص وإن باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه در
ديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة.
قال في التحرير لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد وأخذ ما وجد
من السمن بنسبة الثمن ولو باع ما في العكة من الزيت على أنه كذا وكذا رطلا فتبين
نقصه عنه لوجود الدردي صح البيع وكان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء
على الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة على أنها كذا وكذا، فظهر ناقصا ولو باعه مع
مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت. فالظاهر عدم
صحة البيع وإن عرف وزن المجموع مع العكة لأن كفاية معرفة وزنه الظرف
والمظروف، إنما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر
غير قابل للبيع، كما علم بوزن مجموع الظرف والمظروف لكن علم بوجود صخرة في
الزيت مجهولة الوزن.

190
مسألة: قد عرفت أن مطلق المرض عيب خصوصا الجنون والبرص والجذام
والقرن، ولكن يختص هذه الأربعة من بيع العيوب بأنها لو حدثت إلى سنة من يوم
العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد والأرش هذا هو المشهور، ويدل عليه ما
استفيض عن مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
ففي رواية علي بن أسباط عنه في حديث خيار الثلاثة أن أحداث السنة ترد
بعد السنة، قلت: وما أحداث السنة قال الجنون والجذام والبرص والقرن، فمن
اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من
يوم اشتراه.
وفي رواية ابن فضال المحكية عن الخصال في أربعة أشياء خيار سنة الجنون
والجذام والقرن والبرص. وفي رواية أخرى له عنه (عليه السلام) قال ترد الجارية مع أربع
خصال من الجنون والجذام والبرص والقرن والحدبة. هكذا في التهذيب.
وفي الكافي القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج الصدر،
انتهى.
ومراده أن الحدب ليس خامسا لها لأن القرن يرجع إلى حدب في الفرج لكن
المعروف أنه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطئ.
وفي الصحيح عن محمد بن علي قيل وهو مجهول واحتمل بعض كونه الحلبي
عنه (عليه السلام) قال يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والبرص والقرن. قال: قلت
وكيف يرد من أحداث، فقال: هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا
فحدث فيه هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددت على صاحبه. وهذه الرواية
لم يذكر فيها الجذام مع ورودها في مقام التحديد والضبط لهذه الأمور فيمكن أن
يدعي معارضتها لباقي الأخبار المتقدمة.
ومن هنا استشكل المحقق الأردبيلي في الجذام وليس التعارض من باب
المطلق والمقيد كما ذكره في الحدائق ردا على الأردبيلي (رحمه الله) إلا أن يريد أن التعارض
يشبه تعارض المطلق والمقيد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمال يجري في
معارضه وهو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام فإنه أقرب الاحتمالات
المتطرقة فيما نحن فيه.

191
ويمكن أن يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها على المشتري
بمجرد حدوث الجذام فلا معنى للرد وحينئذ فيشكل الحكم بالرد في باقي الأخبار
ووجهه في المسالك بأن عتقه على المشتري موقوف على ظهور الجذام بالفعل ويكفي
في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس الأمر وإن لم يظهر فيكون سبب
الخيار مقدما على سبب العتق. فإن فسخ انعتق على البائع وإن أمضى انعتق على
المشتري.
وفيه أولا: إن ظاهر هذه الأخبار أن سبب الخيار ظهور هذه الأمراض لأنه
المعني بقوله فحدث فيه هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة ولولا ذلك لكفي وجود
موادها في السنة، وإن تأخر ظهورها عنها ولو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة
قبل انقضاء السنة وهذا مما لا أظن أحدا يلتزمه مع أنه لو كان الموجب للخيار هي
مواد هذه الأمراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري، فلتكن
مانعة من الرد لعدم قيام المال بعينه حينئذ، فيكون في التزام خروج هذه العيوب من
عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيصا آخر للعمومات.
وثانيا: إن سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطرو سببه بل ينبغي أن
يكون الانعتاق القهري سببه مانعا شرعيا، بمنزلة المانع العقلي عن الرد كالموت. ولذا
لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام فلا أظن أحدا يلتزم عدم الانعتاق إلا بعد
لزوم البيع خصوصا مع بناء العتق على التغليب هذا.
ولكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة والاجماع
المدعى في السرائر والغنية مشكل فيمكن العمل بها في موردها أو الحكم من أجلها
بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق على إمضاء العقد ولو في غير المقام ثم
لو فسخ المشتري فانعتاقه على البائع موقوف على دلالة الدليل على عدم جواز تملك
المجذوم لا أن جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في
ملكه، ثم إن زيادة القرن ليس في كلام الأكثر فيظهر منهم العدم فنسبة المسالك
الحكم في الأربعة إلى المشهور كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتا عن
الخلاف فيه.
وعن التحرير نسبه إلى أبي علي وفي مفتاح الكرامة أنه لم يظفر بقائل غير

192
الشهيدين وأبي علي ومن هنا تأمل المحقق الأردبيلي من عدم صحة الأخبار
وفقد الانجبار، ثم إن ظاهر اطلاق الأخبار على وجه يبعد التقييد فيها شمول الحكم
لصورة التصرف لكن المشهور تقييد الحكم بغيرها ونسب إليهم جواز الأرش قبل
التصرف وتعينه بعده والأخبار خالية عنه وكلاهما مشكل إلا أن الظن من كلمات
بعض عدم الخلاف الصريح فيهما لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطئ والشيخ وابن
زهرة لم يذكر التصرف ولا الأرش.
نعم ظاهر الحلي الاجماع على تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة وأن
هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة إلا أن الفارق ضمان هذه إذا حدثت في
السنة بعد القبض وانقضاء الخيار ولو ثبت أن أصل هذه الأمراض تكمن قبل سنة
من ظهورها وثبت أن أخذ الأرش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق
للقاعدة ثبت الأرش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الأمراض الكامنة في المبيع
لا بهذه الأمراض الظاهرة فيه.
قال في المقنعة ويرد العبد والأمة من الجنون والجذام والبرص ما بين ابتياعها
وبين سنة واحدة ولا يرد أن بعد سنة وذلك أن أصل هذه الأمراض يتقدم ظهورها
بسنة ولا يتقدم بأزيد فإن وطئ المبتاع الأمة في هذه السنة لم يجز له ردها وكان له
قيمة ما بينها صحيحة وسقيمة، انتهى.
وظاهره أن نفس هذه الأمراض يتقدم بسنة ولذا أورد عليه في السرائر أن
هذا موجب لانعتاق المملوك على البائع فلا يصح البيع ويمكن أن يريد به ما ذكرنا
من إرادة مواد هذه الأمراض.
خاتمة:
في عيوب متفرقة قال في التذكرة: إن الكفر ليس عيبا في العبد ولا الجارية، ثم
استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجس
والتوثن دون التهود والتنصر، والأقوى كونه موجبا للرد في غير المجلوب وإن كان
أصلا في المماليك إلا أن الغالب في غير المجلوب الاسلام فهو نقص موجب لتنفر
الطباع عنه

193
خصوصا بما حظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات.
نعم الظاهر عدم الأرش فيه لعدم صدق العيب عليه عرفا وعدم كونه نقصا أو
زيادة في أصل الخلقة ولو ظهرت الأمة محرمة على المشتري برضاع أو نسب،
فالظاهر عدم الرد به لأنه لا يعد نقصا بالنوع ولا عبرة بخصوص المشتري ولو ظهر
ممن ينعتق عليه، فكذلك كما في التذكرة معللا بأنه ليس نقصا عند كل الناس وعدم
نقص ماليته عند غيره. وفي التذكرة لو ظهر أن البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية
أو أمانة، ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال.
أقول الأقوى عدمه. وكذا لو اشترى ما عليه أثر الوقف. نعم لو كان عليه
أمارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد لقلة رغبة الناس في تملك مثله وتأثير ذلك في
نقصان قيمته عن قيمة أصل الشئ لو خلي وطبعه أثرا بينا وذكر في التذكرة أن
الصيام والاحرام والاعتداد ليست عيوبا.
أقول أما عدم ايجابها الأرش فلا اشكال فيه. وأما عدم ايجابها الرد ففيه
اشكال إذا فات بها الانتفاع في مدة طويلة فإنه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا.
وقال أيضا إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو شاربا
للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا اشكال أقربه العدم.
وقال لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سئ الأدب أو ولد زنا
أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا فلا رد ويرد الدابة بالزهادة، وكون الأمة
عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض، انتهى.
ومراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي قال في التذكرة في آخر ذكر
موجبات الرد: والضابط أن الرد يثبت بكلما في المعقود عليه من منقص القيمة أو
العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه،
انتهى.

194
القول في الأرش وهو {1} لغة، كما في الصحاح وعن المصباح دية الجراحات،
عن القاموس أنه الدية ويظهر من الأولين أنه في الأصل اسم للفساد، ويطلق في كلام
الفقهاء على مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن، ولم يقدر له في الشرع
مقدر، وعن حواشي الشهيد قدس سره أنه يطلق بالاشتراك اللفظي على معان:
منها ما نحن فيه، ومنها نقص القيمة لجناية الانسان على عبد غيره في غير
المقدر الشرعي ومنها ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد. ومنها أكثر
الأمرين من المقدر الشرعي والأرش، وهو ما تلف بجناية الغاصب، انتهى.
وفي جعل ذلك من الاشتراك اللفظي إشارة إلى أن هذا اللفظ قد اصطلح في
خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعنى اللغوي مع قطع
النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها وبين الآخر، فلا يكون مشتركا معنويا بينهما
ولا حقيقة ومجازا. فهي كلها منقولات عن المعنى اللغوي بعلاقة الاطلاق والتقييد
وما ذكرناه في تعريف الأرش، فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني، كما يظهر بالتأمل.
وكيف كان، فقد ظهر من تعريف الأرش أنه لا يثبت إلا مع ضمان النقص
المذكور {2}

195
ثم إن ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص {1} وهو الأصل، فإن كان
مضمونا بقيمته كالمغصوب والمستام وشبههما، ويسمى ضمان اليد كان النقص
مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت على الكل، وإن كان مضمونا بعوض بمعنى أن
فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمى في المعاوضة ويسمى ضمانه ضمان المعاوضة
كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع على مجموع الناقص والمنقوص لا
نفس قيمة العيب، لأن الجزء تابع للكل في الصمان. ولذا عرف جماعة الأرش في عيب
المثمن فيما نحن فيه: بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح
والمعيب إلى الصحيح، وذلك لأن ضمان تمام المبيع الصحيح على البائع ضمان المعاوضة
بمعنى أن البائع ضامن لتسليم المبيع تاما إلى المشتري فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه
بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته.

196
نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء، كأكثر النصوص، يوهم إرادة قيمة العيب
كلها إلا أنها محمولة على الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما
فيها من أن البائع يرد على المشتري، وظاهره كون المردود شيئا من الثمن {1} الظاهر
في عدم زيادته عليه بل في نقصانه فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد على الثمن
في بعض الأوقات كما إذا اشترى جارية بدينارين وكان معيبها تسوي مائة
وصحيحها تسوي أزيد، فيلزم استحقاق مائة دينار فإذا لم يكن مثل هذا الفرد
داخلا بقرينة عدم صدق الرد والاسترجاع تعين كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم
استيعاب التفاوت للثمن، فإذا بني الأمر على ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص
بما هو الغالب من اشتراء الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة. وقد توهم
بعض من لا تحصيل له أن العيب إذا كان في الثمن كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح
والمعيب ومنشأه ما يتراءى في الغالب من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا
لقيمة المبيع، فإذا ظهر معيبا وجب تصحيحه

197
ببذل تمام التفاوت وإلا، فلو فرض أنه اشترى عبدا بجارية تسوي معيبها
أضعاف قيمته فإنه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها ومعيبها قطعا وكيف
كان، فالظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في ذلك وإن كان المترائي من الأخبار خلافه
إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه.
نعم يشكل الأمر في المقام من جهة أخرى وهي أن مقتضى ضمان وصف
الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له
حين العقد كما هو شأن الجزء المفقود من المبيع، مع أنه لم يقل به أحد، ويلزم من ذلك
أيضا تعين أخذ الأرش من الثمن مع أن ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة.
وتوضيحه أن الأرش لتتميم المعيب حتى يصير مقابلا للثمن لا لتنقيص الثمن
حتى يصير مقابلا للمعيب. ولذا سمي أرشا كسائر الأروش المتداركة للنقائص
فضمان العيب على هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين، لأن ضمان المعاوضة
يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة إلى الفائت المضمون ومقابله إذ لا معنى له غير
ضمان الشئ وأجزائه بعوضه المسمى وأجزائه

198
والضمان الآخر يقتضي ضمان الشئ بقيمته الواقعية، فلا أوثق من أن يقال إن
مقتضى المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة وصف الصحة بشئ من الثمن لأنه أمر معنوي
كسائر الأوصاف. ولذا لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدرا حصل الربا من جهة
صدق الزيادة وعدم عد العيب نقصا يتدارك بشئ من مقابله إلا أن الدليل من
النص والاجماع دل على ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف وكونه في عهدة البائع
بمعنى وجود تداركه بمقدار من الثمن يضاف إلى ما يقابل بأصل المبيع لأجل اتصافه
بوصف الصحة، فإن هذا الوصف كسائر الأوصاف وإن لم يقابله شئ من الثمن، لكن
له مدخل في وجود مقدار من الثمن {1} وعدمه، فإذا تعهده البائع كان للمشتري
مطالبته بخروجه عن عهدته بأداء ما كان يلاحظ من الثمن لأجله وللمشتري أيضا
اسقاط هذا الالتزام عنه.

199




(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 7.
(2) نفس المصدر حديث 8.
(3) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 3.
(4) نفس المصدر حديث 2.
200
نعم يبقى الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن كما هو
ظاهر تعريف الأرش في كلام الأكثر بأنه جزء من الثمن أو بمقداره، كما هو مختار
العلامة في صريح التذكرة وظاهر غيرها والشهيدين في كتبهما وجهان: تردد بينهما في
جامع المقاصد وأقواهما الثاني {1} لأصالة عدم تسلط المشتري على شئ من الثمن
وبراءة ذمة البائع من وجوب دفعه، لأن المتيقن من مخالفة الأصل ضمان البائع
لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الاقدام من المتعاقدين على
زيادته على الثمن لداعي وجود هذه الصفة لا في مقابلها مضافا إلى اطلاق قوله (عليه السلام)
بجزء من عين الثمن عدا ما يتراءى من ظاهر التعبير في روايات الأرش عن تدارك
العيب برد التفاوت إلى المشتري،



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام الخيار حديث 2.
(2) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
201
الظاهر في كون المردود شيئا كان عنده أولا وهو بعض الثمن، {1} لكن التأمل
التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة أن الغالب وصول الثمن إلى البائع وكونه من
النقدين، فالرد باعتبار النوع لا الشخص {2} ومن ذلك ظهر أن قوله (عليه السلام) في رواية
ابن سنان. ويوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 7.
(2) نفس المصدر حديث 8.
(3) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 2.
202
محمول على الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري، {1} فإذا اشتغلت ذمة
البائع بالأرش حسب المشتري عند أداء الثمن ما في ذمته عليه،



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
(2) الوسائل - باب 16 - من أبواب الخيار حديث 2.
203
ثم على المختار من عدم تعينه من عين الثمن.
فالظاهر تعينه من النقدين {1} لأنهما الأصل في ضمان المضمونات إلا أن
يتراضى غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة، واستظهر المحقق الثاني من عبارة
القواعد والتحرير بل الدروس عدم تعينه منهما، {2} حيث حكما في باب الصرف
بأنه لو وجد عيب في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير
النقدين ولم يجز منهما،

204
فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية إنما يرجع فيها إلى النقدين، فكيف الحق
الثابت باعتبار نقصان في أحدهما {1} ويمكن رفع هذا الاشكال بأن المضمون
بالنقدين هي الأموال المتعينة المستقرة والثابت هنا ليس مالا في الذمة وإلا بطل
البيع، {2} فيما قابله من الصحيح لعدم وصول عوضه قبل التفرق وإنما هو حق لو
أعمله جاز له مطالبة المال، فإذا اختار الأرش من غير النقدين ابتداء ورضي به
الآخر فمختاره نفس الأرش لا عوض عنه.
نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه، كما أن لذي الخيار مطالبة النقدين في
غير هذا المقام وإن لم يكن للآخر الامتناع حينئذ.
وبالجملة فليس هنا شئ معين ثابت في الذمة إلا أن دفع غير النقدين يتوقف
على رضا ذي الخيار ويكون نفس الأرش بخلاف دفع النقدين، فإنه إذا اختير غير
هما لم يتعين للأرشية

205
ثم قد تبين مما ذكرنا في معنى الأرش أنه لا يكون إلا مقدارا مساويا لبعض
الثمن ولا يعقل أن يكون مستغرقا له، {1} لأن المعيب إن لم يكن مما يتمول ويبذل في
مقابلة شئ من المال بطل بيعه وإلا فلا بد من أن يبقى له من الثمن قسط. نعم ربما
يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع
بقاء الشئ على صفة التملك بناء على أن مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ
العقد به، بل يأخذ المشتري أرش العيب وهو هنا مقدار تمام الثمن، لكن عدم الحاقه
بالتلف مشكل، بناء على أن العيب إذا كان مضمونا على البائع بمقتضى قوله (عليه السلام) إن
حدث في الحيوان حدث فهو من مال البائع حتى تنقضي خياره كان هذا العيب كأنه
حدث في ملك البائع والمفروض أنه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه
باطلا، لعدم كونه متمولا يبذل بإزائه شئ من المال فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا
حدث مثل هذا بعده مضمونا على البائع إلا أن يمنع ذلك وأن ضمانه على البائع بمعنى
الحكم بكون دركه عليه، فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا

206
الحكم لا مطلقا حتى ينفسخ العقد به، ويرجع هذا الملك الموجود الغير المتمول
إلى البائع، بل لو فرضنا حدوث العيب على وجه أخرجه عن الملك فلا دليل على
الحاقه بالتلف، بل يبقى العين الغير المملوكة حقا للمشتري وإن لم يكن ملكا له
كالخمر المتخذ للتخليل ويأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشا لا من باب انفساخ
العقد هذا إلا أن العلامة قدس سره في القواعد والتذكرة والتحرير ومحكي النهاية يظهر منه
الأرش المستوعب في العيب المتقدم على العقد الذي ذكرنا أنه لا يعقل فيه استيعاب
الأرش للثمن.
قال في القواعد: لو باع العبد الجاني خطأ ضمن أقل الأمرين على رأي،
والأرش على رأي {1} وصح البيع إن كان موسرا، وإلا تخير المجني عليه ولو كان
عمدا وقف على إجازة المجني عليه ويضمن الأقل من الأرش والقيمة لا الثمن
معها، {2} وللمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع بالثمن أو الأرش {3} فإن استوعب
الجناية القيمة، فالأرش ثمنه أيضا وإلا فقدر الأرش {4} ولا يرجع لو كان عالما وله
أن يفديه، كالمالك ولا يرجع به عليه،

207
ولو اقتص منه فلا رد وله الأرش وهو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا وغير
جان من الثمن، انتهى.
وذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب، وقال في أوائل البيع من
التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني ولو كان المولى معسرا لم يسقط حق المجني عليه من
الرقبة ما لم يجز البيع أولا فإن البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه ولا يحصل من
ذمة المعسر فيبقى حق المجني عليه مقدما على حق المشتري ويتخير المشتري الجاهل
في الفسخ ويرجع بالثمن وبه قال أحمد وبعض الشافعية أو مع الاستيعاب لأن أرش
مثل هذا جميع ثمنه وإن لم يستوعب يرجع بقدر أرشه ولو كان عالما بتعلق الحق به فلا
رجوع إلى أن قال: وإن أوجبت الجناية قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الأرش
والرد فإن اقتص منه احتمل تعين الأرش وهو قسط قيمة ما بينه جانيا وغير جان
ولا يبطل البيع من أصله لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب
الرجوع بجميع الثمن كالمريض والمرتد

208
وقال أبو حنيفة والشافعي يرجع بجميع ثمنه لأن تلفه لأمر استحق عليه عند
البائع فجرى مجرى اتلافه، انتهى.
وقال في التحرير في بيع الجاني خطأ ولو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجني
عليه عن رقبة العبد، وللمشتري الفسخ مع عدم علمه فإن فسخ رجع بالثمن وإن لم
يفسخ واستوعبت الجناية قيمته وانتزعت يرجع المشتري بالثمن أيضا، وإن لم
تستوعب قيمته رجع بقدر الأرش ولو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم
يرجع بشئ ولو اختار المشتري أن يفديه جاز ورجع به على البائع مع الإذن وإلا
فلا، انتهى.



(1) الوسائل - باب 41 - من أبواب القصاص في النفس.
(2) نفس المصدر.
209
قوله وانتزعت إما راجع إلى رقبة العبد أو إلى القيمة إذا باع المجني عليه وأخذ
قيمته وهذا القيد غير موجود في باقي عبارات العلامة في كتبه الثلاثة وكيف كان
فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته. إما أن يكون له قيمة تبذل
بإزائه أو لا.
وعلى الثاني: فينبغي بطلان البيع، {1} ولو قيل إن انتزاعه عن ملك المشتري
لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته على البائع كان اللازم من ذلك مع بعده في
نفسه أن يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا.
وقد عرفت من التذكرة والقواعد الحكم بقسط من الثمن فيه.
وبالجملة فالمسألة محل تأمل والله العالم.



(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب كتاب الحجر - النساء: 6.
210
مسألة: يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح والمعيب {1} ليعرف التفاوت
بينهما فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت وإذا لم يكن القيمة معلومة فلا بد من
الرجوع إلى العارف بها وهو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند
أهل البلد أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة كمن
يخبر بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا. وهذا داخل في الشهادة يعتبر
فيها جميع ما يعتبر في الشهادة على سائر المحسوسات من العدالة والاخبار عن
الحس والتعدد، وقد يخبر عن نظره وحدسه من جهة كثرة مما رسته أشباه هذا الشئ
وإن لم يتفق اطلاعه على مقدار رغبة الناس في أمثاله

211
وهذا يحتاج إلى الصفات السابقة {1} وزيادة المعرفة والخبرة بهذا الجنس
ويقال له بهذا الاعتبار أهل الخبرة وقد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في
المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته على تقدير العلم بالخصوصيات واضحة
كالصائغ العارف بأصناف الذهب والفضة من حيث الجودة والرداءة مع كون قيمة
الجيد والردي محفوظة عند الناس معروفة بينهم فقوله هذا قيمته كذا يريد به أنه من
جنس قيمته كذا وهذا في الحقيقة لا يدخل في المقوم وكذا القسم الأول فمرادهم
بالمقوم هو الثاني.

212
لكن الأظهر عدم التفرقة بين الأقسام من حيث اعتبار شروط القبول وإن
احتمل في غير الأول الاكتفاء بالواحد. {1} أما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد وأما
لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم ويلزم من طرح قول العادل
الواحد والأخذ بالأقل لأصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشتري في أكثر
المقامات. وأما لعموم ما دل على قبول قول العادل خرج منها ما كان من قبيل
الشهادة كالقسم الأول دون ما كان من قبيل الفتوى كالثاني لكونه ناشئا عن حدس
واجتهاد وتتبع الأشباه والأنظار وقياسه عليها حتى أنه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي
أن يبذل بإزائه كذا وكذا وإن لم يوجد راغب يبذل له ذلك ثم لو تعذر معرفة القيمة
لفقد أهل الخبرة أو توقفهم. ففي كفاية الظن أو الأخذ بالأقل وجهان {2} ويحتمل
ضعيفا الأخذ بالأكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون إلا به. {3}

213
مسألة: لو تعارض المقومون فيحتمل تقديم بينة الأقل للأصل وبينة الأكثر
لأنها مثبتة، والقرعة لأنها لكل أمر مشتبه، والرجوع إلى الصلح لتشبث كل من
المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية، والمورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع،
وتخيير الحاكم لامتناع الجمع وفقد المرجح، لكن الأقوى من الكل ما عليه المعظم
من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، {1} لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل
به، {2} فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه، فإذا قوم
أحدهما بعشرة، فقد قوم كلا من نصفه بخمسة، وإذا قوم الآخر بثمانية، فقد قوم كلا
من نصفه بأربعة، فيعمل بكل منهما في نصف المبيع، وقولاهما وإن كانا متعارضين في
النصف أيضا، كالكل، فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين في النصفين، إلا أن طرح قول
كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولى في مقام امتثال أدلة العمل

214
بكل بينة من طرح كلتيهما أو إحداهما رأسا. وهذا معنى قولهم إن الجمع بين
الدليلين والعمل بكل منهما ولو من وجه أولى من طرح أحدهما رأسا.
ولذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة: الحكم بالتنصيف فيما لو
تعارضت البينتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل منهما بل ما نحن فيه أولى بمراعاة
هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالى لأن الأخذ بأحد هما كلية
وترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية الإلهية لا ينقص عن التبعيض من حيث
مراعاة حق الله سبحانه لرجوع الكل إلى امتثال أمر الله سبحانه بخلاف مقام
التكليف بإحقاق حقوق الناس. فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس ومراعاة
للجميع ولو في الجملة. ولعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب
حقوق الناس في شئ من الموارد.

215
وقد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق، لأن مرجع
بينة النفي إلى عدم وصول نظرها وحدسها إلى الزيادة، فبينة الاثبات المدعية
للزيادة سليمة {1} وأخرى بأن الجمع فرع عدم اعتضاد إحدى البينتين بمرجح
وأصالة البراءة هنا مرجحة وللبينة الحاكمة بالأقل.
وثالثة: بأن في الجمع مخالفة قطعية وإن كان فيه موافقة قطعية لكن التخيير
الذي لا يكون فيه إلا مخالفة احتمالية أولى منه ويندفع الأول بأن المفروض أن بينة
النفي تشهد بالقطع على نفي الزيادة واقعا، وأن بذل الزائد في مقابل المبيع سفه ويندفع
الثاني بما قررناه في الأصول من أن الأصول الظاهرية لا تصير مرجحة للأدلة
الاجتهادية



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب أحكام الصلح.
216
بل تصلح مرجعا في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط
الدلالة فيهما لأجل التعارض كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق
أحدهما للأصل، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل.
والحاصل أن بينة الزيادة تثبت أمرا مخالفا للأصل ومعارضتها بالأخرى
النافية لها لا توجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح فيجمع بين النفي والاثبات في
النصفين ويندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية الغير المشتملة على المخالفة
القطعية على الموافقة القطعية المشتملة عليها. إنما هو في مقام الإطاعة والمعصية
الراجعتين إلى الانقياد والتجري



(1) الوسائل - باب 13 - من أبواب كيفية الحكم كتاب القضاء.
(2) الوسائل - باب 12 - من أبواب كيفية الحكم حديث 11.
217
حيث إن ترك التجري أولى من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام احقاق
حقوق الناس فإن مراعاة الجميع أولى من إهمال أحدهما رأسا وإن اشتمل على
اعمال الآخر إذ ليس الحق فيهما لواحد معين كما في حقوق الله سبحانه ثم إن قاعدة
الجمع حاكمة على دليل القرعة لأن المأمور به هو العمل بكل من الدليلين لا بالواقع
المردد بينهما إذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع فهما سببان مؤثران بحكم الشارع في
حقوق الناس فيجب مراعاتها واعمال أسبابها بقدر الامكان إذ لا ينفع توفية حق
واحد مع إهمال حق الآخر رأسا على النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع،



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب كيفية الحكم كتاب القضاء.
218
ثم إن المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح فيؤخذ من
القيمتين للصحيح نصفهما، ومن الثلث ثلثهما ومن الأربع ربعهما وهكذا في
المعيب. {1}
ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح وبين المأخوذ للمعيب ويؤخذ بتلك
النسبة فإذا كان إحدى قيمتي الصحيح اثني عشر والأخرى ستة وإحدى قيمتي
المعيب أربعة والأخرى اثنين {2} أخذ للصحيح تسعة وللمعيب ثلاثة والتفاوت
بالثلثين فيكون الأرش ثلثي الثمن. ويمكن أيضا على وجه التنصيف فيما به التفاوت
بين القيمتين بأن تعمل في نصفه بقول المثبت للزيادة. وفي نصفه الآخر بقول النافي
فإذا قومه إحداهما باثني عشر والأخرى بثمانية أخذ في نصف الأربعة بقول المثبت
وفي نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقي البائع والمشتري

219
لكن الأظهر هو الجمع على النهج الأول ويحتمل الجمع بطريق آخر وهو أن
يرجع إلى البينة في مقدار التفاوت ويجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم
وهذا منسوب إلى الشهيد (قدس سره) على ما في الروضة.
وحاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور فإن التفاوت
الصحيح والمعيب على قول كل من البينتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الأول، وقد
يختلفان كما إذا كانت إحدى قيمتي الصحيح اثني عشر والأخرى ثمانية وقيمة المعيب
على الأول عشرة وعلى الثاني خمسة.
فعلى الأول: يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح أعني العشرة ونصف قيمتي
المعيب وهو سبعة ونصف. فالتفاوت بالربع، فالأرش ربع الثمن أعني ثلاثة من اثني
عشر لو فرض الثمن اثني عشر.
وعلى الثاني: يؤخذ التفاوت بين الصحيح والمعيب على إحدى البينتين
بالسدس وعلى الأخرى ثلاثة أثمان وبنصف المجموع أعني ستة ونصفا من اثني عشر
جزءا ويؤخذ نصفه وهو ثلاثة وربع وقد كان في الأول ثلاثة وقد ينقص عن الأول
كما إذا اتفقا على أن قيمة المعيب ستة. وقال إحداهما قيمة الصحيح ثمانية، وقال
الأخرى عشرة.
فعلى الأول: يجمع القيمتان ويؤخذ نصفهما تسعة ونسبته إلى الستة بالثلث.
وعلى الثاني: يكون التفاوت على إحدى البينتين ربعا وعلى الأخرى خمسين
فيؤخذ نصف الربع ونصف الخمسين، فيكون ثمنا وخمسا وهو ناقص عن الثلث
بنصف خمسين.
توضيح هذا المقام أن الاختلاف أما أن يكون في الصحيح فقط، مع اتفاقهما
على المعيب، وأما أن يكون في المعيب فقط، وأما أن يكون فيهما، فإن كان في الصحيح
فقط كما في المثال الأخير فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما لأنك قد عرفت أن
الملحوظ على طريق المشهور نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح المجعول
قيمة منتزعة وعلى الطريق الآخر نسبة المعيب إلى كل من القيمتين المستلزمة
لملاحظة أخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل

220
والمفروض في هذه الصورة أن نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح
التي هي طريقة المشهور مخالفة لنسبة نصفه إلى كل من النصفين لأن نسبة الكل إلى
الكل تساوي نسبة نصفه إلى كل من نصفي ذلك الكل وهو الأربعة والنصف في المثال
لا إلى كل من النصفين [البعضين] المركب منهما ذلك الكل كالأربعة والخمسة بل
النصف المنسوب إلى أحد بعض المنسوب إليه كالأربعة نسبة مغايرة لنسبته إلى
البعض الآخر، أعني الخمسة وهكذا غيره من الأمثلة.
وإن كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين أبدا،
لأن نسبة الصحيح إلى نصف مجموع قيمتي المعيب على ما هو طريق المشهور
مساوية لنسبة نصفه إلى نصف إحداهما ونصفه الآخر إلى نصف الأخرى كما إذا
اتفقا على كون الصحيح اثنا عشر، وقالت إحداهما المعيب ثمانية وقالت الأخرى
ستة فإن تفاوت السبعة والاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع
تفاوتي الثمانية مع الاثنا عشر والستة مع الاثنا عشر الأولين بالثلث والآخرين
بالنصف ونصفهما السدس والربع. وهذا بعينه تفاوت السبعة والاثني عشر وإن
اختلفا في الصحيح والمعيب فإن اتحدت النسبة بين الصحيح والمعيب {1} على كلا
البينتين فيتحد الطريقان دائما كما إذا قومه إحداهما صحيحا باثني عشر ومعيبا بستة
وقومه الأخرى صحيحا بستة ومعيبا بثلاثة فإن نصف الصحيحين أعني التسعة
تفاوته مع نصف مجموع المعيبين وهو الأربعة ونصف عين نصف تفاوتي الاثنا عشر
مع الستة والستة مع الثلاثة.

221
والحاصل أن كل صحيح ضعف المعيب، فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف
نصف المعيبين وإن اختلفت النسبة، فقد يختلف الطريقان وقد يتحدان وقد تقدم
مثالهما في أول المسألة.
ثم إن الأظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب إلى الشهيد (قدس سره)
وفاقا للمحكي عن ايضاح النافع حيث ذكر أن طريق المشهور ليس بجيد، ولم يذكر
وجهه ويمكن ارجاع كلام الأكثر إليه كما سيجئ. ووجه تعين هذا الطريق أن أخذ
القيمة من القيمتين على طريق المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين على الطريق
الثاني.
أما للجمع بين البينتين باعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا وأما لأجل أن
ذلك توسط بينهما لأجل الجمع بين الحقين بتنصيف ما به التفاوت نفيا واثباتا على
النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من
الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع أحدهما المردد بينهما من عند الودعي ولم
تكن هنا بينة تشهد لأحدهما بالاختصاص بل ولا ادعى أحدهما اختصاصه
بالدرهم الموجود.
فعلى الأول فاللازم وإن كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح والمعيب كما فعله
المشهور بأن يجمع الاثنا عشر والثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح في المثال المتقدم
ويؤخذ نصف إحداهما قيمة نصف المبيع صحيحا ونصف الأخرى قيمة للنصف
الآخر منه، ولازم ذلك كون تمامه بعشرة ويجمع قيمتا المعيب أعني العشرة والخمسة
ويؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما. ولازم ذلك كون تمام المبيع
بسبعة ونصف إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدى القيمتين أعني
العشرة إلى المجموع من نصف الأخرى أعني سبعة ونصفا، كما نسب إلى المشهور لأنه
إذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة
التفاوت بالنسبة إلى كل من النصفين صحيحا ومعيبا وأخذ الأرش لكل نصف على
حسب تفاوت صحيحه ومعيبه. فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح إلا باعتبار أن
نصفه مقوم بستة ونصفه الآخر بأربعة، وكذا السبعة والنصف ليست قيمة لمجموع
المعيب إلا باعتبار أن نصفه مقوم بخمسة ونصفه الآخر باثنين ونصف، فلا وجه
لأخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة والسبعة والنصف بل لا بد من أخذ تفاوت ما بين
الأربعة والاثنين ونصف لنصف منه وتفاوت ما بين الستة والخمسة للنصف الآخر.
وتوهم أن حكم شراء شئ تغاير قيمتا نصفيه

222
حكم ما لو اشترى بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا
ومعيبا بأن اشترى عبدا وجارية باثني عشر فظهرا معيبين والعبد يسوي أربعة
صحيحا واثنين ونصفا معيبا والجارية يسوي ستة صحيحة وخمسة معيبة فإنه لا شك
في أن اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة ومعيبة أعني
العشرة والسبعة والنصف وأخذ التفاوت وهو الربع من الثمن وهو ثلاثة إذا فرض
الثمن اثني عشر كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه.
مدفوع بأن الثمن في المثال لما كان موزعا على العبد والجارية بحسب قيمتهما
فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشا فقد أخذ للعبد ثلاثة أثمان قيمته وللجارية سدسها،
كما هو الطريق المختار لأنه أخذ من مقابل الجارية أعني سبعة وخمسا سدسه وهو
واحد وخمس ومن مقابل العبد أعني أربعة وأربعة أخماس ثلاثة أثمان وهو واحد
وأربعة أخماس، فالثلاثة التي هي ربع الثمن منطبق على السدس وثلاثة أثمان، بخلاف
ما نحن فيه، فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة أمر واحد، وهو
نصف الثمن، فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية والعبد في المثال
المفروض بثمن مساو للآخر، بأن اشترى كلا منهما بنصف الاثني عشر في عقد واحد
أو عقدين، فلا يجوز حينئذ أخذ الربع من اثني عشر بل المتعين حينئذ أن يؤخذ من
ستة الجارية سدس ومن ستة العبد اثنان وربع، فيصير مجموع الأرش ثلاثة وربعا

223
وهو المأخوذ في المثال المتقدم على الطريق الثاني.
وقد ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو شهادتهم بنفس
النسبة بين الصحيح والمعيب. وإن لم يذكروا القيم، هذا كله إذا كان مستند المشهور في
أخذ القيمة الوسطى العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع. وأما إذا كان المستند
مجرد الجمع بين الحقين على ما ذكرنا أخيرا بأن ينزل القيمة الزائدة ويرتفع الناقصة
على حد سواء فالمتعين الطريق الثاني أيضا، سواء شهدت البينتان بالقيمتين أم
شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح والمعيب.
أما إذا شهدتا بنفس التفاوت، فلأنه إذا شهدت إحداهما بأن التفاوت بين
الصحيح والمعيب بالسدس وهو الاثنان من اثني عشر وشهدت الأخرى بأنه بثلاثة
أثمان وهو الثلاثة من ثمانية زدنا على السدس ما تنقص من ثلاثة أثمان وصار كل
واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا ونصف سدس، وثمنه وهو من الثمن المفروض
اثني عشر ثلاثة وربع، كما ذكرنا سابقا،

224
وإن شهدت البينتان بالقيمتين، فمقتضى الجمع بين حقي البائع والمشتري في
مقام اعطاء الأرش وأخذه تعديل قيمتي كل من الصحيح والمعيب بالزيادة
والنقصان بأخذ قيمة نسبته إلى المعيب دون نسبة القيمة الزائدة وفوق نسبة الناقصة
فيؤخذ من الاثني عشر والعشرة من الثمانية والخمسة قيمتان للصحيح والمعيب نسبة
إحداهما إلى الأخرى يزيد على السدس بما ينقص من ثلاثة أثمان فيؤخذ قيمتان
يزيد صحيحهما على المعيب بسدس ونصف سدس وثمن سدس.
ومن هنا يمكن ارجاع كلام الأكثر إلى الطريق الثاني بأن يريدوا من أوسط
القيم المتعددة للصحيح والمعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منها من حيث نسبتهما
إلى قيمة الآخر، فيكون مرادهم من أخذ قيمتين للصحيح والمعيب قيمة متوسطة من
حيث نسبة إحداهما إلى الأخرى بين أقوال جميع البينات المقومين للصحيح
والفاسد، وليس في كلام الأكثر أنه يجمع قيم الصحيح وينتزع منها قيمة، وكذلك قيم
المعيب ثم تنسب إحدى القيمتين المنتزعين إلى الأخرى.

225
قال في المقنعة: فإن اختلف أهل الخبرة عمل على أوسط القيم ونحوه في النهاية.
وفي الشرائع حمل على الأوسط وبالجملة، فكل من عبر بالأوسط يحتمل أن يريد
الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد، هذا مع أن المستند في الجميع هو ما ذكرنا
من وجوب العمل بكل من البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم لو لم يكن بينة أصلا لكن
علمنا من الخارج أن قيمة الصحيح أما هذا وأما ذلك، وكذلك قيمة المعيب ولم نقل
حينئذ بالقرعة والأصل، فاللازم الاستناد في التنصيف إلى الجمع بين الحقين على هذا
الوجه.
وقد عرفت أن الجمع بتعديل التفاوت لأنه الحق دون خصوص القيمتين
المحتملتين والله العالم.
القول في الشروط التي يقع عليها العقد {1} وشروط صحتها وما يترتب على
صحيحها وفاسدها



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار، وباب 15 من أبواب بيع الحيوان، وباب 4 من أبواب المكاتبة وغيرها.
(2) الخلاف ج 2 ص 8.
226




(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار حديث 1.
(2) نفس المصدر حديث 2.
(3) نفس المصدر حديث 5.
(4) الوسائل باب 15 من أبواب بيع الحيوان حديث 1.
(5) نفس المصدر حديث 2.
227
الشرط يطلق في العرف على معنيين {1} أحدهما المعنى الحدثي وهو بهذا
المعنى مصدر شرط فهو شارط للأمر الفلاني وذلك الأمر مشروط وفلان مشروط
له أو عليه.

228
وفي القاموس أنه إلزام الشئ والتزامه في البيع وغيره، {1} وظاهره كون
استعماله في الالزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح، لكن لا اشكال في صحته لوقوعه
في الأخبار كثيرا مثل قوله (صلى الله عليه وآله) في حكاية بيع بريرة {2} إن قضاء الله أحق وشرطه
أوثق والولاء لمن أعتق



(1) ليس في النصوص المروية من طرقنا إلا قوله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق راجع الوسائل باب 52 من أبواب نكاح العبيد
والإماء، وباب 73 من أبواب كتاب العتق، وغيرها من كتب الحديث، نعم من طرق العامة ما تضمن الجملة بتمامها، وعن
دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق وشرط الله آكد.
229
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرد على مشترط عدم التزوج بامرأة أخرى في
النكاح إن شرط الله قبل شرطكم. {1}
وقوله ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري، {2} قلت: وفي غيره
قال هما بالخيار حتى يفترقا.
وقد أطلق على النذر أو العهد أو الوعد في بعض أخبار الشرط في النكاح {3}



(1) البقرة: 191.
(2) الوسائل - باب 20 - من أبواب المهور حديث 6 كتاب النكاح.
(3) الوسائل - باب 3 - من أبواب الخيار حديث 5.
(4) الوسائل - باب 20 من أبواب المهور حديث - 4 كتاب النكاح.
230
وقد اعتراف في الحدائق بأن اطلاق الشرط على البيع كثير في الأخبار. {1}
وأما دعوى كونه مجازا، فيدفعها مضافا إلى أولوية الاشتراك المعنوي وإلى أن
المتبادر من قوله شرط على نفسه كذا ليس إلا مجرد الالتزام استدلال الإمام (عليه السلام)
بالنبوي: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الذي أطلق فيه الشرط على
النذر أو العهد ومع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به. ولعله لم يلفت إلى
الاستعمالات التي ذكرناها وإلا لذكرها ولو بعنوان يشعر بمجازيتها.
ثم قد يتجوز في لفظ الشرط بهذا فيطلق على نفس المشروط كالخلق بمعنى
المخلوق فيراد به ما يلزمه الانسان على نفسه.
الثاني: ما يلزم من عدمه العدم، من دون ملاحظة أنه يلزم من وجوده
الوجود أولا



(1) الوسائل - باب 38 - من أبواب المهور حديث 6 كتاب النكاح.
(2) الوسائل - باب 9 - من أبواب السلف حديث 1.
231
وهو بهذا المعنى اسم جامد لا مصدر، فليس فعلا ولا حدثا {1} واشتقاق
المشروط منه ليس على الأصل كالشارط، ولذا ليسا بمتضايفين في الفعل
والانفعال، {2} بل الشارط هو الجاعل والمشروط هو ما جعل له الشرط كالمسبب
بالكسر والفتح المشتقين من السبب، فعلم من ذلك أن الشرط في المعنيين نظير
الأمر بمعنى الشئ وأما استعماله في ألسنة النحاة على الجملة الواقعة عقيب أدوات
الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من إفادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا
بالمعنى الثاني، كما أن استعماله في ألسنة أهل المعقول والأصول، فيما يلزم من عدمه
العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود، مأخوذ من ذلك المعنى. إلا أنه أضيف إليه ما
ذكر في اصطلاحهم مقابلا للسبب، فقد تلخص مما ذكرنا أن للشرط معنيين عرفيين
وآخرين اصطلاحيين {3} لا يحمل عليهما الاطلاقات العرفية بل هي مرددة بين
الأوليين، فإن قامت قرينة على إرادة المصدر الأول أو على إرادة الجامد تعين الثاني
وإلا حصل الاجمال.

232
وظهر أيضا أن المراد بالشرط في قولهم صلوات الله عليهم المؤمنون عند
شروطهم هو الشرط باعتبار كونه مصدرا. أما مستعملا في معناه أعني إلزاما على أنفسهم وأما مستعملا بمعنى
ملتزماتهم. وأما بمعنى جعل الشئ شرطا بالمعنى الثاني
بمعنى التزام عدم شئ عند عدم آخر، وسيجئ الكلام في ذلك. وأما الشرط في قوله
ما الشرط في الحيوان قال: ثلاثة أيام للمشتري قلت: وما الشرط في غيره؟ قال:
البيعان بالخيار حتى يفترقا. وقوله الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط
أو لم يشترط، فيحتمل أن يراد به ما قرره الشارع وألزمه على المتبايعين أو أحدهما
من التسلط على الفسخ فيكون مصدرا بمعنى المفعول، فيكون المراد به نفس الخيار
المحدود من الشارع، ويحتمل أن يراد به الحكم الشرعي المقرر وهو ثبوت الخيار
وعلى كل تقدير ففي الأخبار عنه بقوله ثلاثة أيام مسامحة، نعم في بعض الأخبار في
الحيوان كله شرط ثلاثة أيام ولا يخفى توقفه على التوجيه {1}
الكلام في شروط صحة الشرط وهي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها
أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف، {2} فيخرج ما لا يقدر العاقد على
تسليمه إلى صاحبه سواء كان صفة لا يقدر على العاقد على تسليم العين موصوفا بها

233
مثل صيرورة الزرع سنبلا وكون الأمة والدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا،
أو كان عملا كجعل الزرع سنبلا والبسر تمرا كما مثل به في القواعد.
لكن الظاهر أن المراد به جعل الله الزرع والبسر سنبلا وتمرا {1} والغرض
الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته، كأفعال الله سبحانه

234
لا عن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه، لأن الالزام والالتزام
بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء، {1} والاحتراز عن مثل الجمع
بين الضدين أو الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء، والاتيان بالقيد المخرج لذلك
والحكم عليه بعدم الجواز والصحة بعيد عن شأن الفقهاء.
لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك في باب الإجارة والجعالة، مع أن اشتراط كون الفعل
سائغا يغني عن اشتراط القدرة. {2}
نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه في
المستقبل وارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به وواقعا عليه أمر صحيح
عند العقلاء مطلوب لهم بل أولى بالاشتراط من الوصف الخالي الغير المعلوم تحققه،
ككون العبد كاتبا والحيوان حاملا، والغرض الاحتراز عن ذلك.
ويدل على ما ذكرنا تعبير أكثر هم ببلوغ الزرع والبسر سنبلا وتمرا أو
لصيرورتهما كذلك، وتمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة وايناعها وحمل الدابة فيما بعد
ووضع الحامل في وقت كذا وغير ذلك.
{1} وما أفاده المصنف (رحمه الله): من أن الالزام والالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو
عادة مما لا يرتكبه العقلاء، والاتيان بالقيد المخرج لذلك والحكم عليه بعدم الجواز بعيد عن
شأن الفقهاء
يرد عليه: أن الشرط حقيقته ربط العقد بشئ كما اعترف به، فكما أن العقلاء
يربطون عقودهم بفعل الغير على ما صرح به كذلك يربطونها بالمحال.
وبالجملة لا كلام في عدم لزوم الوفاء بالشرط المحال، إنما الكلام في أنه هل يصح
ربط العقد به أم لا بحيث يثبت للمشروط له الخيار مع عدم تحققه؟
والأظهر جواز ذلك.
{2} قوله مع أن اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة
يتم ذلك إذا كان المراد به السائغ الشرعي - وأما إذا كان المراد أعم منه ومما يسوغ
عقلا فلا يتم فإن المحال أيضا سائغ عقلا ولم يرد فيه منع شرعي.

235
وقال في القواعد يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون
غيره كجعل الزرع سنبلا، والبسر تمرا، قال الشهيد (رحمه الله) في محكي حواشيه على
القواعد أن المراد جعل الله الزرع سنبلا والبسر تمرا، لأنا إنما نفرض فيما يجوز أن
يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الإله جلت عظمته، انتهى.
لكن قال في الشرائع ولا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره، كبيع الزرع
على أن يجعله سنبلا والرطب على أن يجعله تمرا، انتهى. ونحوها عبارة التذكرة لكن
لا بد من ارجاعها إلى ما ذكر، إذ لا يتصور القصد من العاقل إلى الالزام بهذا الممتنع
العقلي، اللهم إلا أن يراد اعمال مقدمات الجعل على وجه توصل إليه مع التزام
الايصال، فأسند الجعل إلى نفسه بهذا الاعتبار، فافهم. {1}
وكيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور مضافا إلى عدم الخلاف
فيه {2} عدم القدرة على تسليمه {3} بل ولا على تسليم المبيع إذا أخذ متصفا به، لأن
تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق

236
ولا يناط بإرادة المشروط عليه، فيلزم الغرر في العقد {1} لارتباطه بما لا
وثوق بتحققه. ولذا نفى الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط
استنادا على عدم القدرة على تسليم المبيع، كما يظهر بالتأمل في آخر كلامه في هذه
المسألة.

237
ولا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع
كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا، للفرق بينهما بعد الاجماع بأن التزام وجود
الصفة في الحال بناء على وجود الوصف الحالي، {1} ولو لم يعلما به، فاشتراط كتابة
العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفه به، أو بهذا المقدار يرتفع الغرر، بخلاف ما
سيتحقق في المستقبل فإن الارتباط به لا يدل على البناء على تحققه. وقد صرح
العلامة، فيما حكي عنه ببطلان اشتراط أن يكون الأمة تحمل في المستقبل، لأنه غرر
عرفا خلافا للمحكي عن الشيخ والقاضي فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل،
وبجواز الفسخ إذا لم يتحقق، وظاهر هما كما استفاده في الدروس تزلزل العقد
باشتراط مجهول التحقق، فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط

238
ويمكن توجيه كلام الشيخ بارجاع اشتراط الحمل في المستقبل إلى اشتراط
صفة حالية موجبة للحمل، فعدمه كاشف عن فقدها. وهذا الشرط وإن كان للتأمل
في صحته مجال {1} إلا أن إرادة هذا المعنى تخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت
القدرة عن الخلاف.
ثم إن عدم القدرة على الشرط تارة لعدم مدخليته فيه أصلا، كاشتراط أن
الحامل تضع في شهر كذا، {2} وأخرى لعدم استقلاله فيه، كاشتراط بيع المبيع من
زيد، فإن المقدور هو الايجاب فقط لا العقد المركب، فإن أراد اشتراط المركب،
فالظاهر دخوله في اشتراط غير المقدور إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة بعد جزمه
بصحة اشتراط بيعه على زيد قال لو اشترط بيعه على زيد، فامتنع زيد من شرائه
احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ والامضاء والعدم إذ تقديره بعه على زيد إن اشتراه،
انتهى.
ولا أعرف وجها للاحتمال الأول إذ على تقدير إرادة اشتراط الايجاب فقط
قد حصل الشرط وعلى تقدير إرادة اشتراط المجموع المركب ينبغي البطلان، إلا أن
يحمل على صورة الوثوق بالاشتراء، فاشتراط النتيجة بناء على حصولها بمجرد
الايجاب فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط، وعليه يحمل قوله في
التذكرة ولو اشترط على البائع إقامة كفيل على العهدة، فلم يوجد أو امتنع المعين
ثبت للمشتري الخيار، انتهى.

239
ومن أفراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا على سبب
خاص، {1} بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون
امرأة مزوجة أو الزوجة مطلقة من غير أن يراد من ذلك ايجاد الأسباب. أما لو أراد
ايجاد الأسباب أو كان الشرط مما يكفي في تحققه نفس الاشتراط فلا اشكال، ولو
شك في حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة، فسيأتي الكلام فيه في حكم
الشرط.
الثاني: أن يكون الشرط سائغا في نفسه، {2} فلا يجوز اشتراط جعل العنب
خمرا ونحوه من المحرمات، لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم. {3} ويدل عليه ما سيجئ من
قوله: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، فإن الشرط إذا
كان محرما كان اشتراطه والالتزام به إحلالا للحرام، وهذا واضح لا اشكال فيه.

240
الثالث: أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا، أو بالنظر إلى
خصوص المشروط له، {1} ومثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات.
وقد صرح جماعة بأن اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين، أو ميزان معين،
من أفراد المتعارف لغو. سواء في السلم وغيره، وفي التذكرة لو شرط ما لا غرض
للعقلاء فيه، ولا يزيد به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار، والوجه في ذلك أن مثل
ذلك لا يعد حقا للمشروط له، حتى يتضرر بتعذره، {2} فيثبت له الخيار



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 3 - 4 - 5.
(2) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار.
241
أو يعتني به الشارع، فيوجب الوفاء به {1} ويكون تركه ظلما، فهو نظير عدم امضاء
الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء، ولو شك في تعلق غرض
صحيح به حمل عليه. {2}
ومن هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط أن لا يأكل إلا الهريسة، ولا يلبس
إلا الخز ولو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ والحلي من
تعلق الغرض المعتد به، لجواز بيعه على المسلم والكافر، ولاستغراق أوقاته بالخدمة
ومن أن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، والأغراض الدنيوية لا تعارض الأخروية
وجزم بذلك في الدروس وبما قبله العلامة (قدس سره).

242
الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، {1} فلو اشترط رقية حر أو
توريث أجنبي كان فاسدا، لأن مخالفة الكتاب والسنة لا يسوغهما شئ. نعم قد يقوم
احتمال تخصيص عموم الكتاب والسنة بأدلة الوفاء، بل قد جوز بعض تخصيص
عموم ما دل على عدم جواز الشرط المخالف للكتاب والسنة، لكنه مما لا يرتاب في
ضعفه.
وتفصيل الكلام في هذا المقام وبيان معنى مخالفة الشرط للكتاب والسنة
موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذا الشرط، ثم التعرض لمعناها، فنقول إن
الأخبار في هذا المعنى مستفيضة بل متواترة معنى.



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار وباب 13 و 18 من أبواب مقدمات الطلاق، وباب 22 من أبواب موانع الإرث، وباب
20 و 29 و 38 من أبواب المهور، وباب 15 من أبواب بيع الحيوان إلى غير تلكم من الأبواب المتفرقة في الكتب، وفي كثير منها
دلالة على لزوم الشرط.
243
ففي النبوي المروي صحيحا عن أبي عبد الله (عليه السلام): من اشترط شرطا سوى
كتاب الله عز وجل، فلا يجوز ذلك له ولا عليه، والمذكور في كلام الشيخ والعلامة (رحمه الله)
المروي من طريق العامة قوله (صلى الله عليه وآله) في حكاية بريرة لما اشتراها عائشة وشرط
مواليها عليها ولاءها ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، فما كان
من شرط ليس في كتاب الله عز وجل، فهو باطل قضاء الله أحق وشرطه أوثق،
والولاء لمن أعتق.
وفي المروي موثقا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من شرط لامرأته شرطا، فليف به
لها. فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما.
وفي صحيحة الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله، فهو مردود.
وفي صحيحة ابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز وجل، فلا
يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه والمسلمون عند شروطهم فيما [مما] وافق
كتاب الله.
وفي صحيحته الأخرى: المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب
الله عز وجل فلا يجوز.
وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن تزوج امرأة وأصدقها
واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنة ووليت حقا ليست
أهلا له، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق، وذلك السنة وفي معناها
مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومرسلة مروان بن مسلم إلا أن فيهما عدم
جواز هذا النكاح.
وفي رواية إبراهيم بن محرز قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قال لامرأته
أمرك بيدك فقال (عليه السلام): أنى يكون هذا وقد قال الله تعالى: (الرجال قوامون على
النساء.
وعن تفسير العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها رجل، وشرط عليها وعلى أهلها أن تزوج عليها،
أو هجرها، أو أتى عليها سرية، فهي طالق، فقال (عليه السلام) شرط الله قبل شرطكم، إن شاء
وفي بشرطه، وإن شاء أمسك امرأته وتزوج عليها وتسرى وهجرها إن أتت بسبب
ذلك، قال الله تعالى: (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث)، وقال: (أحل
لكم ما ملكت أيمانكم واللاتي تخافون نشوزهن) الآية،

244
ثم الظاهر أن المراد بكتاب الله هو ما كتب الله على عباده من أحكام الدين
وإن بينه على لسان رسول (صلى الله عليه وآله) {1} فاشتراط ولاء المملوك لبائعه، إنما جعل في
النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعنى، لكن ظاهر النبوي وإحدى صحيحتي ابن سنان

245
اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط، {1} وأن ما ليس فيه أو لا يوافقه،
فهو باطل ولا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة، نظرا إلى موافقة ما لم يخالف
كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات الغير المحرمة في النفس والمال،
فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعنى، {2}



(1) الوسائل - باب 13 - من أبواب مقدمات الطلاق حديث 1.
(2) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار حديث 1.
246
ثم إن المتصف بمخالفة الكتاب، {1} أما نفس المشروط والملتزم، ككون
الأجنبي وارثا وعكسه، وكون الحر أو ولده رقا، وثبوت الولاء لغير المعتق ونحو
ذلك، وأما أن يكون التزامه مثلا مجرد عدم التسري والتزوج على المرأة ليس مخالفا
للكتاب، وإنما المخالف الالتزام به، فإنه مخالف لإباحة التسري والتزوج الثابتة
بالكتاب.
وقد يقال إن التزام ترك المباح لا ينافي إباحته، فاشتراط ترك التزوج
والتسري لا ينافي الكتاب، فينحصر المراد في المعنى الأول.
وفيه أن ما ذكر لا يوجب الانحصار، فإن التزام ترك المباح، وإن لم يخالف
الكتاب المبيح له، إلا أن التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرم له، فيكفي هذا
مصداقا لهذا المعنى،



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار حديث 5.
(2) نفس المصدر حديث 3.
247
مع أن الرواية المتقدمة الدالة على كون اشتراط ترك التزوج والتسري مخالفا
للكتاب، مستشهدا عليه بما دل من الكتاب على إباحتهما، كالصريحة في هذا
المعنى، {1} وما سيجئ من تأويل الرواية بعيد، مع أن قوله (عليه السلام) في رواية إسحاق
ابن عمار: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ظاهر. بل
صريح في فعل الشارط، {2} فإنه الذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي ويمنع
باشتراطه عن المباح الشرعي إذ المراد من التحريم والاحلال ما هو من فعل
الشارط لا الشارع، وأصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: الشرط جائز بين
المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة.



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار حديث 5.
248
ثم إن المراد بحكم الكتاب والسنة، الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس
الاشتراط له: {1} هو: ما ثبت على وجه لا يقبل تغيره بالشرط لأجل تغير
موضوعه بسبب الاشتراط.
توضيح ذلك: إن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه {2} ومجردا من
ملاحظة عنوان آخر طار عليه، ولازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم،
وبين ثبوت حكم آخر له، إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع. ومثال
ذلك أغلب المباحات والمستحبات والمكروهات بل جميعها، حيث إن تجويز الفعل
والترك إنما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن الفعل أو
الترك، كأكل اللحم، فإن الشرع قد دل على إباحته في نفسه، بحيث لا ينافي عروض
التحريم له إذا حلف على تركه، أو أمر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له



(1) الوسائل - باب 20 - من أبواب المهور حديث 6.
249
إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده. وقد يثبت له لا مع تجرده عن
ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه، {1} ولازم ذلك حصول التنافي بين
ثبوت هذا الحكم وبين ثبوت حكم آخر له. وهذا نظير أغلب المحرمات والواجبات.
فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع إلا عن
بعض العنوانات كالضرر والحرج، فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج
والضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين، فيعمل بالراجح بنفسه أو
بالخارج إذا عرفت هذا فنقول: الشرط إذا ورد على ما كان من قبيل الأول لم يكن
الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، إذ المفروض أنه لا تنافي بين حكم ذلك الشئ في
الكتاب والسنة، وبين دليل الالتزام بالشرط ووجوب الوفاء به. وإذا ورد على ما
كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب والسنة. {2}

250
ولكن ظاهر مورد بعض الأخبار المتقدمة من قبيل الأول، {1} كترك التزوج
وترك التسري، فإنهما مباحان من حيث أنفسهما، فلا ينافي ذلك لزومهما بواسطة
العنوانات الخارجة، كالحلف والشرط وأمر السيد والوالد، وحينئذ فيجب أما جعل
ذلك الخبر كاشفا

251
عن كون ترك الفعلين في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط
وإن كان في أنظارنا نظير ترك أكل اللحم والتمر وغيرهما من المباحات القابلة لطرو
عنوان التحريم، لكن يبعده استشهاد الإمام (عليه السلام) لبطلان تلك الشروط بإباحة ذلك
في القرآن وهو في معنى اعطاء الضابطة لبطلان الشروط وأما الحمل على أن هذه
الأفعال مما لا يجوز وقوع البطلان عليها {1} وأنها لا توجب الطلاق، كما فعله
الشارط، فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة، إذ الكتاب دال على إباحتها وأنها
مما لا يترتب عليه حرج ولو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل، ويشهد
لهذا الحمل، وإن بعد، بعض الأخبار



(1) الوسائل - باب 38 - من أبواب المهور كتاب النكاح حديث 1، وبمضمونه خبر ابن سنان في ذلك الباب.
(2) الوسائل - باب 20 - من أبواب المهور حديث 6.
(3) نفس المصدر حديث 4.
(4) الوسائل - باب 20 - من أبواب المهور حديث 2.
252
الظاهرة في وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام، مثل رواية منصور بن يونس
قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها، فبانت منه فأراد
مراجعتها، فقالت له المرأة لا والله لا أتزوجك أبدا حتى يجعل الله لي عليك أن لا
تطلقني ولا تتزوج علي، قال وقد فعل؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك، قال: بئسما صنع
ما كان يدري ما يقع في قلبه بالليل والنهار، ثم قال أما الآن فقل له فليتم للمرأة
شرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المسلمون عند شروطهم. فيمكن حمل رواية محمد
بن قيس على إرادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط، فتأمل. {1}

253
ثم إنه لا اشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي إلى القسمين المذكورين
وأن المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على القسم الثاني لا الأول، وإنما الاشكال في
تمييز مصداق أحدهما عن الآخر في كثير من المقامات، {1} منها كون من أحد أبويه
حر رقا، {2} فإن ما دل على أنه لا يملك ولد حر قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر
بنفسه، بمعنى أن الولد ينعقد لو خلي وطبعه تابعا لأشرف الأبوين، فلا ينافي جعله رقا
بالشرط في ضمن عقد، وأن يراد به أن ولد الحر لا يمكن أن يصير في الشريعة رقا،
فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب والسنة الدالين على هذا الحكم.
ومنها إرث المتمتع بها {3} هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد
آخر أم لا؟ فإن الظاهر الاتفاق على عدم مشروعية اشتراطه في ضمن عقد آخر،
وعدم مشروعية اشتراط إرث أجنبي آخر في ضمن عقد مطلقا، فيشكل الفرق
حينئذ بين أفراد غير الوارث وبين أفراد العقود، وجعل ما حكموا بجوازه مطلقا
مطابقا للكتاب وما منعوا عنه مخالفا



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب كتاب العتق وباب 10 من أبواب كتاب المكاتبة.
(2) الوسائل - باب 75 - من أبواب كتاب العتق.
254
إلا أن يدعي أن هذا الاشتراط مخالف للكتاب إلا في هذا المورد أو أن الشرط
المخالف للكتاب ممنوع إلا في هذا المورد، ولكن عرفت وهن الثاني، والأول يحتاج
إلى تأمل.
ومنها أنهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان في العارية، {1} واشتهر عدم
جوازه في عقد الإجارة، فيشكل أن مقتضى أدلة عدم ضمان الأمين عدم ضمانه في
نفسه، من غير اقدام عليه بحيث لا ينافي اقدامه على الضمان من أول الأمر أو عدم
مشروعية ضمانه وتضمينه ولو بالأسباب، كالشرط في ضمن عقد تلك الأمانة أو
غير ذلك.
ومنها اشتراط أن لا يخرج بالزوجة إلى بلد آخر، {2} فإنهم اختلفوا في
جوازه والأشهر على الجواز، وجماعة على المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث
وجوب إطاعة الزوج، وكون مسكن الزوجة ومنزلها باختياره، وأورد عليهم بعض
المجوزين: بأن هذا جار في جميع الشروط السائغة، من حيث إن الشرط ملزم لما
ليس بلازم فعلا أو تركا.



(1) الوسائل - باب 32 من أبواب المتعة، وباب 17 من أبواب ميراث الأزواج.
(2) نفس المصدر.
(3) الوسائل - باب 1 من أبواب كتاب العارية:
(4) نفس المصدر.
255
وبالجملة فموارد الاشكال في تمييز الحكم الشرعي القابل لتغيره بالشرط
بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة، يظهر للمتتبع، فينبغي للمجتهد ملاحظة
الكتاب والسنة الدالين على الحكم الذي يراد تغيره بالشرط والتأمل فيه، حتى
يحصل له التميز ويعرف أن المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي
لقوله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق. أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبايعين الغير المنافي
لقوله (عليه السلام) إذا افترقا وجب البيع أو عدمه لهما في المجلس، مع قوله (عليه السلام) البيعان بالخيار
ما لم يفترقا. إلى غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة حكما، فإن لم يحصل له
بنى على أصالة عدم المخالفة، فيرجع إلى عموم: المؤمنون عند شروطهم، والخارج
عن هذا العموم وإن كان هو المخالف واقعا للكتاب والسنة، لا ما علم مخالفته إلا أن
البناء على أصالة عدم المخالفة {1} يكفي في احراز عدمها واقعا، كما في سائر مجاري
الأصول، ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل
تغيره بالشرط {2} مثلا نقول إن الأصل عدم ثبوت الحكم بتسلط الزوج على
الزوجة من حيث المسكن، لا من حيث هو لو خلي، وطبعه، ولم يثبت في

256
صورة إلزام الزوج على نفسه بعض خصوصيات المسكن، لكن هذا الأصل
إنما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال على الحكم في اطلاقه، بحث يشمل صورة
الاشتراط، كما في أكثر الأدلة المتضمنة للأحكام المتضمنة للرخصة والتسليط.
فإن الظاهر سوقها في مقام بيان حكم الشئ من حيث هو الذي لا ينافي طرو
خلافه، لملزم شرعي، كالنذر وشبهه من حقوق الله والشرط وشبهه من حقوق
الناس. أما ما كان ظاهره العموم، كقوله لا يملك ولد حر، فلا مجرى فيه لهذا الأصل،
ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين {1} بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب الممنوع
عنه في الأخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب، وإن التزام فعل المباح أو
الحرام أو ترك المباح أو الواجب خارج عن مدلول تلك الأخبار، ذكر أن المتعين في
هذه المورد: ملاحظة التعارض بين ما دل على حكم ذلك الفعل وما دل على وجوب
الوفاء بالشرط، ويرجع إلى المرجحات

257
وذكر أن المرجح في مثل اشتراط شرب الخمر هو الاجماع، قال وما لم يكن
فيه مرجح، يعمل فيه بالقواعد والأصول، وفيه من الضعف ما لا يخفى مع أن اللازم
على ذلك الحكم بعدم لزوم الشرط، بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح {1}
لأن الشرط إن كان فعلا يجوز تركه، كان اللازم مع تعارض أدلة وجوب الوفاء
بالشرط، وأدلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع إلى أصالة عدم
وجوب الوفاء بالشرط، فلا يلزم. بل لا يصح وإن كان فعل محرم أو ترك واجب لزم
الرجوع إلى أصالة بقاء الوجوب والتحريم الثابتين قبل الاشتراط. فالتحقيق ما
ذكرنا من أن من الأحكام المذكورة في الكتاب والسنة ما يقبل التغيير بالشرط
لتغيير عنوانه، كأكثر ما ترخص في فعله وتركه. ومنها ما لا يقبله كالتحريم، وكثير
من موارد الوجوب وأدلة الشروط حاكمة على القسم الأول دون الثاني، فإن
اشتراطه مخالف لكتاب الله، كما عرفت وعرفت حكم صورة الشك، وقد تفطن (قدس سره)
لما ذكرنا في حكم القسم الثاني وأن الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن بحيث
كاد أن يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين أدلة وجوب الوفاء بالشرط، وأدلة
حرمة شرب الخمر، فقال: ولو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف للكتاب
والسنة، كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا، انتهى.

258
ومما ذكرنا من انقسام الأحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب والسنة
على قسمين، يظهر لك معنى قوله (عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون
عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما، فإن المراد بالحلال والحرام فيهما
ما كان كذلك بظاهر دليله حتى مع الاشتراط، نظير شرب الخمر وعمل الخشب
صنما أو صورة حيوان، ونظير مجامعة الزوج التي دل بعض الأخبار السابقة على
عدم ارتفاع حكمها أعني الإباحة، متى أراد الزوج باشتراط كونها بيد المرأة، ونظير
التزوج والتسري والهجر حيث دل بعض تلك الأخبار على عدم ارتفاع إباحتها
باشتراط تركها معللا بورود الكتاب العزيز بإباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي
وطبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان
حراما، كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه، إلا تغير عنوان الحلال والحرام
الموجب لتغير الحل والحرمة، فلا يكون حينئذ تحريم حلال ولا تحليل حرام، ألا
ترى أنه لو نهى السيد عبده، أو الوالد ولده عن فعل مباح، أعني مطالبة ما له في ذمة
غريمه، أو حلف المكلف على تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طرو عنوان
معصية السيد والوالد، وعنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال، فكذلك ترك ذلك
الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به وكذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها
إلى بلد آخر محرم في نفسه. وكذلك امتناعها من المجامعة، ولا ينافي ذلك حليتها
باشتراط عدم اخراجها عن بلدها، أو باشتراط عدم مجامعتها، كما في بعض
النصوص.
وبالجملة، فتحريم الحلال وتحليل الحرام، إنما يلزم مع معارضة أدلة الوفاء
بالشرط لأدلة أصل الحكم حتى يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك وطرح دليله.
أما إذا كان دليل الحكم لا يفيد إلا ثبوته لو خلي الموضوع وطبعه، فإنه لا يعارضه ما
دل على ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ على الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك
الحكم له إلا مجردا عن ذلك العنوان

259
ثم إنه يشكل الأمر في استثناء الشرط المحرم للحلال {1} على ما ذكرنا في
معنى الرواية بأن أدلة حلية أغلب المحللات بل كلها، إنما تدل حليتها في أنفسها لو
خليت وأنفسها، فلا تنافي حرمتها من أجل الشرط، كما قد تحرم من أجل النذر
وأخويه. ومن جهة إطاعة الوالد والسيد ومن وجه صيرورتها علة للمحرم وغير
ذلك من العناوين الطارئة لها.
نعم، لو دل دليل حل شئ على الحلية المطلقة، نظير دلالة أدلة المحرمات بحيث
لا يقبل طرو عنوان مغير عليه أصلا، أو خصوص الشرط من بين العناوين، أو دل
الدليل من الخارج على كون ذلك الحلال كذلك، كما دل بعض الأخبار بالنسبة إلى
بعض الأفعال، كالتسري، والتزوج، وترك الجماع من دون إرادة الزوجة، كان
مقتضاه فساد اشتراط خلافه. لكن دلالة نفس دليل الحلية على ذلك لم توجد في
مورد، والوقوف مع الدليل الخارج الدال على فساد الاشتراط يخرج الرواية عن
سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك، إذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة
الاشتراط. ومورد ورود الدليل على عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه مستغن
عن الضابطة مع أن الإمام علل فساد الشرط في هذه الموارد بكونه محرما للحلال،
كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة اشتراط عدم التزوج والتسري،
معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال على إباحتها.
نعم، لا يرد هذا الاشكال في طرف تحليل الحرام، لأن أدلة المحرمات قد علم
دلالتها على التحريم، على وجه لا يتغير بعنوان الشرط والنذر وشبههما، بل نفس
استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل على إرادة الحرام في نفسه
لولا الشرط وليس كذلك في طرف المحرم للحلال، فإنا قد علمنا أن ليس المراد
الحلال لولا الشرط لأن تحريم المباحات لأجل الشرط فوق حد الاحصاء، بل
اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات وترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا
أو تركا.

260
وربما يتخيل أن هذا الاشكال مختص بما دل على الإباحة التكليفية، كقوله تحل
كذا وتباح كذا، أما الحلية التي تضمنها الأحكام الوضعية، كالحكم بثبوت الزوجية أو
الملكية أو الرقية أو أضدادها، فهي أحكام لا تتغير لعنوان أصلا، فإن الانتفاع
بالملك في الجملة والاستمتاع بالزوجة، والنظر إلى أمها وبنتها من المباحات التي
لا تقبل التغيير. ولذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال أن لا ينتفع بماله أو لا يطأ
جاريته.
وبعبارة أخرى: ترتب آثار الملكية على الملك في الجملة، وآثار الزوجية على
الزوج كذلك من المباحات التي لا تتغير عن إباحتها، وإن كان ترتب بعض الآثار
قابلا لتغير حكمه إلى التحريم، كالسكنى فيما لو اشترط اسكان البائع فيه مدة،
واسكان الزوجة في بلد اشترط أن لا يخرج إليه، أو وطأها مع اشتراط عدم وطئها
أصلا، كما هو المنصوص ولكن الانصاف أنه كلام غير منضبط، فإنه كما جاز تغير
إباحة بعض الانتفاعات كالوطي في النكاح، والسكنى في البيع إلى التحريم لأجل
الشرط كذلك يجوز تغير إباحة سائرها إلى الحرمة، فليس الحكم بعدم تغير إباحة
مطلق التصرف في الملك والاستمتاع بالزوجة، لأجل الشرط إلا للاجماع أو لمجرد
الاستبعاد. والثاني غير معتد به والأول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة في بيان هذه
الضابطة، مع أن هذا العنوان أعني تحريم الحلال وتحليل الحرام، إنما وقع مستثنى في
أدلة انعقاد اليمين. وورد أنه لا يمين في تحليل الحرام وتحريم الحلال. وقد ورد بطلان
الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما، معللا بأنه ليس لك أن تحرم ما أحل الله.
ومن المعلوم أن إباحة العصير لم يثبت من الأحكام الوضعية، بل هي من الأحكام
التكليفية الابتدائية.



(1) الوسائل - باب 38 - من أبواب المهور كتاب النكاح
(2) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار حديث 5.
261
وبالجملة فالفرق بين التزوج والتسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط
تركهما معللا بأنه خلاف الكتاب الدال على إباحتهما وبين ترك الوطي الذي ورد
جواز اشتراطه، وكذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف
عليه معللا بأنه من تحريم الحلال وبين ترك بعض المباحات المتفق على جواز الحلف
عليه في غاية الاشكال، وربما قيل في توجيه الرواية، وتوضيح معناها أن معنى قوله
إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما، أما أن يكون إلا شرطا حرم وجوب الوفاء به
الحلال وأما أن يكون إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال والأول مخالف لظاهر
العبارة مع منا قضته لما استشهد به الإمام (عليه السلام) في رواية منصور بن يونس المتقدمة
الدالة على وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق والتزوج، بل يلزم كون الكل لغوا إذ
ينحصر مورد المسلمون عند شروطهم، باشتراط الواجبات واجتناب المحرمات،
فيبقى الثاني، وهو ظاهر الكلام، فيكون معناه إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال
بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال، ثم قال فإن قيل: إذا شرط عدم فعله فلا
يرضى بفعله، فيجعله حراما عليه، قلنا لا نريد أن معنى الحرمة طلب الترك من
المشترط بل جعله حراما ذاتيا، أي مطلوب الترك شرعا ولا شك أن شرط عدم
فعل بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا. ثم قال فإن قيل الشرط من
حيث هو مع قطع النظر عن ايجاب الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا وتحريما شرعا فلا
يحرم ولا يحلل. قلنا إن أريد أنه لا يوجب تحليلا ولا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس

262
كذلك، بل حكم الشرط ذلك، وهو معنى تحريم الشرط وتحليله، {1} وعلى
هذا فلا اجمال في الحديث، ولا تخصيص في ذلك كالنذر والعهد واليمين، فإن من نذر
أن لا يأكل المال المشتبه ينعقد ولو نذر أن يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا أو
يحرم ذلك على نفسه شرعا لم ينعقد، انتهى.
أقول: لا أفهم معنى محصلا لاشتراط حرمة الشئ أو حليته شرعا، فإن هذا
أمر غير مقدور للمشترط ولا يدخل تحت الجعل، فهو داخل في غير المقدور، {2}
ولا معنى لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لأن هذا لا يمكن عقلا الوفاء به، إذ ليس فعلا
خصوصا للمشترط وكذلك الكلام في النذر وشبهه.
والعجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم والمحلل نفس
الشرط، ولم يلاحظ كون الاستثناء من الأفعال التي يعقل الوفاء بالتزامها وحرمة
الشئ شرعا لا يعقل فيها الوفاء والنقض. وقد مثل جماعة للصلح المحلل للحرام
بالصلح على شرب الخمر وللمحرم للحلال بالصلح على أن لا يطأ جاريته ولا ينتفع
بماله وكيف كان، فالظاهر بل المتعين أن المراد بالتحليل والتحريم المستندين إلى
الشرط هو الترخيص والمنع، نعم المراد بالحلال والحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير
موضوعه بالشرط لا ما كان حلالا لو خلي، وطبعه، بحيث لا ينافي عروض عنوان
التحريم له لأجل الشرط. وقد ذكرنا أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل
حلية ذلك الشئ أو حرمته، وبين وجوب الوفاء بالشرط وعدم وقوعه.

263
ففي الأول يكون الشرط على تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي.
وفي الثاني يكون مغيرا لموضوعه، فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي
الصلح والشرط، أنهما لا يغيران حكما شرعيا، بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم
لأجل الوفاء بالصلح والشرط، كالنذر وشبهه. وأما تغييرهما لموضوع الأحكام الشرعية ففي غاية الكثرة، بل هما موضوعان لذلك. وقد ذكرنا أن الاشكال في كثير
من الموارد في تميز أحد القسمين من الأحكام عن الآخر، ومما ذكرنا يظهر النظر في
تفسير آخر لهذا الاستثناء

264
يقرب من هذا التفسير الذي تكلمنا عليه، ذكره المحقق القمي صاحب
القوانين في رسالته التي ألفها في هذه المسألة، {1} فإنه بعد ما ذكر من أمثلة الشرط
الغير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه والتزامه شرب الخمر والزنا ونحو
هما من المحرمات.
ومن أمثلة ما يكون التزامه والاستمرار عليه من المحرمات: فعل
المرجوحات وترك المباحات وفعل المستحبات كأن يشترط تقليم الأظفار بالسن
أبدا، وأن لا يلبس الخز أبدا ولا يترك النوافل، فإن جعل المكروه أو المستحب
واجبا، وجعل المباح حراما حرام إلا برخصة شرعية حاصلة من الأسباب
الشرعية، كالنذر وشبهه فيما ينعقد فيه.
ويستفاد ذلك من كلام علي (عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمار: من اشترط
لامرأته شرطا، فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو
أحل حراما، قال (قدس سره).
فإن قلت: إن الشرط كالنذر وشبهه من الأسباب الشرعية المغيرة للحكم، بل
الغالب فيه هو ايجاب ما ليس بواجب، فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباح. وأما
لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير واجبا، فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته
من الأمثلة. قلت الظاهر من تحليل الحرام وتحريم الحلال هو تأسيس القاعدة، وهو
تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الأفعال على سبيل العموم، من دون النظر إلى
خصوصية فرد. فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا
الكلي، وكذا حلية المبيع، فالتزوج والتسري أمر كلي حلال، والتزام تركه مستلزم
لتحريمه وكذلك جميع أحكام الشرع من التكليفية والوضعية وغيرها إنما يتعلق
بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها، فالمراد من تحليل الحرام وتحريم الحلال المنهي
عنه هو أن يحدث المشترط قاعدة كلية ويبدع حكما جديدا. وقد أجيز في الشرع
البناء على الشروط إلا شرطا أوجب إبداع حكم كلي جديد مثل تحريم التزوج
والتسري وإن كان بالنسبة إلى نفسه فقط.

265
وقد قال الله تعال: (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء) وكجعل الخيرة في
الجماع والطلاق بيد المرأة.
وقد قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وفيما لو اشترطت عليه أن لا تتزوج أو لا تتسرى بفلانة خاصة اشكال، {1} فما ذكر في السؤال من وجوب
البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد ليس مما يوجب احداث حكم للبيع ولا
تبديل حلال الشارع وحرامه، وكذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب إلى أن
قال (قدس سره).
وبالجملة اللزوم الحاصل من الشرط، لما يشترطانه من الشروط الجائزة،
ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال، أو ايجاب جائز، على سبيل القاعدة. بل
الذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو وجوب العمل على ما
يشترطانه وهذا الحكم، أيضا

266
من جعل الشارع. فقولنا العمل على مقتضى الشرط الجائز واجب، حكم كلي
شرعي، وحصوله ليس من جانب شرطنا حتى يكون من باب تحليل الحرام
وعكسه، بل إنما هو صادر من الشارع، انتهى كلامه رفع مقامه وللنظر في مواضع من
كلامه مجال، فافهم والله العالم
الشرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد، {1} وإلا لم يصح لوجهين:
أحدهما: وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي
لا يتخلف عنه

267
وبين الشرط الملزم لعدم تحققه، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا
الشرط {1} فلا بد أما أن يحكم بتساقط كليهما. وأما أن يقدم جانب العقد، لأنه
المتبوع المقصود بالذات، والشرط تابع وعلى كل تقدير لا يصح الشرط.
الثاني: إن الشرط المنافي مخالف للكتاب والسنة {2} الدالين على عدم تخلف
العقد عن مقتضاه، فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب. ولذا ذكر في التذكرة أن
اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضى ملكيته، فيخالف قوله (صلى الله عليه وآله) (الناس مسلطون
على أموالهم) ودعوى أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا
خروج عن محل الكلام.

268
إذ الكلام فيما يقتضيه مطلق العقد وطبيعته السارية في كل فرد منه لا ما
يقتضيه العقد المطلق بوصف اطلاقه وخلوه عن الشرائط والقيود حتى لا ينافي تخلفه
عنه لقيد يقيده وشرط يشترط فيه هذا كله مع تحقق الاجماع على بطلان هذا
الشرط، فلا اشكال في أصل الحكم، وإنما الاشكال في تشخيص آثار العقد التي
لا يتخلف عن مطلق العقد في نظر العرف أو الشرع، وتميزها عما يقبل التخلف
لخصوصية تعتري العقد، وإن اتضح ذلك في بعض الموارد، لكون الأثر كالمقوم العرفي
للبيع أو غرضا أصليا، كاشتراط عدم التصرف أصلا في المبيع، {1} وعدم الاستمتاع
أصلا بالزوجة حتى النظر ونحو ذلك، إلا أن الأشكال في كثير من المواضع خصوصا
بعد ملاحظة اتفاقهم على الجواز في بعض المقامات، واتفاقهم على عدمه فيما يشبهه،
ويصعب الفرق بينهما وإن تكلف له بعض مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع
والهبة في ضمن عقد البيع، وجواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل، أو وقفه حتى

269
على البائع وولده، كما صرح به في التذكرة، وقد اعترف في التحرير بأن
اشتراط العتق، مما ينافي مقتضى العقد، وإنما جار لبناء العتق على التغليب. وهذا لو تم
لم يجز في الوقف خصوصا على البائع وولده، فإنه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا على
التغليب، ولأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف والاشكال في أن الشرط
الفلاني مخالف لمقتضى العقد أم لا
منها اشتراط عدم البيع، {1} فإن المشهور عدم الجواز، لكن العلامة في
التذكرة: استشكل في ذلك بل قوي بعض من تأخر عنه صحته.
ومنها ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه إذا قال الربح
لنا ولا خسران عليك، لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية قال: ومنعه ابن
إدريس لأنه مناف لقضية الشركة {2} قلنا: لا نسلم أن تبعية المال لازمة لمطلق
الشركة، بل للشركة المطلقة، والأقرب تعدي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات انتهى

270
ومنها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية، وعدم جوازه في
الإجارة، {1} مستدلين بأن مقتضي عقد الإجارة عدم ضمان المستأجر، فأورد
عليهم المحقق الأردبيلي، وتبعه جمال المحققين في حاشية الروضة: بمنع اقتضاء مطلق
العقد لذلك أنما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية.

271
ومنها اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها، {1} فقد جوزه جماعة لعدم
المانع وللنص، ومنعه آخرون، منهم: فخر الدين في الإيضاح مستدلا: بأن مقتضى
العقد تسلط الرجل على المرأة في الاستمتاع والاسكان. وقد بالغ حتى جعل هذا
قرينة على حمل النص على استحباب الوفاء.



(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب العارية.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90، وكنز العمال ج 5 ص 257.
272
ومنها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه، {1}
وعدم توارثهما مع الشرط أو لا معه، فإنها مبنية على الخلاف في مقتضى العقد
المنقطع، قال في الإيضاح ما ملخصه بعد اسقاط ما لا يرتبط بالمقام: إنهم اختلفوا في أن هذا العقد يقتضي التوارث أم لا؟
وعلى الأول: فقيل المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو، فعلى هذا القول
لو شرط سقوطه لبطل الشرط، لأن كل ما تقتضيه الماهية من حيث هي هي،
فيستحيل عدمه مع وجودها، وقيل: المقتضي اطلاق العقد أي العقد المجرد عن شرط
نقيضه، أعني الماهية بشرط لا شئ، فيثبت الإرث ما لم يشترط سقوطه.
وعلى الثاني: قيل: يثبت مع الاشتراط ويسقط مع عدمه، وقيل: لا يصح
اشتراطه، انتهى.
ومرجع القولين إلى أن عدم الإرث من مقتضى اطلاق العقد أو ماهيته،
واختار هو هذا القول الرابع، تبعا لجده ووالده (قدس سره)، واستدل عليه أخيرا بما دل على أن من حدود المتعة أن لا ترثها ولا ترثك، قال: فجعل نفي الإرث من مقتضى الماهية



(1) الوسائل - باب 32 - من أبواب المتعة حديث 8.
273
ولا جل صعوبة دفع ما ذكرنا من الاشكال في تميز مقتضيات ماهية العقد من
مقتضيات اطلاقه. التجأ المحقق الثاني مع كمال تبحره في الفقه، حتى ثنى به المحقق
فأرجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة وعدم الاجماع على الصحة أو البطلان
إلى نظر الفقيه فقال: أولا المراد بمنافي مقتضي العقد ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي
جعل الشارع العقد من حيث هو هو، بحيث يقتضيه ورتب عليه على أنه أثره
وفائدته التي لا جلها وضع، كانتقال العوضين إلى المتعاقدين، واطلاق التصرف
فيهما في البيع، وثبوت التوثق في الرهن والمال في ذمة الضامن بالنسبة إلى الضمان،
وانتقال الحق إلى مذمة المحال عليه في الحوالة ونحو ذلك، فإذا شرط عدمها أو عدم
البعض أصلا نافى مقتضى العقد.
ثم اعترض على ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا، وأجاب
بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضى العقد، ثم اعترض بأن العقد يقتضي
الانتفاع مطلقا، فالمنع عن البعض مناف له.
ثم قال ودفع ذلك لا تخلو عن عسر، وكذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا،
فإن ثبوته مقتضى العقد، فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافيا له. ثم قال ولا يمكن أن
يقال: إن مقتضى العقد ما لم يجعل إلا لأجله، كانتقال العوضين، فإن ذلك ينافي منع
اشتراط أن لا يبيع المبيع مثلا، ثم قال والحاسم لمادة الاشكال: إن الشروط على
أقسام:
منها ما انعقد الاجماع على حكمه من صحة أو فساد.
ومنها ما وضح فيه المنافاة للمقتضي، كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع أو
وضح مقابله ولا كلام فيما وضح.
ومنها ما ليس واحدا من النوعين فهو بحسب نظر الفقيه، انتهى كلامه رفع
مقامه.
أقول: وضوح المنافاة إن كان بالعرف، كاشتراط عدم الانتقال في العوضين،
وعدم انتقال المال إلى ذمة الضامن والمحال عليه، فلا يتأتى معه انشاء مفهوم العقد
العرفي، وإن كان بغير العرف فمرجعه إلى الشرع من نص أو اجماع على صحة
الاشتراط أو عدمه، ومع عدمهما وجب الرجوع إلى دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر
المشترط عدمه، فإن دل عليه على وجه يعارض باطلاقه أو عمومه دليل وجوب
الوفاء به. بحيث لو أوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل وتخصيصه حكم
بفساد الشرط، لمخالفته حينئذ للكتاب والسنة

274
وإن دل على ثبوته للعقد لو خلي وطبعه، بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط،
حكم بصحة الشرط. وقد فهم من قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) إن
السلطنة على الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير فجعل اشتراط كون الجماع بيد
الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الأثر ولم يجعل اشتراط عدم الاخراج من
البلد منافيا. وقد فهم الفقهاء من قوله البيعان بالخيار حتى يفترقا، فإن افترقا وجب
البيع. عدم التنافي، فاجمعوا على صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار
الشرعية للعقد، وكذا على صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق ولو شك في مؤدى
الدليل وجب الرجوع إلى أصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه الثاني، فيبقى عموم
أدلة الشرط سليما عن المخصص، وقد ذكرنا هذا في بيان معنى مخالفة الكتاب والسنة.
الشرط السادس: أن لا يكون الشرط مجهولا {1} جهالة يوجب الغرر في
البيع، لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين، كما سيجئ بيانه، قال في التذكرة:
وكما أن الجهالة في العوضين مبطلة، فكذا في صفاتهما، ولو أحق المبيع. فلو شرطا
شرطا مجهولا بطل البيع، انتهى.

275
وقد سبق ما يدل على اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن، بل لو فرضنا
عدم سراية الغرر في البيع، كفى لزومه في أصل الشرط بناء على أن المنفي، مطلق
الغرر، {1} حتى في غير البيع. ولذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتى الوكالة،
فبطلان الشرط المجهول ليس لابطاله البيع المشروط به، ولذا قد يجزم ببطلان هذا
الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع، فإن العلامة في التذكرة، ذكر في اشتراط عمل
مجهول في عقد البيع. أن في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط، لكن
الانصاف أن جهالة الشرط يستلزم في العقد دائما مقدارا من الغرر الذي يلزم من
جهالته جهالة أحد العوضين، ومن ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع
من التذكرة، من الفرق في حمل الحيوان، وبيض الدجاجة



(1) التذكرة ج 1 ص 466، وعن الشهيد نحوه، وسبقهما الشيخ في الخلاف، فإنه استدل به في غير موضع منه.
276
ومال العبد المجهول المقدار بين تمليكها على وجه الشرطية في ضمن بيع هذه
الأمور، بأن يقول بعتكها على أنها حامل، أو على أن لك حملها، وبين تمليكها على
وجه الجزئية، بأن يقول بعتكها وحملها، فصحح الأول لأنه تابع، وأبطل الثاني لأنه
جزء، لكن قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوى الصحة، لأنه
بمنزلة الاشتراط ولا يضر الجهالة لأنه تابع. وقال في باب بيع المملوك ولو اشتراه
وماله صح، ولم يشترط علمه، ولا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك ولو أحلناه
اشترطا، انتهى.

277
والمسألة محل اشكال، وكلماتهم لا يكاد يعرف التيامها، حيث صرحوا بأن
للشرط قسطا من أحد العوضين، وأن التراضي على المعاوضة وقع منوطا به،
ولازمه كون الجهالة فيه قادحة، والأقوى اعتبار العلم، لعموم نفي الغرر إلا إذا عد
الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع، {1} كبيض الدجاج. وقد مر بما ينفع هذا
المقام في شروط العوضين وسيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان إن شاء الله.

278
الشرط السابع أن لا يكون مستلزما لمحال، {1} كما لو شرط في البيع أن يبيعه
على البائع، فإن العلامة قد ذكر هنا أنه مستلزم للدور. {2} قال في التذكرة: لو باعه
شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا وجنسا ووصفا أو لا وإلا
جاء الدور لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه فيدور أما لو شرط أن
يبيعه على غيره، فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنة، لا يقال ما
التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر،

279
لجواز أن يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي، بخلاف ما لو شرط
البيع على البائع، انتهى.
وسيأتي تقرير الدور مع جوابه في باب النقد والنسية. وقد صرح في الدروس
بأن هذا الشرط باطل لا للدور، بل لعدم القصد إلى البيع {1} ويرد عليه وعلى الدور
النقض بما إذا اشترط البائع على المشتري أن يقف المبيع عليه وعلى عقبه، فقد صرح
في التذكرة بجوازه، وصرح بجواز اشتراط رهن البيع على الثمن مع جريان الدور فيه.

280
الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد، فلو تواطئا عليه قبله لم يكف ذلك في
التزام المشروط به على المشهور، بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر
الخلاف والمختلف وسيأتي لأن المشروط عليه أن انشاء إلزام الشرط على نفسه قبل
العقد كان إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا، وإن كان أثره مستمرا في نفس الملزم
إلى حين العقد بل إلى حين حصول الوفاء وبعده نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في
زمان إلى حين حصول المطلوب، وإن وعد بايقاع العقد مقرونا بالتزامه، فإذا ترك
ذكره في العقد، فلم يحصل ملزم له. نعم يمكن أن

281
نعم يمكن أن يقال: إن العقد إذا وقع مع تواطؤهما على الشرط. كان قيدا
معنويا له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلا مع العمل بذلك الشرط، ويكون العقد
بدونه تجارة لا عن تراض، إذ التراضي وقع مقيدا بالشرط، فإنهم قد صرحوا بأن
الشرط كالجزء من أحد العوضين، فلا فرق بين أن يقول بعتك العبد بعشرة،
وشرطت لك ماله بين تواطؤ هما على كون مال العبد للمشتري، فقال بعتك العبد
بعشرة قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري، هذا مع أن الخارج من
عموم: المؤمنون عند شروطهم، هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه، فيعم محل الكلام وعلى
هذا، فلو تواطئا على شرط فاسد فسد العقد المبني عليه وإن لم يذكر فيه
نعم لو نسيا الشرط المتواطأ عليه، فأوقعا العقد غير بانين على الشرط، بحيث
يقصدان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد، وعدم لزوم الشرط هذا،
ولكن الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط الغير المذكور في متن العقد، وعدم
اجراء أحكام الشرط عليه، وإن وقع العقد مبنيا عليه، بل في الرياض عن بعض
الأجلة حكاية الاجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط، لا في عقد {1} بعد ما
ادعى هو قدس سره الاجماع على أنه لا حكم للمشروط إذا كانت قبل عقد النكاح وتتبع
كلماتهم في باب البيع والنكاح يكشف عن صدق ذلك المحكى

282
فتراهم يجوزون في باب الربا والصرف الاحتيال في تحليل معاوضة أحد
المتجانسين بأزيد منه ببيع الجنس بمساويه، ثم هبة الزائد من دون أن يشترط ذلك
في العقد، فإن الحيلة لا تتحقق إلا بالتواطئ على هبة الزائد بعد البيع والتزام الواهب
بها قبل العقد مستمرا إلى ما بعده. وقد صرح المحقق والعلامة في باب المرابحة بجواز
أن يبيع الشئ من غيره بثمن زائد، مع قصدهما نقله بعد ذلك إلى البائع ليجيز بذلك
الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا. ومعلوم أن المعاملة لأجل هذا الغرض
لا يكون إلا مع التواطئ والالتزام بالنقل ثانيا، نعم خص في المسالك ذلك بما إذا
وثق البائع بأن المشتري ينقله إليه

283
من دون التزام ذلك وايقاع العقد على هذا الالتزام لكنه تقييد لاطلاق
كلماتهم خصوصا مع قولهم إذا لم يشترطا لفظا.
وبالجملة، فظاهر عبارتي الشرائع والتذكرة أن الاشتراط والالتزام من قصد
هما ولم يذكراه أي الاشتراط والالزام لفظا لا أن النقل من قصد هما فراجع، وأيضا
فقد حكى عن المشهور أن عقد النكاح المقصود فيه الأجل والمهر المعين إذا خلى عن
ذكر الأجل ينقلب دائما. نعم ربما ينسب إلى الخلاف والمختلف: صحة اشتراط عدم
الخيار قبل عقد البيع، لكن قد تقدم في خيار المجلس النظر في هذه النسبة إلى الخلاف،
بل المختلف فراجع، ثم إن هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه، وهو بطلان العقد الواقع
على هذا الشرط. لأن الشرط من أركان العقد المشروط، بل عرفت أنه كالجزء من
أحد العوضين، {1} فيجب ذكره في الايجاب والقبول كأجزاء العوضين. وقد صرح
الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد وعدم الاستغناء عنه بذكره سابقا،
كما إذا قال بعني بدرهم فقال: بعتك. فقال المشتري قبلت

284
وسيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك إن شاء الله تعالى.
وقد يتوهم هنا شرط تاسع، وهو تنجيز الشرط {1} بناء على أن تعليقه
يسري إلى العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط إلى جزء من أحد العوضين، فإن مرجع
قوله بعتك هذا بدرهم، على أن تخيط لي إن جاء زيد على وقوع المعاوضة بين المبيع
وبين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجئ زيد، بل يؤدي إلى البيع بثمنين
على تقديرين فباعه بالدرهم المجرد على تقدير عدم مجئ زيد، وبالدرهم المقرون
مع خياطة الثوب على تقدير مجيئه، ويندفع بأن الشرط هو الخياطة على تقدير
المجئ، لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق إلى أصل المعاوضة الخاصة، ومجرد
رجوعهما في المعنى إلى أمر واحد لا يوجب البطلان. ولذا اعترف بعضهم بأن مرجع
قوله: أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع.

285
وأنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشهر إلى واحد مع الاتفاق على صحة
الثاني، وبطلان الأول.
نعم ذكر في التذكرة: إنه لو شرط البائع كونه أحق بالمبيع لو باعه المشتري،
ففيه اشكال، لكن لم يعلم أن وجهه تعليق الشرط، بل ظاهر عبارة التذكرة، وكثير
منهم في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط وهو الخيار معلقا على رد الثمن، وقد
ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط وهو الخيار معلقا على رد
الثمن وقد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار

286
مسألة: في حكم الشرط الصحيح {1} وتفصيله: إن الشرط أما أن يتعلق بصفة
من صفات المبيع الشخصي، ككون العبد كاتبا، والجارية حاملا، ونحوهما. وأما أن
يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما، كاشتراط إعتاق العبد، وخياطة
الثوب، وأما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل، {2} كاشتراط تملك عين خاصة
وانعتاق مملوك خاص ونحوهما، ولا اشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار،
مع تبين فقد الوصف المشروط

287
إذ لا يعقل تحصيله هنا، فلا معنى لوجوب الوفاء فيه وعموم المؤمنون مختص بغير
هذا القسم. {1}

288
وأما الثالث: فإن أريد باشتراط الغاية أعني الملكية والزوجية ونحوهما
اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعية فيرجع إلى الثاني وهو اشتراط الفعل وإن أريد
حصول الغاية بنفس الاشتراط، فإن دل الدليل الشرعي على عدم تحقق تلك الغاية
2 إلا بسببها الشرعي الخاص، كالزوجية والطلاق والعبودية والانعتاق وكون
المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل ونحو ذلك كان الشرط فاسدا، لمخالفته للكتاب
والسنة، كما أنه لو دل الدليل على كفاية الشرط فيه، كالوكالة، والوصاية، وكون مال
العبد، وحمل الجارية وثمر الشجرة ملكا للمشتري، فلا اشكال. وأما لو لم يدل دليل
على أحد الوجهين، كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين،
كالأمثلة المذكورة ملكا لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرا ونحو ذلك.



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار.
(2) الخلاف ج 2 ص 8 كتاب البيوع بيع الشرط.
289
ففي صحة هذا الشرط اشكال {1} من أصالة عدم تحقق تلك الغاية. إلا بما
علم كونه سببا لها وعموم المؤمنون عند شروطهم، {2} ونحوه لا يجري هنا، لعدم
كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به، ومن أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل
ترتيب الآثار عليه، نظير الوفاء بالعهد، ويشهد له تمسك الإمام (عليه السلام) بهذا العموم في
موارد كلها من هذا القبيل، كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها على أداء
مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق،



(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار.
(2) الخلاف ج 2 ص 8 كتاب البيوع، بيع الشرط.
290
مضافا إلى كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء
للعقد {1} وأما توقف الملك وشبهه على أسباب خاصة، فهي دعوى غير مسموعة
مع وجود أفراد اتفق على صحتها، كما في حمل الجارية ومال العبد وغيرهما. ودعوى
تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة، لعدم صلاحية ذلك للفرق {2}

292
مع أنه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع أخرى، كما يظهر
من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين وكل مجهول مقصود
بالبيع لا يصح بيعه، وإن انضم إلى معلوم. وكيف كان، فالأقوى صحة اشتراط
الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذر مثل هذه
الغايات {1} بأن ينذر كون المال صدقة أو الشاة أضحية أو كون هذا المال لزيد.
وحينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتب الآثار، وإنما
الخلاف والاشكال في القسم الثاني وهو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل. {2}
والكلام فيه يقع في مسائل:
الأولى: في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي {3} ظاهر المشهور هو

293
الوجوب لظاهر النبوي: المؤمنون عند شروطهم {1} والعلوي من شرط
لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم {2} إلا شرطا حرم حلالا
أو حلل حراما ويؤكد الوجوب ما أرسل في بعض لكتب من زيادة قوله إلا من
عصى الله {3} في النبوي بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط،



(1) الخلاف ج 2 ص 8.
(2) الوسائل - باب 40 - من أبواب المهور كتاب النكاح.
295
هذا كله مضافا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كالجزء من
ركن العقد خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة، وربما ينسب إلى غيره حيث قال إنه لا
يجب على المشروط عليه فعل الشرط، وإنما فائدته جعل العقد عرضة للزوال،
ووجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه (قدس سره)

296
في بعض تحقيقاته، وهو أن الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في
تحققه، ولا يحتاج بعده إلى صيغة، فهو لازم لا يجوز الاختلال به كشرط الوكالة وإن
احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم، بل يقلب
العقد اللازم جائزا وجعل السر فيه أن اشتراط ما العقد كاف في تحققه كجزء من
الايجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز واشتراط ما سيوجد أمر منفصل
عن العقد وقد علق عليه العقد والمعلق على الممكن وهو معنى قلب اللازم جائزا،
انتهى.
قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام: والأقوى اللزوم مطلقا، وإن كان
تفصيله أجود مما اختاره هنا.
أقول ما ذكره (قدس سره) في بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا في محل الكلام مقابلا
لما اختاره في اللمعة، لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ، وأنه هل يصير واجبا على
المشروط عليه أم لا، كما ذكره الشهيد في المتن، فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس إلا
كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له، فلا يقال إنه يجب فعله أو لا يجب. نعم
وجوب الوفاء بمعنى ترتيب آثار ذلك الشرط المتحقق بنفس العقد مما لا خلاف فيه،
إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار أو آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد أي ثبوت
الخيار وعدم ثبوته.
وبالجملة، فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد. نعم، كلام الشهيد في
اللمعة أعم منه ومن كل شرط لم يسلم لمشترطه، ومراده تعذر الشرط، وكيف كان،
فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار وعدمه خارج عن محل الكلام، إذ لا كلام ولا خلاف
في وجوب ترتب آثار الشرط عليه، ولا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار،
ولا في أن المشروط عليه يجبر على ترتيب الآثار، وإن شئت قلت: اشتراط الوكالة
من اشتراط الغايات لا المبادئ.
ومما ذكرنا يظهر أن تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية من
الاجماع على لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح، لأنه إنما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار.
وقد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام. نعم، في التذكرة لو اشترى عبدا
بشرط أن يعتقه المشتري صح البيع ولزم الشرط عند علمائنا أجمع، ثم إن ما

297
ذكره الشهيد (قدس سره) من أن اشتراط ما سيوجد أمر منفصل، وقد علق عليه العقد
الخ لا يخلو عن نظر، إذ حاصله أن الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة، وإن كان لا
تعليق صورة، فحاصل قوله بعتك هذا العبد على أن تعتقه، أن الالتزام بهذه المعاوضة
معلق على التزامك بالعتق، فإذا لم يلتزم بالاعتاق لم يجب على المشروط له الالتزام
بالمعاوضة.
وفيه مع أن المعروف بينهم أن الشرط بمنزلة الجزء من أحد العوضين، وأن
القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعنى أيضا، أن رجوعه إلى التعليق
على المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد وإن لم يكن في صورة التعليق أن لازم
هذا الكلام أعني دعوى تعليق العقد على الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط
لا انقلابه جائزا.
الثانية: في أنه لو قلنا بوجوب الوفاء به من حيث التكليف الشرعي، فهل يجبر
عليه لو امتنع؟ {1} ظاهر جماعة ذلك.
وظاهر التحرير خلافه، قال في باب الشروط: إن الشرط إن تعلق بمصلحة
المتعاقدين، كالأجل والخيار والشهادة والتضمين والرهن، واشتراط صفة مقصودة
كالكتابة، جاز ولزم الوفاء، ثم قال: إذا باع بشرط العتق صح البيع والشرط، فإن
أعتقه المشتري وإلا ففي اجباره وجهان: أقربهما عدم الاجبار، انتهى.

298
وقال في الدروس يجوز اشتراط سائغ في العقد، فيلزم الشرط في طرف
المشترط عليه، فإن أخل به فللمشترط الفسخ، وهل يملك اجباره عليه فيه نظر،
انتهى.
ولا معنى للزوم الشرط إلا وجوب الوفاء به، وقال في التذكرة في فروع
مسألة العبد المشترط عتقه: إذا أعتقه المشتري فقد وفي بما وجب عليه - إلى أن قال:
وإن امتنع أجبر عليه، إن قلنا إنه حق لله تعالى، وإن قلنا إنه حق للبائع لم يجبر، كما في
شرط الرهن والكفيل، لكن يتخير البائع في الفسخ لعدم سلامة ما شرط، ثم ذكر
للشافعي وجهين في الاجبار وعدمه. إلى أن قال: والأولى عندي الاجبار في شرط
الرهن والكفيل لو امتنع، كما لو شرط تسليم الثمن معجلا فأهمل، انتهى.
ويمكن أن يستظهر هذا القول: أعني الوجوب تكليفا مع عدم جواز الاجبار
من كل من استدل على صحة الشرط بعموم المؤمنون، مع قوله بعدم وجوب
الاجبار، كالشيخ في المبسوط، حيث استدل على صحة اشتراط عتق العبد المبيع
بقوله (عليه السلام) المؤمنون عند شروطهم، ثم ذكر أن في اجباره على الاعتاق لو امتنع
قولين: الوجوب لأن عتقه قد استحق بالشرط، وعدم الوجوب وإنما يجعل (يحصل)
له الخيار، ثم قال: والأقوى هو الثاني، انتهى.
فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه، ومن جهة القرائن المتصلة
والمنفصلة مما لا مساغ لانكاره. بل الاستدلال به على صحة الشرط عند الشيخ
ومن تبعه في عدم افساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا على إرادة الوجوب منه، إذ
لا تنافي بين استحباب الوفاء بالشرط وفساده، فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق
المشروط في البيع على صحته.
ثم إن الصيمري في غاية المرام قال: لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط
العتق لأنه غير مخالف للكتاب والسنة، فيجب الوفاء به، قال: وهل يكون حقا لله
تعالى أو للعبد، أو للبائع؟ يحتمل الأول. إلى أن قال: ويحتمل الثالث وهو مذهب
العلامة في القواعد والتحرير، لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري على العتق،
وهو يدل على أنه حق للبائع، وعلى القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم ويجبره
مع الامتناع ولا يسقط باسقاط البايع

299
وعلى القول بكونه للبائع بكون المطالبة له ويسقط باسقاطه، ولا يجبر المشتري، ومع
الامتناع يتخير المشترط بين الامضاء والفسخ، وعلى القول بأنه للعبد يكون هو
المطالب بالعتق، ومع الامتناع يرافعه إلى الحاكم ليجبره على ذلك، وكسبه قبل العتق
للمشتري على جميع التقادير، انتهى.
وظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الاجبار: إن كل شرط
يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام ولا خلاف في عدم الاجبار عليه، وهو ظاهر
أول الكلام السابق في التذكرة، لكن قد عرفت قوله أخيرا والأولى أن له اجباره
عليه وإن قلنا إنه حق للبائع، وما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري وما ذكره في جامع
المقاصد والمسالك من أنه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الاجبار حيث
قال: واعلم أن في اجبار المشتري على الاعتاق وجهين أحدهما العدم، لأن للبائع
طريقا آخر للتخلص وهو الفسخ. والثاني له ذلك، لظاهر قوله تعالى: (أوفوا
بالعقود) والمؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله وهو الأوجه، انتهى.
وفي المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار وعدم وجوب الوفاء مستدلا له
بأصالة عدم وجوب الوفاء، والقول الآخر وجوب الوفاء بالشرط، واستدل له
بعموم الأمر بالوفاء بالعقد (والمؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله)، وظاهره
وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء والتسلط على الاجبار. كما أن ظاهر
الصيمري الاتفاق على وجوب الوفاء، بل وعلى عدم الاجبار فيما كان حقا مختصا
للبائع، والأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين، وكيف كان،
فالأقوى ما اختاره جماعة من أن للمشروط له اجبار المشروط عليه لعموم وجوب
الوفاء بالعقد والشرط، {1}

300
فإن العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين، فإن المشروط له قد ملك
الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط، فيجبر على تسليمه. وما
في جامع المقاصد من توجيه عدم الاجبار



(1) المائدة: 2.
(2) الوسائل - باب 6 - من أبواب الخيار حديث 5.
301
بأن له طريقا إلى التخلص بالفسخ {1} ضعيف في الغاية، فإن الخيار إنما شرع
بعد تعذر الاجبار دفعا للضرر.
وقد يتوهم أن ظاهر الشرط هو فعل الشئ اختيارا، فإذا امتنع المشروط
عليه فقد تعذر الشرط وصدور الفعل منه كرها غير ما اشترط عليه، فلا ينفع في
الوفاء بالشرط. {2}
ويندفع بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار والاجبار،
وإنما يعرض له من حيث إنه فعل واجب عليه، فإذا أجبر فقد أجبر على نفس
الواجب. نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا وعن رضا منه لم ينفع
اجباره في حصول الشرط.

302
الثالثة: في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار، {1} فيكون
مخيرا بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذر الاجبار: ظاهر الروضة وغير واحد هو
الثاني، وصريح موضع من التذكرة هو الأول، قال: لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه
آخر أو يقرضه بعد شهر أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط، فإن أخل به لم يبطل البيع
لكن يتخير المشترط بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرط، انتهى.

303
ولا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الاجبار لما عرفت من أن مقتضى
العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو فهرا إلا أن يقال: إن العمل
بالشرط لازم على المشروط عليه يجبر عليه إذا بني المشروط له على الوفاء بالعقد.



(1) الوسائل - باب 7 - من أبواب الخيار حديث 2.
304
وأما إذا أراد الفسخ لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد على الوجه
الذي وقع عليه، فله ذلك، فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض
منهما، {1} وهذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز
للآخر فسخ العقد، لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر، ولا يخرج عن ملكه بعدم
تسليم صاحبه فيجبران على ذلك بخلاف الشرط، فإن المشروط حيث فرض فعلا
كالاعتاق فلا معنى لتملكه، فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد، فيجوز
للمشروط له أيضا نقضه، فتأمل.

305
ثم على المختار من عدم الخيار إلا مع تعذر الاجبار لو كان الشرط من قبيل
الانشاء القابل للنيابة، فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر اجباره، {1} الظاهر
ذلك لعموم ولاية السلطان على الممتنع {2} فيندفع ضرر المشروط له بذلك.
الرابعة: لو تعذر الشرط فليس للمشترط إلا الخيار، {3} لعدم دليل على
الأرش،



(1) كتاب النكاح - باب 1 - من أبواب النفقات.
306
فإن الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفا وشرعا إنما هي
بين المالين والتقييد أمر معنوي لا يعد مالا وإن كانت مالية المال تزيد وتنقص
بوجوده وعدمه وثبوت الأرش في العيب لأجل النص، {1} وظاهر العلامة ثبوت
الأرش إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق.
وتبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد، قال: فإن امتنع من تدبيره تخير
البائع بين الفسخ واسترجاع العبد وبين الامضاء، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع
مطلقا وقيمته بشرط التدبير، انتهى.

307
ومراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت إلى القيمة
لاتمام التفاوت لأن للشرط قسطا من الثمن، فهو مضمون به لا بتمام قيمته، كما نص
عليه في التذكرة وضعف في الدروس قول العلامة بما ذكرنا من أن الثمن لا يقسط على
الشروط وأضعف منه ثبوت الأرش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط وإن لم يتعذر، كما عن الصيمري ولو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا
ويقابل بالمال، كخياطة الثوب فتعذر. ففي استحقاق المشروط له لأجرته ومجرد
ثبوت خيار له وجهان: قال في التذكرة لو شرط على البائع عملا سائغا، تخير
المشتري بين الفسخ والمطالبة به، أو بعوضه. إن فات وقته، وكان مما يتقوم، كما لو
شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد المشتري، ولو لم يكن
مما يتقوم تخير بين الفسخ والامضاء مجانا، انتهى.
وقال أيضا لو كان الشرط على المشتري مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ له

308
ثوبه، فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ والامضاء بقيمته الفائت، إن كان مما
له قيمة وإلا مجانا، انتهى.
والظاهر أن مراده بما يتقوم ما يتقوم في نفسه سواء كان عملا محضا، كالخياطة
أو عينا كمال العبد المشترط معه، أو عينا وعملا كالصبغ لا ماله مدخل في قيمة
العوض، إذ كل شرط كذلك وما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه، وإن كان مقتضى
المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال، {1} فإن
المبيع هو الثوب المخيط والعبد وماله

309
المصاحب للمال لا الثوب والخياطة والعبد وماله. ولذا لا يشترط قبض ما
بإزاء المال من النقدين في المجلس لو كان من أحدهما {1} وسيجئ في
المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الأجزاء.
الخامسة: لو تعذر الشرط وقد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف أو
بنقل أو رهن أو استيلاد، {2} فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ، فإذا فسخ ففي
رجوعه عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه أو من
أصله وجوه يأتي في أحكام الخيار

310
ويأتي أن الأقوى الرجوع بالبدل جمعا بين الأدلة، هذا كله مع صحة العقد
الواقع بأن لا يكون منافيا للوفاء بالشرط. وأما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه
على البائع، ففي صحته مطلقا أو مع إذن المشروط له أو إجازته أو بطلانه وجوه
خيرها وسطها

311
فلو باع بدون إذنه كان للمشروط له فسخه والزامه بالوفاء بالشرط. {1}
نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه، {2} فالظاهر صحة العقد الثاني، فإذا
فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من حينه أو من أصله، أو الرجوع بالقيمة وجوه:
رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق، فلا يبطل لبنائه على التغليب، فيرجع بالقيمة
وبين غيره فيبطل، اختاره في التذكرة والروضة.
قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه، بعد ما ذكر أن اطلاق اشتراط العتق
يقتضي عتقه مجانا، فلو أعتقه بشرط الخدمة مدة تخير المشروط له بين الامضاء
والفسخ فيرجع بقيمة العبد، قال بعد ذلك ولو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير
البائع بين الفسخ والامضاء، فإن فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام
وتخالف هذه العتق بشرط الخدمة، لأن العتق مبني على التغليب، {3} فلا سبيل إلى
فسخه، وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري فيه احتمال، انتهى.

314
ومثله ما في الروضة وقال في الدروس في العبد المشروط عتقه: ولو أخرجه
عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف، فللبائع فسخ ذلك كله، انتهى.
وظاهره ما اخترناه {1} ويحتمل ضعيفا غيره، وفي جامع المقاصد الذي ينبغي
أن المشتري ممنوع من كل تصرف ينافي العتق المشترط.
ثم إن هذا الخيار، كما لا يسقط بتلف العين، كذلك لا يسقط بالتصرف
فيها، {2} كما نبه عليه في المسالك في أول خيار العيب، فيما لو اشترط الصحة على
البائع، نعم إذا دل التصرف على الالتزام بالعقد وسقط الخيار نظير خيار المجلس
والحيوان بناء على ما استفيد من بعض أخبار خيار الحيوان المشتمل على سقوط
خياره بالتصرف معللا بحصول الرضا بالعقد. وأما مطلق التصرف فلا.

315
السادسة: للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الاسقاط {1} لا مثل
اشتراط مال العبد، أو حمل الدابة لعموم ما تقدم في اسقاط الخيار وغيره من الحقوق،



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
316
وقد يستثنى من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له {1} كالعتق. فإن المصرح
به في كلام جماعة كالعلامة وولده والشهيدين وغيرهم عدم سقوطه باسقاط
المشروط له، قال في التذكرة: الأقوى عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه حقوق
حق لله وحق للبائع وحق للعبد، ثم استقرت بناء على ما ذكره مطالبة العبد بالعتق لو
امتنع المشتري. وفي الإيضاح الأقوى أنه حق للبائع ولله تعالى، فلا يسقط
بالاسقاط، انتهى.
وفي الدروس لو أسقط البائع الشرط جاز إلا العتق لتعلق حق العبد وحق الله
تعالى به، انتهى.
وفي جامع المقاصد: إن التحقيق أن العتق فيه معنى القربة والعبادة وهو حق
الله تعالى وزوال الحجر وهو حق للعبد، وفوات المالية على الوجه المخصوص للقربة
وهو حق للبائع، انتهى.
أقول أما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الأمر المطلوب

317
للشارع، فهو واضح. وأما كونه حقا للعبد، فإنه إن أريد به مجرد انتفاعه بذلك،
فهذا لا يقتضي سلطنة له على المشتري، {1} بل هو متفرع على حق البائع دائر معه
وجودا وعدما {2} وإن أريد ثبوت حق على المشتري يوجب السلطنة على المطالبة،
فلا دليل عليه ودليل الوفاء لا يوجب إلا ثبوت الحق للبائع.
وبالجملة فاشتراط عتق العبد، ليس إلا كاشتراط أن يبيع المبيع من زيد
بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه، ولم يذكر أحد أن لزيد المطالبة، ومما ذكر
يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالى، فإنه إن أريد به مجرد وجوبه عليه، لأنه وفاء بما
شرط العباد بعضهم لبعض، فهذا جار في كل شرط ولا ينافي ذلك سقوط الشروط
بالاسقاط، وإن أريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله، كما ذكره جامع
المقاصد، ففيه أن مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله على وجه
يلزم به الحاكم ولا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد والقيام
بحقوقهم. وقد عرفت أن المطلوب غير هذا، فافهم

318
السابعة: قد عرفت أن الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن عند
انكشاف التخلف {1} على المشهور، لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفا على
مقابلة أحد العوضين إلا بالآخر، والشرع لم يزد على ذلك إذ أمره بالوفاء بذلك
المدلول العرفي فتخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين، هذا ولكن
قد يكون الشرط

319
تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بأن يشتري مركبا ويشترط كونه كذا وكذا
جزء كأن يقول بعتك هذا الأرض أو الثوب أو الصبرة على أن يكون كذا ذرعا أو
صاعا، فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة، {1} فهل يلاحظ حينئذ جانب
القيدية ويقال إن المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء، فالمتخلف
هو قيد من قيود العين كالكتابة ونحوها في العبد لا يوجب فواتها إلا خيارا بين
الفسخ والامضاء بتمام الثمن، أو يلاحظ جانب الجزئية، فإن المذكور وإن كان بصورة
القيد إلا أن منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد وعدمه، فالمبيع في الحقيقة هو كذا
وكذا جزأ إلا أنه عبر عنه بهذه العبارة كما لو أخبر بوزن المبيع المعين، فباعه اعتمادا
على اخباره، فإن وقوع البيع على العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن على
الفائت.
وبالجملة فالفائت عرفا وفي الحقيقة هو الجزء وإن كان بصورة الشرط، فلا
يجري فيه ما مر من عدم التقابل إلا بين نفس العوضين، ولأجل ما ذكرنا وقع
الخلاف فيما لو باعه

320
أرضا على أنها جربان معينة، أو صبرة على أنها أصوع معينة، وتفصيل ذلك العنوان
الذي ذكره في التذكرة بقوله لو باع شيئا وشرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من
حيث الكم،

321
فأقسامه أربعة {1} لأنه إما أن يكون مختلف الأجزاء أو متفقها، وعلى
التقديرين فإما أن يزيد وإما أن ينقص، فالأول تبين النقص في متساوي الأجزاء،
ولا إشكال في الخيار وإنما الاشكال والخلاف في أن له الامضاء، بحصة من الثمن أوليس
له الامضاء إلا بتمام الثمن فالمشهور، كما عن غاية المرام هو الأول. وقد حكى
عن المبسوط والشرائع وجملة من كتب العلامة والدروس والتنقيح والروضة
وظاهر السرائر وايضاح النافع حيث اختارا ذلك في مختلف الأجزاء، فيكون كذلك
في متساوي الأجزاء بطريق أولى
ويظهر من استدلال بعضهم على الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي
الأجزاء مفروغا عنه.
وعن مجمع البرهان: إنه ظاهر القوانين الشرعية، ووجهه مضافا إلى فحوى
الرواية الآتية في القسم الثاني ما أشرنا إليه من أن كون المبيع الشخصي بذلك المقدار

322
وإن كان بصورة الشرط، إلا أن مرجعه إلى كون المبيع هذا القدر، كما لو كالا
طعاما، فاشتراه فتبين الغلط في الكيل، ولا يرتاب أهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع
المقدار المعين المشترط هنا، خلافا لصريح القواعد ومحكي الإيضاح، وقواه في محكي
حواشي الشهيد والميسية والكفاية، واستوجهه في المسالك ويظهر من جامع المقاصد
أيضا، لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان.
غاية الأمر أنه التزم أن يكون بمقدار معين وهو وصف غير موجود في
المبيع، {1} فأوجب الخيار كالكتابة المفقودة في العبد



(1) الوسائل - باب 14 - من أبواب الخيار حديث 1.
323
وليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار إلا أنه غير موجود في الخارج، مع أن
مقتضى تعارض الإشارة والوصف غالبا ترجيح الإشارة عرفا، فارجاع قوله بعتك
هذه الصبرة على أنه عشرة أصوع، إلى قوله بعتك عشرة أصوع موجودة في هذا
المكان تكلف. والجواب أن كونه من قبيل الشرط مسلم إلا أن الكبرى وهي أن كل
شرط لا يوزع عليه الثمن ممنوعة، {1} لأن المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة
عرفا، والعرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة، فتأمل.
الثاني: تبين النقص في مختلف الأجزاء، {2} والأقوى فيه ما ذكر من التقسيط
مع الامضاء وفاقا للأكثر، لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط
جزء من المبيع، مضافا إلى خبر ابن حنظلة رجل باع أرضا على أنها عشرة أجربة،
فاشترى المشتري منه بحدوده ونقد الثمن. وأوقع صفقة البيع وافترقا، فلما مسح
الأرض فإذا هي خمسة أجربة

324
قال: فإن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض وإن شاء رد المبيع وأخذ
المال كله، إلا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أرضون فليوفه، ويكون البيع
لازما، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فإن شاء المشتري أخذ الأرض
واسترجع فضل ماله وإن شاء رد الأرض وأخذ المال كله، الخبر. ولا بأس باشتماله
على حكم مخالف للقواعد، لأن غاية الأمر على فرض عدم امكان ارجاعه إليها،
ومخالفة ظاهره للاجماع طرح ذيله الغير المسقط لصدره عن الإحتجاج.
خلافا للمحكي عن المبسوط، وجميع من قال في الصورة الأولى بعدم
التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا لا يزيد ولا ينقص، لوجود
الشرط وعدمه، والشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار، كما لو
اشترط حمل الدابة أو مال العبد، فتبين عدمهما. وزاد بعض هؤلاء ما فرق به في
المبسوط بين الصورتين، بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن، لأن المبيع مختلف
الأجزاء، فلا يمكن قسمته على عدد الجربان. {1}

325
وفيه أن عدم معلومية قسطه {1} لا يوجب عدم استحقاق المشتري ما
يستحقه على تقدير العلم، فيمكن التخلص بصلح أو نحوه، إلا أن يدعي استلزام
ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد، مع عدم امكان العلم به عند الحاجة إلى
التقسيط. وفيه منع عدم المعلومية، {2} لأن الفائت صفة كون هذه الأرض المعينة
المشخصة عشرة أجربة، ويحصل فرضه وإن كان المفروض مستحيل الوقوع
بتضاعف كل جزء من الأرض، لأنه معنى فرض نفس الخمسة عشرة وفرضه أيضا
بصيرورة ثلاثة منها ثمانية أو أربعة تسعة أو واحد تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك،
وإن كان ممكنا إلا أنه لا ينفع مع فرض تساوي قطاع الأرض ومع اختلافها، فظاهر
التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي بلزوم كون كل جزء
منها مضاعفا على ما هو عليه من الصفات المرئية أو الموصوفة.
ثم إن المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة، ونفى عنه البعد في
التذكرة معللا بأن القطعة المجاورة للمبيع أقرب إلى المثل من الأرش. وفيه مع منع
كون نحو الأرض مثليا أن الفائت لم يقع المعاوضة عليه في ابتداء العقد، وقسطه من
الثمن باق في ملك المشتري، وليس مضمونا على البائع، حتى يقدم مثله على قيمته.
وأما الشيخ (قدس سره) فالظاهر استناده في ذلك إلى الرواية

326
الثالث: أن يتبين الزيادة عما شرط على البائع {1} فإن دلت القرينة على أن
المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة، فالظاهر أن الكل
للمشتري. {2} ولا خيار، وإن أريد ظاهره وهو كونه شرطا للبائع من حيث عدم
الزيادة وعليه من حيث عدم النقيصة، ففي كون الزيادة للبائع وتخير المشتري
للشركة أو تخير البائع بين الفسخ والإجازة لمجموع الشئ بالثمن وجهان: من أن
مقتضى ما تقدم من أن اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به، فهو شرط
صورة وله حكم الجزء عرفا أن اشتراط عدم الزيادة على المقدار هنا بمنزلة
الاستثناء واخراج الزائد عن المبيع ومن الفرق بينهما بأن اشتراط عدم الزيادة
شرط عرفا، وليس بمنزلة الاستثناء، فتخلفه لا يوجب إلا الخيار،

327
ولعل هذا أظهر {1} مضافا إلى إمكان الفرق بين الزيادة والنقيصة، مع اشتراكهما في
كون مقتضي القاعدة فيهما كونهما من تخلف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته بورود
النص المتقدم في النقيصة، ويبقى الزيادة على مقتضى الضابطة، ولذا اختار الاحتمال
الثاني، بعض من قال بالتقسيط في أطراف النقيصة، وقد يحكى عن المبسوط القول
بالبطلان هنا لأن البائع لم يقصد بيع الزائد {2} والمشتري لم يقصد شراء البعض وفيه
تأمل.
الرابع: أن يتبين في مختلف الأجزاء وحكمه يعلم مما ذكرنا. {3}
القول في حكم الشرط الفاسد والكلام فيه يقع في أمور: {4}
الأول: إن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به، {5}

328
بل هو داخل في الوعيد، فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به على
القول بعدم فساد أصل العقد، {1}

329
ولا تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد لأجل الجهالة، يفسد العقد، {1} لرجوع
الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين، فيكون البيع غررا، وكذا لو كان الاشتراط
موجبا لمحذور آخر في أصل البيع، كاشتراط بيع المبيع من البائع. ثانيا: لأنه موجب
للدور، أو لعدم القصد إلى البيع الأول، أو للتعبد من أجل الاجماع أو النص،
وكاشتراط جعل الخشب المبيع صنما، لأن المعاملة على هذا الوجه أكل للمال
بالباطل ولبعض الأخبار، وإنما الاشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد. فهل
يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد أم يبقى العقد على الصحة؟ قولان:
حكى أولهما عن الشيخ والإسكافي وابن البراج وابن سعيد، وثانيهما للعلامة
والشهيدين والمحقق الثاني وجماعة ممن تبعهم.
وظاهر ابن زهرة في الغنية التفصيل بين الشرط الغير المقدور كصيرورة
الزرع سنبلا والبسر تمرا، وبين غيره من الشروط الفاسدة، فادعى في الأول عدم
الخلاف في الفساد والافساد

330
ومقتضى التأمل في كلامه أن الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور على
تسليمه، ولو صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف،
لرجوعه كالشرط المجهول إلى ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين، لكن صريح
العلامة في التذكرة: وقوع الخلاف في الشرط الغير المقدور، ومثل بالمثالين المذكورين
ونسب القول بصحة العقد إلى بعض علمائنا، والحق أن الشرط الغير المقدور من
حيث هو غير مقدور لا يوجب تعذر التسليم في أحد العوضين. نعم لو أوجبه فهو
خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر،
وربما ينسب إلى ابن المتوج البحراني التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلق غرض
مقصود للعقلاء به، فلا يوجب فساد العقد، كأكل طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك
وبين غيره. وقد تقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء به
فلا يوجب فساد العقد كأكل طعام بعينه أوليس ثوب كذلك وبين غيره وقد نقدم في
اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود

331
للعقلاء عن التذكرة وغيرها، أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار والخلاف في
أن اشتراط الكفر صحيح أم لا؟ وعدم الخلاف ظاهرا في لغوية اشتراط كيل المسلم
فيه بمكيال شيخصي معين.
وظاهر ذلك كله التسالم على صحة العقد ولو مع لغوية الشرط، ويؤيد الاتفاق
على عدم الفساد استدلال القائلين بالافساد بأن للشرط قسطا من الثمن، فيصير
الثمن مع فساد الشرط مجهولا. نعم استدلالهم الآخر على الافساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط، ربما يؤيد عموم محل الكلام، لهذا الشرط إلا أن الشهيدين ممن استدل
بهذا الوجه، وصرح بلغوية اشتراط الكفر والجهل بالعبادات، بحيث يظهر منه صحة
العقد فراجع، وكيف كان، فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة، وفاقا
لمن تقدم لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه عدا وجوه:
أحدها: ما ذكره في المبسوط للمانعين من أن للشرط قسطا من العوض،
مجهولا فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا. {1}
وفيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزء من
الصداق فيجب على هذا سقوط المسمى والرجوع إلى مهر المثل. {2}

332
أولا: منع مقابلة شئ (الشرط بشئ) من العوضين عرفا ولا شرعا، {1} لأن
مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن والمثمن، غاية الأمر كون الشرط قيدا
لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض ونقصانه، والشرع لم يحكم على هذا العقد
إلا بإمضائه على النحو الواقع عليه، فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين. ولذا لم
يكن في فقده إلا الخيار بين الفسخ والامضاء مجانا كما عرفت.
وثانيا: منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض {2} إذ ليس العوض المنضم إلى
الشرط والمجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة، والمجرد عنه، في كون التفاوت بينهما
مضبوطا في العرف، ولذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الأرش لو لم يتحقق العتق
المشروط في صحة بيع المملوك، وبلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب.

333
وثالثا: منع كون الجهالة الطارية على العوض قادحة، إنما القادح هو الجهل به
عند انشاء العقد. {1}
(الثاني): إن التراضي إنما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص، {1} فإذا
تعذر الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، وعدم بقاء الجنس مع
ارتفاع الفصل، فالمعاوضة بين المثمن والثمن بدون الشرط معاوضة أخرى، محتاجة
إلى تراض جديد، وانشاء جديد، وبدونه يكون التصرف أكلا للمال لا عن تراض،
وفيه منع كون ارتباط الشرط بالعقد على وجه يحوج انتفاؤه إلى معاوضة جديدة
عن تراض جديد، ومجرد الارتباط لا يقتضي ذلك، كما إذا تبين نقص أحد
العوضين، {3} أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع، كالكتابة، والصحة،

334
وكالشروط الفاسدة في عقد النكاح، {1} فإنه
لا خلاف نصا وفتوى في عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه.
وقد تقدم أن ظاهرهم في الشرط الغير المقصود للعقلاء في السلم وغيره عدم فساد
العقد به، وتقدم أيضا أن ظاهرهم أن الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له
صحيحا كان أو فاسدا، {2} ودعوى أن الأصل في الارتباط هو انتفاء الشئ بانتفاء
ما ارتبط به، ومجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدي
مدفوعة بأن المقصود من بيان الأمثلة، أنه لا يستحيل التفكيك بين الشرط والعقد،
وأنه ليس التصرف المترتب على العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة
تصرفا لا عن تراض جوزه الشارع تعبدا وقهرا على المتعاقدين، فما هو التوجيه في
هذه الأمثلة هو التوجيه فيما نحن فيه، ولذا اعترف في جامع المقاصد: بأن في الفرق
بين الشرط الفاسد والجزء الفاسد عسرا.
والحاصل أنه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون
العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض، مستندا إلى النقض بهذه الموارد، وحل ذلك أن القيود المأخوذ في المطلوبات العرفية والشرعية:



(1) الوسائل - باب 29 من أبواب المهور كتاب النكاح.
335
منها ما هو ركن المطلوب ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا، وكون مطلوب
المولى اتيان تتن الشطب، لا الأصفر الصالح للنارجيل، ومطلوب الشارع الغسل
بالماء للزيارة لأجل التنظيف، فإن العرف يحكم في هذه الأمثلة بانتفاء المطلوب
لانتفاء هذه القيود، فلا يقوم الحمار مقام العبد، ولا الأصفر مقام التتن، ولا التيمم
مقام الغسل.
ومنها ما ليس كذلك ككون العبد صحيحا، والتتن جيدا، والغسل بماء الفرات،
فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب، والظاهر أن الشرط من
هذا القبيل لا من قبيل الأول، فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط
تصرفا لا عن تراض. {1}
نعم غاية الأمر أن فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا
بالفساد نظير فوات الجزء والشرط الصحيحين، ولا مانع من التزامه وإن لم يظهر منه
أثر في كلام القائلين بهذا القول.

336
الثالث: رواية عبد الملك بن عتبة عن الرضا (عليه السلام) عن الرجل ابتاع منه طعاما
أو متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم هذا، وكيف هذا. وما حد ذلك،
قال لا ينبغي، والظاهر أن المراد الحرمة لا الكراهة، كما في المختلف، إذ مع صحة العقد
لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد. {1}



(1) الوسائل - باب 35 - من أبواب أحكام العقود كتاب التجارة. والخبر مروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام).
337
ورواية الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجيئني فيطلب
مني العينة فأشتري المتاع لأجله، ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني، قال: فقال إذا
كان هو بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع، وكنت أنت أيضا بالخيار إن شئت
اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس، قال: فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا
فاسد، ويقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح، قال إنما هذا تقديم وتأخير لا بأس،
فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو أحدهما مختارا في ترك المعاملة الثانية،
وعدم الاختيار في تركها إنما يتحقق باشتراط فعلها في ضمن العقد الأول، وإلا فلا يلزم عليها، فيصير الحاصل أنه إذا باعه بشرط أن يبيعه منه أو يشتريه منه لم
يصح البيع الأول فكذا الثاني، أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول، إذ لا مفسد له
غيره،



(1) الوسائل كتاب التجارة باب 5 من أبواب أحكام العقود حديث 4.
(2) الوسائل - باب 5 - من أبواب العقود حديث 6.
338
ورواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى
أجل، ثم اشتراه بخمسة نقدا أيحل، قال: إذا لم يشترطا ورضيا فلا بأس، ودلالتها
أوضح من الأولى.
والجواب أما عن الأولى، فبظهور - لا ينبغي - في الكراهة، ولا مانع من كراهة
البيع على هذا النحو من أن البيع صحيح غير مكروه، والوفاء بالشرط مكروه. {1}
وأما عن الروايتين، فأولا: بأن الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوى
أهل المسجد، على خلاف قول الإمام (عليه السلام) في الرواية الأولى هو رجوع البأس في
المفهوم إلى الشراء، ولا ينحصر وجه فساده في فساد البيع، {2} لاحتمال أن يكون
من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأول، فإن العرف
لا يفرقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط، بين وقوع الشرط في متن العقد،
أو في الخارج، فإذا التزم به أحدهما في خارج العقد الأول، كان وقوعه للزومه عليه
عرفا فيقع لا عن رضا منه فيفسد.

339
وثانيا: بأن غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا، وهو
مما لا خلاف فيه حتى ممن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط،
فلا يتعدى منه إلى غيره، فلعل البطلان فيه للزوم الدور، كما ذكره العلامة أو لعدم
قصد البيع، كما ذكره الشهيد (قدس سره) أو لغير ذلك. بل التحقيق أن مسألة اشتراط بيع المبيع
خارجة عما نحن فيه، لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا، لأنه في نفسه
ليس مخالفا للكتاب والسنة، ولا منافيا لمقتضى العقد، بل الفساد في أصل البيع لأجل
نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط. وقد أشرنا إلى ذلك في أول المسألة.
ولعله لما ذكرنا لم يستند إليها أحد في مسألتنا هذه، والحاصل إني لم أجد لتخصيص
العمومات في هذه المسألة ما يطمئن به النفس، ويدل على الصحة أيضا جملة من
الأخبار.

340
ومنها ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه ذكر
أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة. فاشترتها عائشة فأعتقتها، فخيرها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال إن شاءت قعدت عند زوجها، وإن شاءت فارقته، وكان
مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولاءها، فقال (صلى الله عليه وآله) الولاء لمن
أعتق وحملها على الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية
إشارة وفي غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب والسنة، {1} فالانصاف أن الرواية
في غاية الظهور.
ومنها مرسلة جميل وصحيحة الحلبي، الأولى عن أحدهما: في الرجل يشتري
الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يرث، قال: يفي بذلك إذا اشترط
لهم إلا الميراث، فإن الحكم بوجوب الوفاء بالأولين دون الثالث، مع اشتراط الجميع
في العقد لا يكون إلا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه، {2} ولو قلنا بمقالة المشهور
من فساد اشتراط عدم البيع والهبة



(1) الوسائل - باب 37 - من أبواب كتاب العتق حديث 1.
(2) نفس المصدر حديث 2.
341
حتى أنه حكى عن كاشف الرموز: إني لم أجد عاملا بهذه الرواية كان الأمر
بالوفاء محمولا على الاستحباب، ويتم المطلوب أيضا، {1} ويكون استثناء شرط
الإرث لأن الملك فيه قهري للوارث لا معنى لاستحباب وفاء المشتري به، مع أن
تحقق الاجماع على بطلان شرط عدم البيع والهبة ممنوع، كما لا يخفى.
والثانية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث
ولا توهب، قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث وكل شرط خالف كتاب الله
فهو رد الخبر. فإن قوله فإنها تورث يدل على بقاء البيع الذي شرط فيه أن لا تورث
على الصحة، {2} بل يمكن أن يستفاد من قوله بعد ذلك كل شرط خالف كتاب الله
عز وجل فهو رد، أي لا يعمل به، أن جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب
الله جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط لا بطلان أصل البيع،



(1) الوسائل - باب 37 - من أبواب كتاب العتق حديث 1.
(2) نفس المصدر حديث 2.
342
ويؤيده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح. {1}
وقد يستدل على الصحة بأن صحة الشرط فرع على صحة البيع، فلو كان
الحكم بصحة البيع، موقوفا على صحة الشرط لزم الدور، {2} وفيه ما لا يخفى.
والانصاف أن المسألة في غاية الاشكال، ولذا توقف فيها بعض تبعا للمحقق (قدس سره)



(1) الوسائل - باب 38 - من أبواب المهور حديث 1.
(2) الوسائل - باب 39 - من أبواب المهور حديث 4.
343
ثم على تقدير صحة العقد، ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد
الشرط وجه، {1} من حيث كونه في حكم تخلف الشرط الصحيح، فإن المانع
الشرعي كالعقلي، فيدل عليه ما يدل على خيار تخلف الشرط، ولا فرق في الجهل
المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي. ولذا يعذر الجاهل بثبوت
الخيار أو بفوريته، ولكن يشكل بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الاجماع

344
وأدلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة أنها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي. إذا
لم يعتضد بعمل جماعة، لأن المعلوم اجمالا أنه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه
جديد {1} خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذرا، فرب ضرر يترتب
على المعاملات من أجل الجهل بأحكامها، خصوصا الصحة والفساد.
فإن ضرورة الشرع قاضية في أغلب الموارد بأن الضرر المترتب على فساد
معاملة مع الجهل به لا يتدارك، {2} مع أن مقتضى تلك الأدلة نفي الضرر الغير
الناشئ عن تقصير المتضرر في دفعه، {3} سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع
أو بالحكم، وإن قام الدليل في بعض المقامات على التسوية بين القاصر والمقصر،
فالأقوى في المقام عدم الخيار، وإن كان يسبق خلافه في بادئ الأنظار.

345
الثاني: لو أسقط المشروط له، الشرط الفاسد على القول بافساده، لم يصح
بذلك {2} العقد لانعقاده بينهما على الفساد، فلا ينفع اسقاط المفسد، {2} ويحتمل
الصحة بناء على أن التراضي إنما حصل على العقد المجرد عن الشرط، فيكون
كتراضيهما عليه حال العقد. {3} وفيه أن التراضي إنما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق
العقد السابق، كما في بيع المكره والفضولي. وأما إذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه
العقد فلا ينفع، لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه ومتعلق العقد لم يرض به. {4}

346
ويظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد اسقاط الشرط، قال:
يشترط في العمل المشروط على البائع أن يكون محللا فلو اشترى العنب على شرط
أن يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط، ولبيع على اشكال ينشأ من جواز اسقاط
المشتري الشرط عن البائع والرضا به خاليا عنه، وهو المانع من صحة البيع ومن
اقتران البيع بالمبطل. وبالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من
أصله، {1} بحيث لو رضي صاحبه باسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو ايقاف البيع
بدونه، فإن لم يرض بدونه بطل وإلا صح، انتهى ولا يعرف وجه لما ذكره من احتمال
الايقاف {2}
الثالث: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا، ولم يذكر في العقد، فهل يبطل
العقد بذلك بناء على أن الشرط الفاسد مفسد له أم لا؟ {3} وجهان بل قولان مبنيان
على تأثير الشرط قبل العقد.

347
فإن قلنا: بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور، وقد تقدم في الشروط لم يفسد
وإلا أفسد {1} ويظهر من المسالك هنا قول ثالث: قال في مسألة اشتراط بيع المبيع
من البائع المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد، فلو كان في أنفسهما ذلك ولم
يشترطاه لم يضر ولو شرطاه قبل العقد لفظا، فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا
حكم له، فلا أثر له، وإلا اتجه بطلان العقد، {2} كما لو ذكراه في متنه، لأنهما لم يقدما
إلا على الشرط، ولم يتم لهما فيبطل العقد، انتهى.
وفي باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة أنه لو كان من قصدهما
ذلك ولم يشترطاه لفظا كره، قال في المسالك أي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة
بشرطه قبله، نعم لو توهم لزوم ذلك، أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله، اتجه الفساد،
انتهى.

348
ثم حكى اعتراضا على المحقق قدس سره {1} وجوابا عنه بقوله قيل عليه أن مخالفة
القصد للفظ تقتضي بطلان العقد، لأن العقود تتبع القصود، فكيف يصح العقد مع
مخالفة اللفظ، وأجيب عنه بأن القصد وإن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في
البطلان {2} لتوقف البطلان على اللفظ والقصد، وكذلك الصحة ولم يوجد في
الفرض {3} ثم قال (قدس سره)

349
وفيه منع ظاهر فإن اعتبارهما معا في الصحة {1} يقتضي كون تخلف أحدهما
كافيا في البطلان، {1} ويرشد إليه عبارة الساهي والغالط والمكره، فإن المتخلف
الموجب للبطلان هو القصد خاصة وإلا فاللفظ موجود، ثم قال والذي ينبغي فهمه
أنه لا بد من قصدهما إلى البيع {2} المترتب عليه أثر الملك للمشتري على وجه لا
يلزمه رده (أي بيعه على البائع الأول) وإنما يفتقر قصدهما لرده بعد ذلك بطريق
الاختيار نظرا إلى وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض
اختياره ومروته، انتهى كلامه.
أقول: إذا أوقعا العقد المجرد على النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط وفرض
عدم التفاوت بينهما في البناء على الشرط والالتزام به إلا بالتلفظ بالشرط وعدمه.
فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير الشرط الصحيح والفاسد فلا وجه
للفرق بين من يعلم فساد الشرط وغيره، فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن
الاقدام على العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد بل اقدامه كاقدام من
يعتقد الصحة كما لا فرق في ايقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده وعدم ترتب أثر
شرعي عليه وغيره.
وبالجملة فالاقدام على العقد مقيدا أمر عرفي يصدر من المتعاقدين وإن علما
بفساد الشرط

350
وأما حكم صورة نسيان ذكر الشرط، فإن كان مع نسيان أصل الشرط كما
هو الغالب، فالظاهر الصحة لعدم الاقدام على العقد مقيدا غاية الأمر أنه كان عازما
على ذلك لكن غفل عنه نعم لو اتفق ايقاع العقد مع الالتفات إلى الشرط ثم طرأ عليه
النسيان في محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا على تواطئهما
السابق.
الرابع: لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء
فظاهر كلام جماعة من القائلين بافساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد
للعقد، {1} قال في التذكرة في باب العيب: لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء ولا يزيد
به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار، وقد صرح في مواضع أخر في باب الشروط
بصحة العقد ولغوية الشرط، وقد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون
العبد كافرا فبان مسلما، ومرجعه إلى لغوية الاشتراط. وقد ذكروا في السلم لغوية
بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين ولعل وجه عدم قدح هذه الشروط أن
الوفاء بها لما لم يجب شرعا ولم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابليته
تقييد العقد بها لعدم عدها كالجزء من أحد العوضين {2} ويشكل بأن لغويتها لا
تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين، فاللازم أما بطلان العقد وأما وجوب الوفاء،
كما إذا جعل بعض الثمن مما لا يعد مالا في العرف.

351
الكلام في أحكام الخيار
الخيار موروث بأنواعه {1} بلا خلاف بين الأصحاب، كما في الرياض،
وظاهر الحدائق. وفي التذكرة أن الخيار عندنا موروث، لأنه من الحقوق كالشفعة
والقصاص في جميع أنواعه، وبه قال الشافعي، إلا في خيار المجلس. وادعى في الغنية:
الاجماع على إرث خيار المجلس والشرط.



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
352
واستدل عليه مع ذلك بأنه حق للميت، فيورث لظاهر القرآن، {1} وتبعه
بعض من تأخر عنه، وزيد عليه الاستدلال بالنبوي، ما ترك الميت من حق
فلوارثه. {2}
أقول الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب والسنة الواردين في إرث ما ترك
الميت يتوقف على ثبوت أمرين:
أحدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا كإجازة العقد الفضولي، وجواز
الرجوع في الهبة وسائر العقود الجائزة، فإن الحكم الشرعي مما لا يورث، وكذا ما
تردد بينهما للأصل، وليس في الأخبار ما يدل على ذلك عدا ما دل على انتفاء الخيار
بالتصرف، معللا بأنه رضا كما تقدم في خيار الحيوان



(1) النساء آية 11.
(2) النساء آية 12.
(3) أصول الكافي ج 1 ص 406.
353
والتمسك بالاجماع على سقوطه بالاسقاط، فيكشف عن كونه حقا لا حكما
مستغني عنه بقيام الاجماع على نفس الحكم.
الثاني: كونه حقا قابلا للانتقال ليصدق أنه مما ترك الميت، بأن لا يكون وجود
الشخص وحياته مقوما له، وإلا فمثل حق الجلوس في السوق والمسجد، وحق التولية
والنظارة غير قابل للانتقال، فلا يورث، واثبات هذا الأمر بغير الاجماع أيضا
مشكل، والتمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق، {1} وعدم انقطاعه بموت ذي الحق
أشكل، لعدم احراز الموضوع، لأن الحق لا يتقوم إلا بالمستحق، {2} وكيف كان ففي
الاجماع المنعقد على نفس الحكم كفاية إن شاء الله تعالى.

354
بقي الكلام في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا، {1}

355
فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلى الوارث، {1}
ولو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه، كالرقية أو القتل للمورث أو الكفر، فلا اشكال
في عدم الإرث، لأن الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر
الحقوق، {2}



(1) النساء آية 11.
(2) الوسائل - باب 28 - من أبواب أحكام الوصايا.
356
ولو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي، كالزوجة غير ذات الولد، أو مطلقا
بالنسبة إلى العقار، وغير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلى الحبوة، {1} ففي حرمانه من
الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا. أو عدم حرمانه كذلك، وجوه. بل أقوال.
ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميت أو عنه، فيرث
في الأول صرح به فخر الدين في الإيضاح، وفسر به عبارة والده كالسيد العميد
وشيخنا الشهيد في الحواشي.
ورابعها: عدم الجواز في تلك الصورة، والاشكال في غيرها، صرح به في
جامع المقاصد، ولم أجد من جزم بعدم الإرث مطلقا، وإن أمكن توجيهه بأن: ما
يحرم منه هذا الوارث إن كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معنى له، لأنه لا ينتقل إليه
بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شئ من المثمن.

357
وبعبارة أخرى الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه، توجب سلطنته عليه،
ولا علاقة هنا ولا سلطنة، وإن كان قد انتقل إلى الميت فهو لباقي الورثة، ولا سلطنة
لهذا المحروم، والخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز تسلطه على ما وصل بإزائه. {1}
ولكن يرد ذلك بما في الإيضاح: من أن الخيار لا يتوقف على الملك، كخيار
الأجنبي، فعمومات الإرث بالنسبة إلى الخيار لم يخرج عنها الزوجة وإن خرجت
عنها بالنسبة إلى المال. والحاصل أن حق الخيار ليس تابعا للملكية، ولذا قوي بعض
المعاصرين ثبوت الخيار في الصورتين، ويضعفه أن حق الخيار علقة في الملك المنتقل
إلى الغير من حيث التسلط على استرداده إلى نفسه، وإلى من هو منصوب من قبله
كما في الأجنبي
وبعبارة أخرى ملك لتملك المعوض لنفسه، أو لمن نصب عنه، وهذه العلاقة
لا ينتقل من الميت إلا إلى وارث يكون كالميت، في كونه مالكا، لأن يملك، فإذا فرض
أن الميت باع أرضا بثمن، فالعلاقة المذكورة إنما هي لسائر الورثة دون الزوجة، لأنها
بالخيار لا ترد شيئا من الأرض إلى نفسها ولا إلى آخر هي من قبله لتكون كالأجنبي
المجعول له. نعم لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض، كان الثمن المدفوع إلى البائع
متزلزلا في ملكه،

358
فيكون في معرض الانتقال إلى جميع الورثة، ومنهم الزوجة، فهي أيضا مالكة
لتملك حصتها من الثمن. {1} لكن فيه ما ذكرنا سابقا من أن الخيار حق فيما انتقل عنه
بعد احراز التسلط على ما وصل بإزائه، وعبر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلط
الزوجة على مال الغير.
وحاصله أن الميت إنما كان له الخيار، والعلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلطه
على رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بإزائه، فلا ينتقل هذه العلاقة إلا إلى من هو
كذلك من ورثته، كما مر نظيره في عكس هذه الصورة، وليست الزوجة كذلك. وقد
تقدم في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل، أن أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي
الخيار على صاحبه، من جهة تسلطه على تملك ما في يده، فلا يثبت بها تسلط الوكيل
على ما وصل إليه لموكله، وما نحن فيه كذلك، ويمكن دفيه بأن ملك بائع الأرض
للثمن لما كان متزلزلا وفي معرض الانتقال إلى جميع الورثة، اقتضي بقاء هذا التزلزل
بعد موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة

359
وإن لم يكن لها تسلط على نفس الأرض، والفرق بين ما نحن فيه، وبين ما
تقدم في الوكيل، {1} أن الخيار هناك، وتزلزل ملك الطرف الآخر، وكونه في معرض
الانتقال إلى موكل الوكيل، كان متوقفا على تسلط الوكيل على ما في يده، وتزلزل
ملك الطرف الآخر هنا، وكونه في معرض الانتقال إلى الورثة ثابت على كل حال،
ولو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة، فإن باقي الورثة لو ردوا الأرض واستردوا الثمن
شاركتهم الزوجة فيه، فحق الزوجة في الثمن المنتقل إلى البائع ثابت، فلها استيفاؤه
بالفسخ، ثم إن ما ذكروا رد على فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة {2} بثمن معين
يشترك فيه الزوجة إلا أن يلتزم عدم تسلطهم على الفسخ إلا في مقدار حصتهم من
الثمن، {3} فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره في الإيضاح من التفصيل مفسرا به عبارة
والده في القواعد لا يخلو عن قوة. قال في القواعد: الخيار موروث بالحصص كالمال
من أي أنواعه كان، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على اشكال أقربه ذلك، إن
اشترى بخيار لترث من الثمن، انتهى.
وقال في الإيضاح: ينشأ الاشكال من عدم إرثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث
من خيارها. ومن أن الخيار لا يتوقف على الملك كالأجنبي، ثم فرع المصنف أنه لو كان

360
الموروث قد اشترى بخيار فالأقرب إرثها من الخيار، لأن لها حقا في الثمن
ويحتمل عدمه، لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ، فلو علل بإرثها دار، {1}
والأصح اختيار المصنف لأن الشراء يستلزم منعها من شئ نزله الشارع منزلة جزء
من التركة، {2} وهو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه، انتهى.
وقد حمل العبارة على هذا المعنى السيد العميد الشارح للكتاب، واستظهر
خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد، فإنه بعد بيان منشأ الاشكال على ما يقرب
من الإيضاح، قال: فالأقرب من هذا الاشكال، عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى
أرضا بخيار، فأرادت الفسخ لترث من الثمن.

361
وأما إذا باع أرضا بخيار، فالاشكال حينئذ بحاله، لأنها إذا فسخت في هذه
الصورة لم ترث شيئا، وحمل الشارحان العبارة على أن الأقرب إرثها إذا اشترى
بخيار، لأنها حينئذ يفسخ فترث من الثمن، بخلاف ما إذا باع بخيار، وهو خلاف
الظاهر، فإن المتبادر أن المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث الذي سيقت لأجله
العبارة، مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم أيضا، فإن الأرض حق لباقي الوراث
استحقوها بالموت، فكيف يملك الزوجة ابطال استحقاقهم لها واخراجها عن ملكهم.

362
نعم لو قلنا إن ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار، استقام ذلك، وأيضا فإنها إذا
ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميت أرضا بخيار بطريق أولى،
لأنها ترث حينئذ من الثمن وأقصى ما يلزم من إرثها من الخيار أن يبطل حقها من
الثمن، وهو أولى من ابطال إرثها حق غيرها من الأرض التي اختصوا بملكها، ثم
قال: والحق أن إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا، وابطال حق قد
ثبت لغيرها يحتاج إلى دليل. نعم قوله لترث من الثمن على هذا التقدير يحتاج إلى
تكلف زيادة تقدير {1} بخلاف ما حملا عليه، انتهى. وقد تقدم ما يمكن أن يقال على
هذا الكلام.
ثم إن الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا اشترى الميت
أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة
والمبيعة.

363
مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شئ واحد غير قابل
للتجزئة والتقسيم وجوه: {1}
الأول: ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه،
بحيث يكون له الفسخ في الكل وإن أجاز الباقون، {2} نظير حد القذف الذي
لا يسقط بعفو بعض المستحقين، كذلك حق الشفعة على المشهور، واستند في ذلك
إلى أن ظاهر النبوي المتقدم {3} وغيره، ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم
الخيار، بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك على إرادة الاشتراك لعدم تعدد
الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث



(1) لم أعثر على هذه العبارة في كتب الحديث من طرقنا وإنما رواها الشهيد الثاني في المسالك في كتاب الشفعة وتبعه
المتأخرون عنه.
364
الثاني: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه، فله الفسخ فيه دون باقي
الحصص، {1} غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ والامضاء تبعض الصفقة
على من عليه الخيار، فيثبت له الخيار، ووجه ذلك أن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة
وكان مقتضى أدلة الإرث كما سيجئ، اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم،
تعين تبعضه بحسب متعلقه، فيكون نظير المشترين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت
الخيار لكل منهما.
الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، {2} فيشتركون فيه من دون
ارتكاب تعدده بالنسبة إلى جميع المال، ولا بالنسبة إلى حصة كل منهم، لأن مقتضى
أدلة الإرث في الحقوق الغير القابلة للتجزئة، {3} والأموال القابلة لها أمر واحد، فهو
ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة إلا أن التقسيم في الأموال لما كان أمرا ممكنا كان
مرجع اشتراك المجموع في المجموع إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة، بخلاف
الحقوق فإنها تبقى على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها، فلا يجوز لأحدهم
الاستقلال بالفسخ لا في الكل ولا في حصته، فافهم.

365
وهنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع، وهو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقق
الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ، ما
لم يجز الآخر، لتحقق الطبيعة في الواحد، {1} وليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه لو
أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده، لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان
أو متعددا كان امضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر، لأن
الأول قد استوفاه. ولو اتحدا زمانا كان ذلك كالامضاء والفسخ من ذي الخيار
بتصرف واحد، لا أن الفاسخ متقدم كما سيجئ في أحكام التصرف.

366
ثم إنه لا ريب في فساد مستند وجه الأول المذكور له {1} لمنع ظهور النبوي
وغيره في ثبوت ما ترك لكل واحد من الورثة، لأن المراد بالوارث في النبوي
وغيره مما أفرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق في ضمن الواحد
والكثير، {2} وقيام الخيار بالجنس يتأتي على الوجوه الأربعة المتقدمة، كما لا يخفى
على المتأمل. وأما ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة المجمع، فلا يخفى أن المراد به أيضا،
أما جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل على المجموعي
والأفرادي والأظهر هو الثاني، كما في نظائره، هذا كله مع قيام القرينة العقلية
واللفظية على عدم إرادة ثبوته لكل واحد مستقلا في الكل. أما الأولى فلأن
المفروض أن ما كان للميت وتركه للوارث حق واحد شخصي، وقيامه بالأشخاص
المتعددين أوضح استحالة وأظهر بطلانا من تجزيه وانقسامه على الورثة فكيف
يدعى ظهور أدلة الإرث فيه. {3}

367
وأما الثانية فلأن مفاد تلك الأدلة بالنسبة إلى المال المتروك، وحق المتروك
شئ واحد، ولا يستفاد منها بالنسبة إلى المال الاشتراك، وبالنسبة إلى الحق التعدد،
إلا مع استعمال الكلام في معنيين، {1} هذا مع أن مقتضى ثبوت ما كان للميت لكل
من الورثة أن يكونوا كالوكلاء المستقلين، {2} فيمضي السابق من إجازة أحدهم أو
فسخه، ولا يؤثر اللا حق فلا وجه لتقدم الفسخ على الإجازة على ما ذكره. وأما
الوجه الثاني فهو وإن لم يكن منافيا لظاهر أدلة الإرث، من ثبوت مجموع المتروك
لمجموع الوارث، إلا أن تجزية الخيار بحسب متعلقه كما تقدم، مما لم يدل عليه أدلة
الإرث، أما ما كان منها كالنبوي غير متعرض للقسمة فواضح، وأما ما تعرض فيه
للقسمة كآيات قسمة الإرث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة
عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل باعمال هذا الحق أو اسقاطه
فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ، أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الإجازة على طريق
الإرث.

368
وأما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته، فلا يستفاد من تلك الأدلة،
فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع، فإن اتفق المجموع
على الفسخ في المجموع، وإلا فلا دليل على الانفساخ في شئ منه. ومن ذلك يظهر أن
المعنى الثاني للوجه الثالث، وهو قيام الخيار بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع أيضا
لا دليل عليه، فلا يؤثر فسخ أحدهم وإن لم يجز الآخر مع أن هذا المعنى أيضا مخالف
لأدلة الإرث، لما عرفت من أن مفادها بالنسبة إلى المال والحق واحد. ومن المعلوم
أن المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع.

369
ثم إن ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج كونه على
خصوص واحد من الوجوه المذكورة، {1} نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع كما
في حد القذف، فإن النص قد دل على أنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين، وكذا حق
القصاص، فإنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين، لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي
من الدية إلى أولياء المقتص منه جمعا بين الحقين، لكن يبقى الاشكال في حكم
المشهور من غير خلاف يعرف بينهم. وإن احتمله في الدروس من أن أحد الورثة
إذا عفى عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع، {2} فإن الظاهر أن قولهم بذلك
ليس لأجل دليل خارجي، والفرق بينه وبين ما نحن فيه مشكل.
ويمكن أن يفرق بالضرر، فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشريكين تضرر
الآخر بالشركة {3}

370
بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط حدي القذف والقصاص بعفو البعض،
لأن الحكمة وما التشفي، فابطالها بعفو أحد الشركاء اضرار على غير العافي وهذا غير
موجود غيما نحن فيه، فتأمل.
ثم إن ما اخترناه من الوجه الأول، {1} هو مختار العلامة في القواعد، بعد أن
احتمل الوجه الثاني وولده في الإيضاح والشهيد في الدروس والشهيد الثاني في
المسالك وحكي عن غيرهم، قال في القواعد وهل للورثة التفرق فيه نظر {2} أقربه
المنع، وإن جوزناه مع تعدد المشتري، وزاد في الإيضاح بعد توجيه المنع، بأنه لم يكن
لمورثهم إلا خيار واحد أنه لا وجه لاحتمال التفريق

371
وقال في الدروس في باب خيار العيب: لو جوزنا لأحد المشترين الرد نجوزه
لأحد الوارثين عن واحد، لأن التعدد طار على العقد سواء كان الموروث خيار عيب
أو غيره، انتهى. وفي المسالك بعد المنع عن تفرق المشترين في الخيار، هذا كله فيما لو
تعدد وارث المشتري الواحد، فإنه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة والتعدد طار مع
احتماله، انتهى.
وظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجه الأول من الوجوه المتقدمة قال لو
فسخ بعضهم وأجاز الآخر، فالأقوى أنه ينفسخ في الكل، كالمورث لو فسخ في
حياته في البعض وأجاز في البعض، انتهى.
ويحتمل أن لا يريد بذلك أن لكل منهما ملك الفسخ في الكل، كما هو مقتضى
الوجه الأول، بل يملك الفسخ في البعض ويسري في الكل، {1} نظير فسخ المورث
في البعض وكيف كان فقد ذكر في خيار العيب، أنه لو اشترى عبدا فمات، وخلف
وارثين فوجدوا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة للتشقيص، انتهى.
وقال في التحرير: لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب، فرضي أحدهما، سقط
حق الآخر من الرد دون الأرش.
والظاهر أن خيار العيب وخيار المجلس واحد، كما تقدم عن الدروس. فلعله
رجوع عما ذكره في خيار المجلس، ثم إنه ربما يحمل ما في القواعد وغيرها من عدم
جواز التفريق على أنه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ والإجازة، بل لا بد من
الفسخ أو الإجازة في الكل، فلا دلالة فيها على عدم استقلال كل منهم على الفسخ في
الكل، وحينئذ فإن فسخ أحدهم وأجاز الآخر قدم الفسخ على الإجازة، وينسب
تقديم الفسخ إلى كل من منع من التفريق، بل في الحدائق تصريح الأصحاب بتقديم
الفاسخ من الورثة على المجيز

372
ولازم ذلك الاتفاق على أنه متى فسخ أحدهم انفسخ في الكل،
وما أبعد بين هذه الدعوى وبين ما في الرياض من قوله
ولو اختلفوا، يعني الورثة قيل: قدم الفسخ. وفيه نظر، لكن الأظهر في معنى
عبارة القواعد ما ذكرنا وأن المراد بعدم جواز التفريق أن فسخ أحدهم ليس ماضيا
مع عدم موافقة الباقين. كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب،
أما لو أورثا خيار العيب، فلا اشكال في وجوب توافقهما، فإن المراد بوجوب
التوافق وجوبه الشرطي، ومعناه عدم نفوذ التخالف.
ولا ريب أن عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهما مع
فسخ صاحبه، بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته لفسخ صاحبه وهو
المطلوب وأصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير، ثم التذكرة. نعم ما تقدم من قوله
في الزوجة غير ذات الولد أقربه ذلك إن اشترى بخيار لترث من الثمن قد يدل على
أن فسخ الزوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثمن لترث منه، إذ استرداد مقدار
حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده وعند غيره،
وكيف كان، فمقتضى أدلة الإرث ثبوت الخيار للورثة على الوجه الثالث الذي
اخترناه.
وحاصله أنه متى فسخ أحدهم وأجاز الآخر لغى الفسخ.
وقد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم اعمال الآخر حقه.
ويندفع بأن الحق، إذا كان مشتركا لم يجز اعماله إلا برضا الكل، كما لو جعل
الخيار لأجنبيتين على سبيل التوافق.

373
فرع إذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ فيما باعه مورثهم، {1} فإن كان عين
الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه إلى المشتري، {2} وإن لم يكن موجودا أخرج من
مال الميت ولا يمنعون من ذلك، وإن كان على الميت دين مستغرق للتركة، لأن
المحجور له الفسخ بخياره وفي اشتراط ذلك بمصلحة الديان وعدمه وجهان، {3} ولو
كان مصلحتهم في الفسخ لم يجبروا الورثة عليه لأنه حق لهم فلا يجبرون على اعماله



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب كتاب الحجر حديث 1.
(2) نفس المصدر حديث 3.
374
ولو لم يكن للميت مال. ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص
وجهان، من أنه ليس لهم إلا حق الفسخ كالأجنبي المجعول له الخيار، أو الوكيل
المستناب في الفسخ والامضاء، وانحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميت
يوفى عنه ديونه وخروج الثمن من ملكه في المعين واشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي،
فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع إلا على وجه كونه وفاء لدين الميت، وحينئذ
فلا اختصاص له بالورثة على حسب سهامهم، بل يجوز للغير أداء ذلك الدين، بل لو
كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء.
وهذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن على حسب سهامهم من المبيع.
ومن أنهم قائمون مقام الميت في الفسخ برد الثمن أو بدله، {1} وتملك المبيع، فإذا
كان المبيع مردودا على الورثة من حيث إنهم قائمون مقام الميت، اشتغلت ذممهم
بثمنه حيث إنهم كنفس الميت، كما أن معنى إرثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملك
الحصة بثمن من ما لهم لا من مال الميت

375
ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة وإن لم يوافقه الباقي وفسخ. ففي انتقال
المبيع إلى الكل، أو إلى الفاسخ، وجهان مما ذكرنا من مقتضى الفسخ، وما ذكرنا أخيرا
من مقتضى النيابة والقيام مقام الميت. {1}

376
والأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي أو الوكيل في
كونها لاستيفاء حق للغير، بل هي ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه، فهو كنفس الميت
لا نائب عنه في الفسخ. ومن هنا جرت السيرة بأن ورثة البائع ببيع خيار رد الثمن
يردون مثل الثمن من أموالهم، ويستردون المبيع لأنفسهم، من دون أن يلزموا بأداء
الديون منه بعد الاخراج، {1} والمسألة يحتاج إلى تنقيح زائد.

377
مسألة لو كان الخيار لأجنبي ومات، ففي انتقاله إلى وارثه كما في التحرير
أو إلى المتعاقدين، أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين، وربما يظهر من
القواعد، وجوه، {1} من أنه حق تركه الميت فلوارثه، ومن أنه حق لمن اشترط له من
المتعاقدين، لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلى موكله دون
وارثه.

378
ومن أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي، {1} فلا يدخل فيما
تركه وهذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي.
وفي القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما، فالخيار لمولاه، {2} ولعله لعدم نفوذ
فسخه ولا إجازته بدون رضا مولاه، وإذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه، فلو
ممتنع فللمولى فعله عنه فيرجع الخيار بالآخرة له، لكن هذا يقتضي أن يكون عبد
الأجنبي كذلك، مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه، ولا يتوقف على
رضاه، إذا لم يمنع حقا للمولى، فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا وحلا، فافهم.

379
مسألة ومن أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار. {1} وقد
مر بيان ذلك في مسقطات الخيار، والمقصود هنا بيان أنه كما يحصل اسقاط الخيار
والتزام العقد بالتصرف، فيكون التصرف إجازة فعلية، كذلك يحصل الفسخ
بالتصرف، فيكون فسخا فعليا.
وقد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول، وقد يكون
بالفعل. وقد ذكر جماعة كالشيخ وابن زهرة وابن إدريس وجماعة من المتأخرين
عنهم كالعلامة وغيره (قدس الله أسرارهم) أن التصرف إن وقع فيما انتقل عنه كان
فسخا، وإن وقع فيما انتقل إليه كان إجازة.



(1) الوسائل - باب 8 - من أبواب أحكام العقود حديث 4.
380
وقد عرفت في مسألة الإسقاط أن ظاهر الأكثر أن المسقط هو التصرف
المؤذن بالرضا، وقد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان، المعللة للسقوط،
بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار، وكذا النبوي المتقدم، ومقتضى ذلك منهم أن
التصرف فيما انتقل عنه إنما يكون فسخا إذا كان مؤذنا بالفسخ وليكون فسخا فعليا.
وأما ما لا يدل على إرادة الفسخ، فلا وجه لانفساخ العقد به، وإن قلنا بحصول
الإجازة به بناء على حمل الصحيحة المتقدمة على سقوط الخيار بالتصرف تعبدا
شرعيا، من غير أن يكون فيه دلالة عرفية نوعية على الرضا بلزوم العقد، {1} كما
تقدم نقله عن بعض، إلا أن يدعي الاجماع على اتحاد ما يحصل به الإجازة
والفسخ، {2} فكلما يكون إجازة لو ورد على ما في يده يكون فسخا إذا ورد منه على
ما في يد صاحبه، وهذا الاتفاق وإن كان الظاهر تحققه إلا أن أكثر هؤلاء كما عرفت
كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف يدل على اعتبار الدلالة على الرضا في
التصرف المسقط، فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة على الفسخ في التصرف الفاسخ،



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 1.
381
ويدل عليه كثير من كلماتهم في هذا المقام أيضا، قال في التذكرة أما العرض
على البيع والإذن فيه والتوكيل والرهن غير المقبوض بناء على اشتراطه فيه والهبة
الغير المقبوضة، فالأقرب أنها من البائع فسخ، ومن المشتري إجازة، لدلالتها على
طلب المبيع واستيفائه، وهذا هو الأقوى ونحوهما في جامع المقاصد.
ثم إنك قد عرفت الاشكال في كثير من أمثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة
كركوب الدابة في طريق الرد ونحوه مما لم يدل على الالتزام أصلا، لكن الأمر هنا
أسهل بناء على أن ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من
المالك، أو بإذنه، دل ذلك بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا، على إرادة
انفساخ العقد قبل هذا التصرف.
قال في التذكرة: لو قبل الجارية بشهوة أو باشر فيما دون الفرج، أو لمس
بشهوة، فالوجه عندنا أنه يكون فسخا، لأن الاسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو
لم يختر الامساك لكان مقدما على المعصية، انتهى.
ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا إلى حدوث هذه الأمور عمن
تردد في الفسخ والإجازة.

382
وفي جامع المقاصد عند قول المصنف (رحمه الله) ويحصل الفسخ بوطئ البائع وبيعه
وعتقه وهبته، قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام، حيث يوجد إليه سبيل،
وتنزيل فعله على ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز، انتهى.
ثم إن أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا، كما
صرح به جماعة كغيرها من الأمارات الشرعية، فيدل على الفسخ لا من الأصول
التعبدية {1} حتى يقال إنها لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ، لما تقرر من أن الأصول
التعبدية لا يثبت إلا اللوازم الشرعية لمجاريها. وهنا كلام مذكور في الأصول، ثم إن
مثل التصرف الذي يحرم شرعا إلا على المالك أو مأذونه التصرف الذي لا ينفذ
شرعا إلا من المالك أو مأذونه وإن لم يحرم، كالبيع والإجارة والنكاح. فإن هذه
العقود وإن حلت لغير المالك لعدم عدها تصرفا في ملك الغير، إلا أنها تدل على
إرادة الانفساخ بها بضميمة أصالة عدم الفضولية،

383
كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف، والإجازة والتزويج في معنى
البيع، والمراد بهذا الأصل الظاهر، فلا وجه لمعارضته بأصالة عدم الفسخ، مع أنه لو
أريد به أصالة عدم قصد العقد عن الغير، فهو حاكم على أصالة عدم الفسخ، لكن
الانصاف أنه لو أريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ، وكيف كان، فلا اشكال
في إناطة الفسخ بذلك عندهم كالإجازة بدلالة التصرف عليه ويؤيده استشكالهم في
بعض أفراده من حيث دلالته بالالتزام على الالتزام بالبيع أو فسخه ومن حيث
امكان صدوره عمن تردد في الفسخ، كما ذكره في الإيضاح، وجامع المقاصد، وفي
وجه اشكال القواعد في كون العرض على البيع والإذن فيه فسخا، ومما ذكرنا يعلم
أنه لو وقع التصرف، فيما انتقل عنه نسيانا للبيع أو مسامحة في التصرف في ملك الغير،
أو اعتمادا على شهادة الحال بالإذن، لم يحصل الفسخ بذلك.

384
مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف، أو يحصل قبله متصلا به. وبعبارة
أخرى التصرف سبب، أو كاشف فيه، {1} وجهان. بل قولان، من ظهور كلماتهم في
كون نفس التصرف فسخا، أو إجازة، وأنه فسخ فعلي في مقابل القولي، وظهور
اتفاقهم على أن الفسخ بل مطلق الانشاء لا يحصل بالنية، بل لا بد من حصوله بالقول
أو الفعل، ومما عرفت من التذكرة وغيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم
عن القبيح. ومن المعلوم أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع الفسخ قبله، وإلا لوقع الجزء
الأول منه محرما
ويمكن أن يحمل قولهم بكون التصرف فسخا على كونه دالا عليه، وإن لم
يتحقق به، وهذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول، ويؤيده ما دل من الأخبار
المتقدمة على كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد وسقوط الخيار، وإن اعتبر كونه
مكشوفا عنه بالتصرف. وقد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس، وصرح به
في التذكرة أيضا، حيث ذكر أن قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف
رضا بالعقد، فمقتضى المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا وعدم الرضا به هو الموجب
للفسخ إذا كشف عنه التصرف.

385
ويؤيده أنهم ذكروا أنه لا يحصل الإجازة بسكوت البائع ذي الخيار على
وطئ المشتري معللا، بأن السكوت لا يدل على الرضا، فإن هذا الكلام ظاهر في أن
العبرة بالرضا، وصرح في المبسوط بأنه لو علم رضاه بوطئ المشتري سقط خياره،
فاقتصر في الإجازة على مجرد الرضا. وأما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ
بالنية، فمرادهم بها نية الانفساخ أعني الكراهة الباطنية، لبقاء العقد، والبناء على كونه
منفسخا من دون أن يدل عليها بفعل مقارن به. وأما مع اقترانها بالفعل، فلا قائل
بعدم تأثيرها فيما يكفي فيه الفعل، إذ كلما يكفي فيه الفعل من الانشاءات ولا يعتبر فيه
خصوص القول فهو من هذا القبيل، {1} لأن الفعل لا انشاء فيه، فالمنشئ يحصل
بإرادته المتصلة بالفعل لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه.
نعم يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصلا، {2} لأن اللفظ أبدا
مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال على الفسخ. وقد ذكر العلامة في بعض
مواضع التذكرة،

386
إن اللازم بناء على القول بتضمن الوطئ للفسخ عود الملك إلى الواطئ مع
الوطئ أو قبيله، فيكون حلالا هذا
أو كيف كان، فالمسألة ذات قولين ففي التحرير قوى جهة الواطئ الذي يحصل
به الفسخ، وأن الفسخ يحصل بأول جزء منه، فيكشف عن عدم الفسخ قبله، وهو
لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع كما في الشرائع
وعن المبسوط والمهذب والجامع. والحكم في باب الهبة والخيار واحد، وتوقف
الشهيد في الدروس في المقامين مع حكمه بصحة رهن ذي الخيار، وجزم الشهيد
والمحقق الثانيان بالحل، نظرا إلى حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن، ثم إنه لو قلنا
بحصول الفسخ قبيل هذه الأفعال فلا اشكال في وقوعها في ملك الفاسخ، فيترتب
عليها آثارها فيصح بيعه وسائر العقود الواقعة منه على العين لمصادفتها للملك
ولو قلنا بحصوله بنفس الأفعال، فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع،
والعتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها. وقد يقرر المنع
بما في التذكرة عن بعض العامة من أن الشئ الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد، {1}
كما أن التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة ولا

387
يشرع بها في الصلاة، وبأن البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ
المتأخر عن البيع، {1} وأجاب في التذكرة عن الأول بمنع عدم صحة حصول الفسخ
والعقد بشئ واحد، بالنسبة إلى شيئين. وأجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي
وأن الدور معي، {2} وقال في الإيضاح أن الفسخ يحصل بأول جزء من العقد، وزاد
في باب الهبة قوله فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد، انتهى.
وقد يستدل للصحة بأنه إذا وقع العقد على مال الغير فملكه بمجرد العقد كاف
كمن باع مال غيره، ثم ملكه. أقول: إن قلنا، بأن المستفاد من أدلة توقف البيع
والعتق على الملك، نحو قوله لا بيع إلا في ملك ولا عتق إلا في ملك هو اشتراط وقوع
الانشاء في ملك المنشئ، فلا مناص عن القول بالبطلان، لأن صحة العقد حينئذ
تتوقف على تقدم تملك العاقد على جميع أجزاء العقد لتقع فيه، فإذا فرض العقد أو
جزء من أجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه، لأن المسبب إنما يحصل
بالجزء الأخير من سببه،

388
فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزئة سببا للتملك. كان الملك متأخرا عن
بعض ذلك الجزء، وإلا لزم تقدم وجود المسبب على السبب والجزء الذي لا يتجزأ
موجود، {1} فلا يكون سببا مع أن غاية الأمر حينئذ المقارنة بينه وبين التملك.
وقد عرفت أن الشرط بمقتضى الأدلة سبب التملك على جميع أجزاء العقد
قضاء لحق الظرفية.
وأما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثم ملكه، فهو بعد فرض القول بصحته
يوجب اعتبار إجازة العاقد ثانيا بناء على ما ذكرنا في مسألة الفضولي من توقف
لزوم العقد المذكور على الإجازة، إلا أن يقال إن المتوقف على الإجازة عقد الفضولي
وبيعه للمالك. وأما بيعه لنفسه نظير الغاصب، فلا يحتاج إلى الإجازة بعد العقد، لكن
هذا على تقدير القول به والاغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري في العتق الغير
القابل للفضولي.
وإن قلنا إن المستفاد من تلك الأدلة هو عدم وقوع البيع الغير المؤثر في نقل
مال الغير بغير إذنه، {2} فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير، لا وقوع بعض
أجزائه في ملك الغير وتمامه في ملك نفسه، لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه، فلا
مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل إلى البائع بأول جزء منه، وهذا لا يخلو عن
قوة إذ لا دلالة في أدلة

389
اعتبار الملكية في المبيع إلا على اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا، والحصر
في قوله لا بيع إلا في ملك إضافي بالنسبة إلى البيع في ملك الغير، أو في غير ملك
كالمباحات الأصلية، فلا يعم المستثنى منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير وتمامه في
ملك البائع، هذا، مع أنه يقرب أن يقال إن المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من
العقد لا نفس العقد {1} لأن العرف لا يفهمون من لفظ البيع إلا هذا المعنى المأخوذ في
قولهم بعت. وحينئذ، فالفسخ الموجب للملك يخصل بأول جزء من العقد والنقل
والتملك العرفي يحصل بتمامه، فيقع النقل في الملك، وكذا الكلام في العتق وغيره من
التصرفات القولية عقدا كان أو ايقاعا.
ولعل هذا معنى ما في الإيضاح {2} من أن الفسخ يحصل بأول جزء، وبتمامه
يحصل العتق. نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطئ والأكل ونحو هما لا وجه
لجواز الجزء الأول منها، فإن ظاهر قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم) اعتبار وقوع الوطئ فيما اتصف بكونها مملوكة، فالوطئ المحصل للفسخ لا
يكون بتمامه حلالا،

390
وتوهم أن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به {1} قولا كان أو
فعلا، فإن معنى جواز الفسخ لأجل الخيار، الجواز الوضعي أعني الصحة لا التكليفي،
فلا ينافي تحريم ما يحصل به الفسخ، كما لا يخفى.
مع أنه لو فرض دلالة دليل الفسخ على إباحة ما يحصل به تعين حمل ذلك على
حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه وبين ما دل على عدم جواز ذلك التصرف
إلا إذا وقع في الملك.
وبالجملة فما اختاره المحقق والشهيد الثانيان في المسألة، لا يخلو عن قوة، وبه
ترتفع الاشكال عن جواز التصرفات تكليفا ووضعا، وهذا هو الظاهر من الشيخ في
المبسوط، حيث جوز للمتصارفين تبايع النقدين. ثانيا في مجلس الصرف وقال إن
شروعهما في البيع قطع لخيار المجلس، مع أن الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار
المتحقق هنا بالبيع المتوقف على الملك، لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل
به الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك.

391
فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له {1} فقال: اعتقهما فربما يقال بانعتاق
الجارية دون العبد، لأن الفسخ مقدم على الإجازة. وفيه أنه لا دليل على التقديم في
مثل المقام مما وقع الإجازة والفسخ في طرف واحد دفعة، سواء اتحد المجيز والفاسخ،
كما المقام أو تعدد، كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة

392
إنما المسلم تقديم الفسخ الصادر من أحد الطرفين على الإجازة الصادرة من
الطرف الآخر، لأن لزوم العقد من أحد الطرفين بمقتضى إجازته لا ينافي انفساخه
بفسخ الطرف الآخر، كما لو كان العقد جائزا من أحدهما فيفسخ مع لزوم العقد من
الطرف الآخر بخلاف اللزوم والانفساخ من طرف واحد ونحوه في الضعف، القول
بعتق العبد، لأن الإجازة إبقاء للعقد والأصل فيه الاستمرار.
وفيه أن عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية كالعكس. {1} نعم الأصل
استمرار العقد وبقاء الخيار وعدم حصول العتق أصلا، وهو الأقوى، كما اختاره
جماعة منهم العلامة في التذكرة والقواعد والمحقق الثاني في جامع المقاصد، لأن عتقهما
معا لا ينفذ، لأن العتق لا يكون فضوليا، والمعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل، لأن
ملك أحدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك. ولو كان الخيار في الفرض المذكور
لبائع العبد بنى عتق العبد على جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار

393
وعتق الجارية على جواز عتق الفضولي. والثاني غير صحيح اتفاقا، وسيأتي
الكلام في الأول وإن كان الخيار لهما.
ففي القواعد والايضاح وجامع المقاصد صحة عتق الجارية ويكون فسخا،
لأن عتق العبد من حيث إنه ابطال لخيار بائعه غير صحيح بدون إجازة البائع ومعها
يكون إجازة منه لبيعه والفسخ مقدم على الإجازة، والفرق بين هذا
وصورة اختصاص المشتري بالخيار، أن عتق كل من المملوكين كان من المشتري
صحيحا لازما، بخلاف ما نحن فيه. نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان
خيار البائع، كان الحكم، كما في تلك الصورة.

394
مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من
استرداد العين {1} عند الفسخ على قول الشيخ، والمحكي عن ابن سعيد في جامع
الشرائع. وظاهر جماعة من الأصحاب منهم، العلامة في القواعد، والمحقق والشهيد
الثانيان قدس سرهم بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة إلى
الورثة، أن حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الأكثر. وعن جماعة
في مسألة وجوب الزكاة على المشتري للنصاب بخيار للبائع أن المشتري ممنوع من
كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع. بل ظاهر المحكي عن الجامع، كعبارة
الدروس عدم الخلاف في ذلك حيث قال في الجامع وينتقل المبيع بالعقد وانقضاء
الخيار، وقيل بالعقد، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه حتى ينقضي خيار البائع
وسيجئ عبارة الدروس، هذا.
ولكن خلاف الشيخ وابن سعيد مبني على عدم قولهما بتملك المبيع قبل
انقضاء الخيار، فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة، والموجود في ظاهر كلام المحقق في
الشرائع جواز الرهن في زمن الخيار، سواء كان الخيار للبائع أو المشتري أولهما. بل
ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد. وكذا ظاهره في
باب الزكاة

395
حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك ولو مع ثبوت الخيار نعم
استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين على وجه يظهر منه أن المصنف معترف
بمنشأ الأشكال.
وكذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن، وإن اعترض عليه جامع المقاصد بما
مر من المسالك، لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف.
وكذا صريح كلام الشهيد في الدروس، حيث قال في باب الصرف: لو باع
أحدهما ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرق، فالوجه الجواز وفاقا للفاضل، ومنعه
الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر من خياره، ورد بأنا نقول ببقاء الخيار، انتهى.
وصرح في المختلف في باب الصرف بأن له أن يبيع ماله من غير صاحبه،
ولا يبطل حق خيار الآخر، كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع، وهو ظاهر
اللمعة، بل صريحها في مسألة رهن ما فيه الخيار، وأن شرحها في الروضة بما لا يخلو
عن تكلف هذا.
ويمكن أن يقال إن قول الشيخ ومن تبعه بالمنع ليس منشأه القول بعدم انتقال
المبيع ومتفرعا عليه، وإلا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم ابطال حق
الخيار، بل المتعين حينئذ الاستناد إلى عدم حصول الملك مع وجود الخيار، بل لعل
القول بعدم الانتقال منشأه كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم، كما يظهر من
بيان مبني هذا الخلاف في الدروس، قال في تملك المبيع بالعقد، أو بعد الخيار، بمعنى
الكشف أو النقل خلاف، مأخذه أن الناقل العقد والغرض بالخيار الاستدراك وهو
لا ينافيه وأن غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار، انتهى.
وظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف في
زمن الخيار مسلما بين القولين، إلا أن يراد به نفوذ التصرف على وجه لا يملك بطلانه
بالفسخ ولا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ والتصرف في زمن الخيار على
القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة. وهذا الاحتمال
وإن بعد عن ظاهر عبارة الدروس، إلا أنه يقربه أنه (قدس سره) قال بعد أسطر: إن في جواز
تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين.
والحاصل أن كلمات العلامة والشهيد بل وغيرهما (قدس سرهم) في هذا المقام لا يخلو
بحسب الظاهر عن اضطراب.

396
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين العتق وغيره من التصرفات، وربما يظهر من
كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه على التغليب. وكذا الظاهر عدم الفرق بين الاتلاف
والتصرفات الناقلة.
واختار بعض أفاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الاتلاف وتجويز غيره،
لكن مع انفساخه من أصله عند فسخ ذي الخيار، وقيل بانفساخه من حينه.

397
حجة القول بالمنع، أن الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث
ارجاعهما بحل العقد إلى ملكهما السابق، فالحق بالآخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه
إلى صاحبه فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق باتلافها أو نقلها إلى
شخص آخر {1}

398
ومنه يظهر أن جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلى البدل لا يوجب جواز
الاتلاف، لأن الحق متعلق بخصوص العين، فاتلافها اتلاف لهذا الحق، وإن انتقل إلى
بدله لو تلف بنفسه، كما أن تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب
جواز اتلافها على ذي الحق.
وإلى ما ذكر يرجع ما في الإيضاح من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار
بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن الابطال.
ويؤيد ما ذكرنا أنهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم بأن التصرف الناقل
إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره، فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين، لم يكن ذلك
موجبا لسقوط الخيار، فإن تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرف
[التلف] لعدم الالتزام بالعقد وإرادة الفسخ بأخذ القيمة
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المنع، لكنه لا يخلو عن نظر، فإن الثابت
من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين، هي سلطنة ذي
الخيار على فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين وفقدها، فلا دلالة في مجرد
ثبوت الخيار

399
على حكم التلف [التصرف] جوازا ومنعا، فالمرجع فيه أدلة سلطنة الناس
على أموالهم، ألا ترى أن حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين، ومجرد الفرق
بينهما بأن الشفعة سلطنة على نقل جديد، فالملك مستقر قبل الأخذ بها، غاية الأمر
تملك الشفيع نقله إلى نفسه بخلاف الخيار، فإنها سلطنة على رفع العقد، وارجاع الملك
إلى الحالة السابقة لا يؤثر في الحكم المذكور، مع أن الملك في الشفعة أولى بالتزلزل
لابطالها تصرفات المشتري اتفاقا وأما حق الرهن فهو من حيث كون الرهن وثيقة
يدل على وجوب ابقائه وعدم السلطنة على اتلافه مضافا إلى النص والاجماع على
حرمة التصرف في الرهن مطلقا ولو لم يكن متلفا ولا ناقلا.
وأما سقوط الخيار بالتصرف الذي أذن فيه ذو الخيار، فلد لآلة العرف لا
للمنافاة. والحاصل أن عموم الناس مسلطون على أموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث
لذي الخيار

400
يزاحم به سلطنة المالك، فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية.
وأما الخيارات المجعولة بالشرط، فالظاهر من اشتراطها إرادة ابقاء الملك
ليسترده عند الفسخ. بل الحكمة في أصل الخيار هو ابقاء السلطنة على استرداد العين
إلا أنها في الخيار المجعولة علة للجعل، ولا ينافي ذلك بقاء الخيار مع التلف، {1} كما لا
يخفى، وعليه فيتعين الانتقال إلى البدل عند الفسخ مع الاتلاف. وأما مع فعل ما
لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد، ففي تقديم حق الخيار لسبقه، أو
الاستيلاد {2} لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين، مع وجود المانع الشرعي، كالعقلي،
وجهان أقواهما الثاني وهو اللائح من كلام التذكرة في باب الصرف حيث ذكر أن
صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه وثبوت الخيار للمتعاقدين ومنه يعلم حكم نقله عن
ملكه وأنه ينتقل إلى البدل لأنه إذا جاز التصرف فلا داعي إلى إهمال ما يقتضيه
التصرف، من اللزوم وتسلط العاقد الثاني على ماله عدا ما يتخيل من أن تملك
العاقد الثاني مبني على العقد الأول، فإذا ارتفع بالفسخ وصار كان لم يكن ولو
بالنسبة إلى ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بنى عليه من التصرفات
والعقود.

401




(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 2.
402
والحاصل أن العاقد الثاني يتلقي الملك من المشتري الأول، فإذا فرض
الاشتراء كأن لم يكن، وملك البائع الأول العين بالملك السابق قبل البيع، ارتفع بذلك
ما استند إليه من العقد الثاني، ويمكن دفعه بأن تملك العاقد الثاني مستند إلى تملك
المشتري له آنا ما، لأن مقتضى سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من
التصرفات واقتضاء الفسخ، لكون العقد كأن لم يكن، بالنسبة إلى ما يعد الفسخ، لأنه
رفع للعقد الثابت. وقد ذهب المشهور إلى أنه لو تلف أحد العوضين قبل قبضه، وقد
بيع العوض الآخر المقبوض، انفسخ البيع الأول دون الثاني، واستحق بدل العوض
المبيع ثانيا على من باعه. والفرق بين تزلزل العقد من حيث إنه أمر اختياري
كالخيار، أو أمر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه، غير مجد فيما نحن بصدده، ثم إنه
لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا، لأن جواز العقد يوجب سلطنة العاقد
على فسخه لا سلطنة الثالث الأجنبي. نعم يبقى هنا إلزام العاقد بالفسخ، بناء على أن
البدل للحيلوية وهي مع تعذر المبدل ومع التمكن يجب تحصيله

403
إلا أن يقال باختصاص ذبك بما إذا كان المبدل المتعذر باقيا على ملك
مستحق البدل كما في المغضوب الآبق.
أما فيما نحن فيه، فإن العين ملك للعاقد الثاني، والفسخ إنما يقتضي خروج
المعوض عن ملك من يدخل في ملكه العوض وهو العاقد الأول، فيستحيل خروج
المعوض عن ملك العاقد الثاني، فيستقر بدله على العاقد الأول، ولا دليل على إلزامه
بتحصل المبدل مع دخوله في ملك ثالث، وقد مر بعض الكلام في ذلك في خيار الغبن،
هذا، ولكن قد تقدم أن ظاهر عبارة الدروس والجامع، الاتفاق على عدم نفوذ
التصرفات الواقعة في زمان

404
الخيار، وتوجيه بإرادة التصرف على وجه لا يستعقب الضمان، بأن يضمنه
ببدله بعد فسخ ذي الخيار بعيد جدا، ولم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه
الرجوع إلى البدل إلا في مسألة العتق والاستيلاد، فالمسألة في غاية الاشكال.

405
ثم على القول بانفساخ العقد الثاني، فهي يكون من حين فسخ الأول، أو من
أصله {1} قولان، اختار ثانيهما بعض أفاضل المعاصرين، محتجا بأن مقتضى الفسخ
تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين {2} فلا يجوز أن يتلقى الفاسخ
الملك من العاقد الثاني بل لا بد من انفساخ العقد الثاني بفسخ الأول، ورجوع العين
إلى ملك المالك الأول، ليخرج منه إلى ملك الفاسخ، إلا أن يلتزم بأن ملك العاقد
الثاني إلى وقت الفسخ، فتلقى الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الأول، ورده بعدم
معروفية التملك الموقت في الشرع فافهم.

406
ثم إن المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف على القول به هو زمان
تحقق الخيار فعلا، كالمجلس، والثلاثة في الحيوان والزمان المشروط فيه الخيار. {1}
وأما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار، أما لعدم تحقق سببه، كما في خيار التأخير بناء
على أن السبب في ثبوته تضرر البائع بالصبر إلى أزيد من الثلث. وأما لعدم تحقق
شرطه، كما في بيع الخيار بشرط رد الثمن، بناء على كون الرد شرطا للخيار وعدم
تحققه قبله وكاشتراط الخيار في زمان متأخر.
ففي جواز التصرف قبل تنجز الخيار، خصوصا فيما لم يتحقق سببه، وجهان،
من أن المانع عن التصرف هو تزلزل العقد، وكونه في معرض الارتفاع وهو موجود
هنا، وإن لم يقدر ذو الخيار على الفسخ حينئذ، ومن أنه لا حق بالفعل لذي الخيار،
فلا مانع من التصرف، ويمكن الفرق بين الخيار المتوقف على حضور الزمان،
والمتوقف على شئ آخر {2} كالتأخير والرؤية على خلاف الوصف، لأن ثبوت
الحق في الأول معلوم، وإن لم يحضر زمانه بخلاف الثاني، ولذا لم يقل أحد بالمنع من
التصرف في أحد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض
الانفساخ بتلف ما لم يقبض، وسيجئ ما يظهر منه قوة هذا التفصيل، وعلى كل
حال، فالخيار المتوقف تنجزه فعلا على ظهور أمر كالغبن والعيب والرؤية على
خلاف الوصف غير مانع من التصرف، بلا خلاف ظاهرا.

407
فرعان الأول: لو منعا عن التصرف المتلف في زمان الخيار، فهل يمنع عن
التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين، {1} كوطئ الأمة في زمان الخيار
بناء على أن الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار قولان للمانعين، أكثرهم على الجواز،
كالعلامة في القواعد، والشارح في جامع المقاصد، وحكي عن المبسوط والغنية
والخلاف، لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك عن انقضاء الخيار

408
كما اعترف به في الإيضاح. ولذا حمل في الدروس تجويز الشيخ الوطئ على ما
إذا خص الخيار بالواطئ لكن قيل: إن عبارة المبسوط لا تقبل ذلك.
وظاهر المحكي عن التذكرة، وظاهر الدروس المنع عن ذلك لكون الوطئ
معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.

409
الثاني: إنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار فيه
وجهان، {1} من كونه ملكا له، {2} ومن ابطال هذا التصرف لتسلط الفاسخ على
أخذ العين، إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء المنفعة، ولو أجره
من ذي الخيار أو بأذنه ففسخ لم يبطل الإجارة، لأن المشتري ملك العين ملكية
مطلقة مستعدة للدوام ومن نماء هذا الملك المنفعة الدائمة، فإذا استوفاها المشتري
بالإجارة، فلا وجه لرجوعها إلى الفاسخ، بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة
الإجارة، كما إذا باعه بعد الإجارة، وليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من
الموقوف عليه، لأن البطن الثاني لا يتلقى الملك منه حتى يتلقاه مسلوب المنفعة، بل
من الواقف كالبطن الأول، فالملك ينتهي بانتهاء استعداده.

410
فإن قلت: إن ملك المنفعة تابع لملك العين، بمعنى أنه إذا ثبت الملكية في زمان،
وكان زوالها بالانتقال إلى آخر ملك المنفعة الدائمة، لأن المفروض أن المنتقل إليه
يتلقى الملك من ذلك المالك، فيتلقاه مسلوب المنفعة {1} وأما إذا ثبت وكان زوالها
بارتفاع سببها لم يكن ملك من عاد إليه متلقى عن المالك الأول، ومستندا إليه، بل
كان مستندا إلى ما كان قبل تملك المالك الأول، فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال
الملك بانتهاء سببه لا برفعه كما في ملك البطن الأول من الموقوف عليه، فإن المنفعة
تتبع مقدار تملكه، {2} قلت: أولا: إنه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة مع
عدم التزام أحد ببطلان الإجارة وثانيا: أنه يكفي في ملك، المنفعة الدائمة تحقق الملك
المستعد للدوام لولا الرافع آنا ما

411
ثم إن فاضل القمي في بعض أجوبة مسائله جزم ببطلان الإجارة بفسخ البيع
بخيار رد مثل الثمن، وعلله بأنه يعلم بفسخ البيع، أن المشتري لم يملك منافع ما بعد
الفسخ، وأن الإجارة كانت متزلزلة ومراعاة بالنسبة إلى فسخ البيع. انتهى. {1}
فإن كان مرجعه إلى ما ذكرنا من كون المنفعة تابعة لبقاء الملك، أو الملك
المستند إلى ذلك الملك فقد عرفت الجواب عنه نقضا وحلا، وأن المنفعة تابعة للملك
المستعد للدوام، وإن كان مرجعه إلى شئ آخر فليبين حتى ينظر فيه {2} مع أن
الأصل عدم الانفساخ، لأن الشك في أن حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل
ملك المنفعة أم لا مع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله، كما إذا تقايلا البيع
بعد الإجارة.

412
ثم إنه لا اشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار وأنه يسقط خياره {1} بهذا
التصرف، أما لدلالة الإذن على الالتزام بالعقد عرفا. {2} وإن لم يكن منافاة بين
الإذن في التصرف والاتلاف وإرادة الفسخ وأخذ القيمة، كما نبهنا عليه في
المسألة السابقة، وبه يندفع الاشكال الذي أورده المحقق الأردبيلي من عدم دلالة
ذلك على سقوط الخيار. وأما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق وهي العين
بإذن صاحبه، فلا ينفسخ التصرف ولا يتعلق الحق بالبدل {3} لأن أخذ البدل
بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لا مع سقوطه عنه.
ولو أذن ولم يتصرف المأذون ففي القواعد والتذكرة أنه يسقط خيار الإذن
وعن الميسية أنه المشهور قيل: كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور في سقوط
الخيار في الصورة السابقة إلى دلالة مجرد الإذن، ولا يقدح فيها تجرده عن التصرف.
وقد منع دلالة الإذن المجرد في المسالك وجامع المقاصد والقواعد.

413
والأولى أن يقال بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرف المخرج فيما انتقل
عنه فسخا لحكم العرف، ولأن إباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل
على الفسخ، كسائر التصرفات التي لا يصح شرعا إلا بجعلها فسخا.
وأما كون إذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة واسقاطا لخياره،
فيمكن الاستشكال فيه، لأن الثابت بالنص والاجماع أن التصرف فيما انتقل إليه
إجازة، وليس الأذن من ذلك، وإنما حكم بالسقوط في التصرف عن إذنه لا لأجل
تحقق الاسقاط من ذي الخيار بالإذن، بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت، من أن
التصرف الواقع بإذنه صحيح نافذ

414
والتسلط على بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق، {1} فالإذن
فيما نحن فيه، نظير إذن المرتهن في بيع الرهن، لا يسقط به حق الرهانة، ويجوز الرجوع
قبل البيع. نعم يمكن القول باسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد، فإنه ليس بأدون
من رضا المشتري بتقبيل الجارية.
وقد صرح في المبسوط بأنه إذا علم رضا البائع بوطئ المشتري سقط خياره
ويؤيده رواية السكوني في كون العرض على البيع التزاما، فهذا القول لا يخلو عن
قوة.
مسألة المشهور أن المبيع يملك بالعقد، وآثر الخيار تزلزل الملك {2} بسبب
القدرة على رفع سببه، فالخيار حق لصاحبه في ملك الأخر، وحكى المحقق وجماعة
عن الشيخ توقف الملك بعد العقد على انقضاء الخيار، واطلاقه يشمل الخيار المختص
بالمشتري، وصرح في التحرير بشموله لذلك

415
لكن الشهيد في الدروس قال: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعنى الكشف
أو النقل خلاف، مأخذه أن الناقل العقد والغرض من الخيار الاستدراك وهو لا
ينافي الملك. وأن غاية الملك التصرف الممتنع في زمان الخيار وربما قطع الشيخ بملك
المشتري إذا اختص الخيار، وظاهر ابن الجنيد توقف الملك على انقضاء الخيار،
انتهى.
فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين على عدم توقف ملك المشتري على انقضاء خياره عند الشيخ، بل المأخذ المذكور صريح في عدم الخلاف من غير
الشيخ قدس سره في الخلاف والمبسوط، قال في محكي الخلاف العقد يثبت بنفس الايجاب
والقبول، فإن كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان، وإن كان مشروطا يلزم
بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري
بالعقد المتقدم وإن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس
العقد، لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار، فإن انقضى الخيار ملك
المشتري بالعقد الأول، انتهى.
وظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك
البائع بمعنى عدم حق له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الأصيل إذا وقع
مع الفضولي وبين عدم انتقاله إلى المشتري بحسب الظاهر حتى ينقضي خياره فإذا
انقضى ملك بسبب العقد الأول بمعنى كشف الانقضاء عنه فيصير انقضاء الخيار
للمشتري نظير إجازة عقد الفضولي ولا يرد حينئذ عليه أن اللازم منه بقاء الملك بلا
مالك. وحاصل هذا القول أن الخيار يوجب تزلزل الملك ويمكن حمله أيضا على
إرادة الملك اللازم الذي لا حق ولا علاقة لمالكه السابق فيه، فوافق المشهور. ولذا
عبر في غاية المراد بقوله ويلوح من كلام الشيخ توقف الملك على انقضاء الخيار، ولم
ينسب ذلك إليه صريحا.
وقال في المبسوط: البيع إن كان مطلقا غير مشروط، فإنه يثبت بنفس العقد
ويلزم بالتفرق بالأبدان، وإن كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد، وإن
كان مقيدا [مشروطا] بشرط لزم بانقضاء الشرط، انتهى.
وظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع والمشتري، لكن قال في

416
باب الشفعة: إذا باع شقصا بشرط الخيار، فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن
للشفيع الشفعة لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل الملك إليه، وإن كان الخيار للمشتري
وجب الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد، وله المطالبة بعد انقضاء
الخيار وحكم خيار المجلس والشرط في ذلك سواء على ما فصلناه،. ولعل هذا مأخذ
ما تقدم من النسبة في ذيل عبارة الدروس، هذا، ولكن الحلي (قدس سره) في السرائر ادعى
رجوع الشيخ عما ذكره في الخلاف.
ويمكن أن يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور، مثل استدلاله
في مواضع على المنع عن التصرف في مدة الخيار، بأن فيه ابطالا لحق ذي الخيار، كما
في مسألة بيع أحد النقدين على غير صاحبه في المجلس، وفي مسألة رهن ما فيه
الخيار للبائع، فإنه لو قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بابطال حق ذي الخيار
من الخيار، لأن التعليل بوجود المانع في مقام، فقد المقتضي كما ترى.
ومنها أنه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في المجلس لأن
شروعهما في البيع قطع للخيار مع أنه لم يصحح في باب الهبة البيع الذي يتحقق به
الرجوع فيها لعدم وقوعه في الملك، فلولا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع
ثانيا لوقوعه في غير الملك على ما ذكرنا في الهبة، وربما ينسب إلى المبسوط اختيار
المشهور فيما إذا صار أحد المتبايعين الذي له الخيار مفلسا، حيث حكم بأن له الخيار
في الإجازة والفسخ، لأنه ليس بابتداء ملك لأن الملك قد سبق بالعقد، انتهى.
لكن النسبة لا يخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة، وقال ابن سعيد (قدس سره) في
الجامع على ما حكى عنه: أن المبيع يملك بالعقد وبانقضاء الخيار، وقيل بالعقد، ولا
ينفذ تصرف المشتري إلا بعد انقضاء خيار البائع، انتهى.
وقد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد أيضا،

417
وكيف كان فالأقوى هو المشهور لعموم أدلة حل البيع، وأكل المال إذا كانت
تجارة عن تراض، {1} وغيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف
الذي هو من لوازم الملك، ويدل عليه لفظ الخيار في قولهم (عليهم السلام) البيعان بالخيار، {3}



(1) البقرة آية 275.
(2) النساء آية 29.
(3) الوسائل - باب 1 - من أبواب الخيار.
418
وما دل على جواز النظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحل له قبل
ذلك، {1} فإنه يدل على الحل بعد العقد في زمن الخيار، إلا أن يلتزم بأنه نظير حل
وطئ المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع، {2} ويدل عليه ما تقدم في أدلة بيع
الخيار بشرط رد الثمن، من كون نماء المبيع للمشتري وتلفه منه، {3} فيكشف ذلك
عن ثبوت الملزوم وهو الملك، إلا أن يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار، بل
من باب اشتراط انفساخ البيع برد الثمن. وقد تقدم في مسألة بيع الخيار بيان هذا
الاحتمال وما يشهد له من بعض العنوانات، لكن تقدم أنه بعيد في الغاية، أو يقال إن
النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع، لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن،
وإن ذكرنا في تلك المسألة أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الأصحاب ليس
مشروطا حدوثه بالرد في أدلة بيع الخيار، إلا الرواية قابلة للحمل عليه، إلا أن
يتمسك باطلاقه الشامل لما إذا جعل الخيار من أول العقد في فسخه مقيدا برد مثل
الثمن، هذا مع أن الظاهر أن الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل أيضا



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الخيار حديث 3.
(2) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار حديث 1.
419
وربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة: {1} وهي أن يشتري الانسان شيئا
بنسية، ثم يبيعه بأقل منه في ذلك المجلس نقدا، لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية، لأن
بيعها على بائعها الأول وإن كان في خيار المجلس أو الحيوان، إلا أن بيعه عليه مسقط
لخيار هما اتفاقا
وقد صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك، مع منعه عن بيعه من غير صاحبه
في المجلس، نعم بعض هذه الأخبار يشتمل على فقرات يستأنس بها لمذهب
المشهور، مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع ويشتريه من صاحبه
الذي يبيعه منه، قال: نعم لا بأس به، قلت: اشتري متاعي فقال: ليس هو متاعك
ولا بقرك ولا غنمك، فإن في ذيلها دلالة على انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار ولا
استيناس بها أيضا عند التأمل لما عرفت من أن هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف
لسقوط خيار هما بالتواطؤ على هذا البيع، كما عرفت التصريح به من المبسوط
ويذب بذلك عن الاشكال المتقدم نظيره سابقا من أن الملك إذا حصل بنفس البيع
الثاني مع أنه موقوف على الملك للزم الدور الوارد على من صحح البيع الذي يتحقق
به الفسخ، وحينئذ فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله اشتري متاعي من جهة
ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق.



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العقود حديث 3.
420
ويكون جواب الإمام (عليه السلام) مبنيا على جواز بيعه على البائع لأن تواطؤهما
على البيع الثاني اسقاط للخيار من الطرفين {1}
كما في صريح المبسوط، فقوله ليس هو متاعك إشارة إلى أن ما ينتقل إليك
بالشراء إنما انتقل إليك بعد خروجه عن ملك بتواطؤ كما على المعاملة الثانية المسقط
لخيار كما لا بنفس العقد، وهذا المعنى في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة ثم لو
سلم ما ذكر من الدلالة والاستئناس لم يدفع به إلا القول بالنقل دون الكشف كما
لا يخفى ومثل هذه الرواية في عدم الدلالة والاستئناس صحيحة محمد بن مسلم عن
رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو بنسية، فابتاعه الرجل
من أجله قال ليس به بأس، إنما يشتريه منه بعدما يملكه.
فإن الظاهر أن قوله إنما يشتريه الخ، إشارة إلى أن هذا ليس من بيع ما ليس
عنده وإن بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الأول، فقوله بعد ما يملكه إشارة إلى
استيجاب العقد مع الأول كما يظهر من قولهم عليهم السلام في أخبار أخر واردة في هذه
المسألة، ولا توجب البيع قبل أن تستوجبه مع أن الغالب في مثل هذه المعاملة قيام
الرجل إلى مكان غيره ليأخذ منه المتاع ورجوعه إلى منزله لبيعه من صاحبه الذي
طلب منه ذلك، فيلزم العقد الأول بالتفرق، ولو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان
تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا على سقوطه خياره ويسقط خيار
المشتري بالتعريض للبيع.



(1) الوسائل - باب 8 - من أبواب أحكام العقود حديث 8.
421
وبالجملة ليس في قوله بعد ما يملكه دلالة على أن تملكه بنفس العقد مع أنها
على تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف {1} كما لا يخفى، ونحوه في الضعف الاستدلال
في التذكرة، بما دل على أن مال العبد المشترى لمشتريه مطلقا أو مع الشرط، أو علم
البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار إذ فيه، أن الكلام مسوق لبيان ثبوت المال
للمشتري على نحو ثبوت العبد له، وأنه يدخل في شراء العبد حتى إذا ملك العبد ماله،
مع أن الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختص بالمشتري، والتمسك باطلاق
الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما ترى، وأشد ضعفا من الكل ما قيل من أن المقصود للمتعاقدين والذي وقع التراضي عليه، انتقال كل من الثمن والثمن حال
العقد، فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك كما عند المشهور، فثبت المطلوب، أو باطلة
من أصلها أو أنها صحيحة إلا أنها على غير ما قصداه وتراضيا عليه.
توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد، لكن
الانشاء لما كان علة لتحقق المنشأ عند تحققه، كان الداعي على الانشاء حصول
المنشأ عنده، لكن العلية إنما هي عند العرف، فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا
إلى تحقق شرائط أخر بعده، كالقبض في السلم والصرف وانقضاء الخيار في محل
الكلام. فالعقد مدلوله مجرد التمليك والتملك مجردا عن الزمان، لكنه عرفا علة تامة
لمضمونه، وامضاء الشارع له تابع لمقتضى الأدلة، فليس في تأخير الامضاء تخلف
أثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد، وإنما فيه التخلف عن داعي المتعاقدين
ولا ضرر فيه.

422
وقد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الإجازة كاشفة أو ناقلة. وقد يستدل
أيضا بالنبوي المشهور المذكور في كتب الفتوى للخاصة والعامة على جهة الاستناد
إليه وهو أن الخراج بالضمان {1} بناء على أن المبيع في زمان الخيار المشترك أو
المختص بالبائع في ضمان المشتري، فخراجه له وهي علامة ملكه.
وفيه أنه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك على انقضاء الخيار القول بكون
ضمانه على المشتري حتى يكون نماؤه له.
وقد ظهر بما ذكرنا أن العمدة في قول المشهور عموم أدلة حل البيع والتجارة
عن تراض، وأخبار الخيار.



(1) المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان - وصحيح الترمذي ج 5 ص 285 وسنن أبي داود ج 2 ص 255.
423
واستدل للقول الآخر، بما دل على كون تلف المبيع من مال البائع في زمان
الخيار، {1} فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك، لأنه مقابل الخراج على كونه
في ملك البائع، مثل صحيحة ابن سنان عن الرجل يشتري العبد والدابة بشرط إلى
يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك، فقال
على البائع، حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع للمشتري شرط له البائع
أو لم يشترط، قال وإن كان بينهما شرط أياما معدودة، فهلك في يد المشتري، فهو من
مال البائع.
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
اشترى أمة من رجل بشرط يوما أو يومين فماتت عنده، وقد قطع الثمن، على من
يكون ضمان ذلك؟ قال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه. ومرسلة
ابن رباط إن حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع. والنبوي
المروي في قرب الإسناد في العبد المشتري بشرط فيموت، قال: يستحلف بالله ما
رضيه ثم هو برئ من الضمان،



(1) أورد صدره في الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 2 وذيله في باب 8 - منها حديث 2.
(2) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 1.
(3) نفس المصدر حديث 5.
(4) نفس المصدر حديث 4.
424
وهذه الأخبار إنما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري {1} مع اختصاص
الخيار.
وقد عرفت أن ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس من
القطع بتملك المشتري مع اختصاص الخيار، وكذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن
الجامع وعلى أي حال، فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور، بضميمة
قاعدة تلازم الملك والضمان، أو لقاعدة التلازم بضميمة أدلة المسألة، {2} فيرجع بعد
التكافؤ إلى أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار. ولكن هذا فرع
التكافؤ المفقود في المقام من جهات أعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالاجماع المحكي
عن السرائر،

425
اطلاق ما تقدم عبارتي المبسوط والخلاف، من كون الخلاف في العقد المقيد
بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد، كما إذا شرط الخيار من الغد كما أن
مقتضي تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط والحيوان
الذي يطلق عليه الشرط أيضا. فخيار العيب والغبن والرؤية والتدليس ليس الظاهر
عدم جريان الخلاف فيها. ومما يدل على الاختصاص أن ما ذكر من الأدلة مختصة
بالخيارين وأن الظاهر من لفظ الانقضاء في تحريرات محل الخلاف انقطاع الخيار
الزماني. وأما خيار المجلس، فالطاهر دخوله في محل الكلام لنص الشيخ بذلك في
عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة، ولقوله في الاستبصار إن العقد سبب لاستباحة
الملك إلا أنه مشروط، بأن يتفرقا بالأبدان، ولا يفسخا العقد، ولنص الشيخ في
الخلاف والمبسوط على أن التفرق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به، ومراده من
اللزوم تحقق علة الملك لا مقابل الجواز كما لا يخفى، مع أن ظاهر عبارة الدروس
المتقدمة في مأخذ هذا الخلاف أن كل خيار يمنع من التصرف في المبيع، فهو داخل فيما
يتوقف الملك على انقضائه، وكذلك العبارة المتقدمة في عنوان هذا الخلاف عن
الجامع، وقد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط أن خيار المجلس مانع عن التصرف
في أحد العوضين.

426
ومن ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب وإخوته عن محل الكلام، فإن الظاهر
عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها. فلا بد أن يقول الشيخ باللزوم
والملك بعد الظهور وتنجز الخيار، وهذا غير لائق بالشيخ، فثبت أن دخولها في محل
الكلام مستلزم. أما لمنع التصرف في موارد هذا الخيار. وأما للقول بخروج المبيع عن
الملك بعد دخوله وكلاهما غير لائق بالالتزام، مع أن كلام العلامة في المختلف كالصريح
في كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب، لأنه ذكر في الاستدلال أن المقتضي للملك
موجود، والخيار لا يصلح للمنع، كما في بيع المعيب. وذكرنا أيضا أنه لا منافاة بين
الملك والخيار، كما في المعيب. وقد صرح الشيخ قدس سره في المبسوط أيضا بأنه اشترى
شيئا فحصل منه نماء ثم وجدبه عيبا رده دون نمائه محتجا بالاجماع، وبالنبوي
الخراج بالضمان وسيجئ تتمة ذلك إن شاء الله تعالى.



(1) الوسائل - باب 13 - من أبواب الخيار حديث 1.
427
مسألة ومن أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار {1} في
الجملة على المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد.



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 2.
(2) نفس المصدر حديث 3.
(3) نفس المصدر حديث 5.
(4) نفس المصدر حديث 1.
428




(1) المائدة آية 2.
(2) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار.
429
وتوضيح هذه المسألة أن الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا
اشكال ولا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع. ويدل عليه ما تقدم في المسألة
السابقة من الأخبار، وكذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك
لقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن سنان وإن كان بينهما شرط أياما معدودة، فهلك في
يد المشتري، فهو من مال بائعه، {1} ولو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون
البائع، فظاهر قوله (عليه السلام) حتى ينقضي شرطه، ويصير المبيع للمشتري، كذلك {2} بناء
على أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق على خيار المجلس في الأخبار، بل
ظاهره أن المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري واختصاصه به بحيث
لا يقدر على سلبه عن نفسه، وأن هذا المناط ينظر تعليل

430
هذا الحكم في السرائر حيث قال: فكل من كان له خيار، فالمتاع يهلك من مال: من
ليس له خيار لأنه قد استقر عليه العقد، والذي له الخيار ما استقر عليه العقد ولزم،
فإن كان الخيار للبائع دون المشتري، وكان المتاع قد قبضه المشتري وهلك في يده،
كان هلاكه من مال المشتري دون البائع، لأن العقد مستقر عليه ولازم من جهته.
ومن هنا يعلم أنه يمكن بناء على فهم هذا المناط طرد الحكم في كل خيار،
فتثبت القاعدة المعروفة من أن التلف في ضمان الخيار ممن لا خيار له من غير فرق
بين أقسام الخيار {1}



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 4.
(2) الوسائل - باب 5 - من أبواب الخيار حديث 2.
431
ولا بين الثمن والثمن، كما يظهر من كلمات غير واحد من الأصحاب بل نسبه جماعة
إلى اطلاق الأصحاب، قال في الدروس في أحكام القبض: وبالقبض ينتقل الضمان
إلى القابض إذا لم يكن له خيار، انتهى. فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشتري في
عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض، ونحوه كلامه (قدس سره) في اللمعة وفي جامع المقاصد
في شرح قول المصنف: ولو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة فلا شئ له، وكذا
لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس قال: وتقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر، لأن
العلم إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك إلا أن يقال إنه غير مضمون عليه الآن لثبوت
خياره، ولم أظفر في كلام المصنف وغيره بشئ في ذلك، انتهى. وقال في شرح قول
المصنف قدس سره ولا يسقط الخيار بتلف العين، مقتضى إطلاق كلامهم، أنه لو تلف المبيع
مع خيار الغبن للمشتري، انفسخ المبيع لاختصاص الخيار بالمشتري، ثم تردد فيه
وفي خيار الرؤية. وفي المسالك في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب
القديم، وأن الحادث في أيام خيار الحيوان مضمون على البائع، قال: وكذا كل خيار
مختص بالمشتري.
وعن مجمع البرهان في مسألة أن تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من
البائع استنادا إلى عموم قاعدة تلف المال قبل القبض، أن هذه القاعدة معارضة
بقاعدة أخرى، وهي أن تلف المال في الخيار المختص بالبائع من مال المشتري، فإن
الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الأصحاب، وصرح بنحو ذلك المحقق
جمال الدين في حاشية الروضة، واستظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض معترفا
بعمومها من جهات أخرى، وظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار، ولا
بين الثمن والمثمن، ولا بين الخيار المختص بالبائع والمختص بالمشتري. ولذا نفى في
الرياض الخلاف في أن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له.
وفي مفتاح الكرامة أن قولهم: التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له، قاعدة لا
خلاف فيها، ثم ذكر فيه تبعا للرياض: إن الحكم في بعض أفراد المسألة مطابق
للقاعدة.
لكن الانصاف أنه لم يعلم من حال أحد من معتبري الأصحاب الجزم بهذا
التعميم، فضلا عن اتفاقهم عليه.

432
فإن ظاهر قولهم التلف في زمان الخيار هو الخيار الزماني، وهو الخيار الذي
ذهب جماعة إلى توقف الملك على انقضائه لا مطلق الخيار، ليشمل خيار الغبن
والرؤية والعيب ونحوها، ألا ترى أنهم اتفقوا على أنه إذا مات المعيب لم يكن
مضمونا على البائع، ولو كان الموت بعد العلم بالعيب، ألا ترى أن المحقق الثاني ذكر
أن الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري، كان من ضمان البائع. وأما
ما نقلنا عنه سابقا في شرح قوله: ولو تعيبت قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال،
حيث اعترف بأنه لم يظفر فيه على شئ، مع أنه ذكر في شرح قول المصنف في باب
العيوب وكل عيب تجدد في الحيوان بعد القبض، وقبل انقضاء الخيار، فإنه لا يمنع الرد
في الثلاثة نفي ذلك الاحتمال على وجه الجزم، حيث قال الخيار الواقع في العبارة يراد
به خيار الحيوان، وكذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرط له، وهل خيار
الغبن والرؤية كذلك يبعد القول به خصوصا على القول بالفورية لا خيار العيب، لأن
العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا، انتهى.
ومن ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن، فلم يبق في المقام ما يجوز
الركون إليه، إلا ما أشرنا إليه من أن مناط خروج المبيع عن ضمان البائع، على ما
يستفاد من قوله (عليه السلام) حتى ينقضي شرطه، ويصير المبيع للمشتري هو انقضاء خيار
المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الأخبار، وصيرورة المبيع مختصا بالمشتري
لازما عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه، فيدل على أن كل من له شرط، وليس
المعوض الذي وصل إليه لازما عليه، فهو غير ضامن له حتى ينقضي شرطه، ويصير
مختصا به لازما عليه، وفي الاعتماد على هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد، مع أنه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه، لأن ظاهر الصحيحة الاختصاص بما
كان التزلزل وعدم كون المبيع لازما على المشتري ثابتا من أول الأمر، كما يظهر من
لفظة - حتى - الظاهرة في الابتداء. وهذا المعنى مختص بخيار المجلس والحيوان
والشرط، ولو كان منفصلا، بناء على أن البيع متزلزل ولو قبل حضور زمان الشرط.
ولذا ذكرنا جريان الخلاف في المسألتين السابقتين فيه.
وأما الغبن والعيب والرؤية وتخلف الشرط وتفليس المشتري وتبعض
الصفقة، فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد.

433
والحاصل أن ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض إلى أن يصير
المبيع لازما على المشتري، وهذا مختص بالبيع المتزلزل من أول الأمر، {1} فلا يشمل
التزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض، ثم يرجع
بعد عروض التزلزل إلى ضمان البائع، فاتضح بذلك أن الصحيحة مختصة بالخيارات
الثلاثة على تأمل في خيار المجلس، ثم إن مورد هذه القاعدة إنما هو ما بعد القبض.
وأما قبل القبض فلا اشكال ولا خلاف في كونه من البائع من غير التفات إلى الخيار
فلا يشمل هذه القاعدة خيار التأخير. وأما عموم الحكم للثمن والمثمن، {2} بأن
يكون تلف الثمن في مدة خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد

434
نظرا إلى المناط الذي استفدناه، {1} ويشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة،
مضافا إلى استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض، {2} وتوهم عدم
جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض
مدفوع بأن الضمان الثابت قبل القبض وبعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة،
لأن المراد به انفساخ العقد ودخول العوض في ملك صاحبه الأصلي وتلفه من ماله.
نعم هو مخالف لا صالة عدم الانفساخ، وحيث ثبت المخالفة قبل القبض، فالأصل
بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار.
نعم يبقى هنا أن هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من
المشتري فينفسخ البيع، ويرد المبيع إلى البائع، والتزام عدم الجريان من حيث إن
الخيار في ذلك البيع، إنما يحدث بعد رد الثمن أو مثله، فتلف الثمن في مدة الخيار إنما
يتحقق بعد رده قبل الفسخ لا قبله مدفوع بما أشرنا إليه سابقا من منع ذلك، مع أن
المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه إلى ذي الخيار تزلزل البيع المتحقق ولو
بالخيار المنفصل كما أشرنا سابقا، فالأولى الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن
شخصيا، {3} بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع، فيكون كذلك بعد
القبض مع خيار البائع، ولو منفصلا عن العقد

435
وأما إذا كان الثمن كليا، فحاله حال المبيع إذا كان كليا، كما إذا اشترى طعاما
كليا بشرط الخيار له إلى مدة، فقبض فردا منه فتلف في يده. فإن الظاهر عدم ضمانه
على البائع، لأن مقتضى ضمان المبيع في مدة الخيار على من لا خيار له، على ما فهمه
غير واحد بقاؤه على ما كان عليه قبل القبض، ودخول الفرد في ملك المشتري لا
يستلزم انفساخ العقد، بل معنى الضمان بالنسبة إلى الفرد صيرورة الكلي كغير
المقبوض. وهذا مما لا يدل عليه الأخبار، {1} المتقدمة، فتأمل.
ثم إن ظاهر كلام الأصحاب، وصريح جماعة، منهم كالمحقق والشهيد الثانيين
أن المراد بضمان من لا خيار له. لما انتقل إلى غيره، هو بقاء الضمان الثابت قبل
قبضه {2} وانفساخ العقد آنا ما قبل التلف

436
وهو الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس، وبالقبض ينتقل الضمان إلى
القابض ما لم يكن له خيار حيث إن مفهومه أنه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه
به بل يبقى على ناقله الثابت قبل القبض.



(1) الوسائل - باب 8 - من أبواب الخيار حديث 2.
437
وقد عرفت أن معنى الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد وتلفه في ملك
ناقله، بل هو ظاهر القاعدة وهي أن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له، فإن معنى
تلفه منه تلفه مملوكا له، مع أن ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على ضمان البائع للمبيع
في مدة خيار المشتري بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك
مالكه، {1} وقاعدة التلازم بين الضمان والخراج، {2} فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك
البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شئ من القاعدتين.

438
والحاصل إن إرادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها، ومع ذلك كله
فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم، بل يدل
على عدم الانفساخ، {1} قال (قدس سره) لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع والخيار
وبعده لا يبطل الخيار وإن كان التلف من البائع، كما إذا اختص الخيار بالمشتري، فلو
فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، ولو فسخ المشتري رجع بالثمن، وغرم
البدل في صورة ضمانه، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في
تضمين البائع القيمة أو المثل، وفي انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر، انتهى.
والعبارة محتاجة إلى التأمل من وجوه، {2} وقد يظهر ذلك من اطلاق عبارة
التذكرة،

439
قال: لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل القبض انفسخ
البيع قطعا، وإن كان بعده لم يبطل خيار المشتري ولا البائع، ويجب القيمة على ما
تقدم. ثم حكى عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض وعدمه، بناء على الملك
بالعقد، ويمكن حمله على الخيار المشترك، كما أن قوله في القواعد لا يسقط الخيار
بتلف العين محمول على غير صورة ضمان البائع للمبيع، لما عرفت من تعين الانفساخ
فيها، وربما يحتمل أن معنى قولهم إن التلف ممن لا خيار له، أن عليه ذلك إذا فسخ
صاحبه لا أنه ينفسخ كما في التلف قبل القبض. وأما حيث يوجب المشتري فيحتمل
أنه يتخير بين الرجوع على البائع بالمثل أو القيمة، وبين الرجوع بالثمن ويحتمل تعين
الرجوع بالثمن. ويحتمل أن لا يرجع بشئ فيكون معنى له الخيار أن له الفسخ، {1}

440
ثم الظاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل، {1} وكذا حكم تلف
الوصف الراجع إلى وصف الصحة بلا خلاف على الظاهر، لقوله في الصحيحة
السابقة أو يحدث فيه حدث، فإن المراد بالحدث أعم من فوات الجزء والوصف، {2}
هذا كله إذا تلف بآفة سماوية. ومنها حكم الشارع عليه بالاتلاف. وأما إذا كان
باتلاف ذي الخيار سقط به خياره ولزم العقد من جهته، {3} وإن كان باتلاف غير
ذي الخيار {4} لم يبطل خيار صاحبه فيتخير بين امضاء العقد والرجوع بالقيمة
والفسخ والرجوع بالثمن.

441
وإن كان باتلاف أجنبي {1} تخير أيضا بين الامضاء والفسخ، وهل يرجع
حينئذ بالقيمة إلى المتلف، أو إلى صاحبه، أو يتخير وجوه، من أن البدل القائم مقام
العين في ذمة المتلف، فيسترده بالفسخ ولأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها
في ملك الفاسخ، أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء على الوجهين في
اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ، وعلى التقديرين فهي في ضمان المتلف، كما لو كانت
العين في يد الأجنبي، ومن أنه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج
عن ملكه بدل المثمن وصار في ذمته، لأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور
الخارجية، وما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك وكونه بدلا عن العين إنما هو
بالنسبة إلى التلف من حيث وجوب دفعه إلى المالك {2} كالعين لو وجدت، لا أنه
بدل خارج يترتب عليه جميع أحكام العين حتى بالنسبة إلى غير التلف. فهذا البدل
نظير بدل العين لو باعها المشتري، ففسخ البائع، فإنه لا يتعين للدفع إلى الفاسخ. وأما
الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها، {3} مضمونة، لمالكها على متلفها بالقيمة
في ملك الفاسخ، فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا على المالك لا المتلف، ومن كون
يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ وبالقيمة بعده، واتلاف الأجنبي
أيضا سبب للضمان، فيتخير في الرجوع. وهذا أضعف الوجوه. {4}

443
مسألة ومن أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة، فقال: يجب على البائع تسليم
المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن، في زمان الخيار، ولو تبرع أحدهما بالتسليم، لم
يبطل خياره ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده وله استرداد المدفوع قضية
للخيار. {1}
وقال بعض الشافعية ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه
كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهى. ويظهر منه أن الخلاف بين المسلمين إنما هو
بعد اختيار أحدهما التسليم. وأما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار اجماعا، {2}
ثم إنه إن أريد عدم وجوب التسليم على ذي الخيار من جهة أن له الفسخ، فلا يتعين
عليه التسليم، فمرجعه إلى وجوب أحد الأمرين عليه. والظاهر أنه غير مراد وإن
أريد عدم تسلط المالك على ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيار، فلذا يجوز منعه عن
ماله، ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم سلطنة الناس على أموالهم. {3}
وبالجملة فلم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا، ولم أجد من عنونه وتعرض لوجهه.

444
مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين، {1} وهذا الكلام ليس على
اطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد، فإن من جملة أفراد الخيار خيار التأخير بل
مطلق الخيار قبل القبض، أو الخيار المختص بعده. {2} ومن المعلوم أن تلف العين
حينئذ موجب لانفساخ العقد، فلا يبقى خيار، فيكون المراد التلف مع بقاء العقد على
حاله لا يوجب سقوط الخيار. وبعبارة أخرى تلف العين في ملك من في يده لا يسقط
به خياره ولا خيار صاحبه، وهو كذلك لأن الخيار، كما عرفت عبارة عن ملك فسخ
العقد. ومعلوم أن العقد بعد التلف قابل للفسخ، ولذا يشرع الإقالة حينئذ اتفاقا، فلا
مزيل لهذا الملك بعد التلف ولا مقيد له بصورة البقاء.

445
اللهم إلا أن يعلم من الخارج أن شرع الخيار لدفع ضرر الصبر على نفس
العين، فينتفي هذا الضرر بتلف العين. كما في العيب، فإن تخيره بين الرد والأرش لأن
الصبر على العيب ضرر ولو مع أخذ الأرش، فتداركه الشارع بملك الفسخ والرد،
فإذا تلف انتفى حكمة الخيار، أو يقال إنه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا
بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف على بقاء العين. هذا مع قيام
الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب والمدلس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.
نعم هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف، {1} أو يظهر منهم العدم، كما
تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس
المال، بعد تلف المتاع، بل عن المبسوط وبعض آخر الجزم بالعدم، نظرا إلى أن الرد
إنما يتحقق مع بقاء العين. وفيه إشارة إلى ما ذكرنا، من أن الثابت هو جواز الرد،
فيختص الفسخ بصورة تحققه لكن قوي في المسالك وجامع المقاصد ثبوت الخيار
لوجود المقتضي وعدم المانع، وكما تردد المحقق الثاني في سقوط خيار الغبن، بتلف
المغبون فيه.

446
وظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار، مع نقل المغبون العين عن ملكه
بعدم امكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف، والأقوى بقاؤه، لأن العمدة
فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين وعدمه، {1} مضافا إلى اطلاق
قوله (عليه السلام) وهم بالخيار إذا دخلوا السوق، مع أنه لو استند إلى الاجماع أمكن التمسك
بالاستصحاب، إلا أن يدعي انعقاده على التسلط على الرد، فيختص بصورة البقاء
وألحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية، ومن مواضع
التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار على وجه إرادتهما التسلط على مجرد الرد،
المتوقف على بقاء العين، فإن الفسخ وإن لم يتوقف على بقاء العين، إلا أنه إذا فرض
الغرض من الخيار الرد أو الاسترداد، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء والتمكن من
الرد، والاسترداد. {2} وإن كان حكمة في خياري المجلس والحيوان، إلا أن الحكم
أعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم

447
بخلاف ما إذا كان اطلاق جعل المتعاقدين مقيدا على وجه التصريح به في الكلام، أو
استظهاره منه بعدم تعلق الغرض. إلا بالرد أو الاسترداد. ومن هنا يمكن القول بعدم
بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري، لأن
الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن لا التسلط
على مطلق الفسخ المشروع مطلقا، ولو عند التلف لكن لم أجد من التزم بذلك أو
تعرض له. ومن هنا يمكن أن يقال في هذا المقام وإن كان مخالفا للمشهور، بعدم ثبوت
الخيار عند التلف، إلا في موضع دل عليه الدليل، إذ لم يدل أدلة الخيار من الأخبار
والاجماع إلا على التسلط على الرد أو الاسترداد، وليس فيها التعرض للفسخ
المتحقق مع التلف أيضا، وإرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات
الشارع، لما عرفت في أول باب الخيارات من أنه استعمال غالب في كلمات بعض
المتأخرين. {1}
نعم لو دل الدليل الشرعي على ثبوت خيار الفسخ المطلق، الشامل لصورة
التلف، أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى، ثبت مع التلف أيضا، والله
العالم.



(1) الوسائل - باب 3 - من أبواب الخيار.
448
مسألة لو فسخ ذو الخيار، فالعين في يده مضمونة {1} بلا خلاف على الظاهر، لأنها
كانت مضمونة قبل الفسخ، إذ لم يسلمها ناقلها إلا في مقابل العوض، والأصل
بقاؤه {2} إذ لم يتجدد ما يدل على رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ أمانة، إذ الفسخ
إنما هو من قبله، والغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها
أمانة مالكية أو شرعية، ليكون غير مضمونة برضا المالك، أو بجعل الشارع وإذن
الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم، ومرجع ذلك
إلى عموم على اليد ما أخذت، {3} أو إلى أنها قبضت مضمونة، فإذا بطل ضمانه بالثمن
المسمى تعين ضمانه بالعوض الواقعي، أعني المثل أو القيمة، كما في البيع الفاسد، هذا،
ولكن المسألة لا تخلو عن اشكال. وأما العين في يد المفسوخ عليه، ففي ضمانها أو
كونها أمانة اشكال مما في التذكرة من أنه قبضها قبض ضمان، فلا يزول إلا بالرد إلى
مالكها، ومن أن الفسخ لما كان من قبل الآخر فتركه العين في يد صاحبه مشعر
بالرضا به المقتضي للاستئمان، وضعفه في جامع المقاصد، بأن مجرد هذا لا يسقط
الأمر الثابت والله العالم، هذا بعض الكلام في الخيارات وأحكامها والباقي محول إلى
الناظر الخبير بكلمات الفقهاء والحمد لله صلى الله على محمد وآله.

449
القول في النقد والنسية.
قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير والتقديم في أحد العوضين إلى
أربعة أقسام: بيع الحاضر بالحاضر وهو النقد. وبيع المؤجل بالمؤجل وهو بيع الكالئ
بالكالئ. وبيع الحاضر بالثمن المؤجل وهي النسية. وبيع المؤجل بالحاضر وهو السلم
والمراد بالحاضر أعم من الكلي وبالمؤجل خصوص الكلي. {1}

450
مسألة اطلاق العقد يقتضي النقد، {1} وعلله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال
كل من العوضين إلى الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها {2}
فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن، والمراد المطالبة مع
الاستحقاق، بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه على الخلاف الآتي في زمان
وجوب تسليم الثمن على المشتري، ويدل على الحكم المذكور أيضا الموثق في رجل
اشترى من رجل جارية بثمن مسمى. ثم افترقا، قال: وجب البيع والثمن، إذا لم
يكونا شرطا فهو نقد.
فلو اشترطا تعجيل الثمن، كان تأكيد المقتضي الاطلاق {3} على المشهور، بناء
على ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من إرادة عدم المماطلة والتأخير، عن زمان
المطالبة لا أن يعجل بدفعه من دون مطالبة إذ لا يكون تأكيدا حينئذ لكنه خلاف
متفاهم ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور، مع أن مرجع عدم المطالبة في زمان
استحقاقها إلى القاء هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان.



(1) البحار ج 2 ص 273 الطبع الحديث و ج 1 ص 154 الطبع القديم.
(2) الوسائل - باب 1 - من أبواب أحكام العقود حديث 2.
451
وكيف كان، فذكر الشهيد (رحمه الله) في الدروس أن فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا
عين زمان النقد، فأخل المشتري {1} به وقوى الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع
الاطلاق أيضا. يعني عدم تعيين الزمان إذا أخل به في أول وقته {2}

452
وهو حسن، {1} ولا يقدح في الاطلاق عدم تعين زمان التعجيل، لأن التعجيل
المطلق معناه الدفع في أول أوقات الامكان عرفا، ولا حاجة إلى تقييد الخيار هنا
بصورة عدم امكان الاجبار على التعجيل. {2} لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد
فوات التعجيل، أمكن اجباره به أم لم يمكن وجب أو لم يجب. فإن مسألة أن ثمرة
الشرط ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر اجباره على الوفاء. مسألة أخرى مضافا إلى
عدم جريانها في مثل هذا الشرط

453
إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الاجبار وبعده لا ينفع لأنه غير
الزمان المشروط فيه الأداء {1}
مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة {2} غير محتملة مفهوما ولا
مصداقا للزيادة والنقصان الغير المسامح فيهما، فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف
ظاهرا للغرر، {3} ولما دل في السلم الذي هو عكس المسألة على وجوب تعيين
الأجل وعدم جواز السلم إلى دياس أو حصاد، {4} ولا فرق في الأجل المعين بين
الطويل والقصير.



(1) الوسائل - باب 3 من أبواب السلف.
454
وعن الإسكافي المنع من التأخير إلى ثلاث سنين. {1} وقد يستشهد له بالنهي
عنه في بعض الأخبار مثل رواية أحمد بن محمد، قلت لأبي الحسن إني أريد الخروج
إلى بعض الجبال. إلى أن قال: إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح، فقال فبعهم
بتأخير سنة قلت: بتأخير سنتين قال: نعم، قلت: بتأخير ثلاث سنين قال: لا.
والمحكي عن قرب الإسناد عن البزنظي، أنه قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) إن
هذا الجبل قد فتح منه على الناس باب رزق، فقال (عليه السلام) إذا أردت الخروج فاخرج
فإنها سنة مضطربة، وليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب، فقلت: إنهم قوم
ملأ ونحن نحتمل التأخير، فنبايعهم بتأخير سنة، قال: بعهم، قلت: سنتين، قال: بعهم،
قلت: ثلاث سنين، قال: لا يكون لك شئ أكثر من ثلاث سنين.
وظاهر الخبرين الارشاد لا التحريم فضلا عن الفساد، {2} وهل يجوز
الافراط في التأخير {3} إذا لم يصل إلى حد يكون البيع معه سفها والشراء أكلا للمال
بالباطل، فيه وجهان. قال في الدروس لو تمادى الأجل إلى ما لا يبقى إليه المتبايعان
غالبا كألف سنة. ففي الصحة نظر من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به، ومن الأجل
المضبوط وحلوله بموت المشتري، وهو أقرب وما قربه هو الأقرب، لأن ما في الذمة،
ولو كان مؤجلا بما ذكر مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع بل
وبالبيع، كما اختاره في التذكرة.



(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب العقود حديث 1.
(2) نفس المصدر حديث 3.
455
نعم يبقى الكلام في أنه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت المشتري، كان
اشتراط ما زاد على ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا، بل مخالفا للمشروع، حيث إن
الشارع أسقط الأجل بالموت، {1} والاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده، فيكون
فاسدا بل ربما كان مفسدا وإن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدة مجهولة، فافهم.



(1) الوسائل - باب 40 - من أبواب آداب التجارة حديث 3.
456
ثم إن المعتبر في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها وإن لم يعرفها المتعاقدان
فيجوز التأجيل إلى انتقال الشمس إلى بعض البروج كالنيروز، والمهرجان،
ونحوهما، أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد، وجهان {1} أقواهما الثاني،
تبعا للدروس وجامع المقاصد لقاعدة نفي الغرر، {2} وربما احتمل الاكتفاء في ذلك
بكون هذه الآجال مضبوطة في نفسها كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق حيث إنه له شراء وزنة مثلا بعيار بلد مخصوص، وإن لم يعرف مقدارها وربما استظهر ذلك
من التذكرة.
ولا يخفى ضعف منشأ هذا الاحتمال، إذ المضبوطية في نفسه غير مجد في مقام
يشترط فيه المعرفة، إذ المراد بالأجل الغير القابل للزيادة والنقيصة ما لا يكون قابلا
لهما حتى في نظر المتعاقدين لا في الواقع. ولذا أجمعوا على عدم جواز التأجيل إلى
موت فلان، مع أنه مضبوط في نفسه وضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي أيضا، وما
ذكر من قياسه على جواز الشراء بعياد بلد مخصوص

457
لا نقول به بل المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا، كما تقدم في شروط العوضين. وظاهر
التذكرة اختيار الجواز حيث قال: بجواز التأقيت بالنيروز والمهرجان، لأنه معلوم
عند العامة، وكذا جواز التأقيت ببعض أعياد أهل الذمة إذا عرفه المسلمون، لكن
قال: بعد ذلك وهل يعتبر معرفة المتعاقدين، قال بعض الشافعية: نعم. وقال بعضهم
لا يعتبر، ويكتفي بمعرفة الناس سواء اعتبر معرفتهما أولا ولو عرفا كفى، انتهى.
ثم الأقوى اعتبار معرفة المتعاقدين والتفاتهما إلى المعنى حين العقد، فلا يكفي
معرفتهما به عند الالتفات والحساب.
مسألة لو باع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا، {1} ففي المبسوط والسرائر وعن
أكثر المتأخرين أنه لا يصح، وعلله في المبسوط وغيره بالجهالة، كما لو باع أما هذا
العبد وأما ذاك.

458
ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه (عليه السلام) قال من ساوم بثمنين أحدهما
عاجلا والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة.
ويؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع وعن بيعين في بيع بناء على
تفسيرهما بذلك. وعن الإسكافي، كما عن الغنية أنه روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لا
يحل صفقتان في واحدة، قال وذلك بأن يقول إن كان بالنقد فبكذا، وإن كان بالنسيئة
فبكذا، هذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة أنه قال أمير المؤمنين (عليهما السلام) من
باع سلعة وقال ثمنها كذا وكذا يدا بيد. وكذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت وجعل
صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما وإن كانت نظرة.
وفي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه أن عليا (عليه السلام) قضى في رجل
باع بيعا واشترط شرطين بالنقد كذا، وبالنسية كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط،
فقال هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين



(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب أحكام العقود حديث 4.
(2) نفس المصدر حديث 1.
(3) نفس المصدر حديث 2.
(4) المستدرك - باب 2 - من أبواب أحكام العقود حديث 2، ورواه في الغنية أيضا.
460
فقال هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين، فيقول ليس له إلا أقل النقدين إلى
الأجل الذي أجله نسيئة.
وعن ظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما، ونسب إلى بعض هؤلاء القول
بالبطلان، فالأولى تبعا للمختلف الاقتصار على نقل عبارة كل من هؤلاء من دون
اسناد أحد القولين إليهم، {1} قال في المقنعة: لا يجوز البيع بأجلين على التخيير،
كقوله هذا المتاع بدرهم نقدا وبدرهمين إلى شهر أو سنة أو بدرهم إلى شهر،
وبدرهمين إلى شهرين، فإن ابتاع انسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين
في آخر الأجلين. وهذا الكلام يحتمل التحريم مع الصحة، ويحتمل الحمل على ما إذا
تلف المبيع، فإن اللازم مع فرض فساد البيع بالأقل الذي بيع به نقدا، لأنه قيمة ذلك
الشئ، ومعنى قوله في آخر الأجلين أنه لا يزيد على الأقل وإن تأخر الدفع إلى
آخر الأجلين، أو المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك، ويحتمل إرادة الكراهة، كما
عن ظاهر السيد (قدس سره) في الناصريات، أن المكروه أن يبيع بثمنين بقليل إن كان الثمن
نقدا، وبأكثر إن كان نسية، ويحتمل الحمل على فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير
الأجل، لكن لا يفسد العقد كما سيجئ. وعن الإسكافي أنه بعد ما تقدم عنه من
النبوي الظاهر في التحريم قال: ولو عقد البائع للمشتري كذلك وجعل الخيار إليه لم
اختر للمشتري أن يقدم على ذلك، فإن فعل وهلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل
الثمنين، لإجازته البيع، به، وكان للمشتري الخيار في تأخير الثمن لأقل إلى المدة التي
ذكرها البائع بالثمن إلا وفى من غير زيادة على الثمن الأقل.
وفي النهاية فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين على التخيير، مثل أن يقول بعتك
هذا بدينار أو درهم عاجلا أو إلى شهر أو سنة أو بدينارين أو درهمين إلى شهر أو
شهرين أو سنتين، كان البيع باطلا، فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل
الثمنين في آخر الأجلين انتهى

461
وعن موضوع من الغنية قد قدمنا أن تعليق البيع بأجلين وثمنين، كقوله بعت
إلى مدة بكذا وإلى أخرى بكذا يفسده، فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في
أبعد الأجلين بدليل اجماع الطائفة، وعن سلار ما علق بأجلين وهو أن يقول: بعتك
هذه السلعة إلى عشرة أيام بدرهم وإلى شهرين بدرهمين كان باطلا غير منعقد، وهو
المحكي عن أبي الصلاح. وعن القاضي: من باع شيئا بأجلين على التخيير مثل أن يقول أبيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا وبدرهمين أو دينارين إلى شهر أو شهور أو
سنة أو سنتين كان باطلا، فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر
الأجلين.
وقال في المختلف بعد تقوية المنع: ويمكن أن يقال إنه رضي بالثمن الأقل، فليس
له الأكثر في البعيد وإلا لزم الربا إذ يبقى الزيادة في مقابل تأخير الثمن لا غير، فإذا
صبر إلى البعيد لم يجب له الأكثر من الأقل، انتهى.
وفي الدروس: إن الأقرب الصحة ولزوم الأقل ويكون التأخير جائزا من
طرف المشتري، لازما من طرف البائع لرضاه بالأقل، فالزيادة ربا. ولذا ورد النهي
عنه وهو غير مانع من صحة البيع، انتهى.
أقول لكنه مانع من لزوم الأجل من طرف البائع، لأنه في مقابل الزيادة
الساقطة شرعا إلا أن يقال: إن الزيادة ليست في مقابل الأجل بل هي في مقابل
اسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي وطبعه، والزيادة وإن
كانت لكنة ربا كما سيجئ إلا أن فساد المقابلة لا يقتضي فساد الاسقاط، كما احتمل
ذلك في مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته، بل قال في
التحرير بالرجوع إلى الدية، وحينئذ فلا يستحق البائع الزيادة ولا المطالبة قبل
الأجل، لكن المشتري لو أعطاه وجب عليه القبول، إذ لم يحدث له بسبب المقابلة
الفاسدة حق في التأجيل حتى يكون له الامتناع من القبول قبول الأجل، وإنما سقط
حقه من التعجيل.
ويمكن أيضا حمل الرواية على أن الثمن هو الأقل، لكن شرط عليه أن يعطيه
على التأجيل شيئا زائدا، وهذا الشرط فاسد لما سيجئ من أن تأجيل الحال بزيادة
ربا محرم،

462
لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط، كما عليه جماعة، وحينئذ
فللبائع الأقل، وإن فرض أن المشتري أخره إلى الأجل، كما يقتضيه قوله في رواية
محمد بن قيس وإن كانت نظرة لفرض تراضيهما على ذلك بزعم صحة هذا الشرط،
أو البناء عليها تشريعا. ولعل هذا مبنى قول الجماعة (قدس الله أسرارهم) فإن أمضيا
البيع بينهما كذلك بمعنى أنهما تراضيا على هذه المعاملة لم يجب في مقابل التأخير الواقع
برضاهما شئ زائد على الأقل، لفساد المقابلة ومرادهم من بطلان البيع الذي
حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية، وعدم ترتب الأثر المقصود عليه.
وقد تلخص من جميع ما ذكرنا أن المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لا
اشكال ولا خلاف في بطلانها، بمعنى عدم مضيها على ما تعاقدا عليه. وأما الحكم
بامضائهما، كما في الروايتين فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حل المال على
الرضا وطيب النفس، وكون الأكل لا عن تراض أكلا للباطل، فيقع الاشكال في

463
نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل، ثم إن الثابت منهما على تقدير
العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما، {1} وأما ما عداه كما إذا جعل له الأقل في
أجل والأكثر في أجل آخر، فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه، لحرمة القياس
خصوصا على مثل هذا الأصل. وفي التحرير البطلان هنا قولا واحدا. وحكى من
غير واحد ما يلوح منه ذلك إلا أنك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم
للمسألتين، وإن لم ينسب ذلك في الدروس إلا إلى المفيد (قدس سره) لكن عن الرياض: إن
ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين، وهو ظاهر الحدائق أيضا، وما
أبعد ما بينه وبين ما تقدم من التحرير، ثم إن العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة
المسألة أنه مثل ما إذا قال المستأجر لخياطة الثوب: إن خطته فارسيا فبدرهم، وإن
خطته روميا فبدرهمين، وأجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها إلى الجعالة.

464
مسألة لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل وإن
طولب {1} اجماعا، لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل، ولو تبرع بدفعه لم يجب على
البائع القبول بلا خلاف، بل عن الرياض الاجماع عليه، وفي جامع المقاصد في باب
السلم نسبة الخلاف إلى بعض العامة، وعلل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن
التعجيل كالتبرع بالزيادة، فلا يكلف تقليد المنة {2} وفيه تأمل.

465
ويمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا
للبائع، من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته وجعله إياه كالودعي، فإن ذلك
حق عرفا {1} وبالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر.
ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال والمؤجل، حيث إنه ليس لصاحب الدين
الحال حق على المديون، واندفع أيضا ما يتخيل من أن الأجل حق مختص
بالمشتري، ولذا يزاد الثمن من أجله، وله طلب النقصان في مقابل التعجيل، وأن
المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير ولا يجب، ثم إنه لو أسقط المشتري
أجل الدين. {2} ففي كتاب الدين من التذكرة والقواعد أنه لو أسقط المديون أجل
الدين مما عليه لم يسقط وليس لصاحب الدين مطالبته في الحال، وعلله في جامع
المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم {3}

466
لأنه المفروض فلا يسقط بمجرد الاسقاط، ولأن في الأجل حقا لصاحب
الدين. {1} ولذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح {2} ولو
نذر التأجيل فإنه يلزم وينبغي أن لا يسقط بتقايلهما المفروض، لأن التقايل في
العقود لا في النذور، انتهى.
وفيه أن الحق المشترط في العقد اللازم يجوز لصاحبه اسقاطه، وحق صاحب
الدين لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه، وفي باب الشروط من التذكرة لو كان
عليه دين مؤجل، فأسقط المديون الأجل لم يسقط، وليس للمستحق مطالبته في
الحال لأن الأجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالاسقاط، ولهذا لو أسقط مستحق
الحنطة الجيدة والدنانير الصحيحة الجودة والصحة لم يسقط وللشافعي وجهان، انتهى

467
ويمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلى اسقاط حق المطالبة في
الأجل، {1} فلا يعود الحق باسقاط التأجيل والشرط القابل للاسقاط ما تضمن
اثبات حق قابل لاسقاطه بعد جعله، ألا ترى أنه لو شرط في العقد التبري من
عيوب لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد العقد، ولم تعد العيوب مضمونة ما لو كانت
بدون الشرط. وأما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل، فدلالته على
المدعي موقوفة على أن الشرط الواحد إذا انحل إلى حق لكل من المتبايعين لم يجز
لأحدهما اسقاطه، لأن الفرض اشتراكهما فيه، ولم يسقط الحق بالنسبة إلى نفسه، لأنه
حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل، ومعناه
الاتفاق على اسقاط الشرط الراجع إليهما، فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط
العقود لا في أنفسها.

468
نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالى بالنذر لم ينفع اتفاقهما على سقوطه، لأن
الحق معلق بغيرهما، وما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط
التأجيل، أو لم يبت التعدد، فيرجع إلى أصالة عدم السقوط. لكن الظاهر تعدد الحق،
فتأمل.
ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين
بالاسقاط، بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالاسقاط، {1} ولذا لو أسقط مستحق
الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح: الجودة أو الصحة لم يسقط، انتهى. وهذا لا دخل
له بما ذكره جامع المقاصد
مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند
دفعه إليه، {2}



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب الدين والقرض.
469
لأن في امتناعه اضرارا {1} وظلما إذ لا حق له على من في ذمته في حفظ ماله في
ذمته {2} والناس مسلطون على أنفسهم، وتوهم عدم الاضرار والظلم لارتفاعه
بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله وضمانه على مالكه مدفوع، بأن مشروعية قبض
الحاكم أو العزل إنما يثبت لدفع هذا الظلم والاضرار المحرم عن المديون، وليس بدلا
اختياريا حتى يسقط الوجوب عن المالك، لتحقق البدل ألا ترى أن من يجب عليه
بيع ماله لنفقة عياله، لا يسقط عنه الوجوب، لقيام الحاكم مقامه في البيع، وكيف كان
فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه لحديث نفي الضرر، بل مورده كان من هذا
القبيل حيث إن سمرة بن جندب امتنع من الاستئذان للمرور إلى غدقه الواقع في دار
الأنصاري وعن بيعها، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها وجه
صاحبها. فأسقط ولايته على ماله،



(1) البحار ج 2 ص 2721 الطبع الحديث.
(2) المائدة: 2.
470
ومقتضى القاعدة اجبار الحاكم له على القبض {1} لأن امتناعه أسقط اعتبار رضاه
في القبض الذي يتوقف ملكه عليه، لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها، مع كون
الاكراه بحق بمنزلة الاختيار، فإن تعذر مباشرته ولو كرها تولاه الحاكم، لأن
السلطان ولي الممتنع بناء على أن الممتنع من يمتنع ولو مع الاجبار.
ولو قلنا إنه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولي القبض عنه من دون
الاكراه وهو الذي رجحه في جامع المقاصد والمحكي عن اطلاق جماعة عنهم عدم
اعتبار الحاكم وليس للحاكم مطالبة المديون بالدين، إذا لم يسأله، لعدم ولايته عليه
مع رضا المالك بكونه في ذمته، وعن السرائر وجوب القبض على الحاكم عند
الامتناع وعدم وجوب الاجبار، واستبعده غيره، وهو في محله.

471
ولو تعذر الحاكم، فمقتضى القاعدة اجبار المؤمنين له عدولا كانوا أم لا، لأنه
من المعروف الذي يجب الأمر به على كل أحد، فإن لم يمكن اجباره. ففي وجوب
قبض العدول عنه نظر، أقواه العدم، وحينئذ فطريق براءة ذمة المديون أن يعزل
حقه، ويجعله أمانة عنده، فإن تلف فعلى ذي الحق، لأن هذه فائدة العزل وثمرة إلغاء
قبض ذي الحق،

472
ولكن لم يخرج عن ملك مالكه، لعدم الدليل على ذلك، فإن اشتراط القبض في التمليك
لا يسقط بأدلة نفي الضرر، وإنما يسقط بها ما يوجب التضرر وهو الضمان، {1}
وحينئذ فنماء المعزول له وقاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا. وقد
يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع وكون التلف من ذي الحق ووجهه
أن الحق المملوك لصاحب الدين إن تشخص في المعزول كان ملكا له وإن بقي في ذمة
الدافع لم يمكن تلف المعزول منه إذ لم يتلف ماله. ويمكن أن يقال إن الحق قد سقط من
الذمة ولم يتشخص بالمعزول، وإنما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني،
فبتلفه يتلف الحق، ومع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن أن يتشخص به. ويمكن أن
يقال بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين.
ثم إن الظاهر جواز تصرفه في المعزول فينتقل المال إلى ذمته لو أتلفه، {2}

473
ومقتضى القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف، لأن مشروعية عزله وكون تلفه من
مال صاحب الدين، إنما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة، وتكليفه
بحفظ المعزول أضر عليه من حفظ أصل المال في الذمة.
وعن المحقق الثاني أنه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه على المالك بعد تعيينه ولم
يأته به لكن أعلم بالحال، وبين ما إذا أتاه وطرحه عنه فينتفي [فيلغى] وجوب
الحفظ في الثاني دون الأول، ولعل وجهه أن المبري للعهدة التخلية والاقباض
المتحقق في الثاني دون الأول، ولعل وجهه أن المبرء للعهدة التخلية والاقباض
المتحقق في الثاني دون الأول وسيجئ في مسألة قبض المبيع ما يؤيده، وعن
المسالك أنه مع عدم الحاكم يخلي بينه وبين ذي الحق وتبرأ ذمته، وإن تلف، وكذا
يفعل الحاكم لو قبضه

474
إن لم يتمكن من إلزامه بالقبض وإن اشتركا في عدم الضمان ثم إن المحقق الثاني
ذكر في جامع المقاصد بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من
أخذه: إن في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب
في مال على جهة الإشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك ولا يتلف منهما ترددا
ومثله لو تسلط الظالم بنفسه، وأخذ قدر نصيب الشريك {1} لم أجد للأصحاب
تصريحا بنفي ولا إثبات مع أن الضرر هنا قائم أيضا، والمتجه عدم الانسحاب،
انتهى، وحكي نحوه عنه في حاشية الإرشاد من دون فتوى.
أقول أما الفرع الثاني فلا وجه لا لحاقه بما نحن فيه، إذ دليل الضرر بنفسه لا
يقتضي بتأثير نية الظالم في التعيين، فإذا أخذ جزءا خارجيا من المشاع فتوجيه هذا
الضرر إلى من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له، {2} كما لو أخذ الظالم من المديون
مقدار الدين بنية أنه مال الغريم

475
وأما الفرع الأول، فيمكن أن يقال بأن الشريك لما كان في معرض التضرر لأجل
مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة، لكن فيه أن تضرره إنما يوجب ولايته على
القسمة حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه، بأن لا يكون حصة الشريك بحيث
تتلف بمجرد القسمة، كما في الفرض وإلا فلا ترجيح لأحد الضررين مع أن التمسك
بعموم نفي الضرر في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الأصحاب يؤسس
فقها جديدا.
مسألة لا خلاف على الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز
تأجيل الثمن الحال، {1} بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا، لأن حقيقة الربا في
القرض راجعة إلى جعل الزيادة في مقابل امهال المقرض وتأخيره المطالبة إلى أجل،
فالزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلى شهر،
وبين أن يتراضيا بعد الشهر إلى تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد، وهكذا بل طريقة
معاملة الربا مستقرة على ذلك. بل

476
بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا على هذا التراضي مسلم في العرف، وأن
مورد نزول قوله تعالى في مقام الرد على من قال: (إنما البيع مثل الربا وأحل الله
البيع وحرم الربوا) هو التراضي بعد حلول الدين على تأخيره إلى أجل بزيادة فيه.
فعن مجمع البيان عن ابن عباس {1} أنه كان الرجل من أهل الجاهلية إذا حل



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب الصرف.
477
دينه على غريمه فطالبه، قال المطلوب منه زدني في الأجل أزيدك في المال،
فيتراضيان عليه، ويعملان به، فإذا قيل لهم ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك أن
الزيادة في الثمن حال البيع، والزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء،
فذمهم الله وألحق بهم الوعيد وخطأهم في ذلك بقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم
الربا ويؤيده بل يدل عليه حسنة ابن أبي عمير أو صحيحته {1} عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى، فيأتيه غريمه فيقول
له أنقدني كذا وكذا واضع عنك بقيته، أو أنقدني بعضه وأمد لك في الأجل فيما بقي
عليك قال: لا أرى به بأسا أنه لم يزد على رأس ماله، قال الله تعالى: (فلكم رؤس
أموالكم لا تظلمون) ولا تظلمون علل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد
البعض بعدم الازدياد على رأس ماله، فيدل على أنه لو ازداد على رأس ماله لم يجز
التراضي على التأخير، وكان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا وهو قوله تعالى:
(فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)



(1) البقرة: 275.
(2) الوسائل - باب 7 - من أبواب أحكام الصلح حديث 1.
478
ويدل عليه بعض الأخبار الوارد في تعليم طريق الحيلة في جواز تأخير
الدين بزيادة {1} باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن
الحرام، فلو جاز التراضي على التأجيل بزيادة لم يكن داع إلى التوصل بأمثال تلك
الحيل حتى صاروا عليهم السلام موردا لاعتراض العامة في استعمال بعضها، كما في غير
واحد من الأخبار الواردة في ذلك. ويدل عليه أيضا أو يؤيده بعض الأخبار الواردة في باب الدين. {2} فيما إذا أعطى المديون بعد الدين شيئا مخافة أن يطلبه
الغريم بدينه.



(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب أحكام العقود حديث 4.
(2) الوسائل - باب 9 - من أبواب أحكام العقود حديث 6.
479
ومما ذكرنا من أن مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا، يظهر عدم الفرق بين المصالحة
عنه بها والمقاولة عليها من غير عقد، وظهر أيضا أنه يجوز المعاوضة اللازمة على
الزيادة بشئ باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة، وظهر أيضا من
التعليل المتقدم في رواية ابن أبي عمير جواز نقص المؤجل بالتعجيل، وسيجئ تمام
الكلام في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض إن شاء الله تعالى.
مسألة إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه {1} وغيره قبل
حلول الأجل وبعده بجنس الثمن وغيره، مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو
مؤجلا، إلا إذا اشترط أحد المتبايعين على صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة
ثانية. أما الحكم في المستثنى منه فلا خلاف فيه، إلا بالنسبة إلى بعض صور المسألة،
فمنع منها الشيخ في النهاية والتهذيبين وهي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا
مساويا.



(1) الوسائل - باب 19 - من أبواب الدين والقرض حديث 3.
480
وقال في النهاية: إذا اشترى نسيئة فحل الأجل، ولم يكن معه ما يدفعه إلى
البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه، فإن أخذه
بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه به، فإن أخذ من
المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس، انتهى.
وعن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة، وظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما
بعد الحلول وأنه قصر بعضهم التحريم بالطعام، وكيف كان، فالأقوى هو المشهور
للعمومات المجوزة كتابا وسنة {1} وعموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار بن
يسار {2} قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء مرابحة فيشتريه
من صاحبه الذي يبيعه منه فقال: نعم لا بأس به فقلت له: اشتر متاعي وغنمي
قال: ليس هو متاعك ولا غنمك ولا بقرك، وصحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب
يتقاضاه، فقال له المطلوب أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي، قال (عليه السلام):
لا بأس بذلك.



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العقود حديث 3.
(2) نفس المصدر حديث 1.
481
ورواية الحسين بن منذر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجيئني فيطلب العينة
فأشتري له المتاع، ثم أبيعه إياه مرابحة، ثم أشتريه منه مكاني قال: فقال إذا كان هو
بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت
لم تشتر فلا بأس، قال: فقلت: إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون إنه إن
جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم وتأخير ولا بأس. وفي المحكي عن قرب
الأسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة
دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم أيحل؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس، وعن
كتاب علي بن جعفر قوله باعه بعشرة إلى أجل ثم اشتراه بخمسة بنقد وهو أظهر في
عنوان المسألة، وظاهر هذه الأخبار كما ترى يشمل صور الخلاف.



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العقود حديث 4.
(2) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العقود حديث 6.
482
وقد يستدل أيضا {1} برواية يعقوب بن شعيب وعبيد بن زرارة قالا سألنا
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل، فلما بلغ ذلك تقاضاه فقال
ليس لي دراهم خذ مني طعاما فقال: لا بأس به، فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء. وفي
دلالتها نظر، وفيما سبق من العمومات كفاية إذ لا معارض لها عدا ما ذكره الشيخ (رحمه الله)
من رواية خالد بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعته طعاما بتأخير
إلى أجل مسمى، فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم ولكن
عندي طعام، فاشتره مني فقال لا تشتره منه، فإنه لا خير فيه.
ورواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه، قال: سأله محمد بن قاسم
الحناط فقال أصلحك الله أبيع الطعام من رجل إلى أجل، فيجيئني وقد تغير الطعام
من سعره، فيقول ليس عندي دراهم، قال: خذ منه بسعر يومه فقال: افهم أصلحك
الله إنه طعامي الذي اشتراه مني فقال: لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك، فقال رغم
الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي. وحكي عن الشيخ (قدس سره) أنه أوردها في
الاستبصار دليلا على مختاره وحكي عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب السلف حديث 10.
(2) نفس المصدر حديث 3.
(3) نفس المصدر حديث 5.
483
أقول لا يظهر من رواية خالد دلالة على مذهب الشيخ وعلى تقدير الدلالة
فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من أمارات الكراهة واعلم أنه قال الشيخ (قدس سره) في
المبسوط إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة، فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا أخذ
ما أعطاه، فإن أخذ أكثر لم يجز. وقد روي أنه يجوز على كل حال. وحكي في المختلف
عن الخلاف أنه أذاع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة، فلما حل الأجل أخذ بها
طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله، فإن زاد عليه لم يجز واحتج باجماع الفرقة وأخبارهم،
وبأنه يؤدي إلى بيع طعام بطعام، ثم حكى عن بعض أصحابنا الجواز مطلقا، وعن
بعضهم المنع مطلقا، ثم حكي عن الشيخ في آخر كلامه: أنه قال والقول الآخر الذي
لبعض أصحابنا قوي وذلك أنه بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج إلى
اعتبار المثلية، انتهى.

484
أقول الظاهر أن الشيخ قدس سره جرى في ذلك وفيما تقدم عنه في النهاية من عدم
جواز بيع ما اشترى بجنس الثمن متفاضلا على قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار
من أن عوض الشئ الربوي لا يجوز أن يعوض بذلك الشئ بزيادة. وإن عوض
العوض بمنزلة العوض، {1} فإذا اشترى طعاما بدراهم لا يجوز أن يأخذ بدل الطعام
دراهم بزيادة، وكذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له أن يأخذ عوض الدراهم
طعاما وعول في ذلك على التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام)
المعتضد ببعض الأخبار المانعة عن بعض أفراد هذه القاعدة هنا. وفي باب السلم
قال: سألته عن رجل له على آخر تمرا وشعيرا وحنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال:
إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي يشرى [اشتري] به دراهم ولا يصلح
دراهم بدراهم، قال في المحكي التهذيب الذي أفتى به ما تضمنه هذا الخبر الأخير من أنه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم له لم يجز أن يبيعه بدراهم، لأنه يكون قد باع
دراهم بدراهم، وربما كان فيه زيادة أو نقصان وذلك ربا، انتهى.
وهنا يقول أيضا قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا أنه إذا كان الذي
باعه طعاما لم يجز أن يشتري بثمنه طعاما لأنه يكون باع طعاما بطعام.



(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب السلف حديث 12.
485
وبالجملة فمدار فتوى الشيخ (قدس سره) على ما عرفت من ظهور بعض الأخبار بل
صراحته فيه من أن عوض العوض في حكم العوض في عدم جواز التفاضل مع
اتحاد الجنس الربوي، فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه، وبين اشتراء مجانسه
منه، ولا فرق أيضا بين اشترائه قبل حلول الأجل أو بعده، كما أطلقه في الحدائق،
وتقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة والايفاء
بعد الحلول، وإن قصر المشهور خلافه به. لكن الأظهر هو الاطلاق، كما أن تقييد
المنع في كلامه بأخذ ما باعه بالناقص، لأنه الغالب، لأن في رد نفس ما اشتراه رده
بالناقص لا لخصوصية في النقص لا يجري في الزيادة. ولذا ذكر جواز أخذ المتاع
الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت، فيعلم منه أن أخذ ما باعه بقيمته في الحال
غير جائز زادت أو نقصت.
ويؤيد الحمل على الغالب أنه (قدس سره) ذكر في مسألة السلم التي هي عكس المسألة
أنه لا يجوز له أخذ مثل الثمن زائدا على ما أعطاه، فإن الغالب من اعطاء الطعام بدل
الدراهم النقص مما اشترى، ومع العكس العكس وظهر أيضا مما ذكرنا أن الحكم
مختص في كلام الشيخ بالجنس الربوي لا مطلق المتاع ولا خصوص الطعام. وأما
الحكم في المستثنى {1} وهو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله إلى من أنتقل عنه، فهو
المشهور ونص عليه الشيخ في باب المرابحة واستدلوا عليه أو لا بالدور، كما في
التذكرة، قال في باب الشروط لو باعه



(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب السلف.
486
لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا ووصفا وعينا أم لا،
وإلا جاء الدور، لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على يبعه، فيدور أما لو
شرط أن يبيعه على غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنة لا يقال ما
التزموه من الدور آت هنا، لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا على حد
التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع. على البائع، انتهى.
أقول ظاهر ما ذكره من النقض أنه يعتبر في الشرط أن يكون معقولا في نفسه
مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه، وبيع الشئ على غير مالكه معقول ولو من
غير المالك كالوكيل والفضولي بخلاف بيعه على مالكه، فإنه غير معقول أصلا،
فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر عنه باشتراط بيعه على غيره أو عتقه، نعم ينتقض
ذلك باشتراط كون المبيع رهنا على الثمن، فإن ذلك لا يعقل مع قطع النظر عن البيع
بل يتوقف عليه. وقد اعترف (قدس سره) بذلك في التذكرة فاستدل بذلك لأكثر الشافعية
المانعين عنه.
وقال إن المشتري لا يملك رهن المبيع إلا بعد صحة البيع، فلا يتوقف عليه
صحة البيع وإلا دار لكنه (قدس سره) مع ذلك جوز هذا الاشتراط إلا أن يقال أخذ الرهن
على الثمن والتضمين عليه، وعلى دركه ودرك المبيع من توابع البيع، ومن مصالحه
فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا ونحو ذلك،
لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة، من اشتراط وقف المشتري المبيع
على البائع وولده وقرر الدور في جامع المقاصد، بأن انتقال الملك موقوف على
حصول الشرط، وحصول الشرط موقوف على الملك. وهذا بعينه ما تقدم عن
التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين، وأجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من
غيره.
وقد عرفت أن العلامة (قدس سره) تفطن له في التذكرة، وأجاب عنه بما عرفت
انتقاضه بمثل اشتراط رهنه على الثمن، وعرفت تفطنه لذلك أيضا في التذكرة،
وأخرى بالحل، وهو أن انتقال الملك ليس موقوفا على تحقق الشرط، وإنما المتوقف
عليه لزومه، وثالثة بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد أجل البيع الأول، فإن
ملك المشتري متخلل بين البيعين ومبنى هذين الجوابين على ما ذكره العلامة في
الاعتراض على نفسه والجواب عنه

487
بما حاصله أن الشرط لا بد من صحته، مع قطع النظر عن البيع فلا يجوز أن
يتوقف صحته على صحة البيع، ولا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الأجل أو
بعده، لأن بيع الشئ على مالكه غير معقول مطلقا، ولو قيد بما بعد خروجه عن ملك
مالكه لم يفرق أيضا بين ما قبل الأجل وما بعده، واستدل عليه أيضا بعدم قصد
البائع بهذا الشرط إلى حقيقة الاخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك وجعله
في غاية المراد أولى من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الأولين، ثم قال: وإن
كان اجماع على المسألة، فلا بحث ورد عليه المحقق والشهيد الثانيان بأن الفرض
حصول القصد إلى النقل الأول لتوقفه عليه، وإلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك ولم
يشترطاه مع الاتفاق على صحته، انتهى.
واستدل عليه في الحدائق {1} بقوله (عليه السلام) في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة
في السؤال عن بيع الشئ واشترائه ثانيا من المشتري إن كان هو بالخيار إن شاء
باع، وإن شاء لم يبع، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر، فلا
بأس، فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط على نفسه بشرائه
ثانيا فدل على ثبوت البأس إذا كان أحد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة
التزامه بذلك في العقد الأول وثبوت البأس في الرواية. أما راجع إلى البيع الأول
فتثبت المطلوب وإن كان راجعا إلى البيع الثاني فلا وجه له إلا بطلان البيع الأول، إذ
لو صح البيع الأول والمفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني بأس

488
بل كان لازما بمقتضى الشرط الواقع في متن العقد الصحيح، هذا، وقد يرد دلالتها بمنع
دلالة البأس على البطلان. وفيه ما لا يخفى وقد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا
يقول به أحد من عدم اشتراط المشتري ذلك على البائع، وفيه أن هذا قد قال به كل
أحد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع، فإن المسألتين من واد واحد، بل
الشهيد (قدس سره) في غاية المراد عنوان المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء. وقد يرد أيضا
بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط وأنه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط
عليه، وإن كان يحرم البيع الثاني أو هو والبيع الأول مع الشرط ويكون الحاصل
حينئذ حرمة الاشتراط، وإن كان لو فعل التزم به وهو غير التزام المحرم الذي يفسد
ويفسد العقد. وفيه أن الحرمة المستفادة من البأس ليس إلا الحرمة الوضعية أعني
الفساد ولا يجامع ذلك صحة الشرط ولزومه.
نعم يمكن أن يقال بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراغ
عن صحة الأول، كما يشهد به أيضا بيان خلاف أهل المسجد المختص بالبيع الثاني أن
المراد أنه إن وقع البيع الثاني على وجه الرضا وطيب النفس، والاختيار فلا بأس به.
وإن وقع لا عن ذلك، بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله، والزامه عرفا
بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء لا يكون إلا لعدم طيب النفس فيه،



(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العقود حديث 4.
(2) الوسائل - باب 5 - من أبواب أحكام العقود حديث 6.
489
وعدم وجوب الالتزام بما التزم على نفسه. أما لعدم ذكره في متن العقد. وأما لكون
الشرط بالخصوص فاسد لا يجب الوفاء به، ولا يوجب فساد العقد المشروط به، كما
هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام
المذكور في متنه، حتى لو وقع عن طيب النفس، لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور
اختصاص حكم الرواية منعا وجوازا بالعقد الثاني. وأما رواية علي بن جعفر فهي
أظهر في اختصاص الحكم بالشراء الثاني، فيجب أيضا حمله على وجه لا يكون
منشأ فساد البيع الثاني فساد البيع الأول بأن يكون مفهوم الشرط أنه إذا اشترطا
ذلك في العقد أو قبله، ولم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع على وجه الالجاء من
حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه، ووقوعه
عن الجاء وهذا لا يكون إلا مع عدم وجوب الوفاء أما لعدم ذكره في العقد وأما
لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده في العقد.
وبالجملة، فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح أن يستند إلى فساد
الأول لما ذكرنا من ظهور الروايتين في ذلك فلا بد من أن يكون منشأه عدم طيب
النفس بالعقد الثاني وعدم طيب النفس لا يقدح إلا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما
التزم وعدم اللزوم لا يكون إلا لعدم ذكر الشرط في العقد أو لكونه فاسدا غير
مفسد. ثم إنه قال في المسالك إنهما لو شرطاه قبل العقد لفظا،

490
فإن كان يعلمان أن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له وإلا اتجه بطلان العقد به كما لو ذكراه
في متنه لا نهما لم يقدما الأعلى الشرط ولم يتم لهما ويمكن أن يقال إن علمهما بعدم
حكم للشرط لا يوجب عدم اقدامهما على الشرط، فالأولى بناء المسألة على تأثير
الشرط المتقدم في ارتباط العقد به وعدمه والمعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم إلا
أن يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر وبين الفاسد فيؤثر في البطلان ووجهه غير
ظاهر بل ربما حكى العكس عن بعض المعاصرين وقد تقدم توضيح الكلام في ذلك.
القول في القبض
وهو لغة: الأخذ مطلقا، أو باليد أو بجميع الكف على اختلاف عبارات أهل
اللغة، والنظر في ماهيته ووجوبه وأحكامه يقع في مسائل:
مسألة: اختلفوا في ماهية القبض في المنقول، بعد اتفاقهم على أنها التخلية في
غير المنقول {1} على أقوال:

491
أحدها: إنها التخلية أيضا صرح به المحقق في الشرائع، وحكي عن تلميذه
كاشف الرموز. وعن الإيضاح نسبته إلى بعض متقدمي أصحابنا وعن التنقيح نسبته
إلى المبسوط.
الثاني: إنه في المنقول، النقل، وفيما يعتبر كيله أو وزنه الكيل أو الوزن.
الثالث: ما في الدروس من أنه في الحيوان نقله، وفي المعتبر كيله أو وزنه أو
عده أو نقله وفي الثوب وضعه في اليد.
الرابع: ما في الغنية وعن الخلاف والسرائر واللمعة أنه التحويل والنقل.
الخامس: ما في المبسوط من أنه إن كان مثل الجواهر والدراهم والدنانير وما
يتناول باليد، فالقبض فيه هو التناول باليد، وإن كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة
فالقبض في البهيمة أن يمشي بها إلى مكان آخر، وفي العبد أن يقيمه إلى مكان آخر
وإن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه وإن كان اشتراه مكايلة
فالقبض فيه أن يكيله، وزاد في الوسيلة أنه في الموزون وزنه، وفي المعدود عده،
ونسب عبارة الشرائع الراجعة إلى ما في المبسوط إلى المشهور.
السادس: إنه الاستقلال والاستيلاء عليه باليد، حكي عن المحقق الأردبيلي
وصاحب الكفاية، واعترف في المسالك تبعا لجامع المقاصد، لشهادة العرف بذلك،
إلا أنه أخرج عن ذلك المكيل والموزون، مستندا إلى النص الصحيح، وفيه ما
سيجئ.
السابع: ما في المختلف من أنه إن كان منقولا فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد،
وإن كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن.
الثامن: إنه التخلية مطلقا بالنسبة إلى انتقال الضمان إلى المشتري دون النهي
عن بيع ما لم يقبض، نفى عنه البأس في الدروس.

492
أقول: لا شك أن القبض للمبيع هو فعل القابض وهو المشتري، ولا شك أن الأحكام
المترتبة على هذا الفعل لا يترتب على ما كان من فعل البائع من غير مدخل
للمشتري فيه، كما أن الأحكام المترتبة على فعل البائع كالوجوب على البائع،
والراهن في الجملة واشتراط القدرة على التسليم لا يحتاج في ترتبها إلى فعل من
المشتري، فحينئذ نقول أما ما اتفق عليه من كفاية التخلية في تحقق القبض في غير
المنقول، إن أريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة إلى المبيع، وهو جميع ما يتوقف
عليه من طرفه وصوله إلى المشتري، ويعبر عنه مسامحة بالاقباض والتسليم، {1}
وهو الذي يحكمون بوجوبه على البائع والغاصب والراهن في الجملة، ويفسرونه
بالتخلية التي هي فعل البائع. فقد عرفت أنه ليس قبضا حقيقيا حتى في غير المنقول،
وإن فسرت برفع جميع الموانع، وأذن المشتري في التصرف، قال كاشف الرموز في
شرح عبارة النافع: القبض مصدر يستعمل بمعنى التقبيض وهو التخلية، ويكون من
طرف البائع والواهب بمعنى التمكين من التصرف، انتهى.
بل التحقيق أن القبض مطلقا هو استيلاء المشتري عليه وتسلطه عليه الذي
يتحقق به معنى اليد ويتصور فيه الغصب.
نعم يترتب على ذلك المعنى الأول الأحكام المترتبة على الاقباض والتسليم
الواجبين على البائع، فينبغي ملاحظة كل حكم من الأحكام المذكورة في باب
القبض، وأنه مترتب على القبض الذي هو فعل المشتري بعد فعل البائع، وعلى
الاقباض الذي هو فعل البائع

493
مثلا، إذا فرض أن أدلة اعتبار القبض في الهبة دلت على اعتبار حيازة المتهب الهبة، لم
يكتف في ذلك بالتخلية التي هي من فعل المواهب، وهكذا ولعل تفصيل الشهيد في
البيع بين حكم الضمان وغيره، من حيث إن الحكم الأول منوط بالاقباض، وغيره
منوط بفعل المشتري، وكيف كان، فلا بد من مراعاة أدلة أحكام القبض، فنقول أما
رفع الضمان، {1} فإن استند فيه إلى النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال
بائعه، فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري وإن استند إلى قوله (عليه السلام) في رواية عقبة
بن خالد حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، احتمل فيه إناطة الحكم بالتخلية،
فيمكن حمل النبوي على ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية، واحتمل ورود الرواية
مورد الغالب، من ملازمة الاخراج للوصول إلى المشتري، بقرينة ظاهر النبوي.
ولذا قال في جامع المقاصد بعد نقل ما في الدروس: إن الخبر دال على خلافه،
وهو حسن إن أراد به ظاهر النبوي، لا ظاهر رواية عقبة أو غيرها، والانصاف



(1) المستدرك - باب 9 - من أبواب الخيار حديث 1.
494
أن ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة إلى ظاهر رواية عقبة، وربما يخدش فيها
بظهورها في اعتبار الاخراج من البيت مع أنه غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا. وفيه أن الاخراج عن البيت كناية عن الاخراج عن السلطنة، ورفع اليد، {1} ولا ينبغي
خفاء ذلك على المتأمل في الاستعمال العرفي. هذا، ولكن الجمود على حقيقة اللفظ في
الرواية يقتضي اعتبار الوصول إلى يد المشتري، لأن الاقباض والاخراج وإن كانا
من فعل البائع، إلا أن صدقهما عليه يحتاج إلى فعل من غير البائع، لأن الاقباض
والاخراج بدون القبض والخروج محال، إلا أن يستفاد من الرواية تعلق الضمان على
ما كان من فعل البائع والتعبير بالاقباض والاخراج مسامحة مست الحاجة إليها في
التعبير. وما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية، يظهر من بعض فروع التذكرة
حيث قال لو أحضر البائع السلعة. فقال المشتري ضعه تم القبض لأنه كالتوكيل في
الوضع، ولو لم يقل المشتري شيئا. أو قال لا أريد حصل القبض لوجود التسليم، كما
لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك، فإنه يبرئ من الضمان، انتهى.
وظاهره أن المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع، ولو امتنع
المشتري لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة، وفي باب الهبة بضعف هذا القول بعد
نسبته إلى بعض الشافعية



(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار حديث 1.
495
فالظاهر أن مراده بل مراد الشهيد قدس سره رفع الضمان بهذا وإن لم يكن قبضا، بل
عن الشهيد في الحواشي أنه نقل عن العلامة (قدس سره) أن التخلية في المنقول وغيره يرفع
الضمان، لأنه حق على البائع، وقد أدى ما عليه.
أقول وهذا كما أن اتلاف المشتري يرفع ضمان البائع وسيجئ من المحقق
الثاني إن النقل في المكيل والموزون يرفع الضمان وإن لم يكن قبضا.
وقد ظهر مما ذكرنا أن لفظ القبض الظاهر صيغته في فعل المشتري يراد به
الاستيلاء على المبيع، سواء في المنقول وغيره، لأن القبض لغة الأخذ مطلقا، أو باليد
أو بجميع الكف على اختلاف التعبيرات، فإن أريد الأخذ حسا باليد، فهو لا يتأتي في
جميع المبيعات مع أن أحكامه جارية في الكل. فاللازم أن يراد به في كلام أهل اللغة
وفي لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع والرهن {1} والصدقة،
وتشخيص ما في الذمة أخذ كل شئ بحسبه وهو ما ذكرنا من الاستيلاء والسلطنة.
وأما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل والتحويل فيه، بل ادعي في الغنية الاجماع على أنه القبض في المنقول الذي لا يكتفي فيه بالتخلية

496
فهو لا يخلو عن تأمل. وإن شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف، في مثل الحيوان،
لأن مجرد اعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا على الظاهر. ثم المراد
من النقل في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له لا نقل البائع، كما هو الظاهر من
عبارة المبسوط المتقدمة المصرح به في جامع المقاصد.
وأما رواية عقبة بن خالد المتقدمة، فلا دلالة فيها على اعتبار النقل في المنقول
وإن استدل بها عليه في التذكرة، لما عرفت من أن الاخراج من البيت في الرواية
نظير الاخراج من اليد كناية عن رفع اليد والتخلية للمشتري حتى لا يبقى من
مقدمات الوصول إلى المشتري إلا ما هو من فعله.
وأما اعتبار الكيل والوزن أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون، {1} فقد
اعترف غير واحد، بأنه تعبد، لأجل النص الذي ادعي دلالته عليه، مثل صحيحة
معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه،
فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن توليه بالذي قام عليه.
وصحيحة منصور بن حازم إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تقبضه
إلا أن توليه، وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن الرجل يشتري الطعام
أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال إذا لم يربح عليه فلا بأس، وإن ربح فلا يبعه حتى
يقبضه، ورواية أبي بصير عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل أن يكيله قال: لا
يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه، كما اشتراه إلى غير
ذلك مما دل على اعتبار الكيل والوزن لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام العقود حديث 11.
(2) نفس المصدر حديث 1.
(3) نفس المصدر حديث 9.
(4) نفس المصدر حديث 16.
497
وإلا لم يفرق بين التولية وغيرها، فتعين لأمر آخر، وليس إلا من كون ذلك قبضا
للاجماع، كما في المختلف على جواز بيع الطعام بعد قبضه، ومنه يظهر ما في المسالك
حيث إنه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال: والتحقيق هنا أن الخبر الصحيح دل على
النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما، لا على أن القبض لا يتحقق
بدونهما، وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك، لأن الاعتبار بهما
قبض وزيادة، وحينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بالعرف
والخبر الأخر، وبتوقف البيع ثانيا على الكيل والوزن أمكن إن لم يكن احداث قول،
انتهى. والظاهر أن مراده بالخبر، خبر عقبة بن خالد وقد عرفت عدم ظهوره في
اعتبار النقل.
ثم إن ظاهر غير واحد كفاية الكيل والوزن في القبض {1} من دون توقف
على النقل. والظاهر أنه لا بد مع الكيل والوزن من رفع يد البائع كما صرح به في
جامع المقاصد. ولذا نبه في موضع من التذكرة: بأن الكيل شرط في القبض، وكيف
كان فالأولى في المسألة

498
ما عرفت من أن القبض له معنى واحد يختلف باختلاف الموارد، وأن كون القبض هو
الكيل أو الوزن خصوصا في باب الصدقة وتشخيص ما في الذمة مشكل جدا، لأن
التعبد الشرعي على تقدير تسليمه مختص بالبيع، إلا أن يكون اجماع على اتحاد معنى
القبض في البيع وغيره، كما صرح به العلامة والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم في
باب الرهن والهبة، وحكي فيها الاتفاق على الاتحاد عن ظاهر المسالك واستظهره
الحاكي أيضا. وعن ظاهر المبسوط في باب الهبة أن القبض هي التخلية فيما لا ينتقل
والنقل والتحويل في غيره، لكن صرح في باب الرهن بأن كلما كان قبضا في البيوع
كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات لا يختلف ذلك.
وعن القاضي أنه لا يكفي في الرهن التخلية ولو قلنا بكفايته في البيع، لأن البيع
يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه وهنا لا استحقاق بل القبض سبب في
الاستحقاق، بل ومقتضى هذا الوجه لحوق الهبة والصدقة بالرهن، وهذا الوجه
حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية. فقال قدس سره القبض هنا كالقبض في البيع ففيما
لا ينقل ولا يحول التخلية وفيما ينقل ويحول النقل والتحويل وفيما يكال أو يوزن
الكيل والوزن،

499
ثم حكى عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع مستندا
إلى أن القبض في البيع مستحق وفي الهبة غير مستحق، فاعتبر تحققه ولم يكتف
بالوضع بين يديه. ولذا لو أتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا بخلاف المشتري، ثم
ضعفه بأنه ليس بشئ لاتحاد القبض في الموضعين واعتبار العرف فيهما، انتهى.
وظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه إلا أن
يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان، وإن لم يكن قبضا كما أشرنا إليه سابقا.
فرعان الأول: قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة البائع
ومكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان إلى مكان كان قبضا، وقال أيضا إذا
كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كفى في المنقول النقل من حيز إلى حيز وإن كان
في موضع يختص به، فالنقل من زاوية إلى أخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز
التصرف، ويكفي لدخوله في ضمانه وإن نقل بإذنه حصل القبض، وكأنه استعار البقعة
المنقول إليها.
الثاني: قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو إما أن يكون
قد كيل قبل البيع أو وزن أو لا بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه، أو باعه قدرا معينا من
صبرة مشتملة عليه، فإن كان الآخر فلا بد في تحقيق قبضه من كيله أو وزنه، للنص
المتقدم، وإن كان الأول ففي افتقاره إلى الاعتبار ثانيا لأجل القبض أو الاكتفاء
بالاعتبار الأول وجهان

500
من اطلاق توقف الحكم على الكيل والوزن. وقد حصلا وقوله (عليه السلام) في النص
حتى تكيله أو تزنه لا يدل على اعتبار أزيد من اعتبار الكيل والوزن الشامل لما
وقع قبل البيع. ومن أن الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع
الثاني، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد وبه صرح العلامة والشهيد وجماعة وهو
الأقوى ويدل عليه قوله (عليه السلام) إلا أن يوليه فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع فلا بد منه في التولية وغيرها فدل على أن ذلك لأجل القبض لا لصحة البيع، انتهى المهم من
كلامه (رحمه الله).
أقول يبعد التزام القائلين بهذا القول ببقاء المكيل والموزون بعد الكيل والوزن
والعقد عليه والأخذ والتصرف في بعضه في ضمان البائع حتى يكيله ثانيا أو يزنه وإن لم يرد بيعه ثانيا، وكذا لو كاله وقبضه ثم عقد عليه وقد تفطن لذلك المحقق
الأردبيلي (رحمه الله) فيما حكى من حاصل كلامه حيث نزل ما دل على اعتبار الكيل
والوزن في البيع الثاني على ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه، بل وقع البيع الأول من دون
كيل، كما إذا اشترى أصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشترى باخبار البائع. أما إذا
كاله بحضور المشتري، ثم باعه إياه فأخذه وحمله إلى بيته وتصرف فيه بالطحن
والعجن والخبز، فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان مجوز للبيع، ولا يلزم تكلف
البائع بكيله مرة أخرى للاقباض، إلى أن قال: ما حاصله أن كون وجوب الكيل
مرة أخرى للقبض مع تحققه أولا عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلامة
والشهيد وجماعة (قدس الله أسرارهم) وقواه ليس بقوي، انتهى.
وقال في جامع المقاصد عند شرح قول المصنف إن التسليم بالكيل والوزن فيما
يكال أو يوزن على رأي المراد به الكيل الذي يتحقق به اعتبار البيع، ولا بد من رفع
البائع يده عنه، فلو وقع الكيل ولم يرفع البائع يده، فلا تسليم ولا قبض، ولو أخبره
البائع بالكيل أو الوزن فصدقه، وأخذ على ذلك حصل القبض، كما نص عليه في
التذكرة، ثم قال: ولو أخذ المبيع جزافا أو ما اشتراه كيلا وزنا أو بالعكس، فإن تيقن
حصول الحق فيه صح، وإلا فلا، ذكره في التذكرة، والذي ينبغي أن يقال: إن هذا
الأخذ باعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع إلى المشتري، وانتفاء سلطنة
البائع، لو أراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط على بيعه، لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل
كيله أو وزنه على التحريم أو الكراهة

501
ولو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو وزنه، ثم اشتراه وأخذه بذلك الكيل فهو،
كما لو أخبره بالكيل أو الوزن بل هو أولى، انتهى.
ثم الظاهر أن مراد المسالك مما نسبه إلى العلامة والشهيد وجماعة من وجوب
تجديد الاعتبار لأجل القبض، ما ذكره في القواعد تفريعا على هذا القول، أنه لو
اشترى مكايلة وباع مكايلة فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض، قال في جامع
المقاصد في شرحه أنه لو اشترى ما لا يباع إلا مكايلة وباع كذلك لا بد لكل بيع من
هذين من كيل جديد، لأن كل بيع لا بد له من قبض. قال بعد ذلك: ولو أنه حضر
الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفى به، أو أخبره البائع فصدقه لكفى نقله وقام ذلك
مقام كيله. وفي الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم
البيع أو كراهته قبل القبض، قال: نعم لو خلي بينه وبين الكيل [المكيل] فامتنع حتى
يكتاله لم ينتقل إليه الضمان، ولا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض، انتهى.
وهذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة والشهيد والمحقق الثاني
لاختيارهم وجوب تجديد الكيل والوزن لأجل القبض، وإن كيل أو وزن قبل ذلك،
لكن الانصاف أنه ليس في كلامهم ولا غيرهم ما يدل على أن الشئ الشخصي
المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرة أخرى، لتحقق القبض،
كما يظهر من المسالك، فلا يبعد أن يكون كلام الشيخ قدس سره ومن تبعه في هذا القول
وكلام العلامة. ومن ذكر فروع هذا القول مختصا بما إذا عقد على كيل معلوم من كلي
أو من صبرة معينة، أو على جزئي محسوس، على أنه كذا وكذا، فيكون مراد الشيخ
والجماعة من قولهم اشترى مكايلة، أنه اشترى بعنوان الكيل والوزن، في مقابل ما
إذا اشترى ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد، لكونه لغوا.
والظاهر أن هذا هو الذي يمكن أن يعتبر في القبض في غير البيع أيضا من الرهن
والهبة، فلو رهن إناء معينا من صفر مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصا
على القول بجواز هبة المجهول. فالظاهر أنه لا يقول أحد بأنه يعتبر في قبضه وزنه، مع
عدم تعلق غرض في الهبة بوزنه أصلا.
نعم لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن، أمكن القول باشتراط

502
اعتباره في قبضه، وأن قبضه جزافا كلا قبض، فظهر أن قوله في القواعد
اشترى مكايلة وهو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول، كما عرفت عند نقل
الأقوال يراد به ما ذكرنا لا ما عرفت من جامع المقاصد.
ويؤيده تكرار المكايلة في قوله وباع مكايلة، ويشهد له أيضا قوله في موضع
آخر لو أخذ ما اشترى كيلا وزنا وبالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه، الخ.
وأظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط، فإنه بعد ما صرح باتحاد معنى
القبض في البيع والرهن وغيرهما، ذكر أنه لو رهن صبرة على أنه كيل كذا، فقبضه أن
يكيله ولو رهنها جزافا فقبضه أن ينقله من مكانه مع أنه اختار عدم جواز بيع
الصبرة جزافا، فافهم. وأما قوله في الدروس فلا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار
القبض، فلا يبعد أن يكون تتمة لما قبله من قوله نعم لو خلي بينه وبينه فامتنع حتى
يكتاله، ومورده بيع كيل معين كلي، فلا يدل على وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل
العقد، ثم إن ما ذكره في المسالك في صحيحة ابن وهب أولا من أن قوله لا يبيعه حتى
يكيله يصدق مع الكيل السابق، ثم استظهاره ثانيا بقرينة استثناء بيع التولية أن
المراد غير الكيل المشترط في صحة العقد لم يعلم له وجه، إذ المراد من الكيل والوزن
في تلك الصحيحة وغيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول والثاني. وهذا غير
قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول، فلا وجه لما ذكره أولا أصلا، ولا وجه
لإرادة المصحح للبيع الثاني حتى يكون استثناء التولية قرينة على عدم إرادته
لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما على الاعتبار، لأن السؤال عن بيع
الشئ قبل قبضه، ثم الجواب بالفرق بين المكيل والموزون لا يمكن ارجاعها إلى
السؤال والجواب عن شرائط البيع الثاني بل الكلام سؤالا وجوابا نص في إرادة
قابلية المبيع قبل القبض للبيع وعدمها فالأولى أن استثناء التولية ناظر إلى الفرق بين
البيع مكايلة، بأن يبيعه ما اشتراه على أنه كيل معين، فيشترط قبضه بالكيل والوزن،
ثم اقباضه، وبين أن يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله ووزنه، فلا
يعتبر توسط قبض بينهما، بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأول.

503
وبالجملة فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشئ أولا قبل البيع، ثم
العقد عليه والتصرف فيه بالنقل والتحويل، وأن بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج
إلى كيل جديد لقبض البيع الأول، لا لاشتراط معلومية المبيع في البيع الثاني أم لا؟ بل
ليس في كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة.
القول في وجوب القبض
مسألة: يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع {1}
لاقتضاء العقد، لذلك {2}

504
فإن قال كل منهما: لا أدفع حتى أقبض، فالأقوى اجبارهما معا، {1} وفاقا للمحكي
عن السرائر والشرائع وكتب العلامة والايضاح والدروس وجامع المقاصد
والمسالك

505
وغيرها، وعن ظاهر التنقيح الاجماع عليه، لما في التذكرة من أن كلا منهما قد وجب
له حق على صاحبه، {1} وعن الخلاف أنه يجبر البائع أولا على تسليم المبيع، ثم يجبر
المشتري على تسليم الثمن، سواء كان الثمن عينا أو في الذمة، لأن الثمن أنما يستحق
على المبيع، فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن، ولعل وجهه دعوى انصراف
اطلاق العقد إلى ذلك. {2} ولذا استقر العرف إلى تسمية الثمن عوضا وقيمة ولذا
يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع، كما يقبحون مطالبة الأجرة قبل العمل، أو دفع
العين المستأجرة، والأقوى ما عليه الأكثر، ثم إن ظاهر جماعة أن محل الخلاف في
هذه المسألة بين الخاصة والعامة، ما لو كان كل منهما باذلا وتشاحا في البدئة
والتسليم لا ما إذا امتنع أحدهما عن البذل.
قال في المبسوط بعد اختياره، أولا اجبارهما معا على التقابض، ثم الحكم بأن
تقديم البائع في الاجبار أولى، قال هذا إذا كان كل منهما باذلا،

506
وأما إذا كان أحدهما غير باذل أصلا، وقال لا أسلم ما على {1} أجبره الحاكم
على البذل، فإذا حصل البذل حصل الخلاف في أن أيهما يدفع هذا إذا كان موسر
قادرا على احضار الثمن، فإن كان معسرا كان للبائع الفسخ والرجوع إلى عين ماله
كالمفلس، انتهى.
وقال في التذكرة توهم قوم أن الخلاف في البدئة بالتسليم خلاف في أن البائع
هل له حق الحبس أم لا، إن قلنا بوجوب البدئة للبائع، فليس له حبس المبيع إلى
استيفاء الثمن، وإلا فله ذلك، ونازع أكثر الشافعية فيه وقالوا هذا الخلاف مختص بما
إذا كان نزاعهما في مجرد البدئة، وكان كل منهما يبذل ما عليه، ولا يخاف فوت ما عند
صاحبه، فأما إذا لم يبذل البائع المبيع، وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن، فله
ذلك بلا خلاف، وكذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع، انتهى.
وقد صرح بعض آخر أيضا بعدم الخلاف في جواز الحبس، لامتناع الآخر
من التسليم، ولعل الوجه فيه إن عقد البيع مبني على التقابض، وكون المعاملة يدا بيد،
فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه، والتزم على صاحبه أن لا
يسلمه مع الامتناع، فقد ثبت باطلاق العقد، لكل منهما حق الامتناع مع امتناع
صاحبه، فلا يرد أن وجوب التسليم على كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر،
فلا يسقط التكليف بأداء مال الغير عن أحدهما بمعصية الآخر، وأن ظلم أحدهما لا
يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين،

508
فلو كان أحدهما مؤجلا لم يجز حبس الآخر. {1} قال في التذكرة: ولو لم يتفق
تسليمه حتى حل الأجل لم يكن له الحبس أيضا ولعل وجهه أن غير المؤجل قد
التزم بتسليمه من دون تعليق على تسليم المؤجل أصلا وهذا مما يؤيد أن حق
الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس على الآخر، فيكون الحبس بإزاء الحبس،

509
ثم إن مقتضى ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر وعدم
استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه أنه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم
يصح القبض، {1} فصحة القبض بأحد أمرين: أما اقباض ما في يده لصاحبه فله
حينئذ قبض ما في يد صاحبه ولو بغير إذنه، وأما إذن صاحبه سواء أقبض ما في يده
أم لا؟ كما صرح بذلك في المبسوط والتذكرة، وصرح فيهما بأن له مطالبة القابض برد
ما قبض بغير إذنه، لأن له حق الحبس والتوثق إلى أن يستوفي العوض، وفي موضع
من التذكرة أنه لا ينفد تصرفه فيه، {2} ومراده التصرف المتوقف على القبض،
كالبيع أو مطلق الاستبدال، ثم إذا ابتدأ أحدهما بالتسليم إما لوجوبه عليه كالبائع
على قول الشيخ، أو لتبرعه بذلك أجبر الآخر على التسليم، ولا يحجر عليه في ما
عنده من العوض، ولا في مال آخر لعدم الدليل.
مسألة: يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا ومن غيرها في
الجملة، {3} وهذا

510
وهذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة إلى التسليم، {1} وإن أوهمه بعض العبارات ففي
غير واحد من الكتب أنه يجب تسليم المبيع مفرغا، والمراد ارجاع الحكم إلى القيد
وإلا فالتسليم يحصل بدونه، وقد تقدم عن التذكرة، وكيف كان فيدل على وجوب
التفريغ ما دل على وجوب التسليم، فإن اطلاق العقد، كما يقتضي أصل التسليم
كذلك يقتضي التسليم مفرغا، {2} فإن التسليم بدونه كالعدم بالنسبة إلى غرض
المتعاقدين، {3} وإن ترتب عليه أحكام تعبدية كالدخول في ضمان المشتري ونحوه،
فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا، فإن تعذر ففي أول أزمنة الامكان

511
ولو تراخى زمان الامكان، وكان المشتري جاهلا كان له الخيار، لو تضرر بفوات
بعض منافع الدار عليه. {1} وفي ثبوت الأجرة لو كان لبقائه أجرة إلى زمان الفراغ
وجه، ولو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالأجرة، {2} كما جزموا بها مع
امتناعه من أصل التسليم.



(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار وعليها الاجماع.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.
(3) الوسائل - باب 3 - من أبواب القصاص في النفس حديث 3.
(4) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار وقد مر في خيار الغبن عمدة مصادر الحديث.
512
ولو كان في الأرض زرع قد أحصد وجب إزالته لما ذكرنا، وإن لم يحصد {1}
وجب الصبر إلى بلوغ أو أنه للزوم تضرر البائع بالقلع. {2} وأما ضرر المشتري
فينجبر بالخيار مع الجهل، {3} كما لو وجدها مستأجرة، ومن ذلك يعلم عدم الأجرة
لأنه اشترى أرضا تبين أنها مشغولة

513
فلا يثبت أكثر من الخيار، {1} ويحتمل ثبوت الأجرة، لأنه اشترى أرضا لا يستحق
عليها الاشتغال بالزرع، والمالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين ابقائه
بالأجرة {2} وبين قلعه، لتقديم ضرر القلع على ضرر فوات منفعة الأرض بالأجرة،
ويحتمل تخيير المشتري بين ابقائه بالأجرة وقلعه بالأرش، ويحتمل ملاحظة الأكثر ضررا

514
ولو احتاج تفريغ الأرض إلى هدم شئ {1} هدمه بإذن المشتري، {2} وعليه طم ما
يطم برضى المالك واصلاح ما استهدم أو الأرش {3} على اختلاف الموارد، فإن مثل
قلع الباب أو قلع ساجة منه اصلاحه إعادته بخلاف هدم حائط، فإن الظاهر لحوقه
بالقيمي في وجوب الأرش له والمراد بالأرش قيمة الهدم لا أرش العيب. {4}
وبالجملة فمقتضى العرف الحاق بعض ما استهدم بالمثلي وبعضه بالقيمي، ولو
الحق مطلقا بالقيمي كان له وجه، ويظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار
المشترك بغير إذن صاحبه أقول ثلاثة

515
الإعادة مطلقا، كما في الشرائع. وعن المبسوط والأرش كذلك، كما عن العلامة
والمحقق والشهيد الثانيين، والتفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين والمزارع وإلا
فالأرش كما عن الدروس، والظاهر جريان ذلك في كسر الباب والشبابيك وفتق،
الثوب من هذا القبيل.
مسألة لو امتنع البائع من التسليم، {1} فإن كان لحق، كما لو امتنع المشتري عن
تسليم الثمن فلا إثم، وهل عليه أجرة مدة الامتناع احتمله في جامع المقاصد، إلا أن
منافع الأموال الفائتة بحق لا دليل على ضمانها، {2}

516
وعلى المشتري نفقة المبيع، {1} وفي جامع المقاصد ما أشبه هذه بمثل منع
الزوجة نفسها حتى يقبض المهر، فإن في استحقاقها النفقة ترددا {2} قال ويحتمل
الفرق بين الموسر والمعسر، انتهى.
ويمكن الفرق بين النفقة في المقامين ولو طلب من البائع الانتفاع به في يده. {3}
ففي وجوب إجابته وجهان، ولو كان امتناعه لا لحق وجب عليه الأجرة، لأنه عاد
ومقتضى القاعدة أن نفقته على المشتري.



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الإجارة.
517
الكلام في أحكام القبض، وهي التي تلحقه بعد تحققه مسألة من أحكام القبض
انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض، فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه اجماعا
مستفيضا، بل محققا، {1} ويسمى ضمان المعاوضة {2} ويدل عليه قبل الاجماع
النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، وظاهره بناء على جعل
من للتبعيض أنه بعد التلف يصير مالا للبائع، لكن اطلاق المال على التالف إنما هو
باعتبار كونه مالا عند التلف، وبهذا الاعتبار يصح أن يقع هو المصالح عنه إذا أتلفه
الغير لا قيمته،



(1) المستدرك - باب 9 - من أبواب الخيار حديث 1.
(2) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار حديث 1.
518
كما صرح به في باب الصلح من الشرائع والتحرير، وحينئذ فلا بد من أن يكون المراد
بالنبوي: إن المبيع يكون تالفا من مال البائع. ومرجع هذا إلى انفساخ العقد قبل
التلف آنا ما، ليكون التالف مالا للبائع. {1}
والحاصل إن ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف، لكن لما لم
يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف على مال البائع ومرجعه إلى ما ذكره في التذكرة
وتبعه من تأخر عنه من أنه يتجدد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ
من الزمان، وربما يقال تبعا للمسالك أن ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال
البائع يوهم خلاف هذا المعنى
ولعله لدعوى أن ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله، بمعنى كون دركه
عليه فيوهم ضمانه بالمثل والقيمة

519
ومما ذكرنا من أن معنى الضمان هنا يرجع إلى انفساخ العقد بالتلف وتلف المبيع في
ملك البائع، ويسمى ضمان المعاوضة لا ضمانه عليه مع تلفه من المشتري، كما في
المغصوب والمستام وغيرهما، ويسمى ضمان اليد يعلم أن الضمان فيما نحن فيه حكم
شرعي لا حق مالي، فلا يقبل الاسقاط. {1} لذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم
يسقط، كما نص عليه في التذكرة والدروس، وليس الوجه في ذلك أنه اسقاط ما لم
يجب، كما قد يتخيل ويدل على الحكم المذكور أيضا، رواية عقبة ابن خالد عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم
يقبضه، قال آتيك غدا انشاء الله فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من مال
صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من
بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله. ولعل الرواية أظهر دلالة على الانفساخ
قبل التلف من النبوي. وكيف كان

520
فلا خلاف في المسألة أعني بطلان البيع عند التلف لا من أصله، {1} لأن تقدير مالية
البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد، {2} وإنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص
من الحكم بكون التالف من مال البائع، فيرتكب بقدر الضرورة ويترتب على ذلك
كون النماء قبل التلف للمشتري. وفي معناه الركاز الذي يجده العبد المبيع التالف قبل
القبض، وبعد وجدانه للركاز وما وهب منه فقبله وقبضه أو أوصى له به فقبله ثم
مات العبد أي العبد الموصى له به قبل قبض المشتري إياه



(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
(2) المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان صحيح الترمذي ج 5 ص 285.
521
كما صرح به في المبسوط والتذكرة وصرح العلامة بأن مؤنة تجهيزه لو كان مملوكا
على البائع، وهو مبني على ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف {1}

522
لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار على الحكم الثابت المحوج إلى ذلك
التقدير دون ما عداه من باقي آثار المقدر إلا أن يقال: بأن التلف من البائع يدل
التزاما على الفسخ الحقيقي، {1} ثم إنه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة مثل
سرقته على وجه لا يرجى عوده {2}



(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار.
523
وعليه يحمل رواية عقبة المتقدمة، قال في التذكرة ووقوع الدرة في البحر قبل القبض
كالتلف، وكذا انفلات الطير والصيد المتوحش ولو غرق البحر الأرض المبيعة، أو
وقع عليها صخور عظيمة من جبل، أو كساها رمل، فهي بمثابة التلف، أو يثبت به
الخيار للشافعية وجهان: أقواهما الثاني، ولو أبق العبد قبل القبض أوضاع في انتهاب
العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية ورجاء العود، انتهى.
وفي التذكرة أيضا لو هرب المشتري قبل وزن الثمن، وهو معسر مع عدم
الاقباض احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن والصبر ثلاثة
أيام للرواية، والأول أقوى لورودها في الباذل، وإن كان موسرا أثبت البائع ذلك
عند الحاكم، ثم إن وجد له مالا قضاه وإلا باع المبيع وقضى منه، والفاضل للمشتري
والمعوز عليه، انتهى.
وفي غير موضع مما ذكره تأمل، ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب: إنه لا يعتبر
في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه، {1} فلو وقع بغير إذن
ذي اليد كفى في رفع الضمان، كما صرح به في التذكرة، والدروس، وغيرهما، ولو لم
يتحقق الكيل والوزن {2}

524
بناء على اعتبارهما في قبض المكيل، ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري
قولان: قال في التذكرة في باب بيع الثمار: إنه لو اشترى طعاما مكايلة، فقبض جزافا
فهلك في يده، فهو من ضمان المشتري لحصول القبض، وإن جعلنا الكيل شرطا فيه
فالأقرب أنه من ضمان البائع، انتهى.
وقد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء على اشتراط الكيل في
القبض، ولا يخلو عن قوة، وهل يكتفي بالتخلية على القول بعدم كونها قبضا في
سقوط الضمان قولان: لا يخلو السقوط من قوة وإن لم نجعله قبضا. {1}
وكذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه ولم ينقله بناء على اعتبار النقل في
القبض، هذا كله حكم التلف السماوي وأما الاتلاف، {2} فإما أن يكون من
المشتري، وأما أن يكون من البائع، وأما أن يكون من الأجنبي،

525
فإن كان من المشتري، {1} فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط
الضمان، لأنه قد ضمن ماله باتلافه وحجته الاجماع لو تم وإلا فانصراف النص إلى
غير هذا التلف، فيبقى تحت القاعدة، قال في التذكرة هذا إذا كان المشتري عالما، وإن
كان جاهلا، بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله، هل يجعل قابضا
الأقرب أنه لا يصير قابضا، ويكون بمنزلة اتلاف البائع، ثم مثل له بما إذا قدم
المغصوب إلى المالك فأكله، أقول هذا مع غرور البائع لا بأس به، أما مع عدم الغرور
ففي كونه كالتلف السماوي وجهان ولو صال العبد على المشتري فقتله دفعا ففي
التذكرة أن الأصح أنه لا يستقر عليه الثمن.
وحكى عن بعض الشافعية: الاستقرار لأنه قتله في غرض نفسه، ولو أتلفه
البائع {2} ففي انفساخ البيع كما عن المبسوط والشرائع والتحرير لعموم التلف في
النص {3} لما كان باتلاف حيوان أو انسان أو كان بآفة

526
أو ضمان البائع للقيمة لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة
اتلاف مال الغير، {1} أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن. أما لتحقق سبب
الانفساخ وسبب الضمان فيتخير المالك في العمل بأحدهما. {2} وأما لأن التلف على
هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع،
فيثبت الخيار للمشتري لجريان دليل تعذر التسليم هنا، وهذا هو الأقوى {3}
واختاره في التذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك وغيرها، وعن حواشي
الشهيد نسبة إلى أصحابنا العراقيين

527
فإن اختار المشتري القيمة، فهل للبائع حبس القيمة على الثمن وجهان: {1} من أنها
بدل عن العين ومن أن دليل الحبس وهو الانفهام من العقد يختص بالمبدل أقواهما
العدم، ولو قبض المشتري بغير إذن البائع حيث يكون له الاسترداد فأتلفه البائع في
يد المشتري، ففي كونه كاتلافه قبل القبض فيكون في حكم الاسترداد، كما أن اتلاف
المشتري في يد البائع بمنزلة القبض، أو كونه اتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة
لدخول المبيع في ضمان المشتري بالقبض، وإن كان ظالما فيه وجهان، {2} اختار
أولهما في التذكرة

528
ولو أتلفه أجنبي جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة إلا أن المتعين منها هو التخيير، لما
تقدم، {1} ولولا شبهة الاجماع على عدم تعين القيمة تعين الرجوع إليها بعد فرض
انصراف دليل الانفساخ إلى غير ذلك. {2}
مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين في جميع ما ذكر، {3} كما
صرح في التذكرة

529
وهو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر أن بالقبض ينتقل الضمان إلى القابض، بل
الظاهر أنه مما لا خلاف فيه، قال في المبسوط لو اشترى عبدا بثوب وقبض العبد، ولم
يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه، وإذا باعه وسلمه ثم تلف الثوب انفسخ البيع
ولزمه قيمة العبد لبائعه، لأنه لا يقدر على رده، انتهى.
وفي باب الصرف من السرائر نظير ذلك، وقد ذكر هذه المسألة أيضا في
الشرائع وكتب العلامة والدروس وجامع المقاصد والمسالك وغيرها، أعني مسألة
من باع شيئا معينا بشئ معين ثم بيع أحدهما ثم تلف الآخر وحكموا بانفساخ البيع
الأول، وقد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة أيضا. وبالجملة فالظاهر عدم
الخلاف في المسألة.
ويمكن أن يستظهر من رواية عقبة المتقدمة حيث ذكر في آخرها أن المبتاع
ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله، {1} بناء على عود ضمير الحق إلى البائع بل ظاهر
بعضهم شمول النبوي له بناء على صدق المبيع على الثمن، {2} قال في التذكرة لو أكلت
الشاة ثمنها المعين قبل القبض فإن كانت في يد المشتري فكاتلافه

530
وإن كانت في يد البائع فكإتلافه، وإن كانت في يد أجنبي فكإتلافه، وإن لم تكن في
يد أحد انفسخ البيع، لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي فكان
كالسماوية، انتهى.
ثم إنه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به {1} في هذا الحكم لم
أجد أحدا صرح بذلك نفيا أو اثباتا. نعم ذكروا في الإجارة {2} والصداق وعوض
الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض، لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم،
إلا أنه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه
يظهر كونه من المسلمات. قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض
والمال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة، أو بالتفريط ويسمى ضمان
اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه إلى أن قال: أما ما هو مضمون في يد الغير
بعوض في عقد معاوضة، فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كما في الصلح والإجارة
المعينة لما تقدم، وقال الشافعي لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع، انتهى.
وظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة والعامة.

531
مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، {1} فإن كان مما يقسط الثمن عليه
انفسخ فيه فيما يقابله من الثمن، لأن التالف مبيع قبل قبضه، {2} فإن البيع يتعلق بكل
جزء إذ البيع عرفا ليس إلا التمليك بعوض، وكل جزء كذلك. نعم اسناد البيع إلى
جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله بعقد مستقل. ولذا لم يطلق على بيع الكل
البيوع المتعددة، وكيف كان فلا اشكال ولا خلاف في المسألة، وإن كان الجزء مما
لا يتقسط عليه الثمن كيد العبد، فالأقوى أنه كالوصف الموجب للتعيب.
فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد، فالمشتري مخير بين الرد والأرش، {3}
وإلا كان له الرد فقط، بل عن الإيضاح أن الأرش هنا أظهر، لأن المبيع هو مجموع
بدن العبد، وقد نقص بعضه بخلاف نقصان الصفة وفيه تأمل.
بل ظاهر الشرائع عدم الأرش هنا مع قوله به في العيب، فتأمل.
وكيف كان، فالمهم نقل الكلام إلى حكم العيب الحادث قبل القبض، والظاهر

532
المصرح به في كلام غير واحد أنه لا خلاف في أن للمشتري الرد. وأما الخلاف
في الأرش، ففي الخلاف عدمه، مدعيا عدم الخلاف فيه وهو المحكي عن الحلي وظاهر
المحقق وتلميذه كاشف الرموز، لأصالة لزوم العقد وإنما ثبت الرد لدفع تضرر
المشتري به وعن النهاية ثبوته، واختاره العلامة والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم،
وعن المختلف نقله عن القاضي والحلبي وعن المسالك أنه المشهور واستدلوا عليه بأن
الكل مضمون قبل القبض، فكذا أبعاضه وصفاته، وأورد عليه بأن معنى ضمان الكل
انفساخ العقد ورجوع الثمن إلى المشتري والمبيع إلى البائع وهذا المعنى غير متحقق
في الوصف، لأن انعدامه بعد العقد في ملك البائع لا يوجب رجوع ما قابله من عين
الثمن، بل يقابل بالأعم منه ومما يساويه من عين الثمن، بل يقابل بالأعم منه ومما
يساويه من غير الثمن لأن الأرش لا يتعين كونه من عين الثمن، ويدفع بأن وصف
الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن، ولذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده،
بل لا يضمن بمال أصلا، لجواز امضاء العقد على المعيب بلا شئ وحينئذ فتلفه على
المشتري لا يوجب رجوع شئ إلى المشتري، فضلا عن جزء من عين الثمن بخلاف
الكل والأجزاء المستقلة في التقويم

533
فحاصل معنى الضمان إذا انتفى وصف قبل العقد أو انعدم بعد العقد وقبل
القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين، وإن
العقد من هذه الجهة كأن لم يكن، ولازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع
وانفساخه بالنسبة إلى بعض أجزائه إذا تلف البعض، وانفساخ العقد بالنسبة إلى
الوصف بمعنى فواته في ملكه، وتقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى حدوث هذا
العيب، فكان العيب حدث قبل العقد، والعقد قد وقع على عين معيبة، فيجري فيه
جميع أحكام العيب من الخيار وجواز اسقاط الخيار ردا وأرشا، ويؤيد ما ذكرنا من
اتحاد معنى الضمان بالنسبة إلى ذات المبيع ووصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان
في أيام الخيار وتعيبه في صحيح ابن سنان عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت
أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ قال على البائع حتى يمضي الشرط،
فقوله (عليه السلام) على البائع حكم بالضمان لموت العبد وحدوث حدث فيه بفوات جزء أو
وصف ومعناه تقدير وقوعه في ملك البائع
نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل على ضمان الوصف لأن الضمان بهذا
المعنى حكم مخالف للأصل يقتصر فيه على محل النص والاجماع وهو تلف الكل أو
البعض ولولا الاجماع على جواز الرد لا شكل الحكم به أيضا إلا أنه لما استند في
الرد إلى نفي الضرر قالوا إن الضرر المتوجه إلى المبيع قبل القبض يجب تداركه على
البائع، وحينئذ

534
فقد يستوجه ما ذكره العلامة من أن الحاجة قد تمس إلى المعاوضة، فيكون في الرد
ضرر، وكذلك في الامساك بغير أرش، فيوجب التخيير بين الرد والأرش، لنفي
الضرر {1} لكن فيه أن تدارك ضرر الصبر على المعيب يتحقق بمجرد الخيار في
الفسخ والامضاء، كما في سائر موارد الضرر الداعي إلى الحكم بالخيار، هذا، ومع
ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة، هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية،



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار.
535
وأما لو تعيب بفعل أحد، {1} فإن كان هو المشتري فلا ضمان {2} بأرشه، وإلا
كان له على الجاني أرش جنايته {3} لعدم الدليل على الخيار في العيب المتأخر، إلا أن
يكون بآفة سماوية، ويحتمل تخيير المشتري بين الفسخ والامضاء، مع تضمين الجاني
لأرش جنايته {4} بناء على جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار، ومع
الفسخ يرجع البائع على الأجنبي بالأرش.
مسألة الأقوى من حيث الجمع بين الروايات حرمة بين المكيل والموزون قبل
قبضه إلا تولية {5}

536
لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا
تبعه حتى تقبضه، إلا تولية، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه. وصحيح الحلبي في
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل يبتاع الطعام، ثم يبيعه قبل أن يكتال، قال:
لا يصلح له ذلك. وصحيحه الآخر في الفقيه، قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن قوم
اشتروا بزا، فاشتركوا فيه جميعا، ولم يقتسموا، أيصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن
يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال لا بأس به، وقال: إن هذا ليس بمنزلة الطعام، لأن الطعام
يكال بناء على أن المراد قبل أن يقبضه من البائع، أما إذا أريد من ذلك عدم قبض
حصته من يد الشركاء فلا يدل على ما نحن فيه، لتحقق القبض بحصوله في يد أحد
الشركاء المأذون عن الباقي، ورواية معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام):
عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله
أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه وصحيحة منصور في الفقيه قال سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري مبيعا ليس فيه كيل ولا وزن، أله أن يبيعه مرابحة قبل
أن يقبضه ويأخذ ربحه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن، فإن هو أقبضه
كان أبرأ لنفسه



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام العقود حديث 5.
(2) نفس المصدر حديث 14.
(3) نفس المصدر حديث 9.
(4) نفس المصدر حديث 10.
537
وصحيح الحلبي في الرجل يبتاع الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا
ربح لم يصلح حتى يقبضه وإن كان تولية فلا بأس، وخبر خرام المروي عن مجالس
الطوسي، قال ابتعت طعاما من طعام الصدقة، فأربحت فيه قبل أن أقبضه، فأردت
بيعه فسألت النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: لاتبعه حتى تقبضه، ومفهوم رواية خالد بن حجاج
الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أشتري الطعام إلى أجل مسمى، فيطلبه التجار
مني بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه، قال: لا بأس أن تبيع إلى أجل، كما اشتريت الخبر،
والمراد تأجيل الثمن، وقوله كما اشتريت إشارة إلى كون البيع تولية، فيدل على ثبوت
البأس في غير التولية، ومصححة علي بن جعفر عن أخيه عن الرجل يشتري الطعام
أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى يقبض، وإن كان تولية فلا بأس.
وفي معناها رواية أخرى، خلافا للمحكي عن الشيخين في المقنعة والنهاية
والقاضي، والمشهور بين المتأخرين، فالكراهة لروايات صارفة لظواهر الروايات
المتقدمة إلى الكراهة، مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدمة، قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): أشتري الطعام من الرجل، ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن اكتاله،
فأقول له ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته قال: لا بأس ورواية جميل بن
دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الطعام، ثم يبيعه قبل أن يقبضه قال: لا
بأس ويوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس بذلك



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام العقود حديث 18.
(2) الفقيه ج 3 ص 131.
(3) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام العقود حديث 6.
538
وهذه الروايات مطلقة يمكن حملها على التولية، {1} وهو أولى من حمل تلك
الأخبار على الكراهة، مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها، مع أن
الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول {2} وإن كانت
أخف. ومن ذلك يعلم ما في الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل أن يكيله قال: لا يعجبني أن يبيع
كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه، كما اشتراه فلا بأس أن يوليه، كما
اشتراه إذا لم يربح به أو يضع وما كان عنده من شئ ليس بكيل ولا وزن فلا بأس
أن يبيعه قبل أن يقبضه بناء على أن قوله لا يعجبني ظاهر في الكراهة، فإن ذلك
يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية، لأنه في قوة أن ذلك في التولية ليس مما لا
يعجبني مع أن القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية وغيرها في أصل الكراهة، وإن
صرح بعضهم بكونها في التولية أخف.
وربما يستدل على الجواز بصحيحتي الحلبي وابن مسلم، في جواز بيع الثمرة
المشتراة قبل قبضها، لكن لا يبعد إرادة الثمرة على الشجرة، فيخرج عن المكيل
والموزون وربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في جواز بيع السلم على من هو
عليه، بناء على عدم الفرق بين المسألتين



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام العقود حديث 12.
539
وفيه تأمل لعدم ثبوت ذلك، بل الظاهر أن محل الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض
على غير البائع، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة والقائلين
بالتحريم هنا.
وقد جعل العلامة بيع غير المقبوض على بائعه مسألة أخرى ذكرها بعد
مسألتنا وفروعها، وذكر أن المجوزين في المسألة الأولى: جزموا بالجواز هنا،
واختلف المانعون فيها هنا، ومن العجب ما عن التنقيح من الاجماع على جواز بيع
السلم على من هو عليه مع اجماع المبسوط على المنع عن بيع السلم قبل القبض،
مصرحا بعدم الفرق بين المسلم إليه وغيره، ثم إن صريح التحرير والدروس:
الاجماع على الجواز في غير المكيل والموزون، مع أن المحكي في التذكرة عن بعض
علمائنا القول بالتحريم مطلقا، ونسبه في موضع آخر إلى جماعة منا وصريح الشيخ في
المبسوط اختيار هذا القول، قال في باب السلم إذا أسلف في شئ، فلا يجوز أن
يشرك فيه غيره، ولا أن يوليه لأن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيع ما لم يقبض، وقال من
أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره إلى أن قال وبيوع الأعيان مثل ذلك أن لم يكن
قبض المبيع، فلا يصح الشركة ولا التولية وإن كان قد قبضه صحت الشركة والتولية
فيه بلا خلاف.

540
وقد روى أصحابنا جواز الشركة فيه والتولية قبل القبض، ثم إن المحكي عن
المهذب البارع عدم وجدان العامل بالأخبار المتقدمة المفصلة بين التولية وغيرها،
وهو عجيب، فإن التفصيل حكاه في التذكرة قولا خامسا في المسألة، لأقوال علمائنا
وهي الكراهة مطلقا والمنع مطلقا والتفصيل بين المكيل والموزون وغيرهما،
والتفصيل بين الطعام وغيره بالتحريم والعدم، وهو قول الشيخ في المبسوط مدعيا
عليه الاجماع وبالكراهة والعدم، وهنا سادس اختاره في التحرير، وهو التفصيل في
خصوص الطعام بين التولية وغيرها بالتحريم والكراهة في غيره من المكيل
والموزون، والمراد بالطعام يحتمل أن يكون مطلق ما أعد للأكل، كما قيل إنه موضوع
له لغة، ويحتمل أن يكون خصوص الحنطة والشعير، بل قيل إنه معناه شرعا، وحكى
عن فخر الدين نقله عن والده وحكي اختياره عن بعض المتأخرين.
وعن الشهيد أنه حكى عن التحرير أنه الحنطة خاصة، وحكى عن بعض أهل
اللغة، ثم إن الظاهر أن أصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي، {1} كما يظهر من
الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف، وكون
المبيع مضمونا على البائع، فولاية المشتري على التصرف ضعيفة.

541
وذكر في التذكرة الكلي الغير المقبوض في فروع المسألة، وقال المبيع إن كان
دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين، لأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه،
فمع عدمه أولى فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه، ولا الاستبدال به وبه قال الشافعي،
انتهى. وكيف كان فلا فرق في النص والفتوى بناء على المنع بين المبيع المعين والكلي
بل ولا بناء على الجواز، ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل
القبض وهو المحكي عن صريح العماني، بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي
هو معقد اجماع المبسوط في خصوص الطعام، فإن جواز البيع وعدمه ظاهران في
الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع،
لكن صريحه في مواضع من التذكرة وفي القواعد أن محل الخلاف الصحة والبطلان.
وبالجملة فلا ينبغي الاشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم
الوضعي وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: إن ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم، {1} فيصح بيعه
قبل قبضه، قال في المبسوط أما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، وإن كان
في الذمة، فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا، فأما إذا كان صرفا (فلا)
لا يجوز بيعه قبل القبض

542
وفي موضعين من التذكرة قوي الجواز إذا كان الثمن كليا في الذمة وهو ظاهر جامع
المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره ولو أحال من له طعام من سلم الخ.
واستدل عليه في التذكرة بقول الصادق (عليه السلام) {1} وقد سئل عن الرجل باع
طعاما بدراهم إلى أجل، فلما بلغ الأجل تقاضاه، فقال ليس عندي دراهم خذ مني
طعاما، قال لا بأس إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء. ويمكن أن يقال إن المطلوب
جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني لا ثمنا أيضا، كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها
بالبيع ممن هو عليه، فلا يعم إلا بعدم الفصل لو ثبت وصرح في أواخر باب السلم
بالحاق الثمن المعين لمبيع، ويؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري
لانفساخ العقد بتلفه فإنه جار في الثمن المعين. {2}



(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب السلف حديث 10.
543
الثاني: هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال فلا يجوز جعله ثمنا ولا عوضا في
الصلح ولا أجرة ولا وفاء عما عليه، أم يختص بالبيع، {1} ظاهر عنواناتهم
الاختصاص بالبيع، وأظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة: الأقرب عندي أن
النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات، وأظهر من الكل قوله في مواضع أخر
لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم فقال لزيد: خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي
لك عندي لم يجز عند الشافعي، لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض والأولى عندي
الجواز، وليس هذا بيعا وإنما هو نوع معاوضة، انتهى.
وأصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل
القبض، لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في أحكامه، وقد صرح جامع
المقاصد أيضا في غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره.
وقد تقدم في كلامه أنه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه، ولا الاستبدال به، لكن
العلامة قد عبر بلفظ الاستبدال في كثير من فروع مسألة البيع قبل القبض، مع أن ما
استدل به للمانعين من قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار
في مطلق التصرف فصلا عن المعاوضة.
وقد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة بأنها معاوضة، والمعاوضة على



(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب أحكام العقود حديث 10.
544
المسلم فيه قبل القبض غير جائزة وهو وإن رجع عن الصغرى فيما بعد ذلك
لكنه لم يرجع عن الكبرى، وصرح في الإيضاح بابتناء الفرع الآتي أعني إحالة من
عليه طعام لغريمه على من له عليه طعام على أن الحوالة معاوضة مستقلة أو استيفاء،
وأن المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه واردة خصوص البيع من المعاوضة
ليست بأولى من إرادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم إن الحوالة بيع أو ليست
بيعا، بل هذه أظهر في كلماتهم. وقد صرح الأكثر بأن تراضي المسلم والمسلم إليه
على قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض فاستدلوا باخباره على جوازه.
ويؤيده أيضا قوله في التذكرة لو كان لزيد طعام على عمرو سلما، ولخالد مثله
على زيد، فقال زيد اذهب إلى عمرو واقبض لنفسك مالي عليه لم يصح لخالد عند
أكثر علمائنا، وبه قال الشافعي وأحمد، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيع الطعام بالطعام
حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري وسيأتي ابتناء هذا الفرع في
كلام جماعة على مسألة البيع قبل القبض.
نعم ذكر الشهيد أنه كالبيع قبل القبض، وصرح بابتناء الحكم فيما لو قال
للمسلم اشتر لي بهذه الدراهم طعاما واقبضه لنفسك على حكم البيع قبل القبض،
وكيف كان، فالمسألة محل اشكال من حيث اضطراب كلماتهم، إلا أن الاقتصار في
مخالفة الأصل

545
المتيقن هو المتعين، ومنه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح
والإجارة والخلع، كما صرح به في الدروس فضلا عن مثل الإرث والقرض ومال
الكتابة والصداق وغيرها. نعم لو ورث ما اشترى ولم يقبض أو أصدقه أو عوض
عن الخلع جرى الخلاف في بيعه.
الثالث: هل المراد من البيع المنهي ايقاع عقد البيع على ما لم يقبض أو ما يعم
تشخيص الكلي المبيع {1} به فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو
البيع كما لو نهى عن بيع أم الولد، أو حلف على أن لا يبيع مملوكه، حيث لا فرق بين
ايقاع المبيع عليه أو دفعه عن الكلي المبيع، ظاهر النص والفتوى {2} وإن كان هو
الأول،

546
بل هو المتعين في الأخبار المفصلة بين التولية وغيرها، {1} إلا أن المعنى الثاني لا يبعد
عن سياق مجموع الأخبار {2} وعليه، فلو كان عليه سلم لصاحبه، فدفع إليه دراهم،
وقال اشتر لي بها طعاما واقبضه لنفسك جرى فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض، كما
صرح به في الدروس ولكن في بعض الروايات دلالة على الجواز مثل صحيحة
يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له على الآخر أحمال
من رطب أو تمر فيبعث عليه بدنانير فيقول اشتر بهذه واستوف منه الذي لك قال: لا
بأس إذا ائتمنه.
لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلفته دراهم
في طعام فلما حل طعامي عليه بعث إلي بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاما واستوف
حقك قال: أرى أن يولي ذلك غيرك وتقوم معه حتى يقبض الذي لك ولا تتولى أنت شراءه.
وفي موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره يوفيه ذلك لكن ظاهر الخبرين كراهة
مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة، والمطلوب صحة الشراء وعدم
جواز الاستيفاء، ثم إن هذا كله، إذا كان الطعام المشترى شخصيا، وأما إذا وكله في
شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك، لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي
المشتري موقوف على قبضه



(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب السلف حديث 1.
547
ثم اقباضه وبدون ذلك لا يمكن الايفاء إلا بالحوالة أو التوكيل، فيدخل المسألة فيما
ذكره في الشرائع وغيرها تبعا للمبسوط. بل نسب إلى المشهور من أنه لو كان له على
غيره طعام من سلم وعليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر فإنه
يكره أو يحرم على الخلاف. وقد علل ذلك في الشرائع، بأنه قبضه عوضا عن ماله
قبل أن يقبضه صاحبه وذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة قال لو أحال من عليه
طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم، فالأقوى الكراهة، وعلى
التحريم يبطل، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه، وبنى في الايضاح
جريان الخلاف في المسألة على أن الحوالة معاوضة أو استيفاء، وأن المعاوضة على
مال المسلم قبل القبض حرام أو مكروه، وأنكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون
هذه المسألة من محل الخلاف في بيع ما لم يقض بناء على أن الحوالة ليست معاوضة
فضلا عن كونها بيعا، بل هي استيفاء.
أقول ذلك أما وكالة وأما حوالة، وعلى كل تقدير يمكن تعميم محل الخلاف
لمطلق المعاوضة ويكون البيع كناية عنها. ولذا نسب فيما عرفت من عبارة التذكرة
المنع في هذه المسألة إلى أكثر علمائنا وجماعة من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع
ما لم يقبض واستند الشيخ (رحمه الله) أيضا في المنع إلى الاجماع على عدم جواز بيع ما لم
يقبض.



(1) التهذيب ج 7 ص 42 باب بيع المضمون حديث 68.
548
وقد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة، ولعله لذا قال الشهيد في الدروس
في حكم المسألة أنه كالبيع قبل القبض، لكنه قدس سره تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه
ادراج المسألة في البيع بأن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة على
أفراد لا نهاية لها فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد وانصب العقد عليه
فكأنه لما قال الغريم اكتل من غريمي فلان، قد جعل عقد السلم معه واردا على ما في
ذمة المسلف منه غريمه ولما يقبضه بعد، ولا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل
موردا للسلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه، فيتحقق الشرطان ويلحق
بالباب، وهذا من لطائف الفقه، انتهى.
واعترضه في المسالك بأن مورد السلم ونظائره من الحقوق الثابتة في الذمة لما
كان أمرا كليا كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلي، {1} وما يتعين لذلك من الأعيان
الشخصية بالحوالة وغيرها ليس هو نفس المبيع، وإن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في
ضمن الأفراد الخاصة، فإنها ليست عينه ومن ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا
يرجع الحق إلى الذمة والمبيع المعين ليس كذلك. وحينئذ فانصباب العقد على ما
قبض كونه حينئذ مبيعا غير واضح. فالقول بالتحريم به عند القائل به في غيره غير
متوجه، انتهى.

549
أقول ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص المدفوع وإن
كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه، إلا أنه يصدق عليه انتقاله إلى المشتري
بعقد البيع، {1} فإذا نهى الشارع عن بيع ما لم يقبض، نظير نهيه، عن بيع أم الولد،
وعن بيع ما حلف على ترك بيعه، فإنه لا فرق بين ايقاع العقد عليه وبين دفعه عن
الكلي المبيع، لكن يرد على ما ذكره الشهيد عدم تشخص الكلي بالكلي إلا بالحوالة
الراجعة إلى الاستيفاء أو المعاوضة وهذا لا يسوغ اطلاق البيع على الكلي المتشخص
به بحيث يصدق أنه انتقل إلى المحال بناقل البيع
نعم هذا التوجيه إنما يستقيم في الفرع المتقدم عن الدروس، وهو ما إذا أمره
بقبض الطعام الشخصي الذي اشتراه للمشتري، فإن مجرد قبضه بإذن البائع
مشخص للكلي المبيع في ضمنه، فيصدق أنه انتقل بالبيع قبل أن يقبض. ويمكن أن
يقال إن تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشترى يكفي فيه إذن البائع في قبض بعض
أفراد الكلي المشترى من دون حاجة إلى حوالة، فإذا وقع فرد منه في يد المشتري
صدق أنه انتقل بالبيع قبل القبض، وكيف كان، فالأظهر في وجه ادخال هذه المسألة
في محل الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال، حتى المحقق بالحوالة، وإن لم
نقل بكونها بيعا، والمسألة يحتاج إلى فضل تتبع والله الموفق

550
واستدل في الحدائق على الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح، وموثق
عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل عليه كر من
طعام، فاشترى كرا من رجل آخر، فقال للرجل: انطلق فاستوف كرك، قال: لا بأس
به، وفيه أنه لا دلالة لها على محل الكلام لأن الكلام فيما إذا كان المالان سلمين، ومورد
الرواية اعطاء ما اشترى به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم أنه سلم أو قرض أو
غيرهما. وقد استدل به في التذكرة على جواز إيفاء الفرض بمال السلم، ولذا قال
جامع المقاصد في شرح قوله (رحمه الله) ولو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه على من له
عليه مثله من سلم الخ، {1} فإن قلت: لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت: لأن المنع
إنما هو من بيع ما لم يقبض، وإذا كان أحد المالين سلما دون الآخر لم يتعين لكونه
مبيعا لامكان اعتباره ثمنا، إذ لا معين لأحدهما، انتهى. ويمكن أن يقال إن ظاهر
الحوالة بناء على كونها معاوضة كون المحيل مملكا ماله في ذمة غريمه بإزاء ما لغريمه
عليه، {2} فما له معوض ومال غريمه عوض، فإذا كان ماله على غريمه سلما كفى في
المنع عن تمليكه بإزاء مال غريمه عليه، لأنه من بيع ما لم يقبض، وحينئذ فيتم
الاستدلال بالرواية

551
نعم لو كان ما عليه سلما دون ماله أمكن خروجه عن المسألة، لأن الظاهر هنا كون
المسلم ثمنا وعوضا. وإلى هذا ينظر بقوله في القواعد والتحرير تبعا للشرائع، ولو كان
المالان أو المحال به قرضا صح، ولا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بأنه لا وجه
لتخصيص المحال به بالذكر مع أن العكس كذلك، واستحسان تعبير الدروس بلفظ
أحدهما، ثم قال: وليس له أن يقول أن المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيل كونه
مقابلا بالآخر، إذ ربما يقال إن شبهه بالثمن أظهر لاقترانه بالباء وكل ذلك ضعيف،
انتهى.
وفيه ما لا يخفى فإن الباء هنا ليس للعوض، وظهور الحوالة في كون انشاء
التمليك من المحيل لا ينكر، واحتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه، كما في المشتري
المقدم لقبوله على الايجاب بعيد ويدل على هذا أيضا قولهم إن الحوالة بيع، فإن
ظاهره كون المحيل بائعا، ثم إن المفروض في المسألة المذكورة ما لو أذن المحيل المحال
في اكتياله لنفسه، بأن يأتي بلفظ الإحالة، كما في عبارة القواعد، أو يقول له اكتل
لنفسك، كما في عبارتي المبسوط والشرائع. أما لو وكله في القبض عن الإذن، ثم
القبض لنفسه فيكون قابضا مقبضا مبني [فيبني] على جواز تولي طرفي القبض،
والأقرب صحته لعدم المانع.

552
الرابع: ذكر جماعة أنه لو دفع إلى من له عليه طعام دراهم، وقال اشتر بها
لنفسك طعاما لم يصح، {1} لأن مال الغير يمتنع شراء شئ به لنفسه، ووجهه أن
قضية المعاوضة انتقال كل عوض إلى ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر، فلو
انتقل إلى غيره لم يكن عوضا ويمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة على
القول بإفادتها للإباحة، {2} فإنه يجوز أن يشتري به شيئا لنفسه على ما في المسالك
من جواز جميع التصرفات باجماع القائلين بصحة المعاطاة وأيضا، فقد ذكر جماعة
منهم العلامة في المختلف وقطب الدين والشهيد على ما حكى عنهما، أن مال الغير
المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق على ملكه، ويجوز لبائع ذلك
المغصوب التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه ويملكه بمجرد الشراء، قال
في المختلف، بعدما نقل عن الشيخ في النهاية: إنه لو غصب مالا واشترى به جارية
كان الفرج له حلالا، وبعد ما نقل مذهب الشيخ في ذلك في غير النهاية ومذهب
الحلي أن كلام النهاية يحتمل أمرين.
أحدهما: اشتراء الجارية في الذمة، كما ذكره في غير النهاية.

553
الثاني: أن يكون البائع عالما بغصب المال، فإن المشتري حينئذ يستبيح وطئ
الجارية وعليه وزر المال، انتهى.
وقد تقدم في فروع بيع الفضولي وفي فروع المعاطاة، نقل كلام القطب والشهيد
وغيرهما، ويمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل التصرف في ملك
المتصرف، كما يلزمهم القول بذلك في وطئ الجارية المأخوذة بالمعاطاة. وتوجيه
الثاني بأنه في معنى تمليك ماله مجانا بغير عوض، وكيف كان، فالمعاوضة لا يعقل
بدون قيام كل عوض مقام معوضه، {1} وإذا ثبت على غير ذلك فلا بد من توجيهه
أما بانتقال أحد العوضين إلى غير مالكه قبل المعاوضة وأما بانتقال العوض الأخر
إليه بعدها. ومن هنا يمكن أن يحمل قوله فيما نحن فيه اشتر بدراهمي طعاما لنفسك،
على إرادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك بمعنى اشتر في ملكي وخذه لنفسك، كما
ورد في مورد بعض الأخبار السابقة اشتر لنفسك طعاما واستوف حقك، ويمكن أن
يقال إنه إذا اشترى لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا، كما لو باع الغير لنفسه، فإذا
قبضه فأجاز المالك الشراء والقبض تعين له وحيث كان استمراره بيد المشتري
قبضا فقد قبض ماله على مالك الطعام، فافهم.

554
مسألة لو كان له طعام على غيره، فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته {1}
فهنا مسائل ثلاث:
إحداها: أن يكون المال سلما بأن أسلفه طعاما في العراق وطالبه بالمدينة، مع
عدم اشتراط تسليمه بالمدينة، {2} فلا اشكال في عدم وجوب أدائه في ذلك البلد،
وأولى بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد، ولو طالبه في ذلك البلد بقيمته في
بلد وجوب التسليم، وتراضيا على ذلك، قال الشيخ لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل
قبضه، {3} وهو حسن بناء على إرادة بيع ما في ذمته بالقيمة، أو إرادة مطلق
الاستبدال من البيع المنهي عنه. أما لو جعلنا المنهي عنه خصوص البيع، ولم يحتمل
التراضي على خصوص كون القيمة ثمنا، بل احتمل كونه مثمنا، والسلم ثمنا، فلا وجه
للتحريم، لكن الانصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا إذا كان من النقدين في الثمنية،
فيبني الحكم على انصراف التراضي المذكور إلى البيع أو القول بتحريم مطلق
الاستبدال. وأما إذا لم يرض المسلم إليه ففي جواز إجباره على ذلك قولان، المشهور
كما قيل: العدم، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة.

555
وعن جماعة منهم العلامة في التذكرة: الجواز، لأن الطعام الذي يلزمه دفعه
معدوم {1} فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه.
وتوضيحه أن الطعام قد حل والتقصير من المسلم إليه، {2} حيث إنه لو كان
في ذلك البلد أمكنه أداء الواجب بتسليم المال إلى المشتري إن حضر، وإلا دفعه إلى
وليه ولو الحاكم أو عزله، وكيف كان فتعذر البراءة مستند إلى غيبته، فللغريم مطالبة
قيمة بلد الاستحقاق حينئذ، وقد يتوهم أنه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام وإن

556
كان أزيد قيمة كما سيجئ القول بذلك في القرض، ولو كان الطعام في بلد
المطالبة مساويا في القيمة لبلد الاستحقاق. فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر
الحق، والمفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق، فيطالبه بنفس الحق.
الثانية: أن يكون ما عليه قرضا، {1} والظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل
مع اختلاف القيمة، لأنها إنما يستحقها في بلد القرض، فإلزامه بالدفع في غيره إضرار
خلافا للمحكي عن المختلف، وقواه جامع المقاصد هنا، لكنه جزم بالمختار في باب
القرض، أما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق، فالظاهر هو جوازها وفاقا للفاضلين.
وحكى عن الشيخ والقاضي. وعن غاية المرام نفي الخلاف لما تقدم من أن الحق هو
الطعام على أن يسلم في بلد الاستحقاق وقد تعذر بتعذر قيده لا بامتناع ذي الحق،
فلا وجه لسقوطه.
غاية الأمر الرجوع إلى قيمته لأجل الاضرار، ولذا لو لم يختلف القيمة،
فالظاهر جواز مطالبته بالمثل لعدم التضرر، لكن مقتضى ملاحظة التضرر إناطة
الحكم بعدم الضرر على المقترض أو بمصلحته ولو من غير جهة اختلاف القيمة، كما
فعله العلامة في القواعد وشارحه جامع المقاصد

557
ثم إنه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض، مع تعذر المثل في بلد المطالبة {1}
وفيه تأمل، فتأمل.
وظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل ولا بالقيمة، {2} وكأنه يتفرع على
ما عن الشهيد (رحمه الله) في حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل في غير بلد
القرض حتى مع عدم تضرره، فيلزم من ذلك عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق
أولى. ولعله لأن مقتضى اعتبار بلد القرض أن ليس للمقرض إلا مطالبة تسليم ماله
في بلد القرض، ومجرد تعذره في وقت من جهة توقفه على مضي زمان لا يوجب
اشتغاله بالقيمة، كما لو أخر التسليم اختيارا في بلد القرض، أو احتاج تسليم المثل
إلى مضي زمان، فتأمل.



(1) الوسائل - باب 26 - من أبواب الدين والقرض حديث 1.
558
الثالثة: أن يكون الاستقرار من جهة الغصب، {1} فالمحكي عن الشيخ
والقاضي أنه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب، ولعله لظاهر قوله تعالى:
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فإن ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في
ذلك البلد، فإن مقدار مالية الطعام يختلف باختلاف الأماكن، فإن المالك لمقدار منه
في بلد قد يعد غنيا، والمالك لأضعافه في غيره يعد فقيرا، فالمماثلة في الصفات
موجودة لا في المالية، لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الأزمان. فإن
اللازم على هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه، وحله أن المماثلة في الجنس
والصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية، ولولا قاعدة نفي
الضرر وانصراف اطلاق العقد في مسألتي القرض والسلم لتعين ذلك فيهما أيضا، ولو
تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد، لأن اللازم عليه حينئذ، المثل في هذا
البلد لو تمكن فإذا تعذر قامت القيمة مقامه وفي المبسوط وعن القاضي قيمة بلد
الغصب وهو حسن بناء على حكمها في المثل والمعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل
حينئذ فتعين بدله مع تعذره، ويحتمل وقت التعذر، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة. وفي
المسألة أقوال: مذكورة في باب الغصب ذكرناها مع مبانيها في البيع الفاسد عند ذكر
شروط العقد، فليراجع إلى هنا.

559
/ 1