شرح مسلم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح مسلم - نسخه متنی

يحيي بن شرف نووي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: شرح مسلم
المؤلف: النووي
الجزء: 5
الوفاة: 676
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: 1407 - 1987 م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
صحيح مسلم
بشرح النووي
الجزء الخامس
الناشر
دار الكتاب العربي
بيروت - لبنان
ب
1407 ه‍ - 1987 م‍
دار الكتاب العربي
الرملة البيضاء - ملكارت سنتر - الطابق الرابع، تلفون 800832 - 800811 - 805478
تلكس: 40139. E. L كتاب. برقيا: الكتاب ص. ب: 5769 - 11 بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم

1
كتاب المساجد ومواضع الصلاة
قوله صلى الله عليه وسلم وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد فيه جواز الصلاة في
جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة
كالمزبلة والمجزرة وكذا ما نهى عنه لمعنى آخر فمن ذلك أعطان الإبل وسيأتي بيانها قريبا إن شاء الله

2
تعالى ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرها لحديث ورد فيها قوله كنت أقرأ القرآن على أبي
في السدة فإذا قرأت السجدة سجد فقلت له يا أبت أتسجد في الطريق فذكر الحديث قوله
السدة هي بضم السين وتشديد الدال هكذا هو في صحيح مسلم ووقع في كتاب النسائي في السكة
وفي رواية غيره في بعض السكك وهذا مطابق لقوله يا أبت أتسجد في الطريق وهو مقارب
لرواية مسلم لأن السدة واحدة السدد وهي المواضع التي تطل حول المسجد وليست منه ومنه
قيل لإسماعيل السدى لأنه كان يبيع في سدة الجامع وليس للسدة حكم المسجد إذا كانت خارجة
عنه وأما سجوده في السدة وقوله أتسجد في الطريق فمحمول على سجوده على طاهر قال القاضي و
اختلف العلماء في المعلم والمتعلم إذا قرآ السجدة فقيل عليهما السجود لأول مرة وقيل لا سجود
قوله صلى الله عليه وسلم وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي قال العلماء كانت غنائم من
قبلنا يجمعونها ثم تأتي نار من السماء فتأكلها كما جاء مبينا في الصحيحين من رواية أبي هريرة
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي غزا وحبس الله تعالى له الشمس قوله صلى الله
عليه وسلم = وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا وفي الرواية الأخرى وجعلت تربتها

3
لنا طهور احتج بالرواية الأولى مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن يجوز التيمم
بجميع أجزاء الأرض واحتج بالثانية الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن لا يجوز الا
بالتراب خاصة وحملوا ذلك المطلق على هذا المقيد وقوله صلى الله عليه وسلم مسجدا معناه أن
من كان قبلنا إنما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس قال القاضي رحمه الله
تعالى وقيل إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون الا فيما تيقنوا طهارته من الأرض وخصصنا نحن
بجواز الصلاة في جميع الأرض الا ما تيقنا نجاسته قوله صلى الله عليه وسلم وأعطيت الشفاعة
هي الشفاعة العامة التي تكون في المحشر بفزع الخلائق إليه صلى الله عليه وسلم لأن الشفاعة في
الخاصة جعلت لغيره أيضا قال القاضي وقيل المراد شفاعة لا ترد قال وقد تكون شفاعته لخروج
من في قلبه مثقال ذرة من ايمان من النار لان الشفاعة التي جاءت لغيره إنما جاءت قبل هذا وهذه
مختصة به كشفاعة المحشر وقد سبق في كتاب الايمان بيان أنواع شفاعته صلى الله عليه وسلم
قوله صلى الله عليه وسلم فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا
الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا وذكر خصلة أخرى قال العلماء المذكور هنا خصلتان
لأن قضية الأرض في كونها مسجدا وطهورا خصلة واحدة وأما الثالثة فمحذوفة هنا ذكرها النسائي
من رواية أبي مالك الراوي هنا في مسلم قال وأوتيت هذه الآيات من خواتم البقرة من كنز

4
تحت العرش ولم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي قوله صلى الله عليه وسلم أعطيت جوامع الكلم وفي الرواية الأخرى بعثت بجوامع الكلم قال الهروي يعني به القرآن
جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع
قليل اللفظ كثير المعاني قوله صلى الله عليه وسلم وبعثت إلى كل أحمر وأسود وفي الرواية
الأخرى إلى الناس كافة قيل المراد بالأحمر البيض من العجم وغيرهم وبالأسود العرب لغلبة
السمرة فيهم وغيرهم من السودان وقيل المراد بالأسود السودان وبالأحمر من عداهم من
العرب وغيرهم وقيل الأحمر الانس والأسود الجن والجميع صحيح فقد بعث إلى جميعهم قوله
صلى الله عليه وسلم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض هذا من أعلام النبوة فإنه اخبار بفتح هذه البلاد
لأمته ووقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم ولله الحمد والمنة قوله وأنتم تنتثلونها يعني
تستخرجون ما فيها يعني خزائن الأرض وما فتح على المسلمين من الدنيا

5
قوله عن الزبيدي هو بضم الزاي نسبة إلى بني زبيد قوله فنزل في علو المدينة

6
هو بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان قوله ثم إنه أمر بالمسجد ضبطناه أمر
بفتح الهمزة والميم وأمر بضم الهمزة وكسر الميم وكلاهما صحيح قوله أرسل إلى ملأ
بني النجار يعني أشرافهم قوله صلى الله عليه وسلم يا بني النجار ثامنوني بحائطكم
أي بايعوني قوله قالوا لا والله ما نطلب ثمنه الا إلى الله هذا الحديث كذا هو مشهور
في الصحيحين وغيرهما وذكر محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم
اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قوله كان فيه نخل وقبور
المشركين وخرب هكذا ضبطناه بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء قال القاضي رويناه هكذا
ورويناه بكسر الخاء وفتح الراء وكلاهما صحيح وهو ما تخرب من البناء قال الخطابي لعل صوابه
خرب بضم الخاء جمع خربة بالضم وهي الخروق في الأرض أو لعله حرف قال القاضي لا أدري
ما اضطره إلى هذا يعني أن هذا تكلف لا حاجة إليه فان الذي ثبت في الرواية صحيح المعاني
لا حاجة إلى تغييره لأنه كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض أمر بالخرب فرفعت رسومها
وسويت مواضعها لتصير جميع الأرض مبسوطة مستوية للمصلين
وكذلك فعل بالقبور قوله
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع فيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة
لاستعمال خشبها أو ليغرس موضعها غيرها أو لخوف سقوطها على شئ تتلفه أو لاتخاذ موضعها
مسجدا أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يرج فتحها لان فيه نكاية وغيظا لهم واضعافا وارغاما
قوله وبقبور المشركين فنبشت فيه جواز نبش القبور الدراسة وأنه إذا أزيل ترابها المختلط

7
بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض وجواز اتخاذ موضعها مسجدا إذا طيبت
أرضه وفيه أن الأرض التي دفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها
وورثته من بعده إذا لم توقف قوله وجعلوا عضادتيه حجارة العضادة بكسر العين هي جانب الباب
قوله وكانوا يرتجزون فيه جواز الارتجاز وقول الاشعار في حال الاعمال والأسفار ونحوها لتنشيط
النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليها واختلف أهل العروض والأدب في الرجز هل هو شعر أم
لا واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرا الا بالقصد أما إذا جرى كلام موزون بغير قصد فلا يكون
شعرا وعليه يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لان الشعر حرام عليه
صلى الله عليه وسلم قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم قال أهل اللغة هي مباركها ومواضع
مبيتها ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة قال ابن دريد ويقال ذلك أيضا لكل دابة من
ذوات الحوافر والسباع واستدل بهذا الحديث مالك وأحمد رحمهما الله وغيرهما ممن يقول بطهارة
بول المأكول وروثه وقد سبق بيان المسألة في آخر كتاب الطهارة وفيه أنه لا كراهة في الصلاة
في مراح الغنم بخلاف أعطان الإبل وسبقت المسألة هناك أيضا قوله وحدثنا يحيى بن يحيى
قال حدثنا خالد يعني ابن الحارث حدثنا شعبة هكذا هو في معظم النسخ يحيى بن يحيى وفي
بعضها يحيى فقط غير منسوب والذي في الأطراف لخلف أنه يحيى بن حبيب قيل وهو الصواب

8
باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة
فيه حديث البراء وهو دليل على جواز النسخ ووقوعه وفيه قبول خبر الواحد وفيه جواز الصلاة
الواحدة إلى جهتين وهذا هو الصحيح عند أصحابنا من صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده في
أثنائها فيستدير إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة فصلى
كل ركعة منها إلى جهة صحت صلاته على الأصح لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث
استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها وفيه دليل على أن النسخ لا يثبت في حق
المكلف حتى يبلغه فان قيل هذا نسخ للمقطوع به بخبر الواحد وذلك ممتنع عند أهل الأصول
فالجواب أنه احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم وخرج عن كونه خبر واحد مجردا واختلف
أصحابنا وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتا بالقرآن أم
باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فحكى الماوردي في الحاوي وجهين في ذلك لأصحابنا قال القاضي
عياض رحمه الله تعالى الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن فعلى هذا يكون فيه
دليل لقول من قال أن القرآن ينسخ السنة وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين وهو أحد
قولي الشافعي رحمه الله تعالى والقول الثاني له وبه قال طائفة لا يجوز لان السنة مبينة للكتاب
فكيف ينسخها وهؤلاء يقولون لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة بل كان بوحي قال الله تعالى
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الآية واختلفوا أيضا في عكسه وهو نسخ السنة للقرآن فجوزه
الأكثرون ومنعه الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة قوله بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان
أحداهما فتح الميم واسكان القاف والثانية ضم الميم وفتح القاف ويقال فيه أيضا ايلياء والياء
وأصل المقدس والتقديس من التطهير وقد أوضحته مع بيان لغاته وتصريفه واشتقاقه في

9
تهذيب الأسماء قوله بينما الناس في صلاة الصبح بقباء هو بالمد ومصروف ومذكر وقيل مقصور
وغير مصروف وقيل مؤنث وهو موضع بقرب المدينة معروف وتقدم قريبا بيان معنى قولهم
بينما وبينا وأن تقديره بين أوقات كذا قوله وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها روى
فاستقبلوها بكسر الباء وفتحها والكسر أصح وأشهر وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده قولها بينما
الناس في الصلاة الغداة فيه جواز تسمية الصبح غداة وهذا الاخلاف فيه لكن قال الشافعي رحمه

10
الله تعالى سماها الله تعالى الفجر وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فلا أحب أن
تسمى بغير هذين الاسمين
باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور فيها
والنهي عن اتخاذ القبور مساجد
أحاديث الباب ظاهرة الدلالة فيما ترجمنا له قولها ذكرن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة

11
هكذا ضبطناه ذكرن بالنون وفي بعض الأصول ذكرت بالتاء والأول أشهر وهو جائز على تلك
اللغة القليلة لغة أكلوني البراغيث ومنها يتعاقبون فيكم ملائكة قولها غير أنه خشي أن يتخذ
مسجدا ضبطناه خشي بضم الخاء وفتحها وهما صحيحان قوله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود
ومعناه لعنهم كما في الرواية الأخرى وقيل معناه قتلهم وأهلكهم قوله لما نزل برسول
الله صلى الله عليه وسلم هكذا ضبطناه نزل بضم النون وكسر الزاي وفي أكثر الأصول نزلت

12
بفتح الحروف الثلاثة وبتاء التأنيث الساكنة أي لما حضرت المنية والوفاة وأما الأول فمعناه
نزل ملك الموت والملائكة الكرام قوله طفق يطرح خميصه له يقال طفق بكسر الفاء
وفتحها أي جعل والكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن وممن حكى الفتح الأخفش والجوهري
والخميصة كساء له أعلام قوله عن عبد الله بن الحارث النجراني هو بالنون والجيم قوله صلى
الله عليه وسلم = أني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل إلى آخره معنى أبرأ أي أمتنع من
هذا وأنكره والخليل هو المنقطع إليه وقيل المختص بشئ دون غيره قيل هو مشتق من الخلة بفتح
الخاء وهي الحاجة وقيل من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب فنفى صلى الله عليه وسلم
أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى وقيل الخليل من لا يتسمع القلب لغيره قال العلماء
إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه
والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ولما احتاجت

13
الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة
رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا
على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي المحذور
ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر
ولهذا قال في الحديث ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا والله تعالى أعلم بالصواب
باب فضل بناء المساجد والحث عليها
قوله صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا لله بنى الله تعالى له بيتا في الجنة مثله يحتمل قوله صلى
الله عليه وسلم مثله أمرين أحدهما أن يكون معناه بني الله تعالى له مثله في مسمى البيت وأما

14
صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر الثاني أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا
باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع
ونسخ التطبيق
مذهبنا ومذهب العلماء كافة أن السنة وضع اليدين على الركبتين وكراهة التطبيق الا ابن مسعود
وصاحبيه علقمة والأسود فإنهم يقولون أن السنة التطبيق لأنه لم يبلغهم الناسخ وهو حديث
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والصواب ما عليه الجمهور لثبوت الناسخ الصريح قوله أصلي
هؤلاء يعني الأمير والتابعين له وفيه إشارة إلى انكار تأخيرهم الصلاة قوله قوموا فصلوا
فيه جواز إقامة الجماعة في البيوت لكن لا يسقط بها فرض الكفاية إذا قلنا بالمذهب الصحيح
أنها فرض كفاية بل لا بد من اظهارها وإنما اقتصر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على
فعلها في البيت لان الفرض كان يسقط بفعل الأمير وعامة الناس وان أخروها إلى أواخر
الوقت قوله فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة هذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه وبعض السلف
من أصحابه وغيرهم أنه لا يشرع الاذان
ولا الإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه ويقام
لصلاة الجماعة العظمى بل يكفي أذانهم وإقامتهم وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن
الإقامة سنة في حقه ولا يكفيه إقامة الجماعة واختلفوا في الأذان فقال بعضهم يشرع له وقال
بعضهم لا يشرع ومذهبنا الصحيح أنه يشرع له الاذان ان لم يكن سمع أذان الجماعة والا فلا
يشرع قوله ذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله وهذا

15
مذهب ابن مسعود وصاحبيه وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن فقالوا إذا
كان مع الامام رجلان وقفا وراءه صفا لحديث جابر وجبار بن صخر وقد ذكره مسلم في صحيحه
في آخر الكتاب في الحديث الطويل عن جابر وأجمعوا إذا كانوا ثلاثة أنهم يقفون وراءه وأما
الواحد فيقف عن يمين الامام عند العلماء كافة ونقل جماعة الاجماع فيه ونقل القاضي عياض
رحمه الله تعالى عن ابن المسيب أنه يقف عن يساره ولا أظنه يصح عنه وان صح فلعله لم يبلغه
حديث ابن عباس وكيف كان فهم اليوم مجموعون على أنه يقف عن يمينه قوله إنه سيكون
عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ويخنقونها إلى شرق الموتى معناه يؤخرونها عن
وقتها المختار وهو أول وقتها لا عن جميع وقتها وقوله يخنقونها بضم النون معناه يضيقون وقتها
ويؤخرون أداءها يقال هم في خناق من كذا أي في ضيق والمختنق المضيق وشرق الموتى بفتح
الشين والراء قال ابن الاعرابي فيه معنيان أحدهم إن الشمس في ذلك الوقت وهو آخر النهار
إنما تبقى ساعة ثم تغيب والثاني إنه من قولهم شرق الميت بريقه إذا لم يبق بعده الا يسيرا ثم
يموت قوله فصلوا الصلاة لميقاتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة السبحة بضم السين
واسكان الباء هي النافلة ومعناه صلوا في أول الوقت يسقط عنكم الفرض ثم صلوا معهم متى
صلوا لتحرزوا فضيلة أول الوقت وفضيلة الجماعة ولئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع
الامام وتختلف كلمة المسلمين وفيه دليل على إن من صلى فريضة مرتين تكون الثانية سنة
والفرض سقط بالأولى وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وقيل الفرض أكملهما وقيل كلاهما وقيل
إحداهما مبهمة وتظهر فائدة الخلاف في مسائل معروفة قوله وليجنأ هو بفتح الياء واسكان

16
الجم آخره مهموز هكذا ضبطناه وكذا هو في أصول بلادنا ومعناه ينعطف وقال القاضي
عياض رحمه الله تعالى روى وليجنأ كما ذكرناه وروى وليحن بالحاء المهمة قال وهذا رواية
أكثر شيوخنا وكلاهما صحيح ومعناه الانحناء والانعطاف في الركوع قال ورواه بعض شيوخنا
بضم النون وهو صحيح في المعنى أيضا يقال حنيت العود وحنوته إذا عطفته وأصل الركوع في
اللغة الخضوع والذلة وسمى الركوع الشرعي ركوعا لما فيه من صورة الذلة والخضوع و
الاستسلام قوله حدثنا أبو عوانة عن أبي يعفور هو بالراء واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن
نسطاس بكسر النون وهو أبو يعفور الأصغر وأما أبو يعفور الأكبر فاسمه واقد وقيل وقدان

17
وقد سبق بيانهما في كتاب الايمان في حديث أي الأعمال أفضل
باب جواز الاقعاء على العقبين
فيه طاوس قال قلنا لابن عباس رضي الله عنهما في الاقعاء على القدمين قال هي السنة فقلنا له انا

18
لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم اعلم أن الاقعاء ورد فيه
حديثان ففي هذا الحديث إنه سنة وفي حديث آخر النهي عنه رواه الترمذي وغيره من رواية
علي وابن ماجة من رواية أنس وأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من رواية سمرة وأبي هريرة
والبيهقي من رواية سمرة وأنس وأسانيدها كلها ضعيفة وقد اختلف العلماء في حكم الاقعاء وفي
تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه أن الاقعاء نوعان أحدهما
أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كاقعاء الكلب هكذا فسره
أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة وهذا النوع
هو المكروه الذي ورد فيه النهي والنوع الثاني إن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين وهذا
هو مراد ابن عباس بقوله سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد نص الشافعي رضي الله عنه في
البويطي والاملاء على استحبابه في الجلوس بين السجدتين وحمل حديث ابن عباس رضي الله
عنهما عليه جماعات من المحققين منهم البيهقي والقاضي عياض وآخرون رحمهم الله تعالى قال
القاضي وقد روى عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه قال وكذا جاء مفسرا
عن ابن عباس رضي الله عنهما من السنة إن تمس عقبيك ألييك هذا هو الصواب في تفسير
حديث ابن عباس وقد ذكرنا أن الشافعي رضي الله عنه على استحبابه في الجلوس بين السجدتين
وله نص آخر وهو الأشهر أن السنة فيه الافتراش وحاصله أنهما سنتان وأيهما أفضل فيه
قولان وأما جلسة التشهد الأول وجلسة الاستراحة فسنتها الافتراش وجلسة التشهد الأخير
السنة فيه التورك هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه وقد سبق بيانه مع
مذاهب العلماء رحمهم
الله تعالى وقوله انا لنراه جفاء بالرجل ضبطناه بفتح الراء وضم الجيم أي بالانسان وكذا
نقله القاضي عن جميع رواة مسلم قال وضبطه أبو عمر بن عبد البر بكسر الراء واسكان الجيم
قال أبو عمر ومن ضم الجيم فقد غلط ورد الجمهور علي ابن عبد البر وقالوا الصواب الضم
وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه والله أعلم

19
باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من اباحته
قوله واثكل أمياه الثكل بضم الثاء واسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان كالبخل والبخل
حكاهما الجوهري وغيره وهو فقدان المرأة ولدها وامرأة ثكلى وثاكل وثكلته أمه بكسر
الكاف وأثكله الله تعالى أمه وقوله أمياه هو بكسر الميم قوله فجعلوا يضربون بأيديهم على
أفخاذهم يعني فعلوا هذا ليسكتوه وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شئ في
صلاته وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة وأنه لا تبطل به الصلاة
وأنه لا كراهة فيه إذا
كان لحاجة قوله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فيه بيان
ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه
بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل وحسن
تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه قوله فوالله ما كهرني أي ما انتهرني قوله
صلى الله عليه وسلم ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح

20
والتكبير وقراءة القرآن فيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها وسواء كان
لمصلحة الصلاة أو غيرها فان احتاج إلى تنبيه أو اذن لداخل ونحوه سبح إن كان رجلا وصفقت
ان كانت امرأة هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم والجمهور من السلف والخلف
وقال طائفة منهم الأوزاعي يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه
انشاء الله تعالى وهذا في كلام العامد العالم أما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام القليل عندنا وبه
قال مالك وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون تبطل دليلنا حديث ذي اليدين
فان كثر كلام الناس ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما تبطل صلاته لأنه نادر وأما
كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالاسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث
معاوية بن الحكم هذا الذي نحن فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة لكن
علمه تحريم الكلام فما يستقبل وأما قوله صلى الله عليه وسلم إنما هو التسبيح والتكبير
وقراءة القرآن فمعناه هذا ونحوه فان التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة وغير ذلك من الأذكار
مشروع فيها فمعناه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في
معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع وفيه دليل على أن من حلف لا يتكلم
فسبح أو كبر أو قرأ القرآن لا يحنث وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا وفيه دلالة لمذهب
الشافعي رحمه الله تعالى والجمهور أن تكبيرة الاحرام فرض من فروض الصلاة وجزء منها
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ليست منها بل هي شرط خارج عنها متقدم عليها وفي هذا
الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة
وتفسد به إذا أتي به عالما عامدا قال أصحابنا ان قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته
وان قال يرحمه الله أو اللهم أرحمه أو رحم الله فلانا لم تبط صلاته لأنه ليس بخطاب وأما
العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرا هذا مذهبنا وبه قال مالك وغيره وعن
ابن عمر والنخعي وأحمد رضي الله عنهم أنه يجهر به والأول أظهر لأنه ذكر والسنة في الأذكار
في الصلاة الاسرار الا ما استثنى من القراءة في بعضها ونحوها قوله اني حديث عهد بجاهلية

21
قال العلماء الجاهلية ما قبل ورود الشرع سموا جاهلية لكثرة جهالتهم وفحشهم قوله إن
منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتهم قال العلماء إنما هي عن اتيان الكهان لأنهم يتكلمون
في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الانسان بسبب ذلك لأنهم يلبسون
على الناس كثيرا من أمر الشرائع وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن اتيان الكهان
وتصديقهم فيما يقولون وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام باجماع المسلمين وقد نقل
الاجماع في تحريمه جماعة منهم أبو محمد البغوي رحمهم الله تعالى قال البغوي اتفق أهل العلم
على تحريم حلوان الكاهن وهو ما أخذه المتكهن على كهانته لان فعل الكهانة باطل لا يجوز أخذ الأجرة
عليه وقال الماوردي رحمه الله تعالى في الأحكام السلطانية ويمنع المحتسب الناس من
التكسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطي وقال الخطابي رحمه الله تعالى حلوان
الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته وهو محرم وفعله باطل قال وحلوان العراف حرام أيضا
قال والفرق بين العراف والكاهن أن الكاهن إنما يتعاطى الاخبار عن الكوائن في المستقبل
ويدعى معرفة الاسرار والعراف يتعاطى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما وقال
الخطابي أيضا في حديث من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد
صلى الله عليه وسلم قال كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور فمنهم من
يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه ومنهم
من يسمى عرافا وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استدل بها كمعرفة من سرق
الشئ الفلاني ومعرفة من يتهم به المرأة ونحو ذلك
ومنهم من يسمى المنجم كاهنا قال
والحديث يشتمل على النهي عن اتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه
هذا كلام الخطابي وهو نفيس قوله ومنا رجال يتطيرون قال ذلك شئ يجدونه في صدورهم
فلا يصدنهم وفي رواية فلا يصدنكم قال العلماء معناه أن الطيرة شئ تجدونه في نفوسكم ضرورة

22
ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف
في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله
عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة
في النهي عن التطير والطيرة هي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير
عمل على مقتضاء عندهم وسيأتي بسط الكلام فيها في موضعها إن شاء الله تعالى حيث
ذكرها مسلم رحمه الله تعالى قوله ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء عليهم السلام
يخط فمن وافق خطه فذاك اختلف العلماء في معناه من وافق خطه فهو مباح له
ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة لا يباح والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح الا بيقين
الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وافق خطه فذاك ولم يقل
هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي
كان يخط فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا فالمعنى
أن ذلك النبي لا منع في حقه وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها وقال الخطابي هذا
الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علما لنبوة ذاك النبي وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي
ذلك وقال القاضي عياض المختار أن معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون اصابته فيما
يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله قال ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام
العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن قوله وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد
والجوانية هي بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة هكذا ضبطناه
وكذا ذكر أبو عبيد البكري والمحققون وحكى القاضي عياض عن بعضهم تخفيف الياء والمختار
التشديد والجوانية بقرب أحد موضع في شمالي المدينة وأما قول القاضي عياض انها من عمل
الفرع فليس بمقبول لان الفرع بين مكة والمدينة بعيد من المدينة وأحد في شام المدينة وقد

23
قال في الحديث قبل أحد والجوانية فكيف يكون عند الفرع وفيه دليل على جواز استخدام
السيد جاريته في الرعي وان كانت تنفرد في المرعى وإنما حرم الشرع مسافرة المرأة وحدها
لأن السفر مظنة الطمع فيها وانقطاع ناصرها والذاب عنها وبعدها منه بخلاف الراعية ومع
هذا فان خيف مفسدة من رعيها لريبة فيها أو لفساد من يكون في الناحية التي ترعى فيها أو نحو
ذلك لم يسترعها ولم تمكن الحرة ولا الأمة من الرعي حينئذ لأنه حينئذ يصير في معنى السفر الذي حرم
الشرع على المرأة فإن كان معها محرم أو نحوه ممن تأمن معه على نفسها فلا منع حينئذ كما لا يمنع من
المسافرة في هذا الحال والله أعلم قوله آسف أي أغضب وهو بفتح السين قوله صككتها
أي لطمتها قوله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله
قال أعتقها فإنها مؤمنة هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في
كتاب الايمان أحدهما الايمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله
شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات والثاني تأويله بما يليق به فمن قال بهذا قال كان المراد امتحانها
هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل
السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس
منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين
أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها
موحدة وليست عابدة للأوثان قال القاضي عياض لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم
ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى أأمنتم
من في السماء أن يخسف بكم الأرض ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم فمن قال
باثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء

24
أي على السماء ومن قال من دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التنزيه بنفي الحد واستحالة الجهة
في حقه سبحانه وتعالى تأولوها تأويلات بحسب مقتضاها وذكر نحو ما سبق قال ويا ليت شعري
ما الذي جمع أهل السنة والحق كلهم على وجوب الامساك عن الفكر في الذات كما أمروا
وسكتوا لحيرة العقل واتفقوا على تحريم التكييف والتشكيل وأن ذلك من وقوفهم
وامساكهم غير شاك في الوجود والموجود وغير قادح في التوحيد بل هو حقيقته ثم تسامح
بعضهم باثبات الجهة خاشيا من مثل هذا التسامح وهل بين التكييف واثبات الجهات فرق
لكن أطلاق ما أطلقه الشرع من أنه القاهر فوق عباده وانه استوى على العرش مع التمسك
بالآية الجامعة الكلى الذي لا يصح في المعقول غيره وهو قوله تعالى كمثله
شئ عصمة لمن وفقه الله تعالى وهذا كلام القاضي رحمه الله تعالى وفي هذا الحديث أن اعتاق
المؤمن أفضل من اعتاق الكافر وأجمع العلماء على جواز عتق الكافر في غير الكفارات وأجمعوا
على أنه لا يجزئ الكافر في كفارة القتل كما ورد به القرآن واختلفوا في كفارة الظهار واليمين
والجماع في نهار رمضان فقال الشافعي ومالك والجمهور لا يجزئه الا مؤمنة حملا للمطلق على المقيد
في كفارة القتل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون يجزئه الكافر للاطلاق فإنها تسمى
رقبة قوله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال
أعتقها فإنها مؤمنة فيه دليل على ن الكافر لا يصير مؤمنا إلا بالاقرار بالله تعالى وبرسالة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على أن من أقر بالشهادتين واعتقد ذلك جزما كفاه ذلك في
صحة إيمانه وكونه من أهل القبلة والجنة ولا يكلف مع هذا إقامة الدليل والبرهان على ذلك
ولا يلزمه معرفة الدليل وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور وقد سبق بيان هذه المسألة في أول

25
كتاب الايمان مع ما يتعلق بها وبالله التوفيق قوله في حديث ابن مسعود كنا نسلم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا
فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا فقال إن في الصلاة شغلا وفي حديث زيد
ابن أرقم رضي الله عنه كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى
نزلت لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وفي حديث جابر رضي الله عنه
قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة
ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه فأشار

26
إلى فلما فرغ دعاني فقال إنك سلمت آنفا وأنا أصلي هذه الأحاديث فيها فوائد منها
تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لمصلحتها أم لا وتحريم رد السلام فيها باللفظ وأنه لا تضر
الإشارة بل يستحب رد السلام بالإشارة وبهذه الجملة قال الشافعي والأكثرون قال القاضي
عياض قال جماعة من العلماء برد السلام في الصلاة نطقا منهم أبو هريرة وجابر والحسن
وسعيد بن المسيب وقتادة وإسحاق وقيل يرد في نفسه وقال عطاء والنخعي والثوري يرد بعد
السلام في الصلاة وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يرد بلفظ ولا إشارة بكل حال وقال عمر بن
عبد العزيز ومالك وأصحابه وجماعة يرد إشارة ولا يرد نطقا من قال يرد نطقا كأنه لم يبلغه
الأحاديث وأما ابتداء السلام على المصلى فمذهب الشافعي رحمه الله تعالى أنه لا يسلم عليه فان سلم
لم يستحق جوابا وقال به جماعة من العلماء وعن مالك رضي الله عنه روايتان إحداهما كراهة
السلام والثانية جوازه قوله صلى الله عليه وسلم ان في الصلاة شغلا معناه ان المصلى وظيفته أن
يشتغل بصلاته فيتدبر ما يقوله ولا يعرج على غيرها فلا يرد سلاما ولا غيره قوله حدثنا هريم
هو بضم الهاء وفتح الراء قوله تعالى لله قانتين قيل معناه مطيعين وقيل ساكتين
قوله أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام فيه دليل على تحريم جميع أنواع كلام الآدميين وأجمع
العلماء على أن الكلام فيها عامدا عالما بتحريمه بغير مصلحتها وبغير انقاذها وشبهه مبطل للصلاة
وأما الكلام لمصلحتها فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم والجمهور يبطل
الصلاة وجوزه الأوزاعي وبعض أصحاب مالك وطائفة قليلة وكلام الناسي لا يبطلها عندنا وعند
الجمهور ما لم يطل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون يبطل وقد تقدم بيانه وفي حديث
جابر رضي الله عنه رد السلام بالإشارة وأنه لا تبطل الصلاة بالإشارة ونحوها من الحركات اليسيرة
وأنه ينبغي لمن سلم عليه ومنعه من رد السلام مانع أن يعتذر إلى المسلم ويذكر له ذلك المانع
قوله وهو موجه قبل المشرق هو بكسر الجيم أي موجه وجهه وراحلته وفيه دليل لجواز

27
النافلة في السفر حيث توجهت به راحلته وهو مجمع عليه قوله حدثنا كثير بن شنظير هو
بكسر الشين والظاء المعجمتين
باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه
وجواز العمل القليل في الصلاة
قوله إن عفريتا من الجن جعل يفتك على البارحة ليقطع على صلاتي هكذا هو في مسلم

28
يفتك وفي رواية البخاري يفلت وهما صحيحان والفتك الأخذ في غفلة وخديعة والعفريت
العاتي المارد من الجن قوله صلى الله عليه وسلم فذعته هو بذال معجمة وتخفيف
العين المهملة أي خنقته قال مسلم وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة فدعته يعني بالدال المهملة
وهو صحيح أيضا ومعناه دفعته دفعا شديدا والدعت الدفع الشديد وأنكر الخطابي
المهملة وقال لا تصح وصححها غره وصوبوها وان كانت المعجمة أوضح وأشهر وفيه دليل على جواز
العمل القليل في الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم فلقد هممت أن أربطه حتى تصبحوا تنظرون
إليه أجمعون أو كلكم فيه دليل على أن الجن موجودون وأنهم قد يراهم بعض الآدميين وأما
قوله الله تعالى أنه يراكم هو وقبيلة من حيث لا ترونهم فمحمول على الغالب فلو كانت رؤيتهم
محالا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال من رؤيته إياه ومن أنه كان يربطه لينظروا كلهم إليه
ويلعب به ولدان أهل المدينة قال القاضي وقيل إن رؤيتهم على خلقهم وصورهم الأصلية ممتنعة
لظاهر الآية الا للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن خرقت له العادة وإنما يراهم بنو
آدم في صور غير صورهم كما جاء في الآثار قلت هذه دعوى مجردة فإن لم يصح لها مستند فهي مردودة
قال الإمام أبو عبد الله المازري الجن أجسام لطيفة روحانية فيحتمل أنه تصور بصورة يمكن
ربطه معها ثم يمتنع من أن يعود إلى ما كان عليه حتى يتأتي اللعب به وان خرقت العادة أمكن
غير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت قول أخي سليمان صلاة الله وسلامه عليه قال القاضي
معناه أنه مختص بهذا فامتنع نبينا صلى الله عليه وسلم من ربطه إما أنه لم يقدر عليه لذلك وأما
لكونه لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لم يقدر عليه أو تواضعا وتأدبا قوله صلى الله عليه
وسلم فرده الله خاسئا أي ذليلا صاغرا مطرودا مبعدا قوله وقال ابن منصور شعبة عن محمد
ابن زياد يعني قال إسحاق بن منصور في روايته حدثنا النضر قال أخبرنا شعبة عن محمد بن زياد

29
فخالف رواية رفيقه إسحاق بن إبراهيم السابقة في شيئين أحدهما أنه قال شعبة عن محمد بن زياد
وقال ابن إبراهيم شعبة قال أخبرنا محمد والثاني أنه قال محمد بن زياد وفي رواية ابن إبراهيم محمد وهو
ابن زياد قوله صلى الله عليه وسلم ألعنك بلعنة الله التامة قال القاضي يحتمل تسميتها
تامة أي لا نقص فيها ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه أو الموجبة عليه العذاب سرمدا وقال
القاضي وقوله صلى الله عليه وسلم ألعنك بلعنة الله وأعوذ بالله منك دليل الجواز الدعاء لغيره وعلى
غيره بصيغة المخاطبة خلافا لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله إن الصلاة تبطل بذاك قلت
وكذا قال أصحابنا تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة المخاطب كقوله للعاطس رحمك الله أو يرحمك
ولمن سلم عليه وعليك السلام وأشباهه والأحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلى
تؤيد ما قاله أصحابنا فيتأول هذا الحديث أو يحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة أو
غير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان

30
أهل المدينة فيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم ما يخبر به الانسان وتعظيمه والمبالغة
في صحته وصدقه وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا والولدان الصبيان
باب جواز حمل الصبيان في الصلاة
وان ثيابهم محمولة على الطهارة حتى يتحقق نجاستها
وان الفعل القليل لا يبطل الصلاة وكذا إذا فرق الافعال
فيه حديث حمل أمامة رضي الله عنها ففيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانا
طاهرا من طير وشاة وغيرهما وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها وأن
الفعل القليل لا يبطل الصلاة
وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال بل تفرقت لا تبطل الصلاة
وفيه تواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم وقوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم

31
وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه هذا يدل لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه أنه يجوز
حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة النفل ويجوز ذلك
للامام والمأموم والمنفرد وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في
الفريضة وهذا التأويل فاسد لأن قوله يؤمن الناس صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة
وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه
كان لضرورة وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث
صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه
من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع
متظاهرة على هذا والافعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت وفعل النبي صلى الله عليه وسلم
هذا بيانا للجواز وتنبيها به على هذه القواعد التي ذكرتها وهذا يرد ما ادعاه الإمام أبو سليمان
الخطابي أن هذا الفعل يشبه أن يكون كان بغير تعمد فحملها في الصلاة لكونها كانت تتعلق
به صلى الله عليه وسلم
فلم يدفعها فإذا قام بقيت معه قال ولا يتوهم أنه حملها ووضعها مرة
بعد أخرى عمدا لأنه عمل كثير ويشغل القلب وإذ كان الخميصة شغله فكيف لا يشغله هذا
هذا كلام الخطابي رحمه الله تعالى وهو باطل ودعوى مجردة ومما يردها قوله في صحيح مسلم فإذا
أقام حملها وقوله فإذا رفع من السجود أعادها وقوله في رواية غير مسلم خرج علينا حاملا
أمامة فصلى فذكر الحديث وأما قضية الخميصة فلأنها تشغل القلب بلا فائدة وحمل أمامة

32
لا نسلم أنه يشغل القلب وان شغله فيترتب عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره فأحل
ذلك الشغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان
الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين والله
أعلم قوله وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص
ابن الربيع يعني بنت زينب من زوجها أبي العاص بن الربيع وقوله ابن الربيع هو الصحيح
المشهور في كتب أسماء الصحابة وكتب الأنساب وغيرها ورواه أكثر رواة الموطأ عن مالك
رحمه الله تعالى فقالوا ابن ربيعة وكذا رواه البخاري من رواية مالك رحمه الله تعالى قال القاضي
عياض وقال الأصيلي هو ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك إلى جده قال القاضي وهذا الذي
قاله غير معروف ونسبه عند أهل الأخبار والأنساب باتفاقهم أبو العاص بن الربيع بن عبد
العزى بن عبد شمس بن عبد مناف واسم أبي العاص لقيط وقيل مهشم وقيل غير ذلك
والله تعالى أعلم
باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة
وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة وجواز صلاة الامام
على موضع أرفع
من المأمومين للحاجة كتعليمهم الصلاة أو غير ذلك
فيه صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر ونزوله القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم
عاد حتى فرغ من آخر صلاته قال العلماء كان المنبر الكريم ثلاث درجات كما صرح به
مسلم في روايته فنزل النبي صلى الله عليه وسلم بخطوتين إلى أصل المنبر ثم سجد في

33
جنبه ففيه فوائد منها استحباب اتخاذ المنبر واستحباب كون الخطيب ونحوه على مرتفع كمنبر
أو غيره وجواز الفعل اليسير في الصلاة فان الخطوتين لا تبطل بهما الصلاة ولكن الأولى تركه
الا لحاجة فإن كان لحاجة فلا كراهة فيه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن الفعل الكثير
كالخطوات وغيرها إذا تفرقت لا تبطل لان النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة
ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل وفيه جواز صلاة الامام على موضع أعلى من
موضع المأمومين ولكنه يكره ارتفاع الامام على المأموم وارتفاع المأموم على الامام
لغير حاجة فإن كان لحاجة بأن أراد تعليمهم أفعال الصلاة لم يكره بل يستحب لهذا
الحديث وكذا ان أراد المأموم اعلام المأمومين بصلاة الامام واحتاج إلى الارتفاع وفيه تعليم
الامام المأمومين أفعال الصلاة وأنه لا يقدح ذلك في صلاته وليس ذلك من باب التشريك في
العبادة بل هو كرفع صوته بالتكبير ليسمعهم قوله تماروا في المنبر أي اختلفوا وتنازعوا قال أهل
اللغة المنبر مشتق من النبر وهو الارتفاع قوله أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة انظري
غلامك النجار
يعمل لي أعوادا هكذا رواه سهيل بن سعد وفي رواية جابر في صحيح البخاري
وغيره أن المرأة قالت يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فان لي غلاما نجارا
قال إن شئت فعملت المنبر وهذه الرواية في ظاهرها مخالفة لرواية سهيل والجمع بينهما أن
المرأة عرضت هذا أولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم
يطلب تنجيز ذلك قوله فعمل هذه الثلاث درجات هذا مما ينكره أهل العربية والمعروف

34
عندهم أن يقول ثلاث الدرجات أو الدرجات الثلاث وهذا الحديث دليل لكونه لغة قليلة وفيه
تصريح بأن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات قوله فهي من طرفاء
الغابة الطرفاء ممدودة وفي رواية البخاري وغيره من أثل الغابة بفتح الهمزة والأثل الطرفاء
والغابة موضع معروف من عوالي المدينة قوله ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد هكذا
هو رفع بالفاء أي رفع رأسه من الركوع والقهقري هو المشي إلى خلف وإنما رجع القهقري
لئلا يستدبر القبلة قوله صلى الله عليه وسلم ولتعلموا صلاتي هو بفتح العين واللام المشددة
أي تتعلموا فبين صلى الله عليه وسلم أن صعوده المنبر وصلاته عليه إنما كان للتعليم ليرى جميعهم
أفعاله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما إذا كان على الأرض فإنه لا يراه الا بعضهم ممن قرب منه
قوله يعقوب بن عبد الرحمن القاري هو بتشديد الياء سبق بيانه مرات منسوب إلى
القارة القبيلة المعروفة قوله في آخر الباب وساقوا الحديث نحو حديث ابن أبي حازم
هكذا هو في النسخ وساقوا بضمير الجمع وكان ينبغي أن يقول وساقا لأن المراد بيان رواية

35
يعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عن أبي حازم فهما شريكا ابن أبي حازم في الرواية
عن أبي حازم ولعله أتى بلفظ الجمع ومراده الاثنان واطلاق الجمع على الاثنين جائز بلا شك
لكن هل هو حقيقة أم مجاز فيه خلاف مشهور الأكثرون أنه مجاز ويحتمل أن مسلما أراد
بقوله وساقوا الرواة عن يعقوب وعن سفيان وهم كثيرون والله أعلم
باب كراهة الاختصار في الصلاة
قوله الحكم بن موسى القنطري بفتح القاف منسوب إلى محلة من محال بغداد تعرف
بقنطرة البر وأن ينسب إليها جماعات كثيرون منهم الحكم بن موسى هذا ولهم جماعات يقال فيهم
القنطري ينسبون إلى محلة من محال نيسابور تعرف برأس القنطرة وقد أوضح القسمين الحافظ
أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قوله نهى أن يصلي الرجل مختصرا وفي رواية البخاري
نهى عن الخصر في الصلاة اختلف العلماء في معناه فالصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من
أهل اللغة والغريب والمحدثين وبه قال أصحابنا في كتب المذهب أن المختصر هو الذي يصلي
ويده على خاصرته وقال الهروي قيل هو أن يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل أن يختصر السورة
فيقرأ من آخرها آية أو آيتين وقيل هو أن يحذف فلا يؤدي قيامها وركوعها وسجودها وحدودها
والصحيح الأول قيل نهى عنه لأنه فعل اليهود وقيل فعل الشيطان وقيل لان إبليس هبط من
الجنة كذلك وقيل لأنه فعل المتكبرين

36
باب كراهة مسح الحصى
وتسوية التراب في الصلاة
قوله صلى الله عليه وسلم ان كنت لا بد فاعلا فواحدة معناه لا تفعل وان فعلت فافعل واحدة
لا تزد وهذا نهي كراهة تنزيه فيه كراهته واتفق العلماء على كراهة المسح لأنه ينافي التواضع
ولأنه يشغل المصلى قال القاضي وكره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف يعني
من المسجد مما يتعلق بها من تراب ونحوه

37
باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها
والنهي عن بصاق المصلى بين يديه وعن يمينه
يقال بصاق وبزاق لغتان مشهورتان ولغة قليلة بساق بالسين وعدها جماعة غلطا
قوله صلى الله عليه وسلم فلا يبصق قبل وجهه فان الله قبل وجهه أي الجهة التي
عظمها وقيل فان قبلة الله وقيل ثوابه ونحو هذا فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق الذي
هو الاستخفاف بمن يبزق إليه واهانته وتحقيره قوله رأى بصاقا وفي رواية نخامة
وفي رواية مخاطا قال أهل اللغة المخاط من الأنف والبصاق والبزاق من الفم والنخامة وهي

38
النخاعة من الرأس أيضا ومن الصدر ويقال تنخم وتنخع قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى أن يبزق الرجل عن يمينه وأمامه ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى وفي
الرواية الأخرى إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه
ولكن عن شماله تحت قدمه فيه نهى المصلى عن البصاق بين يديه وعن يمينه وهذا عام في
المسجد وغيره وقوله صلى الله عليه وسلم وليبزق تحت قدمه وعن يساره هذا في غير المسجد
أما المصلى في المسجد فلا يبزق الا في ثوبه لقوله صلى الله عليه وسلم البزاق في المسجد خطيئة
فكيف يأذن فيه صلى الله عليه وسلم وإنما نهى عن البصاق عن اليمين تشريفا لها وفي رواية
البخاري فلا يبصق أمامه ولا عن يمينه فان عن يمينه ملكا قال القاضي والنهي عن البزاق عن
يمينه هو مع امكان غير اليمين فان تعذر غير اليمين بأن يكون عن يساره مصلى فله البصاق
عن يمينه لكن الأولى تنزيه اليمين عن ذلك ما أمكن قوله رأى نخامة في قبلة المسجد
فحكها في إزالة البزاق وغيره من الأقذار ونحوها من المسجد قوله صلى الله عليه وسلم

39
فليتنخع عن يساره وتحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم
سمح بعضه على بعض هذا فيه جواز الفعل في الصلاة وفيه أن البزاق والمخاط والنخاعة
طاهرات وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين إلا ما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي أنه قال
البزاق نجس ولا أظنه يصح عنه وفيه أن البصاق لا يبطل الصلاة وكذا التنخع إن لم يتبين
منه حرفان أو كان مغلوبا عليه قوله صلى الله عليه وسلم فإنه يناجي ربه إشارة إلى اخلاص

40
القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله تعالى وتمجيده وتلاوة كتابه وتدبره قوله صلى الله عليه وسلم
التفل في المسجد خطيئة هو بفتح التاء المثنياة فوق واسكان الفاء وهو البصاق كما في الحديث
الآخر البزاق في المسجد خطيئة واعلم أن البزاق في المسجد خطيئة مطلقا سواء احتاج إلى
البزاق أو لم يحتج بل يبزق في ثوبه فان بزق في المسجد فقد ارتكب الخطيئة وعليه أن يكفر
هذه الخطيئة بدفن البزاق هذا هو الصواب أن البزاق خطيئة كما صرح به رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال العلماء والقاضي عياض فيه كلام باطل حاصله أن البزاق ليس بخطيئة إلا في
حق من لم يدفنه وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة واستدل له بأشياء باطلة فقوله هذا غلط
صريح يخالف لنص الحديث ولما قاله العلماء نبهت عليه لئلا يغتر به وأما قوله صلى الله عليه
وسلم وكفارتها دفنها فمعناه أن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنا والخمر وقتل الصيد
في الاحرام محرمات وخطايا وإذا ارتكبها فعليه عقوبتها واختلف العلماء في المراد بدفنها فالجمهور
قالوا المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاته إن كان فيه تراب أو رمل أو حصاة ونحوها
والا فيخرجها وحكى الروياني من أصحابنا قولا أن المراد اخراجها مطلقا والله أعلم قوله عن
قتادة عن أنس رضي الله عنه وفي الرواية الأخرى سألت قتادة فقال سمعت أنس بن مالك فيه
تنبيه على أن قتادة سمعه من أنس لأن قتادة مدلس فإذا قال عن لم يتحقق اتصاله فإذا جاء في

41
طريق آخر سماعه تحققنا به اتصال الأول وقد سبق بيان هذه القاعدة في الفصول السابق في
مقدمة الكتاب ثم في مواضع بعدها قوله عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي أما يعمر
فبفتح الميم وضمها وسبق بيانه في أول كتاب الايمان وسبق بعده بقليل بيان الخلاف في الديلي
قوله صلى الله عليه وسلم ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن
هذا ظاهره أن هذا القبح والذم لا يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه هو وكل من رآها
ولا يزيلها بدفن أو حك ونحوه
باب جواز الصلاة في النعلين
قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في النعلين فيه جواز الصلاة في النعل

42
والخفاف ما لم يتحقق عليها نجاسة ولو أصاب أسفل الخف نجاسة ومسحه على الأرض فهل تصح
صلاته فيه خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي رضي الله عنه الأصح لا تصح
باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام
قوله في خميصة هي كساء مربع من صوف قول صلى الله عليه وسلم وائتوني بأنبجانيه
قال القاضي عياض رويناه بفتح الهمزة وكسرها وبفتح الباء وكسرها أيضا في غير مسلم وبالوجهين
ذكرها ثعلب قال ورويناه بتشديد الياء في آخره وبتخفيفها معا في غير مسلم إذ هو في رواية
لمسلم بانبجانية مشدد مكسور على الإضافة إلى أبي جهم وعلى التذكير كما جاء في الرواية الأخرى
كساء له أنبجانيا قال ثعلب هو كل ما كثف قال غيره هو كساء غليظ لا علم له فإذا كان للكساء
علم فو خميصة فإن لم يكن فهو انبجانية وقال الداودي هو كساء غليظ بين الكساء والعباءة وقال
القاضي أبو عبد الله هو كساء سداه قطن أو كتان ولحمته صوف وقال ابن قتيبة إنما هو منبجاني
ولا يقال انبجاني منسوب إلى منبج وفتح الباء في النسب لأنه خرج مخرج الشذوذ وهو قول
الأصمعي قال الباجي ما قاله ثعلب أظهر والنسب إلى منبج منبجي قوله
صلى الله عليه وسلم شغلتني
أعلام هذه وفي الرواية الأخرى ألهتني وفي رواية للبخاري فأخاف أن تفتني معنى هذه الإلفاظ
متقارب وهو اشتغال القلب بها عن كمال الحضور في الصلاة وتدبر أذكارها وتلاوتها ومقاصدها

43
من الانقياد والخضوع ففيه الحث على حضور القلب في الصلاة وتدبر ما ذكرناه ومنع النظر من
الامتداد إلى ما يشغل وإزالة ما يخاف اشتغال القلب به وكراهية تزويق محراب المسجد وحائطه
ونقشه وغير ذلك من الشاغلات لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة في إزالة الخميصة هذا
المعنى وفيه أن الصلاة تصح وان حصل فيها فكر في شاغل ونحو مما ليس متعلقا بالصلاة
وهذا باجماع الفقهاء وحكى عن بعض السلف والزهاد ما لا يصح عمن يعتد به في الاجماع قال
أصحابنا يستحب له النظر إلى موضع سجود ولا يتجاوزه قال بعضهم يكره تغميض عينيه
وعندي لا يكره الا أن يخاف ضررا وفيه صحة الصلاة في ثوب له أعلام وأن غيره أولى
وأما بعثه صلى الله عليه وسلم بالخميصة إلى أبي جهم وطلب انجانيه فهو من باب الادلال عليه
لعلمه بأنه يؤثر هذا ويفرح به والله أعلم واسم أبي جهم هذا عامر بن حذيفة بن غانم القرشي
العدوي المدني الصحابي قال الحاكم أبو أحمد ويقال اسمه عبيد بن حذيفة وهو غير أبي جهيم
بضم الجيم وزيادة ياء على التصغير المذكور في باب التيمم وفي مرور المار بين يدي المصلى
وقد سبق بيانه في موضعه

44
باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال
وكراهة الصلاة مع مدافعة الحدث ونحوه
قوله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء وفي رواية
إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا
عن عشائكم وفي رواية إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء ولا يعجلن

45
حتى يفرغ منه وفي رواية لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثان
في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به
وذهاب كمال الخشوع وكراهتها مدافعة الأخبثين وهما البول والغائط ويلحق بهذا ما كان
في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم إذا
صلى كذلك وفي الوقت سعة فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة صلى على
حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها وحكى أبو سعد المتولي من
أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وان خرج الوقت لان مقصود الصلاة الخشوع فلا
يفوته وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند
الجمهور لكن يستحب اعادتها ولا يحب ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنها باطلة وفي
الرواية الثانية دليل على امتداد وقت المغرب وفيه خلاف بين العلماء وفي مذهبنا سنوضحه في
أبواب الأوقات إن شاء الله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم ولا يعجلن حتى يفرغ منه دليل
على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله وهذا هو الصواب وأما ما تؤله بعض أصحابنا على إنه
يأكل لقما يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح وهذا الحديث صريح في ابطاله قوله حدثنا
الصلت بن مسعود قال حدثنا سفيان بن موسى سفيان هذا بصرى ثقة معروف قال
الدارقطني هو ثقة مأمون وقال أبو علي الغساني هو ثقة وأنكروا على من زعم أنه مجهول قوله
وكان لحانة هو بفتح اللام وتشديد الحاء أي كثير اللحن في كلامه قال القاضي ورواه
بعضهم لحنة بضم اللام واسكان الحاء وهو بمعنى لحانة قوله ابن أبي عتيق هو عبد الله بن

46
محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه والقاسم هو القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه قوله فغضب وأضب هو بفتح الهمزة والضاد والمعجمة وتشديد الباء
الموحدة أي حقد قولها اجلس غدر هو بضم الغين المعجمة وفتح الدال أي يا غادر قال
أهل اللغة الغدر ترك الوفاء ويقال لمن غدر غادر وغدر وأكثر ما يستعمل في النداء بالشتم وإنما
قالت له غدر لأنه مأمور باحترامها لأنها أم المؤمنين وعمته وأكبر منه وناصحة له ومؤدبة فكان
حقه أن يحتملها ولا يغضب عليها قوله أخبرني أبو حزرة هو بحاء مهمة مفتوحة ثم
زاي ساكنة ثم راء واسمه يعقوب بن مجاهد وهو يعقوب بن مجاهد المذكور في الاسناد الأول
ويقال كنيته أبو يوسف وأما أبو حزرة فلقب له والله أعلم
باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها
مما له رائحة كريهة عن حضور المسجد حتى تذهب تلك الريح
وإخراجه من المسجد
قوله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن المساجد هذا تصريح

47
ينهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد وهذا مذهب العلماء كافة الا ما حكاه القاضي عياض
عن بعض العلماء أن النهي خاص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم
في بعض روايات مسلم فلا يقربن مسجدنا وحجة الجمهور فلا يقربن المساجد ثم إن هذا النهي
إنما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول حلال باجماع
من يعتد به وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع عن حضور الجماعة
وهي عندهم فرض عين وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب كل فانى أناجي
من لا تناجي وقوله صلى الله عليه وسلم أيها الناس انه ليس لي تحريم ما أحل الله لي قال العلماء
ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها قال القاضي
ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشى قال وقال ابن المرابط ويلحق به من به بخر في فيه أو به جرح
له رائحة قال القاضي وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز
ونحوها من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها ولا يلتحق بها الأسواق ونحوها قوله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة وفي الرواية
الأخرى من هذه
البقلة فيه تسمية الثوم شجرا وبقلا قال أهل اللغة البقل كل نبات اخضرت به الأرض

48
قوله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصل معنا هكذا ضبطناه
ولا يصل على النهي ووقع في أكثر الأصول ولا يصلي باثبات الياء على الخبر الذي يراد به النهي
وكلاهما صحيح فيه نهي من أكل الثوم ونحوه عن حضور مجمع المصلين وان كانوا في غير مسجد
ويؤخذ منه النهي عن سائر مجامع العبادات ونحوها كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم فلا يقربن
مسجدنا ولا يؤذينا هو بتشديد نون يؤذينا وإنما نبهت عليه لأني رأيت من خففه ثم استشكل
عليه اثبات الياء مع أن اثبات الياء المخففة جائز على إرادة الخبر
كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم
فان الملائكة تأذى مما يتأذى منه الانس هكذا ضبطناه بتشديد الذال فيهما وهو ظاهر
ووقع في أكثر الأصول تأذى مما يأذى منه الانس بتخفيف الذال فيهما وهي لغة يقال أذى يأذى
مثل عمى يعمى ومعناه تأذى قال العلماء وفي هذا الحديث دليل على منع آكل الثوم ونحوه من
دخول المسجد وإن كان خاليا لأنه محل الملائكة ولعموم الأحاديث

49
قوله أتى بقدر فيه خضرات هكذا هو في نسخ صحيح مسلم كلها بقدر ووقع
في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة أتى ببدر ببائين موحدتين
قال العلماء هذا هو الصواب وفسر الرواة وأهل اللغة والغريب البدر بالطبق قالوا
سمي بدرا لاستدارته كاستدارة البدر قوله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه
الشجرة الخبيثة سماها خبيثة لقبح رائحتها قال أهل اللغة الخبيث في كلام العرب
المكروه من قول أو فعل أو مال إطعام أو شراب أو شخص قوله صلى الله عليه وسلم

50
أيها الناس انه ليس لي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها فيه دليل على أن الثوم ليس
بحرام وهو اجماع من يعتد به كما سبق وقد اختلف أصحابنا في الثوم هل كان حراما على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أم كان يتركه تنزها وظاهر هذا الحديث أنه ليس بمحرم عليه صلى الله
عليه وسلم ومن قال بالتحريم يقول المراد ليس لي أن أحرم على أمتي ما أحل الله لها قوله مر
على زراعة بصل هي بفتح الزاي وتشديد الراء وهي الأرض المزروعة قوله حدثنا هشام قال
حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
خطب يوم الجمعة هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال خالف قتادة في هذا
الحديث ثلاثة حفاظ وهم منصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وعمر بن مرة فرووه عن
سالم عن عمر منقطعا لم يذكروا فيه معدان قال الدارقطني وقتادة وإن كان ثقة وزيادة الثقة
مقبولة عندنا فإنه مدلس ولم يذكر فيه سماعه من سالم فأشبه أن يكون بلغه عن سالم فرواه عنه
قلت هذا الاستدراك مردود لان قتادة وإن كان مدلسا فقد قدمنا في مواضع من هذا الشرح

51
أن ما رواه البخاري ومسلم عن المدلسين وعنعنوه فهو محمول على أنه ثبت من طريق آخر سماع
ذلك المدلس هذا الحديث ممن عنعنه عنه وأكثر هذا أو كثير منه يذكر مسلم وغيره سماعه
من طريق آخر متصلا به وقد اتفقوا على أن المدلس لا يحتج بعنعنته كما سبق بيانه في الفصول
المذكورة في مقدمة هذا الشرح ولا شك عندنا في أن مسلما رحمه الله تعالى يعلم هذه القاعدة
ويعلم تدليس قتادة فلولا ثبوت سماعه عنده لم يحتج به ومع هذا كله فتدليسه لا يلزم منه أن
يذكر معدانا من غير أن يكون له ذكر والذي يخاف في المدلس أن يحذف بعض الرواة
أما زيادة من لم يكن فهذا لا يفعله المدلس وإنما هذا فعل الكاذب المجاهر بكذبه وإنما ذكر معدان
زيادة ثقة فيجب قبولها والعجب من الدارقطني رحمه الله تعالى في كونه جعل التدليس موجبا
لاختراع ذكر رجل لا ذكر له ونسبه إلى مثل قتادة الذي محله من العدالة والحفظ والعلم
بالغاية العالية وبالله التوفيق قوله وان أقواما يأمرونني أن أستخلف وان الله لم يكن ليضيع دينه
ولا خلافته معناه أن استخلف فحسن وان تركت الاستخلاف فحسن
فان النبي صلى الله
عليه وسلم لم يستخلف لان الله عز وجل لا يضيع دينه بل يقيم له من يقوم به قوله فان
عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة معنى شورى يتشاورون فيه ويتفقون على
واحد من هؤلاء الستة عثمان وعلي وطلحة وزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ولم
دخل سعيد بن زيد معهم وإن كان من العشرة لأنه من أقاربه فتورع عن ادخاله كما تورع عن
ادخال ابنه عبد الله رضي الله عنهم قوله وقد علمت أن أقواما يطعنون في هذا الامر إلى قوله فان

52
فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال معناه ان استحلوا ذلك فهم كفرة ضلال وان لم
يستحلوا ذلك ففعلهم فعل الكفرة وقوله يطعنون بضم العين وفتحها وهو الأصح هنا قوله
صلى الله عليه وسلم ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء معناه الآية التي نزلت
في الصيف وهي قول الله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إلى آخرها وفيه دليل على جواز
قول سورة النساء وسورة البقرة وسورة العنكبوت ونحوها وهذا مذهب من يعتد به من العلماء
والاجماع اليوم منعقد عليه وكان فيه نزاع في العصر الأول وكان بعضهم يقول لا يقال سورة كذا
وإنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا وهذا باطل مردود بالأحاديث الصحيحة واستعمال النبي
صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين ولا مفسدة فيه لأن
المعنى مفهوم والله أعلم قوله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما
من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع هذا فيه اخراج من وجد منه ريح الثوم
والبصل ونحوهما من المسجد وإزالة المنكر باليد لمن أمكنه قوله فمن أكلهما فليمتهما طبخا

53
معناه من أراد أكلهما فليمت رائحتهما بالطبخ وإماتة كل شئ كسر قوته وحدته ومنه
قولهم قتلت الخمر إذا مزجها بالماء وكسر حدتها
باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد
قوله صلى الله عليه وسلم من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك
فان المساجد لم تبن لهذا قال أهل اللغة يقال نشدت الدابة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها
ورواية هذا الحديث ينشد ضالة بفتح الياء وضم الشين من نشدت إذا طلبت ومثله قوله في الرواية
الأخرى ان رجلا نشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم

54
لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له قوله إلى الجمل الأحمر في هذين الحديثين فوائد
منها النهي عن نشد الضالة في المسجد ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها
من العقود وكراهة رفع الصوت في المسجد قال القاضي قال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع
الصوت في المسجد بالعلم وغيره وأجاز أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك
رحمه الله تعالى رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولا
بد لهم منه وقوله صلى الله عليه وسلم إنما بنيت المساجد لما بنيت له معناه لذكر الله تعالى
والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها قال القاضي فيه دليل على منع عمل الصانع في المسجد
كالخياطة وشبهها قال وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد قال قال بعض شيوخنا
إنما يمنع في المسجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب به فلا يتخذ المسجد
متجرا فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة واصلاح آلات الجهاد مما
لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به قال وحكى بعضهم
خلافا في تعليم الصبيان فيها وقوله صلى الله
عليه وسلم لا وجدت وأمر أن يقال مثل هذا فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه وينبغي لسامعه
أن يقول لا وجدت فان المساجد لم تبن لهذا أو يقول لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له

55
كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب السهو في الصلاة والسجود له
قال الإمام أبو عبد الله المازري في أحاديث الباب خمسة حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيمن
شك فلم يدر كم صلى وفيه أنه يسجد سجدتين ولم يذكر موضعهما وحديث أبي سعيد رضي الله
عنه فيمن شك فيه أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم وحديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه القيام
إلى خامسة وأنه سجد بعد السلام وحديث ذي اليدين وفيه السلام من اثنتين والمشي والكلام
وأنه سجد بعد السلام وحديث ابن بحينة وفيه القيام مع اثنتين والسجود قبل السلام واختلف
العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث فقال داود لا يقاس عليها بل تستعمل في مواضعها على
ما جاءت قال أحمد رحمه الله تعالى بقول داود في هذه الصلوات خاصة وخالفه في غيرها وقال
يسجد فيما سواها قبل السلام لكل سهو وأما الذين قالوا بالقياس فاختلفوا فقال بعضهم هو مخير
في كل سهو ان شاء سجد بعد السلام وان شاء قبله في الزيادة والنقص وقال أبو حنيفة رضي الله عنه
الأصل هو السجود بعد السلام وتأول بعض الأحاديث عليه وقال الشافعي رحمه الله تعالى الأصل
هو السجود قبل السلام ورد بقية الأحاديث إليه وقال مالك رحمه الله تعالى إن كان السهو زيادة
سجد بعد السلام وإن كان نقصا فقبله فأما الشافعي رحمه الله تعالى فيقول قال في حديث أبي سعيد
فان كانت خامسة شفعها ونص على السجود قبل السلام مع تجويز الزيادة والمجوز كالموجود ويتأول
حديث ابن مسعود رضي الله عنه في القيام إلى خامسة والسجود بعد السلام على أنه صلى الله عليه
وسلم ما علم السهو الا بعد السلام ولو علمه قبله لسجد قبله ويتأول حديث ذي اليدين على أنها
صلاة جرى فيها سهو فسها عن السجود وقبل السلام فتداركه بعده هذا كلام المازري وهو
كلام حسن نفيس وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك رحمه الله تعالى ثم مذهب الشافعي وللشافعي
رحمه الله تعالى قول كمذهب مالك رحمه الله تعالى يفعل بالتخيير وعلى القول بمذهب مالك رحمه
الله تعالى لو اجتمع في صلاة سهوان سهو بزيادة وسهو بنقص سجد قبل السلام قال القاضي
عياض رحمه الله تعالى وجماعة من أصحابنا ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه

56
لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو النقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته وإنما اختلافهم في
الأفضل والله أعلم قال الجمهور لو سها سهوين فأكثر كفاه سجدتان للجميع وبهذا قال الشافعي
ومالك وأبو حنيفة وأحمد رضوان الله عليهم وجمهور التابعين وعن ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى
لكل سهو سجدتان وفيه حديث ضعيف قوله صلى الله عليه وسلم جاءه الشيطان فلبس هو
بتخفيف الباء أي خلط عليه صلاته وهوشها عليه وشككه فيها قوله صلى الله عليه
وسلم إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان إلى آخره هذا الحديث تقدم شرحه في باب
الأذان قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد
سجدتين وهو جالس اختلف العلماء في المراد به فقال الحسن البصري وطائفة من السلف بظاهر

57
الحديث وقالوا إذا شك المصلى فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه الا سجدتان وهو جالس عملا
بظاهر هذا الحديث وقال الشعبي والأوزاعي وجماعة كثيرة من السلف إذا لم يدر كم صلى لزمه
أن يعيد الصلاة مرة بعد أخرى أبدا حتى يستيقن وقال بعضهم يعيد ثلاث مرات فإذا شك في
الرابعة فلا إعادة عليه وقال مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم والجمهور متى شك في صلاته هل
صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو عملا بحديث
أبي سعيد وهو قوله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا
فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا
شفعن له صلاته وإن كان صلى اتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان قالوا فهذا الحديث صريح
في وجوب البناء على اليقين وهو مفسر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيحمل حديث أبي
هريرة عليه وهذا متعين فوجب المصير إليه مع ما في حديث أبي سعيد من الموافقة لقواعد
الشرع في الشك في الاحداث والميراث من المفقود وغير ذلك والله أعل قوله نظرنا
تسليمه أي انتظرناه قوله في حديث ابن بحينة صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى قوله فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم فيه حجة للشافعي رحمه الله تعالى
ومالك والجمهور على أبي حنيفة رضي الله عنه فان عنده السجود للنقص والزيادة بعد السلام

58
قوله عن عبد الله بن بحينة الأسدي حليف بني عبد المطلب أما الأسدي فباسكان
السين ويقال فيه الأزدي كما ذكره في الرواية الأخرى والأزد والأسد باسكان السين قبيلة
واحدة وهما اسمان مترادفان لها وهم أزد شنوؤة وأما قوله حليف بني عبد المطلب فكذا هو في
نسخ صحيح البخاري ومسلم والذي ذكره ابن سعد وغيره من أهل السير والتواريخ أنه حليف
بني المطلب وكان جده حالف المطلب بن عبد مناف قوله عن عبد الله بن مالك ابن
بحينة والصواب في هذا أن ينون مالك ويكتب ابن بحينة بالألف لأن عبد الله هو بن
مالك وابن بحينة فمالك أبوه وبحينة أمه وهي زوجة مالك فمالك أبو عبد الله وبحينة أم عبد
الله فإذا قرئ كما ذكرناه انتظم على الصواب ولو قرئ بإضافة مالك إلى بن فسد المعنى واقتضى
أن يكون مالك ابنا لبحينة وهذا غلط وإنما هو زوجها وفي الحديث دليل لمسائل كثيرة
إحداها أن سجود السهو قبل السلام اما مطلقا كما يقول الشافعي واما في النقص كما يقوله
مالك الثانية أن التشهد الأول والجلوس له ليسا بركنين في الصلاة ولا
واجبين إذ لو كانا واجبين لما جبرهما السجود كالركوع والسجود وغيرهما وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي
رحمهم الله تعالى وقال أحمد في طائفة قليلة هما واجبان وإذا سها جبرهما السجود على مقتضى
الحديث الثالثة فيه أنه يشرع التكبير لسجود السهو وهذا مجمع عليه واختلفوا فيما إذا فعلهما
بعد السلام هل يتحرم ويتشهد ويسلم أم لا والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد وهكذا
الصحيح عندنا في سجود التلاوة أنه يسلم ولا يتشهد كصلاة الجنازة وقال مالك يتشهد ويسلم

59
في سجود السهو بعد السلام واختلف قوله هل يجهر بسلامهما كسائر الصلوات أم لا وهل يحرم لهما
أم لا وقد ثبت السلام لهما إذا فعلتا بعد السلام في حديث ابن مسعود وحديث ذي اليدين
ولم يثبت في التشهد حديث واعلم أن جمهور العلماء على أنه يسجد للسهو في صلاة التطوع كالفرض
وقال ابن سيرين وقتادة لا سجود للتطوع وهو قول ضعيف غريب عن الشافعي رحمه الله
تعالى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ظاهر
الدلالة لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى كما سبق في أنه يسجد للزيادة والنقص قبل السلام وسبق
تقريره في كلام المازري واعترض عليه بعض أصحاب مالك بأن مالكا رحمه الله تعالى رواه
مرسلا وهذا اعتراض باطل لوجهين أحدهما أن الثقات الحفاظ الأكثرين رووه متصلا فلا
يضر مخالفة واحد لهم في ارساله لأنهم حفظوا ما لم يحفظه وهم ثقات ضابطون حفاظ متقنون
الثاني أن المرسل عند مالك رحمه الله تعالى حجة فهو وارد عليهم على كل تقدير قوله صلى الله
عليه وسلم كانتا ترغيما للشيطان أي إغاظة له واذلالا مأخوذ من الرغام وهو التراب ومنه
الرغم الله أنفه والمعنى أن
الشيطان لبس عليه صلاته وتعرض لافسادها ونقصها فجعل الله
تعالى للمصلى طريقا إلى جبر صلاته وتدارك ما لبسه عليه وارغام الشيطان ورده خاسئا مبعدا

60
عن مراده وكملت صلاة ابن آدم وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من
امتناعه من السجود والله أعلم قوله في اسناد حديث ابن مسعود حدثنا أبو بكر وعثمان
ابنا أبي شيبة إلى آخره هذا الاسناد كله كوفيون الا إسحاق بن راهويه رفيق ابني
أبي شيبة قوله فسجد سجدتين ثم سلم دليل لمن قال يسلم إذا سجد للسهو بعد السلام
وقد سبق بيان الخلاف فيه قوله صلى الله عليه وسلم لو حدث في الصلاة شئ أنبأتكم به
فيه أنه لا يؤخر البيان وقت الحاجة قوله صلى الله عليه وسلم ولكن إنما أنا بشر أنسى
كما تنسون فإذا نسيت فذكروني فيه دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم في
أحكام الشرع وهو مذهب جمهور العلماء وهو ظاهر القرآن والحديث اتفقوا على أنه صلى الله
عليه وسلم لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به ثم قال الأكثرون شرطه تنبهه صلى الله عليه وسلم
على الفور متصلا بالحادثة ولا يقع فيه تأخير وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته صلى الله عليه
وسلم واختاره امام الحرمين ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال
البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه صلى الله عليه وسلم في الأقوال البلاغية
وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائني والصحيح الأول
فان السهو لا يناقض النبوة وإذا لم يقر عليه لم يحصل منه مفسدة بل تحصل فيه فائدة وهو بيان

61
أحكام الناسي وتقرير الأحكام قال القاضي واختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم
في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه
الجمهور وأما السهو في الأقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما اجمعوا على امتناع تعمده وأما
السهو في الأقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار
القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحي فجوزه قوم إذ لا مفسدة فيه قال القاضي رحمه
الله تعالى والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار
كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا في مرض ولا رضاء ولا غضب
وحسبك في ذلك أن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وكلامه وأفعاله مجموعة معتنى بها على
مر الزمان يتداولها الموافق والمخالف والمؤمن المرتاب فلم يأت في شئ منها استدراك غلط في
قول ولا اعتراف بوهم في كلمة ولو كان لنقل كما نقل سهوه في الصلاة ونومه عنها واستدراكه
رأيه في تلقيح النخل وفي نزوله بأدنى مياه بدر وقوله صلى الله عليه وسلم والله لا أحلف على
يمين فأرى غيرها خيرا منها الا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني وغير ذلك وأما جواز
السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير يمتنع والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم فإذا
نسيت فذكروني فيه أمر التابع بتذكير المتبوع بما ينساه قوله صلى الله عليه وسلم وإذا
شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين وفي رواية فلينظر
أحرى ذلك للصواب وفي رواية فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب وفي رواية فليتحر الذي يرى
أنه الصواب فيه دليل لأبي حنيفة رحمه الله تعالى وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل
الري على أن من
شك في صلاته في عدد ركعات تحرى وبني على غالب ظنه ولا يلزمه الاقتصار
على الأقل والاتيان بالزيادة وظاهر هذا الحديث حجة لهم ثم اختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة
ومالك رحمهما الله تعالى في طائفة هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى وأما غيره فيبني على اليقين

62
وقال آخرون هو على عمومه وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا
مثلا لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيأتي بما بقي ويسجد للسهو واحتجوا بقوله صلى الله
عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين
قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى اتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان
وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين وحملوا التحري في حديث ابن مسعود رضي الله عنه على
الاخذ باليقين قالوا والتحري هو القصد ومنه قول الله تعالى تحروا رشدا فمعنى الحديث فليقصد
الصواب فليعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره فان قالت الحنفية حديث
أبي سعيد لا يخالف ما قلناه لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد
الطرفين بنى على الأقل بالاجماع بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا فالجواب أن تفسير
الشك بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود
الشئ وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوى والراجح والمرجوح والحديث يحمل على اللغة ما لم

63
يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح والله
أعلم قوله عن عبد الله رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا فلما سلم قيل
له أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فجسد سجدتين هذا فيه دليل لمذهب مالك
والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته
بل أن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهو أن ذكر بعد السلام بقريب
وان طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد وان ذكر قبل السلام عاد إلى القوم سواء كان في قيام أو
ركوع أو سجود أو غيرها ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم وهل يسجد للسهو قبل السلام أم بعده
فيه خلاف العلماء السابق هذا مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنهم إذا
زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته ولزمه اعادتها وقال أبو حنيفة رضي الله عنه إن كان تشهد في
الرابعة ثم زاد خامسة أضاف إليها سادسة تشفعها وكانت نفلا بناء على أصله في أن السلام
ليس بواجب ويخرج من الصلاة بكل ما ينافيها وأن الركعة الفردة لا تكون صلاة قال وان
لم يكن تشهد بطلت صلاته لان الجلوس بقدر التشهد واجب ولم يأت به حتى أتى بالخامسة
وهذا الحديث يرد كل ما قالوه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها وإنما
تذكر بعد السلام ففيه رد عليهم وحجة الجمهور ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أن الزيادة على
وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء قلت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة فسواء زاد ركوعا
أو سجودا أو ركعة أو ركعات كثيرة ساهيا فصلاته صحيحة في كل ذلك ويسجد للسهو استحبابا
لا ايجابا وأما مالك فقال القاضي عياض مذهبه أنه ان زاد دون نصف
الصلاة لم تبطل صلاته بل هي صحيحة
ويسجد للسهو وان زاد النصف فأكثر فمن أصحابه من أبطلها وهو قول مطرف وابن القاسم ومنهم
من قال إن زاد ركعتين بطلت وان زاد ركعة فلا وهو قول عبد الملك وغيره ومنهم من قال

64
لا تبطل مطلقا وهو مروي عن مالك رحمه الله تعالى والله أعلم قوله حدثنا ابن نمير قال
حدثنا ابن إدريس إلى آخره وقال في الاسناد الآخر حدثنا عثمان بن أبي شيبة إلى آخره هذان
الاسنادان كلهم كوفيون قوله وأنت يا أعور فيه دليل على جواز قول مثل هذا الكلام لقرابته
وتلميذه وتابعه إذا لم يتأذ به قال القاضي إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي وإبراهيم بن سويد النخعي
الأعور آخر وزعم الداودي أنه إبراهيم بن يزيد التيمي وهو وهم فإنه ليس بأعور وثلاثتهم
كوفيون فضلاء قال البخاري ابن يزيد النخعي الأعور الكوفي سمع علقمة وذكر الباجي إبراهيم
ابن يزيد النخعي الكوفي الفقيه وقال فيه الأعور ولم يصفه البخاري بالأعور ولا رأيت من
وصفه به وذكر ابن قتيبة في العور إبراهيم النخعي فيحتمل أنه ابن سويد كما قال البخاري ويحتمل
أنه إبراهيم بن يزيد هذا آخر كلام القاضي والصواب أن المراد بإبراهيم هنا إبراهيم بن سويد
الأعور النخعي وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه المشهور قوله توشوش القوم ضبطناه
بالشين المعجمة وقال القاضي روى بالمعجمة وبالمهملة
وكلاهما صحيح ومعناه تحركوا ومنه

65
وسواس الحلي بالمهملة وهو تحركه ووسوسة الشيطان قال أهل اللغة الوشوشة بالمعجمة صوت
في اختلاط قال الأصمعي ويقال رجل وشواش أي خفيف قوله حدثنا منجاب بن الحارث
إلى آخره هذا الاسناد كله كوفيون قوله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص فقيل يا رسول الله
أزيد في الصلاة شئ فقال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين
وهو جالس ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدتين هذا الحديث مما يستشكل ظاهره لأن
ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم هذا الكلام بعد أن ذكر أنه زاد
أو نقص قبل أن يسجد للسهو ثم بعد أن قاله سجد للسهو ومتى ذكر ذلك فالحكم أنه يسجد
ولا يتكلم ولا يأتي بمناف للصلاة ويجاب عن هذا الاشكال بثلاثة أجوبة أحدها أن ثم هنا
ليست لحقيقة الترتيب وإنما هي لعطف جملة على جملة وليس معناه أن التحول والسجود كانا
بعد الكلام بل إنما كانا قبله ومما يؤيد هذا التأويل أنه قد سبق في هذا الباب في أول طرق

66
حديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا بهذا الاسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد
أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ قال وما ذاك قالوا صليت كذا
وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال إنه لو حدث
في الصلاة شئ أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا
شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين فهذه الرواية صريحة في
أن التحول والسجود قبل الكلام فتحمل الثانية عليها جمعا بين
الروايتين وحمل الثانية على
الأولى أولى من عكسه لان الأولى على وفق القواعد الجواب الثاني أن يكون هذا قبل
تحريم الكلام في الصلاة الثالث أنه وان تكلم عامدا بعد السلام لا يضره ذلك ويسجد
بعده للسهو وهذا على أحد الوجهين لأصحابنا أنه إذا سجد لا يكون بالسجود عائدا إلى الصلاة
حتى لو أحدث فيه لا تبطل صلاته بل قد مضت على الصحة والوجه الثاني وهو الأصح عند أصحابنا أنه

67
يكون عائدا وتبطل صلاته بالحدث والكلام وسائر المنافيات للصلاة والله أعلم قوله في حديث
أبي هريرة في قصة ذي اليدين احدى صلاتي العشى اما الظهر واما العصر هو بفتح العين وكسر
الشين وتشديد الياء قال الأزهري العشى عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها قوله ثم أتى
جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها هكذا هو في كل الأصول فاستند إليها والجذع مذكر ولكن
أنثه على إرادة الخشبة وكذا جاء في رواية البخاري وغيره خشبة قوله فاستند إليها مغضبا هو
بفتح الضاد قوله وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة يعني يقولون قصرت الصلاة والسرعان
بفتح السين والراء هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة وهكذا ضبطه
المتقنون والسرعان المسرعون إلى الخروج ونقل القاضي عياض عن بعضهم اسكان
الراء قال وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين واسكان الراء ويكون جمع سريع
كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان وقوله قصرت الصلاة بضم القاف وكسر الصاد وروى
بفتح القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح ولكن الأول أشهر وأصح قوله فقام ذو اليدين
وفي رواية رجل من بني سليم وفي رواية
رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول وفي رواية رجل
بسيط اليدين هذا كله رجل واحد اسمه الخرباق بن عمرو بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة

68
وآخره قاف ولقبه ذو اليدين لطول كان في يديه وهو معنى قوله بسيط اليدين قوله صلى
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين وفي رواية صلاة
الظهر قال المحققون هما قضيتان وفي حديث عمران بن الحصين سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق فقال يا رسول الله
فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه وفي رواية له سلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام
فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة وحديث عمران هذا قضية ثالثة
في يوم آخر والله أعلم قوله وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال وسلم القائل وأخبرت
هو محمد بن سيرين قوله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل
ذلك لم يكن فيه تأويلان أحدهما قاله جماعة من أصحابنا في كتب المذهب أن معناه لم يكن المجموع
فلا ينفي وجود أحدهما والثاني وهو الصواب معناه لم يكن لا ذاك ولا ذا في ظني بل ظني أني
أكملت الصلاة أربعا ويدل على صحة هذا التأويل وأنه لا يجوز غيره أنه جاء في روايات البخاري
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم تقصر
ولم أنس فنفى الامرين قوله حدثنا
هارون بن إسماعيل الخزاز هو بخاء معجمة وزاي مكررة

69
قوله عن أبي المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمر وقيل معاوية بن عمر وقيل عمرو
بن معاوية ذكر هذه الأقوال الثلاثة في اسمه البخاري في تاريخه وآخرون وقيل اسمه
النضر بن عمر الجرمي الأزدي البصري التابعي الكبير روى عن عمر بن الخطاب وعثمان
ابن عفان وأبي بن كعب وعمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين وهو عم أبي قلابة
الراوي عنه هنا قوله وخرج غضبان يجر رداءه يعني لكثرة اشتغاله بشأن الصلاة
خرج يجر رداءه ولم يتمهل ليلبسه قوله في آخر الباب في حديث إسحاق بن منصور سلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركعتين فقال رجل من بني سليم واقتص الحديث هكذا
هو في بعض الأصول المعتمدة من الركعتين وهو الظاهر الموافق لباقي الروايات وفي بعضها

70
بين الركعتين وهو صحيح أيضا ويكون المراد بين الركعتين الثانية والثالثة واعلم أن حديث
ذي اليدين هذا فيه فوائد كثيرة وقواعد مهمة منها جواز النسيان في الافعال والعبادات على
الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأنهم لا يقرون عليه وقد تقدمت هذه القاعدة
في هذا الباب ومنها أن الواحد إذا ادعى شيئا جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم سئلوا
عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال ومنها اثبات سجود السهو وانه سجدتان وأنه يكبر لكل
واحدة منهما وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود فلو خالف المعتاد لبينه وأنه
يسلم من سجود السهو وأنه لا تشهد له وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام وقد
سبق أن الشافعي رحمه الله تعالى يحمله على أن تأخير سجود السهو كان نسيانا لا عمدا ومنها
أن كلام الناسي للصلاة والذي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها وبهذا قال جمهور العلماء من السلف
والخلف وهو قول ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن والشعبي وقتادة
والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وجميع المحدثين رضي الله عنهم وقال أبو حنيفة رضي
الله عنه وأصحابه والثوري في أصح الروايتين تبطل صلاته بالكلام ناسيا أو جاهلا لحديث
ابن مسعود وزيد بن أرقم رضي الله عنهما وزعموا أن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث
ابن مسعود وزيد بن أرقم قالوا لان ذا اليدين
قتل يوم بدر ونقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر وأن قضيته في الصلاة كانت قبل بدر قالوا ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة
رواه وهو متأخر الاسلام عن بدر لان الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي
صلى الله عليه وسلم أو صحابي آخر وأجاب أصحابنا وغيرهم من العلماء عن هذا بأجوبة صحيحة
حسنة مشهورة أحسنها وأتقنها ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في التمهيد قال أما ادعاؤهم أن
حديث أبي هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فغير صحيح لأنه لا خلاف بين
أهل الحديث والسير أن حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من أرض الحبشة قبل
الهجرة وأن حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين كان بالمدينة وإنما أسلم أبو هريرة عام
خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف وأما حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فليس فيه بيان أنه
قبل حديث أبي هريرة أو بعده والنظر يشهد أنه قبل حديث أبي هريرة وأما قولهم أن أبا هريرة رضي
الله عنه لم يشهد ذلك فليس بصحيح بل شهوده لها محفوظا من روايات الثقات الحفاظ ثم ذكر

71
باسناده الرواية الثانية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أن أبا هريرة قال صلى لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم احدى صلاتي العشي فسلم من اثنتين وذكر الحديث وقصة ذي اليدين وفي روايات
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية في مسلم وغيره بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر الحديث وفي رواية في غير مسلم بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد روى
قصة ذي اليدين عبد الله بن عمر ومعاوية بن حديج بضم الحاء المهملة وعمران بن حصين وابن
مسعدة رجل من الصحابة رضي الله عنهم وكلهم لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبه
الا بالمدينة متأخرا ثم ذكر أحاديثهم بطرقها قال وابن مسعدة هذا رجل من الصحابة يقال له
صاحب الجيوش اسمه عبد الله معروف في الصحابة له رواية قال وأما قولهم إن ذا اليدين قتل
يوم بدر فغلط وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين ولسنا ندافعهم أن ذا الشمالين قتل يوم بدر
لان ابن إسحاق وغيره من أهل السير ذكره فيمن قتل يوم بدر قال ابن إسحاق ذو الشمالين
هو عمير بن عمرو بن عيشان من خزاعة حليف لبني زهرة قال أبو عمر فذو اليدين غير ذي
الشمالين المقتول ببدر بدليل حضور أبي هريرة ومن ذكرنا قصة ذي اليدين وأن المتكلم رجل
من بني سليم كما ذكره مسلم في صحيحه وفي رواية عمران بن الحصين رضي الله عنه اسمه الخرباق
ذكره مسلم فذوا اليدين الذي شهد السهو في الصلاة سلمى وذو الشمالين المقتول ببدر خزاعي
يخالفه في الاسم والنسب وقد يمكن أن يكون رجلان وثلاثة يقال لكل واحد منهم ذو اليدين
وذو الشمالين لكن المقتول ببدر غير المذكور في حديث السهو هذا قول أهل الحذق والفهم
من أهل الحديث والفقه ثم روى هذا باسناده عن مسدد وأما قول الزهري في حديث السهو ان
المتكلم ذو الشمالين فلم يتابع عليه وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطربا
أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ثم ذكر طرقه وبين اضطرابها في المتن
والاسناد وذكر أن مسلم بن الحجاج غلط الزهري في حديثه قال أبو عمر رحمه الله تعالى
لا أعلم أحدا من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على حديث الزهري في قصة ذي
اليدين وكلهم تركوه لاضطرابه وأنه لم يتم له اسنادا ولا متنا وإن كان اماما عظيما في هذا
الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر والكمال
لله تعالى وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك الا النبي
صلى الله عليه وسلم فقول الزهري أنه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه هذا كلام أبي

72
عمر بن عبد البر مختصرا وقد بسط رحمه الله تعالى شرح هذا الحديث بسطا لم يبسطه غيره
مشتملا على التحقيق والاتقان والفوائد الجمة رضي الله عنه فان قيل كيف تكلم ذو اليدين
والقوم وهم بعد في الصلاة فجوابه من وجهين أحدهما أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في
الصلاة لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين ولهذا قال أقصرت الصلاة أم
نسيت والثاني أن هذا كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابا وذلك لا يبطل عندنا وعند
غيرنا والمسألة مشهورة بذلك وفي رواية لأبي داود باسناد صحيح أن الجماعة أومأوا أي نعم
فعلى هذه الرواية لم يتكلموا فان قيل كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الجماعة
وعندكم لا يجوز للمصلى الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره اماما كان أو مأموما ولا يعمل الا
على يقين نفسه فجوابه أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم ليتذكر فلما ذكروه تذكر فعلم السهو
فبنى عليه لا أنه رجع إلى مجرد قولهم ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره لرجع
ذو اليدين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لم تقصر ولم أنس وفي هذا الحديث دليل على أن
العمل الكثير والخطوات إذا كانت في الصلاة
سهوا لا تبطلها كما لا يبطلها الكلام سهوا وفي
هذه المسألة وجهان لأصحابنا أصحهما عند المتولي لا يبطلها لهذا الحديث فإنه ثبت في مسلم أن
النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى الجذع وخرج السرعان وفي رواية دخل الحجرة
ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته والوجه الثاني وهو المشهور في المذهب أن الصلاة تبطل بذلك وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبطلها والله أعلم

73
باب سجود التلاوة
قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد
معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته وفي رواية فيمر بالسجدة فيسجد بنا في غير
صلاة فيه اثبات سجود التلاوة وقد أجمع العلماء عليه وهو عندنا وعند الجمهور سنة ليس
بواجب وعند أبي حنيفة رضي الله عنه واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب
والفرض وهو سنة للقارئ والمستمع له ويستحب أيضا للسامع الذي لا يسمع لكن لا يتأكد في حقه
تأكده في حق المستمع المصغي وقوله فيسجد بنا
معناه يسجد ونسجد معه كما في الرواية الأولى
قال العلماء إذا سجد المستمع لقراءة غيره وهما في غير صلاة لم ترتبط به بل له أن يرفع قبله وله
أن يطول السجود بعده وله أن يسجد ان لم يسجد القارئ سواء كان القارئ متطهرا أو محدثا
أو امرأة أو صبيا أو غيرهم ولأصحابنا وجه ضعيف أنه لا يسجد لقراءة الصبي والمحدث والكافر
والصحيح الأول قوله عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

74
أنه قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه
إلى جبهته وقال يكفيني هذا قال عبد الله لقد رأيته بعد قتل كافرا هذا الشيخ هو أمية بن خلف
وقد قتل يوم بدر كافرا ولم يكن أسلم قط وأما قوله وسجد من كان معه فمعناه من كان حاضرا
قراءته من المسلمين والمشركين والجن والانس قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره حتى شاع
أن أهل مكة أسلموا قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود
رضي الله عنه أنها أول سجدة نزلت قال القاضي رضي الله عنه وأما ما يرويه الأخباريون
والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة
المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شئ لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن
مدح اله غير الله تعالى كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك والله أعلم قوله
عن ابن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط بضم القاف وفتح السين المهملة قوله سأل زيد بن
ثابت رضي الله عنه عن القراءة
مع الامام فقال لا قراءة مع الامام في شئ وزعم أنه قرأ على
رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم إذا هوى فلم يسجد أما قوله لا قراءة مع الامام في شئ
فيستدل به أبو حنيفة رضي الله عنه وغيره ممن يقول لا قراءة على المأموم في الصلاة سواء كانت

75
سرية أو جهرية ومذهبنا أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الصلاة السرية وكذا في الجهرية
على أصح القولين والجواب عن قول زيد هذا من وجهين أحدهما أنه قد ثبت قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقوله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم خلفي فلا
تقرؤوا الا بأم القرآن وغير ذلك من الأحاديث وهي مقدمة على قول زيد وغيره والثاني ان قول
زيد محمول على قراءة السورة التي بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية فان المأموم لا يشرع له قراءتها
وهذا للتأويل متعين ليحمل قوله على موافقة الأحاديث الصحيحة ويؤيد هذا أنه يستحب
عندنا وعند جماعة للامام أن يسكت في الجهرية بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة وجاء
فيه حديث حسن في سنن أبي داود وغيره في تلك السكتة يقرأ المأموم الفاتحة فلا يحصل قراءته
مع قراءة الإمام بل في سكتته وأما قوله وزعم أنه قرأ فالمراد بالزعم هنا القول المحقق وقد قدمنا
بيان هذه المسألة في أوائل هذا الشرح وأن الزعم يطلق على القول المحقق والكذب وعلى المشكوك
فيه وينزل في كل موضع على ما يليق به وذكرنا هناك دلائله وأما قوله وزعم
أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فاحتج به مالك رحمه الله تعالى ومن وافقه في أنه لا سجود
في المفصل وأن سجدة النجم وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك منسوخات بهذا الحديث
أو بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى

76
المدينة وهذا مذهب ضعيف فقد ثبت حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور بعده في مسلم قال
سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت وأقراء باسم ربك وقد أجمع العلماء
على أن اسلام أبي هريرة رضي الله عنه كان سنة سبع من الهجرة فدل على السجود في
المفصل بعد الهجرة وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه تضعيف الاسناد لا يصح الاحتجاج
به وأما حديث أبي زيد فمحمول على بيان جواز ترك السجود وأنه سنة ليس بواجب ويحتاج
إلى هذا التأويل للجمع بينه وبين حديث أبي هريرة والله أعلم وقد اختلف العلماء في عدد سجدات
التلاوة فمذهب الشافعي رضي الله عنه وطائفة أنهن أربع عشرة سجدة منها سجدتان في الحج
وثلاث في المفصل وليست سجدة صاد منهن وإنما هي سجدة شكر وقال مالك رحمه الله تعالى
وطائفة هي احدى عشرة أسقط سجدات المفصل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هن أربع
عشرة أثبت سجدات المفصل وسجدة صاد وأسقط السجدة الثانية من الحج وقال أحمد وابن سريج
من أصحابنا وطائفة هن خمسة عشرة أثبتوا الجميع ومواضع السجدات معروفة واختلفوا في
سجدة فقال مالك وطائفة من السلف وبعض أصحابنا هي عقب قوله تعالى ان كنتم إياه
تعبدون وقال أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى والجمهور عقب وهم لا يسئمون والله أعلم
قوله عن عطاء بن ميناء هو بكسر الميم ويمد ويقصر وقد سبق بيانه قوله عن صفوان بن
سليم عن عبد الرحمن الأعرج مولى بني مخزوم عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي الرواية
الثانية عن عبد الله بن أبي جعفر عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله
قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين في آخر ترجمة أبي هريرة الأعرج الأول مولى بني مخزوم
اسمه عبد الرحمن بن سعد المقعد كنيته أبو أحمد وهو قليل الحديث وأما عبد الرحمن الأعرج
الآخر فهو ابن هرمز كنيته أبو داود مولى ربيعة بن الحارث وهو كثير الحديث وروي عنه

77
جماعات من الأئمة قال وقد أخرج مسلم عنهما جميعا في سجود القرآن
قال فربما أشكل ذلك فمولى بني مخزوم يروي ذلك عنه صفوان بن سليم وأما ابن هرمز فيروي ذلك عنه عبيد
الله بن أبي جعفر هذا كلام الحميدي وهو مليح نفيس وكذا قال الدارقطني ان الأعرج اثنان
يرويان عن أبي هريرة أحدهما وهو المشهور عبد الرحمن بن هرمز والثاني عبد الرحمن بن سعد

78
مولى بني مخزوم وهذا هو الصواب وقال أبو مسعود الدمشقي هما واحد قال أبو علي الغساني
الجياني الصواب قول الدارقطني والله أعلم واعلم أنه يشترط لجواز سجود التلاوة وصحته شروط
صلاة النفل من الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة ولا يجوز السجود
حتى يتم قراءة السجدة ويجوز عندنا سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها لأنها
ذات سبب ولا يكره عندنا ذوات الأسباب وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء وفي سجود
التلاوة مسائل وتفريعات مشهورة في كتب الفقه وبالله التوفيق
باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين
قوله عن ابن الزبير رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة
جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى
ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه وفي رواية أشار بأصبعه السبابة ووضع

79
ابهامه على إصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ووضع إصبعه اليمنى التي
تلي الابهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها وفي رواية عنه ووضع يده اليمنى على
ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة هذا الذي ذكره من صفة القعود هو التورك
لكن قوله وفرش قدمه اليمنى مشكل لأن السنة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء
وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك في صحيح البخاري وغيره قال القاضي عياض رضي
الله عنه قال الفقيه أبو محمد الخشني صوابه وفرش قدمه اليسرى ثم أنكر القاضي قوله لأنه قد
ذكر في هذه الرواية ما يفعل باليسرى وأنه جعلها بين فخذه وساقه قال ولعل صوابه ونصب قدمه
اليمنى قال وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى ويكون معنى فرشها أنه لم ينصبها على أطراف أصابعه
في هذه المرة ولا فتح أصابعها كما كان يفعل في غالب الأحوال هذا كلام القاضي وهذا التأويل
الأخير الذي ذكره هو المختار ويكون فعل هذا لبيان الجواز وأن
وضع أطراف الأصابع على
الأرض وإن كان مستحبا يجوز تركه وهذا التأويل له نظائر كثيرة لا سيما في باب الصلاة وهو
أولى من تغليط رواية ثابتة في الصحيح واتفق عليها جميع نسخ مسلم وقد سبق اختلاف العلماء

80
في أن الأفضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش فمذهب مالك وطائفة تفضيل
التورك فيهما لهذا الحديث ومذهب أبي حنيفة وطائفة تفضيل الافتراش ومذهب الشافعي رضي
الله عنه وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الأخير لحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح
البخاري وهو صريح في الفرق بين التشهدين قال الشافعي رحمه الله تعالى والأحاديث الواردة بتورك
أو افتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو أحدهما وقد بينه أبو حميد ورفقته ووصفوا
الافتراش في الأول والتورك في الأخير وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه والله أعلم وأما
قوله ووضع يده اليسرى على ركبته وفي رواية ويلقم كفه اليسرى ركبته فهو دليل على استحباب
ذلك وقد أجمع العلماء على استحباب وضعها عند الركبة أو على الركبة وبعضهم يقول بعطف
أصابعها على الركبة وهو معنى قوله ويلقم كفه اليسرى ركبته والحكمة في وضعها عند الركبة منعها من
العبث وأما قوله ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى فمجمع على استحبابه وقوله أشار بأصبعه السبابة
ووضع ابهامه على إصبعه الوسطى وفي الرواية الأخرى وعقد ثلاثا وخمسين هاتان الروايتان
محمولتان على حالين ففعل في وقت هذا وفي وقت هذا وقد رام بعضهم الجمع بينهما بأن يكون المراد بقوله
على إصبعه الوسطى أي وضعها قريبا من أسفل الوسطى وحينئذ يكون بمعنى العقد ثلاثا وخمسين
وأما الإشارة بالمسبحة فمستحبة عندنا للأحاديث الصحيحة قال أصحابنا يشير عند قوله الا الله
من الشهادة ويشير بمسبحة اليمنى لا غير فلو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها لا من الأصل باليمنى
ولا اليسرى والسنة أن لا يجاوزه بصره إشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها

81
موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والاخلاص والله أعلم واعلم أن قوله عقد ثلاثا وخمسين
شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مرادا ههنا بل المراد أن
يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين والله أعلم
باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته
قوله إن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله أني علقها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يفعله وعن سعد رضي الله عنه قال كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه
وعن يساره حتى أرى بياض خده فقوله أني علقها هو بفتح العين وكسر اللام أي من أين حصل

82
هذه السنة وظفر بها فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه يسن تسليمتان
وقال مالك وطائفة إنما يسن تسليمه واحدة وتعلقوا بأحاديث ضعيفة لا تقاوم هذه الأحاديث
الصحيحة ولو ثبت شئ منها حمل على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة وأجمع
العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب الا تسليمه واحدة فان سلم واحدة استحب له أن يسلمها
تلقاء وجهه وان سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره ويلتفت في كل تسليمة
حتى يرى من عن جانبه خده هذا هو الصحيح وقال بعض أصحابنا حتى يرى خديه من عن جانبه
ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه
صحت صلاته وحصلت تسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما واعلم أن السلام ركن من
أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح الا به هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين
فمن بعدهم وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو سنة ويحصل التحلل من الصلاة بكل شئ ينافيها
من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو غير ذلك واحتج الجمهور
بأن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يسلم وثبت في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتموني أصلي وبالحديث
الآخر تحريمها التكبير وتحليلها التسليم
باب الذكر بعد الصلاة
فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

83
بالتكبير وفي رواية ان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة
كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال ابن عباس رضي الله عنهما كنت أعلم إذا انصرفوا
بذلك إذا سمعته هذا دليل لما قاله بعض السلف أنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر
عقب المكتوبة وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهري ونقل ابن بطال وآخرون أن
أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير
وحمل الشافعي رحمه الله تعالى هذا الحديث على أنه جهر وقتا يسيرا حتى يعلمهم صفة الذكر
لا أنهم جهروا دائما قال فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة
ويخفيان ذلك الا أن يكون اماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر
وحمل الحديث على هذا وقوله كنت أعلم إذا انصرفوا ظاهره أنه لم يكن يحضر الصلاة في
الجماعة في بعض الأوقات لصغره قوله أخبرني هذا أبو معبد ثم أنكره في احتجاج مسلم
بهذا الحديث دليل على ذهابه إلى صحة الحديث الذي يروي على هذا الوجه مع انكار المحدث
له إذا حدث به عنه ثقة وهذا مذهب
جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين قالوا
يحتج به إذا كان انكار الشيخ له لتشكيكه فيه أو لنسيانه أو قال لا أحفظه أو لا أذكر أني
حدثتك به ونحو ذلك وخالفهم الكرخي من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهما فقال لا يحتج به
فأما إذا أنكره انكارا جازما قاطعا بتكذيب الراوي عنه وأنه لم يحدثه به قط فلا يجوز الاحتجاج
به عند جميعهم لان حزم كل واحد يعارض جزم الآخر والشيخ هو الأصل فوجب اسقاط

84
هذا الحديث ولا يقدح ذلك في باقي أحاديث الراوي لأنا لم نتحقق كذبه
باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات
وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم
حاصل أحاديث الباب استحباب التعوذ بين التشهد والتسليم من هذه الأمور وفيه اثبات عذاب
القبر وفتنته وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة ومعنى فتنة المحيا والممات الحياة والموت واختلفوا
في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الاحتضار وأما الجمع بين فتنة
المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وعذاب القبر فهو من باب ذكر الخاص بعد العام ونظائره
كثيرة قوله عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية قالت هل شعرت أنكم تفتنون في القبور فارتاع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنما تفتن يهود فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

85
وسلم هل شعرت أنه أوحى إلى أنكم تفتنون في القبور وفي الرواية الأخرى دخلت عجوز
من عجز يهود المدينة وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم صدقهما هذا محمول على أنهما قضيتان
فجرت القضية الأولى ثم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ثم جاءت العجوزان بعد ليال
فكذبتهما عائشة رضي الله عنها ولم تكن علمت نزول الوحي باثبات عذاب القبر فدخل عليها
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول العجوزين فقال صدقتا وأعلم عائشة رضي الله عنها بأنه
كان قد نزل الوحي باثباته وقولها لم أنعم أن أصدقهما أي لم تطب نفسي أن أصدقهما ومنه
قولهم في التصديق نعم وهو بضم الهمزة واسكان النون وكسر العين قوله صلى الله عليه وسلم

86
اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ومعناه من الاثم والغرم وهو الدين قوله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع فيه التصريح باستحبابه
في التشهد الأخير والإشارة إلى أنه لا يستحب في الأول وهكذا الحكم لان الأول مبنى على

87
التخفيف قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة

88
من القرآن وان طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة هذا
كله يدل على تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحث الشديد عليه وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى
أنه حمل الامر به على الوجوب فأوجب إعادة الصلاة لفواته وجمهور العلماء على أنه مستحب
ليس بواجب ولعل طاوسا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه
والله أعلم قال القاضي عياض رحمه الله تعالى ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستعاذته من هذه
الأمور التي قد عوفي منها وعصم إنما فعله ليلتزم خوف الله تعالى واعظامه والافتقار إليه
ولتقتدي به أمته وليبين لهم صفة الدعاء والمهم منه والله أعلم
باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته
قوله إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا المراد بالانصراف السلام قوله

89
صلى الله عليه وسلم ولا ينفع ذا الجد منك الجد المشهور الذي عليه الجمهور أنه بفتح الجيم ومعناه لا ينفع ذا
الغنى والحظ منك الغنى وضبطه جماعة بكسر الجيم وقد سبق بيانه مبسوطا في باب ما يقول

90
إذا رفع رأسه من الركوع قوله عن ابن عون عن أبي سعيد عن وراد اختلفوا في أبي سعيد
هذا فالصواب الذي قاله البخاري في تاريخه وغيره من الأئمة أنه عبد ربه بن سعيد وقال ابن
السكن هو ابن أخي عائشة رضي الله عنهما من الرضاعة وغلطوه في ذلك وقال ابن عبد البر هو

91
الحسن البصري رضي الله عنه وغلطوه أيضا قوله ذهب أهل الدثور هو بالثاء المثلثة واحدها
دثر وهو المال الكثير وفي هذا الحديث دليل لمن فضل الغنى الشاكر على الفقير الصابر وفي
المسألة خلاف مشهور بين السلف والخلف من الطوائف والله أعلم

92
قوله في كيفية عدد التسبيحات والتحميدات والتكبيرات أن أبا صالح رحمه الله تعالى
قال يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة وذكر بعد هذه
الأحاديث من طرق غير طريق أبي صالح وظاهرها أنه يسبح ثلاثا وثلاثين مستقلة ويكبر
ثلاثا وثلاثين مستقلة ويحمد كذلك وهذا ظاهر الأحاديث قال القاضي عياض وهو أولى من

93
تأويل أبي صالح وأما قول سهيل احدى عشرة احدى عشرة فلا ينافي رواية الأكثرين ثلاثا
وثلاثين بل معهم زيادة يجب قبولها وفي رواية تمام المائة لا اله إلا الله وحده لا شريك
له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وفي رواية أن التكبيرات أربع وثلاثون كلها زيادات
من الثقات يجب قبولها فينبغي أن يحتاط الانسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة ومثلها تحميدات
وأربع وثلاثين تكبيرة ويقول معها لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخرها ليجمع بين
الروايات قوله صلى الله عليه وسلم
معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن قال الهروي قال

94
سمرة معناه تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة وقال أبو الهشيم سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد
أخرى وقوله تعالى له معقبات أي ملائكة يعقب بعضهم بعضا واعلم أن حديث كعب بن
عجرة هذا ذكره الدارقطني في استدراكاته على مسلم وقال الصواب أنه موقوف على كعب لان
من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ وهذا الذي قال الدارقطني مردود لان مسلما رواه
من طرق كلها مرفوعة وذكره الدارقطني أيضا من طرق أخرى مرفوعة وإنما روى موقوفا
من جهة منصور وشعبة وقد اختلفوا عليهما أيضا في رفعه ووقفه وبين الدارقطني ذلك وقد
قدمنا في الفصول السابقة في أول هذا الشرح أن الحديث الذي روى موقوفا ومرفوعا
يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من
المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع كيف والامر
هنا بالعكس ودليله ما سبق أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل
بمن وقفه والله أعلم قوله عن أبي عبيد المذحجي هو بفتح الميم واسكان الذال المعجمة ثم حاء
مهملة مكسورة ثم جيم
منسوب إلى مذحج قبيلة معروفة قوله صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة
هو بضم الدال هذا هو المشهور في اللغة والمعروف في الروايات وقال أبو عمر المطرزي في كتابه

95
اليواقيت دبر كل شئ بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة وغيرها وقال هذا هو المعروف في
اللغة وأما الخارجة فبالضم وقال الداودي عن ابن الاعرابي دبر الشئ ودبره بالضم والفتح
آخر أوقاته والصحيح الضم ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره
باب ما يقال بين تكبيرة الاحرام والقراءة
قوله سكت هنية هي بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء بغير همزة وهي تصغير هنة أصلها
هنوة فلما صغرت صارت هنيوة فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فوجب قلب
الواو ياء فاجتمعت ياءان فأدغمت إحداهما
في الأخرى فصارت هنية ومن همزها فقد أخطأ
ورواه بعضهم هنيهة وهو صحيح أيضا وفي هذا الحديث ألفاظ تقدم شرحها في باب ما يقول
إذا رفع رأسه من الركوع وفيه دليل للشافعي وأبي حنفية وأحمد والجمهور رحمهم الله تعالى أنه
يستحب دعاء الافتتاح وجاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيح منها هذا الحديث وحديث علي
رضي الله عنه في وجهت وجهي إلى آخره ذكره مسلم بعد هذا في أبواب صلاة الليل وغير
ذلك من الأحاديث وقد جمعتها موضحة في شرح المهذب وقال مالك رضي الله عنه لا يستحب

96
دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الاحرام ودليل الجمهور هذه الأحاديث الصحيحة قوله وحدثت
عن يحيى بن حسان إلى آخره هذا من الأحاديث المعلقة التي سقط أول اسنادها في صحيح
مسلم وقد سبق بيانها في مقدمة هذا الشرح قوله وقد حفزه النفس هو بفتح حروفه
وتخفيفها أي ضغطه لسرعته قوله فأرم القوم هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكتوا قال
القاضي عياض ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم فأزم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من
الازم وهو الامساك وهو صحيح المعنى قوله الله أكبر كبيرا أي كبرت
كبيرا وفي الرواية
الأولى دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضا

97
باب استحباب اتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن اتيانها سعيا
قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم

98
السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فان أحدكم إذا كان يعمد إلى
الصلاة فهو في صلاة فيه الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهي عن إتيانها سعيا سواء فيه
صلاة الجمعة وغيرها سواء خاف فوت تكبيرة الاحرام أم لا والمراد بقول الله تعالى فاسعوا
إلى ذكر الله الذهاب يقال سعيت في كذا أو إلى كذا إذا ذهبت إليه وعملت فيه ومنه قوله
تعالى وأن ليس للانسان إلا ما سعى قال العلماء والحكمة في اتيانها بسكينة والنهي عن السعي
أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها
وعلى أكمل الأحوال وهذا معنى الرواية الثانية فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو
في صلاة وقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها
على ما سواها لأنه إذا نهى عن اتيانها سعيا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقيل
الإقامة أولى وأكد ذلك ببيان العلة فقال صلى الله عليه وسلم فان أحدكم إذا كان يعمد
إلى الصلاة فهو في صلاة وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة وأكد ذلك
تأكيدا آخر قال فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم
متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وان فات من الصلاة ما فات
وبين ما يفعل فيما فات وقوله صلى الله عليه وسلم وما فاتكم دليل على جواز قول فاتتنا الصلاة
وأنه لا كراهة فيه وبهذا قال جمهور العلماء وكرهه ابن سيرين وقال إنما يقال لم ندركها وقوله
صلى الله عليه وسلم وما فاتكم فأتموا هكذا ذكره مسلم في أكثر رواياته وفي رواية واقض

99
ما سبقك واختلف العلماء في المسألة فقال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف ما أدركه
المسبوق مع الامام أول صلاته وما يأتي به بعد سلامه آخرها وعكسه أبو حنيفة رضي الله
عنه وطائفة وعن مالك وأصحابه روايتان كالمذهبين وحجة هؤلاء واقض ما سبقك وحجة
الجمهور أن أكثر الروايات وما فاتكم فأتموا وأجابوا عن رواية واقض ما سبقك أن المراد بالقضاء
الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل فمنه قوله تعالى
فقضاهن سبع سماوات وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم وقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة ويقال
قضيت حق فلان ومعنى الجميع الفعل قوله صلى الله عليه وسلم إذا ثوب بالصلاة معناه
إذا أقيمت سميت الإقامة تثويبا لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان من قولهم ثاب إذا
رجع قوله صلى الله عليه وسلم فان أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة دليل على
أنه يستحب للذاهب إلى الصلاة أن لا يعبث بيده ولا يتكلم بقبيح ولا ينظر نظرا قبيحا ويجتنب
ما أمكنه مما يجتنبه المصلى فإذا وصل المسجد وقعد ينتظر الصلاة كان الاعتناء بما ذكرناه
آكد قوله صلى الله عليه وسلم
وعليه السكينة والوقار قيل هما بمعنى وجمع بينهما تأكيدا
والظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك والوقار في
الهيئة وغض البصر وخفض الصوت والاقبال على طريقه بغير التفات ونحو ذلك والله أعلم قوله فسمع

100
جلبة أي أصواتا لحركتهم وكلامهم واستعجالهم قوله حدثنا شيبان بهذا الاسناد
يعني حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير باسناده المتقدم وكان ينبغي لمسلم أن يقول
عن يحيى لأن شيبان لم يتقدم له ذكر وعادة مسلم وغيره في مثل هذا أن يذكروا في الطريق
الثاني رجلا ممن سبق في الطريق الأول ويقولوا بهذا الاسناد حتى يعرف وكأن مسلما رحمه
الله تعالى اقتصر على شيبان للعلم بأنه في درجة معاوية بن سلام السابق وأنه يروي عن يحيى
ابن أبي كثير والله أعلم
باب متى يقوم الناس للصلاة
فيه قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني وفي رواية أبي هريرة

101
رضي الله عنه أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم
قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه وفي رواية جابر بن سمرة رضي الله عنه كان بلال
رضي الله عنه يؤذن إذا دحضت ولا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام

102
الصلاة حين يراه قال القاضي عياض رحمه الله تعالى يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالا
رضي الله عنه كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيره أو الا القليل
فعند أول خروجه يقيم ولا يقوم الناس حتى يروه ثم لا يقوم مقامه حتى يعدلوا الصفوف
وقوله في رواية أبي هريرة رضي الله عنه فيأخذ الناس مصافهم قبل خروجه لعله كان مرة أو مرتين
ونحوهما لبيان الجواز أو لعذر ولعل قوله صلى الله عليه وسلم فلا تقوموا حتى تروني كان بعد
ذلك قال العلماء والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام ولأنه قد يعرض له
عارض فيتأخر بسببه واختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس للصلاة ومتى
يكبر الامام فمذهب الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة أنه يستحب أن لا يقوم أحد حتى يفرغ
المؤذن من الإقامة ونقل القاضي عياض عن مالك رحمه الله تعالى وعامة العلماء أنه يستحب
أن يقوموا إذا أخذ المؤذن في الإقامة وكان أنس رحمه الله تعالى يقوم إذا قال المؤذن قد
قامت الصلاة وبه قال أحمد رحمه الله تعالى وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون يقومون
في الصف إذا قال حي على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الامام وقال جمهور العلماء من
السلف والخلف لا يكبر الامام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة قوله قمنا فعدلنا الصفوف إشارة
إلى أن هذه سنة معهودة عندهم وقد أجمع العلماء على استحباب تعديل الصفوف والتراص فيها وقد
سبق بيانه في بابه قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر
فانصرف وقال لنا مكانكم فلم نزل قيامنا ننتظره حتى خرج الينا وقد اغتسل فقوله قبل أن يكبر
صريح في أنه لم يكن كبر ودخل في الصلاة ومثله قوله في رواية البخاري وانتظرنا تكبيره وفي رواية
أبي داود أنه كان دخل في الصلاة فتحمل هذه الرواية على أن المراد بقوله دخل في الصلاة أنه قام في
مقامه للصلاة وتهيأ للاحرام بها ويحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر وظاهر هذه الأحاديث أنه
لما اغتسل وخرج لم يجددوا إقامة الصلاة وهذا محمول على قرب الزمان فان طال فلابد من إعادة
الإقامة ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم وقوله خرج إلينا
ورأسه ينطف وفيه جواز النسيان في العبادات على الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين
وقد سبق بيان هذه المسألة قريبا قوله ينطف بكسر الطاء وضمها لغتان مشهورتان أي يقطر
وفيه دليل على طهارة الماء المستعمل قوله فأومأ إليهم هو مهموز قوله كان بلال يؤذن

103
إذا دحضت هو بفتح الدال والحاء والضاء المعجمة أي زالت الشمس
باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة
قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفي رواية من أدرك ركعة

104
من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب
الشمس فقد أدرك العصر أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركا
لكل الصلاة وتكفيه وتحصل براءته من الصلاة بهذه الركعة بل هو متأول وفيه اضمار تقديره فقد
أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها قال أصحابنا يدخل فيه ثلاث مسائل إحداها إذا أدرك
من لا يجب
عليه الصلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصلاة وذلك في الصبي يبلغ والمجنون والمغمى عليه يفيقان والحائض والنفساء تطهران والكافر يسلم فمن أدرك من هؤلاء ركعة
قبل خروج
وقت الصلاة لزمته تلك الصلاة وان أدرك دون ركعة كتكبيرة ففيه قولان للشافعي رحمه الله
تعالى أحدهما لا تلزمه لمفهوم هذا الحديث وأصحهما عند أصحابنا تلزمه لأنه أدرك جزءا منه
فاستوى قليله وكثيره ولأنه يشترط قدر الصلاة بكمالها بالاتفاق فينبغي أن لا يفرق بين تكبيرة
وركعة وأجابوا عن الحديث بأن التقييد بركعة خرج على الغالب فان غالب ما يمكن معرفة ادراكه
ركعة ونحوها وأما التكبيرة فلا يكاد يحس بها وهل يشترط مع
التكبيرة أو الركعة امكان الطهارة
فيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه لا يشترط المسألة الثانية إذا دخل في الصلاة في آخر وقتها فصلى
ركعة ثم خرج الوقت كان مدركا لأدائها ويكون كلها أداء وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وقال بعض

105
أصحابنا يكون كلها قضاء وقال بعضهم ما وقع في الوقت أداء وما بعده قضاء وتظهر فائدة الخلاف
في مسافر نوى القصر وصلى ركعة في الوقت وباقيها بعده فان قلنا الجميع أداء فله قصرها
وان قلنا كلها قضاء أو بعضها وجب اتمامها أربعا إن قلنا أن فائتة السفر إذا قضاها في السفر
يجب اتمامها هذا كله إذا أدرك ركعة في الوقت فإن كان دون ركعة فقال بعض أصحابنا هو
كالركعة وقال الجمهور يكون كلها قضاء واتفقوا على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت
وان قلنا إنها أداء وفيه احتمال لأبي محمد الجويني على قولنا أداء وليس بشئ المسألة الثالثة إذا أدرك
المسبوق مع الامام ركعة كان مدركا لفضيلة الجماعة بلا خلاف وان لم يدرك ركعة بل أدركه قبل السلام
بحيث لا يحسب له ركعة ففيه وجهان لأصحابنا أحدهما لا يكون مدركا للجماعة لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة مع الامام فقد أدرك الصلاة والثاني وهو الصحيح وبه قال الجمهور
أصحابنا يكون مدركا لفضيلة الجماعة لأنه أدرك جزءا منه ويجاب عن مفهوم الحديث بما سبق قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع
الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من
العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر هذا دليل صريح في أن من صلى ركعة من الصبح
أو العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهي صحيحة وهذا مجمع عليه في العصر
وأما في الصبح فقال به مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة الا أبا حنيفة رضي الله عنه فإنه قال
تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب
الشمس والحديث حجة عليه

106
أوقات الصلوات الخمس قوله إن جبريل نزل فصلى امام رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله امام بكسر الهمزة ويوضحه
قوله في الحديث نزل جبريل فامني فصليت معه ثم صليت معه ثم إنه قد يقال ليس في هذا الحديث
بيان أوقات الصلوات ويجاب عنه بأنه كان معلوما عند المخاطب فأبهمه في هذه الرواية وبينه
في رواية جابر وابن عباس رضي الله عنهم وقد ذكره أبو داود والترمذي وغيرهما من أصحاب
السين قوله إن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرره هكذا خمس

107
مرات معناه أنه كلما فعل جزأ من أجزاء الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى تكاملت
صلاته قوله بهذا أمرت روى بضم التاء وفتحها وهما ظاهران قوله أو إن جبريل هو بفتح
الواو وكسر الهمزة قوله أخر عمر بن عبد العزيز العصر فأنكر عليه عروة وأخرها المغيرة
فأنكر عليه أبو مسعود الأنصاري واحتجابا بامامة جبريل عليه السلام أما تأخيرهما فلكونهما
لم يبلغهما الحديث أو أنهما كانا يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهبنا ومذهب
الجمهور وأما احتجاج أبي مسعود وعروة بالحديث
فقد يقال قد ثبت في الحديث في سنن أبي
داود والترمذي وغيرهما من رواية ابن عباس وغيره في امامة جبريل صلى الله عليه وسلم أنه
صلى الصلوات الخمس مرتين في يومين فصلى الخمس في اليوم الأول في أول الوقت وفي اليوم
الثاني في آخر وقت الاختيار وإذا كان كذلك فكيف يتوجه الاستدلال بالحديث وجوابه أنه
يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثاني وهو مصير ظل كل شئ مثليه والله أعلم قوله كان
يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر وفي رواية يصلي العصر والشمس طالعة في

108
حجرتي لم يفئ الفئ بعد وفي رواية والشمس واقعة في حجرتي معناه كله التكبير بالعصر في
أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شئ مثله وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث
يكون طول جدارها أقل من مساحة العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله دخل
وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة لم يقع الفئ في الجدار الشرقي وكل
الروايات محمولة على ما ذكرناه وبالله التوفيق قوله صلى الله عليه وسلم إذا صليتم الصبح
فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول معناه وقت لأداء الصبح فإذا طلعت الشمس قال
خرج وقت الأداء وصارت قضاء ويجوز قضاؤها في كل وقت وفي هذا الحديث دليل للجمهور
أن وقت الأداء يمتد إلى طلوع الشمس قال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا إذا أسفر الفجر
صارت قضاء بعده لان جبريل عليه السلام صلى في اليوم الثاني حين أسفر وقال الوقت
ما بين هذين ودليل الجمهور هذا الحديث قالوا وحديث جبريل عليه السلام لبيان وقت
الاختيار لا لاستيعاب وقت الجواز للجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة في امتداد الوقت إلى
أن يدخل وقت الصلاة الأخرى الا الصبح وهذا التأويل
أولى من قول من يقول إن هذه
الأحاديث ناسخة لحديث جبريل عليه السلام لان النسخ لا يصار إليه الا إذا عجزنا عن التأويل
ولم نعجز في هذه المسألة والله أعلم

109
قوله صلى الله عليه وسلم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر
معناه وقت لأداء الظهر وفيه دليل للشافعي رحمه الله تعالى وللأكثرين أنه لا اشتراك
بين وقت الظهر ووقت العصر بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشئ مثله غير الظل
الذي يكون عند الزوال دخل وقت العصر وإذا دخل وقت العصر لم يبق شئ من وقت الظهر
وقال مالك رضي الله عنه وطائفة من العلماء إذا صار ظل كل شئ مثله دخل وقت العصر ولم
يخرج وقت الظهر بل يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالح للظهر والعصر أداء واحتجوا
بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار
ظل كل شئ مثله وصلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فظاهره اشتراكهما
في قدر أربع ركعات واحتج الشافعي والأكثرون بظاهر الحديث الذي نحن فيه وأجابوا عن
حديث جبريل عليه السلام بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شئ مثله وشرع في العصر في
اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فلا اشتراك بينهما فهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث
وأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل
شئ مثله لم يعلم متى فرغ منها وحينئذ يكون آخر وقت الظهر مجهولا ولا يحصل بيان حدود
الأوقات وإذا حمل على ما تأولناه حصل معرفة آخر الوقت وانتظمت الأحاديث على اتفاق وبالله
التوفيق قوله صلى الله عليه وسلم فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس معناه فإنه
وقت لأدائها بلا كراهة فإذا اصفرت صار وقت كراهة وتكون أيضا أداء حتى تغرب الشمس
للحديث السابق ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وفي هذا
الحديث رد على أبي سعيد الإصطخري
رحمه الله تعالى في قوله إذا صار ظل الشئ مثليه صارت
العصر قضاء وقد تقدم قريبا الاستدلال عليه قال أصحابنا رحمهم الله تعالى للعصر خمسة أوقات
وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر فاما وقت الفضيلة فأول
وقتها وقت الاختيار يمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه ووقت الجواز إلى الاصفرار ووقت
الجواز مع الكراهة حالة الاصفرار إلى الغروب ووقت العذر وهو وقت الظهر في حق من يجمع

110
بين الظهر والعصر لسفر أو مطر ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها
بغروب الشمس صارت قضاء والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم فإذا صليتم المغرب فإنه
وقت إلى أن يسقط الشفق وفي رواية وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق وفي رواية
ما لم يغب الشفق وفي رواية ما لم يسقط الشفق هذا الحديث وما بعده من الأحاديث
صرائح في أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق وهذا أحد القولين في مذهبنا وهو ضعيف
عند جمهور نقلة مذهبنا وقالوا الصحيح أنه ليس لها الا وقت واحد وهو عقب غروب الشمس
بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم
وصارت قضاء وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق
وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح
أو الصواب الذي لا يجوز غيره والجواب عن حديث جبريل عليه السلام حين صلى المغرب
في اليومين في وقت واحد حين غربت الشمس من ثلاثة أوجه أحدها أنه اقتصر على بيان
وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر والثاني أنه
متقدم في أول الأمر بمكة وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة
في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها والثالث أن هذه الأحاديث أصح اسنادا من حديث
بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها فهذا مختصر ما يتعلق بوقت المغرب وقد بسطت في شرح
المهذب دلائله والجواب عن ما يوهم خلاف الصحيح والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل معناه وقت لأدائها اختيارا أما وقت الجواز
فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لحديث أبي قتادة الذي ذكره مسلم بعد هذا في باب من نسي صلاة
أو نام عنها أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة
الأخرى وسنوضح شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى وقال الإصطخري إذا ذهب نصف

111
الليل صارت قضاء ودليل الجمهور حديث أبي قتادة والله أعلم قوله المراغ حي من الأزد هو
بفتح الميم وبالغين المعجمة قوله صلى الله عليه وسلم ما لم يسقط ثور الشفق هو بالثاء المثلثة
أي ثورانه وانتشاره وفي رواية أبي داود فور الشفق بالفاء وهو بمعناه والمراد بالشفق الأحمر
هذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجمهور الفقهاء وأهل اللغة وقال أبو حنيفة والمزني رضي
الله عنهما وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة المراد الأبيض والأول هو الراجح المختار وقد بسطت
دلائله في تهذيب اللغات وفي شرح المهذب
قوله صلى الله عليه وسلم فإنها تطلع بين قرني

112
الشيطان قيل المراد بقرنه أمته وشيعته وقيل قرنه جانب رأسه وهذا ظاهر الحديث فهو أولى
ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت ليكون الساجدون للشمس من الكفار في هذا
الوقت كالساجدين له وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط وتمكن من أن يلبسوا على المصلى صلاته
فكرهت الصلاة في هذا الوقت لهذا المعنى كما كرهت في مأوى الشيطان قوله صلى الله عليه وسلم ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول فيه دليل لمذهب الجمهور
ان وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس والمراد بقرنها جانبها فيه
أن العصر يكون أداء ما لم
تغب الشمس وقد سبق قريبا هذا كله قوله عن يحيى بن أبي كثير قال لا يستطاع العلم
براحة الجسم جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن ادخال مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه
لا يذكر في كتابه الا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم محضة مع أن هذه الحكاية لا تتعلق
بأحاديث مواقيت الصلاة فكيف أدخلها بينها وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن
بعض الأئمة أنه قال سببه أن مسلما رحمه الله تعالى أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي

113
ذكرها لحديث عبد الله بن عمر وكثرة فوائدها وتلخيص مقاصدها وما اشتملت عليه
من الفوائد في الأحكام وغيرها ولا نعلم أحدا شاركه فيها فلما رأى ذلك أراد أن ينبه
من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا فقال طريقه أن يكثر اشتغاله
واتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم هذا شرح ما حكاه القاضي قوله في حديث
بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال له صل معنا هذين
يعني اليومين وذكر الصلوات في اليومين في الوقتين فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار
وفيه أن وقت المغرب ممتد وفيه البيان بالفعل فإنه أبلغ في الايضاح والفعل تعم فائدته السائل
وغيره وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة وهو مذهب جمهور الأصوليين وفيه احتمال تأخير
الصلاة عن أول وقتها وترك فضيلة أول الوقت لمصلحة راجحة قوله صلى الله عليه وسلم وقت صلاتكم بين ما رأيتم هذا خطاب للسائل وغيره وتقديره وقت
صلاتكم في الطرفين اللذين صليت

114
فيهما وفيما بينهما وترك ذكر الطرفين بحصول علمهما بالفعل أو يكون المراد ما بين الاحرام
بالأولى والسلام من الثانية قوله وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي عرعرة بفتح
العينين المهملتين واسكان الراء بينهما والسامي بالسين المهملة منسوب إلى سامة بن لؤي بن
غالب وهو من نسله قرشي سامي قوله حين وجبت الشمس أي غابت وقوله وقع
الشفق أي غاب قوله فنور بالصبح أي أسفر من النور وهو الإضاءة قوله في
حديث أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم
يرد عليه شيئا فأقام الفجر حين انشق الفجر معنى قوله لم يرد عليه شيئا أي لم يرد جوابا
ببيان الأوقات باللفظ بل قال له صل معنا لتعرف ذلك ويحصل لك البيان بالفعل وإنما تأولناه

115
لنجمع بينه وبين حديث بريدة ولأن المعلوم من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب
إذا سئل عما يحتاج إليه والله أعلم قوله في حديث بريدة وحديث أبي موسى أنه صلى العشاء بعد
ثلث الليل وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ووقت العشاء إلى نصف الليل هذه الأحاديث
لبيان آخر وقت الاختيار واختلف العلماء في الراجح منهما وللشافعي رحمه الله تعالى قولان أحدهما
أن وقت الاختيار يمتد إلى ثلث الليل والثاني إلى نصفه وهو الأصح وقال أبو العباس بن شريح
لا اختلاف بين الروايات ولا عن الشافعي رحمه الله تعالى بل المراد بثلث الليل أنه أول ابتدائها
وبنصفه آخر انتهائها ويجمع بين الأحاديث بهذا وهذا الذي قاله يوافق ظاهر ألفاظ هذه الأحاديث
لأن قوله صلى الله عليه وسلم وقت العشاء إلى نصف الليل ظاهره أنه آخر وقتها المختار وأما

116
حديث بريدة وأبي موسى ففيهما أنه شرع بعد ثلث الليل وحينئذ يمتد إلى قريب من النصف
فتتفق الأحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا والله أعلم
باب استحباب الابراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة
ويناله الحر في طريقه
قوله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة وذكر مسلم رحمه الله تعالى بعد هذا
حديث خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا قال زهير
قلت لأبي إسحاق أفي الظهر قال نعم قلت أفي تعجيلها قال نعم اختلف العلماء في الجمع بين هذين
الحديثين فقال بعضهم الابراد رخصة والتقديم أفضل واعتمدوا حديث خباب وحملوا حديث
الابراد على الترخيص والتخفيف في التأخير وبهذا قال بعض أصحابنا وغيرهم وقال جماعة حديث خباب
منسوخ بأحاديث الابراد وقال آخرون المختار استحباب الابراد لأحاديثه وأما حديث خباب
فمحمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الابراد لأن الابراد يؤخر بحيث يحصل للحيطان في
يمشون فيه ويتناقص الحر والصحيح استحباب الابراد وبه قال جمهور العلماء وهو المنصوص
للشافعي رحمه الله تعالى وبه قال جمهور الصحابة لكثرة الأحاديث
الصحيحة فيه المشتملة على فعله

117
والامر به في مواطن كثيرة ومن جهة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قوله صلى الله عليه وسلم
فان شدة الحر من فيح جهنم هو بفاء مفتوحة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم حاء مهملة أي
سطوع حرها وانتشاره وغليانها قوله صلى الله عليه وسلم فأبردوا بالصلاة وفي الرواية
الأخرى فأبردوا عن الصلاة هما بمعنى وعن تطلق بمعنى الباء كما يقال رميت عن القوس أي
بها قوله عن بسر بن سعيد هو بضم الموحدة وبالسين المهملة وقد سبق بيانه مرات

118
قوله حتى رأينا فئ التلول هي جمع تل وهو معروف والفئ لا يكون إلا بعد الزوال وأما
الظل فيطلق على ما قبل الزوال وبعده هذا قول أهل اللغة ومعنى قوله رأينا فئ التلول أنه أخر
تأخيرا كثيرا حتى صار للتلول فئ والتلول منبطحة غير منتصبة ولا يصير لها فئ في العادة الا
بعد زوال الشمس بكثير قوله صلى الله عليه وسلم أبردوا عن الحر في الصلاة أي أخروها

119
إلى البرد واطلبوا البرد لها قوله صلى الله عليه وسلم فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس
جهنم وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم قال العلماء الزمهرير شدة البرد والحرور
شدة الحر قالوا وقوله أو يحتمل أن يكون شكا من الراوي ويحتمل أن يكون للتقسيم قوله صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس
في الشتاء ونفس في الصيف قال القاضي اختلف العلماء في معناه فقال بعضهم هو على ظاهره
واشتكت حقيقة وشدة الحر من وهجها وفيحها وجعل الله تعالى فيها ادراكا وتمييزا بحيث
تكلمت بهذا ومذهب أهل السنة أن النار مخلوقة قال وقيل ليس هو على ظاهره بل هو على وجه
التشبيه والاستعارة والتقريب وتقديره أن شدة الحر يشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا حروره
قال والأول أظهر قلت والصواب الأول لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته
فوجب الحكم بأنه على ظاهره والله أعلم واعلم أن الأبراد إنما يشرع في الظهر ولا يشرع في
العصر عند أحد من العلماء إلا أشهب المالكي ولا يشرع في صلاة الجمعة عند الجمهور وقال
بعض أصحابنا يشرع فيها والله أعلم
باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر
قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس هو بفتح الدال

120
والحاء أي إذا زالت وفيه دليل على استحباب تقديمها وبه قال الشافعي والجمهور قوله حر
الرمضاء أي الرمل الذي اشتدت حرارته قوله فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا وتقدم
الكلام في حديث خباب في الباب السابق قوله فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من
الأرض بسط ثوبه فسجد عليه فيه دليل لمن أجاز السجود على طرف ثوبه المتصل به وبه قال
أبو حنيفة والجمهور ولم يجوزه الشافعي وتأول هذا الحديث وشبهه على السجود على ثوب منفصل
باب استحباب التبكير بالعصر
قوله كان يصلي العصر والشمس
مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العوالي والشمس

121
مرتفعة وفي رواية ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وفي رواية ثم يخرج
إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر أما العوالي فهي القرى التي حول المدينة أبعدها
على ثمانية أميال من المدينة وأقربها ميلان وبعضها ثلاثة أميال وبه فسرها مالك وأما قباء فتمد
وتقصر وتصرف ولا تصرف وتذكر وتؤنث والأفصح فيه الصرف والتذكير والمد وهو على نحو
ثلاثة أميال من المدينة قوله والشمس مرتفعة حية قال الخطابي حياتها صفاء لونها قبل أن
تصفر أو تتغير وهو مثل قوله بيضاء نقية وقال هو أيضا وغيره حياتها وجود حرها والمراد بهذه
الأحاديث وما بعدها المبادرة لصلاة العصر أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر
ميلين وثلاثة والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشئ مثله
ولا يكاد يحصل هذا الا في الأيام الطويلة وقوله كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو
ابن عوف فيجدهم يصلون العصر قال العلماء منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة وهذا
يدل على المبالغة في تعجيل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
صلاة بني عمرو في وسط
الوقت ولولا هذا لم يكن فيه حجة ولعل تأخير بني عمرو لكونهم كانوا أهل أعمال في حروثهم
وزروعهم وحوايطهم فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة بالطهارة وغيرها ثم اجتمعوا لها
فتتأخر صلاتهم إلى وسط الوقت لهذا المعنى وفي هذه الأحاديث وما بعدها دليل لمذهب مالك

122
والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شئ مثله وقال أبو حنيفة
لا يدخل حتى يصير ظل الشئ مثليه وهذه الأحاديث حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس
رضي الله عنه في بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك قوله عن العلاء أنه دخل على أنس
ابن مالك رضي الله عنه في داره حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه
قال أصليتم العصر فقلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر قال فصلوا العصر فقمنا فصلينا العصر
فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك صلاة المنافق يجلس يرقب
الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا وفي رواية
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس فوجدناه

123
يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي معه هذان الحديثان صريحان في التبكير بصلاة العصر في أول وقتها
وأن وقتها يدخل بمصير ظل الشئ مثله ولهذا كان الآخرون يؤخرون الظهر إلى ذلك الوقت
وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنة في تقديمها فلما بلغته
صار إلى التقديم ويحتمل أنه آخرها لشغل وعذر عرض له وظاهر الحديث يقتضي التأويل
الأول وهذا كان حين ولى عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة لا في خلافته لأن أنسا رضي الله
عنه توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين قوله صلى الله عليه وسلم تلك صلاة
المنافق فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم يجلس يرقب
الشمس قوله صلى الله عليه وسلم بين قرني الشيطان اختلفوا فيه فقيل هو على حقيقته
وظاهر لفظه والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون
لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم
إنما يسجدون له وقيل هو على المجاز والمراد بقرنه وقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وتسلطه
وغلبته وأعوانه قال الخطابي هو تمثيل ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها
كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه والصحيح الأول قوله صلى الله عليه وسلم فنقرها أربعا
لا يذكر الله فيها إلى قليلا تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار
والمراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر قوله صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر

124
فلما انصرفنا أتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله أنا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحن نحب
أن تحضرها قال نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ
منها ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس هذا تصريح بالمبالغة في التبكير بالعصر وفيه إجابة
الدعوة وأن الدعوة للطعام مستحبة في كل وقت سواء أول النهار وآخره والجزور بفتح الجيم
لا يكون الا من الإبل وبنو سلمة بكسر اللام قوله عن أبي النجاشي هو بفتح النون واسمه
عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج
رضي الله عنه
باب التغليظ في تفويت صلاة العصر
قوله صلى الله عليه وسلم الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله روى بنصب اللامين

125
ورفعهما والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثاني ومن رفع فعلى ما لم يسم
فاعله ومعناه انتزع منه أهله وماله وهذا تفسير مالك بن أنس وأما على رواية النصب فقال الخطابي
وغيره معناه نقص هو
أهله وماله وسلبه فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله وقال أبو عمر بن عبد البر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة
يطلب بها وترا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر
وقال الداودي من المالكية معنا يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله
فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة وقيل معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه
كما يلحق من ذهب أهله وماله قال القاضي عياض رحمه الله تعالى واختلفوا في المراد بفوات العصر
في هذا الحديث فقال ابن وهب وغيره وهو فيمن لم يصلها في وقتها المختار وقال سحنون والأصيلي
هو أن تفوته بغروب الشمس وقيل هو تفويتها إلى أن تصفر الشمس وقد ورد مفسرا من رواية
الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه وفواتها أن يدخل الشمس صفرة وروى عن سالم أنه قال هذا
فيمن فاتته ناسيا وعلى قول الداودي هو في العامد وهذا هو الأظهر ويؤيده حديث البخاري
في صحيحه من ترك صلاة العصر حبط عمله وهذا إنما يكون في العامد قال ابن عبد البر ويحتمل
أن يلحق بالعصر باقي الصلوات ويكون نبه بالعصر على غيرها وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت
تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم
وفيما قاله نظر لأن الشرع ورد في العصر ولم
تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها
بالشك والتوهم وإنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفنا العلة واشتركا فيها والله أعلم
قوله قال عمرو يبلغ به وقال أبو بكر رفعه هما بمعنى لكن عادة مسلم رحمة الله المحافظة على اللفظ
وان اتفق معناه وهي عادة جميلة والله أعلم

126
باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر
قوله صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس وفي رواية شغلونا

127
عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وفي رواية ابن مسعود رضي الله عنه شغلونا عن صلاة
الوسطى صلاة العصر اختلف العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في الصلاة الوسطى
المذكورة في القرآن فقال جماعة هي العصر ممن نقل هذا عنه على ابن أبي طالب وابن مسعود
وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبيدة السلماني والحسن
البصري وإبراهيم النخعي وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وابن
المنذر وغيرهم رضي الله عنهم قال الترمذي هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم رضي
الله عنهم وقال الماوردي من أصحابنا هذا مذهب الشافعي رحمه الله لصحة الأحاديث فيه قال
وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم يبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث
وقالت طائفة هي الصبح ممن نقل هذا عنه
عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس والشافعي وجمهور أصحابه
وغيرهم رضي الله عنهم وقال طائفة هي الظهر نقلوه عن زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبي سعيد

128
الخدري وعائشة وعبد الله بن شداد ورواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه وقال قبيصة بن ذؤيب
هي المغرب وقال غيره هي العشاء وقيل احدى الخمس مبهمة وقيل الوسطى جميع الخمس حكاه
القاضي عياض وقيل هي الجمعة والصحيح من هذه الأقوال قولان العصر والصبح وأصحهما
العصر للأحاديث الصحيحة ومن قال هي الصبح يتأول الأحاديث على أن العصر تسمى وسطا
ويقول إنها غير الوسطى المذكورة في القرآن وهذا تأويل ضعيف ومن قال إنها الصبح يحتج
بأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء
وغفلة الناس فخصت بالمحافظة لكونها معرضة للضياع بخلاف غيرها ومن قال هي العصر يقول إنها
تأتي في وقت اشتغال الناس بمعايشهم وأعمالهم وأما من قال هي الجمعة فمذهب ضعيف جدا
لان المفهوم من الايصاء بالمحافظة عليها إنما كان لأنها معرضة للضياع وهذا لا يليق بالجمعة فان
الناس يحافظون عليها في العادة أكثر من غيرها لأنها تأتي في الأسبوع مرة بخلاف غيرها ومن
قال هي جميع الخمس فضعيف أو غلط لأن العرب لا تذكر الشئ مفصلا ثم تجمله وإنما تذكره
مجملا ثم تفصله أو تفصل بعضه تنبيها على فضيلته والله أعلم قوله عن عبيدة عن علي هو بفتح
العين وكسر الياء وهو عبيدة السلماني والله أعلم قوله يوم الأحزاب هي الغزوة المشهورة
يقال لها الأحزاب والخندق وكانت سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس قوله صلى الله عليه وسلم شغلونا عن صلاة الوسطى حتى آبت الشمس هكذا هو في النسخ وأصول السماع صلاة
الوسطى وهو من با ب قول الله تعالى وما كنت بجانب الغربي وفيه المذهبان المعروفان مذهب
الكوفيين جواز إضافة الموصوف إلى صفته ومذهب البصريين منعه ويقدرون فيه محذوفا
وتقديره هنا عن صلاة الصلاة الوسطى أي عن فعل الصلاة الوسطى وقوله صلى الله عليه وسلم
حتى آبت الشمس قال الحربي معناه رجعت إلى مكانها بالليل أي غربت من قولهم آب إذا رجع
وقال غيره معناه سارت للغروب والتأويب سير النهار قوله يحي بن الجزار هو بالجيم والزاي

129
وآخره راء وفي الطريق الأول يحيى بن الجزار عن علي وفي الثاني عن يحيى سمع عليا أعاده
مسلم للاختلاف في عن وسمع قوله فرضة من فرض الخندق الفرضة بضم الفاء واسكان الراء
وبالضاد المعجمة وهي المدخل من مداخله والمنفذ إليه قوله عن مسلم بن صبيح بضم
الصاد وهو أبو الضحى قوله عن شتير بن شكل شتير بضم الشين وشكل بفتح الشين
والكاف ويقال باسكان الكاف أيضا قوله ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب
والعشاء فيه بيان صحة اطلاق لفظ العشاءين على المغر ب والعشاء وقد أنكره بعضهم
لأن المغرب لا يسمى عشاء وهذا غلط لان التثنية هنا للتغليب كالأبوين والقمرين
والعمرين ونظائرها وأما تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر حتى غربت الشمس
فكان قبل نزول صلاة الخوف قال العلماء يحتمل أنه أخرها نسيانا لا عمدا وكان السبب في
النسيان الاشتغال بأمر العدو ويحتمل أنه أخرها عمدا للاشتغال بالعدو وكان هذا عذرا في
تأخير الصلاة قبل نزول صلاة الخوف وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب
العدو والقتال بل يصلي صلاة الخوف على حسب الحال ولها أنواع معروفة في كتب الفقه
وسنشير إلى مقاصدها في بابها من هذا الشرح إن شاء الله تعالى واعلم أنه وقع في هذا الحديث
هنا وفي البخاري أن الصلاة الفائتة كانت صلاة العصر وظاهره أنه لم يفت غيرها وفي الموطأ
أنها الظهر والعصر وفي غيره أنه أخر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب
هوى من الليل وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في
بعض الأيام وهذا في بعضها قوله في حديث عائشة فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى وصلاة العصر هكذا هو
في الروايات وصلاة العصر بالواو واستدل به بعض
أصحابنا على أن الوسطى ليست العصر لأن العطف يقتضي المغايرة لكن مذهبنا أن القراءة

130
الشاذة لا يحتج بها ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لان ناقلها لم ينقلها
الا على أنها قرآن والقرآن لا يثبت الا بالتواتر بالاجماع وإذا لم يثبت قرآنا لا يثبت خبرا والمسألة
مقررة في أصول الفقه وفيها خلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله أن عمر
رضي الله عنه قال يا رسول الله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ان صليتها معناه ما صليتها وإنما حلف النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لقلب عمر رضي الله عنه فإنه شق عليه تأخير العصر
إلى قريب من المغرب
فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصلها بعد ليكون لعمر به أسوة ولا يشق عليه ما جرى وتطيب
نفسه وأكد ذلك الخبر باليمين وفيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف وهي مستحبة

131
إذا كان فيه مصلحة من توكيد الامر أو زيادة طمأنينة أو نفى توهم نسيان أو غير ذلك من
المقاصد السائغة وقد كثرت في الأحاديث وهكذا القسم من الله تعالى كقوله تعالى والذاريات
والطور " والمرسلات والسماء " والطارق وضحاها إذا يغشى " والتين ثم ونظائرها كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده والله أعلم قوله فنزلنا
إلى بطحان هو بضم الباء الموحدة واسكان الطاء وبالحاء المهملتين هكذا هو عند جميع المحدثين
في رواياتهم وفي ضبطهم وتقييدهم وقال أهل اللغة هو بفتح الباء وكسر الطاء ولم يجيزوا غير
هذا وكذا نقله صاحب البارع وأبو عبيد البكري وهو واد بالمدينة قوله فنزلنا إلى بطحان
فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا فصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد
ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب هذا ظاهره أنه صلاهما في جماعة فيكون فيه دليل
لجواز صلاة الفريضة الفائتة جماعة وبه قال العلماء كافة الا ما حكاه القاضي عياض عن الليث
ابن سعد أنه منع ذلك وهذا ان صح عن الليث مردود بهذا الحديث والأحاديث الصحيحة
الصريحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بأصحابه جماعة حين ناموا عنها
كما ذكره
مسلم بعد هذا بقليل وفي هذا الحديث دليل على أن من فاتته صلاة وذكرها في وقت أخرى
ينبغي له أن يبدأ بقضاء الفائتة ثم يصلى الحاضرة وهذا مجمع عليه لكنه عند الشافعي وطائفة
على الاستحباب فلو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز وعند مالك وأبي حنيفة وآخرين على الايجاب
فلو قدم الحاضرة لم يصح وقد يحتج به من يقول أن وقت المغرب متسع إلى غروب الشفق لأنه
قدم العصر عليها ولو كان ضيقا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضا ولكن لا دلالة فيه لهذا

132
القائل لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمن بحيث خرج وقت المغرب عند من يقول أنه ضيق
فلا يكون في هذا الحديث دلالة لهذا وإن كان المختار أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق
كما سبق ايضاحه بدلائله والجواب عن معارضها
باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما
قوله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة
الفجر وصلاة العصر فيه دليل لمن قال من النحويين يجوز اظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل
إذا تقدم وهو لغة بني الحارث وحكوا فيه قولهم أكلوني البراغيث وعليه حمل الأخفش ومن وافقه
قول الله تعالى النجوى الذين ظلموا وقال سيبويه وأكثر النحويين لا يجوز اظهار الضمير
مع تقدم الفعل ويتأولون كل هذا ويجعلون الاسم بعده بدلا من الضمير ولا يرفعونه بالفعل
كأنه لما قيل النجوى قيل من هم قيل ظلموا وكذا يتعاقبون ونظائره ومعنى يتعاقبون
تأتي طائفة بعد طائفة ومنه تعقب الجيوش وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجئ آخرون وأما
اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع
الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم فيكون شهادتهم لهم
بما شاهدوه من الخير وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم
عبادي فهذا السؤال على ظاهره وهو تعبد منه لملائكته كما أمرهم بكتب الاعمال وهو أعلم بالجميع
قال القاضي عياض رحمه الله الأظهر وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب قال

133
وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة قوله صلى الله عليه وسلم
لا تضامون في رؤيته تقدم شرحه وضبطه في كتاب الايمان ومعناه لا يلحقكم ضيم في
الرؤية وقوله صلى الله عليه وسلم أما انكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر
أي ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة كما ترون هذا القمر رؤية محققة بلا مشقة فهو تشبيه
للرؤية بالرؤية لا المرئى بالمرئي والرؤية مختصة بالمؤمنين وأما الكفار فلا يرونه سبحانه وتعالى
وقيل يراه منافقوا هذا لأمة وهذا ضعيف والصحيح الذي عليه جمهور أهل السنة أن المنافقين
لا يرونه كما لا يراه باقي الكفار باتفاق العلماء وقد سبق بيان هذه المسألة في كتاب الايمان قوله

134
حدثني أبو جمرة هو بالجيم
باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس
قوله كان نصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب اللفظان بمعنى وأحدهما تفسير

135
للآخر قوله كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وانه
ليبصر مواقع نبله معناه أن يبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف ويرمى
أحدنا النبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء وفي هذين الحديثين أن المغرب تعجل عقب
غروب الشمس وهذا مجمع عليه وقد حكى عن الشيعة فيه شئ لا التفات إليه ولا أصل
له وأما الأحاديث السابقة في تأخير المغرب إلى قريب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز
التأخير كما سبق ايضاحه فإنها كانت جواب سائل عن الوقت وهذان الحديثان اخبار عن عادة
رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة التي واظب عليها الا لعذر فالاعتماد عليها والله أعلم
باب وقت العشاء وتأخيرها
ذكر في الباب تأخير صلاة العشاء واختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها وهما مذهبان
مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعي فمن فضل التأخير احتج بهذه الأحاديث ومن فضل
التقديم احتج بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تقديمها وإنما أخرها في أوقات يسيرة
لبيان الجواز أو لشغل أو لعذر وفي بعض هذه الأحاديث الإشارة إلى هذا والله أعلم قوله حدثنا عمرو

136
ابن سواد هو بتشديد الواو وقوله اعتم بالصلاة أي أخرها حتى اشتدت عتمة الليل
وهي ظلمته قوله نام النساء والصبيان أي من ينتظر الصلاة منهم في المسجد وإنما قال عمر رضي
الله عنه نام النساء والصبيان لأنه ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تأخر عن الصلاة
ناسيا لها أو لوقتها قوله وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة
هو بتاء مثناة من فوق مفتوحة ثم نون ساكنة ثم زاء مضمومة ثم راء أي تلحوا عليه ونقل
القاضي عن بعض الرواة أنه ضبطه تبرزوا بضم التاء وبعدها باء موحدة ثم راء مكسورة
ثم زاي من الابراز وهو الاخراج والرواية الأولى هي الصحيحة المشهورة التي عليها الجمهور
واعلم أن التأخير المذكور في هذا الحديث وما بعده كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار

137
وهو نصف الليل أو ثلث الليل على الخلاف المشهور الذي قدمنا بيانه في أول المواقيت وقوله
في رواية عائشة ذهب عامة الليل أي كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل
لقوله صلى الله عليه وسلم انه لوقتها ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل
لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل قوله صلى الله عليه وسلم انه لوقتها لولا أن أشق على أمتي معناه انه لوقتها المختار أو الأفضل ففيه تفضيل تأخيرها
وأن الغالب كان تقديمها وإنما قدمها للمشقة في تأخيرها ومن قال بتفضيل التقديم قال
لو كان التأخير أفضل لواظب عليه ولو كان فيه مشقة ومن قال بالتأخير قال قد نبه على تفضيل
التأخير بهذا اللفظ وصرح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة ومعناه والله أعلم أنه خشي أن
يواظبوا عليه فيفرض عليهم ويتوهموا ايجابه فلهذا تركه كما ترك صلاة التراويح وعلل تركها
بخشية افتراضها والعجز عنها وأجمع العلماء على استحبابها لزوال العلة التي خيف منها وهذا
المعنى موجود في العشاء قال الخطابي وغيره إنما يستحب تأخيرها لتطول مدة انتظار الصلاة
ومنتظر الصلاة في صلاة قوله العشاء الآخرة دليل على جواز وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة

138
فيه خلافا لما حكى عن الأصمعي من كراهة هذا وقد سبق بيان المسألة قوله فقال حين خرج
انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم فيه أنه يستحب للامام والعالم إذا تأخر عن
أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم ويقول لكم في هذا مصلحة من جهة
كذا أو كان لي عذر أو نحو هذا قوله رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا وفي
رواية عائشة نام أهل المسجد محل هذا محمول على نوم لا ينقض الوضوء وهو نوم الجالس ممكنا
مقعده وفيه دليل على أن نوم مثل
هذا لا ينقض وبه قال الأكثرون وهو الصحيح في مذهبنا
وقد سبق ايضاح هذه المسألة في آخر كتاب الطهارة قوله وبيص خاتمه أي بريقه ولمعانه
والخاتم بكسر التاء وفتحها ويقال خاتام وخيتام أربع لغات وفيه جواز لبس خاتم الفضة وهو

139
إجماع المسلمين قوله قال أنس كأني أنظر إلى وبيص خاتمه من فضة ورفع إصبعه اليسرى
بالخنصر هكذا هو في الأصول بالخنصر وفيه محذوف تقديره مشيرا بالخنصر أي أن الخاتم
كان في خنصر اليد اليسرى وهذا الذي رفع إصبعه هو أنس رضي الله عنه وفي الإصبع عشر
لغات كسر الهمزة وفتحها وضمها مع كسر الباء وفتحها وضمها والعاشرة أصبوع وأفصحهن
كسر الهمزة مع فتح الباء قوله نظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريب من
نصف الليل هكذا هو في بعض الأصول قريب وفي بعضها قريبا وكلاهما صحيح وتقدير
المنصوب حتى كان الزمان قريبا وقوله نظرنا أي انتظرنا يقال نظرته وانتظرته بمعنى قوله بقيع
بطحان تقدم الاختلاف في ضبط بطحان في باب صلاة الوسطى وبقيع بالباء قوله ابهار الليل

140
هو باسكان الباء الموحدة وتشديد الراء أي انتصف قوله فلما قضى صلاته قال لمن حضره على رسلكم
أعلمكم وأبشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس إلى آخره فقوله رسلكم بكسر الراء وفتحها لغتان
الكسر أفصح وأشهر أي تأنوا وقوله أن من نعمة الله هو بفتح الهمزة معمول لقوله أعلمكم وقوله أنه
ليس بفتحها أيضا وفيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء إذا كان في خير وإنما نهى عن الكلام
في غير الخير قوله اماما وخلوا بكسر الخاء أي منفردا قوله يقطر رأسه ماء معناه
انه اغتسل حينئذ قوله ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم صبها هكذا هو في
أصول رواياتنا قال القاضي وضبطه بعضهم قلبها وفي البخاري ضمها والأول هو الصواب وقوله

141
ويقصر ولا يبطش هكذا هو في صحيح مسلم وفي بعض نسخ البخاري وفي بعضها ولا يعصر
العين وكله صحيح قوله صلى الله عليه وسلم لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم العشاء

142
إنها في كتاب الله العشاء وانها تعتم بحلاب الإبل معناه أن الاعراب يسمونها العتمة لكونهم
يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام وإنما اسمها في كتاب الله العشاء في قول الله
تعالى بعد صلاة العشاء فينبغي لكم أن تسموها العشاء وقد جاء في الأحاديث الصحيحة
تسميتها بالعتمة كحديث لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا وغير ذلك والجواب عنه
من وجهين أحدهما أنه استعمل لبيان الجواز وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم والثاني يحتمل
أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه واستعمل لفظ العتمة لأنه أشهر عند
العرب وإنما كانوا يطلقون العشاء على المغرب ففي صحيح البخاري لا يغلبنكم الاعراب على اسم
صلاتكم المغرب قال وتقول الأعراب العشاء فلو قال لو يعلمون ما في الصبح والعشاء لتوهموا
أن المراد المغرب والله أعلم
باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها
وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها
قوله إن نساء المؤمنات صورته صورة إضافة الشئ إلى نفسه واختلف في تأويله وتقديره
فقيل تقديره نساء الأنفس المؤمنات
وقيل نساء الجماعات المؤمنات وقيل إن نساء هنا بمعنى
الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم قوله قوله متلفعات
هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات قوله بمروطهن أي بأكسيتهن واحدها

143
مرط بكسر الميم وفي هذه الأحاديث استحباب التبكير بالصبح وهو مذهب مالك والشافعي
وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة الاسفار أفضل وفيها جواز حضور النساء الجماعة في المسجد
وهو إذا لم يخش فتنة عليهن أو بهن قوله ما يعرفن من الغلس هو بقايا ظلام الليل قال
الداودي معناه ما يعرفن أنساء هن أم رجال وقيل ما يعرف أعيانهن وهذا ضعيف لان المتلفعة

144
في النهار أيضا لا يعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة قوله وكان يصلي الصبح فينصرف
الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرفه فيعرفه وفي الرواية الأخرى وكان ينصرف
حين يعرف بعضنا وجه بعض معناهما واحد وهو أنه ينصرف أي يسلم في أول ما يمكن أن
يعرف بعضنا وجه من يعرفه مع أنه يقرأ بالستين إلى المائة قراءة مرتلة وهذا ظاهر في
شدة التبكير وليس في هذا مخالفة لقوله في النساء ما يعرفن من الغلس لان هذا اخبار عن رؤية
جليسه وذاك اخبار عن رؤية النساء من بعد قوله كان يصلي الظهر بالهاجرة هي شدة
الحر نصف النهار عقب الزوال قيل سميت هاجرة من الهجر وهو الترك لان الناس يتركون
التصرف حينئذ بشدة الحر ويقيلون وفيه استحباب المبادرة بالصلاة في أول الوقت قوله
والشمس نقية أي صافية خالصة لم يدخلها بعد صفرة قوله والمغرب إذا وجبت أي غابت
الشمس والوجوب السقوط كما سبق وحذف ذكر الشمس للعلم بها كقوله تعالى حتى توارت

145
بالحجاب قوله حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سيار بن سلامة قال سمعت
أنا برزة هذا الاسناد كله بصريون قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء
إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها قال العلماء وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها
لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات وقتها المختار والأفضل ولئلا يتساهل الناس في ذلك
فيناموا عن صلاتها جماعة وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم
عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل
ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا
قال العلماء والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها أما ما فيه
مصلحة وخير فلا كراهة فيه وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس
للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم
والحديث في الاصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والارشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي
في معناه وقد تقدم كثير منها في هذه الأبواب والباقي مشهور ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد

146
بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها الا ما كان في خير
كما ذكرناه وأما النوم قبلها فكرهه عمر وابنه وابن عباس وغيرهم من السلف ومالك وأصحابنا
رضي الله عنهم أجمعين ورخص فيه علي وابن مسعود والكوفيون رضي الله عنهم أجمعين وقال
الطحاوي يرخص فيه بشرط أن يكون معه من يوقظه وروى عن ابن عمر مثله والله أعلم
باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم
إذا أخرها الامام
قوله صلى الله عليه وسلم كيف أنت إذا كانت عليك امراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون
الصلاة عن وقتها قال قلت فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها فان أدركتها معهم فصل فإنها لك
نافلة وفي رواية صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معه نافلة معنى يميتون الصلاة
يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها أي عن وقتها المختار
لا عن جميع وقتها فان المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار
ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع وفي هذا الحديث

147
الحث على الصلاة أول الوقت وفيه أن الإمام إذا أخرها عن أول وقتها يستحب للمأموم أن يصليها
في أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الامام فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة فلو أراد الاقتصار
على إحداهما فهل الأفضل الاقتصار على فعلها منفردا في أول الوقت أم الاقتصار على فعلها جماعة
في آخر الوقت فيه خلاف مشهور لأصحابنا واختلفوا في الراجح وقد أوضحته في باب التيمم من
شرح المهذب والمختار استحباب الانتظار ان لم يفحش التأخير وفيه الحث على موافقة الامراء
في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة ولهذا قال في الرواية الأخرى ان خليلي أوصاني
أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف وفيه أن الصلاة التي يصليها مرتين تكون الأولى
فريضة والثانية نفلا وهذا الحديث صريح في ذلك وقد جاء التصريح به في غير هذا الحديث أيضا
واختلف العلماء في هذه المسألة وفي مذهبنا فيها أربعة أقوال الصحيح أن الفرض هي الأولى
للحديث ولأن الخطاب سقط بها والثاني أن الفرض أكملهما والثالث كلاهما فرض والرابع
الفرض إحداهما على الابهام يحتسب الله تعالى بأيتهما شاء وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإعادة
الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بإعادة الصلاة
ولم يفرق بين صلاة وصلاة وهذا هو الصحيح في مذهبنا ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر
لأن الثانية نفل ولا تنفل بعدهما ووجه أنه لا يعيد المغرب لئلا تصير شفعا وهو ضعيف قوله صلى الله عليه وسلم انه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة فيه دليل من دلائل النبوة
وقد وقع هذا في زمن بني أمية قوله صلى الله عليه وسلم فصل الصلاة لوقتها فان صليت
لوقتها كانت لك نافلة والا كنت قد أحرزت صلاتك معناه
إذا علمت من حالهم تأخيرها عن
وقتها المختار فصلها لأول وقتها ثم إن صلوها لوقتها المختار فصلها أيضا معهم وتكون صلاتك معهم
نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي حصلتها وصنتها واحتطت لها قوله

148
أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف أي مقطع الأطراف والجدع
بالدال المهملة القطع والمجدع أردأ العبيد لخسته وقلة قيمته ومنفعته ونفرة الناس منه وفي هذا
الحث على طاعة ولاة الأمور ما لم تكن معصية فان قيل كيف يكون العبد اماما وشرط الامام
أن يكون حرا قرشيا سليم الأطراف فالجواب من وجهين أحدهما أن هذه الشروط وغيرها
إنما تشترط فيمن تعقد له الإمامة باختيار أهل الحل والعقد وأما من قهر الناس لشوكته وقوة
بأسه وأعوانه واستولى عليهم وانتصب اماما فان أحكامه تنفذ وتجب طاعته وتحرم مخالفته في
غير معصية عبدا كان أو حرا أو فاسقا بشرط أن يكون مسلما الجواب الثاني أنه ليس في
الحديث أنه يكون امام بل هو محمول على من يفوض إليه الإمام أمرا من الأمور أو استيفاء
حق أو نحو ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وان أدركت القوم وقد صلوا كنت قد أحرزت
صلاتك والا كانت لك نافلة وفي الرواية الأخرى صل الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك فان
أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل معناه صل في أول الوقت وتصرف في شغلك فان
صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك
وان أدركت الصلاة معهم فصل معهم وتكون هذه
الثانية لك نافلة قوله وضرب فخذي أي للتنبيه وجمع الذهن على ما يقوله له

149
قوله عن أبي العالية البراء هو بتشديد الراء وبالمد كان يبرى النبل واسمه زياد بن فيروز
البصري وقيل اسمه كلثوم توفي يوم الاثنين في شوال سنة تسعين

150
باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها
وأنها فرض كفاية
في رواية أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بخمسة وعشرين جزءا وفي رواية
بخمس وعشرين درجة وفي رواية بسبع وعشرين درجة والجمع بينها من ثلاثة
أوجه أحدها أنه لا منافاة بينها فذكر القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد باطل عند
جمهور الأصوليين والثاني أن يكون أخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر
بها الثالث أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس وعشرون
ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيآتها وخشوعها وكثرة جماعتها
وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك فهذه هي الأجوبة المعتمدة وقد قيل أن الدرجة غير الجزء وهذا
غفلة من قائله فان في الصحيحين سبعا وعشرين درجة وخمسا وعشرين درجة فاختلف القدر مع
اتحاد لفظ الدرجة والله أعلم واحتج أصحابنا والجمهور بهذه الأحاديث على أن الجماعة ليست
بشرط لصحة الصلاة خلافا لداود ولا فرضا على الأعيان خلافا لجماعة من العلماء والمختار
أنها فرض كفاية وقيل سنة وبسطت دلائل كل هذا واضحة
في شرح المهذب قوله تفضل
صلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده بخمسة وعشرين درجة وفي رواية بخمس وعشرين
جزءا هكذا هو في الأصول ورواه بعضهم خمسا وعشرين درجة وخمسة وعشرين جزءا هذا

151
هو الجاري على اللغة والأول مؤول عليه وأنه أراد بالدرجة الجزء وبالجزء الدرجة قوله عطاء
ابن أبي الخوار هو بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وقوله ختن زيد بن زبان هو
بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة والختن زوج بنت الرجل أو أخته ونحوها قوله
صلى الله عليه وسلم

152
لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأمر بهم
فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها هذا مما استدل
به من قال الجماعة فرض عين وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وابن خزيمة وداود
وقال الجمهور ليست فرض عين واختلفوا هل هي سنة أم فرض كفاية كما قدمناه وأجابوا عن
هذا الحديث بأن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين وسياق الحديث يقتضيه فإنه لا يظن بالمؤمنين من
الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
مسجده ولأنه لم يحرق بل هم به ثم تركه ولو كانت فرض عين لما تركه قال بعضهم في هذا الحديث
دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال لأن تحريق البيوت عقوبة مالية وقال غيره أجمع
العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة واختلف السلف
فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما ومعنى أخالف إلى رجال أي أذهب إليهم ثم إنه جاء في

153
رواية أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء وفي رواية أنها الجمعة
وفي رواية يتخلفون عن الصلاة مطلقا وكله صحيح ولا منافاة بين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأتوهما ولو حبوا الحبو حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه معناه لو يعلمون
ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الاتيان إليهما الا حبوا لحبوا اليهما ولم يفوتوا جماعتهما
في المسجد ففيه الحث البليغ على حضورهما قوله صلى الله عليه وسلم آمر بالصلاة فتقام
ثم آمر رجلا يصلي بالناس فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس
وإنما هم باتيانهم بعد إقامة الصلاة لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم
وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر قوله جعفر بن برقان هو بضم الباء الموحدة

154
واسكان الراء قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله انه ليس لي قائد
يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما
ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال فأجب هذا الأعمى هو ابن أم مكتوم جاء
مفسرا في سنن أبي داود وغيره وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور
عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقيل لا ويؤيد
هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر باجماع المسلمين ودليله من السنة حديث عتبان بن مالك المذكور
بعد هذا وأما ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم له ثم رده وقوله فأجب فيحتمل أنه بوحي نزل
في الحال ويحتمل أنه تغير اجتهاده صلى الله عليه وسلم إذا قلنا بالصحيح وقول الأكثرين أنه يجوز
له الاجتهاد ويحتمل أنه رخص له أولا وأراد أنه لا يجب عليك الحضور إما لعذر واما لأن فرض
الكفاية حاصل بحضور غيره واما للأمرين ثم ندبه إلى الأفضل فقال الأفضل لك والأعظم
لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب والله أعلم

155
قوله رأينا وما يتخلف عن الصلاة الا منافق قد علم نفاقه أو مريض هذا دليل
ظاهر لصحة ما سبق تأويله في الذين هم بتحريق بيوتهم أنهم كانوا منافقين قوله علمنا
سنن الهدى روى بضم السين وفتحها وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب
قوله ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف معنى
يهادى أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما وهو مراده بقوله في الرواية

156
الأولى إن كان المريض ليمشي بين رجلين وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة
في حضورها وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها قوله
في الذي خرج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم
صلى الله عليه وسلم فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة الا لعذر

157
والله أعلم قوله عن جندب بن عبد الله وفي الرواية الأخرى جندب بن سفيان وهو جندب
ابن عبد الله بن سفيان ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده قوله سمعت جندبا القسري هو بفتح
القاف واسكان السين المهملة وقد توقف بعضهم في صحة قولهم القسري لان جندبا ليس من
بني قسر إنما هو بجلي علقي وعلقة بطن من بجيلة هكذا ذكره أهل التواريخ والأنساب والأسماء
وقسر هو أخو علقة قال القاضي عياض لعل لجندب حلفا في بني قسر أو سكنا أو جوارا فنسب
إليهم لذلك أو لعل بني علقة ينسبون إلى عمهم
قسر كغير واحدة من القبائل ينسبون بنسبة بني
عمهم لكثرتهم أو شهرتهم قوله صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح فهو في ذمة الله قيل الذمة
هنا الضمان وقيل الأمان
باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر
عتبان بن مالك بكسر العين على المشهور وحكى ضمها قوله في حديث عتبان فلم

158
يجلس حتى دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى ناحية من البيت
هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم فلم يجلس حتى دخل وزعم بعضهم أن صوابه حين
قال القاضي هذا غلط بل الصواب حتى كما ثبتت الروايات ومعناه لم يجلس في الدار ولا في
غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى قضاء حاجتي التي طلبتها وجاء بسببها وهي الصلاة في
بيتي وهذا الذي قاله القاضي واضح متعين ووقع في بعض نسخ البخاري حين وفي بعضها حتى
وكلاهما صحيح قوله وحسبناه على خزير هو بالخاء المعجمة وبالزاي وآخره راء ويقال خزيرة
بالهاء قال ابن قتيبة الخزيرة لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه دقيق
فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وفي صحيح البخاري قال قال النضر الخزيرة من النخالة والحريرة
بالحاء المهملة والراء المكررة من اللبن وكذا قال أبو الهيثم
إذا كانت من نخالة فهي خزيرة وإذا كانت من دقيق فهي حريرة والمراد نخالة فيها غليظ الدقيق قوله في الرواية الأخرى

159
حشيشة قال شمر هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم يلقى فيها لحم أو تمر فتطبخ به
قوله فثاب رجال من أهل الدار هو بالثاء المثلثة وآخره باء موحدة أي اجتمعوا والمراد
بالدار هنا المحلة قوله مالك بن الدخشن هذا تقدم ضبطه وشرح حديثه في كتاب الايمان
قوله صلى الله عليه وسلم لا تقل له ذلك أي لا تقل في حقه ذلك وقد جاءت اللام بمعنى
في مواضع كثيرة نحو هذا وقد بسطت ذلك في كتاب الإيمان من هذا الشرح قوله
وهو من سراتهم هو بفتح السين أي ساداتهم

160
قوله نري أن الأمر انتهى الينا ضبطناه نرى بفتح النون وضمها وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة
تقدمت في كتاب الإيمان منها أنه يستحب لمن قال سأفعل كذا أن يقول أن شاء الله للآية والحديث
ومنها التبرك بالصالحين وآثارهم والصلاة في المواضع التي صلوا بها وطلب التبريك منهم ومنها أن
فيه زيارة الفاضل المفضول وحضور ضيافته وفيه سقوط الجماعة للعذر وفيه استصحاب
الامام والعالم ونحوهما بعض أصحابه في ذهابه وفيه الاستئذان على الرجل في منزله وإن كان
صاحبه وقد تقدم منه استدعاء وفيه الابتداء في الأمور بأهمها لأنه صلى الله عليه وسلم
جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى وفيه جواز صلاة النفل جماعة وفيه أن الأفضل في صلاة النهار
أن تكون مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه أنه يستحب لأهل المحلة
وجيرانهم إذا ورد رجل صالح إلى منزل بعضهم أن يجتمعوا إليه ويحضروا مجلسه لزيارته واكرامه
والاستفادة منه وفيه أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت وإنما جاء في الحديث
النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه وفيه الذب عمن ذكر بسوء وهو
برئ منه وفيه أنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وفيه غير ذلك والله أعلم قوله إني
لأعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا هو في صحيح مسلم وزاد في رواية البخاري

161
مجها في وجهي قال العلماء المج طرح الماء من الفم بالتزريق وفي هذا ملاطفة الصبيان وتأنيسهم
واكرام آبائهم بذلك وجواز المزاح قال بعضهم ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن
يحفظه محمود فينقله كما وقع فتحصل له فضيلة نقل هذا الحديث وصحة صحبته وإن كان في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم مميزا وكان عمره حينئذ خمس سنين وقيل أربعا والله أعلم
باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب
وغيرها من الطاهرات
قوله أن جدته مليكة الصحيح أنها جدة إسحاق فتكون أم أنس لأبي إسحاق بن أخي أنس
لأمه وقيل إنها جدة أنس وهي مليكة بضم الميم وفتح اللام هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور
من الطوائف وحكى القاضي عياض عن الأصيلي أنها بفتح الميم وكسر اللام وهذا غريب
ضعيف مردود وفي هذا الحديث إجابة الدعوة وان لم تكن وليمة عرس ولا خلاف في أن
اجابتها مشروعة لكن هل اجابتها واجبة أم فرض كفاية أم سنة فيه خلاف مشهور لأصحابنا
وغيرهم وظاهر الأحاديث الإيجاب وسنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم قوموا فالأصلي لكم فيه جواز النافلة جماعة وتبريك الرجل الصالح والعالم أهل
المنزل بصلاته في منزلهم فقال بعضهم ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال
الصلاة مشاهدة مع تبريكهم فان المرأة قلما تشاهد أفعاله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأراد
أن تشاهدها وتتعلمها وتعلمها غيرها قوله فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس
فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من

162
ورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف فيه جواز الصلاة على الحصير
وسائر ما تنبته الأرض وهذا مجمع عليه وما روى عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا محمول
على استحباب التواضع بمباشرة نفس الأرض وفيه أن الأصل في الثياب والبسط والحصر
ونحوها الطهارة وأن حكم الطهارة مستمر حتى تتحقق نجاسته وفيه جواز النافلة جماعة وفيه أن
الأفضل في نوافل النهار أن تكون ركعتين كنوافل الليل وقد سبق بيانه في الباب قبله وفيه صحة
صلاة الصبي المميز لقوله صففت أنا واليتيم وراءه وفيه أن للصبي موقفا من الصف وهو
الصحيح المشهور من مذهبنا وبه قال جمهور العلماء وفيه أن الاثنين يكونان صفا وراء الإمام
وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ابن مسعود وصاحبيه فقالوا يكونان هما والإمام صفا
واحدا فيقف بينهما وفيه أن المرأة تقف خلف الرجال وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى تقف
وحدها متأخرة واحتج به أصحاب مالك في المسألة المشهورة بالخلاف وهي إذا حلف لا يلبس
ثوبا فافترشه فعندهم يحنث وعندنا لا يحنث واحتجوا بقوله من طول ما لبس وأجاب أصحابنا

163
بان لبس كل شئ بحسبه فحملنا اللبس في الحديث على الافتراش للقرينة ولأنه المفهوم منه بخلاف
من حلف لا يلبس ثوبا فان أهل العرف لا يفهمون من لبسه الافتراش وأما قوله حصير قد اسود
فقالوا اسوداده لطول زمنه وكثرة استعماله وإنما نضحه ليلين فإنه كان من جريد النخل كما صرح
به في الرواية الأخرى ويذهب عنه الغبار ونحوه هكذا فسره القاضي إسماعيل المالكي وآخرون
وقال القاضي عياض الأظهر أنه كان للشك في نجاسته وهذا على مذهبه في أن النجاسة المشكوك
فيها تطهر بنضحها من غير غسل ومذهبنا ومذهب الجمهور أن الطهارة لا تحصل الا بالغسل فالمختار
التأويل الأول وقوله أنا واليتيم هذا اليتيم اسمه ضمير بن سعد الحميري والعجوز هي أم أنس
أم سليم قوله في الحديث الآخر ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير إلى آخره فيه ما أكرم الله
تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم من استجابة دعائه لأنس في تكثير ماله وولده وفيه طلب
الدعاء من أهل الخير وجواز الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة فيهما قوله وأم حرام هي

164
بالراء قوله في غير وقت صلاة يعني في غير وقت فريضة قوله فأقامني عن يمينه
هذه قضية أخرى في يوم آخر قوله وكان يصلي على خمرة هذا الحديث تقدم شرحه
في أواخر كتاب الطهارة
باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة
وفضل انتظار الصلاة وكثرة الخطأ إلى المساجد وفضل المشي إليها
قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين
درجة المراد صلاته في بيته وسوقه منفردا هذا هو الصواب وقيل فيه غير هذا وهو قول باطل نبهت عليه
لئلا يغتر به والبضع بكسر الباء وفتحها وهو من الثلاثة إلى العشرة هذا هو الصحيح وفيه كلام
طويل سبق بيانه في كتاب الايمان والمراد به هنا خمس وعشرون وسبع وعشرون درجة كما جاء
مبينا في الروايات السابقات

165
قوله لا تنهزه الا الصلاة هو بفتح أوله وفتح الهاء والزاي أ لا تنهضه وتقيمه وهو بمعنى
قوله بعده لا يريد الا الصلاة قوله حدثنا عبثر هو بالباء الموحدة ثم المثلثة المفتوحة
قوله محمد بن بكر بن الريان هو بالراء والمثناة تحت المشددة قوله يضرط هو بكسر

166
الراء قوله اني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال

167
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع الله لك ذلك كله فيه اثبات الثواب في الخطا في الرجوع
من الصلاة كما يثبت في الذهاب قوله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم
أي ما أحب أنه مشدود بالأطناب وهي الحبال إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم بل أحب أن
يكون بعيدا منه لتكثير ثوابي وخطاي إليه قوله مطنب بفتح النون قوله فحملت به
حملا حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم هو بكسر الحاء قال القاضي معناه أنه عظم على
وثقل واستعظمته لبشاعة لفظه وهمني ذلك وليس المراد به الحمل على الظهر قوله يرجو في

168
أثره الأجر أي في ممشاه قوله صلى الله عليه وسلم بني سلمة دياركم تكتب آثاركم معناه
الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد وبنو سلمة بكسر
اللام قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم

169
قوله هل يبقى من درنه شئ الدرن الوسخ قوله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس
كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات الغمر بفتح الغين المعجمة
واسكان الميم وهو الكثير قوله على باب أحدكم إشارة إلى سهولته وقرب تناوله قوله صلى الله عليه وسلم أعد الله له في الجنة نزلا النزل ما يهيأ للضيف عند قدومه
باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد
فيه حديث جابر بن سمرة وهو صريح في الترجمة قوله تطلع الشمس حسنا هو بفتح

170
السين وبالتنوين أي طلوعا حسنا أي مرتفعة وفيه جواز الضحك والتبسم قوله أحب البلاد
إلى الله مساجدها لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى قوله وأبغض البلاد إلى الله
أسواقها لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة واخلاف الوعد والاعراض
عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه والحب والبغض من الله تعالى ارادته الخير والشر أو فعله
ذلك بمن أسعده أو أشقاه والمساجد محل نزول الرحمة والأسواق ضدها

171
باب من أحق بالإمامة
قوله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم وفي حديث أبي مسعود يؤم القوم
أقرؤهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فيه دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ
على الأفقه وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض أصحابنا وقال مالك والشافعي وأصحابهما الأفقه
مقدم على الأقرأ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير
مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه الا كامل الفقه قالوا ولهذا
قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم

172
نص على أن غيره أقرأ منه وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه لكن
في قوله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة دليل على تقديم الأقرأ مطلقا ولنا وجه اختاره
جماعة من أصحابنا أن الأورع مقدم على الأفقه والأقرأ لأن مقصود الإمامة يحصل من الأورع
أكثر من غيره قوله صلى الله عليه وسلم فان كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة قال أصحابنا
يدخل فيه طائفتان إحداهما الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام فان الهجرة
باقية إلى يوم القيامة عندنا وعند جمهور العلماء وقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد
الفتح أي لا هجرة من مكة لأنها صارت دار اسلام أو لا هجرة فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح وسيأتي شرحه مبسوطا في موضعه إن شاء الله تعالى الطائفة الثانية أولاد المهاجرين
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة وأحدهما من أولاد من
تقدمت هجرته والآخر من أولاد من تأخرت هجرته قدم الأول قوله صلى الله عليه وسلم
فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما وفي الرواية الأخرى سنا وفي الرواية الأخرى
فأكبرهم سنا معناه إذا استويا في الفقه والقراءة والهجرة ورجح أحدهما بتقدم اسلامه
أو بكبر سنه قدم لأنها فضيلة يرجح بها قوله صلى الله عليه وسلم ولا يؤمن الرجل الرجل في
سلطانه معناه ما ذكره أصحابنا وغيرهم أن صاحب البيت والمجلس وامام المسجد أحق من غيره
وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه وصاحب المكان أحق فان
شاء تقدم وان شاء قدم من يريده وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولا بالنسبة إلى باقي الحاضرين لأنه سلطانه
فيتصرف فيه كيف شاء قال أصحابنا فان حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب البيت وامام
المسجد وغيرهما لأن ولايته وسلطنته عامة قالوا ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو
أفضل منه قوله صلى الله عليه وسلم ولا يقعد في بيته على تكرمته الا بإذنه وفي الرواية

173
الأخرى ولا تجلس على تكرمته في بيته الا أن يأذن لك قال العلماء التكرمة الفراش ونحوه
مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به وهي بفتح التاء وكسر الراء قوله عن أوس بن ضمعج
هو بفتح الضاد المعجمة واسكان الميم وفتح العين قوله ونحن شببة متقاربون جمع شاب
ومعناه متقاربون في السن قوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا هو بالقافين
هكذا ضبطناه في مسلم وضبطناه في البخاري بوجهين أحدهما هذا والثاني رفيقا بالفاء والقاف
وكلاهما ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم

174
أكبركم فيه الحث على الأذان والجماعة وتقديم الأكبر في الإمامة إذا استووا في باقي الخصال
وهؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال لأنهم هاجروا جميعا وأسلموا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه ولم يبق ما يقدم به الا السن
واستدل جماعة بهذا على تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله عليه وسلم قال يؤذن أحدكم
وخص الإمامة بالأكبر ومن قال بتفضيل الأذان وهو الصحيح المختار قال إنما قال يؤذن
أحدكم وخص الإمامة بالأكبر لأن الأذان لا يحتاج إلى كبير علم وإنما أعظم مقصوده الاعلام
بالوقت والاسماع بخلاف الإمام والله أعلم قوله فلما أردنا الاقفال هو بكسر الهمزة
يقال فيه قفل الجيش إذا رجعوا وأقفلهم الأمير إذا أذن لهم في الرجوع فكأنه قال فلما أردنا
أن يؤذن لنا في الرجوع قوله صلى الله عليه وسلم وإذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما
أكبركما فيه أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين وفيه الحث على المحافظة على الأذان في
الحضر والسفر وفيه أن الجماعة تصح بامام ومأموم وهو اجماع المسلمين وفيه تقديم الصلاة

175
في أول الوقت
باب استحباب القنوت في جميع الصلاة
إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله واستحبابه في الصبح دائما
وبيان أن محله بعد رفع الرأس من الركوع في الركعة الأخيرة واستحباب الجهر به [
مذهب الشافعي رحمه الله أن القنوت مسنون في صلاة الصبح دائما وأما غيرها فله فيه ثلاثة
أقوال الصحيح المشهور أنه ان نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر في المسلمين
ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة والا فلا والثاني يقنتون في الحالين والثالث لا يقنتون
في الحالين ومحل القنوت بعد رفع الرأس من الركوع في الركعة الأخيرة وفي استحباب الجهر بالقنوت
في الصلاة الجهرية وجهان أصحهما يجهر ويستحب رفع اليدين فيه ولا يمسح الوجه وقيل يستحب
مسحه وقيل لا يرفع اليد واتفقوا على كراهة مسح الصدر والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص
بل يحصل بكل دعاء وفيه وجه أنه لا يحصل الا بالدعاء المشهور اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره
والصحيح أن هذا مستحب لا شرط ولو ترك القنوت في الصبح سجد للسهو وذهب أبو حنيفة وأحمد
وآخرون إلى أنه لا قنوت في الصبح وقال مالك يقنت قبل الركوع ودلائل الجمع معروفة وقد
أوضحتها في شرح المهذب والله أعلم قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ
من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول اللهم أنج

176
الوليد بن الوليد إلى آخره فيه استحباب القنوت والجهر به وأنه بعد الركوع وأنه يجمع بين قوله
سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد وفيه جواز الدعاء لانسان معين وعلى معين وقد سبق أنه يجوز أن
يقول ربنا لك الحمد وربنا ولك الحمد باثبات الواو وحذفها وقد ثبت الأمران في الصحيح
وسبق بيان حكمة الواو قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اشدد وطأتك على مضر الوطأة بفتح الواو
واسكان الطاء وبعدها همزة وهي البأس قوله صلى الله عليه وسلم واجعلها عليهم كسني يوسف
هو بكسر السين وتخفيف الياء أي اجعلها سنين شدادا ذوات
قحط وغلاء قوله صلى الله عليه وسلم اللهم العن لحيان إلى آخر فيه جواز لعن الكفار وطائفة معينة منهم قوله ثم بلغنا أنه

177
ترك ذلك يعني الدعاء على هذه القبائل وأما أصل القنوت في الصبح فلم يتركه حتى فارق الدنيا
كذا صح عن أنس رضي الله عنه قوله بينما هو يصلي قال أهل اللغة أصل بينما وبينا بين

178
وتقديره بين أوقات صلاته قال كذا وكذا وقد سبق ايضاحه قوله عن أبي مجلز هو

179
بكسر الميم واسكان الجيم وفتح اللام قوله عن خفاف ابن ايماء الغفاري خفاف بضم الخاء
المعجمة وإيماء بكسر الهمزة وهو مصروف

180
باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها
حاصل المذهب أنه إذا فاتته فريضة وجب قضاؤها وان فاتت بعذر استحب قضاؤها على الفور
ويجوز التأخير على الصحيح وحكى البغوي وغيره وجها أنه لا يجوز وان فاتته بلا عذر وجب
قضاؤها على الفور على الأصح وقيل لا يجب على الفور بل له التأخير وإذا قضى صلوات
استحب قضاؤهن مرتبا فان خالف ذلك صحت صلاته عند الشافعي ومن وافقه سواء كانت
الصلاة قليلة أو كثيرة وإن فاتته سنة راتبة ففيها قولان للشافعي أصحهما يستحب ب قضاؤها لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها ولأحاديث أخر كثيرة في الصحيح
كقضائه صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر حين شغله عنها الوفد وقضائه سنة الصبح
في حديث الباب والقول الثاني لا يستحب وأما السنن التي شرعت لعارض كصلاة الكسوف
والاستسقاء ونحوهما فلا يشرع قضاؤها بلا خلاف والله أعلم قوله قفل من غزوة خيبر
أي رجع والقفول الرجوع ويقال غزوة وغزاة وخيبر بالخاء المعجمة هذا هو الصواب
وكذا ضبطناه وكذا هو في أصول بلادنا من نسخ مسلم قال الباجي وأبو عمر بن عبد البر
وغيرهما هذا هو الصواب قال القاضي عياض هذا قول أهل السير وهو الصحيح قال وقال
الأصيلي إنما هو حنين بالحاء المهملة والنون وهذا غريب ضعيف واختلفوا هل كان هذا النوم

181
مرة أو مرتين وظاهر الأحاديث مرتان قوله إذا أدركه الكري عرس الكري بفتح
الكاف النعاس وقيل النوم يقال منه كرى الرجل بفتح الكاف وكسر الراء يكري كرى فهو
كر وامرأة كرية بتخفيف الياء والتعريس نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة هكذا
قاله الخليل والجمهور وقال أبو زيد هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار وفي الحديث معرسون
في نحر الظهيرة قوله وقال بلال اكلأ لنا الفجر هو بهمز آخره أي ارقبه واحفظه
واحرسه ومصدره الكلأ بكسر الكاف والمد ذكره الجوهري وقوله مواجه الفجر أي مستقبله
بوجهه قوله ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي انتبه وقام قوله صلى الله عليه وسلم
أي بلال هكذا هو في رواياتنا ونسخ بلادنا وحكى القاضي عياض عن جماعة أنهم ضبطوه
أين بلال بزيادة نون قوله فاقتادوا رواحلهم شيئا فيه دليل على أن قضاء الفائتة بعذر ليس
على الفور وإنما اقتادوها لما ذكره في الرواية الثانية فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قوله
وأمر بلالا بالإقامة فأقام الصلاة فيه اثبات الإقامة للفائتة وفيه إشارة إلى ترك الأذان للفائتة
وفي حديث أبي قتادة بعد
اثبات الأذان للفائتة وفي المسألة خلاف مشهور والأصح عندنا اثبات الأذان بحديث أبي قتادة وغيره من الأحاديث الصحيحة وأما ترك ذكر الأذان في حديث

182
أبي هريرة وغيره فجوابه من وجهين أحدهما لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله
الراوي أو لم يعلم به والثاني لعله تر ك الأذان في هذه المرة لبيان جواز تركه وإشارة إلى أنه ليس
بواجب متحتم لا سيما في السفر قوله فصلى بهم الصبح فيه استحباب الجماعة في الفائتة
وكذا قاله أصحابنا قوله صلى الله عليه وسلم من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فيه وجوب
قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر وإنما قيد في الحديث بالنسيان
لخروجه على سبب لأنه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب وهو من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى وأما قوله صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها فمحمول على الاستحباب
فإنه يجوز تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح وقد سبق بيانه ودليله وشذ بعض أهل الظاهر
فقال لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء وهذا
خطأ من قائله وجهالة والله أعلم وفيه دليل لقضاء السنن الراتبة إذا فاتت وقد سبق بيانه والخلاف
في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان فيه دليل على استحباب
اجتناب مواضع الشيطان وهو أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الحمام قوله فتوضأ ثم
سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة فيه استحباب قضاء النافلة الراتبة وجواز تسمية

183
صلاة الصبح الغداة وانه لا يكره ذلك فان قيل كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح
حتى طلعت الشمس مع قوله صلى الله عليه وسلم ان عيني تنامان ولا ينام قلبي فجوابه من وجهين
أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم
ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة
وإن كان القلب يقظان والثاني أنه كان له حالان أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع
والثاني لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول
قوله عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رباح هذا بفتح الراء وبالموحدة وأبو قتادة الحارث
ابن ربعي الأنصاري قوله خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تسيرون فيه أنه
يستحب لأمير الجيش إذا رأى مصلحة لقومه في اعلامهم بأمر أن يجمعهم كلهم ويشيع ذلك فيهم
ليبلغهم كلهم ويتأهبوا له ولا يخص به بعضهم وكبارهم لأنه ربما خفي على بعضهم فيلحقه الضرر
قوله صلى الله عليه وسلم وتأتون الماء إن شاء الله غدا فيه استحباب قول إن شاء الله في
الأمور المستقبلة وهو موافق للأمر
به في القرآن قوله لا يلوي أحد على أحد أي لا يعطف
قوله ابهار الليل هو بالباء الموحدة وتشديد الراء أي انتصف قوله فنعس هو بفتح
العين والنعاس مقدمة النوم وهو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل إلى
القلب فإذا وصلت إلى القلب كان نوما ولا ينتقض الوضوء بالنعاس من المضجع وينتقض
بنومه وقد بسطت الفرق بين حقيقتهما في شرح المهذب قوله فدعمته أي أقمت ميله

184
من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها قوله تهور الليل أي ذهب أكثره مأخوذ
من تهور البناء وهو انهدامه يقال تهور الليل وتوهر قوله ينجفل أي يسقط قوله قال
من هذا قلت أبو قتادة فيه أنه إذا قيل للمستأذن ونحوه من هذا يقول فلان باسمه وأنه لا بأس
أن يقول أبو فلان إذا كان مشهورا بكنيته قوله صلى الله عليه وسلم حفظك الله
بما حفظت به نبيه أي بسبب حفظك نبيه وفيه أنه يستحب لمن صنع إليه معروف ان يدعو
لفاعله وفيه حديث آخر صحيح مشهور قوله سبعة ركب هو جمع راكب كصاحب وصحب
ونظائره قوله ثم دعا بميضأة هي بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد وهي الاناء الذي يتوضأ به
كالركوة قوله فتوضأ منها وضوءا دون وضوء معناه وضوءا خفيفا مع أنه أسبغ الأعضاء ونقل القاضي
عياض عن بعض شيوخه أن المراد توضأ ولم يستنج بماء بل استجمر بالأحجار وهذا الذي زعمه هذا

185
القائل غلط ظاهر والصواب ما سبق قوله صلى الله عليه وسلم فسيكون لها نبأ هذا من
معجزات النبوة قوله ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى
الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم فيه استحباب الاذان للصلاة الفائتة وفيه قضاء السنة الراتبة
لأن الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سنة الصبح وقوله كما كان يصنع كل يوم فيه
إشارة إلى أن صفة قضاء الفائتة كصفة أدائها فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها وهذا لا خلاف
فيه عندنا وقد يحتج به من يقول يجهر في الصبح التي يقضيها بعد طلوع الشمس وهذا أحد
الوجهين لأصحابنا وأصحهما أنه يسر بها ويحمل قوله كما كان يصنع أي في الأفعال وفيه إباحة
تسمية الصبح غداة وقد تكرر في الأحاديث قوله فجعل بعضنا يهمس إلى بعض هو بفتح
الياء وكسر الميم وهو الكلام الخفي قوله صلى الله عليه وسلم انه ليس في النوم تفريط
فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها
بأمر جديد هذا هو المذهب الصحيح المختار عند أصحاب الفقه والأصول ومنهم من قال
يجب القضاء بالخطاب السابق وهذا القائل يوافق
على أنه في حال النوم غير مكلف وأما إذا
أتلف النائم بيده أو غيرها من أعضائه شيئا في حال نومه فيجب ضمانه بالاتفاق وليس ذلك
تكليفا للنائم لأن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالاجماع بل لو أتلف الصبي أو المجنون
أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه شيئا وجب ضمانه بالاتفاق ودليله من القرآن قوله
تعالى قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله فرتب سبحانه وتعالى

186
على القتل خطأ الدية والكفارة مع أنه غير آثم بالاجماع قوله صلى الله عليه وسلم إنما التفريط
على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه
لها فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها في الحديث دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس
حتى يدخل وقت الأخرى وهذا مستمر على عمومه في الصلوات الا الصبح فإنها لا تمتد إلى الظهر
بل يخرج وقتها بطلوع الشمس لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل
أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه والصحيح المختار
امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء للأحاديث الصحيحة السابقة في صحيح مسلم وقد ذكرنا
الجواب عن حديث إمامة جبريل صلى الله عليه وسلم في اليومين في المغرب في وقت واحد
وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا تفوت العصر بمصير ظل الشئ مثليه وتفوت العشاء
بذهاب ثلث الليل أو نصفه وتفوت الصبح بالاسفار وهذا القول ضعيف والصحيح المشهور
ما قدمناه من الامتداد إلى دخول الصلاة الثانية وأما قوله صلى الله عليه وسلم فإذا كان من الغد
فليصلها عند وقتها فمعناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ويتحول في المستقبل بل يبقى
كما كان فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ويتحول وليس معناه أنه يقضي الفائتة
مرتين مرة في الحال ومرة في الغد وإنما معناه ما قدمناه فهذا هو الصواب في معنى هذا
الحديث وقد اضطربت أقوال العلماء فيه واختار المحققون ما ذكرته والله أعلم قوله ثم قال
ما ترون الناس صنعوا قال ثم قال أصبح الناس فقدوا نبيهم فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم وقال الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم

187
بين أيديكم فان يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا معنى هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم
لما صلى بهم الصبح بعد ارتفاع الشمس وقد سبقهم الناس وانقطع النبي صلى الله عليه وسلم
وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم قال ما تظنون الناس يقولون فينا فسكت القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس ان النبي صلى الله عليه وسلم وراءكم ولا تطيب
نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم وقال باقي
الناس إنه سبقكم فالحقوه فان أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا فإنهما على الصواب والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم لا هلك عليكم هو بضم الهاء وهو من الهلاك وهذا من
المعجزات
قوله صلى الله عليه وسلم أطلقوا لي غمري هو بضم الغين المعجمة وفتح الميم وبالراء هو
القدح الصغير قوه فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة تكابوا عليها ضبطنا قوله ما هنا بالمد
والقصر وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه وسلم أحسنوا الملأ كلكم سيروي الملأ بفتح الميم
واللام وآخره همزة وهو منصوب مفعول أحسنوا والملأ الخلق والعشرة يقال ما أحسن ملأ
فلان أي خلقه وعشرته وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم ذكره الجوهري وغيره
وأنشد الجوهري
تنادوا يال بهتة إذ رأونا * فقلنا أحسني ملأ جهينا

188
قوله صلى الله عليه وسلم ان ساقي القوم آخرهم فيه هذا الأدب من آداب شاربي الماء واللبن
ونحوهما وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول كلحم وفاكهة ومشموم وغير ذلك والله أعلم قوله
فأتى الناس الماء جامين رواء أي نشاطا مستريحين قوله في مسجد الجامع هو من باب إضافة
الموصوف إلى صفته فعند الكوفين يجوز ذلك بغير تقدير وعند البصريين لا يجوز الا بتقدير ويتأولون
ما جاء في هذا بحسب مواطنه والتقدير هنا مسجد المكان الجامع وفي قول الله تعالى كنت
بجانب الغربي أي المكان الغربي وقوله تعالى ولدار الآخرة أي الحياة الآخرة وقد سبقت المسألة
في مواضع والله أعلم قوله وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته ضبطناه حفظته بضم
التاء وفتحها وكلاهما حسن وفي حديث أبي قتادة هذا معجزات ظاهرات لرسول الله
صلى الله عليه وسلم إحداها اخباره بأن الميضأة سيكون لها نبأ وكان كذلك الثانية تكثير الماء
القليل الثالثة قوله صلى الله عليه وسلم كلكم سيروي وكان كذلك الرابعة قوله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر وعمر كذا وقال الناس كذا الخامسة قوله صلى الله عليه وسلم انكم تسيرون عشيتكم وليلتكم
وتأتون الماء وكان كذلك ولم يكن أحد من القوم
يعلم ذلك ولهذا قال فانطلق الناس لا يلوي
أحد على أحد إذ لو كان أحد منهم يعلم ذلك لفعلوا ذلك قبل قوله صلى الله عليه وسلم قوله حدثنا سلم

189
ابن زرير هو بزاي في أوله مفتوحة ثم راء مكررة قوله فأدلجنا ليلتنا هو
بإسكان الدال وهو سير الليل كله وأما ادلجنا بفتح الدال المشددة فمعناه سرنا آخر الليل هذا
هو الأشهر في اللغة وقيل هما لغتان بمعنى ومصدر الأول ادلاج باسكان الدال والثاني ادلاج بكسر
الدال المشددة قوله بزغت الشمس هو أول طلوعها وقوله وكنا لا نوقظ نبي الله
صلى الله عليه وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ قال العلماء كانوا يمتنعون من إيقاظه صلى الله عليه وسلم لما كانوا يتوقعون من الإيحاء إليه في المنام ومع هذا فكانت الصلاة قد فات وقتها
فلو نام آحاد الناس اليوم وحضرت صلاة وخيف فوتها نبهه من حضره لئلا تفوت الصلاة
قوله في الجنب فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم بالصعيد فصلى فيه جواز التيمم للجنب
إذا عجز عن الماء وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقد سبق بيانه في بابه قوله إذا نحن بامرأة
سادلة رجليها بين مزادتين السادلة المرسلة المدنية والمزادة معروفة وهي أكبر من القربة والمزادتان

190
حمل البعير سميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها قوله فقلنا لها أين الماء قالت أيهاه
أيهاه لا ماء لكم هكذا هو في الأصول وهو بمعنى هيهات هيهات ومعناه البعد من المطلوب واليأس
منه كما قالت بعده لا ماء لكم أي ليس لكم ماء حاضر ولا قريب وفي هذه اللفظة بضع عشرة
لغة ذكرتها كلها مفصلة واضحة متقنة مع شرح معناها وتصريفها وما يتعلق بها في تهذيب
الأسماء واللغات وقد تقدم أيضا ذلك قوله وأخبرته أنها مؤتمة بضم الميم وكسر التاء أي
ذات أيتام قوله فأمر بروايتها فأنيخت والراوية عند العرب هي الجمل الذي يحمل الماء وأهل العرف
قد يستعملونه في المزادة استعارة والأصل البعير قوله فمج في العزلاوين العلياوين المج زرق الماء
بالفم والعزلاء بالمد هو المشعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء ويطلق أيضا على فمها الأعلى
كما قال في هذه الرواية العزلاوين العلياوين وتثنيتها عزلاوان والجمع العزالي بكسر اللام
قوله وغسلنا صاحبنا يعني الجنب هو بتشديد السين أي أعطيناه ما يغتسل به وفيه دليل
على أن المتيمم عن الجنابة إذا أمكنه استعمال
الماء اغتسل قوله وهي تكاد تنضرج من الماء

191
أي تنشق وهو بفتح التاء واسكان النون وفتح الضاد المعجمة وبالجيم وروى بتاء أخرى بدل
النون وهو بمعناه والأول هو المشهور قوله صلى الله عليه وسلم لم نرزأ من مائك هو بنون
مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاء ثم همزة أي لم ننقص من مائك شيئا وفي هذا الحديث معجزة
ظاهرة من أعلام النبوة قولها كان من أمره ذيت وذيت قال أهل اللغة هو بمعنى كيت وكيت
وكذا وكذا قوله فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا الصرم بكسر الصاد
أبيات مجتمعة قوله قبيل الصبح بضم القاف هو أخص من قبل وأصرح في القرب
قوله وكان أجوف جليدا أي رفيع الصوت يخرج صوته من جوفه والجليد القوي
قوله صلى الله عليه وسلم لا ضير أي لا ضرر عليكم في هذا النوم وتأخير الصلاة به

192
والضير والضر والضرر بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها
لا كفارة لها الا ذلك معناه لا يجزئه الا الصلاة مثلها ولا يلزمه مع ذلك شئ آخر قوله حدثنا
هداب حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس هذا الاسناد كله بصريون واعلم أن هذه الأحاديث
جرت في سفرين أو أسفار لا في سفرة واحدة وظاهر ألفاظها يقتضي ذلك والله أعلم

193
كتاب صلاة المسافرين وقصرها
قولها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة
الحضر اختلف العلماء في القصر في السفر فقال الشافعي ومالك بن أنس وأكثر العلماء يجوز
القصر والاتمام والقصر أفضل ولنا قول أن الاتمام أفضل ووجه أنهما سواء والصحيح
المشهور أن القصر أفضل وقال أبو حنيفة وكثيرون القصر واجب ولا يجوز الاتمام ويحتجون
بهذا الحديث وبأن أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان القصر واحتج الشافعي
وموافقوه بالأحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب
بعضهم على بعض وبأن عثمان كان يتم وكذلك عائشة وغيرها وهو ظاهر قول الله عز وجل
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة وأما حديث فرضت

194
الصلاة ركعتين فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في صلاة الحضر ركعتان
على سبيل التحتيم وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار وثبتت دلائل جواز الاتمام فوجب
المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع قوله فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر فقال إنها
تأولت كما تأول عثمان اختلف العلماء في تأويلهما فالصحيح الذي عليه المحققون أنهما رأيا
القصر جائزا والاتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين وهو الاتمام وقيل لان عثمان امام المؤمنين
وعائشة أمهم فكأنهما في منازلهما وأبطله المحققون بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك
منهما وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقيل لان عثمان تأهل بمكة وأبطلوه بأن النبي صلى الله عليه وسلم سافر بأزواجه وقصر وقيل فعل ذلك من أجل الاعراب الذين حضروا معه لئلا
يظنوا أن فرض الصلاة ركعتان أبدا حضرا وسفرا وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان وقيل لان عثمان نوى الإقامة
بمكة بعد الحج وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث وقيل كان لعثمان أرض بمنى وأبطلوه
بان ذلك لا يقضي الاتمام والإقامة والصواب الأول ثم مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد
والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وشرط بعض السلف كونه سفر خوف وبعضهم كونه سفر
حج أو عمرة أو غزو وبعضهم كونه سفر طاعة قال الشافعي ومالك وأحمد والأكثرون
ولا يجوز في سفر المعصية وجوزه أبو حنيفة والثوري ثم قال الشافعي ومالك وأصحابهما والليث
والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم لا يجوز القصر إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين وهي
ثمانية وأربعون ميلا هاشمية والميل ستة آلاف
ذراع والذراع أربع وعشرون إصبعا معترضة
معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضات معتدلات وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يقصر في
أقل من ثلاث مراحل وروى عن عثمان وابن مسعود وحذيفة وقال داود وأهل الظاهر يجوز

195
في السفر الطويل والقصير حتى لو كان ثلاثة أميال قصر قوله عن عبد الله بن بابيه هو بباء
موحدة ثم ألف ثم موحدة أخرى مفتوحة ثم مثناة تحت ويقال فيه بن باباه وابن بابي بكسر
الباء الثانية قوله عجبت ما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق
الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته هكذا هو في بعض الأصول ما عجبت وفي بعضها عجبت مما
عجبت وهو المشهور المعروف وفيه جواز قول تصدق الله علينا واللهم تصدق علينا وقد كرهه
بعض السلف وهو غلط ظاهر وقد أوضحته في أواخر كتاب الأذكار وفيه جواز القصر في غير
الخوف وفيه أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم قوله
عن ابن عباس قال فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر

196
أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم
الحسن والضحاك وإسحاق بن راهويه وقال الشافعي ومالك والجمهور ان صلاة الخوف كصلاة الأمن
في عدد الركعات فان كانت في الحضر وجب أربع ركعات وان كانت في السفر وجب ركعتان ولا يجوز
الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة
مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة والله أعلم قوله حدثنا
أيوب بن عائذ هو بالذال المعجمة قوله حتى جاء رحله أي منزله قوله فحانت منه

197
التفاته أي حضرت وحصلت قوله لو كنت مسبحا أتممت صلاتي المسبح هنا المتنفل
بالصلاة والسبحة هنا صلاة النفل وقوله لو كنت مسبحا لأتممت معناه لو اخترت التنفل
لكان اتمام فريضتي أربعا أحب إلى ولكني لا أرى واحدا منهما بل السنة القصر وترك التنفل
ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات وأما النوافل
المطلقة فقد كان ابن عمر يفعلها في السفر وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها
كما ثبت في مواضع من الصحيح عنه وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر
واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه
والجمهور ودليله الأحاديث المطلقة في ندب الرواتب وحديث صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى يوم الفتح بمكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس وأحاديث أخر
صحيحة ذكرها أصحاب السنن والقياس على النوافل المطلقة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان
يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فان النافلة في البيت أفضل أو لعله تركها في بعض
الأوقات تنبيها على جواز تركها وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان
اتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم اتمامها وأما النافلة
فهي إلى خيرة المكلف فالرفق أن تكون مشروعة ويتخير ان شاء فعلها وحصل ثوابها وأن
شاء تركها ولا شئ عليه قوله في حديث حفص بن عاصم عن ابن عمر ثم صحبت عثمان
فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وذكر مسلم بعد هذا في حديث ابن عمر قال ومع عثمان
صدرا من خلافته ثم أتمها وفي رواية ثمان سنين أو ست سنين وهذا هو المشهور أن عثمان

198
أتم بعد ست سنين من خلافته وتأول العلماء هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على
ركعتين حتى قبضه الله في غير منى والروايات المشهورة باتمام عثمان بعد صدر من خلافته
محمولة على الإتمام بمنى خاصة وقد فسر عمران بن الحصين في روايته أن اتمام عثمان إنما كان
بمنى وكذا ظاهر الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا واعلم أن القصر مشروع بعرفات
ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون
مسافة القصر هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين وقال مالك يقصر أهل مكة ومنى
ومزدلفة وعرفات فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسك وعند الجمهور علته السفر والله أعلم
قوله صلى الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين وبين المدينة وذي الحليفة ستة
أميال ويقال سبعة هذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره وقال
الجمهور لا يجوز القصر الا في سفر يبلغ مرحلتين وقال أبو حنيفة وطائفة شرطه ثلاث مراحل
واعتمدوا في ذلك آثارا عن الصحابة وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لان المراد

199
أنه حين سافر صلى الله عليه وسلم إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر
فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية
سفره فلا دلالة فيه قطعا وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه
إن كان من أهل الخيام هذا جملة القول فيه وتفصيله مشهور في كتب الفقه هذا مذهبنا
ومذهب العلماء كافة الا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال وحكى
عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه وعن مجاهد
أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل وهذه الروايات كلها منابذة للسنة وإجماع
السلف والخلف قوله يحيى بن يزيد الهنائي هو بضم الهاء وبعدها نون مخففة وبالمد
المنسوب إلى هناء بن مالك بن فهم قاله السمعاني قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين هذا ليس على سبيل الاشتراط وإنما
وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يسافر سفرا طويلا
فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها وإنما كان يسافر بعيدا
من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ والأحاديث المطلقة
مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فإنه حينئذ يسمى مسافرا

200
والله أعلم قوله وحدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال
خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين
فقلت له فقال رأيت عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال إنما أفعل كما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يرون بعضهم عن بعض
يزيد بن خمير فمن بعده وتقدمت لهذا نظائر كثيرة وسيأتي بيان باقيها في مواضعها إن شاء الله
تعالى ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة ونفير بضم النون وفتح الفاء والسمط بكسر السين
واسكان الميم ويقال السمط بفتح السين وكسر الميم وهذا الحديث مما قد يتوهم أنه دليل
لأهل الظاهر ولا دلالة فيه بحال لأن الذي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله
عنه إنما هو القصر بذي الحليفة وليس فيه أنها غاية السفر وأما قوله قصر شرحبيل على
رأس سبعة عشر ميلا أو ثمانية عشر ميلا فلا حجة فيه لأنه تابعي فعل شيئا يخالف الجمهور
أو يتأول على أنها كانت في أثناء سفره لا أنها غايته وهذا التأويل ظاهر وبه يصح احتجاجه
بفعل عمر ونقله ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قوله أتى أرضا يقال لها دومين
من حمص على رأس ثمانية عشر ميلا هي بضم الدال وفتحها وجهان مشهوران والواو ساكنة

201
والميم مكسورة وحمص لا ينصرف وان كانت اسما ثلاثيا ساكن الأوسط لأنها عجمية اجتمع
فيها العجمة والعلمية والتأنيث كماه وجور ونظائرهما قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع قلت كم أقام بمكة قال عشرا هذا
معناه أنه أقام في مكة وما حواليها لا في نفس مكة فقط والمراد في سفره صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع فقدم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع وخرج منها في الثامن
إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر فأقام
بها الحادي عشر والثاني عشر
ونفر في الثالث عشر إلى مكة وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر فمدة اقامته
صلى الله عليه وسلم في مكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها ففيه دليل على أن المسافر إذا
نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر وأن الثلاثة ليست إقامة لان
النبي صلى الله عليه وسلم أقام هو والمهاجرون ثلاثا بمكة فدل على أن الثلاثة ليست إقامة شرعية

202
وأن يومي الدخول والخروج لا يحسبان منها وبهذه الجملة قال الشافعي وجمهور العلماء وفيها
خلاف منتشر للسلف قوله بمنى وغيره هكذا هو في الأصول وغيره وهو صحيح لأن
منى تذكر وتؤنث بحسب القصد ان قصد الموضع فمذكر أو البقعة فمؤنثة وإذا ذكر صرف وكتب
بالألف وان أنث لم يصرف وكتب بالياء والمختار تذكيره وتنوينه وسمى منى لما يمنى به من
الدماء أي يراق قوله خبيب بن عبد الرحمن هو بالخاء المعجمة المضمومة وسبق بيانه في

203
أول الكتاب وغيره قوله فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان معناه ليت عثمان
صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم
أجمعين في صدر خلافته يفعلون ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصاحباه ومع هذا فابن مسعود رضي الله عنه موافق على جواز الاتمام ولهذا كان يصلي وراء
عثمان رضي الله عنه متما ولو كان القصر عنده واجبا لما استجاز تركه وراء أحد وأما قوله فذكر

204
ذلك لابن مسعود رضي الله عنه فاسترجع فمعناه كراهة المخالفة في الأفضل كما سبق قوله قال
مسلم رحمه الله تعالى حارثة ابن وهب الخزاعي هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه هكذا
ضبطناه أخو عبيد الله بضم العين مصغر ووقع في بعض الأصول أخو عبد الله بفتح العين مكبر
وهو خطأ والصواب الأول وكذا نقله القاضي رحمه الله تعالى عن أكثر رواة صحيح مسلم وكذا
ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وابن عبد البر وخلائق لا يحصون كلهم يقولون بأنه
أخو عبيد الله مصغر وأمه مليكة بنت جرول الخزاعي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فأولدها ابنه عبيد الله وأما عبد الله بن عمر وأخته حفصة فأمهما زينب بنت مظعون
باب الصلاة في الرحال في المطر
قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في

205
السفر أن يقول ألا صلوا في رحالكم وفي رواية ليصل من شاء منكم في رحله وفي حديث
ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذن في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا
تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم قال فكأن الناس استنكروا ذلك فقال أتعجبون من ذا
فقد فعل هذا من هو خير مني أن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين

206
والدحض وفي رواية فعله من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث
دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الاعذار وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر وأنها
مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة لقوله في الرواية الثانية ليصل من شاء في
رحله وأنها مشروعة في السفر وأن الأذان مشروع في السفر وفي حديث ابن عباس رضي
الله عنه أن يقول ألا صلوا في رحالكم في نفس الأذان وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر
ندائه والأمران جائزان نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم في كتاب الأذان وتابعه
جمهور أصحابنا في ذلك فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما لكن قوله بعده
أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه ومن أصحابنا من قال لا يقوله إلا بعد الفراغ وهذا
ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولا منافاة بينه وبين الحديث الأول
حديث بن عمر رضي الله عنهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح قال أهل
اللغة الرحال المنازل سواء كانت من حجر ومدر وخشب أو شعر وصوف ووبر وغيرها واحدها
رحل قوله نادى بالصلاة بضجنان هو بضاد معجمة مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم نون وهو
جبل على بريد من مكة قوله إن الجمعة عزمة باسكان الزاي أي واجبة متحتمة فلو قال المؤذن
حي على الصلاة لكلفتم المجئ إليها ولحقتكم المشقة قوله كرهت أن أحرجكم هو بالحاء
المهملة من الحرج وهو المشقة هكذا ضبطناه وكذا نقله القاضي عياض عن رواياتهم قوله
في الطين والدحض باسكان الحاء المهملة وبعدها ضاد معجمة وفي الرواية الأخيرة الدحض
والزلل هكذا هو باللامين والدحض والزلل والزلق والردغ بفتح الراء واسكان الدال المهملة و
بالغين المعجمة كله بمعنى واحد ورواه بعض رواة مسلم رزغ بالزاي بدل الدال بفتحها واسكانها

207
وهو الصحيح وهو بمعنى الرزغ وقيل هو المطر الذي يبل وجه الأرض قوله وحدثنيه أبو الربيع
العتكي هو الزهراني قال القاضي كذا وقع هنا جمع بين العتكي والزهراني وتارة يقول العتكي
فقط وتارة الزهراني قال ولا يجتمع العتك وزهران الا في جدهما لأنهما ابنا عم وليس أحدهما من بطن
الآخر لأن زهران بن الحجر بن عمران بن عمر والعتك بن أحد بن عمرو وقد سبق التنبيه على
هذا في أوائل الكتاب وفي هذا الحديث دليل على سقوط الجمعة بعذر المطر ونحوه وهو
مذهبنا ومذهب آخرين وعن مالك رحمه الله تعالى خلافه والله تعالى أعلم بالصواب

208
باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت
قوله عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته وفي
رواية يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه وفيه نزلت فأينما تولوا فثم وجه
الله وفي رواية رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على حمار وهو موجه إلى خيبر وفي

209
كان يوتر على البعير وفي رواية يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير
أنه لا يصلي عليها المكتوبة في هذه الأحاديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت
وهذا جائز بإجماع المسلمين وشرطه أن لا يكون سفر معصية ولا يجوز الترخص بشئ من رخص
السفر لعاص بسفره وهو من سافر لقطع طريق أو لقتال بغير حق أو عاقا والده أو آبقا من
سيده أو ناشزة على زوجها ويستثنى المتيمم فيجب عليه إذا لم يجد الماء أن يتيمم ويصلي وتلزمه
الإعادة على الصحيح سواء قصير السفر وطويله فيجوز التنفل على الراحلة في الجميع عندنا وعند
الجمهور ولا يجوز في البلد وعن مالك أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة وهو قول

210
غريب محكي عن الشافعي رحمه الله تعالى وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا يجوز التنفل
على الدابة في البلد وهو محكي عن أنس بن مالك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وفيه دليل على
أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة وهذا مجمع عليه إلا في شدة الخوف فلو
أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على الدابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت
الفريضة على الصحيح في مذهبنا فان كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي
وقيل تصح كالسفينة فإنها يصح فيها الفريضة بالإجماع ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة
انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحابنا يصلي الفريضة على الدابة بحسب الإمكان وتلزمه إعادتها
لأنه عذر نادر قوله ويوتر على الراحلة فيه دليل لمذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور
أنه يجوز الوتر على الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة ليس بواجب وقال أبو حنيفة رضي
الله عنه هو واجب ولا يجوز على الراحلة دليلنا هذه الأحاديث فإن قيل فمذهبكم أن الوتر
واجب على النبي صلى الله عليه وسلم قلنا وإن كان واجبا عليه فقد صح فعله له على الراحلة فدل
على صحته منه على الراحلة ولو كان واجبا على العموم لم يصح على الراحلة كالظهر فإن قيل الظهر
فرض والوتر واجب وبينهما فرق قلنا هذا الفرق اصطلاح لكم لا يسلمه لكم الجمهور ولا يقتضيه
شرع ولا لغة ولو سلم لم يحصل به معارضة والله أعلم وأما تنفل راكب السفينة فمذهبنا أنه لا يجوز
إلا إلى القبلة إلا ملاح السفينة فيجوز له إلى غيرها لحاجة وعن مالك رواية كمذهبنا ورواية
بجوازه حيث توجهت لكل أحد قوله يسبح على الراحلة ويصلي سبحته أي يتنفل
والسبحة بضم السين واسكان الباء النافلة قوله حيثما توجهت به راحلته يعني في جهة
مقصده قال أصحابنا فلو توجه إلى غير المقصد فإن كان إلى القبلة جاز وإلا فلا قوله وهو
موجه إلى خيبر هو بكسر الجيم أي متوجه ويقال قاصد ويقال مقابل قوله يصلي على
حمار قال الدارقطني وغيره هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني قالوا وإنما المعروف في صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو على البعير والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل
أنس كما ذكره مسلم بعد هذا ولهذا لم يذكر البخاري حديث عمرو هذا كلام الدارقطني
ومتابعيه وفي الحكم بتغليط رواية عمرو نظر لأنه ثقة نقل شيئا محتملا فلعله كان لحمار مرة
والبعير مرة أو مرات لكن قد يقال أنه شاذ فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعيد والراحلة

211
والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة والله أعلم قوله تلقينا أنس بن مالك حين قدم
الشام هكذا هو في جميع نسخ مسلم وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الروايات لصحيح
مسلم قال وقيل إنه وهم وصوابه قدم من الشام كما جاء في صحيح البخاري لأنهم خرجوا من
البصرة للقائه حين قدم من الشام قلت ورواية مسلم صحيحة ومعناها تلقيناه في رجوعه حين
قدم الشام وإنما حذف ذكر رجوعه للعلم به والله أعلم
باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر
قال الشافعي والأكثرون يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء وبين المغرب
والعشاء في وقت أيتهما شاء في السفر الطويل وفي جوازه في السفر القصير قولان للشافعي أصحهما
لا يجوز فيه القصر والطويل ثمانية وأربعون ميلا هاشمية وهو مرحلتان معتدلتان كما سبق والأفضل
لمن هو في المنزل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إليها ولمن هو سائر في وقت الأولى ويعلم أنه ينزل
قبل خروج وقت الثانية أيؤخر الأولى إلى الثانية ولو خالف فيهما جاز وكان تاركا للأفضل وشرط

212
الجمع في وقت الأولى أن يقدمها وينوي الجمع قبل فراغه من الأولى وأن لا يفرق بينهما وإن
أراد الجمع في الوقت الثانية وجب أن ينويه في الوقت الأول ويكون قبل ضيق وقتها بحيث يبقى
من الوقت ما يسع تلك الصلاة فأكثر فإن أخرها بلا نية عصى وصارت قضاء وإذا أخرها بالنية
استحب أن يصلي الأولى أولا وأن ينوي الجمع وأن لا يفرق بينهما ولا يجب شئ من ذلك
هذا مختصر أحكام الجمع وباقي فروعه معروفة في كتب الفقه ويجوز الجمع بالمطر في وقت الأولى
ولا يجوز في وقت الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره إلى الثانية وشرط وجوده عند
الإحرام بالأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية ويجوز ذلك لمن يمشي إلى الجماعة في غير كن بحيث
يلحقه بلل المطر والأصح أنه لا يجوز لغيره هذا مذهبنا في الجمع بالمطر وقال به جمهور العلماء في
الظهر والعصر وفي المغرب والعشاء وخصه مالك رحمه الله تعالى بالمغرب والعشاء وأما المريض
فالمشهور من مذهب الشافعي والأكثرين أنه لا يجوز له وجوزه أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي
وهو قوي في الدليل كما سننبه عليه في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى
وقال أبو حنيفة لا يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب السفر ولا المطر ولا المرض ولا غيرها
إلا بين الظهر والعصر بعرفات بسبب النسك وبين المغرب والعضاء بمزدلفة بسبب النسك
أيضا والأحاديث الصحيحة في الصحيحين وسنن أبي داود وغيره حجة عليه قوله في حديث
ابن عمر إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق صريح في الجمع
في وقت احدى الصلاتين وفيه ابطال تأويل الحنفية في قولهم إن المراد بالجمع تأخير الأولى
إلى آخر وقتها وتقديم الثانية إلى أول وقتها ومثله في حديث أنس إذا ارتحل قبل أن تزيغ

213
الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وهو صريح في الجمع في وقت الثانية
والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر
الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما وفي الرواية الأخرى ويؤخر المغرب
حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق وإنما اقتصر ابن عمر على ذكر الجمع بين
المغرب والعشاء لأنه ذكره جوابا لقضية جرت له فإنه استصرخ على زوجته فذهب مسرعا
وجمع بين المغرب والعشاء فذكر ذلك بيانا لأنه فعله على وفق السنة فلا دلالة فيه لعدم
الجمع بين الظهر والعصر رواه أنس وابن عباس وغيرهما من لصحابة قوله وحدثني

214
أبو الطاهر وعمرو بن سواد قالا أخبرنا ابن وهب قال حدثني جابر بن إسماعيل عن عقيل
هكذا ضبطناه ووقع في رواياتنا وروايات أهل بلادنا جابر بن إسماعيل بالجيم والباء الموحدة
ووقع في بعض نسخ بلادنا حاتم بن إسماعيل وكذا وقع لبعض رواة المغاربة وهو غلط
والصواب باتفاقهم جابر بالجيم وهو جابر بن إسماعيل الحضرمي المصري قوله في هذه
الرواية إذا عجل عليه السفر هكذا هو في الأصول عجل عليه وهو بمعنى عجل به في الروايات
الباقية قوله في حديث ابن عباس صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا
بالمدينة في غير خوف ولا سفر وقال ابن عباس حين سئل لم فعل ذلك أراد أن لا يحرج
أحدا من أمته

215
وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين
الصلاة في سفره سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال
سعيد بن جبير فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته وفي رواية
معاذ بن جبل مثله سواء وأنه في غزوة تبوك وقال مثل كلام ابن عباس وفي الرواية الأخرى
عن ابن عباس جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء

216
بالمدينة في غير خوف ولا مطر قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال كي لا يحرج أمته وفي رواية
عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر
المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذاك وفي رواية عن عبد الله ابن شقيق قال خطبنا ابن
عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة
الصلاة فجاء رجل من بني تيم فجعل لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال
ابن عباس أتعلمني

217
بالسنة لا أم لك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء
قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته
هذه الروايا ت الثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب وقد قال الترمذي في
آخر كتابه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في
الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة وهذا الذي قاله
الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه وأما
حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال منهم من تأوله على أنه جمع بعذر
المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير
خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت
العصر دخل فصلاها وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر
لا احتمال فيه في المغرب والعشاء ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها
فيه فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل
لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله
بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم انكاره صريح في رد هذا التأويل ومنهم
من قال هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول
أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا
وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة
ولأن المشقة فيه

218
أشد من المطر وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة
وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير
من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره
ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم
قوله حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة قال حدثنا معاذ هكذا ضبطناه عامر بن واثلة وكذا
هو في بعض نسخ بلادنا وكذا نقله القاض عياض عن جمهور رواة صحيح مسلم ووقع لبعضهم
عمرو بن واثلة وكذا وقع في كثير من أصول بلادنا في هذه الرواية الثانية وأما الرواية
الأولى لمسلم عن أحمد بن عبد الله عن زهير عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عامر فهو عامر
باتفاق الرواة هنا وإنما الاختلاف في الرواية الثانية والمشهور في أبي الطفيل عامر وقيل عمرو
وممن حكى الخلاف فيه البخاري في تاريخه وغيره من الأئمة والمعتمد المعروف عامر والله أعلم
قوله عن الزبير بن الخريت هو بخاء معجمة وراء مكسورتين والراء مشددة ثم مثناة تحت
ومن فوق قوله فحاك في صدري من ذلك شئ هو بالحاء والكاف أي وقع في نفسي نوع
شك وتعجب واستبعاد يقال حاك يحيك وحك يحك واحتك وحكى الخليل أيضا احاك
وأنكرها ابن دريد قوله لا أم لك هو كقولهم لا أب له وقد سبق شرحه في كتاب
الإيمان في حديث حذيفة في الفتنة التي تموج كموج البحر
باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال
قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا معاوية ووكيع عن الأعمش عن عمارة عن الأسود
عن عبد الله هذا الإسناد كله كوفيون وفيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض
الأعمش وعمارة
والأسود قوله في حديث ابن مسعود لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا لا يرى

219
إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينصرف عن شماله وفي حديث أنس أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وفي رواية كان ينصرف
عن يمينه وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه فدل على جوازهما
ولا كراهة في واحد منهما وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل
للانصراف عن اليمين أو الشمال وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لا بد منه فإن من اعتقد
وجوب واحد من الأمرين مخطئ ولهذا قال يرى أن حقا عليه فإنما ذم من رآه حقا عليه
ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد من الأمرين لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته سواء كانت
عن يمينه أو شماله فان استوى الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم الأحاديث
المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها هذا صواب الكلام في هذين الحديثين وقد
يقال فيها خلاف الصواب والله أعلم

220
باب استحباب يمين الإمام
فيه حديث البراء كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه
يقبل علينا بوجهه فسمعته يقول رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك قال القاضي يحتمل
أن يكون التيامن عند التسليم وهو الأظهر لأن عادته صلى الله عليه وسلم إذا انصرف أن يستقبل
جميعهم بوجهه قال وإقباله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بعد قيامه من الصلاة أو يكون
حين ينفتل
باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن
في إقامة الصلاة سوى السنة الراتبة كسنة الصبح والظهر
وغيرها سواء علم أنه يدرك الركعة مع الإمام أم لا
قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وفي الرواية الأخرى

221
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فقال يوشك أن يصلي
أحدكم الصبح أربعا فيها النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة سواء كانت راتبة كسنة
الصبح والظهر والعصر أو غيرها وهذا مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا
لم يكن صلى ركعتي سنة الصبح صلاهما بعد الإقامة في المسجد ما لم يخش فوت الركعة الثانية وقال

222
الثوري ما لم يخش فوت الركعة الأولى وقالت طائفة يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد
الإقامة في المسجد قوله صلى الله عليه وسلم أتصلي الصبح أربعا هو استفهام انكار ومعناه
أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا الفريضة فإذا صلى ركعتين نافلة بعد الإقامة ثم صلى معهم
الفريضة صار في معنى من صلى الصبح أربعا لأنه صلى بعد الإقامة أربعا قال القاضي والحكمة
في النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة أن لا يتطاول عليها الزمان فيظن وجوبها وهذا ضعيف
بل الصحيح أن الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام وإذا
اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع الإمام وفاته بعض مكملات الفريضة فالفريضة أولى بالمحافظة
على اكمالها قال القاضي وفيه حكمة أخرى وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة قوله قال
حماد ثم لقيت عمرا فحدثني به ولم يرفعه هذا الكلام لا يقدح في صحة الحديث ورفعه لأن
أكثر الرواة رفعوه قال الترمذي ورواية الرفع أصح وقد قدمنا في الفصول السابقة في مقدمة
الكتاب أن الرفع مقدم على الوقف على المذهب الصحيح وإن كان عدد الرفع أقل فكيف إذا كان
أكثر قوله عن عبد الله بن مالك ابن بحينة ثم قال مسلم قال القعني عبد الله بن مالك ابن
بحينة عن أبيه قال أبو الحسين قوله عن أبيه في هذا الحديث خطأ أبو الحسين هو مسلم صاحب
الكتاب وهذا الذي قاله مسلم هو الصواب عند الجمهور وقوله عن أبيه خطأ وإنما هذا الحديث
على رواية عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف
وبالشين المعجمة الساكنة بحينة أم عبد الله والصواب في كتابته وقراءته عبد الله بن مالك ابن
بحينة بتنوين مالك وكتابة ابن بالألف لأنه صفة
لعبد الله وقد سبق بيانه في سجود السهو

223
وغيره والله أعلم قوله فلما انصرفنا أحطنا يقول هكذا هو في الأصول أحطنا يقول
وهو صحيح وفيه محذوف تقديره أحطنا به قوله دخل رجل المسجد ورسول الله
صلى الله عليه وسلم في صلاة الغدا فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا فلان بأي الصلاتين اعتددت أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا فيه دليل على أنه
لا يصلي بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام ورد على من قال إن علم أنه يدرك الركعة
الأولى أو الثانية يصلي النافلة وفيه دليل على إباحة تسمية الصبح غداة وقد سبقت نظائره والله أعلم
باب ما يقول إذا دخل المسجد
قوله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد
فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك فيه استحباب هذا الذكر وقد جاءت فيه أذكار كثيرة غير
هذا في سنن أبي داود وغيره وقد جمعتها مفصلة في أول كتاب الأذكار ومختصر مجموعها أعوذ
بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والحمد لله اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وفي الخروج

224
يقوله لكن يقول اللهم إني أسألك من فضلك قوله عن أبي أسيد هو بضم الهمزة وفتح
السين قوله الحماني بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم قال السمعاني هي نسبة إلى بني حمان
قبيلة نزلت الكوفة
باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما
وأنها مشروعة في جميع الأوقات
قوله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس وفي الرواية

225
الأخرى فلا يجلس حتى يركع ركعتين فيه استحباب تحية المسجد بركعتين وهي سنة بإجماع
المسلمين وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبهما وفيه التصريح بكراهة الجلوس بلا
صلاة وهي كراهة تنزيه وفيه استحباب التحية في أي وقت دخل وهو مذهبنا وبه قال جماعة
وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي وأجاب أصحابنا أن النهي إنما هو عما لا
سبب له لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر فخص وقت
النهى وصلى به ذات السبب ولم يترك التحية في حال من الأحوال بل أمر الذي دخل
المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة في حال الخطبة
ممنوع منها إلا التحية فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الآن لأنه قعد وهي
مشروعة قبل القعود ولأنه كان يجهل حكمها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلمه
وأمره أن يصلي التحية فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام
هذا الاهتمام ولا يشترط أن ينوي التحية بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة راتبة أو غيرهما
ولو نوى بصلاته التحية والمكتوبة انعقدت صلاته وحصلتا له ولو صلى على جنازة أو سجد
شكرا أو للتلاوة أو صلى ركعة بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا وقال
بعض أصحابنا تحصل وهو خلاف ظاهر الحديث ودليله أن المراد اكرام المسجد ويحصل
بذلك والصواب أنه لا يحصل وأما المسجد الحرام فأول ما يدخله الحاج يبدأ بطواف القدوم
فهو تحيته ويصلي بعده ركعتي الطواف

226
باب استحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه
فيه حديث جابر قال اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا فلما قدم المدينة أمرني
أن آتي المسجد فأصلي ركعتين وفي الرواية الأخرى قال جابر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي وقدمت فوجدته على باب المسجد قال الآن جئت قلت نعم قال فدع جملك ثم
ادخل فصل ركعتين فدخلت فصليت ثم رجعت وفيه حديث كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى فإذا قدم بالمسجد فصلى فيه

227
ركعتين ثم جلس فيه في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد
أول قدومه وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد والأحاديث
المذكورة صريحة فيما ذكرته وفيه استحباب القدوم أوائل النهار وفيه أنه يستحب للرجل
الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه
قريبا من داره في موضع بارز سهل على زائريه اما المسجد وإما غيره قوله حدثنا أحمد
ابن جواس هو بجيم مفتوحة وواو مشددة مهملة وسين قوله محارب بن دثار
بكسر الدال
وبالثاء المثلثة قوله كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني فيه
استحباب أداء الدين زائدا والله أعلم
باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان
وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها
في الباب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي الضحى إلا أن يجئ من مغيبه وأنها

228
ما رأته صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط قالت وإني لأسبحها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وفي
رواية عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء وفي رواية
ما شاء الله وفي حديث أم هاني أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات وفي حديث أبي ذر
وأبي هريرة وأبي الدرداء ركعتان هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق

229
وحاصلها أن الضحى سنة مؤكدة وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وبينهما أربع أو ست
كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان وأما الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته
صلى الله عليه وسلم الضحى واثباتها فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعض الأوقات لفضلها ويتركها
في بعضها خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة ويتأول قولها ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبه
على أن معناه ما رأيته كما قالت في الرواية الثانية ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة
الضحى وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر
من الأوقات فإنه قد يكون في ذلك مسافرا وقد يكون حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع
آخر وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها ما رأيته يصليها وتكون قد
علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها أو يقال قولها ما كان يصليها أي ما يداوم عليها فيكون
نفيا للمداومة لا لأصلها والله أعلم وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى هي بدعة
فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة لا أن أصلها في البيوت
ونحوها مذموم أو يقال قوله بدعة أي المواظبة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب
عليها خشية أن تفرض وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا
بحديث أبى الدرداء وأبي ذر أو يقال أن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى
وأمره بها وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى وإنما نقل التوقف فيها عن ابن
مسعود وابن عمر والله أعلم قوله سبحة الضحى بضم السين أي نافلة الضحى قولها ليدع
العمل وهو يحب أن يعمل ضبطناه بفتح الياء أي يعمله وفيه بيان كمال شفقته
صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته وفيه أنه إذا تعارضت مصالح قدم أهمها قوله يزيد الرشك بكسر
الراء واسكان الشين المعجمة قد تقدم بيانه مرات قوله أم هانئ هو بهمزة بعد النون

230
كنيت بابنها هانئ واسمها فاختة على المشهور وقيل هند قوله سألت وحرصت هو بفتح
الراء على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة بكسرها قوله أن أبا مرة مولى أم هانئ وفي
رواية مولى عقيل بن أبي طالب قال العلماء هو مولى أم هانئ حقيقة ويضاف إلى عقيل مجازا
للزومه إياه وانتمائه إليه لكونه مولى أخته قولها سلمت فيه سلام المرأة التي ليست بمحرم
على الرجل بحضرة محارمه قولها فقال من هذه قلت أم هانئ بنت أبي طالب فيه أنه لا بأس
أن يكنى الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر بالكنية وفيه أنه إذا استأذن أن يقول
المستأذن عليه من هذا فيقول المستأذن فلان باسمه الذي يعرفه به المخاطب قوله صلى الله عليه وسلم مرحبا بأم هانئ فيه استحباب قول الإنسان لزائره والوارد عليه
مرحبا ونحوه من
ألفاظ الاكرام والملاطفة ومعنى مرحبا صادفت رحبا أي سعة وسبق بسط الكلام فيه في حديث
وفد عبد القيس وفيه أنه لا بأس بالكلام في حال الاغتسال والوضوء ولا بالسلام عليه بخلاف

231
البائل وفيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارمه إذا كان مستور العورة عنها وجواز تستيرها
إياه بثوب ونحوه قوله فصلى ثمان ركعات ملتحف في ثوب واحد فيه جواز الصلاة في الثوب
الواحد والالتحاف به مخالفا بين طرفيه كما ذكره في الرواية الثانية قولها فلما انصرف قلت
يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ في هذه القطعة فوائد منها أن من قصد انسانا
لحاجة ومطلوب فوجده مشتغلا بطهارة ونحوها لم يقطعها عليه حتى يفرغ ثم يسأل حاجته إلا أن
يخاف فوتها وقولها زعم معناه هنا ذكر أمرا لا أعتقد موافقته فيه وإنما قالت ابن أمي مع
أنه ابن أمها وأبيها لتأكيد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن واحد وكثرة ملازمة الام وهو
موافق لقول هارون صلى الله عليه وسلم ابن أم لا تأخذ بلحيتي واستدل بعض أصحابنا وجمهور
العلماء بهذا الحديث على صحة أمان المرأة قالوا وتقدير الحديث حكم الشرع صحة جواز من أجرت
وقال بعضهم لا حجة فيه لأنه محتمل لهذا ومحتمل لابتداء الأمان ومثل هذا الخلاف اختلافهم
في قوله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه هل معناه أن هذا حكم الشرع في جميع
الحروب إلى يوم القيامة أم هو إباحة رآها الإمام في تلك المرة بعينها فإذا رآها الإمام اليوم
عمل بها وإلا فلا وبالأول قال الشافعي وآخرون وبالثاني أبو حنيفة ومالك ويحتج للأكثرين
بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها الأمان ولا بين فساده ولو كان فاسدا لبينه لئلا يغتر به
وقولها فلان بن هبيرة وجاء في غير مسلم فر إلى رجلان من احماي وروينا في كتاب الزبير
ابن بكار أن فلان بن هبيرة هو الحارث ابن هشام المخزومي
وقال آخرون هو عبد الله بن أبي
ربيعة وفي تاريخ مكة للأزرقي أنها أجارت رجلين أحدهما عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة
والثاني الحارث بن هشام بن المغيرة وهما من بني مخزوم وهذا الذي ذكره الأزرقي يوضح الاسمين
ويجمع بين الأقوال في ذلك

232
قولها وذلك ضحى استدل به أصحابنا وجماهير العلماء على استحباب جعل الضحى
ثمان ركعات وتوقف فيه القاضي وغيره ومنعوا دلالته قالوا لأنها إنما أخبرت عن
وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر الله تعالى على الفتح وهذا الذي قالوه فاسد
بل الصواب صحة الاستدلال به فقد ثبت عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح
صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين رواه أبو داود في سننه بهذا اللفظ باسناد
صحيح على شرط البخاري قوله عن يحيى بن عقيل بضم العين قوله عن أبي الأسود الدؤلي
في ضبطه خلاف وكلام طويل سبق مبسوطا في كتاب الإيمان قوله صلى الله عليه وسلم
على كل سلامي من أحدكم صدقة هو بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر
الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله وسيأتي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة قوله صلى الله عليه وسلم ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ضبطناه ويجزي

233
بفتح أوله وضمه فالضم من الاجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى ومنه قوله تعالى لا تجزى
نفس وفي الحديث لا يجزى عن أحد بعدك وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها
تصح ركعتين قوله أوصاني خليلي لا يخالف قوله صلى لو كنت متخذا
من أمتي خليلا لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيره خليلا ولا يمتنع اتخاذ
الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلا وفي هذا الحديث وحديث أبي الدرداء الحث
على الضحى وصحتها ركعتين والحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر وعلى الوتر وتقديمه على
النوم لمن خاف أن لا يستيقظ آخر الليل وعلى هذا يتأول هذان الحديثان لما ذكره مسلم بعد
هذا كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله عن أبي شمر بفتح الشين وكسر الميم
ويقال بكسر الشين واسكان الميم وهو معدود فيمن لا يعرف اسمه وإنما يعرف بكنيته قوله
عبد الله الداناج هو بالدال المهملة والنون والجيم وهو العالم وسبق بيانه

234
قوله عبد الله بن حنين هو بالنون بعد الحاء.

235
/ 1