شرح مسلم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح مسلم - نسخه متنی

يحيي بن شرف نووي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: شرح مسلم
المؤلف: النووي
الجزء: 6
الوفاة: 676
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: 1407 - 1987 م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
صحيح مسلم
بشرح النووي
الجزء السادس

1
باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما
والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما
قوله ركع ركعتين خفيفتين فيه أنه يسن تخفيف سنة الصبح وأنهما ركعتان قوله
كان إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين قد يستدل به من يقول تكره الصلاة
من طلوع الفجر إلا سنة الصبح وما له سبب ولأصحابنا في المسألة ثلاثة أوجه أحدها هذا ونقله

2
القاضي عن مالك والجمهور والثاني لا تدخل الكراهة حتى يصلي سنة الصبح والثالث
لا تدخل الكراهة حتى يصلي فريضة الصبح وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وليس
في هذا الحديث دليل ظاهر على الكراهة إنما فيه الإخبار بأنه كان
صلى الله عليه وسلم لا يصلي غير ركعتي السنة ولم ينه عن غيرها قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما وفي رواية إذا طلع الفجر
فيه أن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلا بطلوع الفجر واستحباب تقديمها في أول طلوع الفجر
وتخفيفها وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور
وقال بعض السلف لا بأس بإطالتهما ولعله أراد
أنها ليست محرمة ولم يخالف في استحباب التخفيف وقد بالغ قوم فقالوا لا قراءة فيهما أصلا
حكاه الطحاوي والقاضي وهو غلط بين فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد
هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة بقل يا أيها الكافرون وقل هو
الله أحد وفي رواية آمنا بالله " و " قل يا أهل الكتاب تعالوا " وثبت في الأحاديث الصحيحة

3
لا صلاة إلا بقراءة ولا صلاة إلا بأم القرآن ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بالقرآن واستدل بعض
الحنفية بهذا الحديث على أنه لا يؤذن للصبح قبل طلوع الفجر للأحاديث الصحيحة أن بلالا
يؤذن يليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وهذا الحديث الذي في الباب المراد به
الأذان الثاني قولها يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى اني أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن هذا
الحديث دليل على المبالغة في التخفيف والمراد المبالغة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من
إطالة صلاة الليل وغيرها من نوافله وليس
فيه دلالة لمن قال لا تقرأ فيهما أصلا لما قدمناه من
الدلائل الصحيحة الصريحة قولها لم يكن على شئ من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل
الصبح فيه دليل على عظم فضلهما وأنهما سنة ليستا واجبتين وبه قال جمهور العلماء وحكى القاضي

4
عياض عن الحسن البصري رحمهما الله تعالى وجوبهما والصواب عدم الوجوب لقولها على
شئ من النوافل مع قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات قال هل علي غيرها قال لا إلا أن
تطوع وقد يستدل به لاحد القولين عندنا في ترجيح سنة الصبح على الوتر لكن لا دلالة فيه
لأن الوتر كان واجبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتناوله هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها أي من متاع الدنيا قوله قرأ في
ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي الرواية الأخرى قرأ الآيتين

5
آمنا بالله وما أنزل إلينا ويا أهل الكتاب تعالوا هذا دليل لمذهبنا ومذهب الجمهور أنه
يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة ويستحب أن يكون هاتان السورتان أو الآيتان
كلاهما سنة وقال مالك وجمهور أصحابه لا يقرأ غير الفاتحة وقال بعض السلف لا يقرأ شيئا
كما سبق وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لها
باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن
فيه حديث أم حبيبة من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيت في الجنة وفي

6
رواية ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى
الله له بيتا في الجنة وفي حديث ابن عمر قبل الظهر سجد سجدتين وكذا بعدها وبعد المغرب

7
والعشاء والجمعة وزاد في صحي البخاري قبل الصبح ركعتين وهذه اثنتا عشرة وفي حديث
عائشة هنا أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وبعد المغرب وبعد العشاء وإذا طلع الفجر
صلى ركعتين وهذه اثنتا عشرة أيضا وليس للعصر ذكر في الصحيحين وجاء في سنن أبي
داود باسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل
العصر ركعتين وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رحم الله امر أصلي
قبل العصر أربعا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وجاء في أربع بعد الظهر
حديث صحيح عن أم حبيبة قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حافظ على أربع ركعا ت
قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
صحيح وفي صحيح البخاري عن ابن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل المغرب
قال في الثالثة لمن شاء وفي الصحيحين عن ابن مغفل أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم بين كل

8
أذانين صلاة المراد بين الأذان والإقامة فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في السنن الراتبة مع
الفرائض قال أصحابنا وجمهور العلماء بهذه الأحاديث كلها واستحبوا جميع هذه النوافل المذكورة
في الأحاديث السابقة ولا خلاف في شئ منها عند أصحابنا إلا في الركعتين قبل المغرب ففيهما
وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب والصحيح عند المحققين استحبابهما بحديثي ابن مغفل
وبحديث ابتدارهم السواري بها وهو في الصحيحين قال أصحابنا وغيرهم واختلاف الأحاديث
في أعدادها محمول على توسعة الأمر فيها وأن لها أقل وأكمل فيحصل أصل السنة بالأقل ولكن
الاختيار فعل الأكثر الأكمل وهذا كما سبق في اختلاف أحاديث الضحى وكما في أحاديث
الوتر فجاءت فيها كلها أعدادها بالأقل والأكثر وما بينهما ليدل على أقل المجزئ في تحصيل أصل
السنة وعلى الأكمل والأوسط والله أعلم قوله حدثنا أبو خالد عن داود بن هند عن
النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة هذا الحديث فيه
أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم داود والنعمان وعمرو وعنبسة وقد سبقت لهذا نظائر كثيرة
قوله بحديث يتسار إليه هو بمثناة تحت مفتوحة ثم مثناة فوق وتشديد الراء المرفوعة أي يسر به
من السرور لما فيه من البشارة مع سهولته وكان عنبسة محافظا عليه كما ذكره في آخر الحديث
ورواه بعضهم بضم أوله على ما لم يسم فاعله وهو صحيح أيضا قوله صلى الله عليه وسلم تطوعا
غير فريضة هو من باب التوكيد ورفع احتمال إرادة الاستعاذة ففيه استحباب استعمال التوكيد إذا
احتيج إليه قوله قالت أم حبيبة فما تركتهن وكذا قال عنبسة وكذا قال عمرو بن أوس والنعمان
ابن سالم فيه أنه يحسن من العالم ومن يقتدى به أن يقول مثل هذا ولا يقصد به تزكية نفسه بل
يريد حث السامعين على التخلق بخلقة في ذلك وتحريضهم على المحافظة عليه وتنشيطهم لفعله
قوله صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين أي ركعتين قولها كان
يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وذكرت مثله في المغرب
والعشاء ونحوه في حديث ابن عمر فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها
ولا خلاف في هذا عندنا وبه قال الجمهور وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل قال
جماعة من السلف الاختيار فعلها في المسجد كلها وقال مالك والثوري الأفضل فعل نوافل النهار
الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة وفيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم

9
يصلي سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار مع قوله صلى الله عليه وسلم أفضل
الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وهذا عام صحيح صريح لا معارض له فليس لأحد
العدول عنه والله أعلم قال العلماء والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها ان عرض
فيها نقص كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود وغيره ولترتاض نفسه بتقديم النافلة ويتنشط
بها ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة ولهذا يستحب أن تفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين
كما ذكره مسلم بعد هذا قريبا
باب جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا
قولها وإذا صلى قاعدا ركع قاعدا فيه جواز النفل قاعدا مع القدرة على القيام وهو اجماع العلماء
قوله كنت شاكيا بفارس وكنت أصلي قاعدا فسألت عن ذلك عائشة رضي الله عنها هكذا
ضبطه جميع الرواة المشارقة والمغربة بفارس بكسر الباء الموحدة الجارة وبعدها فاء وكذا نقله
القاضي عن جميع الرواة قال وغلط بعضهم فقال صوابه نقارس بالنون والقاف وهو وجع

10
معروف لأن عائشة لم تدخل بلاد فارس قط فكيف يسألها فيها وغلطه القاضي في هذا وقال
ليس بلازم أن يكون سألها في بلاد فارس بل سألها بالمدينة بعد رجوعه من فارس وهذا ظاهر
الحديث وأنه إنما سألها عن أمر انقضى هل هو صحيح أم لا لقوله وكنت أصلي قاعدا قولها
قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع فيه جواز
الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة
وعامة العلماء وسواء قام ثم قعد ثم قام ومنعه بعض السلف وهو غلط وحكى القاضي عن
أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة في آخرين كراهة القعود بعد القيام ولو نوى القيام ثم أراد

11
أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور وجوزه من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب قولها كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ الإنسان أربعين
آية هذا دليل على استحباب تطويل القيام في النافلة وأنه أفضل من تكثير الركعات في ذلك
الزمان وقد تقدمت المسألة مبسوطة وذكرنا اختلاف العلماء فيهما وأن مذهب الشافعي تفضيل

12
القيام قولها قعد بعد ما حطمه الناس قال الراوي في تفسيره يقال حطم فلانا أهله إذا كبر
فيهم كأنه لما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيروه شيخا محطوما والحطم الشئ
اليابس قولها لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا قال القاضي
عياض رحمه الله قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث بدن الرجل بفتح الدال المشددة تبدينا
إذا أسن قال أبو عبيد ومن رواه بدن بضم الدال المخففة فليس له معنى هنا لان معناه كثر لحمه
وهو خلاف صفته صلى الله عليه وسلم يقال
بدن يبدن بدانة وأنكر أبو عبيد الضم قال القاضي
روايتنا في مسلم عن جمهورهم بدن بالضم وعن العذري بالتشديد وأراه اصلاحا قال ولا ينكر
اللفظان في حقه صلى الله عليه وسلم فقد قالت عائشة في صحيح مسلم بعد هذا بقريب فلما أسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وفي حديث آخر ولحم وفي آخر أسن
وكثر لحمه وقول ابن أبي هالة في وصفه بادن متماسك هذا كلام القاضي والذي ضبطناه ووقع
في أكثر أصول بلادنا بالتشديد والله أعلم قوله عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن

13
المطلب بن أبي وداعة عن حفصة هؤلاء ثلاثة صحابيون يروى بعضهم عن بعض السائب
والمطلب وحفصة قوله هلال بن يساف بفتح الياء وكسرها ويقال فيه اساف بكسر الهمزة
قوله عن عبد الله بن عمرو أنه وجد النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا قال فوضعت
يدي على رأسه فقال مالك يا عبد الله بن عمرو قلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة
الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم معناه أن
صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم فيتضمن صحتها ونقصان أجرها وهذا الحديث محمول على صلاة النفل
قاعدا مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن
القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما وأما الفرض فإن الصلاة قاعدا مع قدرته
على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به قال أصحابنا وان استحله كفر وجرت
عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنا والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم وان صلى

14
الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائما
لم ينقص باتفاق أصحابنا فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع
قدرته على القيام هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث وحكاه القاضي
عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون وحكى عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله
على المصلى فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر قال وحمله بعضهم على من له عذر يرخص في القعود
في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة وأما قوله صلى الله عليه وسلم لست كأحد منكم فهو
عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام
كنافلته قائما تشريفا له كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم وقد استقصيتها في أول
كتاب تهذيب الأسماء واللغات وقال القاضي عياض معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه
مشقة من القيام لحطم الناس وللسن فكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له هذا كلامه
وهو ضعيف أو باطل لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذورا فثوابه أيضا كامل وإن كان
قادرا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير لست كأحد
منكم واطلاق هذا القول فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة
على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص والله أعلم واختلف العلماء في الأفضل من
كيفية القعود موضع القيام في النافلة وكذا في الفريضة إذا عجز وللشافعي قولان أظهرهما
يقعد مفترشا والثاني متربعا وقال بعض أصحابنا متوركا وبعض أصحابنا ناصبا ركبته وكيف
قعد جاز لكن الخلاف في الأفضل والأصح عندنا جواز التنفل مضطجعا للقادر على القيام
والقعود للحديث الصحيح في البخاري ومن صلى قائما فله نصف أجر القاعد وإذا صلى
مضطجعا فعلى يمينه فإن كان على يساره جاز وهو خلاف الأفضل فإن استلقى مع امكان
الاضطجاع لم يصح قيل الأفضل مستلقيا وأنه إذا اضطجع لا يصح والصواب الأول والله أعلم

15
باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل
وأن الوتر ركعة وإن الركعة صلاة صحيحة
قال القاضي عياض في حديث عائشة من رواية سعد بن هشام قيام النبي صلى الله عليه وسلم
بتسع ركعات وحديث عروة عن عائشة بإحدى عشرة منهن الوتر يسلم من كل ركعتين وكان
يركع ركعتي الفجر إذا جاءه المؤذن ومن رواية هشام بن عروة وغيره عن عروة عنها

16
ثلاث عشرة بركعتي الفجر وعنها كان لا زيد في رمضان ولا غيره على احدى عشرة ركعة
أربعا أربعا وثلاثا وعنها كان يصلي ثلاث عشرة ثمانيا ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس ثم

17
يصلي ركعتي الفجر وقد فسرتها في الحديث الآخر منها ركعتا الفجر وعنها في البخاري أن
صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل سبع وتسع وذكر البخاري ومسلم بعد هذا من حديث
ابن عباس أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة وركعتين بعد الفجر
سنة الصبح وفي حديث زيد بن خالد أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خفيفتين ثم
طويلتين وذكر الحديث وقال في آخره فتلك ثلاث عشرة قال القاضي قال العلماء في هذه الأحاديث
اخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد وأما الاختلاف في حديث عائشة
فقيل هو منها وقيل من الرواة عنها فيحتمل أن أخبارها بأحد عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها
اخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله

18
سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة كما جاء في حديث
حذيفة وابن مسعود أو لنوم أو عذر مرض أو غيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن
كما قالت فلما أسن صلى سبع ركعات أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل كما رواه
زيد بن خالد وروتها عائشة بعدها هذا في مسلم وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة أو تعد
إحداهما وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة قال القاضي ولا خلاف أنه
ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما
زاد فيها زاد الأجر وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه والله أعلم قوله
ويوتر منها بواحدة دليل على أن أقل الوتر ركعة وأن الركعة الفردة صلاة صحيحة وهو مذهبنا
ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح الايتار بواحدة ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط
والأحاديث الصحيحة ترد عليه قولها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل
احدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن
فيصلي ركعتين خفيفتين قال القاضي عياض في هذا الحديث أن الاضطجاع بعد صلاة الليل
وقبل ركعتي الفجر وفي الرواية الأخرى عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد
ركعتي الفجر وفي حديث ابن عباس أن الاضطجاع كان بعد صلاة الليل قبل ركعتي الفجر قال
وهذا فيه رد على الشافعي وأصحابه في قولهم إن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة قال وذهب مالك
وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة إلى أنه بدعة وأشار إلى أن رواية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
مرجوحة قال فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما قال ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما أنه سنة
فكذا بعدهما قال وقد ذكر مسلم عن عائشة فإن كنت مستيقظة حدثني والا اضطجع فهذا يدل
على أنه ليس بسنة وأنه تارة كان يضطجع قبل وتارة بعد وتارة لا يضطجع هذا كلام القاضي
والصحيح أو الصواب أن الاضطجاع بعد سنة الفجر لحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه رواه أبو داود والترمذي
باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم قال الترمذي هو حديث حسن صحيح فهذا حديث
صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث ابن
عباس قبلها فلا يخالف هذا فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعد ولعله صلى الله عليه وسلم

19
ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت الترك ولم يثبت فلعله
كان يضطجع قبل وبعد وإذا صح الحديث في الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل
الموافقة للأمر به تعين المصير إليه وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها وقد أمكن
بطريقين أشرنا إليهما أحدهما أنه اضطجع قبل وبعد والثاني أنه تركه بعد في بعض الأوقات
لبيان الجواز والله أعلم قولها اضطجع على شقه الأيمن دليل على استحباب الاضطجاع
والنوم على الشق الأيمن قال العلماء وحكمته أنه لا يستغرق في النوم لأن القلب في جنبه اليسار
فيعلق حينئذ فلا يستغرق وإذا نام على اليسار كان في دعة واستراحة فيستغرق قولها
حتى يأتيه المؤذن دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد وفيه جواز اعلام المؤذن الإمام
بحضور الصلاة وإقامتها واستدعائه لها وقد صرح به أصحابنا وغيرهم قولها فيصلي ركعتين
خفيفتين هما سنة الصبح وفيه دليل على تخفيفهما وقد سبق بيانه في بابه قولها ليسلم بين
كل ركعتين دليل على استحباب السلام في كل ركعتين والذي جاء في بعض الأحاديث لا يسلم
إلا في الآخرة محمول على بيان الجواز قولها ويوتر بواحدة صريح في صحة الركعة الواحدة
وأن أقل الوتر ركعة وقد سبق قريبا قولها يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك
بخمس لا يجلس في شئ إلا في آخرها وفي رواية أخرى يسلم من كل ركعتين وفي رواية يصلي
أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا وفي رواية ثمان ركعات ثم يوتر بركعة وفي رواية عشر ركعات ويوتر
ب
سجدة وفي حديث ابن عباس فصلى ركعتين إلى آخره وفي حديث ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى
هذا كله دليل على أن الوتر ليس مختصا بركعة ولا بإحدى عشرة ولا بثلاث عشرة بل يجوز
ذلك وما بينه وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة وهذا لبيان الجواز والا فالأفضل التسليم
من كل ركعتين وهو المشهور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بصلاة الليل مثنى مثنى
قولها كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن معناه هن في نهاية من كمال الحسن
والطول مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف وفي هذا الحديث مع
الأحاديث المذكورة بعده في تطويل القراءة والقيام دليل لمذهب الشافعي وغيره ممن قال تطويل
القيام أفضل من تكثير الركوع والسجود وقال طائفة تكثير الركوع والسجود أفضل وقال
طائفة تطويل القيام في الليل أفضل وتكثير الركوع والسجود في النهار أفضل وقد سبقت

20
المسألة مبسوطة بدلائلها في أبواب صفة الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم ان عيني تنامان
ولا ينام قلبي هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسبق في حديث نومه
صلى الله عليه وسلم في الوادي فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس وأن طلوع
الفجر والشمس متعلق بالعين لا بالقلب وأما أمر الحدث ونحو فمتعلق بالقلب وأنه قيل إنه
في وقت ينام قلبه وفي وقت لا ينام فصادف الوادي نومه والصواب الأول قولها كان يصلي
ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع
قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح هذا الحديث أخذ بظاهره
الأوزاعي وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا وقال أحمد لا أفعله
ولا أمنع من فعله قال وأنكره مالك قلت الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم
بعد الوتر جالسا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر وبيان جواز النفل جالسا ولم يواظب على ذلك
بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة ولا تغتر بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون
والمحققون من الأصوليين أن لفظه كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض
يدل على وقوعه مرة فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها وقد قالت
عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف ومعلوم
أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع
فاستعملت كان في مرة واحدة ولا يقال لعلها طيبته في احرامه بعمرة لأن المعتمر لا يحل
له الطيب قبل الطواف بالاجماع فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة كما قاله الأصوليون
وإنما تأولنا حديث الركعتين جالسا لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة
مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم
في الليل كان وترا وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل
وترا منها اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وصلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر
بواحدة وغير ذلك فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم
على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل وإنما معناه ما قدمناه من بيان الجواز وهذا
الجواب هو الصواب وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية

21
الركعتين جالسا فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها
ولله الحمد قوله حدثنا يحيى بن بشر الحريري هو بفتح الحاء المهملة وسبق التنبيه عليه في
مقدمة هذا الشرح قوله غير أن في حديثهما تسع ركعات يوتر منهن كذا في بعض
الأصول منهن وفي بعضها فيهن وكلاهما صحيح قوله منها ركعتي الفجر كذا في أكثر
الأصول وفي بعضها ركعتا وهو الوجه ويتأول الأول على تقدير يصلي منها ركعتي الفجر
قولها ويوتر بسجدة أي بركعة قوله وثب أي قام بسرعة ففيه الاهتمام بالعباد
والإقبال عليها بنشاط وهو بعض معنى الحديث الصحيح المؤمن القوي خير وأحب إلى الله
من المؤمن الضعيف قولها ثم صلى الركعتين أي سنة الصبح قوله عمار بن رزيق
براء ثم زاي قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته
الوتر فيه دليل لما قدمناه من أن السنة جعل آخر صلاة الليل وترا وبه قال العلماء كافة

22
وسبق تأويل الركعتين بعده جالسا قولها كان يحب العمل الدائم فيه الحث على القصد
في العبادة وأنه ينبغي للإنسان أن لا يحتمل من العبادة إلا ما يطيق الدوام عليه ثم يحافظ
عليه قولها كان إذا سمع الصارخ قام فصلى الصارخ هنا هو الديك باتفاق العلماء
قالوا وسمى بذلك لكثرة صياحه قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى
ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني والا اضطجع فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة
الفجر وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال القاضي وكرهه الكوفيون وروى عن
ابن مسعود وبعض السلف لأنه وقت استغفار والصواب الإباحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع من الكلام قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

23
يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة وفي الرواية الأخرى
إذا بقي الوتر أيقظها فأوترت فيه أنه يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد
أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وأما بإيقاظ غيره وأن الأمر بالنوم على
وتر إنما هو في حق من لم يثق كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى وقد سبق التنبيه عليه في
حديثي أبي هريرة وأبي الدرداء قوله في أبي يعفور واسمه واقد ويقال وقدان هذا
هو الأشهر وقيل عكسه وكلاهما باتفاق وهذا أبو يعفور بالفاء والراء أبو يعفور الأصغر
السامري الكوني التابعي واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن بسطاس واتفقا في كنيتهما وبلدهما
وتبعيتهما ويتميزان بالاسم والقبيلة وأن الأول يقال فيه أبو يعفور الأكبر والثاني الأصغر
وقد سبق إيضاحهما أيضا في كتاب الإيمان في أي الأعمال أفضل قولها من كل الليل أوتر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر وفي رواية أخرى إلى آخر الليل فيه جواز
الايتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته واختلفوا في أول وقته فالصحيح في مذهبنا
والمشهور عن الشافعي والأصحاب أنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع
الفجر الثاني وفي وجه يدخل بدخول وقت العشاء وفي وجه لا يصح الايتار بركعة الا بعد نفل

24
بعد العشاء وفي قول يمتد إلى صلاة الصبح وقيل إلى طلوع الشمس وقولها وانتهى وتلي
إلى السحر معناه كان آخر أمره الايتار في السحر والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات
الأخرى ففيه استحباب الايتار آخر الليل وقد تظاهرت الأحاديث الصحيح عليه قوله
قاضي كرمان بفتح الكاف وكسرها قوله فيجعله في السلاح والكراع الكراع اسم
للخيل قوله راجع امرأته وأشهد على رجعتها هي بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح عند
الأكثرين وقال الأزهري الكسر أفصح قوله فأتى ابن عباس يسأله فقال ألا أدلك على أعلم
أهل الأرض فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شئ ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد

25
السائل إليه فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع
قوله نهينا أن نقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما الا مضيا الشيعتان الفرقتان والمراد
تلك الحروب التي جرت قولها فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن معناه العمل
به والوقوف عنه حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته
قولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة هذا ظاهره أنه صار تطوعا في حق رسول الله

26
صلى الله عليه وسلم والأمة فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالاجماع وأما النبي صلى الله عليه وسلم
فاختلفوا في نسخه في حقه والأصح عندنا نسخه وأما ما حكاه القاضي عياض من بعض السلف
أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قدر حلب شاة فغلط ومردود باجماع من
قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس قولها كنا نعد له سواكه
وطهوره فيه استحباب ذلك والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها والاعتناء بها قولها فيتسوك
ويتوضأ فيه استحباب السواك عند القيام من النوم قولها ويصلي تسع ركعات لا يجلس
فيها إلى قولها يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد هذا قد سبق شرحه قريبا قولها فلما سن
نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم هكذا هو في معظم الأصول سن وفي بعضها أسن وهذا
هو المشهور في اللغة قولها وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة
ركعة هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضي

27
قوله عن يونس عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله أخبراه عن عبد الرحمن بن عبد
القاري قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وذكر الحديث هذا الاسناد والحديث مما
استدركه الدارقطني على مسلم وزعم أنه معلل بأن جماعة رووه هكذا مرفوعا وجماعة رووه موقوفا
وهذا التعليل والحديث صحيح واسناده صحيح أيضا وقد سبق بيان هذه القاعدة في الفصول السابقة
في مقدمة هذا الشرح ثم في مواضع بعد ذلك وبينا أن الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء
والأصوليون ومحققوا المحدثين أنه إذا روى الحديث مرفوعا وموقوفا أو موصولا ومرسلا حكم
بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعد والله
أعلم وفي هذا الإسناد فائدة لطيفة وهي أن فيه رواية صحابي عن تابعي وهو السائب عن عبد الرحمن
ويدخل في رواية الكبار عن الصغار وقوله القاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة القبيلة
المعروفة سبق بيانه مرات

29
قوله صلاة الأوابين حين ترمض الفصال هو بفتح التاء والميم
يقال رمض يرمض كعلم يعلم والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس أي حين
يحترق اخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل من شدة حر الرمل
والأواب المطيع وقيل الراجع إلى الطاعة وفيه فضيلة الصلاة هذا الوقت قال أصحابنا
هو أفضل وقت صلاة الضحى وان كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى هكذا هو في صحيح البخاري ومسلم وروى أبو داود والترمذي
بالاسناد الصحيح صلاة الليل والنهار مثنى
مثنى هذا الحديث محمول على بيان الأفضل وهو أن
يسلم من كل ركعتين وسواء نوافل الليل والنهار يستحب أن يسلم من كل ركعتين فلو جمع
ركعات بتسليمة أو تطوع بركعة واحدة جاز عندنا قوله صلى الله عليه وسلم فإذا خشي أحدكم
الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى وفي الحديث الآخر أوتروا قبل الصبح هذا دليل على أن

30
السنة جعل الوتر آخر صلاة الليل وعلى أن وقته يخر بطلوع الفجر وهو المشهور من مذهبنا

31
وبه قال جمهور العلماء وقيل يمتد بعد الفجر حتى يصلي الفرض قوله صلى الله عليه وسلم الوتر
ركعة من آخر الليل دليل على صحة الايتار بركعة وعلى استحبابه آخر الليل

32
قوله انك لضخم إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب قالوا لأن هذا الوصف
يكون للضخم وإنما قال ذلك لأنه قطع عليه الكلام أجله قبل تمام حديثه قوله
استقرئ لك الحديث هو بالهمزة من القراءة ومعناه اذكره وأت به على وجهه بكماله
قوله ويصلي ركعتين قبل الغداة كأن الاذان بأذنيه قال القاضي المراد بالأذان هنا

33
الإقامة وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالسنة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم قوله به به
هو بموحدة مفتوحة وهاء ساكنة مكررة وقيل معناه مه مه زجر وكف وقال ابن السكيت
هي لتفخيم الأمر بمعنى بخ بخ قوله أبو نضرة العوقي بعين مهملة وواو مفتوحتين وقاف
منسوب إلى العوقة بطن من عبد القيس وحكى صاحب المطالع فتح الواو واسكانها الصواب
المشهور المعروف الفتح لاغير قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر من خاف أن لا يقوم

34
من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فيه دليل صريح على
أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل وأن من لا يثق بذلك
فالتقديم له أفضل وهذا هو الصواب ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل
الصحيح الصريح فمن ذلك حديث أوصاني خليلي أن لا أنام الا على وتر وهو محمول على من
لا يثق بالاستيقاظ قوله صلى الله عليه وسلم فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل أن
يشهدها ملائكة الرحمة وفيه دليلان صريحان على تفضيل صلاة الوتر وغيرها
آخر الليل قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما

35
علمت وفيه دليل للشافعي ومن يقول كقوله أن تطويل القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود
وقد سبقت المسألة قريبا وأيضا في أبواب صفة الصلاة قوله إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل
مسلم يسأل الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة فيه اثبات ساعة الإجابة
في كل ليلة ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها قوله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له هذا الحديث من
أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق ايضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما
أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله
تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله
تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثر
المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكى هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها

36
بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه
تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره والثاني أنه
على الاستعارة ومعناه الاقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر وفي
الرواية الثانية حين يمضي ثلث الليل الأول وفي رواية إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه قال القاضي
عياض الصحيح رواية حين يبقي ثلث الليل الآخر كذا قاله شيوخ الحديث وهو الذي
تظاهرت عليه الاخبار بلفظه ومعناه قال ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث
الأول وقوله من يدعوني بعد الثلث الأخير هذا كلام القاضي قلت ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به
وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعا وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر
به مع أبي هريرة كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وهذا ظاهر وفيه رد لما أشار إليه القاضي
من تضعيف رواية الثلث الأول وكيف يضعفها وقد رواها مسلم في صحيحه باسناد لا مطعن
فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة والله أعلم قوله سبحانه وتعالى أنا الملك أنا الملك
هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتوكيد والتعظيم قوله صلى الله عليه وسلم فلما يزال
كذلك حتى يضئ الفجر فيه دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر وفيه
الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى إضاءة الفجر وفيه تنبيه على أن آخر

37
الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوله والله أعلم قوله حدثنا
محاضر أبو المورع هو محاضر بحاء مهملة وكسر الضاد المعجمة والمورع بكسر الراء هكذا
وقع في جميع النسخ أبو المورع وأكثر ما يستعمل في كتب الحديث ابن المورع وكلاهما صحيح وهو
ابن المورع وكنيته أبو المورع قوله في حديث حجاج بن الشاعر عن محاضر ينزل الله في السماء
هكذا هو في جميع الأصول في السماء وهو صحيح قوله سبحانه وتعالى من يقرض غير
عديم ولا ظلوم وفي الرواية لأخرى غير عدوم هكذا هو في الأصول في الرواية الأولى عديم
والثانية عدوم وقال أهل اللغة يقال أعدم الرجل إذا افتقر فهو معدم وعديم وعدوم والمراد بالقرض
والله أعلم عمل الطاعة سواء فيه الصدقة والصلاة والصوم والذكر وغيرها من الطاعات وسماه
سبحانه وتعالى قرضا ملاطفة للعباد وتحريضا لهم على المبادرة إلى الطاعة فإن القرض إنما يكون
ممن يعرفه المقترض وبينه وبينه مؤانسة ومحبة فحين يتعرض للقرض يبادر المطلوب منه بإجابته
لفرحه بتأهيله للاقتراض منه وادلاله عليه وذكره له وبالله التوفيق
قوله ثم يبسط يديه سبحانه

38
وتعالى هو إشارة إلى نشر رحمته وكثرة عطائه واجباته واسباغ نعمته قوله عن الأغر
أبي مسلم الأغر لقب واسمه سلمان
باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح
قوله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان إيمانا واحتسابا معنى إيمانا تصديقا بأنه حق مقتصد
فضيلته ومعنى احتسابا أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف
الإخلاص والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح واتفق العلماء على استحبابها واختلفوا في أن
الأفضل صلاتها منفردا في بيته أم في جماعة في المسجد فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة
وأحمد وبعض المالكية وغيرهم الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي
الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد وقال مالك
وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل

39
الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة قوله صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه
المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر قال بعضهم ويجوز أن
يخفف من الكبائر ما لم يصادف صغيرة قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في
قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له
ما تقدم من ذنبه قوله من غير أن يأمرهم بعزيمة معناه لا يأمرهم أمر ايجاب وتحتيم بل
أمر ندب وترغيب ثم فسره بقوله فيقول من قام رمضان وهذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب
دون الايجاب واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب قوله
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة
أبي بكر وصدرا من خلافة عمر معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان
في بيته منفردا حتى انقضى صدرا من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم
جماعة واستمر العمل على فعلها جماعة وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري في كتاب
الصيام قوله صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

40
هذا مع الحديث المتقدم من قام رمضان قد يقال إن أحدهما يغني عن الآخر وجوابه أن يقال
قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب وقيام ليلة القدر لمن
وافقها وعرفها سبب للغفران وان لم يقم غيرها قوله صلى الله عليه وسلم من يقم ليلة القدر
فيوافقها معناه يعلم أنها ليلة القدر قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
ذات ليلة فصلى بصلاته ناس وذكر الحديث ففيه جواز النافلة جماعة ولكن الاختيار فيها
الانفراد الا في نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح عند الجمهور
كما سبق وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما
فعلها في المسجد لبيان الجواز وأنه كان معتكفا وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو إمامته وهذا صحيح
على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء ولكن ان نوى الامام امامتهم بعد اقتدائهم حصلت فضيلة
الجماعة له ولهم وان لم ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة ولا يصحل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها
والأعمال بالنيات وأما المأمومون فقد نووها وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو
مصلحتان اعتبر أهمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لما
ذكرناه فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي تخاف من عجزهم وتركهم

41
للفرض وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئا خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره
لهم تطييبا لقلوبهم واصلاحا لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء والله أعلم
قوله فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد فإنه لم يخف على شأنكم الليلة
في هذه الألفاظ فوائد منها استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة وفي حديث في سنن
أبي داود الخطبة التي ليس فيها تشهد كاليد الجذماء ومنها استحباب قول أما بعد في الخطب وقد
جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة وقد ذكر البخاري في صحيحه بابا في البداءة في الخطبة
بأما بعد وذكر فيه جملة من الأحاديث ومنها أن السنة في الخطبة والموعظة استقبال الجماعة ومنها أنه يقال

42
جرى الليلة كذا وإن كان بعد الصبح وهكذا يقال الليلة إلى زوال الشمس وبعد الزوال يقال
البارحة وقد سبقت هذه المسألة في أول الكتاب
باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر
وبيان دليل من قال إنها ليلة سبع وعشرين
فيه حديث أبي بن كعب أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين وهذا أحد المذاهب فيها وأكثر
العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان وأرجاها أوتارها وأرجاها ليلة سبع
وعشرين وثلاث وعشرين واحدى وعشرين وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل وقال المحققون إنها
تنتقل فتكون في سنة ليلة سبع وعشرين وفي سنة ليلة ثلاث وسنة ليلة احدى وليلة أخرى وهذا
أظهر وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها وسيأتي زيادة بسط فيها إن شاء الله تعالى في آخر كتاب
الصيام حيث ذكرها مسلم قوله وأكثر علمي ضبطناه بالمثلثة وبالموحدة والمثلثة أكثر

43
باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل
فيه حديث ابن عباس وهو مشتمل على جمل من الفوائد وغيره قوله قام من الليل فأتى حاجته
يعني الحدث قوله ثم غسل وجهه ويديه ثم قام هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره
قوله فأتى القربة فأطلق شناقها بكسر الشين أي الخيط الذي تربط به في الوتد قاله أبو عبيدة
وأبو عبيد وغيرهما وقيل الوكاء قوله فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أنى كنت أنتبه له
هكذا ضبطناه وهكذا هو في أصول بلادنا انتبه بنون ثم منثناه فوق ثم موحدة ووقع في البخاري
أبقيه بموحدة ثم قاف ومعناه أرقبه وهو معنى أنتبه له قوله فقمت عن يساره فأخذ بيدي
فأدارني عن يمينه فيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام وأنه إذا وقف عن يساره
يتحول إلى يمينه وأنه إذا لم يتحول حوله الإمام وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة وأن صلاة
الصبي صحيحة وأن له موثقا من الإمام كالبالغ وأن الجماعة في غير المكتوبات صحيحة قوله ثم
اضطجع فنام حتى نفخ فقام فصلى ولم يتوضأ هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن نومه

44
مضجعا لا ينقض الوضوء لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه فلو خرج حدث لأحس به بخلاف
غيره من الناس قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي
نورا إلى آخره قال العلماء سأل النور في أعضائه وجهاته والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية
إليه فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست
حتى لا يزيغ شئ منها عنه قوله في هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس
وذكر الدعاء اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا إلى آخره قال كريب وسبعا في التابوت
فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن قال العلماء معناه وذكر في الدعاء سبعا أي سبع كلمات
نسيتها قالوا والمراد بالتابوت الأضلاع وما يحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي
كالصندوق يحرز فيه المتاع أي وسبعا في قلبي ولكن نسيتها وقوله فلقيت بعض ولد
العباس القائل لقيت هو سلمة بن كهيل قوله فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها هكذا ضبطناه عرض بفتح العين وهكذا نقله القاضي
عياض عن رواية الأكثرين قال ورواه الداودي بالضم وهو الجانب والصحيح الفتح
والمراد بالوسادة الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤس ونقل القاضي عن الباجي والأصيلي

45
وغيرهما أن الوسادة هنا الفراش لقوله اضطجع في طولها وهذا ضعيف أو باطل وفيه دليل على
جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزا قال القاضي
وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا
قال وهذه الكلمة وان لم تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت
في ليلة النبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله ولا يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجته إلى أهله
لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة ابن عباس معهما في الوسادة مع أنه كان مراقبا لأفعال
النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم ينم أو نام قليلا جدا قوله فجعل يمسح النوم عن وجهه
معناه أثر النوم وفيه استحباب هذا واستعمال المجاز قوله ثم قرأ العشر الآيات
الخواتم من سورة آل عمران فيه جواز القراءة للمحدث وهذا اجماع المسلمين وإنما
تحرم القراءة على الجنب والحائض وفيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم
وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة البقرة وسورة النساء ونحوها وكرهه بعض المتقدمين
وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والتي يذكر فيها البقرة والصواب الأول وبه
قال عامة العلماء من السلف والخلف وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة ولا لبس في ذلك
قوله شن معلقة إنما أنثها على إرادة القربة وفي رواية بعد هذه شن معلق على إرادة السقاء
والوعاء قال أهل اللغة الشن القربة الخلق وجمعه شنان قوله وأخذ بأذني اليمنى يفتلها قيل
إنما فتلها تنبيها له من النعاس وقيل ليتنبه لهيئة الصلاة وموقف المأموم وغير ذلك والأول أظهر

46
لقوله في الرواية الأخرى فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني قوله فصلي ركعتين ثم
ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام
فصلى ركعتين خفيفتين حتى خرج فصلى الصبح فيه أن الأفضل في الوتر وغيره من الصلوات
أن يسلم من كل ركعتين وان أوتر يكون آخره ركعة مفصولة وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال
أبو حنيفة ركعة موصولة بركعتين كالمغرب وفيه جواز اتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة
وتخفيف سنة الصبح وأن الايتار بثلاث عشرة
ركعة أكمل وفيه خلاف لأصحابنا قال بعضهم
أكثر الوتر ثلاث عشرة لظاهر هذا الحديث وقال أكثرهم أكثره احدى عشرة وتأولوا حديث
ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى منها ركعتي سنة العشاء وهو تأويل ضعيف مباعد
للحديث قوله ثم عمد إلى شجب من ماء هو بفتح الشين المعجمة واسكان الجيم قالوا
وهو السقاء الخلق وهو بمعنى الرواية الأخرى شن معلقة وقيل الأشجاب الأعواد التي تعلق

47
عليها القربة قوله ثم اجتبى حتى اني لأسمع نفسه راقدا معناه أنه احتبى أولا ثم اضطجع
كما سبق في الروايات الماضية فاحتبى ثم اضطجع حتى سمع نفخه ونفسه بفتح الفاء قوله
فقمت عن يساره فأخلفني فجعلني عن يمينه معنى أخلفني أدارني من خلفه

48
قوله فبقيت كيف يصلي هو بفتح الباء الموحدة والقاف أي رقبت ونظرت يقال بقيت وبقوت بمعنى
رقبت ورمقت قوله ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين يعني لم يسرف ولم يقتر وكان
بين ذلك قواما قوله عن أبي رشدين مولى ابن عباس هو بكسر الراء وهو كريب ومولى

49
ابن عباس كنى بابنه رشدين قوله عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري هو بحاء مهملة
مفتوحة ثم جيم ساكنة منسوب إلى حجر رعين وهي قبيلة معروفة قوله فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم

50
مع أهله ساعة ثم نام فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء للحاجة والمصلحة والذي
ثبت في حديث أنه كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها هو في حديث لا حاجة إليه ولا مصلحة
فيه كما سبق بيانه في بابه قوله ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم
انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات ثم أوتر بثلاث هذه الرواية فيها
مخالفة لباقي الروايات في تخليل النوم بين الركعات وفي عدد الركعات فإنه لم يذكر في باقي
الروايات تخلل النوم وذكر الركعات ثلاث عشرة قال القاضي عياض هذه الرواية وهي رواية
حصين عن حبيب بن أبي ثابت مما استدركه الدارقطني على مسلم لاضطرابها واختلاف الرواة قال
الدارقطني وروى عنه على سبعة أوجه وخالف فيه الجمهور قلت ولا يقدح هذا في مسلم فإنه لم يذكر
هذه الرواية متأصلة مستقلة إنما ذكرها متابعة والمتابعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الأصول كما
سبق بيانه في مواضع قال القاضي ويحتمل أنه لم يعد في هذه الصلاة الركعتين الأوليين الخفيفتين
اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاة الليل بهما كما صرحت الأحاديث
بها في مسلم

51
وغيره ولهذا قال صلى ركعتين فأطال فيهما فدل على أنهما بعد الخفيفتين فتكون الخفيفتان ثم
الطويلتان ثم الست المذكورات ثم ثلاث بعدها كما ذكر فصارت الجملة ثلاث عشرة كما في باقي

52
الروايات والله أعلم قوله في حديث زيد بن خالد ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين
هكذا هو مكرر ثلاث مرات قوله فانتهينا إلى مشرعة فقال ألا تشرع يا جابر المشرعة بفتح
الراء والشريعة هي الطريق إلى عبور الماء من حافة نهر أو بحر وغيره وقوله ألا تشرع بضم التاء
وروى بفتحها والمشهور في الروايات الضم ولهذا قال بعده وشرعت قال أهل اللغة شرعت في
النهر وأشرعت ناقتي فيه وقوله ألا تشرع معناه ألا تشرع ناقتك أو نفسك قوله فصلي في
ثوب واحد خالف بين طرفيه فيه صحة الصلاة في ثوب واحد وأنه تسن المخالفة بين طرفيه على
عاتقيه وسبقت المسألة في موضعها قوله فقمت خلفه فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه هو

53
كحديث ابن عباس وقد سبق شرحه قوله حدثنا أبو حرة عن الحسن هو أبو حرة بضم
الحاء اسمه واصل بن عبد الرحمن كان يختم القرآن في كل ليلتين قولهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وفي حديث أبي هريرة
الأمر بذلك هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما قوله صلى الله عليه وسلم أنت
نور السماوات والأرض قال العلماء معناه منورهما وخالق نورهما وقال أبو عبيد معناه بنورك
يهتدي أهل السماوات والأرض قال الخطابي في تفسير اسمه سبحانه وتعالى النور ومعناه الذي
بنوره يبصر ذو العماية وبهدايته يرشد ذو الغواية قال ومنه الله نور السماوات أي منه
نورهما قال ويحتمل أن يكون معناه ذو النور ولا يصح أن يكون النور صفة ذات
الله تعالى وإنما هو صفة فعل أي هو خالقه وقال غيره معنى نور السماوات والأرض مدبر
شمسها وقمرها ونجومها قوله صلى الله عليه وسلم أنت قيام السماوات والأرض
وفي الرواية الثانية قيم قال العلماء من صفاته القيام والقيم كما صرح به هذا الحديث والقيوم بنص
القرآن وقائم ومنه قوله تعالى هو قائم على كل نفس قال الهروي ويقال قوام قال ابن عباس
القيوم الذي لا يزول وقال غيره هو القائم على كل شئ ومعناه مدبر أمر خلقه وهما سائغان في

54
تفسير الآية والحديث قوله صلى الله عليه وسلم أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن قال العلماء
للرب ثلاث معان في اللغة السيد المطاع فشرط المربوب أن يكون ممن يعقل وإليه أشار الخطابي
بقوله لا يصح أن يقال سيد الجبال والشجر قال القاضي عياض هذا الشرط فاسد بل الجميع
مطيع له سبحانه وتعالى قال الله تعالى أتينا طائعين قوله صلى الله عليه وسلم أنت الحق قال
العلماء الحق في أسمائه سبحانه وتعالى معناه المتحقق وجوده وكل شئ صح وجوده وتحقق
فهو حق ومنه الحاقه أي الكائنة حقا بغير شك ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق أي كله متحقق
لا شك فيه وقيل معناه خبرك حق وصدق وقيل أنت صاحب الحق وقيل محق الحق وقيل الاله
الحق دون ما يقوله الملحدون كما قال تعالى ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه
الباطل وقيل في قوله ووعدك الحق أي ومعنى صدق لقاؤك حق أي البعث وقيل الموت وهذا
القول باطل في هذا الموضع وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به والصواب البعث فهو الذي يقتضيه
سياق الكلام وما بعده وهو الذي يرد به على الملحد لا بالموت قوله صلى الله عليه وسلم اللهم
لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي
إلى آخره معنى أسلمت استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك وبك آمنت أي صدقت بك وبكل
ما أخبرت وأمرت ونهيت وإليك أنبت أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها وقيل
معناه رجعت إليك في تدبيري أي فوضت إليك وبك خاصمت أي بما أعطيتني من البراهين
والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف وإليك حاكمت أي كل

55
من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه
الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها فلا أرضى الا بحكمك ولا أعتمد غيره
ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعا وخضوعا
واشفاقا واجلالا وليقتدى به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين
وفي هذا الحديث وغيره مواضبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف
لله تعالى بحقوقه والاقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض قال

56
العلماء خصهم بالذكر وإن كان الله تعالى رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من
نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشأن دون ما يستحقر ويستصغر فيقال له
سبحانه وتعالى رب السماوات والأرض رب العرش الكريم ورب الملائكة والروح رب
المشرقين ورب المغربين رب الناس مالك الناس إله الناس رب العالمين رب كل شئ رب
النبيين خالق السماوات والأرض فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا فكل ذلك
وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر
ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك على الإفراد وإنما
يقال خالق المخلوقات وخالق كل شئ وحينئذ تدخل هذه في العموم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم اهدني لما أختلف فيه من الحق معناه ثبتني عليه كقوله تعالى الصراط
المستقيم قوله حدثنا يوسف الماجشون هو بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو أبيض
الوجه مورده لفظ أعجمي قوله وجهت وجهي أي قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات
والأرض أي ابتدأ خلقها قوله حنيفا قال الأكثرون معناه مائلا إلى الدين الحق وهو
الإسلام وأصل الحنف الميل ويكون في الخير والشر ويتصرف إلى ما تقتضيه القرينة وقيل
المراد بالحنيف هنا المستقيم قاله الأزهري وآخرون وقال أبو عبيد الحنيف عند العرب من
كان على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وانتصب حنيفا على الحال أوجهت وجهي في
حال حنيفيتي وقوله وما أنا من المشركين بيان للحنيف وإيضاح لمعناه والمشرك يطلق على كل

57
كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم قوله إن صلاتي
ونسكي قال أهل اللغة النسك العبادة وأصله من النسيكة وهي الفضة المذابة المصفاة من كل
خلط والنسيكة أيضا كل ما يتقرب به إلى الله تعالى قوله ومحياي ومماتي أي حياتي
وموتي ويجوز فتح الياء فيهما واسكانها والأكثرون على فتح ياء محياي واسكان مماتي قوله
لله قال العلماء هذه لام الإضافة ولها معنيان الملك والاختصاص وكلاهما مراد قوله
رب العالمين في معنى رب أربعة أقوال حكاها الماوردي وغيره المالك والسيد والمدبر
والمربي فإن وصف الله تعالى برب لأنه مالك أو سيد فهو من صفات الذات وان وصف لأنه
مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله ومتى دخلته الألف واللام فقيل الرب اختص بالله
تعالى وإذا حذفتا جاز اطلاقه على غيره فيقال رب المال ورب الدار ونحو ذلك والعالمون
جمع عالم وليس للعالم واحد من لفظه واختلف العلماء في حقيقته فقال المتكلمون من أصحابنا
وغيرهم وجماعة من المفسرين وغيرهم العالم كل المخلوقات وقال جماعة هم الملائكة والجن
والانس وزاد أبو عبيدة والفراء الشياطين وقيل بنو آدم خاصة قاله الحسين بن الفضل
وأبو معاذ النحوي وقال الآخرون هو الدنيا وما فيها ثم قيل هو مشتق من العلامة لأن كل
مخلوق علامة على وجود صانعه وقيل من العلم فعلى هذا يختص بالعقلاء قوله اللهم أنت
الملك أي القادر على كل شئ المالك الحقيقي لجميع المخلوقات قوله وأنا عبدك أي
معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في قوله ظلمت نفسي أي اعترفت بالتقصير
قدمه على سؤالي المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين قوه اهدني لأحسن الأخلاق أي أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق به قوله واصرف عن سيئها أي قبيحها
قوله لبيك قال العلماء معناه أنا مقيم على طاعتك

58
إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لبا وألب الباب أي أقام به وأصل لبيك لبين فحذفت النون
للإضافة قوله وسعديك قال الأزهري وغيره معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة
لدينك بعد متابعة قوله والخير كله في يديك والشر ليس إليك قال الخطابي وغيره فيه
الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها
على جهة الأدب وأما قوله والشر ليس إليك فيما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل
المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال
أحدها معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى
ابن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم والثاني حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله
غيره أيضا معناه لا يضاف إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر
ونحو هذا وإن كان خالق كل شئ ورب كل شئ وحينئذ يدخل الشر في العموم والثالث معناه
والشر لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح والرابع معناه والشر ليس شرا
بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين والخامس حكاه الخطابي
أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو صفوه إليهم قوله أنا بك وإليك
أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قوله تباركت أي استحققت الثناء وقيل ثبت الخير
عندك وقال ابن الأنباري تبارك العباد بتوحيدك والله أعلم قوله ملء السماوات وملء
الأرض هو بكسر الميم وبنصب الهمزة بعد اللام ورفعها واختلف في الراجح منهما والأشهر
النصب وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات بدلائله مضافا إلى قائليه ومعناه حمدا لو كان

59
أجساما لملأ السماوات والأرض لعظمه قوله سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق
سمعه فيه دليل لمذهب الزهري أن الأذنين من الوجه وقال جماعة من العلماء هما من الرأس
وآخرون أعلاهما من الرأس وأسفلهما من الوجه وقال آخرون ما أقبل على الوجه فمن الوجه
وما أدبر فمن الرأس وقال الشافعي والجمهور هما عضوان مستقلان لا من الرأس ولا من الوجه
بل يطهران بماء مستقل ومسحهما سنة خلافا للشيعة وأجاب الجمهور عن احتجاج الزهري بجوابين
أحدهما أن المراد بالوجه جملة الذات كقوله تعالى شئ هالك الا وجهه ويؤيد هذا أن السجود
يقع بأعضاء أخر مع الوجه والثاني أن الشئ يضاف إلى ما يجاوره كما يقال بساتين البلد والله أعلم
قوله أحسن الخالقين أي المقدرين والمصورين قوله أنت المقدم وأنت المؤخر معناه
تقدم من شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء
وتذل من تشاء وفي هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إمام
لقوم لا يؤثرون التطويل وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل
السلام قوله وأنا أول المسلمين أي من هذه الأمة وفي الرواية الأولى وأنا من المسلمين

60
استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل
فيه حديث حذيفة وحديث ابن مسعود وقوله حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد
ابن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم
الأعمش والثلاثة بعده قوله صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة
فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء
فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح إلى آخره قوله
فقلت يصلي بها في ركعة معناه ظننت أنه يسلم بها فيقسمها على ركعتين وأراد بالركعة الصلاة
بكمالها وهي ركعتان ولا بد من هذا التأويل فينتظم الكلام بعد وعلى هذا فقوله ثم مضى معناه
قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة فحينئذ قلت يركع
الركعة الأولى بها فجاوز وافتتح النساء وقوله ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران قال
القاضي عياض فيه دليل لمن يقول أن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وأنه

61
لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وكله إلى أمته بعده قال وهذا قول مالك
وجمهور العلماء واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني قال ابن الباقلاني هو أصح القولين مع احتمالهما
قال والذي نقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في
التلقين والتعليم وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حد تحرم مخالفته
ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان قال واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم
والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين قال وأما على
قول من يقول من أهل العلم أن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حدده لهم كما استقر
في مصحف عثمان وإنما اختلف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير فيتأول
قراءته صلى الله عليه وسلم النساء أولا ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب
وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبي قال ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في
الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى وإنما يكره ذلك ي ركعة ولمن يتلو في غير
صلاة قال وقد أباحه بعضهم وتأول نهى السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من
آخر السورة إلى أولها قال ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على
ما هي عليه الآن في المصحف وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم هذا آخر كلام
القاضي عياض والله أعلم قوله يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل و
إذا مر بتعوذ تعوذ فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها ومذهبنا استحبابه
للإمام والمأموم والمنفرد قوله ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم وقال في السجود سبحان
ربي الأعلى فيه استحباب تكرير سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود
وهو مذهبنا ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة والكوفيين وأحمد والجمهور وقال مالك لا يتعين ذكر
الاستحباب قوله ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد هذا فيه دليل

62
لجواز تطويل الاعتدال عن الركوع وأصحابنا يقولون لا يجوز ويبطلون به الصلاة قوله حدثنا
عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن
مسعود هذا الإسناد كله كوفيون إلا إسحق قوله صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأطال حتى هممت بأمر سوء ثم قال هممت بأن أجلس وأدعه فيه أنه ينبغي الأدب مع الأئمة
والكبار وأن لا يخالفوا بفعل ولا قول ما لم يكن حراما واتفق العلماء على أنه إذا شق على
المقتدى في فريضة أو نافلة القيام وعجز عنه جاز له القعود
وإنما لم يقعد ابن مسعود للتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه جواز الاقتداء في غير المكتوبات وفيه استحباب تطويل صلاة الليل
باب الحث على صلاة الوقت وان قلت
قوله حدثنا عثمان بن أبي شيبة واسحق عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله يعني
ابن مسعود هذا الاسناد كله كوفيون إلا إسحق قوله ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل

63
نام ليلة حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه أو قال في أذنيه اختلفوا في معناه
فقال ابن قتيبة معناه أفسده يقال بال في كذا إذا أفسده وقال المهلب والطحاوي وآخرون
هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان وتحكمه فيه وعقده على قافية رأسه عليك ليل طويل
وإذلاله له وقيل معناه استخف به واحتقره واستعلى عليه يقال لمن استخف بإنسان وخدعه بال
في أذنه وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد اذلالا له وقال الحربي معناه ظهر عليه وسخر منه
قال القاضي عياض ولا يبعد أن يكون على ظاهره قال وخص الأذن لأنها حاسة الانتباه قوله
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن علي حدثه
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هكذا ضبطناه أن الحسين بن علي بضم الحاء على التصغير
وكذا في جميع نسخ بلادنا التي رأيتها مع كثرتها وذكره الدارقطني في كتاب الاستدراكات وقال
أنه وقع في رواية مسلم أن الحسن بفتح الحاء على التكبير قال الدارقطني كذا رواه مسلم عن قتيبة
ان الحسن بن علي وتابعه على ذلك إبراهيم بن نصر النهاوندي والجعفي وخالفهم النسائي والسراج
وموسى بن هارون فرووه عن قتيبة أن الحسين يعني بالتصغير قال ورواه أبو صالح وحمزة بن زياد
والوليد بن صالح عن ليث فقالوا فيه الحسن وقال يونس المؤدب وأبو النضر وغيرهما عن ليث
الحسين يعني بالتصغير قال وكذلك قال أصحاب الزهري منهم صالح بن كيسان وابن أبي عقيق
وابن جريج وإسحاق بن راشد وزيد بن أبي أنيسة وشعيب وحكيم بن حكم ويحيى بن أبي أنيسة
وعقيل من رواية ابن لهيعة عنه وعبد الرحمن بن إسحاق وعبيد الله بن أبي زياد وغيرهم وأما معمر
فأرسله عن الزهري عن علي بن حسين وقول من قال عن ليث الحسن بن علي وهم يعني من قاله
بالتكبير فقد غلط هذا كلام الدارقطني وحاصله أنه يقول إن الصواب من رواية ليث الحسين
بالتصغير وقد بينا أنه الموجود في روايات بلادنا والله أعلم قوله طرقه وفاطمة أي أتاهما

64
في الليل قوله سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول وكان الإنسان أكثر شئ جدلا المختار
في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا ولهذا ضرب فخذه
وقيل قاله تسليما لعذرهما وأنه لا عتب عليهما وفي هذا الحديث الحث على صلاة الليل وأمر
الإنسان صاحبه بها وتعهد الإمام والكبير رعيته بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم وأنه ينبغي
للناصح إذا لم يقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة
قوله طرقه وفاطمة فقالوا ألا تصلون هكذا هو في الأصول تصلون وجمع الاثنين صحيح
لكن هل هو حقيقة أو مجاز فيه الخلاف المشهور الأكثرون على أنه مجاز وقال آخرون حقيقة
قوله صلى الله عليه وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم عقد القافية آخر الرأس
وقافية كل شئ آخره ومنه قافية الشعر قوله عليك ليلا طويلا هكذا هو في معظم نسخ
بلادنا بصحيح مسلم وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين عليك ليلا طويلا
بالنصب على الاغراء ورواه بعضهم عليك ليل طويل بالرفع أي بقي عليك ليل طويل
واختلف العلماء في هذه العقد فقيل هو عقد حقيقي بمعنى
عقد السحر للإنسان
ومنعه من القيام قال الله تعالى شر النفاثات في العقد فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط
النائم كتأثير السحر وقيل يحتمل أن يكون فعلا يفعله كفعل النفاثات في العقد وقيل هو من
عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوس في نفسه ويحدث بأن عليك ليلا طويلا فتأخر عن
القيام وقيل هو مجاز كنى به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل قوله صلى الله عليه وسلم فإذا

65
استيقظ فذكر الله عز وجل انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان فإذا صلى انحلت
العقد فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان فيه فوائد منها الحث
على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح وقد جمعتها
وما يتعلق بها في باب من كتاب الأذكار ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر لكن الأذكار المأثورة
فيه أفضل ومنها التحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وان قلت وقوله
صلى الله عليه وسلم وإذا توضأ انحلت عقدتان معناه تمام عقدتين أي انحلت عقدة ثانية وتم بها عقدتان
وهو بمعنى قول الله تعالى قال أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله
أربعة أيام أي في تمام أربعة ومعناه في يومين آخرين تمت الجملة بهما أربعة أيام ومثله في
الحديث الصحيح من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى توضع في القبر فقيراطان هذا
لفظ احدى روايات مسلم وروى البخاري ومسلم من طرق كثيرة بمعناه والمراد قيراطان بالأول
ومعناه أن بالصلاة يحصل قيراط وبالاتباع قيراط آخر يتم به الجملة قيراطان ودليل أن الجملة
قيراطان رواية مسلم في صحيح من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن
كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر
مثل أحد وفي رواية للبخاري في أول صحيحه من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان
معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد
ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط وهذه الألفاظ كلها من رواية
أبي هريرة ومثله في صحيح مسلم من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى
الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله وقد سبق بيانه في موضعه وقوله صلى الله عليه وسلم
فأصبح نشيطا طيب النفس معناه لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من
ثوابه مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه

66
وقوله صلى الله عليه وسلم وإلا أصبح خبيث النفس كسلان معناه لما عليه من عقد الشيطان وآثار
تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي
الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان وليس في هذا الحديث
مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم خبثت نفسي فان ذلك نهى للإنسان أن يقول
هذا اللفظ عن نفسه وهذا اخبار عن صفة غيره واعلم أن البخاري بوب لهذا الحديث باب
عقد الشيطان على رأس من لم يصل فأنكر عليه المازري وقال الذي في الحديث أنه يعقد
قافية رأسه وان صلى بعده وإنما ينحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة قال ويتأول كلام
البخاري أنه أراد أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك الصلاة وجعل من صلى وانحلت
عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره
باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد
وسواء في هذا الراتبة وغيرها إلا الشعائر الظاهرة وهي العيد والكسوف
والاستسقاء والتراويح وكذا ما لا يتأتى في غير المسجد كتحية المسجد
ويندب كونه في المسجد هي ركعتا الطواف
قوله صلى الله عليه وسلم اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا معناه صلوا فيها
ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة والمراد به صلاة النافلة أي صلوا النوافل في بيوتكم
وقال القاضي عياض قيل هذا في الفريضة ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم
من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم قال وقال الجمهور بل هو في النافلة
لاخفائها وللحديث الآخر أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة قلت الصواب أن
المراد النافلة وجميع أحاديث الباب تقتضيه ولا يجوز حمله على الفريضة وإن حث على النافلة

67
في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه
الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء في الحديث الآخر وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا قوله بريد عن أبي بردة قد سبق
مرات أن بريدا بضم الموحدة قوله صلى الله عليه وسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه
والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت وأنه
لا يخلي من الذكر وفيه جواز التمثيل وفيه أن طول العمر في الطاعة فضيلة وإن كان الميت ينتقل
إلى خير لأن الحي يستلحق به ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات قوله صلى الله عليه وسلم سورة
البقرة دليل على جوازه بلا كراهة وأما من كره قول سورة البقرة ونحوها فغالط وسبقت

68
المسألة وسنعيدها قريبا إن شاء الله تعالى في أبواب فضائل القرآن قوله صلى الله عليه وسلم
ان الشيطان ينفر من البيت هكذا ضبطه الجمهور ينفر ورواه بعض رواة مسلم يفر وكلاهما
صحيح قوله احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فصلى فيها
فالحجيرة بضم الحاء تصغير حجرة والخصفة والحصير بمعنى شك الراوي في المذكورة منهما
ومعنى احتجر حجرة أي حوط موضعا من المسجد بحصير ليستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه
مار ولا يتهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه وفيه جواز مثل هذا إذا لم يكن فيه تضييق
على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها بالليل يصلي فيها
وينحتها بالنهار ويبسطها كما ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه ثم تركه النبي صلى الله عليه وسلم بالليل
والنهار وعاد إلى الصلاة في البيوت وفيه جواز النافلة في المسجد وفيه جواز الجماعة في غير المكتوبة وجواز
الاقتداء بمن لم ينو الإمامة وفيه ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك وفيه بيان
ما كان النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم وأنه ينبغي لولاة
الأمور وكبار الناس والمتبوعين في علم وغيره الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله
فتتبع إليه رجال هكذا ضبطناه وكذا هو النسخ وأصل التتبع الطلب ومعناه هنا طلبوا موضعه
واجتمعوا إليه قوله وحصبوا الباب أي رموه بالحصباء وهي الحصى الصغار تنبيها له وظنوا

69
أنه نسي قوله صلى الله عليه وسلم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة هذا عام في
جميع النوافل المرتبة مع الفرائض المطلقة إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد
والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح على الأصح فإنها مشروعة في جماعة في المسجد
والاستسقاء في الصحراء وكذا العيد إذا ضاق المسجد والله أعلم قوله وكان يحجره من الليل
ويبسطه بالنهار وهكذا ضبطناه يحجر بضم الياء وفتح الحاء وكسر الجيم المشددة أي يتخذه
حجرة كما في الرواية الأخرى وفيه إشارة إلى ما كان
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الزهادة في الدنيا والاعراض عنها والاثراء من متاعها بما لا بد منه قوله فثابوا ذات ليلة أي
اجتمعوا وقيل رجعوا للصلاة
باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره
والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدوام عليه
وأمر من كان في صلاة فتركها ولحقه ملل ونحوه بأن يتركها حتى يزول ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم عليكم من الأعمال ما تطيقون أي تطيقون الدوام عليه

70
بلا ضرر وفيه دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق وليس الحديث
مختصا بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر قوله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يمل
حتى تملوا هو بفتح الميم فيهما وفي الرواية الأخرى لا يسأم حتى تسأموا وهما بمعنى قال
العلماء الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث
قال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته
حتى تقطعوا عملكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم وقاله ابن قتيبة وغيره وحكاه الخطابي
وغيره وأنشدوا فيه شعرا قالوا ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه
لا ينقطع إذا انقطع خصومه ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره
وفي هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته لأنه أرشده إلى ما يصلحهم وهو
ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتتم العبادة
بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير
انشراح القلب فيفوته خير عظيم وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبادة ثم أفرط فقال
تعالى ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وقد
ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في
تخفيف العبادة ومجانبة التشديد قوله صلى الله عليه وسلم وان أحب الأعمال إلى الله ما دووم
عليه وان قل هكذا ضبطناه دووم عليه وكذا هو في معظم النسخ دووم بواوين ووقع
في بعضها دوم بواو واحدة والصواب الأول وفيه الحث على المداومة على العمل وأن
قليله الدائم خير من كثير ينقطع
وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع لان بدوام
القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والاخلاص والاقبال على الخالق سبحانه وتعالى
ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة

71
قوله وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه أي لازموه وداوموا عليه والظاهر أن
المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته ونحوهم قولها كان عمله
ديمة هو بكسر الدال واسكان الياء أي يدوم عليه ولا يقطعه قوله في الحبل الممدود بين ساريتين

72
لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال حلوه يصلي أحدكم نشاطه كسلت
بكسر السين وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال
عليها بنشاط وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن
منه وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها قوله الحولاء
بنت تويت هو بتاء مثناة فوق في أوله وآخره قوله وزعموا أنها لا تنام الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون أراد صلى الله عليه وسلم
بقوله لا تنام الليل الانكار عليها وكراهة فعلها وتشديدها على نفسها ويوضحه أن في موطأ مالك
قال في هذا الحديث وكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجهه وفي هذا دليل لمذهبنا ومذهب
جماعة أو الأكثرين أن صلاة جميع الليل مكروهة وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به وهو
رواية عن مالك إذا لم ينم عن الصبح

73
أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر
بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم إلى آخره
نعس بفتح العين وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط وفيه أمر
الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل
والنهار وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور لكن لا يخرج فريضة عن وقتها قال القاضي وحمله مالك
وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبا قوله صلى الله عليه وسلم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله
يذهب يستغفر فيسب نفسه قال القاضي معنى يستغفر هنا يدعو قوله صلى الله عليه وسلم فاستعجم

74
عليه القرآن أي استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس
باب فضائل القرآن وما يتعلق به
باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها
قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا
آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا وفي رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة
رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها وفي الحديث الذي بعد هذا

75
بئسما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي في هذه الألفاظ فوائد منها جواز
رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا ولا تعرض للرياء
والإعجاب ونحو ذلك وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرا وان لم يقصده ذلك الإنسان
وفيه أن الاستماع للقراءة سنة وفيه جواز قول سورة كذا كسورة البقرة ونحوها ولا التفات إلى من
خالف في ذلك فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على استعماله وفيه كراهة قول نسيت آية كذا
وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قول أنسيتها وإنما نهى عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها
والتغافل عنها وقد قال الله تعالى أتتك آياتنا فنسيتها وقال القاضي عياض أولى ما يتأول عليه
الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أي نسيت الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل
عنه حتى نسيه وقوله صلى الله عليه وسلم بل هو نسي ضبطناه بتشديد السين وقال
القاضي ضبطناه بالتشديد والتخفيف قوله صلى الله عليه وسلم كنت أنسيتها دليل
على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلغه إلى الأمة وقد تقدم في باب
سجود السهو الكلام فيما يجوز من السهو عليه صلى الله عليه وسلم وما لا يجوز قال
القاضي عياض رحمه الله جمهور المحققين جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس

76
طريقه البلاغ واختلفوا فيما طريقة البلاغ والتعليم ولكن من جوز قال لا يقر عليه بل لابد أن
يتذكره أو يذكره واختلفوا هل من شروط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته
صلى الله عليه وسلم قال وأما نسيان ما بلغه في هذا الحديث فيجوز قال وقد سبق بيان سهوه في
الصلاة قال وقال بعض الصوفية ومتابعيهم لا يجوز السهو عليه أصلا في شئ وإنما يقع منه
صورته ليس إلا وهذا تناقض مردود ولم يقل بهذا أحد ممن يقتدى به إلا الأستاذ أبو الظفر
الأسفرايني من شيوخنا فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض قوله صلى الله عليه وسلم
إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إلى آخره فيه الحث على تعاهد القرآن وتلاوته
والحذر من تعريضه للنسيان قال القاضي ومعنى صاحب القرآن أي الذي ألفه والمصاحبة
المؤالفة ومنه فلان صاحب فلان وأصحاب الجنة وأصحاب النار وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي
وأصحاب الصفة وأصحاب إبل وغنم وصاحب كنز وصاحب عبادة قوله صلى الله عليه وسلم آية كيت وكيت أي
آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها
وكسرها عن أبي عبيدة قوله استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من
النعم بعقلها قال أهل اللغة التفصي الانفصال وهو بمعنى الرواية الأخرى أشد تفلتا النعم
أصلها الإبل والبقر والغنم والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل والعقل بضم العين والقاف
ويجوز اسكان القاف وهو كنظائره وهو جمع عقال ككتاب وكتب والنعم تذكر وتؤنث ووقع
في هذه الروايات بعقلها وفي الرواية الثانية من عقله وفي الثالثة في عقلها وكله صحيح والمراد
برواية الباء من كما في قوله الله تعالى يشرب بها عباد الله على أحد القولين في معناها وقوله
في هذه الرواية عقله بتذكير النعم وهو صحيح كما ذكرناه

77
باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن
قوله صلى الله عليه وسلم ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن هو بكسر الذال قال
العلماء معنى أذن في اللغة الاستماع ومنه قوله تعالى غير لربها قالوا ولا يجوز أن تحمل هنا
على الاستماع بمعنى الاصغاء فإنه يستحيل على الله تعالى بل هو مجاز ومعناه الكناية عن تقريبه
القارئ واجزال ثوابه لأن سماع الله تعالى لا يختلف فوجب تأويله وقوله يتغنى بالقرآن
معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون يحسن صوته به
وعند سفيان بن عيينة يستغني به قيل يستغني به عن الناس وقيل عن غيره من الأحاديث
والكتب قال القاضي عياض القولان منقولان عن ابن عيينة قال يقال تغنيت وتغانيت بمعنى

78
استغنيت وقال الشافعي وموافقوه معناه تحزين القراءة وترقيقها واستدلوا بالحديث الآخر زينوا
القرآن بأصواتكم قال الهروي معنى يتغنى به يجهر به وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال
يستغني به وخطأه من حيث اللغة والمعنى والخلاف جار في الحديث الآخر ليس منا من لم
يتغن بالقرآن والصحيح أنه من تحسين الصوت ويؤيده الرواية الأخرى يتغنى بالقرآن يجهر به
قوله في رواية حرملة كما يأذن لنبي هو بفتح الذال قوله حدثنا هقل بكسر الهاء
واسكان القاف قوله كأذنه هو بفتح الهمزة والذال
وهو مصدر أذن يأذن أذنا كفرح
يفرح فرحا قوله غير أن ابن أيوب قال في روايته كاذنه هكذا هو في رواية ابن أيوب بكسر

79
الهمزة واسكان الذال قال القاضي هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به قوله صلى الله عليه وسلم في أبي موسى الأشعري أعطى مزمارا من مزامير آل داود قال العلماء المراد
بالمزمار هنا الصوت الحسن وأصل الزمر الغناء وآل داود هود داود
نفسه وأل فلان قد يطلق على نفسه وكان داود صلى الله عليه وسلم حسن الصوت جدا قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى
لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود وفي الحديث الذي
بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ورجع في قراءته قال القاضي أجمع العلماء على استحباب
تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها قال أبو عبيد والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على
التحزين والتشويق قال واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها
عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأبحاهما أبو حنيفة وجماعة من السلف
للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية واقبال النفوس على استماعه قلت قال الشافعي
في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس له فيها خلاف
وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص
أو مد غير ممدود وادغام ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير
لموضوع الكلام والله أعلم

80
باب نزول السكينة لقراءة القرآن
قوله وعنده فرس مربوط بشطنين هو بفتح الشين المعجمة والطاء وهما تثنية شطن وهو
الحبل الطويل المضطرب قوله وجعل فرسه ينفر وفي الرواية الثانية فجعلت تنفر وفي الثالثة
غير أنهما قالا ينقز أما الأوليان فبالفاء والراء بلا خلاف وأما الثالثة فبالقاف المضمومة وبالزاي

81
هذا هو المشهور ووقع في بعض نسخ بلادنا في الثالثة ينفز بالفاء والزاي وحكاه القاضي عياض
عن بعضهم وغلطه ومعنى ينقز بالقاف والزاي يثب قوله فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو
فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك السكينة نزلت للقرآن وفي الرواية الأخيرة تلك الملائكة
كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء
المختار منها أنها شئ من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة والله
أعلم وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة
وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة
وحضور الملائكة وفيه فضيلة استماع القرآن قوله صلى الله عليه وسلم اقرأ فلان وفي
الرواية الأخرى اقرأ ثلاث مرات معناه كان ينبغي أن تستمر على القرآن وتغتنم ما حصل
لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها قوله أن عبد الله
ابن خباب حدثه هو بالخاء المعجمة قوله أسيد بن حضير هو بضم الحاء المهملة وفتح
الضاد المعجمة

82
قوله بينما هو قد سبق أن معناه بين أوقاته قوله في مربده هو بكسر الميم وفتح الموحدة وهو الموضع
الذي ييبس فيه التمر كالبيدر للحنطة ونحوها قوله جالت فرسه أي وثبت وقال هنا جالت فأنث
الفرس وفي الرواية السابقة وعنده فرس مربوط فذكره وهما صحيحان والفرس يقع على الذكر والأنثى
باب فضيلة حافظ القرآن
قوله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن إلى آخره ففيه فضيلة حافظ القرآن

83
واستحباب ضرب الأمثال لايضاح المقاصد قوله صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة
الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران وفي الرواية الأخرى
وهو يشتد عليه له أجران السفرة جميع سافر ككاتب وكتبة والسافر الرسول والسفرة الرسل
لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله وقيل السفرة الكتبة والبررة المطيعون من البر وهو
الطاعة والماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه واتقانه
قال القاضي يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا
للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى قال ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم

84
وسالك مسلكهم وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران أجر
بالقراءة وأجر بتتعته في تلاوته ومشقته قال القاضي وغيره من العلماء وليس معناه الذي يتتعتع
عليه له من الأجر أكثر من الماهر به بل الماهر أفضل وأكثر أجرا لأنه مع السفرة وله أجور
كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه واتقانه
وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه والله أعلم
باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه
وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه
قال مسلم حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ان الله أمرني أن أقرأ عليك قال آلله سماني لك قال الله سماك لي فجعل أبي يبكي قال
مسلم حدثنا محمد بن المثني وابن بشار قال محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب ان الله أمرني أن أقرأ عليك يكن الذين
كفروا قال وسماني لك قال نعم قال فبكى قال مسلم حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد يعني

85
ابن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بمثله
هذه الأسانيد الثلاثة رواتها كلهم بصريون وهذا من المستطرفات أن يجتمع ثلاثة أسانيد متصلة
مسلسلون بغير قصد وقد سبق بيان مثله وشعبة واسطي بصرى سبق بيانه مرات وفي الطريق
الثالث فائدة حسنة وهي أن قتادة صرح بالسماع من أنس بخلاف الأوليين وقتادة مدلس فينتفي
أن يخاف من تدليسه بتصريحه بالسماع وقد سبق التنبيه على مثل هذا مرات وفي الحديث فوائد
كثيرة منها استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل وإن كان القارئ أفضل
من المقروء عليه ومنها المنقبة الشريفة لأبي بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم أحد من
الناس شاركه في هذا ومنها منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة ومنها
البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور وأما قوله آلله سماني
لك فيه أنه يجوز أن يكون الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على رجل من أمته ولم
ينص على أبي فأراد أبي أن يتحقق هل نص عليه أو قال على رجل فيؤخذ منه الاستثبات في
المحتملات واختلفوا في الحكمة في قراءته صلى الله عليه وسلم على أبي والمختار أن سببها أن تستن
الأمة بذلك في القراءة على أهل الاتقان والفضل ويتعلموا آداب القراءة ولا يأنف أحد من ذلك
وقيل للتنبيه على جلالة أبي وأهليته لأخذ القرآن عنه وكان بعده صلى الله عليه وسلم رأسا وإمام
في اقراء القرآن وهو أجل ناشرته أو من أجلهم ويتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما تخصيص هذه السورة فلأنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته
والاخلاص وتطهير القلوب وكان الوقت يقتضي الاختصار والله أعلم
باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه
للاستماع والبكاء عن القراءة والتدبر
قال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعا عن حفص قال أبو بكر حدثنا حفص بن

86
غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
اقرأ علي القرآن إلى آخره قال مسلم حدثنا هناد بن السري ومنجاب بن الحارث عن علي بن مسهر
عن الأعمش بهذا قال مسلم وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال أبو أسامة حدثني مسعر
عن عمرو بن مرة عن إبراهيم قال مسلم حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن

87
إبراهيم عن علقمة عن عبد الله هذه الأسانيد الأربعة كلهم كوفيون وهو من الطرق المستحسنة
وجرير رازي كوفي وفيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض الأعمش وإبراهيم النخعي وعبيدة
السلماني بفتح العين وكسر الباء وأيضا الأعمش وإبراهيم وعلقمة وفي حديث ابن مسعود هذا
فوائد منها استحباب استماع القراءة والاصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها واستحباب طلب
القراءة من غيره ليستمع له وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه وفيه تواضع أهل العلم
والفضل ولو مع أتباعهم قوله إن ابن مسعود وجد من الرجل ريح الخمر فحده هذا محمول
على أن ابن مسعود كان له ولاية إقامة الحدود لكونه نائبا للإمام عموما أو في إقامة الحدود أو في
تلك الناحية أو استأذن من له إقامة الحد هناك في ذلك ففوضه إليه ويحمل أيضا على أن الرجل
اعترف بشرب خمر بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها لاحتمال النسيان والاشتباه والإكراه
وغير ذلك هذا مذهبنا ومذهب آخرين قوله وتكذب بالكتاب معناه تنكر بعضه جاهلا
وليس المراد التكذيب الحقيقي فإنه لو كذب حقيقة لكفر وصار مرتدا يجب قتله وقد أجمعوا
على أن من جحد حرفا مجمعا عليه في القرآن فهو كافر تجري عليه أحكام المرتدين والله أعلم

88
فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه
الخلفات بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي
عشار والواحدة خلفه وعشراء قوله صلى الله عليه وسلم يغدو كل يوم إلى بطحان هو بضم الباء
واسكان الطاء موضع بقرب المدينة والكوما من الإبل بفتح الكاف العظيمة السنام
باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة
قوله صلى الله عليه وسلم اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران قالوا سميتا الزهراوين

89
لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة
وشبهها ولا كراهة في ذلك وكرهه بعض المتقدمين وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل
عمران والصواب الأول وبه قال الجمهور لأن المعنى معلوم قوله صلى الله عليه وسلم فإنهما يأتيان
يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان قال أهل اللغة الغمامة والغياية كل شئ أظل الإنسان
فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما قال العلماء المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين قوله صلى الله عليه وسلم أو كأنما فرقان من طير صواف وفي
الرواية الأخرى كأنهما حزقان من طير صاف
الفرقان بكسر الفاء واسكان الراء والحزقان بكسر الحاء المهملة واسكان الزاي ومعناهما واحد وهما

90
قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة قوله عن الوليد بن عبد
الرحمن الجرشي هو بضم الجيم والنواس بن سمعان يقال سمعان بكسر السين وفتحها قوله أو
ظلتان سوداوان بينهما شرق هو بفتح الراء واسكانها أي ضياء ونور وممن حكى فتح الراء واسكانها
القاضي وآخرون والأشهر في الرواية واللغة
باب الاسكان فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة
والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة
قوله أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو قوله عمار بن رزيق براء ثم زاي قوله
سمع نقيضا هو بالقاف والضاد المعجمتين أي صوتا كصوت الباب إذا فتح قوله صلى الله عليه وسلم الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه قيل معناه كفتاه من قيام الليل وقيل

91
من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع
باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي
قوله صلى الله عليه وسلم من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال

92
وفي رواية من آخر الكهف قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم
يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا قوله عن أبي السليل
هو بفتح السين المهملة واسمه ضريب بن نقير بالتصغير فيهما ونقير بالقاف وقيل بالفاء وقيل
نفيل بالفاء واللام قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب ليهنك العلم أبا المنذر فيه منقبة
عظيمة لأبي ودليل على كثرة علمه وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم وجواز مدح الإنسان
في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى
قوله صلى الله عليه وسلم أي آية من كتاب الله معك أعظم قلت لا إله إلا هو الحي القيوم
قال القاضي عياض فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض وتفضيله على سائر
كتب الله تعالى قال وفيه خلاف للعلماء فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني
وجماعة من الفقهاء والعلماء لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول وليس في كلام الله نقص
به وتأول هؤلاء ما ورد من اطلاق أعظم وأفضل في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم وفاضل

93
وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا وهو راجع إلى عظم أجر
قارئ ذلك وجزيل ثوابه والمختار جواز قول هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل بمعنى أن
الثواب المتعلق بها أكثر وهو معنى الحديث والله أعلم قال العلماء إنما تميزت آية الكرسي
بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفا ت من الإلهية والوحدانية والحياة
والعلم والملك والقدرة والإرادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله أعلم
باب فضل قراءة قل هو الله أحد
قوله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وفي الرواية الأخرى ان الله
جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن قال القاضي قال المازري
قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقل هو الله أحد

94
متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر
ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف قوله صلى الله عليه وسلم احشدوا أي اجتمعوا
قوله صلى الله عليه وسلم في الذي قال في قل هو الله أحد لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن
أقرأ بها أخبروه أن الله يحبه قال المازري محبة الله تعالى لعباده إرادة ثوابهم وتنعيمهم وقيل

95
محبته لهم نفس الإثابة والتنعيم لا الإرادة قال القاضي وأما محبتهم له سبحانه فلا يبعد فيها الميل
منهم إليه سبحانه وهو متقدس على الميل قال وقيل محبتهم له استقامتهم على طاعته وقيل الاستقامة
ثمرة المحبة وحقيقة المحبة له ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه وتعالى المحبة من جميع وجوهها
باب فضل قراءة المعوذتين
قوله صلى الله عليه وسلم ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل
أعوذ برب الناس فيه بيان عظم فضل هاتين السورتين وقد سبق قريبا الخلاف في اطلاق
تفضيل بعض القرآن على بعض وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن ورد على من نسب إلى
ابن مسعود خلاف هذا وفيه أن لفظة قل من القرآن ثابتة من أول السورتين بعد البسملة وقد
أجمعت الأمة على هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى أنزل أو أنزلت على
آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين ضبطنا نر بالنون المفتوحة وبالياء المضمومة وكلاهما صحيح
قوله صلى الله عليه وسلم المعوذتين هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو منصوب بفعل

96
محذوف أي أعني المعوذتين وهو بكسر الواو
باب فضل من يقول بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمه
من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها
قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي
فالحقيقي تمنى زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما
المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت
من أمور الدنيا كانت مباحة وان كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في
هاتين الخصلتين وما في معناهما قوله صلى الله عليه وسلم آناء الليل والنهار أي ساعاته وواحده

97
الآن وأنا واني وانو أربع لغات قوله صلى الله عليه وسلم فسلطه على هلكته في الحق أي انفاقه
في الطاعات قوله صلى الله عليه وسلم ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها يعلمها معناه يعمل بها
ويعلمها احتسابا والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح
باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه
قوله ثم لببته بردائه هو بتشديد الباء الأولى معناه أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجررته به

98
مأخوذ من اللبة بفتح اللام لأنه يقبض عليها وفي هذا بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن
والذب عنه والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما يجوزه العربية وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بارساله فلانه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره ولأن عمر إنما نسبه إلى
مخالفته في القراءة والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر ولأنه
إذا قرأ وهو يلبث لم يتمكن من حضور البال وتحقيق القراءة تمكن المطلق قوله صلى الله عليه وسلم ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه قال العلماء سبب انزاله
على سبعة التخفيف والتسهيل ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هون على أمتي كما صرح به في
الرواية الأخرى واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف قال القاضي عياض قيل هو توسعة
وتسهيل لم يقصد به الحصر قال وقال الأكثرون هو حصر للعدد في سبعة ثم قيل هي سبعة في
المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي
ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة وقال آخرون هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من ادغام
واظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد لان العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله تعالى
عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه وقال آخرون هي الألفاظ والحروف
وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب ثم اختلف هؤلاء فقيل سبع قراءات وأوجه
وقال أبو عبيد سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها وقيل بل السبعة كلها
لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة وقيل بل هي مجتمعة في بعض

99
الكلمات كقوله تعالى وعبد الطاغوت ونلعب بين أسفارنا وبعذاب بئيس وغير
ذلك وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأمة وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف
وأخبروا بصحتها وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة
وألفاظها أخر وليست متضاربة ولا متنافية وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت
في أول الأمر خاصة للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة فلما كثر
الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة قال الداودي وهذه القراءات
السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل تكون مفرقة فيها
وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة
المذكورة في الحديث وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف وهذا ذكره النحاس وغيره قال غيره
ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في الحديث في ختمة واحدة ولا يدري أي هذه القراءات كان
آخر العرض على النبي صلى الله عليه وسلم وكلها مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ضبطها
عنه الأمة وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابة أي إنه كان أكثر قراءة به كما
أضيف كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم قال المازري وأما قول من
قال المراد سبعة معاني مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار
إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وابدال حرف بحرف وقد تقرر اجماع المسلمين أنه
يحرم ابدال آية أمثال بآية أحكام وقول من قال المراد خواتيم الآي فيجعل مكان غفور
رحيم سميع بصير فاسد أيضا للإجماع
على منع تغيير القرآن للناس هذا مختصرها نقله
القاضي عياض في المسألة والله أعلم قوله فكدت أساوره بالسين المهملة أي أعاجله

100
وأواثبه قوله صلى الله عليه وسلم أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل
أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف معناه لم أزل أطلب منه أن يطلب من
الله الزيادة في الحرف للتوسعة والتخفيف ويسأل جبريل ربه سبحانه وتعالى فيزيده حتى
انتهى إلى السبعة قوله عن أبي بن كعب فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأن المختلفين

101
في القراءة قال فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية معناه وسوس لي الشيطان
تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية لأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا فوسوس
له الشيطان الجزم بالتكذيب قال القاضي عياض معنى قوله سقط في نفسي أنه اعترته حيرة
ودهشة قال وقوله ولا إذ كنت في الجاهلية معناه أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيبا لم يعتقده
قال وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها قال القاضي قال المازري معنى هذا أنه وقع
في نفس أبي بن كعب نزعة من الشيطان غير مستقرة ثم زالت في الحال حين ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدره ففاض عرقا قوله فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد
غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما انظر إلى الله عز وجل فرقا قال القاضي
ضربه صلى الله عليه وسلم في صدرته تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم قال ويقال
فضت عرقا وفصت بالضاد المعجمة والصاد المهملة قال وروايتنا هنا بالمعجمة قلت وكذا
هو في معظم أصول بلادنا وفي بعضها بالمهملة قوله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أن اقرأ
على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلى الثانية أن اقرأ على حرف فرددت إليه
أن هون على أمتي فرد إلى الثالثة اقرأه على سبعة أحرف هكذا وقعت هذه الرواية الأولى
في معظم الأصول ووقع في بعضها زيادة قال أرسل إلى أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه
ان هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلى الثالثة
اقرأه على سبعة أحرف ووقع في الطريق الذي بعد هذا من رواية ابن أبي شيبة أن قال اقرأه
على حر ف وفي المرة الثانية على حرفين وفي الثالثة على ثلاثة وفي الرابعة على سبعة هذا
مما يشكل معناه والجمع بين الروايتين وأقرب ما يقال فيه أن قوله في الرواية الأولى فرد إلى
الثالثة المراد بالثالثة الأخيرة وهي الرابعة فسماها ثالثة مجازا وحملنا على هذا التأويل تصريحه

102
في الرواية الثانية أن الأحرف السبعة إنما كانت في المرة الرابعة وهي الأخيرة ويكون قد حذف
في الرواية الأولى أيضا بعض المرات قوله تعالى ولك بكل ردة رددتها وفي بعض النسخ رددتكها
هذا يدل على أنه سقط في الرواية الأولى ذكر بعض الردات الثالث وقد جاءت مبينة في الرواية
الثانية قوله سبحانه وتعالى ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها معناه مسألة مجابة قطعا
وأما باقي الدعوات فمرجوة ليست قطعية الإجابة وقد سبق بيان هذا الشرح في كتاب الإيمان

103
قوله عند أضاة بني غفار هي بفتح الهمزة وبضاد معجمة مقصورة وهي الماء المستنقع كالغدير
وجمعها اضا كحصاة وحصا وأضاء بكسر الهمزة والمد كأكمة واكام قوله إن الله يأمرك أن تقرأ
أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤا عليه فقد أصابوا معناه لا يتجاوز أمتك سبعة أحرف
ولهم الخيار في السبعة ويجب عليهم نقل السبعة إلى من بعدهم بالتخير فيها وانها لا تتجاوز والله أعلم
باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الافراط
في السرعة وإباحة سورتين فأكثر في ركعة
ذكر في الاسناد الأول ابن أبي شيبة وابن نمير عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود
وفي الثاني أبا كريب عن أبي معاوية عن الأعمش هذان الاسنادان كوفيون قوله للذي
سأل ابن مسعود عن آسن كل القرآن قد أحصيت غير هذا الحرف هذا محمول على أنه فهم
منه أنه غير مسترشد في سؤاله إذ لو كان مسترشدا لوجب جوابه وهذا ليس بجواب قوله
اني لأقرأ المفصل في ركعة فقال ابن مسعود هذا كهذا الشعر معناه ان الرجل أخبر بكثرة

104
حفظه واتقانه فقال ابن مسعود تهذه هذا وهو بتشديد الذال وهو شدة الاسراع والافراط
في العجلة ففيه النهي عن الهذ والحث على الترتيل والتدبر وبه قال جمهور العلماء قال القاضي
وأباحت طائفة قليلة الهذ قوله كهذ الشعر معناه في تحفظه وروايته لا في اسناده وترنمه
لأنه يرتل في الانشاد والترنم في العادة قوله إن أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع معناه أن قوما ليس حظهم من القرآن الا مروره
على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره
بوقوعه في القلب قوله إن أفضل الصلاة الركوع والسجود هذا مذهب ابن مسعود رضي
الله عنه وقد سبق في قول النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت وفي قوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة قوله لأعلم
النظائر التي كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في ركعة وفسرها فقال
عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تأليف عبد الله قال القاضي هذا صحيح موافق
لرواية عائشة وابن عباس أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان احدى
عشرة ركعة بالوتر
وأن هذا كان قدر قراءته غالبا وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل وما ورد من

105
غير ذلك في قراءته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر من الأوقات وقد جاء بيان هذه
السور العشرين في رواية في سنن أبي داود الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة سقط وويل
للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم
والمرسلات في ركعة والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة وسمى مفصلا لقصر سوره

106
وقرب انفصال بعضهن من بعض قوله في الرواية الأخرى ثمانية عشر من المفصل
وسورتين من آل حم دليل على أن المفصل ما بعد آل حم وقوله في الرواية الأولى عشرون من
المفصل وقوله هنا ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم لا تعارض فيه لأن مراده
في الأولى معظم العشرين من المفصل قال العلماء أول القرآن السبع الطوال ثم ذوات المئين
وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها ثم المثاني ثم المفصل وقد سبق بيان الخلاف في أول المفصل
فقيل من القتال وقيل من الحجرات وقيل من ق قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرن بينهن هو بضم الراء وفيه جواز سورتين في ركعة قوله فمكثنا بالباب هنية هو
بتشديد الياء غير مهموز وقد سبق بيانه واضحا في باب ما يقال في افتتاح الصلاة قوله
ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم فقلنا لا إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم فقال ظننتم
بآل ابن أم عبد غفلة معناه لا مانع لنا إلا أن توهمنا أن بعض أهل البيت نائم فنزعجه ومعنى
قولهم ظننا توهمنا وجوزنا لا أنهم أرادوا الظن المعروف للأصوليين وهو رجحان الاعتقاد
وفي هذا الحديث مراعاة الرجل لأهل بيته ورعيته في أمور دينهم قوله انظري هل طلعت
الشمس فيه قبول خبر الواحد وخبر المرأة والعمل بالظن مع إمكان اليقين لأنه عمل بقولها
وهو مفيد للظن مع قدرته على رؤية الشمس قوله ثمانية عشر من المفصل هكذا هو في
الأصول المشهورة ثمانية عشر وفي نادر منها ثمان عشرة والأول صحيح أيضا على تقدير
ثمانية عشر نظيرا قوله وسورتين من آل حم يعني من السور التي أولها حم كقولك فلان
من آل فلان قال القاضي ويجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال في الحديث من مزامير
آل داود أي داود نفسه

107
ما يتعلق بالقراءات
قوله يقول مدكر أدالا يعني بالمهملة وأصله مذتكر فأبدت التاء دالا مهملة ثم أدغمت
المعجمة في المهملة فصار النطق بدال مهملة قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب
واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة هذا اسناد كوفي

108
كله وفيه ثلاثة تابعيون الأعمش وإبراهيم وعلقمة قوله عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء
أنهما قرآ والذكر والأنثى قال القاضي قال المازري يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في
معناه أن ذلك كان قرآنا ثم نسخ ولم يعلم من خالف النسخ فبقي على النسخ قال ولعل هذا
وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ وأما
بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه وأما ابن مسعود فرويت عنه
روايات كثيرة منها ما ليس بثابت عند أهل النقل وما ثبت منها مخالفا لما قلناه فهو محمول
على أنه كان يكتب في مصحفه بعض الأحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن وكان لا يتعقد
تحريم ذلك وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما يشاء وكان رأى عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول
الزمان ويظن ذلك قرآنا قال المازري فعاد الخلاف إلى مسألة فقهية وهي أنه هل يجوز الحاق
بعض التفاسير في أثناء المصحف قال ويحتمل ما روى من اسقاط المعوذتين من مصحف ابن
مسعود أنه اعتقد أنه لا يلزمه كتب كل القرآن وكتب ما سواهما وتركهما لشهرتهما عنده وعند
الناس والله أعلم قوله فقام إلى حلقة هي باسكان اللام في اللغة المشهورة قال الجوهري
وغيره ويقال في لغة رديئة بفتحها وله فعرفت فيه تحوش القوم هو بمثناة في أوله

109
مفتوحة وحاء مهملة وواو مشددة وشين معجمة أي انقباضهم قال القاضي ويحتمل أن يريد
الفطنة والذكاء يقال رجل حوشى الفؤاد أي حديده
باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها
في أحاديث الباب نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد
الصبح حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع وعند استوائها حتى تزول وعند اصفرارها
حتى تغرب وأجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذا الأوقات واتفقوا على جواز
الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة
والشكر وصلاة العيد والكسوف وفي صلاة الجنازة وقضاء الفوائت ومذهب الشافعي وطائفة
جواز ذلك كله بلا كراهة ومذهب أبي حنيفة وآخرين أنه داخل في النهى لعموم الأحاديث

110
واحتج الشافعي وموافقوه بأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر
وهذا صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى وكذا الجنازة هذا
مختصر ما يتعلق بجملة أحكام الباب وفيه فروع ودقائق سننبه على بعضها في مواضعها من
أحاديث الباب إن شاء الله تعالى قوله حتى تشرق الشمس ضبطناه بضم التاء وكسر الراء
وهكذا أشار إليه القاضي عيا ض في شرح مسلم وضبطناه أيضا بفتح التاء وضم الراء وهو الذي
ضبطه أكثر رواة بلادنا وهو الذي ذكره القاضي عياض في المشارق قال أهل اللغة يقال
شرقت الشمس تشرق أي طلعت على وزن طلعت تطلع وغربت تغرب ويقال شرقت تشرق
أي ارتفعت وأضاءت ومنه قوله تعالى الأرض بنور ربها أي أضاءت فمن فتح التاء
هنا احتج بان باقي الروايات قبل هذه الرواية وبعدها حتى تطلع الشمس فوجب حمل هذه على
موافقتها ومن قال بضم التاء احتج له القاضي بالأحاديث الأخر في النهى عن الصلاة عند طلوع
الشمس والنهي عن الصلاة إذا بدا حاجب الشمس حتى تبرز وحديث ثلاث ساعات حتى تطلع
الشمس بازغة حتى ترتفع قال وهذا كله يبين أن المراد بالطلوع في الروايات الأخر ارتفاعها
واشراقها واضاءتها لا مجرد ظهور قرصها وهذا الذي قاله القاضي صحيح متعين لا عدول عنده

111
للجمع بين الروايات قوله صلى الله عليه وسلم لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها
فإنها تطلع بقرني شيطان هكذا هو في الأصول بقرني شيطان في حديث ابن عمر وفي حديث
عمرو بن عبسة بين قرني شيطان قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه وقيل قوته وغلبته
وانتشار فساده وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره وهذا هو الأقوى قالوا ومعناه أنه
يدنى رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في
الصورة وحينئذ يكون له ولبنيه تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا
على المصلين صلاتهم
فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان وفي رواية
لأبي داود والنسائي في حديث عمرو بن عبسة فإنها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار
وفي بعض أصول مسلم في حديث ابن عمر هنا بقرني الشيطان بالألف واللام وسمى شيطانا
لتمرده وعتوه وكل مارد عات شيطان والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير

112
والرحمة وقيل مشتق من شاط إذا هلك واحترق قوله صلى الله عليه وسلم إذا بدا حاجب
الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز لفظة بدا هنا غير مهموزة معناه ظهر وحاجبها طرفها
وتبرز بالتاء المثناة فوق أي حتى تصير الشمس بارزة ظاهرة والمراد ترتفع كما سبق تقريره قوله
عن خير بن نعيم هو بالخاء المعجمة قوله عن ابن هبيرة هو عبد الله بن هبيرة
الحضرمي المصري وقد سماه في الرواية الثانية قوله عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة
أما بصرة فبالموحدة والصاد المهملة والجيشاني بفتح الجيم واسكان الياء وبالشين المعجمة منسوب
إلى جيشان قبيلة معروفة من اليمن واسم أبي تميم عبد الله بن مالك قوله صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص هو بميم مضمومة وخاء معجمة ثم بميم مفتوحة وهو
موضع معروف قوله صلى الله عليه وسلم ان هذه الصلاة عرضت على من قبلكم فضيعوها
فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين فيه فضيلة العصر وشدة الحث عليها

113
قوله عن موسى بن علي هو بضم العين على المشهور ويقال بفتحها وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي
قوله أو نقبر فيهن موتانا هو بضم الموحدة وكسرها لغتان قوله تضيف للغروب هو
بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل قوله حين يقوم قائم الظهيرة الظهيرة
حال استواء الشمس ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب
قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا قال بعضهم
أن المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالاجماع
فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الاجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه
الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين كما سبق
في الحديث الصحيح قام فنقرها أربعا فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره
قوله وحدثنا أحمد بن جعفر المعقري هو بفتح الميم واسكان العين المهملة وكسر القاف

114
منسوب إلى معقر وهي ناحية باليمن قوله جراء عليه قومه هكذا هو في جميع الأصول جراء
بالجيم المضمومة جمع جرئ بالهمز من الجرأة وهي الاقدام والتسلط وذكره الحميدي في الجمع بين
الصحيحين حراء بالحاء المهملة المكسورة ومعناه غضاب ذو وغم قد عيل صبرهم به حتى أثر في
أجسامهم من قولهم حري جسمه يحرى كضرب يضرب إذا نقص من ألم وغيره والصحيح أنه
بالجيم قوله فقلت له ما أنت هكذا هو في الأصول ما أنت وإنما قال ما أنت ولم يقل من
أنت لأنه سأله عن صفت لا عن ذاته والصفات مما لا يعقل قوله صلى الله عليه وسلم أرسلني
بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شئ هذا فيه دلالة ظاهرة على الحث
على صلة الأرحام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرنها بالتوحيد ولم يذكر له حزبات الأمور وإنما
ذكر مهمها وبدأ بالصلة وقوله ومعه يومئذ أبو بكر وبلال دليل على فضلهما وقد يحتج به
من قال أنهما أول من أسلم قوله فقلت اني متبعك قال إنك لا تستطيع ذلك يومك
هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني معناه

115
قلت له إني متبعك على اظهار الاسلام هنا وإقامتي معك فقال لا تستطيع ذلك لضعف شوكة
المسلمين ونخاف عليك من أذى كفار قريش ولكن قد حصل أجرك فابق على اسلامك وارجع
إلى قومك واستمر على الاسلام في موضعك حتى تعلمني ظهرت فأتني وفيه معجزة للنبوة وهي
اعلامه بأنه سيظهر قوله فقلت يا رسول الله أتعرفني قال نعم أنت الذي لقيتني بمكة فقلت
بلى فيه صحة الجواب ببلى وان لم يكن قبلها نفي وصحة الاقرار بها وهو الصحيح في مذهبنا وشرط
بعض أصحابنا أن يتقدمها نفي قوله فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله هكذا هو
عما علمك وهو صحيح ومعناه اخبرني عن حكمة وصفته وبينه لي قوله صلى الله عليه وسلم
صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فيه أن النهى عن
الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس الطلوع بل لا بد من الارتفاع وقد سبق بيانه قوله صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة مشهودة محضورة أي تحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول
وحصول الرحمة قوله صلى الله عليه وسلم حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإن
حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة معنى يستقل الظل بالرمح
أي يقوم مقابله في جهة الشمال ليس مائلا إلى المغرب ولا إلى المشرق وهذه حالة الاستواء وفي

116
الحديث التصريح بالنهي عن الصلاة حينئذ حتى تزول الشمس وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء
واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة وللقاضي عياض رحمه الله في هذا الموضع كلام عجيب
في تفسير الحديث ومذاهب العلماء نبهت عليه لئلا يغتر به ومعنى تسجر جهم توقد عليها ايقادا بليغا
واختلف أهل العربية هل جهنم اسم عربي أم عجمي فقيل عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة
المنظر وقيل من قولهم بئر جهام أي عميقة فعلى هذا لم تصرف للعلمية والتأنيث وقال الأكثرون
هي عجمية معربة وامتنع صرفها للعلمية والعجمة قوله صلى الله عليه وسلم فإذا أقبل الفئ
فصل فان الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة معنى أقبل الفئ
ظهر إلى جهة المشرق والفئ مختص بما بعد الزوال وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده
وفيه كلام نفيس بسطته في تهذيب الأسماء قوله صلى الله عليه وسلم حتى تصلي العصر فيه
دليل على أن النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير الانسان وإنما يكره لكل
انسان بعد صلاة العصر حتى لو أخر عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها قوله صلى الله عليه وسلم يقرب وضوءه هو بضم الياء وفتح القاف وكسر الراء المشددة أي يدنيه والوضوء
هنا بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به قوله صلى الله عليه وسلم ويستنشق فينتثر
أي يخرج الذي في أنفه يقال نثر وانتثر واستنثر مشتق من النثرة وهي الأنف وقيل طرفه
وقد سبق بيانه في الطهارة قوله صلى الله عليه وسلم إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه
هكذا ضبطناه خرت بالخاء المعجمة وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر
فرواه جرت بالجيم ومعنى خرت بالخاء أي سقطت ومعنى جرت ظاهر والمراد بالخطايا الصغائر
كما سبق في كتاب الطهارة ما اجتنبت الكبائر
والخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الانف وقيل
الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم

117
ثم يغسل قدميه فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن الواجب غسل الرجلين وقال الشيعة
الواجب مسحهما وقال ابن جرير هو مخير وقال بعض الظاهرية يجب الغسل والمسح قوله
لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبع مرات
ما حدثت به أبدا ولكني سمعته أكثر من ذلك هذا الكلام قد يستشكل من حيث أن ظاهره
أنه لا يرى التحديث إلا بما سمعه أكثر من سبع مرات ومعلوم أن من سمع مرة واحدة
جاز له الرواية بل تجب عليه إذا تعين لها وجوابه أن معناه لو لم أتحققه وأجزم به لما حدثت
به وذكر المرات بيانا لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط والله أعلم

118
قولها وهم عمر تعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في روايته النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقا وإنما
نهى عن التحري قال القاضي إنما قالت عائشة هذا لما روته من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين
بعد العصر قال وما رواه عمر قد رواه أبو سعيد وأبو هريرة وقد قال ابن عباس في مسلم أنه
أخبره به غير واحد قلت ويجمع بين الروايتين فرواية التحري محمولة على تأخير الفريضة إلى
هذا الوقت ورواية النهي مطلقا محمولة على غير ذوات الأسباب قوله قال ابن عباس وكنت
أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها هكذا وقع في بعض الأصول أضرب الناس عليها وفي
بعض أصرف الناس عنها وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم
عنها في وقت من غير ضرب أو يصرفهم مع الضرب ولعله كان يضرب من بلغه النهى ويصرف

119
من لم يبلغه من غير ضرب وقد جاء في غير مسلم أنه كان يضرب عليها بالدرة وفيه احتياط الإمام
لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليهما قوله قال كريب فدخلت عليها
وبلغتها ما أرسلوني به فقالت سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة
هذا فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن
يرشد إليه إذا أمكنه وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجته
وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة لأنهم
إنما أرسلوه إلى عائشة فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولا للجماعة يستقل بالذهاب حتى
رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها قولها وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار قد سبق
مرات أن بنى حرام بالراء وأن حراما في الأنصار وحزاما بالزاي في قريش قولها فأرسلت إليه
الجارية فيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قولها فقولي له تقول أم سلمة إنما قالت عن نفسها
تقول أم سلمة فكنت
نفسها ولم تقل هند باسمها لأنها معروفة بكنيتها ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية إذا
لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبا إلا بها وكنيت بأبيها سلمة بن أبي سلمة وكان
صحابيا وقد ذكرت أحواله في ترجمتها من تهذيب الأسماء قولها إني أسمعك تنهي عن هاتين
الركعتين وأراك تصليهما معنى أسمعك سمعتك في الماضي وهو من اطلاق لفظ المضارع لإرادة
الماضي كقوله تعالى قد نرى تقلب وجهك وفي هذا الكلام أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئا

120
يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه فإن كان ناسيا رجع عنه وإن كان
عامدا وله معنى مخصص عرفه التابع واستفادة وإن كان مخصوصا بحال يعلمها ولم يتجاوزها وفيه
مع هذه الفوائد فائدة أخرى وهي أنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن لسئ بتعارض الأفعال
أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد قولها فأشار بيده فيه أن إشارة المصلى بيده
ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم انه أتاني ناس من عبد
القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان فيه فوائد منها
اثبات سنة الظهر بعدها ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها وهو الصحيح عندنا
ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهى وإنما يكره ما لا سبب لها وهذا الحديث هو
عمدة أصحابنا في المسألة وليس لنا أصح دلالة منه ودلالته ظاهرة فإن قيل فقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولا يقولون بهذا قلنا لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره أحدهما القول به فمن
دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهى كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت الثاني
وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحصل
الدلالة بفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول فإن قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم
قلنا الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به بل هنا دلاة ظاهرة
على عدم التخصيص وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي
وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء ومن فوائده أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا
ومذهب الجمهور وقد سقت المسألة ومنها أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدئ بأهمها ولهذا

121
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحديث القوم في الإسلام وترك سنة الظهر حتى فات وقتها لأن الاشتغال
بارشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم قولها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين
بعد العصر عندي قط يعني بعد يوم وفد عبد القيس قوله سألت عائشة عن السجدتين
اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر ثم
أنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر هذا الحديث ظاهر في أن المراد بالسجدتين
ركعتان هما سنة العصر قبلها وقال القاضي ينبغي أن تحمل على سنة الظهر كما في حديث أم سلمة
ليتفق الحديثان وسنة الظهر تصح تسميتها أنها قبل العصر

122
باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب
فيه حديث صلاتهم ركعتين بعد الغروب وقبل صلاة المغرب وفي رواية أنهم كانوا يصلونها
بعد الأذان وفي الحديث الآخر بين كل أذانين صلاة المراد بالأذانين الأذان والإقامة وفي
هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب وفي المسألة وجهان لأصحابنا
أشهرهما لا يستحب وأصحهما عند المحققين يستحب لهذه الأحاديث وفي المسألة مذهبان للسلف
واستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين من المتأخرين أحمد واسحق ولم يستحبهما أبو بكر
وعمر وعثمان وعلى وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر الفقهاء وقال النخعي هي بدعة وحجة
هؤلاء أن استحبابهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلا وزعم بعضهم في جواب هذه

123
- الأحاديث أنها منسوخة والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وفي صحيح
البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل
المغرب قال في الثالثة لمن شاء وأما قوله يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا
يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها وأما من زعم النسخ فهو
مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ
وليس هنا شئ من ذلك والله أعلم
باب صلاة الخوف
ذكر مسلم رحمه الله في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة للعدو ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم وجاء

124
أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة وبهذا الحديث أخذ الأوزاعي
وأشهب مالكي وهو جائز عند الشافعي ثم قيل إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا وقيل متفرقين
وهو الصحيح الثاني حديث ابن أبي حثمة بنحوه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالطائفة
الأولى ركعة وثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاء الآخرون
فصلى بهم ركعة ثم ثبت جالسا حتى أتموا ركعتهم ثم سلم بهم وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو ثور
وغيرهم وذكر عنه أبو داود في سننه صفة أخرى أنه
صفهم صفين فصلى بمن يليه ركعة ثم ثبت
قائما حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد
حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم وفي رواية سلم بهم جميعا الحديث الثالث حديث جابر أن

125
النبي صلى الله عليه وسلم صفهم صفين خلفه والعدو بينهم وبين القبلة وركع بالجميع وسجد معه
الصف المؤخر وقاموا ثم تقدموا وتأخر الذي يليه وقام المؤخر في نحر العدو فلما قضى السجود
سجد الصف المقدم وذكر في الركعة الثانية نحوه وحديث ابن عباس نحو حديث جابر لكن ليس
فيه تقدم الصف وتأخر الآخر وبهذا الحديث قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف إذا كان
العدو في جهة القبلة ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في رواية جابر
ويجوز بقاؤهما على حالهما كما هو ظاهر حديث ابن عباس الحديث الرابع حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى بكل طائفة ركعتين وفي سنن أبي داود وغيره من رواية أبي بكرة أنه
صلى بكل طائفة ركعتين وسلم فكانت الطائفة الثانية مفترضين خلف متنفل وبهذا قال الشافعي
وحكوه عن الحسن البصري وادعى الطحاوي أنه منسوخ ولا تقبل دعواه إذ لا دليل لنسخه
فهذه ستة أوجه في صلاة الخوف وروى ابن مسعود وأبو هريرة وجها سابعا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعة وانصرفوا ولم يسلموا ووقفوا بإزاء العدو وجاء الآخرون فصلى
بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعتهم ثم سلموا وذهبوا فقاموا مقام أولئك ورجع أولئك فصلوا
لأنفسهم ركعة ثم سلم وبهذا أخذ أبو حنيفة وقد روى أبو داود وغيره وجوها أخر في صلاة
الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها وذكر ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلاها في عشرة مواطن والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها وفيها تفصيل وتفريع
مشهور في كتب الفقه قال الخطابي صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام
مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة فهي على اختلاف
صورها متفقة المعنى ثم مذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت إلا
أبا يوسف والمزني فقالا لا تشرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى كنت فيهم
فأقمت لهم الصلاة واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم
وليس المراد بالآية تخصيصه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما

126
رأيتموني أصلي قوله وقام الصف المؤخر في نحر العدو أي في مقابلته ونحر كل شي أوله
قوله في رواية أبي الزبير عن جابر ثم سجد وسجد معه الصف الأول هكذا وقع في بعض

127
النسخ الصف الأول ولم يقع في أكثرها ذكر الأول والمراد الصف القدم الآن قوله صالح
ابن خوات هو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو قوله ذات الرقاع هي غزوة معروفة
كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت
من الحفاء فلفوا عليها الخرق هذا هو الصحيح في سبب تسميتها وقد ثبت هذا في الصحيح عن
أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقيل سميت لجبل هناك يقال له الرقاع لأن فيه بياضا وحمرة
وسوادا وقيل سميت بشجرة هناك يقال لها ذات الرقاع وقيل لأن المسلمين رقعوا راياتهم ويحتمل
أن هذه الأمور كلها وجدت فيها وشرعت صلاة الخوف في غزوة خلاف الرقاع وقيل
في غزوة بني النضر قوله في حديث يحيى بن يحيى أن طائفة صفت معه هكذا هو

128
في أكثر النسخ وفي بعضها صلت معه وهما صحيحان قوله وطائفة وجاه العدو هو بكسر
الواو وضمها يقال وجاهه وتجاهه أي قبالته والطائفة الفرقة والقطعة من الشئ تقع على القليل
والكثير لكن قال الشافعي أكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقل من ثلاثة فينبغي
أن تكون الطائفة التي مع الإمام ثلاثة فأكثر والذين في وجه العدو كذلك واستدل بقول الله
تعالى أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا إلى آخر الآية فأعاد على كمل طائفة ضمير الجمع
وأقل الجمع ثلاثة على المشهور قوله شجرة ظليلة أي
ذات ظل قوله فأخذ السيف
فاخترطه أي سله قوله فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين
فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين معناه صلى بالطائفة

129
الأولى ركعتين وسلم وسلموا وبالثانية كذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم متنفلا في
الثانية وهم مفترضون به الشافعي وأصحابه على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل والله أعلم
كتاب الجمعة
يقال بضم الميم واسكانها وفتحها حكاهن الفراء والواحدي وغيرهما ووجهوا الفتح بأنها تجمع
الناس ويكثرون فيها كما يقال همزة ولمزة لكثرة الهمز واللمز ونحو ذلك سميت جمعة لاجتماع
الناس فيها وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى العروبة قوله صلى الله عليه وسلم إذا أراد

130
أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل وفي رواية من جاء منكم الجمعة فليغتسل وهذه الثانية محمولة

131
على الأول معناها من أراد المجئ فليغتسل وفي الحديث الآخر بعده غسل الجمعة واجب

132
على كل محتلم وأراد بالمحتلم البالغ وفي الحديث الآخر حق لله على كل مسلم أن يغتسل في
كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده وفي الحديث الآخر لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا وفي
رواية لو اغتسلتم يوم الجمعة واختلف العلماء في غسل الجمعة فحكى وجوبه عن طائفة من السلف
حكوه عن بعض الصحابة وبه قال أهل الظاهر وحكاه ابن المنذر عن مالك وحكاه الخطابي
عن الحسن البصري ومالك وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه
سنة مستحبة ليس بواجب قال القاضي وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه واحتج من
أوجبه بظواهر هذه الأحاديث واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة منها حديث الرجل الذي دخل
وعمر يخطب وقد ترك الغسل وقد ذكره مسلم وهذا الرجل هو عثمان بن عفان جاء مبينا في
الرواية الأخرى ووجه الدلالة أن عثمان فعله وأقره عمر وحاضروا الجمعة وهم أهل الحل
والعقد ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه ومنها قوله صلى الله عليه وسلم من توضأ فبها ونعمت
ومن اغتسل فالغسل أفضل حديث حسن في السنن مشهور وفيه دليل على أنه ليس بواجب
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لو اغتسلتم يوم الجمعة وهذا اللفظ
يقتضي أنه ليس
بواجب لأن تقديره لكان أفضل وأكمل ونحو هذا من العبادات وأجابوا عن الأحاديث

133
الواردة في الأمر به أنها محمولة على الندب جمعا بين الأحاديث وقوله صلى الله عليه وسلم واجب
على كل محتلم أي متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه حقك واجب على أي متأكد لا أن
المراد الواجب المحتم المعاقب عليه قوله وهو قائم على المنبر فيه استحباب المنبر للخطبة
فإن تعذر فليكن على موضع عال ليبلغ صوته جميعهم ولينفرد فيكون أوقع في النفوس وفيه أن
الخطيب يكون قائما وسمى منبرا لارتفاعه من النبر وهو الارتفاع قوله أية ساعة هذه
قاله توبيخا له وانكارا لتأخره إلى هذا الوقت فيه تفقد الامام رعيته وأمرهم بمصالح دينهم
والانكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر وفيه جواز الانكار على الكبار في مجمع
من الناس وفيه جواز الكلام في الخطبة قوله شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء
فلم أزد على أن توضأت فيه الاعتذار إلى ولاة الأمور وغيرهم وفيه إباحة الشغل والتصرف يوم
الجمعة قبل النداء وفيه إشارة إلى أنه إنما ترك الغسل لأنه يستحب فرأى اشتغاله بقصد الجمعة
أولى من أن يجلس للغسل بعد النداء ولهذا لم يأمره عمر بالرجوع للغسل قوله سمعت النداء
هو بكسر النون وضمها والكسر أشهر قوله والوضوء أيضا هو منصوب أي وتوضأت الوضوء
فقط قاله الأزهري وغيره قوله ينتابون الجمعة أي يأتونها قوله من العوالي هي القرى التي حول
المدينة قوله فيأتون في العباء هو بالمد جمع عباءة بالمد وعباية بزيادة ياء لغتان مشهورتان قوله
ولم يكن لهم كفاة هو بضم الكاف جمع كاف كقاض وقضاة وهم الخدم الذين يكفونهم العمل
قوله لهم تفل هو بتاء مثناة فوق ثم فاء مفتوحتين أن رائحة كريهة قوله صلى الله عليه وسلم
للذين جاؤوا ولهم الريح الكريهة لو اغتسلتم فيه أنه يندب لمن أراد المسجد أو مجالسة الناس
أن يجتنب الريح الكريهة في بدنه وثوبه قوله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل وغسل
الجمعة واجب على كل محتلم فالحديث الأول ظاهر في أن الغسل مشروع
لكل من أراد الجمعة من الرجال سواء البالغ والصبي المميز والثاني صريح في البالغ وفي أحاديث
أخر ألفاظ تقتضي دخول النساء كحديث ومن اغتسل فالغسل أفضل فيقال في الجمع بين
الأحاديث أن الغسل يستحب لكل مريد الجمعة ومتأكد في حق الذكور أكثر من النساء
لأنه في حقهن قريب من الطيب ومتأكد في حق البالغين أكثر من الصبيان ومذهبنا المشهور
أنه يستحب لكل مريد لها وفي وجه لأصحابنا يستحب للذكور خاصة وفي وجه يستحب لمن

134
يلزمه الجمعة دون النساء والصبيان والعبيد والمسافرين ووجه يستحب لكل أحد يوم الجمعة
سواء أراد حضور الجمعة أم لا كغسل يوم العيد يستحب لكل أحد والصحيح الأول والله
أعلم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن سواد غسل يوم الجمعة على كل محتلم
وسواك يمس طيبا من الطيب ما قدر عليه هكذا وقع في جميع الأصول غسل يوم الجمعة على
كل محتلم وليس فيه ذكر واجب وقوله صلى الله عليه وسلم وسواك ويمس من الطيب معناه
ويسن السواك ومس الطيب ويجوز يمس بفتح الميم وضمها وقوله صلى الله عليه وسلم ما قدر
عليه قال القاضي محتمل لتكثيره ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه ويؤيده قوله
ولو من طيب المرأة وهو المكروه للرجال وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحه للرجل هنا للضرورة
لعدم غيره وهذا يدل على تأكيده والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة
غسل الجنابة معناه غسلا كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره وقال
بعض أصحابنا في كتب الفقه المراد غسل الجنابة حقيقة قالوا ويستحب له مواقعة زوجته
ليكون أغض للبصر وأسكن لنفسه وهذا ضعيف أو باطل والصواب ما قدمناه قوله صلى الله عليه وسلم ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة المراد
بالرواح الذهاب أول النهار وفي المسألة خلاف مشهور مذهب مالك وكثير من أصحابه
والقاضي حسين وأمام الحرمين من أصحابنا أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال
الشمس س والرواح عندهم بعد الزوال وادعوا أن هذا معناه في اللغة ومذهب الشافعي وجماهير
أصحابه وابن حبيب المالكي وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار والساعات عندهم
من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره قال الأزهري لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدي

135
بدنة ومن جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة وفي رواية النسائي السادسة فإذا خرج
الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وهو بعد انفصال السادسة فدل على أنه لا شئ من الهدى
والفضيلة لمن جاء بعد الزوال ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث في التبكير إليها والترغيب
في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه وهذا
كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لان النداء يكون حينئذ
ويحرم التخلف بعد النداء والله أعلم واختلف أصحابنا هل تعيين الساعات من طلوع الفجر أم من
طلوع الشمس والأصح عندهم من طلوع الفجر ثم إن من جاء في أول ساعت من هذه الساعات
ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة والبقرة والكبش ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة
من جاء في آخر الساعة وبدنة المتوسط متوسطة وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع
وعشرين درجة ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع
وعشرون درجة ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون لكن درجات الأول أكمل وأشباه هذا كثيرة
معروفة وفيما ذكرته جواب عن اعتراض ذكره القاضي عياض رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما
قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة
فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام
حضرت الملائكة يستمعون الذكر أما لغات هذا الفصل
فمعنى قرب تصدق وأما البدنة فقال
جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء يقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم سميت بذلك
لعظم بدنها وخصها جماعة بالإبل والمراد هنا الإبل بالاتفاق لتصريح الأحاديث بذلك والبدنة

136
والبقرة يقعان على الذكر والأنثى باتفاقهم والهاء فيها للواحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من
أفراد الجنس وسميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة والبقر الشق ومنه قولهم بقر
بطنه ومنه سمى محمد الباقر رضي الله عنه لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلا بليغا ووصل منه غاية
مرضية وقوله صلى الله عليه وسلم كبشا أقرن وصفه بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة
ولان قرنه ينتفع به والدجاجة بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان ويقع على الذكر والأنثى
ويقال حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان الفتح أفصح وأشهر
وبه جاء القرآن قال الله تعالى وإذا حضر القسمة وأما فقه الفصل ففيه الحث على التبكير إلى
الجمعة وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم وهو من باب قول الله
تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير وقد جاء
في رواية النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم
عصفور ثم بيضة واسنادا الروايتين صحيحان وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة لان النبي صلى الله عليه وسلم قدم الإبل وجعل البقرة في الدرجة الثانية وقد أجمع العلماء على أن الإبل
أفضل من البقر في الهدايا واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل
أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا ومذهب مالك أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر ثم الإبل
قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس
على الهدايا وأما تضحيته صلى الله عليه وسلم فلا يلزم منها ترجيح الغنم لأنه محمول على أنه
صلى الله عليه وسلم لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم أو فعله لبيان الجواز وقد ثبت في الصحيح
إنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر قوله صلى الله عليه وسلم حضرت الملائكة يستمعون
قالوا هؤلاء الملائكة غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة قوله صلى الله عليه وسلم إذا قلت

137
لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت وفي الرواية الأخرى فقد
لغيت قال أبو الزناد هي لغة أبي هريرة وإنما هو فقد لغوت قال أهل اللغة يقال لغا يلغو
كغزا يغزو ويقال لغى يلغى كعمي يعمي لغتان الأولى أفصح وظاهر القرآن يقتضي هذه
الثانية التي هي لغة أبي هريرة قال الله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه
وهذا من لغى يلغي ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين قال ابن السكيت وغيره مصدر
الأول اللغو ومصدر الثاني اللغى ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو وهو الكلام الملغي الساقط
الباطل المردود وقيل معناه قلت غير الصواب وقيل تكلمت بما لا ينبغي ففي الحديث النهي عن
جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل
أمر بمعروف وسماه لغوا فيسيره من الكلام أولى وإنما طريقه إذا أراد نهى غيره عن الكلام
أن يشير إليه بالسكوت ان فهمه فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن
واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه وهما قولان للشافعي قال
القاضي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء يجب الانصات للخطبة وحكى عن النخعي
والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن قال واختلفوا إذا لم يسمع الإمام
هل يلزمه الانصات كما لو سمعه قال الجمهور يلزمه وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشافعي

138
لا يلزمه قوله صلى الله عليه وسلم والإمام يخطب دليل على أن وجوب الانصات والنهى
عن الكلام إنما هو في حال لخطبة وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال أبو حنيفة
يجب الانصات بخروج الإمام قوله صلى الله عليه وسلم في يوم لجمعة فيه ساعة لا يوافقها
عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وفي رواية قائم يصلي وفي رواية وهي

139
ساعة خفيفة وفي رواية وأشار بيده يقللها وفي رواية أبي موسى الأشعري أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة قوله إلى أن
تقضي الصلاة هو بالتاء المثناة فوق المضمومة قال القاضي اختلف السلف في وقت هذه الساعة
وفي معنى قائم يصلي فقال بعضهم هي من بعد العصر إلى الغروب قالوا ومعنى يصلي يدعو ومعنى
قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى ما دمت عليه قائما وقال آخرون هي من حين خروج الإمام
إلى فراغ الصلاة وقال آخرون من حين تقام الصلاة حتى يفرغ والصلاة عندهم على ظاهرها وقيل
من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة وقيل آخر ساعة من يوم الجمعة قال القاضي
وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل هذا آثار مفسرة لهذه الأقوال قال وقيل عند الزوال وقيل من
الزوال إلى أن يصير الظل نحو ذراع وقيل هي مخفية في اليوم كله كليلة القدر
وقيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس قال القاضي وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لها
بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله وأشار بيده يقللها هذا كلام القاضي والصحيح بل

140
الصواب ما رواه مسلم من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ما بين أن يجلس الإمام
إلى أن تقضي الصلاة قوله عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن
أبي بردة ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه قال والصواب
أنه من قول أبي بردة كذلك رواه يحيى القطان عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة وتابعه
واصل الأحدب ومخالد روياه عن أبي بردة من قوله وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري
عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه وقال أحمد بن حنبل عن
حماد بن خالد قلت لمخرمة سمعت من أبيك شيئا قال لا هذا كلام الدارقطني وهذا الذي استدركه
بناه على القاعدة المعروفة له ولأكثر أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع
أو ارسال واتصال حكموا بالوقف والارسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة والصحيح طريقة
الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة
ثقة وقد سبق بيان هذه المسألة واضحا في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب وسبق التنبيه على
مثل هذا في مواضع أخر بعدها وقد روينا في سنن البيهقي عن أحمد بن سلمة قال ذاكرت مسلم
ابن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة قوله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة

141
وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة قال القاضي عياض الظاهر أن هذه الفضائل
المعدودة ليست لذكر فضيلته لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعد فضيلة وإنما هو بيان لما
وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع
نقمته هذا كلام القاضي وقال أبو بكر بن العزى في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي الجميع من
الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل
والأنبياء والصالحين والأولياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أوطار ثم يعود إليها وأما قيام الساعة
فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم وفي هذا
الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام وفيه دليل لمسألة غريبة حسنة وهي لو قال
لزوجته أنت طالق في أفضل الأيام وفيها وجهان لأصحابنا أصحهما تطلق يوم عرفة والثاني
يوم الجمعة لهذا الحديث وهذا إذا لم يكن له نية فأما ان أراد أفضل أيام السنة فيتعين يوم
عرفة وان أراد أفضل أيام الأسبوع فيتعين الجمعة ولو قال أفضل ليلة تعينت ليلة القدر وهي
عند أصحابنا والجمهور منحصرة في العشر الأواخر من شهر رمضان فإن كان هذا القول قبل
مضي أول ليلة من العشر طلقت في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر وإن كان بعد مضى
ليلة من العشر أو أكثر لم تطلق إلا في أول جزء من مثل تلك الليلة في السنة الثانية وعلى قول
من يقول هي منتقلة لا تطلق إلا في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة قال العلماء معناه
الآخرون في الزمان والوجود السابقون بالفضل ودخول الجنة فتدخل هذه الأمة الجنة
قبل سائر الأمم

142
قوله صلى الله عليه وسلم بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم هو
بفتح الباء الموحدة واسكان المثناة تحت قال أبو عبيد لفظة بيد تكون بمعنى غير
وبمعنى على ومعنى من أجل وكله صحيح هنا قال أهل اللغة ويقال ميد بمعنى بيد قوله صلى الله عليه وسلم
هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا الله له فيه دليل لوجوب الجمعة وفيه فضيلة هذه الأمة
قوله صلى الله عليه وسلم اليهود غدا أي عيد اليهود غدا لأن ظروف الزمان لا تكون اخبارا
عن الجثث فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبرا قوله صلى الله عليه وسلم فهذا يومهم أي
الذي اختلفوا فيه هدانا الله له قال القاضي الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين
ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه فاختلف اجتهادهم في تعيينه ولم يهدهم الله له وفرضه
على هذه الأمة مبينا ولم يكله إلى اجتهادهم ففازوا بتفضيله قال وقد جاء أن موسى عليه
السلام أمرهم بالجمعة وأعلمهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل فقيل له دعهم قال
القاضي ولو كان منصوصا لم يصح اختلافهم فيه بل كان يقول خالفوا فيه قلت ويمكن

143
أن يكون أمروا به صريحا ونص على عينه فاختلفوا فيه هل يلزم تعيينه أم لهم ابداله وأبدلوه
وغلطوا في ابداله قوله صلى الله عليه وسلم أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فيه دلالة لمذهب
أهل السنة أن الهدى والاضلال والخير والشر كله بإرادة الله تعالى وهو فعله خلافا للمعتزلة

144
قوله صلى الله عليه وسلم ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة قال الخليل بن أحمد وغيره من أهل
اللغة وغيرهم التهجير التبكير ومنه الحديث لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه أي التبكير إلى
كل صلاة هكذا فسروه قال القاضي وقال الحربي عن أبي زيد عن الفراء وغيره التهجير السير في
الهاجرة والصحيح هنا أن التهجير التبكير وسبق شرح تمام الحديث قريبا قوله مثل الجزور
ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة هكذا ضبطناه الأول مثل بتشديد الثاء وفتح الميم ونزلهم أي
ذكر منازلهم في السبق والفضيلة
وقوله صغر بتشديد الغين وقوله مثل البيضة هو بفتح الميم والثاء
المخففة قوله صلى الله عليه وسلم فإذا جلس الإمام طووا الصحف وسبق في الحديث

145
الآخر من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة
يستمعون الذكر ولا تعارض بينهما بل ظاهر الحديثين أن بخروج الإمام يحضرون ولا يطوون
الصحف فإذا جلس على المنبر طووها وفيه استحباب الجلوس للخطبة أول صعوده حتى يؤذن
المؤذن وهو مستحب عند الشافعي ومالك والجمهور وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه لا يستحب
ودليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث كثيرة في الصحيح والدليل على
أنه ليس بواجب أنه ليس من الخطبة قوله صلى الله عليه وسلم من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت
حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام
وفي الرواية الأخرى من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه
وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام فيه فضيلة الغسل وأنه ليس بواجب للرواية الثانية وفيه استحباب
وتحسين الوضوء ومعنى احسانه الاتيان به ثلاثا ثلاثا ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل
وتقديم الميامن والاتيان بسننه المشهورة وفيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب
وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه أن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله صلى الله عليه وسلم فصلى
ما قدر له وفيه الانصات للخطبة وفيه أن الكلام بعد الخطبة قبل الاحرام بالصلاة لا بأس به قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى ثم أنصت هكذا هو في أكثر النسخ المحققة المعتمدة ببلادنا

146
وكذا نقله القاضي عياض عن الجمهور ووقع في بعض الأصول المعتمدة ببلادنا انتصت وكذا
نقله القاضي عن الباجي وآخرون انتصت بزيادة تاء مثناة فوق قال وهو وهم قلت ليس هو
وهما بل هي لغة صحيحة قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر يقال أنصت ونصت وانتصت
ثلاث لغات وقوله صلى الله عليه وسلم فاستمع وأنصت هما شيئان متمايزان وقد يجتمعان
فالاستماع الاصغاء والانصات السكوت ولهذا قال الله تعالى قرئ القرآن فاستمعوا له
وأنصتوا وقوله حتى يفرغ من خطبته هكذا هو في الأصول من غير ذكر الإمام وعاد
الضمير إليه للعلم به وان لم يكن مذكورا وقوله صلى الله عليه وسلم وفضل ثلاثة أيام
وزيادة ثلاثة أيام هو بنصب فضل وزيدة على الظرف قال العلماء معنى المغفرة له ما بين
الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال
الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها قال بعض أصحابنا والمراد بما بين الجمعتين
من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل الوقت من الجمعة الثانية حتى تكون سبعة أيام بلا زيادة
ولا نقصان ويضم إليها ثلاثة فتصير عشرة قوله صلى الله عليه وسلم ومن مس الحصا لغا
فيه النهى عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة وفيه إشارة إلى اقبال القلب
والجوارح على الخطبة والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود وقد سبق بيانه قريبا
قوله في حديث جابر كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنريح نواضحنا
وفسر الوقت بزوال الشمس وفي الرواية الأخرى حين تزول الشمس وفي حديث سهل

147
ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة وفي حديث سلمة كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ وفي رواية ما نجد للحيطان فيئا نستظل به
هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء
من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ولم يخالف في هذا
إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوازها قبل الزوال قال القاضي وروى في هذا أشياء عن
الصحابة لا يصح منها شئ إلا ما عليه الجمهور وحمل الجمهور هذه
الأحاديث على المبالغة في
تعجيلها وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا

148
إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشئ من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها وقوله نتتبع
الفئ إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانه وفيه تصريح بأنه كان قد صار فئ يسير وقوله
وما نجد فيئا نستظل به موافق لهذا فإنه لم ينف الفئ من أصله وإنما نفى ما يستطل به وهذا
مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به قوله نريح نواضحنا
هو جمع ناضح وهو البعير الذي يستقي به سمى بذلك لأنه ينضح الماء أي يصبه ومعنى نريح
أي نريحها من العمل وتعب السقي فنخليها منه وأشار القاضي إلى أنه يجوز أن يكون أراد الرواح
للرعي قوله كنا نجمع هو بتشديد الميم المكسورة أي نصلي الجمعة قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ثم يقوم وفي حديث جابر بن سمرة كان للنبي
صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس وفي رواية كان يخطب قائما ثم
يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب وفي هذه الرواية دليل
لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام الا قائما في الخطبتين

149
ولا يصح حتى يجلس بينهما وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين قال القاضي ذهب عامة العلماء إلى
اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن
مالك أنها تصح بلا خطبة وحكى ابن عبد البر اجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون الا قائما لمن
أطاقه وقال أبو حنيفة يصح قاعدا وليس القيام بواجب وقال مالك هو واجب لو تركه أساء وصحت
الجمعة وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط ومذهب
الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة قال الطحاوي لم يقل هذا غير الشافعي ودليل الشافعي
أنه ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني
أصلي وقوله يقرأ القرآن ويذكر الناس فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ
والقرآن قال الشافعي لا يصح الخطبتان الا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما
على الأصح ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور يكفي
من الخطبة ما يقع عليه الاسم وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه يكفي تحميده
أو تسبيحه أو تهليلة وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال فقد والله صليت معه أكثر
من ألفي صلاة المراد الصلوات الخمس لا الجمعة قوله إن صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما
يوم الجمعة فجاءت عير من الشأم فانفتل الناس إليها حتى لم يبق الا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه

150
الآية التي في الجمعة رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما وفي الرواية الأخرى اثنا
عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر وفي الأخرى أنا فيهم فيه منقبة لأبي بكر وعمر وجابر وفيه أن الخطبة
تكون من قيام وفيه دليل لمالك وغيره ممن قال تنعقد الجمعة باثني عشر رجلا وأجاب أصحاب
الشافعي وغيرهم ممن يشترط أربعين بأنه محمول على أنهم رجعوا أو رجع منهم تمام أربعين فأتم
بهم الجمعة ووقع في صحيح البخاري بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت
عير الحديث والمراد بالصلاة انتظارها في حال الخطبة كما وقع في روايات مسلم هذه قوله
إذ أقبلت سويقة هو تصغير سوق والمراد العير المذكورة في الرواية الأولى وهي الإبل
التي تحمل الطعام أو التجارة لا تسمى عيرا إلا هكذا وسميت سوقا لأن البضائع تساق
إليها وقيل لقيام الناس فيها على سوقهم قال القاضي وذكر أبو داود في مراسيله أن خطبة
النبي صلى الله عليه وسلم هذه التي انفضوا عنها إنما كانت بعد صلاة الجمعة وظنوا أنه لا شئ

151
عليهم في الانفضاض عن الخطبة وأنه قبل هذه القضية إنما كان يصلي قبل الخطبة قال القاضي
هذا أشبه بحال الصحابة والمظنون بهم أنهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم
ولكنهم ظنوا جواز الانصراف بعد انقضاء الصلاة قال وقد أنكر بعض العلماء كون النبي صلى الله عليه وسلم ما خطب قط بعد صلاة الجمعة لها قوله انظروا إلى هذا الخبيث يخطب
قاعدا وقال الله تعالى رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما هذا الكلام يتضمن
انكار المنكر والانكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السنة ووجه استدلال بالآية أن الله تعالى
أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما وقد قال تعالى كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة مع قوله تعالى وقوله تعالى آتاكم الرسول فخذوه مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي قوله سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره
لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم فيه استحباب اتخاذ المنبر وهو سنة
مجمع عليها وقوله ودعهم أي تركهم وفيه أن الجمعة فرض عين ومعنى الختم الطبع والتغطية

152
قالوا في قول الله تعالى الله على قلوبهم أي طبع ومثله الرين فقيل الرين اليسير من الطبع
والطبع اليسير من الإقفال والإقفال أشدها قال القاضي اختلف المتكلمون في هذا اختلافا
كثيرا فقيل هو اعدام اللطف وأسباب الخير وقيل هو خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر
متكلمي أهل السنة قال غيرهم هو الشهادة عليهم وقيل هو علامة جعلها الله تعالى في قلوبهم
لتعرف بها الملائكة من يمدح ومن يذم قوله فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا أي
بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب
احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويقول
بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث

153
كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثانها وكل بدعة ضلالة ثم يقول أنا أولى
بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى في هذا الحديث
جمل من الفوائد ومهمات من القواعد فالضمير في قوله يقول صبحكم مساكم عائد على منذر
جيش قوله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة روى بنصبها ورفعها والمشهور نصبها
على المفعول معه وقوله يقرن هو بضم الراء على المشهور الفصيح وحكى كسرها وقوله
السبابة سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب وقوله خير الهدى هدى محمد
هو بضم الهاء وفتح الدال فيهما وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضا ضبطناه بالوجهين وكذا ذكره
جماعة بالوجهين وقال القاضي عياض رويناه في مسلم بالضم وفي غيره بالفتح وبالفتح ذكره
الهروي وفسره الهروي على رواية الفتح بالطريق أي أحسن الطرق طريق محمد يقال فلان حسن
الهدى أي الطريقة والمذهب اهتدوا بهدي عمار وأما على رواية الضم فمعناه الدلالة والارشاد
قال العلماء لفظ الهدى له معنيان أحدهما بمعنى الدلالة والارشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل
والقرآن والعباد وقال الله تعالى لتهدي إلى صراط مستقيم هذا القرآن يهدي للتي هي
أقوم للمتقين ومنه قوله تعالى ثمود فهديناهم أي بينا لهم الطريق ومنه قوله تعالى
انا هديناه السبيل وهديناه النجدين والثاني بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو
الذي تفرد الله به ومنه قوله تعالى لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقالت
القدرية حيث جاء الهدى فهو للبيان بناء على أصلهم الفاسد في انكار القدر ورد عليهم أصحابنا
وغيرهم من أهل الحق مثبتي القدر لله تعالى بقوله تعالى يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء
إلى صراط مستقيم ففرق بين الدعاء والهداية قوله صلى الله عليه وسلم وكل بدعة ضلالة هذا
عام مخصوص والمراد غالب البدع قال أهل اللغة هي كل شئ عمل على غير مثال سابق قال العلماء
البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين

154
للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس
والربط وغير ذلك ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك والحرام والمكروه ظاهران
وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة في تهذيب الأسماء واللغات فإذا عرف ما ذكرته علم أن
الحديث من العام المخصوص وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة ويؤيد ما قلناه قول عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا
قوله كل بدعة مؤكدا بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى كل شئ قوله صلى الله عليه وسلم أنا أولى بكل مؤمن من نفسه هو موافق لقول الله تعالى أولى بالمؤمنين
من أنفسهم أي أحق قال أصحابنا فكأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اضطر إلى طعام غيره
وهو مضطر إليه لنفسه كان للنبي صلى الله عليه وسلم أخذه من مالكه المضطر ووجب على
مالكه بذله له صلى الله عليه وسلم قالوا ولكن هذا وإن كان جائزا فما وقع قوله صلى الله عليه وسلم ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى هذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم أنا أولى
بكل مؤمن من نفسه قال أهل اللغة الضياع بفتح الضاد العيال قال ابن قتيبة أصله مصدر ضاع
يضيع ضياعا المراد من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع فأوقع المصدر موضع الاسم قال أصحابنا
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من مات وعليه دين لم يخلف به وفاء لئلا
يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم فلما فتح الله على
المسلمين مبادى الفتوح قال صلى الله عليه وسلم من ترك دينا فعلى أي قضاؤه فكان يقضيه واختلف
أصحابنا هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه قضاء ذلك الدين أم كان يقضيه تكرما
والأصح عندهم أنه كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم واختلف أصحابنا هل هذه من الخصائص
أم لا فقال بعضهم هو من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دين
من مات وعليه دين إذا لم يخلف وفاء وكان في بيت المال سعة ولم يكن
هناك أهم منه قوله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين قال القاضي يحتمل أنه
تمثيل لمقاربتها وأنه ليس بينهما إصبع أخرى كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة ويحتمل أنه لتقريب
ما بينهما من المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الإصبعين تقريبا لا تحديدا قوله
إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يستدل به على أنه

155
يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقا للفصل الذي
يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب ولعل اشتداد غضبه كان عند انذاره أمرا عظيما وتحديده خطبا
جسيما قوله ويقول أما بعد فيه استحباب قول أما بعد في خطب الوعظ والجمعة والعيد
وغيرها وكذا في خطب الكتب المصنفة وقد عقد البخاري بابا في استحبابه وذكر فيه جملة من
الأحاديث واختلف العلماء في أول من تكلم به فقيل داود عليه السلام وقيل يعرب بن قحطان
وقيل قس بن ساعدة وقال بعض المفسرين أو كثير منهم أنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود وقال المحققون
فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل قوله كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
يحمد الله ويثنى عليه ثم يقول إلى آخره فيه دليل للشافعي رضي الله عنه أنه يجب حمد الله تعالى
في الخطبة ويتعين لفظه ولا يقوم غيره مقامه قوله إن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة
وكان يرقى من هذه الريح أما ضمادا فبكسر الضاد المعجمة وشنوءة بفتح الشين وضم النون

156
وبعدها مدة ويرقى بكسر القاف والمراد بالريح هنا الجنون ومس الجن في غير رواية مسلم يرقى
من الأرواح أي الجن سموا بذلك لأنهم لا يبصرهم الناس فهم كالروح والريح قوله فما
سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر ضبطناه بوجهين أشهرهما ناعوس بالنون
والعين هذا هو الموجود في أكثر نسخ بلادنا والثاني قاموس بالقاف والميم وهذا الثاني هو
المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم وقال القاضي عياض أكثر نسخ صحيح مسلم وقع
فيها قاعوس بالقاف والعين قال ووقع عند أبي محمد بن سعيد تاعوس بالتاء المثناة فوق قال ورواه
بعضهم ناعوس بالنون والعين قال وذكره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين والحميدي
في الجمع بين الصحيحين قاموس بالقاف والميم قال بعضهم هو الصواب قال أبو عبيد قاموس
البحر وسطه وقال ابن دريد لجته وقال صاحب كتاب العين قعره الأقصى وقال الحربي قاموس
البحر قعره وقال أبو مروان بن سراج قاموس فاعول من قمسته إذا غمسته فقاموس البحر
لجته التي تضطرب أمواجها ولا تستقر مياهها وهي لفظة عربية صحيحة وقال أبو علي الجياني لم
أجد في هذه اللفظة ثلجا وقال شيخنا أبو الحسين قاعوس البحر بالقاف والعين صحيح بمعنى قاموس
كأنه من القعس وهو تطامن الظهر وتعمقه فيرجع إلى عمق البحر ولجته هذا آخر كلام القاضي
رضي الله عنه وقال أبو موسى الاصفهاني وقع في صحيح مسلم ناعوس البحر بالنون والعين قال

157
وفي سائر الروايات قاموس وهو وسط ولجته قال وليست هذه اللفظة موجودة في مسند إسحاق
بن راهويه الذي روى مسلم هذا الحديث عنه لكنه قرنه بأبي موسى فلعله في رواية أبي موسى
قال وإنما أورد مثل هذه الألفاظ لأن الإنسان قد يطلبها فلا يجدها في شئ من الكتب فيتحير
فإذا نظر في كتابي عرف أصلها ومعناها قوله هات هو بكسر التاء قوله أصبت مطهرة هي
بكسر الميم وفتحها حكاها ابن السكيت وغيره الكسر أشهر قوله عبد الملك بن أبجر بالجيم قوله
واصل بن حيان بالمثناة قوله لو كنت تنفست أي أطلت قليلا قوله صلى الله عليه وسلم مئنة من فقهه بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة قال الأزهري
والأكثرون الميم فيها زائدة وهي مفعلة قال الهروي قال الأزهري غلط أبو عبيد في جعله الميم
أصلية قال القاضي عياض قال شيخنا ابن سراج هي أصلية قوله صلى الله عليه وسلم واقصروا
الخطبة الهمزة في واقصروا همزة وصل وليس هذا الحديث مخالفا للأحاديث المشهورة في الأمر
بتخفيف الصلاة لقوله في الرواية الأخرى وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا لأن المراد

158
بالحديث الذي نحن فيه أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلا يشق على المأمومين
وهي حينئذ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها قوله صلى الله عليه وسلم وان
من البيان سحرا قال أبو عبيد هو من الفهم وذكاء القلب قال القاضي فيه تأويلان أحدهما
أنه ذم لأنه إمالة القلوب وصرفها بمقاطع الكلام إليه حتى يكسب من الاثم به كما يكسب بالسحر
وأدخله مالك في الموطأ في باب ما يكره من الكلام وهو مذهبه في تأويل الحديث والثاني أنه مدح
لأن الله تعالى امتن على عباده بتعليمهم البيان وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه وأصل السحر الصرف فالبيان
يصرف القلوب ويميلها إلى ما تدعو إليه هذا كلام القاضي وهذا التأويل الثاني هو الصحيح المختار قوله عن
ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل قال خطبنا عمار هذا الاسناد مما استدركه الدارقطني وقال تفرد به
ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل وخالفه الأعمش وهو أحفظ بحديث أبي وائل فحدث به
عن أبي وائل عن ابن مسعود هذا كلام الدارقطني وقد قدمنا أن مثل هذا الاستدراك مردد لأن ابن أبجر
ثقة يوجب قبول روايته قوله فقد رشد بكسر الشين وفتحها قوله إن رجلا خطب عند
النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى قال القاضي
وجماعة من العلماء إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيما
لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء
فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط
والايضاح واجتناب الإشارات والرموز
ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

159
كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير
قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله
صلى الله عليه وسلم أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير ههنا
لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة
الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود
باسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي
الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا
والله أعلم قوله قال ابن نمير فقد غوى هكذا وقع في النسخ غوى بكسر الواو قال القاضي
وقع في روايتي مسلم بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح وهو من الغي وهو الانهماك في الشر
قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك فيه القراءة في الخطبة وهي
مشروعة بلا خلاف واختلفوا في وجوبها والصحيح عندنا وجوبها وأقلها آية

160
قوله ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة قال العلماء سبب اختيار
ق أنها مشتملة على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة وفيه دليل للقراءة في الخطبة
كما سبق وفيه استحباب قراءة ق أو بعضها في كل خطبة قوله عن أخت لعمرة هذا صحيح
يحتج به ولا يضر عدم تسميتها لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول قوله حارثة بن النعمان
هو بالحاء المهملة قوله سعيد عن خبيب هو بضم الخاء المعجمة وهو خبيب بن عبد الرحمن
ابن خبيب يساف الأنصاري سبق بيانه مرات قولها وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا إشارة إلى حفظها ومعرفتها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وقربها من
منزله قوله عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة هكذا هو في جميع النسخ سعد بن
زرارة وهو الصواب وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ وروايات جميع شيوخهم قال وهو الصواب
قال وزعم بعضهم أن صوابه أسعد وغلط في زعمه وإنما أوقعه في الغلط اغتراره بما في كتاب
الحاكم أبي عبد الله بن البيع فإنه قال صوابه أسعد ومنهم من قال سعد وحكى ما ذكره عن
البخاري والذي في تاريخ البخاري
ضد ما قاله فإنه قال في تاريخه سعد وقيل أسعد وهو
وهم فانقلب الكلام على الحكم وأسعد بن زرارة سيد الخزرج وأخوه هذا سعد بن زرارة
جد يحيى وعمرة أدرك الاسلام ولم يذكره كثيرون في الصحابة لأنه ذكر في المنافقين قوله

161
عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه حين رفع بشر بن مروان يديه في الخطبة قبح
الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده
هكذا وأشار بأصبعه المسبحة هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك
وأصحابنا وغيرهم وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية اباحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى وأجاب الأولون بأن هذا
الرفع كان لعار ض قوله بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أصليت يا فلان قال لا قال قم فاركع وفي رواية قم فصل

162
الركعتين وفي رواية صل ركعتين وفي رواية أركعت ركعتين قال لا قال اركع وفي رواية
أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام ليصل

163
ركعتين وفي رواية قال جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس
فقال يا سليك قم واركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب
فليركع ركعتين وليتجوز فيهما هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد و
إسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي
ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع
بعدهما الخطبة وحكى هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين قال القاضي
وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين لا يصليهما وهو
مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وحجتهم الأمر بالانصات للإمام وتأولوا هذه
الأحاديث أنه كان عريانا فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه
وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب
فليركع ركعتين وليتجوز فيهما وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ
صحيحا فيخالفه وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة وفيها جوازه للخطيب
وغيره وفيها الأمر بالمعروف والارشاد إلى المصالح في كل حال وموطن وفيها أن تحية المسجد
ركعتان وأن نوافل النهار ركعتان وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها وقد
أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس وهو محمول على العالم بأنها سنة أما الجاهل فيتداركها على قرب
لهذا الحديث والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن
الصلاة وأنها ذات سبب تباح في كل وقت ويلحق بها كل ذوات الأسباب كقضاء الفائتة

164
ونحوها لأنها لو سقطت في حال لكان هذا الحال أولى بها فإنه مأمور باستماع الخطبة فلما
ترك لها استماع الخطبة وقطع النبي صلى الله عليه وسلم لها الخطبة وأمره بها بعد أن قعد وكان
هذا الجالس جاهلا حكمها دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا في وقت من الأوقات
والله أعلم قوله انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت يا رسول الله
رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وترك خطبته حتى انتهى إلى فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها هكذا هو في جميع النسخ
حسبت ورواه ابن أبي خيثمة في غير صحيح مسلم خلت بكسر الخاء وسكون اللام وهو بمعنى
حسبت قال القاضي ووقع في نسخة ابن الحذاء خشب بالخاء والشين المعجمتين وفي كتاب ابن
قتيبة خلب بضم الخاء وآخره باء موحدة وفسره بالليف وكلاهما تصحيف والصواب حسبت
بمعنى ظننت كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة وقوله رجل غريب يسأل عن
دينه لا يدري ما دينه فيه استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم وخفض جناحه لهم وفيه المبادرة إلى جواب
المستفتي وتقديم أهم الأمور فأهمها ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمة وقد اتفق العلماء
على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الاسلام وجب اجابته وتعليمه على
الفور وقعوده صلى الله عليه وسلم على الكرسي ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم

165
ويقال كرسي بضم الكاف وكسرها والضم أشهر ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها خطبة أمر غير الجمعة ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل ويحتمل أنها كانت الجمعة
واستأنفها ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقا بالخطبة
فيكون منها ولا يضر المشي في أثنائها قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين فيه
استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما وهو مذهبنا ومذهب
آخرين قال العلماء والحكمة في قراءة الجمعة
اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من القواعد والحث على التوكل
والذكر وغير ذلك وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حضاريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما

166
فيها من القواعد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرأ في العيدين وفي الجمعة " باسم ربك الأعلى " وأتاك حديث
الغاشية فيه استحباب القراءة فيهما بهما وفي الحديث الأخر القراءة في العيد بقاف واقتربت
وكلاهما صحيح فكان صلى الله عليه وسلم في وقت يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين وفي وقت سبح
وهل أتاك وفي وقت يقرأ في العيد قاف واقتربت وفي وقت سبح وهل أتاك قوله
عن مخول عن مسلم البطين أما مخول فبضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة هذا هو المشهور
الأصوب وحكى صاحب المطالع هذا عن الجمهور قال وضبطه بعضهم بكسر الميم واسكان الخاء
وأما البطين فبفتح الباء وكسر الطاء قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح

167
يوم الجمعة في الأولى تنزيل السجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان حين من الدهر فيه
دليل لمذهبنا ومذهب موافقينا في استحبابهما في صبح الجمعة وأنه لا تكره قراءة آية السجدة في الصلاة
ولا السجود ذكر مالك وآخرون ذلك وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية
من طرق عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم قوله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم الجمعة

168
فليصل بعدها أربعا وفي رواية إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا وفي رواية من
كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم
كان يصلي بعدها ركعتين في هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها والحث عليها وأن أقلها
ركعتان وأكملها أربع فنبه صلى الله عليه وسلم بقوله إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها
أربع على الحث عليها فأتى بصيغة الأمر ونبه بقوله صلى الله عليه وسلم من كان منكم مصليا على
أنها سنة ليست واجبة وذكر الأربع لفضيلتها وفعل الركعتين في أوقات بيانا لأن أقلها ركعتان
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعا لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن

169
وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به قوله قال يحيى أظنني قرأت فيصلي أو البتة معناه
أظن أني قرأت على مالك في روايتي عنه فيصلي أو أجزم بذلك فحاصله أنه قال أظن هذه اللفظة
أو أجزم بها قوله ابن أبي الخوار هو بضم الخاء المعجمة قوله صليت معه الجمعة في المقصورة
فيه دليل على جواز اتخاذها في المسجد إذا رآها ولي الأمر مصلحة قالوا وأول من عملها معاوية
ابن أبي سفيان حين ضربه الخارجي قال القاضي واختلفوا في المقصورة فأجازها كثيرون من
السلف وصلوا فيها منهم الحسن والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم وكرهها ابن عمر والشعبي وأحمد
وإسحاق وكان ابن عمر إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج منها إلى المسجد قال القاضي
وقيل إنما يصح فيها الجمعة إذا كانت مباحة لكل أحد فإن كانت مخصوصة ببعض الناس ممنوعة
من غيرهم لم تصح فيها الجمعة لخروجها عن حكم الجامع قوله فان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج فيه دليل لما قاله أصحابنا أن النافلة الراتبة
وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر وأفضل التحول إلى بيته والا فموضع آخر

170
من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة وقوله حتى نتكلم
دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه والله أعلم
كتاب صلاة العيدين
هي عند الشافعي وجمهور أصحابه وجماهير العلماء سنة مؤكدة وقال أبو سعيد الإصطخري من
الشافعية هي فرض كفاية وقال أبو حنيفة هي واجبة فإذا قلنا فرض كفاية فامتنع أهل موضع
من اقامتها قوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية وإذا قلنا إنها سنة لم يقاتلوا بتركها كسنة الظهر وغيرها
وقيل يقاتلون لأنها شعار ظاهر قالوا وسمى عيدا لعوده وتكرره وقيل لعود السرور فيه وقيل تفاؤلا
بعوده على من أدركه كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة وهو رجوعها وحقيقتها
الراجعة قوله شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان
وعلي رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن
خطبة العيد بعد الصلاة قال القاضي هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار وأئمة

171
الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده
إلا ما روى أن عثمان في شطر خلافته الأخير قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تفوته
الصلاة وروى مثله عن عمر وليس بصحيح وقيل إن أول من قدمها معاوية وقيل مروان
بالمدينة في خلافة معاوية وقيل زياد بالبصرة في خلافة معاوية وقيل فعله ابن الزهري في آخر
أيامه قوله يجلس الرجال بيده هو بكسر اللام المشددة أي يأمرهم بالجلوس قوله
فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن يا نبي الله لا يدري حينئذ من هي هكذا وقع في
جميع نسخ مسلم حينئذ وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ قال هو وغيره وهو تصحيف
وصوابه لا يدري حسن من هي وهو حسن بن مسلم رواية عن طاوس عن ابن عباس ووقع
في البخاري على الصواب من رواية إسحاق نصر عن عبد الرزاق لا يدري حسن قلت
ويحتمل تصحيح حينئذ ويكون معناه لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي قوله
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء النساء ومعه بلال قال القاضي هذا النزول كان في أثناء
الخطبة وليس كما قال إنما نزل إليهن بعد فراغ خطبة العيد وبعد انقضاء وعظ الرجال وقد
ذكره مسلم صريحا في حديث جابر قال فصلى ثم خطب الناس فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن
فهذا صريح في أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء
وتذكيرهن الآخرة وأحكام الاسلام وحثهن على الصدقة وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة
وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم
يكن بمعزل عنهم خوفا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى

172
إيجاب وقبول بل تكفي فيها المعاطاة لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا
من بلال ولا من غيره وهذا هو الصحيح في مذهبنا وقال أكثر أصحابنا العراقيين تفتقر إلى
إيجاب وقبول باللفظ كالهبة والصحيح الأول وبه جزم المحققون قوله فدى لكن أبي
وأمي هو مقصور بكسر الفاء وفتحها والظاهر أنه من كلام بلال قوله فجعلن يلقين الفتخ
والخواتيم في ثوب بلال هو بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجمة واحدها فتخة
كقصبة وقصب واختلف في تفسيرها ففي صحيح البخاري عن عبد الرزاق قال هي الخواتيم
العظام وقال الأصمعي هي خواتيم لا فصوص لها وقال ابن السكيت خواتيم تلبس في أصابع
اليد وقال ثعلب وقد يكون في أصابع الواحد من الرجال وقال ابن دريد وقد يكون لها فصوص
وتجمع أيضا فتخات وأفتاخ والخواتيم جمع خاتم وفيه أربع لغات فتح التاء وكسرها وخانام
وخيتام وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير اذن زوجها ولا يتوقف ذلك على
ثلث مالها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال مالك لا يجوز الزيادة على ثلث مالها الا برضاء
زوجها ودليلنا من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهن استأذن أزواجهن في ذلك أم لا وهل هو خارج من الثلث
أم لا ولو اختلف الحكم بذلك لسأل وأشار القاضي إلى الجواب
عن مذهبهم بأن الغالب حضور أزواجهن فتركهم الانكار يكون رضاء بفعلهن وهذا الجواب
ضعيف أو باطل لأنهن كن معتزلات لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها ولا قدر
ما يتصدق به ولو علموا فسكوتهم ليس اذنا قوله وبلال قائل بثوبه هو بهمزة قبل اللام

173
يكتب بالياء أي فاتحا ثوبه للأخذ فيه وفي الرواية الأخرى وبلال باسط ثوبه معناه أنه بسطه
ليجمع الصدقة فيه ثم يفرقها النبي صلى الله عليه وسلم على المحتاجين كما كانت عادته
صلى الله عليه وسلم في الصدقات المتطوع بها والزكوات وفيه دليل على أن الصدقات العامة أنما يصرفها في
مصارفها الإمام قوله يلقين النساء صدقة هكذا هو في النسخ يلقين وهو جائز على تلك اللغة
القليلة الاستعمال منها يتعاقبون فيكم ملائكة وقوله أكلوني البراغيث قوله تلقى المرأة فتخها
ويلقين ويلقين هكذا هو في النسخ مكرر وهو صحيح ومعناه ويلقين كذا ويلقين كذا كما
ذكره في باقي الروايات قوله لعطاء أحقا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن
قال أي لعمري ان ذلك لحق وما لهم لا يفعلون ذلك قال القاضي هذا الذي قاله عطاء غير موافق
عليه وليس كما قال القاضي بل يستحب إذا لم يسمعهن أن يأتيهن بعد فراغه ويعظهن
ويذكرهن إذا لم يترتب الآن وفي كل الأزمان بالشروط المذكورة وأي دافع يدفعها عن هذه

174
السنة الصحيحة والله أعلم قوله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة هذا ديل على
أنه لا أذان ولا إقامة للعيد وهو إجماع العلماء اليوم وهو المعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ونقل عن بعض السلف فيه شئ خلاف اجماع من قبله وبعده ويستحب
أن يقال فيها الصلاة جامعة بنصبها الأول على الاغراء والثاني على الحال قوله فقالت امرأة
من سطة النساء هكذا هو في النسخ سطة بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ واسطة
النساء قال القاضي معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال وزعم حذاق شيوخنا ان هذا
الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه من سفلة النساء وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده
والنسائي في سننه وفي رواية لابن أبي شيبة امرأة ليست من علية النساء وهذا ضد التفسير الأول
ويعضده قوله بعد سفعاء الخدين هذا كلام القاضي وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير
مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط
النساء جالسة في وسطهن قال الجوهري وغيره من أهل اللغة يقال وسطت القوم اسطهم وسطا
وسطة أي توسطتهم قوله سفعاء الخدين بفتح السين المهملة أي فيها تغير وسواد قوله صلى الله عليه وسلم تكثرن الشكاء هو بفتح الشين أي الشكوى قوله صلى الله عليه وسلم
وتكفرن العشير قال أهل اللغة العشير المعاشر والمخالط وحمله الأكثرون هنا على الزوج
وقال آخرون هو كل مخالط قال الخليل يقال هو العشير والشعير على القلب ومعنى الحديث
أنهن يجحدن الاحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن فيستدل به على ذم من يجحد احسان ذي احسان

175
قوله من اقرطتهن هو جمع قرط قال ابن دريد كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان
من ذهب أو خرز وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي قال القاضي قيل الصواب قرطتهن
بحذف الألف وهو المعروف في جمع قرط كخرج وخرجة ويقال في جمعه قراط كرمح ورماح قال
القاضي لا يبعد صحة اقرطة ويكون جمع جمع أي جمع قراط لا سيما وقد صح في الحديث قوله
عن جابر رضي الله عنه لا أذان يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء أو لا شئ هذا ظاهره مخالف لما

176
يقوله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب أن يقال الصلاة جامعة كما قدمنا فيتأول على أن المراد لا أذان
ولا إقامة ولا نداء في معناهما ولا شئ من ذلك قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد
إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار وأما أهل
مكة فلا يصلونها الا في المسجد من الزمن الأول ولأصحابنا وجهان أحدهما الصحراء أفضل لهذا
الحديث والثاني وهو الأصح عند أكثرهم المسجد أفضل إلا أن يضيق قالوا وإنما صلى أهل مكة
في المسجد لسعته وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى لضيق المسجد فدل على أن المسجد
أفضل إذا اتسع قوله فخرجت مخاصرا مروان أي مماشيا له يده في يدي هكذا فسروه قوله فإذا
مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة

177
وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان المنكر عليه واليا وفيه أن الانكار عليه يكون
باليد لمن أمكنه ولا يجزي عن اليد اللسان مع امكان اليد قوله أين الابتداء بالصلاة هكذا ضبطناه
على الأكثر وفي بعض الأصول الا ابتداء بالا التي هي للاستفتاح وبعدها نون ثم باء موحدة
وكلاهما صحيح والأول أجود في هذا الموطن لأنه ساقه للإنكار عليه قوله لا تأتون بخير مما أعلم هو
كما قال لأن الذي يعلم هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يكون غيره خيرا منه قوله ثم
انصرف قال القاضي عن جهة المنبر إلى جهة الصلاة وليس معناه أنه انصرف من المصلى وترك
الصلاة معه بل في رواية البخاري أنه صلى معه وكلمه في ذلك بعد الصلاة وهذا يدل على صحة الصلاة
بعد الخطبة ولولا صحتها كذلك لما صلاها معه واتفق أصحابنا على أنه لو قدمها على الصلاة صحت
ولكنه يكون تاركا للسنة مفوتا للفضيلة بخلاف خطبة الجمعة فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة
تقدم خطبتها عليها لأن خطبة الجمعة واجبة وخطبة العيد مندوبة قولها أمرنا أن نخرج في
العيدين العواتق وذوات الخدور قال أهل اللغة العواتق جمع عاتق وهي الجارية البالغة وقال ابن دريد
هي التي قاربت البلوغ قال ابن السكيت هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج والتعنيس
طول المقام في بيت أبيها بلا زوجة حتى تطعن في السن قالوا سميت عاتقا لأنها عتقت من امتهانها
في الخدمة والخروج في الحوائج وقيل قاربت أن تتزوج فتعتق من قهر أبويها وأهلها وتستقل
في بيت زوجها والخدور البيوت وقيل الخدر ستر يكون في ناحية البيت وقولها في الرواية
الأخرى والمخبأة هي بمعنى ذات الخدر قال أصحابنا يستحب اخراج النساء غير ذوات الهيئات
والمستحسنات في العيدين دون غيرهن وأجابوا عن اخراج ذوات الخدور والمخبأة بأن المفسدة
في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم ولهذا صح عن عائشة رضي الله عنها لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل قال القاضي

178
عياض واختلف السلف في خروجهن للعيدين فرأى جماعة ذلك حقا عليهن منهم أبو بكر
وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ومنهم من منعهن ذلك منهم عروة والقاسم ويحيى الأنصاري
ومالك وأبو يوسف وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه مرة قولها وأمر الحيض أن يعتزلن
مصلى المسلمين هو بفتح الهمزة والميم في أمر فيه منع الحيض من المصلى واختلف أصحابنا في
هذا المنع فقال الجمهور هو منع تنزيه لا تحريم وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال
من غير حاجة ولا صلاة وإنما لم يحرم لأنه ليس مسجدا وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا
عن بعض أصحابنا أنه قال يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنه موضع
للصلاة فأشبه المسجد والصواب الأول قولها في الحيض يكبرن مع النساء فيه جواز ذكر
الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القرآن وقولها يكبرن مع الناس دليل على
استحباب التكبير لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه قال أصحابنا يستحب التكبير ليلتي العيدين
وحال الخروج إلى الصلاة قال القاضي التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة
إلى حين يخرج الإمام والتكبير في الصلاة وفى الخطبة وبعد الصلاة أما الأول فاختلفوا فيه
فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف فكانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون
أصواتهم وقال الأوزاعي ومالك والشافعي وزاد استحبابه ليلة العيدين وقال أبو حنيفة يكبر
في الخروج للأضحى دون الفطر وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور وأما التكبير بتكبير الإمام
في الخطبة فمالك يراه وغيره يأباه وأما التكبير المشروع في أول صلاة العيد فقال الشافعي
هو سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام وقال مالك وأحمد

179
وأبو ثور كذلك لكن سبع في الأولى إحداهن تكبيرة الاحرام وقال الثوري وأبو حنيفة
خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الاحرام والقيام وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات
متوالية متصلة وقال عطاء والشافعي وأحمد يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى وروي
هذا أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه وأما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف
علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب هل ابتداؤه من صبح يوم عرفة أو ظهره
أو صبح يوم النحر أو ظهره وهل انتهاؤه في ظهر يوم النحر أو ظهر أول أيام النفر أو في صبح
أيام التشريق أو ظهره أو عصره واختار مالك والشافعي وجماعة ابتداءه من ظهر يوم النحر
وانتهاءه صبح آخر أيام التشريق وللشافعي قوله إلى العصر من آخر أيام التشريق وقول أنه من
صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل
في الأمصار قولها ويشهدن الخير ودعوة المسلمين فيه استحباب حضور مجامع الخير ودعاء
المسلمين وحلق الذكر والعلم ونحو ذلك قوله لا يكون لها جلباب قال النضر بن شميل هو ثوب
أقصر وأعرض من الخمار وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها وقيل هو ثوب واسع دون الرداء
تغطي به صدرها وظهرها وقيل هو كالملاءة والملحفة وقيل هو الإزار وقيل الخمار قوله صلى الله عليه وسلم لتلبسها أختها من جلبابها الصحيح أن معناه لتلبسها جلبابا لا يحتاج إلى عارية وفيه
الحث على حضور العيد لكل أحد وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى قوله فصلى

180
ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها فيه أنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها واستدل به مالك في
أنه يكره الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين قال الشافعي وجماعة
من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والكوفيون لا يكره
بعدها وتكره قبلها ولا حجة في الحديث لمن كرهها لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها والأصل
أن لا منع حتى يثبت قوله وتلقى سخابها هو بكسر السين وبالخاء المعجمة وهو قلادة من
طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك أو قرنفل أو غيرهما من الطيب ليس فيه شئ من
الجوهر وجمعه سخب ككتاب وكتب قوله عن عبيد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد
رضي الله عنه وفي الرواية الأخرى عن عبيد الله عن أبي واقد قال سألني عمر بن الخطاب هكذا
هو في جميع النسخ فالرواية الأولى لأم سلمة لأن عبيد الله لم يدرك عمر ولكن الحديث صحيح بلا
شك متصل من الرواية الثانية فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف فلا عتب على مسلم
حينئذ في روايته فإنه صحيح متصل والله أعلم قوله عن أبي واقد سألني عمر قالوا يحتمل أن

181
عمر رضي الله عنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد اعلام الناس بذلك أو نحو هذا من المقاصد قالوا
ويبعد أن عمر لم يكن يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات
وقربه منه ففيه دليل للشافعي وموافقيه أنه تسن القراءة بهما في العيدين قال العلماء والحكمة
في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الأخبار بالبعث والاخبار عن القرون الماضية واهلاك
المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم
جراد منتشر والله أعلم قولها وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم
بعاث قالت وليستا بمغنيتين أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز
صرفه وترك صرفه وهو الأشهر وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الأنصار الأوس والخزرج في الجاهلية حرب
وكان الظهور فيه للأوس قال القاضي قال الأكثرون من أهل اللغة وغيرهم هو بالعين المهملة وقال
أبو عبيدة بالغين المعجمة والمشهور المهملة كما قدمناه وقولها وليستا بمغنيتين معناه ليس
الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به واختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز
وهي رواية عن مالك وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق ومذهب الشافعي كراهته وهو المشهور من
مذهب مالك واحتج المجوزون بهذا الحديث وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة
والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس
على الشر ويحملها على البطالة والقبيح قال القاضي إنما كان غناؤهم بما هو من أشعار الحرب
والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا انشادهما لذلك من
الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت بالانشاد ولهذا قالت وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى

182
بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك
النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل الغنا فيه الزنا وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف باحسان
الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعة
وكسبا والعرب تسمى الانشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح وقد استجازت
الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الانشاد والترنم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام ولا يخرج الشاهد
قوله أبمزمور الشيطان هو بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر ولم يذكر القاضي غيره ويقال
أيضا مزمار بكسر الميم وأصله صو ت بصفير والزمير الصوت الحسن ويطلق على الغناء أيضا
قوله أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أن مواضع الصالحين وأهل
الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه والم يكن فيه اثم وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته
ما يستنكر أو لا يلي بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتا على الكبير بل هو أدب
ورعاية حرمة واجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه وإنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم عنه لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه اعراضا عن اللهو ولئلا يستحيين
فيقطعن ما هو مباح لهن وكان هذا من رأفته صلى الله عليه وسلم وحلمه وحسن خلقه قوله
جاريتان تلعبان بدف هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر ففي مع قوله صلى الله عليه وسلم هذا عيدنا أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور الظاهر وهو العيد والعرس

183
والختان قوله في أيام منى يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق ففيه أن هذه
داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليه في كثير من الأحكام لجواز الضحية وتحريم الصوم
واستحباب التكبير وغير ذلك قولها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا
أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية وفي الرواية الأخرى يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به
ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال
من غير نظر إلى نفس البدن وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة
فحرام بالاتفاق وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما
تحريمه لقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم
سلمة وأم حبيبة احتجبا عنه أي عن ابن أم مكتوم فقالتا أنه أعمى لا يبصرنا فقال صلى الله
عليه وسلم العمياوان أنتما أليس تبصرانه وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره وقال هو
حديث حسن وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين وأقواهما
أنه ليس فيه أنها نظرت
إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى
البدن وان وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال والثاني لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم
النظر وأنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول إن للصغير المراهق
النظر والله أعلم وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم

184
قولها وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السن معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى
اللعب حبا بليغا وتحرص على ادامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعذر من تطويل وقولها فاقدروا هوا
بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره وهو من التقدير أي قدروا رغبتنا في ذلك
إلى أن تنتهي وقولها العربة هو بفتح العين وكسر الراء والباء الموحدة ومعناها المشتهية للعب
المحبة له قوله صلى الله عليه وسلم دونكم يا بني أرفدة هو بفتح الهمزة واسكان الراء ويقال

185
بفتح الفاء وكسرها وجهان حكاهما القاضي عياض وغيره والكسر أشهر وهو لقب للحبشة ولفظه
دونكم من ألفاظ الاغراء وحذف المغري به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه قال الخطابي
وغيره وشأنها أن يتقدم الاسم كما في هذا الحديث وقد جاء تأخيرها شاذا كقوله
يا أيها المائح دلوي دونكا قوله صلى الله عليه وسلم حسبك هو استفهام بدليل قولها قلت نعم
تقديره حسبك أي هل يكفيك هذا القدر قولها جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد هو بفتح
الياء واسكان الزاي وكسر الفاء ومعناه يرقصون وحمله العلماء
على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم
على قريب من هيئة الراقص لأن معظم الروايات إنما فيها لعبهم بحرابهم فيتأول هذه اللفظة على
موافقة سائر الروايات قوله عقبة بن مكرم بفتح الراء قوله قال عطاء فرس أو حبش
قال وقال ابن عيق بل حبش هكذا هو في كل النسخ ومعناه أن عطاء شك هل قال هم فرس

186
أو حبش بمعنى هل هم من الفرس أو من الحبشة وأما ابن عيق فجزم بأنهم حبش وهو الصواب
قاضي عياض وقوله قال ابن عتيق هكذا هو عند شيوخنا وعند الباجي وقال لي ابن عمير
قال وفي نسخة أخرى قال لي ابن أبي عتيق قال صاحب المشارق والمطالع الصحيح ابن عمير
وهو عبيد بن عمير المذكور في السند والصواب قوله دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فأهوى بيده إلى الحصباء يحصبهم الحصباء ممدود هي الحصى الصغار ويحصبهم بكسر الصاد أي
يرميهم بها وهو محمول على أن هذا لا يليق بالمسجد وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به والله أعلم
كتاب صلاة الاستسقاء
أجمع العلماء على أن الاستسقاء سنة واختلفوا هل تسن له صلاة أم لا فقال أبو حنيفة لا تسن له
صلاة بل يستسقي بالدعاء بلا صلاة وقال سائر العلماء من السلف والخلف الصحابة والتابعون
فمن بعدهم تسن الصلاة ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها
صلاة واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى للاستسقاء ركعتين وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي
وبعضها كان في الخطبة للجمعة ويتعقبه الصلاة للجمعة فاكتفى بها ولو لم يصل أصلا كان بيانا
لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة ولا خلاف في جوازه وتكون الأحاديث المثبتة للصلاة مقدمة

187
لأنها زيادة علم ولا معارضة بينهما قال أصحابنا الاستسقاء ثلاثة أنواع أحدها الاستسقاء بالدعاء
من غير صلاة الثاني الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة وهو أفضل من النوع
الذي قبله والثالث وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين ويتأهب قبله بصدقة وصيام
وتوبة واقبال على الخير ومجانبة الشر ونحو ذلك من طاعة الله تعالى قوله خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وفي الرواية الأخرى وصلى
ركعتين فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع ولأنها
أوسع للناس لأنه يحضر الناس كلهم فلا يسعهم الجامع وفيه استحباب تحويل الرداء في أثنائها
للاستسقاء قال أصحابنا يحوله في نحو ثلث الخطبة الثانية وذلك حين يستقبل القبلة قالوا والتحويل
شرع تفاؤلا بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب ومن ضيق الحال إلى سعته وفيه
دليل للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء في استحباب تحويل الرداء ولم يستحبه أبو حنيفة
ويستحب عندنا أيضا للمأمومين كما يستحب للإمام وبه قال مالك وغيره وخالف فيه جماعة من
العلماء وفيه اثبات صلاة الاستسقاء ورد على من أنكرها وقوله استسقى أي طلب السقي وفيه أن
صلاة الاستسقاء ركعتان وهو كذلك باجماع المثبتين لها واختلفوا هل هي قبل الخطبة أو بعدها
فذهب الشافعي والجماهير إلى أنها قبل الخطبة وقال الليث بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم
رجع إلى قول الجماهير قال أصحابنا ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة
كصلاة العيد وخطبتها وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز العيد والتأخير واختلفت الرواية في

188
ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم واختلف العلماء هل يكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة
لاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد فقال به الشافعي وابن جرير وروي عن ابن المسيب وعمر
ابن عبد العزيز ومكحول وقال الجمهور لا يكبر واحتجوا للشافعي بأنه جاء في بعض الأحاديث
صل ركعتين كما يصلي في العيد وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر والقراءة
وفي كونها قبل الخطبة واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك وخيره داود بين التكبير وتركه ولم
يذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة وذكره البخاري وأجمعوا على استحبابه وأجمعوا أنه لا يؤذن
لها ولا يقام لكن يستحب أن يقال الصلاة جامعة قوله أخبرني في عباد بن تميم المازني أنه سمع عمه
المراد بعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المتكرر في الروايات السابقة قوله وأنه لما أراد أن يدعو استقبل
القبلة فيه استحباب استقبالها الدعاء ويلحق به الوضوء والغسل والتيمم والقراءة والأذكار والأذان
وسائر الطاعات الا ما خرج بدليل كالخطبة ونحوها قوله فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله واستقبل
القبلة وحول رداءه ثم صلى
ركعتين فيه دليل لمن يقول بتقديم الخطبة على صلاة الاستسقاء وأصحابنا

189
يحملونه على الجواز كما سبق بيانه قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه
إلى السماء قال جماعة من أصحابنا وغيرهم السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع
يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء
احتجوا بهذا الحديث قوله عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع
يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه هذا الحديث يوهم ظاهره أنه
لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء وليس الأمر كذلك بل قد ثبت رفع يديه
صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء وهي أكثر من أن تحصر وقد جمعت منها نحوا
من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح
المهذب ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه الا في
الاستسقاء أو أن المراد لم أره رفع وقد رآه غيره رفع فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم
جماعات على واحد لم يحضر ذلك ولا بد من تأويله لما ذكرناه والله أعلم قوله عن قتادة
عن أنس وفي الطريق الثاني عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم في بيان أن قتادة قد سمعه
من أنس وقد تقدم أن قتادة
مدلس وأن المدلس لا يحتج بعنعنته حتى يثبت سماعه ذلك الحديث

190
فبين مسلم ثبوته بالطريق الثاني قوله دار القضاء قال القاضي عياض سميت دار القضاء
لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتبه على نفسه وأوصى ابنه
عبد الله أن يباع فيه ما له فان عجز ما له استعان ببني عدي ثم بقريش فباع ابنه داره هذه لمعاوية
وماله بالغابة قضى دينه وكان ثمانية وعشرين ألفا وكان يقال لها دار قضاء دين عمر ثم
اقتصروا فقالوا دار القضاء وهي دار مروان وقال بعضهم هي دار الامارة وغلط لأنه بلغه أنها
دار مروان فظن أن المراد بالقضاء الامارة والصواب ما قدمناه هذا آخر كلام القاضي قوله إن
دينه كان ثمانية وعشرين ألفا غريب بل غلط والصحيح المشهور أنه كان ستة وثمانين
ألفا أو نحوه هكذا رواه البخاري في صحيحه وكذا رواه غيره من أهل الحديث والسير
والتواريخ وغيرهم قوله ادع الله يغتنا وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم أغثنا هكذا هو في
جميع النسخ أغثنا بالألف ويغثنا بضم الياء من أغاث يغيث رباعي والمشهور في كتب اللغة أنه
إنما يقال في المطر غاث الله الناس والأرض يغيثهم بفتح الياء أي أنزل المطر قال القاضي
عياض قال بعضهم هذا المذكور في الحديث من الإغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث
إنما يقال في طلب الغيث اللهم غثنا قال القاضي ويحتمل أن يكون من طلب الغيث أي هب
لنا غيثا أو ارزقنا غيثا كما يقال سقاه الله وأسقاه أي جعل له سقيا على لغة من فرق بينهما قوله
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم أغثنا فيه استحباب الاستسقاء في خطبة
الجمعة وقد قدمنا بيانه في أول الباب وفيه جواز الاستسقاء منفردا عن تلك الصلاة المخصوصة

191
واغترت به الحنفية وقالوا هذا هو الاستسقاء المشروع لا غير وجعلوا الاستسقاء بالبروز إلى
الصحراء والصلاة بدعة وليس كما قالوا بل هو سنة للأحاديث الصحيحة السابقة وقد قدمنا في
أول الباب أن الاستسقاء أنواع فلا يلزم من ذكر نوع ابطال نوع ثابت والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم اللهم أغثنا اللهم أغثنا هكذا هو مكرر ثلاثا ففيه استحباب
تكرر الدعاء ثلاثا قوله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة هي بفتح القاف والزاي
وهي القطعة من السحاب وجماعتها قزع كقصبة وقصب قال أبو عبيد وأكثر ما يكون ذلك
في الخريف قوله وما بيننا وبين سلع من دار هو بفتح السين المهملة وسكون اللام
وهو جبل بقرب المدينة ومراده بهذا الاخبار عن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم
كرامته على ربه سبحانه وتعالى بانزال المطر سبعة أيام متوالية متصلا بسؤاله من غير تقديم
سحاب ولا قزع ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن وهذا معنى قوله وما بيننا وبين سلع من
بيت ولا دار أي نحن مشاهدون له وللسماء وليس هناك سبب للمطر أصلا قوله ثم أمطرت
هكذا هو في النسخ وكذا جاء في البخاري أمطرت بالألف وهو صحيح وهو دليل للمذهب المختار
الذي عليه الأكثرون والمحققون من أهل اللغة أنه يقال مطرت وأمطرت لغتان في المطر وقال
بعض أهل اللغة لا يقال أمطر ت بالألف الا في العذاب كقوله تعالى وأمطرنا عليهم حجارة والمشهود
الأول ولفظة أمطرت تطلق في الخير والشر وتعرف بالقرينة قال الله تعالى هذا عارض ممطرنا
وهذا من أمطر والمراد به المطر في الخير لأنهم ظنوه خيرا فقال الله تعالى هو ما استعجلتم به قوله
ما رأينا الشمس سبتا هو بسين مهملة ثم باء موحدة ثم مثناه فوق أي قطعة من الزمان وأصل

192
السبت القطع قوله صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه كثرة المطر وانقطاع السبل وهلاك الأموال
من كثرة الأمطار اللهم حولنا وفي بعض النسخ حوالينا وهما صحيحان ولا علينا اللهم على
الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فانقطعت وخرجنا نمشي في هذا الفصل
فوائد منها المعجزة الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه متصلا به حتى خرجوا
في الشمس وفيه أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل رفع
ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل وسأل بقاءه
في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور قال أهل اللغة الآكام
بكسر الهمزة جمع أكمة ويقال في جمعها آكام بالفتح والمد ويقال أكم بفتح الهمزة والكاف وأكم بضمهما
وهي دون الجبل وأعلى من الرابية وقيل دون الرابية وأما الظراب فبكسر الضاء المعجمة واحدها
ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغار وفي هذا الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على
المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به ولكن لا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء قوله فانقطعت
وخرجنا نمشي هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة وفي أكثرها فانقلعت وهما بمعنى قوله
فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول قال لا أدري قد جاء في رواية للبخاري وغيره أنه الأول
قوله أصابت الناس سنة أي قحط

193
قوله فما يشير بيده إلى ناحية الا تفجرت أي تقطع السحاب وزال عنها قوله حتى
رأيت المدينة في مثل الجوبة هي بفتح الجيم واسكان الواو وبالباء الموحدة وهي
الفجوة ومعناه تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرا حولها وهي خالية منه قوله
وسال وادي قناة شهرا قناة بفتح القاف اسم لواد من أودية المدينة وعليه زروع لهم فأضافه هنا
إلى نفسه وفي رواية للبخاري وسال الوادي قناة وهذا صحيح على البدل والأول صحيح وهو عند
الكوفيين على ظاهره وعند البصريين يقدر فيه محذوف وفي رواية
للخباري وسال الوادي وادي
قناة قوله أخبر بجود هو بفتح الجيم واسكان الواو وهو المطر الكثير قوله قحط المطر
هو بفتح القاف وفتح الحاء وكسرها أي أمسك قوله واحمر الشجر كناية عن يبس ورقها
وظهور عودها قوله فتقشعت أي زالت قوله وما تمطر بالمدينة قطره هو بضم التاء من
تمطر وبنصب قطرة قوله مثل الإكليل هو بكسر الهمزة قال أهل اللغة هي العصابة وتطلق على

194
كل محيط بالشئ قوله فألف الله بين السحاب ومكثنا حتى رأيت الرجل الشدي تهمه نفسه أن
يأتي أهله هكذا ضبطناه ومكثنا وكذا هو في نسخ بلادنا ومعناه ظاهر وذكر القاضي فيه أنه
روي في نسخ بلادهم على ثلاثة أوجه ليس منها هذا ففي رواية لهم وبلتنا ومعناه أمطرتنا قال
الأزهري يقال بل السحاب بالمطر بلا والبلل المطر ويقال انهلت أيضا وفي رواية لهم وملتنا بالميم
مخففة اللام قال القاضي ولعل معناه أوسعتنا مطرا وفي رواية ملأتنا بالهمز وقوله تهمه نفسه
ضبطناه بوجهين فتح التاء مع ضم الهاء وضم التاء مع كسر الهاء يقال همه الشئ وأهمه أي اهتم له
ومنهم من يقول همه أذابه وأهمه غمه قوله فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى
هو بضم الميم وبالمد والواحدة ملاءة بالضم والمد وهي الريطة كالملحفة ولا خلاف أنه ممدود في
الجمع والمفرد ورأيت في كتاب القاضي قال هو مقصور وهو غلط من الناسخ فإن كان من الأصل
كذلك فهو خطأ بلا شك ومعناه تشبيه انقطاع السحاب وتجليله بالملاءة المنشورة إذا طويت قوله
حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا يا
رسول الله لم صنعت هذا قال
لأنه حديث عهد بربه معنى حسر كشف أي كشف بعض بدنه ومعنى حديث عهد بربه أي
بتكوين ربه إياه ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها وفي

195
هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله
المطر واستدلوا بهذا وفيه أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئا لا يعرفه أن يسأله عنه ليعلمه
فيعمل به ويعلمه غيره قوله إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر فإذا
مطرت سر به وذهب عنه ذلك قالت عائشة فسألته فقال إني خشيت أن يكون عذابا سلط على
أمتي فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه
وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة
وسروره لزوال سبب الخوف قوله
ويقول إذا رأى المطر رحمة أي هذا رحمة قوله وإذا تخيلت السماء تغير لونه قال أبو عبيد وغيره

196
تخبلت من المخيلة بفتح الميم وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة ويقال أخالت إذا تغيمت
قولها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان
يتبسم والمستجمع المجد في الشئ القاصد له واللهوات جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة على
الحنك قاله الأصمعي قوله صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا هي بفتح الصاد ومقصورة

197
وهي الريح الشرقية وأهلكت عاد بالدبور وهي بفتح الدال وهي الريح الغربية
كتاب الكسوف
يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وكسفا بضمها وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا
بمعنى وقيل كسف الشمس بالكاف وخسف القمر بالخاء وحكى القاضي عياض عكسه عن بعض
أهل اللغة والمتقدمين وهو باطل مردود بقول الله تعالى (القمر ثم جمهور أهل العلم
وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه وقال
جماعة منهم الإمام الليث بن سعد الخسوف في الجميع والكسوف في بعض وقيل الخسوف
ذهاب لونهما والكسوف تغيره واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة ذكر مسلم منها
جملة وأبو داود أخرى وغيرهما أخرى وأجمع العلماء على أنها سنة ومذهب مالك والشافعي
وأحمد وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة وقال العراقيون فرادى وحجة الجمهور الأحاديث
الصحيحة في مسلم وغيره واختلفوا في صفتها فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل
ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وأما السجود فسجدتان كغيرهما وسواء تمادى الكسوف
أم لا وبهذا قال مالك والليث وأحمد وأبو ثور وجمهور علماء الحجاز وغيرهم وقال الكوفيون
هما ركعتان كسائر النوافل عملا بظاهر حديث جابر بن سمرة وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وابن
عباس وابن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان قال ابن عبد البر
وهذا أصح ما في هذا الباب قال وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة وحملوا حديث ابن سمرة
بأنه مطلق وهذه الأحاديث تبين المراد به وذكر مسلم في رواية عن عائشة وعن ابن عباس وعن
جابر ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات ومن رواية ابن عباس وعلى ركعتين في كل ركعة أربع

198
ركعا ت قال الحفاظ الروايات الأول أصح ورواتها أحفظ وأضبط وفي رواية لأبي داود من
رواية أبي بن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركعات وقد قال بكل نوع بعض الصحابة وقال
جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف
حال الكسوف ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع وفي بعضها
أسرع الانجلاء فاقتصر وفي بعضها توسط بين الاسراع والتأخر فتوسط في عدده واعترض
الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت
الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من
أول الحال وقال جماعة من العلماء منهم إسحاق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر جرت صلاة
الكسوف في أوقات واختلاف صفاتها محمول على بيان جواز جميع ذلك فتجوز صلاتها على كل
واحد من الأنواع الثابتة وهذا قوى والله أعلم واتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام
الأول من كل ركعة واختلفوا في القيام الثاني فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح
الصلاة إلا بقراءتها فيه وقال محمد بن مسلمة من المالكية لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني واتفقوا
على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع وكذا
القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية واختلفوا في القيام
الأول والركوع الأول من الثانية هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى
ويكون هذا معنى قوله في الحديث وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول أم يكونان سواء
ويكون قوله دون القيام والركوع الأول أي أول قيام وأول ركوع واتفقوا على استحباب إطالة
القراءة والركوع فيهما كما جاءت الأحاديث ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام وأدى طمأنينته
في كل ركوع صحت صلاته وفاته الفضيلة واختلفوا في استحباب إطالة السجود فقال جمهور أصحابنا
لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات وقال المحققون منهم يستحب اطالته نحو الركوع
الذي قبله وهذا هو المنصوص للشافعي في البويطي وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة
في ذلك ويقول في كل رفع من ركوع سمع
الله لمن حمده ثم يقول عقبه ربنا لك الحمد إلى آخره

199
والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام وقيل يقتصر عليه في القيام الأول
واختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال الشافعي وإسحاق وابن جرير وفقهاء أصحاب
الحديث يستحب بعدها خطبتان وقال مالك وأبو حنيفة لا يستحب ذلك ودليل الشافعي الأحاديث
الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف قوله فأطال القيام جدا وأطال الركوع جدا ثم سجد ثم قام فأطال القيام هذا مما يحتج به من
يقول لا يطول السجود وحجة الآخرين الأحاديث المصرحة بتطويله ويحمل هذا المطلق عليها
وقوله جدا بكسر الجيم وهو منصوب على المصدر أي جد جدا قوله بعد أن وصف
الصلاة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس فخطب الناس فيه دليل
للشافعي وموافقيه في استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف كما سبق بيانه وفيه أن الخطبة لا تفوت
بالانجلاء بخلاف الصلاة قوله فحمد الله وأنثى عليه دليل على أن الخطبة يكون أولها الحمد
لله والثناء عليه ومذهب الشافعي أن لفظه الحمد للمتعينة فلو قال معناها لم تصح خطبته قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت

200
أحد ولا لحياته وفي رواية أنهم قالوا كسفت لموت إبراهيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا
الكلام ردا عليهم قال العلماء والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجاهلية الضلال كانوا يعظمون
الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ
عليهما النقص والتغير كغيرهما وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول لا ينكسفان
الا لموت عظيم أو حو ذلك فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لا سيما وقد صادف موت إبراهيم
رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا
فيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب قوله صلى الله عليه وسلم يا أمة محمد ان من
أحد أغير من الله تعالى هو بكسر همزة أن واسكان النون أي ما من أحد أغير من الله قالوا
معناه ليس أحدا منع من المعاصي من الله تعالى ولا أشد كراهة لها منه سبحانه قوله صلى
الله يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا معناه لو تعلمون
من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت وترون
النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غير لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم فيما علمتموه قوله صلى الله عليه وسلم ألا هل بلغت معناه ما أمرت به من التحذير والانذار وغير ذلك مما أرسل به

201
والمراد تحريضهم على تحفظه واعتنائهم به لأنه مأمور بانذارهم قوله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فيه اثبات صلاة الكسوف وفيه
استحباب فعلها في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة قال أصحابنا وإنما لم يخرج إلى المصلى لخوف
فواتها بالانجلاء فالسنة المبادرة بها وفيه استحبابها جماعة وتجوز فرادى وتشرع للمرأة والعبد
والمسافر وسائر من تصح صلاته قولها ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد
وقال في الرفع من الركوع الثاني مثله فيه دليل على استحباب الجمع بين هذين اللفظين وهو
مذهب الشافعي ومن وافقه وسبقت المسألة في صفة سائر الصلاة وهو مستحب عندنا للإمام
والمأموم والمنفرد يستحب لكل أحد الجمع بينهم وفي هذا الحديث دليل على استحباب الجمع
بينهما في كل رفع من الركوع في الكسوف سواء الركوع الأول والثاني قوله صلى الله عليه وسلم
فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة وفي رواية فصلوا حتى يفرج الله عنكم معناه بادروا بالصلاة

202
وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذي يخاف كونه مقدمة عذاب قوله صلى الله عليه وسلم حين رأيتموني جعلت أقدم ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر
الدال المشددة ومعناه أقدم نفسي أو رجلي وكذا صرح القاضي عياض بضبطه وضبطه جماعة
أقدم بفتح الهمزة واسكان القاف وضم الدال وهو من الاقدام وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت جهنم فيه أنها مخلوقة موجودة وهو مذهب أهل السنة
ومعنى يحطم بعضها بعضا لشدة تلهيبها واضطرابها كأمواج البحر التي يحطم بعضها بعضا قوله صلى الله عليه وسلم ورأيت فيها عمرو بن لحي هو بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء وفيه
دليل على أن بعض الناس معذب في نفس جهنم اليوم عافانا الله وسائر المسلمين قوله صلى الله عليه وسلم حين رأيتموني تأخرت فيه التأخر عن مواضع العذاب والهلاك قوله فبعث
مناديا بالصلاة جامعة لفظة جامعة منصوبة على الحال وفيه دليل للشافعي ومن وافقه أنه

203
يستحب أن ينادي لصلاة الكسوف الصلاة جامعة واجمعوا أنه لا يؤذن لها ولا يقام
قوله جهر في صلاة الخسوف هذا عند أصحابنا والجمهور محمول على كسوف القمر
لأن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في
كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد واسحق
وغيرهم يجهر فيهما وتمسكوا بهذا الحديث واحتج الآخرون بأن الصحابة حزروا القراءة
بقدر البقرة وغيرها ولو كان جهرا لعلم قدرها بلا حزر وقال ابن جرير الطبري الجهر والاسرار
سواء قوله حدثني من أصدق حسبته يريد عائشة هكذا هو في نسخ بلادنا وكذا نقله القاضي
عن الجمهور وعن بعض رواتهم من أصدق حديثه يريد عائشة ومعنى اللفظين متغاير فعلى

204
رواية الجمهور له حكم المرسل إن قلنا بمذهب الجمهور ان قوله أخبرني الثقة ليس بحجة قوله ركعتين
في ثلاث ركعات أي في كل ركعة يركع ثلاث مرات قوله ست ركعا ت وأربع سجدات أي صلى
ركعتين في كل ركعتين ركوع ثلاث مرات وسجدتان قوله بين ظهر الحجر أي بينها قولها
حتى انتهى إلى مصلاه تعني موقفه في المسجد فيه أن السنة فصلاة الكسوف أن تكون في الجامع وفي جماعة

205
قوله صلى الله عليه وسلم رأيتكم تفتنون في القبور وفي آخره يتعوذ من عذاب القبر
فيه اثبات عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل الحق ومعنى تفتنون تمتحنون فيقال ما علمك بهذا
الرجل فيقول المؤمن هو رسول الله ويقول المنافق سمعت الناس يقولون شيئا فقلته هكذا
جاء مفسرا في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم كفتنة الدجال أي فتنة شديدة جدا وامتحانا
هائلا ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت قوله في رواية أبي الزبير سقط وقد نقل القاضي اجماع
العلماء أنه لا يطول الاعتدال الذي يلي السجود وحينئذ يجاب عن هذه الرواية بجوابين

206
أحدهما أنها شاذة مخالفة لرواية الأكثرين فلا يعمل بها والثاني أن المراد بالإطالة تنفيس
الاعتدال ومده قليلا وليس المراد اطالته نحو الركوع قوله صلى الله عليه وسلم عرض على كل
شئ تولجونه أي تدخلونه من جنة ونار وقبر ومحشر وغيرها قوله صلى الله عليه وسلم فعرضت
على الجنة وعرضت على النار قال القاضي عياض قال العلماء تحتمل أنه رآهما رؤية عين كشف
الله تعالى عنهما وأزال الحجب بينه وبينهما كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه ويكون
قوله صلى الله عليه وسلم في عرض هذا الحائط أي في جهته وناحيته أوفي التمثيل لقرب المشاهدة
قالوا ويحتمل أن يكون رؤية علم وعرض وحي باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلا ما لم يعرفه
قبل ذلك ومن عظيم شأنهما ما زاده علما بأمرهما وخشية وتحذيرا ودوام ذكر ولهذا قال
صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا قال القاضي والتأويل الأول
أولى وأشبه بألفاظ الحديث لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين كتناوله
صلى الله عليه وسلم العنقود وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار قوله صلى الله عليه وسلم فعرضت على الجنة حتى
لو تناولت منها قطفا أخذته معنى تناولت مددت يدي لأخذه والقطف بكسر القاف العنقود
وهو فعل بمعنى مفعول كالذبح بمعنى المذبوح وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم
وأن في الجنة ثمارا وهذا كله مذهب أصحابنا وسائر أهل السنة خلافا للمعتزلة قوله صلى الله عليه وسلم فرأيت فيها امرأة تعذب في هرة لها ربطتها أي بسبب هرة قوله صلى الله عليه وسلم
تأكل من خشاش الأرض بفتح الخاء المعجمة وهي هوامها وحشراتها وقيل صغار الطير وحكى
القاضي فتح الخاء وكسرها وضمها والفتح هو المشهور قال القاضي في هذا الحديث المؤاخذة
بالصغائر قال وليس فيه أنها عذبت عليها بالنار قال ويحتمل أنها كانت كافرة فزيد في عذابها بذلك
هذا كلامه وليس بصواب بل الصواب المصرح به في الحديث أنها عذبت بسبب الهرة

207
وهو كبيرة لأنها ربطتها وأصرت على ذلك حتى ماتت والاصرار على الصغيرة يجعلها
كبيرة كما هو مقرر في كتب الفقه وغيرها وليس في الحديث ما يقتضي كفر هذه المرأة قوله صلى الله عليه وسلم يجر قصبه في النار هو بضم القاف واسكان الصاد وهي الأمعاء قوله
ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام

208
في مقامه فيه أن العمل القليل لا يبطل الصلاة وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات
متتابعات وقالوا الثلاث متتابعات تبطلها ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة
لا متوالية ولا يصح تأويله على أنه كان خطوتين لأن قوله انتهينا إلى النساء يخالفه وفيه استحباب
صلاة الكسوف للنساء وفيه حضورهن وراء الرجال قوله آضت الشمس هو بهمزة
ممدودة هكذا ضبطه جميع الرواة ببلادنا وكذا أشار إليه القاضي قالوا ومعناه رجعت إلى حالها
الأول قبل الكسوف وهو من آض يئيض إذا
رجع ومنه قولهم أيضا وهو مصدر منه قوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يصيبني من لفحها أي من ضرب لهبها ومنه قوله تعالى
تلفح وجوههم النار أي يضربها لهبها قالوا والنفح دون اللفح قال الله ولئن مستهم نفحة من
عذاب ربك أي أدنى شئ منه قاله الهروي وغيره قوله صلى الله عليه وسلم ورأيت فيها

209
صاحب المحجن هو بكسر الميم وهو عصا مغففة الطرف قولها فأشارت برأسها إلى السماء
فيه امتناع الكلام بالصلاة وجواز الإشارة ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة قولها تجلاني
الغشى هو بفتح الغين واسكان الشين وروى أيضا بكسر الشين وتشديد الياء وهما بمعنى
الغشاوة وهو معروف يحصل بطول القيام في الحر وفي غير ذلك من الأحوال ولهذا جعلت
تصب عليها الماء وفيه أن الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل ثابتا قولها فأخذت قربة من
ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء هذا محمول على أنه لم تكثر
أفعالها متوالية لأن الأفعال إذا كثرت متوالية أبطلت الصلاة قوله ما علمك بهذا الرجل
إنما يقول له الملكان السائلان ما علمك بهذا الرجل ولا يقول رسول الله امتحانا له واغرابا
عليه لئلا يتلقن منهما اكرام النبي صلى الله عليه وسلم ورفع مرتبته فيعظمه هو تقليدا لهما لا
اعتقادا ولهذا يقول المؤمن هو رسول الله ويقول المنافق لا أدري فيثبت الله الذين آمنوا بالقول

210
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قوله عن عروة قال لا تقل كسفت الشمس ولكن قل
خسفت الشمس هذا قول له انفرد به والمشهور ما قدمناه في أول الباب

211
قوله ففزع قال القاضي يحتمل أن يكون معناه الفزع الذي هو الخوف كما في الرواية الأخرى يخشى
أن تكون الساعة ويحتمل أن يكون معناه الفزع الذي هو المبادرة إلى الشئ فأخطأ بدرع حتى أدرك
بردائه معناه أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ ذرع بعض أهل البيت سهوا
ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان قوله
في الرواية الأولى من حديث ابن عباس فقام قياما طويلا قدر نحو سورة البقرة هكذا هو في النسخ

212
قدر نحو وهو صحيح ولو اقتصر على أحد اللفظين لكان صحيحا قوله صلى الله عليه وسلم بكفرهن قيل
أيكفرن بالله قال بكفر العشير وبكفر الاحسان هكذا ضبطناه بكفر بالباء الموحدة الجارة
وضم الكاف واسكان الفاء وفيه جواز اطلاق الكفر على كفران الحقوق وان لم يكن ذلك الشخص
كافرا بالله تعالى وقد سبق شرح هذا اللفظ مرات والعشير المعاشر كالزوج وغيره فيه ذم
كفران الحقوق لأصحابها قوله تكعكعت أي توقفت وأحجمت قال الهروي وغيره
يقال تكعكع الرجل وتكاعى وكع وكوعا إذا أحجم وجبن قوله ثمان ركعات في
أربع

213
سجدات أي ركع ثمان مرات كل أربع في ركعة وسجد سجدتين في كل ركعة وقد صرح
بهذا في الكتاب في الرواية الثانية قوله في حديث ابن عمرو فركع ركعتين في سجدة أي
ركوعين في ركعة والمراد بالسجدة ركعة وقد سبق أحاديث كثيرة باطلاق السجدة على ركعة
قولها ما ركعت ركوعا قط ولا سجدت سجودا قط كان أطول منه وفي رواية أبي موسى
الأشعري فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود وما رأيته يفعله في صلاة قط فيهما دليل
للمختار وهو استحباب تطويل السجود في صلاة الكسوف ولا يضر كون أكثر الروايات
ليس فيهما تطويل السجود لان الزيادة من الثقة مقبولة مع أن تطويل السجود ثابت من
رواية جماعة كثيرة من الصحابة وذكره مسلم من روايتي عائشة وأبي موسى ورواه البخاري
من رواية جماعة آخرين وأبو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طرقه وتعاضدت فتعين العمل

214
به قوله فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة هذا قد يستشكل من حيث أن الساعة لها
مقدمات كثيرة لا بد من وقوعها ولم تكن وقعت كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة
والنار والدجال وقتال الترك وأشياء أخر لا بد من وقوعها قبل الساعة كفتوح الشام والعراق
ومصر وغيرهما وانفاق كنوز كسرى في سبيل الله تعالى وقتال الخوارج وغير ذلك من
الأمور المشهورة في الأحاديث الصحيحة ويجاب عنه بأجوبة أحدها لعل هذا الكسوف

215
قبل اعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور الثاني لعله خشي أن تكون بعض مقدماتها
الثالث أن الراوي ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة وليس يلزم من ظنه
أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خشي ذلك حقيقة بل خرج النبي صلى الله عليه وسلم مستعجلا
مهتما بالصلاة وغيرها من أمر الكسوف مبادرا إلى ذلك وربما خاف أن يكون نوع عقوبة
كما كان صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح تعر ف الكراهة في وجهه ويخاف أن يكون
عذابا كما سبق في آخر كتاب الاستسقاء فظن الراوي خلاف ذلك ولا اعتبار بظنه قوله
فانتهيت إليه وهو رافع يديه يدعو ويكبر ويحمد ويهلل حتى جلى عن الشمس قرأ سورتين
وركع ركعتين وفي الرواية الأخرى فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويهلل

216
ويكبر ويحمد ويدعو حتى حسر قال فلما حسر عنها قرأ سورتين فصلى ركعتين هذا مما
يستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك فإنه
لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرح به
في الرواية الثانية ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد
وقراءة سورتين في القيامين الآخرين للركعة الثانية وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميما للصلاة
فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء وهذا الذي ذكرته
من تقديره لابد منه لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه ولروايات باقي الصحابة والرواية
الأولى محمولة عليه أيضا ليتفق الروايتان ونقل القاضي عن المازري أنه تأوله على صلاة ركعتين
تطوعا مستقلا بعد انجلاء الكسوف لأنها صلاة كسوف وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية
والله أعلم قوله وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح إلى قوله ويدعو فيه دليل لأصحابنا في رفع
اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة قوله حسر عنها
أي كشف وهو بمعنى قوله في الرواية الأولى جلى عنها قوله كنت أرتمي بأسهم أي أرمي
كما قاله في الرواية الأولى يقال أرمي وارتمى وترامى وترمي كما قاله في الرواية الأخيرة قوله

217
زياد بن علاقة بكسر العين قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب ان الشمس والقمر
آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها فصلوا فيه دليل للشافعي وجميع فقهاء
أصحاب الحديث في استحباب الصلاة لكسوف القمر على هيئة صلاة كسوف الشمس وروى
عن جماعة من الصحابة وغيرهم وقال مالك وأبو حنيفة لا تسن لكسوف القمر هكذا وإنما
تسن ركعتان كسائر الصلوات فرادى والله أعلم

218
كتاب الجنائز
الجنازة مشتقة من جنز إذا ستر ذكره ابن فارس وغيره والمضارع يجنز بكسر النون والجنازة
بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح ويقال بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه ميت ويقال
عكسه حكاه صاحب المطالع والجمع جنائز بالفتح لا غير قوله صلى الله عليه وسلم لقنوا موتاكم
لا إله إلا الله معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما
في الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع
العلماء على هذا التلقين وكرهوا الاكثار عليه والموالاة لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره
ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق قالوا وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر
فيعاد التعريض به ليكون آخر كلامه ويتضمن الحديث الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه
واغماض عينيه والقيام بحقوقه وهذا مجمع عليه قوله وحدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز الدراوردي
وروح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا خالد بن مخلد أخبرنا سليمان بن بلال جميعا بهذا
الاسناد هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح قال أبو علي الغساني
وغيره معناه عن عمارة بن
غزية الذي سبق فيه الاسناد الأول ومعناه روى عنه الداروردي وسليمان بن بلال وهو كما قاله

219
أبو علي ولو قال مسلم جميعا عن عمارة بن غزية بهذا الاسناد لكان أحسن وأوضح وهو المعروف
من عادته في الكتاب لكنه حذفه هنا لوضوحه عند أهل هذه الصنعة قوله صلى الله عليه وسلم
ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل انا لله وانا إليه راجعون فيه فضيلة هذا القول وفيه
دليل للمذهب المختار في الأصول أن المندوب مأمور به لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور به مع
أن الآية الكريمة تقتضي ندبه واجماع المسلمين منعقد عليه قوله صلى الله عليه وسلم أجرني في
مصيبتي وأخلف لي خيرا منها قال القاضي أجرني بالقصر والمد حكاهما
صاحب الأفعال وقال الأصمعي
وأكثر أهل اللغة هو مقصور لا يمد ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره وهمه في مصيبته
وقوله صلى الله عليه وسلم وأخلف لي هو بقطع الهمزة وكسر اللام قال أهل اللغة يقال لمن ذهب له
مال أو ولد أو قريب أو شئ يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد عليك
مثله فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم أو أخ لمن لا جد له ولا والد له قيل خلف الله عليك بغير ألف أي كان الله

220
خليفة منه عليك وقولها وأنا غيور يقال امرأة غيري وغيور ورجل غيور وغيران قد جاء فعول
في صفات المؤنث كثيرا كقولهم امرأة عروس وعروب وضحوك لكثيرة الضحك وعقبة كؤد
وأرض صعود وهبوط وحدود وأشباهها قوله صلى الله عليه وسلم وأدعو الله أن يذهب بالغيرة هي
بفتح الغين ويقال أذهب الله الشئ وذهب به كقوله تعالى ذهب الله بنورهم قوله صلى الله عليه وسلم
إلا أجره الله هو بقصر الهمزة ومدها والقصر أفصح وأشهر كما سبق قولها ثم عزم الله لي فقلتها

221
أي خلق في عزما وقد سبق في شرح أول خطبة مسلم أن فعل الله تعالى لا يسمى عزما من
حيث أن حقيقة العزم حدوث رأى لم يكن والله منزه عن هذا فتأولوا قول أم سلمة على أن
معناه خلق لي أو في عزما قوله صلى الله عليه وسلم إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا
خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولوا فيه الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار
له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم قوله وقد
شق بصره هو بفتح الشين ورفع بصره وهو فاعل شق هكذا ضبطناه وهو المشهور وضبطه
بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضا والشين مفتوحة بلا خلاف قال القاضي قال صاحب إلا معا
الأفعال يقال شق بصر الميت بصره ومعناه شخص كما في الرواية الأخرى وقال ابن

222
السكيت في الاصلاح والجوهري حكاية عن ابن السكيت يقال شق بصر الميت ولا تقل شق
الميت بصره وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشئ لا يرتد إليه طرفه قولها فأغمضه
دليل على استحباب اغماض الميت وأجمع المسلمون على ذلك قالوا والحكمة فيه أن لا يقبح
بمنظره لو ترك اغماضه قوله صلى الله عليه وسلم ان الروح إذا قبض تبعه البصر معناه
إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرا أين يذهب وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث
وهذا الحديث دليل للتذكير وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح
أجسام لطيفة متخللة في البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها وليس عرضا كما قاله آخرون
ولا دما كما قاله آخرون وفيها كلام متشعب للمتكلمين قولها ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة
إلى آخره فيه استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وذريته بأمور الآخرة والدنيا قوله صلى الله عليه وسلم واخلفه في عقبه في الغابرين أي الباقين كقوله تعالى إلا امرأته كانت
من الغابرين

223
قوله صلى الله عليه وسلم شخص بصره بفتح الخاء أي ارتفع ولم يرتد قوله صلى الله عليه وسلم يتبع بصره نفسه المراد بالنفس هنا الروح قال القاضي وفيه أن الموت
ليس بافناء وإعدام وإنما هو انتقال وتغير حال واعدام الجسد دون الروح الا ما استثنى من
عجب الذنب قال وفيه حجة لمن يقول الروح والنفس بمعنى قولها غريب وفي أرض
غربة معناه أنه من أهل مكة ومات بالمدينة قولها أقبلت امرأة من الصعيد المراد
بالصعيد هنا عوالي المدينة وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض قولها تسعدني أي
تساعدني في البكاء والنوح قوله صلى الله عليه وسلم
ان لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ

224
عنده بأجل مسمى معناه الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى وتقديره ان هذا الذي
أخذ منكم كان له لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له فينبغي أن لا تجزعوا كما لا يجزع من استردت
منه وديعة أو عارية وقوله صلى الله عليه وسلم وله ما أعطى معناه أن ما وهبه لكم ليس
خارجا عن ملكه بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء وقوله صلى الله عليه وسلم وكل
شئ عنده بأجل مسمى معناه اصبروا ولا تجزعوا فإن كل من يأت قد انقضى أجله المسمى
فمحال تقدمه أو تأخره عنه فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم والله أعلم وهذا
الحديث من قواعد الاسلام المشتملة على جمل من أصول الدين وفروعه والآداب قوله
ونفسه تقعقع كأنها في شنة هو بفتح التاء والقافين والشنة القربة البالية ومعناه لها
صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقى في القربة البالية قوله ففاضت عيناه فقال له
سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده
الرحماء معناه أن سعدا ظن أن جميع أنواع البكاء حرام وأن دمع العين حرام وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي فذكره فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن مجرد البكاء
ودمع بعين ليس بحرام
ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما كما

225
سيأتي في الأحاديث ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم
وأشار إلى لسانه وفي الحديث الآخر العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يسخط الله وفي
الحديث الآخر ما لم يكن لقع أو لقلقة قوله وجده في غشية هو بفتح الغين وكسر الشين وتشديد
الياء قال القاضي هكذا رواية الأكثرين قال وضبطه بعضهم باسكان الشين وتخفيف الياء وفي
رواية البخاري في غاشية وكله صحيح وفيه قولان أحدهما من يغشاه من أهله والثاني ما يغشاه
من كرب الموت قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف
وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فيه استحباب عيادة المريض وعيادة الفاضل

226
المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه قوله ما علينا نعال ولا خفاف
ولا قلانس ولا قمص فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واطراح فضولها
وعدم الاهتمام بفاخر اللباس ونحوه وفيه جواز المشي حافيا وعيادة الإمام والعالم المريض مع
أصحابه قوله صلى الله عليه وسلم الصبر عند الصدمة الأولى وفي الرواية الأخرى إنما الصبر معناه
الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه وأصل الصدم
الضرب في شئ صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة قوله أتى على امرأة تبكي
على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري فيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع كل
أحد قولها وما تبالي بمصيبتي ثم قالت في آخره لم أعرفك فيه الاعتذار إلى أهل الفضل
إذا أساء الإنسان أدبه معهم وفيه صحة قول الإنسان ما أبالي بكذا والرد على من زعم أنه
لا يجوز اثبات الباء إنما يقال ما باليت كذا وهذا غلط بل الصواب جواز اثبات الباء
وحذفها وقد كثر ذلك في الأحاديث قوله فلم نجد على بابه بوابين فيه ما كان عليه النبي

227
صلى الله عليه وسلم من التواضع وأنه ينبغي للإمام والقاضي إذا لم يحتج إلى بواب أن لا يتخذه
وهكذا قال أصحابنا قوله صلى الله عليه وسلم ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وفي رواية
ببعض بكاء أهله عليه وفي رواية ببكاء الحي وفي رواية يعذب في قبره بما نيح عليه وفي رواية
من يبك عليه يعذب وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما
وأنكرت عائشة ونسبتها إلى النسيان والاشتباه عليهما وأنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك واحتجت بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى قالت وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية أنها تعذب وهم يبكون عليها يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها
لا بسبب البكاء واختلف العلماء في هذه الأحاديث فتأولها الجمهور على من وصى بأن يبكي
عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب
إليه قالوا فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى

228
قالوا وكان من عادة العرب الوصية بذلك ومنه قول طرفة بن العبد
إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي على الجيب يا ابنة معبد
قالوا فخرج الحديث مطلقا حملا على ما كان معتادا لهم وقالت طائفة هو محمول على من أوصى بالبكاء
والنوح أو لم يوص بتركهما فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهمال
الوصية بتركهما فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه وحاصل هذا القول
إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملها عذب بهما وقالت طائفة معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على
الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها كما كانوا يقولون
يا مؤيد النسوان ومؤتم الولدان ومخرب العمران ومفرق الأخدان ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرا
وهو حرام شرعا وقالت طائفة معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم وإلى هذا ذهب محمد بن جرير
الطبري وغيره وقال القاضي عياض وهو أولى الأقوال واحتجوا بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا
اخوانكم وقالت عائشة رضي الله عنها معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب
يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور
وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع
العين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث محمد بن بشار يعذب في قبره بما نيح عليه وما نيح عليه

229
باثبات الباء وحذفها وهما صحيحان وفي رواية باثبات في قبره وفي رواية بحذفه قوله
فقام بحياله يبكي أي حذاءه وعنده قوله صلى الله عليه وسلم من يبكي عليه يعذب هكذا
هو في الأصول يبكي بالياء وهو صحيح ويكون من بمعنى الذي ويجوز على لغة أن تكون شرطية
وتثبيت الياء ومنه قول الشاعر ألم يأتيك والأنباء تنمى قوله فذكرت ذلك لموسى بن طلحة
القائل فذكرت ذلك هو عبد الملك بن عمير قوله عولت عليه حفصة فقال يا حفصة
أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المعول عليه يعذب قال محققو أهل اللغة

230
يقال عول عليه وأعول لغتان وهو البكاء بصوت وقال بعضهم لا يقال الا أعول وهذا الحديث
يرد عليه قوله عن ابن أبي مليكة كنت جالسا إلى جنب ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان
ابنة عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء ابن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء
حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما فيه دليل لجواز الجلوس والاجتماع لانتظار الجنازة واستحبابه
وأما جلوسه بين ابن عمر وابن عباس وهما أفضل بالصحبة والعلم والفضل والصلاح والنسب
والسن وغير ذلك مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين الا لعذر فمحمول على
عذر إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس واما لغير ذلك قوله عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت ليعذب ببكاء أهله فأرسلها عبد الله مرسلة معناه أن ابن عمر
أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي ولم يقيده بيهودي كما قيدته عائشة ولا بوصية كما قيده

231
آخرون ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوه عمر قوله عن عائشة فقالت لا والله ما قاله
رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ان الميت يعذب ببكاء أحد في هذه جواز الحلف بغلبة
الظن بقرائن وان لم يقطع الإنسان وهذا مذهبنا ومن هذا قالوا له الحلف بدين رآه بخط
أبيه الميت على فلان إذا ظنه فإن قيل فلعل عائشة لم تحلف على ظن بل على علم وتكون
سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أجزاء حياته قلنا هذا بعيد من وجهين أحدهما أن
عمر وابن عمر سمعاه صلى الله عليه وسلم يقول فيعذب ببكاء أهله والثاني لو كان كذلك
لاحتجت به عائشة وقالت سمعته في آخر حياته صلى الله عليه وسلم ولم تحتج به إنما

232
احتجت بالآية والله أعلم قولها وهل هو بفتح الواو وكسر الهاء وفتحها أي غلط ونسي
وأما قولها في انكارها سماع الموتى فسيأتي بسط الكلام فيه في آخر الكتاب حيث ذكر مسلم

234
أحاديثه قوله صلى الله عليه وسلم والاستسقاء بالنجوم قد سبق بيانه في كتاب الإيمان
في حديث مطرنا بنوء كذا قوله صلى الله عليه وسلم النائحة إذا لم تتب قبل موتها إلى آخره

235
فيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه وفيه صحة التوبة ما لم يمت المكلف ولم يصل إلى
الغرغرة قولها أنظر من صائر الباب شق الباب هكذا هو في روايات البخاري ومسلم
صائر الباب شق الباب وشق الباب تفسير للصائر وهو بفتح الشين وقال بعضهم لا يقال صائر
وإنما يقال صير بكسر الصاد واسكان الياء قوله صلى الله عليه وسلم اذهب فاحث في أفواههن
من التراب هو بضم الثاء وكسرها يقال حثا يحثو وحثى يحثى لغتان وأمره صلى الله عليه وسلم
بذلك مبالغة في انكار البكاء عليهم ومنعهن منه ثم تأوله بعضهم على أنه كان بكاء بنوح وصياح
ولهذا تأكد النهى ولو كان مجرد دمع العين لم ينه عنه لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وأخبر أنه
ليس بحرام وأنه رحمة وتأوله بعضهم على أنه كان بكاء من غير نياحة ولا صوت قال ويبعد أن
الصحابيات يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم وإنما كان بكاء مجردا والنهي عنه تنزيه وأدب
لا للتحريم فلهذا أصررن عليه متأولات قوله أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله

236
صلى الله عليه وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء معناه أنك قاصر
لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك ولتقصيرك ولا تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك
عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء والعناء بالمد المشقة والتعب وقولهم أرغم الله أنفه
أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهو إشارة إلى اذلاله واهانته قوله وفي حديث عبد العزيز
وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العي هكذا هو معظم نسخ بلادنا هنا العي بكسر
العين المهملة أي التعب وهو بمعنى العناء السابق في الرواية الأولى قال القاضي ووقع عند بعضهم
الغي بالمعجمة وهو تصحيف قال ووقع عند أكثرهم العناء بالمد وهو الذي نسبه إلى الأكثرين
خلاف سياق مسلم لأن مسلما روى الأول العناء ثم روى الرواية الثانية وقال إنها بنحو الأولى
إلا في هذا اللفظ فيتعين أن يكون خلاف قولها أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع البيعة أن لا ننوح وفي الرواية الأخرى في البيعة فيه تحريم النوح وعظيم قبحه والاهتمام

237
بانكاره والزجر عنه لأنه مهيج للحزن ورافع للصبر وفيه مخالفة التسليم للقضاء والاذعان لأمر
الله تعالى قولها فما وفت منا امرأة الا خمس قال القاضي معناه لم يف ممن بايع مع أم
عطية في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة الا خمس لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير
خمس قوله عن أم عطية حين نهين عن النياحة فقلت يا رسول الله إلا آل فلان هذا
محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها
ولا لها غير آل فلان كما هو صريح في الحديث وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا
صواب الحكم في هذا الحديث واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا
عجيبة ومقصودي التحذير من الاغترار بها حتى أن بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام
بهذا الحديث وقصة نساء جعفر قال وإنما ما كان معه شئ من أفعال الجاهلية كشق
الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية والصواب ما ذكرناه أو وأن النياحة حرام مطلقا
وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره والله أعلم.

238
/ 1