بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: شرح مسلم المؤلف: النووي الجزء: 15 الوفاة: 676 المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه تحقيق: الطبعة: سنة الطبع: 1407 - 1987 م المطبعة: الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الخامس عشر الناشر دار الكتاب العربي بيروت - لبنان 1407 ه - 1987 م دار الكتاب العربي الرملة البيضاء - ملكارت سنتر - الطابق الرابع، تلفون 800832 - 800811 - 805478 تلكس: 40139. E. L كتاب. برقيا: الكتاب ص. ب: 5769 - 11 بيروت - لبنان
1 بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها. باب النهي عن سب الدهر قوله سبحانه وتعالى (يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار) وفي رواية قال الله تعالى عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار وفي رواية يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما وفي رواية لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر أما قوله عز وجل يؤذيني ابن آدم فمعناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم وأما قوله عز وجل وانا الدهر فإنه برفع الراء هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين وقال أبو بكر ومحمد بن داود الأصبهاني الطاهري إنما هو الدهر بالنصب على الظرف أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره وحكى ابن عبد البر هذه
2 الرواية عن بعض أهل العلم وقال النحاس يجوز النصب أي فان الله باق مقيم أبدا لا يزول قال القاضي قال بعضهم هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب أما رواية الرفع وهي الصواب فموافقة لقوله فان الله هو الدهر قال العلماء وهو مجاز وسببه ان العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم
3 باب كراهة تسمية العنب كرما قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فان الكرم الرجل المسلم) وفي رواية فان الكرم قلب المؤمن وفي رواية لا تسموا العنب الكرم وفي رواية لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة أما الحبلة فبفتح الحاء المهملة وبفتح الباء واسكانها وهي شجر العنب ففي هذه الأحاديث كراهة تسمية العنب كرما بل يقال عنب أو حبلة قال العلماء سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب وعلى العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرما لكونها متخذة منه ولأنها تحمل على الكرم والسخاء فكره الشرع اطلاق هذه
4 اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك وقال إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن لأن الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء وقد قال الله تعالى أكرمكم عند الله أتقاكم فسمى قلب المؤمن كرما لما فيه من الايمان والهدي والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم وكذلك الرجل المسلم قال أهل اللغة يقال رجل كرم باسكان الراء وامرأة كرم ورجلان كرم ورجال كرم وامرأتان كرم ونسوة كرم كله بفتح الراء واسكانها بمعنى كريم وكريمان وكرام وكريمات وصف بالمصدر كضيف وعدل والله أعلم باب حكم اطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله
5 ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي) وفي رواية ولا يقل العبد ربي ولكن ليقل سيدي وفي رواية ولا يقل العبد لسيده مولاي فان مولاكم الله وفي رواية لا يقولن أحدكم اسق ربك أو أطعم ربك وضئ ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي فتاتي غلامي قال العلماء مقصود الأحاديث شيئان أحدهما نهى المملوك أن يقول لسيده ربي لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى لأن الرب هو المالك أو القائم بالشئ ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى فان قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها أو ربها فالجواب من وجهين أحدهما أن الحديث الثاني لبيان الجواز وأن النهي في الأول للأدب وكرامة التنزيه لا للتحريم والثاني أن المراد النهي عن الاكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة ولم ينه عن اطلاقها في نادر من الأحوال واختار القاضي هذا الجواب ولا نهي في قول المملوك سيدي لقوله صلى الله عليه وسلم ليقل سيدي لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب ولا مستعملة فيه كاستعمالها حتى نقل القاضي عن مالك أنه كره الدعاء بسيدي ولم يأت تسمية الله تعالى بالسيد
6 في القرآن ولا في حديث متواتر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد وقوموا إلى سيدكم يعني سعد بن معاذ وفي الحديث الآخر اسمعوا ما يقول سيدكم يعني سعد بن عبادة فليس في قول العبد سيدي اشكال ولا لبس لأنه يستعمله غير العبد والأمة ولا بأس أيضا بقول العبد لسيده مولاي فان المولى وقع على ستة عشر معنى سبق بيانها منها الناصر والمالك قال القاضي وأما قوله في كتاب مسلم في رواية وكيع وأبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه ولا يقل العبد لسيده مولاي فقد اختلف الرواة عن الأعمش في ذكر هذه اللفظة فلم يذكرها عنه آخرون وحذفها أصح والله أعلم الثاني يكره للسيد أن يقول لمملوكه عبدي وأمتي بل يقول غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى ولأن فيها تعظيما بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال كلكم عبيد الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الأفعال وفي اسبال الإزار وغيره وأما غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي فليست دالة على الملك كدلالة عبدي مع أنها تطلق على الحر والمملوك وإنما هي للاختصاص قال الله تعالى قال موسى لفتاه لفتيانه لفتيته سمعنا فتى يذكرهم وأما استعمال الجارية في الحرة الصغيرة فمشهور معروف في الجاهلية والاسلام والظاهر أن المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم والارتفاع لا للوصف والتعريف والله أعلم باب كراهة قول الانسان خبثت نفسي قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي) قال أبو عبيد
7 وجميع أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم لقست وخبثت بمعنى واحد وإنما كره لفظ الخبث لبشاعة الاسم وعلمهم الأدب في الألفاظ واستعمال حسنها وهجران خبيثها قالوا ومعنى لقست غثت وقال ابن الاعرابي معناه ضاقت فإن قيل فقد قال صلى الله عليه وسلم في الذي ينام عن الصلاة فأصبح خبيث النفس كسلان قال القاضي وغيره جوابه أن النبي صلى الله عليه وسلم مخبر هناك عن صفة غيره وعن شخص مبهم مذموم الحال لا يمتنع اطلاق هذا اللفظ عليه والله أعلم استعمال المسك وأنه أطيب الطيب (وكراهة رد الريحان والطيب) قوله صلى الله عليه وسلم (والمسك أطيب الطيب) فيه أنه أطيب الطيب وأفضله وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجور بيعه وهذا كله مجمع عليه ونقل أصحابنا فيه عن الشيعة مذهبا
8 باطلا وهم محجوجون باجماع المسلمين وبالأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له واستعمال أصحابه قال أصحابنا وغيرهم هو مستثنى من القاعدة المعروفة أن ما أبين من حي فهو ميت أو يقال أنه في معنى الجنين والبيض واللبن وأما اتخاذ المرأة القصيرة رجلين من خشب حتى مشت بين الطويلتين فلم تعرف فحكمه في شرعنا أنها ان قصدت به مقصودا صحيحا شرعيا بأن قصدت ستر نفسها لئلا تعرف فتقصد بالأذى أو نحو ذلك فلا بأس به وان قصدت به التعاظم أو التشبه بالكاملات تزويرا على الرجال وغيرهم فهو حرام قوله صلى الله عليه وسلم (من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح) المحمل هنا بفتح الميم الأولى وكسر الثانية كالمجلس والمراد به الحمل بفتح الحاء أي خفيف الحمل ليس بثقيل وقوله صلى الله عليه وسلم فلا يرده برفع الدال على الفصيح المشهور وأكثر ما يستعمله من لا يحقق العربية بفتحها وقد سبق بيان هذه اللفظة وقاعدتها في كتاب الحج في حديث الصعب بن جثامة حين أهدى الحمار الوحشي فقال صلى الله عليه وسلم انا لم نرده عليك إلا أنا حرم وأما الريحان فقال أهل اللغة وغريب الحديث في تفسير هذا الحديث هو كل نبت مشموم طيب الريح قال القاضي عياض بعد حكاية ما ذكرناه ويحتمل عندي أن يكون المراد به في هذا الحديث الطيب كله وقد وقع في رواية أبي داود في هذا الحديث من عرض عليه طيب وفي صحيح البخاري كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد
9 الطيب والله أعلم وفي هذا الحديث كراهة رد الريحان لمن عرض عليه إلا لعذر قوله (كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بألوة غير مطراة أو بكافور يطرحه مع الألوة ثم قال هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به مأخوذ من المجمر وهو البخور وأما الألوة فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة والغريب هي العود يتبخر به قال الأصمعي أراها فارسية معربة هي بضم اللام وفتح الهمزة وضمها لغتان مشهورتان وحكى الأزهري كسر اللام قال القاضي وحكى عن الكسائي ألية قال القاضي قال غيره وتشدد وتخفف وتكسر الهمزة وتضم وقيل لوة ولية وقوله غير مطراة أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال كما هو مستحب للنساء لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة والعيد عند حضور مجامع المسلمين ومجالس الذكر والعلم وعند ارادته معاشرة زوجته ونحو ذلك والله أعلم
10 كتاب الشعر قوله (عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا قلت نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت قال إن كاد ليسلم) وفي رواية فلقد كاد يسلم في شعره أما الشريد فبشين معجمة مفتوحة ثم راء مخففة مكسورة وهو الشريد بن سويد الثقفي الصحابي رضي الله عنه وقوله صلى
11 الله عليه وسلم هيه بكسر الهاء واسكان الياء وكسر الهاء الثانية قالوا والهاء الأولى بدل من الهمزة وأصله إيه وهي كلمة للاستزادة من الحديث المعهود قال ابن السكيت هي للاستزادة من حديث أو عمل معهودين قالوا وهي مبنية على الكسر فان وصلتها نونتها فقلت إيه حدثنا أي زدنا من هذا الحديث فان أردت الاستزادة من غير معهود نونت فقلت إيه لأن التنوين للتنكير وأما أيها بالنصب فمعناه الكف والأمر بالسكوت ومقصود الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم استحسن شعر أمية واستزاد من انشاده لما فيه من الاقرار بالوحدانية والبعث ففيه جواز انشاد الشعر الذي لا فحش فيه وسماعه سواء شعر الجاهلية وغيرهم وأن المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه إنما هو الاكثار منه وكونه غالبا على الانسان فأما يسيره فلا بأس بانشاده وسماعه وحفظه وقوله صلى الله عليه وسلم هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا فهكذا وقع في معظم النسخ شيئا بالنصب وفي بعضها شئ بالرفع وعلى روايا النصب يقدر فيه محذوف أي هل معك من شئ فتنشدني شيئا قوله صلى الله عليه وسلم (شعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل) وفي رواية أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل وفي رواية أصدق بيت قاله الشاعر وفي رواية أصدق بيت قالته الشعراء المراد بالكلمة هنا القطعة من الكلام والمراد بالباطل الفاني المضمحل وفي
12 هذا الحديث منقبة للبيد وهو صحابي وهو لبيد بن ربيعة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم
13 (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا) وفي رواية بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا قال أهل اللغة والغريب يريه بفتح الياء وكسر الراء من الورى وهو داء يفسد الجوف ومعناه قيحا يأكل جوفه ويفسده قال أبو عبيد قال بعضهم المراد بهذا الشعر شعر هجى به النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد والعلماء كافة هذا تفسير فاسد لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه دون قليله وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي صلى الله عليه وسلم موجبة للكفر قالوا بل الصواب أن المراد أن يكون الشعر غالبا عليه مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى وهذا مذموم من أي شعر كان فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا والله أعلم واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وإن كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستنشده وأمر به حسان في هجاء المشركين وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه
14 أو كان شعره هذا من المذموم وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها والله أعلم قوله (يسير بالعرج) هو بفتح المهملة واسكان الراء وبالجيم وهي قرية جامعة من عمل الفرع على نحو ثمانية وسبعين ميلا من المدينة قوله (عن يحنس) هو بضم الياء وفتح الحاء وتشديد النون مكسورة ومفتوحة والله أعلم باب تحريم اللعب بالنردشير قوله صلى الله عليه وسلم (من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه) قال العلماء النردشير هو النرد فالنرد عجمي معرب وشير معناه حلو وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا يكره ولا يحرم وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه ليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين وقال مالك وأحمد حرام قال مالك هو شر من النرد وألهى عن الخير وقاسوه على النرد وأصحابنا يمنعون القياس
15 ويقولون هو دونه ومعنى صبغ يده في لحم الخنزير ودمه في حال أكله منهما وهو تشبيه لتحريمه بتحريم أكلهما والله أعلم الرؤيا قوله (كنت أرى الرؤيا أعرى منها غير أني لا أزمل) أما قوله أزمل فمعناه أغطى وألف كالمحموم وأما أعرى فبضم الهمزة وإسكان العين وفتح الراء أي أجم لخوفي من ظاهرها في معرفتي قال أهل اللغة يقال عرى الرجل بضم العين وتخفيف الراء يعرى إذا أصابه عراء بضم العين وبالمد وهو نفض الحمى وقيل رعدة قوله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا بين الحلم من الشيطان أما الحلم فبضم الحاء وإسكان اللام والفعل منه حلم بفتح اللام وأما الرؤيا فمقصورة مهموزة
16 ويجوز ترك همزها كنظائرها قال المازري مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علما على المطر والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم الرؤيا من الله والحلم من الشيطان لا على أن الشيطان يفعل شيئا فالرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه هذا كلام المازري وقال غيره أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف المكروهة وان كانتا جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره) أما حلم ففتح اللام كما سبق
17 بيانه والحلم بضم الحاء واسكان اللام وينفث بضم الفاء وكسرها واليسار بفتح الياء وكسرها وأما قوله صلى الله عليه وسلم فلينفث عن يساره ثلاثا وفي رواية فليبصق على يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات وفي رواية فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحدا فإنها لا تضره وفي رواية فليبصق على يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه فحاصله ثلاثة أنه جاء فلينفث وفليبصق وفليتفل وأكثر الروايات فلينفث وقد سبق في كتاب الطب بيان الفرق بين هذه الألفاظ ومن قال أنها بمعنى ولعل المراد بالجميع النفث وهو نفخ لطيف بلا ريق ويكون التفل والبصق محمولين عليه مجازا وأما قوله صلى الله عليه وسلم فإنها لا تضره معناه أن الله تعالى جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها فإذا رأى ما يكرهه نفث عن يساره ثلاثا قائلا أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين فيكون قد عمل بجميع الروايات وان اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث قال القاضي وأمر بالنفث ثلاثا طردا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة تحقيرا له واستقذارا وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها واليمين ضدها وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحدا فسببه أنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى فان الرؤيا على رجل طائر ومعناه أنها إذا كانت محتملة وجهين ففسرت بأحدهما وقعت على قرب تلك الصفة قالوا وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروها ويفسر بمحبوب وعكسه وهذا معروف لأهله وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المحبوبة الحسنة لا تخبر بها الا من تحب فسببه أنه إذا أخبر بها من لا يحب ربما حمله البغض أو الحسد على تفسيرها بمكروه فقد يقع على تلك الصفة والا فيحصل له في الحال حزن ونكد من سوء تفسيرها والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (حين يهب من نومه) أي يستيقظ قوله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا الصالحة ورؤيا السوء) قال
18 القاضي يحتمل أن يكون معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها قال ورؤيا السوء يحتمل الوجهين أيضا سوء الظاهر وسوء التأويل قوله صلى الله عليه وسلم (فان رأى رؤيا حسنة فليبشره ولا يخبر بها الا من يحب) هكذا هو في معظم الأصول فليبشر بضم الياء وبعدها باء ساكنة من الابشار والبشرى وفي بعضها بفتح الياء وبالنون من النشر وهو الإشاعة قال القاضي في المشارق وفي الشرح هو تصحيف وفي بعضها فليستر بسين
19 مهملة من الستر والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب) قال الخطابي وغيره قيل المراد إذا قارب الزمان أن يعتدل ليله ونهاره وقيل المراد إذا قارب القيامة والأول أشهر عند أهل غير الرؤيا وجاء في حديث ما يؤيد الثاني والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا) ظاهره أنه على اطلاقه وحكى القاضي عن بعض العلماء أن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم وموت العلماء والصالحين ومن يستضاء بقوله وعمله فجعله الله تعالى جابرا وعوضا ومنبها لهم والأول أظهر لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها قوله صلى الله عليه وسلم (ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة) وفي رواية رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وفي رواية الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وفي رواية رؤيا الرجل الصالح
20 جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة وفي رواية الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة فحصل ثلاث روايات المشهور ستة وأربعين والثانية خمسة وأربعين والثالثة سبعين جزءا وفي غير مسلم من رواية ابن عباس من أربعين جزءا وفي رواية من تسعة وأربعين وفي رواية العباس من خمسين ومن رواية ابن عمر ستة وعشرين ومن رواية عبادة من أربعة وأربعين قال القاضي أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءا من ستة وأربعين جزءا والفاسق جزءا من سبعين جزءا وقيل المراد أن الخفي منها جزء من سبعين والجلي جزء من ستة وأربعين قال الخطابي وغيره قال بعض العلماء أقام صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة منها عشر سنين بالمدينة وثلاث عشرة بمكة وكان قبل ذلك ستة أشهر يرى في المنام الوحي وهي جزء من ستة وأربعين جزءا قال المازري وقيل المراد أن للمنامات شبها مما حصل له وميز به من النبوة بجزء من ستة وأربعين قال وقد قدح بعضهم في الأول بأنه لم يثبت أن أمد رؤياه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ستة أشهر وبأنه رأى بعد النبوة منامات كثيرة فلتضم إلى الأشهر الستة وحينئذ تتغير النسبة قال المازري هذا الاعتراض الثاني باطل فأن المنامات الموجودة بعد الوحي بإرسال الملك منغمره في الوحي فلم تحسب قال ويحتمل أن يكون المراد أن المنام فيه اخبار الغيب وهو احدى ثمرات النبوة وهو ليس في حد النبوة لأنه يجوز أن يبعث الله تعالى نبيا ليشرع الشرائع ويبين الأحكام ولا يخبر بغيب أبدا ولا يقدح ذلك في نبوته ولا يؤثر في مقصودها وهذا الجزء من النبوة وهو الاخبار بالغيب إذا وقع لا يكون الا صدقا والله أعلم قال الخطابي هذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها وقال وإنما كانت جزءا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يوحي إليهم في منامهم كما يوحي إليهم في اليقظة قال الخطابي وقال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لأنها جزء
21 باق من النبوة والله أعلم قوله (وأحب القيد وأكره الغل) والقيد ثبات في الدين قال العلماء إنما أحب القيد لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشرور وأنواع الباطل وأما الغل فموضعه العنق وهو صفة أهل النار قال الله تعالى جعلنا في أعناقهم
22 أغلالا وقال الله تعالى الاغلال في أعناقهم وأما أهل العبارة فنزلوا هاتين اللفظتين منازل فقالوا إذا رأى القيد في رجليه وهو في مسجد أو مشهد خير أو على حالة حسنة فهو دليل لثباته في ذلك وكذا لو رآه صاحب ولاية كان دليلا لثباته فيها ولو رآه مريض أو مسجون أو مسافر أو مكروب كان دليلا لثباته فيه قالوا ولو قارنه مكروه بأن يكون مع القيد غل غلب
23 المكروه لأنها صفة المعذبين وأما الغل فهو مذموم إذا كان في العنق وقد يدل للولايات إذا كان معه قرائن كما أن كل وال يحشر مغلولا حتى يطلقه عدله فأما إن كان مغلول اليدين دون العنق فهو حسن ودليل لكفهما عن الشر وقد يدل على بخلهما وقد يدل على منع ما نواه من الأفعال قوله صلى الله عليه وسلم (من رآني في المنام فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بي) وفي رواية من رآني في المنام فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي وفي رواية لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي وفي رواية من رآني فقد رأى الحق وفي رواية من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم فقد رآني فقال ابن الباقلاني معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث ولا من تشبيهات الشيطان ويؤيد قوله رواية فقد رأى الحق أي الروية الصحيحة قال وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن رآه أبيض اللحية وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في
24 المغرب ويراه كل منهما في مكانه وحكى المازري هذا عن ابن الباقلاني ثم قال وقال آخرون بل الحديث على ظاهره والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره فأما قوله بأنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معا فان ذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئيا لكون ما يتخيل مرتبطا بما يرى في العادة فيكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية والادراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها وإنما يشترط كونه موجودا ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث ما يقتضي بقاءه قال ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية هذا كلام المازري قال القاضي ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فقد رآني أو فقد رأى الحق فان الشيطان لا يتمثل في صورتي المراد به إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته فان رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة وهذا الذي قاله القاضي ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها لما ذكره المازري قال القاضي قال بعض العلماء خص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم السلام بالمعجزة وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصور فحماها الله تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده قال وكذا حمى رؤيتهم نفسهم قال القاضي واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها وان رآه الانسان على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم ولا اختلاف الأحوال بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن الباقلاني رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب وهي دلالات للرأي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات
25 والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة قال العلماء إن كان الواقع في نفس الأمر فكأنما رآني فهو كقوله صلى الله عليه وسلم فقد رآني أو فقد رأى الحق كما سبق تفسيره وإن كان سيراني في اليقظة ففيه أقوال أحدها المراد به أهل عصره ومعناه أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا والثاني معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة لأنه يراه في الآخرة جميع أمته من رآه في الدنيا ومن لم يره والثالث يراه في الآخرة رؤية خاصه في القرب منه وحصول شفاعته
26 ونحو ذلك والله أعلم قوله (ان أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام) قال المازري يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي أو بدلالة من المنام دلته على ذلك أو على أنه من المكروه الذي هو من تحزين الشياطين وأما العابرون فيتكلمون في كتبهم على قطع الرأس ويجعلونه دلالة على مفارقة الرأي ما هو فيه من النعم أو مفارقة من فوقه ويزول سلطانه ويتغير حاله في جميع أموره إلا أن يكون عبدا فيدل على عتقه أو مريضا فعلى شفائه أو مديونا فعلى قضاء دينه أو من لم يحج فعلى أنه يحج أو مغموما فعلى فرحه أو خائفا فعلى أمنه
27 والله أعلم قوله (أرى الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيدهم وأرى سببا واصلا) أما الظلة فهي السحابة وتنطف بضم الطاء وكسرها أي تقطر قليلا قليلا ويتكففون يأخذون بأكفهم والسبب الحبل والواصل بمعنى الموصول وأما الليلة فقال ثعلب وغيره يقال رأيت الليلة من الصباح إلى زوال الشمس ومن الزوال إلى الليل رأيت
28 البارحة قوله صلى الله عليه وسلم (أصبت بعضا وأخطأت بعضا) اختلف العلماء في معناه فقال ابن قتيبة وآخرون معناه أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن آمرك به وقال آخرون هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال أعبرها وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها فان الرأي قال رأيت ظلة تنطف السمن والعسل ففسره الصديق رضي الله عنه بالقرآن حلاوته ولينه وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة فكان حقه أن يقول القرآن والسنة وإلى هذا أشار الطحاوي وقال آخرون الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ بالسبب فانقطع به وذلك يدل على انخلاعه بنفسه وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به وعثمان قد خلع قهرا وقتل وولى غيره فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه وقال آخرون الخطأ في سؤاله ليعبرها. قوله (فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال لا تقسم) هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الأبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة فإن كان لم يؤمر بالابرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها مخافة من شيوعها أو أن المفسدة لو أنكر عليه مبادرته ووبخه بين الناس أو أنه أخطأ في ترك تعيين الرجال الذين يأخذون بالسبب بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان في بيانه صلى الله عليه وسلم أعيانهم مفسدة والله أعلم وفي هذا الحديث جواز عبر الرؤيا وأن
29 عابرها قد يصيب وقد يخطئ وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الاطلاق وإنما ذلك إذا أصاب وجهها وفيه أنه لا يستحب إبرار المقسم إذا كان فيه مفسدة أو مشقة ظاهرة قال القاضي وفيه أن من قال أقسم لا كفارة عليه لأن أبا بكر لم يزد على قوله أقسم وهذا الذي قاله القاضي عجب فان الذي في جميع نسخ صحيح مسلم أنه قال فوالله يا رسول الله لتحدثني وهذا صريح يمين وليس فيها أقسم والله أعلم قال القاضي قيل لمالك أيعبر الرجل الرؤيا على الخير وهي عنده على الشر فقال معاذ الله أبالنبوة يتلعب هي من أجزاء النبوة قوله (كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا) قال القاضي معنى هذه اللفظة عندهم كثيرا ما كان فعل كذا كأنه قال من شأنه وفي الحديث الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها قال العلماء وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه
30 وسلم يعلمهم تأويلها وفضيلتها واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الاخبار بالغيب قوله (برطب من رطب ابن طاب) هو نوع من الرطب معروف يقال له رطب ابن طاب وتمر ابن طاب وعذق ابن طاب وعرجون ابن طاب وهي مضاف إلى ابن طاب رجل من أهل المدينة قوله صلى الله عليه وسلم (وان ديننا قد طاب) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده قوله صلى الله عليه وسلم (رأيت في المنام اني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب) أما الوهل فبفتح الهاء ومعناه وهمي واعتقادي وهجر مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين وهي معروفة سبق بيانها في كتاب الايمان وأما يثرب فهو اسمها في الجاهلية فسماها الله تعالى المدينة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة وقد سبق شرحه مبسوطا في آخر كتاب الحج وقد جاء في حديث النهي عن تسميتها يثرب لكراهة لفظ التثريب ولأنه من تسمية الجاهلية وسماها في هذا الحديث يثرب فقيل يحتمل أن هذا كان قبل النهي وقيل لبيان الجواز وأن النهي للتنزيه لا للتحريم
31 وقيل خوطب به من يعرفها به ولهذا جمع بينه وبين اسمه الشرعي فقال المدينة يثرب قوله صلى الله عليه وسلم (ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المسلمين يوم أحد ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان) أما هززت وهززته فوقع في معظم النسخ بالزائين فيهما وفي بعضها هزت وهزته بزاي واحدة مشددة وإسكان التاء وهي لغة صحيحة قال العلماء وتفسيره صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بما ذكره لأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم كما يصول بسيفه وقد يفسر السيف في غير هذا بالولد والوالد والعم أو الأخ أو الزوجة وقد يدل على الولاية أو الوديعة وعلى لسان الرجل وحجته وقد يدل على سلطان جائر وكل ذلك بحسب قرائن تنضم تشهد لأحد هذه المعاني في الرائي أو في الرؤية قوله صلى الله عليه وسلم (ورأيت فيها أيضا بقرا والله خير فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر) قد جاء في غير مسلم زيادة في هذا الحديث ورأيت بقرا تنحر وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر فنحر البقر هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد قال القاضي عياض ضبطنا هذا الحرف عن جميع الرواة والله خير رفع الهاء والراء على المبتدأ والخبر وبعد يوم بدر بضم دال بعد ونصب يوم قال وروى بنصب الدال قالوا ومعناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وتفرق العدو عنهم هيبة لهم قال القاضي قال أكثر شراح الحديث معناه ثواب الله خير أي صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا قال القاضي والأولى قول من قال
32 والله خير من جملة الرؤيا وكلمة ألقيت إليه وسمعها في الرؤيا عند رؤياه البقر بدليل تأويله لها بقوله صلى الله عليه وسلم وإذا الخير ما جاء الله والله أعلم قوله (ان مسيلمة الكذاب ورد المدينة في عدد كثير فجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم) قال العلماء إنما جاءه تألفا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغ ما أنزل إليه قال القاضي ويحتمل أن سبب مجيئه إليه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأة له قال وكان مسيلمة إذ ذاك يظهر الاسلام وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك قال وقد جاء في حديث آخر أنه هو أتى النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنهما مرتان قوله صلى الله عليه وسلم لمسيلمة (ولن أتعدى أمر الله فيك) فهكذا وقع في جميع نسخ مسلم ووقع في البخاري ولن تعدو أمر الله فيك قال القاضي هما صحيحان فمعنى الأول لن أعدو أنا أمر الله فيك من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ومن أني أبلغ ما أنزل إلي وأدفع أمرك بالتي هي أحسن ومعنى الثاني ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ذلك أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ولئن أدبرت ليعقرنك الله) أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله والفقر القتل وعقروا الناقة قتلوها وقتله الله تعالى يوم اليمامة وهذا من معجزات النبوة قوله صلى الله عليه وسلم (وهذا ثابت يجيبك عني) قال العلماء كان ثابت بن قيس خطيب رسول الله
33 صلى الله عليه وسلم يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم. قوله صلى الله عليه وسلم (فأولتهما كذابين يخرجان بعدي فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء والآخر مسيلمة صاحب اليمامة) قال العلماء المراد بقوله صلى الله عليه وسلم يخرجان بعدي أي يظهران شوكتهما أو محاربتهما ودعواهما النبوة وإلا فقد كانا في زمنه قوله صلى الله عليه وسلم (رأيت في يدي سوارين) وفي الرواية الأخرى فوضع في يدي أسوارين قال أهل اللغة يقال سوار بكسر السين وضمها وأسوار بضم الهمز ثلاث لغلات ووقع في جميع النسخ في الرواية الثانية أسوارين فيكون وضع بفتح الواو والضاد وفيه ضمير الفاعل أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي أسوارين فهذا هو الصواب وضبطه بعضهم فوضع بضم الواو وهو ضعيف لنصب اسوارين وإن كان يتخرج على وجه ضعيف وقوله يدي هو بتشديد الياء على التثنية قوله صلى الله عليه سلم (فأوحى إلي أن انفخهما) هو بالخاء المعجمة ونفخه صلى الله عليه وسلم إياهما فطارا دليل لانمحاقهما واضمحلال أمرها وكان كذلك وهو من المعجزات قوله (أوتيت خزائن الأرض) وفي بعض
34 النسخ أتيت بخزائن الأرض وفي بعضها أتيت خزائن الأرض وهذه محمولة على التي قبلها وفي غير مسلم مفاتيح خزائن الأرض قال العلماء هذا محمول على سلطانها وملكها وفتح بلادها وأخذ خزائن أموالها وقد وقع ذلك كله ولله الحمد وهو من المعجزات قوله (كان رسول لله صلى الله عليه ولم (إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا) هكذا هو في جميع نسخ مسلم البارحة فيه دليل لجواز اطلاق البارحة على الليلة الماضية وإن كان قبل الزوال وقول ثعلب وغيره انه لا يقال البارحة إلا بعد الزوال يحتمل أنهم أرادوا أن هذا حقيقته ولا يمتنع إطلاقه قبل الزوال مجازا ويحملون الحديث على المجاز وإلا فمذهبهم باطل بهذا الحديث وفيه دليل لاستحباب إقبال الامام المصلي بعد سلامه على أصحابه وفيه استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث ولأن الذهن جمع قبل أن يتشعب باشغاله في معايش الدنيا ولأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يهوش الرؤيا عليه ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير أو التحذير من معصية ونحو ذلك وفيه إباحة الكلام في العلم وتفسير الرؤيا ونحوهما بعد صلاة الصبح وفيه أن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو غيره مباح والله أعلم
35 كتاب الفضائل فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى كنانة) إلى آخره استدل به أصحابنا على أن غير قريش من العرب ليس بكفء لهم ولا غير بني هاشم كفؤ لهم إلا بني المطلب فإنهم هم وبنو هاشم شئ واحد كما صرح به في الحديث الصحيح والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة منها لما يهبط من خشية الله وقوله تعالى من شئ إلا يسبح بحمده وفي هذه الآية خلاف مشهور والصحيح أنه يسبح
36 حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزا بحسبه كما ذكرنا ومنه الحجر الذي فر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم وكلام الذراع المسمومة ومشى إحدى الشجرتين إلى الأخرى حين دعاهما النبي صلى الله عليه وسلم وأشباه ذلك تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق قوله صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع) قال الهروي السيد هو الذي يفوق قومه في الخير وقال غيره هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم وأما قوله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى مناع ولا معاند ونحوه بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار وزعماء المشركين وهذا التقييد قريب من معنى قوله تعالى الملك اليوم لله الواحد القهار مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك لكن كان في الدنيا من يدعى الملك أو من يضاف إليه مجازا فانقطع كل ذلك في الآخرة قال العلماء وقوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم لم يقله فخرا بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور أنا سيد ولد أدم ولا فخر وإنما قاله لوجهين أحدهما امتثال قوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث والثاني أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه صلى الله عليه وسلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الآدميين وغيرهم وأما الحديث الآخر لا تفضلوا بين الأنبياء فجوابه من خمسة أوجه أنه صلى الله عليه وسلم
37 قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم فلما علم أخبر به والثاني قاله أدبا وتواضعا والثالث أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول والرابع إنما نهي عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة والفتنة كما هو المشهور في سبب الحديث والخامس أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة فلا تفاضل فيها وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى ولابد من اعتقاد التفضيل فقد قال الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض قوله صلى الله عليه وسلم (وأول شافع وأول مشفع) إنما ذكر الثاني لأنه قد يشفع اثنان فيشفع الثاني منهما قبل الأول والله أعلم في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم قوله في هذه الأحاديث في نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره وتكثير الطعام هذه كلها معجزات ظاهرات وجدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى أحوال متغايرة وبلغ مجموعها التواتر وأما تكثير الماء فقد صح من رواية أنس وابن مسعود وجابر وعمران بن الحصين وكذا تكثير الطعام وجد منه صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى أحوال كثيرة وصفات متنوعة وقد سبق في كتاب الرقى بيان حقيقة المعجزة والفرق بينها وبين الكرامة وسبق قبل ذلك بيان كيفية تكثير الطعام وغيره قوله (فأتى بقدح رحراح) هو بفتح الراء واسكان الحاء المهملة ويقال له رحرح بحذف الألف وهو الواسع القصير الجدار قوله (فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه) هو بضم الباء وفتحها وكسرها ثلاث لغات وفي كيفية هذا النبع قولان حكاهما القاضي وغيره أحدهما ونقله القاضي عن المزني وأكثر العلماء أن معناه أن الماء كان يخرج من نفس أصابعه صلى الله عليه وسلم وينبع من ذاتها قالوا وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجر ويؤيد هذا أنه جاء في رواية فرأيت الماء ينبع من أصابعه والثاني يحتمل
38 أن الله كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين أصابعه لا من نفسها وكلاهما معجزة ظاهرة وآية باهرة قوله (فالتمس الناس الوضوء) هو بفتح الواو على المشهور وهو الماء الذي يتوضأ به وسبق بيان لغاته في كتاب الطهارة قوله (حتى توضؤا من عند آخرهم) هكذا هو في الصحيحين من عند آخرهم وهو صحيح ومن هنا بمعنى إلى وهي لغة قوله (كانوا زهاء الثلاثمائة) أما زهاء فبضم الزاي وبالمد أي قدر ثلاثمائة ويقال أيضا لها باللام وقال في هذه الرواية ثلاثمائة وفي الرواية التي قبلها ما بين الستين إلى الثمانين قال العلماء هما قضيتان جرتا في وقتين ورواهما جميعا أنس وأما قوله الثلاثمائة فهكذا هو في جميع النسخ الثلاثمائة وهو صحيح وسبق شرحه في كتاب الايمان في حديث
39 حذيفة اكتبوا لي كم بلفظ الاسلام قوله (لا يغمر أصابعه) أي لا يغطيها قوله (والمسجد فيما ثمة) هكذا هو في جميع النسخ ثمة قال أهل اللغة ثم بفتح الثاء وثمة بفتح الهاء بمعنى هناك وهنا فثم للبعيد وثمة للقريب قوله صلى الله عليه وسلم (لو تركتيها ما زال قائما) أي موجودا حاضرا قوله في حديث غزوة تبوك (كان يجمع الصلاة) إلى آخره هذا الحديث سبق في كتاب الصلاة وفيه هذه المعجزة
40 الظاهرة في تكثير الماء وفيه الجمع بين الصلاتين في السفر قوله (والعين مثل الشراك تبض) هكذا ضبطناه هنا تبض بفتح التاء وكسر الموحدة وتشديد الضاد المعجمة ونقل القاضي اتفاق الرواة هنا على أنه بالضاد المعجمة ومعناه تسيل واختلفوا في ضبطه هناك فضبطه بعضهم بالمعجمة وبعضهم بالمهملة أي تبرق والشراك بكسر الشين وهو سير النعل ومعناه ماء قليل جدا قوله (فجرت العين بماء منهمر) أي كثير الصب والدفع قوله صلى الله عليه وسلم (قد ملئ جنانا) أي بساتين وعمرانا وهو جمع جنة وهو أيضا من المعجزات قوله في حديث المرأة انها حين عصرت العكة ذهبت بركة السمن وفي حديث الرجل حين كان الشعير فني ومثله حديث عائشة حين كالت الشعير ففني قال العلماء الحكمة في ذلك أن عصرها وكيله مضادة للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة وتكلف الإحاطة
41 بأسرار حكم الله تعالى وفضله فعوقب فاعله بزواله قوله صلى الله عليه وسلم في الحديقة (اخرصوها) هو بضم الراء وكسرها والضم أشهر أي احزروا كم يجيئ من تمرها فيه استحباب امتحان العالم أصحابه بمثل هذا التمرين والحديقة البستان من النخل إذا كان عليه حائط قوله صلى الله عليه وسلم (ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طئ) هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيب وخوف الضرر من القيام وقت الريح وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والرحمة لهم والاعتناء بمصالحهم وتحذيرهم ما يضرهم في دين أو دنيا وإنما أمر بشد عقل الجمال لئلا ينفلت منها شئ فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه فيلحقه ضرر الريح وجبلا طئ مشهوران يقال لأحدهما أجاء بفتح الهمزة والجيم وبالهمز والآخر سلمى بفتح السين وطئ بياء مشددة بعدها همزة على وزن سيد وهو أبو قبيله من اليمن وهو طئ بن أدر بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير قال صاحب التحرير وطي يهمز ولا يهمز لغتان قوله (وجاء رسول بن العلماء) بفتح العين المهملة واسكان اللام وبالمد قوله (وأهدى له بغلة بيضاء) فيه قبول هدية الكافر وسبق بيان هذا الحديث وما يعارضه في الظاهر وجمعنا بينهما وهذه البغلة هي دلدل بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة
42 لكن ظاهر لفظه هنا أنه أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقد كانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة وقد كانت هذه البغلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وحضر عليها غزاة حنين كما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة وكانت حنين عقب فتح مكة سنة ثمان قال القاضي ولم يرو أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة غيرها قال فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك وقد عطف الاهداء على المجئ بالواو وهي لا تقتضي الترتيب والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه) سبق شرحه في آخر كتاب الحج قوله صلى الله عليه وسلم (خير دور الأنصار دار بني النجار) قال القاضي المراد أهل
43 الدور والمراد القبائل وإنما فضل بني النجار لسبقهم في الاسلام وآثارهم الجميلة في الدين قوله (ثم دار بني عبد الحارث بن خزرج) هكذا هو في النسخ بني عبد الحارث وكذا نقله القاضي قال وهو خطأ من الرواة وصوابه بني الحارث بحذف لفظة عبد قوله (وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم) أي ببلدهم والبحار القرى توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس فيه حديث جابر ففيه بيان توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله وعصمة الله تعالى له من الناس كما قال الله تعالى والله يعصمك من الناس وفيه جواز الاستظلال بأشجار البوادي وتعليق السلاح وغيره فيها وجوازا لمن على الكافر الحربي واطلاقه وفيه الحث على مراقبة الله تعالى والعفو والحلم ومقابلة السيئة بالحسنة قوله (في واد كثير العضاه) هو بالعين المهملة والضاد المعجمة وهي كل شجرة ذات شوك قوله صلى اله عليه وسلم (ان رجلا أتاني) قال العلماء هذا الرجل اسمه
44 غورث بغين معجمة وثاء مثلثة والغين مضمومة ومفتوحة وحكى القاضي الوجهين ثم قال الصواب الفتح قال وضبطه بعض رواة البخاري بالعين المهملة والصواب المعجمة وقال الخطابي هو غويرث أو غورث على التصغير والشك وهو غورث بن الحارث قال القاضي وقد جاء في حديث آخر مثل هذا الخبر وسمى الرجل فيه دعثورا قوله صلى الله عليه وسلم (والسيف صلتا في يده إلى قوله فشام السيف) أما صلتا فبفتح الصاد وضمها أي مسلولا وأما شامه فبالشين المعجمة ومعناه غمده ورده في غمده يقال شام السيف إذا سله وإذا أغمده فهو من الأضداد والمراد هنا أغمده
45 باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ان مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) أما الغيث فهو المطر وأما العشب والكلأ والحشيش فكلها أسماء للنبات لكن الحشيش مختص باليابس والعشب والكلأ مقصورا مختصان بالرطب والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب وقال الخطابي وابن فارس الكلأ يقع على اليابس وهذا شاذ ضعيف وأما الأجادب فبالجيم والدال المهملة وهي الأرض التي لا تنبت كلأ وقال الخطابي هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيه النضوب قال ابن بطال وصاحب المطالع وآخرون هو جمع جدب على غير قياس كما قالوا في حسن جمعه محاسن والقياس أن محاسن جمع محسن وكذا قالوا مشابه جمع شبه وقياسه أن يكون جمع مشبه قال الخطابي وقال بعضهم أحادب بالحاء المهملة والدال قال وليس بشئ قال وقال بعضهم أجارد بالجيم والراء والدال قال وهو صحيح المعنى ان
46 ساعدته الرواية قال الأصمعي الأجارد من الأرض مالا ينبت الكلأ معناه أنها جرداء هزرة لا يسترها النبات قال وقال بعضهم إنما هي اخاذات بالخاء والذال المعجمتين وبالألف وهو جمع أخاذة وهي الغدير الذي يمسك الماء وذكر صاحب المطالع هذه الأوجه التي ذكرها الخطابي فجعلها روايات منقولة وقال القاضي في الشرح لم يرد هذا الحرف في مسلم ولا في غيره إلا بالدال المهملة من الجدب الذي هو ضد الخصب قال وعليه شرح الشارحون وأما القيعان فبكسر القاف جمع القاع وهو الأرض المستوية وقيل الملساء وقيل التي لا نبات فيها وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرح به صلى الله عليه وسلم ويجمع أيضا على أقوع وأقواع والقيعة بكسر القاف بمعنى القاع قال الأصمعي قاعة الدار ساحتها وأما الفقه في اللغة فهو الفهم يقال منه فقه بكسر القاف يفقه فقها بفتحها كفرح يفرح فرحا وقيل المصدر فقها باسكان القاف وأما الفقه الشرعي فقال صاحب العين والهروي وغيرهما يقال منه فقه بضم القاف وقال ابن دريد بكسرها كالأول والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم فقه في دين الله هذا الثاني فيكون مضموم القاف على المشهور وعلي قول ابن دريد بكسرها وقد روى بالوجهين والمشهور الضم وأما قوله صلى الله عليه وسلم فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فهكذا هو في جميع نسخ مسلم طائفة طيبة ووقع في البخاري فكان منه نقية قبلت الماء بنون مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مشددة وهو بمعنى طيبة هذا هو المشهور في روايات البخاري ورواه الخطابي وغيره ثقبة بالثاء المثلثة والغين المعجمة والباء الموحدة قال الخطابي وهو مستنقع الماء في الجبال والصخور وهو الثغب أيضا وجمعه ثغبان قال القاضي وصاحب المطالع هذه الرواية غلط من الناقلين وتصحيف وإحالة للمعنى لأنه إنما جعلت هذه الطائفة الأولى مثلا لما ينبت والثغبة لا تنبت وأما قوله صلى الله عليه وسلم وسقوا فقال أهل اللغة سقى وأسقى بمعنى لغتان وقيل سقاه ناوله ليشرب وأسقاه جعل له سقيا وأما قوله صلى الله عليه وسلم ورعوا فهو بالراء من الرعي هكذا هو في جميع نسخ مسلم ووقع في البخاري وزرعوا وكلاهما صحيح والله أعلم أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع وكذلك الناس فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحي بعد أن كان ميتا وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى
47 والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع والنوع الثاني من الأرض مالا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي امساك الماء لغيرها فينتفع بها الناس والدواب وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به فهؤلاء نفعوا بما بلغهم والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت ونحوها فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع بها غيرها وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم والله أعلم وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها ضرب الأمثال ومنها فضل العلم والتعليم وشدة الحث عليهما وذم الاعراض عن العلم والله أعلم باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم قوله صلى الله عليه وسلم (لأني أنا النذير العريان) قال العلماء أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه واعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بمادهمهم وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم وهو طليعتهم ورقيبهم قالوا وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظرا فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو وقيل معناه أنا النذير الذي أدركني جيش العدو فأخذ ثيابي فأنا أنذركم عريانا. قوله (فالنجاء) ممدود أي انجوا النجاء أو اطلبوا النجاء
48 قال القاضي المعروف في النجاء إذا أفرد المد وحكى أبو زيد فيه القصر أيضا فإذا ما كرروه فقالوا النجاء النجاء ففيه المد والقصر معا قوله صلى الله عليه وسلم (فادلجوا فانطلقوا على مهلتهم) أما أدلجوا فباسكان الدال ومعناه ساروا من أول الليل يقال أدلجت باسكان الدال إدلاجا كأكرمت إكراما والاسم الدلجة بفتح الدال فان خرجت من آخر الليل قلت أدلجت بتشديد الدال أدلج إدلاجا بالتشديد بالتشديد أيضا والاسم الدلجة بضم الدال قال ابن قتيبة وغيره ومنهم من يجيز الوجهين في كل واحد منهما وأما قوله على مهلتهم هكذا هو في جميع نسخ مسلم بضم الميم وإسكان الهاء وبتاء بعد اللام وفي الجمع بين الصحيحين مهلهم بحذف التاء وفتح الميم والهاء وهما صحيحان
49 قوله (فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم) أي استأصلهم قوله صلى الله عليه وسلم (فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها) وفي رواية الدواب والفراش وفي رواية أنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيها وفي رواية وأنتم تفلتون من يدي أما الفراش فقال الخليل هو الذي يطير كالبعوض وقال غيره ما تراه كصغار البق يتهافت في النار وأما الجنادب فجمع جندب وفيها ثلاث لغات جندب بضم الدال وفتحها والجيم مضمومة فيهما والثالثة حكاه القاضي بكسر الجيم وفتح الدال والجنادب هذا الصرار الذي يشبه الجراد وقال أبو حاتم الجندب على خلقة الجراد له أربعة أجنحة كالجرادة وأصغر منها يطير ويصر بالليل صرا شديدا وقيل غيره وأما التقحم فهو الاقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت والحجز جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل وأما قوله صلى الله عليه وسلم وأنا آخذ بحجزكم فروى بوجهين أحدهما اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال والثاني فعل مضارع بضم الذال بلا تنوين والأول أشهر وهما صحيحان وأما تفلتون فروي بوجهين أحدهما فتح التاء والفاء المشددة والثاني ضم التاء وإسكان الفاء وكسر اللام المخففة وكلاهما صحيح يقال أفلت مني وتفلت إذا نازعك الغلبة والهرب ثم غلب وهرب ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه وكلاهما حريص على هلاك نفسه ساع في ذلك لجهله قوله (حدثنا سليم عن سعيد) هو بفتح السين وكسر اللام وهو سليم بن حيان
50 باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين في الباب قوله صلى الله عليه وسلم (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي إلى قوله فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) فيه فضيلته صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين وجواز ضرب الأمثال في العلم وغيره واللبنة بفتح اللام
51 وكسر الباء ويجوز إسكان الباء مع فتح اللام وكسرها كما في نظائرها والله أعلم إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها قال مسلمة (وحدثت عن أبي أسامة وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أسامة إلى آخره) قال المازري والقاضي هذا الحديث من الأحاديث المنقطعة في مسلم فإنه لم يسم الذي حدثه عن أبي أسامة قلت وليس هذا حقيقة انقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرعياني قال حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة باسناده
52 اثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته قال القاضي عياض رحمه الله أحاديث الحوض صحيحة والايمان به فرض والتصديق به من الايمان وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف فيه قال القاضي وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس وجابر ابن سمرة ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وعبد الله بن زيد وأبي برزة وسويد بن حبلة وعبد الله بن الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وغيرهم قلت ورواه البخاري ومسلم أيضا من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمر وآخرين وقد جمع ذلك كله الامام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرات قال القاضي وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترا قوله صلى الله عليه وسلم (أنا فرطكم على الحوض) قال أهل اللغة الفرط بفتح الفاء والراء والفارط هو الذي يتقدم الوارد ليصلح لهم والحياض والدلاء ونحوها من أمور الاستقاء فمعنى فرطكم علي الحوض سابقكم إليه كالمهئ له قوله صلى الله عليه وسلم (ومن شرب
53 لم يظمأ أبدا) أي شرب منه والظمأ مهموز مقصور كما ورد به القرآن العزيز وهو العطش يقال ظمئ يظمأ ظمأ فهو ظمآن وهم ظماء بالمد كعطش يعطش عطشا فهو عطشان وهم عطاش قال القاضي ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة من النار فهدا هو الذي لا يظمأ بعده قال وقيل لا يشرب منه الا من قدر له السلامة من النار قال ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر هذا الحديث أن جميع الأمة يشرب منه الا من ارتد وصار كافرا قال وقد قيل إن جميع الأمم من المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم ثم يعذب الله تعالى من شاء من عصاتهم وقيل إنما يأخذه بيمينه الناجون خاصة قال القاضي وهذا مثله قوله صلى الله عليه وسلم من ورد شرب هذا صريح في أن الواردين كلهم يشربون وإنما يمنع منه الذين يذادون ويمنعون الورود لارتدادهم وقد سبق في كتاب الوضوء بيان هذا الذود والمذودين قوله صلى الله عليه وسلم (سحقا سحقا) أي بعدا لهم بعدا ونصبه على المصدر وكرر للتوكيد قوله (حدثنا هارون بن سعيد حدثنا ابن وهب أخبرني أبو أسامة عن أبي حازم عن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال العلماء هذا العطف على سهل فالقائل وعن النعمان هو أبو حازم فرواه عن سهل ثم رواه عن النعمان عن أبي سعيد
54 قوله صلى الله عليه وسلم (حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء) قال العلماء معناه طوله كعرضه كما قال في حديث أبي ذر المذكور في الكتاب عرضه مثل طوله قوله صلى الله عليه وسلم (ماؤه أبيض من الورق) هكذا هو في جميع النسخ الورق بكسر الراء وهو الفضة والنحويون يقولون أن فعل التعجب الذي يقال فيه هو أفعل من كذا إنما يكون فيما كان ماضيه على ثلاثة أحرف فان زاد لم يتعجب من فاعله وإنما يتعجب من مصدره فلا يقال ما أبيض زيدا ولا زيد أبيض من عمرو وإنما يقال ما أشد بياضه وهو أشد بياضا من كذا وقد جاء في الشعر أشياء من هذا الذي أنكروه فعدوه شاذا لا يقاس عليه وهذا الحديث يدل على صحته وهي لغة وان كانت قليلة الاستعمال ومنها قول عمر رضي الله عنه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع قوله صلى الله عليه وسلم (كيزانه كنجوم السماء) وفي رواية فيه أباريق كنجوم السماء وفي رواية والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من
55 عدد نجوم السماء وكواكبها وفي رواية وأن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء وفي رواية آنيته عدد النجوم وفي رواية ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء وفي رواية كأن الأباريق فيه النجوم المختار الصواب أن هذا العدد للآنية على ظاهره وأنها أكثر عددا من نجوم السماء ولا مانع عقلي ولا شرعي يمنع من ذلك بل ورد الشرع به مؤكدا كما قال صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وقال القاضي عياض هذا إشارة إلى كثرة العدد وغايته الكثيرة من باب قوله صلى الله عليه وسلم لا يضع العصا عن عاتقه وهو باب من المبالغة معروف في الشرع واللغة ولا يعد كذبا إذا كان المخبر عنه في حيز الكثرة
56 والعظم ومبلغ الغاية في بابه بخلاف ما إذا لم يكن كذلك قال ومثله كلمته ألف مرة ولقيته مائة كرة فهذا جائز إذا كان كثيرا وإلا فلا هذا كلام القاضي والصواب الأول قوله صلى الله عليه وسلم في الحوض (وان عرضه ما بين أيلة إلى الجحفة) وفي رواية بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح قال الراوي هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال وفي رواية عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة وفي رواية من مقامي إلي عمان وفي رواية قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وفي رواية ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة أما أيلة فبفتح الهمزة واسكان المثناة تحت وفتح اللام وهي مدينة معروفة في عراف الشام على ساحل البحر متوسطة بين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق نحو ثنتي عشرة مرحلة وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل قال الحازمي قيل هي آخر الحجاز وأول الشام
57 وأما الجحفة فسبق بيانها في كتاب الحج وهي نحو سبع مراحل من المدينة بينها وبين مكة وأما جربا فبجيم مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة هذا هو الصواب المشهور أنها مقصورة وكذا قيدها الحازمي في كتابه المؤتلف في الأماكن وكذا ذكرها القاضي وصاحب المطالع والجمهور وقال القاضي وصاحب المطالع ووقع عند بعض رواة البخاري ممدودا قالا وهو خطأ وقال صاحب التحرير هي بالمد وقد تقصر قال الحازمي كان أهل جربا يهودا كتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان لما قدم عليه لحية بن رؤبة صاحب أيلة بقوم منهم ومن أهل أذرح يطلبون الأمان وأما أذرح فبهمزة مفتوحة ثم ذال معجمة ساكنه ثم راء مضمومة ثم حاء مهملة هذا هو الصواب المشهور الذي قاله الجمهور قال القاضي وصاحب المطالع ورواه بعضهم بالجيم قالا وهو تصحيف لا شك فيه وهو كما قالا وهي مدينة في طرف الشام في قبلة الشوبك بينها وبينه نحو نصف يوم وهي في طرف الشراط بفتح الشين المعجمة في طرفها الشمالي وتبوك في قبلة أذرح بينهما نحو أربع مراحل وبين تبوك ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم نحو أربع عشرة مرحلة وأما عمان فبفتح العين وتشديد الميم وهي بلدة بالبلقاء من الشام قال الحازمي قال ابن الأعرابي يجوز أن يكون فعلان من عم يعم فلا تنصرف معرفة وتنصرف ونكرة قال ويجوز أن يكون فعالا من عمن فتنصرف معرفة ونكرة إذا عني بها البلد هذا كلامه والمعروف في روايات الحديث وغيرها ترك صرفها قال القاضي عياض وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجبا للاضطراب فإنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعة من الصحابة سمعوها في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى الله عليه وسلم في كل واحد منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك من الأفهام لبعد ما بين البلاد المذكورة لا علي التقدير الموضوع للتحديد بل للاعلام بعظم هذه المسافة فبهذا تجمع الروايات هذا كلام القاضي قلت وليس في القليل من هذه منع الكثير والكثير ثابت على ظاهر الحديث ولا معارضة والله أعلم قولها (كفي رأسي) هو بالكاف أي اجمعيه وضمي شعره بعضه إلى بعض قولها (اني من الناس) دليل لدخول النساء في خطاب الناس وهذا متفق عليه وإنما اختلفوا في دخولهن في خطاب الذكور ومذهبنا أنهن لا يدخلن فيه وفيه اثبات القول بالعموم قوله (صلى على أهل أحد صلاته على الميت) أي دعا لهم بدعاء صلاة
58 الميت وسبق شرح هذا الحديث في كتاب الجنائز قوله صلى الله عليه وسلم (واني والله لأنظر إلى حوضي الآن) هذا تصريح بأن الحوض حوض حقيقي على ظاهره كما سبق وأنه مخلوق موجود اليوم وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشئ وتوكيده قوله صلى الله عليه وسلم (واني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض اني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها) هكذا هو في جميع النسخ مفاتيح في اللفظين بالياء قال القاضي وروي مفاتح بحذفها فمن أثبتها فهو جمع مفتاح ومن حذفها فجمع مفتح وهما لغتان فيه وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه سلم فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك وأنها تتنافس في الدنيا وقد وقع كل ذلك قوله (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فكانت آخر ما رأيته على المنبر) معناه خرج إلى قتلى أحد ودعا لهم دعاء مودع ثم دخل المدينة فصعد المنبر
59 فخطب الأحياء خطبة مودع كما قال النواس ابن سمعان قلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع وفيه معنى المعجزة قوله صلى الله عليه وسلم (لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة) أما قوله صلى الله عليه وسلم ألا في الليلة المظلمة فهو بتخفيف ألا وهي التي للاستفتاح وخص الليلة المظلمة المصحية لأن النجوم ترى فيها أكثر والراد بالمظلمة التي لا قمر فيها مع أن النجوم طالعة فإن وجود القمر يستر كثيرا من النجوم وأما قوله صلى الله عليه وسلم آنية الجنة فضبطه بعضهم برفع آنية وبعضهم بنصبها وهما صحيحان فمن رفع فخبر مبتدأ محذوف أي هي آنية الجنة ومن نصب فبإضمار أعني أو نحوه وأما آخر ما عليه فمنصوب وسبق نظيره في كتاب الايمان وأما يشخب فبالشين والخاء المعجمتين والياء مفتوحة والخاء مضمومة ومفتوحة والشخب السيلان وأصله ما خرج من تحت يد الحالب عند كل عمرة وعصرة لضرع الشاة وأما الميزابان فبالهمز ويجوز قلب الهمزة ياء
60 قوله (عن معدان اليعمري) بفتح ميم اليعمري وضمها منسوب إلى يعمر قوله صلى الله عليه وسلم (إني لبعقر حوضي) هو بضم العين وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته وقيل مؤخره قوله صلى الله عليه وسلم (أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم) معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الاسلام والأنصار من اليمن فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه والمكروهات ومعنى يرفض عليهم أي يسيل عليهم ومنه حديث البراق استصعب حتى ارفض عرقا أي سال عرقه قال أهل اللغة والغريب وأصله من الدمع يقال ارفض الدمع إذا سال متفرقا قال القاضي وعصاه المذكورة في هذا الحديث هي المكني عنها بالهراوة في وصفه صلى الله عليه وسلم في كتب الأوائل بصاحب الهراوة قال أهل اللغة الهراوة بكسر الهاء العصا قال ولم يأت لمعناها في صفته صلى الله عليه وسلم تفسير إلا ما يظهر لي في هذا الحديث هذا كلام القاضي وهذا الذي قاله في تفسير الهراوة بهذه العصا بعيد أو باطل لأن المراد بوصفه بالهراوة تعريفه بصفة يراها الناس معه يستدلون بها على صدقه وأنه المبشر به المذكور في الكتب السالفة فلا يصح تفسيره بعصا تكون في الآخرة والصواب في تفسير صاحب الهراوة ما قاله الأئمة المحققون أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسك
62 القضيب بيده كثيرا وقيل لأنه كان يمشي والعصا بين يديه وتغرز له فيصلي إليها وهذا مشهور في الصحيح والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (يغت فيه ميزابان يمدانه) أما يغت فبفتح الياء وبغين معجمة مضمومة ومكسورة ثم مثناة فوق مشددة وهكذا قال ثابت والخطابي والهروي وصاحب التحرير والجمهور وكذا هو في معظم نسخ بلادنا ونقله القاضي عن الأكثرين قال الهروي ومعناه يدفقان فيه الماء دفقا متتابعا شديدا قالوا وأصله من اتباع الشئ الشئ وقيل يصبان فيه دائما صبا شديدا ووقع في بعض النسخ يعب بضم العين المهملة وبباء موحدة وحكاها القاضي عن رواية العذري قال وكذا ذكره الحربي وفسره بمعنى ما سبق أي لا ينقطع جريانهما قال والعب الشرب بسرعة في نفس واحد قال القاضي ووقع في رواية ابن ماهان يثعب مثلثة وعين مهملة أي يتفجر وأما قوله صلى الله عليه وسلم يمدانه فبفتح الياء وضم الميم
63 أي يزيدانه ويكثرانه قوله صلى الله عليه وسلم (لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل) معناه كما يذود الساقي الناقة الغريبة عن إبله إذا أرادت الشرب مع إبله قوله في حديث أنس من رواية حرملة (قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وأن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء) وقع في بعض النسخ كما بالكاف وفي بعضها لما باللام وكعدد بالكاف وفي بعضها لعدد نجوم السماء باللام وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن رب أصيحابي أصيحابي فليقالن لي انك لا تدري ما أحدثوا بعدك) أما اختلجوا فمعناه اقتطعوا وأما أصيحابي فوقع في الروايات مصغرا مكررا وفي بعض النسخ أصحابي أصحابي مكبرا مكررا قال القاضي هذا دليل لصحة تأويل من تأول انهم أهل الردة ولهذا قال فيهم سحقا سحقا ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمرهم قال وقيل هؤلاء صنفان أحدهما عصاة مرتدون عن الاستقامة لا عن الاسلام وهؤلاء مبدلون للأعمال الصالحة بالسيئة والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم
64 واسم التبديل يشمل الصنفين قوله صلى الله عليه وسلم (ما بين لابتي حوضي) أي ناحيتيه والله أعلم
65 باب اكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم قوله رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام وفي الرواية الأخرى أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره يقاتلان عنه كأشد القتال فيه بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى واكرامه إياه بانزال الملائكة تقاتل معه وبيان أن الملائكة تقاتل وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاص فهذا صريح في الرد عليه وفيه فضيلة الثياب البيض وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء بل يراهم الصحابة والأولياء وفيه منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة والله أعلم
66 شجاعته صلى الله عليه وسلم قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس الخ فيه بيان ما أكرمه الله تعالى به من جميل الصفات وأن هذه صفات كمال قوله (وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا قال وجدناه لبحرا أو أنه لبحر قال وكان فرسا يبطأ) وفي رواية فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فقال ما رأينا من فزع وان وجدناه لبحرا وأما قوله يبطأ فمعناه يعرف بالبطء والعجز وسوء السير قوله صلى الله عليه وسلم (لم تراعوا) أي روعا مستقرا أو روعا يضركم وفيه فوائد منها بيان
67 شجاعته صلى الله عليه وسلم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان يبطأ وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم وجدناه نحرا أي واسع الجري وفيه جواز سبق الانسان وحده في كشف أخبار العدو ما لم يتحقق الهلاك وفيه جواز العارية وجواز الغزو على الفرس المستعار لذلك وفيه استحباب تقلد السيف في العنق واستحباب تبشير الناس بعدم الخوف إذا ذهب ووقع في هذا الحديث تسمية هذا الفرس مندوبا قال القاضي وقد كان في أفراس النبي صلى الله عليه وسلم مندوب فلعله صار إليه بعد أبي طلحة هذا كلام القاضي قلت ويحتمل أنهما فرسان اتفقا في الاسم جوده صلى الله عليه وسلم قوله (كان رسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ان جبريل يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
68 القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) أما قوله وكان أجود ما يكون فروى برفع أجود ونصبه والرفع أصح وأشهر والريح المرسلة بفتح السين والمراد كالريح في اسراعها وعمومها وقوله كان يلقاه في كل سنة كذا هو في جميع النسخ ونقله القاضي عن عامة الروايات والنسخ قال وفي بعضها كل ليلة بدل سنة قال وهو المحفوظ لكنه بمعنى الأول لأن قوله حتى ينسلخ بمعنى كل ليلة وفي هذا الحديث فوائد منها بيان عظم جوده صلى الله عليه وسلم ومنها استحباب اكثار الجود في رمضان ومنها زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم ومنها استحباب مدارسة القرآن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم قوله (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أفا قط ولا قال لشئ لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا) وفي رواية لا عاب على شيئا وفي رواية تسع سنين وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا أما قوله ما قال لي أما فذكر القاضي وغيره
69 فيها عشر لغات أف بفتح الفاء وضمها وكسرها بلا تنوين وبالتنوين فهذه ست وأف بضم الهمزة وإسكان الفاء وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء وأفي وأفه بضم همزتهما قالوا وأصل الأف والتف وسخ الأظفار وتستعمل هذه الكلمة في كل ما يستقذر وهي اسم فعل تستعمل في الواحد والاثنين والجمع والمؤنث والمذكر بلفظ واحد قال الله (ولا تقل لهما أف) قال الهروي يقال لكل ما يضجر منه ويستثقل أف له وقيل معناه الاحتقار مأخوذ من الأفف وهو القليل وأما قط ففيها لغات قط وقط بفتح القاف وضمها مع تشديد الطاء المضمومة وقط بفتح القاف وكسر الطاء المشددة وقط بفتح القاف واسكان الطاء وقط بفتح القاف وكسر الطاء المخففة وهي
70 لتوحيد نفي الماضي وأما قوله تسع سنين وفي أكثر الروايات عشر سنين فمعناه أنها تسع سنين وأشهر فان النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديدا لا تزيد ولا تنقص وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى ففي رواية التسع لم يحسب الكسر بل اعتبر السنين الكوامل وفي رواية العشر حسبها سنة كاملة وكلاهما صحيح وفي هذا الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وحلمه وصفحه في سخائه صلى الله عليه وسلم قوله (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا) وذكر الحديث بعده في اعطائه صلى الله عليه وسلم للمؤلفة وغيرهم في هذا كله بيان عظيم سخائه وغزارة جوده صلى الله عليه وسلم ومعناه ما سئل شيئا من متاع الدنيا قوله (حدثنا أبو كريب حدثنا الأشجعي قال وحدثني محمد
71 ابن المثنى) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا محمد بن المثني وكذا نقله القاضي عياض عن الجلودي ووقع في رواية ابن ماهان محمد بن حاتم وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي قوله (فأعطاه غنما بين جبلين) أي كثيرة كأنها تملأ ما بين جبلين وفي هذا مع ما بعده اعطاء المؤلفة ولا خلاف في اعطاء مؤلفة المسلمين لكن هل يعطون من الزكاة فيه خلاف الأصح عندنا أنهم يعطون من الزكاة ومن بيت المال والثاني لا يعطون من الزكاة بل من بيت المال خاصة وأما مؤلفة الكفار فلا يعطون من الزكاة وفي اعطائهم من غيرها خلاف الأصح عندنا لا يعطون لأن الله تعالى قد أعز الاسلام عن التألف بخلاف أول الأمر ووقت قلة المسلمين قوله (فقال أنس إن كان الرجل ليسلم ما يريد الا الدنيا فما يسلم حتى يكون الاسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها) هكذا هو في معظم النسخ فما يسلم وفي بعضها فما يمسي وكلاهما صحيح ومعنى الأول فما يلبث بعد اسلامه الا يسيرا حتى يكون الاسلام أحب إليه والمراد أنه يظهر الاسلام
72 أولا للدنيا لا بقصد صحيح بقلبه ثم من بركة النبي صلى الله عليه وسلم ونور الاسلام لم يلبث
73 الا قليلا حتى ينشرح صدره بحقيقة الايمان ويتمكن من قلبه فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها قوله (فحثى أبو بكر رضي الله عنه مرة ثم قال لي عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال خذ مثليها) يعنى خذ معها مثليها فيكون الجميع ألفا وخمسمائة لأن له ثلاث حثيات وإنما حثى له أبو بكر بيده لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيده قائمة مقام يده وكان له ثلاث حثيات بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه انجاز العدة قال الشافعي والجمهور انجازها والوفاء بها مستحب لا واجب وأوجبه الحسن وبعض المالكية باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان (والعيال وتواضعه وفضل ذلك) قوله (عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لي الليلة غلام فسميته
74 باسم أبي إبراهيم ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له أبو سيف فانطلق يأتيه واتبعته إلى آخره) ألقين بفتح القاف الحداد وفيه جواز تسمية المولود يوم ولادته وجواز التسمية بأسماء الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وسبقت المسألتان في بابهما وفيه استتباع العالم والكبير بعض أصحابه إذا ذهب إلى منزل قوم ونحوه وفيه الأدب مع الكبار قوله (وهو يكيد بنفسه) أي يجود بها ومعناه وهو في النزع قوله (فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره) فيه جواز البكاء على المريض والحزن وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر بل هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ولا نقول الا ما يرضي ربنا قوله (ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة إلى قوله
75 فيأخذه فيقلبه) أما العوالي فالقرى التي عند المدينة وقوله أرحم بالعيال هذا هو المشهور الموجود في النسخ والروايات قال القاضي وفي بعض الروايات بالعباد ففيه بيان كريم خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للعيال والضعفاء وفيه جواز الاسترضاع وفيه فضيلة رحمة العيال والأطفال وتقبيلهم قوله صلى الله عليه وسلم (وإنه مات في الثدي وإن ظئرين تكملان رضاعه في الجنة) معناه مات وهو في سن رضاع الثدي أو في حال تغذيه بلبن الثدي وأما الظئر فبكسر الظاء مهموزة وهي المرضعة ولد غيرها وزوجها ظئر لذلك الرضيع فلفظة الظئر تقع على الأنثى والذكر ومعنى تكملان رضاعه أي تتمانه سنتين فإنه توفي وله ستة عشر شهرا أو سبعة عشر فترضعانه بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن قال صاحب التحرير وهذا الاتمام لارضاع إبراهيم رضي الله عنه يكون عقب موته فيدخل الجنة متصلا بموته فيتم فيها رضاعه كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم قال القاضي واسم أبي سيف هذا البراء واسم أم سيف زوجته خولة بنت المنذر الأنصارية كنيتها
76 أم سيف وأم بردة قوله صلى الله عليه وسلم (إنه من لا يرحم لا يرحم) وفي رواية من لا يرحم الناس لا يرحمه الله قال العلماء هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم قوله (عن أبي ظبيان) بفتح الظاء وكسرها
77 باب كثرة حيائه ص قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه) العذراء البكر لأن عذرتها باقية وهي جلدة البكارة والخدر ستر يجعل للبكر في جنب البيت ومعنى عرفنا الكراهة في وجهه أي لا يتكلم به لحيائه بل يتغير وجهه فنفهم نحن كراهته وفيه فضيلة الحياء وهو من شعب الإيمان وهو خير كله ولا يأتي إلا بخير وقد سبق هذا كله في كتاب الايمان وشرحناه واضحا وهو محثوث عليه ما لم ينته إلى الضعف والنخو كما سبق قوله (لم يكن فاحشا ولا متفحشا) قال القاضي أصل الفحش الزيادة والخروج عن الحد قال الطبري الفاحش البذئ قال ابن عرفة الفواحش عند العرب القبائح قال الهروي الفاحش ذو الفحش والمتفحش الذي يتكلف الفحش ويتعمده لفساد حاله قال وقد يكون المتفحش الذي يأتي الفاحشة قوله صلى الله عليه وسلم (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا) فيه الحث على حسن الخلق وبيان فضيلة صاحبه وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه قال الحسن البصري حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه قال القاضي عياض هو مخالطة الناس بالجميل والبشر
78 والتودد لهم والاشفاق عليهم واحتمالهم والحلم عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر والاستطالة عليهم ومجانبة الغلظ والغضب والمؤاخذة قال وحكى الطبري خلافا للسلف في حسن الخلق هل هو غريزة أم مكتسب قال القاضي والصحيح أن منه ما هو غريزة ومنه ما يكتسب بالتخلق والاقتداء بغيره والله أعلم تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته قوله (كان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم) فيه استحباب الذكر بعد الصبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذر قال القاضي هذه سنة كان السلف وأهل العلم يفعلونها ويقتصرون في ذلك الوقت على الذكر والدعاء حتى تطلع الشمس وفيه جواز الحديث بأخبار الجاهلية وغيرها من الأمم وجواز الضحك والأفضل الاقتصار على التبسم كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامة أوقاته قالوا ويكره اكثار الضحك وهو في أهل المراتب والعلم أقبح والله أعلم
79 رحمته صلى الله عليه وسلم النساء والرفق بهن قوله صلى الله عليه وسلم (يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير وفي رواية ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير وفي رواية يا أنجشة لا تكسر القوارير يعني ضعفة النساء أما أنجشة فهمزة مفتوحة وإسكان النون وبالجيم وبشين معجمة وأما رويدك فمنصوب على الصفة بمصدر محذوف أي سق سوقا
80 رويدا ومعناه الأمر بالرفق بهن وسوقك منصوب باسقاط الجار أي ارفق في سوقك بالقوارير قال العلماء سمى النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها واسراع الانكسار إليها واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين ذكرهما القاضي وغيره أصحهما عند القاضي وآخرين وهو الذي جزم به الهروي وصاحب التحرير وآخرون أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز وما فيه تشبيب فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه فأمره بالكف عن ذلك ومن أمثالهم المشهورة الغنارقية الزنا قال القاضي هذا أشبه بمقصودة صلى الله عليه وسلم وبمقتضى اللفظ قال وهو الذي يدل عليه كلام أبي قلابة المذكور في هذا الحديث في مسلم والقول الثاني أن المراد به الرفق في السير لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذته فأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة ويخاف ضررهن وسقوطهن وأما ويحك فهكذا وقع في مسلم ووقع في غيره ويلك قال القاضي قال سيبويه ويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة وويح زجر لمن أشرف على الوقوع في هلكة وقال الفراء ويل وويح وويس بمعنى وقيل ويح كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها يعني في عرفنا فيرثى له ويترحم عليه وويل ضده قال القاضي قال بعض أهل اللغة لا يراد بهذه الألفاظ حقيقة الدعاء وإنما يراد بها المدح والتعجب وفي هذه الأحاديث جواز الحداء وهو بضم الحاء ممدود وجواز السفر بالنساء واستعمال المجاز وفيه مساعدة النساء من الرجال ومن سماع كلامهم إلا الوعظ ونحوه
81 قربه صلى الله عليه وسلم من الناس (وتبركهم به وتواضعه لهم) قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى باناء الا غمس يده فيه فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها) وفي الرواية الأخرى (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل) وفي الآخر (ان امرأة كانت في عقلها شئ فقالت يا رسول الله ان لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها) في هذه الأحاديث بيان بروزه صلى الله عليه وسلم للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدي بها وهكذا ينبغي لولاة الأمور وفيها صبره صلى الله عليه وسلم على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين واجابته من سأله حاجة أو تبريكا بمس يده وادخالها في الماء كما ذكروا وفيه التبرك بآثار الصالحين وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآية وتبركهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه إن يقع شئ منه إلا في يد رجل سبق إليه وبيان تواضعه بوقوفه مع المرأة الضعيفة قوله
82 (خلا معها في بعض الطرق) أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فان هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره والله أعلم مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح اسهله (وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته) قولها (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه) فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها قال القاضي ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هنا والله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة أو الاقتصار وكان يختار الأيسر في كل هذا قال وأما قولها ما لم يكن إثما فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون فأما إن كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا قولها (وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله) وفي رواية ما نيل منه شئ قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك
83 شئ من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى) معنى نيل منه أصيب بأذى من قول أو فعل وانتهاك حرمة الله تعالى هو ارتكاب ما حرمه قولها (إلا أن تنتهك حرمة الله) استثناء منقطع معناه لكن إذا انتهكت بحرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك في هذا الحديث الحث على العفو والحلم واحتمال الأذى والانتصار لدين الله تعالى ممن فعل محرما أو نحوه وفيه أنه يستحب للأئمة والقضاة وسائر ولاة الأمور التخلق بهذا الخلق الكريم فلا ينتقم لنفسه ولا يهمل حق الله تعالى قال القاضي عياض وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه ولا لمن لا يجوز شهادته له قولها (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله) فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل
84 طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ولين مسه قوله (صلاة الأولى) يعنى الظهر والوالدان الصبيان واحدهم وليد وفي مسحه صلى الله عليه وسلم الصبيان بيان حسن خلقه ورحمته للأطفال وملاطفتهم وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وهو مما أكرمه الله تعالى قال العلماء كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وان لم يمس طيبا ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين قوله (كأنما أخرجت من جؤنة عطار) هي بضم الجيم وهمزة بعدها ويجوز ترك الهمزة بقلبها واوا كما في نظائرها وقد ذكرها كثيرون أو الأكثرون في الواو قال القاضي هي مهموزة وقد يترك همزها وقال الجوهري هي بالواو وقد تهمز وهي السقط الذي فيه متاع العطار هكذا فسره الجمهور وقال صاحب العين هي سليلة مستديرة
85 مغشاة وأما قوله (ما شممت) هو بكسر الميم الأولى على المشهور وحكى أبو عبيد وابن السكيت والجوهري وآخرون فتحها قوله (أزهر اللون) هو الأبيض المستنير وهي أحسن الألوان قوله (كأن عرقه اللؤلؤ) أي في الصفاء والبياض واللؤلؤ بهمز أوله وآخره وبتركهما وبهمز الأول دون الثاني وعكسه قوله (إذا مشى تكفأ) هو بالهمز وقد يترك همزه وزعم كثيرون أن أكثر ما يروى بلا همز وليس كما قالوا قال شمر أي مال يمينا وشمالا كما تكفأ السفينة قال الأزهري هذا خطأ لأن هذا صفة المختال وإنما معناه أن يميل إلى سمته وقصد مشيه كما قال في الرواية الأخرى كأنما ينحط في صبب قال القاضي لا بعد فيما قاله شمر إذا كان خلقة وجبلة والمذموم منه ما كان مستعملا مقصودا طيب عرقه صلى الله عليه وسلم والتبرك به قوله (فقال عندنا فعرق) أي نام للقيلولة قوله (تسلت العرق) أي تمسحه وتتبعه بالمسح قوله
86 (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها) قد سبق أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم ففيه الدخول على المحارم والنوم عندهن وفي بيوتهن وجواز النوم على الأدم وهي الأنطاع والجلود قوله (ففتحت عتيدتها) هي بعين مهملة مفتوحة ثم مثناة من فوق ثم من تحت وهي كالصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها قوله (ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعين) معنى فزع استيقظ من نومه قولها (عرقك أدوف به طيبي) هو بالدال المهملة وبالمعجمة
87 والأكثرون على المهملة وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين ومعناه غلط وسبق بيان هذه اللفظة في أول كتاب الايمان قوله (كيف يأتيك الوحي فقال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد علي ثم يفصم عني وقد وعيته وأحيانا ملك في مثل صورة الرجل فأعي ما يقول) أما الأحيان فالأزمان ويقع على القليل والكثير ومثل صلصلة هو بنصب مثل وأما الصلصلة فبفتح الصادين وهي الصوت المتدارك قال الخطابي معناه أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يقرع سمعه حتى يفهمه من بعد ذلك قال العلماء والحكمة في ذلك أن يتفرغ سمعه صلى الله عليه وسلم ولا يبقى فيه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك ومعنى وعيت جمعت وفهمت وحفظت وأما يفصم فبفتح الياء واسكان الفاء وكسر الصاد المهملة أي يقلع وينجلي ما يتغشاني منه قاله الخطابي قال العلماء الفصم هو القطع من غير إبانة وأما القصم بالقاف فقطع مع الإبانة والانفصال ومعنى الحديث أن الملك يفارق على أن يعودوا لا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود وروي هذا الحرف أيضا يفصم بضم الياء وفتح الصاد علي ما لم يسم فاعله وروى بضم الياء وكسر الصاد على أنه أفصم يفصم
88 رباعي وهي لغة قليلة وهي من أفصم المطر إذا أقلع وكف قال العلماء ذكر في هذا الحديث حالين من أحوال الوحي وهما مثل صلصلة الجرس وتمثل الملك رجلا ولم يذكر الرؤيا في النوم وهي من الوحي لأن مقصود السائل بيان ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم ويخفي فلا يعرف إلا من جهته وأما الرؤيا فمشتركة معروفة قوله (كرب لذلك وتربد وجهه) هو بضم الكاف وكسر الراء ومعنى تربد أي تغير وصار كلون الرماد وفي ظاهر هذا مخالفة لما سبق في أول كتاب الحج في حديث المحرم الذي أحرم بالعمرة وعليه خلوق وأن يعلى بن أمة نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال نزول الوحي وهو محمر الوجه وجوابه أنها حمرة كدرة وهذا معنى التربد وأنه في أوله يتربد ثم يحمر أو بالعكس قوله (أتلى عنه) هكذا هو في معظم نسخ بلادنا أتلى بهمزة ومثناة فوق ساكنة ولام وياء ومعناه ارتفع عنه الوحي هكذا فسره صاحب التحرير وغيره ووقع في بعض النسخ أجلى بالجيم وفي رواية ابن ماهان انجلى ومعناهما أزيل عنه وزال عنه وفي رواية البخاري انجلى والله أعلم
89 صفة شعره صلى الله عليه وسلم وصفاته وحليته قوله (كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل ناصيته ثم فرق بعد) قال أهل اللغة يقال سدل يسدل ويسدل بضم الدال وكسرها قال القاضي سدل الشعر ارساله قال والمراد به هنا عند العلماء ارساله على الجبين واتخاذه كالقصة يقال سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه وأما الفرق فهو فرق الشعر بعضه من بعض قال العلماء والفرق سنة لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم قالوا فالظاهر أنه إنما رجع إليه بوحي لقوله أنه كان يوافق أهل الكتاب فيما لم يؤمر به قال القاضي حتى قال بعضهم نسخ المسدل فلا يجوز فعله ولا اتخاذ الناصية والجمة قال ويحتمل أن المراد جواز الفرق لا وجوبه ويحتمل أن الفرق كان باجتهاد في مخالفة أهل الكتاب لا يوحى ويكون الفرق مستحبا ولهذا اختلف السلف فيه ففرق منهم جماعة واتخذ اللمة آخرون وقد جاء في الحديث أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم لمة فإن انفرقت فرقها والا تركها قال مالك فرق الرجل أحب إلي هذا كلام القاضي والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق وأن الفرق أفضل والله أعلم قال القاضي واختلف العلماء في تأويل موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه شئ فقيل فعله استئلافا لهم في أول الاسلام وموافقة لهم على مخالفة عبدة الأوثان فلما أغنى الله تعالى عن استئلافهم وأظهر الاسلام على الدين كله صرح بمخالفتهم في غير شئ منها صبغ الشيب وقال آخرون يحتمل أنه أمر باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه شئ وإنما كان هذا فيما علم أنهم لم يبدلوه واستدل بعض الأصوليين بهذا الحديث أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم
90 يرد شرعنا بخلافه وقال آخرون بل هذا دليل أنه ليس بشرع لنا لأنه قال يحب موافقتهم فأشار إلي أنه إلي خيرته ولو كان شرعا لنا لتحتم اتباعه والله أعلم قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا) هو بمعنى قوله في الرواية الثانية ليس بالطويل ولا بالقصير قوله (عظيم الجمة إلى الشحمة أذنيه) وفي رواية ما رأيت من ذي لمة أحسن منه وفي رواية كان يضرب شعره منكبيه وفي رواية إلى أنصاف أذنيه وفي رواية بين أذنيه وعاتقه قال أهل اللغة الجمة أكثر من الوفرة فالجمة الشعر الذي نزل إلى المنكبين والوفرة ما نزل إلى شحمة الأذنين واللمة التي ألمت بالمنكبين قال القاضي والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين أذنيه وعاتقه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه قال وقيل بل ذلك لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب وإذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين فكان يقصر ويطول بحسب ذلك والعاتق ما بين المنكب والعنق وأما شحمة الأذن فهو اللين منها في أسفلها وهو معلق القرط منها وتوضح هذه الروايات رواية إبراهيم الحربي كان
91 شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة قوله في حديث البراء (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا) قال القاضي ضبطناه خلقا بفتح الخاء واسكان اللام هنا لأن مراده صفات جسمه قال وأما في حديث أنس فرويناه بالضم لأنه إنما أخبر عن حسن معاشرته وأما قوله وأحسنه فقال أبو حاتم وغيره هكذا تقوله العرب وأحسنه يريدون وأحسنهم ولكن لا يتكلمون به وإنما يقولون أجمل الناس وأحسنه ومنه الحديث خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أشفقه على ولد وأعطفه على زوج وحديث أبي سفيان عندي أحسن نساء العرب وأجمله قوله (كان شعرا رجلا ليس بالجعد ولا السبط) هو بفتح الراء وكسر الجيم وهو الذي بين الجعودة والسبوطة قاله الأصمعي
92 وغيره قوله (عن شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم أشكل العين منهوس العقبين قال قلت لسماك ما ضليع الفم قال عظيم ألقم قلت أما أشكل العين قال طويل شق العين قلت ما منهوس العقب قال قليل لحم العقب) أما قوله في ضليع الفم فكذا قاله الأكثرون وهو الأظهر قالوا العرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم وهو معنى قول ثعلب في ضليع الفم واسع الفم وقال شمر عظيم الأسنان وأما قوله في أشكل العين فقال القاضي هذا وهم من سماك باتفاق العلماء وغلط ظاهر وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب أن الشكلة حمرة في بياض العينين وهو محمود والشهلة بالهاء حمرة في سواد العين وأما المنهوس فبالسين المهملة هكذا ضبطه الجمهور وقال صاحب التحرير وابن الأثير روى بالمهملة والمعجمة وهما متقاربان ومعناه قليل لحم العقب كما قال والله أعلم
93 قوله (كان أبيض مليحا مقصدا) هو بفتح الصاد المشددة وهو الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير وقال شمر هو نحو الربعة والقصد بمعناه والله أعلم باب شيبه صلى الله عليه وسلم قوله (سألت أنس ابن مالك هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب فقال لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض) وفي رواية لم ير من الشيب إلا قليلا وفي رواية لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه ولم يخضب وفي رواية لم يخضب رسول الله صلى الله وسلم إنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ وفي رواية ما شانه الله ببيضاء وفي رواية أبي جحيفة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه منه بيضاء ووضع الراوي بعض أصابعه على عنفقته وفي رواية له رأيت رسول الله صلى عليه وسلم أبيض قد شاب وفي رواية جابر بن سمرة أنه سئل عن شيب النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان إذا دهن رأسه لم ير منه شئ وإذا لم يدهن رئي منه وفي رواية له كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته وفي رواية لأنس يعد عدا توفي وليس
94 في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وفي حديث أم سلمة أنها أخرجت لهم شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حمرا مخضوبة بالحناء والكتم قال القاضي اختلف العلماء هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم أم لا فمنعه الأكثرون بحديث انس وهو مذهب مالك وقال بعض المحدثين خضب لحديث أم سلمة هذا ولحديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة قال وجمع بعضهم بين الأحاديث بما أشار إليه في حديث أم سلمة من كلام أنس في قوله فقال ما أدرى في هذا الذي يحدثون إلا أن يكون شئ من الطيب الذي كان يطيب به شعره لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الطيب كثيرا وهو يزيل سواد الشعر فأشار أنس إلى أن تغيير ذلك ليس بصبغ وإنما هو لضعف لون سواده بسبب الطيب قال ويحتمل أن تلك الشعرات تغيرت بعده لكثرة تطيب أم سلمة لها اكراما هذا آخر كلام القاضي والمختار أنه صلى الله عليه وسلم صبغ في وقت وتركه في معظم الأوقات فأخبر كل بما رأى وهو صادق وهذا التأويل كالمتعين فحديث ابن عمر في الصحيحين ولا يمكن تركه ولا تأويل له والله أعلم وأما اختلاف الرواية في قدر شيبه فالجمع بينها أنه رأى شيئا يسيرا فمن أثبت شيبه أخبر عن ذلك اليسير ومن نفاه أراد أنه لم يكثر فيه كما قال في الرواية الأخرى لم يشتد الشيب اي لم يكثر ولم يخرج شعره عن سواده وحسنه كما قال في الرواية الأخرى لم ير من الشيب الا قليلا قوله (أعد شمطاته) وفي الرواية الأخرى كان قد شمط بكسر الميم اتفق العلماء على أن المراد بالشمط هنا ابتداء الشيب يقال منه شمط وأشمط قوله (خضب أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بالحناء والكتم) أما الحناء فممدود وهو معروف وأما الكتم فبفتح
95 الكاف والتاء المثناة من فوق المخففة هذا هو المشهور وقال أبو عبيدة هو بتشديد التاء وحكاه عيره وهو نبات يصبغ به الشعر يكثر بياضه أو حمرته إلى الدهمة قوله (اختضب عمر بالحناء) هو بالحاء المهملة معناه خالصا لم يخلط بغيره قوله (عن أنس رضي الله عنه قال يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته) هذا متفق عليه قال أصحابنا وأصحاب مالك يكره ولا يحرم قوله (وفي الرأس نبذ) ضبطوه بوجهين أحدهما ضم النون وفتح الباء والثاني بفتح النون وإسكان الباء وبه جزم القاضي ومعناه شعرات متفرقة قوله (سمع أبا إياس) هو معاوية بن قرة قوله (أبري النبل رأريشها) أما أبرى فبفتح الهمزة وأما أريشها
96 فبفتح الهمزة أيضا وكسر الراء وإسكان الياء أي أجعل للنبل ريشا إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم قوله (ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده) وفي رواية بين كتفيه مثل زر الحجلة
97 وفي رواية فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل اما بيضة الحمامة فهو بيضتها المعروفة واما زر الحجلة فبزاي ثم ياء والحجلة بفتح الحاء والجيم هذا هو الصحيح المشهور والمراد بالحجلة واحدة الحجال وهي بيت كالقبة لها أزرار كباز وعرى هذا هو الصواب المشهور الذي قاله الجمهور وقال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف وزرها بيضتها وأشار إليه الترمذي وانكره عليه العلماء وقال الخطابي روى أيضا بتقديم الراء على الزاي ويكون المراد البيض يقال أرزت الجرادة بفتح الراء وتشديد الزاي إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت وجاء في صحيح البخاري كانت بضعة ناشزة أي مرتفعة على جسده واما ناغض كتفه فبالنون والغين والضاد المعجمتين والغين مكسورة وقال الجمهور النغض والنغض والناغض أعلى الكتف وقيل هو العظم الرقيق الذي على طرفه وقيل ما يظهر منه عند التحرك واما قوله جمعا فبضم الجيم وإسكان الميم ومعناه انه كجمع الكف وهو صورته بعد ان
98 تجمع الأصابع وتضمها واما الخيلان فبكسر الخاء المعجمة وإسكان الياء جمع خال وهو الشامة في الجسد والله أعلم قال القاضي وهذه الروايات متقاربة متفقة على أنها شاخص في جسده قدر بيضة الحمامة وهو نحو بيضة الحجلة وزر الحجلة وأما رواية جمع الكف وناشز فظاهرها المخالفة فتؤول على وفق الروايات الكثيرة ويكون معناه على هيئة جمع الكف لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة قال القاضي وهذا الخاتم هو أثر شق الملكين بين الكتفين وهذا الذي قاله ضعيف بل باطل لأن شق الملكين إنما كان في صدره وبطنه والله أعلم قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة والمدينة ذكر في الباب ثلاث روايات إحداها انه صلى الله عليه وسلم توفى وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون والثالثة ثلاث وستون وهو أصحها وأشهرها رواه مسلم هنا من رواية عائشة وأنس وابن عباس رضي الله عنهم واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون وتأولوا الباقي عليه فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضا وحصل فيها اشتباه وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله (خمس وستون) ونسبه إلى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا انه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح انها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثا وستين وهذا الذي ذكرناه انه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء وحكى القاضي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة انه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة
99 والصواب أربعون كما سبق وولد عام الفيل على الصحيح المشهور وقيل بعد الفيل بثلاث سنين وقيل بأربع سنين وادعى القاضي عياض الاجماع على عام الفيل وليس كما ادعى واتفقوا انه ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وتوفي يوم الاثنين من شهر ربيع الأول واختلفوا في يوم الولادة هل هو ثاني الشهر أم ثامنه أم عاشره أم ثاني عشره ويوم الوفاة ثاني عشره ضحى والله أعلم قوله (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) المراد بالبائن زائد الطول أي هو بين زائد الطول والقصير وهو بمعنى ما سبق انه كان مقصدا قوله (ولا الأبيض الأمهق ولا بالآدم) الأمهق بالميم هو شديد البياض كلون الجص وهو كريه المنظر وربما توهمه الناظر أبرص والآدم الأسمر معناه ليس بأسمر ولا بأبيض كريه البياض بل أبيض بياضا نيرا كما قال في الحديث السابق انه صلى الله عليه وسلم كان أزهر اللون وكذا قال في الرواية التي بعده كان أزهر قوله (قلت لعروة كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال عشرا قلت فان ابن عباس يقول بضع عشرة قال فغفره وقال إنما أخذ من قول الشاعر) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا فغفره بالغين والفاء وكذا نقله القاضي عن رواية الجلودي ومعناه دعا له بالمغفرة فقال غفر الله له وهذه اللفظة يقولونها غالبا لمن غلط في شئ فكأنه قال أخطأ غفر الله له قال القاضي وفي رواية ابن ماهان فصغره بصاد ثم غين أي استصغره عن معرفته هذا وادراكه ذلك وضبطه وإنما أسند فيه إلى قول الشاعر
100 وليس معه علم بذلك ويرجح القاضي هذا القول قال والشاعر هو أبو قيس صرمة بن أبي أنس حيث يقول ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى خليلا مواتيا
101 وقد وقع هذا البيت في بعض نسخ صحيح مسلم وليس هو في عامتها قلت وأبو قيس هذا هو صرمة بن أبي أنس بن أبي انس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري هكذا نسبه ابن إسحاق قال كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة واتخذ بيتا له مسجدا لا يدخل عليه حائض ولا جنب وقال أعبد رب إبراهيم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم فحسن إسلامه وهو شيخ كبير وكان قوالا بالحق وكان معظما لله تعالى في الجاهلية يقول الشاعر
102 في تعظيمه سبحانه وتعالى قوله (سمع معاوية يخطب فقال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وأبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستين هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وتقديره وأبو بكر وعمر كذلك ثم استأنف فقال وأنا ابن ثلاث وستين أي وأنا متوقع موافقتهم
103 واني أموت في سنتي هذه قوله (يسمع الصوت ويرى الضوء) قال القاضي أي صوت الهاتف به من الملائكة ويرى الضوء اي نور الملائكة ونور آيات الله تعالى حتى رأى الملك بعينه وشافهه وحى الله تعالى في أسمائه صلى الله عليه وسلم ذكر هنا هذه الأسماء وله صلى الله عليه وسلم أسماء أخر ذكر أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي عن بعضهم ان لله تعالى ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم أيضا ثم ذكر منها على التفصيل بضعا وستين قال أهل اللغة يقال رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة وقال ابن فارس وغيره وبه سمي نبينا صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمد اي ألهم الله تعالى أهله ان سموه به لما علم من جميل صفاته قوله صلى الله عليه وسلم (وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر) قال العلماء المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب وما زوى له صلى الله عليه وسلم من الأرض ووعد ان يبلغه ملك أمته قالوا ويحتمل ان المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة والغلبة كما قال
104 تعالى ليظهره على الدين كله وجاء في حديث آخر تفسير الماحي بأنه الذي محيت به سيئات من اتبعه فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا ويكون كقوله تعالى قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف والحديث الصحيح الاسلام يهدم ما كان قبله قوله صلى الله عليه وسلم (وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي) وفي الرواية الثانية علي قدمي فأما الثانية فاتفقت النسخ علي انها على قدمي لكن ضبطوه بتخفيف الياء على الافراد وتشديدها على التثنية واما الرواية الأولى فهي في معظم النسخ وفي بعضها قدمي كالثانية قال العلماء معناهما يحشرون علي أثري وزمان نبوتي ورسالتي وليس بعدي نبي وقيل يتبعوني قوله (والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة)
105 أما العاقب ففسره في الحديث بأنه ليس بعده نبي اي جاء عقبهم قال ابن الاعرابي العاقب والعقوب الذي يخلف في الخير من كان قبله ومنه عقب الرجل لولده واما المقفي فقال شمر هو بمعني العاقب وقال ابن الاعرابي هو المتبع للأنبياء يقال قفوته أقفوه وقفيته أقفيه إذا اتبعته وقافية كل شئ آخره واما نبي التوبة ونبي الرحمة ونبي المرحمة فمعناها متقارب ومقصودها انه صلى الله عليه وسلم جاء بالتوبة وبالتراحم قال الله تعالى رحماء بينهم وتواصوا بالصبر وتواصوا بالرحمة والله أعلم وفي حديث آخر نبي الملاحم لأنه صلى الله عليه وسلم بعث بالقتال قال العلماء وإنما اقتصر على هذه الأسماء مع أن له صلى الله عليه وسلم أسماء غيرها كما سبق لأنها موجودة في الكتب المتقدمة وموجودة للأمم السالفة باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى وشدة خشيته قوله (فغضب حتى بان الغضب في وجهه ثم قال ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه فوالله
106 لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية) فيه الحث على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم والنهي عن التعمق في العبادة وذم التنزه عن المباح شكا في اباحته وفيه الغضب عند انتهاك حرمات الشرع وإن كان المنتهك متأولا تأويلا باطلا وفيه حسن المعاشرة بإرسال التعزيز والانكار في الجمع ولا يعين فاعله فيقال ما بال أقوام ونحوه وفيه ان القرب إلى الله تعالى سبب لزيادة العلم به وشدة خشيته واما قوله صلى الله عليه وسلم فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية فمعناه انهم يتوهمون ان سننهم عما فعلت أقرب لهم عند الله وان فعل خلاف ذلك وليس كما توهموا بل انا اعلمهم بالله وأشدهم له خشية وإنما يكون القرب إليه سبحانه وتعالى والخشية له على حسب ما أمر لا بمخيلات النفوس وتكلف اعمال لم يأمر بها والله أعلم باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم قوله (شراج الحرة) بكسر الشين المعجمة وبالجيم هي مسايل الماء واحدها شرجة والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود قوله (سرح الماء) اي أرسله قوله صلى الله عليه وسلم (اسق يا زبير ثم ارسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله إن كان ابن
107 عمتك فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر) اما قوله إن كان ابن عمتك فهو بفتح الهمزة اي فعلت هذا لكونه ابن عمتك وقوله تلون وجهه اي تغير من الغضب لانتهاك حرمات النبوة وقبح كلا هذا الانسان واما الجدر فبفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة وهو الجدار وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب وجمع الجدر جدور كفلس وفلوس ومعنى يرجع إلى الجدر اي يصير إليه والمراد بالجدر أصل الحائط وقيل أصول الشجر والصحيح الأول وقدره العلماء ان يرتفع الماء في الأرض كلها حتى يبتل كعب رجل الانسان فلصاحب الأرض الأولى التي تلي الماء ان يحبس الماء في الأرض إلى هذا الحد ثم يرسله إلى جاره الذي وراءه وكان الزبير صاحب الأرض الأولى فأدل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اسق ثم ارسل الماء إلى جارك اي اسق شيئا يسيرا دون قدر حقك ثم أرسله إلى جارك ادلالا على الزبير ولعلمه بأنه يرضى بذلك ويؤثر الاحسان إلى جاره فلما قال الجار ما قال أمره ان يأخذ جميع حقه وقد سبق شرح هذا الحديث واضحا في بابه قال العلماء ولو صدر مثل هذا الكلام الذي تكلم به الأنصاري اليوم من انسان من نسبته صلى الله عليه وسلم إلى هوى كان كفرا وجرت على قائله أحكام المرتدين فيجب قتله بشرطه قالوا وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان في أول الاسلام يتألف الناس ويدفع بالتي هي أحسن ويصبر على أذى المنافقين ومن في قلبه مرض ويقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ويقول لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه وقد قال الله تعالى تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين قال القاضي وحكى الداودي ان هذا الرجل الذي خاصم الزبير كان منافقا وقوله في الحديث انه أنصاري لا يخالف هذا لأنه كان من قبيلتهم لا من الأنصار المسلمين وأما قوله في آخر الحديث فقال الزبير والله اني لأحسب هذه الآية نزلت فيه وربك لا يؤمنون
108 الآية فهكذا قال طائفة في سبب نزولها وقيل نزلت في رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم على أحدهما فقال ارفعني إلى عمر بن الخطاب وقيل في يهودي ومنافق اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض المنافق بحكمه وطلب الحكم عند الكاهن قال ابن جرير يجوز انها نزلت في الجميع والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) هذا الحديث سبق شرحه واضحا في كتاب الحج وهو من قواعد الاسلام
109 باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع ونحو ذلك مقصود أحاديث الباب انه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن اكثار السؤال والابتداء بالسؤال عما لا يقع وكره ذلك لمعان منها انه ربما كان سببا لتحريم شئ على المسلمين فيلحقهم به المشقة وقد بين هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول أعظم المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من اجل مسألته ومنها انه ربما كان في الجواب ما يكرهه السائل ويسوؤه ولهذا أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم كما صرح به في الحديث في سبب نزولها ومنها أنهم ربما أحفوه صلى الله عليه وسلم بالمسألة والحفوة المشقة والأذى فيكون ذلك سببا لهلاكهم وقد صرح بهذا في حديث أنس المذكور في الكتاب في قوله سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة إلى آخره وقد قال الله تعالى الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا قوله صلى الله عليه وسلم (ان أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته) وفي رواية من سأل عن شئ ونقر عنه اي بالغ في البحث عنه والاستقصاء قال القاضي عياض المراد بالجرم هنا الحرج على المسلمين لا انه الجرم الذي هو الاثم المعاقب عليه لان السؤال كان مباحا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم سلوني
110 هذا كلام القاضي وهذا الذي قاله القاضي ضعيف بل باطل والصواب الذي قاله الخطابي وصاحب التحرير وجماهير العلماء في شرح هذا الحديث ان المراد بالجرم هنا الاثم والذنب قالوا ويقال منه جرم بالفتح واجترم تجرم إذا اثم قال الخطابي وغيره هذا الحديث فيمن سأل تكلفا أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه فأما من سأل لضرورة بأن وقعت له مسألة فسال عنها فلا اثم عليه ولا عتب لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر قال صاحب التحرير وغيره فيه دليل على أن من عمل ما فيه اضرار بغيره كان آثما قوله صلى الله عليه وسلم (عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) فيه
111 ان الجنة والنار مخلوقتان وقد سبق شرح عرضهما ومعنى الحديث لم أر خيرا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة ولا شرا أكثر مما رأيته اليوم في النار ولو رأيتم ما رأيت وعلمتم ما علمت مما رايته اليوم وقبل اليوم لأشفقتم اشفاقا بليغا ولقل ضحككم وكثر بكاؤكم وفيه دليل على أنه لا كراهة في استعمال لفظة لو في مثل هذا والله أعلم، قوله (غطوا رؤسهم ولهم خنين) هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون قالوا ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الانف كالخنين بالمهملة من الفم وقال الخليل هو
112 صوت فيه غنة وقال الأصمعي إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين وقال أبو زيد الخنين مثل الحنين وهو شديد البكاء قوله (فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقول سلوني برك عمر فقال رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك) قال العلماء هذا القول منه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه أوحى إليه والا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات الا بإعلام الله تعالى قال القاضي وظاهر الحديث ان قوله صلى الله عليه وسلم سلوني إنما كان غضبا كما قال في الرواية الأخرى سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل لكن وافقهم في جوابها لأنه لا يمكن رد السؤال ولما رآه من حرصهم عليها والله أعلم واما بروك عمر رضي الله عنه وقوله فإنما فعله أدبا واكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقة على المسلمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا ومعنى كلامه رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واكتفينا به عن السؤال ففيه أبلغ كفاية قولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى والذي نفسي محمد بيده لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط اما لفظة أولى فهي تهديد ووعيد وقيل كلمة تلهف فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم والصحيح المشهور أنها للتهديد ومعناها قرب منكم ما تكرهونه ومنه قوله
113 تعالى فإن لك فأولى أي قاربك ما تكره فاحذره مأخوذ من الولي وهو القرب واما آنفا فمعناه قريبا الساعة والمشهور فيه المد ويقال بالقصر وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالمد وعرض الحائط بضم العين جانبه قوله (أن أم عبد الله بن حذاقة قالت له أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس فقال ابنها والله لو الحقني بعبد أسود للحقته) اما قولها قارفت فمعناه عملت سوءا والمراد الزنا والجاهلية هم من قبل النبوة سموا به لكثرة جهالاتهم وكان سبب سؤاله ان بعض الناس كان يطعن في نسبه على عادة الجاهلية من الطعن في الأنساب وقد بين هذا في الحديث الآخر بقوله كان يلاحي فيدعي لغير أبيه والملاحاة المخاصمة والسباب وقولها فتفضحها معناه لو كنت من زنا فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني واما قوله لو ألحقني بعبد للحقته فقد يقال هذا لا يتصور لان الزنا لا يثبت به النسب ويجاب عنه بأنه يحتمل وجهين أحدهما أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم وكان يظن أن ولد الزنا يلحق الزاني وقد خفى هذا على أكبر منه وهو سعد بن أبي وقاص حين خاصم في ابن وليدة زمعة فظن أنه يلحق أخاه بالزنا والثاني انه يتصور الالحاق بعد وطئها بشبهة فيثبت النسب منه والله أعلم قوله (حدثنا يوسف بن حماد المعني)
114 هو بكسر النون وتشديد الياء قال السمعاني منسوب إلى معن بن زائدة وهذا الاسناد كله بصريون قوله (أحفوه بالمسألة) اي أكثروا في الالحاح والمبالغة فيه يقال أحفى والحف وألح بمعنى قوله (فلما سمع ذلك القوم أرموا) هو بفتح الراء وتشديد الميم المضمومة أي سكتوا واصله من المرمة وهي الشفة اي ضموا شفاههم بعضها على بعض فلم يتكلموا ومنه رمت الشاه الحشيش ضمته بشفتيها قوله (أنشأ رجل ثم أنشأ عمر) قال أهل اللغة معناه ابتدأ ومنه أنشأ الله الخلق اي ابتدأهم
115 وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي فيه حديث ابار النخل وانه صلى الله عليه وسلم قال (ما أظن يعني ذلك شيئا فخرج شيصا فقال إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فاني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به) وفي رواية إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشئ من رأى فإنما انا بشر وفي رواية أنتم أعلم بأمر دنياكم قال العلماء قوله صلى الله عليه وسلم من رأيي اي في امر الدنيا ومعايشها لا على التشريع فأما ما قاله باجتهاده صلى الله عليه وسلم ورآه شرعا يجب العمل به وليس آبار النخل من هذا النوع بل من النوع المذكور قبله مع أن لفظة الرأي إنما أتى بها عكرمة على المعنى لقوله في آخر الحديث قال عكرمة أو نحو هذا فلم يخبر بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم محققا قال العلماء ولم يكن هذا القول خبرا وإنما كان ظنا كما بينه في هذه الروايات قالوا ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا ولا نقص في ذلك وسببه تعلق همهم بالآخرة ومعارفها والله أعلم قوله يلقحونه) هو
116 بمعنى يأبرون في الرواية الأخرى ومعناه ادخال شئ طلع الذكر في طلع الأنثى فتعلق بإذن الله ويأبرون بكسر الباء وضمها يقال منه أبر يأبر ويأبر كبذر يبذر ويبذر ويقال أبر يؤبر بالتشديد تأبيرا قوله (حدثني أحمد بن جعفر المعقري) هو بفتح الميم واسكان العين المهملة وكسر القاف منسوب إلى معقر وهي ناحية من اليمن قوله فنفضت أو فنقصت هو بفتح الحروف كلها والأول بالفاء والضاد المعجمة والثاني بالقاف والمهملة واما قوله في آخر الحديث قال المعقري فنفضت
117 بالفاء والمعجمة ومعناه أسقطت ثمرها قال أهل اللغة ويقال لذلك المتساقط النفض بفتح النون والفاء بمعنى المنفوض كالخبط بمعنى المخبوط وانفض القوم فنى زادهم قوله (فخرج شيصا) هو بكسر الشين المعجمة واسكان الياء المثناة تحت وبصاد مهملة وهو البسر الردئ الذي إذا يبس صار حشفا وقيل أردأ البسر وقيل تمر ردئ وهو متقارب باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم وتمنيه قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ثم لان يراني أحب إليه من أهله وماله معهم قال أبو إسحاق المعنى فيه عندي لان يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي مقدم ومؤخر) هذا الذي قاله أبو إسحاق هو الذي قاله القاضي عياض واقتصر عليه قال تقديره لان يراني معهم أحب إليه من أهله وماله ثم لا يراني وكذا جاء في مسند سعيد بن منصور ليأتين على أحدكم يوم لان يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله ثم لا يراني اي رؤيته إياي أفضل عنده واحظى من أهله وماله هذا كلام القاضي والظاهر أن قوله في تقديم لان يراني وتأخير من أهله لا يراني كما قال وأما لفظة معهم فعلى ظاهرها وفي موضعها وتقدير الكلام يأتي على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجلسه الكريم ومشاهدته حضرا وسفرا
118 للتأدب بآداب وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها واعلامهم انهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته ومنه قول عمر رضي الله عنه ألهاني عنه الصفق بالأسواق والله أعلم باب فضائل عيسى عليه السلام قوله صلى الله عليه وسلم (أنا أولى الناس بابن مريم الأنبياء أولاد علات وليس بيني وبينه نبي) وفي رواية انا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة قالوا كيف يا رسول الله قال الأنبياء اخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبي قال العلماء أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الاخوة لأب من أمهات شتى واما الاخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان قال
119 جمهور العلماء معنى الحديث أصل ايمانهم واحد وشرائعهم مختلفة فإنهم متفقون في أصول التوحيد واما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف واما قوله صلى الله عليه وسلم ودينهم واحد فالمراد به أصول التوحيد واصل طاعة الله تعالى وان اختلفت صفتها وأصول التوحيد والطاعة جميعا واما قوله صلى الله عليه وسلم (وانا أولى الناس بعيسى فمعناه أخص به لما ذكره قوله صلى الله عليه وسلم ما من مولود يولد الا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان الا ابن مريم وأمه) هذه فضيلة ظاهرة وظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وأمه واختار القاضي عياض ان جميع الأنبياء يتشاركون فيها قوله صلى الله عليه وسلم (صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان) أي حين يسقط من بطن أمه ومعنى
120 نزغة نخسة وطعنة ومنه قولهم نزغة بكلمة سوء اي رماه بها قوله صلى الله عليه سلم (رأى عيسى رجلا يسرق فقال له عيسى سرقت قال كلا والذي لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي) قال القاضي ظاهر الكلام صدقت من حلف بالله تعالى وكذبت ما ظهر لي من ظاهر سرقته فلعله اخذ ماله فيه حق أو باذن صاحبه أو لم يقصد الغصب والاستيلاء أو ظهر له من مد يده انه اخذ شيئا فلما حلف له أسقط ظنه ورجع عنه باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم قوله (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا خير البرية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك إبراهيم عليه الصلاة والسلام) قال العلماء إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعا واحتراما لإبراهيم صلى الله عليه وسلم لخلته وأبوته وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه بل قاله بيانا لما أمر ببيانه وتبليغه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ولا فخر لينفى ما قد يتطرق إلى بعض
121 الافهام السخيفة وقيل يحتمل انه صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم خير البرية قبل ان يعلم أنه سيد ولد آدم فان قيل التأويل المذكور ضعيف لان هذا خبر فلا يدخله خلف ولا نسخ فالجواب انه لا يمتنع انه أراد أفضل البرية الموجودين في عصره وأطلق العبارة الموهمة للعموم لأنه أبلغ في التواضع وقد جزم صاحب التحرير بمعنى هذا فقال المراد أفضل برية عصره وأجاب القاضي عن التأويل الثاني بأنه وإن كان خبرا فهو مما يدخله النسخ من الاخبار لان الفضائل يمنحها الله تعالى لمن يشاء فأخبر بفضيلة إبراهيم إلى أن علم تفضيل نفسه فأخبر به ويتضمن هذا جواز التفاضل بين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ويجاب عن حديث النهي عنه بالأجوبة السابقة في أول كتاب الفضائل قوله صلى الله عليه وسلم (اختتن إبراهيم النبي وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم) رواه مسلم متفقون على تخفيف القدوم ووقع في روايات البخاري الخلاف في تشديده وتخفيفه قالوا وآله النجار يقال لها قدوم بالتخفيف لا غير واما القدوم مكان بالشام ففيه التخفيف فمن رواه بالتشديد أراد القرية ومن رواه بالتخفيف يحتمل القرية والآلة والأكثرون على التخفيف وعلى إرادة الآلة وهذا الذي وقع هنا وهو ابن ثمانين سنة هو الصحيح ووقع في الموطأ وهو ابن مائة وعشرين سنة موقوفا على أبي هريرة وهو متأول أو مردود وسبق بيان حكم الختان في
122 أوائل كتاب الطهارة في خصال الفطرة قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أحق بالشك من إبراهيم إلى آخره) هذا الحديث سبق شرحه واضحا في كتاب الايمان قوله صلى الله عليه وسلم (لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله تعالى قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة وهي قوله إن سألك فاخبريه انك أختي فإنك
123 أختي في الاسلام قال المازري اما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى فالأنبياء معصومون منه سواء كثيره وقليله واما مالا يتعلق بالبلاغ ويعد من الصفات كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي امكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف قال القاضي عياض الصحيح ان الكذب فيما يتعلق بالبلاغ لا يتصور وقوعه منهم سواء جوزنا الصغائر منهم وعصمتهم منه أم لا وسواء قل الكذب أم كثر لان منصب النبوة يرتفع عنه وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم واما قوله صلى الله عليه وسلم ثنتين في ذات الله تعالى وواحدة في شأن سارة فمعناه ان الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع واما في نفس الامر فليست كذبا مذموما لوجهين أحدهما انه ورى بها فقال في سارة أختي في الاسلام وهو صحيح في باطن الامر وسنذكر إن شاء الله تعالى تأويل اللفظين الآخرين والوجه الثاني انه لو كان كذبا لا تورية فيه لكان جائزا في دفع الظالمين وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب انسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة لانسان ليأخذها غصبا وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك اخفاؤه وانكار العلم به وهذا كذب جائز بل واجب لكونه في دفع الظالم فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم قال المازري وقد تأول بعضهم هذه الكلمات واخرجها عن كونها كذبا قال ولا معنى للامتناع من اطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت اما اطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع لورود الحديث به واما تأويلها فصحيح لا مانع منه قال العلماء والواحدة التي في شأن سارة هي أيضا في ذات الله تعالى لأنها سبب
124 دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة وقد جاء ذلك مفسرا في غير مسلم فقال ما فيها كذبة إلا بما حل بها عن الاسلام اي يجادل ويدافع قالوا وإنما خص الثنتين بأنهما في ذات الله تعالى لكون الثالثة تضمنت نفعا له وحظا مع كونها في ذات الله تعالى وذكروا في قوله إني سقيم اي سأسقم لان الانسان عرضة للأسقام وأراد بذلك الاعتذار عن الخروج معهم إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم وقيل سقيم بما قدر على من الموت وقيل كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت واما قوله بل فعله كبيرهم فقال ابن قتيبة وطائفة جعل النطق شرطا لفعل كبيرهم اي فعله كبيرهم ان كانوا ينطقون وقال الكسائي يوقف عند قوله بل فعله اي فعله فاعله فأضمر ثم يبتدئ فيقول كبيرهم هذا فاسألوهم عن ذلك الفاعل وذهب الأكثرون إلى أنها على ظاهرها وجوابها ما سبق والله أعلم قوله (فلك الله) اي شاهدا وضامنا ان لا أضرك قوله (مهيم) بفتح الميم والياء واسكان الهاء بينهما اي ما شأنك وما خبرك ووقع في البخاري لأكثر الرواة مهيما بالألف والأول افصح واشهر قولها (وأخدم خادما) اي وهبني خادما وهي هاجر ويقال آجر بمد الألف والخادم يقع على الذكر والأنثى قوله (قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء) قال كثيرون المراد ببني ماء السماء العرب كلهم لخلوص نسبهم وصفائه وقيل لان أكثرهم أصحاب مواش وعيشهم من المرعى والخصب وما ينبت بماء السماء وقال القاضي الأظهر عندي ان المراد بذلك الأنصار خاصة ونسبتهم إلى جدهم عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأدد وكان يعرف بماء السماء وهو المشهور بذلك والأنصار كلهم من ولد حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن
125 عامر والله أعلم وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لإبراهيم صلى الله عليه وسلم باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم قوله (انه آدر) بهمزة ممدودة ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء وهو عظيم الخصيتين وجمع الحجر اي ذهب مسرعا إسراعا بليغا وطفق ضربا اي جعل يضرب يقال طفق يفعل كذا وطفق بكسر الفاء وفتحها وجعل واخذ واقبل بمعنى واحد واما الندب فهو بفتح النون والدال واصله أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد وقوله (ثوبي حجر) اي دع ثوبي يا حجر قوله (فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة) هكذا هو في جميع النسخ توارت ومعناه وارت وسترت
126 قوله (فاغتسل عند مويه) وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا ومعظم غيرها مويه بضم الميم وفتح الواو وإسكان الياء وهو تصغير ماء واصله موه والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها وقال القاضي وقع في بعض الروايات مويه كما ذكرناه وفي معظمها مشربة بفتح الميم واسكان الشين وهي حفرة في أصل النخلة يجمع الماء فيها لسقيها قال القاضي وأظن الأول تصحيفا كما سبق والله أعلم وفي هذا الحديث فوائد منها ان فيه معجزتين ظاهرتين لموسى صلى الله عليه وسلم إحداهما مشى الحجر بثوبه إلى ملأ بني إسرائيل والثانية حصول الندب في الحجر ومنها وجود التمييز في الجماد كالحجر ونحوه ومثله تسليم الحجر بمكة وحنين الجذع ونظائره وسبق قريبا بيان هذه المسألة مبسوطة ومنها جواز الغسل عريانا في الخلوة وإن كان ستر العورة أفضل وبهذا قال الشافعي ومالك وجماهير العلماء وخالفهم ابن أبي ليلى وقال إن للماء ساكنا واحتج في ذلك بحديث ضعيف ومنها ما ابتلى به الأنبياء والصالحون من اذى السفهاء والجهال وصبرهم عليهم ومنها ما قاله القاضي وغيره ان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وسلامه منزهون عن النقائص في الخلق والخلق سالمون من العاهات والمعايب قالوا ولا التفات إلى ما قاله من لا تحقيق له من أهل التاريخ في إضافة بعض العاهات إلى بعضهم بل نزههم الله تعالى من كل عيب وكل شئ يبغض العيون أو ينفر القلوب قوله (عن أبي هريرة قال أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال فرد الله إليه عينه وقال ارجع إليه
127 فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال اي رب ثم مه قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله تعالى ان يدنيه من الأرض المقدسة رميه بحجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر) وفي الرواية الأخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ملك الموت إلى موسى فقال أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها وذكر نحو ما سبق اما قوله صكه فهو بمعنى لطمه في الرواية الثانية وفقأ عينه بالهمز ومتن الثور ظهره ورمية حجر اي قدر ما يبلغه وقوله ثم مه هي هاء السكت وهو استفهام اي ثم ماذا يكون أحياة أم موت والكثيب الرمل المستطيل المحدودب ومعنى أجب ربك اي الموت ومعناه جئت لقبض روحك واما سؤاله الادناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم قال بعض العلماء وإنما سأل الادناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس وفي هذا استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين والله أعلم
128 قال المازري وقد انكر بعض الملاحدة هذا الحديث وانكر تصوره قالوا كيف يجوز على موسى فق ء عين ملك الموت قال وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة أحدها انه لا يمتنع أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم قد أذن الله تعالى له في هذه اللطمة ويكون ذلك امتحانا للملطوم والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما شاء ويمتحنهم بما أراد والثاني ان هذا على المجاز والمراد ان موسى ناظره وحاجه فغلبه بالحجة ويقال فقأ فلان عين فلان إذا غالبه بالحجة ويقال عورت الشئ إذا أدخلت فيه نقصا قال وفي هذا ضعف لقوله صلى الله عليه وسلم فرد الله عينه فان قيل أراد رد حجته كان بعيدا والثالث ان موسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أنه ملك من عند الله وظن أنه رجل قصده يريد نفسه فدافعه عنها فأدت المدافعة إلى فق ء عينه لا انه قصدها بالفقء وتؤيده رواية صكه وهذا جواب الامام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين واختاره المازري والقاضي عياض قالوا وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه فان قيل فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا
129 بأنه ملك الموت فالجواب انه اتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها انه ملك الموت فاستسلم بخلاف المرة الأولى والله أعلم قوله في الرواية الثانية فالآن من قريب رب أمتني بالأرض المقدسة رميه بحجر هكذا هو في معظم النسخ امتني بالميم والتاء والنون من الموت وفي بعضها أدنني بالدال ونونين وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (لا تفضلوا بين الأنبياء) فقد سبق بيانه وتأويله مبسوطا في أول كتاب الفضائل قوله صلى الله عليه وسلم (ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسي آخذ بالعرش فلا أدري احوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي) وفي رواية فان الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدوي أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى الصعق والصعقة الهلاك والموت ويقال منه صعق الانسان وصعق بفتح الصاد وضمها وأنكر بعضهم الضم وصعقتهم الصاعقة بفتح الصاد والعين وأصعقتهم وبنو تميم يقولون الصاقعة بتقديم القاف قال القاضي وهذا من أشكل الأحاديث لان موسى قد مات
130 فكيف تدركه الصعقة وإنما تصعق الاحياء قوله (ممن استثنى الله تعالى) يدل على أنه كان حيا ولم يأت ان موسى رجع إلى الحياة ولا انه حي كما جاء في عيسى وقد قال صلى الله عليه وسلم لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق قال القاضي يحتمل ان هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والأرض فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم فأفاق لأنه إنما يقال أفاق من الغشي واما الموت فيقال بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتا واما قوله صلى الله عليه وسلم فلا أدري افاق قبلي فيحتمل انه صلى الله عليه وسلم قاله قبل ان يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ علي ظاهره وان نبينا صلى الله عليه وسلم أول شخص تنشق عنه الأرض على الاطلاق قال ويجوز أن يكون معناه انه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض فيكون موسى من تلك الزمرة
131 وهي والله أعلم زمرة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هذا آخر كلام القاضي قوله صلى الله عليه وسلم (ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متي) وفي رواية ان الله تعالى قال لا ينبغي لعبد لي يقول انا خير من يونس بن متي وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد يقول انا خير من يونس بن متي قال العلماء هذه الأحاديث تحتمل وجهين أحدهما انه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل ان يعلم أنه أفضل من يونس فلما علم ذلك قال انا سيد ولد آدم ولم يقل هنا ان يونس أفضل منه أو من غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والثاني انه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم من اجل ما في القرآن العزيز من قصته قال العلماء وما جرى ليونس صلى الله عليه وسلم لم يحطه من النبوة مثقال ذرة وخص يونس بالذكر لما ذكرناه من ذكره في القرآن بما ذكر واما قوله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لعبد ان يقول انا خير من يونس فالضمير في انا قيل يعود إلي النبي صلى الله عليه وسلم وقيل يعود إلي القائل اي لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك من الفضائل فإنه لو بلغ من الفضاء
132 ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة ويؤيد هذا التأويل الرواية التي قبله وهي قوله تعالى لا ينبغي لعبد ان يقول انا خير من يونس بن متي والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (مررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره) هذا الحديث سبق شرحه في أواخر كتاب الايمان عند ذكر موسى وعيسى صلى الله عليه وسلم
133 باب من فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم قوله (قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال اتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال يوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا) هكذا وقع في مسلم نبي الله بن نبي الله بن خليل الله وفي روايات للبخاري كذلك وفي بعضها نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله وهذه الرواية هي الأصل واما الأولى فمختصرة منها فله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ص فنسبه في الأولى إلى جده ويقال يوسف بضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه فهي ستة أوجه قال العلماء واصل الكرم كثرة الخير وقد جمع يوسف صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق مع شرف النبوة مع شرف النسب وكونه نبيا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين أحدهم خليل الله صلى الله عليه وسلم وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه ورياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة وحياطته للرعية وعموم نفعه إياهم وشفقته عليهم وانقاذه إياهم من تلك السنين والله أعلم قال العلماء لما
134 سئل صلى الله عليه وسلم اي الناس أكرم اخبر بأكمل الكرم وأعمه فقال اتقاهم لله وقد ذكرنا ان أصل الكرم كثرة الخير ومن كان متقيا كان كثير الخير وكثير الفائدة في الدنيا وصاحب الدرجات العلى في الآخرة فلما قالوا ليس عن هذا نسألك قال يوسف الذي جمع خيرات الآخرة والدنيا وشرفهما فلما قالوا ليس عن هذا نسأل فهم عنهم ان مرادهم قبائل العرب قال خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا ومعناه ان أصحاب المروءات ومكارم الخلائق في الجاهلية إذا اسلموا وفقهوا فهم خيار الناس قال القاضي وقد تضمن الحديث في الأجوبة الثلاثة ان الكرم كله عمومه وخصوصه ومجمله ومبانه إنما هو الدين من التقوى والنبوة والأعراق فيها والاسلام مع الفقه ومعنى معادن العرب أصولها وفقهوا بضم القاف على المشهور وحكى كسرها اي صاروا فقهاء عالمين بالأحكام الشرعية الفقهية والله أعلم باب من فضل زكرياء صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم (كان زكرياء نجارا) فيه جواز الصنائع وان النجارة لا تسقط المروءة وانها صنعة فاضلة وفيه فضيلة لزكريا صلى الله عليه وسلم فإنه كان صانعا يأكل من كسبه وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم أفضل ما أكل الرجل من كسبه وان نبي الله داود كان يأكل من عمل يده وفي زكريا خمس لغات المد والقصر وزكرى بالتشديد والتخفيف وزكر كعلم باب من فضائل الخضر صلى الله عليه وسلم جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجماع به والاخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع
135 الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يستر وقال الشيخ أبو عمر بن الصلاح هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك قال وإنما شذ بانكاره بعض المحدثين قال الحبري المفسر وأبو عمرو هو نبي واختلفوا في كونه مرسلا وقال القشيري وكثيرون هو ولي وحكى الماوردي في تفسيره ثلاثة أقوال أحدها نبي والثاني ولي والثالث انه من الملائكة وهذا غريب باطل قال المازري اختلف العلماء في الخضر هل هو نبي أو ولي قال واحتج من قال بنبوته بقوله وما فعلته عن أمري فدل على أنه نبي أوحي إليه وبأنه اعلم من موسى ويبعد أن يكون ولي اعلم من نبي وأجاب الآخرون بأنه يجوز أن يكون قد أوحى الله إلى نبي في ذلك العصر ان يأمر الخضر بذلك وقال الثعلبي المفسر الخضر نبي معمر على جميع الأقوال محجوب عن الابصار يعني عن ابصار أكثر الناس قال وقيل إنه لا يموت الا في آخر الزمان حين يرفع القرآن وذكر الثعلبي ثلاثة أقوال في أن الخضر كان من زمن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أم بعده بقليل أم بكثير كنية الخضر أبو العباس واسمه بليا بموحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحت ابن ملكان بفتح الميم واسكان اللام وقيل كليان قال ابن قتيبة في المعارف قال وهب بن منبه اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح قالوا وكان أبوه من الملوك واختلفوا في لقبه الخضر فقال الأكثرون لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء والفروة وجه الأرض وقيل لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله والصواب الأول فقد صح في البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هي تهتز من خلفه خضراء وبسطت أحواله في تهذيب الأسماء واللغات والله أعلم قوله (ان نوفا البكالي) هكذا ضبطه الجمهور بكسر الموحدة وتخفيف الكاف ورواه بعضهم بفتحها وتشديد الكاف قال القاضي هذا الثاني هو ضبط أكثر الشيوخ وأصحاب الحديث قال والصواب الأول وهو قول المحققين وهو منسوب إلى نبي بكال بطن من حمير وقيل من همدان ونوف هذا هو ابن فضالة كذا قاله ابن دريد وغيره
136 وهو ابن امرأة كعب الأحبار وقيل ابن أخيه والمشهور الأول قاله ابن أبي حاتم وغيره قالوا وكنيته أبو يزيد وقيل أبو رشد وكان عالما حكيما قاضيا واماما لأهل دمشق قوله (كذب عدو الله) قال العلماء هو على وجه الاغلاظ والزجر عن مثل قوله لا انه يعتقد انه عدو الله حقيقة إنما قاله مبالغة في انكار قوله لمخالفته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في حال غضب ابن عباس لشدة انكاره وحال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد بها حقائقها والله أعلم قوله (انا اعلم) اي في اعتقاده والا فكان الخضر اعلم منه كما صرح به في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) اي كان حقه ان يقول الله اعلم فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الا هو قال الله تعالى يعلم جنود ربك الا هو واستدل العلماء بسؤال موسى السبيل إلى لقاء الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الرحلة في طلب العلم واستحباب الاستكثار منه وانه يستحب للعالم وإن كان من العلم بمحل عظيم ان يأخذه ممن هو اعلم منه ويسعى إليه في تحصيله وفيه فضيلة طلب العلم وفي تزوده الحوت وغيره جواز التزود في السفر وفي هذا الحديث الأدب مع العالم وحرمة المشايخ وترك الاعتراض عليهم وتأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم وحركاتهم وأقوالهم والوفاء بعهودهم والاعتذار عند مخالفة عهدهم وفيه اثبات كرامات الأولياء على قول من يقول الخضر ولي وفيه جواز سؤال الطعام عند الحاجة وجواز إجارة السفينة وجواز ركوب السفينة والدابة وسكنى الدار ولبس الثوب ونحو ذلك بغير اجرة برضى صاحبه لقوله حملونا بغير نول وفيه الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه لانكار موسى قال القاضي واختلف العلماء في قول موسى لقد جئت إمرا شيئا نكرا أيهما أشد فقيل إمرا لأنه العظيم ولأنه في مقابلة خرق السفينة الذي يترتب عليه في العادة هلاك الذي فيها وأموالهم وهو أعظم من قتل الغلام فإنها نفس واحد وقيل نكرا أشد لأنه قاله عند مباشرة القتل حقيقة وأما القتل في خرق السفينة فمظنون وقد يسلمون في العادة وقد سلموا في هذه القضية وليس
137 فيه ما هو محقق الا مجرد الخرق ولله اعلم قوله تعالى (ان عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو اعلم منك أو قال قتادة هو مجمع بحري فارس والروم مما يلي المشرق وحكى الثعلبي عن أبي بن كعب انه بإفريقية قوله (احمل حوتا في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثم) الحوت السمكة وكانت سمكة مالحة كما صرح به في الرواية الثانية والمكتل بكسر الميم وفتح المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وسبق بيانه مرات وتفقده بكسر القاف اي يذهب منك يقال فقده وافتقده وثم بفتح الثاء اي هناك قوله صلى الله عليه وسلم (وانطلق معه فتاه) وهو يوشع بن نون معنى فتاه صاحبه ونون مصروف كنوح وهذا الحديث يرد قول من قال من المفسرين ان فتاه عبد له وغير ذلك من الأقوال الباطلة قالوا وهو يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف صلى الله عليه وسلم (وامسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق) اما الجرية فبكسر الجيم والطاق عقد البناء وجمعه طيقان وأطواق وهو الأزج وما عقد أعلاه من البناء وبقي ما تحته خاليا قوله صلى الله عليه وسلم (فانطلقا بقية يومهما وليلتهما) ضبطوه بنصب ليلتهما به وجرها والنصب التعب قالوا لحقه النصب والجوع ليطلب الغذاء فيتذكر نسيان الحوت ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي
138 امر به قوله واتخذ سبيله في البحر عجبا قيل إن لفظة عجبا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع وقيل من كلام موسى أبي قال موسى عجبت من هذا عجبا وقيل من كلام الله تعالى ومعناه اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا قوله ما كنا نبغي اي نطلب معناه ان الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت قوله صلى الله عليه وسلم (فرأى رجلا مسجى عليه بثوب فسلم عليه فقال له الخضر اني بأرضك السلام) المسجى المغطى وأني اي من أين السلام
139 في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام قال العلماء انى تأتي بمعنى أين ومتى وحيث وكيف وحملوها بغير نول بفتح النون واسكان الواو اي بغير اجر والنول والنوال العطاء قوله لتغرق أهلها قرئ في السبع بضم التاء المثناة فوق ونصب أهلها وبفتح المثناة تحت ورفع أهلها شيئا إمرا اي عظيما كثير الشدة ولا ترهقني اي تغشي وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قالوا ومعناه طاهرة من الذنوب وقوله بغير نفس اي بغير قصاص لك عليها والنكر المنكر وقرئ في السبع باسكان الكاف وضمها والأكثرون بالاسكان قال العلماء وقوله إذا غلام يلعب فقتله دليل على أنه كان صبيا ليس ببالغ لأنه حقيقة الغلام وهذا قول الجمهور انه لم يكن بالغا وزعمت طائفة انه كان بالغا يعمل بالفساد واحتجت بقوله سعيد نفسا زكية بغير نفس فدل على أنه ممن يجب عليه القصاص والصبي لا قصاص عليه وبقوله كان كافرا في قراءة ابن عباس كما ذكر في آخر الحديث والجواب عن الأول من وجهين أحدهما ان المراد التنبيه على أنه قتل بغير حق والثاني انه يحتمل ان شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبي كما أنه في شرعنا يؤاخذ بغرامة المتلفات والجواب عن الثاني من وجهين أحدهما انه شاذ لا حجة فيه والثاني انه سماه بما يؤول إليه لو عاش كما جاء في الرواية الثانية قوله بلغت من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت في السبع الأكثرون بضم
140 الدال وتشديد النون والثانية بالضم وتخفيف النون والثالثة باسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون ومعناه قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي قوله تعالى فانطلقا حتى إذا اتيا أهل قرية) قال الثعلبي قال ابن عباس هي أنطاكية وقال ابن سيرين الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء قوله تعالى فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض) هذا من المجاز لان الجدار لا يكون له حقيقة إرادة ومعناه قرب من الانقضاض وهو السقوط واستدل الأصوليون بهذا على وجود المجاز في القرآن وله نظائر معروفة قال وهب بن منبه كان طول هذا الجدار إلى السماء مائة ذراع قوله " لو شئت لاتخذت عليه اجرا " قرئ بالسبع لاتخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء ولاتخذت بالتشديد وفتح الخاء اي لاخذت عليه اجرة تأكل بها قوله صلى الله عليه وسلم (وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر) قال العلماء لفظ النقص هنا ليس على ظاهره وإنما معناه ان علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر هذا على التقريب إلى الافهام والا فنسبة علمهما أقل وأحقر وقد جاء في رواية البخاري ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما اخذ هذا العصفور بمنقاره اي في جنب معلوم الله وقد يطلق العلم
141 بمعنى المعلوم وهو من إطلاق المصدر لإرادة المفعول كقولهم رغم ضرب السلطان اي مضروبه قال القاضي وقال بعض من أشكل عليه هذا الحديث إلا هنا بمعنى ولا اي ولا نقص علمي وعلمك من علم الله ولا مثل ما اخذ هذا العصفور لان علم الله تعالى لا يدخله نقص قال القاضي ولا حاجة إلى هذا التكلف بل هو صحيح كما بينا والله أعلم قوله (كذب نوف) هو جار على مذهب أصحابنا ان الكذب هو الاخبار عن الشئ خلاف ما هو عمدا كان أو سهوا خلافا للمعتزلة وسبقت المسألة في كتاب الايمان قوله صلى الله عليه وسلم (حتى انتهينا إلى الصخرة فعمى عليه) وقع في بعض الأصول بفتح العين المهملة وكسر الميم وفي بعضها بضم العين وتشديد الميم وفي بعضها بالغين المعجمة قوله صلى الله عليه وسلم (مثل الكوة) بفتح الكاف ويقال بضمها وهي
142 الطاق كما قال في الرواية الأولى قوله (مستلقيا على حلاوة القفا) هي وسط القفا ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها أفصحها الضم وممن حكى الكسر صاحب نهاية الغريب ويقال أيضا حلاوا بالفتح وحلاوى بالضم والقصر وحلواء بالمد قوله (يجئ ما جاء بك) قال القاضي ضبطناه مجئ مرفوع غير منون عن بعضهم وعن بعضهم منونا قال وهو أظهر اي امر عظيم جاء بك قوله صلى الله عليه وسلم (انتحى بها) اي اعتمد على السفينة وقصد
143 خرقها واستدل به العلماء على النظر في المصالح عند تعارض الأمور وانه إذا تعارضت مفسدتان دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما كما خرق السفينة لدفع غصبها وذهاب جملتها قوله صلى الله عليه وسلم (فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي فقتله) بادئ بالهمز وتركه فمن همزه معناه أول الرأي وابتداؤه اي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر ومن لم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله من البدء وهو ظهور رأي لم يكن قال القاضي ويمد البدء ويقصر قوله صلى الله عليه وسلم (رحمة الله علينا وعلى موسى قال وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا رحمة الله علينا) قال أصحابنا فيه استحباب ابتداء الانسان بنفسه في الدعاء وشبهه من أمور الآخرة واما حظوظ الدنيا فالأدب فيها الايثار وتقديم غيره على نفسه واختلف العلماء في الابتداء في عنوان الكتاب فالصحيح الذي قاله كثيرون من السلف وجاء به الصحيح انه يبدأ بنفسه فيقدمها على المكتوب إليه فيقال من فلا إلى فلان ومنه حديث كتاب النبي صلى الله عليه وسلم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم وقالت طائفة يبدأ بالمكتوب إليه فيقول إلى فلان من فلان قالوا الا ان يكتب الأمير إلى من دونه أو السيد إلى عبده أو الوالد إلى ولده ونحو هذا قوله صلى الله عليه وسلم (لكن اخذته من صاحبه ذمامة) هي بفتح الذال المعجمة
144 أي استحياءا لتكرار مخالفته وقيل ملامة والأول هو المشهور قوله (واما الغلام فطبع يوم طبع كافرا) قال القاضي في هذا حجة بينة لأهل السنة لصحة أصل مذهبهم في الطبع والرين والأكنة والأغشية والحجب والسد وأشباه هذه الألفاظ الواردة في الشرع في افعال الله تعالى بقلوب أهل الكفر والضلال ومعنى ذلك عندهم خلق الله تعالى فيها ضد الايمان وضد الهدى وهذا على أصل أهل السنة ان العبد لا قدرة له إلا ما اراده الله تعالى ويسره له وخلقه له خلافا للمعتزلة والقدرية القائلين بأن للعبد فعلا من قبل نفسه وقدرة على الهدى والضلال والخير والشر والايمان والكفر وان معنى هذه الألفاظ نسبة الله تعالى لأصحابها وحكمه عليهم بذلك وقالت طائفة منهم معناها خلقه علامة لذلك في قلوبهم والحق الذي لا شك فيه ان الله تعالى يفعل ما يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وكما قال تعالى في الذر هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي فالذين قضى لهم بالنار طبع على قلوبهم وختم عليها وغشاها وأكنها وجعل من بين أيديها سدا ومن خلفها سدا وحجابا مستورا وجعل في آذانهم وقرا وفي قلوبهم مرضا لتتم سابقته فيهم وتمضي كلمته لا راد لحكمه ولا معقب لامره وقضائه وبالله التوفيق وقد يحتج بهذا الحديث من يقول أطفال الكفار في النار وقد سبق بيان هذه المسالة وان فيه ثلاثة مذاهب الصحيح انهم في الجنة والثاني في النار والثالث يتوقف عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وتقدمت دلائل الجميع وللقائلين بالجنة ان يقولوا في جواب هذا الحديث معناه علم الله لو بلغ لكان كافرا قوله (وكان أبواه قد عطفا عليه فلو أدرك أرهقهما طغيانا وكفرا) اي حملهما عليهما وألحقهما بهما والمراد بالطغيان هنا الزيادة في الضلال وهذا الحديث من دلائل مذهب
145 أهل الحق في أن الله تعالى اعلم بما كان وبما يكون وبما لا يكون لو كان كيف كان يكون ومنه قوله تعالى ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقوله تعالى نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا الآية وقوله تعالى جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم وغير ذلك من الآيات قوله تعالى خيرا منه زكاة وأقرب رحما قيل المراد بالزكاة الاسلام وقيل الصلاح واما الرحم فقيل معناه الرحمة لوالديه وبرهما وقيل المراد يرحمانه قيل أبدلهما الله بنتا صالحة وقيل ابنا حكاه القاضي قوله (تمارى هو والحر بن قيس) اي تنازعا وتجادلا والحر بالحاء والراء وفي هذه القصة أنواع من القواعد والأصول والفروع والآداب والنفائس المهمة سبق التنبيه على معظمها سوى ما هو ظاهر منها ومما لم يسبق انه لا بأس على العالم والفاضل ان يخدمه المفضول ويقضي له حاجة ولا يكون هذا من اخذ العوض على تعليم العلم والآداب بل من مروءات الأصحاب وحسن العشرة ودليله من هذه القصة حمل فتاه غداءهما وحمل أصحاب السفينة موسى والخضر
146 اجرة لمعرفتهم الخضر بالصلاح والله أعلم ومنها الحث على التواضع في علمه وغيره وانه لا يدعي انه اعلم الناس وانه إذا سئل عن اعلم الناس يقول الله اعلم ومنها بيان أصل عظيم من أصول الاسلام وهو وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول ولا يفهمه أكثر الناس وقد لا يفهمونه كلهم كالقدر موضع الدلالة قتل الغلام وخرق السفينة فان صورتهما صورة المنكر وكان صحيحا في نفس الامر له حكم بينة لكنها لا تظهر للخلق فإذا اعلمهم الله تعالى بها علموها ولهذا قال فعلته عن أمري يعني بل بأمر الله تعالى
147 كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم قال الإمام أبو عبد الله المازري اختلف الناس في تفضيل بعض الصحابة علي بعض فقالت طائفة لا نفاضل بل نمسك عن ذلك وقال الجمهور بالتفضيل ثم اختلفوا فقال أهل السنة أفضلهم أبو بكر الصديق وقال الخطابية أفضلهم عمر بن الخطاب وقالت الراوندية أفضلهم العباس وقالت الشيعة علي واتفق أهل السنة على أن أفضلهم أبو بكر ثم عمر قال جمهورهم ثم عثمان ثم علي وقال بعض أهل السنة من أهل الكوفة بتقديم علي على عثمان والصحيح المشهور تقديم عثمان قال أبو منصور البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب المذكور ثم تمام العشرة ثم أهل بدر ثم أحد ثم بيعة الرضوان وممن له مزية أهل العقبتين من الأنصار وكذلك السابقون الأولون وهم من صلى إلى القبلتين في قول ابن المسيب وطائفة وفي قول الشعبي أهل بيعة الرضوان وفي قول عطاء ومحمد بن كعب أهل بدر قال القاضي عياض وذهبت طائفة منهم ابن عبد البر إلى أن من توفي من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن بقي بعده وهذا الاطلاق غير مرضي ولا مقبول واختلف العلماء في أن التفضيل المذكور قطعي أم لا وهل هو في الظاهر والباطن أم في الظاهر خاصة وممن قال بالقطع أبو الحسن الأشعري قال وهم في الفضل على ترتيبهم في الإمامة وممن قال بأنه اجتهادي ظني أبو بكر الباقلاني وذكر ابن الباقلاني اختلاف العلماء في أن التفضيل هل هو في الظاهر أم في الظاهر والباطن جميعا وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة أيتهما أفضل وفي عائشة وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين واما عثمان رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالاجماع وقتل مظلوما وقتلته فسقة لان موجبات القتل مضبوطة ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل وسفلة
148 الأطراف والأرذال تحزبوا وقصدوه من مصر فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه واما علي رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالاجماع وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره واما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه واما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها ولم يخرج شئ من ذلك أحدا منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم واعلم أن سبب تلك الحروب ان القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام قسم ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في هذا الطرف وان مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الاقدام على قتال مسلم حتى يظهر انه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وان الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الاجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) معناه ثالثهما بالنصر والمعونة
149 والحفظ والتسديد وهو داخل في قوله تعالى ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من اجل مناقبه والفضيلة من أوجه منها هذا اللفظ ومنها بذله نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (عبد خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وبكى وفال فديناك بآبائنا وأمهاتنا) هكذا هو في جميع النسخ فبكى أبو بكر وبكى معناه بكى كثيرا ثم بكى والمراد بزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها وحدودها وشبهها بزهرة الروض وقوله فديناك دليل لجواز التفدية وقد سبق بيانه مرات وكان أبو بكر رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو العبد المخير فبكى حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائما وإنما قال صلى الله عليه وسلم ان عبدا وابهمه لينظر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق قوله صلى الله عليه وسلم (ان آمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر) قال العلماء معناه أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه اذى مبطل للثواب ولأنه المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وفي غيره قوله صلى الله عليه وسلم (ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن اخوة الاسلام) وفي رواية لكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا قال القاضي قيل أصل الخلة الافتقار
150 والانقطاع فخليل الله المنقطع إليه وقيل لقصره حاجته على الله تعالى وقيل الخلة الاختصاص وقيل الاصطفاء وسمي إبراهيم خليلا لأنه والى في الله تعالى وعادى فيه وقيل سمي به لأنه تخلق بخلال حسنة وأخلاق كريمة وخلة الله تعالى له نصره وجعله اماما لمن بعده وقال ابن فورك الخلة صفاء المودة بتخلل الاسرار وقيل أصلها المحبة ومعناه الاسعاف والالطاف وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله ومعنى الحديث ان حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعا لغيره قال القاضي وجاء في أحاديث انه صلى الله عليه وسلم قال الا وانا حبيب الله فاختلف المتكلمون هل المحبة ارفع من الخلة أم الخلة ارفع أم هما سواء فقالت طائفة هما بمعنى فلا يكون الحبيب الا خليلا ولا يكون الخليل الا حبيبا وقيل الحبيب ارفع لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم وقيل الخليل ارفع وقد ثبتت خلة نبينا صلى الله عليه وسلم لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره وأثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها وغيرهم ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير الطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مباديها واما غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره إلى آخره هذا كلام القاضي واما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم فلا يخالف هذا لان الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبقين في المسجد خوخة الا خوخة أبي بكر) الخوخة بفتح الخاء وهي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه وفيه فضيلة
151 وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وفيه ان المساجد تصان عن تطرق الناس إليها
152 في خوخات ونحوها الا من أبوابها الا لحاجة مهمة قوله صلى الله عليه وسلم (ألا اني أبرأ إلى كل خل من خله) هما بكسر الخاء فاما الأول فكسره متفق عليه وهو الخل بمعنى الخليل واما قوله من خله فبكسر الخاء عند جميع الرواة في جميع النسخ وكذا نقله القاضي عن جميعهم قال والصواب الأوجه فتحها قال والخلة والخل والخلال والمخاللة والخلالة والخلوة الإخاء والصداقة اي برئت إليه من صداقته المقتضية المخاللة هذا كلام القاضي والكسر صحيح كما جاءت به الروايات اي أبرأ إليه من مخالتي إياه وذكر ابن الأثير انه روى بكسر الخاء وفتحها وانهما بمعنى الخلة بالضم التي هي الصداقة قوله (بعثه على جيش ذات السلاسل) هو بفتح السين الأولى وكسر الثانية وهو ماء لبني حذام بناحية الشام ومنهم من قال هو بضم السين الأولى وكذا ذكره ابن الأثير في نهاية الغريب وأظنه استنبطه من كلام الجوهري في الصحاح ولا دلالة فيه والمشهور والمعروف فتحها وكانت هذه الغزوة في جمادي الأخرى سنة ثمان من الهجرة وكانت مؤتة قبلها في جمادي الأولى من سنة ثمان أيضا قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر كانت ذات السلاسل بعد مؤتة فيما ذكره أهل المغازي الا ابن إسحاق فقال قبلها قوله (اي الناس أحب إليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا) هذا تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر على
153 جميع الصحابة قوله (سئلت عائشة من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلفه قالت أبو بكر فقيل لها ثم من بعد أبي بكر قالت عمر ثم قيل لها من بعد عمر قالت أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هنا) يعني وقفت على أبي عبيدة هذا دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر ثم عمر للخلافة مع اجماع الصحابة وفيه دلالة لأهل السنة ان خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته صريحا بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولا ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعوا إليه لكن تنازعوا أولا ولم يكن هناك نص ثم اتفقوا على أبي بكر واستقر
154 الامر واما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله ما عندنا الا ما في هذه الصحيفة الحديث ولو كان عنده نص لذكره ولم ينقل انه ذكره في يوم من الأيام ولا ان أحدا ذكره له والله أعلم واما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بعد هذا للمرأة حين قالت يا رسول الله أرأيت ان جئت فلم أجدك قال فإن لم تجديني فأتي أبا بكر فليس فيه نص على خلافته وامر بها بل هو اخبار بالغيب الذي اعلمه الله تعالى به والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة (ادعي لي أباك أبا بكر واخاك حتى اكتب كتابا فاني أخاف ان يتمنى متمن ويقول قائل انا ولا يأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر) هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة انا ولا بتخفيف اما ولا اي يقول انا أحق وليس كما يقول بل يأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر وفي بعضها انا أولى اي انا أحق بالخلافة قال القاضي هذه الرواية أجودها ورواه بعضهم أنا ولى بتخفيف النون وكسر اللام أي أنا أحق والخلافة لي وعن بعضهم أنا ولاه اي انا الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم اني ولاه بتشديد النون اي كيف ولاه في هذا الحديث دلالة ظاهرة لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه واخبار منه صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد وفاته وان المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع ووقع كل ذلك واما طلبه لأخيها مع أبي بكر فالمراد انه يكتب الكتاب ووقع في رواية البخاري لقد هممت ان أوجه إلى أبي بكر وابنه واعهد ولبعض رواة البخاري وآتيه بألف ممدودة ومثناة فوق ومثناة تحت من الاتيان قال القاضي وصوبه بعضهم وليس كما صوب بل الصواب ابنه بالباء الموحدة والنون وهو أخو عائشة وتوضحه رواية
155 مسلم أخاك ولان اتيان النبي صلى الله عليه وسلم كان متعذرا أو متعسرا وقد عجز عن حضور الجماعة واستخلف الصديق ليصلي بالناس واستأذن أزواجه ان يمرض في بيت عائشة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم اليوم صائما) قال أبو بكر انا إلى قوله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرئ الا دخل الجنة قال القاضي معناه دخل الجنة بلا محاسبة ولا مجازاة علي قبيح الاعمال والا فمجرد الايمان يقتضي دخول الجنة بفضل الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم في كلام البقرة وكلام الذئب وتعجب الناس من ذلك (فاني أو من به وأبو بكر وعمر وما هما) ثم قال العلماء إنما قال ذلك ثقة بهما لعلمه بصدق ايمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما لعظيم سلطان الله وكمال قدرته ففيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفيه جواز كرامات الأولياء وخرق العوائد وهو مذهب أهل الحق وسبقت المسألة قوله (قال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري) روى السبع بضم الباء واسكانها الأكثرون على الضم قال
156 القاضي الرواية بالضم وقال بعض أهل اللغة هي ساكنة وجعله اسما للموضع الذي عنده المحشر يوم القيامة اي من لها يوم القيامة وانكر بعض أهل اللغة أن يكون هذا اسما ليوم القيامة وقال بعض أهل اللغة يقال سبعت الأسد إذا دعوته فالمعنى على هذا من لها يوم الفزع ويوم القيامة يوم الفزع ويحتمل أن يكون المراد من لها يوم الاهمال من اسبعت الرجل أهملته وقال بعضهم يوم السبع بالاسكان عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه بلعبهم فيأكل الذئب غنمهم وقال الداودي يوم السبع اي يوم يطردك عنها السبع وبقيت انا لها لا راعي لها غيري لفرارك منه فافعل فيها ما أشاء هذا كلام القاضي وقال ابن الاعرابي هو بالاسكان اي يوم القيامة أو يوم الذعر وأنكر عليه آخرون هذا لقوله يوم لادعي لها غيري ويوم القيامة لا يكون الذئب راعيها ولا له بها تعلق والأصح ما قاله آخرون وسبقت الإشارة إليه من أنها
157 عند الفتن حين تتركها الناس هملا لا راعي لها نهبة للسباع فجعل السبع لها راعيا اي منفردا بها وتكون بضم الباء والله أعلم باب من فضائل عمر رضي الله عنه قوله (فتكنفه الناس) اي أحاطوا به والسرير هنا النعش قوله (فلم يرعني الا برجل) هو بفتح الياء وضم الراء ومعناه لم يفجأني الا ذلك وقوله برجل هكذا هو في النسخ برجل بالباء اي لم يفجأني الامر أو الحال الا برجل وفي هذا الحديث فضيلة أبي بكر وعمر وشهادة علي لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين قوله صلى الله
158 عليه وسلم في رؤيا المنام (ومر عمر وعليه قميص يجره قالوا ما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين) وفي الرواية الأخرى رأيت قدحا اتيت به فيه لبن فشربت منه حتى اني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم قال أهل العبارة القميص في النوم معناه الدين وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به واما تفسير اللبن بالعلم فلاشتراكهما في كثرة النفع وفي انهما سبب الصلاح فاللبن غذاء الأطفال وسبب صلاحهم وقوت للأبدان بعد ذلك والعلم سبب لصلاح الآخرة والدنيا قوله صلى الله عليه وسلم (رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم اخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه والله يغفر له ضعف ثم استحالت غربا فاخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن) اما القليب فهي البئر غير المطوية والدلو يذكر ويؤنث والذنوب بفتح الذال الدلو المملؤة والغرب بفتح الغين المعجمة واسكان الراء وهي الدلو العظيمة والنزع الاستقاء
160 من الصغر إلى الكبر واما العبقري فهو السيد وقيل الذي ليس فوقه شئ ومعنى ضرب الناس بعطن اي ارووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح قال العلماء هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن بركته وآثار صحبته فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الامر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الاسلام ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجا وانزل الله تعالى أكملت لكم دينكم ثم توفي صلى الله عليه وسلم فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ذنوبا أو ذنوبين وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الاسلام ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الاسلام في زمنه وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله فعبر بالقليب عن امر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم وشبه أميرهم بالمستقى لهم وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم واما قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضي الله عنه وفي نزعه ضعف فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر ولا اثبات فضيلة لعمر عليه وإنما هو اخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الاسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصر والأمصار ودون الدواوين واما قوله صلى الله عليه وسلم الله يغفر له فليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم انها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك قال العلماء وفي كل هذا اعلام بخلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها قوله صلى الله عليه وسلم (فجاءني أبو بكر فاخذ الدلو من يدي ليروحني) قال العلماء
161 فيه إشارة إلى نيابة أبي بكر عنه وخلافته بعده وراحته صلى الله عليه وسلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها كما قال صلى الله عليه وسلم مستريح ومستراح منه الحديث والدنيا سجن المؤمن ولا كرب على أبيك بعد اليوم قوله صلى الله عليه وسلم (فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه) اما فري فبفتح الياء والثانية كسر الراء وأما فريه فروى بوجهين أحدهما فريه باسكان الراء وتخفيف الباء والثانية كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان وانكر الخليل التشديد وقال هو غلط اتفقوا على أن معناه لم أر سيدا يعمل عمله ويقطع قطعه واصل الفري بالاسكان القطع يقال فريت الشئ أفريه فريا قطعته للاصلاح فهو مفري وفري وافريته إذا شققته على جهة الافساد وتفول العرب تركته يفرى الفرى إذا عمل العمل فأجاده ومنه حديث حسان لأفرينهم فرى الأديم اي أقطعهم بالهجاء كما يقطع الأديم قوله صلى الله عليه وسلم (حتى ضرب الناس بعطن) سبق تفسيره قال القاضي ظاهره انه عائد إلى خلافة عمر خاصة وقيل يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعا لان بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الامر وضرب الناس بعطن لان أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين والفهم وابتدأ الفتوح ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم (كأني انزع دلو بكرة) هي باسكان
162 الكاف وفتحها قوله صلى الله عليه وسلم (حتى روى الناس) هو بكسر الواو والمخففة
163 اي اخذوا كفايتهم قوله (عن صالح عن ابن شهاب قال اخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن سيدان محمد بن سعد أبي وقاص اخبره ان أباه سعدا قال استأذن عمر) هذا الحديث اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم صالح وابن شهاب وعبد الحميد ومحمد وقد رأى عبد الحميد ابن عباس قوله (وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن) قال العلماء معنى يستكثرنه يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن وقوله عالية أصواتهن قال القاضي يحتمل ان هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان علو أصواتهن إنما كان باجتماعها لا ان كلام كل واحدة
164 بانفرادها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم قوله (قلن أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى لله عليه وسلم) الفظ والغليظ بمعنى وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب قال العلماء وليست لفظة افعل هنا للمفاضلة بل هي بمعنى فظ غليظ قال القاضي وقد يصح حملها على المفاضلة وان القدر الذي منها في النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان من إغلاظه على الكافرين والمنافقين كما قال تعالى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وكان يغضب ويغلظ عند انتهاك حرمات الله تعالى والله أعلم وفي هذا الحديث فضل لين الجانب والحلم والرفق ما لم يفوت مقصودا شرعيا قال الله تعالى واخفض جناحك للمؤمنين وقال تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال تعالى رؤوف رحيم قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك) الفج الطريق الواسع ويطلق أيضا على المكان المنخرق بين الجبلين وهذا الحديث محمول على ظاهره ان الشيطان متى رأى عمر سالكا فجا هرب هيبة من عمر وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر ان يفعل فيه شيئا قال القاضي ويحتمل انه ضرب مثلا لبعد الشيطان وإغوائه منه وان عمر في جميع أموره سالك
165 طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان والصحيح الأول قوله (عن ابن وهب عن إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول قد كان يكون في الأمم محدثون فان يكن في أمتي منهم أحد فان عمر بن الخطاب منهم) قال ابن وهب تفسير محدثون ملهمون هذا الاسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال المشهور فيه عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه البخاري من هذا الطريق عن أبي سلمة عن أبي هريرة واختلف تفسير العلماء للمراد بمحدثون فقال ابن وهب ملهمون وقيل مصيبون وإذا ظنوا فكأنهم حدثوا بشئ فظنوا وقيل تكلمهم الملائكة وجاء في رواية متكلمون وقال البخاري يجري الصواب على ألسنتهم وفيه اثبات كرامات الأولياء قوله (قال عمر وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر) هذا من اجل مناقب عمر وفضائله رضي الله عنه وهو مطابق للحديث قبله ولهذا عقبه مسلم به وجاء في هذه الرواية وافقت ربي في ثلاث وفسرها بهذه الثلاث وجاء في رواية أخرى في الصحيح اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن ان يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت الآية بذلك وجاء في الحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا موافقته في منع الصلاة على المنافقين ونزول الآية
166 بذلك وجاءت موافقته في تحريم الخمر فهذه ست وليس في لفظه ما ينفي زيادة الموافقة والله أعلم قوله (لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول) هكذا صوابه ان يكتب بن سلول بالألف ويعرب باعراب عبد الله فإنه وصف ثان له لأنه عبد الله بن أبي وهو عبد الله ابن سلول أيضا فأبى أبوه وسلول أمه فنسب إلى أبويه جميعا ووصف بهما وقد سبق بيان هذا ونظائره في كتاب الايمان في حديث المقداد حين قتل من اظهر الشهادة وأوضحنا هناك وجوهها قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه قميصه ليكفن فيه أباه المنافق) قيل إنما أعطاه قميصه وكفنه فيه تطييبا لقلب ابنه فإنه كان صحابيا صالحا وقد سأل ذلك فاجابه إليه وقيل مكافأة لعبد الله المنافق الميت لأنه كان البس العباس حين أسر يوم بدر قميصا وفي هذا الحديث بيان عظيم مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم ما كان من هذا المنافق من الايذاء وقابله بالحسنى فالبسه قميصا كفنا وصلى عليه واستغفر له قال الله تعالى انك لعلى خلق عظيم وفيه تحريم الصلاة والدعاء له بالمغفرة والقيام على قبره للدعاء
167 باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه قولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فاذن له وهو على تلك الحال إلى آخرة) هذا الحديث مما يحتج به المالكية وغيرهم ممن يقول ليست الفخذ عورة ولا حجة فيه لأنه مشكوك في المكشوف هل هو الساقان أم الفخذان فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ وفي هذا الحديث جواز تدلل العالم والفاضل بحضرة من يدل عليه من فضلاء أصحابه واستحباب ترك ذلك إذا حضر غريب أو صاحب يستحي منه قوله (دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا تهتش بالتاء بعد الهاء وفي بعض النسخ الطارئة بحذفها وكذا ذكره القاضي وعلى هذا فالهاء مفتوحة يقال هش يهش كشم يشم واما الهش الذي هو خبط الورق من الشجر فيقال منه هش يهش بضمها قال الله تعالى بها قال أهل اللغة الهشاشة والبشاشة بمعنى طلاقة الوجه وحسن اللقاء ومعنى لم تباله
168 لم تكترث به وتحتفل لدخوله قوله صلى الله عليه وسلم (الا استحي ممن تستحي منه الملائكة) هكذا هو في الرواية استحي بياء واحدة في كل واحدة منهما قال أهل اللغة يقال استحيا يستحيي بياءين واستحى يستحي بياء واحدة لغتان الأولى افصح واشهر وبها جاء القرآن وفيه فضيلة ظاهرة لعثمان وجلالته عند الملائكة وان الحياء صفة جميلة من صفات الملائكة قوله (لابس مرط عائشة) هو بكسر الميم وهو كساء من صوف وقال الخليل كساء من صوف أو كتان أو غيره وقال ابن الاعرابي وأبو زيد هو الإزار قولها (مالي لم ارك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان) اي اهتممت لهما واحتفلت بدخولهما هكذا هو في جميع نسخ بلادنا فزعت بالزاي والعين المهملة وكذا حكاه القاضي عن رواية الأكثرين قال وضبطه بعضهم فرغت بالراء والغين المعجمة وهو قريب من معنى الأول قوله (عن عثمان بن غياث) هو بالغين المعجمة والثاء
169 المثلثة قوله (في حائط) هو البستان قوله (يركز بعود) هو بضم الكاف اي يضرب بأسفله ليثبته في الأرض قوله (استفتح رجل فقال افتح وبشره بالجنة) وفي رواية امرني ان احفظ الباب وفي رواية لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل انه صلى الله عليه وسلم امره أن يكون بوابا في جميع ذلك المجلس ليبشر هؤلاء المذكورين بالجنة رضي الله عنهم ويحتمل انه امره بحفظ الباب أولا إلى أن يقضي حاجته ويتوضأ لأنها حالة يستتر فيها ثم حفظ الباب أبو موسى من تلقاء نفسه وفيه فضيلة هؤلاء الثلاثة وانهم من أهل الجنة وفضيلة لأبي موسى وفيه جواز الثناء على الانسان في وجهه إذا امنت عليه فتنة الاعجاب ونحوه وفيه معجزة
170 ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لاخباره بقصة عثمان والبلوى وان الثلاثة يستمرون على الايمان والهدى قوله (والله المستعان) فيه استحبابة عند مثل هذا الحال قوله (فخرج وجه ههنا) المشهور في الرواية وجه بتشديد الجيم وضبطه بعضهم باسكانها وحكى القاضي الوجهين ونقل الأول عن الجمهور ورجح الثاني لوجود خرج اي قصد هذه الجهة قوله (جلس على بئر اريس وتوسط قفها) اما اريس فبفتح الهمزة مصروف واما القف فبضم القاف وهو حافة البئر واصله الغليظ المرتفع من الأرض قوله (على رسلك) كسر الراء وفتحها لغتان
171 الكسر اشهر ومعناه تمهل وتأن قوله (في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما انهما دليا أرجلهما في البئر كما دلاهما النبي ص هذا فعلاه للموافقة وليكون أبلغ في بقاء النبي صلى الله عليه وسلم على حالته راحته بخلاف ما إذا لم يفعلاه فربما استحى منهما فرفعهما وفي هذا دليل للغة الصحيحة انه يجوز ان يقول دليت الدلو في البئر ودليت رجلي وغيرها فيه كما يقال أدليت قال الله تعالى فأدلى دلوه ومنهم من منع الأول وهذا الحديث يرد عليه قوله (فجلس
172 وجاهتهم) بكسر الواو وضمها اي قبالتهم قوله (قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم) يعني ان الثلاثة دفنوا في مكان واحد وعثمان في مكان بائن عنهم وهذا من باب الفراسة الصادقة باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله (عن يوسف ابن الماجشون) وفي بعض النسخ يوسف الماجشون بحذف لفظة ابن
173 وكلاهما صحيح وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة واسم أبي سلمة دينار والماجشون لقب يعقوب وهو لقب جرى عليه وعلى أولاده وأولاد أخيه وهو بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو لفظ فارسي ومعناه الأحمر الأبيض المورد سمي يعقوب بذلك لحمرة وجهه وبياضه قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه (أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) قال القاضي هذا الحديث مما تعلقت به الروافض والامامية وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقا لعلي وانه وصى له بها قال ثم اختلف هؤلاء فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره وزاد بعضهم فكفر عليا لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم وهؤلاء أسخف مذهبا وافسد عقلا من أن يرد قولهم أو يناظر وقال القاضي ولا شك في كفر من قال هذا لان من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الاسلام واما من عدا هؤلاء الغلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك فاما الامامية وبعض المعتزلة فيقولون هم مخطئون في تقديم غيره لا كفار وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة لجواز تقديم المفضول عندهم وهذا الحديث لا حجة فيه لاحد منهم بل فيه اثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا ان هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص قالوا وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة والله أعلم قال العلماء وفي هذا الحديث دليل على أن عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم إذا نزل في آخر الزمان نزل حكما من حكام هذه الأمة يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينزل نبينا وقد سبقت الأحاديث المصرحة بما ذكرناه في كتاب الايمان قوله
174 (فوضع إصبعيه على اذنيه فقال نعم وإلا فاستكتا) هو بتشديد الكاف اي صمتا قوله (إن معاوية قال لسعد بن أبي وقاص ما معك ان سب أبا تراب) قال العلماء الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه امر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك فإن كان تورعا واجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الانكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال قالوا ويحتمل تأويلا آخر ان معناه
175 ما منعك ان تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وانه أخطأ قوله (فتساورت لها) هو بالسين المهملة وبالواو ثم الراء ومعناه تطاولت لها كما صرح في الرواية الأخرى اي حرصت عليها اي أظهرت وجهي وتصديت لذلك ليتذكرني قوله (فما أحببت الامارة إلا يومئذ) إنما كانت محبته لها لما دلت عليه الامارة من محبته لله ورسوله صلى الله عليه
176 وسلم ومحبتهما له والفتح على يديه قوله صلى الله عليه وسلم (امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار علي رضي الله عنه شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس) هذا الالتفات يحتمل وجهين أحدهما انه على ظاهره اي لا تلتفت بعينيك لا يمينا ولا شمالا بل امض على جهة قصدك والثاني ان المراد الحث على الاقدام والمبادرة إلى ذلك وحمله علي رضي الله عنه على ظاهره ولم يلتفت بعينه حين احتاج وفي هذا حمل امره صلى الله عليه وسلم على ظاهره وقيل يحتمل ان المراد لا تنصرف بعد لقاء عدوك حتى يفتح الله عليك وفي هذا الحديث معجزات ظاهرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم قولية وفعلية فالقولية اعلامه بأن الله تعالى يفتح على يديه فكان كذلك والفعلية بصاقه في عينه وكان أرمد فبرأ من ساعته وفيه فضائل ظاهرة لعلي رضي الله عنه وبيان شجاعته وحسن مراعاته لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه الله ورسول وحبهما إياه قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله) وفي الرواية الأخرى ادعهم إلى الاسلام هذا الحديث فيه الدعاء إلى الاسلام قبل القتال وقد قال بايجابه طائفة على الاطلاق ومذهبنا ومذهب آخرين انهم ان كانوا ممن لم تبلغهم دعوة الاسلام وجب انذارهم قبل القتال وإلا فلا يجب لكن يستحب وقد سبقت المسألة مبسوطة
177 في أول الجهاد وليس في هذا ذكر الجزية وقبولها إذا بذلوها ولعله كان قبل نزول آية الجزية وفيه دليل على قبول الاسلام سواء كان في حال القتال أم في غيره وحسابه على الله تعالى معناه انا نكف عنه في الظاهر واما بينه بين الله تعالى فإن كان صادقا مؤمنا بقلبه نفعه ذلك في الآخرة ونجا من النار كما نفعه في الدنيا وإلا فلا ينفعه بل يكون منافقا من أهل النار وفيه انه يشترط في صحة الاسلام النطق بالشهادتين فإن كان أخرس أو في معناه كفته الإشارة اليهما والله أعلم قوله (فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها) هكذا هو في معظم النسخ والروايات يدوكون بضم الدال المهملة وبالواو اي يخوضون ويتحدثون في ذلك وفي بعض النسخ يذكرون باسكان الذال المعجمة وبالراء قوله صلى الله عليه وسلم (فوالله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم) هي الإبل الحمر وهر أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشئ وانه ليس هناك أعظم منه وقد سبق بيان ان تشبيه أمور الآخرة باعراض الدنيا إنما هو للتقريب من الافهام والا فذرة من الآخرة الباقية خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت وفي هذا
178 الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة قوله (ماء يدعى خما بين مكة والمدينة) هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم وهو اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الحسنة عندها غدير مشهور
179 يضاف إلى الغيضة فيقال غدير خم قوله صلى الله عليه وسلم (وانا تارك فيكم ثقلين فذكر كتاب الله وأهل بيته) قال العلماء سميا ثقلين لعظم ما وكبير شأنهما وقيل لثقل العمل بهما قوله (ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) هو بضم الحاء وتخفيف الراء والمراد بالصدقة الزكاة وهي حرام عندنا على بني هاشم وبني المطلب وقال مالك بنو هاشم فقط وقيل بنو قصي وقيل قريش كلها قوله في الرواية الأخرى فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا هذا دليل لابطال قول من قال هم قريش كلها فقد كان في نسائه قرشيات وهن عائشة وحفصة وأم سلمة وسودة وأم حبيبة رضي الله عنهن واما قوله في الرواية الأخرى نساؤه من أهل بيته من حرم الصدقة قال وفي الرواية الأخرى فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا فهاتان الروايتان ظاهر هما التناقض والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال نساؤه لسن من أهل بيته فتتأول الرواية الأولى على أن المراد انهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم وامر باحترامهم واكرامهم وسماهم ثقلا ووعظ في حقوقهم وذكر فنساؤه داخلات في هذا كله ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة
180 فاتفقت الروايتان قوله صلى الله عليه وسلم (كتاب الله هو حبل الله) قيل المراد بحبل الله عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه ورحمته وقيل هو نوره الذي يهدي به قوله (المرأة تكون
181 مع الرجل العصر من الدهر) اي القطعة منه. قولها (فخرج ولم يقل عندي) هو بفتح الياء وكسر القاف من القيلولة وهي النوم نصف النهار وفيه جواز النوم في المسجد واستحباب ملاطفة الغضبان وممازحته والمشي إليه لاسترضائه باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قولها (أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) هو بفتح الهمزة وكسر الراء وتخفيف القاف اي سهر ولم يأته نوم والأرق السهر ويقال أرقني الامر بالتشديد تأريقا اي أسهرني ورجل أرق على وزن فرح قوله صلى الله عليه وسلم (ليت رجلا صالحا يحرسني) فيه جواز
182 الاحتراس من العدو والاخذ بالحزم وترك الاهمال في موضع الحاجة إلى الاحتياط قال العلماء وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى والله يعصمك من الناس لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الاحتراس حين نزلت هذه الآية وامر أصحابه بالانصراف عن حراسته وقد صرح في الرواية الثانية بان هذا الحديث الأول كان في أول قدومه المدينة ومعلوم ان الآية نزلت بعد ذلك بأزمان قولها (حتى سمعت غطيطه) هو بالغين المعجمة وهو صوت النائم المرتفع قولها (سمعنا خشخشة سلاح) اي صوت سلاح صدم بعضه بعضا قوله (سمعت عليا رضي الله عنه يقول ما جمع رسول
183 الله صلى الله عليه وسلم أبويه لاحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول ارم فداك أبي وأمي) وفي رواية عن سعد قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد فقال ارم فداك أبي وأمي فيه جواز التفدية بالأبوين وبه قال جماهير العلماء وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري رضي الله عنهما وكرهه بعضهم في التفدية بالمسلم من أبويه والصحيح الجواز مطلقا لأنه ليس فيه حقيقة فداء وإنما هو كلام والطاف واعلام بمحبته له ومنزلته وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالتفدية مطلقا واما قوله ما جمع أبويه لغير سعد وذكر بعد انه جمعهما للزبير وقد جاء جمعهما لغيرهما أيضا فيحمل قول علي رضي الله عنه على نفي علم نفسه اي لا اعلمه جمعهما الا لسعد بن أبي وقاص
184 وهو سعد بن مالك وفيه فضيلة الرمي والحث عليه والدعاء لمن فعل خيرا قوله (كان رجل من المشركين قد احرق المسلمين) اي أثخن فيهم وعمل فيهم نحو عمل النار قوله (فنزعت له بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه فسقط وانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه) فقوله نزعت له بسهم اي رميته بسهم ليس فيه زج وقوله فأصبت جنبه بالجيم والنون هكذا هو في معظم النسخ وفي بعضها حبته بحاء مهملة وباء موحدة مشددة ثم مثناة فوق اي حبة قلبه وقوله فضحك اي فرحا بقتله عدوه لا لانكشافه قوله نواجذه
185 بالذال المعجمة اي أنيابه وقيل أضراسه وسبق بيانه مرات قوله (حدثنا محمد بن المثني وابن بشار قالا حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق الحنظلي عن محمد بن بشر عن مسعر ح وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن مسعر كلهم عن سعد بن إبراهيم قال أبو مسعود الدمشقي وأبو علي الغساني وغيرهما) هكذا رواه مسلم قالوا وأسقط من روايته سفيان الثوري بين وكيع ومسعر لان أبا بكر ابن أبي شيبة إنما رواه في مسنده والمغازي وغيره موضع عن وكيع عن الثوري عن مسعر وادعى بعضهم ان وكيعا لم يدرك مسعرا وهذا خطأ ظاهر فقد ذكر ابن
186 أبي حاتم وغيره وكيعا فيمن روى عن مسعر ولان وكيعا أدرك نحو ست وعشرين سنة من حياة مسعر مع أنهما كوفيان قال أبو نعيم الفضل بن دكين والبخاري وغيرهما توفي مسعر سنة خمس وخمسين ومائة وقال أحمد بن حنبل وغيره ولد وكيع سنة تسع وعشرين ومائة فلا يمتنع أن يكون وكيع سمع هذا الحديث من مسعر وكون ابن أبي شيبة رواه عن وكيع عن الثوري عن مسعر لا يلزم منه منع سماعه من مسعر كما قدمناه في نظائره والله أعلم قوله (أردت ان ألقيه في القبض) هو بفتح القاف والباء الموحدة والضاد المعجمة الموضع الذي يجمع فيه الغنائم وقد سبق شرح أكثر هذا الحديث مفرقا والحش بفتح الحاء وضمها البستان قوله (شجروا فاها بعصا ثم أوجروها) اي فتحوه ثم صبوا فيها الطعام وإنما شجروها بالعصا لئلا تطبقه فيمتنع وصول الطعام جوفها وهكذا صوابه بالشين المعجمة والجيم والراء وهكذا في جميع النسخ قال القاضي ويروى شحوا فاها بالحاء المهملة وحذف الراء ومعناه قريب من الأول اي أوسعوه وفتحوه والشحو التوسعة ودابة شحو واسعة الخطو ويقال أوجره ووجره لغتان الأولى افصح واشهر قوله (ضرب انفه ففزره) هو بزاي ثم
187 راء يعني شقه وكان انفه مفزورا اي مشقوقا قوله (عن أبي عثمان قال لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام إلى قوله غير طلحة وسعد عن حديثهما) معناه وهما حدثاني بذلك والله أعلم من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما قوله (ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير) اي دعاهم للجهاد وحرضهم عليه فأجابه الزبير قوله صلى الله عليه وسلم (لكل نبي حواري وحواري الزبير) قال القاضي اختلف في ضبطه فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء من الثاني كمصرخي وضبطه أكثرهم بكسرها
188 والحواري الناصر وقيل الخاصة قوله (عن عبد الله بن الزبير قال كنت انا وعمرو بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان فكان يطأطئ لي مرة فأنظر إلى آخره) الأطم بضم الهمزة والطاء الحصن وجمعه آطام كعنق وأعناق قال القاضي ويقال في الجمع أيضا إطام بكسر الهمزة والقصر كآكام وآكام وقوله كان يطأطئ هو بهمز آخره ومعناه يخفض لي ظهره وفي هذا الحديث دليل لحصول ضبط الصبي وتمييزه وهو ابن أربع سنين فان ابن الزبير ولد عام الهجرة في المدينة وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح فيكون له في وقت ضبطه لهذه القضية دون أربع سنين وفي هذا رد على ما قاله جمهور المحدثين انه لا يصح سماع الصبي حتى يبلغ خمس سنين والصواب صحته متى حصل التمييز وإن كان ابن أربع أو دونها وفيه منقبة
189 لابن الزبير لجودة ضبطه لهذه القضية مفصلة في هذا السن والله أعلم قوله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) هكذا وقع في معظم النسخ بتقديم علي على عثمان وفي بعضها بتقديم عثمان على علي كما وقع في الرواية الثانية باتفاق النسخ وقوله (اهدأ) بهمز آخره اي أسكن وحراء بكسر الحاء وبالمد هذا هو الصواب وقد سبق بيانه واضحا في كتاب الايمان وان الصحيح انه مذكر ممدود مصروف وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره ان هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء فان عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلما شهداء فقتل الثلاثة مشهور وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفا تاركا للقتال وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركا للقتال فأصابه سهم فقتله وقد ثبت ان من قتل ظلما فهو شهيد والمراد شهداء في أحكام الآخرة وعظيم ثواب الشهداء واما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وفيه بيان فضيلة هؤلاء وفيه اثبات التمييز في الحجاز وجواز التزكية والثناء على الانسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة باعجاب ونحوه واما ذكر سعد بن أبي وقاص في الشهداء في الرواية الثانية فقال القاضي إنما سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة
190 باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (ان لكل أمة أمينا وان أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح) قال القاضي هو بالرفع على النداء قال والاعراب الأفصح أن يكون منصوبا على الاختصاص حكى سيبويه اللهم اغفر لنا أيتها العصابة واما الأمين فهو الثقة المرضي قال العلماء والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لكن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليهم
191 وكانوا بها أخص قوله (فاستشرف لها الناس) اي تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصا على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث لا حرصا على الولاية من حيث هي باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم للحسن (إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه) فيه حث على حبه وبيان لفضيلته رضي الله عنه قوله (في طائفة من النهار حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى اتى خباء
192 فقال أثم لكع أثم لكع يعني حسنا فظننا انه إنما تحبسه أمه لان تغسله وتلبسه سخابا) اما قوله طائفة من النهار فالمراد قطعة منه وقينقاع بضم النون وفتحها وكسرها سبق مرات ولكع المراد به هنا الصغير وخباء فاطمة بكسر الخاء المعجمة وبالمد اي بيتها والسخاب بكسر السين المهملة وبالخاء المعجمة جمعه سخب وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري وقيل هو خيط فيه خرز سمي سخابا لصوت خرزه عند حركته من السخب بفتح السين والخاء يقال الصخب بالصاد وهو اختلاط الأصوات وفي هذا الحديث جواز الباس الصبيان القلائد والسخب ونحوها من الزينة واستحباب تنظيفهم لا سيما عند لقائهم أهل الفضل واستحباب النظافة مطلقا قوله (جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه) فيه استحباب ملاطفة الصبي ومداعبته رحمة له ولطفا واستحباب التواضع مع الأطفال وغيرهم واختلف العلماء في معانقة الرجل للرجل القادم من سفر فكرهها مالك وقال هي بدعة واستحبها سفيان وغيره وهو الصحيح الذي عليه الأكثرون والمحققون وتناظر مالك وسفيان في المسألة فاحتج سفيان بان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بجعفر حين قدم فقال مالك هو خاص به فقال سفيان ما يخصه بغير دليل فسكت مالك قال القاضي عياض وسكوت مالك دليل لتسليمه قول سفيان وموافقته وهو صواب حتى يدل دليل للتخصيص قوله
193 (رأيت رسول الله صلى عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه العاتق ما بين المنكب والعنق وفيه ملاطفة الصبيان ورحمتهم ومماستهم وان رطوبات وجهه ونحوها طاهرة حتى تتحقق نجاستها ولم ينقل عن السلف التحفظ منها ولا يخلون منها غالبا قوله (لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء هذا قدامه وهذا خلفه) فيه دليل لجواز ركوب ثلاثة على دابة إذا كانت مطيقة وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة وحكى القاضي عن بعضهم منع ذلك مطلقا وهو فاسد قوله (وعليه مرط مرحل) هو بالحاء المهملة ونقل القاضي انه وقع لبعض رواة كتاب مسلم بالحاء ولبعضهم بالجيم والمرحل بالحاء هو الموشي المنقوش عليه صور رجال الإبل وبالجيم عليه صور المراجل وهي القدور واما المرط فبكسر الميم وهو كساء
194 جمعه مروط وسبق بيانه مرات قوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قيل هو الشك وقيل العذاب وقيل الاثم قال الأزهري الرجس اسم لكل مستقذر من عمل من فضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما قوله (ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن ادعوهم لآبائهم) قال العلماء كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيدا ودعاه ابنه وكانت العرب تفعل ذلك يتبنى الرجل مولاه أو غيره فيكون ابنا له يوارثه وينتسب إليه حتى نزلت الآية فرجع كل إنسان إلى نسبه إلا من لم يكن له نسب معروف فيضاف إلى مواليه كما قال الله تعالى فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في
195 الدين ومواليكم قوله صلى الله عليه وسلم (وإن كان لخليقا للإمارة) أي حقيقا بها فيه جواز إمارة العتيق وجواز تقديمه على العرب وجواز تولية الصغير على الكبار فقد كان أسامة صغيرا جدا توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وقيل عشرين وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة وفي هذه الأحاديث فضائل ظاهرة لزيد ولأسامة رضي الله عنهما ويقال طعن في الإمرة والعرض والنسب ونحوها يطعن بالفتح وطعن بالرمح وإصبعه وغيرها يطعن بالضم هذا هو المشهور وقيل لغتان فيهما والإمرة بكسر الهمزة الولاية وكذلك الإمارة باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قوله (قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس فحملنا وتركك) معناه قال ابن جعفر فحملنا وتركك وتوضحه الروايات بعده وقد توهم القاضي عياض أن القائل فحملنا هو ابن الزبير وجعله خلطا في رواية مسلم وليس كما قال بل صوابه
196 ما ذكرناه وأن القائل فحملنا وتركك ابن جعفر قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته) هذه سنة مستحبة أن يتلقى الصبيان المسافر وأن يركبهم وأن يردفهم ويلاطفهم والله أعلم
197 باب فضائل خديجة قوله صلى الله عليه وسلم (خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وأشار وكيع إلى السماء والأرض) أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه قال القاضي ويحتمل أن المراد أنهما من خير نساء الأرض والصحيح الأول قوله صلى الله عليه وسلم (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون) يقال كمل بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات الكسر ضعيف قال القاضي هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم والجمهور على أنهما ليستا نبيتين بل هما صديقتان ووليتان من أولياء الله تعالى ولفظة الكمال تطلق على تمام الشئ وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى قال القاضي فإن قلنا هما نبيتان
198 فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما وإن قلنا وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما هذا كلام القاضي وهذا الذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) قال العلماء معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد وثريد مالا لحم فيه أفضل من مرقه والمراد بالفضيلة نفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الانسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة قوله (عن أبي هريرة قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه آدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) هذا الحديث من مراسيل الصحابة وهو حجة عند الجماهير كما سبق وخالف فيه الأستاذ أبو إسحق
199 الاسفرائني لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي ولم يذكر أبو هريرة هنا سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله أولا قد أتتك معناه توجهت إليك وقوله فإذا هي أتتك أي وصلتك فاقرأ عليها السلام أي سلم عليها وهذه فضائل ظاهرة لخديجة رضي الله عنها وقوله ببيت من قصب قال جمهور العلماء المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف وقيل قصب من ذهب منظوم بالجوهر قال أهل اللغة القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف قالوا ويقال لكل مجوف قصب وقد جاء في الحديث مفسرا ببيت من لؤلؤة محياة وفسروه بمجوفة قال الخطابي وغيره المراد بالبيت هنا القصر وأما الصخب فبفتح الصاد والخاء وهو الصوت المختلط المرتفع والنصب المشقة والتعب ويقال فيه نصب بضم النون وإسكان الصاد وبفتحهما لغتان حكاهما القاضي وغيره كالحزن والحزن والفتح أشهر وأفصح وبه جاء القرآن وقد نصب الرجل بفتح النون
200 وكسر الصاد إذا أعيا قوله (عن عائشة قالت هلكت خديجة قبل أن يتزوجني بثلاث سنين) تعني قبل أن يدخل بها لا قبل العقد وإنما كان قبل العقد بنحو سنة ونصف قوله (يهديها إلى خلائلها) أي صدائقها جمع خليلة وهي الصديقة قوله صلى الله عليه وسلم (رزقت حبها) فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت
201 قولها (فارتاح لذلك أي هش لمجيئها وسر بها لتذكره بها خديجة وأيامها وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب قولها (عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين) معناه عجوز كبيرة جدا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق لشدقها بياض شئ من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها قال القاضي قال المصري وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك ولهذا لم تزجر عائشة عنها قال القاضي وعندي أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها ولعلها لم تكن بلغت حينئذ باب فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم (جاءني بك الملك في سرقة من حرير) هي بفتح السين المهملة والراء وهي الشقق البيض من الحرير قاله أبو عبيدة وغيره قوله صلى الله عليه وسلم (فأقول إن يك من عند الله يمضه) قال القاضي إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة وقبل تخليص أحلامه صلى اله عليه وسلم
202 من الأضغاث فمعناها إن كانت رؤيا حق وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاثة معان أحدهما أن المراد إن تكن الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير فسيمضه الله تعالى وينجزه فالشك عائد إلى أنها رؤيا على ظاهرها أم تحتاج إلى تعبير وصرف على ظاهرها الثاني أن المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله فالشك أنها زوجته في الدنيا أم في الجنة الثالث أنه لم يشك ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك كما قال أأنت أم أم سالم وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف وسماه بعضهم مزج الشك باليقين قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة (إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى إلى قولها يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك) قال القاضي مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم هي مما سبق من الغيرة التي عفى عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة قال واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله ولولا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم وهجره كبيرة عظيمة ولهذا قالت لا أهجر إلا اسمك فدل على أن قلبها وحبها كما كان وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة قال القاضي واستدل بعضهم بهذا أن الاسم غير المسمى في المخلوقين وأما في حق الله تعالى فالاسم هو المسمى قال القاضي وهذا كلام من لا تحقيق
203 عنده من معنى المسألة لغة ولا نظرا ولا شك عند القائلين بأن الاسم هو المسمى من أهل السنة وجماهير أئمة اللغة أو مخالفيهم من المعتزلة أن الاسم قد يقع أحيانا والمراد به التسمية حيث كان في خالق أو مخلوق ففي حق الخالق تسمية المخلوق له باسمه وفعل المخلوق ذلك بعباراته المخلوقة وأما أسماؤه سبحانه وتعالى التي سمى بها نفسه فقديمة كما أن ذاته وصفاته قديمة وكذلك لا يختلفون أن لفظة الاسم إذا تكلم بها المخلوق فتلك اللفظة والحروف والأصوات المقطعة المنفهم منها الاسم أنها غير الذات بل هي التسمية وإنما الاسم الذي هو الذات ما يفهم منه من خالق ومخلوق هذا آخر كلام القاضي قوله (عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي فيه جواز اللعب بهن قال وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث ولما فيه من تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن قال وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن وروي عن مالك كراهة شرائهن وهذا محمول على كراهة الاكتساب بها وتنزيه ذوي المروءات عن تولي بيع ذلك لا كراهة اللعب قال ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن وقالت طائفة هو منسوخ بالنهي عن الصور هذا كلام القاضي قولها (وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسر بهن إلي) معنى ينقمعن يتغيبن حياء منه وهيبة وقد يدخلن في بيت ونحوه وهو قريب من الأول ويسر بهن بتشديد الراء أي يرسلهن وهذا
204 من لطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته قولها (يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة) معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن في الافعال والمبيت ونحوه وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وإنما يؤمر بالعدل في الافعال وقد اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء في أنه صلى الله عليه وسلم هل كان يلزمه القسم بينهن في الدوام والمساواة في ذلك كما يلزم غيره أم لا يلزمه بل يفعل ما يشاء من إيثار وحرمان فالمراد بالحديث طلب المساواة في محبة القلب لا العدل في الافعال فإنه كان حاصلا قطعا ولهذا كان يطاف به
205 صلى الله عليه وسلم في مرضه عليهن حتى ضعف فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة فأذن له قولها (يناشدنك) أي يسألنك قولها (هي التي تساميني) أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة مأخوذ من السمو وهو الارتفاع قولها (ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة) هكذا هو في معظم النسخ سورة من حد بفتح الحاء بلا هاء وفي بعضها من حده بكسر الحاء وبالهاء وقولها سورة هي بسين مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم راء ثم تاء والسورة الثوران وعجلة الغضب وأما الحدة فهي شدة الخلق وثورانه ومعنى الكلام أنها كاملة الأوصاف إلا أن فيها شدة خلق وسرعة غضب تسرع منها الفيئة بفتح الفاء وبالهمز وهي الرجوع أي إذا وقع ذلك منها رجعت عنه سريعا ولا تصر عليه وقد صحف صاحب التحرير في هذا الحديث تصحيفا قبيحا جدا فقال ما عدا سودة بالدال
206 وجعلها سودة بنت زمعة وهذا من الغلط الفاحش نبهت عليه لئلا يغتر به قولها (ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها) أما أنحيت فبالنون المهملة أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة وفي بعض النسخ حتى بدل حين وكلاهما صحيح ورجح القاضي حين بالنون ومعنى لم أنشبها لم أمهلها وفي الرواية الثانية لم أنشبها أن أثخنتها عليه بالعين المهملة وبالياء وفي بعض النسخ بالغين المعجمة وأثخنتها بالثاء المثلثة والخاء المعجمة أي قمعتها وقهرتها وقولها أولا ثم وقعت بي أي استطالت علي ونالت مني بالوقيعة في أعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولا غيرها بل لا يحل اعتقاد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم تحرم عليه خائنة الأعين وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها وأما قوله صلى الله عليه وسلم أنها ابنة أبي بكر فمعناه الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها والله أعلم
207 قولها (قبضه الله بين سحري ونحري) السحر بفتح السين المهملة وضمها واسكان الحاء وهي الرئة وما تعلق بها قال القاضي وقيل إنما هو شجري بالشين المعجمة والجيم وشبك هذا القائل أصابعه وأومأ إلى أنها ضمته إلى نحرها مشبكة يديها عليه والصواب المعروف هو الأول قوله (فلما كان يومي قبضه الله) أي يومها الأصيل بحساب الدور والقسم وإلا فقد كان صار جميع الأيام في بيتها قولها (وأخذته بحة) هي بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء وهي غلظ في الصوت قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) وفي رواية الرفيق الأعلى الصحيح الذي عليه الجمهور أن المراد بالرفيق الأعلى الأنبياء الساكنون أعلى عليين ولفظة رفيق تطلق على الواحد والجمع قال الله تعالى أولئك رفيقا وقيل هو الله تعالى يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل وأنكر الأزهري هذا القول وقيل أراد مرتفق الجنة
208 قولها (فأشخص بصره إلى السماء) هو بفتح الخاء أي رفعه إلى السماء ولم يطرف قولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة) أي خرجت القرعة لهما ففيه صحة الاقراع في القسم بين الزوجات وفي الأموال وفي العتق ونحو
209 ذلك مما هو مقرر في كتب الفقه مما في معنى هذا وباثبات القرعة في هذه الأشياء قال الشافعي وجماهير العلماء وفيه أن من أراد سفرا ببعض نسائه أقرع بينهن كذلك وهذا الاقراع عندنا واجب في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم وأما النبي صلى الله عليه وسلم ففي وجوب القسم في حقه خلاف قدمناه مرات فمن قال بوجوب القسم يجعل إقراعه واجبا ومن لم يوجبه يقول إقراعه صلى الله عليه وسلم من حسن عشرته ومكارم أخلاقه قولها (إن حفصة قالت لعائشة ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك) قال القاضي قال المهلب هذا دليل على أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم فلهذا تحيلت حفصة على عائشة بما فعلت ولو كان واجبا لحرم ذلك على حفصة وهذا الذي ادعاه ليس بلازم فإن القائل بأن القسم واجب عليه لا يمنع حديث الأخرى في غير وقت عماد القسم قال أصحابنا يجوز أن يدخل في غير وقت عماد القسم إلى غير صاحبة النوبة فيأخذ المتاع أو يضعه أو نحوه من الحاجات وله أن يقبلها ويلمسها من غير إطالة وعماد القسم في حق المسافر هو وقت النزول فحالة السير ليست منه سواء كان ليلا أو نهارا قولها (جعلت رجلها بين الأذخر وتقول إلى آخره) هذا الذي فعلته وقالته حملها عليه فرط الغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق أن أمر الغيرة معفو عنه قوله صلى الله عليه وسلم
210 لعائشة رضي الله عنها (أن جبريل يقرأ عليك السلام قالت فقلت وعليه السلام ورحمة الله) فيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها وفيه استحباب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وأن الذي يبلغه السلام يرد عليه قال أصحابنا وهذا الرد واجب على الفور وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ على الفور إذا قرأه وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول وعليك أو وعليكم السلام بالواو فلو قال عليكم السلام أو عليكم أجزأه على الصحيح وكان تاركا للأفضل وقال بعض أصحابنا لا بجزئه وسبقت مسائل السلام في بابه مستوفاة ومعنى يقرأ عليك السلام
211 يسلم عليك قوله صلى الله عليه وسلم (يا عائش) دليل لجواز الترخيم ويجوز فتح الشين وضمها حديث أم زرع قوله (أحمد بن جناب) بالجيم والنون قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات لا أعلم أحدا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جدا فذكره وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو واسم الثالثة حنى بنت نعب والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة والخامسة كبشة والسادسة هند والسابعة حنى بنت علقمة والثامنة بنت أوس ابن عبد والعاشرة كبشة بنت الأرقم والحادية عشر أم زرع بنت أكهل بن ساعد قولها (جلس إحدى عشرة امرأة) هكذا هو في معظم النسخ وفي بعضها جلسن بزيادة نون وهي لغة قليلة سبق بيانها في مواضع منها حديث يتعاقبون فيكم ملائكة وإحدى عشرة وتسع عشرة وما بينهما يجوز فيه اسكان الشين وكسرها وفتحها والاسكان أفصح وأشهر قولها (زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل) قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح
212 المراد بالغث المهزول وقولها على رأس جبل وعر أي صعب الوصول إليه فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن ومنها أنه مع ذلك غث مهزول ردئ ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة هكذا فسره الجمهور وقال الخطابي قولها على رأس جبل أي يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرا أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق قالوا وقولها ولا سمين فينتقل أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته قال الخطابي ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها يقال أنقلت الشئ بمعنى نقلته وروي في غير هذه الرواية ولا سمين فينتقي أي يستخرج نقيه والنقي بكسر النون واسكان القاف هو المخ يقال نقوت العظم ونقيته وانتقيته إذا استخرجت نقيه قولها (قالت الثانية زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عجره بجره) فقولها لا أبث خبره أي لا أنشره وأشيعه إني أخاف أن لا أذره فيه تأويلان أحدهما لابن السكيت وغيره أن الهاء عائدة على خبره فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته والثانية أن الهاء عائدة على الزوج وتكون لا زائدة كما في قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد ومعناه أني أخاف أن يطلقني فأذره وأما عجره وبجره فالمراد بهما عيوبه وقال الخطابي وغيره أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة قالوا وأصل العجر أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة واحدتها بجرة ومنه قيل رجل أبجر إذا كان نأتي السرة عظيمها ويقال أيضا رجل أبجر إذا كان عظيم البطن وامرأة بجراء والجمع بجر وقال الهروي قال ابن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر فإن كانت في السرة فهي بجرة قولها (قالت الثالثة زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق) فالعشنق بعين مهملة مفتوحة ثم شين معجمة مفتوحة ثم نون مشددة ثم قاف وهو الطويل ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع فإن ذكرت عيوبه طلقني وإن سكت عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوجة
213 (قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة) هذا مدح بليغ ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة لذيذ معتدل ليس فيه حر ولا برد مفرط ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه ولا يسأمني ويمل صحبتي (قالت الخامسة زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد) هذا أيضا مدح بليغ فقولها فهد بفتح الفاء وكسر الهاء تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي وشبهته بالفهد لكثرة نومه يقال أنوم من فهد وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه وإذا خرج أسد بفتح الهمزة وكسر السين وهو وصف له بالشجاعة ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد يقال أسد واستأسد قال القاضي وقال ابن أبي أويس معنى فهد إذا دخل البيت وثب على وثوب الفهد فكأنها تريد ضربها والمبادرة بجماعها والصحيح المشهور التفسير الأول (قالت السادسة زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث) قال العلماء اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيئا والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين وهي ما بقي في الإناء من الشراب فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها وقولها ولا يولج الكف ليعلم البث قال أبو عبيد أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به لأن البث الحزن فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق وقال الهروي قال ابن الأعرابي هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته قال ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها وقال آخرون أرادت أنه لا يفتقد أموري ومصالحي قال ابن الأنباري رد ابن قتيبة على أبي عبيدة تأويله لهذا الحرف وقال كيف تمدحه بهذا وقد ذمته في صدر الكلام قال ابن الأنباري ولا رد على أبي عبيد
214 لأن النسوة تعاقدن أن لا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما والى قول ابن الأعرابي وابن قتيبة ذهب الخطابي وغيره واختاره القاضي عياض (قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلا لك) هكذا وقع في هذه الرواية غياياء بالغين المعجمة أو عياياء بالمهملة وفي أكثر الروايات بالمعجمة وأنكر أبو عبيد وغيره المعجمة وقالوا الصواب المهملة وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها وقال القاضي وغيره غياياء بالمعجمة صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص ومعناه لا يهتدي إلى سلك أو أنها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره أو يكون غياياء من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة قال الله تعالى فسوف يلقون غيا وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره حمقا وقيل الذي يعجز عن الكلام فتنطبق شفتاه وقيل هو العي الأحمق الفدم وقولها شجك أي جرحك في الرأس فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد وقولها فلك الفل الكسر والضرب ومعناه أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما وقيل المراد بالفل هنا الخصومة وقولها كل داء له داء أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه (قالت الثامنة زوجي الريح ريح زرنب والمس مس أرنب) الزرنب نوع من الطيب معروف قيل أرادت طيب ريح جسده وقيل طيب ثيابه في الناس وقيل لين خلقه وحسن عشرته والمس مس أرنب صريح في لين الجانب وكرم الخلق (قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من النادي) هكذا هو في النسخ النادي بالياء وهو الفصيح في العربية لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع قال
215 العلماء معنى رفيع العماد وصفه بالشرف وسناء الذكر وأصل العماد عماد البيت وجمعه عمد وهي العيدان التي تعمد بها البيوت أي بيته في الحسب رفيع في قومه وقيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه وهكذا بيوت الأجواد وقولها طويل النجاد بكسر النون تصفه بطول القامة والنجاد حمائل السيف فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه والعرب تمدح بذلك قولها عظيم الرماد تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز فيكثر وقوده فيكثر رماده وقيل لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان وقولها قريب البيت من النادي قال أهل اللغة النادي والناد والندى والمنتدى مجلس القوم وصفته بالكرم والسؤدد لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي ولأن أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب النادي واللئام يتباعدون من النادي (قالت العاشرة زوجي مالك فما مالك مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) معناه أن له إبلا كثيرا فهي باركة بفنائه لا يوجهها تسرح الا قليلا قدر الضرورة ومعظم أوقاتها تكون باركة بفنائه فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها والمزهر بكسر الميم العود الذي يضرب أرادت أن زوجها عود إبله إذا نزل به الضيفان نحر لهم منها واتاهم بالعيدان والمعازف والثمراب فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان وأنهن منحورات هوالك هذا تفسير أبي عبيد والجمهور وقيل مباركها كثيرة لكثرة ما ينحر منها للأضياف قال هؤلاء ولو كانت كما قال الأولون لماتت هزالا وهذا ليس بلازم فإنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها ثم تبرك بالفناء وقيل كثيرات المبارك أي مباركها في الحقوق والعطايا والحمالات والضيفان كثيرة ومراعيها قلية لأنها
216 تصرف في هذه الوجوه قاله ابن السكيت قال القاضي عياض وقال أبو سعيد النيسابوري إنما هو إذا سمعن صوت المزهر بضم الميم وهو موقد النار للأضياف قال ولم تكن العرب تعرف المزهر بكسر الميم الذي هو العود إلا من خالط الخضر قال القاضي وهذا خطأ منه لأنه لم يروه أحد بضم الميم ولأن المزهر بكسر الميم مشهور في أشعار العرب ولأنه لا يسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة فقد جاء في رواية أنهن من قرية من قرى اليمن قالت الحادية عشرة وفي بعض النسخ الحادي عشرة وفي بعضها الحادية عشر والصحيح الأول قولها (أناس من حلي أذني) هو هو بتشديد الياء من أذني على التثنية والحلى بضم الحاء وكسرها لغتان مشهورتان والنوس بالنون والسين المهملة الحركة من كل شئ متدل يقال منه ناس ينوس نوسا وأناسه غيره أناسة ومعناه حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها قولها (وملأ من شحم عضدي) وقال العلماء معناه أسمنني وملأ بدني شحما ولم ترد اختصاص العضدين لكن إذا سمنتا سمن غيرهما قولها (وبجحني فبجحت إلى نفسي) هو بتشديد جيم بجحني فبجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر قال الجوهري الفتح ضعيفة ومعناه فرحني ففرحت وقال ابن الأنباري وعظمني فعظمت عند نفسي يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر قولها (وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق) أما قولها في غنيمة فبضم الغين تصغير الغنم أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل وأما قولها بشق فهو بكسر الشين وفتحها والمعروف في روايات التحديث والمشهور لأهل الحديث كسرها والمعروف عند أهل اللغة فتحها قال أبو عبيد هو بالفتح قال والمحدثون يكسرونه قال وهو موضع وقال الهروي الصواب الفتح قال ابن الأنباري هو بالكسر والفتح وهو موضع وقال ابن أبي أويس وابن حبيب يعني بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم وشق الجبل ناحيته وقال القبتيني ويقطونه بشق بالكسر أي بشظف من العيش وجهد قال القاضي عياض هذا عندي أرجح واختاره أيضا غيره فحصل فيه ثلاثة أقوال وقولها ودائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره قال الهروي وغيره يقال داس
217 الطعام درسه وقيل الدائس الأبدك قولها ومنق هو بضم الميم فتح النون وتشديد القاف ومنهم من يكسر النون والصحيح المشهور فتحها قال أبو عبيد هو بفتحها قال والمحدثون يكسرونها ولا أدري ما معناه قال القاضي روايتان فيه بالفتح ثم ذكر قول أبي عبيد قال وقاله ابن أبي أويس بالكسر وهو من النقيق وهو أصوات المواشي تصفه بكثرة أمواله ويكون منق من أنق إذا صار ذا نقيق أو دخل في النقيق والصحيح عند الجمهور فتحها والمراد به الذي ينقى الطعام أي يخرجه من بيته وقشوره وهذا أجود من قول الهروي هو الذي ينقيه بالغربال والمقصود أنه صاحب زرع ويدوسه وينقيه قولها (فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح) معناه لا يقبح قولي فيرد بل يقبل مني ومعنى أتصبح أنام الصبحة وهي بعد الصباح أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام وقولها فأتقنح هو بالنون بعد القاف هكذا هو في جميع النسخ بالنون قال القاضي لم نروه في صحيح البخاري ومسلم إلا بالنون وقال البخاري قال بعضهم فأتقمح بالميم قال وهو أصح وقال أبو عبيد هو بالميم قال وبعض الناس يرويه بالنون ولا أدري ما هذا وقال آخرون النون والميم صحيحتان فأيهما معناه أروي حتى أدع الشراب من شدة الري ومنه قمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الري قال أبو عبيد ولا أراها قالت هذه إلا لعزة الماء عندهم ومن قاله بالنون فمعناه أقطع المشرب وأتمهل فيه وقيل هو الشرب بعد الري قال أهل اللغة قنحت الإبل إذا تكارهت وتقنحته أيضا قولها (عكومها رداح) قال أبو عبيد وغيره العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة واحدها عكم بكسر العين ورداح أي عظام كبيرة ومنه قيل للمرأة رداح إذا كانت عظيمة الأكفال فإن قيل رداح مفردة فكيف وصف بها العكوم والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد قال القاضي جوابه أنه أراد كل عكم منها رداح أو يكون رداح هنا مصدرا كالذهاب قولها (وبيتها فساح) بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة أي واسع والفسيح مثله هكذا فسره الجمهور قال القاضي ويحتمل أنها أرادت كثرة الخير والنعمة. قولها (مضجعة كمسل
218 شطبة) المسل بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام وشطبة بشين معجمة ثم طاء مهملة ساكنة ثم موحدة ثم هاء وهي ما شطب من جريد النخل أي شق وهي السعفة لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول أي ما سل من قشره وقال ابن الأعرابي وعيره أرادت بقولها كمسل شطبة أنه كالسيف سل من غمده قولها (وتشعبه ذراع الجفرة) الذراع مؤنثة وقد تذكر والجفرة بفتح الجيم وهي الأنثى من أولاد المعز وقيل من الضأن وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والذكر جفر لأنه جفر جنباه أي عظما قال القاضي قال أبو عبيد وغيره الجفرة من أولاد المعز وقال ابن الأنباري وابن دريد من أولاد الضأن والمراد أنه قليل الأكل والعرب تمدح به قولها طوع أبيها وطوع أمها أي مطيعة لهما منقادة لأمرهما قولها وملء كسائها أي ممتلئة الجسم سمينته وقالت في الرواية الأخرى صفر ردائها بكسر الصاد والصفر الخالي قال الهروي أي ضامرة البطن والرداء ينتهي إلى البطن وقال غيره معناه أنها خفيفة أعلى البدن وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله وهو موضع الكساء ويؤيد هذا أنه جاء في رواية وملء أزارها قال القاضي والأولى أن المراد امتلأ منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها قولها (وغيظ جارتها) قالوا المراد بجارتها ضرتها يغيظها ما ترى من حسنها وحمالها وعفتها وأدبها وفي الرواية الأخرى وعقر جارتها هكذا هو في النسخ عقر بفتح العين سكون القاف قال القاضي كذا ضيطناه عن جميع شيوخنا قال وضبطه الحياني عبر بضم العين واسكان الباء الموحدة وكذا ذكره ابن الاعرابي وكأن الجياني أصلحه من كتاب الأنباري وفسره الأنباري بوجهين أحدهما أنه من الاعتبار أي ترى من حسنها وعفتها وعقلها ما تعتبر به والثاني من العبرة وهي البكاء أي ترى من ذلك ما يبكيها لغيظها وحسدها ومن رواه بالقاف فمعناه تغيظها فتصير كمعقور وقيل تدهشها من قولهم عقر ذ ا دهش قولها (لا تبث حديثنا تبثيثا) هو بالباء الموحدة بين المثناة والمثلثة أي لا تشعه
219 وتظهره بل تكتم سرنا وحديثنا كله وروي في غير مسلم تنث وهو بالنون وهو قريب من الأول أي لا تظهره قولها (ولا تنقث ميرتنا تنقيبثا) الميرة الطعام المجلوب ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به ومعناه وصفها بالأمانة قولها (ولا تملأ بيتنا تعشيشا) هو بالعين المهملة أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه وقيل معناه لا تخوننا في طعامنا في زوايا البيت كأعشاش الطير وروي في غير مسلم تغشيشا بالغين المعجمة من الغش قيل في الطعام وقيل من النميمة أي لا تتحدث بنميمة قولها (والأوطاب تمخض) هو جمع وطب بفتح الواو واسكان الطاء وهو جمع قليل النظير وفي رواية في غير مسلم والوطاب وهو الجمع الأصلي وهي سقية اللبن التي يمخض فيها وقال أبو عبيد هو جمع وطبة قولها (يلعبان من تحت خصرها برمانتين) قال أبو عبيد معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها! تا الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان قال القاضي قال بعضهم المراد بالرمانتين هنا ثدياها ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيرين كالرمانتين قال القاضي هذا أرجح لا سيما وقد روي من تحت صدرها ومن تحت درعها ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ولا جرت العادة أيضا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال قولها (فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا) أما الأول فبالسين المهملة على المشهور وحكى القاضي عن ابن السكيت أنه حكي فيه المهملة والمعجمة وأما الثاني فبالشين المعجمة بلا خلاف فالأول معناه سيدا شريفا وقيل سخيا والثاني هو الفرس الذي يستشري في سيره أي يلح ويمضي بلا فتور ولا انكسار وقال ابن السكيت هو الفرس الفائق الخيار قولها (وأخذ خطيا) هو بفتح الخاء وكسرها والفتح أشهر ولم يذكر الأكثر غيره وممن حكى الكسر أبو الفتح الهمداني في كتاب الاشتقاق قالوا والخطي الرمح منسوب إلى الخط قرية من سيف البحر أي ساحله عند عمان والبحرين قال أبو الفتح قيل لها
220 الخط لأنها على ساحل البحر والساحل يقال له الخط لأنه فاصل بين الماء والتراب وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه قال القاضي ولا يصح قول من قال أن الخط منبت الرماح قولها (وأراح علي نعما ثريا) أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم هو موضع مبيتها والنعم الإبل والبقر والغنم ويحتمل أن المراد هنا بعضها وهي الإبل وادعى القاضي عياض أن أكثر أهل اللغة على أن النعم مختصة بالإبل والثرى بالمثلثة وتشديد الياء الكثير من المال وغيره ومنه الثروة في المال وهي كثرته قولها (وأعطاني من كل رائحة زوجا) فقولها من كل رائحة أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد وقولها زوجا أي اثنين ويحتمل أنها أرادت صنفا والزوج يقع على الصنف ومنه قوله تعالى وكنتم أزواجا ثلاثة قولها في الرواية الثانية وأعطاني من كل ذابحة زوجا هكذا هو في جميع النسخ ذابحة بالذال المعجمة وبالباء الموحدة أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها وهي فاعلة بمعنى مفعولة قوله (ميرى أهلك) بكسر الميم من الميرة أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم قولها في الرواية الثانية ولا تنقث ميرتنا تنقيثا فقولها تنقث بفتح التاء واسكان النون وضم القاف وجاء قولها تنقيثا مصدرا على غير المصدر وهو جائز كقوله تعالى فتقلبها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ومراده أن هذه الرواية وقعت بالتخفيف كما ضبطناه وفي الرواية السابقة تنقث بضم التاء وفتح النون وكسر القاف المشددة وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) قال العلماء هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها ومعناه أنا لك كأبي زرع وكان زائدة أو للدوام كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أي كان فيما مضى وهو باق كذلك والله أعلم قال العلماء في حديث أم زرع هذا فوائد منها استحباب حسن المعاشرة للأهل وجواز الإخبار عن الأمم الخالية وأن المشبه بالشئ لا يلزم كونه مثله في كل شئ ومنها أت كنايات الطلاق لا يقع بها طلاق إلا بالنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع ومن جملة أفعال أبي زرع أنه طلق امرأته أم زرع
221 كما سبق ولم يقع على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق بتشبيهه لكونه لم ينو الطلاق قال المازري قال تعضهم وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم قال المازري وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا ويجعله كمن قال في العالم من يشرب أو يسرق قال المازري وفيما قاله هذا القائل احتمال قال القاضي عياض صدق القائل المذكور فإنه إذا كان مجهولا عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه قال وفد قال إبراهيم لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه أو ينبه عليه بما يفهم به عنه وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهن بالغيبة لو تعين فكيف مع الجهالة والله أعلم.