شرح مسلم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح مسلم - نسخه متنی

يحيي بن شرف نووي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: شرح مسلم
المؤلف: النووي
الجزء: 16
الوفاة: 676
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: 1407 - 1987 م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
صحيح مسلم
بشرح النووي
الجزء السادس عشر
1407 - 1987 م
الناشر
دار الكتاب العربي
بيروت - لبنان

1
باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها
قوله صلى الله عليه وسلم (إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي ابن أبي طالب
فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما
ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها) وفي الرواية الأخرى إني لست أحرم حلالا ولا أحل
حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا وفي الرواية الأخرى أن
فاطمة مضغة مني وأنا أكره أن يفتنوها أما البضعة فبفتح الباء لا يجوز غيره وهي قطعة اللحم
وكذلك المضغة بضم الميم وأما يريبني فبفتح الياء قال إبراهيم الحربي الريب ما رابك من شئ
خفت عقباه وقال الفراء راب وأراب بمعنى وقال أبو زيد رابني الامر تيقنت منه الريبة وأرابني
شككني وأوهمني وحكي عن أبي زيد أيضا وغيره كقول الفراء قال العلماء في هذا الحديث

2
تحريم ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان
أصله مباحا وهو حي وهذا بخلاف غيره قالوا وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت
أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم لست أحرم حلالا ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين
منصوصتين إحداهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم
فيهلك من أذاه فنهي عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة والثانية خوف الفتنة عليها
بسبب الغيرة وقيل ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان
كما قال أنس بن النضر والله لا تكسر ثنية الربيع ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ويكون معنى
لا أحرم حلالا أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله فإذا أحل شيئا لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله
ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي

3
الله وبنت عدو الله قوله (ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس) هو أبو العاص بن الربيع

4
زوج زينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصهر يطلق على الزوج وأقاربه
وأقارب المرأة وهو مشتق من صهرت الشئ وأصهرته إذا قربته والمصاهرة مقاربة بين الأجانب
والمتباعدين قولها (فأخبرني أني أول من يلحق به من أهله فضحكت) هذه معجزة ظاهرة له
صلى الله عليه وسلم بل معجزتان فأخبر ببقائها بعده وبأنها أول أهله لحاقا به ووقع كذلك

5
وضحكت سرورا بسرعة لحاقها وفيه إيثارهم الآخرة وسرورهم بالانتقال إليها والخلاص من الدنيا
قولها (فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين) هكذا وقع في هذه
الرواية وذكر المرتين شك من بعض الرواة والصواب حذفها كما في باقي الروايات قوله صلى
الله عليه وسلم (لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك) أرى

6
بضم الهمزة أي أظن والسلف المتقدم ومعناه أنا متقدم قدامك فتردين علي وفي هذه الرواية
أما ترضي هكذا هو في النسخ ترضي وهو لغة والمشهور ترضين
باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها
قوله في السوق (إنها معركة الشيطان) قال أهل اللغة المعركة بفتح الراء موضع القتال لمعاركة
الابطال بعضهم بعضا فيها ومصارعتهم فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة
لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع والأيمان الخائنة والعقود الفاسدة والنجش
والبيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه وبخس المكيال والميزان قوله (وبها
تنصب رايته) إشارة إلى ثبوته هناك واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس وحملهم على هذه المفاسد
المذكورة ونحوها فهي موضعه وموضع أعوانه والسوق تؤنث وتذكر سميت بذلك لقيام الناس فيها على

7
سوقهم قوله (إن أم سلمة رأت جبريل في صورة دحية) هو بفتح الدال وكسرها وفيه منقبة لأم
سلمة رضي الله عنها وفيه جواز رؤية البشر الملائكة ووقوع ذلك ويرونهم على صورة الآدميين
لأنهم لا يقدرون على رؤيتهم على صورهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى جبريل على
صورة دحية غالبا ورآه مرتين على صورته الأصلية قولها (يخبر خبرنا) هكذا هو في نسخ بلادنا
وكذا نقله القاضي عن بعض الرواة والنسخ وعن بعضهم يخبر خبر جبريل قال وهو الصواب
وقد وقع في البخاري على الصواب
باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها
قولها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا فكن يتطاولن
أيتهن أطول يدا قالت فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق) معنى الحديث
أنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية وهي الجارحة فكن يذرعن أيديهن بقصبة
فكانت سودة أطولهن جارحة وكانت زينب أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخير فماتت
زينب أولهن فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود قال أهل اللغة يقال فلان طويل

8
اليد وطويل الباع إذا كان سمحا جوادا وضده قصير اليد والباع وجد الأنامل وفيه معجزة
باهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة ظاهرة لزينب ووقع هذا الحديث في كتاب الزكاة
من البخاري بلفظ متعقد يوهم أن أسرعهن لحاقا سودة وهذا الوهم باطل بالاجماع
باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها
قوله (انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن فناولته اناء فيه شراب فلا أدري
أصادفته صائما أم لم يرده فجعلت تصخب عليه وتذمر عليه) قوله تصخب أي تصيح وترفع
صوتها إنكارا لامساكه عن شرب الشراب وقوله تذمر هو بفتح التاء واسكان الذال
المعجمة وضم الميم ويقال تذمر بفتح التاء والذال والميم أي تتذمر وتتكلم بالغضب يقال
ذمر يذمر كقتل يقتل إذا غضب وإذا تكلم بالغضب ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
رد الشراب عليها أما لصيام وإما لغيره فغضبت وتكلمت بالانكار والغضب وكانت تدل
عليه صلى الله عليه وسلم لكونها حضنته وربته صلى الله عليه وسلم وجاء في الحديث أم أيمن
أمي بعد أمي وفيه أن للضيف الامتناع من الطعام والشراب الذي يحضره المضيف إذا
كان له عذر من صوم أو غيره مما هو مقرر في كتب الفقه قوله (قال أبو بكر بعد وفاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله

9
صلى الله عليه وسلم يزورها) فيه زيارة الصالحين وفضلها وزيارة الصالح لمن هو دونه وزيارة
الانسان لمن كان صديقه يزوره ولأهل ود صديقه وزيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة
وسماع كلامها واستصحاب العالم والكبير صاحبا له في الزيارة والعيادة ونحوهما والبكاء حزنا
على فراق الصالحين والأصحاب وإن كانوا قد انتقلوا إلى أفضل مما كانوا عليه والله أعلم
باب فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال رضي الله عنهما
قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم
فإنه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال إني أرحمها قتل أخوها معي) قد قدمنا في كتاب الجهاد
عند ذكر أم حرام أخت أم سليم أنهما كانتا خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين إما
من الرضاع وإما من النسب فتحل له الخلوة بهما وكان يدخل عليهما خاصة لا يدخل على غيرهما
من النساء الا أزواجه قال العلماء ففيه جواز دخول المحرم على محرمه وفيه إشارة إلى منع
دخول الرجل إلى الأجنبية وأن كان صالحا وقد تقدمت الأحاديث الصحيحة المشهورة في
تحريم الخلوة بالأجنبية قال العلماء أراد امتناع الأمة من الدخول على الأجنبيات فيه بيان ما كان عليه
صلى الله عليه وسلم من الرحمة والتواضع وملاطفة الضعفاء وفيه صحة الاستثناء من الاستثناء وقد
رتب عليه أصحابنا مسائل في الطلاق والاقرار ومثله في القرآن أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل

10
لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قوله صلى الله عليه وسلم (دخلت الجنة فسمعت خشفة قلت
من هذا قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس ابن مالك) أما الخشفة فبخاء مفتوحة ثم شين
ساكنة معجمتين وهي حركة المشي وصوته ويقال أيضا بفتح الشين والغميصاء بضم الغين المعجمة
وبالصاد المهملة ممدودة ويقال لها الرميصاء أيضا ويقال بالسين قال ابن عبد البر أم سليم هي
الرميصاء والغميصاء والمشهور فيه الغين وأختها أم حرام الرميصاء ومعناهما متقارب والرمص والغمص
قذى يابس وغير يابس يكون في أطراف العين وهذا منقبة ظاهرة لأم سليم قوله صلى الله عليه
وسلم (سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال) هي صوت المشي اليابس إذا حك بعضه بعضا قوله
(في حديث أم سليم مع زوجها أبي طلحة حين مات ابنهما) هذا الحديث سبق شرحه في كتاب
الأدب وضربها لمثل العارية دليل لكمال علمها وفضلها وعظم إيمانها وطمأنينتها قالوا وهذا الغلام
الذي توفي هو أبو عمير صاحب النغير وغابر ليلتكما أي ماضيها وقوله لا يطرقها طروقا أي لا

11
يدخلها في الليل قوله (فضربها المخاض) هو الطلق ووجع الولادة وفيه استجابة دعاء النبي صلى
الله عليه وسلم فحملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة وجاء من ولده عشرة رجال علماء أخيار وفيه
كرامة ظاهرة لأبي طلحة وفضائل لام سليم وفيه تحنيك المولود وأنه يحمل إلى صالح ليحنكه
وأنه يجوز تسميته في يوم ولادته واستحباب التسمية بعبد الله وكراهة الطروق للقادم من سفر

12
إذا لم يعلم أهله بقدومه قبل ذلك وفيه جواز وسم الحيوان ليتميز وليعرف فيردها من وجدها وفيه
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ووسمه بيده قوله (لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا
نهار الا صليت بذلك الطهور وما كتب الله أن أصلى معناه قدر الله لي وفيه فضيلة الصلاة عقب
الوضوء وأنها سنة وأنها تباح في أوقات النهي عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها وبعد
صلاة الصبح والعصر لأنها ذات سبب وهذا مذهبنا

13
من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما
قوله (لما نزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل لي أنت منهم) معناه أن ابن مسعود منهم قوله (فكنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له) أما قوله كنا فمعناه مكثنا وقوله حينا أي زمانا
قال الشافعي وأصحابه ومحققوا أهل وغيرهم الحين يقع على القطعة من الدهر طالت أم قصرت وقوله
ما نرى بضم النون اي ما نظن وقوله كثرة بفتح الكاف على الفصيح المشهور وبه جاء القرآن وحكى
الجوهري وغيره كسرها وقوله دخولهم ولزومهم جمعهما وهما اثنان هو وأمه لأن الاثنين يجوز جمعهما

14
بالاتفاق لكن الجمهور يقولون أقل الجمع ثلاثة تتجمع الاثنين مجاز وقالت طائفة أقله اثنان

15
فجمعهما حقيقة قوله (عن ابن مسعود قال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم قال على قراءة
من تأمرونني أن أقرأ إلى آخره) فيه محذوف وهو مختصر مما جاء في غير هذه الرواية معناه
أن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه فأنكر
عليه الناس وأمروه بترك مصحفه وموافقة مصحف الجمهور وطلبوا مصحفه أن يحرقوه
كما فعلوا بغيره فامتنع وقال لأصحابه غلوا مصاحفكم أي اكتموها ومن يغلل يأت بما غل
يوم القيامة يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفا ثم قال على سبيل
الانكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله
صلى الله عليه وسلم قوله (ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم كتاب الله
ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه قال شقيق فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه) الحلق بفتح الحاء واللام ويقال بكسر الحاء وفتح اللام
قال القاضي وقالها الحربي بفتح الحاء واسكان اللام وهو جمع حلقة باسكان
اللام على المشهور
وحكى الجوهري وغيره فتحها أيضا واتفقوا على أن فتحها ضعيف فعلى قول الحربي هو كتمر
وتمرة وفي هذا الحديث جواز ذكر الانسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة وأما النهي
عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة بل للفخر والاعجاب وقد كثرت

16
تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك أو تحصيل مصلحة للناس أو ترغيب
في أخذ العلم عنه أو نحو ذلك فمن مصلحة قول يوسف صلى الله عليه وسلم على خزائن
الأرض إني حفيظ عليم ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز
جيش العسرة وحفر بئر رومة ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا وقول سهل بن سعد ما بقي
أحد أعلم بذلك مني وقول غيره على الخبير سقطت وأشباهه وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم
والذهاب إلى الفضلاء حيث كانوا وفيه أن الصحابة لم ينكروا قول ابن مسعود أنه أعلمهم
والمراد أعلمهم بكتاب الله كما صرح به فلا يلزم منه أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
وغيرهم بالسنة ولا يلزم من ذلك أيضا أن يكون أفضل منهم عند الله تعالى فقد يكون واحد أعلم
من آخر باب من العلم أو بنوع والآخر أعلم من حيث الجملة وقد يكون واحد أعلم من آخر
وذاك أفضل عند الله تعالى بزيادة تقواه وخشيته وورعه وزهده وطهارة قلبه وغير ذلك ولا شك
أن الخلفاء الراشدين الأربعة كل منهم أفضل من ابن مسعود قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا
القرآن من أربعة وذكر منهم ابن مسعود) قال العلماء سببه أن هؤلاء أكثر ضبطا لألفاظه
وأتقن لأدائه وإن كان غيرهم وأفقه في معانيه منهم أو لأن هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذه منه

17
صلى الله عليه وسلم مشافهة وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض أو لأن هؤلاء تفرغوا
لأن يؤخذ عنهم أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد الاعلام بما يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
من تقدم هؤلاء الأربعة وتمكنهم وأنهم أقعد من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم

18
باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار
رضي الله عنهم
قوله (جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار معاذ
بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد) قال المازري هذا الحديث مما يتعلق به
بعض الملاحدة في تواتر القرآن وجوابه من وجهين أحدهما أنه ليس فيه تصريح بأن غير
الأربعة لم يجمعه فقد يكون مراده الذين علمهم من الأنصار أربعة وأما غيرهم من
المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم ولو نفاهم كان المراد ننفي علمه ومع هذا
فقد روى غير مسلم حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر منهم المازري خمسة عشر صحابيا وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون
ممن جمع القرآن وكانت اليمامة قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء الذين قتلوا من
جامعيه يومئذ فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما
ولم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر عثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة الذين يبعد كل البعد
أنهم لم يجمعوه مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات وكيف نظن هذا
بهم ونحن نرى أهل عصرنا حفظه منهم في كل بلدة ألوف مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة
مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن وما سمعوه من
النبي صلى الله عليه وسلم فكيف نظن بهم إهماله فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون
معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد يجمع القرآن إلا الأربعة المذكورون الجواب

19
الثاني أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق
لا يحصون يحصل التواتر ببعضهم وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعهم جميعه بل إذا نقل كل
جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك ولم يخالف في هذا مسلم ولا ملحد وبالله التوفيق
قوله (قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي) أبو زيد هذا هو سعد بن عبيد بن النعمان
الأوسي من بني عمرو بن عوف بدري يعرف بسعد القاري استشهد بالقادسية سنة خمس عشرة
في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ابن عبد البر هذا هو قول أهل الكوفة وخالفهم
غيرهم فقالوا هو قيس بن السكن الخزرجي من بني عدي بن النجار بدري قال موسى بن عقبة استشهد
يوم جيش أبي عبيد بالعراق سنة خمس عشرة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي
الله عنه (إن الله أمرني أن أقرأ عليك يكن الذين كفروا قال وسماني قال نعم قال فبكى) وفي رواية فجعل

20
يبكي أما بكاؤه فبكاء سرور واستصغار لنفسه عن تأهيله لهذه النعمة واعطائه هذه المنزلة والنعمة
فيها من وجهين أحدهما كونه منصوصا عليه بعينه ولهذا قال وسماني معناه نص علي بعيني أو
قال أقرأ علي واحد من أصحابك قال بل سماك فتزايدت النعمة والثاني قراءة النبي صلى الله عليه
وسلم فإنها منقبة عظيمة له لم يشاركه فيها أحد من الناس وقيل إنما بكى خوفا من تقصيره في
شكر هذه النعمة وأما تخصيص هذه السورة بالقراءة فلأنها مع وجازتها جامعة لأصول وقواعد
ومهمات عظيمة وكان الحال يقتضي الاختصار وأما الحكمة في أمره بالقراءة على أبي قال المازري
والقاضي هي أن يتعلم أبي ألفاظه وصيغة أدائه ومواضع الوقوف وصنع النغم في نغمات القرآن
على أسلوب ألفه الشرع وقدره بخلاف ما سواه من النغم المستعمل في غيره ولكل ضرب من
النغم مخصوص في النفوس فكانت القراءة عليه ليتعلم منه وقيل قرأ عليه ليسن عرض القرآن على
حفاظه البارعين فيه المجيدين لأدائه وليسن التواضع في أخذ الانسان القرآن وغيره من العلوم
الشرعية من أهلها وإن كانوا دونه في النسب والدين والفضيلة والمرتبة والشهرة وغير ذلك ولينبه
الناس على فضيلة أبي في ذلك ويحثهم على الأخذ منه وكان كذلك فكان بعد النبي صلى الله عليه وسلم
رأسا وإماما مقصودا في ذلك مشهورا به والله أعلم

21
من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه
قوله صلى الله عليه وسلم (اهتز عرش الرحمن لموت سعد ابن معاذ) اختلف العلماء في تأويله
فقالت طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم روح سعد وجعل الله تعالى في
العرش تمييزا حصل به هذا ولا مانع منه كما قال تعالى وأن منها لما يهبط من خشية الله وهذا
القول هو ظاهر الحديث وهو المختار وقال المازري قال بعضهم هو على حقيقته وأن العرش
تحرك لموته قال وهذا لا ينكر من جهة العقل لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة
والسكون قال لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك إلا أن يقال إن الله تعالى جعل حركته علامة
للملائكة على موته وقال آخرون المراد اهتزاز آهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف
المضاف والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول ومنه قول العرب فلان يهتز للمكارم لا يردون
اضطراب جسمه وحركته وإنما يريدون ارتياحه إليها واقبلاه عليها وقال الحربي هو كناية عن
تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشئ المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون أظلمت لموت فلان
الأرض وقامت له القيامة وقال جماعة المراد
اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش وهذا القول باطل
يرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم اهتز لموته عرش الرحمن وإنما قال هؤلاء هذا التأويل
لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم والله أعلم قوله (فجعل أصحابه يلمسونها) هو بضم

22
الميم وكسرها قوله صلى الله عليه وسلم (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين) المناديل
جمع منديل بكسر الميم في المفرد وهو هذا الذي يحمل في اليد قال ابن الأعرابي وابن فارس وغيرهما
هو مشتق من الندل وهو النقل لأنه ينقل من واحد إلى واحد وقيل من الندل وهو الوسخ لأنه
يندل به قال أهل العربية يقال مه تندلت بالمنديل قال الجوهري ويقال أيضا تمندلت قال
وأنكر الكسائي قال ويقال أيضا تمدلت وقال العلماء هذه إشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة
وأن أدنى ثيابه فيها خير من هذه لأن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للوسخ والامتهان فغيره
أفضل وفيه اثبات الجنة لسعد قوله في هذا الحديث (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حلة حرير) وفي الرواية الأخرى ثوب حرير وفي الآخرى جبة قال القاضي رواية الجبة بالجيم والباء لأنه

23
كان ثوبا واحدا كما صرح به في الرواية الأخرى والأكثرون يقولون الحلة لا تكون إلا ثوبين
يحل أحدهما على الآخر فلا يصح الحلة هنا وأما من يقول الحلة ثوب واحد جديد قريب العهد بحلة
من طيه فيصح وقد جاء في كتب السير أنها كانت قباء وأما قوله أهدى أكيدر دومة الجندل فسبق بيان
حال أكيدر واختلافهم في اسلامه ونسبه وأن دومة بفتح الدال وضمها وذكرنا موضعها
في كتاب المغازي وسبق بيان أحكام الحرير في كتاب اللباس والله أعلم
باب من فضائل أبي دجانة سماك بن حرشة رضي الله عنه
هو بضم الدال وتخفيف الجيم قوله (فأحجم القوم) هو بحاء ثم جيم هكذا هو في معظم نسخ
بلادنا وفي بعضها بتقديم الجيم على الحاء وادعى القاضي عياض أن الرواية بتقديم الجيم ولم يذكر
غيره قال فهما لغتان ومعناهما تأخروا وكفوا قوله (ففلق به هام المشركين) أي شق رؤوسهم
باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنه
قوله (جئ بأبي مسجى وقد مثل به) المسجى المغطى ومثل بضم الميم وكسر الثاء المخففة يقال

24
مثل بالقتيل والحيوان يمثل مثلا كقتل يقتل قتلا إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو مذاكيره
ونحو ذلك والاسم المثلة فاما مثل بالتشديد فهو للمبالغة والرواية هنا بالتخفيف قوله صلى الله
عليه وسلم (فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) قال القاضي يحتمل أن ذلك لتزاحمهم
عليه لبشارته بفضل الله ورضاه عنه وما أعد له من الكرامة عليه ازدحموا عليه إكراما له
وفرحا به أو أظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه قوله (فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله) معناه سواء بكت عليه أم لا فما زالت
الملائكة تظله أي فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره فلا ينبغي البكاء على مثل هذا

25
وفي هذا تسلية لها قوله (عن عبد الكريم عن محمد بن المنكدر عن جابر) هكذا هو في جميع
نسخ بلادنا قال القاضي ووقع في نسخة ابن ماهان عن محمد بن علي بن حسين عن جابر بدل محمد
ابن المنكدر قال الجياني والصواب الأول وهو الذي ذكره أبو السعود الدمشقي قوله (جئ
بابي مجدعا) أي مقطوع الانف والاذنين قال الخليل الجدع قطع الأنف والاذن والله أعلم
باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه
هو بضم الجيم قوله (كان في مغزى له) أي في سفر غزو وفي حديثه أن الشهيد لا يغسل
ولا يصلى عليه قوله صلى الله عليه وسلم (هذا مني وأنا منه) معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما
واتفاقهما في طاعة الله تعالى

26
من فضائل أبي ذر رضي الله عنه
قوله (فنثا علينا الذي قيل له) هو بنون ثم مثلثة أي أشاعه وأفشاه قوله (فقربنا صرمتنا) هي
بكسر الصاد وهي القطعة من الإبل وتطلق أيضا على القطعة من الغنم قوله (فنافر أنيس عن صرمتنا
وعن مثلها فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا أو مثلها معها) قال أبو عبيد وغيره في شرح
هذا المنافرة المفاخرة والمحاكمة فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر ثم يتحاكمان إلى رجل
ليحكم أيهما خير وأعز نفرا وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر كما بينه في الرواية الآخرى
وقوله (نافر عن صرمتنا وعن مثلها) معناه تراهن هو وآخر أيهما أفضل وكان الرهن صرمة ذا
وصرمة ذاك فأيهما كان أفضل أخذ الصرمتين فتحاكما إلى الكاهن فحكم بأن أنيسا أفضل وهو
معنى قوله فخير أنيسا أي جعله الخيار والأفضل قوله (حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني

27
خفاء) هو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الفاء وبالمد وهو الكساء وجمعه أخفية ككساء
وأكسية قال القاضي ورواه بعضهم عن ابن ماهان جفاء بجيم مضمومة وهو غثاء السيل والصواب
المعروف هو الأول قوله (فراث علي) أي أبطأ قوله (أقراء الشعر) أي طرقه وأنواعه
وهي بالقاف والراء وبالمد قوله (أتيت مكة فتضعفت رجلا منهم) يعني نظرت إلى أضعفهم
فسألته لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبا وفي رواية ابن ماهان فتضيفت بالياء وأنكرها القاضي
وغيره قالوا لا وجه له هنا قوله (كأني نصب أحمر) يعني من كثرة الدماء التي سالت في بصرتهم
والنصب الصم والحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمر بالدم وهو ضم الصاد واسكانها
وجمعه أنصاب ومنه قوله تعالى ذبح على النصب قوله (حتى تكسرت عكن بطني) يعني
انثنت لكثرة السمن وانطوت قوله (وما وجدت على كبدي سخفة جوع) هي بفتح السين

28
المهملة وضمها واسكان الخاء المعجمة وهي رقة الجوع وضعفه وهزاله قوله (فبينا أهل مكة
في ليلة قمراء أضحيان إذ ضرب على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد وامرأتين منهم تدعوان
اسافا ونائلة) أما قوله قمراء فمعناه مقمرة طالع قمرها والإضحيان بكسر الهمزة والحاء واسكان
الضاد المعجمة بينهما وهي المضيئة ويقال ليلة أضحيان وأضحيانة وضحياء ويوم ضحيان وقوله على
أسمختهم هكذا هو في جميع النسخ وهو جمع سماخ وهو الخرق الذي في الاذن يفضي إلى الرأس
يقال صماخ بالصاد وسماخ بالسين الصاد أفصح وأشهر والمراد بأصمختهم هنا آذانهم أي ناموا
قال الله تعالى منه على آذانهم أي أنمناهم قوله (وامرأتين) هكذا هو في معظم النسخ بالياء
وفي بعضها وامرأتان بالألف والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين قوله
(فما تناهتا عن قولهما) أي ما انتهتا عن قولهما بل دامتا عليه ووقع في أكثر النسخ فما تناهتا على قولهما وهو
صحيح أيضا وتقديره ما تناهتا من الدوام على قولهما قوله (فقلت هن مثل الخشبة غير أني لا أكني)
الهن والهنة بتخفيف نونهما هو كناية عن كل شئ وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج
والذكر فقال لهما ومثل الخشبة بالفرج وأراد بذلك سب اساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك
قوله (فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان ههنا أحد من أنفارنا) الولولة الدعاء بالويل والأنفار
جمع نفر أو نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة ورواه بعضهم أنصارنا وهو بمعناه وتقديره
لو كان هنا أحد من أنصارنا لانتصر لنا قوله (كلمة تملأ الفم) أي عظيمة لا شئ أقبح منها كالشئ

29
الذي يملأ الشئ ولا يسع غيره وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها
وتملؤه لاستعظامها قوله (فكنت أول من حياه بتحية الاسلام فقال وعليك ورحمة الله) هكذا
هو في جميع النسخ وعليك من غير ذكر السلام وفيه دلالة لأحد الوجهين لأصحابنا أنه إذا قال
في رد السلام وعليك بجزئه لأن العطف يقتضي كونه جوابا والمشهور من أحواله صلى الله
عليه وسلم وأحوال السلف رد السلام بكماله فيقول وعليكم السلام ورحمة الله أو ورحمته وبركاته
وسبق ايضاحه في بابه قوله (فقد عني صاحبه) أي كفني يقال قدعه وأقدعه إذا كفه ومنعه وهو
بدال مهملة قوله صلى الله عليه وسلم في زمزم (أنها طعام طعم) هو بضم الطاء واسكان العين
أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام قوله (غبرت ما غبرت) أي بقيت ما بقيت قوله صلى الله

30
عليه وسلم (أنه قد وجهت لي أرض) أي أريت جهتها قوله صلى الله عليه وسلم (لا أراها الا يثرب)
ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها وهذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة وقد جاء بعد ذلك
حديث في النهي عن تسميتها يثرب أو أنه سماها باسمها المعروف عند الناس حينئذ قوله
(ما بي رغبة عن دينكما) أي لا أكرهه بل أدخل فيه قوله (فاحتملنا) يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا
على إبلنا وسرنا قوله (إيماء بن رحضة الغفاري) قوله إيماء ممدود والهمزة في أوله مكسورة على المشهور
وحكى القاضي فتحها أيضا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح ورحضة براء وحاء مهملة وضاد
معجمة مفتوحات قوله (شنفوا له وتجهموا) هو بشين معجمة مفتوحة ثم نون مكسورة ثم فاء

31
أي أبغضوه ويقال رجل شنف مثال حذر اي شانئ مبغض وقوله تجهموا اي قابلوه بوجوه
غليظة كريهة قوله (فأين كنت توجه) هو بفتح التاء والجيم وفي بعض النسخ توجه بضم التاء وكسر
الجيم وكلاهما صحيح قوله (فتنافرا إلى رجل من الكهان) أي تحاكما إليه قوله (أتحفني بضيافته) أي
خصني بها وأكرمني بذلك قال أهل اللغة التحفة باسكان الحاء وفتحها هو ما يكرم به الانسان والفعل
منه أتحفه قوله (إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي) هو بالسين المهملة منسوب إلى أسامة بن لؤي

32
وعرعرة بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة قوله (فانطلق الآخر حتى قدم مكة) هكذا هو
في أكثر النسخ وفي بعضها الأخ بدل الآخر وهو هو فكلاهما صحيح قوله (ما شفيتني فيما أردت)
كذا في جميع نسخ مسلم فيما بالفاء وفي رواية البخاري مما بالميم وهو أجود أي ما بلغتني غرضي
وأزلت عني هم كشف هذا الامر قوله (وحمل شنة) هي بفتح الشين وهي القربة البالية قوله
فرآه على فعرفه غريب (فلما رآه تبعه) كذا هو في جميع نسخ مسلم تبعه وفي رواية البخاري أتبعه
قال القاضي هي أحسن
وأشبه بمساق الكلام وتكون باسكان التاء أي قال له اتبعي قوله (احتمل
قريبته) بضم القاف على التصغير وفي بعض النسخ قربته بالتكبير وهي الشنة المذكورة قبله قوله
(ما أني للرجل) وفي بعض النسخ آن وهما لغتان أي ما حان وفي بعض النسخ أما بزيادة ألف

33
الاستفهام وهي مرادة في الرواية الأولى ولكن حذفت وهو جائز قوله (فانطلق بقفوه) أي يتبعه
قوله (لأصرخن بها بين ظهرانيهم) هو بضم الراء من لأصرخن أي لأرفعن صوتي بها وقوله بين
ظهرانيهم وهو بفتح النون ويقال بين ظهريهم
باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه
قوله (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني الا ضحك) معناه ما منعني

34
الدخول عليه في وقت من الأوقات ومعنى ضحك تبسم كما صرح به في الرواية الثانية وفعل ذلك
اكراما ولطفا وبشاشة ففيه استحباب هذا اللطف للوارد وفيه فضيلة ظاهرة لجرير قوله
(ذو الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام هذا هو المشهور وحكى القاضي أيضا ضم الخاء مع فتح
اللام وحكى أيضا فتح الخاء وسكون اللام وهو بيت في اليمن كان فيه أصنام يعبدونها قوله (وكان
يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية) وفي بعض النسخ الكعبة اليمانية الكعبة الشامية بغير
واو هذا اللفظ فيه ايهام والمراد أن ذا الخلصة كانوا يسمونها الكعبة اليمانية وكانت الكعبة
الكريمة التي بمكة تسمى الكعبة الشامية ففرقوا بينهما للتمييز هذا هو المراد فيتأول اللفظ عليه
وتقديره يقال له الكعبة اليمانية ويقال للتي بمكة الشامية وأما من رواه الكعبة اليمانية الكعبة
الشامية بحذف الواو فمعناه كأن يقال هذان اللفظان أحدهما لموضع والآخر للآخر وأما
قوله هل أنت مريحي من ذي الخلصة والكعبة اليمانية والشامية فقال القاضي عياض
ذكر الشامية وهم وغلط من بعض الرواة والصواب حذفه وقد ذكره البخاري
بهذا الاسناد وليس فيه هذه الزيادة والوهم هذا كلام القاضي وليس بجيد بل يمكن تأويل هذا اللفظ
ويكون التقدير هل أنت مريحي من قولهم الكعبة اليمانية والشامية ووجود هذا الموضع الذي

35
يلزم منه هذه التسمية قوله (فنفرت) أي خرجت للقتال. قوله (تدعي كعبة اليمانية) هكذا
هو في جميع النسخ وهو من إضافة الموصوف إلى صفته وأجازه الكوفيون وقدر البصريون
فيه حذفا أي كعبة الجهة اليمانية واليمانية بتخفيف الياء على المشهور وحكى تشديدها وسبق
ايضاحه في كتاب الحج قوله (كأنها جمل أجرب) قال القاضي معناه مطلي بالقطران لما به من
الجرب فصار أسود لذلك يعني صارت سوداء من إحراقها وفيه النكاية بآثار الباطل والمبالغة

36
في ازالته وفي هذا الحديث استحباب ارسال البشير بالفتوح ونحوها قوله (فجاء بشير جرير
أبو أرطأة حصين بن ربيعة) هكذا هو في بعض النسخ حصين بالصاد وفي أكثرها حسين
بالسين وذكر القاضي الوجهين قال والصواب الصاد وهو الموجود في نسخة ابن ماهان
باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
قوله (حدثنا زهير بن حرب وأبو بكر بن النضر) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا أبو بكر
ابن النضر وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة صحيح مسلم وفي نسخة العذري أبو بكر بن أبي
النضر قال وكلاهما صحيح هو أبو بكر بن النضر بن أبي النضر هاشم بن القاسم سماه الحاكم أحمد
وسماه الكلابادي محمدا هذا ما ذكره القاضي ممن قال اسمه أحمد عبد الله بن أحمد الدورقي
وقال السراج سألته عن اسمه فقال اسمي كنيتي وهذا هو الأشهر ولم يذكر الحاكم أبو أحمد في
كتابه الكنى غيره والمشهور فيه أبو بكر بن أبي النضر قوله صلى الله عليه وسلم في ابن عباس
(اللهم فقهه) فيه فضيلة الفقه واستحباب الدعاء بظهر الغيب واستحباب الدعاء لمن عمل عملا
خيرا مع الانسان وفيه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكان من الفقه بالمحل الاعلى

37
من فضائل ابن عمر رضي الله عنهما
قوله (قطعة إستبرق) هو ما غلظ من الديباج قوله صلى الله عليه وسلم (أرى عبد الله رجلا
صالحا) هو بفتح همزة أرى اي أعلمه وأعتقده صالحا والصالح هو القائم بحقوق الله تعالى
وحقوق العباد قوله (وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه دليل
للشافعي وأصحابه وموافقيهم انه لا كراهة في النوم في المسجد قوله (له قرنان كقرني البئر)
هما الخشبتان اللتان عليهما الخطاف وهي الحديدة التي في جانب البكرة قاله ابن دريد وقال الخليل
هما ما يبني حول البئر ويوضع عليه الخشبة التي يدور عليها المحور وهي الحديدة التي تدور عليها
البكرة قوله (لم ترع) اي لا روع عليك ولا ضرر

38
قوله صلى الله عليه وسلم نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فيه فضيلة صلاة الليل قوله
أخبرنا موسى بن خالد ختن الفريابي لختن بفتح الخاء المعجمة والمثناة فوق أي زوج ابنته والفريابي
بكسر الفاء ويقال له الفريابي ثلاثة أوجه مشهورة منسوب إلى فرياب المدينة معروفة
من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه
قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لأنس بن مالك رضي الله عنه (اللهم أكثر ماله وولده
وبارك له فيما أعطيته) وذكر في الرواية الأخرى كثر ماله وولده هذا من أعلام نبوته
صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه وفيه فضائل لانس وفيه دليل لمن يفضل الغني على الفقير
ومن قال بتفضيل الفقير أجاب عن هذا بأن هذا قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن
يبارك له فيه ومتى بورك فيه لم يكن فيه فتنة ولم يحصل بسببه ضرر ولا تقصير في حق
ولا غير ذلك من الآفات التي تتطرق إلى سائر الأغنياء بخلاف غيره وفيه هذا الأدب

39
البديع وهو أنه إذا دعا بشئ له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة
فيه والصيانة ونحوهما وكان أنس وولده رحمة وخيرا ونفعا بلا ضرر بسبب دعاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم قوله (وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم) معناه ويبلغ عددهم نحو

40
المائة وثبت في صحيح البخاري عن أنس أنه دفن من أولاده قبل مقدم الحجاج بن يوسف
مائة وعشرين والله أعلم
باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه
قوله (عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لحي يمشي أنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام) قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر
في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة إلى آخر العشرة وثبت أنه صلى الله عليه وسلم
أخبر بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن عكاشة منهم وثابت بن قيس وغيرهم

41
وليس هذا مخالفا لقول سعد فإن سعدا قال ما سمعته ولم ينف أصل الاخبار بالجنة لغيره ولو
نفاه كان الاثبات مقدما عليه قوله (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الباء قوله
(فصلى ركعتين فيها ثم خرج) وفي بعض النسخ فصلى ركعتين فيهما ثم خرج وفي بعضها فصلى
ركعتين ثم خرج فهذه الأخيرة ظاهرة وأما إثبات فيها أو فيهما فهو الموجود لمعظم رواة مسلم
وفيه نقص وتمامه ما ثبت في البخاري ركعتين تجوز فيهما قوله (ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم)
هذا إنكار من عبد الله بن سلام حيث قطعوا له بالجنة فيحمل على أن هؤلاء بلغهم خبر سعد بن أبي
وقاص بأن ابن سلام من أهل الجنة ولم يسمع هو ويحتمل أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعا وإيثارا
للخمول وكراهة للشهرة قوله (فجاءني منصف) هو بكسر الميم وفتح الصاد ويقال بفتح الميم أيضا
وقد فسره في الحديث بالخادم والوصيف وهو صحيح قالوا هو الوصيف الصغير المدرك للخدمة قوله
(فرقيت هو) بكسر القاف على اللغة المشهورة الصحيحة وحكي فتحها قال القاضي وقد جاء بالروايتين في

42
مسلم والموطأ وغيرهما في غير هذا الموضع

43
قوله (فإذا أنا بجواد عن شمالي) الجواد جمع جادة وهي الطريق البينة المسلوكة والمشهور فيها جواد
بتشديد الدال قال القاضي عياض وقد تخفف قاله صاحب العين قوله (وإذا جواد منهج عن يميني)
أي طرق واضحة بينة مستقيمة والنهج الطريق المستقيم ونهج الامر وأنهج إذا وضح وطريق منهج
ومنهاج ونهج أي بين واضح قوله (فزجل بي) هو بالزاي والجيم أي رمى بي والله أعلم

44
فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه
هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري عاش هو وآباؤه الثلاثة كل واحد مائة وعشرين سنة
وعاش حسان ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام قوله (إن حسان أنشد الشعر في المسجد
بإذن النبي صلى الله عليه وسلم) فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحا واستحبابه إذا كان

45
في ممادح الاسلام وأهله أوفي هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك وهكذا
كان شعر حسان وفيه استحباب الدعاء لمن قال شعرا من هذا النوع وفيه جواز الانتصار من الكفار
ويجوز أيضا من غيرهم بشرطه وروح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم قوله (ينافح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يدافع ويناضل قوله (يشبب بأبيات له فقال
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثي من لحوم الغوافل)
اما قوله يشبب فمعناه يتغزل كذا فسره في المشارق وحصان بفتح الحاء أي محصنة عفيفة ورزان
كاملة العقل ورجل رزين وقوله ما تزن أي ماتتهم يقال زننته وأزننته إذا ظننت به خيرا أو شرا

46
وغرثي بفتح الغين المعجمة واسكان الراء وبالمثلثة أي جائعة ورجل غرثان وامرأة غرثى معناه
لا تغتاب الناس لأنها لو اغتابتهم شبعت من لحومهم قوله (يا رسول الله ائذن لي في أبي سفيان قال
كيف بقرابتي منه قال والذي أكرمك لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير فقال حسان
وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد)
وبعد هذا بيت لم يذكره مسلم ولم يذكره تتم الفائدة والمراد وهو
ومن ولدت أبناء زهرة منهمو كرام ولم يقرب عجائزك المجد
المراد ببنت مخزوم فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبي طالب ومراده

47
بأبي سفيان هذا المذكور المهجو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي صلى الله عليه
وسلم وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت ثم أسلم وحسن اسلامه وقوله
ولدت أبناء زهرة منهم مراده هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة وصفية وأما قوله ووالدك
العبد فهو سب لأبي سفيان بن الحارث ومعناه أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا
هي سمية بنت موهب وموهب غلام لبني عبد مناف وكذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك
وهو مراده بقوله ولم يقرب عجائزك المجد قوله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير المراد بالخمير
العجين كما قال في الرواية الأخرى ومعناه لأتلطفن في تخليص نسبك من هجوه بحيث لا يبقى جزء من
نسبك في نسبهم الذي ناله الهجو كما أن الشعرة إذا سلت من العجين لا يبقى منها شئ فيه بخلاف ما لو سلت
من شئ صلب فانهار بما انقطعت فبقيت منها فيه بقية قوله صلى الله عليه وسلم (اهجو قريشا فإنه
أشد عليها من رشق بالنبل) هو بفتح الراء وهو الرمي بها وأما الرشق بالكسر فهو اسم للنبل
التي ترمى دفعة واحدة وفي بعض النسخ رشق النبل وفيه جواز هجو الكفار ما لم يكن أمان وأنه
لا غيبة فيه وأما أمره صلى الله عليه وسلم بهجائهم وطلبه ذلك من أصحابه واحدا بعد واحد
ولم يرض قول الأول والثاني حتى أمر حسان فالمقصود منه النكاية في الكفار وقد أمر الله تعالى
بالجهاد في الكفار والإغلاظ عليهم وكان هذا الهجو أشد عليهم من رشق النبل فكان مندوبا لذلك
مع ما فيه من كف أذاهم وبيان نقصهم والانتصار بهجائهم المسلمين قال العلماء ينبغي أن لا يبدأ
المشركون بالسب والهجاء مخافة من سبهم الاسلام وأهله قال الله تعالى تسبوا الذين يدعون

48
من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ولتنزيه ألسنة المسلمين عن الفحش إلا أن تدعو إلى ذلك
ضرورة لابتدائهم به فيكف أذاهم ونحوه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قوله (قد آن لكم)
أي حان لكم (أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه) قال العلماء المراد بذنبه هنا لسانه فشبهه
نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه كما فعل حسان بلسانه
حين أدلعه فجعل يحركه فشبه نفسه بالأسد ولسانه بذنبه قوله (ثم أدلع لسانه) أي أخرجه
عن الشفتين يقال دلع لسانه وأدلعه ودلع اللسان بنفسه قوله لأفرينهم بلسان فرى الأديم
أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد قوله صلى الله عليه وسلم (هجاهم حسان فشفى واشتفى) أي
شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الاسلام والمسلمين
قوله (هجوت محمدا برا تقيا) وفي كثير من النسخ حنيفا بدل تقيا فالبر بفتح الباء الواسع الخير
وهو مأخوذ من البر بكسر الباء وهو الاتساع في الاحسان وهو اسم جامع للخير وقيل البر هنا

49
بمعنى المتنزه عن المآثم وأما الحنيف فقيل هو المستقيم والأصح أنه المائل إلى الخير وقيل الحنيف
التابع ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم قوله (شيمته الوفاء) أي خلقه قوله
(فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء)
هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الانسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه
بالعطف وقال غيره عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكل ما لحقه
نقص يعيبه وأما قوله وقاء فبكسر الواو وبالمد وهو ما وقيت به الشئ قوله (تثير النقع) أي
ترفع الغبار وتهيجه قوله (من كنفي كداء) هو بفتح النون أي جانبي كداء بفتح الكاف وبالمد
هي ثنية على باب مكة سبق بيانها في كتاب الحج وعلى هذه الرواية في هذا البيت اقواء مخالف
لباقيها وفي بعض النسخ غايتها كداء وفي بعضها موعدها كداء قوله (يبارين الأعنة) ويروى
يبارعن الأعنة قال القاضي الأول هو رواية الأكثرين ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي
أعنتها بقوة جبذها لها وهي منازعتها لها أيضا قال القاضي وفي رواية ابن الحذاء يبارين الأسنة
وهي الرماح قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها قوله (مصعدات)
أي مقبلات إليكم ومتوجهات يقال أصعد في الأرض إذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع
قوله (على أكتافها الأسل الظماء) أما أكتافها فبالتاء المثناة فوق والأسل بفتح الهمزة والسين
المهملة وبعدهما لام هذه رواية الجمهور والأسل الرماح والظماء الرقاق فكأنها لقلة مائها عطاش
وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء وفي بعض الروايات الأسد الظماء بالدال أي الرجال
المشبهون للأسد العطاش إلى دمائكم
قوله (تظل جيادنا متمطرات) أي تظل خيولنا مسرعات

50
يسبق بعضها بعضا قوله (تلطمهن بالخمر النساء) أي تمسحهن النساء بخمرهن بضم الخاء والميم
جمع خمار أي يزلن عنهن الغبار وهذا لعزتها وكرامتها عندهم وحكى القاضي أنه روى بالخمر بفتح
الميم جمع خمرة وهو صحيح المعنى لكن الأول هو المعروف وهو الأبلغ في إكرامها قوله (وقال
الله قد يسرت جندا) أي هيأتهم وأرصدتهم قوله (عرضتها اللقاء) هو بضم العين أي مقصودها
ومطلوبها قوله (ليس له كفاء) أي مماثل ولا مقاوم والله أعلم

51
باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه
قوله (فصرت إلى الباب فإذا مجاف) أي مغلق قوله (خشف قدمي) أي صوتهما في الأرض
وخضخضة الماء صوت تحريكه وفيه استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور
بعين المسؤول وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم واستحباب حمد الله عند حصول النعم

52
قوله (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني) أي الأزمة وأقنع بقوتي
ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي والمراد من حيث حصل القوت من الوجوه
المباحة وليس هو من الخدمة بالأجرة قوله (يقولون أن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد)

53
معناه فيحاسبني أن تعمدت كذبا ويحاسب من ظن بي السوء قوله (يشغلهم الصفق بالأسواق)
هو بفتح الياء من يشغلهم وحكى ضمها وهو غريب والصفق هو كناية عن التبايع وكانوا
يصفقون بالأيدي من المتبايعين بعضها علي بعض والسوق مؤنثة ويذكر سميت به لقيام الناس
فيها على سوقهم وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بسط ثوب
أبي هريرة قوله (كنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي) معنى أسبح أصلي نافلة وهي
السبحة بضم السين قيل المراد هنا صلاة الضحى قوله (لم يكن يسرد
الحديث كسردكم) أي
يكثره ويتابعه والله أعلم

54
من فضائل حاطب بن أبي بلتعة وأهل بدر رضي الله عنهم
قوله (روضة خاخ) هي بخاءين معجمتين هذا هو الصواب الذي قاله العلماء كافة في جميع
الطوائف وفي جميع الروايات والكتب ووقع في البخاري من رواية أبي عوانة حاج بحاء مهملة
والجيم واتفق العلماء على أنه من غلط أبي عوانة وأنما اشتبه عليه بذات حاج بالمهملة والجيم
وهي موضع بين المدينة والشام على طريق الحجيج وأما روضة خاخ فبين مكة والمدينة بقرب
المدينة قال صاحب المطالع وقال الصائدي هي بقرب مكة والصواب الأول قوله صلى الله
عليه وسلم (فان بها ظعينة معها كتاب) الظعينة هنا الجارية وأصلها الهودج وسميت بها الجارية
لأنها تكون فيه واسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي وفي هذا معجزة
ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان
رجلا أو امرأة وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة وإنما
يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة
في الندب إلى الستر وفيه أن الجاسوس
وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك
وهذا الجنس كبيرة قطعا لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبيرة بلا شك لقوله تعالى
إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله الآية وفيه أنه لا يحد العاصي ولا يعزر إلا بإذن الامام وفيه
إشارة جلساء الامام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب ومذهب الشافعي وطائفة أن
الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله وقال بعض المالكية يقتل إلا أن يتوب وبعضهم يقتل وإن تاب

55
وقال مالك يجتهد فيه الامام قوله (تعادى بنا خيلنا) هو بفتح التاء أي تجري قوله (فأخرجته من
عقاصها) هو بكسر العين أي شعرها المضفور وهو جمع عقيصة قوله صلى الله عليه وسلم (لعل الله اطلع
على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) قال العلماء معناه الغفران لهم في الآخرة والا فان
توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا ونقل القاضي عياض الاجماع على إقامة الحد

56
وأقامه عمر على بعضهم قال وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا الحد وكان بدريا قوله
(عن علي رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام
وفي الرواية السابقة المقداد بدل أبي مرثد ولا منافاة بل بعث الأربعة عليا والزبير والمقداد
وأبا مرثد قوله (يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت
لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية) فيه فضيلة أهل بدر والحديبية وفضيلة حاطب لكونه منهم
وفيه أن لفظة الكذب
هي الاخبار عن الشئ على خلاف ما هو عمدا كان أو سهوا سواء كان الاخبار
عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم وسبقت المسألة في كتاب الايمان
وقال بعض أهل اللغة لا يستعمل الكذب الا في الاخبار عن الماضي بخلاف ما هو مستقبل
وهذا الحديث يرد عليه والله أعلم

57
من فضائل أصحاب الشجرة
أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم
قوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين
بايعوا تحتها) قال العلماء معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا كما صرح به في الحديث الذي قبله حديث
حاطب وإنما قال إن شاء الله للتبرك لا للشك وأما قول حفصة بلى وانتهار النبي صلى الله عليه
وسلم لها فقالت منكم إلا واردها فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال ثم ننجي الذين
اتقوا فيه دليل للمناظرة والاعتراض والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة
لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على
الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون
باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما
في الحديث الأول فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة رضي الله عنهم وفيه استحباب

58
البشارة واستحباب الازدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه والمشاركة فيه قوله (فنزا منه الماء)

59
هو بالنون والزاي أي ظهر وارتفع وجرى ولم ينقطع قوله (على سرير مرمل وعليه فراش وقد
أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أما مرمل فباسكان الراء وفتح الميم ورمال
بكسر الراء وضمها وهو الذي ينسج في وجهه بالسعف ونحوه ويشد بشريط ونحوه يقال
منه أرملته فهو مرمل وحكى رملته فهو مرمول وأما قوله وعليه فراش فكذا وقع في صحيح
البخاري ومسلم فقال القابسي الذي أحفظه في غير هذا السند عليه فراش قال وأظن لفظة
ما سقطت لبعض الرواة وتابعه القاضي عياض وغيره على
أن لفظة ما ساقطة وأن الصواب
إثباتها قالوا وقد جاء في حديث عمر في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على رمال
سرير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبيه قوله (ثم رفع يديه ثم قال اللهم اغفر لعبيد
أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه إلى آخره) فيه استحباب الدعاء واستحباب رفع اليدين فيه
وأن الحديث الذي رواه أنس أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاثة مواطن محمول على أنه لم يره والا فقد
ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا

60
باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم
قوله صلى الله عليه وسلم (إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل
وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار) أما قوله
صلى الله عليه وسلم يدخلون فبالدال من الدخول هكذا هو في جميع نسخ بلادنا ونقله القاضي
عن جمهور الرواة في مسلم وفي البخاري قال ووقع لبعض رواة الكتابين يرحلون بالراء والحاء
المهملة من الرحيل قال واختار بعضهم هذه الرواية قلت والأولى صحيحة أو أصح والمراد يدخلون
منازلهم إذا خرجوا لشغل ثم رجعوا وفيه دليل لفضيلة الأشعريين وفيه أن الجهر بالقرآن في
الليل فضيلة إذا لم يكن فيه إيذاء لنائم أو لمصل أو غيرهما ولا رياء والله أعلم والرفقة بضم الراء
وكسرها قوله صلى الله عليه وسلم (ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو قال لهم أن أصحابي
يأمرونكم أن تنظروهم) أي تنتظروهم ومنه قوله تعالى نقتبس من نوركم قال القاضي
واختلف شيوخنا في المراد بحكيم هنا فقال أبو علي الجياني هو اسم علم لرجل وقال أبو علي
الصدفي هو صفة من الحكمة قوله صلى الله عليه وسلم (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو إلى آخره)

61
معنى أرملوا فنى طعامهم وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين وفضيلة الايثار والمواساة وفضيلة
خلط الأزواد في السفر وفضيلة جمعها في شئ عند قلتها في الحضر ثم يقسم وليس المراد بهذا
القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها ومنعها في الربويات واشتراط المواساة وغيرها وإنما
المراد هنا إباحة بعضهم بعضا ومواساتهم بالموجود وقوله صلى الله عليه وسلم (فهم مني وأنا
منهم) سبق تفسيره في باب فضائل جليبيب
باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه
قوله (أحمد بن جعفر المعقري) هو بفتح الميم واسكان العين المهملة وبكسر القاف منسوب
إلى معقر وهي ناحية من اليمن قوله (حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال كان المسلمون
لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله ثلاث أعطنيهن
قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية
تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم

62
قال أبو زميل ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك لأنه لم يكن يسأل
شيئا إلا قال نعم) أما أبو زميل فبضم الزاي وفتح الميم واسكان الياء واسمه سماك بن الوليد الحنفي
اليمامي ثم الكوفي وأما قوله أحسن العرب وأجمله فهو كقوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن
الناس وجها وأحسنه خلقا وقد سبق شرحه في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومثله الحديث
بعده في نساء قريش أحناه على ولد وأرعاه لزوج قال أبو حاتم السجستاني وغيره أي وأجملهم
وأحسنهم وأرعاهم لكن لا يتكلمون به الا مفردا قال النحويون معناه وأجمل من هناك واعلم
أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالاشكال ووجه الاشكال أن أبا سفيان أنما أسلم يوم
فتح مكة سنة ثمان من الهجرة وهذا مشهور لا خلاف فيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج
أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل قال أبو عبيدة وخليفة بن خياط وابن البرقي والجمهور تزوجها
سنة ست وقيل سنة سبع قال القاضي عياض واختلفوا أين تزوجها فقيل بالمدينة بعد قدومها
من الحبشة وقال الجمهور بأرض الحبشة قال واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك فقيل عثمان وقيل
خالد بن سعيد بن العاصي بإذنها وقيل النجاشي لأنه كان أمير الموضع وسلطانه قال القاضي والذي
في مسلم هنا أنه زوجها أبو سفيان غريب جدا وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال
كفره مشهور ولم يزد القاضي على هذا وقال ابن حزم هذا الحديث وهم من بعض الرواة
لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر
وهي بأرض الحبشة وأبوها كافر وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال موضوع قال والآفة فيه من
عكرمة بن عمار الراوي عن أبي زميل وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله هذا على ابن حزم
وبالغ في الشناعة عليه قال وهذا القول من جسارته فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار وإطلاق
اللسان فيهم قال ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث وقد وثقه وكيع
ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة قال وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم
زواجها غلط منه وغفلة لأنه يحتمل انه سأله تجديد عقد النكاح تطييبا لقلبه لأنه كان ربما يرى
عليها غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا

63
يقتضي تجديد العقد وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبي سفيان ممن كثر علمه وطالت
صحبته هذا كلام أبي عمرو رحمه الله وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال
لأبي سفيان أنه يحتاج إلى تجديده فلعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أن مقصودك يحصل
وإن لم يكن بحقيقته عقد الله اعلم
من فضائل جعفر وأسماء بنت عميس
وأهل سفينتهم رضي الله عنهم
قوله (أنا وأخوان لي أنا أصغرهم) هكذا هو في النسخ أصغرهما والوجه أصغر منهما قوله (فأسهم
لنا أو قال أعطانا منها) هذا الاعطاء محمول على أنه برضا الغانمين وقد جاء في صحيح البخاري ما يؤيده
وفي رواية البيهقي التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم المسلمين فشركوهم في سهمانهم

64
قولها لعمر رضي الله عنه (كذبت) أي أخطأت وقد استعملوا كذب بمعنى أخطأ قولها (وكنا
في دار البعداء البغضاء) قال العلماء البعداء في النسب البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشي
وكان يستخفي باسلامه عن قومه ويورى لهم قولها (يأتوني أرسالا) بفتح الهمزة أي أفواجا

65
فوجا بعد فوج يقال أورد إبله أرسالا أي متقطعة متتابعة وأوردها عراكا أي مجتمعة والله أعلم
من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم
قوله (أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا ما أخذت سيوف الله من عنق
عدو الله مأخذها) ضبطوه بوجهين أحدهما بالقصر وفتح الخاء والثاني بالمد وكسرها وكلاهما
صحيح وهذا الاتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية وفي هذا فضيلة ظاهرة
لسلمان ورفقته هؤلاء وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم قوله
(يا أخوتاه أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي) أما قولهم يا أخي فضبطوه بضم الهمزة على التصغير
وهو تصغير تحبيب وترقيق وملاطفة وفي بعض النسخ بفتحها قال القاضي قد روي عن أبي بكر
أنه نهى عن مثل هذه الصيغة وقال قل عافاك الله رحمك الله لا تزد أي لا تقل قبل الدعاء لا فتصير
صورته صورة نفي الدعاء قال بعضهم قل لا ويغفر لك الله

66
من فضائل الأنصار رضي الله عنهم
قوله (بنو سلمة) هو بكسر اللام قبيلة من الأنصار قوله (فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم ممثلا)
هو بضم الميم الأولى واسكان الثانية وبفتح الثاء المثلثة وكسرها كذا روي بالوجهين وهما
مشهوران قال القاضي جمهور الرواة بالفتح قال وصححه بعضهم قال ولبعضهم هنا وفي البخاري

67
بالكسر ومعناه قائما منتصبا قال وعند بعضهم مقبلا وللبخاري في كتاب النكاح ممتنا بتاء مثناة
فوق ونون من المنة أي متفضلا عليهم قال واختار بعضهم هذا وضبطه بعض المتقنين ممتنا بكسر
التاء وتخفيف النون أي قياما طويلا قال القاضي والمختار ما قدمناه عن الجمهور قوله (جاءت
امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلا بها) هذه المرأة إما محرم له كأم سليم وأختها وإما
المراد بالخلوة أنها سألته سؤالا خفيا بحضرة ناس ولم تكن خلوة مطلقة وهي الخلوة المنهي
عنها قوله صلى الله عليه وسلم (الأنصار كرشي وعيبتي) قال العلماء معناه جماعتي وخاصتي الذين
أثق بهم وأعتمدهم في أموري قال الخطابي ضرب مثلا بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان
الذي يكون به بقاؤه والعيبة وعاء معروف أكبر من المخلاة يحفظ الانسان فيها ثيابه وفاخر متاعه
ويصونها ضربها مثلا لأنهم أهل سره وخفي أحواله قوله صلى الله عليه وسلم (إن الناس
سيكثرون ويقلون) أي ويقل الأنصار وهذا من المعجزات قوله صلى الله عليه وسلم
(فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم) وفي بعض الأصول عن سيئتهم والمراد بذلك فيما

68
سوى الحدود قوله صلى الله عليه وسلم (خير دور الأنصار) أي خير قبائلهم وكانت كل
قبيلة منها تسكن محلة فتسمى تلك المحلة دار بني فلان ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان
من غير ذكر الدار قال العلماء وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الاسلام ومآثرهم فيه وفي هذا دليل
لجواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى ولا يكون هذا غيبة قوله (سمعت
أبا أسيد خطيبا عند ابن عتبة) أما أسيد فبضم الهمزة على المشهور وحكى القاضي عن عبد
الرحمن بن مهدي فتحها وهو شاذ ضعيف وخطيبا
بكسر الطاء اسم فاعل وفي بعض النسخ خطبنا
بفتحها فعل ماض قوله (عند ابن عتبة) بالمثناة فوق هو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل عمه

69
معاوية بن أبي سفيان على المدينة قوله (خلفنا) أي أخرنا فجعلنا آخر الناس وفي حديث
جرير بن عبد الله وخدمته لأنس إكراما للأنصار دليل لاكرام المحسن والمنتسب إليه وإن كان
أصغر سنا وفيه تواضع جرير وفضيلته وإكرامه للنبي صلى الله عليه وسلم واحسانه إلى من انتسب
إلى من أحسن إليه صلى الله عليه وسلم

70
من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة
وتميم ودوس وطئ
قوله صلى الله عليه وسلم (وأسلم سالمها الله) قال العلماء من المسالمة وترك الحرب قيل هو دعاء
وقيل خبر قال القاضي في المشارق هو من أحسن الكلام مأخوذة من سالمته إذا لم تر منه مكروها
فكأنه دعا لهم بأن يصنع الله بهم ما يوافقهم فيكون سالمها بمعنى سلمها وقد جاء فاعل بمعنى فعل

72
كقاتله الله أي قتله قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن بني لحيان ورعلا) لحيان بكسر
اللام وفتحها وهم بطن من هذيل ورعل بكسر الراء واسكان العين المهملة وفيه جواز لعن الكفار

73
جملة أو طائفة منهم بخلاف الواحد بعينه قوله صلى الله عليه وسلم (الأنصار ومزينة ومن
كان من بني عبد الله ومن ذكر موالي دون الناس والله ورسوله مولاهم) أي وليهم والمتكفل
بهم وبمصالحهم وهم مواليه أي ناصروه والمختصون به قال القاضي المراد ببني عبد الله هنا بنو عبد
العزي من غطفان سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد الله فسمتهم العرب بني محولة لتحويل

74
اسم أبيهم قوله (والحليفين أسد وغطفان) بالحاء المهملة من الحلف أي المتحالفين قوله

75
صلى الله عليه وسلم (انهم لأخير منهم) هكذا هو في جميع النسخ لأخير وهي لغة قليلة تكررت
في الأحاديث وأهل العربية ينكرونها ويقولون الصواب خير وشر ولا يقال أخير ولا أشر
ولا يقبل انكارهم فهي لغة قليلة الاستعمال وأما تفضيل هذه القبائل فلسبقهم إلى الاسلام
وآثارهم فيه قوله (حدثني سيد بني تميم محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب الضبي) قال القاضي
كذا وقع هنا وضبة لا تجتمع في بني تميم إنما ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر وفي
قريش أيضا ضبة ابن الحارث بن فهر قال وقد
نسبه البخاري في التاريخ كما وقع في مسلم قلت
وفي هذيل أيضا ضبة بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل فيجوز أن يكون ضبيا

76
بالحلف أو مجازا لمقاربته فان تميما تجتمع هي وضبية قريبا قوله (أول صدقة بيضت وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طئ) أي سرتهم وأفرحتهم وطئ بالهمزة على

77
المشهور وحكى تركه وسبق بيانه والملاحم معارك القتال والتحامه
باب خيار الناس
قوله صلى الله عليه وسلم (تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا)
هذا الحديث سبق شرحه في فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم وفقهوا بضم القاف على المشهور
وحكى كسرها أي صاروا فقهاء وعلماء والمعادن الأصول وإذا كانت الأصول شريفة كانت

78
الفروع كذلك غالبا والفضيلة في الاسلام بالتقوى لكن إذا انضم إليها شرف النسب ازدادت
فضلا قوله صلى الله عليه وسلم (وتجدون من خير الناس في هذا الامر أشدهم له كراهية حتى يقع
فيه) قال القاضي يحتمل ان المراد به الاسلام كما كان من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو
ابن العاص وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وغيره من مسلمة الفتح وغيرهم ممن كان يكره
الاسلام كراهية شديدة لما دخل فيه أخلص وأحبه وجاهد فيه حق جهاده قال ويحتمل أن
المراد بالامر في ذي الوجهين هنا الولايات
لأنه إذا أعطيها من غير مسألة أعين عليها قوله صلى الله
عليه وسلم في ذي الوجهين انه من شرار الناس فسببه ظاهر لأنه نفاق محض وكذب وخداع
وتحيل على اطلاعه على اسرار الطائفتين وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ويظهر لها أنه
منها في خير أو شر وهي مداهنة محرمة

79
من فضائل نساء قريش
قوله صلى الله عليه وسلم (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه
على زوج في ذات يده) فيه فضيلة نساء قريش وفضل هذه الخصال وهي الحنوة على الأولاد والشفقة
عليهم وحسن تربيتهم والقيام عليهم إذا كانوا يتامى ونحو ذلك مراعاة حق الزوج في ماله
وحفظه والأمانة فيه وحسن تدبيره في النفقة وغيرها وصيانته ونحو ذلك ومعنى ركبن الإبل
نساء العرب ولهذا قال أبو هريرة في الحديث لم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط والمقصود
أن نساء قريش خير نساء العرب وقد علم أن العرب خير من غيرهم في الجملة وأما الافراد فيدخل بها
الخصوص ومعنى ذات يده أي شأنه المضاف إليه ومعنى أحناه أشفقه والحانية على ولدها التي
تقوم عليهم بعد يتمهم فلا تتزوج فان تزوجت فليست بحانية قال الهروي وقد سبق في باب فضل
أبي سفيان قريبا بيان أحناه وأرعاه وأن معناه أحناهن والله أعلم

80
مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم
بين أصحابه رضي الله عنهم
ذكر في الباب المؤاخاة والحلف وحديث لا حلف في الاسلام وحديث أنس آخى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري بالمدينة قال القاضي قال الطبري لا يجوز
الحلف اليوم فان المذكور في الحديث والموارثة به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى وأولوا

81
الأرحام بعضهم أولى ببعض وقال الحسن كان التوارث بالحلف فنسخ بآية المواريث قلت أما
ما يتعلق بالإرث فيستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء وأما المؤاخاة في الاسلام والمحالفة على
طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فهذا باق لم ينسخ وهذا
معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام
إلا شدة وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لا حلف في الاسلام) فالمراد به حلف التوارث والحلف
على ما منع الشرع منه والله أعلم

82
بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه سلم
أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة
قوله صلى الله عليه وسلم (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد) قال العلماء
الأمنة بفتح الهمزة والميم والأمن والأمان بمعنى ومعنى الحديث أن النجوم ما دامت باقية
فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت
وقوله صلى الله عليه وسلم وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون أي من الفتن
والحروب وارتداد من ارتد من الاعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحا وقد
وقع كل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وأصحابي أمنة لامتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)
معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم
عليهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم
باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
قوله صلى الله عليه وسلم (يغزو فئام من الناس) هو بفاء مكسورة ثم همزة أي جماعة وحكى
القاضي فيه بالياء مخففة بلا همز ولغة أخرى فتح الفاء حكاها عن الخليل والمشهور الأول وفي
هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفضل الصحابة والتابعين وتابعيهم

83
والبعث هنا الجيش قوله (عن عبيدة السلماني) هو بفتح العين والسين واسكان اللام منسوب
إلى بني سلمان قوله صلى الله عليه وسلم (خير كم قرني) وفي رواية خير الناس قرني ثم الذين يلونهم
إلى آخره اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم والمراد أصحابه وقد قدمنا

84
أن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة فهو من
أصحابه ورواية خير الناس على عمومها والمراد منه جملة القرن ولا يلزم منه تفضيل الصحابي
على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولا أفراد النساء على مريم وآسية وغيرهما بل المراد
جملة القرن بالنسبة إلى كل قرن بجملته قال القاضي واختلفوا في المراد بالقرن هنا فقال المغيرة
قرنه أصحابه والذين يلونهم أبناؤهم والثالث أبناء أبنائهم وقال شهر قرنه ما بقيت عين رأته والثاني
ما بقيت عين رأت من رآه ثم كذلك وقال غير واحد القرن كل طبقة مقترنين في وقت وقيل
هو لأهل مدة بعث فيها نبي طالت مدته أم قصرت وذكر الحربي الاختلاف في قدره بالسنين
من عشر سنين إلى مائة وعشرين ثم قال وليس منه شئ واضح ورأي أن القرن كل أمة
هلكت فلم يبق منها أحد وقال الحسن وغيره القرن عشر سنين وقتادة سبعون والنخعي أربعون
وزرارة بن أبي أوفى مائة وعشرون وعبد الملك ابن عمير مائة وقال ابن الاعرابي هو الوقت هذا
آخر نقل القاضي والصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة والثاني التابعون والثالث
تابعوهم قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) هذا ذم
لمن يشهد ويحلف مع شهادته واحتج به بعض المالكية في رد شهادة من خلف معها وجمهور

85
العلماء أنها لا ترد ومعنى الحديث أنه يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارة هذه وفي
الرواية الأخرى تبدر شهادة أحدهم وهو يعنى تسبق قوله ينهوننا عن العهد والشهادات أي الجمع
بين اليمين والشهادة وقيل المراد النهي عن قوله على عهد الله أو أشهد بالله قوله صلى الله عليه وسلم
(ثم يتخلف من بعدهم خلف) هكذا هو في معظم النسخ يتخلف وفي بعضها يخلف بحذف التاء
وكلاهما صحيح أي يجئ بعدهم خلف باسكان اللام هكذا الرواية والمراد خلف سوء قال أهل
اللغة الخلف ما صار
عوضا عن غيره ويستعمل فيمن خلف بخير أو بشر لكن يقال في الخير
بفتح اللام واسكانها لغتان الفتح أشهر وأجود وفي الشر باسكانها عن الجمهور وحكي أيضا فتحها
قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يخلف قوم يحبون السمانة يشهدون قبل أن يستشهدوا) وفي رواية ويظهر
قوم فيهم السمن السمانة بفتح السين هي السمن قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث المراد بالسمن
هنا كثرة اللحم ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم وليسن معناه أن يتمحضوا سمانا قالوا والمذموم منه

86
من يستكسبه وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل في هذا والمتكسب له هو المتوسع في المأكول
والمشروب زائدا على المعتاد وقيل المراد بالسمن هنا أنهم يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون
ما ليس لهم من الشرف وغيره وقيل المراد جمعهم الأموال وقوله صلى الله عليه وسلم (يشهدون
قبل ان يستشهدوا) هذا الحديث في ظاهره مخالفة للحديث الآخر خير الشهود الذي يأتي
بالشهادة قبل أن يسألها قال العلماء الجمع بينهما أن الذم في ذلك لمن بادر بالشهادة في حق
الآدمي هو عالم بها قبل أن يسألها صاحبها وأما المدح فهو لمن كانت عنده شهادة الآدمي
ولا يعلم بها صاحبها فيخبره بها ليستشهد بها عند القاضي إن أراد ويلتحق به من كانت عنده
شهادة حسبة وهي الشهادة بحقوق الله تعالى فيأتي القاضي ويشهد بها وهذا ممدوح الا إذا كانت
الشهادة بحد ورأي المصلحة في الستر هذا الذي ذكرناه من الجمع بين الحديثين هو مذهب أصحابنا
ومالك وجماهير العلماء وهو الصواب وقيل فيه أقوال ضعيفة منها قول من قال بالذم مطلقا
ونابذ حديث المدح ومنها من حمله على شهادة الزور ومنها قول من حمله على الشهادة بالحدود

87
وكلها فاسدة واحتج عبد الله بن شبرمة بهذا الحديث لمذهبه في منعه الشهادة على الاقرار قبل
أن يستشهد ومذهبنا ومذهب الجمهور قبولها قوله صلى الله عليه وسلم (ويخونون ولا يتمنون)
هكذا في أكثر النسخ يتمنون بتشديد النون وفي بعضها يؤتمنون ومعناه يخونون خيانة ظاهرة
بحيث لا يبقى معها أمانة بخلاف من خان بحقير مرة واحدة فإنه يصدق عليه أنه خان ولا يخرج
به عن الأمانة في بعض المواطن قوله صلى الله عليه وسلم (وينذرون ولا يوفون) هو بكسر
الذال وضمها لغتان وفي رواية يفون
وهما صحيحان يقال وفي وأوفى فيه وجوب الوفاء بالنذر وهو
واجب بلا خلاف وإن كان ابتداء النذر منهيا عنه كما سبق في بابه وفي هذه الأحاديث دلائل للنبوة
ومعجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان كل الأمور التي أخبر بها وقعت كما أخبر
قوله (سمعت أبا جمرة قال حدثني زهدم بن مضرب) أما أبو جمرة فبالجيم وهو أبو جمرة نصر بن
عمران سبق بيانه في كتاب الايمان في حديث وفد عبد القيس ثم في مواضع ولا خلاف أنه المراد

88
هنا وأما زهدم فبزاي مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة ومضرب بضم الميم وفتح
الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة قوله (عن السدي عن عبد الله البهي عن عائشة) هو
بفتح الباء الموحدة وكسر الهاء وهذا الاسناد مما استدركه الدارقطني فقال إنما روى البهي عن
عروة عن عائشة قال القاضي قد صححوا روايته عن عائشة وقد ذكر البخاري روايته عن عائشة
بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى
نفس منفوسة ممن هو موجود الآن
قوله صلى الله عليه وسلم (أريتكم ليلتكم
هذه فان على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو
اليوم على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى ممن

89
هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن) وفي رواية جابر أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر يقول ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة
وهي حية يومئذ وفي رواية أبي سعيد مثله لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رجع
من تبوك هذه الأحاديث قد فسر بعضها بعضا وفيها علم من اعلام النبوة والمراد أن كل نفس
منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل أمرها قبل
ذلك أم لا وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة ومعنى نفس منفوسة
أي مولودة وفيه احتراز من الملائكة وقد احتج بهذه الأحاديث من شذ من المحدثين فقال
الخضر عليه السلام ميت والجمهور على حياته كما سبق في باب فضائله ويتأولون هذه الأحاديث
على أنه كان على البحر لا على الأرض أو انها عام مخصوص قوله (فوهل الناس) بفتح الهاء
أي غلطوا يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا كضرب يضرب ضربا أي غلط وذهب وهنه
إلى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أهل بفتحها وهلا كحذرت أحذر حذرا فمعناه
فزعت والوهل
بالفتح الفزع قوله (ينخرم ذلك القرن) أي ينقطع وينقضي قوله (وعن عبد
الرحمن صاحب السقاية عن جابر) هو معطوف على قول معتمر بن سلمان سمعت أبي قال حدثنا أبو

90
ضرة ثم قال بعد تمام الحديث وعن عبد الرحمن فالقائل وعن عبد الرحمن هو سليمان والد

91
معتمر فسليمان يرويه باسناد مسلم إليه عن اثنين أبي نضرة وعبد الرحمن صاحب السقاية كلاهما
عن جابر والله أعلم
باب تحريم سب الصحابة
قوله (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء عن أبي معاوية عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي) قال أبو علي
الجياني قال أبو مسعود الدمشقي هذا وهم والصواب من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي سعيد الخدري لا عن أبي هريرة وكذا رواه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي
شيبة وأبو كريب والناس قال وسئل الدارقطني عن اسناد هذا الحديث فقال يرويه الأعمش
واختلف عنه فرواه زيد بن أبي أمية عنه عن أبي صالح عن أبي هريرة واختلف على أبي عوانة
عنه فرواه عفان ويحيى بن حماد عن أبي عوانة عن الأعمش كذلك ورواه مسدد وأبو كامل
وشيبان عن أبي عوانة فقالوا عن أبي هريرة وأبي سعيد وكذا قال نصر بن علي عن أبي داود
والخرشي عن الأعمش والصواب من روايات الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ورواه
زائدة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد والله أعلم

92
واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم
وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا
الشرح قال القاضي وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ومذهبنا ومذهب الجمهور انه يعزر
ولا يقتل وقال بعض المالكية يقتل قوله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي
بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) قال أهل اللغة النصيف
النصف وفيه أربع لغات نصف بكسر النون ونصف بضمها ونصف بفتحها ونصيف بزيادة
الياء حكاهن القاضي عياض في المشارق عن الخطابي ومعناه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا
ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مدا ولا نصف مد قال القاضي ويؤيد هذا
ما قدمناه في أول باب فضائل الصحابة عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم
وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم ولأن انفاقهم
كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده وكذا جهادهم وسائر طاعاتهم
وقد قال الله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة الآية
هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والايثار والجهاد في الله
حق جهاده وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشئ والفضائل لا تؤخذ
بقياس فضل الله يؤتيه من يشاء قال القاضي ومن أصحاب الحديث من يقول هذه الفضيلة
مختصة بمن طالت صحبته وقاتل معه وأنفق وهاجر ونصر لا لمن رآه مرة كوفود الاعراب
أو صحبه آخرا بعد الفتح وبعد اعزاز الدين ممن لم يوجد له هجرة ولا أثر
في الدين ومنفعة

93
المسلمين قال والصحيح هو الأول وعليه الأكثرون والله أعلم
من فضائل أويس القرني رضي الله عنه
قوله (أسير بن جابر) هو بضم الهمزة وفتح السين المهملة ويقال أسير بن عمرو ويقال يسر
بضم الياء المثناة تحت وفي قصة أويس هذه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو أويس بن عامر كذا رواه مسلم هنا وهو المشهور قال ابن ماكولا ويقال أويس بن عمرو
قالوا وكنيته أبو عمر وقال القائل قتل بصفين وهو القرني من بني قرن بفتح القاف والراء وهي
بطن من مراد وهو قرن بن ردمان بن ناجبة بن مراد وقال الكلبي ومراد اسمه جابر بن مالك
ابن أدد بن صحب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سباد هذا الذي ذكرناه من كونه من بطن من
مراد واليه نسب هو الصواب ولا خلاف فيه وفي صحاح الجوهري أنه منسوب إلى قرن المنازل
الجبل المعروف ميقات الاحرام لأهل نجد وهذا غلط فاحش وسبق هناك التنبيه عليه لئلا يغتر به
قوله وفيهم رجل يسخر بأويس اي يحتقره ويستهزئ به وهذا دليل على أنه يخفي حاله ويكتم
السر الذي بينه وبين الله عز وجل ولا يظهر منه شئ يدل لذلك وهذه طريق العارفين وخواص
الأولياء رضي الله عنهم قوله صلى الله عليه وسلم (فمن لقيه منكم فليستغفر لكم) وفي الرواية

94
الأخرى قال لعمر فان استطعت أن يستغفر لك فافعل هذه منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه
وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل منهم قوله
صلى الله عليه وسلم (إن خير التابعين رجل يقال له أويس إلى آخره) هذا صريح في أنه خير التابعين
وقد يقال قد قال أحمد بن حنبل وغيره أفضل التابعين سعيد بن المسيب والجواب أن مرادهم
أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها لا في الخير عند الله تعالى
وفي هذه اللفظة معجزة ظاهرة أيضا قوله (أمداد أهل اليمن) هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش
الاسلام في الغزو واحدهم مدد قوله (أكون في غبراء الناس أحب إلي) هو بفتح الغين المعجمة

95
وبإسكان الموحدة وبالمد أي ضعافهم وصعاليكهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم وهذا من ايثار
الخمول وكتم حاله قوله (رث البيت) هو بمعنى الرواية الأخرى قليل المتاع والرثاثة والبذاذة
بمعنى وهو حقارة المتاع وضيق العيش وفي حديثه فضل بر الوالدين وفضل العزلة واخفاء الأحوال
باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر
قوله (عن عبد الرحمن بن شماسة) بضم الشين المعجمة وفتحها قوله صلى الله عليه وسلم (ستفتحون

96
أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا باهلها خيرا فان لهم ذمة ورحما فإذا رأيت رجلين يقتتلان
في موضع لبنة فاخرج منها) قال فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في
موضع لبنة فخرج منها وفي رواية ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط وفيها فإن لهم
ذمة ورحما أو قال ذمة وصهرا قال العلماء القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما وكان
أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به واما الذمة فهي الحرمة والحق وهي هنا بمعنى الذمام
وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم وفيه
معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها اخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة
بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة ومنها انهم يفتحون مصر ومنها تنازع الرجلين في موضع
اللبنة ووقع كل ذلك ولله الحمد ومعنى يقتتلان يختصمان كما صرح به في الرواية الثانية قوله (عن
أبي بصرة عن أبي ذر) هو بالموحدة والصاد المهملة

97
باب فضل أهل عمان
(عمان) في هذا الحديث بضم العين وتخفيف الميم وهي مدينة بالبحرين وحكى القاضي أن منهم
من ضبطه بفتح العين وتشديد الميم يعني عمان البلقاء وهذا غلط وفيه الثناء عليهم وفضلهم والله أعلم
باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها
قوله (رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه
عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال السلام عليك أبا خبيب) قوله عقبة المدينة هي عقبة بمكة
وأبو خبيب بضم الخاء المعجمة كنية ابن الزبير كني بأبيه خبيب وكان أكبر أولاده وله ثلاث كنى
ذكرها البخاري في التاريخ وآخرون أبو خبيب وأبو بكر وأبو بكير فيه استحباب السلام على الميت في قبره
وغيره وتكرير السلام ثلاثا كما كرر ابن عمر وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة وفيه منقبة لابن
عمر لقوله بالحق في الملأ وعدم اكتراثه بالحجاج لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه وقوله وثناؤه عليه فلم يمنعه
ذلك أن يقول الحق ويشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله أنه عدو

98
الله وظالم ونحوه فأراد ابن عمر براءة ابن الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج واعلم الناس بمحاسنه
وأنه ضد ما قاله الحجاج ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوما وأن الحجاج ورفقته كانوا
خوارج عليه قوله (لقد كنت أنهاك عن هذا) أي عن المنازعة الطويلة قوله في وصفه (وصولا
للرحم) قال القاضي هو أصح من قول بعض الأخباريين ووصفه بالامساك وقد عده صاحب
كتاب الأجود فيهم وهو المعروف من أحواله قوله (والله لأمة أنت شرها أمة خير) هكذا هو
في كثير من نسخنا لأمة خير وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة صحيح مسلم وفي أكثر نسخ
بلادنا لأمة سوء ونقله القاضي عن رواية السمرقندي قال وهو خطأ وتصحيف قوله (ثم نفذ ابن عمر)
أي انصرف قوله (يسحبك بقرونك) أي يجرك بضفائر شعرك قوله (أروني سبتي) بكسر السين
المهملة واسكان الموحدة وتشديد آخره وهي النعل التي لا شعر عليها قوله (ثم انطلق يتوذف) هو
بالواو والذال المعجمة والفاء قال أبو عبيد معناه يسرع وقال أبو عمر معناه يتبختر قوله (ذات النطاقين)
هو بكسر النون قال العلماء النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشئ وترفع وسط ثوبها

99
وترسله على الأسفل تفعل ذلك عند معاناة الاشغال لئلا تعثر في ذيلها قيل سميت أسماء ذات
النطاقين لأنها كانت تطارف نطاقا فوق نطاق والأصح أنها سميت بذلك لأنها شقت نطاقها الواحد
نصفين فجعلت أحدهما نطاقا صغيرا واكتفت به والاخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر رضي الله عنه كما صرحت به في هذا الحديث هنا وفي البخاري ولفظ البخاري أوضح من
لفظ مسلم قولها للحجاج (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فاما
الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا اخالك الا إياه) أما أخالك فبفتح الهمزة وكسرها وهو أشهر
ومعناه أظنك والمبير المهلك وقولها في الكذاب فرأيناه تعني به المحتار ابن أبي عبيد الثقفي كان
شديد الكذب ومن أقبحه ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه واتفق العلماء على
أن المراد بالكذاب هنا المحتار بن أبي عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم
باب فضل فارس
فيه فضيلة ظاهرة وجواز استعمال المجاز والمبالغة في مواضعها

100
قوله صلى الله عليه وسلم
الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة
قال ابن قتيبة الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره فهي كاملة الأوصاف فإذا
كانت في إبل عرفت قال ومعنى الحديث أن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل
في النسب بل هم أشباه كالإبل المائة وقال الأزهري الراحلة عند العرب الجمل النجيب والناقة
النجيبة قال والهاء فيها للمبالغة كما يقال رجل فهامة ونسابة قال والمعنى الذي ذكره ابن قتيبة
غلط بل معنى الحديث أن الزاهد في الدنيا الكامل في الزهد فيها والرغبة في الآخرة قليل
جدا كقلة الراحلة في الإبل هذا كلام الأزهري وهو أجود من كلام ابن قتيبة وأجود منهما
قول آخرين أن معناه المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف الحسن المنظر القوي
على الأحمال والاسفار سميت راحلة لأنها ترحل اي يجعل عليها الرحل فهي فاعلة بمعنى
مفعولة كعيشة راضية أي مرضية ونظائره

101
البر والصلة والآداب
باب بر الوالدين وانهما أحق به
قوله (من أحق الناس بحسن صحبتي قال أمك إلى آخره) الصحابة هنا بفتح الصاد بمعنى
الصحبة وفيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب
قال العلماء وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم
وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء
على أن الام تفضل في البر على الأب وحكى القاضي عياض خلافا في ذلك فقال الجمهور بتفضيلها
وقال بعضهم يكون برهما سواء قال ونسب بعضهم هذا إلى مالك والصواب الأول لصريح هذه
الأحاديث في المعنى المذكور والله أعلم قال القاضي واجمعوا على أن الام والأب آكد حرمة في البر

102
ممن سواهما قال وتردد بعضهم بين الأجداد والاخوة لقوله صلى الله عليه وسلم ثم أدناك أدناك قال
أصحابنا يستحب أن تقدم في البر الام ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الاخوة
والأخوات ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات
ويقدم الأقرب فالأقرب ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما ثم بذي الرحم غير
المحرم كابن العم وبنته وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم بالمولى من أعلى
وأسفل ثم الجار ويقدم القريب البعيد الدار
على الجار وكذا لو كان القريب في بلد
آخر قدم على الجار الأجنبي وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(نعم وأبيك لتنبأن) قد سبق الجواب مرات عن مثل هذا وأنه لا تراد به حقيقة القسم بل هي كلمة
تجري على اللسان دعامة للكلام وقيل غير ذلك قوله (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد) وفي رواية أبايعك على الهجرة

103
والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما هذا كله دليل لعظم
فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا
كانا مسلمين أو باذن المسلم منهما فلو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي ومن وافقه
وشرطه الثوري هذا كله إذا لم يحضر الصف ويتعين القتال وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن وأجمع
العلماء على الامر ببر الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر وسبق بيانه مبسوطا في كتاب الايمان

104
تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها
فيه قصة جريج رضي الله عنه وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها قال
العلماء هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه اجابتها لأنه كان في صلاة نفل والاستمرار فيها
تطوع لا واجب وإجابة الام وبرها واجب وعقوقها حرام وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها
ثم يعود لصلاته فلعله خشي أنها تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها
وحظوظها وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه قولها (فلا تمته حتى تريه المومسات) هي بضم الميم
الأولى وكسر الثانية أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك والواحدة مومسة وتجمع على مياميس
أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (وكان راعى ضأن يأوي إلى ديره) الدير كنيسة منقطعة عن العمارة
تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهو بمعنى الصومعة المذكورة في الرواية الأخرى وهي نحو
المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم قوله صلى الله عليه وسلم (فجاءوا بفؤوسهم)

105
هو مهموز ممدود جمع فأس بالهمزة وهي هذه المعروفة كرأس ورؤوس والمساحي جمع مسحاة
وهي كالمجرفة إلا انها من حديد ذكره الجوهري قوله صلى الله عليه وسلم (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)
فذكرهم وليس فيهم الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب وقصة أصحاب
الأخدود المذكور في آخر صحيح مسلم وجوابه أن ذلك الصبي لم يكن في المهد بل كان أكبر من
صاحب المهد وإن كان صغيرا قوله (بغى يتمثل بحسنها) اي يضرب به المثل لانفرادها به قوله

106
(يا غلام من أبوك قال فلان الراعي) قد يقال إن الزاني لا يلحقه الولد وجوابه من وجهين أحدهما
لعله كان في شرعهم يلحقه والثاني المراد من ماء من أنت وسماه أبا مجازا قوله صلى الله عليه
وسلم (مر رجل على دابة فارهة وشارة حسنة) الفارهة بالفاء النشيطة الحادة القوية وقد فرهت
بضم الراء فراهة وفراهية والشارة الهيئة واللباس قوله (فجعل بمصها) بفتح الميم على اللغة
المشهورة وحكي ضمها قوله صلى الله عليه وسلم (فهناك تراجعا الحديث فقالت حلقي) معنى تراجعا
الحديث أقبلت على الرضيع
تحدثه وكانت أولا لا تراه أهلا للكلام فلما تكرر منه الكلام علمت
أنه أهل له فسألته وراجعته وسبق بيان حلقي في كتاب الحج قوله في الجارية التي نسبوها إلى

107
السرقة ولم تسرق (اللهم اجعلني مثلها) أي اللهم اجعلني سالما من المعاصي كما هي سالمة وليس المراد
مثلها في النسبة إلى باطل تكون منه بريا وفي حديث جريج هذا فوائد كثيرة منها عظم بر
الوالدين وتأكيد حق الام وأن دعاءها مجاب وأنها إذا تعارضت الأمور بدئ بأهما وأن الله تعالى
يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبا قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا وقد
يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم وتهذيبا لهم فيكون لطفا ومنها استحباب
الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات ومنها أن الوضوء كان معروفا في شرع من قبلنا فقد ثبت
في هذا الحديث في كتاب البخاري فتوضأ وصلى وقد حكى القاضي عن بعضهم انه زعم
اختصاصه بهذه الأمة ومنها إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة
وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلمين
ومنهم من قال لا تقع باختيارهم وطلبهم وفيه أن الكرامات قد تكون بخوارق العادات على
جميع أنواعها ومنعه بعضهم وادعى انها تختص بمثل إجابة دعاء ونحوه وهذا غلط من قائله
وانكار للحس بل الصواب جريانا بقلب الأعيان واحضار الشئ من العدم ونحوه قوله صلى الله
عليه وسلم (رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة) قال
أهل اللغة معناه ذل وقيل كره وخزي وهو بفتح الغين وكسرها وهو الرغم بضم الراء وفتحها

108
وكسرها واصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل وقيل الرغم كل ما أصاب الانف
مما يؤذيه وفيه الحث على بر الوالدين وعظم ثوابه ومعناه أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة
أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة وأرغم الله انفه
باب فضل صلة أصدقاء الأب والام ونحوهما
قوله (إن أبا هذا كان ودا لعمر) قال القاضي رويناه بضم الواو كسرها أي صديقا من أهل
مودته وهي محبته قوله صلى الله عليه وسلم (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه) وفي رواية أن من
أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن تولى الود هنا مضموم الواو وفي هذا فضل صلة أصدقاء

109
الأب والاحسان إليهم واكرامهم وهو متضمن لبر الأب واكرامه لكونه بسببه وتلتحق به
أصدقاء الام والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة وقد سبقت الأحاديث في اكرامه صلى الله
عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها قوله (كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة)
معناه كان يستصحب حمارا ليستريح عليه إذا ضجر من ركوب البعير والله أعلم
باب تفسير البر والاثم
قوله (عن النواس بن سمعان الأنصاري) هكذا وقع في نسخ صحيح مسلم الأنصاري قال أبو علي
الجياني هذا وهم وصوابه الكلابي فان النواس كلابي مشهور قال المازري والقاضي عياض المشهور

110
أنه كلابي ولعله حليف للأنصار قالا وهو النواس بن سمعان بن خالد ابن عمرو بن قرط بن عبد الله
ابن أبي بكر بن أبي كلاب كذا نسبه العلائي عن يحيى بن معين وسمعان بفتح السين وكسرها
قوله صلى الله عليه وسلم (البر حسن الخلق والاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)
قال العلماء البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة
وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق ومعنى حاك في صدرك أي تحرك فيه وتردد ولم ينشرح له الصدر وحصل
في القلب منه الشك وخوف كونه ذنبا قوله (ما منعني من الهجرة الا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ) وقال القاضي وغيره معناه أنه أقام بالمدينة كالزائر من غير نقله
إليها من وطنه لاستيطانها وما منعه من الهجرة وهي الانتقال من الوطن واستيطان المدينة إلا الرغبة
في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين فإنه كان سمح بذلك للطارئين دون المهاجرين
وكان المهاجرون يفرحون بسؤال الغرباء الطارئين من الاعراب وغيرهم لأنهم يحتملون في السؤال
ويعذرون ويستفيد المهاجرون الجواب كما قال أنس في الحديث الذي ذكره مسلم في كتاب
الايمان وكان عجبا أن يجئ الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل والله أعلم

111
صلة الرحم وتحريم قطيعتها
قوله صلى الله عليه وسلم (قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ من القطيعة قال نعم أما ترضين أن
أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك) وفي الرواية الأخرى الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله قال القاضي عياض الرحم التي
توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم
والدة ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحما والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام
فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك
والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصليها وعظيم اثم قاطعيها بعقوقهم لهذا سمي العقوق قطعا والعق
الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل قال ويجوز أن يكون المراد قام ملك من الملائكة وتعلق
بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى هذا كلام القاضي والعائذ المستعيذ وهو المعتصم
بالشئ الملتجئ إليه المستجير به قال العلماء وحقيقة الصلة العطف والرحمة فصلة الله سبحانه

112
وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه باحسانه ونعمه أو صلتهم باهل ملكوته الاعلى
وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته قال القاضي عياض ولا خلاف ان صلة الرحم واجبة في الجملة
وقطيعتها معصية كبيرة قال والأحاديث في الباب تشهد لهذا ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من
بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة
فمنها واجب ومنها مستحب لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه
وينبغي له لا يسمى واصلا قال واختلفوا في حد الرحم التي يجب صلتها فقيل هو كل رحم محرم بحيث
لو كان أحدهما ذكرا والاخر أنثى حرمت مناكحتها فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد
الأخوال واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه وجواز ذلك في بنات
الأعمام والأخوال وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ثم أدناك أدناك هذا كلام القاضي وهذا القول الثاني هو
الصواب ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر فان لهم ذمة ورحما وحديث ان أبر البر
أن يصل أهل ود أبيه مع أنه لا محرمية والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع) هذا الحديث يتأول تأويلين سبقا في نظائره في كتاب الايمان أحدهما حمله على من يستحل
القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبدا والثاني

113
معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى قوله
صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) ينسأ
مهموز أي يؤخر والأثر الأجل لأنه تابع للحياة في أثرها وبسط الرزق توسيعه وكثرته وقيل
البركة فيه واما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد
ولا تنقص فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح
منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة
وصيانتها عن الضياع في غير ذلك والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ
ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فان وصلها زيد له أربعون
وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى الله ما يشاء ويثبت
فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر
للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث والثالث
أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت

114
حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم للذي يصل قرابته ويقطعونه
(لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك)
المل بفتح الميم الرماد الحار وتسفهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء والظهير المعين والدافع
لأذاهم وقوله أحلم عنهم بضم اللام ويجهلون أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول ومعناه كأنما
تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ولا شئ على هذا
المحسن بل ينالهم الاثم العظيم في قطيعته وادخالهم الأذى عليه وقيل معناه انك بالاحسان إليهم
تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة احسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن
يسف المل وقيل ذلك الذي يأكلونه من احسانك كالمل يحرق أحشاءهم والله أعلم
باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا)

115
التدابر المعاداة وقيل المقاطعة لان كل واحد يولي صاحبه دبره والحسد تمني زوال النعمة وهو
حرام ومعنى كونوا عباد الله اخوانا أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الاخوة ومعاشرتهم في المودة
والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال
قال بعض العلماء وفي النهي عن التباغض إشارة إلى النهي عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض قوله
(حدثنيه علي بن نصر الجهضمي حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة) هكذا هو جميع نسخ بلادنا
علي بن نصر وكذا نقله
الجياني والقاضي عياض وغيرهما عن الحفاظ وعن عامة النسخ وفي
بعضها نصر بن علي بالعكس قالوا وهو غلط قالوا والصواب علي بن نصر وهو أبو الحسن علي
ابن نصر بن علي بن نصر الجهضمي توفي بالبصرة هو وأبوه نصر بن علي سنة خمسين ومائتين
مات الأب في شهر ربيع الآخر ومات الابن في شعبان بتلك السنة قال القاضي قد اتفق الحفاظ

116
على ما ذكرناه وأن الصواب علي بن نصر دون عكسه مع أن مسلما روى عنهما الا أن لا يكون
لنصر بن علي سماع من وهب بن جرير وليس هذا مذهب مسلم فإنه يكتفي بالمعاصرة وامكان اللقاء
قال ففي نفيهم لرواية النسخ التي فيها نصر بن علي نظر هذا كلام القاضي والذي قاله الحفاظ هو
الصواب وهم أعرف بما انتقدوه ولا يلزم من سماع الابن من وهب سماع الأب منه ولا يقال
يمكن الجمع فكتاب مسلم وقع على وجه واحد فالذي نقله الأكثرون هو المعتمد لا سيما
وقد صوبه الحفاظ
باب تحريم الهجرة فوق ثلاثة أيام بلا عذر شرعي
قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال) قال العلماء في هذا
الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال واباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث
والثاني بمفهومه قالوا وإنما عفي عنها في الثلاث لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق
ونحو ذلك فعفى عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة
الهجرة في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب قوله صلى الله
عليه وسلم (يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا) وفي رواية فيصد هذا ويصد هذا هو بضم
الصاد ومعنى يصد يعرض أي يوليه عرضه بضم العين وهو جانبه والصد بضم الصاد وهو أيضا
الجانب والناحية قوله صلى الله عليه وسلم (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) أي هو أفضلهما
وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الاثم فيها
ويزيله وقال احمد ابن القاسم المالكي إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته قال أصحابنا ولو كاتبه
أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة وفيه وجهان
أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه وأصحهما

117
يزول لزوال الوحشة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم) قد يحتج به من يقول
الكفار غير مخاطبين بفروع الشرع والأصح انهم مخاطبون بها وإنما قيد بالمسلم لأنه الذي يقبل
خطاب الشرع وينتفع به
تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها
قوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) المراد النهي عن ظن السوء

118
قال الخطابي هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فان ذلك لا يملك ومراد الخطابي
أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر
فإن هذا لا يكلف به كما سبق في حديث تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة ما لم تتكلم أو تعمد
وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر ونقل القاضي عن سفيان أنه قال الظن الذي يأثم به هو
ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم لم يأثم قال وقال بعضهم يحتمل أن المراد الحكم في الشرع بظن مجرد
من غير بناء على أصل ولا نظر واستدلال وهذا ضعيف أو باطل والصواب الأول قوله صلى
الله عليه وسلم (ولا تحسسوا ولا تجسسوا) الأول بالحاء والثاني بالجيم قال بعض العلماء
التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم وبالجيم البحث عن العورات وقيل بالجيم التفتيش عن
بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر
الخير وقيل بالجيم أن تطلبه لغيرك وبالحاء أن تطلبه لنفسك قاله ثعلب وقيل هما بمعنى وهو
طلب معرفة الاخبار الغائبة والأحوال قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تنافسوا ولا تحاسدوا)
قد قدمنا أن الحسد تمني زوال النعمة واما المنافسة والتنافس فمعناها الرغبة في الشئ وفي
الانفراد به ونافسته منافسة إذا رغبت فيما رغب فيه قيل معنى الحديث التباري في الرغبة في الدنيا
وأسبابها وحظوظها قوله صلى الله عليه وسلم (لا تهجروا) كذا هو في معظم النسخ وفي بعضها

119
تهاجروا وهما بمعنى والمراد النهي عن الهجرة ومقاطعة الكلام وقيل يجوز أن يكون لا تهجروا
أي تتكلموا بالهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح وأما النهي عن البيع على بيع أخيه والنجش
فسبق بيانهما في كتاب البيوع وقال القاضي يحتمل أن المراد بالتناجش هنا ذم بعضهم بعضا
والصحيح أنه التناجش المذكور في البيع وهو أن يزيد في السلعة ولا رغبة له في شرائها بل ليغرر
غيرة في شرائها
باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله
قوله (عامر ابن كريز) بضم الكاف قوله صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه
ولا يخذله ولا يحقره) أما كون المسلم أخا المسلم فسبق شرحه قريبا وأما لا يخذله فقال العلماء
الخذل ترك الإعانة والنصر ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم
يكن له عذر شرعي ولا يحقره هو بالقاف والحاء المهملة أي لا يحتقره فلا ينكر عليه ولا يستصغره

120
ويستقله قال القاضي ورواه بعضهم لا يخفره بضم الياء والخاء المعجمة والفاء أي لا يغدر بعهده
ولا ينقض أمانة قال والصواب المعروف هو الأول وهو الموجود في غير كتاب مسلم بغير
خلاف وروي لا يحتقره وهذا يرد الرواية الثانية قوله صلى الله عليه وسلم (التقوى ههنا
ويشير إلى صدره ثلاث مرار) وفي رواية ان الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم
معنى الرواية الأولى أن الاعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وإنما تحصل بما يقع في القلب من
عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته ومعنى نظر الله هنا مجازاته ومحاسبته أي إنما يكون ذلك على
ما في القلب دون الصور الظاهرة ونظر الله رؤيته محيط بكل شئ ومقصود الحديث أن الاعتبار
في هذا كله بالقلب وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم ألا إن في الجسد مضغة الحديث
قال المازري واحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وقد
سبقت المسألة مبسوطة في حديث ألا إن في الجسد مضغة قوله (جعفر بن برقان) هو بضم
الموحدة واسكان الراء

121
باب النهي عن الشحناء
قوله صلى الله عليه وسلم (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) الحديث قال القاضي
قال الباجي معنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل واعطاء الثواب الجزيل قال القاضي
ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن فتح أبوابها علامة لذلك قوله صلى الله عليه وسلم (اركوا
هذين حتى يصطلحا هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل أي أخروا
يقال ركاه يركوه ركوا إذا أخره قال صاحب التحرير ويجوز أن يرويه بقطع الهمزة المفتوحة
من قولهم أركيت الامر إذا أخرته وذكر غيره أنه روي بقطعها ووصلها والشحناء العداوة كأنه

122
شحن بغضا له لملائه وانظروا هذين بقطع الهمزة أخروهما حتى يفيئا أي يرجعا إلى الصلح والمودة
باب فضل الحب في الله تعالى
قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بحلالي اليوم أظلهم في ظلي
يوم لا ظل إلا ظلي) فيه دليل لجواز قول الانسان الله يقول وهو الصواب الذي عليه العلماء كافة
الا ما قدمناه في كتاب الايمان عن بعض السلف من كراهة ذلك وأنه لا يقال يقول الله بل يقال
قال الله وقدمنا أنه جاء بجوازه القرآن في قوله تعالى يقول الحق وأحاديث صحيحة كثيرة
قوله تعالى المتحابون بجلالي أي بعظمتي وطاعتي لا للدنيا وقوله تعالى يوم لا ظل الا ظلي أي أنه
لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا وجاء في غير مسلم ظل عرشي قال القاضي ظاهره أنه في ظله من
الحر والشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلق قال وهذا قول الأكثرين وقال عيسى بن دينار معناه
كفه من المكاره واكرامه وجعله في كنفه وستره ومنه قولهم السلطان ظل الله في الأرض
وقيل يحتمل أن الظل هنا عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب قوله صلى الله

123
عليه وسلم (فأرصد الله على مدرجته ملكا) معنى أرصد أقعده يرقبه والمدرجة بفتح الميم والراء
هي الطريق سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها أي يمضون ويمشون قوله (لك عليه من نعمة
تربها) أي تقوم باصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك قوله (بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)
قال العلماء محبة الله عبده هي رحمته له ورضاه عنه وإرادته له الخير وأن يفعل به فعل المحب من
الخير وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب والله تعالى منزه عن ذلك في هذا الحديث فضل المحبة
في الله تعالى وأنها سبب لحب الله
تعالى العبد وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب وفيه ان
الآدميين قد يرون الملائكة
باب فضل عيادة المريض
قوله صلى الله عليه وسلم (عائد المريض في مخرفة الجنة) وفي الرواية الثانية خرفة الجنة بضم
الخاء قيل يا رسول الله ما خرفة الجنة قال جناها أي يؤول به ذلك إلى الجنة واجتناء ثمارها واتفق
العلماء على فضل عيادة المريض وسبق شرح ذلك واضحا في بابه قوله في أسانيد هذا الحديث

124
(عن أبي قلابة عن أبي أسماء) وفي الرواية الأخرى عن أبي قلابة عن الأشعث عن أبي أسماء قال
الترمذي سألت البخاري عن اسناد هذا الحديث فقال أحاديث أبي قلابة كلها عن أبي أسماء ليس
بينهما أبو الأشعث الا هذا الحديث قوله عز وجل (مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك
وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني

125
عنده) قال العلماء إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى والمراد العبد تشريفا للعبد وتقريبا
له قالوا ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث
لو أطعمته لوجدت ذلك عندي لو أسقيته لوجدت ذلك عندي أي ثوابه والله أعلم
باب ثواب المؤمن فيما يصيبه
من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها
قولها (ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء الوجع هنا

126
المرض والعرب تسمي كل مرض وجعا قوله (انك لتوعك وعكا شديدا) والوعك باسكان العين قيل
هو الحمى وقيل ألمها ومغثها وقد وعك الرجل يوعك فهو موعوك قوله (يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية)

127
هو بالغين المعجمة والنون قوله (ان عائشة رضي الله عنها قالت للذين ضحكوا ممن عثر بطنب فسطاط
لا تضحكوا فيه النهي عن الضحك من مثل هذا الا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه وأما تعمده
فمذموم لان فيه اشماتا بالمسلم وكسرا لقلبه والطنب بضم النون واسكانها هو الحبل الذي يشد به
الفسطاط وهو الخباء ونحوه ويقال فستاط بالتاء بدل الطاء وفساط بحذفها مع تشديد السين والفاء
مضمومة مكسورة فيهن فصارت ست لغات قوله صلى الله عليه وسلم (مامن مسلم يشاك شوكة
فما فوقها الا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) وفي رواية إلا رفعه الله بها درجة أو حط
عنه بها خطيئة وفي بعض النسخ وحط عنه بها وفي رواية إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه
بها خطيئة في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة
من شئ من هذه الأمور وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها
وان قلت مشقتها وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه
جماهير العلماء وحكى القاضي عن بعضهم أنها تكفر الخطايا فقط ولا ترفع درجة ولا تكتب

128
حسنة قال وروي نحوه عن ابن مسعود قال الوجع لا يكتب به أجر لكن تكفر به الخطايا فقط
واعتمد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا ولم تبلغه الأحاديث التي ذكرها مسلم المصرحة
برفع الدرجات وكتب الحسنات قال العلماء والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل
أنهم مخصوصون بكمال الصبر وصحة الاحتساب ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى ليتم لهم الخير
ويضاعف لهم الاجر ويظهر صبرهم ورضاهم قوله صلى الله عليه وسلم (لا تصيب المؤمن
من شوكة فما فوقها إلا قص الله بها من خطيئته) هكذا هو في معظم النسخ قص وفي بعضها نقص

129
وكلاهما صحيح متقارب المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب
ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته) الوصب الوجع اللازم ومنه قوله
تعالى ولهم عذاب واصب أي لازم ثابت والنصب التعب وقد نصب ينصب نصبا كفرح يفرح
فرحا ونصبه غيره وأنصبه لغتان والسقم بضم السين واسكان القاف وفتحهما لغتان وكذلك
الحزن والحزن فيه اللغتان ويهمه قال القاضي هو بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله وضبطه
غيره يهمه بفتح الياء وضم الهاء أي يغمه وكلاهما صحيح قوله (عن ابن محيصن شيخ من قريش
قال مسلم هو عمر بن عبد الرحمن بن محيصن) وهكذا هو في معظم نسخ بلادنا أن مسلما قال هو عمر بن
عبد الرحمن وفي بعضها هو عبد الرحمن وكذا نقله القاضي عن بعض الرواة وهو غلط والصواب
الأول ومحيصن بالنون في آخره ووقع في بعض نسخ المغاربة بحذفها وهو تصحيف قوله
صلى الله عليه وسلم (قاربوا) أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا (وسددوا) أي اقصدوا
السداد وهو الصواب قوله صلى الله عليه وسلم (حتى النكبة ينكبها) وهي مثل العثرة يعثرها برجله

130
وربما جرحت إصبعه وأصل النكب الكب والقلب قوله صلى الله عليه وسلم (مالك يا أم
السائب تزفزفين) بزاءين معجمتين وفاءين والتاء مضمومة قال القاضي تضم وتفتح هذا هو الصحيح
المشهور في ضبط هذه اللفظة وادعى القاضي أنها رواية جميع رواة مسلم ووقع في بعض نسخ بلادنا
بالراء والفاء ورواه بعضهم في غير مسلم بالراء والقاف معناه تتحركين حركة شديدة أي ترعدين
وفي حديث المرأة التي كانت تصرع دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب

131
تحريم الظلم
قوله تعالى (اني حرمت الظلم على نفسي) قال العلماء معناه تقدست عنه وتعاليت والظلم مستحيل
في حق الله سبحانه وتعالى كيف يجاوز سبحانه حدا وليس فوقه من يطيعه وكيف يتصرف في غير
ملك والعالم كله في ملكه وسلطانه واصل التحريم في اللغة المنع فسمي تقدسه عن الظلم تحريما
لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشئ قوله تعالى (وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) هو بفتح التاء
أي لا تتظالموا والمراد لا يظلم بعضكم بعضا وهذا توكيد لقوله تعالى يا عبادي وجعلته بينكم محرما
وزيادة تغليظ في تحريمه قوله تعالى (كلكم ضال إلا من هديته) قال المازري ظاهر هذا انهم خلقوا
على الضلال إلا من هداه الله تعالى وفي الحديث المشهور كل مولود يولد على الفطرة قال فقد
يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وانهم لو تركوا
وما في طباعهم من ايثار الشهوات والراحة واهمال النظر لضلوا وهذا الثاني أظهر وفي هذا دليل
لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله وبهدي الله اهتدى وبإرادة الله

132
تعالى ذلك وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين
ولو أرادها لاهتدوا خلافا للمعتزلة في قولهم الفاسد أنه سبحانه وتعالى أراد هداية الجميع جل الله
أن يريد مالا يقع أو يقع مالا يريد قوله تعالى (ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط
إذا أدخل البحر) المخيط بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة قال العلماء هذا تقريب إلى الافهام ومعناه
لا ينقص شيئا أصلا كما قال في الحديث الآخر لا يغيضها نفقة أي لا ينقصها نفقة لأن ما عند
الله لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما
صفتان قديمتان لا يتطرق اليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في
القلة والمقصود التقريب إلى الافهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها
والابرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء والله أعلم قوله تعالى (يا عبادي انكم
تخطئون بالليل والنهار) الرواية المشهورة تخطئون بضم التاء وروي بفتحها وفتح الطاء يقال خطئ

133
يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ ومنه قوله تعالى استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ويقال
في الاثم أيضا أخطأ فهما صحيحان قوله صلى الله عليه وسلم (واتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)
قال القاضي قيل هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حتى يسعى
نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر أي شدائدهما ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات
قوله صلى الله عليه وسلم (واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم) قال القاضي يحتمل أن هذا
الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم ويحتمل أنه هلاك الآخرة
وهذا الثاني أظهر ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة قال جماعة الشح أشد البخل وأبلغ
في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور والشح عام وقيل
البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل
بما عنده قوله صلى الله عليه وسلم (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) أي أعانه عليها ولطف

134
به فيها قوله صلى الله عليه وسلم (ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم
القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) في هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر
زلاته ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته والظاهر أنه
يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي
الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر
عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لان الستر على هذا يطمعه في
الايذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله هذا كله في ستر معصية وقعت
وانقضت أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بانكارها عليه ومنعه منها على
من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فان عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة
وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب
جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من
الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وهذا مجمع عليه قال العلماء في القسم الأول الذي
يستر فيه هذا الستر مندوب فلو رفعه إلى السلطان ونحوه لم يأثم بالاجماع لكن هذا خلاف
الأولى وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (أن المفلس
من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا إلى
آخره) معناه أن هذا حقيقة المفلس وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه

135
مفلسا وليس هو حقيقة المفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينقطع بيسار
يحصل له بعد ذلك في حياته وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك
التام والمعدوم الاعدام المقطع فتؤخذ حسناته لغرمائه فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم
فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وافلاسه قال المازري وزعم بعض المبتدعة
أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وهذا الاعتراض غلط منه
وجهالة بينة لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه فتوجهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم
من حسناته فلما فرغت وبقيت بقية قوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خلقه
وعدله في عباده فأخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه فعوقب به في النار فحقيقة العقوبة
إنما هي بسبب ظلمه ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه وهذا كله مذهب أهل السنة والله أعلم
قوله صلى الله عليه وسلم (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من
الشاة القرناء) هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة واعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف
من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه دعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن
والسنة قال الله تعالى الوحوش حشرت وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من اجرائه على
ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره قال العلماء وليس من شرط الحشر والإعادة

136
في القيامة المجازاة والعقاب والثواب وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص
التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة والجلحاء بالمد هي الجماء التي لا قرن لها والله أعلم
قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) معنى يملي يمهل ويؤخر
ويطيل له في المدة وهو مشتق من الملوة وهي المدة والزمان بضم الميم وكسرها وفتحها
ومعنى لم يفلته لم يطلقه ولم ينفلت منه قال أهل اللغة يقال أفلته أطلقه وانفلت تخلص منه
باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما
قوله (اقتتل غلامان) أي تضاربا وقوله فنادى المهاجر يال المهاجرين ونادى الأنصاري يال الأنصار)
هكذا هو في معظم النسخ يال بلام مفصولة في الموضعين وفي بعضها يا للمهاجرين ويا للأنصار
بوصلها وفي بعضها يا آل المهاجرين بهمزة ثم لام مفصولة واللام مفتوحة في الجميع وهي لام
الاستغاثة والصحيح بلام موصولة ومعناه أدعو المهاجرين وأستغيث بهم وأما تسميته صلى الله
عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهو كراهة منه لذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد
بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل
فجاء الاسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية فإذا اعتدى انسان على آخر حكم
القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الاسلام وأما قوله صلى الله عليه وسلم

137
في آخر هذه القصة لا بأس فمعناه لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته فإنه خاف
أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفسادا وليس هو عائدا إلى رفع كراهة الدعاء بدعوى
الجاهلية قوله (فكسع أحدهما الآخر) هو بسين مخففة مهملة أي ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل
أو سيف وغيره قوله صلى الله عليه وسلم (دعوها فإنها منتنة) أي قبيحة كريهة مؤذية قوله
صلى الله علي وسلم (دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم

138
من الحلم وفيه ترك بعض الأمور المختارة والصبر على بعض المفاسد خوفا من أن تترتب علي
ذلك مفسدة أعظم منه وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الاعراب
والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين وتتم دعوة الاسلام ويتمكن الايمان من قلوب المؤلفة
ويرغب غيرهم في الاسلام وكان يعطيهم الأموال الجزيلة لذلك ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى
ولإظهارهم الاسلام وقد أمر بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ولأنهم كانوا معدودين في
أصحابه صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه إما حمية وإما لطلب دنيا أو عصبية لمن معه من عشائرهم
قال القاضي واختلف العلماء هل بقي حكم الاغضاء عنهم وترك قتالهم أو نسخ ذلك عند ظهور
الاسلام ونزول قوله تعالى جاهد الكفار والمنافقين وأنها ناسخة لما قبلها وقيل قول ثالث
أنه إنما كان العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإذا أظهروه قتلوا
باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم
قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وفي الحديث الآخر مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم إلى آخره هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم
على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه وفيه جواز التشبيه

139
وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الافهام قوله صلى الله عليه وسلم (تداعى لها سائر الجسد)
أي دعا بعضه بعضا إلى المشاركة في ذلك ومنه قوله تداعت الحيطان أي تساقطت أو قربت من التساقط
باب النهي عن السباب
قوله صلى الله عليه وسلم (المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم) معناه أن إثم السباب

140
الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ
أكثر مما قال له وفي هذا جواز الانتصار ولا خلاف في جوازه وقد تظاهرت عليه دلائل
الكتاب والسنة قال الله تعالى انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل وقال تعالى
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ومع هذا فالصبر والعفو أفضل قال الله تعالى " صبر
وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " وللحديث المذكور بعد هذا ما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا واعلم
أن سباب المسلم بغير حق حرام كما قال صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق ولا يجوز للمسبوب
آن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لاسلافه فمن صور المباح أن ينتصر
بيا ظالم يا أحمق أو جافي أو نحو ذلك لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف قالوا وإذا انتصر
المسبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء أو الاثم المستحق لله تعالى
وقيل يرتفع عنه جميع الاثم بالانتصار منه ويكون معني على البادئ أي عليه اللوم والذم لا الاثم
باب استحباب العفو والتواضع
قوله صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقة من مال) ذكروا فيه وجهين أحدهما معناه أنه
يبارك فيه ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية وهذا مدرك بالحس والعادة
والثاني أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف
كثيرة قوله صلى الله عليه وسلم (وما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا) فيه أيضا وجهان أحدهما أنه
على ظاهره وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاده عزه واكرامه والثاني
أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك قوله صلى الله عليه وسلم (وما تواضع أحد لله إلا

141
رفعه الله) فيه أيضا وجهان أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه
الله عند الناس ويجل مكانه والثاني أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا
قال العلماء وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة وقد يكون المراد الوجهين
معا في جميعها في الدنيا والآخرة والله أعلم
باب تحريم الغيبة
قوله صلى الله عليه وسلم (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول
قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته) يقال بهته بفتح الهاء مخففة قلت فيه
البهتان وهو الباطل والغيبة ذكر الانسان في غيبته بما يكره واصل البهت أن يقال له الباطل
في وجهه وهما حرامان لكن تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك لستة أسباب أحدها التظلم
فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلي السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة علي انصافه من ظالمه
فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا الثاني الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب
فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك الثالث الاستفتاء بأن يقول
للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه ودفع
ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد
كان من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها أن أبا سفيان رجل شحيح الرابع
تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين
وذلك جائز بالاجماع بل واجب صونا للشريعة ومنها الاخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته

142
ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك تذكره
للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة لا بقصد الايذاء والافساد ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق
أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة ومنها
أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية
ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة الخامس أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته
كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز
بغيره الا بسبب آخر السادس التعريف فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق
والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصا ولو أمكن التعريف
بغيره كان أولى والله أعلم
باب بشارة من ستر الله تعالى عليه في الدنيا بأن يستر عليه في الآخرة
قوله صلى الله عليه وسلم (لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) قال القاضي يحتمل
وجهين أحدهما أن يستر معاصيه وعيوبه عن اذاعتها في أهل الموقف والثاني ترك محاسبته عليها وترك
ذكرها قال والأول أظهر لما جاء في الحديث الآخر يقرره بذنوبه يقول سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها
لك اليوم وأما الحديث المذكور بعده لا يستر عبد عبدا لا ستره الله يوم القيامة فسبق شرحه قريبا

143
باب مداراة من يتقي فحشه
قوله (ان رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة أو بئس
رجل العشيرة فلما دخل ألان له القول فقلت يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول
قال يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه) قال
القاضي هذا الرجل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الاسلام فأراد النبي
صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله قال وكان منه في
حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف ايمانه وارتد مع المرتدين وجئ به أسيرا
إلى أبي بكر رضي الله عنه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه بئس أخو العشير من أعلام
النبوة لأنه ظهر كما وصف وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الاسلام وفي هذا الحديث
مداراة من يتقي فحشه وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقه ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه وقد
أوضحناه قريبا في باب الغيبة ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر أنه أثنى عليه في وجهه
ولا في قفاه إنما تألفه بشئ من الدنيا مع لين الكلام وأما بئس ابن العشيرة أو رجل العشيرة
فالمراد بالعشيرة قبيلته أي بئس هذا الرجل منها

144
باب فضل الرفق
قوله صلى الله عليه وسلم (من يحرم الرفق يحرم الخير) وفي رواية أن الله يرفق يحب الرفق
ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطي على سواه وفي رواية لا يكون الرفق في
شئ إلا زانه ولا ينزع من شئ إلا شانه وفي رواية عليك بالرفق أما العنف فبضم العين وفتحها
وكسرها حكاهن القاضي وغير الضم أفصح وأشهر وهو ضد الرفق وفي هذه الأحاديث فضل
الرفق والحث على التخلق وذم العنف والرفق سبب كل خير ومعنى يعطي على الرفق أي يثيب
عليه مالا يثيب على غيره وقال القاضي
معناه يتأتى به من الاغراض ويسهل من المطالب مالا
يتأتى بغيره وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن الله رفيق ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه
برفيق قال المازري لا يوصف الله سبحانه وتعالى الا بما سمى به نفسه أو سماه به رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو أجمعت الأمة عليه وأما ما لم يرد إذن في إطلاقه ولا ورد منع في وصف
الله تعالى به ففيه خلاف منهم من قال يبقى على ما كان قبل ورود الشرع فلا يوصف بحل ولا

145
حرمة ومنهم من منعه قال وللأصوليين المتأخرين خلاف في تسمية الله تعالى بما ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم بخبر الآحاد فقال بعض حذاق الأشعرية يجوز لأن خبر الواحد عنده يقتضي
العمل وهذا عنده من باب العمليات لكنه يمنع اثبات أسمائه تعالى بالأقيسة الشرعية وإن
كانت يعمل بها في المسائل الفقهية وقال بعض متأخريهم يمنع ذلك فمن أجاز ذلك فهم من
مسالك الصحابة قبولهم ذلك في مثل هذا ومن منع لم يسلم ذلك ولم يثبت عنده اجماع فيه فبقي
على المنع قال المازري فاطلاق رفيق
إن لم يثبت بغير هذا الحديث الآحاد جرى في جواز استعماله
الخلاف الذي ذكرنا قال ويحتمل أن يكون رفيق صفة فعل وهي ما يخلقه الله تعالى من الرفق
لعباده هذا آخر كلام المازري والصحيح جواز تسمية الله تعالى رفيقا وغيره مما ثبت بخبر
الواحد وقد قدمنا هذا واضحا في كتاب الايمان في حديث أن الله جميل يحب الجمال في باب تحريم
الكبر وذكرنا أنه اختيار امام الحرمين

146
النهي عن لعن الدواب وغيرها
قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة التي لعنتها المرأة (خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة) وفي رواية
لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة إنما قال هذا زجرا لها ولغيرها وكان قد سبق نهيها ونهى غيرها عن اللعن
فعوقبت بارسال الناقة والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق وأما بيعها وذبحها وركوبها

147
في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا فهي باقية على
الجواز لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان وقوله ناقة ورقاء بالمد أي يخالط
بياضها سواد والذكر أورق وقيل هي التي لونها كلون الرماد قوله (فقالت حل) هي كلمة زجر للإبل
استحثاث يقال حل حل باسكان اللام فيهما قال القاضي ويقال أيضا حل حل بكسر اللام
فيهما بالتنوين وبغير تنوين قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا ما عليها وأعروها) هو بهمزة قطع
وبضم الراء يقال أعريته وعريته اعراء وتعرية فتعرى والمراد هنا خذوا ما عليها من المتاع
ورحلها وآلتها قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ولا يكون اللعانون
شهداء ولا شفعاء يوم القيامة) فيه الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات
الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الابعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق
المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان
يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه فمن دعا على أخيه
المسلم باللعنة وهي الابعاد من رحمة الله تعالى فهو من نهاية المقاطعة والتدابر وهذا غاية ما يوده
المسلم للكافر ويدعو عليه ولهذا جاء في الحديث الصحيح لعن المؤمن كقتله لأن القاتل يقطعه

148
عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة ورحمة الله تعالى وقيل معنى لعن المؤمن كقتله
في الإثم وهذا أظهر وأما قوله صلى الله عليه وسلم انهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء فمعناه
لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في اخوانهم الذين استوجبوا النار ولا شهداء فيه
ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات
والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم والثالث لا يرزقون الشهادة وهي
القتل في سبيل الله وإنما قال صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ولا يكون
اللعانون شفعاء بصيغة التكثير ولم يقل لاعنا واللاعنون لان هذا الذم في الحديث إنما هو
لمن كثر منه اللعن لا لمرة ونحوها ولأنه يخرج منه أيضا اللعن المباح وهو الذي ورد الشرع به
وهو لعنه الله على الظالمين لعن الله اليهود والنصارى لعن الله الواصلة والواشمة وشارب الخمر
وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والمصورين ومن انتمى إلى غير أبيه وتولى غير مواليه
وغير منار الأرض وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة قوله (بعث إلى أم الدرداء
بأنجاد من عنده) بفتح الهمزة وبعدها نون ثم جيم وهو جمع نجد بفتح النون والجيم وهو متاع
البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور وقاله الجوهري باسكان الجيم قال وجمعه نجود

149
حكاه عن أبي عبيد فهما لغتان ووقع في رواية ابن ماهان بخادم بالخاء المعجمة والمشهور الأول
من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه
أوليس هو اهلا لذلك كان له زكاة واجرا ورحمة
قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا)
وفي رواية أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة وفي رواية فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته

150
فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة وتقربه بها إليك يوم القيامة وفي رواية إنما محمد بشر يغضب كما
يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته
فاجعلها له كفارة وقربة وفي رواية إني اشترطت على ربي فقلت إنما انا بشر أرضى كما يرضى
البشر واغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن
تجعلها له طهورا وزكاة وقربة هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة
على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم وهذه الرواية المذكورة
آخرا تبين المراد بباقي الروايات الطلقة وانه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو

151
ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما والا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على
الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة فان قيل كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه أو يسبه
أو يلعنه ونحو ذلك فالجواب ما أجاب به العلماء ومختصره وجهان أحدهما أن المراد ليس بأهل
لذلك عند الله تعالى وفي باطن الامر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم
استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الامر ليس اهلا لذلك وهو صلى الله عليه وسلم
مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر والثاني أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود
بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله تربت يمينك وعقرى حلقي وفي
هذا الحديث لا كبرت سنك وفي حديث معاوية لا أشبع الله بطنه ونحو ذلك لا يقصدون بشئ
من ذلك حقيقة الدعاء فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شئ من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه
وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا وإنما كان يقع هذا منه
في النادر والشاذ من الأزمان ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما
لنفسه وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا ادع على دوس فقال اللهم اهد دوسا وقال اللهم اغفر لقومي

152
فإنهم لا يعلمون والله أعلم واما قوله صلى الله عليه وسلم (أغضب كما يغضب البشر) فقد يقال
ظاهره أن السب ونحوه كان بسبب الغضب وجوابه ما ذكره المازري قال يحتمل انه صلى الله
عليه وسلم أراد آي دعاءه وسبه وجلده كان مما يخير فيه بين أمرين أحدهما هذا الذي فعله والثاني
زجره بأمر آخر فحمله الغضب لله تعالى على أحد الامرين المتخير فيهما وهو سبه أو لعنه وجلده
ونحو ذلك وليس ذلك خارجا عن حكم الشرع والله أعلم ومعنى اجعلها له صلاة أي رحمة كما
في الرواية الأخرى والصلاة من
الله تعالى الرحمة قوله جلده قال وهي لغة أبي هريرة وإنما هي جلدته
معناه أن لغة النبي صلى الله عليه وسلم وهي المشهورة لعامة العرب جلدته بالتاء ولغة أبي هريرة
جلده بتشديد الدال على ادغام المثلين وهو جائز قوله (سالم مولى النصريين) بالنون والصاد

153
المهملة سبق بيانه مرات قوله (حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا إسحاق بن أبي طلحة) هكذا
هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة نسبه إلى جده قوله (كانت
عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس) فقوله وهي أم أنس يعني أم سليم هي أم أنس قوله (فقال
لليتيمة أنت هي) هو بفتح الياء واسكان الهاء وهي هاء السكت قولها (لا يكبر سني أو قالت قرني)
بفتح القاف وهو نظيرها في العمر قال القاضي معناه لا يطول عمرها لأنه إذا طال عمره طال عمر قرنه
وهذا الذي قاله فيه نظر لأنه لا يلزم من طول عمر أحد القرنين طول عمر الآخر فقد يكون سنهما واحد
ويموت أحدهما قبل الآخر واما قوله صلى الله عليه وسلم لها لأكبر سنك فلم يرد به حقيقة الدعاء بل هو

154
جار على ما قدمناه في ألفاظ هذا الباب قوله (تلوث خمارها) هو بالمثلثة في آخره اي تديره على رأسها
قوله (عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس) أبو حمزة هذا بالحاء والزاي اسمه عمران بن أبي عطاء الأسدي
الواسطي القصاب بياع القصب قالوا وليس له عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير
هذا الحديث وله عن ابن عباس من قوله أنه يكره مشاركة المسلم اليهودي وكل ما في الصحيحين
أبو جمرة عن ابن عباس فهو بالجيم والراء وهو نصر بن عمران الضبعي إلا هذا القصاب فله
في مسلم هذا الحديث
وحده لا ذكر له في البخاري قوله (عن ابن عباس قال كنت ألعب مع
الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب فجاء فحطأني حطأة وقال
اذهب ادع لي معاوية) وفسر الراوي أي قفدني أما حطأني فبحاء ثم طاء مهملتين وبعدها همزة

155
وقفدني بقاف ثم فاء ثم دال مهملة وقوله حطأة بفتح الحاء واسكان الطاء بعدها همزة وهو
الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين وإنما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيسا واما دعاؤه
علي معاوية أن لا يشبع حين تأخر ففيه الجوابان السابقان أحدهما أنه جرى على اللسان بلا قصد
والثاني أنه عقوبة له لتأخره وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا
للدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير
دعاء له وفي هذا الحديث جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام وفيه اعتماد الصبي فيما يرسل
فيه من دعاء انسان ونحوه من حمل هدية وطلب حاجة وأشباهه وفيه جواز ارسال صبي غيره
ممن يدل عليه في مثل هذا ولا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لان هذا قدر يسير ورد الشرع
بالمسامحة به للحاجة واطرد به العرف وعمل المسلمين والله أعلم
ذم ذي الوجهين وتحريم فعله
قوله صلى الله عليه وسلم (أن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)
هذا الحديث سبق شرحه والمراد من يأتي كل طائفة ويظهر أنه منهم ومخالف للآخرين مبغض
فإن أتى كل طائفة بالاصلاح ونحوه فمحمود

156
تحريم الكذب وبيان ما يباح منه
قوله صلى الله عليه وسلم (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا أو ينمي خيرا)
هذا الحديث مبين لما ذكرناه في الباب قبله ومعناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس
بل هذا محسن قوله (قال ابن شهاب ولم أسمع يرخص في شئ مما يقول الناس كذب الا في ثلاث

157
الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها) قال القاضي
لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو
فقالت طائفة هو على اطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة وقالوا الكذب
المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم فعله كبيرهم ما سقيم
وقوله إنها أختي وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم العير انكم لسارقون قالوا ولا خلاف
أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو وقال
آخرون منهم الطبري لا يجوز الكذب في شئ أصلا قالوا وما جاء من الإباحة في هذا المراد به
التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها
كذا وينوي ان قدر الله ذلك وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب
قلبه وإذا سعى في الاصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا ومن هؤلاء إلى هؤلاء
كذلك وورى وكذا في الحرب بان يقول لعدوه مات امامكم الأعظم وينوي امامهم في
الأزمان الماضية أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه هذا من المعاريض المباحة فكل هذا جائز
وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض والله أعلم وأما كذبه لزوجته
وكذبها له فالمراد به في اظهار الود والوعد
بما لا يلزم ونحو ذلك فأما المخادعة في منع ما عليه
أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام باجماع المسلمين والله أعلم

158
تحريم النميمة
وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى البعض على جهة الافساد قوله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم
ما العضة هي النميمة القالة بين الناس) هذه اللفظة رووها على وجهين أحدهما العضة بكسر العين
وفتح الضاد المعجمة على وزن العدة والزنة والثاني العضه بفتح العين واسكان الضاد على وزن
الوجه وهذا الثاني هو الأشهر في روايات بلادنا والأشهر في كتب الحديث وكتب غريبة
والأول أشهر في كتب اللغة ونقل القاضي أنه رواية أكثر شيوخهم وتقدير الحديث والله أعلم
ألا أنبئكم ما العضة الفاحش الغليظ التحريم

159
باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله
قوله صلى الله عليه وسلم (أن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الكذب يهدي
إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) قال العلماء معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح
الخالص من كل مذموم والبر اسم جامع للخير كله وقيل البر الجنة ويجوز أن يتناول العمل
الصالح والجنة وأما الكذب فيوصل إلى الفجور وهو الميل عن الاستقامة وقيل الانبعاث
في المعاصي قوله صلى الله عليه وسلم (وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن
الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا) وفي رواية ليتحرى الصدق وليتحرى الكذب
وفي رواية عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وإياكم والكذب قال العلماء هذا فيه حث
على تحري الصدق وهو قصده والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا
تساهل فيه كثر منه فعرف به وكتبه الله لمبالغته صديقا إن اعتاده أو كذابا إن اعتاده ومعنى
يكتب هنا يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم أو صفة الكذابين وعقابهم
والمراد اظهار ذلك للمخلوقين اما بأن يكتبه في ذلك ليشتهر بحظه من الصفتين في الملأ الأعلى
واما بأن يلقي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم كما يوضع له القبول والبغضاء والا فقدر الله تعالى

160
وكتابه السابق قد سبق بكل ذلك والله أعلم واعلم أن الموجود في جميع نسخ البخاري ومسلم
ببلادنا وغيرها أنه ليس في متن الحديث الا ما ذكرناه وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ وكذا
نقله الحميدي ونقل أبو مسعود الدمشقي عن كتاب مسلم في حديث ابن مثنى وابن بشار زيادة
وإن شر الروايا روايا الكذب وإن الكذب لا يصلح منه جدولا هزل ولا يعد الرجل صبيه
ثم يخلفه وذكر أبو مسعود أن مسلما روى هذه الزيادة في كتابه وذكرها أيضا أبو بكر البرقاني في هذا
الحديث قال الحميدي وليست عندنا في كتاب مسلم قال القاضي الروايا هنا جمع روية وهي ما يتروى
فيه الانسان ويستعد به أمام عمله وقوله قال وقيل جمع راوية أي حامل وناقل له والله أعلم
باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شئ يذهب الغضب
قوله صلى الله عليه وسلم (ما تعدون الرقوب فيكم قال قلنا الذي لا يولد له قال ليس ذلك بالرقوب
ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئا قال فما تعدون الصرعة فيكم قلنا الذي لا يصرعه

161
الرجال قال ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب) أما الرقوب فبفتح الراء وتخفيف
القاف والصرعة بصم الصاد وفتح الراء واصله في كلام العرب الذي يصرع الناس كثيرا واصل
الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد ومعنى الحديث انكم تعتقدون أن الرقوب
المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعا بل هو من لم يمت أحد من أولاده
في حياته فيحتسبه يكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطا وسلفا وكذلك
تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم
وليس هو كذلك شرعا بل هو من يملك نفسه عند الغضب فهذا هو الفاضل الممدوح الذي
قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول وفي الحديث فضل موت
الأولاد والصبر عليهم ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزوج وهو مذهب
أبي حنيفة وبعض أصحابنا وسبقت المسألة في النكاح وفيه كظم الغيظ وامساك النفس عند الغضب

162
عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة قوله صلى الله عليه وسلم في الذي اشتد غضبه (إني لأعرف
كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فيه أن الغضب في غير الله
تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي من جنون
فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة وتوهم أن الاستعاذة
مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ولهذا يخرج به الانسان عن اعتدال
حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة
على الغضب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال له أوصني لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب
فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ
منه ويحتمل أن هذا القائل هل ترى بي من جنون كان من المنافقين أو من جفاة الاعراب والله أعلم

163
باب خلق الانسان خلقا لا يتمالك
قوله صلى الله عليه وسلم (يطيف به) قال أهل اللغة طاف بالشئ يطوف طوفا وطوافا وأطاف
يطيف إذا استدار حواليه قوله صلى الله عليه وسلم (فلما رآه أجوف) علم أنه خلق خلقا لا
يتمالك الأجوف صاحب الجوف وقيل هو الذي داخله خال ومعنى لا يتمالك لا يملك نفسه
ويحبسها عن الشهوات وقيل لا يملك دفع الوسواس عنه وقيل لا يملك نفسه عند الغضب والمراد
جنس بني آدم

164
باب النهي عن ضرب الوجه
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب) وفي رواية إذا ضرب أحدكم وفي
رواية لا يلطمن الوجه وفي رواية إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فان الله خلق آدم على
صورته قال العلماء هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن وأعضاؤه
نفيسة لطيفة وأكثر الادراك بها فقد يبطلها ضرب الوجه وقد ينقصها وقد يشوه الوجه والشين
فيه فاحش لأنه بارز ظاهر لا يمكن ستره ومتى ضربه لا يسلم من شين غالبا ويدخل في النهي إذا
ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه واما قوله صلى الله عليه وسلم

165
(فان الله خلق آدم على صورته) فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في كتاب الايمان بيان حكمها
واضحا ومبسوطا وأن من العلماء من يمسك عن تأويلها ويقول نؤمن بأنها حق وأن ظاهرها
غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم والثاني انها تتأول
على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى وإنه ليس كمثله شئ قال المازري هذا الحديث بهذا اللفظ
ثابت ورواه بعضهم ان الله خلق آدم على صورة الرحمن وليس بثابت عند أهل الحديث وكأن
من نقله رواه بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك قال المازري وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث
فأجراه على ظاهره وقال لله تعالى صورة لا كالصور وهذا الذي قاله ظاهر الفساد لأن الصورة
تفيد التركيب وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هو مركبا فليس مصورا قال
وهذا كقوله المجسمة جسم لا كالأجسام لما رأوا أهل السنة يقولون الباري سبحانه وتعالى شئ
لا كالأشياء طردوا الاستعمال فقالوا جسم لا كالأجسام والفرق أن لفظ شئ لا يفيد الحدوث
ولا يتضمن ما يقتضيه وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث
قال العجب من ابن قتيبة في قوله صورة لا كالصور مع أن ظاهر الحديث على رأيه يقتضي خلق
آدم على صورته فالصورتان على رأيه سواء فإذا قال لا كالصور تناقض قوله ويقال له أيضا إن أردت
بقولك صورة لا كالصور أنه ليس بمؤلف ولا مركب فليس بصورة حقيقة وليست اللفظة على
ظاهرها وحينئذ يكون موافقا على افتقاره إلى التأويل واختلف العلماء في تأويله فقالت طائفة
الضمير في صورته عائد على الأخ المضروب وهذا ظاهر رواية مسلم وقالت طائفة يعود إلى آدم
وفيه ضعف وقالت طائفة يعود إلى الله تعالى ويكون المراد إضافة تشريف واختصاص كقوله
تعالى ناقة الله وكما يقال في الكعبة بيت الله ونظائره والله أعلم قوله (حدثنا قتادة عن يحيى بن مالك
المراغي عن أبي هريرة) المراغي بفتح الميم وبالغين المعجمة منسوب إلى المراغة بطن من الأزد

166
لا إلى البلد المعروفة بالمراغة من بلاد العجم وهذا الذي ذكرناه من ضبطه وأنه منتسب إلى بطن
من الأزد هو الصحيح المشهور ولم يذكر الجمهور غيره وذكر ابن جرير الطبري أنه منسوب إلى
موضع بناحية عمان وذكر الحافظ عبد الغني المقدسي أنه المراغي بضم الميم ولعله تصحيف من
الناسخ والمشهور الفتح وهو الذي صرح به أبو علي الغساني الجياني والقاضي في المشارق
والسمعاني في الأنساب وخلائق وهو المعروف في الرواية وكتب الحديث قال السمعاني وقيل
أنه بكسر الميم قال والمشهور الفتح والله أعلم
الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق
قوله صلى الله عليه وسلم (ان الله يعذب الذين يعذبون الناس) هذا محمول على التعذيب
بغير حق فلا يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير ونحو ذلك قوله (أناس
من الأنباط) هم فلاحو العجم قوله (وأميرهم يومئذ عمير بن سعد) هكذا هو في معظم النسخ

167
عمير بالتصغير ابن سعد باسكان العين من غير ياء وفي بعضها عمير بن سعيد بكسر العين وزيادة ياء
قال القاضي الأول هو الموجود لأكثر شيوخنا وفي أكثر النسخ وأكثر الروايات وهو
الصواب وهو عمير ابن سعد بن عمير الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف ولاه عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه حمص وكان يقال له يسبح وجده أبو زيد الأنصاري أحد الذين
جمعوا القرآن والله أعلم قوله أميرهم على فلسطين) هي بكسر الفاء وفتح اللام وهي بلاد بيت
المقدس وما حولها قوله (فأمر بهم فخلوا) ضبطوه بالخاء المعجمة والمهملة والمعجمة أشهر وأحسن

168
أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما
من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها
قوله صلى الله عليه وسلم (للذي يمر بالنبل في المسجد فليمسك على نصالها لئلا يصيب بها أحدا
من المسلمين) فيه هذا الأدب وهو الامساك بنصالها عند إرادة المرور بين الناس في مسجد
أو سوق أو غيرهما والنصول والنصال جمع نصل وهو حديدة السهم وفيه اجتناب كل ما يخاف
منه ضرر واما قول أبي موسى سددناها بعضنا في وجوه بعض اي قومناها إلى وجوههم وهو
بالسين المهملة من السداد وهو القصد والاستقامة
باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم
قوله صلى الله عليه وسلم (من أشار إلى أخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه

169
لأبيه وأمه) فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه
وقوله صلى الله عليه وسلم وإن كان أخاه لأبيه وأمه مبالغة في ايضاح عموم النهي في كل أحد سواء
من يتهم فيه ومن لا يتهم وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا لأن ترويع المسلم حرام بكل حال
ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرح به في الرواية الأخرى ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام
وقوله صلى الله عليه وسلم فان الملائكة تلعنه حتى وإن كان هكذا في عامة النسخ وفيه محذوف
وتقديره حتى يدعه وكذا وقع في بعض النسخ قوله صلى الله عليه وسلم (لا يشير أحدكم إلى أخيه
بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده) هكذا هو في جميع النسخ لا يشير بالياء
بعد الشين وهو صحيح وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى لا تضار والدة وقد قدمنا مرات أن هذا
أبلغ من لفظ النهي ولعل الشيطان ينزع ضبطناه بالعين المهملة وكذا نقله القاضي عن جميع

170
روايات مسلم وكذا هو في نسخ بلادنا ومعناه يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته وروي
في غير مسلم بالغين المعجمة وهو بمعنى الاغراء أي يحمل على تحقيق الضرب به ويزين ذلك
باب فضل إزالة الأذى عن الطريق
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق سواء كان الأذى شجرة
تؤذي أو غصن شوك أو حجرا يعثر به أو قذرا أو جيفة وغير ذلك وإماطة الأذى عن الطريق من شعب
الايمان كما سبق في الحديث الصحيح وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضررا
قوله
صلى الله عليه وسلم (رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق) اي يتنعم
في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة قوله (عن أبان بن صمعة قال حدثني أبو الوازع) اما أبان فقد
سبق في مقدمة الكتاب أنه يجوز صرفه وتركه والصرف أجود وهو قول الأكثرين وصمعة
بصاد مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم عين مهملة قيل إن أبانا هذا هو والد عتبة الغلام الزاهد
المشهور وأبو الوازع بالعين المهملة اسمه جابر بن عمرو الراسبي بكسر السين المهملة وبعدها باء

171
موحدة وهي نسبة إلى بني راسب قبيلة معروفة نزلت البصرة قوله صلى الله عليه وسلم (وأمر الأذى
عن الطريق) هكذا هو في معظم النسخ وكذا نقله القاضي عن عامة الرواة بتشديد الراء ومعناه
أزله وفي بعضها وأمز بزاي مخففة وهي بمعنى الأول
باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي
فيه حديث المرأة وقد سبق شرحه في كتاب قتل الحيات وسبق هناك أن خشاش الأرض بفتح
الخاء المعجمة وضمها وكسرها أي هوامها وحشراتها وروي على غير هذا مما ذكرناه هناك

172
ومعنى عذبت في هرة اي بسببها قوله صلى الله عليه وسلم (من جراء هرة) اي من اجلها يمد
ويقصر يقال من جرائك ومن جراك وجريرك وأجلك بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم (ترمرم
من خشاش الأرض) هكذا هو في أكثر النسخ ترمرم بضم التاء وكسر الراء الثانية وفي بعضها
ترمم بضم التاء وكسر الميم الأولى وراء واحدة وفي بعضها ترمم بفتح التاء والميم اي تتناول ذلك بشفتيها
باب تحريم الكبر
قوله صلى الله عليه وسلم (العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته) هكذا هو في جميع النسخ
فالضمير في ازاره ورداؤه يعود إلى الله تعالى للعلم به وفيه محذوف تقديره قال الله تعالى ومن ينازعني
ذلك أعذبه ومعنى ينازعني يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك وهذا وعيد شديد في الكبر
مصرح بتحريمه واما تسميته إزارا ورداء فمجاز واستعارة حسنة كما تقول العرب فلان شعاره

173
الزهد ودثاره التقوى لا يريدون الثوب الذي هو شعار أو دثار بل معناه صفته كذا قال المازري
ومعنى الاستعارة هنا أن الإزار والرداء يلصقان بالانسان ويلزمانه وهما جمال له قال فضرب
ذلك مثلا لكون العز والكبرياء بالله تعالى أحق وله ألزم واقتضاهما جلاله ومن مشهور كلام
العرب فلان واسع الرداء وغمر الرداء اي واسع العطية
باب النهي عن تقنيط الانسان من رحمة الله تعالى
باب قوله صلى الله عليه وسلم (أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وان الله تعالى قال من ذا الذي
يتألى على أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) معنى يتألى يحلف والالية
اليمين وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها واحتجت
المعتزلة به في احباط الاعمال بالمعاصي الكبائر ومذهب أهل السنة انها لا تحبط الا بالكفر
ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته وسمي احباطا مجازا ويحتمل
أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا وكان هذا حكمهم
فضل الضعفاء والخاملين
قوله صلى الله عليه وسلم
(رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) الأشعث الملبد
الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل) ومدفوع بالأبواب أن لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه

174
عن أبوابهم ويطردونه عنهم احتقارا له لو أقسم على الله لأبره أي لو حلف على وقوع شئ
أوقعه الله اكراما له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى
وإن كان حقير عند الناس وقيل معنى القسم هنا الدعاء وابراره اجابته والله أعلم
باب النهي عن قول هلك الناس
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) روي أهلكهم على وجهين
مشهورين رفع الكاف وفتحها والرفع أشهر ويؤيده أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء في
ترجمة سفيان الثوري فهو من أهلكهم قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين الرفع أشهر ومعناها
أشدهم هلاكا وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة واتفق
العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الازراء على الناس واحتقارهم وتفضيل
نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم لأنه لا يعلم سر الله في خلقه قالوا فأما من قال ذلك تحزنا لما يرى
في نفسه وفي الناس من النقص في امر الدين فلا بأس عليه كما قال لا أعرف من أمة النبي صلى الله
عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا هكذا فسره الامام مالك وتابعه الناس عليه وقال الخطابي معناه
لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل

175
ذلك فهو أهلكهم اي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الاثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما
أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم والله أعلم
الوصية بالجار والاحسان إليه
في هذه الأحاديث الوصية بالجار وبيان عظم حقه وفضيلة الاحسان إليه وفي الحديث (فأصبهم
منه بمعروف) أي اعطهم منه شيئا

176
استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء
قوله صلى الله عليه وسلم (ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) روي طلق على ثلاثة أوجه اسكان
اللام وكسرها وطليق بزيادة ياء ومعناه سهل منبسط فيه الحث على فضل المعروف وما تيسر
منه وان قل حتى طلاقة الوجه عند اللقاء
استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام
فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما
آم إلى واحد من الناس وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم آو اسقاط تعزير أو في

177
تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك واما الشفاعة في الحدود فحرام وكذا الشفاعة في تتميم باطل
أو ابطال حق ونحو ذلك فهي حرام
استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السواء
فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخ الكير وفيه
فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب والنهي
عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع
المذمومة ومعنى (يحذيك) يعطيك وهو بالحاء المهملة والذال وفيه طهارة المسك واستحبابه وجواز
بيعه وقد أجمع العلماء على جميع هذا ولم يخالف فيه من يعتد به ونقل عن الشيعة نجاسته والشيعة
لا يعتد بهم في الاجماع ومن الدلائل على طهارته الاجماع وهذا الحديث وهو قوله صلى الله
عليه وسلم واما أن يبتاع منه والنجس لا يصح بيعه ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمله في
بدنه ورأسه ويصلي به ويخبر أنه أطيب الطيب ولم يزل المسلمون على استعماله وجواز بيعه قال
القاضي وما روي من كراهة العمرين له فليس فيه نص منهما
على نجاسته ولا صحت الرواية
عنهما بالكراهة بل صحت قسمة عمر بن الخطاب المسك على نساء المسلمين والمعروف عن ابن عمر
استعماله والله أعلم

178
فضل الاحسان إلى البنات
في هذه الأحاديث فضل الاحسان إلى البنات والنفقة عليهن والصبر عليهن وعلى سائر أمورهن
قوله (ابن بهرام) هو بفتح الباء وكسرها قوله صلى الله عليه وسلم (من ابتلى من البنات
بشئ) إنما سماه ابتلاء لان الناس يكرهونهن في العادة قال الله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى
ظل وجهه مسودا وهو كظيم قوله (ان زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش حدثه عن عراك)
هو عياش بالمثناة والشين المعجمة وهو زياد بن أبي زياد واسم أبي زياد ميثرة المدني المخزومي

179
مولى عبد الله بن عياش بالمعجمة ابن أبي ربيعة بن المغيرة قوله صلى الله عليه وسلم (من عال
جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة
والتربية ونحوهما مأخوذة من العول وهو القرب ومنه ابدأ بمن تعول ومعناه جاء يوم القيامة
أنا وهو كهاتين
فضل من يموت له ولد فيحتسبه
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتسمه النار إلا تحلة القسم)
قال العلماء تحلة القسم ما ينحل به القسم وهو اليمين وجاء مفسرا في الحديث أن المراد قوله
تعالى وإن منكم إلا واردها وبهذا قال أبو عبيد وجمهور العلماء والقسم مقدر أي والله إن منكم
إلا واردها وقيل المراد قوله تعالى لنحشرنهم والشياطين وقال ابن قتيبة معناه تقليل
مدة ورودها قال وتحلة القسم تستعمل في هذا في كلام العرب وقيل تقديره ولا تحلة القسم

180
أي لا تمسه أصلا ولا قدرا يسيرا كتحلة القسم والمراد بقوله تعالى وإن منكم إلا واردها المرور
على الصراط وهو جسر منصوب عليها وقيل الوقوف عندها قوله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة
من الولد ثم سئل عن الاثنين) فقال واثنين محمول على أنه أوحى به إليه صلى الله عليه وسلم عند

181
سؤالها أو قبله وقد جاء في غير مسلم وواحدا قوله (لم يبلغوا الحنث) أي لم يبلغوا سن التكليف الذي
يكتب فيه الحنث وهو الاثم قوله (صغارهم دعاميص الجنة) هو بالدال والعين والصاد المهملات
واحدهم دعموص بضم الدال أي صغار أهلها واصل الدعموص دويبة تكون في الماء لا تفارقه
اي ان هذا الصغير في الجنة لا يفارقها وقوله (بصنفة ثوبك) هو بفتح الصاد وكسر النون وهو
طرفه ويقال لها أيضا صنيفة قوله (فلا يتناهى) أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة يتناهى

182
وينتهي بمعنى أي لا يتركه قوله صلى الله عليه وسلم (لقد احتظرت بحظار شديد من النار) أي
امتنعت بمانع وثيق واصل الحظر المنع واصل الحظار بكسر الحاء وفتحها ما يجعل حول البستان
وغيره من قضبان وغيرها كالحائط وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في
الجنة وقد نقل جماعة فيهم اجماع المسلمين وقال المازري أما أولاد الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم فالاجماع متحقق على أنهم في الجنة واما أطفال من سواهم من المؤمنين فجماهير
العلماء على القطع لهم بالجنة ونقل جماعة الاجماع في كونهم من أهل الجنة قطعا لقوله تعالى
" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم " وتوقف بعض المتكلمين فيها وأشار
إلى أنه لا يقطع لهم كالمكلفين والله أعلم
إذا أحب الله عبدا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء
ثم يوضع له القبول في الأرض
وذكر في البغض نحوه قال العلماء محبة الله تعالى لعبده هي ارادته الخير له وهدايته وانعامه عليه

183
ورحمته وبغضه إرادة عقابه أو شقاوته ونحوه وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين أحدهما
استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم والثاني أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين وهو
ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب حبهم إياه كونه مطيعا لله تعالى محبوبا له ومعنى يوضع له
القبول في الأرض اي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه وقد جاء
في رواية فتوضع له المحبة قوله (وهو على الموسم) أي أمير الحجيج

184
الأرواح جنود مجندة
قوله صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) قال
العلماء معناه جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة واما تعارفها فهو لامر جعلها الله عليه وقيل إنها موافقة
صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها
فمن وافق بشيمه ألفه ومن باعده نافره وخالفه وقال الخطابي وغيره تألفها هو ما خلقها الله عليه
من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا
ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار
والله أعلم

185
المرء مع من أحب
قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن الساعة (ما أعددت لها قال حب الله ورسوله قال أنت مع
من أحببت) وفي روايات المرء مع من أحب فيه فضل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
والصالحين وأهل الخير الاحياء والأموات ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما واجتناب
نهيهما والتأدب بالآداب الشرعية ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم
إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم وقد صرح في الحديث الذي بعد هذا بذلك فقال أحب قوما ولما
يلحق بهم قال أهل العربية
لما نفي للماضي المستمر فيدل على نفيه في الماضي وفي الحال بخلاف
لم فإنها تدل على الماضي فقط ثم إنه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم
من كل وجه قوله (ما أعددت لها كثير) ضبطوه في المواضع كلها من هذه الأحاديث بالثاء
المثلثة وبالباء الموحدة وهما صحيحان وقوله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة

186
أي غير الفرائض معناه ما أعددت لها كثير نافلة من صلاة ولا صيام ولا صدقة قوله (عند سدة

187
المسجد) هي الظلال المسقفة عند باب المسجد قوله (حدثنا سليمان بن قرم) هو بفتح القاف
واسكان الراء وهو ضعيف لكن لم يحتج به مسلم بل ذكره متابعة وقد سبق أنه يذكر في المتابعة
لبعض الضعفاء والله أعلم

188
إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره
قوله (أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن)
وفي رواية ويحبه الناس عليه قال العلماء معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي دليل على
رضاء الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث ثم يوضع له القبول في الأرض
هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم والا فالتعرض مذموم
كتاب القدر
كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه
وأجله وعمله وشقاوته وسعادته
قوله (حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه

189
في بطن أمه أربعين يوما ثم تكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم تكون في ذلك مضغة مثل ذلك
ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)
أما قوله الصادق المصدوق فمعناه الصادق في قوله المصدوق فيما يأتي من الوحي الكريم وأما قوله
إن أحدكم فبكسر الهمزة على حكاية لفظه صلى الله عليه وسلم قوله بكتب رزقه هو بالباء الموحدة
في أوله علي البدل من أربع وقوله شقي أو سعيد مرفوع خبر مبتدأ محذوف اي وهو شقي
أو سعيد قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث (ثم يرسل الملك) ظاهره أن إرساله يكون
بعد مائة وعشرين يوما وفي الرواية التي بعد هذه يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم
بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد وفي الرواية الثالثة إذا مر بالنطفة
ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وفي رواية
حذيفة بن أسيد إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك وفي رواية ان ملكا
موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة وذكر الحديث وفي رواية
أنس أن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة قال العلماء
طريق الجمع بين هذه الروايات أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة وأنه يقول يا رب هذه
علقة هذه مضغة في أوقاتها فكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى وهو اعلم سبحانه
ولكلام الملك وتصرفه أوقات أحدها حين يخلقها الله تعالى نطفة ثم ينقلها علقة وهو أول
علم الملك بأنه ولد لأنه ليس كل نطفة تصير ولدا وذلك عقب الأربعين الأولى وحينئذ يكتب
رزقه وأجله
وعمله وشقاوته أو سعادته ثم للملك فيه تصرف آخر في وقت آخر وهو تصويره

190
وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه وكونه ذكرا أم أنثى وذلك إنما يكون في الأربعين
الثالثة وهي مدة المضغة وقبل انقضاء هذه الأربعين وقبل نفخ الروح فيه لان نفخ الروح
لا يكون إلا بعد تمام صورته وأما قوله في إحدى الروايات فإذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة
بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر
أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك
وذكر رزقه فقال القاضي وغيره ليس هو على ظاهره ولا يصح حمله على ظاهره بل المراد
بتصويرها وخلق سمعها إلى آخره انه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر لان التصوير عقب
الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة كما قال
الله تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم يكون للملك فيه
تصوير آخر وهو وقت نفخ الروح عقب الأربعين الثالثة حين يكمل له أربعة اشهر واتفق
العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة اشهر ووقع في رواية للبخاري إن خلق أحدكم
يجمع في بطن أمه أربعين ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن
بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه فقوله ثم يبعث بحرف ثم
يقتضي تأخير كتب الملك هذه الأمور إلى ما بعد الأربعين الثالثة والأحاديث الباقية تقتضي
الكتب بعد الأربعين الأولى وجوابه ان قوله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب معطوف على
قوله يجمع في بطن أمه ومتعلق به لا بما قبله وهو قوله ثم يكون مضغة مثله ويكون قوله ثم يكون
علقة مثله ثم يكون مضغة مثله معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه وذلك جائز موجود في القرآن
والحديث الصحيح وغيره من كلام العرب قال القاضي وغيره والمراد بارسال الملك في هذه الأشياء
أمره بها وبالتصرف فيها بهذه الافعال وإلا فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم وانه يقول
يا رب نطفة يا رب علقة قال القاضي وقوله في حديث أنس وإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال
يا رب أذكر أم أنثى شقي أم سعيد لا يخالف ما قدمناه ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة
بل ابتداء للكلام وإخبار عن حالة أخرى فأخبر أولا بحال الملك مع النطفة ثم أخبر أن الله تعالى
إذا أراد إظهار خلق النطفة علقة كان كذا وكذا ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل

191
والشقاوة والسعادة والعمل والذكورة والأنوثة انه يظهر ذلك للملك ويأمره بانفاذ وكتابته
والا فقضاء الله تعالى سابق على ذلك وعلمه وارادته لكل ذلك موجود في الأزل والله أعلم قوله
صلى الله عليه وسلم (فوالذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه
وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل
أهل النار الخ) المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه وأن تلك الدار ما بقي بينه
وبين ان يصلها الا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع والمراد بهذا الحديث ان هذا
قد يقع في نادر من الناس لا أنه غالب فيهم ثم إنه من لطف الله تعالى وسعة رحمته انقلاب
الناس من الشر إلى الخير في كثرة واما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ونهاية القلة
وهو نحو قوله تعالى ان رحمتي سبقت غضبي وغلبت غضبي ويدخل في هذا من انقلب إلى عمل
النار بكفر أو معصية لكن يختلفان في التخليد وعدمه فالكافر يخلد في النار والعاصي الذي مات
موحدا لا يخلد فيها كما سبق تقريره وفي هذا الحديث تصريح باثبات القدر وأن التوبة تهدم
الذنوب قبلها وأن من مات على شئ حكم له به من خير أو شر الا ان أصحاب المعاصي غير الكفر

192
في المشيئة والله أعلم قوله (عن حذيفة بن أسيد) هو بفتح الهمزة قوله صلى الله عليه وسلم
(فيقول يا رب أشقي أو سعيد فيكتبان فيقول أي رب أذكر أو أنثى فيكتبان) يكتبان في

193
الموضعين بضم أوله ومعناه يكتب أحدهما قوله (دخلت على أبي سريحة) هو بفتح السين
المهملة وكسر الراء وبالحاء المهملة قوله صلى الله عليه وسلم (إن النطفة تقع في الرحم أربعين
ليلة ثم يتصور عليها الملك) هكذا هو جميع نسخ بلادنا يتصور بالصاد وذكر القاضي يتسور
بالسين قال والمراد بيتسور ينزل وهو استعارة من تسورت الدار إذا نزلت فيها من أعلاها ولا
يكون التسور الا من فوق فيحتمل أن تكون الصاد الواقعة في نسخ بلادنا مبدلة من السين والله أعلم

194
قوله (فنكس فجعل ينكت بمخصرته) اما نكس فبتخفيف الكاف وتشديدها لغتان
فصيحتان يقال نكسه ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهو قاتل ونكسه ينكسه تنكيسا فهو
منكس اي خفض رأسه وطأطأ إلى الأرض على هيئة المهموم وقوله ينكت بفتح الياء وضم
الكاف وآخره تاء مثناة فوق اي يخط بها خطا يسيرا مرة بعد مرة وهذا فعل المفكر المهموم
والمخصرة بكسر الميم ما أخذه الانسان بيده واختصره من عصا لطيفة وعكاز لطيف وغيرهما وفي
هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في اثبات القدر وأن جميع الواقعات

195
بقضاء الله تعالى وقدره خيرها وشرها نفعها وضرها وقد سبق في أول كتاب الايمان قطعة صالحة
من هذا قال الله تعالى يسئل عما يفعل وهم يسئلون فهو ملك الله تعالى يفعل ما يشاء ولا اعتراض
على المالك في ملكه ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله قال الإمام أبو المظفر السمعاني سبيل معرفة
هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول فمن عدل عن التوقيف
فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء النفس ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب لان القدر
سر من اسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار اختص الله به وحجبه عن عقول الخلق
ومعارفهم لما علمه من الحكمة وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه وقد طوى الله تعالى
علم القدر على العالم فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقيل إن سر القدر ينكشف لهم إذا
دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها والله أعلم وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال
على ما سبق به القدر بل تجب الاعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها وكل ميسر لما خلق له لا يقدر
على غيره ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله

196
لعملهم كما قال فسنيسره لليسرى وللعسرى وكما صرحت به هذه الأحاديث قوله (جفت به
الأقلام) أي مضت به المقادير وسبق علم الله تعالى به وتمت كتابته في اللوح المحفوظ وجف القلم الذي

197
كتب به وامتنعت فيه الزيادة والنقصان قال العلماء وكتاب الله تعالى ولوحه وقلمه والصحف
المذكورة في الأحاديث كل ذلك مما يجب الايمان به واما كيفية ذلك وصفته فعلمها إلى الله
تعالى ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء والله أعلم قوله (ما يعمل الناس ويكدحون فيه)

198
أي يسعون والكدح هو السعي في العمل سواء كان للآخرة أم للدنيا قوله (لأحزر عقلك)
اي لأمتحن عقلك وفهمك ومعرفتك والله أعلم

199
حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم
قوله صلى الله عليه وسلم (احتج آدم وموسى) قال أبو الحسن القابسي التقت أرواحهما في السماء
فوقع الحجاج بينهما قال القاضي عياض ويحتمل انه على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما
وقد ثبت في حديث الاسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين في السماوات وفي بيت المقدس وصلى بهم قال فلا يبعد ان الله تعالى أحياهم كما جاء
في الشهداء قال ويحتمل ان ذلك جرى في حياة موسى سأل الله أن يريه آدم فحاجه قوله
صلى الله عليه وسلم (فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة) وفي رواية
أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة وفي رواية أهبطت الناس بخطيئتك
إلى الأرض معنى خيبتنا أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران وقد خاب يخيب ويخوب
ومعناه كنت سبب خيبتنا واغوائنا بالخطيئة التي ترتب عليها اخراجك من الجنة ثم تعرضنا
نحن لاغواء الشياطين والغي الانهماك في الشر وفيه جواز اطلاق الشئ على سببه وفيه ذكر
الجنة وهي موجودة من قبل آدم هذا مذهب أهل الحق قوله (اصطفاك الله بكلامه وخط
لك بيده) في اليد هنا المذهبان السابقان في كتاب الايمان ومواضع في أحاديث الصفات
أحدهما الايمان بها ولا يتعرض لتأويلها مع أن ظاهرها غير مراد والثاني تأويلها على القدرة
ومعنى اصطفاك أي اختصك وآثرك بذلك قوله (أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن

200
يخلقني بأربعين سنة) المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ وفي صحف التوراة والواحها
أي كتبه علي قبل خلقي بأربعين سنة وقد صرح بهذا في الرواية التي بعد هذه فقال بكم وجدت
الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين سنة قال أتلومني على أن عملت عملا كتب
الله علي ان أعمله قبل ان يخلقني بأربعين سنة فهذه الرواية مصرحة ببيان المراد بالتقدير ولا يجوز
ان يراد به حقيقة القدر فان علم الله تعالى وما قدره على عباده وأراد من خلقه أزلي لا أول له
ولم يزل سبحانه مريدا لما أراده من خلقه من طاعة ومعصية وخير وشر قوله صلى الله عليه
وسلم (فحج آدم موسى) هكذا الرواية في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلين والرواة والشراح

201
وأهل الغريب فحج آدم موسى برفع آدم وهو فاعل أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها ومعنى كلام
آدم أنك يا موسى تعلم أن هذا كتب علي قبل أن أخلق وقدر علي فلابد من وقوعه ولو حرصت
أنا والخلائق أجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر فلم تلومني على ذلك ولان اللوم على الذنب
شرعي لا عقلي وإذ تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجا بالشرع
فان قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان
صادقا فيما قاله فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين
من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو
محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن

202
في القول المذكور له فائدة بل فيه ايذاء وتخجيل والله أعلم قوله صلى الله وسلم (كتب الله
مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين الف سنة وعرشه على الماء) قال
العلماء المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره لا أصل التقدير فان ذلك أزلي
لا أول له وقوله وعرشه على الماء أي قبل خلق السماوات والأرض والله أعلم

203
تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء
قوله صلى الله عليه وسلم (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد
يصرفه حيث يشاء هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريبا أحدهما الايمان بها
من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى بل يؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد قال الله تعالى
كمثله شئ والثاني يتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا المراد المجاز كما يقال فلان في قبضتي
وفي كفي لا يراد به أنه حال في كفه بل المراد تحت قدرتي ويقال فلان بين إصبعي أقلبه كيف
شئت اي انه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت فمعنى الحديث انه سبحانه وتعالى متصرف
في قلوب عباده وغيرها كيف يشاء لا يمتنع عليه منها شئ ولا يفوته ما أراده كما لا يمتنع على
الانسان ما كان بين إصبعيه فخاطب العرب بما يفهمونه ومثله بالمعاني الحسية تأكيدا له في نفوسهم
فان قيل فقدرة الله تعالى واحدة والإصبعان للتثنية فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجازا واستعارة
فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه غير مقصود به التثنية والجمع والله أعلم
كل شئ بقدر
قوله صلى الله عليه وسلم (كل شئ بقدر حتى العجز والكيس أو قال الكيس والعجز) قال

204
القاضي رويناه برفع العجز والكيس عطفا على كل وبجرهما عطفا على شئ قال ويحتمل أن العجز
هنا على ظاهره وهو عدم القدرة وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف به وتأخيره عن وقته قال
ويحتمل العجز عن الطاعات ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة والكيس ضد العجز وهو
النشاط والحذق بالأمور ومعناه أن العاجز قد قدر عجزه والكيس قد قدر كيسه قوله (جاء
مشركو قريش يخاصمون في القدر فنزلت يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر
إنا كل شئ خلقناه بقدر المراد بالقدر هنا القدر المعروف وهو ما قدر الله وقضاه وسبق به علمه
وارادته وأشار الباجي إلى خلاف هذا وليس كما قال وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح
باثبات القدر وانه عام في كل شئ فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله مراد له
قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره
قوله (ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله كتب
على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى
وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) وفي الرواية الثانية كتب على ابن آدم نصيبه من
الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام
واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه

205
معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا فمنهم من يكون زناه حقيقيا بادخال الفرج
في الفرج الحرام ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله
أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس
أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب فكل هذه أنواع من الزنا المجازي
والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج
الفرج في الفرج وان قارب ذلك والله أعلم واما قول ابن عباس ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال
أبو هريرة فمعناه تفسير قوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك
واسع المغفرة ومعنى الآية والله أعلم الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم يغفر لهم اللمم كما في قوله
تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فمعنى الآيتين أن اجتناب الكبائر
يسقط الصغائر وهي اللمم وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس ونحوهما وهو
كما قال هذا هو الصحيح في
تفسير اللمم وقيل إن يلم بالشئ ولا يفعله وقيل الميل إلى الذنب ولا يصر
عليه وقيل غير ذلك مما ليس بظاهر واصل اللمم والالمام الميل إلى الشئ وطلبه من غير
مداومة والله أعلم

206
معنى كل مولود يولد على الفطرة
وحكم موتى أطفال الكفار وأطفال المسلمين
قوله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه
كما تنتج البهيمة بهيمته جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة اقرؤا إن شئتم فطرة الله
التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الآية) وفي رواية مامن مولود يولد إلا وهو على الملة
وفي رواية ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه قالوا يا رسول الله
أفرأيت من يموت صغيرا قال الله اعلم بما كانوا عاملين وفي رواية أن الغلام الذي قتله الخضر
طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا وفي حديث عائشة توفي صبي من الأنصار
فقالت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه قال أو غير ذلك يا عائشة
أن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم
في أصلاب آبائهم أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين
فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا وتوقف فيه بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا وأجاب
العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع كما انكر
على سعد بن أبي وقاص في قوله اعطه إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما الحديث ويحتمل انه صلى الله
عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم قال ذلك في قوله صلى الله
عليه وسلم مامن مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته
إياهم وغير ذلك من الأحاديث والله أعلم وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب قال

207
الأكثرون هم في النار تبعا لآبائهم وتوقفت طائفة فيهم والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه
المحققون أنهم من أهل الجنة ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم
حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين
قال وأولاد المشركين رواه البخاري في صحيحه ومنها قوله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث
رسولا " ولا! يتوحه على المولود التكليف ويلزمه قول الرسول حتى يبلغ وهذا متفق عليه والله أعلم
واما الفطرة المذكورة في هذه الأحاديث فقال المازري قيل هي ما أخذ عليهم في أصلاب
آبائهم وان الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين وقيل هي ما قضى عليه من سعادة
أو شقاوة يصير إليها وقيل هي ما هئ له هذا كلام المازري وقال أبو عبيد سألت محمد بن الحسن
عن هذا الحديث فقال كان هذا في أول الاسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الامر بالجهاد
وقال أبو عبيد كأنه يعني أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل ان يهوده أبواه أو ينصرانه
لم يرثهما ولم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران ولما جاز أن يسبى فلما فرضت الفرائض وتقررت
السنن على خلاف ذلك علم أنه يولد على دينهما وقال ابن المبارك يولد على ما يصير إليه من سعادة
أو شقاوة فمن علم الله تعالى أن يصير مسلما ولد على فطرة الاسلام ومن علم أنه يصير كافرا ولد
على الكفر وقيل معناه كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والاقرار به فليس أحد يولد الا
وهو يقر بأن له صانعا وأن سماه بغير اسمه آو عبد معه غيره والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئا
للاسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلما استمر على الاسلام في أحكام الآخرة والدنيا وإن
كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا وهذا معنى يهودانه وينصرانه ويمجسانه
أي يحكم له بحكمهما في الدنيا فإن بلغ استمر عليه حكم الكفر ودينهما فان كانت سبقت له سعادة
أسلم وإلا مات على كفره وإن مات قبل بلوغه فهل هو من أهل الجنة أم النار أم يتوقف فيه
ففيه المذاهب الثلاثة السابقة قريبا الصح انه من أهل الجنة والجواب عن حديث الله اعلم
بما كانوا عاملين أنه ليس فيه تصريح بأنهم في النار وحقيقة لفظه الله اعلم بما كانوا يعملون
لو بلغوا ولم يبلغوا إذ التكليف لا يكون إلا بالبلوغ وأما غلام الخضر فيجب تأويله قطعا لأن
أبويه كانا مؤمنين فيكون هو مسلما فيتأول على أن معناه أن الله اعلم أنه لو بلغ لكان كافرا
لا أنه كافر في الحال ولا يجري عليه في الحال أحكام الكفار والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه

208
وسلم (كما تنتج البهيمة بهيمة) فهو بضم التاء الأولى وفتح الثانية ورفع البهيمة ونصب بهيمة
ومعناه كما تلد البهيمة بهيمة (جمعاء) بالمد أي مجتمعة الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيها جدعاء
بالمد وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء ومعناه أن البهيمة تلد البهيمة كاملة الأعضاء
لا نقص فيها وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها قوله صلى الله عليه وسلم في
حديث زهير بن حرب (مامن مولود إلا يلد على الفطرة) هكذا هو في جميع النسخ يلد بضم
الياء المثناة تحت وكسر اللام على
وزن ضرب حكاه القاضي عن رواية السمرقندي قال وهو
صحيح على ابدال الواو ياء لانضمامها قال وقد ذكر الهجري في نوادره يقال ولد ويلد بمعنى قال

209
القاضي ورواه غير السمرقندي يولد والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (كل انسان تلده
أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها) هكذا هو في جميع النسخ في حضنيه بحاء
مهملة مكسورة ثم ضاد معجمة ثم نون ثم ياء تثنية حضن وهو الجنب وقيل الخاصرة قال القاضي
ورواه ابن ماهان خصييه بالخاء المعجمة والصاد المهملة وهو الأنثيان قال القاضي وأظن هذا
وهما بدليل قوله إلا مريم وابنها وسبق شرح هذا الحديث في كتاب الفضائل وسبق ذكر الغلام

210
الذي قتله الخضر في فضائل الخضر قوله (عن رقبة بن مسقلة) هكذا هو في جميع النسخ
مسقلة بالسين وهو صحيح يقال السين والصاد وفي قوله صلى الله عليه وسلم الله اعلم بما كانوا
عاملين بيان لمذهب أهل الحق أن الله علم ما كان وما يكون ما لا يكون لو كان كيف كان يكون
وقد سبق بيان نظائره من القرآن والحديث

211
بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها
لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر
قوله (قالت أم حبيبة اللهم امتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي

212
معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سألت الله عز وجل لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق
مقسومة ولن يعجل شيئا قبل حله أو يؤخر شيئا عن حله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب
في النار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل) أما حله فضبطناه بوجهين فتح الحاء وكسرها
في المواضع الخمسة من هذه الروايات وذكر القاضي أن جميع الرواة على الفتح ومراده رواة بلادهم
وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر وهما لغتان ومعناه وجوبه وحينه يقال حل الأجل يحل
حلا وحلا وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه
في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك واما ما ورد في حديث صلة الرحم تزيد في العمر
ونظائره فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحا قال المازري هنا قد تقرر بالدلائل القطعية
أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه فإذا علم الله
تعالى أن زيدا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها لئلا ينقلب العلم جهلا فاستحال
أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت
أو غيره ممن وكله الله بقبض الأرواح وأمره فيها بآجال ممدودة فإنه بعد أن يأمره بذلك أو يثبته
في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد على حسب ما سبق به علمه في الأزل وهو معنى قوله تعالى
يمحو الله ما يشاء ويثبت وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده واعلم
أن مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله وقالت المعتزلة قطع أجله والله أعلم فإن قيل ما الحكمة
في نهيها عن الدعاء بالزيادة
في الأجل لأنه مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب
مع أنه مفروغ منه أيضا كالأجل فالجواب أن الجميع مفروع منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب

213
النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة وقد أمر الشرع بالعبادات فقيل أفلا نتكل على كتابنا
وما سبق لنا من القدر فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة
وكمالا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالا على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك) أي قبل مسخ
بني إسرائيل فدل على أنها ليست من المسخ وجاء كانوا بضمير العقلاء مجازا لكونه جرى في الكلام
ما يقتضي مشاركتها
للعقلاء كما في قوله تعالى " لي ساجدين " في فلك يسبحون

214
الايمان للقدر والاذعان له
قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)
والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر
إقداما على العدو في الجهاد وأسرع خروجا إليه وذهابا في طلبه وأشد عزيمة في الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب
في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك واما
قوله صلى الله عليه وسلم وفي كل خير فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما
في الايمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات قوله صلى الله عليه وسلم (احرص على ما ينفعك
واستعن بالله ولا تعجز) أما احرص فبكسر الراء وتعجز بكسر الجيم وحكي فتحهما جميعا
ومعناه احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك
ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة قوله صلى الله عليه وسلم (وإن
أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل

215
الشيطان) قال القاضي عياض قال بعض العلماء هذا النهي إنما هو لمن قاله معتقدا ذلك حتما
وانه لو فعل ذلك لم تصبه قطعا فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى بأنه لن يصيبه إلا ما شاء الله
فليس من هذا واستدل بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار لو أن أحدهم رفع رأسه
لرآنا قال القاضي وهذا لا حجة فيه لأنه إنما أخبر عن مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدر
بعد وقوعه قال وكذا جميع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من اللو كحديث لولا حدثان
عهد قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم ولو كنت راجما بغير بينة لرجمت هذه
ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وشبه ذلك فكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر
فلا كراهة فيه لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته
فاما ما ذهب فليس في قدرته قال القاضي فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره
وعمومه لكنه نهي تنزيه ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فان لو تفتح عمل الشيطان اي
يلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان هذا كلام القاضي قلت وقد جاء
من استعمال لو في الماضي قوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت
ما سقت الهدي وغير ذلك فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون
نهي تنزيه لا تحريم فأما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله تعالى أو ما هو متعذر عليه
من ذلك ونحو هذا فلا بأس به وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث والله أعلم
كتاب العلم
النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه
والنهي عن الاختلاف في القرآن
قوله (حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري) هو بضم التاء الأولى واما الثانية فالصحيح المشهور

216
فتحها ولم يذكر السمعاني في كتابه الأنساب والحازمي في المؤتلف وغيرهما من المحققين والأكثرون
غيره وذكر القاضي في المشارق أنها مضمومة كالأولى قال وضبطها الباجي بالفتح قال السمعاني
هي بلدة من كور الأهواز من بلاد خوزستان يقول لها الناس شتر بها قبر البراء بن مالك
رضي الله عنه الصحابي أخي أنس قولها (تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر
متشابهات " إلى آخر الآية قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) قد اختلف
المفسرون والأصوليون وغيرهم في المحكم والمتشابه اختلافا كثيرا قال الغزالي في المستصفى إذا لم
يرد توقيف في تفسيره فينبغي أن يفسر بما يعرفه أهل اللغة وتناسب اللفظ من حيث الوضع
ولا يناسبه قول من قال المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور والمحكم ما سواه ولا قولهم
المحكم ما يعرفه الراسخون في العلم والمتشابه ما انفرد الله تعالى بعلمه ولا قولهم المحكم الوعد والوعيد
والحلال والحرام والمتشابه القصص والأمثال فهذا أبعد الأقوال قال بل الصحيح أن المحكم يرجع
إلى معنيين أحدهما المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه اشكال واحتمال والمتشابه ما يتعارض
فيه الاحتمال والثاني أن المحكم ما انتظم ترتيبه مفيدا إما ظاهرا وإما بتأويل وأما المتشابه فالأسماء
المشتركة كالقرء وكالذي بيده عقدة النكاح وكاللمس فالأول متردد بين الحيض والطهر والثاني

217
بين الولي والزوج والثالث بين الوطء والمس باليد ونحوها قال ويطلق على ما ورد في صفات الله
تعالى مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه ويحتاج إلى تأويل واختلف العلماء في الراسخين في العلم
هل يعلمون تأويل المتشابه وتكون الواو في والراسخون عاطفة أم لا ويكون الوقف على
وما يعلم تأويله الا الله ثم يبدئ قوله تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به وكل واحد
من القولين محتمل واختاره طوائف والأصح الأول وان الراسخين يعلمونه لأنه يبعد أن يخاطب
الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته وقد اتفق أصحابنا وغيرهم من المحققين على أنه
يستحيل ان يتكلم الله تعالى بما لا يفيد والله أعلم وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل
الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد
وتلطف في ذلك فلا بأس عليه وجوابه واجب وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر
عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيع بن عسل حين كان يتبع المتشابه والله أعلم قوله (هجرت
يوما) أي بكرت قوله صلى الله عليه وسلم (إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب)
وفي رواية اقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا المراد بهلاك من قبلنا
هنا هلاكهم في الدين بكفرهم وابتداعهم فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل فعلهم
والامر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز أو اختلاف

218
يوقع فيما لا يجوز كاختلاف في نفس القرآن أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد أو اختلاف
يوقع في شك أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شجار ونحو ذلك وأما الاختلاف في استنباط فروع
الدين منه ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة واظهار الحق واختلافهم في ذلك فليس
منهيا عنه بل هو مأمور به وفضيلة ظاهرة وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) هو بفتح الخاء
وكسر الصاد والألد شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه لأنه كلما احتج عليه
بحجة أخذ في جانب آخر وأما الخصم فهو الحاذق بالخصومة والمذموم هو الخصومة بالباطل
في رفع حق أو اثبات باطل والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن الذين من
قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع الخ) السنن بفتح السين والنون وهو الطريق والمراد بالشبر

219
والذراع وجحر الضب كل التمثيل بشدة الموافقة لهم والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في
الكفر وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله
عليه وسلم قوله (حدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم) قال المازري هذا
من الأحاديث المقطوعة في مسلم وهي أربعة عشر هذا آخرها قال القاضي قلد المازري
أبا علي الغساني الجياني في تسميته هذا مقطوعا وهي تسمية باطلة وإنما هذا عند أهل
الصنعة من باب رواية المجهول وإنما المقطوع ما حذف منه راو قلت وتسمية هذا الثاني أيضا
مقطوعا مجاز وإنما هو منقطع ومرسل عند الأصوليين والفقهاء وإنما حقيقة المقطوع عندهم
الموقوف على التابعي فمن بعده قولا له أو فعلا أو نحوه وكيف كان فمتن الحديث المذكور صحيح
متصل بالطريق الأول وإنما ذكر الثاني متابعة وقد سبق ان المتابعة يحتمل فيها مالا يحتمل
في الأصول وقد وقع في كثير من النسخ هنا اتصال هذا الطريق الثاني من جهة أبي إسحاق
إبراهيم بن سفيان راوي الكتاب عن مسلم وهو من زياداته وعالي اسناده قال أبو إسحاق
حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا ابن أبي مريم فذكره باسناده إلى آخره فاتصلت الرواية والله أعلم
قوله صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون) اي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود
في أقوالهم وافعالهم

220
رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان
قوله (حدثنا شيبان بن فروخ الخ) هذا الاسناد والذي بعده كلهم بصريون قوله صلى الله عليه وسلم
(من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل وتشرب الخمر ويظهر الزنا) هكذا هو في كثير
من النسخ يثبت الجهل من الثبوت وفي بعضها يبث بضم الياء وبعدها موحدة مفتوحة ثم مثلثة
مشددة اي ينشر ويشيع ومعنى تشرب الخمر شربا فاشيا ويظهر الزنا أي يفشو وينتشر كما صرح به
في الرواية الثانية وأشراط الساعة علاماتها واحدها شرط بفتح الشين والراء ويقل الرجال بسبب
القتل وتكثر النساء فلهذا يكثر الجهل والفساد ويظهر الزنا والخمر ويتقارب الزمان اي يقرب من القيامة
ويلقي الشح هو باسكان اللام وتخفيف القاف اي يوضع في القلوب ورواه بعضهم يلقى بفتح اللام

221
وتشديد القاف اي يعطي والشح هو لبخل بأداء الحقوق والحرص على ما ليس له وقد سبق الخلاف

222
فيه مبسوطا في باب تحريم الظلم وفي رواية وينقص العلم هذا يكون قبل قبضه قوله صلى الله عليه وسلم
(إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك
عالما اتخذ الناس رؤسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) هذا الحديث يبين أن المراد بقبض

223
العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه أنه يموت حملته
ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون وقوله صلى الله عليه وسلم اتخذ الناس
رؤسا جهالا ضبطناه في البخاري رؤسا بضم الهمزة وبالتنوين جمع رأس وضبطوه في مسلم هنا
بوجهين أحدهما هذا والثاني رؤساء بالمد جمع رئيس وكلاهما صحيح والأول أشهر وفيه التحذير من

224
اتخاذ الجهال رؤساء قوله (إن عائشة قالت في عبد الله بن عمرو ما أحسبه الا قد صدق أراه لم يزد
فيه شيئا ولم ينقص) ليس معناه أنها اتهمته لكنها خافت أن يكون اشتبه عليه أو قرأه من كتب
الحكمة فتوهمه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كرره مرة أخرى وثبت عليه غلب على ظنها أنه
سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقولها أراه بفتح الهمزة وفي هذا الحديث الحث على حفظ
العلم وأخذه عن أهله واعتراف العالم للعالم بالفضيلة

225
من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة
قوله صلى الله عليه وسلم (من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة) الحديث وفي الحديث الآخر
من دعا إلى هدى ومن دعا إلى ضلالة هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن
الأمور الحسنة وتحريم سن الأمور السيئة وأن من سن سنة حسنة كان له مثل اجر كل من
يعمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم

226
القيامة وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه
سواء كان ذلك الهدي والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه وسواء كان ذلك تعليم علم
أو عبادة أو أدب أو غير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فعمل بها بعده) معناه إن سنها سواء
كان العمل في حياته أو بعد موته والله أعلم. وسلم (فعمل بها بعده) معناه إن سنها سواء
كان العمل في حياته أو بعد موته والله أعلم

227
/ 1