تمهيد, الجزء (7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تمهيد, الجزء (7) - نسخه متنی

يوسف بن عبدالله ابن عبدالبر؛ محققان: محمد عبدالكبير بكري، مصطفي بن احمد علوي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: 7
الوفاة: 463
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: 1387
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:
حديث أول لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة مسند مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين لا خلاف بين الرواة للموطأ في إسناد هذا الحديث ومتنه فيما علمت كلهم يجعل قوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين من كلام ابن شهاب وقد رواه حفص بن عمر المدني (1) عن ملك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين ولم يتابع حفص على هذا اللفظ بهذا الإسناد (2) وروى إسحاق بن سليمان عن ملك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ولم يتابع على هذا اللفظ أيضا في هذا الإسناد وإنما هذا لفظ حديث

8
سمي وسيأتي في بابه إن شاء الله ورواه الغداني (3) عن ملك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولم يذكر أبا سلمة ورواه جويرة (4) عن ملك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ولم يذكر سعيدا والصواب ما في الموطأ عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة وفي هذا الحديث من الفقه قراءة أم القرآن في الصلاة ومعناه عندنا في كل ركعة لدلائل سنذكرها في باب العلاء بن عبد الرحمن من كتابنا هذا عند قوله صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إن شاء الله وإنما قلنا إن فيه دليلا على قرآة فاتحة الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا ومعلوم أن التأمين هو قول الإنسان آمين عند دعائه أو دعاء غيره إذا سمعه ومعنى آمين عند العلماء اللهم استجب لنا دعاءنا وهو خارج على قول القارئ * (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) * إلى قوله * (ولا الضالين) * فهذا هو الدعاء الذي يقع عليه التأمين ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فكأن القارئ يقول اللهم اهدنا الصراط

9
المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين اللهم آمين وهذا بين واضح يغني عن الإكثار فيه وقد أجمع العلماء على أن لا تأمين في شيء من قراءة الصلاة إلا عند خاتمة فاتحة الكتاب ولم يختلفوا في معنى ما ذكرنا فنحتاج فيه إلى القول ولما كان قول الله عز وجل * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) * 5 دليلا على أنه لا بد من الأذان يوم الجمعة وإن كان ذلك خبرا فكذلك قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإمام يعني عند قوله ولا الضالين فأمنوا دليل على أنه لا بد من قراءة فاتحة الكتاب في كل صلاة وفي هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب دليل على فساد قول من قال إن الصلاة تجزي بغيرها وسنذكر الاختلاف في هذه المسألة ونأتي بالحجة لاختيارنا من ذلك في كتابنا هذا عند ذكر حديث العلاء بن عبد الرحمن إن شاء الله وقد قيل أن معنى آمين اشهد لله وقيل بل معناها (6) كذلك فعل الله

10
وفي آمين لغتان المد والقصر مثل أوه وآوه (7) قال الشاعر
* ويرحم الله عبدا قال آمين
* وقال آخر فقصر (8
* تباعد مني فحطل إذ دعوته
* أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
* وفي هذا الحديث أيضا أن الإمام يقول آمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا ومعلوم أن تأمين المأموم قوله آمين فكذلك يجب أن يكون قول الإمام سواء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سوى بينهما في اللفظ ولم يقل إذا دعا الإمام فأمنوا وهذا موضع اختلف فيه العلماء فروى ابن القاسم عن ملك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه دونه وهو قول ابن القاسم والمصريين من أصحاب ملك وحجتهم ظاهر حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين وسيأتي القول في حديث سمي في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ومثل حديث سمي حديث أبي موسى الأشعري قالوا ففي هذا الحديث دليل على أن الإمام يقتصر على قراءة ولا الضالين ولا يزيد على ذلك وإنما المأموم يؤمن قالوا وكما يجوز أن يسمى التأمين دعاء في اللغة فكذلك يسمى الدعاء تأمينا واحتجوا بقول الله عز وجل * (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما) *

11
لموسى وهارون ولا يختلف المفسرون أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن فقال الله عز وجل * (قد أجيبت دعوتكما) * قال أبو عمر ما قالوه من هذا كله فليس فيه حجة فليس في شيء من اللغات أن الدعاء يسمى تأمينا ولو صح لهم ما ادعوه وسلم لهم ما تأولوه لم يكن فيه الا أن التأمين يسمى دعاء وأما أن الدعاء يقال له تأمين فلا وإنما قال الله عز وجل * (قد أجيبت دعوتكما) * ولم يقل قد أجيب تأمينكما فمن قال الدعاء تأمين فمغفل لا رؤية له على أن قوله عز وجل * (قد أجيبت دعوتكما) * إنما قيل لأن الدعوة كانت لهما وكان نفعها عائدا عليهما بالانتقام من أعدائهما فلذلك قيل أجيبت دعوتكما ولم يقل دعوتاكما ولو كان التأمين دعاء لقال قد أجيبت دعوتاكما وجائز أن يسمى المؤمن داعيا لأن المعنى في آمين اللهم استجب لنا على ما قدمنا ذكره وهذا دعاء وغير جائز أن يسمى الدعاء تأمينا والله أعلم ومعلوم أن قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا لم يرد به فادعوا مثل دعاء الإمام اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة وهذا ما لا يختلف فيه وإنما أراد من المأموم قول آمين لا غير وهذا إجماع من العلماء فكذلك أراد من الإمام قول آمين لا الدعاء بالتلاوة لأنه قد سوى بينهما في لفظه صلى الله عليه وسلم بقوله إذا أمن الإمام فأمنوا فالتأمين من الإمام كهو من المأموم سواء وهو قول آمين هذا ما يوجبه ظاهر الحديث فكيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه

12
وسلم أنه كان يقول آمين إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب وهذا نص يرفع الإشكال ويقطع الخلاف وهو قول جمهور علماء المسلمين وممن قال ذلك ملك في رواية المدنيين
عنه منهم عبد الملك بن الماجشون ومطرف بن عبد الله وأبو المصعب الزهري وعبد الله بن نافع وهو قولهم قالوا يقول آمين الإمام ومن خلفه وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وداود والطبري وجماعة أهل الأثر لصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ووائل بن حجر وقال الكوفيون وبعض المدنيين لا يجهر بها وهو قول الطبري وقال الشافعي وأصحابه وأبو ثور وأحمد بن حنبل وأهل الحديث يجهر بها حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي (10) عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قالا (11) حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عمروس

13
المعدل قالا (12) جميعا حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زريق (13) قال حدثنا عمرو بن الحارث قال حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري قال حدثنا الزبيدي (14) قال حدثنا محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن (15) العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته ورواه أبو إسحاق (16) عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان

14
قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عاصم الأحول عن أبي عثمان أن بلالا قال يا رسول الله لا تسبقني بآمين وذكره أبو داود حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن بلال مثله (17) وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء كان ابن الزبير يقول آمين ومن خلفه حتى أن للمسجد للجة (18) قال نعم وكان أحمد بن حنبل يغلظ على من كره الجهر بها قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم ما حسدنا اليهود على شيء ما حسدونا على آمين (19) وأما قوله في هذا الحديث من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ففيه أقوال منها أنه يحتمل أن يكون أراد فمن أخلص في قوله آمين بنية صادقة وقلب صاف ليس بساه ولا لاه فيوافق الملائكة الذين في السماء الذين يستغفرون لمن في الأرض ويدعون بنيات صادقة ليس عن قلوب لاهية غفر له إذا أخلص في دعائه واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فليجتهد وليخلص فإن الله لا يقبل الدعاء من قلب

15
لاه (20) وقال اجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم فكأنه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة الذين يخلصون في الدعاء غفر له وهذا تأويل فيه بعد وقال آخرون إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة فإن الملائكة تستغفر للمؤمنين في الأرض فمن دعا في صلاته للمؤمنين غفر له لأنه يكون دعاؤه حينئذ موافقا لدعاء الملائكة المستغفرين لمن في الأرض من المؤمنين وفي قوله (اهدنا) دعاء للداعي وأهل دينه إن شاء الله والتأمين على ذلك فلذلك ندب إليه والله أعلم وقال آخرون إن الملائكة من الحفظة الكاتبين والملائكة المتعاقبين لشهود الصلاة مع المؤمنين يؤمنون عند قول القارئ (ولا الضالين) فمن فعل مثل فعلهم وأمن غفر له فحضهم بذلك على التأمين قال الله عز وجل * (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين) * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الفجر الحديث

16
فإن قيل حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال أحدكم آمين فقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه وهذا دليل على أنه لم يرد الملائكة الحافظين ولا المتعاقبين لأنهم حاضرون معهم في الأرض لا في السماء قيل له لسنا نعرف موقف الملائكة منهم ولا نكيف ذلك وجائز أن يكونوا فوقهم وعليهم وعلى رؤوسهم فإذا كان كذلك فكل ما علاك فهو سماء وقد تسمي العرب المطر سماء لأنه ينزل من السماء ويسمى الربيع سماء لأنه تولد من مطر السماء وتسمى الشيء باسم ما قرب منه وجاوره قال الشاعر
* إذا نزل السماء بأرض قوم
* رعيناه وإن كانوا غضابا
* فسمى الماء النازل من السماء والمتولد منه سماء فالله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في
السماء إن كان قاله فان أخبار الآحاد لا يقطع عليها وكذلك هو العالم لا شريك له بمعنى قوله حقيقة فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ولا يدفع أن يكون المؤمنون ملائكة السماء فقد روى ابن جريج عن الحكم بن أبان أنه سمع عكرمة يقول إذا أقيمت الصلاة فصف أهل الأرض صف أهل السماء فإذا قال أهل الأرض ولا الضالين قالت الملائكة آمين فإذا وافقت آمين أهل الأرض آمين أهل السماء غفر لأهل الأرض ما تقدم من ذنوبهم وكل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا وفيما

17
قالوه من ذلك نظر وبالله عصمتنا وتوفيقنا وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن أعمال البر تغفر بها الذنوب وفي قول الله عز وجل * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * 23 كفاية وقد مضى القول في هذا المعنى مستوعبا في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن اعادته ههنا

18
حديث ثان لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة متصل مسند مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جرح العجماء جبار وفي الركاز الخمس (1) قال ملك وتفسير الجبار أنه لا دية فيه قال أبو عمر لا يختلفون أن الجبار الهدر الذي لا أرش فيه ولا دية على ما قال ملك رحمه الله قال الشاعر
* كم ملك نزع الملك عنه
* وجبار بها (2) دمه جبار
* هكذا روى هذا الحديث جمهور الرواة عن ملك كما رواه يحيى ورواه القعنبي عن ملك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة لم يذكر أبا سلمة هكذا ذكره إسماعيل القاضي عن القعنبي وهو عندنا في الموطأ للقعنبي من رواية علي بن عبد العزيز وغيره عن القعنبي

19
ملك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة مسندا كما رواه يحيى وغيره في الموطأ هكذا ذكره القعنبي في كتاب الديات في الموطأ وذكره في كتاب الزكاة فقال فيه ملك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس هكذا ذكره القعنبي في كتاب الزكاة اختصر إسناده ولفظه وذكره يحيى في كتاب الزكاة مختصرا للفظ وجاء بإسناده كاملا فقال عن ملك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وفي الركاز الخمس وأما ابن القاسم في رواية سحنون فرواه عن ملك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا هكذا وأما اختلاف أصحاب ابن شهاب في إسناد هذا الحديث فرواه ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا سلمة هكذا حدث عنه ابن أبي شيبة وغيره ورواه الليث بن سعد كما رواه ملك سواء عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العجماء جرحها جبار الحديث بتمامه سواء وكذلك رواه معمر وابن جريج ذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال العجماء جبار والبئر جرحها جبار والمعدن جرحه جبار وفي الركاز الخمس والعجماء عند العرب كل بهيمة وسبع وحيوان غير ناطق مفصح قال الشاعر يصف كلبا

20
* يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا
* يكلمه من حبه وهو أعجم
* وقال أحمد بن ثور يصف حمامة
* ولم أر محزونا له مثل صوتها
* ولا عربيا شاقه صوت أعجما
* قال ابن جريج والجبار في كلام أهل تهامة الهدر والركاز ما وجد في معدن وما استخرج منه وما وجد من
مال مدفون كان قبل هذه الأمة وقال ابن جريج وأقول هو مغنم وقال أهل اللغة الجبار الهدر الذي لا يجب فيه شيء وجرح العجماء جنايتها وأجمع العلماء على أن العجماء إذا جنت جناية نهارا أو جرحت جرحا لم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر لا دية فيه على أحد ولا أرش واختلفوا في المواشي يهملها صاحبها ولا يمسكها ليلا فتخرج فتفسد زرعا أو كرما أو غير ذلك من ثمار الحوائط والأجنة وخضرها وسنذكر اختلافهم في ذلك ونوضح القول فيه عند ذكر حديث ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة من كتابنا هذا إن شاء الله ولا خلاف بينهم أن ما أفسدت المواشي وجنت نهارا من غير سبب آدمي أنه هدر من الزروع وغيرها إلا ما روى عن ملك وبعض أصحابه في الدابة الضارية المعتادة الفساد على ما سنذكره إن شاء الله تعالى في باب ابن شهاب عن حرام بن محيصة وأما السائق للدابة أو راكبها أو قائدها فإنهم عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين ضامنون لما جنت الدابة من أجلهم وبسببهم وقال داود وأهل الظاهر لا ضمان في جرح العجماء على أحد على أي حال كان برجل أو بمقدم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل جرحها جبارا ولم يخص حالا من حال قالوا فلا ضمان على أحد بسبب جناية عجماء إلا أن يكون حملها على ذلك وأرسلها عليه فتكون حينئذ كالآلة فيضمن

21
بجناية نفسه وقصده إلى إفساد مال غيره والجناية عليه قالوا وكذلك إذا تعدى في إرسالها أو ربطها في موضع لا يجب له ربطها فيه وأما من لم يقصد إلى ذلك فلا يضمن جناية دابة وإن كان سبب ذلك إذا فعل من ركوبها وسياقتها وقيادتها وإرسالها ماله فعله فلا يضمن إلا الفاعل القاصد إلا أن يجمعوا على غيره في موضع ما فيجب التسليم لإجماعهم في ذلك الموضع خاصة قال أبو عمر لا خلاف علمته أن ما جنت يد الإنسان خطأ أنه يضمنه في ماله فإن كان دما فعلى عاقلته تسليما للسنة المجتمع عليها وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين ضمان السائق والراكب والقائد على الأصل الذي قدمنا فافهمه وجاء عن عمر بن الخطاب أنه ضمن الذي أجرى فرسه عقل ما أصاب الفرس وذكر ابن وهب قال أخبرني يونس وابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل قاد بدنة فأصابت طيرا فقتلته فقال إن كان يقودها أو يسوقها حتى أصابت الطير فقد وجب عليه جزاء ما قتلت وإن لم يكون يقودها ولا يسوقها فليس يجب عليه جزاء ما أصابت وقال ابن سيرين كانوا لا يضمنون من النفحة (3) ويضمنون من رد العنان وقال حماد لا يضمن النفحة إلا أن ينخس الإنسان الدابة وعن شريح مثله وقال حماد أيضا إذا ساق المكاري حمار عليه امرأة فتخر (4) فلا شيء عليه وقال الشعبي إذا ساق الدابة

22
فأتعبها فهو ضامن لما أصابت وإن كان (5) مسترسلا لم يضمن وذكر إسماعيل القاضي قال حدثنا الهروي (6) قال حدثنا أشعث عن ابن سيرين عن شريح أنه كان يضمن الفارس ما أوطأت دابته بيد أو رجل ويبرئ من النفحة قال إسماعيل وقاله الحسن والنخعي وذلك لأن الراكب كان سببه وقال ملك إن فزعها الراكب أو عنتها ضمن ما أصابت برجلها وإن لم يفزعها ولم يعنتها لم يضمن ما أصابت برجلها ويضمن ما أصابت بمقدمها على كل حال وقال أبو حنيفة وأصحابه في نفحة الدابة برجلها إذا كان صاحبها يسير عليها فالضمان عليه وقد روى عن شريح أنه أبطل النفحة بالرجل قال الطحاوي لا يمكن التحفظ من الرجل والذنب فهو جبار على كل حال ويمكنه التحفظ من اليد والفم فعليه ضمانه وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ضمان على أصحاب البهائم فيما تفسد وتجنى عليه لا في الليل ولا في النهار إلا أن يكون راكبا أو سائقا أو قائدا أو مرسلا وقال الشافعي الضمان عن البهائم على وجهين أحدهما ما أصابت من الزرع بالليل فأفسدته والوجه الثاني إذا كان الرجل راكبا فما أصابت بيدها أو رجلها
أو فمها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما تتلف به شيئا قال وكذلك إذا كان سائقا أو قائدا وكذلك الإبل المقطرة بالبعير لأنه

23
قائدها قال ولا يجوز في هذا الاضمان كل ما أصابت به الدابة تحت الراكب أولا يضمن إلا ما حملها عليه لا يصح إلا أحد هذين القولين فأما من ضمن عن يدها ولم يضمن عن رجلها فهو تحكم قال وأما ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الرجل جبار فهذا خطأ لأن الحفاظ لم يحفظوه هكذا قال ولو أوقفها في موضع ليس له أن يوقفها فيه ضمن ولو أوقفها في ملكه لم يضمن قال ولو جعل في داره كلبا عقورا أو حبالة فدخل إنسان فقتله الكلب لم يكن عليه شيء قال المزني سواء عندي أذن لذلك الإنسان أن يدخل الدار أو لم يأذن وقال ابن شبرمة وابن أبي ليلى يضمن ما أتلفت الدابة برجلها إذا كان عليها أوقادها أو ساقها كما يضمن ما أتلفت وهو عليها بغير رجلها كقول الشافعي سواء وقال الأوزاعي والليث بن سعد في هذا الباب كله كقول ملك لا يضمن ما أصابت الدابة برجلها من غير صنعه ويضمن ما أصابت بيدها ومقدمها إذا كان راكبا عليها أو سائقا لها أو قائدا قال أبو عمر من فرق بين الرجل والمقدم في راكب الدابة وسائقها وقائدها فحجته أنه يمكنه التحفظ من جناية فمها ويدها إذا كان راكبا عليها أو قائدا لها ولا يمكنه ذلك من رجلها ومن حجته أيضا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرجل جبار وهذا لا يثبته أهل العلم بالحديث وله إسنادان أحدهما رواه الثوري وغيره عن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

24
البير جبار والرجل جبار والعجماء جبار وفي الركاز الخمس وهذا حديث مرسل هكذا رواه الثوري (7) وغيره عن أبي قيس هذا ورواه زياد (8) بن عبد الله البكائي عن الأعمش عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله وأسنده وليس زياد البكائي ممن يحتج به إذا خالفه مثل الثوري وأبو قيس أيضا ليس ممن يحتج به في حكم ينفرد به والإسناد الآخر ما رواه سفيان بن حسين الواسطي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل (9) جبار وهذا حديث لا يوجد عند أحد من أصحاب الزهري إلا سفيان بن

25
حسين وهو عندهم فيما ينفرد به لا تقوم به حجة وقد روى (10) معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال النار جبار وقال يحيى بن معين أصله البير جبار ولكنه صحفه معمر قال أبو عمر في قول ابن معين هذا نظر ولا يسلم له حتى يتضح (11)

26
حدثنا محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي (12) أخبرنا جعفر بن عبد الواحد قال قال لنا ابن عقبة بن عبد الغافر أخبرنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النار جبار والبير جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس وقد كان الشعبي رحمه الله يفتي بأن الرجل جبار رواه أبو فروة والشيباني (13) عن الشعبي قال أبو عمر لا أعلم خلافا عن ملك وأصحابه وسائر فقهاء الأمصار من أهل الحجاز والعراق والشام أن من أوقف دابته في موضع ليس له أن يوقفها

27
فيه ولا يجوز له ذلك من طريق ضيق أو غير ذلك مما ليس له أن يفعله فجنت جناية أنه ضامنها وإن أوقفها في موضع يعرف الناس مثله توقف فيه الدواب أو يوقف فيه مثل دابته قال ابن حبيب نحو دار نفسه أو باب المسجد أو دار العالم أو القاضي أو ما أشبه ذلك فلا ضمان عليه فيما جنت وكذلك إذا أرسلها في موضع ليس له أن يرسلها فيه ضمن ما جنت وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث والبير جبار فمعناه أنه لا ضمان على رب البير وحافرها إذا سقط فيها إنسان أو دابة أو غير ذلك فتلف وعطب هذا إذا كان حافر البير قد حفرها في موضع يجوز له أن يحفرها فيه مثل أن يحفرها في فنائه أو في ملكه أو في داره أو في صحراء للماشية أو في طريق واسع محتمل ونحو ذلك وهذا كله قول ملك والشافعي وداود وأصحابهم وقول الليث بن سعد قال ابن القاسم قال ملك للإنسان أن يحفر في الطريق بيرا يحدثها للمطر وله أن يحفر إلى جنب حائطه مرحاضا وله أن يحدث في داره ميزابا ولا يضمن ما عطب بشيء من ذلك قال وما حفره في الطريق مما لا يجوز له لضيق الطريق أو لغير ذلك ضمن ما عطب به وقال ابن القاسم أيضا عن ملك إن حفر في داره بيرا لسارق يرصده ليقع فيه أو وضع له حبالات أو شيئا يتلف به السارق فدخل فعطب فهو ضامن قال أبو عمر وجه قوله هذا أنه لم يحفر البير لمنفعته وإنما حفرها قاصدا ليعطب بها غيره فهو الجاني حينئذ والله أعلم وأما الشافعي فلا ضمان عليه عنده في هذا فيما علمت وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد له أن يحدث في الطريق ما لا يضر به قالوا وهو ضامن لما أصابه

28
قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم والبير جبار يدفع الضمان عن ربها في كل ما سقط فيها بغير صنيع آدمي والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث والمعدن جبار فتأويله أن المعادن المطلوب فيها الذهب والفضة تحت الأرض إذا سقط شيء منها وانهار على أحد من العاملين فيها فمات أنه هدر لا دية له في بيت المال ولا غيره وكذلك من سقط فيها فعطب بعد حفرها وأما قوله صلى الله عليه وسلم وفي الركاز الخمس فإن العلماء اختلفوا في الركاز وفي حكمه فقال مالك الركاز في أرض العرب للواجد وفيه الخمس قال وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد ولا شيء للواجد فيه قال وما وجد في أرض العنوة فهو للجماعة الذي افتتحوها وليس لمن أصابه دونهم ويؤخذ خمسه قال ابن القاسم كان ملك يقول في العروض والجوهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا أن فيه الخمس ثم رجع فقال لا أرى فيه شيئا ثم آخر ما فارقناه عليه أن قال فيه الخمس وقال إسماعيل بن إسحاق كل ما وجده المسلمون في خرب الجاهلية من أرض العرب التي يفتتحها المسلمون من أموال الجاهلية ظاهرة أو مدفونة في الأرض فهو الركاز ويجري مجرى الغنائم يكون لمن وجده أربعة أخماس ويكون سبيل خمسه سبيل خمس الغنائم يجتهد فيه الإمام على ما يراه من صرفه في الوجوه التي ذكر الله من مصالح المسلمين قال وإنما حكم للركاز بحكم الغنيمة لأنه مال كافر وجده مسلم فأنزل منزلة من قاتله وأخذ ماله فإن له أربعة أخماسه وقال الثوري في الركاز

29
يوجد في الدار أنه للواجد دون صاحب الدار وفيه الخمس وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد الركاز من الذهب والفضة وغيرهما مما كان من دفن الجاهلية أو البدرة أو القطعة يكون تحت الأرض فيوجد بلا مؤنة وفيه الخمس وقول الطبري كقولهم سواء وقال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار أنه لصاحب الدار دون الواجد وفيه
الخمس وقال أبو يوسف هو للواجد وفيه الخمس وإن وجد في فلاة فهو للواجد في قولهم جميعا وفيه الخمس ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة وسواء عندهم أرض العرب وغيرها وجائز عندهم لواجده أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه للمساكين قال أبو عمر وجه هذا عندي من قولهم أنه أحد المساكين وأنه لا يمكن السلطان إن صرفه عليهم أن يعمهم به وقال الشافعي الركاز دفن (14) الجاهلية العروض وغيرها وفيه الخمس وسواء وجده في أرض عنوة أو صلح بعد أن لا يكون في ملك أحد فإن وجده في ملك غيره فهو له إن ادعاه وفيه الخمس وإن لم يدعه فهو للواجد وفيه الخمس قال وإن أصاب شيئا من ذلك في أرض الحرب أو منازلهم فهو غنيمة له وللجيش وإنما يكون للواجد ما لا يملكه العدو مما لا يوجد إلا في الفيافي قال أبو عمر أصل الركاز في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة وسائر الجواهر وهو عند الفقهاء أيضا كذلك لأنهم يقولون في البدرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل ولا بسعي ولا نصب ففيها الخمس لأنها ركاز ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة العلماء

30
وكان لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام من الأمور العادية وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة لأنه ملك مسلم لا خلاف بينهم في ذلك فقف على هذا الأصل وقد استدل بعض أصحابنا وغيرهم من هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم والمعدن جبار وفي الركاز الخمس على أن الحكم في زكاة المعادن غير الحكم في الركاز لأنه صلى الله عليه وسلم قد فصل بين المعادن والركاز بالواو الفاصلة ولو كان المعدن والركاز حكمهما سواء لقال صلى الله عليه وسلم والمعدن جبار وفيه الخمس فلما قال العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما وجد منه والله أعلم وقد استدل قوم بما ذكرنا وفي ذلك عندي نظر وقد اختلف الفقهاء فيما يؤخذ من المعادن فقال أبو حنيفة وأصحابه فيما خرج من المعادن من الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخمس وما كان في المعدن من الذهب والفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده ما يجب فيه الزكاة فزكاه لتمام الحول إن أتى عليه وهو نصاب عنده الحول هذا إذا لم يكن معه ذهب أو فضة وجبت فيه الزكاة وإن كان عنده من ذلك ما تجب فيه الزكاة ضمه إلى ذلك وزكاه وكذلك عندهم كل فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وتزكى بحول الأصل وهو قول الثوري قالوا وكلما ارتكز بالأرض من ذهب أو فضة أو غيرهما من الجواهر فهو ركاز وفيه الخمس في قليله وكثيره على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم وفي الركاز الخمس وقال الأوزاعي في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء غيرهما وقال مالك وأصحابه لا شيء فيما يخرج من

31
المعادن من ذهب أو فضة حتى يكون عشرين مثقالا ذهبا أو خمس أواقي فضة وإذا بلغتا هذا المقدار وجب فيهما الزكاة وما زاد فبحاسب ذلك ما دام في المعدن نيل فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل آخر فإنه يبتدأ فيه الزكاة مكانه والمعدن عندهم بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه ولا ينتظر به حولا فإن انقطع عمله ولم يكمل فيما خرج بذلك العمل نصاب ثم ابتدأ العمل لم يضم ما خرج إلى ما حصل بالعمل الأول كزرع ابتدىء حصاده قال وإن وجد الذهب والفضة في المعدن من غير كثير عمل كالبدرة وشبهها فهو بمنزلة الركاز وفيه الخمس قال ملك وما وجد في المعدن بغير عمل فهو ركاز فيه الخمس وقد مضى ذكر زكاة المعدن خاصة في باب ربيعة وهذا كله تحصيل مذهب مالك عند جماعة أصحابه وروى ابن سحنون عن أبيه عن ابن نافع عن مالك في البدرة تخرج من المعدن أن فيها الزكاة وإنما الخمس في الركاز وهو دفن الجاهلية قال مالك ولا شيء فيما يخرج من المعادن من غير الذهب والفضة والمعادن في أرض العرب والعجم وقال في المعدن في أرض الصلح إذا ظهر فيها فهو لأهلها ولهم أن يمنعوا الناس من العمل فيها وأن يأذنوا لهم ولهم ما يصالحون عليه من خمس أو غيره قال ملك وما فتح عنوة فهو إلى السلطان يفعل فيه ما يشاء وقال سحنون في رجل له معادن أنه لا يضم ما في واحد منها إلى غيرها ولا يزكى إلا عن مأتي درهم أو عشرين دينارا في كل واحد وقال محمد بن مسلمة يضم بعضها إلى بعض ويزكى الجميع كالزرع وذكر المزني عن الشافعي قال وأما الذي أنا واقف فيه فما يخرج من المعادن قال المزني الأولى به على أصله أن يكون ما يخرج من

32
المعدن فائدة تركى لحوله بعد إخراجه قال وقال الشافعي ليس في شيء أخرجته المعادن زكاة غير الذهب والورق وقال عنه الربيع في البويطي ومن أصاب من معدن ذهبا أو ورقا فقد قيل هو كالفائدة يستقبل بها الحول وقيل إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة زكاه مكانه وقال الليث بن سعد ما يخرج من المعادن من الذهب والفضة فهو بمنزلة الفائدة تستأنف به حولا ولا تجري فيه الزكاة إلا مع مرور الحول وهو قول الشافعي فيما حصله المزني من مذهبه وقول داود وأصحابه قال داود وما خرج من المعادن فليس بركاز إنما الركاز دفن الجاهلية وفيه الخمس لغير الواجد وما يخرج من المعادن فهو فائدة إذا حال عليها الحول عند مالك صحيح الملك وجبت فيها الزكاة في الفضة والذهب على مقداريهما وحجة مالك في إيجابه الزكاة في المعادن حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة وهذا حديث منقطع الإسناد (15) لا يحتج بمثله أهل

33
الحديث ولكنه عمل يعمل به عندهم في المدينة واحتج الشافعي بحديث عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى قوما من المؤلفة قلوبهم ذهبة في تربتها بعثها علي من اليمن قال والمؤلفة إنما حقهم في الزكوات فتبين بهذا أن المعادن سنتها سنة الزكاة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن (16) مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب بعث بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وزيد الطائي أحد بني نبهان وحدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال وحدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة (17) بن القعقاع عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال بعث علي من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدهبة في أدم (18) مقروظ ولم تحصل من تربتها

34
فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر بين زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وابن علاثة أو عامر (19) بن الطفيل وذكر الحديث وقال
الطحاوي قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء من غنائم خيبر وهم المؤلفة قال وعلي أن عليا لم يكن على الصدقة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستعمل على الصدقة أحدا من بني هاشم وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان (20) قال سمعناه من داود بن شابور (21) ويعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنز وجده رجل إن كنت وجدته في قرية مسكونة أو في سبيل (22) ميتاء فعرفه وإن كنت وجدته في قرية جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو في غير سبيل ميتاء ففيه وفي الركاز الخمس حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا مطرف قال حدثنا ملك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس

35
حديث ثالث لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة مرسل يتصل من وجوه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه هكذا روى هذا الحديث عن مالك أكثر الرواة للموطأ وغيره مرسلا إلا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون وأبا عصام النبيل ويحيى بن إبراهيم بن داود بن أبي قبيلة (1) المدني وأبا يوسف القاضي وسعيدا الزبيري (2) فإنهم رووه عن مالك بهذا الإسناد متصلا عن أبي هريرة مسندا واختلف فيه عن ابن وهب عن مالك فروى عنه مرسلا كما في الموطأ وروى عنه مسندا كرواية ابن الماجشون ومن تابعه وكذلك اختلف فيه عن مطرف عن مالك

36
سواء ورواه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي (3) عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة ولم يذكر أبا سلمة والقدامي ضعيف منكر الحديث فأما رواية ابن الماجشون لهذا الحديث فأخبرنا خلف بن قاسم الحافظ وأحمد بن فتح قالا حدثنا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي قال حدثنا أبو بكر محمد بن أصبغ بن مليح المرادي قال حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود بن حماد المهري (4) قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون قال أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم

37
فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (5) زاد ابن قاسم فيه وذكره أبو الحسن علي بن عمر (6) الحافظ قال حدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا سعد (7) بن عبد الله بن الحكم وإسماعيل بن إسحاق بن سهل قال علي (6) وثنا محمد بن مخلد قال حدثنا أحمد بن منصور بن راشد المروزي قال علي (6) وثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا أبو داود السجستاني قال حدثنا سليمان بن داود المهري قال وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا الحسن بن (8) شيبب حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود بن أخي رشدين ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قالوا (9) كلهم حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فيه وحدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى

38
ابن أيوب بن بادي (10) العلاف قال حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود قال حدثنا عبد الملك عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا ملك بن عيسى القفصي الحافظ قال حدثنا سعيد (11) بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن ملك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وحدثنا خلف حدثنا عبد الملك بن محمد العقيلي حدثنا العباس بن محمد البصري حدثنا أبو الربيع سليمان بن أخي رشدين بن سعد حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون حدثنا مالك فذكر بإسناده مثله وحدثنا خلف قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا أحمد بن الحجاج وحدثنا خلف حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد بن شعيب قالا (12) حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء وأما رواية أبي عاصم فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ

39
قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن عبد الله المديني قال حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة قال إسماعيل بن إسحاق قال علي بن المديني قلت لأبي عاصم من أين سمعت هذا من مالك يعني حديث الشفعة مسندا فقال سمعت منه بمني أيام أبي جعفر وقال علي بن عمر حدثنا عثمان بن أحمد وأبو سهل بن زياد وأبو بكر الشافعي قالوا حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن نصر قالوا لأبي عاصم أن الناس يخالفونك في مالك في حديث الشفعة فلا يذكرون فيه أبا هريرة فقال أبو عاصم هاتوا من سمعه من مالك في الوقت الذي سمعته أنا فيه إنما كان قدم علينا أبو جعفر (13) مكة فاجتمع الناس إليه وسألوه أن يأمر مالكا أن يحدثهم فأمره فسمعته من مالك في ذلك الوقت قال علي بن (14) نصر وهذا في حياة ابن جريج لأن أبا عاصم خرج من مكة إلى البصرة حين مات ابن جريج ولم يعد وقد كان أبو عاصم يتهيب إسناد هذا الحديث حتى بلغته رواية ابن إسحاق له عن الزهري فرجع

40
إلى الحديث به قال إسماعيل حدثناه علي بن المديني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق ويزيد بن سنان قالا حدثنا أبو عاصم عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (15) زاد يزيد بن سنان قال أبو عاصم ثم لقيت مالكا بعد ثلاث سنين فحدثناه فلم
يذكر أبا سلمة ولم يذكر أبا هريرة وجعله عن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا محمد بن عمروس حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري حدثنا يزيد بن سنان وبكار بن قتية وأبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم ومحمد بن إسحاق الصاغاني قالوا حدثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم تقع الحدود فإذا

41
وقعت الحدود فلا شفعة ورواه أبو قلابة (16) الرقاشي وعبد (17) الدوري ومحمد بن العوام (18) الزيادي ومحمد بن سنان القزاز كلهم عن أبي عاصم بإسناده ومعناه ولفظ أبي قلابة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا حدت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ورواه إبراهيم بن (19) هاني عن أبي عاصم عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا قال علي بن عمر وحدثنا أبو علي الصفار حدثنا أبو داود السجستاني قال سمعت أبا جعفر الدارمي أحمد بن سعيد قال قال أبو عاصم هكذا حدثنا به مالك سنة ست وأربعين كأنه يقول عن سعيد مرسل وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وأما رواية يحيى بن أبي قتيلة فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر عبيد (20) بن محمد العمري بمصر قال حدثني أبو إبراهيم يحيى بن أبي قتيلة

42
المدني عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن الرازي قال حدثنا أبو بكر عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري القاضي املاء قال حدثنا أبو إبراهيم يحيى ابن أبي قتيلة المدني قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وأحمد بن الحسن بن إسحاق قالا حدثنا عبيد الله بن محمد العمري قال حدثنا أبو إبراهيم يحيى ابن أبي قتيلة المدني عن مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وأخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا يحيى بن أبي قتيلة حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (21) وأما رواية ابن وهب على الاتصال فحدثنا خلف بن القاسم وأحمد بن فتح قالا حدثنا أبو أحمد عبد الله ابن محمد بن ناصح المفسر قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن

43
إسماعيل الكوفي قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد ين المسيب وأبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وقد ذكر الطحاوي أن قتيبة المهري رواه عن مالك كما رواه ابن الماجشون وأبو عاصم والله أعلم وذكر الدارقطني من رواية أبي يوسف القاضي ومطرف بن عبد الله المدني وابن وهب وسعيد بن داود الزبيري (22) بالأسانيد عنهم عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وأما سائر أصحاب ابن شهاب غير مالك فإنهم اختلفوا فيه عليه أيضا فرواه عنه محمد بن إسحاق كما ذكرنا عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا سلمة ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا لم يذكر أبا سلمة وجعله مرسلا عن سعيد رواه ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قسمت الأرض أو حدت فلا شفعة هكذا ذكره محمد بن يحيى عن حسن بن الربيع عن ابن إدريس عن ابن جريج (23) ولم يروه عبد الرزاق عن ابن جريج ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال إنما جعل رسول

44
الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (24) لم يذكر سعيدا وجعله عن جابر هكذا رواه عبد الرزاق ومحمد بن ثور وهشام بن يوسف عن معمر أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون البجلي بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال قال لي أحمد بن حنبل رواية معمر عن الزهري في حديث الشفعة حسنة قال وقال لي يحيى بن معين رواية مالك أحب إلي وأصح في نفسي مرسلا عن سعيد وأبي سلمة (25) قال أبو عمر كان ابن شهاب رحمه الله أكثر الناس بحثا على هذا الشأن فكان ربما اجتمع له في الحديث جماعة فحدث به مرة عنهم ومرة عن أحدهم ومرة عن بعضهم على قدر نشاطه في حين حديثه وربما أدخل حديث بعضهم في حديث بعض كما صنع في حديث الإفك وغيره وربما لحقه الكسل فلم يسنده وربما انشرح فوصل وأسند على حسب ما تأتي به المذاكرة فلهذا اختلف أصحابه عليه اختلافا كبيرا في أحاديثه ويبين لك ما قلنا روايته لحديث ذي اليدين رواه عنه جماعة فمرة يذكر فيه واحدا ومرة اثنين ومرة جماعة ومرة جماعة غيرها ومرة يصل ومرة يقطع وحديثه هذا في الشفعة حديث صحيح معروف

45
عند أهل العلم مستعمل عند جميعهم لا أعلم بينهم في ذلك اختلافا كل فرقة من علماء الأمة يوجبون الشفعة للشريك في المشاع من الأصول الثابتة التي يمكن فيها صرف الحدود وتطريق الطرق وأوجبت طائفة الشفعة للجار الملاصق لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رافع الجار أحق بصقبه وهو حديث يرويه ابن (26) ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لفظ مشكل ليس فيه تصريح بالشفعة والصقب القرب وهو حديث قد اختلف في إسناده وفي معناه ولم يثبت فيه شيء أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله ابن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى القفصي قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال أحمد بن صالح هو حجازي ثقة (27) وهو أبو يعلى بن كعب قال سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المرء أحق بصقبه قلت لعمرو وما صقبه قال الشفعة قلت من الناس من يقول الجوار قال إن الناس ليقولون ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن

46
جريج عن أبي الزبير عن جابر قال إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل شريك (28) ربع أو حائط وذكر الحديث قال وحدثنا محمد بن يحيى بن
فارس ثنا حسين (29) بن الربيع حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو عن سعيد ابن المسيب أو عنهما جميعا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها وأوجب آخرون الشفعة بالطريق إذا كان طريقهما واحدا لحديث يروونه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحد وهذا الحديث يرويه عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أنبأنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله فذكره (30) ويحتمل أن يكون الجار المذكور في هذا الحديث هو

47
الشريك في المشاع والعرب قد تسمي الشريك جارا والزوجة جارة (31) وإذا حمل على هذا لم تتعارض الأحاديث على أني أقول إن حديث عبد الملك هذا في ذكر الطريق قد أنكره يحيى القطان وغيره وقالوا لو جاء بآخر مثله ترك حديثه وليس عبد الملك هذا مما يعارض به أبو سلمة وأبو الزبير وفيما ذكرنا من روايتهما عن جابر ما يدفع رواية عبد الملك هذه وإيجاب الشفعة إيجاب حكم والحكم إنما يجب بدليل لا معارض له وليس في الشفعة أصل لا اعتراض فيه ولا خلاف إلا في الشريك المشاع فقف عليه وفي قول جابر بن عبد الله إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل شرك ربع أو حائط ما ينفي الشفعة في غير المشاع من العقار

48
وفي قوله صلى الله عليه وسلم إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة ما ينفي شفعة الجار وبالله التوفيق وقد أوجب قوم الشفعة في كل شيء من الحيوان أو غيره وسائر المشاع من الأصول وغيرها وهي طائفة من المكيين ورووا في ذلك حديثا من أحاديث الشيوخ التي لا أصل لها ولا يلتفت إليها لضعفها ونكارتها (32) وأبى أكثر فقهاء الحجاز من الشفعة في شيء من ذلك كله إلا أن يكون أصلا مشاعا يحتمل القسمة وتصلح فيه الحدود لحديث ابن شهاب هذا لأنه ينفي الشفعة في كل مقسوم بقوله فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وهو مذهب عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال إذا قمست الأرض وحدت فلا شفعة فيها قال وأخبرنا مالك عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن حزم أن عثمان بن عفان قال إذا وقعت الحدود فلا شفعة فيها قال وأخبرنا معمر والثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن عمر ابن عبد العزيز قال إذا ضربت الحدود فلا شفعة فيها قال وأخبرنا

49
ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال قلت لطاوس إن عمر بن عبد العزيز كتب إذا ضربت الحدود فلا شفعة قال طاوس الجار أحق قال أبو عمر إذا لم تجب الشفعة للشريك إذا قسم وضرب الحدود كان الجار الملاصق لم يقسم ولا ضرب الحدود أبعد من أن يجب ذلك له فالشفعة واجبة بهذا الحديث في كل أصل مشاع من ربع أو أرض أو نخل أو شجر تمكن فيه القسمة والحدود وهذا في الشريك في المشاع دون غيره إجماع من العلماء وفي قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في المشاع بعد تمام البيع دليل على جواز بيع المشاع وإن لم يتغير (33) إذا علم السهم والجزء والدليل على صحة تمام البيع في المشاع أن العهدة إنما تجب على المبتاع وفي قوله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم دليل على أن مالا يقسم ولا يضرب فيه حدود لا شفعة فيه وهذا ينفي الشفعة أيضا في الحيوان وغيره مما لا يقسم ويوجبها في الأصل الثابت في الأرض المشاع دون ما عداه فإن قيل إن الأحاديث الموجبة للشفعة للجار وغيره فيها زيادة حكم على حديث ابن شهاب هذا فيجب المصير إليها قيل له قد عارضها حديث ابن شهاب لأنه ينفي الشفعة بقوله الشفعة في كل شرك لم يقسم فأوجب الشفعة في المشاع وأبطلها في المقسوم وإذا حصلت الآثار في هذا الباب متعارضة متدافعة سقطت عند النظر ووجب الرجوع إلى الأصول وأصول السنن كلها والكتاب يشهد أنه لا يحل إخراج ملك من يد قد ملكته ملكا صحيحا إلا بحجة لا معارض لها والمشتري شراء صحيحا قد

50
ملك ملكا تما فكيف يؤخذ ماله بغير طيب نفس منه دون حجة قاطعة يجب التسليم لها وهذا الذي احتججنا له كله قول مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وعامة أهل الأثر إلا أن أصحاب مالك اختلفوا في الشفعة في الثمرة إذا بيعت حصة منها دون الأصل فأوجب الشفعة للشريك فيها ابن وهب وابن القاسم وأشهب ورووه عن مالك وقال المغيرة وعبد الملك ابن الماجشون وابن أبي حازم وابن دينار لا شفعة فيها ورووه عن مالك أيضا وهو قول أكثر أهل المدينة وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأهل النظر والأثر وهو الصحيح عندي وبالله التوفيق وقد حكى ابن القاسم عن مالك أنه قال ما أعلم أحدا قبلي أوجب الشفعة في الثمرة وحسبك بهذا ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنهم لا يوجبون الشفعة في الثمرة إذا بيعت مع الأصل واشترطها مشتريها وهو قول جمهور الفقهاء لأنها تبع للأصل فكأنها شيء منه إذا بيعت معه وقد أبطل ابن القاسم الشفعة في الأرض دون الرحي وخالفه أشهب وابن وهب فأوجبا الشفعة في الرحي مع الأرض ومعلوم أن الرحي مع أرضها أثبت وأشبه بالأصول التي وردت الشفعة في مثلها من الثمرة المبيعة دون أصلها ومن الثمرة المبيعة مع الأصل التي لا تدخل في الصفقة إلا باشتراط كسائر العروض المباينة وبقول أشهب وابن وهب يقول سحنون في الشفعة في الرحي واختلف قول مالك وأصحابه في الشفعة في الحمام وأوجبها بعضهم ونفاها بعضهم وكذلك اختلف أصحاب مالك أيضا في الشفعة في الكراء وفي المساقاة واختلف في ذلك قول مالك أيضا وحديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في

51
هذا الباب ينفي الشفعة في كل مالا يقع فيه الحدود من المشاع والقول به نجاة لمن اتبعه وبالله التوفيق والرشاد وقال محمد بن عبد الحكم لا شفعة إلا في الأرضين والنخل والشجر ولا شفعة في ثمرة ولا كتابة مكاتب ولا في دين وإنما الشفعة في الأصول والأرضين خاصة وهو قول الشافعي وجمهور العلماء وقد قال مالك لا شفعة في عين إلا أن يكون لها بياض (34) ولا في بئر ولا في عرصة دار ولا فحل نخل وقال محمد بن عبد الحكم الشفعة في ذلك لأنه من الأصول قال أبو عمر هذه الأشياء عند من أوجب الشفعة فيها من جنس الأصول التي قصدت بإيجاب الشفعة فيها قال وجرى ذكر الحدود في ذلك لأنه الأغلب فيها وما لا تأخذه الحدود منها فتبع لها حكمه حكمها ومن لم يوجب الشفعة في البئر والعين التي قد قسم البياض الذي يسقى منها ثم نبعت العين بعد ذلك وفي فحل (35) النخل فمن حجته أن ذلك ليس مما تأخذه الحدود إلا أنه يدخل على قائل هذه المقالة تناقض في إيجابه الشفعة في الثمرة والكراء وتناقض آخر في نفي الشفعة عن عرصة الدار ولهذه المسائل وجوه يدخل عليها الاعتراضات
يطول الكتاب بذكرها واختلف أصحاب مالك أيضا في الرجل يبيع دينا له

52
على رجل هل يكون المديان أحق به أم لا ورويت بإجازة ذلك آثار بعض السلف (36) من أهل المدينة أن الذي عليه الدين أحق به وهذا عندي ليس من باب الشفعة في شيء وإنما هو من باب لا ضرر ولا ضرار وإن كان المشتري كالبائع في حسن التقاضي والبعد من الأذى والجور فلا قول للمدين في ذلك وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق وهو الصحيح في النظر وذكر الشفعة في الدين مجاز لأنه محال أن تجب الشفعة فيما لا يقسم من الأصول الثابتة عند جمهور علماء المسلمين والأصل في هذا الباب حديث ابن شهاب المذكور وهو ينفي الشفعة في كل ما لا يجوز فيه القسمة بضرب الحدود من الأصول وما كان في معنى ما يضرب فيه الحدود من الأصول والله أعلم وفيه أيضا دليل على أن الشفعة تجب لكل شريك في مشاع من الأصول واختلف أصحاب مالك في دخول العصبات على أصحاب السهام في الشفعة مثل رجل توفي وترك بنات وعصبة فباع أحد البنات حصتها من الربع (37) الموروث فالمشهور من مذهب مالك وابن القاسم أن الشفعة تجب في نصيبها من ذلك لأخواتها دون العصبات ولا يدخل العصبة على أهل

53
السهام في شفعتهم بينهم ولو باع أحد العصبة حصته من ذلك دخل البنات مع من بقي من العصبة في الشفعة وقال أشهب لا يدخل هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء وقال المغيرة وابن دينار يدخل هؤلاء على هؤلاء وهو قول الشافعي لأن العلة في ذلك الشركة ودخول الضرر في الأغلب وليس للقرابة في ذلك معنى عندهم ومسائل الشفعة وفروعها كثيرة جدا لا يصلح بنا إيرادها في هذا الكتاب والله الموفق للصواب لا شريك له

54
حديث رابع لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة مرسل يتصل من وجوه وقد ذكرناها فيما سلف من هذا الكتاب مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك يعني مثل رواية ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان ابن أبي حثمة (1) في حديث ذي اليدين وسنذكر حديثه عن أبي بكر ابن سليمان بن أبي حثمة في بابه من هذا الكتاب ونذكر هناك من رواته وطرقه عن ابن شهاب خاصة ما حضرنا ولم يسند هذا الحديث فيما علمت أحد من الرواة عن مالك إلا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح بن سليمان فإنه رواه عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثناه محمد بن عمروس حدثنا علي بن عمر بن أحمد الحافظ (2) حدثنا أبو بكر الشافعي محمد بن عبد الله بن إبراهيم وأبو محمد الحسن ابن أحمد بن صالح قالا حدثنا جعفر بن أحمد بن مروان الوزان بحلب والحسين بن عبد الله ابن

55
يزيد القطان بالرقة قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن سابور قال حدثنا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح عن مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي النهار فسلم في ركعتين قال له ذو اليدين يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن قال أصدق ذو اليدين قالوا نعم فتقدم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سجد بعد التسليم وهو جالس قال أبو الحسن (2) تفرد به عبد الحميد (3) بن سليمان عن مالك مسندا ورواه أصحاب الموطأ عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أبا هريرة قال أبو عمر وأما معاني حديث ذي اليدين فقد تقدم ذكرها مستوعبة مستقصاة والحمد لله في باب أيوب (4) السختياني فأغني ذلك عن إعادته هاهنا

56
باب ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أحد فقهاء المدينة الجلة الثقات الأثبات وقد ذكرنا نسب أبيه في كتاب الصحابة واختلف في اسم أبي سلمة هذا فقيل اسمه عبد الله وقيل اسمه كنيته ذكر البخاري قال قال لي (1) ابن أبي أويس عن مالك أبو سلمة اسمه كنيته وكذلك قال أبو نعيم الفضل بن دكين اسم أبي سلمة كنيته وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن عبد الله وذكر الزبير في بني عبد الرحمن بن عوف عبد الله الأكبر قال أمه من بني عبد الأشهل قال وقتل عبد الله وعروة وسالم الأصغر بنو عبد الرحمن بن عوف بأفريقية قال وعبد الله الأكبر هو أبو عثمان بن عبد الرحمن بن عوف قال وسالم الأكبر مات قبل الإسلام قال وعبد الله الأصغر أبو سلمة الفقيه روى عنه الناس وأمه تماضر (2) بنت الأصبغ الكلبية وقد ذكرنا في كتاب الصحابة في

57
باب عبد الرحمن بن عوف بنيه وأمهاتهم وذكر العقيلي عن شيوخه عن عمرو بن هارون قال كان اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة منى عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أحمد بن زهير قال وجدت في كتاب علي بن المديني بخطه قال يحيى بن سعيد (3) فقهاء أهل المدينة (4) عشرة قلت ليحيى عدهم قال سعيد (5) وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن (6) محمد وسالم (7) بن عبد الله وعروة بن

58
الزبير (8) وسليمان (9) بن يسار وعبيد (10) الله بن عبد الله وقبيصة (11) بن ذؤيب وأبان (12) بن عثمان وسقط من الكتاب العاشر قال أبو عمر العاشر خارجة بن (13) زيد بن ثابت أو أبو بكر بن (14) عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا

59
قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا المثنى بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا ابن عيينة عن مجالد عن الشعبي قال قدم أبو سلمة الكوفة فكان يمشي بيني وبين رجل فسئل من أعلم من بقي فتمنع ساعة ثم قال رجل بينكما وذكر المدايني عن ابن شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد قال قدم أبو سلمة الكوفة فكان يمشي بيني وبين الشعبي فذكر مثله وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علما كثيرا ذكره الحسن بن علي الحلواني عن عبد الرزاق وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مؤمل بن يهاب قال حدثنا عبد الرزاق فذكره وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا محمد بن عبيد (15) الكشوري قال حدثنا محمد بن يوسف الحراني أنبأنا عبد الرزاق عن الزهري قال أدركت بحورا أربعة سعيد بن
المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله

60
وأبا سلمة بن عبد الرحمن قال الزهري وكان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم علما كثيرا وروى حماد بن زيد عن معمر عن الزهري قال كان أبو سلمة يسأل ابن عباس فكان يخزن عنه حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله يقول أم أبي سلمة بن عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن كلب وهي أول كلبية تزوجها قرشي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الرحمن إلى كلب وأمره أن يتزوج ابنة سيدهم قال وأرضعت أم كلثوم بنت أبي بكر أبا سلمة فكان يتولج على عائشة قال أبو عمر كان أبو سلمة رجلا جميلا يخضب بالوسمة (16) توفي سنة أربع وتسعين وفيها مات عروة وعلي بن (17) حسين وأبو بكر بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب في قول بعضهم وتعرف بسنة الفقهاء وقد قيل أن أبا سلمة توفي في سنة أربع ومائة وهو ابن اثنين وسبعين سمع أبا هريرة وعائشة وابن عمر وجابر بن عبد الله وجماعة من الصحابة واختلف في سماعه من أبيه فذكر ابن لهيعة عن جعفر بن

61
ربيعة عن أبي سلمة قال رأيت أبي يصلي أربع ركعات قبل الظهر وروى النضر بن شيبان عن أبي سلمة قال سمعت أبي فذكر حديثا في الصيام وقال يحيى بن معين لم يسمع أبو سلمة من أبيه ولا من طلحة بن عبيد الله وضعف حديث (18) النضر بن شيبان قال أبو عمر توفي أبوه سنة ثنتين وثلاثين قبل وفاة عثمان بأربع سنين أو نحوها لمالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة ثمانية أحاديث متصلة مسندة كلها في الموطأ شركه فيها أبو عبد الله الأغر في حديث واحد

62
حديث أول لابن شهاب عن أبي سلمة مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (19) قال أبو عمر لا أعلم اختلافا في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه عند رواة الموطأ عن مالك وكذلك رواه سائر أصحاب ابن شهاب إلا أن ابن عيينة رواه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك لم يقل الصلاة والمعنى المراد في ذلك واحد وقد روى نافع بن زيد (20) عن ابن الهاد عن عبد الوهاب بن أبي بكر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها وهذه لفظة لم يقلها أحد عن ابن شهاب غير عبد الوهاب (21) هذا وليس بحجة على من خالفه فيها من أصحاب ابن شهاب على

63
أن الليث بن سعد قد روى هذا الحديث عن ابن الهاد عن ابن شهاب لم يذكر في إسناده عبد الوهاب ولا جاء بهذه اللفظة أعني قوله وفضلها وقد روى عمار بن (22) مطر عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ووقتها وهذا لم يقله عن ملك أحد غير عمار بن مطر وليس ممن يحتج به فيما خولف فيه وقد أخبرنا محمد بن عمروس ثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا إبرهم بن حماد حدثنا يعقوب بن إسحاق القلزمي حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل لم يقله غير الحنفي عن مالك والله أعلم ولم يتابع عليه وهو أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي (23) وسنذكر ما للفقهاء في هذا المعنى بعون الله إن شاء الله وقد روى هذا الحديث عن مالك حماد بن زيد حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن الرازي قال حدثنا أبو شعيب صالح بن شعيب بن زياد البصري قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي (24) حدثنا حماد بن زيد عن مالك عن ابن شهاب عن

64
أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة حدثنا أبو شعيب صالح بن شعيب بن أبان الزاهد في شوال سنة إحدى وثمانين ومائتين قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشام (24) حدثنا حماد بن زيد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة هذا هو الصحيح عن حماد بن زيد عن مالك ومن قال فيه عن حماد عن مالك بهذا الإسناد من أدرك ركعة من الصبح الحديث فقد أخطأ قال أبو عمر أما قوله في هذا الحديث فقد أدرك الصلاة فإنه قد اختلف في معناه فقالت طائفة من أهل العلم أراد بقوله ذلك أنه أدرك وقتها حكى أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سعد الداودي في كتابه الموجز عن داود بن علي وأصحابه قالوا إذا أدرك الرجل من الظهر أو العصر ركعة وقام يصلي الثلاث (25) ركعات فقد أدرك الوقت في جماعة وثوابه على الله عز وجل قال أبو عمر هؤلاء قوم جعلوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة في معنى قوله عليه السلام من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك

65
العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح فليس كما ظنوا لأنهما حديثان لكل واحد منهما معنى وقد ذكرنا كلا في موضعه من كتابنا هذا والحمد لله وقال آخرون من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة لأن صلاته صلاة جماعة في فضلها وحكمها واستدلوا من أصولهم على ذلك بأنه لا يعيد في جماعة من أدرك ركعة من صلاة الجماعة وقال آخرون معنى هذا الحديث أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها وهو كمن أدرك جميعها فيما يفوته من سهو الإمام وسجوده لسهوه ولو أدرك الركعة مسافر من صلاة مقيم لزمه حكم صلاة المقيم وكان عليه الإتمام ونحو هذا من حكم الصلاة قال أبو عمر ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة يوجب الإدراك التام للوقت والحكم والفضل إن شاء الله إذا صلى تمام الصلاة ألا ترى أن من أدرك الإمام راكعا فدخل معه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركعة أنه مدرك عند الجمهور حكم الركعة وأنه كمن ركعها من أول الإحرام مع إمامه فكذلك مدرك ركعة من الصلاة مدرك لها وقد أجمع علماء المسلمين أن من أدرك ركعة من صلاة من صلاته لا تجزئه ولا تغنيه عن إتمامها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (26) وهذا نص يكفي ويشفي فدل إجماعهم في ذلك على أن هذا الحديث ليس على ظاهره وأن فيه مضمرا بينه الإجماع والتوقيف وهو

66
إتمام الصلاة وإكمالها فكأنه صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة مع إمامه ثم قام بعد سلام إمامه وأتم صلاته وحده على حكمها فقد أدركها كأنه قد صلاها
مع الإمام من أولها هذا تقدير قوله ذلك صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من الإجماع وحديث النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان ذلك كذلك فغير ممتنع أن يكون مدركا لفضلها وحكمها ووقتها فالذي عليه مدار هذا الحديث وفقه أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها في السهو وغيره وأما الفضل فلا يدرك بقياس ولا نظر لأن الفضائل لا تقاس فرب جماعة أفضل من جماعة وكم من صلاة غير متقبلة من صاحبها وإذا كانت الأعمال لا تقع المجازاة عليها إلا على قدر النيات وهذا ما لا اختلاف فيه فكيف يعرف قدر الفضل مع مغيب النيات عنا والمطلع عليهما العالم بها يجازى كلا بما يشاء لا شريك له وقد يقصد الإنسان المسجد فيجد القوم منصرفين من الصلاة فيكتب له أجر من شهدها لصحة نيته والله أعلم وقد روى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد يعني (27) ابن طحلاء عن محصن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من

67
توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا حدثنا أبو محمد قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله المعروف بابن العواف قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا عفان وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا يعلى بن عطاء عن معبد بن (28) هرمز عن سعيد بن المسيب قال حضر رجلا من الأنصار الموت فقال من في البيت قالوا أهلك وأخوانك وجلساؤك قال ارفعوني فأسنده ابنه ففتح عينيه فسلم على القوم فردوا عليه وقالوا خبرنا قال إني محدثكم اليوم حديثا ما حدثت به أحدا منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحدثكموه اليوم إلا احتسابا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فصلى في جماعة لم يرفع رجله اليمنى إلا كتب له بها حسنة ولم يضع رجله اليسرى إلا حط الله عنه بها خطيئه حتى يأتي المسجد فليقرب أو ليبعد فإذا صلى بصلاة الإمام انصرف وقد غفر له فإن هو أدرك بعضها وفاته بعضها فأتم ما فاته كان كذلك فإن هو أدرك الصلاة وقد صليت فصلى صلاته وأتمها بركوعها وسجودها كان كذلك (29)

68
وروى شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة قال شريك يعني فضلها وروى ابن علية عن كثير بن شنظير عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال إذا انتهى إلى القوم وهم قعود في آخر صلاتهم فقد دخل في التضعيف وإذا انتهى إليهم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف قال عطاء وكان يقول إذا خرج من بيته وهو ينويهم فأدركهم أو لم يدركهم فقد دخل في التضعيف وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يقول إن دخل مع الإمام في التشهد فقد دخل في التضعيف وكان أبو سلمة وهو راوي الحديث يفتي بنحو هذا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعيد (30) بن إبراهيم عن أبي سلمة قال من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك فهذا أبو سلمة يفتي بما يرى من الفضل وهو فقيه جليل روى هذا الحديث وعلم مخرجه فوجب أن لا يقطع في شيء من الفضائل فإن الله عز وجل هو المبتدىء بها والمتفضل لا شريك له أما على قدر النيات وأما لما شاء مما سبق في علمه وإذا كان منتظر الصلاة كالمصلى في الفضل ومن نوى الشئ كمن عمله في الفضائل فأي مدخل ههنا للقياس والنظر وسنزيد هذا الباب بيانا في باب محمد بن المنكدر من كتابنا هذا عند قوله صلى الله عليه وسلم ما من امرئ يكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه

69
ونوضح ذلك بالأثر الصحيح إن شاء الله تعالى وأولى ما قيل به في هذا الباب من آراء الرجال قول أبي هريرة وقول أبي سلمة لروايتهما لهذا المعنى وموضعهما من العلم وظاهر هذا الحديث حجة لمن تقلده وبالله التوفيق وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى فصلى ركعتين ومن لم يدرك منها ركعة صلى أربعا لأن في قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة دليلا على أن من لم يدرك منها ركعة فلم يدركها ومن لم يدرك الجمعة صلى أربعا وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والثوري والحسن بن حي والأوزاعي وزفر بن الهذيل ومحمد بن الحسن في الأشهر عنه والليث بن سعد وعبد العزيز بن أبي سلمة وأحمد بن حنبل إلى أن من لم يدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام صلى أربعا وقال أحمد إذا فاته الركوع صلى أربعا وإذا أدرك ركعة صلى إليها أخرى عن (31) غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأنس ذكره الأثرم عن أحمد ثم قال حدثنا أحمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال إذا أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى وإذا أدركهم جلوسا صلى أربعا قال أبو عبد الله ما أغربه يعني أن هذا الحديث غريب عن ابن عمر وذكر الأثرم عن سعيد بن المسيب وإبراهيم والزهري مثله

70
قال أبو عمر قد روى عن علي بن أبي طالب أيضا مثله (32) وعن الحسن البصري وعلقمة والأسود وعروة وبه قال إسحاق وأبو ثور وقال ابن شهاب هي السنة ذكر ملك في موطئه أنه سمع ابن شهاب يقول من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فليصل أخرى قال ابن شهاب وهي السنة قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر قالا حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك عن معمر والأوزاعي وملك بن أنس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها قال الزهري فنرى الجمعة من الصلاة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين وروى ذلك أيضا عن إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وحماد وهو قول داود واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وقد روى ما فاتكم فاقضوا (33) قالوا والذي فات ركعتان لا أربع ومن أدرك الإمام قبل سلامه فقد أدرك لأنه مأمور بالدخول معه وروى عن محمد بن الحسن القولان جميعا وروى عنه أيضا أنه قال
يصلي أربعا يقعد في الثنتين الأوليين بمقدار التشهد فإن لم يفعل أمرته أن يعيد أربعا

71
قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا مع قول الجمهور فيمن أدرك الإمام قد رفع رأسه من آخر ركعة أنه يصلي معه السجدتين والجلوس ولا يعتد بشيء من ذلك دليل على فساد قول عبد العزيز بن أبي سلمة حيث قال إذا أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد قعد بغير تكبير فإذا سلم الإمام قام وكبر ودخل في صلاة نفسه قال وإن قعد مع الإمام بتكبير سلم إذا فرغ الإمام وقام فكبر للظهر وفي قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة فساد قول من قال إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة صلى أربعا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص جمعة من غيرها وقد قال بأن من فاتته الخطبة صلى أربعا جماعة من التابعين منهم عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول وقد حدثني محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد (34) قال حدثنا الأوزاعي قال سألت الزهري عن رجل فاتته خطبة الإمام يوم الجمعة وأدرك الصلاة فقال حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها واختلف العلماء في حد إدراك الركعة مع الإمام فروى عن أبي هريرة من طريق فيه (35) نظر أنه قال من أدرك القوم ركوعا فلا يعتد

72
بها وهذا قول لا نعلم أحدا قال به من فقهاء الأمصار ولا من علماء التابعين وقد روى معناه عن أشهب وروى عن جماعة من التابعين أنهم قالوا إذا أحرم الداخل والناس ركوع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وبهذا قال ابن أبي ليلى والليث بن سعد وزفر بن الهذيل قالوا إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه ركع كيف أمكنه واتبع الإمام وكان بمنزلة النائم (36) واعتد بالركعة وقد روى عن ابن أبي ليلى والليث بن سعد وزفر بن الهذيل والحسن بن زياد أنه إذا كبر بعد رفع الإمام رأسه من الركعة قبل أن يركع اعتد بها وقال الشعبي إذا انتهيت إلى الصف المؤخر ولم يرفعوا رؤوسهم وقد رفع الإمام رأسه فركعت فقد أدركت لأن بعضهم أئمة ببعض رواه داود (37) عن الشعبي وقال جمهور العلماء من أدرك الإمام راكعا فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع فقد أدرك الركعة ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة لا يعتد بالسجود وعليه أن يسجد مع الإمام ولا يعتد به هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وروى ذلك عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر وعطاء وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وعروة بن الزبير ذكر

73
ابن أبي شيبة أخبرنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال إذا جئت والإمام راكع فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال إذا أدركت الإمام راكعا فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك وعن معمر عن الزهري عن سالم أن زيد بن ثابت وابن عمر قالا في الذي يدرك القوم ركوعا مثل ذلك أيضا قالا وإن وجدهم سجودا سجد معهم ولم يعتد بذلك وذكر مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة قال مالك وبلغني أن أبا هريرة كان يقول من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير وذكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن آدم قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة (38) عن علي رضي الله عنه قال لا يعتد بالسجود إذا لم يدرك الركوع قال وحدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وهبيرة عن عبد الله قال إذا لم يدرك الركوع فلا يعتد بالسجود واختلف العلماء أيضا فيما يكبر من أدرك القوم مع الإمام ركوعا فقالت طائفة تجزئة تكبيرة واحدة واختلف القائلون بهذا فمنهم من قال يكبر تلك التكبيرة واقفا يحرم بها ثم ينحط ولا تجزئه إن كبرها في حال الانحطاط للركوع لأن الصلاة إنما تفتتح بالقيام لا بالركوع ومنهم من قال إن ابتدأها واقفا وانحط بها لركوعه مفتتحا لصلاته بنية التحريم أجزأه ذلك ذكر مالك عن ابن شهاب قال إذا

74
أدرك الرجل الركعة فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة قال مالك وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة هكذا في الموطآت عن مالك وليحيى بن يحيى في الموطأ عن مالك فيمن سها عن تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع الأول أن ذلك يجزي عنه إذا نوى بهذا الافتتاح وهذا يحتمل القولين جميعا وكذلك اختلف في ذلك المتأخرون من أصحاب ملك وتحصيل المذهب أنه إذا افتتحها قائما وانحط بها مكبرا راكعا أنها تجزية من تكبيرة الإحرام إذا نواها بذلك وذكر ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وزيد بن ثابت قالا إذا أدرك القوم ركوعا فإنه تجزية تكبيرة واحدة وهو قول عروة وإبراهيم وعطاء والحسن وقتادة والحكم بن عتيبة وميمون وجماعة وكلهم يستحب أن يكبر تكبيرتين واحدة للإحرام وثانية للركوع فإن كبر واحدة لافتتاح الصلاة والركعة أجزأه وعلى هذا مذهب جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق وأتباعهم وقال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان لا يجزيه حتى يكبر تكبيرتين واحدة يفتتح بها وثانية يركع بها والقول الأول أصح من جهة النظر وقد بينا ما يجب من التكبير وما لا يجب منه في الباب الذي بعد هذا والحمد لله ومن هذا الباب مراعاة الركعة عند مالك وجماعة معه المسافر يصلي وراء المقيم وقد اختلف العلماء فيها فقال مالك وأصحابه إذا لم يدرك المسافر من صلاة المقيم ركعة صلى ركعتين وإن أدرك مع المقيم ركعة صلى أربعا وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور إذا دخل المسافر في صلاة المقيم صلى صلاة مقيم

75
أربعا وإن أدركه في التشهد وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين وفي هذه المسألة أيضا قولان آخران يردهما هذا الحديث أحدهما أن المسافر إذا أدرك ركعتين من صلاة المقيم استجزأ بهما وسلم بسلامه روى هذا عن طاوس والشعبي والآخر أن للمسافر أن ينوي خلف المقيم صلاة مسافر فإذا تشهد في الجلسة الوسطى سلم وخرج وان أدرك المقيم جالسا صلى صلاة مسافر هذا قول إسحاق بن راهويه وهذان قولان ضعيفان شاذان والناس على القولين الأولين ومن هذا الباب أيضا المأموم لا يدرك ركعة مع الإمام أو يدركها وقد سها الإمام قبل أن يدخل معه هذا الداخل هل عليه سجود السهو أم لا فقال مالك إذا أدرك معه ركعة لزمه أن يسجد معه
لسهوه وإن لم يدرك معه ركعة لم يلزمه ذلك ومذهب مالك في ذلك أن سجدتي السهو إن كانتا قبل السلام سجدهما معه وإن كانتا بعد السلام لم يسجدهما معه وسجدهما إذا قضى باقي صلاته وهو قول الأوزاعي والليث وقال الشافعي والكوفيون وسائر الفقهاء من دخل مع الإمام في بعض سهوه (39) لزمه ويسجد معه وعن الشافعي أنه يسجدهما بعد القضاء أيضا قال أبو عمر من راعي الركعة وإدراكها في هذه المسائل شهد له ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة لأن من أدرك الصلاة من أولها لزمه حكمها في كل شيء منها فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرك ركعة منها

76
كمدركها فذلك عندي على العموم والله أعلم ومن هذا الباب عند مالك وأصحابه الرجل يدرك ركعة من صلاة الجماعة فلا يعيد تلك الصلاة في جماعة إذا أدرك منها ركعة تامة وإن لم يدرك إلا السجود أو الجلوس فله أن يعيد في جماعة ومن هذا الباب أيضا الحكم فيمن أدرك ركعة من الصلاة هل هي أول صلاته أو آخرها فاختلف العلماء في ذلك فروى عن مالك أن ما أدرك هو أول صلاته إلا أنه يقضي ما فاته بالحمد وسورة ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن المأموم يقضي ما فاته على حسب ما قرأ إمامه وقال ابن القاسم وما أدرك فهو أول صلاته ورواه عن مالك وقول الشافعي في هذه المسألة كرواية ابن القاسم سواء ما أدرك هو أول صلاته ويقضي بالحمد لله وسورة وهو قول الأوزاعي ومحمد بن الحسن وبه قال أحمد بن حنبل والطبري وجماعة وروى ابن عبد الحكم عن مالك أن ما أدرك فهو آخر صلاته وبه قال أشهب وهو قول أبي حنيفة والثوري وأبي يوسف والحسن بن حي وكل هؤلاء القائلين بالقولين جميعا يقولون يقضي ما فاته بالحمد وسورة على حسب ما قرأ إمامه وقد روى عن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطاء والزهري أن ما أدرك فهو أول صلاته ولم يرو عنهم في قضاء القراءة شيء منصوص وروى عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين أن ما أدرك فهو آخر صلاته ومن قال هذا القول فليس يجيء على أصله إلا القراءة كما قرأ الإمام لا غير وقال المزني صاحب الشافعي وداود بن علي وإسحاق بن راهويه وطائفة منهم عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ما أدرك فهو أول

77
صلاته ويقرأ في الركعتين اللتين يقضيهما بالحمد وحدها قال أبو عمر هذا الاختلاف كله إنما هو في القضاء للقراءة ولا يختلفون أن من فاته شيء من صلاته فهو بان في ركوعه وسجوده فقف على هذا الأصل والقياس على قول من قال ما أدرك فهو أول صلاته ما قاله المزني والله أعلم ولم يختلفوا أن من فاته بعض صلاته يتشهد في آخرها ويحرم إذا دخل وهذا يدل على أن ما أدرك فهو أول صلاته ويقضي آخرها وبالله التوفيق وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وما فاتكم فاقضوا (40) ويحتج بهذا كل من قال ما أدرك فهو آخر صلاته وسنذكر الروايات في ذلك على وجهها إن شاء الله في باب العلاء بن عبد الرحمن من كتابنا هذا وبالله توفيقنا وعوننا

78
حديث ثان لابن شهاب عن أبي سلمة متصل صحيح مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما انصرف قال والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (1) لم يختلف عن مالك رواة الموطأ في هذا الحديث ورواه محمد بن مصعب القرقساني (2) عن مالك بإسناده هذا عن الزهري عن أبي سلمة قال صلى لنا أبو هريرة فكان يرفع يديه في كل خفض ورفع ثم قال إني لأعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال كان يصلي ويرفع يديه في كل خفض ورفع حتى يفرغ من صلاته ذكره الدارقطني عن

79
القاضي أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب عن أحمد بن ملاعب عن محمد بن مصعب قال الدارقطني قال لنا القاضي أبو عمر هكذا قال محمد بن مصعب وإنما هو كان يكبر في كل خفض ورفع وقال فيه إبراهيم (3) بن طهمان عن مالك وعباد (4) بن إسحاق ويحيى بن سعيد عن أبي سلمة أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وليس في الموطأ عند رواته وقيام وقعود وفي هذا الحديث من الفقه أن حكم الصلاة أن يكبر في كل خفض ورفع منها وأن ذلك سنتها وهذا قول مجمل لأن رفع الرأس من الركوع ليس فيه تكبير إنما هو التحميد بإجماع فتفسير ذلك أنه كان يكبر كلما خفض ورفع إلا في رفعه رأسه من الركوع لأنه لا خلاف في ذلك وفيه أن الناس لم يكونوا كلهم يفعلون ذلك ولذلك قال أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يدلك على ذلك ما ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن سعيد بن سمعان أنه (5) قال ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا وكان يقف قبل القرآة هنية يسأل الله من فضله وكان يكبر كلما خفض ورفع وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن علي بن حسين والحمد لله وقد قال قوم من أهل العلم أن التكبير إنما

80
هو إذن بحركات الإمام وشعار للصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر ولهذا ما ذكر مالك هذا الحديث عن ابن شهاب عن علي بن حسين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله وحديث ابن عمر وجابر أنهما كانا يكبران كلما خفضا ورفعا في الصلاة وكان جابر يعلمهم ذلك فذكر مالك الأحاديث كلها ليبين لك أن التكبير من سنن الصلاة وقال ابن القاسم فيمن نسي ثلاث تكبيرات فصاعدا من صلاته وحده أنه يسجد قبل السلام فإن لم يفعل أعاد الصلاة وإن نسي واحدة أو اثنتين سجد أيضا قبل السلام فإن لم يفعل فلا شيء عليه وقد روى عنه أن التكبيرة الواحدة ليس على من نسيها سجود سهو ولا شيء وخالفه أصبغ وعبد الله بن عبد الحكم في رأيه فقالا لا إعادة على من نسي التكبير كله في صلاة إذا كان قد كبر لإحرامه وإنما عليه سجدتا السهو وإن لم يسجدهما فلا حرج وعلى هذا القول فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى وهو الذي ذهب إليه أبو بكر الأبهري (6) قال الأبهري رحمه الله على مذهب مالك الفرائض في الصلاة خمس عشرة فريضة أولها النية ثم الطهارة وستر العورة والقيام إلى الصلاة ومعرفة دخول الوقت والتوجه إلى القبلة وتكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والركوع ورفع الرأس منه والسجود ورفع الرأس منه والقعود الآخر والسلام وقطع الكلام

81
قال أبو عمر فذكر الأبهري في فرائض الصلاة تكبيرة الإحرام وحدها دون سائر التكبير وقال الأبهري والسنن في الصلاة خمس عشرة سنة أولها الأذان والإقامة ورفع اليدين والسورة مع أم القرآن والتكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وسمع الله لمن حمده والاستواء من (7) الركوع والاستواء (7) من السجود والتسبيح في الركوع والتسبيح في السجود والتشهد والجهر في صلاة الليل والسر في صلاة النهار وأخذ الرداء ورد السلام على الإمام إذا سلم من الصلاة فذكر في سنن الصلاة التكبير كله
سوى تكبيرة الإحرام وهذا هو الصواب وعليه جمهور فقهاء الأمصار قال أبو عمر إنما اختلفت الأئمة في تكبيرة الإحرام وأما فيما سواها من التكبير فلا أعلم فيه خلافا غير ما ذكرت وسنذكر اختلاف العلماء في تكبيرة الإحرام وغيرها من معاني هذا الباب بأتم من هذا المعنى في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من كتابنا هذا إن شاء الله وقد روى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة وغيرهم أنهم كانوا لا يتمون التكبير حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة قال رأيت أبا هريرة يكبر هذا التكبير الذي ترك الناس فقلت يا أبا هريرة ما هذا التكبير فقال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدلك على أن

82
التكبير في كل خفض ورفع كان الناس قد تركوه (8) على ما قدمنا إلى عهد أبي سلمة وفي ترك الناس له من غير نكير من واحد منهم ما يدل على أن الأمر عندهم محمول على الإباحة وأن ترك التكبير لا تفسد به الصلاة في غير الإحرام وروى ابن وهب قال أخبرني عياض (9) بن عبد الله الفهري أن عبد الله بن عمر كان يقول لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها وهذا أيضا يدل على أن التكبير ليس من صلب الصلاة عند ابن عمر لأنه شبهه برفع اليدين وقال هو من زينة الصلاة وكان عبد الله بن عمر يكبر في كل خفض ورفع وهذا يدل على ما قلنا أنه سنة وفضل وزينة للصلاة لا ينبغي تركه وكذلك يقول جماعة فقهاء الأمصار أبو حنيفة فيمن اتبعه والشافعي فيمن سلك مذهبه والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وداود والطبري وسائر أهل الحديث وأهل الظاهر كلهم يأمرون به ويفعلونه فإن تركه تارك عندهم بعد أن يحرم لم تفسد صلاته لأنه ليس عندهم من فرائض الصلاة وقد روى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده قال إسحاق بن منصور سمعت أحمد بن حنبل يقول يروي عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده قال أحمد وأحب إلى أن يكبر إذا صلى وحده في الفرائض وأما في التطوع فلا

83
قال أبو عمر لا يحكي أحمد عن ابن عمر إلا ما صح عنده وأما روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع فيدل ظاهرها على أنه كذلك كان يفعل إماما أو غير إمام والله أعلم وقال إسحاق قلت لأحمد بن حنبل ما الذي نقصوا من التكبير قال إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة حدثنيه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور فذكره وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا بندار (10) قال حدثنا أبو داود (11) عن شعبة عن الحسن بن (12) عمران قال سمعت سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي (13) يحدث عن أبيه أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يتم التكبير (14) كان لا يكبر إذا خفض حدثني خلف بن

84
سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا معلى بن أسد قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار عن عبد الله الداناج قال حدثني عكرمة قال صليت مع أبي هريرة قال فكان يكبر إذا رفع وإذا وضع (فأخبرت ابن عباس) (15) فقال لا أم لك أو ليست تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وسنذكر بعضها في باب ابن شهاب عن علي بن الحسين من كتابنا هذا إن شاء الله وفيما ذكرنا كفاية شافية لمن ساعده الفهم والتوفيق ومما يدل على أن التكبير في الصلاة ليس منه شيء واجب إلا التكبيرة الأولى حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا قد دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل فعل ذلك مرتين أو ثلاثا فلما كان في الثانية أو الثالثة قال له يا رسول الله قد أجهدت نفسي فعلمني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ وأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى

85
تطمئن رافعا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها حتى تتمها حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن المثنى قال أنبأنا يحيى قال أخبرني عبيد الله بن عمر قال حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة (16) وأخبرناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا سفيان بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثني يحيى عن ابن عجلان حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن رفاعة بن رافع (17) دخل حديث بعضهم في بعض والمعنى واحد ففي هذا الحديث القصد إلى فرائض الصلاة الواجبة فيها (18) وقد جاء فيه التكبيرة الأولى للإحرام دون غيرها من التكبير ففيما ذكرنا من الآثار في هذا الباب ما يدل أن التكبير كله ما عدا تكبيرة الإحرام سنة حسنة وليس بواجب والله أعلم فإن قيل أن التسليم لم يذكر في هذا الحديث وأنتم توجبونه لقيامه من غير هذا الحديث فغير نكير أن يقوم وجوب جملة التكبير من غير حديث هذا الباب وإن لم يكن في حديث

86
رفاعة هذا وما كان مثله قيل له أن التسليم قد قام دليله وثبت النص فيه بقوله صلى الله عليه وسلم تحليلها التسليم (19) وبأنه كان صلى الله عليه وسلم يسلم من صلاته طول حياته فثبت التسليم قولا وعملا وأما التكبير فيما عدا الإحرام فقد كان تركه الصدر الأول فلذلك قال لهم أبو هريرة أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعب بعضهم على بعض تركه بل جعلوه من باب الكمال والتمام فلذلك قلنا أن التكبير فيما عدا الإحرام سنة يحسن العمل بها وليس بواجب وعلى هذا جمهور الفقهاء فإن قيل أن الجلسة الوسطى سنة ومن تركها بطلت صلاته فكذلك من ترك جملة التكبير المسنون قيل لقائل ذلك وضعت التمثيل في غير موضعه لأن من ترك الجلسة الوسطى عامدا بطلت صلاته (20) وأنت ترى السلف والعمل الأول والأمر القديم قد ترك فيه التكبير ولم يعب بعضهم على بعض ولم يجز

87
واحد منهم ترك الجلسة الوسطى عامدا ولا تركها وحسبك بهذا فرقا يخص به الجلسة الوسطى من بين سائر السنن وسائر أعمال البدن في الصلاة والتكبير فيما عدا تكبير الإحرام المخصوص بالوجوب أشبه بالتسبيح في الركوع والسجود وسورة مع أم القرآن ورفع اليدين منه بالجلسة الوسطى والله المستعان ولو كان التكبير من فروض الصلاة التي تعاد منه إذا سها عنه لكانت كل تكبيرة في ذلك سواء في وجوبها ولما افترق حكم الواحدة والاثنتين والثلاث والأكثر في ذلك ألا ترى أن السجدة في كل ركعة
لا تنوب عن غيرها وأنها فرض في نفسها فلو كانت التكبيرات واجبات كانت كذلك ولا حجة لمن فرق بين ذلك وبالله التوفيق وقد ذكرنا اختلاف العلماء في تكبيرة الإحرام وفي معاني من تكبير الإمام والمأموم في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من هذا الكتاب والحمد لله

88
حديث ثالث لابن شهاب عن أبي سلمة متصل صحيح مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس (1) في هذا الحديث من الفقه أن الشيطان يوسوس للإنسان وأن الصلاة لا تحول بينه وبينه وأنه ساع على المرء فيما يفسد عليه دينه جاهدا والله يعصم منه من يشاء من عباده وقوله فلبس عليه يعني خلط عليه وهو على فعل مخفف والمستقبل يلبس مثل ضرب يضرب وأما إذا كان من اللباس فالماضي منه لبس مثل سمع والمستقبل منه يلبس مثل يسمع وقد اختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث فقال قوم منهم معناه أن يبني على يقينه وعلى أكثر ظنه ثم يسجد قالوا وهو حديث ناقص

89
يفسره حديث أبي سعيد الخدري (2) وحديث عبد الرحمن بن (3) عوف وحديث ابن عباس (4) وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا أم أربعا فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم قالوا

90
والأحاديث كلها في السهو على خلاف هذا إنما هي أن يعتمد الإنسان على أكثر ظنه كما روى ابن مسعود (5) أو يبني على يقينه كما روى أبو سعيد وعبد الرحمن بن عوف قالوا وأما حديث أبي هريرة فحديث مجمل مضمر قد ظهر في غيره من الأحاديث قالوا فلا يجزي أحدا أبدا إذا شك في صلاته أن يخرج منها إلا حتى يستيقن تمامها وسواء اعتراه هذا مرة أو ألف مرة وقال آخرون معنى حديث أبي هريرة هذا في الذي يستنكحه السهو ويكثر عليه والأغلب في ظنه أنه قد أتم لكن الشيطان يوسوس إليه في ذلك كما يوسوس إلى قوم في كمال طهارتهم قالوا فمن كانت هذه حاله أبدا أجزأه أن يسجد للسهو سجدتين دون أن يأتي بركعة واحتج بعضهم على تأويله هذا بما ذكره أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبان قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال (6) بن عياض عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد فإذا أتاه الشيطان فقال له

91
أحدثت فليقل كذبت إلا أن يجد ريحا بأنفه أو صوتا بأذنه وروى هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير جماعة منهم الأوزاعي وهشام الدستوائي وعلي بن المبارك كلهم بمعنى واحد قالوا فهذا أبو سعيد قد روى في هذا الحديث كما روى أبو هريرة وحصل في ذلك عند أبي سعيد حديثان ومحال أن يكون معناهما واحدا بل لكل واحد منهما موضع وهو مثل ما ذكرنا من أن هذا في الذي يعتريه الشك دائما لا ينفك عنه قد استنكحه ومع ذلك فإنه قد أتم في أغلب ظنه عند نفسه والحديث الآخر على من لم يدر أزاد أم نقص فيلزمه أن لا يخرج من صلاته إلا بيقين من تمامه وهكذا فسر الليث بن سعد حديث أبي هريرة وحكى ذلك عنه ابن وهب وهو قول ابن وهب أيضا وقول مالك فيما ذكره عيسى بن دينار في كتاب الصلاة عن ابن القاسم عن مالك قال فإذا كثر السهو على الرجل ولزمه ذلك ولا يدري أسها أم لا سجد سجدتي السهو بعد السلام ثم قيل لابن القاسم أرأيت رجلا سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري أقبل السلام أم بعده قال يسجد قبل السلام أو بعده وقال أبو مصعب من استنكحه السهو فليله عنه وليدعه ولو سجد بعد السلام كان حسنا واختلف القائلون في تأويل هذا الحديث القول (7) الآخر في سجود هذا المستنكح الذي هو في أكثر ظنه قد أتم صلاته متى يكون سجوده فقال منهم قوم يكون سجوده قبل السلام وهو مذهب الشافعي ولا حرج فيه عند مالك وأصحابه إن فعله قبل السلام

92
والذي يستحبونه بعد السلام في ذلك واحتج قائلوا هذا القول بأن ذلك منصوص في حديث أبي هريرة هذا كذا رواه محمد بن إسحاق ومحمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري جميعا عن الزهري بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قالا فيه فليسجد سجدتين وهو جالس وهو قول مجمل محتمل للتأويل لكنه قد يتبين في رواية ابن أخي الزهري وابن إسحاق (8) عن ابن شهاب قالوا هذا على أن الأغلب في ظاهر حديث مالك أنهما قبل السلام وقال أبو داود رواه ابن عيينة ومعمر والليث كما رواه مالك لم يقولوا قبل التسليم (9) قال أبو عمر وقال آخرون في هذا الموضع بل يسجدهما بعد السلام وممن قال ذلك مالك رحمه الله وحجة من قال ذلك أن عبد الله بن جعفر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم رواه ابن جريج عن عبد الله بن مسافع عن مصعب بن شيبة عن عتبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله

93
ابن جعفر (10) قالوا فهذا الحديث أولى لأنه مفسر قالوا وحديث أبي هريرة ليس بحجة على الذين لم يذكروه وكل ما ذكرنا قد قالته العلماء على ما وصفنا والقول في حديث عبد الله بن جعفر هذا كالقول في حديث أبي هريرة هذا سواء وبالله توفيقنا وإسناد أبي هريرة أثبت عند أهل النقل وهو أولى ما قيل في هذا الباب والأمر فيه متقارب والله الموفق للصواب

94
حديث رابع لابن شهاب عن أبي سلمة متصل في رواية يحيى مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب (1) اختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث فأما يحيى فرواه هكذا بهذا الإسناد ومتصلا وتابعه ابن بكير وسعيد بن عفير وعبد الرزاق وابن القاسم في رواية الحارث بن مسكين عنه على هذا الإسناد وعلى اتصاله عن أبي سلمة عن أبي هريرة ذكره النسائي عن عمرو بن علي (2) عن عثمان بن عمر وذكره الدارقطني قال حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله حدثنا أحمد بن الحسن الكرجي حدثنا إسحاق بن موسى حدثنا معن (عن مالك) عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فذكره مثل رواية يحيى سواء إلى آخر قول ابن شهاب وأخبرنا علي بن إبراهيم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا ابن طاهر حدثنا أحمد

95
ابن عبد الله بن الوليد بن سوار حدثنا الحارث بن مسكين حدثنا عبد الرحمن بن القاسم حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه لم يذكر قول ابن شهاب ورواه القعنبي وأبو مصعب ومطرف وابن رافع (3) وابن وهب وأكثر رواة الموطأ ووكيع بن الجراح وجويرية بن أسماء كلهم عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم يذكروا أبا هريرة وساقوا الحديث بلفظ حديث يحيى هذا سواء وقد روي هذا الحديث عن أبي المصعب (4) في الموطأ مسندا كرواية يحيى وابن بكير سواء وهو أصح عن أبي المصعب والله أعلم وعند القعنبي ومطرف والشافعي وابن نافع وابن بكير وأبي مصعب عن مالك حديثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مسندا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا رووا هذا الحديث الآخر في الموطأ بهذا اللفظ متصلا مسندا ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر

96
بعزيمة كما في حديث أبي سلمة وليس عند يحيى في الموطأ حديث حميد هذا أصلا وعند الشافعي عن مالك حديث حميد من قام رمضان وليس عنده حديث أبي سلمة وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك إلى آخر كلام ابن شهاب هكذا ذكره إسماعيل ابن أبي أويس عن مالك بهذا الإسناد الذي في الموطأ في هذا المتن وقوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان إنما هو حديث أبي سلمة عند جميع الرواة للموطأ من أرسله منهم ومن وصله وفي آخره ساق جميعهم كلام ابن شهاب فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر كلامه وأما حديث حميد عن أبي هريرة فإنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في قيام رمضان ولا في آخره كلام ابن شهاب عند واحد منهم إلا ما ذكرنا عن إسماعيل بن أبي أويس وهو عندي تخليط وغلط منه (5) لأنه أدخل إسناد حديث في متن آخر ولم يتابع على ذلك ذكره إسماعيل عنه (6) وقد حدثناه خلف بن القاسم وعلي بن

97
إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان ثم ذكر مثل حديث أبي سلمة سواء وذكره الدارقطني حدثنا علي بن محمد البصري حدثنا عبيد الله بن محمد العمري حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله تفرد ابن أبي أويس بهذا اللفظ في هذا الإسناد وروى جويرية ابن أسماء عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة وحميد ابني عبد الرحمن ابن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فجمع جويرية الإسنادين واقتصر على المعنى وأسند الحديثين وهذا مما يقوي رواية يحيى وابن بكير في توصيلهما حديث أبي سلمة عن أبي هريرة أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عمر بن (7) عثمان بن عمر عن مالك عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وذكر النسائي أيضا حديث

98
جويرية عن أبي (8) مريم عن عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية وذكر الدارقطني حديث أبي سلمة كان يرغب في قيام رمضان مرسلا وحديث من قام رمضان عن أبي سلمة وحديث حميد جميعا عن أبي هريرة مسندا قال حدثناه عثمان بن أحمد وأبو سهل بن زياد وأبو بكر الشافعي قالوا حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال وحدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى قالا (9) حدثنا عبد الله بن محمد ابن أسماء حدثنا جويرية (10) عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة قال الزهري وأخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر الصديق وصدرا (11) من خلافة عمر على ذلك فرواية جويرية هذه مهذبة

99
مجودة والله أعلم ورواه عباد بن صهيب (12) عن مالك بنحو رواية جويرية عن مالك فيه أبا سلمة وحميدا وعن ابن وهب عن مالك في هذا الحديث أربع روايات إحداها عن ابن شهاب عن أبي سلمة مرسلا والثانية عن أبي سلمة عن أبي هريرة والثالثة عن أبي سلمة وحميد كرواية جويرية ورواه في موطئه عن مالك ويونس وابن إسماعيل عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان فذكر الحديث بمثل رواية يحيى وساق كلام الزهري في آخره ولم يذكر أبا سلمة ولا حميدا (13) ورواه الربيع بن (14) سليمان وأحمد بن صالح عن ابن وهب مثل رواية جويرية سواء وأحمد ابن صالح أثبت الناس في ابن وهب وغيره أخبرنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس ابن محمد بن العباس البصري قال حدثنا أحمد بن صالح البصري (15) قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ورواه إسحاق بن سليمان (16) عن مالك عن

100
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء لم يذكر حميدا فهذا ما بلغه علمي من اختلاف رواة الموطأ في هذا الحديث وكلهم قد أجمع على أن لفظ الحديث من قام رمضان بالإسنادين جميعا وكذلك أدخله مالك في باب قيام رمضان ويصحح ذلك قوله في حديث أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان وأما أصحاب ابن شهاب فإنهم اختلفوا في اللفظ فأما ابن عيينة فذكر أبو داود في السنن قال حدثنا مخلد ابن خالد وابن أبي (17) خلف المعنى قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر
له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال أبو داود وكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة من صام رمضان وكذلك رواه محمد ابن عمر (18) عن أبي سلمة عن أبي هريرة من صام مثل رواية ابن عيينة عن ابن شهاب سواء قال وقال عقيل عن ابن شهاب بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة من صام رمضان وقامه وذكر أبو داود حديث عبد الرزاق قال أنبأنا (19) معمر وملك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله

101
عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة ثم يقول من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر قال أبو عمر رواية عبد الرزاق هذه تصحح رواية يحيى وتشهد لها في حديث أبي هريرة مسندا قال أبو داود وكذلك رواه عقيل ويونس وأبو أويس (20) من قام رمضان إلا عقيل قال من صام رمضان وقامه قال أبو عمر رواه أبو أويس عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة وحميد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان بلفظ يحيى قال أبو عمر حمل (21) على توصيل حديث أبي سلمة جماعة أصحاب ابن شهاب فممن وصله معمر وسفيان بن عيينة ويونس بن يزيد وعقيل وأبو أويس وتبين بذلك صحة ما رواه يحيى وابن بكير دون ما رواه القعنبي ومن تابعه من أصحاب ملك وتبين لنا أن القعنبي ومن تابعه لم يقيموا الحديث ولم يتقنوه إذ أرسلوه وهو متصل صحيح الاتصال ومما يزيد في ذلك صحة أن يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو روياه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا كله يشد ما رواه يحيى ولعمري لقد حصلت

102
نقله عن مالك وألفيته من أحسن أصحابه نقلا ومن أشدهم تخلصا في المواضع التي اختلف فيها رواه الموطأ إلا أن له وهما وتصحيفا في مواضع فيها سماجة قال أبو عمر أما رواية محمد بن عمرو فحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشير عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وأما حديث يحيى بن أبي كثير فحدثني محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام ابن عمار قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى قال حدثني أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا في كتابي قام رمضان وقد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مما يصفح رواية يحيى حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

103
قال أبو عمر يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو ويحيى بن سعيد الأنصاري يقولون عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وابن شهاب يقول عن أبي سلمة من قام رمضان كذلك رواه مالك ومعمر ويونس وأبو أويس وعقيل إلا أن عقيلا قال من صام رمضان وقامه وابن عيينة وحده يقول عن ابن شهاب عن أبي سلمة من صام رمضان ومن قامه ومن قام ليلة القدر على أنه قد اختلف علي ابن عيينة في ذلك فروى عنه من قام رمضان كسائر أصحاب ابن شهاب والصحيح عنه في ذلك من صام رمضان وقام ليلة القدر حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الفرضي قال حدثنا أبو عثمان عمرو بن محمد الناقد وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر الطائي قالوا كلهم حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا قال هؤلاء كلهم عن ابن عيينة من صام رمضان ورواه عنه حامد بن يحيى فقال من قام رمضان وحدثنا عبد الوارث بن

104
سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال أنبأنا أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا قال حامد بن يحيى عنه قام رمضان ولم يقل صام وزاد ما تأخر وهي زيادة منكرة (22) في حديث الزهري وذكر البخاري حديث حامد من رواية ملك متصلا مسندا وذكر حديث أبي سلمة من غير رواية مالك بلفظ من صام رمضان فهذا ما بلغنا من الاختلاف في إسناد هذا الحديث وألفاظه من رواية ابن شهاب خاصة وقد هذبنا ذلك ومهدناه بمبلغ وسعنا وطاقتنا والله المعين لا شريك له وفي هذا الحديث من الفقه فضل قيام رمضان وظاهره يبيح فيه الجماعة والانفراد لأن ذلك كله فعل خير وقد ندب الله إلى فعل الخير وفيه دليل على أن ما أمر به عمر وفعله من قيام رمضان قد كان سبق من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الترغيب والحض فصار ذلك من سننه

105
صلى الله عليه وسلم وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا لأنه موضعه وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إيمانا واحتسابا دليل على أن الأعمال الصالحة إنما يقع بها غفران الذنوب وتكفير السيئات مع صدق النيات يدلك على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات (23) وقوله لسعد لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها (24) ومحال أن يزكو من الأعمال شيء لا يراد به الله وفقنا الله لما يرضاه وأصلح سرائرنا وعلانيتنا برحمته آمين وقد اختلف العلماء في قوله (25) في هذا الحديث غفر له ما تقدم من ذنبه فقال قوم يدخل فيه الكبائر وقال قوم لا يدخل فيه الكبائر إلا أن يقصد صاحبها بالتوبة إليها والندم عليها ذاكرا لها وقد مضى القول في هذا المعنى في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا والله عز وجل يتفضل بما يشاء لا معقب لحكمه ولا
راد لفضله لا إله غيره

106
حديث خامس لابن شهاب عن أبي سلمة مسند مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة هكذا روى ملك هذا الحديث بهذا الإسناد (1) أيضا مع ما تقدم من روايته له عن ابن شهاب عن سعيد مرسلا على ما ذكرنا في كتابنا هذا ولم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه ولم يذكر في موطئه قصة قتل المرأة التي طرحت جنينها لما فيه من الاختلاف والاضطراب بين أهل النقل وأهل الفقه من أصحابنا والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وإنما ذكر قصة الجنين الذي لم يختلف فيه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا حكم الجنين وما للعلماء في ذلك من التنازع والمعنى في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من كتابنا فأغنى عن إعادته هاهنا وذكرنا حكم قتل المرأة وما روى فيه وفي حكمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن العلماء بعده في شبه العمد بما يكفي ويشفي في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة ولم نذكره في كتابنا هذا لأن مالكا لم يذكر شيئا منها في حديثه في موطئه ولا في غيره فيما علمت وأكثر الرواة لحديث أبي سلمة هذا عن ابن شهاب وغيره يذكرون ما رمت به المرأة صاحبتها إلا أنهم اختلفوا في

107
ذلك فطائفة منهم تقول بحجر وطائفة تقول بمسطح ومنهم من يقول بعمود فسطاط ولمن أثبت شبه العمد من العلماء في الحجر وصغره وعظمه والعمود وثقله ويزداد الضرب بذلك كله أو بعضه مذاهب مختلفة وأحكام غير مؤتلفة والآثار بذلك أيضا مضطربة ولهذا الاضطراب والله أعلم لم يذكر مالك شيئا من ذلك وإنما قصد إلى المعنى المراد بالحكم عنده لأنه لا يفرق في مذهبه بين الحجر وغيره في باب العمد فلذلك لم يذكر ذلك والله أعلم وهذا كله منه فرار عن اثبات شبه العمد (2) ونفي له لأنه عنده باطل (3) فلم يذكر في موطئه في حديث ابن شهاب هذا شيئا يدل عليه واقتصر على قصة الجنين لا غير وغيره قد ذكر ذلك وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة الجنين هذه في المرأتين اللتين رمت إحداهما الأخرى جماعة من الصحابة منهم محمد بن (4) مسلمة والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وابن (5) عباس وجابر بن (6) عبد الله وبريدة الأسلمي وحمل (7)

108
ابن النابغة الهذلي ومنهم من يرويه عن عمر (8) عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يرويه عن عمر عن حمل بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عويمر (9) بن أشقر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء من يذكر قتل المرأة والحكم في ديتها في هذا الحديث مع حكم الجنين ومنهم من يقتصر على حكم الجنين لا غير ولم نر أن نذكر في كتابنا شيئا من هذه الطرق غير طرق حديث أبي هريرة لأنه لم يرو مالك غيره في هذا الباب وقد روى الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن مسافر عن ابن شهاب هذا الحديث بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

109
(10) مثل إسناد مالك هذا واقتصر فيه أيضا على قصة الجنين لا غير كما رواه مالك سواء قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو الزنباع (11) روح بن الفرج قال حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني ابن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة فقال ولي المرأة التي غرمت كيف أغرم يا رسول الله ما لا شرب ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو من إخوان الكهان ففي هذا الحديث أنها رمتها بحجر ومحفوظ في هذه القصة من حديث المغيرة بن شعبة وغيره أنها رمتها بمسطح والمسطح الخشبة وقال النضر بن شميل المسطح العود يرقق به الخبز وقال أبو عبيد المسطح عود من العيدان قال أبو عمر المرأتان الهذليتان المذكورتان في هذا الحديث إحداهما يقال لها أم عفيف بنت مسروح من بني سعد بن هذيل والأخرى مليكه أخت عويمر بن (12) الأشقر وهذا موجود من حديث عويمر بن أشقر

110
ومن حديث عبد الله بن عباس إلا أن ابن عباس قال في هذا الحديث كان اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف (13) وقد ذكرناهما في الصحابيات في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكرهما هاهنا وقد روى هذا الحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة الجنين لا غير بمثال رواية ملك ومعناه سواء وكذلك رواه حماد بن سلمة ومحمد بن بشر وخالد الواسطي عن محمد بن عمرو ورواه عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو (14) بغل ولم يقل ذلك غير عيسى بن يونس فيما علمت وعيسى (15) ثقة وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في دية الجنين وما لهم فيه من المعاني والأحكام في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب واقتصرنا من ذلك على أقاويل أهل الفتوى من أئمة الأمصار دون ما عدوه شذوذا وبالله العصمة والتوفيق

111
حديث سادس لابن شهاب عن أبي سلمة مسند وهو حديث العمري مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أعمر عمري (1) له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا يرجع إلى الذي أعطاها (2) لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث هكذا هو هذا الحديث عند كل الرواة عن مالك ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها قال معمر وكان الزهري يفتي بذلك قال محمد بن يحيى الذهلي في حديث معمر هذا إنما منتهاه إلى قوله هي لك ولعقبك وما بعده عندنا من كلام الزهري قال وما رواه أبو الزبير عن جابر يوهن حديث معمر هذا قال وقد رواه ابن أبي ذئب وملك وابن أخي الزهري وليث على خلاف ما رواه معمر قال أبو عمر أما رواية ابن أبي ذئب فرواه في موطئه (3) عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قضى فيمن أعمر

112
عمرى له ولعقبه فهي له بتلة (4) لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثنوية (5) قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فقطعت المواريث شرطه وهذا خلاف ما قاله الذهلي وقد جوده ابن أبي ذئب فبين فيه موضع الرفع وجعل سائره من قول أبي سلمة (6) لا من قول الزهري ورواه الأوزاعي قال حدثني أبو سلمة قال حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمري لمن أعمرها هي له ولعقبه هكذا حدثناه (7) الوليد بن مسلم وغيره عنه ورواه الليث عن ابن شهاب بإسناده قال من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمرها ولعقبه حدثنا بحديث الليث أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره حرفا بحرف قال أبو عمر فهذا ما في حديث ابن شهاب والمعنى في ذلك متقارب يشد بعضه بعضا لكن مالك رحمه الله لم يقل بظاهر هذا الحديث لما رواه عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمري وما يقول الناس فيها فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا

113
(8) والقاسم قد أدرك جماعة من الصحابة وكبار التابعين وقال ملك الأمر عندنا أن العمرى ترجع إلى الذي أعمرها إذا لم يقل لك ولعقبك إذا مات المعمر وكذلك إذا قال هي لك ولعقبك ترجع إلى صاحبها أيضا بعد انقراض عقب المعمر لأنه على شرطه في عقب المعمر كما هو على شرطه في المعمر ورقبتها عند مالك وأصحابه على ملك صاحبها أبدا ترجع إليه إن كان حيا أو إلى ورثته بعده وضمانها منهم ولا يملك بلفظ العمرى والأعمار عند مالك رقبة شيء من العطايا وإنما ذلك عنده كلفظ السكنى والإسكان سواء لا يملك بذلك إلا المنافع دون الرقاب وهي ألفاظ عندهم لا يملك بها الرقاب وإنما يملك بها المنافع منها العمرى والسكنى والعارية والأطراق والمنحة والأحبال والأفقار (9) وما كان مثلها قال أبو إسحاق الحربي سمعت ابن الأعرابي يقول لم تختلف العرب في أن هذه الأسماء على ملك أربابها (10) ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والأفقار والأحبال والعرية والسكنى والأطراق ومما احتج به أصحاب ملك فيما ذهبوا إليه من رد حديث جابر هذا بأن قالوا هو حديث منسوخ ولم يصحبه

114
العمل وقال بعضهم لعل حامله وهم ومثل هذا من القول لا يعترض به الأحاديث الثابتة عند أحد من العلماء إلا بأن يتبين النسخ بما لا مدفع فيه ومما احتجوا به أيضا ما رواه ابن القاسم وغيره عن مالك قال رأيت محمدا وعبد الله ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فسمعت عبد الله يعاتب محمدا ومحمد يومئذ قاض فيقول له مالك لا تقضي بالحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرى حديث ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر فيقول له محمد يا أخي لم أجد الناس على هذا وأباه الناس فهو يكلمه ومحمد يأباه قال مالك ليس عليه العمل ولوددت أني (11) محي ومن أحسن ما احتجوا به أن قالوا ملك المعمر المعطى ثابت بإجماع قبل أن يحدث العمرى فلما أحدثها اختلف العلماء فقال بعضهم قد أزال لفظه ذلك ملكه عن رقبة ما أعمره وقال بعضهم لم يزل ملكه عن رقبة ماله بهذا اللفظ والواجب بحق النظر أن لا يزول ملكه إلا بيقين وهو الإجماع لأن الاختلاف لا يثبت به يقين وقد ثبت أن الأعمال بالنيات وهذا الرجل لم ينو بلفظه ذلك إخراج شيء عن ملكه وقد اشترط فيه شرطا فهو على شرطه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم (12)

115
قال أبو عمر نحن نذكر اختلاف الفقهاء في هذا الباب على شرطنا في هذا الكتاب لنبين بذلك موضع الصواب وبالله التوفيق فأما مالك رحمه الله فقد ذكرنا أن العمرى والسكنى عنده سواء وهو قول الليث وقول القاسم بن محمد ويزيد بن (13) قسيط قال مالك فإذا أعمره حياته وأسكنه حياته فهو شيء واحد فإن أراد المعمر أن يكريها فإنه يكريها قليلا قليلا ولا يبعد الكراء قال وللمعمر أن يبيع منافع الدار وسكناه فيها من الذي أعمره ولا يبيعها من غيره وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو قول الثوري والحسن بن حي وابن شبرمة وأحمد بن حنبل وأبي عبيد العمرى بهذا اللفظ هبة مبتوتة يملكها المعمر ملكا تاما رقبتها ومنافعها واشترطوا فيها القبض على أصولهم في الهبات قالوا ومن أعمر رجلا شيئا في حياته فهو له حياته وبعد وفاته لورثته لأنه قد ملك رقبتها وشرط المعطى وذكره العمرى والحياة باطل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل شرطه وجعلها بتلة للمعطى وسواء قال هي ملك حياتك وهي لك ولعقبك بعدك عمري حياتهم أو ما عشت وعاشوا كل ذلك باطل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط في ذلك وإذا بطل شرطه لنفسه في حياة المعمر فكذلك حياة عقبه الشرط أيضا باطل وكل شرط أبطله

116
الله أو رسوله فهو مردود لأن في إنفاذه تحليل الحرام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وقال كل شرط ليس في كتاب الله (14) فهو باطل يعني ليس في حكم الله وفيما أباحه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه الصلاة والسلام أنه من أعطى شيئا حياته فهو له ولورثته فأمسكوا عليكم أموالكم قالوا والسكنى عارية لا يملك بها رقبة إنما يملك بها المنافع على شروط المسكن ومن حجتهم فيما ذهبوا إليه في العمرى ما رواه ابن جريج والثوري وجماعة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعمر (15) شيئا حياته فهو له حياته وموته وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال (حدثنا قاسم بن أصبغ) قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى (16) ابن هشام قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرى لمن وهبت له فجعلها هبة والفائدة في هذا الخطاب في تملكه الرقبة لأن المنافع أوضح من أن يحتاج إلى أن تعرف لمن هي في ذلك والله أعلم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

117
أيها الناس أمسكوا عليكم أموالكم ولا تعمروا أحدا شيئا فإن من أعمر أحدا شيئا حياته فهو له حياته ومماته (17) وذكر الشافعي عن ابن علية (18) عن الحجاج بن أبي
عثمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار أمسكوا عليكم أموالكم ولا تعمروا أحدا شيئا فإن من أعمر شيئا حياته فهو لمن أعمره حياته ومماته وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر مثله سواء وهو قول جابر وابن عمر وابن عباس ذكر معمر عن أيوب بن (19) حبيب بن أبي ثابت قال سمعت ابن عمر وسأله أعرابي أعطى ابنه ناقة له حياته فأنتجها فكانت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته ومماته قال أفرأيت إن كان تصدق عليه قال فذلك أبعد له وهذا الخبر يدل على أن مذهب ابن عمر في العمرى أنها خلاف السكنى ذلك أنه ورث حفصة بنت عمر دارها قال وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت فلما توفيت ابنة زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى أنه

118
له (20) وقوله ورث حفصة دارها يريد من حفصة دارها ومن هذا قول أبي الحجناء (21
* أضحت جياد ابن قعقاع مقسمة
* في الأقربين بلا من ولا ثمن
* ورثتهم فتسلوا عنك إذ ورثوا
* وما ورثتك غير الهم والحزن
* أي ما ورثت منك غير الهم وقالت زينب الطبرية (22) ترثى أخاها إدريس
* مضى وورثناه دريس (23) مفاضة
* وعلى هذا أكثر العلماء وجماعة أهل الفتوى في الفرق بين العمرى والسكنى وقالوا لا تنصرف إلى صاحبها أبدا وكان الشعبي يقول إذا قال هو لك سكنى حتى تموت فهو له حياته وموته وإذا قال داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها وأما قول جابر فذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفي وترك ولدا وتوفيت بعده وتركت ولدين أخوين سوى المعمر أظنه قال فقال ولد المعمرة يرجع الحائط إلينا وقال ولد المعمر بل كان لأبينا حياته وموته فاختصموا إلى طارق مولى عثمان فدخل جابر فشهد على رسول الله صلى الله

119
عليه وسلم بالعمرى لصاحبها فقضى بذلك طارق ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره بذلك وأخبره بشهادة جابر فقال عبد الملك صدق جابر وأمضى ذلك طارق وقال ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم (24) وروى يعلى بن عبيد وغيره عن الثوري عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال لا تحل العمرى ولا الرقبى فمن أعمر شيئا فهو له ومن أرقب شيئا فهو له وهو قول طاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وبه كان يقضي شريح وقال من ذهب إلى هذا القول أنه لا يصح لأحد أن يدعي العمل في هذه المسألة بالمدينة لأن الخلاف في المدينة فيها قديما وحديثا أشهر من أن يحتاج إلى ذكره واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير (25) بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها أو ميراث لأهلها (26) وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها (27) وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا سعيد

120
عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى ميراث لأهلها وحدثني أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار قال قضى طارق (28) بالمدينة العمرى للوارث على قول جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيها وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبد الله الزرقي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن يعني الطفاوي قال حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن المهاجرين لما قدموا على الأنصار جعل الأنصار يعمرونهم دورهم حياتهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للأنصار أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فإنه من أعمر شيئا فهو له ولورثته إذا مات وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار أنه سمع طارقا يحدث عن حجر (29) المدري عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالعمرى للوارث (30)

121
وفي هذه المسألة قول ثالث قاله أبو ثور وداود بن علي وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن شهاب وابن أبي ذئب قالوا إذا قال الرجل هذه الدار وهذا الشيء لك عمري أو عمرك أو حياتي أو حياتك فإن ذلك ينصرف إلى المعطي إذا مات المعطي وانقضى الشرط فإن مات المعطي قبل انقضاء الشرط انصرف إلى ورثته وليس في هذا تمليك شيء من الرقاب حتى يكون فيه ذكر العقب وإذا قال المعطي هو لك ولعقبك زال ملك المعطي عنها وصارت ملكا للمعطي يورث عنه وقد روى عن يزيد بن قسيط مثل هذا القول أيضا وحجة من ذهب إليه حديث أبي سلمة عن جابر من رواية ملك وغيره عن ابن شهاب وقد تقدم ذكره قالوا فهذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات الفقهاء الأثبات قالوا وليس حديث أبي الزبير مما يعارض به حديث ابن شهاب ولا في حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت ومعاوية بيان وهي محتملة للتأويل وحديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر حديث مفسر يرتفع معه الأشكال لأنه جعل لذكر العقب حكما وللسكوت عنه حكما يخالفه وبه أفتى أبو سلمة وإليه كان يذهب ابن شهاب وهم رواة الحديث وإليهم ينصرف في تأويله مع موضعهم من الفقه والجلالة وليس من خالفهم ممن يقاس بهم قالوا وحديث معمر حديث صحيح لا معنى لقول من تكلم فيه لأن معمرا من أثبت الناس في ابن شهاب وأحسنهم نقلا عنه لا سيما ما حدث به باليمن من كتبه وإنما وجد عليه شيئا (31) من الغلط فيما
حدث به من حفظه بالعراق وحديثه هذا من رواية أهل اليمن عنه صحيح هذا كله

122
معنى ما احتج به القوم ومن ذهب مذهبهم وبالله التوفيق حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد كاتب الأوزاعي قال قلت للزهري الرجل يقول للرجل جاريتي هذه لك حياتك أيحل له فرجها قال لا فقال فإن قال هي لك عمري أيحل له فرجها قال لا حتى يبتها له إنما العمري التي لا يكون للمعطى فيها شيء أن يعطيها للرجل ولعقبه ليس للمعطي فيها مثنوية

123
حديث سابع لابن شهاب عن أبي سلمة مسند صحيح مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو (1) حرام لا أعلم عن ملك خلافا في إسناد هذا الحديث إلا أن إبراهيم بن طهمان في (2) ذلك وعنده أيضا حديث ملك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة والمشهور فيه عن ملك حديث أبي سلمة وهو حديث صحيح مجتمع على صحته لا خلاف بين أهل العلم بالحديث في ذلك وهو أثبت شيء يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر وقد سئل يحيى بن معين عن أصح حديث روى في تحريم المسكر فقال حديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام قال وأنا أقف عنده حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وحدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد إسماعيل الطوسي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وحدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد الدبيلي حدثنا موسى بن هارون

124
الجمال (3) قالا حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وقتيبة بن سعيد وحدثناه خلف حدثنا الحسين بن جعفر الزيات حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار حدثنا محمد بن المثنى حدثنا بشر بن عمر الزهراني قالوا حدثنا ملك بن أنس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام قال أبو عمر والبتع (4) شراب العسل لا خلاف علمته في ذلك بين أهل الفقه ولا بين أهل اللغة وإذا خرج الخبر بتحريم المسكر على شراب العسل فكل مسكر مثله في الحكم وكذلك قال (5) ابن عمر كل مسكر خمر حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا موسى ومعاذا إلى اليمن قال لهما يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تنفرا فقال له أبو موسى يا رسول الله إن لنا شرابا يصنع بأرضنا من العسل يقال له البتع ومن الشعير يقال له المزر (6) فقال له النبي صلى الله

125
عليه وسلم كل مسكر حرام قال وقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن قال أقرأه في صلاتي وعلى راحلتي وقائما وقاعدا ومضطجعا وأتفوقه (7) تفوقأ فقال معاذ لكني أنام ثم أقوم فأحتسب نومتي (8) كما أحتسب قومتي قال فكأن معاذا فضل عليه قال أبو عمر وقد أتينا من القول في تحريم المسكر بما فيه كفاية في كتابنا هذا في باب إسحاق بن أبي طلحة فأغنى عن إعادته هاهنا ولا خلاف بين أهل المدينة في تحريم المسكر قرنا بعد قرن يأخذ ذلك كافتهم عن كافتهم وما لأهل المدينة في شيء من أبواب الفقه إجماع كإجماعهم على تحريم المسكر فإنه لا خلاف بينهم في ذلك وسائر أبواب العلم قل ما تجد فيه قولا لعراقي أو لشامي إلا وقد تقدم من أهل المدينة به قائل إلا تحريم المسكر فإنهم لم يختلفوا فيه فيما علمت ولا يصح عن عمر بن الخطاب ما روى عنه في ذلك وما أجمع عليه أهل المدينة فهو الحق إن شاء الله ولم يجمع أهل العراق على تحليل المسكر ما لم يسكر شاربه لأن جماعة منهم يذهبون في ذلك مذهب أهل الحجاز حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا سليم حدثنا قاسم حدثنا أحمد

126
ابن عيسى حدثنا إبراهيم بن أحمد حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد بن مسلم قال سمعت مخلد بن حسن وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس وأبا إسحاق الفزاري وهؤلاء أفضل من بقي يومئذ من علماء المشرق وقد أجمعوا على ترك الحديث في تحليل النبيذ واظهار الرواية في تحريمه حدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا أبو جعفر الصائغ قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني عبد الله بن نافع (10) قال حدثني (11) ابن أبي سهل عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن زيد بن ثابت قال إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه سنة وقال أبو بكر بن عبد الرحمن هو الحق الذي لا شك فيه (12)

127
حديث ثامن لابن شهاب عن أبي سلمة يشارك فيه أبا سلمة أبو عبد الله الأغر واسمه سلمان ثقة رضي مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر جميعا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر (1) له هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته رواه أكثر الرواة عن مالك هكذا كما رواه يحيى ومن رواة الموطأ من يرويه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر لا يذكر أبا سلمة (2) وهو حديث منقول من طرق متواترة ووجوه كثيرة من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى عن الحنيني (3) عن مالك عن الزهري عن أبي عبيد (4) مولى ابن عوف عن أبي هريرة ولا يصح هذا الإسناد عن مالك وهو عندي وهم وإنما هو عن الأعرج عن أبي هريرة وكذلك لا يصح فيه رواية عبد الله بن صالح (5) عن مالك

128
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وصوابه عن الزهري عن الأعرج وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة ورواه زيد بن يحيى بن عبيد (6) الله الدمشقي وروح بن عبادة وإسحاق بن عيسى الطباع عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش والدليل على صحة ما قالوه (7) أهل الحق في ذلك قول الله عز وجل * (الرحمن على العرش استوى) * وقوله عز وجل * (ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) * وقوله * (ثم
استوى إلى السماء وهي دخان) * وقوله * (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * 11 وقوله تبارك اسمه * (إليه يصعد الكلم الطيب) * 12 وقوله تعالى * (فلما تجلى ربه للجبل) * وقال * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) * وقال جل ذكره * (سبح اسم ربك الأعلى) * 15 وهذا من العلو

129
وكذلك قوله * (العلي العظيم) * 16 * (الكبير المتعال) * و * (رفيع الدرجات ذو العرش) * و * (يخافون ربهم من فوقهم) * والجهمي يزعم أنه أسفل وقال جل ذكره * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) * 17 وقوله * (تعرج الملائكة والروح إليه) * وقال لعيسى * (إني متوفيك ورافعك إلي) * وقال * (بل رفعه الله إليه) * وقال * (فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار) * وقال * (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) * وقال * (ليس له دافع من الله ذي المعارج) * والعروج هو الصعود وأما قوله تعالى * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم) * فمعناه من على السماء يعني على العرش وقد يكون في بمعنى على ألا ترى إلى قوله تعالى * (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * أي على الأرض وكذلك قوله * (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * 25 وهذا كله يعضده قوله تعالى * (تعرج الملائكة والروح إليه) * وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب

130
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد وهو الواحد الصمد ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى * (استوى) * قال علا قال وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت وقال غيره استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد قال أبو عمر الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال * (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) * وقال * (واستوت على الجودي) * 27 وقال * (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) * وقال الشاعر
* فأوردتهم ماء بفيفاء (29) قفرة
* وقد حلق النجم اليماني فاستوى
*

131
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولى وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال قال فقال لنا أعرابي إلى جنبه أنه أمركم أن ترتفعوا قال الخليل هو من قول الله عز وجل * (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) * فصعدنا إليه فقال هل لكم في خبز فطير ولبن هجير (31) وماء نمير فقلنا الساعة فارقناه فقال سلاما فلم ندر ما قال فقال الأعرابي أنه سالمكم متاركة لا خير فيها ولا شر قال الخليل هو من قول الله عز وجل * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * 32 وأما نزع من نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن واقد (33) الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى * (الرحمن على العرش استوى) * على جميع بريته فلا يخلو منه مكان فالجواب عن هذا أن هذا حديث منكر عن ابن عباس ونقلته مجهولون ضعفاء فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب (34) بن مجاهد فضعيفان وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من

132
الحديث لو عقلوا أو أنصفوا أما سمعوا الله عز وجل حيث يقول * (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا) * فدل على أن موسى عليه السلام كان يقول الهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا
* فسبحان من لا يقدر الخلق قدره
* ومن هو فوق العرش فرد موحد
* مليك على عرش السماء مهيمن
* لعزته تعنو الوجوه وتسجد
* وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت وفيه يقول في وصف الملائكة
* فمن حامل إحدى قوائم عرشه
* ولولا إله الخلق كلوا وأبلدوا
*
* قيام على الأقدام عانون تحته
* فرائضهم من شدة الخوف ترعد (36
* قال أبو عمر فإن احتجوا بقول الله عز وجل * (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * وبقوله * (وهو الله في السماوات وفي الأرض) * وبقوله * (ما
يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) *

133
الآية وزعموا أن الله تبارك وتعالى في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى قيل لهم لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض وكذلك قال أهل العلم بالتفسير فظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش والاختلاف في ذلك بيننا فقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر وأما قوله في الآية الأخرى وفي الأرض إله فالإجماع والاتفاق قد بين المراد بأنه معبود من أهل الأرض فتدبر هذا فإنه قاطع إن شاء الله ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال لها أين الله فأشارت إلى السماء ثم قال لها من أنا قالت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال

134
أطلقت غنيمة لي ترعاها جارية لي في ناحية أحد فوجدت الذئب قد أصاب شاة منها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ثم انصرفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعظم علي قال فقلت يا رسول الله فهلا أعتقها قال فأتني بها قال فجئت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها أين الله فقالت في السماء فقال من أنا قالت أنت رسول الله قال إنها مؤمنة فأعتقها (40) مختصر أنا اختصرته من حديثه الطويل من رواية الأوزاعي وهو من حديث ملك أيضا وسيأتي في موضعه من كتابنا إن شاء الله وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق فشئ لا يلزم ولا معنى له لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسماوات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم وقد صح في

135
المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم فكيف يقاس على شيء من خلقه أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا الذي لا يبلغ من وصفه إلا إلى ما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه ورسوله أو اجتمعت عليه الأمة الحنيفية عنه فإن قال قائل منهم إنا وصفنا ربنا أنه كان لا في مكان ثم خلق الأماكن فصار في مكان وفي ذلك إقرار منا بالتغيير والانتقال إذ زال عن صفته في الأزل وصار في مكان دون مكان قيل له وكذلك زعمت أنت أنه كان لا في مكان وانتقل إلى صفة هي الكون في كل مكان فقد تغير عندك معبودك وانتقل من لامكان إلى كل مكان وهذا لا ينفك منه لأنه إن زعم أنه في الأزل في كل مكان كما هو الآن فقد أوجب الأماكن والأشياء موجودة معه في أزله وهذا فاسد فإن قيل فهل يجوز عندك أن ينتقل من لامكان في الأزل إلى مكان قيل له أما الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان والله عز وجل ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه ولكنا نقول استوى من لامكان إلى مكان ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ونقول خليل إبراهيم ولا

136
نقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن وقد قال الله عز وجل * (وجاء ربك والملك صفا صفا) * وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقلة ولو اعتبرت ذلك بقولهم جاءت فلانا قيامته وجاءه الموت وجاءه المرض وشبه ذلك مما هو موجود نازل به ولا مجيء لبان لك وبالله العصمة والتوفيق فإن قال إنه لا يكون مستويا على مكان إلا مقرونا بالتكييف قيل قد يكون الاستواء واجبا والتكييف مرتفع وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل لأنه لا يكون كائن في لامكان إلا مقرونا بالتكييف وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحا في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح وكذلك ليس جهلنا بكيفية على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي قال حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع ابن حرس (41) عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماء والأرض قال كان ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء

137
قال أبو عمر قال غيره في هذا الحديث كان (42) في عماء فوقه هواء وتحته هواء والهاء في قوله فوقه وتحته راجعة إلى العماء وقال أبو عبيد العماء هو الغمام وهو ممدود وقال ثعلب هو عما مقصور أي في عما عن خلقه والمقصود الظلم (43) ومن عمى عن شيء فقد أظلم عليه أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد ابن جعفر بن حمدان بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا سريج (44) بن النعمان قال حدثنا عبد الله بن نافع قال قال مالك بن أنس الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان قال وقيل لملك * (الرحمن على العرش استوى) * كيف استوى فقال ملك رحمه الله استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء وقد روينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في قول الله عز وجل * (الرحمن على العرش
استوى) * مثل قول مالك هذا سواء وأما احتجاجهم بقوله عز وجل * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) * فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية لأن علماء

138
الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله ذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * الآية قال هو على عرشه وعلمه معهم أين ما كانوا قال وبلغني عن سفيان الثوري مثله قال سنيد وحدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم قال سنيد وحدثنا هشيم عن أبي بشر عن مجاهد قال إن بين العرش وبين الملائكة سبعين حجابا حجاب من نور وحجاب من ظلمة وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن جبير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن مسعود قال ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة والعرش على الماء والله تبارك وتعالى على العرش يعلم أعمالكم قال أبو عمر لا أعلم في هذا الباب حديثا مرفوعا إلا حديث عبد الله بن عميرة وهو حديث مشهور بهذا الإسناد رواه عن سماك جماعة منهم أبو خالد الدالاني وعمر وبن أبي عمرو بن أبي قيس وشعيب بن أبي خالد وابن أبي المقدام وإبراهيم بن طهمان والوليد بن أبي ثور وهو حديث

139
كوفي أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأنبأنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل قالا حدثنا محمد بن الصباح الدولابي البزار قال حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن (45) الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى سحابة مرت فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا نعم قال كم ترون بينكم وبين السماء قالوا لا ندري قال بينكم وبينها إما واحدة أو اثنتين (46) أو ثلاث وسبعون سنة والسماء فوقها كذلك بينهما مثل ذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كا بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك (47) وفي رواية فروة بن أبي المغراء هذا الحديث عن الوليد بن أبي ثور قال في الأوعال ما بين رؤوسهم إلى أظلافهم مثل ذلك

140
يعني ما بين سماء إلى سماء ثم فوقهم العرش ما بين أعلاه وأسفله مثل ذلك ثم الله فوق ذلك وفيه حديث جبير بن مطعم مرفوعا أيضا وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن (48) مطعم عن أبيه عن جده قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك وتدري ما الله إن الله على عرشه على سماواته وأرضه لهكذا وأشار بأصابعه الخمس مثل القبة وأشار يحيى بن معين بأصابعه كهيئة القبة وإنه ليئط أطيط الرحل (49)

141
بالراكب أخبرني أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن واضح قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال حدثنا عبد الله بن موسى الضبي قال سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى * (وهو معكم أين ما كنتم) * قال علمه قال علي بن الحسن وسمعت ابن المبارك يقول إن كان بخراسان أحد من الأبدال فهو معدان قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد (50) ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سماوات قال وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثني محمد بن عمرو الكلابي قال

142
سمعت وكيعا يقول كفر بشر بن (51) المريسي في صفته هذه قال هو في كل شيء قيل له وفي قلنسوتك هذه قال نعم قيل له وفي جوف حمار قال نعم وقال عبد الله بن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ينزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فقد أكثر الناس التنازع فيه والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدقون بهذا الحديث ولا يكيفون والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء والحجة في ذلك واحدة وقد قال قوم من أهل الأثر أيضا أنه ينزل أمره وتنزل رحمته وروى ذلك عن حبيب (52) كاتب ملك وغيره وأنكره منهم آخرون وقالوا هذا ليس بشيء لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبدا في الليل والنهار وتعالى الملك الجبار الذي إذا أراد أمرا قال له كن فيكون في أي وقت شاء ويختص برحمته من يشاء متى شاء لا إله إلا هو الكبير المتعال وقد روى محمد بن علي الجبلي وكان من ثقات المسلمين بالقيروان قال حدثنا جامع بن سوادة بمصر قال حدثنا مطرف عن مالك بن أنس أنه سئل عن الحديث إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا فقال مالك يتنزل أمره وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله

143
على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة وذلك من أمره أي أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت والله أعلم ولذلك ما جاء فيه الترغيب في الدعاء وقد روى من حديث أبي ذر أنه قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الغابر يعني (53) الآخر وهذا على معنى ما ذكرنا ويكون ذلك الوقت مندوبا فيه إلى الدعاء كما ندب إلى الدعاء عند الزوال وعند النداء وعند نزول غيث السماء (54) وما كان مثله من الساعات المستجاب فيها الدعاء والله أعلم وقال آخرون ينزل بذاته أخبرنا أحمد بن عبد الله أن أباه أخبره قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح بمصر قال سمعت نعيم بن (55) حماد يقول حديث النزول يرد على الجهمية قولهم قال
وقال نعيم ينزل بذاته وهو على كرسيه قال أبو عمر ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة لأن هذا كيفية وهم

144
يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عيانا وقد جل الله وتعالى عن ذلك وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال أبو عمر أهل السنة مجموعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله روى حرملة بن يحيى قال سمعت عبد الله بن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله * (وقالت اليهود يد الله مغلولة) * 56 وأشار بيده إلى عنقه ومثل قوله * (وهو السميع البصير) * فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيئا من بدنه قطع ذلك منه لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يضحى بأربع من الضحايا وأشر البراء بيده كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده (57) قال البراء ويدي أقصر من يد رسول الله صلى

145
الله عليه وسلم فكره البراء أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له وهو مخلوق فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا هارون بن معروف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس يتسائلون حتى يقولوا هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت (58) بالله وأخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عمرو حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم (59) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه قال فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم (60) وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال لا تقوم الساعة حتى تكون خصومة الناس في ربهم وقد روي ذلك مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال سحنون من العلم بالله الجهل بما لم يخبر به عن نفسه وهذا الكلام أخذه سحنون عن ابن الماجشون قال أخبرني الثقة عن الثقة عن الحسن بن أبي الحسن قال لقد تكلم مطرف بن عبد الله بن

146
الشخير على هذه الأعواد بكلام ما قيل قبله ولا يقال بعده قالوا وما هو يا أبا سعيد قال قال الحمد لله الذي من الإيمان به الجهل بغير ما وصف من نفسه أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا سحنون بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ويرى أهل الجنة ربهم وبحديث لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على (61) صورته واشتكت النار إلى ربها حتى يضع الله فيها (62)

147
قدمه وأن موسى عليه السلام لطم ملك الموت (63) صلوات الله عليه قال أحمد كل هذا صحيح وقال إسحاق كل هذا صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي قال أبو عمر الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله إن الله عز وجل يجعل السماء على (64) أصبع وحديث إن قلوب بني

148
آدم بين إصبعين من أصابع (65) الرحمن وإن الله يعجب أو يضحك ممن (66) يذكره في الأسواق وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف قال أبو داود وحدثنا الحسن بن محمد قال سمعت الهيثم بن خارجة قال حدثني الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري وملك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف وذكر عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدي سأل وكيع بن الجراح فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعني مثل الكرسي (67) موضع القدمين ونحو هذا فقال أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا قال عباس بن محمد الدوري وسمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر له عن رجل من أهل السنة أنه كان يقول هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا من قنوط

149
عباده وأن جهنم لتمتلىء وأشباه هذه الأحاديث وقالوا أن فلانا يقول يقع في قلوبنا أن هذه الأحاديث حق فقال ضعفتم عندي أمره هذه الأحاديث حق لا شك فيها رواها الثقات (68) بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نفسرها ولم نذكر أحدا يفسرها وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث ذكره أصبغ وعيسى عن ابن القاسم قال سألت ملكا عمن يحدث الحديث إن الله خلق آدم على وصورته (69) والحديث إن الله يكشف عن ساقه يوم (70) القيامة وأنه يدخل في النار يده حتى (71) يخرج من أراد فأنكر ذلك إنكارا شديدا ونهى أن يحدث به أحدا وإنما كره ذلك ملك خشية الخوض في التشبيه بكيف هاهنا وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال

150
سمعت ابن وضاح سألت يحيى بن معين عن التنزل فقال أقر به ولا تحد فيه بقول كل من لقيت من أهل السنة يصدق بحديث التنزل قال وقال لي ابن معين صدق به ولا تصفه وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سألت يحيى بن معين عن التنزل فقال أقر به ولا تحد فيه وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا بكار بن عبد الله القرشي قال حدثنا مهدي بن جعفر عن مالك بن أنس أنه سأله عن قول الله عز وجل * (الرحمن على العرش استوى) * كيف استوى قال فأطرق مالك ثم قال استواؤه مجهول والفعل منه غير معقول والمسألة عن هذا بدعة قال بقي وحدثنا أيوب بن صلاح
المخزومي بالرملة قال كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها فطأطأ مالك رأسه فقال له يا أبا عبد الله * (الرحمن على العرش استوى) * كيف استوى قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول إنك امرؤ سوء أخرجوه فأخذوا بضبعيه فأخرجوه وقال يحيى بن إبراهيم بن مزين إنما كره ملك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة وتشبيها والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام فقال * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * وقال * (بل يداه مبسوطتان) * وقال * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) *

151
* (والسماوات مطويات بيمينه) * وقال * (الرحمن على العرش استوى) * فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف فإن في ذلك الهلاك لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره وقد بلغني عن ابن القاسم أنه لم ير بأسا برواية الحديث أن الله ضحك وذلك لأن الضحك من الله والتنزل والملالة (75) والتعجب منه ليس على جهة ما يكون من عباده قال أبو عمر الذي أقول أنه من نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر المهاجرين والأنصار وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجا علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة ودلائل الرسالة لا من قبل حركة ولا من باب الكل والبعض ولا من باب كان ويكون ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبا وفي الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازما ما أضاعوه ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم ولو كان ذلك من عملهم مشهورا أو من أخلاقهم معروفا لاستفاض عنهم ولشهروا به كما شهروا بالقرآن والروايات

152
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا إلى السماء الدنيا عندهم مثل قول الله عز وجل * (فلما تجلى ربه للجبل) * 67 ومثل قوله * (وجاء ربك والملك صفا صفا) * 77 كلهم يقول ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف لا يقولون كيف يجيء وكيف يتجلى وكيف ينزل ولا من أين جاء ولا من أين تجلى ولا من أين ينزل لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له وفي قول الله عز وجل * (فلما تجلى ربه للجبل) * دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز وجل * (فلما تجلى ربه للجبل) * فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق وفي قول الله عز وجل * (فإن استقر مكانه فسوف تراني) * دلالة واضحة لمن أراد الله هداه أنه يرى إذا شاء ولم يشأ ذلك في الدنيا بقوله * (لا تدركه الأبصار) * وقد شاء ذلك في الجنة بقوله * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * ولو كان لا يراه أهل الجنة لما قال * (فإن استقر مكانه فسوف تراني) * وفي هذا بيان أنه لا يرى في الدنيا لأن أبصار الخلائق لم تعط في الدنيا تلك القوة والدليل على أنه ممكن أن يرى في الآخرة بشرطه في الرؤية ما يمكن من استقرار الجبل ولا يستحيل وقوعه ولو كان محالا كون الرؤية لقيدها بما يستحيل وجوده كما فعل بدخول الكافرين الجنة قيد قبل ذلك بما

153
يستحيل من دخول الجمل سم الخياط ولا يشك مسلم أن موسى كان عارفا بربه وما يجوز عليه فلو كان عنده مستحيلا لم يسأله ذلك ولكان بسؤاله إياه كافرا كما لو سأله أن يتخذ شريكا أو صاحبة وإذا امتنع أن يرى في الدنيا بما ذكرنا لم يكن لقوله * (إلى ربها ناظرة) * وجه الا النظر إليه في القيامة على ما جاء في الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل اللسان وجعل الله عز وجل الرؤية لأوليائه يوم القيامة ومنعها من أعدائه ألم تسمع إلى قوله عز وجل * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * وإنما يحتجب الله عن أعدائه المكذبين ويتجلى لأوليائه المؤمنين وهذا معنى قول مالك في تفسير هذه الآية وأما قوله في تأويل قول الله عز وجل * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * فإن أشهب روى عن مالك أنه سمعه وسئل عن قول الله تعالى * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * قال ينظرون إلى الله عز وجل قال موسى * (رب أرني أنظر إليك) * وعلى هذا التأويل في هذه الآية جماعة أهل السنة وأئمة الحديث والرأي ذكر أسد بن موسى قال حدثنا جرير عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط في قوله تعالى * (وجوه يومئذ ناضرة) * قال من النعمة * (إلى ربها ناظرة) * قال تنظر إلى الله قال وحدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى بنا عمار بن ياسر وكان في دعائه اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك

154
81 وقد جاء أن موسى قال له ربه حينئذ لن تراني عين إلا ماتت إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم (82) وجاء عن الحسن أنه قال لما كلم موسى ربه دخل قلبه من السرور بكلامه ما لم يدخل قلبه مثله فدعته نفسه إلى أن يريه نفسه وعن قتادة وأبي بكر بن أبي شيبة وجماعة مثل ذلك وذكر سنيد عن حجاج عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله * (تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * قال أول من آمن بك أنه لا يراك أحد إلا يوم القيامة ولو كان فيها عهد إلى موسى قبل ذلك أنه لا يرى لم يسأل ربه ما يعلم أنه لا يعطيه إياه ولو كان ذلك عنده غير ممكن لما سأله ما لا يمكن عنده وأهل البدع المخالفون لنا في هذا التأويل يقولون إن من جوز مثل هذا وأمكن عنده فقد كفر فيلزمهم تكفير موسى نبي الله صلى الله عليه وسلم وكفى بتكفيره كفرا وجهلا حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا الحسن بن

155
محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثنا وكيع قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته وذكر الحديث (83) قال (84) حدثنا وكيع قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه * (للذين أحسنوا الحسنى) * قال الجنة (وزيادة) قال هو النظر إلى وجه الله عز وجل ورواه الثوري عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن (85) يمان عن أبي بكر الصديق مثله وحدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن جبير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا عفان وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال حدثنا عفان بن مسلم وعبيد الله بن عائشة قالوا حدثنا حماد بن
سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي (86) علي عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة

156
الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة لكم عند الله موعد يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويجرنا من النار ويدخلنا الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه وقال إبراهيم وقال الآخر فينظرون إلى الله تعالى قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أقر لأعينهم ولا أحب إليه من النظر إليه ثم تلا هذه الآية * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * 37 واللفظ لحديث عبد الوارث والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا فإن قيل فقد روى سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد في قول الله عز وجل * (وجوه يومئذ ناضرة) * قال حسنة إلى ربها ناظرة قال تنظر الثواب ذكره وكيع وغيره عن سفيان فالجواب أنا لم ندع الاجماع في هذه المسألة ولو كانت إجماعا ما احتجنا فيها إلى قول ولكن قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وجمهور السلف وهو قول عند أهل السنة مهجور والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك الا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجاهد وان كان أحد المقدمين في العلم بتأويل القرآن فإن له قولين في تأويل اثنين (88) هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما أحدهما هذا والآخر قوله في قول الله عز وجل * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * 89 حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبو أمية

157
الطرسوسي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد * (عسى أن يبعثك ربك مقاما) * قال يوسع له على العرش فيجلسه معه (90) وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعة والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول وله موضع غير كتابنا هذا وبالله التوفيق حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا القاسم بن خارجة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري وملك بن أنس وليث بن سعد غير مرة عن الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقال أمروها كيف جاءت بلا كيف وفي هذا الحديث أيضا دليل على غفران الذنوب وإجابة الدعوة ودليل على أن من أجزاء الليل وقتا يجاب فيه الدعاء ولكن من مقدار ثلث الليل الآخر وقد قيل من مقدار نصف الليل إلى آخره وكل هذا قد روى في أحاديث صحاح ولم يزل الصالحون يرغبون في الدعاء والاستغفار بالأسحار لهذا الحديث ولقوله عز وجل * (والمستغفرين بالأسحار) * حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا سنيد بن داود قال حدثنا هشيم قال أنبأنا عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار عن عمه قال كنت آتي

158
المسجد في السحر فأمر بدار ابن مسعود فأسمعه يقول اللهم إنك أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا سحر فاغفر لي فلقيت ابن مسعود فقلت كلمات أسمعك تقولهن في السحر فقال إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر وعن أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا مسلمة بن جنادة السدي قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال كان عمي يأتي المسجد فيسمع أنسا يقول اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا سحر فاغفر لي قال فأستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال إن يعقوب عليه السلام أخر بنيه إلى السحر بقوله * (سوف أستغفر لكم ربي) * وروى حماد بن سلمة عن الجريري (92) أن داود عليه السلام سأل جبريل فقال أي الليل أسمع قال لا أدري غير أن العرش يهتز في السحر (93)

159
ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري له ثمانية أحاديث منها ستة مسندة شركه في أحدها محمد بن النعمان بن بشير واحد مرسل وآخر موقوف لا يدرك مثله بالرأي وهو محفوظ مسند من وجوه وأم حميد بن عبد الرحمن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهو شقيق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وليس أبو سلمة شقيقا لهما وحميد أحد الثقات الأثبات حجة فيما نقل روى عن بعض ولده أن كنيته أبو إبراهيم وقال البخاري كنيته أبو عبد الرحمن قال أبو عمر توفي حميد بن عبد الرحمن بن عوف سنة خمس وتسعين وهو ابن ثلاث وسبعين روى عن عمر وعثمان وعن أبيه وسعيد بن زيد وأبي هريرة والنعمان بن بشير ومعاوية ويختلف في سماعه من عمر وعثمان ومن أبيه وقال ابن سعد قد سمعت من يذكر أنه توفي سنة خمس ومائة قال وهذا غلط وليس يمكن أن يكون كذلك لا في سنه ولا في روايته قال والصواب والله أعلم ما ذكره الواقدي يعني سنة خمس وتسعين

160
حديث أول لابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف مسند مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فقال لا أجد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر قال خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أجد أحوج مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال كله (1) هكذا روى هذا الحديث عن ملك لم يختلف رواة الموطأ عليه فيه بلفظ التخيير في العتق والصوم والإطعام ولم يذكر الفطر بأي شيء كان هل كان بجماع أو بأكل بل أبهم ذلك وتابعه على روايته هذه ابن جريج (2) وأبو أويس عن ابن شهاب وكذلك رواه أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب بإسناده مثله ورواه أشهب عن ملك والليث جميعا والمعروف فيه عن الليث كرواية ابن عيينة ومعمر وإبراهيم بن سعد ومن تابعهم (3) وروى هذا الحديث جماعة من أصحاب ابن شهاب عن ابن شهاب بإسناده هذا فذكروه عن النبي صلى الله عليه وسلم على ترتيب كفارة الظهار هل تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم

161
شهرين متتابعين قال لا ثم ذكروا الإطعام إلى آخر الحديث وكذله رواه الوليد بن مسلم عن ملك ذكره صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم قال قلت للأوزاعي رجل واقع امرأته في شهر رمضان نهارا ثم جاء تائبا قال يؤمر بالكفارة بما أخبرني الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع امرأته في يوم من شهر رمضان بعتق رقبة قال لا أجد قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا أجد قال الوليد وأخبرني ملك بن أنس والليث بن سعد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه هكذا قال الوليد وهو وهم منه على ملك والصواب عن ملك ما
في الموطأ أن رجلا أفطر فخيره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق أو يصوم أو يطعم فذهب ملك رحمه الله إلى أن المفطر عامدا في رمضان بأكل أو بشرب أو جماع أن عليه الكفارة المذكورة في هذا الحديث على ظاهره لأنه ليس في روايته فطر مخصوص بشيء دون شيء فكل ما وقع عليه اسم فطر متعمدا فالكفارة لازمة لفاعله على ظاهر هذا الحديث وروى عن الشعبي في المفطر عامدا في رمضان أن عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين مع قضاء اليوم وهذا مثل قول مالك سواء إلا أن مالكا يختار الإطعام لأنه شبه البدل من الصيام ألا ترى إلى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في قضاء رمضان حتى يدخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام مع القضاء وإنما يؤمر بالإطعام فصار الإطعام له مدخل في الصيام ونظائره من الأصول

162
فهذا ما اختاره ملك وأصحابه وقال ابن وهب عن ملك الاطعام أحب إلي في ذلك من العتق وغيره وقال ابن القاسم عنه أنه لا يعرف إلا الإطعام ولا يؤخذ بالعتق ولا بالصيام (4) وقد روى عن عائشة قصة الواقع على أهله في رمضان بهذا الخبر ولم يذكر فيه إلا الإطعام وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا عيسى بن حماد قال أنبأنا الليث بن سعد عن عبد الرحمن (5) بن القاسم عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احترقت ثم قال وطئت امرأتي في رمضان نهارا قال تصدق تصدق فقال ما عندي شيء وأمره أن يمكث فجاءه عرق تمر فيه طعام فأمره أن يتصدق به (6) ورواه عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد جماعة منهم حماد بن سلمة وغيره كلهم يقول فيه أنه وطئ امرأته في رمضان ورواه عبد الوهاب (7) عن يحيى بن سعيد بإسناده وقال فيه أفطرت في رمضان لم يذكر الوطىء وذكره ابن وهب قال

163
أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة تقول أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان فقال يا رسول الله احترقت فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه قال أصبت أهلي قال تصدق قال والله يا نبي الله ما لي شيء ولا أقدر عليه قال اجلس فجلس فبينا هو على ذلك إذ أقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين المحترق آنفا فقام الرجل فقال رسول الله تصدق بهذا فقال يا رسول الله أعلى غيرنا فوالله إنا لجياع قال كلوه ففي هذا الحديث بيان ما ذهب إليه ملك رحمه الله في اختياره الاطعام دون غيره وقد كان الشافعي وابن علية يقولان أن مالكا ترك في هذا الباب ما رواه إلى رأيه وليس كما ظنا والأغلب أن مالكا سمع الحديث (8) لأنه مدني فذهب إليه في اختياره الاطعام مع ما ذكرناه من شهود الأصول له بدخول الاطعام في البدل من الصيام والله أعلم وقد كان ابن أبي ليلى يقول في الذي يأتي أهله في رمضان نهارا هو مخير في العتق والصيام قال وإن لم يقدر على واحد منهما أطعم وإلى هذا ذهب أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال لا سبيل إلى الاطعام إلا عند العجز عن العتق والصيام وهو مخير في العتق والصيام وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح بن حي وأبو ثور في المجامع أهله في رمضان نهارا عليه القضاء والكفارة والكفارة عندهم مثل كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد

164
صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا ولا سبيل عندهم في هذه الكفارة إلى الصيام إلا عند العجز عن العتق وكذلك لا سبيل عندهم فيها إلى الإطعام إلا عند عدم القدرة على الصيام ككفارة الظهار في الرتبة سواء وروى سفيان بن عيينة ومعمر وشعيب بن أبي حمزة والأوزاعي وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد وإبراهيم بن سعد والحجاج بن أرطاة كلهم عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للذي استفتاه حين وقع على امرأته في رمضان هل تجد رقبة قال لا قال فهل تستطيع صيام شهرين وبعضهم يقول متتابعين قال لا قال فأطعم ستين مسكينا وكذلك رواه منصور بن المعتمر وعراك بن (9) ملك عن الزهري بإسناده مثله في رجل واقع امرأته في رمضان على هذا الترتيب وذكر التتابع في الشهرين وكل من قال بهذا الخبر من علماء المسلمين يقول الشهران في صيام الكفارة متتابعان (10) والحجة في قول من حفظ الشيء وشهد به أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثنا يحيى بن بكير قال

165
حدثني بكر يعني ابن منصور (11) عن جعفر بن زمعة (12) عن عراك بن ملك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه وطئ امرأته في رمضان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة قال لا أجد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا فأمره أن يتصدق به قال فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فأمره أن يأكله هو رواه أبو الأسود (13) وإسحاق (14) بن بكر بن مضر عن بكر بن مضر بإسناده مثله سواء إلا أنهما قالا شهرين متتابعين ذكره النسائي عن الربيع بن سليمان (15) عنهما وأخبرني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة عن منصور عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني وقعت على امرأتي في رمضان قال أتجد عتق رقبة قال لا قال أتستطيع صيام شهرين متتابعين قال لا قال

166
أفتجد إطعام ستين مسكينا قال لا قال فأتى بعرق تمر فقال تصدق به قال على أفقر منا ما بين لابتيها (16) أحد أحوج إليه منا قال أطعمه عيالك وذكره عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بإسناده مثله سواء بمعناه وزاد قال الزهري وإنما كان هذا رخصة له خاصة (17) ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير واختلف العلماء في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة فقال مالك الذي آخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان إطعام ستين مسكينا وصيام ذلك اليوم قال وليس العتق والصوم من كفارة رمضان في شيء وقال الأوزاعي أن كفر بالعتق أو بالطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطره وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء يومه ذلك وقال الثوري يقضي اليوم ويكفر كفارة الظهار وقال الشافعي يحتمل أن كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة ولكل وجه وأحب إلي أن يكفر ويصوم مع الكفارة هذه رواية الربيع عنه وقال المزني عنه من وطئ امرأته فأولج عامدا كان عليه القضاء والكفارة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو
ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق يقضي يوما مكانه ويكفر مثل كفارة الظهار وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الذي يجامع في رمضان فكفر أليس عليه أن يصوم يوما مكانه قال ولا بد من أن يصوم يوما

167
مكانه ومن حجة من لم ير مع الكفارة قضاء أنه ليس في خبر أبي هريرة ولا خبر عائشة ولا في شيء من الأخبار التي لا علة فيها ذكر القضاء وإنما فيه الكفارة فقط ولو كان القضاء واجبا لذكره مع الكفارة ومن حجة من رأى القضاء حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا جاء ينتف شعره وقال يا رسول الله وقعت على امرأتي في رمضان فذكر مثل حديث أبي هريرة وزاد وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي يوما مكانه أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا محمد بن جرير (18) قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب فذكره وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا جعفر بن مسافر قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثنا هشام بن سعد عن أبي سلمة (19) عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان بهذا الحديث قال فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وقال فيه كله أنت وأهل بيتك وصم يوما واستغفر الله وهشام بن سعد لا يحتج به في حديث (20) ابن شهاب ومن جهة النظر والقياس لا يسقط القضاء لأن الكفارة

168
عقوبة الذنب الذي ركبه والقضاء بدل من اليوم الذي أفسده وكما لا يسقط عن المفسد حجه بالوطىء إذا أهدي القضاء للبدل بالهدي فكذلك قضاء ذلك اليوم والله أعلم واختلف العلماء أيضا فيمن أفطر في رمضان بأكل أو بشرب متعمدا فقال مالك وأصحابه والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور عليه من الكفارة ما على المجامع كل واحد منهم على أصله الذي قدمنا ذكره وإلى هذا ذهب أبو جعفر محمد بن جرير وروى مثل ذلك أيضا عن عطاء في رواية وعن الحسن والزهري وقال الشافعي وأحمد بن حنبل عليه القضاء ولا كفارة عليه وهو قول سعيد بن جبير وابن سيرين وجابر بن زيد والشعبي وقتادة وروى مغيرة عن إبراهيم مثله وقال الشافعي عليه مع القضاء العقوبة لانتهاكه حرمة الشهر وسائر من ذكرنا قوله من التابعين قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه قال بعضهم ويصنع معروفا ولم يذكر عنهم عقوبة وقال أحمد بن حنبل لا أقول بالكفارة إلا في الغشيان ذكره عنه الأثرم قال وقيل له مرة أخرى رجل أكل متعمدا في رمضان فقال هذا الذي أتهيبه أن أفتي بكفارة أقول يقضي يوما مكانه وإن كفر لم يضره وقد روى عن عطاء أيضا أن من أفطر يوما من رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فبدنة أو بقرة أو عشرين صاعا من طعام يطعم المساكين

169
وعن ابن عباس أنه قال عليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أنبأنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر قال قرأت على فضيل عن أبي حريز (21) أن أيفع (22) حدثه أنه سأل سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان فقال كان ابن عباس يقول من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا قال قلت ومن وقع على امرأته وهي حائض أو سمع أذان الجمعة فلم يجمع وليس له عذر قال كذلك عتق رقبة وعن سعيد بن المسيب أنه قال عليه صيام شهر وعنه أيضا وهو قول ربيعة أن عليه أن يصوم اثني عشر يوما وكان ربيعة يحتج لقوله هذا بأن شهر رمضان فضل على اثني عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما كان عليه اثنا عشر يوما وكان الشافعي رحمه الله يعجب من هذا ويتنقص فيه ربيعة ويهجنه (23) وكان لا يرضى عنه ولربيعة رحمه الله شذوذ كثير منها في المحرم يقتل جرادة قال عليه صاع من قمح قال لأنه أدنى الصيد ومنها فيمن طلق امرأة من نسائه الأربع وجهلها بعينها أنه لا يلزمه فيهن شيء ولا يمنع من وطئهن إلى أشياء يطول ذكرها ليس بنا حاجة إلى الاتيان بها وروى معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن رجل أكل في رمضان عامدا قال عليه صيام شهر قال قلت يومين

170
قال صيام شهر قال فعددت أياما فقال صيام شهر هكذا قال معمر عن قتادة وهي رواية مفسرة وأظنه ذهب إلى التتابع في الشهر لا يخلطه بفطر كأنه يقول من أفسده بفطر يوم أو أكثر قضاه كله نسقا والله أعلم وروى هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الرجل يفطر يوما من رمضان متعمدا قال يصوم شهرا ولم يزد وكذلك رواية سعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الذي يفطر يوما من رمضان متعمدا قال يصوم شهرا وذكر ابن أبي شيبة عن عبدة (24) عن عاصم قال أرسل أبو قلابة (25) إلى سعيد بن المسيب في رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا فقال سعيد يصوم عن مكان كل يوم أفطر شهرا وهذه الرواية عندي وهم عن سعيد والله أعلم والصحيح عنه ما تقدم وذكر معمر أيضا عن أيوب عن ابن سيرين قال يقضي يوما ويستغفر الله وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير وروى عن إبراهيم النخعي روى بكار بن قتيبة (26) حدثنا هلال بن يحيى (27) بن مسلم قال حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم في رجل أفطر يوما من رمضان قال يستغفر الله ولا يعد ويصوم يوما مكانه وروى حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم أنه قال من أفطر يوما من رمضان

171
متعمدا فعليه صيام ثلاثة آلاف يوم وهذا لا وجه له إلا أن يكون كلاما خرج على التغليظ والغضب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود وعلي من أفطر في رمضان عامدا لم يكفره صيام الدهر وقد تقدم عن إبراهيم من رواية مغيرة وغيره ما يوضح لك هذا على أن أقاويل التابعين بالحجاز والعراق في هذا الباب كما ترى لا وجه لها عند أهل الفقه والنظر وجماعة أهل الأثر ولا دليل عليها ولا يلتفت إليها لمخالفتها للسنة في ذلك وإنما في المسألة قولان أحدهما قول مالك ومن تابعه والحجة لهم من جهة الأثر حديث ابن شهاب هذا ومن جهة النظر أن الآكل والشارب في القياس (28) كالمجامع سواء لأن الصوم في الشريعة في وجه واحد شيء واحد فسبيل نظيره في الحكم سبيله والنكتة الجامعة بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا وقد تقدم أن لفظ حديث ملك في هذا الباب يجمع كل فطر (29) والقول الثاني قول الشافعي ومن تابعه والحجة لهم أن الحديث ورد في المجامع أهله وليس الأكل مثله بدليل إجماعهم على أن المستقىء عمدا إنما عليه القضاء وليس عليه كفارة وهو مفطر عمدا وكذلك مزدرد الحصاة عمدا عليه القضاء وهو مفطر متعمدا وليس عليه كفارة لأن الذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين والآكل عمدا لا يرجم
ولا يجلد ولا يجب عليه غسل فليس كالمجامع والكلام في

172
هذه المسألة يطول وفيما لوحنا به كفاية إن شاء الله وقد روى أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه (30) وروى عن علي وابن مسعود وهذا يحتمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج بمثله وقد جاءت الكفارة بأسانيد صحاح والكفارة تغطية الذنب وغفرانه ولله الحمد واختلف العلماء أيضا فيما يجزي من الإطعام عمن يجب عليه أن يكفر به عن فساد يوم من شهر رمضان فقال ملك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي يطعم ستين مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لستين مسكينا مدا لكل مسكين والحجة لمن قال هذا القول ما حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن المفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أيوب بن سويد الرملي عن الأوزاعي عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا هقل (31) قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري قال

173
حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني أبو هريرة قال بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله قد هلكت قال ويحك وما صنعت قال وقعت على أهلي قال أعتق رقبة قال ما أجدها قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال فأطعم ستين مسكينا قال ما أجد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا وفي حديث أيوب بن سويد بمكتل (32) فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال أين السائل فقال ها أنا يا رسول الله قال خذه وتصدق به على ستين مسكينا فقال يا رسول الله أعلى غير أهلي فوالذي نفسي بيده ما بين لابتي المدينة أحد أحوج مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه وقال خذه واستغفر ربك وإذا أطعم خمسة عشر ستين أصاب كل مسكين منهم ربع صاع وذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قاطع في موضع الخلاف وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يجزيه أقل من مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك نصف صاع لكل مسكين تتمة ثلاثين صاعا قياسا منهم على إجماع العلماء أن ذلك هو المقدار الذي لا يجزى أقل منه في فدية الأداء وقول مالك ومن تابعه أولى لأنه نص لا قياس وقد روى هشام بن سعد هذا الحديث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر فيه خمسة عشر صاعا إلا أنه جعله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وإنما هو لحميد بن عبد الرحمن وهشام بن سعد لين

174
ضعيف سيما في ابن شهاب وأيوب بن سليمان وأبو بكر الأويسي ضعيفان وإنما ذكرته لتقف عليه وتعرفه وتعرف أن الحديث لا يصح لابن شهاب إلا عن (33) حميد والله أعلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أيوب بن سليمان قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان قال أعتق رقبة قال لا أجدها قال صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا أجد قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا قال خذا هذا فتصدق به قال ما أحد أحوج مني ومن أهل بيتي قال كله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه واختلف العلماء أيضا في الواطيء أهله في رمضان إذا وجب عليه التكفير بالإطعام دون غيره ولم يجد ما يطعم وكان في حكم الرجل الذي ورد هذاالحديث فيه فأما مالك فلم أجد عنه في ذلك شيئا منصوصا وكان عيسى بن دينار يقول إنها على المعسر واجبة فإذا أيسر أداها وقد يخرج قول ابن شهاب على هذا لأنه جعل إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل أكل الكفارة رخصة له وخصوصا قال ابن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير

175
وقال الأوزاعي وسئل عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا فلم يجد كفارة المفطر ولم يقدر على الصيام أيسئل (34) في الكفارة فقال رد رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة المفطر على أهله فليستغفر الله ولا يعد ولم ير عليه شيئا إذا كان في وقت وجوب الكفارة عليه معسرا وقال الشافعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كله وأطعمه أهلك يحتمل معانيا (35) منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب فيه أهله ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال له في شيء أتى به كفر به فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال له كله وأطعمه أهلك وجعل (36) التمليك له حينئذ مع القبض ويحتمل أن يكون لما ملكه وهو محتاج وكان إنما تكون الكفارة عليه إذا كان عنده فضل ولم يكن عنده فضل كان له أن يأكله هو وأهله لحاجته ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أداها وإن كان ذلك (37) ليس في الخبر وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط قال ويحتمل إذا كان لا يقدر على شيء من الكفارات وكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يتصدق عليه وعلى أهله إذا كانوا محتاجين بتلك الكفارة وتجزى عنه ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر على شيء في حاله تلك أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما سقطت الصلاة عن المغمي عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم

176
وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطعم عيالك أتقول به قال نعم إذا كان محتاجا ولكن لا يكون في شيء من الكفارات إلا في هذا بعينه في الجماع في رمضان لا في كفارة اليمين ولا في كفارة الظهار ولا في غيرها إلا في الجماع وحده قيل له أليس في حديث سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته ووقع عليها نحو هذا فقال ولمن تقول هذا إنما حديث سلمة بن صخر تصدق بكذا واستعن (38) بسائره على أهلك فإنما أمر له بما يبقى قلت له فإن كان المجامع في رمضان محتاجا فأطعمه عياله فقد أجزأ عنه قال نعم أجزأ عنه قلت ولا يكفر مرة أخرى إذا وجد قال لا قد أجزأت عنه إلا أنه خاص في الجماع في رمضان وحده وزعم الطبري أن قياس قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور أن الكفارة دين عليه لا يسقطها عنه إعساره بها وعليه أن يأتي بها إذا قدر عليها وذلك أن قولهم في كل كفارة لزمت إنسانا فسبيلها عندهم الوجوب في ذمة المعسر يؤديها إذا أيسر فكذلك سبيل كفارة المفطر في رمضان في قياس قولهم قال أبو عمر إن احتج محتج في إسقاط الكفارة عن المعسر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال له كله أنت وعيالك لم يقل له
وتؤديها إذا

177
أيسرت ولو كانت واجبة لم يسكت عنه حتى يبين ذلك له قيل له ولا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ساقطة عنك لعسرتك بعد أن أخبره بوجوبها عليه وكل ما وجب أداؤه في اليسار لزم الذمة إلى الميسرة على وجهه والله أعلم واختلفوا في الكفارة على المرأة إذا وطئها زوجها وهي طائعة في رمضان فقال مالك إذا طاوعته زوجته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارتان عنه وعنها وكذلك إذا وطئ أمته كفر كفارتين وقال الأوزاعي سواء طاوعته أو أكرهها فليس عليهما إلا كفارة واحدة أن كفر بالعتق أو بالإطعام فإن كفر بالصيام فعلى كل واحد منهما صيام شهرين متتابعين وقال الشافعي رحمه الله والعتق والإطعام سواء ليس عليهما إلا كفارة واحدة وسواء طاوعته أو أكرهها لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يسأله أطاوعته امرأته أو أكرهها ولو كان الحكم في ذلك مختلفا لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيين (39) ذلك وهو قول داود وأهل الظاهر وقد أجمعوا أن كفارة المظاهر واحدة وان وطيء وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارة واحدة لا غير ولا شيء عليها ومن حجة من رأى الكفارة لازمة عليها أن طاوعته القياس على قضاء ذلك اليوم فلما وجب عليها قضاء ذلك اليوم وجب عليها الكفارة عنه واختلفوا فيمن جامع ناسيا لصومه فقال الشافعي والثوري في رواة الأشجعي وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأبو ثور وإسحاق بن

178
راهويه ليس عليه شيء لا قضاء ولا كفارة بمنزلة من أكل ناسيا عندهم وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم وقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي والثوري في رواية المعافى (40) عليه القضاء ولا كفارة وروى مثل ذلك عن عطاء وقد روى عن عطاء أنه رأى عليه الكفارة مع القضاء وقال مثل هذا لا ينسى حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن الجهم حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج قال كنت إذا سألت عطاء عن الرجل يصيب أهله ناسيا لا يجعل له عذرا ويقول لا ينسى هذا ولا يجهله وقال قوم من أهل الظاهر سواء وطئ ناسيا أو عامدا عليه القضاء والكفارة وهو قول ابن الماجشون عبد الملك وإليه ذهب أحمد بن حنبل لأن الحديث الموجب للكفارة لم يفرق بين الناسي والعامد (41) واختلفوا أيضا فيمن أكل أو شرب ناسيا فقال الثوري وابن أبي ذئب والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه وداود لا شي عليه ويتم صومه وهو قول جمهور التابعين وقال ربيعة وملك عليه القضاء وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عمن أكل ناسيا في رمضان فقال ليس عليه شيء على حديث أبي هريرة ثم قال أبو عبد الله مالك زعموا أنه يقول عليه القضاء وضحك وحديث أبي هريرة في ذلك أحسن حدثنا عبد الله

179
ابن محمد حدثنا محمد بن بكير (42) حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال حدثنا أحمد بن علي بن المثنى (43) قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قالا جميعا حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب وحبيب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أطعمك وسقاك أتم صومك (44) حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن الجهم حدثنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل أو شرب ناسيا فليمض في صومه فإن الله عز وجل أطعمه وسقاه (45) وروى عن جماعة في المفطر ناسيا بأكل أو شرب أنه لا شيء عليه منهم علي رضي الله عنه وابن عمر وعلقمة وإبراهيم وابن سيرين وجابر بن زيد قال الأثرم قيل لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل رجل نسي

180
فجامع فقال ليس الجماع مثل الأكل عليه القضاء والكفارة ناسيا كان أو عامدا لأن الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال وقعت على امرأتي ولم يسئله النبي صلى الله عليه وسلم أنسيت أم تعمدت قال أبو عبد الله وظاهر قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم وقعت على امرأتي النسيان والجهالة فلم يسئله أنسيت أم تعمدت وأفتاه على ظاهر الفعل وأجمعوا على أن المجامع في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده وأجمعوا أن المفطر في قضاء رمضان لا يقضيه وإنما عليه ذلك اليوم الذي كان عليه من رمضان لا غير إلا ابن وهب فإنه جعل عليه يومين قياسا على الحج وأجمعوا على أن من وطيء في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة واختلفوا فيمن أفطر مرتين أو مرارا في أيام من أيام رمضان فقال مالك والليث والشافعي والحسن بن حي عليه لكل يوم كفارة وسواء وطيء المرة الأخرى قبل أن يكفر أو بعد أن يكفر وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا جامع أياما في رمضان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر ثم يعود وكذلك الآكل والشارب عندهم فإن كفر ثم عاد فعليه كفارة أخرى قالوا وإن أفطر في رمضان فعليه كفارتان وروى آخر عن أبي حنيفة إذا أفطر وكفر ثم عاد فلا كفارة عليه لإفطاره الثاني إذا كان في شهر واحد واختلف عن الثوري فروي عنه مثل قول أبي حنيفة رواية أبي يوسف وروى عنه غير ذلك وأما قوله في الحديث فأتى بعرق تمر فأكثرهم يرويه بسكون الراء والصواب عند أهل الإتقان فيه فتح الراء وكذلك قول أهل اللغة وقد زعم ابن حبيب ما رواه عن مطرف عن مالك إلا بتحريك الراء وبالفتح قال والعرق بتسكين الراء هو العظم

181
قال وتأويل العرق بفتح الراء المكتل العظيم الذي يسع قدر خمسة عشر صاعا وهو ستون مدا كذلك سمعت مطرفا وابن الماجشون يقولان قال عبد الملك بن حبيب وإنما سمي العرق لضفره لأن كل شيء مضفور فهو عرق ولذلك سمي المكتل عرقا لأنه مضفور بالخوص قال أبو كبير الهذلي
* نغزو فنترك في المزاحف من ثوى
* ونمر في العرقات من لم نقتل
* يقول نأسرهم فنشدهم في العرقات يعني النسوع لأنها مضفورة قال وكل شيء مصطف مثل الطير إذا صفت في السماء فهي عرقة لأنها شبهت بالشيء المضفور وقال أحمد بن عمران (46) الأخفش المكتل العظيم فإنما سمى عرقا لأنه يعمل عرقة عرقة ثم يضم والعرق الطريقة العريضة لذلك سميت طرة الكتاب عرقة لعرضها واصطفافها وكذلك إذا مرت الطير مصطفة يقال مرت بنا عرقة من طير وكذلك إذا جاءت الخيل صفا قيل قد جاءت الخيل على عرقة واحدة وقال غير الأخفش يقال عرقة
وعرق كما يقال علقة وعلق قال أبو عمر وكل ما ذكرنا من المسائل والتوجيهات في هذا الباب موجودة المعنى في حديث ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة فلذلك ذكرناها وذكرنا اختلاف الفقهاء فيها لتكمل الفائدة ويبين الحق على شرطنا وبالله توفيقنا

182
حديث ثان لابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة وإن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة وإن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان فقال أبو بكر يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون (1) منهم تابع يحيى على توصيل هذا جماعة الرواة إلا ابن بكير فإنه أرسله (2) عن حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن حميد مرسلا وقد أسنده جلة عن مالك منهم معن وابن المبارك حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الطاهر عبد الله بن محمد حدثنا جعفر بن محمد الفريابي

183
(3) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن بن عيسى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي ما على من دعي من هذه الأبواب كلها من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الحربي الأنصاري حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا الحسين بن الحسن حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين في الله نودي إلى الجنة يا عبد الله هذا خير وذكر الحديث وليس هو عند القعنبي لا مرسلا (4) ولا مسندا وفي هذا الحديث من الفقه والفضائل الحض على الإنفاق في سبيل الخير والحرص على الصوم وفيه أن أعمال البر لا يفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها وأن من فتح له في شيء منها حرم غيرها

184
(5) في الأغلب وأنه قد تفتح في جميعها للقليل من الناس وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من ذلك القليل وفيه أن من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه ألا ترى إلى قوله فمن كان من أهل الصلاة يريد من أكثر منها فنسب إليها لأن الجميع من أهل الصلاة وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام على هذا المعنى ونسب إليه دعي من بابه ذلك والله أعلم ومما يشبه ما ذكرنا ما جاوب به مالك رحمه الله العمري العابد وذلك أن عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد كتب إلى مالك يحضه إلى الانفراد والعمل ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم فكتب إليه مالك أن الله عز وجل قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسم له والسلام هذا معنى كلام مالك لأني كتبته من حفظي وسقط عني في حين كتابتي أصلي منه وأما قوله من أنفق زوجين معناه عند أهل العلم من أنفق شيئين من نوع واحد نحو درهمين أو دينارين أو فرسين أو قميصين وكذلك من صلى ركعتين ومشى في سبيل الله خطوتين أو صام يومين ونحو ذلك كله وإنما أراد والله أعلم أقل التكرار وأقل وجوه المداومة على العمل من أعمال البر لأن الاثنين أقل الجمع ومن أعلى من روينا عنه هذا التفسير في زوجين في هذا الحديث الحسن البصري رحمه الله

185
وحدثني أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثني عمي أبو زكرياء يحيى بن زكريا قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا هشام عن الحسن قال حدثني صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر وهو يقود بعيرا له في عنقه قربة فقلت يا أبا ذر مالك قال لي عمل قلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة وما من مسلم أنفق زوجين من ماله في سبيل الله إلا ابتدرته حجبة الجنة قال فكان الحسن يقول زوجين درهمين دينارين عبدين من كل شيء اثنان (6) وفي هذا الحديث دليل على أن للجنة أبوابا وقد قيل أن أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة

186
أجارنا الله من جهنم وأدخلنا الجنة برحمته آمين وقد قال بعض أهل العلم بالقرآن واللغة أن الواو في قوله عز وجل * (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها) * فذكر ذلك بالواو وقال في جهنم * (فتحت أبوابها) * بلا واو قال فالواو في ذكر الجنة هي واو الثمانية (7) لأن للجنة ثمانية أبواب فمن هناك ذكرت الواو في ذلك وواو الثمانية عندهم معروفة من ذلك قول الله عز وجل * (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) * 8 فأدخل الواو في الصفة الثامنة دون غيرها ومن ذلك قوله عز وجل * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) * فأدخل الواو في الصفة الثامنة (10)

187
فسموا هذه الواو واو الماننية ومنها عندهم قول الله عز وجل * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) * وما قالوا من ذلك عندي حسن وقد كان بعضهم يقول إن الواو في قوله * (ثيبات وأبكارا) * ليست واو الثمانية ولا وجه لما أنكر من ذلك والله أعلم وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد بن شيبة قال حدثنا أبو مصعب قال حدثني إبراهيم بن محمد بن ثابت عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأسبغ وضوءه ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صادقا من نفسه أو من قلبه شك أيهما قال فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة يدخل من أيها شاء هكذا قال فتح له من أبواب الجنة وذكر أبو داود عن حسين
بن علي (12) البسطامي قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقري قال حدثنا (13) حيوة بن شريح قال حدثنا أبو عقيل (14) عن ابن عمه عن عقبة بن عامر قال قال لي عمر بن

188
الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء ليس هذا الحديث عند جماعة من رواة مصنف أبي (15) داود وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن علي بن حرب قال حدثنا زيد بن حباب (16) قال حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها (17) شاء هكذا في هذه الأخبار كلها من الجنة وقد جاء في غير هذه الأسانيد في خبر عمر هذا فتح له ثمانية أبواب الجنة ليس فيها ذكر من والله أعلم أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال

189
حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر (18) قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي (19) عثمان عن جبير وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني (20) جميعا عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء فعلى هذا اللفظ أبواب الجنة ثمانية كما قالوا وكذلك ما حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يتوضأ

190
فيسبغ الوضوء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء وقد روينا من حديث مالك في هذا الباب حديثا غريبا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الله بن بحير بن يسار حدثني أبي حدثنا مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد ينفق زوجين من ماله إلا دعى من أبواب الجنة الثمانية يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان لا يصح هذا الإسناد عن ملك ومحمد بن عبد الله بن بحير وأبوه يتهمان بوضع الأحاديث والأسانيد وقد ذكر البزار عن حاجب بن سليمان حدثنا وكيع حدثنا الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للجنة بابا يدعى الريان يدخل منه الصائمون فإذا أدخل آخرهم (21) أغلق وأما قوله صلى الله عليه وسلم ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان والريان فعلان من الري وفي الحديث دليل على أن من صام يومين محتسبا بهما وجه الله

191
يعطش فيهما نفسه سقاه الله وأرواه يوم القيامة وإنما قلنا يومين ولم نقل يوما واحدا وإن كان جاء في غير هذا الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين في سبيل الله ثم قال وإن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان ومن أرواه الله يوم القيامة لم يظمأ ولم ينل بؤسا وتلك حال من غفر له وأدخل الجنة برحمة الله لا حرمنا الله ذلك برحمته آمين وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون وهذا مما يدل أيضا على أن للجنة أبوابا (22) وفي حديثنا هذا أيضا دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه وأنه من أهل الجنة وأنه ممن جمع له الأعمال الصالحة وأنه ينادى يوم القيامة من جميع أبواب الجنة لتقدمه في أعمال البر ورجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقين (23) إن شاء الله ومعنى الدعاء من تلك الأبواب اعطاؤه

192
ثواب العاملين ونيله ذلك والله أعلم حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني عبيد الله بن إدريس قال حدثنا يحيى بن عبد العزيز قال حدثني عبد الغني بن أبي عقيل قال حدثنا نعيم (24) بن سالم عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في جماعة من أصحابه فقال من صام اليوم فقال أبو بكر أنا قال من تصدق اليوم قال أبو بكر أنا قال من عاد اليوم مريضا قال أبو بكر أنا قال فمن شهد اليوم جنازة قال أبو بكر أنا فقال وجبت لك وجبت لك قال أبو عمر يعني الجنة فهنيئا له رضي الله عنه الجنة وعن جماعة الصحابة

193
حديث ثالث لابن شهاب عن حميد يسند من وجوه مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء هذا الحديث يدخل في المسند (1) لاتصاله من غير ما وجه ولما يدل عليه اللفظ (2) وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك وممن رواه كذلك كما رواه يحيى أبو المصعب (3) وابن بكير (4) والقعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع ورواه معن بن عيسى وأيوب (5) بن

194
صالح وعبد الرحمن بن مهدي وحوثرة (6) وأبو قرة موسى (7) بن طارق وإسماعيل بن أبي أويس ومطرف بن عبد الله اليساري (8) الأصم وبشر ابن (9) عمر وروح (10) بن عبادة وسعيد بن عفير (11) عن مالك وسحنون (12) عن ابن القاسم عن مالك بإسناده عن أبي هريرة أن

195
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن يشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء وبعضهم يقول مع كل صلاة وكذلك رواه علي بن (13) داود عن ابن بكير والصحيح عن ابن بكير في الموطأ ما ذكرنا حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا ابن أبي أويس (14) قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء حدثنا علي بن إبراهيم قال حدثنا حسن بن رشيق (15) قال حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا مطرف وإسماعيل بن أبي أويس وعبد الله بن وهب وقرأته على ابن نافع قالوا حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة (16) ولم

196
يرفعه ابن وهب ولا ابن نافع وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب (17) قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا بشر بن عمر وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقري قال حدثنا إدريس بن علي بن إسحاق البغدادي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري قال حدثنا محمد بن يحيى وإبراهيم بن مرزوق قالا حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء (18)

197
في هذا الحديث إباحة السواك في كل الأوقات لقوله مع كل وضوء ومع كل صلاة والصلاة قد تجب في أكثر الساعات بالعشيء والهجير والغدوات (19) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستاك وهو صائم (20) وعن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وكره مالك وأصحابه والحسن بن يحيى السواك الرطب للصائم (21) وأجازوا اليابس منه في كل الأوقات للصائم وقال

198
الثوري وأبو حنيفة والليث لا بأس بالسواك الرطب للصائم وكذلك قال الشافعي إلا أنه قال أكرهه بالعشي للخلوف (22) وقال ابن علية (23) السواك سنة للصائم والمفطر والرطب واليابس في ذلك سواء لأنه ليس بمأكول ولا مشروب حدثنا خلف حدثنا علي بن الحسن بن عبد الله حدثنا علي بن داود حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هرييرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك (4) وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه حدثنا أحمد بن عمرو بن (25) عبد الخالق حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف حدثنا روح بن عبادة حدثنا مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وفي هذا الحديث أدل الدلائل على فضل السواك والرغبة فيه وفيه أيضا دليل على فضل التيسير في أمور الديانة وأن ما يشق منها مكروه

199
قال الله عز وجل * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه (27) وفضل السواك مجتمع عليه لا اختلاف فيه والصلاة عند الجميع بعد السواك أفضل منها قبله وقال الأوزاعي رحمه الله أدركت أهل العلم يحافظون على السواك مع وضوء الصبح والظهر وكانوا يستحبونه مع كل وضوء وكانوا أشد محافظة عليه عند هاتين الصلاتين وقال الأوزاعي السواك شطر الوضوء وقال وركعة على أثر سواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك وقال يحيى بن معين لا يصح حديث الصلاة بأثر السواك أفضل من الصلاة بغير سواك وهو (28) باطل وقال الشافعي أحب السواك

200
للصلاة عند كل حال تغير فيها الفم نحو الاستيقاظ من النوم والأزم (29) وكل ما يغير الفم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة قال الشافعي ولو كان واجبا لأمرهم شق أو لم يشق وروينا من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (30) وقد كره جماعة من أهل العلم السواك الذي يغير الفم ويصبغه لما فيه من الشبه بزينة النساء والسواك المندوب إليه هو المعروف عند العرب وفي عصر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الأراك والبشام (31)

201
وكل ما يجلو الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ ولون فهو مثل ذلك ما خلا الريحان (32) والقصب فإنهما يكرهان وقالت طائفة من العلماء أن الأصبع تغني (33) من السواك وتأول بعضهم في الحديث المروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشوص فاه (34) بالسواك أنه كان يدلك أسنانه بأصبعه ويستجزى بذلك من السواك والله أعلم

202
حديث رابع لابن شهاب عن حميد مسند ملك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر (1) قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن يوم عاشوراء ليس بفرض صيامه ولا فرض إلا صوم رمضان وفي هذا الحديث دليل على فضل صوم عاشوراء لأنه لم يخصه بقوله صلى الله عليه وسلم وأنا صائم إلا لفضل فيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة حدثنا سعيد بن نصر قال ثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد ابن يحيى (2) قال حدثنا سفيان عن عبيد الله بن يزيد قال سمعت ابن عباس يقول ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى فضله على

203
الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء (3) وأما قوله صلى الله عليه وسلم فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره فإن هذه إباحة وردت بعد وجوب (4) وذلك أن طائفة من العلماء قالوا إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ بشهر رمضان فلهذا ما أخبرهم بهذا الكلام واحتجوا بحديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان صيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان الحديث رواه ابن عيينة وجماعة عن ابن شهاب وقد ذكرنا عن ابن شهاب في باب حديثه عن عروة في المواقيت أنه كان قد فرض الصيام بالمدينة قبل بدر يعني صيام شهر رمضان حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان (5) وكان يوما تستر فيه الكعبة فلما فرض الله رمضان قال رسول

204
الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه

205
فليتركه ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب فقال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه وقد روى شيخ يسمى محمد بن عبد الله بن (6) قوهى عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه ورواه عبد الكريم (7
) أيضا عن أبي علي الحنفي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة مثله وهو غير محفوظ عن مالك بهذا الإسناد وأما حديث ابن أبي ذئب (8) عن الزهري عن عروة عن عائشة فمحفوظ ولا يصح فيه عن مالك عن الزهري إلا إسناد الموطأ وسائر ذلك عنه خطأ ولكن هذا الحديث رواه عن عروة ابن شهاب وهشام بن عروة وعراك بن مالك (9) وغيرهم

206
قال أبو عمر لما فرض رمضان صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التبرك والتبرر وأمر بصيامه على ذلك وأخبر بفضل صومه وفعل ذلك بعده أصحابه ألا ترى أن عمر بن الخطاب كتب إلى الحارث بن هشام إن غدا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا (10) وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث (11) عن علي أنه كان يأمر بصوم يوم عاشوراء وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك مثل رواية عائشة رواه عبيد الله بن عمر وأيوب (12) عن نافع عن ابن عمر أنه قال في صوم عاشوراء صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه فلما فرض رمضان ترك فكان عبد الله لا يصومه من أجل حديثه هذا وخفى عليه ما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيامه وصومه له صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام

207
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان عاشوراء يوما تصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا القاسم بن سلام أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال صامه رسول الله وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك فكان ابن عمر لا يصومه إلا أن يأتي على صومه يعني يوم عاشوراء قال أبو عمر وكان طاوس لا يصومه لأنه والله أعلم لم يبلغه ما جاء فيه من الفضل وليس فيما خفي عليه على ما علمه غيره حجة ومعلوم أن قوله عز وجل * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * 13 لا تدفع هذه الإباحة فضل انتظار الصلاة في المسجد وعملها والله تعالى أعلم وعلى هذا يحمل حديث معاوية المذكور في هذا الباب أن تخييره إنما كان لسقوط وجوب صيامه لا أنه لا معنى لصومه ولما سقط وجوبه صيم على جهة الفضل والآثار تدل على ذلك وهذا عندي مثل قيام الليل كان في أول الإسلام فريضة حولا كاملا فلما فرضت الصلاة الخمس صار قيام الليل فضيلة بعد فريضة وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قالا أنبأ زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال أنبأ

208
أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون ونحن نصومه تعظيما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم وأمر بصيامه فهذا دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه أيضا إلا تعظيما له وقد روينا عن طارق بن شهاب أنه قال كان يوم عاشوراء لأهل يثرب (14) يلبس فيه النساء شارتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفوهم فصوموه وروينا عن ابن مسعود وجابر بن سمرة وقيس بن سعد (15) قالوا كنا نؤمر بصوم

209
عاشوراء فلما نزل رمضان لم نؤمر به ولم ننه عنه ونحن نفعله وقال علقمة أتيت ابن مسعود فيما بين رمضان إلى رمضان ما من يوم إلا أتيته فيه فما رأيته في يوم صائما إلا يوم عاشوراء (16) قال أبو عمر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية المذكور في هذا الباب يا أهل المدينة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا يوم عاشوراء ولم يفرض الله عليكم صيامه وأنا صائم الحديث دليل على أن له فضلا قال الله عز وجل * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * وقد جاء بهذا اللفظ في هذا الحديث قوله وأنا صائم عن جماعة من الحفاظ منهم مالك وابن عيينة (18) ثم ما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة وما جاء في ذلك عن التابعين أكثر من أن يحصى مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية رواه أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد

210
ابن إسماعيل (19) وأحمد بن زهير قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا داود بن شابور عن أبي قزعة عن أبي الخليل عن أبي حرملة عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صيام يوم عرفة يكفر هذه السنة والتي تليها وصيام يوم عاشوراء يكفر (20) سنة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود (21) قال حدثنا يحيى القطان عن يزيد بن أبي عبيد وحدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة حدثنا شعبة حدثنا غيلان بن جرير المعولي (22) عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم (23) بمعناه ومما يدل على فضله والترغيب في صيامه ما روي عن النبي صلى الله

211
عليه وسلم أنه أمر قوما قد طعموا يوم عاشوراء أن يكفوا عن الطعام ويصوموا باقي يومهم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى القطان عن يزيد بن أبي عبيد قال حدثنا سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أذن في قومك يوم عاشوراء من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يأكل فليتم صيامه (24) وروي من حديث أسماء بن حارثة وغيره عن النبي صلى الله

212
عليه وسلم مثله واختلف العلماء في يوم عاشوراء فقالت طائفة هو اليوم العاشر من المحرم وممن روى ذلك عنه سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن البصري وقال آخرون هو اليوم التاسع منه واحتجوا بحديث الحكم بن الأعرج (25) قال أتيت ابن عباس في المسجد الحرام فسألته عن يوم عاشوراء فقال أعدد فإذا أصبحت يوم التاسع فأصبح صائما قلت كذلك كان محمد يصوم قال نعم صلى الله عليه وسلم وقد روى عن ابن عباس القولان جميعا وقال قوم من أهل العلم من أحب صوم عاشوراء صام يومين التاسع والعاشر وأظن ذلك احتياطا منهم والله أعلم وممن روى عنه ذلك ابن عباس أيضا وأبو رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين وقاله الشافعي وأحمد وإسحاق
وروى يحيى القطان عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال كان ابن عباس يصوم عاشوراء في السفر ويوالي بين اليومين مخافة أن يفوته وروى ابن عون عن محمد بن سيرين أنه كان يصوم العاشر فبلغه أن ابن عباس كان يصوم التاسع والعاشر فكان ابن سيرين يصوم التاسع والعاشر وذكر عبد الرزاق قال أنبأ ابن جريج أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول خالفوا اليهود وصوموا التاسع وفي اختلاف العلماء في يوم عاشوراء

213
واهتبالهم بذلك دليل على فضله والله أعلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا محمد بن جعفر الوركاني قال حدثنا سلام بن سالم (26) الطويل عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار وابن عباس أنهما قالا يوم عاشوراء اليوم التاسع ولكن اسمه العاشوراء وروى وكيع عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن غنام 027) عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع ذكره ابن أبي شيبة وغيره عن وكيع وروى ابن وهب عن يحيى بن أيوب أن إسماعيل بن أمية حدثه أنه سمع أبا غطفان يقول سمعت عبد الله بن عباس يقول حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل صمنا التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (28) وذكره أبو داود عن سليمان بن داود المهري

214
عن ابن وهب وفي هذا دليل على أنه كان يصوم العاشر إلى أن مات ولم يزل يصومه حتى قدم المدينة وذلك محفوظ من حديث ابن عباس وفي مواظبته على صيامه دليل على فضله والله أعلم والآثار عن ابن عباس في هذا الباب مضطربة مختلفة ولكن ما ذكره ابن وهب ووكيع أصح من حديث زيد العمي ومن حديث الحكم بن الأعرج والله أعلم ومن صام يومين كان على يقين من صيام عاشوراء وقال صاحب العين عاشوراء اليوم العاشر من المحرم قال ويقال التاسع حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا ابن مقلاص (29) عن ابن وهب قال حدثني معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال كنا مع ابن شهاب يوم عاشوراء في سفر وكان يأمر بفطر رمضان في السفر قال فرأيته صائما في يوم عاشوراء فقلت يا أبا بكر تصوم يوم عاشوراء في السفر وأنت تفطر في رمضان في السفر فقال أن رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت

215
حديث خامس لابن شهاب عن حميد ملك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم (1) في هذا الحديث من الفقه صعود الإمام على المنبر للخطبة وتناوله في الخطبة الشيء يراه إذا كان في تناوله ذلك شيء من أمر الدين ليعلمه من جهله وفيه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة وتعليم ما جهلوه من أمر دينهم في الخطبة وفيه إباحة الحديث عن بني إسرائيل في الخطبة وغيرها وفيه دليل على الاعتبار والتنظير والحكم بالقياس ألا تراه خاف على هذه الأمة الهلاك إن ظهر فيهم مثل ذلك العمل الذي كان ظاهرا في بني إسرائيل حين أهلكوا ففي هذا دليل واضح على أن الله عز وجل إذا أهلك قوما بعمل وجب على كل مؤمن اجتناب ذلك العمل دليل ذلك قول الله عز وجل * (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) *

216
(2) يعني والله أعلم أن من فعل فعلهم استحق أن يناله ما نالهم (3) أو يعفو الله كذلك قال أهل العلم وهو الصحيح ويحتمل قوله صلى الله عليه وسلم إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم أنه من الأمر الذي لم يفش في بني إسرائيل ولم يشتهر في نسائهم إلا في حين ارتكابهم الكبائر وإعلانهم المناكر فكأنها علامة لا تكاد تظهر إلا في أهل الفسوق والمعاصي والله أعلم لا أنها فعلة يستحق من فعلها الهلاك عليها دون أن يجامعها غيرها وقد يحتمل أن يكون بنو إسرائيل نهوا عن ذلك في كتابهم نهيا محرما ففعلوا ذلك مع علمهم تحريم ذلك استخفافا فاستحقوا العقوبة والذي منع من ذلك بني إسرائيل قد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم مثله من كراهية اتخاذ النساء الشعور المستعارة ووصلهن بذلك شعورهن وفيه ورود الحديث بلعن الواصلة والمستوصلة والواصلة هي الفاعلة لذلك والمستوصلة الطالبة أن يفعل ذلك بها حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة (4) قال حدثنا البغوي قال

217
حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت الحسن بن مسلم بن يناق (5) يحدث عن صفية ابنة شيبة عن عائشة قالت تزوجت امرأة من الأنصار فمرضت وتمرط شعرها فأرادوا أن يصلوا فيه فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة (6) وروى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال قال عبد الله لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فقالت يا أبا عبد الرحمن بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله قالت إني لأقرأ ما بين اللوحين فما أجده قال إن كنت قرأته لقد وجدته أما قرأت * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * قالت بلى قال فإنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت إني لأظن أهلك يفعلون بعض ذلك قال فاذهبي فانظري قال فدخلت فلم تر شيئا قال فقال عبد الله لو كانت

218
كذلك لم تجامعنا (7) وقال ابن سيرين لرجل سأله فقال إن إمي كانت تمشط النساء أترى لي أن آكل من مالها وأرثه عنها فقال إن كانت لا تصل فلا بأس هذا من ورع ابن سيرين رحمه الله وفي هذا الحديث دليل على أن شعر بني آدم طاهر ألا ترى إلى تناول معاوية وهو في الخطبة قصة الشعر وعلى هذا أكثر العلماء وقد كان الشافعي رحمه الله يقول إن شعر بني آدم نجس لقوله صلى الله عليه وسلم ما قطع من

219
حي فهو ميت (8) ثم رجع عن ذلك لهذا الحديث وأشباهه ولإجماعهم على الصوف من الحي أنه طاهر وأما الصوف من الميتة فمختلف فيه وأما الكلام في الخطبة بالمواعظ والسنن وما أشبه ذلك فمباح لا خلاف بين العلماء في ذلك واختلفوا في سائر الكلام في الخطبة للمأموم والإمام (9) نحو تشميت العاطس ورد السلام وللكلام
في ذلك موضع من كتابنا غير هذا وبالله توفيقنا واحتج بهذا الحديث أيضا من زعم أن عمل أهل المدينة لا حجة فيه وقال ألا ترى أن معاوية رضي الله عنه يقول أين علماؤكم يريد أين علماؤكم عن تغيير مثل هذا والحفظ له والعمل به ونشره يريد

220
أن المدينة قد يظهر فيها ويعمل بين ظهراني أهلها بما ليس بسنة وإنما هو بدعة واحتج قائل هذا القول برواية ملك عن عمه أبي سهيل ابن ملك عن أبيه وكان من كبار التابعين أنه قال ما أعرف شيئا مما أدركت الناس عليه إلا النداء بالصلاة (10) وقد حكى إسماعيل بن أبي أويس عن ملك أنه سئل عما يصنع أهل المدينة ومكة من إخراج إمائهم عراة متزرات وأبدانهن ظاهرة وصدورهن وعما يصنع تجارهم من عرض جواريهم للبيع على تلك الحال فكرهه كراهية شديدة ونهى عنه وقال ليس ذلك من أمر من مضى من أهل الفقه والخير ولا أمر من يفتي من أهل الفقه والخير وإنما هو من عمل من لا ورع له من الناس وقال أنس بن عياض (11) سمعت هشام بن عروة يقول لما اتخذ عروة قصره بالعقيق (12) عوتب في ذلك وقيل له جفوت عن مسجد رسول

221
الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية فكان فيما هنالك عما أنتم فيه عافية ثم قال ومن بقي إنما بقي شامت بنكبة أو حاسد على نعمة قالوا فهذا عروة يخبر عن المدينة بما ذكرنا فكيف يحتج بشيء من عمل أهلها لا دليل عليه قال أبو عمر والذي أقول به أن مالكا رحمه الله إنما يحتج في موطئه وغيره بعمل أهل المدينة يريد بذلك عمل العلماء والخيار والفضلاء لا عمل العامة السوداء (13) وقد ذكرنا هذا الخبر ومثله في موضعه من كتابنا كتاب العلم بإسناده فأغنى عن إعادته هاهنا حديث مالك (14) عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ليس عند يحيى عن ملك وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في باب ابن شهاب عن أبي سلمة

222
حديث سادس لابن شهاب عن حميد شركه فيه محمد بن النعمان بن بشير ملك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا قال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعه (1) قال صاحب كتاب العين النحل والنحلة العطاء بلا استعاضة ونحل المرأة مهرها وقال أبو عبيدة صدقاتهن مهورهن عن طيب نفس منك وقال غيره نحلة أي هبة من الله يعني أن المهور هبة من الله للنساء وفريضة عليكم وهكذا روى هذا الحديث جماعة من أصحاب ابن شهاب بهذا الإسناد وهذا المعنى كلهم يقول فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له فارجعه وربما قال بعضهم فاردده ولفظ حديث ابن شهاب هذا قوله فارجعه قد تابعه عليه هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان

223
ابن بشير على اختلاف عن هشام في ذلك وهذا حديث قد رواه جماعة عن النعمان بن بشير منهم الشعبي وغيره بألفاظ مختلفة توجب أحكاما سنذكرها في هذا الباب إن شاء الله فأما حديث عروة بن الزبير فحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد (2) بن بكر التمار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني النعمان بن بشير قال أعطاه أبوه غلاما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا الغلام قال غلام أعطانيه أبي قال أفكل اخوتك أعطاهم كما أعطاك قال لا قال فاردده ففي هذا الخبر أنه خاطب بهذا القول النعمان بن بشير (3) وفي حديث ابن شهاب أنه خاطب بذلك أباه بشيرا المعطي وهو الأكثر والأشهر حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد (بن محمد) (2) بن زياد قال حدثنا سعد أن ابن نصر قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير أن أباه نحله نحلا فقالت أمه أشهد عليه لابني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال أكل ولدك أعطيته مثل ما أعطيت هذا قال لا قال فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد له (4) ورواه سعد بن إبراهيم فخالفه في هذه اللفظة قرأت على عبد الوارث أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا عبد

224
الصمد قال حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير عن النعمان بن بشير أن أباه نحله نحلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال أكل بنيك أعطيت مثل هذا قال لا فأبى أن يشهد (5) له وفي هذا الحديث من الفقه جواز العطية من الآباء للأبناء (وهذا في صحة الآباء) (6) لأن فعل المريض في ماله وصية والوصية للوارث باطلة وهذا أمر مجتمع عليه يستغني عن القول فيه وقد بينا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن عامر بن سعد وفيه التسوية بين الأبناء في العطاء لقوله أكل ولدك أعطيت مثل هذا واختلف الفقهاء في هذا المعنى هل هو على الإيجاب أو على الندب فأما ملك والليث والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فأجازوا أن يخص بعض ولده دون بعض بالنحلة والعطية على كراهية من بعضهم على ما يأتي من أقاويلهم في هذا الباب والتسوية أحب إلى جميعهم وكان ملك يقول إنما معنى هذا الحديث الذي جاء فيه فيمن نحل بعض ولده ماله كله قال وقد نحل أبو بكر رضي الله عنه عائشة دون سائر ولده حكى ذلك عنه ابن القاسم (وأشهب) (6) وقال الشافعي ترك التفضيل في عطية الأبناء فيه حسن الأدب ويجوز له

225
ذلك في الحكم قال وله أن يرجع فيما وهب لابنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم فارجعه (7) واستدل الشافعي بأن هذا الحديث على الندب بنحو ما استدل به ملك رحمه الله من عطية أبي بكر عائشة (8) وبما رواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال نحلني أبي نحلا وانطلق بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا قال أيسرك أن يكونوا لك في البر كلهم سواء قال نعم قال فاشهد على هذا غيري (9) قال وهذا يدل على صحة الهبة لأنه لم

226
يأمره بردها وإنما أمره بتأكيدها بإشهاد غيره عليها (10) وإنما لم يشهد عليه السلام (عليها) (6) لتقصيره عن أولى الأشياء به وتركه الأفضل وقال الثوري لا بأس أن يخص الرجل بعض ولده بما شاء وقال أبو يوسف لا بأس بذلك إذا لم يرد الإضرار وينبغي أن يسوى بينهم الذكر والأنثى سواء وقد روى عن الثوري أنه كره أن
يفضل الرجل بعض ولده على بعض في العطية وكره عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل أن يفضل بعض ولده على بعض في العطايا وكان إسحاق يقول مثل هذا ثم رجع إلى مثل قول الشافعي وكل هؤلاء يقول إن فعل ذلك أحد نفذ ولم يرد واختلف في ذلك عن أحمد بن حنبل وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرقي (11) في مختصره عنه قال وإذا فاضل بين ولده في العطية أمر برده كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فات ولم يردده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته وقال طاوس لا يجوز لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض فإن فعل لم ينفذ وفسخ وبه قال أهل الظاهر منهم داود وغيره وروى عن أحمد بن حنبل مثله

227
وحجتهم في ذلك حديث (مالك عن) (12) ابن شهاب المذكور في هذا الباب قوله فارجعه حملوه على الوجوب وأبطلوا عطية الأب لبعض ولده دون بعض لقوله صلى الله عليه وسلم فارجعه ولقوله في حديث جابر في هذه القصة هذا لا يصلح ولا أشهد إلا على حق قالوا وما لم يكن حقا فهو باطل وقد قال بعضهم في هذا الحديث عن النعمان هذا جور ولا أشهد على جور ونحو هذا مما احتج به أهل الظاهر أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد (13) بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يعلى (14) قال حدثنا أبو حباب (15) عن الشعبي عن النعمان بن بشير بهذا الحديث قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بشير ألك ابن غير هذا قال نعم قال فوهبت له مثل الذي وهبت لهذا قال لا قال فلا تشهدني على جور قال أحمد وثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حاجب بن الفضل (16) بن المهلب عن أبيه قال سمعت النعمان

228
بن بشير يخطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعدلوا بين أبنائكم (17) حملوا هذا على الوجوب وحدثني محمد بن إبراهيم بن سعيد (18) قال حدثنا أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن قال حدثنا سعيد بن عثمان (19) قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال كان إذا سألوه عن الرجل يفضل بعض ولده يقرأ * (أفحكم الجاهلية يبغون) * 20 قال سفيان ونقلت (21) عن طاوس أنه قال لا يجوز للرجل أن يفضل بعض ولده ولو كان رغيفا محترقا وبهذا الإسناد عن سفيان عن

229
ملك بن مغول (22) عن أبي معشر الكوفي قال قال إبراهيم كانوا يحبون أن يسووا بينهم حتى في القبلة (23) قال أبو عمر أكثر الفقهاء على أن معنى هذا الحديث الندب إلى الخير والبر والفضل لا أن ذلك واجب فرضا أن لا يعطى الرجل بعض ولده دون بعض على ما ذهب إليه أهل الظاهر والدليل على أن ذلك (كذلك) على الندب لا على الإيجاب مما احتج به الشافعي وغيره إجماع العلماء على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز أن يخرج (جميع (24) ولده عن ماله جاز له أن يخرج) عن ذلك بعضهم وأما قصة النعمان بن بشير هذه فقد روى في حديثه ألفاظ مختلفة أكثرها تدل على أن ذلك على الندب لا على الإيجاب منها ما رواه داود بن أبي

230
هند عن الشعبي عنه مما قدمنا ذكره ورواية حصين عن الشعبي في هذا الحديث نحو ذلك حدثنا عبد الله بن محمد بن رشاد (25) قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا حامد بن عمر قال حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ابني من عمرة ابنة رواحة أعطيته فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله قال أعطيت سائر ولدك مثل هذا قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته فلم يذكر في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجع في عطيته وإنما فيه رجع فرد عطيته (26) وأخبرني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر التمار البصري بالبصرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا هشيم قال حدثنا سيار ومغيرة وداود ومجالد وإسماعيل بن سالم عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال نحلني أبي نحلا قال إسماعيل بن سالم من بين القوم نحلة غلاما له قال فقالت له أمي عمرة بنت رواحة ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشهده قال فأتى

231
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال إني نحلت ابني النعمان نحلا وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك فقال ألك ولد سواه قلت نعم قال فكلهم أعطيته مثل ما أعطيت النعمان قال قلت لا قال هشيم قال بعض هؤلاء المحدثين هذا جور وقال بعضهم هذه (27) تلجئة فأشهد على هذا غيري وقال المغيرة في حديثه أليس يسرك أن يكونوا في البر واللطف سواءا قال نعم قال فأشهد على هذا غيري وذكر مجالد في حديثه إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا ابن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا يحيى بن سعيد عن مجالد قال حدثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير بهذا الحديث قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم فلا تشهدني على جور فهذه الألفاظ كلها مع قوله أشهد على هذا غيري دليل واضح على جواز العطية وأما رواية من روى عن الشعبي عن النعمان بن بشير في هذا الحديث أكل ولدك أعطيته قال لا قال فإني لا أشهد إلا على حق وكذلك رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النعمان بن بشير هذه فيحتمل أن لا يكون مخالفا لما تقدم لاحتماله أن يكون أراد الحق الذي لا تقصير فيه عن أعلى مراتب الحق وإن كان ما دونه حقا

232
فصح بهذا كله مذهب ملك والثوري والشافعي ومن قال بقولهم في استحباب ترك التفضيل بين الأبناء في العطية وإمضائه إذا وقع لأن غاية ما في ذلك ترك الأفضل كما لو أعطى لغير رحمه وترك رحمه كان مقصرا عن الحق وتاركا للأفضل ونفذ مع ذلك فعله على أن حديث جابر يدل على أن مشاورة بشير بن سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة (28) إنما كانت قبل الهبة فدله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأولى به والأوكد عليه وما فيه الفضل له وحديث جابر هذا حدثنيه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو الزبير عن جابر قال قالت امرأة بشير انحل ابنك غلاما وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلاما وقالت أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أله إخوة قال نعم وكلهم أعطيته فقال لا فقال ليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق وذكر الطحاوي هذا الخبر ثم قال حديث
جابر أولى من حديث النعمان بن بشير لأن جابرا أحفظ لهذا المعنى وأضبط له لأن النعمان كان صغيرا (29) قال

233
وفي حديث جابر أن بشير بن سعد ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهب فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأجمل الأمور وأولاها وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديثنا المذكور في هذا الباب أكل ولدك نحلته مثل هذا فإن العلماء مجمعون على استحباب التسوية في العطية بين الأبناء إلا ما ذكرنا عن أهل الظاهر من إيجاب ذلك ومع إجماع الفقهاء على ما ذكرنا من استحبابهم فإنهم اختلفوا في كيفية التسوية بين الأبناء في العطية فقال منهم قائلون التسوية بينهم أن يعطى الذكر مثل ما يعطى الأنثى وممن قال بذلك سفيان الثوري وابن المبارك قال ابن المبارك ألا ترى الحديث يروى (30) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سووا بين أولادكم فلو كنت مؤثرا أحدا آثرت النساء على الرجال وقال آخرون التسوية أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين قياسا على قسم الله الميراث بينهم فإذا قسم في الحياة قسم بحكم الله عز وجل وممن قال هذا القول عطاء بن أبي رباح رواه ابن جريج عنه وهو قول محمد بن الحسن وإليه

234
ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ولا أحفظ لملك في هذه المسألة قولا وأما قوله فارجعه ففيه دليل على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه على ظاهر حديث ابن شهاب وغيره وهذا المعنى قد اختلف فيه الفقهاء فذهب ملك وأهل المدينة أن للأب أن يعتصر ما وهب لابنه ومعنى الاعتصار عندهم الرجوع في الهبة وليس ذلك لغير الأب عندهم وإنما ذلك للأب وحده وللأم أيضا أن وهبت لابنها شيئا وأبوه حي أن ترجع فإن كان يتيما لم يكن لها الرجوع فيما وهبت له لأن الهبة لليتيم كالصدقة التي لا رجوع فيها لأحد فإن وهبت لابنها وأبوه حي ثم مات وأرادت أن ترجع في هبتها تلك فقد اختلف أصحاب ملك في ذلك والمشهور من المذهب أنها لا ترجع وأما الأب فله أن يرجع أبدا في هبته لابنه هذا إذا كان الولد الموهوب له لم يستحدث دينا يداينه الناس ويأمنونه عليه من أجل تلك الهبة أو ينكح فإذا تداين أو نكح لم يكن للأب حينئذ الرجوع فيما وهب له وهذا إنما يكون في الهبة فإن كانت صدقة لم يكن له فيها رجوع لأن الصدقة إنما يراد بها وجه الله فلا رجوع لأحد فيها أبا كان أو غيره وقول ملك في الهبة للثواب أن الواهب على هبته إذا أراد بها الثواب حتى يثاب منها أبا كان أو غيره إلا أن تتغير بزيادة أو نقصان عند الموهوب له أو تهلك فإن كان ذلك وطلب الواهب الثواب فإنما له قيمتها يوم قبضها وكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا وكان ملك يذهب إلى أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه في هذا الباب فارجعه أمر إيجاب لا ندب وكان يقول إنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه نحله

235
من بين سائر بنيه ماله كله ولم يكن له مال غير ذلك العبد حكى ذلك أشهب عن ملك (31) قال أشهب فقيل لملك فإذا لم يكن للناحل مال غيره أيرتجعه بعد النحلة فقال إن ذلك ليقال وقد قضى به عندنا بالمدينة وقال غير ملك لا يعرف ما ذكره ملك من أن بشيرا لم يكن له مال غير ذلك العبد قال وإنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برد تلك العطية من أجل ما يولد ذلك من العداوة بين البنين (32) وربما أبغضوا أباهم على ذلك فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من جهة التحريم قال ولو كان ذلك حراما ما نحل أبو بكر عائشة من بين سائر ولده وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأكثر العراقيين من وهب هبة لذي رحم ولدا كان أو غيره فلا رجوع له فيها لأنها والصدقة سواء إذا أراد بها صلة الرحم وهو قول إسحاق بن راهويه في مراعاة الرحم المحرم وأنه لا يعتصر ولا يرجع من وهب هبة لذي رحم محرم وإنها كالصدقة لله لا يرجع في شيء منها وجملة قول الكوفيين أنهم قالوا من وهب لولده هبة مقسومة معلومة فإن كان الولد صغيرا غلاما أو جارية فالهبة له جائزة وليس

236
للوالد أن يرجع في ذلك ولا يعتصره وإن كان الولد كبيرا لم تجز الهبة حتى يقبضها الولد فإذا قبضها فهي له جائزة وليس للوالد أن يرجع فيها ولا يعتصرها قالوا وكذلك النحل والصدقة والزوجان عندهم فيما يهب بعضهما لبعض كذي الرحم المحرم لا يجوز لأحدهما أن يرجع في شيء مما أعطى صاحبه ومن حجتهم فيما ذهبوا إليه من ذلك ما رواه ملك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف (33) المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال من وهب هبة يرى أنه أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها وروى الأسود (34) عن عمر نحو حديث مروان هذا فيمن وهب لصلة رحم أو قرابة وليس في حديث عمر ذكر الزوجين وقولهم في الهبة للثواب أنها جائزة على نحو ما قاله ملك إلا أنها إن زادت عند الموهوب له للثواب أو نقصت أو هلكت لم يكن فيها رجوع عندهم وهو قول الثوري وهبة المشاع عندهم غير صحيحة لأن الهبة لا تصح إلا بالقبض ولا سبيل إلى قبض المشاع فيما زعموا ولو قبض الجميع لم يكن قبضا عندهم وإنما

237
القبض عندهم أن يقبض مفروزا مقسوما وهذا كله فيما ينقسم فلم يقسم وما لم يكن قبض فهي عندهم عدة لا تلزم الواهب وأما ملك فإنه يجيز هبة المشاع إذا قبض الموهوب له جميع الشيء المشاع وبان به وتصح الهبة عنده بالقول وتتم بالقبض وللموهوب له أن يطالب الواهب بها ولورثته أن يقوموا في ذلك مقامه بعده فإن مات الواهب قبل قبض الهبة فهي باطلة حينئذ لأنهم أنزلوها حين وهب ولم يسلم ما وهب حتى مات على أن الهبة لم تكن في الباطن صحيحة وإنما هو كلام تكلم به الواهب لتكون الهبة بيده كما كانت حتى إذا مات خرجت عن ورثته فالهبة على هذا باطل وهو معنى حديث عمر عندهم الذي رواه ملك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم قال مالي بيدي لم أعطه أحدا وإن مات هو قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها حتى يكون إن مات لورثته فهي باطل وقال الشافعي ليس لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهب لبنيه وليس في الصدقة رجوع لأنه أريد بها وجه الله عز وجل وهبة المشاع عنده جائزة والقبض فيها كالقبض في البيوع والهبة للثواب عنده باطل لأنها معاوضة على مجهول وذلك بيع لا يجوز ولا معنى عنده للهبة على الثواب وهي مردودة ليست بشيء وحجته فيما ذهب إليه من تخصيص الولد بالرجوع في الهبة حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لأحد

238
أن يرجع في هبته إلا الوالد (35) ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ومن مراسيل طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولا تصح الهبة عند الشافعي لكل أجنبي ولكل ابن بالغ إلا بالقبض على نحو قول العراقيين سواء قال محمد بن نصر (36) أبو عبد الله المروزي وقد اتفق أبو بكر
وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة قال أبو عمر وللأب عند الشافعي أن يرجع فيما وهب لبنيه وسواء استحدث الابن دينا أو نكح أو لم يفعل شيئا من ذلك فإن كان الابن صغيرا في مذهب الشافعي فإشهاد أبيه وإعلانه بما يعطيه حيازة له لا يشركه فيها أحد من ورثة أبيه إن مات وهي للصغير أبدا وإن كبر وبلغ رشيدا ولا يحتاج فيها إلى قبض آخر وما لم يرجع فيها أبوه بإشهاد يبين به رجوعه في تلك الهبة فهي للابن وعلى ملكه فإن رجع فيها الأب بالقول والإعلان وعرف ذلك كان ذلك له وإلا فهي للابن وعلى ملكه على أصل إشهاده بالهبة له وهو صغير ولا يضره موته وهي بيده لأنها قد نفذت له وهو صغير فما لم يرجع فيها الأب بالقول فهي على

239
ذلك الأصل في مذهبه عندي والله أعلم وسنذكر قول ملك في ذلك بعد هذا إن شاء الله وقال أبو ثور وأحمد بن حنبل تصح الهبة والصدقة غير مقبوضة وسواء كانت الهبة مشاعا أو غير مشاع والقبض فيهما عندهما كالقبض في البيع وروى عن علي بن أبي طالب أن الهبة تجوز وتصح وإن لم تقبض من وجه ضعيف لا نحتج بمثله (37) ولم يختلف قول أبي ثور في ذلك في شيء من كتبه وأما أحمد بن حنبل فقد اختلف عنه في ذلك وأصح شيء في ذلك عن أحمد أن الهبة والصدقة فيما يكال أو يوزن لا يصح شيء منها إلا بالقبض وما عدا المكيل والموزون فالهبة صحيحة جائزة بالقول وإن لم يقبض وذلك كله إذا قبلها الموهوب له والمشاع وغير المشاع في ذلك سواء كالبيع وقال أبو ثور كل من عدا الأب فليس له أن يرجع في هبته سواء أراد بها الثواب أو لم يرد وحجته في ذلك كحجة الشافعي حديث ابن عباس المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لا يحل لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد وهو قول طاوس والحسن وأما أحمد بن حنبل فقال لا يحل لواهب أن يرجع في هبته ولا لمهد أن يرجع في هديته وإن لم يثب عليها واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في (38) قيئه وهو قول قتادة قال قتادة لا أعلم القيء إلا حراما والجد عند أبي ثور كالأب وقالت طائفة يرجع

240
الوالدان والجد فيما وهبوا ولا يرجع غيرهم وقال إسحاق ما وهب الرجل لامرأته فليس له أن يرجع فيه وما وهبت المرأة لزوجها فلها أن ترجع فيه وهو قول شريح وغيره من التابعين ويحتج من ذهب هذا المذهب بحديث مروان عن عمر بن الخطاب قال إن النساء يعطين رغبة ورهبة (39) وأجاز إسحاق الهبة للثواب على نحو قول ملك وأبي حنيفة ومن تابعهم وأجمع الفقهاء أن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج فيها إلى قبض وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض وأنها صحيحة وأن وليها أبوه لخصوصه بذلك ما دام صغيرا على حديث عثمان إلا أنهم اختلفوا من هذا المعنى في هبة الورق والذهب للولد الصغير فقال قوم إن الإشهاد يغني في ذلك كسائر الأشياء وقال آخرون لا تصح الهبة في ذلك إلا بأن يعزلها ويعينها قال ملك الأمر عندنا أن من نحل ابنا له صغيرا ذهبا أو ورقا ثم هلك وهو يليه أنه لا شيء للابن من ذلك إلا أن يكون عزلها بعينها أو دفعها إلى رجل وضعها لابنه عند ذلك الرجل فإن فعل ذلك فهو جائز (40) للابن قال أبو عمر في حديث عثمان الذي هو أصل هذه المسألة عندهم اشتراط الإشهاد في هبة الرجل لابنه الصغير وذلك أن يشهد على الشيء يعينه شهودا يقفون عليه ويعينونه إذا احتيج إلى شهادتهم وإن كان شيئا يطبع

241
عليه طبع الشهود عليه دون (الأب (41) وما لم يقف الشهود عليه) في حين الإشهاد فليس بشيء وحديث عثمان رواه ملك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قال من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحله فأعلن ذلك وأشهد عليها فهي جائزة وأن وليها أبوه ولا أعلم خلافا أنه إذا تصدق على ابنه الصغير بدار أو ثوب أو سائر العروض أن إعلان ذلك بالإشهاد عليه يدخله في ملك الابن الصغير ويخرجه عن ملك الأب وتصح بذلك العطية للابن الصغير من هبة أو صدقة أو نحلة إلا أن يبلغ القبض لنفسه ببلوغه ورشده فلا يقبض تلك لهبة بما يقبض به مثلها وتتمادى في يد الأب كما كانت حتى يموت فإن كان كذلك بطلت حينئذ الهبة عند ملك وأصحابه فإن بلغ الابن رشدا ومنعه الأب منها كان له مطالبته بها عندهم حتى يقبضها ويحوزها لنفسه فإن ادعى الأب أنه رجع فيها ولم يكن على الابن دين يمنع من رجوعها كان له ذلك في الهبة إذا لم يقل فيها إنها لله فإن قال إنها لله كانت كالصدقة ولا رجوع له فيها وأجبر على تسليمها إلى ابنه إذا بلغ رشدا هذا كله قول ملك وأصحابه وقد مضى قول الشافعي وغيره في ذلك قال ملك وإذا وهب لابنه دنانير أو دراهيم فأخرجها عن نفسه إلى غيره وعينها وجعلها لابنه على يد غيره فهي جائزة نافذة إذا مات الأب وفي حياته بحيازة القابض لها للابن واختلف أصحاب مالك إذا وهب لابنه الصغير دنانير أو دراهم فجعلها في ظرف معلوم وختم عليها وتوجد عنده مختوما عليها فروى ابن القاسم عن ملك أنها لا تجوز إلا أن يخرجها عن يده إلى

242
غيره وسواء طبع عليها و لم يطبع لا تجوز حتى يخرجها إلى غيره وقال ابن الماجشون ومطرف هي عطية جائزة إذا وجدت بعينها وهو ظاهر حديث عثمان وظاهر قول ملك في موطئه على ما ذكرناه هنا من قوله الأمر عندنا وقد أجمعوا أنه إذا تصدق على ابن له صغير بدين له على رجل ثم اقتضاه أنه للابن وأن ذلك بمنزلة العبد يتصدق به على ابن له صغير ثم يبيعه فالثمن للابن وأجمعوا أن الوالد لا يعتصر الفرج إذا وهبه لابنه فوطئه ولا أعلم أحدا قال إن الولد يعتصر أيضا ما وهب لوالده إلا ربيعة ذكره ابن وهب عن يونس عنه فهذا ما يقوم من معاني حديث هذا الباب وبالله التوفيق قال أبو عمر من حجة من لم يجز الهبة إلا مقبوضة حديث أم كلثوم (42) أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي مسكا وقال لأهله أحسبه مات فإن رجع إلي أعطيتكم منه فكان كذلك ووجد قد مات فرجع المسك إليه فأعطاهن منه ولو كانت الهبة والعطية تحتاز بالكلام

243
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم في هبته ولا هديته وكيف كان يتصرف في ذلك وهو القائل ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في (43) قيئه وجاء عن أبي بكر الصديق وعائشة مثل هذا المعنى (44) من حديث ملك وغيره عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وعن عمر مثله أيضا وقد ذكرناه فهذا كله يدل على أن الهبات لا تتم إلا بالقبض وقد أجمعوا على ثبوت ملك الواهب (واختلفوا في (45) زواله من جهة الهبة بالقول وحده فهو على أصل ملك الواهب) حتى يجمعوا ولم يجمعوا إلا مع القبض وكان أبو ثور يقول لا تجوز الهبة إلا معلومة وإن كانت مشاعة فيكون الجزء معلوما وإلا لم تصح قال وإنما بطلت عطية أبي بكر رضي الله عنه لعائشة لأنها لم تكن معلومة ولا سهما من سهام معلومة قال وكل هبة أو صدقة على هذا فغير جائزة فهذا كله في معنى حديث النعمان بن بشير المذكور في هذا الباب وهو
محمول على أنه كان صحيحا والناس على الصحة حتى يثبت المرض الطارىء وللقول في هبات المريض موضع غير هذا من كتابنا وبالله توفيقنا

244
حديث سابع لابن شهاب عن حميد مرسل ملك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب هكذا رواه جماعة الرواة عن ملك في الموطأ مرسلا وهو الصحيح فيه عن ملك وقد رواه ابن سبرة (1) المدني عن مطرف عن ملك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ورواه إسحاق بن بشير (2) الكاهلي عن ملك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه وكلاهما خطأ والصواب فيه عن ملك مرسل كما في الموطأ ورواه ابن عيينة عن ابن شهاب عن حميد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله فوصله وقد روى هذا الحديث من غير طريق ملك ومن (غير) (3) طريق ابن شهاب مسندا من وجوه ثابتة عن أبي هريرة من حديث أبي صالح عن أبي (4) هريرة ومعنى هذا الحديث عندي والله أعلم أنه أراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة لئلا أنسى إن أكثرت علي فأجابه بلفظ يسير جامع لمعان كثيرة خطيرة ولو أراد علمني كلمات من الذكر ما أجابه بمثل ذلك الجواب وإنما أراد علمني بكلمات (يسيرة) (3) والله أعلم

245
ومن طرق هذا الحديث متصلا ما حدثني به خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أبو محمد شعبة (5) بن أحمد بن جعفر الفهري قال حدثنا عبد الله بن (6) سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال حدثنا صدقة بن عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن عمه أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا ينفعني الله به وأقلل لعلي أعقله قال لا تغضب فأعاد عليه مرارا كلها يرجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب ورواه حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف عن عمه أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي في الإسلام قولا وأقلل لعلي أعقله قال لا تغضب حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة فذكره سواء ورواه ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن عمه جارية بن قدامة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي ثم ذكر مثله إلا أنه قال فأعاد عليه فقال لا تغضب فأعاد عليه مرارا كل ذلك يقول لا تغضب وذكره ابن أبي شيبة عن ابن نمير ورواه يحيى القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن حارثة (7) بن قدامة

246
مثل لفظ حديث حماد بن سلمة حرفا بحرف ورواه وهب (8) عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن بعض عمومته قال قلت يا رسول الله مثله سواء ورواه الليث بن سعد والمفضل بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس أن ابن عم له قال يا رسول الله فذكر الحديث مثله سواء بمعناه هكذا قال الليث والمفضل عن ابن عم وقال من ذكرنا من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف عن عمه وبعضهم سماه كما تراه جارية بن قدامة وهو جارية ابن قدامة بن ملك بن زهير تميمي سعدي له صحبة (صحيحة) (9) ورواية وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة والأحنف بن قيس قيل اسمه الضحاك بن (10) قيس وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبيد تميمي سعدي أيضا من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وممكن أن (يكون) (9) ابن عمه في نسبه وعمه أخو أبيه لأمه (11) والله أعلم وروى ابن أبي الزناد هذا الحديث عن أبيه عن عروة بن الزبير

247
بإسناده المتقدم كما قال حماد بن سلمة ومن تابعه عن هشام بن عروة حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن الأحنف بن قيس عن جارية بن قدامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (12) وروى هذا الحديث أيضا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن زكريا المقدسي (ببيت (9) المقدس) قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني بعمل أعمله قال لا تغضب وحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا محمد بن المنهال أخو حجاج بن منهال حدثنا عبد (13) الواحد ابن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول صلى الله عليه وسلم دلني على عمل أعمله وأقلل لعلي أحفظه قال لا تغضب قال مضر سمعت يحيى بن معين يقول الحديث حديث عبد الواحد بن زياد والقول قوله قال أبو عمر الحديث عند غير ابن معين على ما رواه أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد وقد تابعه

248
على ذلك الحسين بن واقد عن الأعمش وكذلك رواه أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة ذكره البزار عن ابن شبويه عن علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن رافع (14) وذكره أيضا عن إسماعيل بن حفص عن إسماعيل (15) بن عياش عن أبي حصين وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد الحداد قال حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال حدثنا عبيد الله (16) بن عبد الخالق قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن واقد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلني يا رسول الله على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال لا تغضب (17)

249
قال أبو عمر هذا من الكلام القليل الألفاظ الجامع للمعاني الكثيرة والفوائد الجليلة ومن كظم غيظه ورد غضبه أخزى شيطانه وسلمت مروءته ودينه ولقد أحسن القائل
* لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب
* وقال علي بن ثابت
* العقل آفته الإعجاب والغضب
* والمال آفته التبذير (18) والنهب
* وقال أبو العتاهية
* ولم أر في الأعداء حين خبرتهم
* عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب
* وكل هؤلاء إنما حاولوا ودندنوا حول معنى هذا الحديث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم
صلى الله عليه

250
وسلم حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون بن سعيد حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب (19) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا خالد قال حدثنا ضرار بن مرة أبو سنان عن عبد الله بن الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال لا تغضب قال لا أستطيع قال لا تقنى مالا قال عسى) (20)

251
حديث ثامن لابن شهاب عن حميد لا يجوز أن يكون مثله رأيا ملك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وأن تبارك الذي بيده الملك تجادل عن صاحبها أدخلنا هذا في كتابنا لأن مثله لا يقال من جهة الرأي ولا بد أن يكون توقيفا (1) لأن هذا لا يدرك بنظر وإنما فيه التسليم مع أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ومن شرطنا أن كل ما يمكن إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكره ملك في موطئه ذكرناه في كتابنا هذا وبالله عوننا وتوفيقنا لا شريك له وقد روى هذا الحديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسنده ووصله حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا القعنبي قال حدثنا محمد بن عبيد الله (2) بن مسلم عن عمه عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قل هو الله أحد فقال ثلث القرآن أو تعدله قال أبو عمر أم حميد هذه هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من

252
المبايعات ومن جلة الصحابيات وقد ذكرناها وذكرنا خبرها ونسبها في كتاب النساء من كتابنا في الصحابة فأغنى عن ذكرها ها هنا وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا عمر بن محمد الجمحي قال حدثنا علي بن عبد الغني (3) البغوي قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا محمد بن عبيد (4) الله بن مسلم ابن أخي الزهري عن عمه ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قل هو الله أحد فقال ثلث القرآن أو تعدله ومن أصح المسندات في هذا الباب حديث ملك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وسيأتي في

253
موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وهناك يأتي القول في معنى حديث هذا الباب إن شاء الله تعالى وحديث ملك أيضا عن عبد الله أو عبيد الله بن عبد الرحمن والصواب عبيد الله عن عبيد بن حنين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد إلى آخرها فقال وجبت له الجنة حديث صحيح وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وروي هذا الحديث عن أبي هريرة مرفوعا من وجوه (5) وروي مرفوعا أيضا من حديث أبي أيوب وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن ملك وقتادة بن النعمان أخبرنا يعيش بن سعيد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسحاق السراج قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن

254
إبراهيم النخعي عن الربيع بن خثيم (6) عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كل ليلة قالوا ومن يطيق ذلك قال بلى قل هو الله أحد أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا شعبة عن أبي قيس قال سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن أبي (7) مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يغلب أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في كل ليلة قالوا وما ذاك قال قل هو الله أحد هكذا روى هذا الحديث أبو قيس الأودي هنا وكذلك رواه الثوري عنه أيضا كما رواه شعبة بهذا الإسناد عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود ورواه وكيع وابن مهدي وأبو نعيم وغيرهم عن الثوري عن أبي قيس بإسناده هذا مثله وهو عندي خطأ والله أعلم والصواب عندي فيه حديث منصور عن هلال عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال

255
حدثنا حسين بن علي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي جميعا (8) عن زائدة عن منصور عن هلال بن يساف عن ربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن واللفظ لحديث ابن أبي (9) شيبة وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب قال أتاها فقال ألا ترين ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت رب خير أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فما هو قال قال لنا أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قال فأشفقنا أن يريدنا على أمر نعجز عنه فلم نرجع إليه شيئا حتى قالها ثلاث مرات
ثم قال أما يستطيع أحدكم أن يقرأ

256
قل هو الله أحد الله الصمد (10) ورواه أبو الزناد (11) عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أنبأ سعيد (12) عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قيل يا رسول الله ومن يطيق ذلك قال يقرأ قل هو الله أحد وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا ابن سنجر قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قالا (13) حدثنا أبان العطار قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيعجز أحدكم أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن قالوا نحن أعجز من ذلك وأضعف قال

257
إن الله عز وجل جزأ القرآن ثلاث أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزأ من أجزاء القرآن ووجدت في أصل سماع أبي بخط يده رحمه الله أن محمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا أبو معاوية عن موسى (14) الصغير عن هلال بن يساف عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن قال البزار موسى النخعي رجل كوفي حدث عنه الناس قال وهذا إسناد صحيح وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عمرو بن عثمان بن أخي علي بن عاصم الواسطي قال حدثنا أبو تميلة (15) عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن يزيد عن زيد بن أبي أنيسة عن نفيع بن الحارث عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين قبل الصبح قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد قال وسمعته يقول نعم السورتان قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن قال أبو تميلة قال ابن إسحاق وأنا أجمعهما جميعا

258
قال أبو عمر ليس هذا الإسناد بالقوي (16) وأخبرنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب التمتام قال حدثنا مسلم (17) قال حدثنا يمان بن المغيرة قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ إذا زلزلت فنصف القرآن ومن قرأ قل يا أيها الكافرون فربع القرآن وقل هو الله أحد ثلث القرآن (18) وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا ملك بن إسماعيل قال حدثنا مندل (19) قال حدثنا جعفر بن أبي

259
جعفر الأشجعي عن أبيه عن ابن عمر قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر في سفر فقرأ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم قال قد قرأت لكم ثلث القرآن وربعه وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا زكريا بن (20) عطية البصري قال حدثنا سعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت سعد بن إبراهيم يحدث عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ بعد الصبح (قل هو الله أحد) اثنا عشر مرة (21) فكأنما ختم القرآن أربع مرات وكان خير أهل الأرض في ذلك اليوم إذا اتقى

260
قال أبو عمر هذا الحديث والأحاديث التي قبله من أحاديث الشيوخ (22) ليست من أحاديث الأئمة وقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم في (قل هو الله أحد) أحاديث عدة من (23) جهة نقل الآحاد لا نقطع على عينها ونحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نناظر فيها والقرآن عندنا صفة من صفات الله وهو كلام الله فسبحان المحيط علما بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أحمد بن الحسن الصباحي حدثنا أبو بشر بن (24) الهيثم حدثنا سدوس (25) بن علقمة حدثني والدي قال كنت عند أنس بن ملك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سورة من القرآن تشفع لصاحبها

261
فتدخله الجنة قال وهي * (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) * 26 حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي (27) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له (28) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى القطان عن شعبة قال حدثني قتادة عن عباس الجشمي أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله

262
ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي قد ذكرنا أباه في كتاب الصحابة فلا وجه لذكره هاهنا وعيسى ابن طلحة هذا مدني تابعي ثقة روى عنه ابن شهاب ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة وغيرهم وأمه سعدي ابنة ابن (1) خارجة بن سنان بن أبي خارجة وهو شقيق يحيى بن طلحة وتوفي عيسى بن طلحة بن عبيد الله سنة مائة قال أبو الزبير (2) كان عيسى بن طلحة صديقا لعروة بن الزبير وذكر خبره في تعزيته له في رجله (3) قال وأخبرني مصعب بن عثمان قال قيل لعيسى بن طلحة ما الحلم قال الذل

263
لمالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله هذا حديث واحد مسند في الموطأ ملك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في حجة الوداع بمنى يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال رسول الله اذبح ولا حرج فجاء رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال ارم ولا حرج قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
هذا حديث صحيح (4) لا يختلف في إسناده ولا أعلم عن ملك اختلافا في ألفاظه إلا ما رواه يحيى بن سلام عن ملك ذكره الدارقطني عن الحسن بن رشيق (5) عن يوسف بن عبد الأحد عن سليمان بن شعيب عن أبي سلام عن ملك عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف للناس في حجة الوداع فقال رجل يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذبح ولا حرج قال آخر يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال آخر يا رسول الله طفت بالبيت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج

264
قال فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال لا حرج لا حرج ولم يقل أحد في هذا الحديث طفت بالبيت قبل أن أذبح إلا يحيى بن سلام (6) ولم يتابع عليه (7) وهكذا رواه جمهور أصحاب ابن شهاب كما رواه ملك في موطئه وزاد فيه صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته (8) ولهذا مع ما

265
روي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر (9) ما استحب العلماء والله أعلم أن يرمي الرجل جمرة العقبة راكبا وممن استحب ذلك ملك والشافعي وجماعة قال ملك رحمه الله يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وفي غير يوم النحر ماشيا وفي هذا الحديث من الفقه وجوه كثيرة من أحكام الحج منها ما أجمعوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه فأما قوله فحلقت قبل أن أذبح فإن العلماء مجمعون كافة عن كافة أن واجبا على المحرم أن لا يأخذ من شعره شيئا من حين يحرم بالحج إلى أن يرمي جمرة العقبة في وقت رميها فإن اضطر إلى حلق شعره لضرورة لازمة فالحكم فيه ما نص الله في كتابه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا وأجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجته بعد ما رمي جمرة العقبة يوم النحر بعد أن نحر وقال اللهم اغفر للمحلقين (10) وأجمعوا أن

266
التقصير يجزي عن الحلق لمن لم يلبد (11) ولم يعقص ولم يضفر وأجمعوا أن الحلاق أفضل من التقصير وأن ليس على النساء حلق وأن سنتهن التقصير وروى أنس بن ملك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ونحر بدنه أو أمر بها فنحرت وقال للحلاق دونك فحلق شقه الأيمن ثم شقه الأيسر وناول شعر أحد الشقين أبا طلحة وقسم الآخر بين من يليه الشعرة والشعرتين وهذا الحديث رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن ملك (12) وعلى العمل به جماعة المسلمين إلا ما كان من قسم الشعر فإن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة تبركا به وجعل أبو بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام في هذا الحديث موضع أبي طلحة أم سليم زوجته (13) وسائر من رواه يقولون إنه حلق شقه الأيمن وأعطاه أبا طلحة وربما قال بعضهم إن الذي حلق من شعر رأسه الأيسر هو الذي أعطاه أبا طلحة (13) فلا خلاف بين العلماء أن سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق رأسه فمن قدم شيئا من ذلك عن موضعه أو أخره فللعلماء في ذلك ما نذكره بعون الله وحوله إن شاء الله ووقت رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى بعد

267
طلوع الشمس إلى الغروب وأجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك (14) اليوم وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم من الجمرات يوم النحر غير جمرة العقبة وأجمعوا على أن من رماها من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار وأجمعوا أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحسنا له واختلفوا فيمن أخر رميها حتى غربت الشمس من يوم النحر فذكر ابن القاسم أن ملكا رحمه الله كان يقول مرة عليه دم ومرة لا يرى عليه شيئا قال وقد تأخرت صفية امرأة ابن عمر على ابنة أخيها حتى أتت منى بعد ما غابت الشمس فرمت يوم النحر ولم يبلغنا أن ابن عمر أمرها بشيء (15) ذكر ذلك أبو ثابت عن ابن القاسم وقال الثوري من أخرها عامدا إلى الليل فعليه دم وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي يرميها من الغد ولا شيء عليه إن كان تركها عامدا والناسي لا شيء عليه وقد قيل على العامد لذلك دم واختلفوا فيمن رمى جمرة العقبة في غير وقتها قبل أو بعد فأما اختلافهم فيمن رماها قبل طلوع الفجر يوم النحر فأكثر العلماء على أن ذلك لا يجزيء وعلى من

268
فعله الإعادة وهو قول ملك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق قال ملك في الموطأ أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمى الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر قال فإن رمى قبل الفجر فقد حل له النحر قال ملك ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لأحد برمي قبل الفجر فمن رماها فقد حل له الحلق وقال عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وجماعة المكيين في الذي يرمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر إن ذلك يجزيء ولا إعادة على من فعل ذلك وبه قال الشافعي وأصحابه إذا كان الرمي بعد نصف الليل قال الشافعي وكذلك أن نحر بعد نصف الليل وقبل الفجر أجزأه وروي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت ترمي الجمار بالليل واحتج الشافعي بحديث أم سلمة وقال أنبأ داود بن (16) داود بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه قال دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة يوم النحر وأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع حتى ترمي الجمرة وتوافى صلاة الصبح بمكة وكان يومها وأحب أن توافيه قال وأنبأ (17) الثقة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال الشافعي وهذا لا يكون إلا وقد رمت الجمرة قبل الفجر بساعة

269
قال أبو عمر كان أحمد بن حنبل يدفع حديث أم سلمة هذا ويضعفه (18) وأما اختلافهم في رمي جمرة العقبة بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فإن أكثر الفقهاء يجيزون ذلك وممن أجازها ملك والشافعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم وقال أبو ثور إن اختلفوا في رميها قبل طلوع الشمس لم تجز من رماها وكان عليه الإعادة وإن أجمعوا سلمنا للإجماع وحجته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رماها بعد طلوع الشمس ومن رماها قبل طلوع الشمس كان مخالفا للسنة ولزمه إعادتها في وقتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها وقتا فمن تقدمه لم يجزه وزعم ابن المنذر أنه لا يعلم خلافا فيمن رماها قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر أنه يجزيه قال ولو
علمت في ذلك خلافا لأوجبت على فاعل ذلك الإعادة ولم يعرف قول أبي ثور الذي حكيناه وقد ذكره الطحاوي عن الثوري وذكره ابن خواز منداد أيضا فهذا حكم جمرة العقبة التي ترمي يوم النحر ولا يرمى من الجمار يوم النحر غيرها وهي ركن من أركان الحج لو وطئ المحرم قبل رميها لفسد حجه عند ملك وأصحابه فإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة فعليه عندهم أن يعتمر ويهدي وإنما أمروه بالعمرة ليكون طوافه للإفاضة في إحرام صحيح وهذا هو المشهور من مذهب ملك عند

270
أصحابه وذكر ابن أبي حازم أن ملكا رجع عن هذا القول إلى أن قال من وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة فعليه هدي بدنة لا غير ومن وطئ قبل جمرة العقبة وبعد الوقوف بعرفة اعتمر وأهدى وأجزأ عنه هذه رواية ابن أبي حازم عن ملك وهي رواية شاذة عند المالكيين لا يعرفونها والمعروف عندهم ما قدمنا ذكره وعلى رواية ابن أبي حازم عن ملك جماعة من العلماء منهم الشافعي وأبو حنيفة والثوري وقد روى ملك عن أبي الزبير عن عطاء عن ابن عباس في الذي يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل أن يفيض أنه ينحر بدنة ويجزيه وروى عن ثور بن زيد عن عكرمة أظنه عن (19) ابن عباس أنه يعتمر ويهدي ورواية ثور عن عكرمة في هذا ضعيفة (20) لأن أيوب روى عن عكرمة أنه قال ما أفتيت برأي قط إلا في ثلاث مسائل إحداهن في الذي يصيب أهله قبل أن يطوف للإفاضة يعتمر ويهدي وقال ملك وجمهور أصحابه في الذي يطأ أهله بعد يوم النحر قبل رمي جمرة العقبة أنه يرمي الجمرة ويطوف للإفاضة وعليه أن يعتمر ويهدي ليس عليه غير ذلك وإنما يفسد حجه عندهم إذا وطئها يوم النحر قبل أن يرمي الجمرة وأما إن وطئها بعد يوم النحر فإن عليه أن

271
يعتمر ويهدي وسواء وطئها قبل رمي جمرة العقبة أو بعد إذا كان قد وقف ليلا بعرفة وكان وطؤه بعد يوم النحر وقد ذكر ابن حبيب عن ملك وأصحابه فيمن وطيء قبل رمي جمرة العقبة أنه يفسد حجه وان كان بعد يوم النحر وهذا غير معروف في مذهب ملك وأصحابه والمعروف ما ذكرت لك فهذه أحكام جمرة يوم النحر فيمن وطئ قبلها أو بعدها وليس لشيء من الجمار حكمها وأما الجمار التي ترمى في أيام منى بعد يوم النحر فأجمع علماء المسلمين أن وقت الرمي في غير يوم النحر بعد زوال الشمس وقال ملك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو يوسف لا يجزئ الرمي في غير يوم النحر إلا بعد الزوال وقال أبو حنيفة إن فعله أحد قبل الزوال أجزأه وعن عطاء وطاوس وعكرمة مثل قول أبي حنيفة إلا أن طاوسا قال إن شاء رمى من أول النهار ونفر وقال عكرمة إن رمى أول النهار لم ينفر حتى تزول الشمس وعن عمر وابن عباس وابن عمر وجماعة التابعين مثل قول ملك في ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ضحى فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس وكان يرميها على راحلته ويقول لنا خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد حجتي هذه (21) وقال ملك في الموطأ السنة الثابتة التي لا اختلاف فيها عندنا

272
أن أحدا لا يحلق رأسه ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هديا إن كان معه وذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * وقال ملك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن من قرن بين الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئا حتى ينحر هديا إن كان معه ولا يحل من شيء كان حرم عليه حتى يحل يوم النحر بمنى وسئل ملك عن الرجل ينسى الحلاق في الحج بمنى أواسع له أن يحلق بمكة قال ذلك واسع والحلاق بمنى أحب إلي قال أبو ثابت قلت لابن القاسم ما قول ملك فيمن حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فقال قال ملك عليه الفدية قيل له فما قول ملك فيمن حلق قبل أن يذبح قال لا شيء عليه وهو يجزئه قيل له فما قول ملك إن ذبح قبل أن يرمي قال يجزئه ولا شيء عليه قال أبو عمر لم يختلف قول ملك وأصحابه فيمن حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة أن عليه الفدية ويمر بعد ذلك الموسى على رأسه وذكر ابن عبد الحكم فيمن طاف طواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر أنه يرمي ثم يحلق رأسه ثم يعيد الطواف للإفاضة قال ومن طاف للإفاضة قبل الحلاق إلا أنه قد رمى جمرة العقبة فإنه يحلق رأسه ثم يعيد طواف الإفاضة فإن لم يعد الطواف فلا شيء عليه لأنه قد طاف وقال إسماعيل القاضي من حلق قبل أن يذبح لم يكن عليه شيء لأن الظاهر يدل على أنه من رمى جمرة العقبة ثم حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه وقد كان ينبغي له أن يذبح ثم يحلق بعد الذبح فلما بدأ بالحلاق كان قد أخطأ ولم يكن عليه شيء لأن الرمي يحل به

273
الحلق ألا ترى أن رجلا لو لم يكن معه هدي ثم رمى جمرة العقبة حل له الحلق ولبس الثياب وما أشبه ذلك فلهذا المعنى لم يكن على من بدأ بالحلق قبل الذبح شيء قال إسماعيل وإذا نحر قبل أن يرمي لم يكن أيضا عليه شيء لأن الهدي قد بلغ محله ألا ترى أن معتمرا لو ساق معه هديا فنحره حين بلغ مكة قبل أن يطوف ويسعى لكان قد أخطأ ولم يكن عليه إبدال الهدي وإنما كان ينبغي له أن لا ينحر الهدي حتى يفرغ من طوافه وسعيه فينحر الهدي ثم يحلق فلما أخطأ لم يكن عليه الإبدال لأن الهدي قد بلغ محله ولم يكن في شيء من ذلك انتقاص لعمرته لأن الرجل قد يعتمر ولا يسوق هديا فتكون عمرته تامة ولو نحر هديه قبل أن يبلغ محله في الحج لم يكن عليه غير إبدال الهدي خاصة ولا يكون عليه في ذلك انتقاص لشيء من أمر الحج قال إسماعيل وهاتان الخلتان هما المبتغتان في حديث الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال إسماعيل والذي رواه هشام بن حسان عن عطاء عن ابن عباس (22) مثله في المعنى والذي رواه وهيب عن ابن طاوس (23) مجمل غير أنه لا يبين فيه خلاف حديث الزهري والذي رواه خالد عن عكرمة عن ابن عباس ذكر فيه أنه رمى بعدما (24) أمسى وهذا أيضا ليس فيه انتقاص للحج وإنما كان ينبغي له أن يرمي جمرة العقبة في ذلك اليوم قبل الزوال فلما أخطأ وأخرها إلى بعد الزوال لم

274
يكن عليه شيء لأن مالكا قال إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر في بقية النهار لم يكن عليه شيء وإن أخرها إلى الليل فإن أبا ثابت حكى عن ابن القاسم قال كان ملك مرة يقول عليه دم ومرة لا يراه عليه قال (25) وقد تأخرت صفية امرأة ابن عمر عن ابنة أخيها حتى أتت منى بعد ما غابت الشمس يوم النحر فرمت ولم يبلغنا أن ابن عمر أمرها بشيء قال أبو عمر قد روى سحنون عن ابن القاسم أن ملكا لم يأخذ برخصة ابن عمر لصفية في ذلك ورأى أن من أخر رمي جمرة العقبة حتى الليل ورماها بالليل عليه لذلك دم والذي رواه أبو ثابت عن ابن القاسم أتم وأكثر العلماء على أنه ليس في ذلك دم وقد ذكرنا هذه المسئلة وما للعلماء فيها من الأقوال فيما تقدم من هذا الباب
والحمد لله قال إسماعيل وحديث عكرمة يدل على أن الرجل رمى بالعشي لأنه حكى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل يومئذ فعلم أن المسألة كانت في اليوم قال والظاهر أيضا في قوله بعدما أمسيت يدل على العشي لأنه الغالب في كلام الناس فهذا هو النص القوي في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما ما يزاد في الأحاديث الضعيفة فهو شيء لا يدرى كيف صحته والله أعلم به قال أبو عمر اللفظ الذي أنكره إسماعيل في هذا الحديث على من ذكره وزاده وأتى به هو قوله حلقت قبل أن أرمي وهو محفوظ في الأحاديث ثم

275
ذكر إسماعيل حديث ابن شهاب (26) فقال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا يزيد بن زريع (27) قال حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل يومئذ فيقول لا حرج فسأله رجل فقال حلقت قبل أن أذبح فقال لا حرج فقال رميت بعد ما أمسيت قال لا حرج قال إسماعيل وثنا نصر بن علي عن يزيد بن زريع مثله قال وحدثنا إبراهيم بن الحجاج قال حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يوم النحر وهو بمنى في الرمي والحلق والتقديم والتأخير فقال لا حرج قال إسماعيل وثنا نصر بن علي قال حدثنا هشام عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل يوم النحر عن رجل حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي وأشباه هذا فأكثروا في التقديم والتأخير فما سأله أحد يومئذ عن شيء من هذا النحو إلا قال لا حرج وقال أبو ثابت عن ابن القاسم قال ملك إن ذبح المحرم ذبيحته قبل الفجر أعاد ذبيحته قال أبو عمر قوله هذا معناه عندي على أصله أن الذبح بالليل لا يجزئ في الهدي والضحايا ولا وجه له عندي غير ذلك على مذهبه ألا ترى إلى ما قدماه من قوله أن من رمى قبل الفجر وإن كان لا يجزئه رميه أن النحر قد حل له وقوله أن من قدم نحره قبل رميه لا شيء عليه قال إسماعيل ولا يضره ذلك ولا ينتقص من حجه شيء لأن هديه قد بلغ

276
محله فإذا لم يفسد عليه ما قدمه من نحره قبل رميه شيئا من حجه ولا أوجب عليه شيئا فلا وجه لإعادة ما نحره من هديه إلا من أجل أنه ذبحه بالليل وذلك لا يجزئه عنده لقول الله عز وجل * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * فذكر (28) الأيام دون الليالي وعند غيره الليالي تبع للأيام والله أعلم قال أبو عمر اختلف العلماء فيمن قدم نسكا قبل نسك أو أخره مما يصنعه الحاج يوم النحر خاصة مثل تقديم النحر قبل الرمي أو الحلق قبل النحر أو قبل الرمي فأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يرمي فإن ملكا قال ما تقدم ذكره عنه وعليه أصحابه في إيجاب الفدية في ذلك قال ومن ذبح قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه وروى عن ابن عباس أنه قال من قدم من حجه شيئا أو أخره فعليه دم ولا يصح ذلك (29) عنه وعن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول ملك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي وهو قول الكوفيين وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ولا على من قدم شيئا أو أخره ساهيا مما يفعل يوم النحر وروى عن الحسن وطاوس أنه لا شيء على من حلق قبل أن يرمي مثل قول الشافعي ومن تابعه وعن عطاء بن أبي

277
رباح من قدم نسكا قبل نسك فلا حرج وروى ذلك عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة وذكر ابن المنذر عن الشافعي في هذه المسألة من حلق قبل أن يرمي أن عليه دما وزعم أن ذلك حفظه عن الشافعي وهو خطأ على الشافعي والمشهور من مذهبه في كتبه وعند أصحابه أنه لا شيء على من قدم أو أخر من أعمال الحج كلها شيئا إذا كان ساهيا وأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يذبح فجمهور العلماء على أن لا شيء عليه كذلك قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وهو قول ملك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير وقال إبراهيم النخعي من حلق قبل أن يذبح أهراق دما وقال جابر بن زيد عليه الفدية وقال أبو حنيفة عليه دم قال وإن كان قارنا فعليه دمان دم للقران ودم للحلق وقال زفر على القارن إذا حلق قبل أن ينحر ثلاثة دماء دم للقران ودمان للحلق قبل النحر ولا أعلم خلافا فيمن نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه وذلك والله أعلم لأن الهدي قد بلغ محله مع ما جاء في حديث ابن شهاب هذا من قوله صلى الله عليه وسلم لمن نحر قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح لا حرج وحجة من لم يوجب على من قدم شيئا من نسك يوم النحر أو أخره ساهيا الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي بعضها من قدم نسكا قبل نسك لا حرج وفي بعضها أن القائل قال حلقت قبل أن أرمي وحلقت قبل أن أذبح وذبحت قبل أن أرمي أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد (30) بن شعيب قال

278
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل حلق قبل أن يذبح قال اذبح ولا حرج وقال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء إلا قال افعل ولا حرج قال أبو عمر فقوله في هذا الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج من رواية ملك وغيره به احتج الشافعي ومن تابعه وبالله التوفيق حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة (31) عن أسامة بن زيد (32) عن أسامة بن شريك قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يسئلونه فمن قال سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئا أو قدمت شيئا فكان يقول لا حرج واختلفوا فيمن أفاض قبل أن يحلق بعد الرمي فكان ابن عمر يقول يرجع فيحلق أو يقصر ثم يرجع إلى البيت فيفيض وقال عطاء ومالك والشافعي وسائر الفقهاء تجزئه الإفاضة ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه وهذا كله في معنى الحديث أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال

279
أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب قال حدثنا هشيم قال أخبرنا منصور عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي فجعل يقول لا حرج لا حرج ورواه قيس بن سعد عن عطاء عن جابر مرفوعا مثله وزاد فيه وقال آخر طفت بالبيت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج وحديث قيس بن (33) سعد عن عطاء عن جابر رواه حماد بن سلمة عن قيس هكذا كما ذكرنا وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمرو بن منصور قال حدثنا المعلي بن أسد قال حدثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر بمنى
في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

280
/ 1