بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: شرح إحقاق الحق المؤلف: السيد المرعشي الجزء: 3 الوفاة: 1411 المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية تحقيق: تعليق : السيد شهاب الدين المرعشي النجفي / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي / كتابة : محمود الحسيني المرعشي وميرزا علي أكبر الإيراني الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم - ايران ردمك: ملاحظات: إحقاق الحق وإزهاق الباطل تأليف العلامة في العلوم العقلية والنقلية متكلم الشيعة نابغة الفضل والأدب القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد في بلاد الهند سنة 1019 الجزء الثالث مع تعليقات نفيسة هامة للعلامة الحجة آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي دام ظله الوارف باهتمام السيد محمود المرعشي
1 مصادر الكتاب والتعاليق (1) الاتحاف بحب الأشراف للعلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي (2) إسعاف الراغبين للعلامة الشيخ محمد الصبان المصري (3) أرجح المطالب للعلامة أبي عبد الله الرازي (4) المعجم الأوسط للعلامة الطبراني (5) أسد الغابة للعلامة الشيخ عز الدين ابن الأثير الجزري (6) أحكام القرآن للعلامة الجصاص الرازي (7) أسباب النزول للعلامة الواحدي النيسابوري (8) أحكام القرآن للعلامة الحافظ ابن العربي (9) الإصابة للعلامة ابن حجر العسقلاني (10) الأربعين للعلامة المولى حسن الكاشي المقري (11) الاحتجاج للعلامة شيخنا الطبرسي (12) الاستيعاب للعلامة الحافظ ابن عبد البر الأندلسي (13) انتقاد المغني للعلامة المعاصر حسام الدين القدسي (14) أخبار أصفهان للعلامة أبي نعيم الأصفهاني (15) الأربعين حديثا للعلامة المولى محمد بن پير محمد علي أفندي البركوي (16) الأنس الجليل للعلامة أبي اليمين القاضي مجير الدين الحنبلي (17) الاتقان للعلامة جلال الدين السيوطي (18) الارشاد لإمام الحرمين الجزري الشافعي القارئ المقري (19) أسنى المطالب للحافظ محمد الجزري الشافعي القارئ المقري
73 (20) الأصول للعلامة النسفي (21) الأغاني للعلامة أبي الفرج الأصفهاني (22) الاستبصار للعلامة فقيه الشيعة شيخنا الطوسي (23) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع للعلامة الدمياطي المصري (24) إرشاد الساري للعلامة أبي العباس شهاب الدين القسطلاني (25) اعتقاد السنة للعلامة الأشبهي (26) الأربعين للخطيب المكي (27) الايقاظ للعلامة الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (28) الإكليل للعلامة جلال الدين السيوطي (29) أنباء الغمر لابن حجر العسقلاني (30) إحياء الميت للعلامة السيوطي (31) أنساب الأشراف للبلاذري (32) الأنساب للعلامة السمعاني (33) البحر المحيط للعلامة أبو حيان الأندلسي (34) البداية والنهاية للحافظ أبي الفداء ابن كثير الدمشقي (35) بحر المناقب للعلامة المشتهر بدرويش برهان (36) بحار الأنوار للعلامة الحافظ مولانا المجلسي (37) البيان والتعريف للعلامة المحدث السيد إبراهيم النقيب الدمشقي (38) بغية الوعاة للعلامة السيوطي (39) البسيط للعلامة الواحدي النيسابوري (40) البرهان للعلامة السيد هاشم البحراني
74 (41) بلوغ الإرب للعلامة السيد محمود الآلوسي (42) التفسير للعلامة محب الدين الأعرابي (43) التفسير للعلامة الحقاني (نقل عنه بالواسطة) (44) التفسير للعلامة الهذيلي (نقل عنه بالواسطة) (45) تعليقة المعالم للعلامة الوحيد البهبهاني (46) التعليقة على شرح المختصر للعلامة الشريف الجرجاني (47) التعليقة على شرح المختصر للعلامة جلال الدين الدواني (48) التجريد للعلامة المحقق الطوسي (49) التفسير للعلامة البيضاوي (50) التفسير للعلامة الخازن البغدادي (51) التفسير للعلامة نظام الدين النيسابوري (52) التفسير للعلامة فخر الدين الرازي (53) التمهيد للعلامة القاضي أبي بكر الباقلاني (54) التفسير للعلامة أبي الفداء ابن كثير الدمشقي (55) التفسير للعلامة محمد بن جرير الطبري الشافعي (56) التذكرة للعلامة سبط ابن الجوزي (57) التفسير للعلامة الشيخ طنطاوي الجوهري المعاصر (58) التفسير للعلامة محمد بن سيرين (نقل عنه بالواسطة) (59) التفسير للعلامة الأندلسي القرطبي (60) تاريخ بغداد للعلامة الخطيب البغدادي (61) التبيان للعلامة مولانا شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (62) التهذيب للعلامة مولانا شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي
75 (63) تاريخ دمشق للعلامة الحافظ ابن عساكر الدمشقي (64) التعليقة لعمدة الطالب للعلامة الأستاذ دام ظله العالي (65) تاريخ الخلفاء للعلامة جلال الدين السيوطي (66) التفسير للعلامة القطان (نقل عنه بالواسطة) (67) التاج الجامع للأصول للعلامة المعاصر الشيخ منصور على ناصف (68) التاريخ للعلامة محمد بن جرير الطبري (69) تاريخ آل محمد (ع) للعلامة القاضي محمد بهلول بهجت أفندي (70) التفسير للعلامة ابن فورك الأصفهاني (71) تجريد أسماء الصحابة للعلامة الحافظ الذهبي (72) التاج المكلل للعلامة السيد صديق حسن خان ملك (بهوپال) (73) التفسير للعلامة المجاهد (نقل عنه بالواسطة) (74) التفسير للعلامة الضاحك (نقل عنه بالواسطة) (75) التفسير للعلامة الحسن (نقل عنه بالواسطة) (76) التفسير لعطاء (نقل عنه بالواسطة) (77) التفسير لقتادة (نقل عنه بالواسطة) (78) التفسير لمقاتل (نقل عنه بالواسطة) (79) التفسير لليث (نقل عنه بالواسطة) (80) التفسير لابن عباس (نقل عنه بالواسطة) (81) التفسير لابن مسعود (نقل عنه بالواسطة) (82) التفسير لابن جبير (نقل عنه بالواسطة) (83) التفسير لعمر وبن شعيب (نقل عنه بالواسطة)
76 (84) التفسير لابن مهران (نقل عنه بالواسطة) (85) التفسير للنقاش (نقل عنه بالواسطة) (86) التفسير للقشيري (نقل عنه بالواسطة) (87) تذكرة العرفاء للعلامة الخواجة محمد الهندي (88) التفسير للعلامة الشيخ عبد العزيز الدهلوي (89) التقريب للعلامة ابن حجر العسقلاني (90) تجبير التفسير نقل عنه بالواسطة (91) التعليق الصبيح في شرح المصابيح للعلامة الشيخ محمد إدريس الهندي الكاندهلوي (92) تاريخ جرجان للعلامة أبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي (93) ترجمان القرآن نقل عنه بالواسطة (94) التاريخ الكبير للمحدث البخاري الشهير (95) تجريد التمهيد للعلامة الشيخ يوسف بن عبد العزيز النمري الأندلسي (96) تلخيص المستدرك للعلامة الحافظ الذهبي (97) تاريخ دول الاسلام للحافظ شمس الدين الذهبي (98) تهذيب الأسماء واللغات للحافظ أبي زكريا النووي (99) التعليقة للعلامة شيخنا السعيد الشهيد الثاني (100) تبصير الرحمان للعلامة المهايمي الهندي (101) تفسير الجلالين للعلامة السيوطي (102) التفسير للعلامة أبي السعود أفندي (103) تفسير المنار للعلامة المعاصر السيد محمد رشيد رضا المصري (104) تلخيص العواصم للعلامة محمد بن المرتضى الحسني اليماني (105) تذكرة الموضوعات للعلامة الشيخ محمد طاهر الفتني
77 (106) التفسير للعلامة الثعلبي (107) التفسير لابن أبي حاتم (نقل عنه بالواسطة) (108) التفسير الواضح للفاضل المعاصر محمد محمود الحجازي (109) التفسير اللوامع للعلامة السيد أبي القاسم الرضوي اللاهوري (110) التفسير للعلامة النسفي الحنفي (111) تعويد اللسان للعلامة السيد آقا التستري الجزائري من مشايخ العلامة الأستاذ دام ظله في التجويد (112) تاريخ الاسلام للعلامة الذهبي (113) الجامع الصغير للعلامة السيوطي (114) جوامع الجامع لشيخنا العلامة الطبرسي (115) جواهر الكلام للعلامة الآمدي التميمي (116) جامع الأصول للعلامة ابن الأثير الجزري (117) جامع البيان للعلامة القرطبي (118) جمع الجوامع للعلامة السيوطي (119) جامع البيان للحافظ ابن عبد البر الأندلسي (120) الجمع بين الصحاح الست للعلامة أبي الحسن رزين العبدري (121) الجمع بين الصحيحين للعلامة الحميدي الأندلسي (122) حلية الأولياء للعلامة أبي نعيم الأصفهاني (123) حبيب السير للعلامة غياث الدين المعروف بخواند مير (124) حسن الأسوة للعلامة السيد صديق حسن خان ملك (بهوپال) (125) الحدائق الوردية للعلامة حميد بن أحمد المحلي اليماني
78 (126) حسن المحاضرة للعلامة السيوطي (127) الخصائص للعلامة النسائي (128) الخلاصة للعلامة الخزرجي (129) الخلاصة للعلامة صاحب القاموس (130) الخصائص الوردية للعلامة النطنزي (131) الخرائج للعلامة الخزاز الكوفي (132) الدر المنثور للعلامة السيوطي (133) دلائل النبوة للحافظ أبي نعيم الأصفهاني (134) دلائل النبوة للعلامة البيهقي (135) الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (136) ذخائر العقبى للعلامة محب الدين الطبري (137) ذيل تذكرة الحفاظ للعلامة السيوطي (138) روضة الواعظين للعلامة الفتال النيسابوري الشهيد (139) رسالة الاعتقاد لأبي بكر ابن مؤمن الشيرازي (140) الرياض النضرة للعلامة محب الدين الطبري (141) روح المعاني للعلامة أبي الثناء السيد محمد الآلوسي (142) رشفة الصادي للعلامة السيد أبي بكر بن شهاب العلوي (143) روضه الأحباب للعلامة السيد جمال الدين عطاء الله الشيرازي الهروي (144) ربيع الأبرار للعلامة جار الله الزمخشري (145) رسالة رأس الحسين لابن تيمية الحراني (146) روضة الشهداء للعلامة المولى حسين الكاشفي
79 (147) الرجال الوسيط للعلامة الميرزا محمد الأسترآبادي (148) الرجال للعلامة شيخنا أبي عمر والكشي (149) رياض الصالحين للعلامة محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي (150) الرشحات للعلامة المولى حسين الكاشفي (151) الريحانة للعلامة الميرزا محمد علي المدرس الخياباني التبريزي (152) الزواجر في اقتراف الكبائر للعلامة ابن حجر المكي (153) سنن المصطفى للمحدث ابن ماجة (154) السيرة المحمدية للشيخ محمد الكازروني الشافعي (155) سيرة الأولياء للسيد محمد مبارك شاه (156) السيرة المحمدية لأبي حيان المغربي الأندلسي (157) السيرة النبوية للعلامة السيد أحمد زيني دحلان الشافعي مفتي مكة (158) السنن للحافظ البيهقي الشافعي (159) السيرة المحمدية للعلامة الحلبي (160) سفينة البحار للعلامة المحدث المعاصر الحاج الشيخ عباس القمي قدس سره (161) سفر السعادة للعلامة الشيخ نجم الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (162) السيرة للملا (163) السيف المسلول للعلامة للعلامة عبد الكافي الحسني التونسي (164) السراج المنير للعلامة الخطيب الشربيني
80 (165) سر السلسلة للعلامة النسابة أبي نصر البخاري (166) شرح المختصر للعلامة ابن الحاجب (167) شرح المختصر للعلامة التفتازاني (168) شرح المختصر للعلامة ابن همام الحنفي (169) الشافي لمولانا العلامة الشريف علم الهدى المرتضى (170) شرح التجريد للعلامة المولى علي القوشچي (171) شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم عبد الله بن عبد الله الحسكاني (172) شرح القصائد للعلامة السيد محمد المدارك (173) الشذرات للعلامة ابن وهب الحنبلي (174) شرف النبي (نقل عنه بالواسطة) (175) شرف المصطفى للعلامة الخرگوشي (نقل عنه بالواسطة) (176) الشعب للعلامة الخرگوشي (نقل عنه بالواسطة) (177) شرف النبي للعلامة الشيخ حسن المقري الكاشي (178) شرح المواقف للعلامة السيد شريف الجرجاني (179) شرح الطوالع للعلامة الشيخ شمس الدين محمد الأصفهاني (180) الشفاء للعلامة القاضي عياض المغربي اليحصبي (181) شرح الفصوص للعلامة المولى عبد الرحمان الجامي (182) شرح الفصول للعلامة القيصري (183) شرح الأربعين للعلامة الشهير العارف المولى محمد بن پير علي الشهير بالبركوي (184) الصحيح للحافظ محمد بن إسماعيل البخاري
81 (185) الصحيح للحافظ مسلم بن الحجاج النيسابوري (186) الصراط المستقيم للعلامة البياضي (187) الصواعق المحرقة للشيخ ابن حجر المكي الهيتمي (188) صفوة الزلال المعين للعلامة أبي الحسن أحمد الرازي (نقل عنه بالواسطة) (189) الضوء اللامع للعلامة الشيخ شمس الدين السخاوي (190) طبقات الفقهاء للعلامة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي (191) العمدة للعلامة النسابة الحسني الداودي (192) العمدة لابن رشيق أبي علي الحسن القيرواني (193) العمدة للعلامة ابن بطريق الحلي (194) العبر للعلامة ابن خلدون المغربي (195) العقد الفريد للعلامة ابن عبد ربه الأندلسي (196) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين أبي محمد محمود ابن أحمد العيني (197) غاية المرام للعلامة مولانا السيد هاشم الموسوي البحراني (198) غاية النهاية للعلامة الشيخ شمس الدين محمد الجزري القاري المقري (199) الفضائل للعلامة الحافظ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي (200) العروس في الزهد لأبي بكر محمد بن الفضل النحوي (نقل عنه بالواسطة) (201) فتح البيان (نقل عنه بالواسطة) (202) فتح القدير للعلامة الشيخ بن علي الشوكاني اليماني
82 (203) فضائل العترة لأبي السعادات (204) الفصول المهمة للعلامة ابن الصباغ المالكي (205) فرائد السمطين للعلامة الحمويني (206) فردوس الأخبار للعلامة ابن شيرويه الديلمي (207) فتح الباري للعلامة ابن حجر العسقلاني (208) فلك النجاة للعلامة السيد (209) الفوائد للعلامة شيخنا الفضل بن شاذان (210) الفصول في الأصول للعلامة الشيخ محمد حسين (211) الفوائد في العلوم المختلفة للولي أحمد الهروي (212) الفتوحات المكية للشيخ محيي الدين العربي (213) في ما نزل في علي من القرآن لإبراهيم الأصفهاني (214) القول الفصل للعلامة السيد علوي بن طاهر بن عبد الله الهدار الحداد الحضرمي (215) القاموس للعلامة الفيروزآبادي الزبيدي (216) القوانين للعلامة المحقق القمي (217) القصائد العلويات السبع للعلامة عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي (218) كشف الغمة للعلامة علي بن عيسى الإربلي (219) كتاب الفتوح والمغازي للعلامة محمد بن واقد الواقدي (220) كتاب الشعبي (نقل عنه بالواسطة) (221) كتاب القشيري نقل عنه بالواسطة (222) كتاب الموصلي نقل عنه بالواسطة
83 (223) كتاب ابن بطة نقل عنه بالواسطة (224) كتاب ابن إسحاق نقل عنه بالواسطة (225) كتاب الأعمش نقل عنه بالواسطة (226) كتاب ابن سماك نقل عنه بالواسطة (227) الكامل للعلامة ابن الأثير الجزري (228) كفاية الخصام للعلامة محمد تقي بن علي الدزفولي الخمولي (229) كفاية الطالب للعلامة الگنجي الشافعي (230) الكواكب الدرية للعلامة الشيخ عبد الرؤوف المناوي (231) الكشاف للعلامة جار الله الزمخشري (232) الكنى والألقاب للعلامة المحدث المعاصر الحاج الشيخ عباس القمي (233) كشف الظنون للكاتب الچلبي (234) الكافي الشاف للعلامة أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (235) كنز العمال للعلامة الشيخ حسام الدين علي المتقي الهندي (236) كتاب المغازي للعلامة محمد بن إسحاق المطلبي (نقل عنه بالواسطة) (237) كامل الزيارة للعلامة شيخنا ابن قولويه القمي الرازي (238) كاشف الأسرار للعلامة النطنزي (239) لباب النقول للعلامة السيوطي (240) اللئالي المرفوعة للعلامة السيوطي (241) اللئالي الثمينة للعلامة المحدث الشيخ محمد بن سند (242) لسان الميزان للعلامة ابن حجر العسقلاني (243) المعجم الصغير للعلامة الطبراني
84 (244) مختلف الحديث للعلامة قتيبة (245) معارج النبوة للعلامة المولى معين الدين الكاشفي (246) مجمع الزوائد للعلامة الشيخ نور الدين الهيتمي (247) مقتل الحسين للعلامة الخطيب الخوارزمي (248) مشكل الآثار للعلامة الطحاوي (249) المسند لأبي داود الطيالسي (250) المعارف للعلامة ابن قتيبة (251) ما نزل في شأن علي (ع) للعلامة الحافظ أبي نعيم الأصفهاني (252) المواهب اللدنية للعلامة القسطلاني (253) المجمع والمباني نقل عنه بالواسطة (254) مدارج النبوة للعلامة الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي (255) الملحمة للعلامة ابن عقب نقل عنه بالواسطة (256) معالم التنزيل للعلامة البغوي الشافعي (257) مصابيح السنة للعلامة البغوي أيضا (258) مشكاة المصابيح للعلامة الشيخ ولي الدين الخطيب التبريزي (259) مبارق الأزهار للعلامة المولى عز الدين الشهير بابن الملك الحنفي (260) المناقب للعلامة ابن المغازلي (261) المواقف للعلامة القاضي عضد الدين الإيجي (262) المسند للعلامة ابن عساكر الدمشقي (263) مناقب مرتضوي للعلامة الكشفي الترمذي (264) مجمع الأمثال للعلامة الميداني
85 (265) المفردات للعلامة الراغب الأصفهاني (266) مجمع الفوائد نقل عنه بالواسطة (267) المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة نقل عنه بالواسطة (268) المناقب للعلامة المولى حسن الكاشي المقري (269) مودة القربى للعلامة العارف السيد علي الهمداني (270) المستدرك للحافظ الحاكم أبي عبد الله النيسابوري (271) منتخب كنز العمال للعلامة الشيخ علي المتقي الهندي (272) المسند لإمام الشافعية محمد بن إدريس القرشي (273) معرفة علوم الحديث للحافظ الحاكم أبي عبد الله النيسابوري (274) مناقب الصحابة للعلامة السمعاني نقلنا عنه بالواسطة (275) مختصر جامع بيان العلم وفضله للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر الأندلسي (276) المناقب للعلامة الحاكم النيسابوري (277) المعجم الكبير للعلامة الطبراني (278) المحلي للعلامة ابن حزم الأندلسي الظاهري (279) مقتل الحسين (ع) للعلامة الخطيب الخوارزمي (280) مطالب المسؤول للعلامة الجليل الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشامي (281) المناقب لإمام الشافعية محمد بن إدريس القرشي (282) المواهب للعلامة المولى حسين الكاشفي (283) الموضوعات للعلامة محمد طاهر الفتى الهندي (284) المختصر لصاحب القاموس
86 (285) مجمع البيان للعلامة المحقق الطبرسي (286) المناقب لابن مردويه (287) منتهى المقال للعلامة الحاج الشيخ عبد الله المامقاني النجفي أستاذ الأستاذ العلامة دام ظله (288) المسند لإمام الحنابلة أحمد بن حنبل (289) المستصفى للعلامة الغزالي (290) منهاج العابدين للعلامة الغزالي (291) مقاتل الطالبين للعلامة المؤرخ أبي الفرج الأصفهاني (292) المشجرات للعلامة الأستاذ دام ظله العالي (293) مزارات العلويين للعلامة الأستاذ دام ظله العالي (294) مشجرات العلويين لوالد الأستاذ المرحوم العلامة السيد شمس الدين محمود الحسيني المرعشي النجفي (295) المشجرات للعلامة النسابة السيد محمد رضا أستاذ الأستاذ العلامة في علم النسب (296) المشجرات لابن زهرة النسابة الصادقي الحلبي (297) المناقب للعلامة محمد بن شهرآشوب السروي الطبرسي (298) المستخرج من التفاسير الاثني عشر للحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي (299) المعارج للعلامة شيخنا المحقق صاحب الشرايع (300) المعالم للعلامة الشيخ حسن صاحب المعالم (301) المحلى للعلامة ابن حزم الأندلسي الظاهري (302) المناقب للعلامة الخطيب الخوارزمي
87 (303) المغني للعلامة القاضي عبد الجبار المعتزلي (304) المقاصد الحسنة للحافظ شمس الدين محمد السخاوي (305) مدارك التنزيل للعلامة النسفي (306) النقود والردود لعلامة الشيخ شمس الدين الهروي الأصل (307) نهاية الإرب للعلامة القلقشندي (308) نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين علي (ع) للعلامة أبي بكر الشيرازي (309) نور الأبصار للعلامة السيد محمد مؤمن الشبلنجي (310) الناسخ والمنسوخ للعلامة الشيخ هبة الله (311) نهج البلاغة للعلامة المحقق مولانا الشريف الرضي (312) نظم العقيان للعلامة السيوطي (313) نفحات الأنس للمولى عبد الرحمان الجامي (314) وسائل الشيعة للعلامة المحقق مولانا الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (315) الوسيط للعلامة الواحدي النيسابوري (316) وفيات الأعيان للعلامة القاضي شمس الدين ابن خلكان (317) هداية السائل للعلامة السيد صديق حسن خان ملك (بهوپال) (318) ينابيع المودة للعلامة السيد سليمان الرضوي القندوزي البلخي (319) اليواقيت والجواهر للشيخ العارف الشعراني
88 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وفقنا بولاء أوليائه والشكر على تواتر نعمائه والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وسند الأصفياء مقدام السفراء المقربين وقدوة المرسلين وعلى آله أئمة المسلمين هداية البرية أجمعين واللعن على من ناواهم وعاداهم من الأولين والآخرين. وبعد فقد من الله علينا بإتمام التعاليق على الجزء الثالث من كتاب (إحقاق الحق) للعلامة السعيد الشهيد نور الله مرقده وحشره مع جده سيد الشهداء في بحابح الجنة وما يلزم علينا ذكره في المقام والتنبيه عليها أمور: (1) قد بعث إلينا العالم الجليل إمام الجمعة وابن أئمتها حجة الاسلام السيد عز الدين الزنجاني نجل المرحوم والعلامة المحقق في فنون العلوم الاسلامية آية الباري الحاج السيد محمود الزنجاني الإمام (قده) نسخة من كتاب الاحقاق مخطوطة مصححة بخط العلامة المولى محمد ابن المولى أسد الله الأصفهاني وتاريخ كتابتها 1120، وقد صححها العلامة الميرزا علي ابن العلامة آقا رضي الدين القزويني الفاضل المشهور (2) وبعث نسخة أخرى العالم التقي الحجة الشيخ حسن التبريزي الاهرابي نزيل طهران مخطوطة بخط المولى علي بن الحاج شمس الدين علي الطبسي وقد فرغ من كتابتها سنة 1092 بمشهد الرضا عليه آلاف التحية والثناء في المدرسة الفاضلية وقد صححها وعلق عليها العلامة المولى محمد بن محمد فصيح المراغي النجفي وفرغ من التصحيح سنة 1209. (3) وأرسل إلينا نسخة من الكتاب أيضا الخطيب المصقع الأستاذ في شؤون التبليغ والتذكير الواعظ الشهير الفاضل النحرير الحاج الميرزا عباسقلي التبريزي الچرندابي
89 (4) قد ألح علينا بعض الأفاضل أن نورد في المقدمة أسماء بعض من تحامل علينا معاشر الشيعة في في هذه الأيام وحيث لم نجد بدا من اسعاف مأموله نذكر ما وقفنا عليه في خلال نشر هذا الجزء فنقول: من تلك الجنايات والسموم الضارية ما ذكره الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقدمته لكتاب قواعد آل محمد (ص) للسيد محمد بن الحسن الحسني اليماني المتوفى في أوائل القرن الثامن وقد نشره السيد عزت العطار الدمشقي (ومنهم) الأستاذ المعاصر محمد سعيد الأفغاني في كتابه (عايشة والسياسة) في فصل عقده لذكر وقعة الجمل وقد نشرته لجنة التأليف والترجمة والنشر الكائنة في شارع الكرداس عابدين بالقاهرة. (ومنهم) الفاضل المعاصر الشيخ محمد العربي ابن التباني السطيفي المدرس بمدرسة الفلاح والحرم المكي الشريف في كتاب (إتحاف ذوي النجابة في فضائل الصحابة) نشره التاجر الكتبي مصطفى الحلبي وأولاده بمصر، فيا ليت راجعته حتى ترى كيف صدرت منه لدغات ولسعات في حق شيعة آل الرسول المتمسكين بولاء أهل البيت زملاء القرآن ومن نزل في بيوتهم الوحي الإلهي وسلك منهج الرعاء والسلفة في بذائة اللسان والوقيعة عامله الله بما يستحقه (ومنهم) الأستاذ المعاصر المحامي البغدادي في كتابه (الدول التي حكمت في العراق وكتاب البكتاشية (ومنهم) العالم المعاصر الشيخ عبد الله الشامي الأصل نزيل الهند في كتابه تلخيص منهاج السنة لابن تيمية الحراني المبدع الشهير إلى غير ذلك ممن سنذكره في مقدمات الأجزاء التالية إن شاء الله (5) قد وقفنا في خلال التعليق على هذا الجزء وما يليه على خيانات صدرت من
90 أفاضلهم المتأخرين بالتحريف والدس قد نشروا كتب الحديث والتفسير والكلام وأسقطوا منها ما كانت في الفضائل والمطاعن بل وزادوا من أنفسهم أشياء بحيث زالت الطمأنينة والسكون عن المراجعة إليها ومن أراد الخبرة في ذلك فعليه بتطبيق الطبعات القديمة حتى يظهر له صحة ما قلناه وهي كثيرة ومن ذلك ما فعلوه من التحريف في كتاب (السياسة والإمامة) لابن قتيبة الدينوري وكتاب (الأموال) لأبي عبيد القاسم بن سلام وكتاب تفسير (مفاتيح الغيب) للإمام الرازي الطبعة الأخيرة بالتزام عبد الرحمان محمد المصري إلى غير ذلك من الموارد وسنشير إلى عدة منها في مقدمات الأجزاء التالية ويعجبني ما رايته في كتاب (اكتفاء القنوع بما هو مطبوع) للدكتور رادوارد فنديك حيث قال في ص 160: مكارم الأخلاق لرضي الدين أبي نصر بن أمين الدين أبي علي فضل الله الطبرسي طبع في بولاق عام 1300 وهي قواعد للسلوك في الحياة الدنيا مبنية على الحوادث التاريخية فلذا فيها فائدة ولذة تاريخية وكان الطبرسي هذا على مذهب الشيعة ولما لم يخلو الأصل الخطي من تنديدات على أهل السنة استحسن المصححون وقت الطبع في بولاق أن ينقحوه منها، الخ فبالله عليك أفيبقى محل للركون على منشورات هذا العصر بعد ما لعبت بها الأيادي الخائنة بمصر وسوريا والعراق ولبنان فالمرجو منهم أن يتركوا هذه الشنشنة السيئة المنتنة وأن يسلكوا سبيل الأمانة في النقل عن السلف كان لهم أو عليهم كنف وهي تراث الماضين ورثوها أمانة وهل يخون الودعي وإن خان كما عرفت فهل يستأمن بعد ذا لا والله رب الكون. (6) لا يذهب عليك أيها القاري الكريم إن ما نقلناه من كتبهم في التعاليق على الكتاب واستخرجناه من أحاديثهم كلها من صحاح الأخبار لديهم سندا وصراحها دلالة مذكورة في كتبهم التي يعتمدون عليها ويستندون إليها وأسانيدها إلى أرباب تلك
91 الكتب موصولة متصلة نرويها بإجازات من مشايخ القوم وهم عدة (منهم) العلامة الأستاذ السيد إبراهيم الراوي الشافعي البغدادي إمام جامع السيد سلطان علي ببغداد وصاحب حلقتي الارشاد والتدريس به وناسق التآليف الكثيرة كرسالة القواعد المرعية وغيرها. (ومنهم) العلامة الشيخ محمد بخيت بلباء الموحدة والخاء المعجمة المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقا صاحب كتاب (الدرر الحسان أو الكلمات الحسان في كيفية جمع القرآن) وغيره من الآثار. (ومنهم) العلامة الشيخ محمد إبراهيم الجبالي شيخ الجامع الأزهر الأسبق (ومنهم) العلامة الشيخ عبد السلام الكردستاني صاحب التآليف (ومنهم) العلامة السيد أحمد مقبول الأهدلي الحضرمي الزبيدي (ومنهم) العلامة الشيخ نور الدين المشتهر بالنوري الشافعي القاري المجود المقري (ومنهم) العلامة الشيخ محمد بهجت البيطار الدمشقي صاحب كتاب (نقد عين الميزان) وغيره (ومنهم) العلامة المحدث المفسر المتكلم المؤرخ النسابة الفقيه السيد علوي الحداد العلوي الصادقي الحضرمي نزيل جاوة صاحب كتاب القول الفصل وغيره (ومنهم) العلامة المجاهد المحدث النحرير خريت علمي الرجال والدراية إمام علماء القوم السيد محمد بن عقيل المتوفى سنة 1350 ويظن أنه مات مسموما، وهو صاحب الكتب النافعة كالعتب الجميل على أهل الجرح والتعديل الذي ترجمه بالفارسية الأخ العالم الفاضل الحجة الميرزا حسن الغفاري التبريزي أحد شركاء لجنة تصحيح الكتاب ومقابلته أدام الله توفيقه ومن آثار ابن عقيل هذا كتاب
92 النصائح الكافية لمن يتولى معاوية وكتاب تقوية الايمان وكتاب الفصل الحاكم وكتاب ثمرات المطالعة وغيرها مما جاد به قلمه وأفاد (ومنهم) ابنه الفقيد السعيد السيد علي بن محمد بن عقيل نزيل بلدة (الحديدة) من مراسي اليمن (ومنهم) العلامة الشيخ عز الدين يوسف الدجوي الضرير البصير نزيل عزبة النخل من ضواحي القاهرة صاحب كتاب (القول المنيف في الرد على من قال بالتحريف) وكان أحد أركان جمعية كبار العلماء بمصر (ومنهم) العلامة السيد ياسين أفندي الحنفي المفتي بالحلة الفيحاء ثم في كربلاء المقدسة (ومنهم) العلامة السيد علي أفندي الحنفي خطيب النجف (ومنهم) العلامة السيد محمود شكري أفندي البغدادي الحنبلي (ومنهم) العلامة المولوي الحافظ أحمد الهندي الدهلوي الأصل (ومنهم) العلامة الشيخ محمد أمين بقرى بضم الباء الموحدة وسكون القاف الحنفي من علماء تركستان الصين نزيل تركيا أحد أركان جامعة المؤتمر الاسلامي (ومنهم) العلامة الشيخ داود النقشبندي البغدادي الحنفي وغيرهم من أجلاء محدثيهم والمفسرين والمتكلمين على تنوع مذاهبهم من الشوافع والموالك والأحناف والحنابلة والظاهرية وسنذكر بعونه تعالى لو ساعدنا التوفيق الرباني في أول الجزء الرابع طرق هؤلاء المذكورين إلى مشايخ الحديث وكتبه التي نقلنا عنها الروايات في تعليقات الكتاب فجميع ما رويناه أحاديث معنعنة مسلسلة واجدة لشرائط القبول لديهم من إحراز الصدور وتسلم الظهور وجهة الصدور وعدم المعارض وعدم إعراض السلف عنه، ولا أظن أن يبقى للناظر فيها ريب في جلالة مولانا
93 أمير المؤمنين وخلافته وشرف أهل بيته وعترته الميامين ونبالتهم، وأيم الله رب الكائنات أني ما نقلتها إلا خليا من العصبية مريدا تنبيه علماء القوم وأفاضلهم حتى يدعوا ربقة التقليد على عمياء وظني الحسن أن ينتبهوا من الغفلة في هذا الزمان عصر العلم والبصارة وأرجو من سماحتهم أن يتأملوا في هذه المرويات حق التأمل وأن يهذبوا نفوسهم عن هواجس العناد ويطفئوا نار التعصب الموقدة في الأفئدة وفقهم الله وجميع المسلمين لسلوك سبيل النجاة والتمسك بأذيال آل النبي الأكرم الذين أوجب الله مودتهم وجعلهم قرناء القرآن وورثة العلم النبوي آمين آمين وقد فرغ العبد المستكين أبو المعالي شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي من تحرير هذه الكلمات عشية ليلة الأربعاء من أولى الجمادين سنة 1378 ببلدة قم المشرفة حرم الأئمة الأطهار وعش آل محمد صلى الله عليه وآله
94 لشاعر آل الرسول الشيخ عبد المحسن بن محمد الصوري الدمشقي المتوفى سنة 419 أنكرت معرفتي لما حكم * حاكم الحب عليها لي بدم فبدت من ناظريها نظرة * أدخلتها في دمي تحت التهم وصبت بعد اجتناب صبوة بدلت من قولها لا بنعم وفقدت الوجد فيها والأسى * فتألمت لفقدان الألم ما لعيني وفؤادي كلما * كتمت باح وإن باحت كتم طال بي خلفهم فأتهمت * لي هموم في الرزايا وختم يا بني الزهراء ماذا اكتسبت * فيكم الأيام من عتب وذم أي عهد يرتجى الحفظ له * بعد عهد الله فيكم والذمم لا تسليت وأنوار لكم * غشيتها من بني حرب ظلم ركبوا بحر ضلال سلموا * فيه والاسلام فيه ما سلم ثم صارت سنة جارية * كل من أمكنه الظلم ظلم وعجيب إن حقا بكم * قام في الناس وفيكم لم يقم والولاء فهو لمن كان على * قول عبد المحسن الصوري قسم وأبيكم والذي وصى به * لأبيكم جدكم في يوم خم لقد احتج على أمته * بالذي نالكم باقي الأمم
95 من منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - إيران
96 إحقاق الحق وإزهاق الباطل تأليف العلامة في العلوم العقلية والنقلية متكلم الشيعة نابغة الفضل والأدب القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد في بلاد الهند سنة 1019 الجزء الثالث مع تعليقات نفيسة هامة للعلامة الحجة آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي دام ظله الوارف باهتمام السيد محمود المرعشي
1 بسم الله الرحمن الرحيم قال المصنف رفع الله درجته الرابعة قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (1)، روي (2) الجمهور في الصحيحين وأحمد بن حنبل في مسنده والثعلبي في تفسيره
2 عن ابن عباس رحمه الله قال: لما نزلت: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله (ص) من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما، ووجوب المودة يستلزم وجوب الطاعة (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: اختلفوا في معنى الآية فقال بعضهم: الاستثناء (1) منقطع، والمعنى: لا أسئلكم
19 على تبليغ الرسالة أجرا لكن المودة في القربى حاصل بيني وبينكم، فلهذا أسعى واجتهد في هدايتكم وتبليغ الرسالة إليكم، وقال بعضهم: الاستثناء متصل، والمعنى لا أسئلكم عليه أجرا من الأجور إلا مودتكم في قرابتي، وظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات النبي (ص) ولو خصصناه بمن ذكر لا يدل على خلافة علي (ع) بل يدل على وجوب مودته، ونحن نقول: إن مودته واجبة على كل المسلمين، والمودة تكون مع الطاعة، ولا كل مطاع يجب أن يكون صاحب الزعامة الكبرى
20 والعجب من هذا الرجل أنه يستدل على المطلوب وكلامه في غاية البعد من الاستدلال وهو لا يفهم هذا (إنتهى). أقول الظاهر أن دعوى الاختلاف اختلاف من الناصب الذي ليس له خلاق لما تقرر عند المحققين من أهل العربية والأصول أن الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل، وأنه لا يحمل على المنقطع إلا لتعذر المتصل، بل ربما عدلوا عن ظاهر اللفظ الذي
21 هو المتبادر إلى الذهن مخالفين له لفرض الحمل على المتصل الذي هو الظاهر من الاستثناء كما صرح به الشارح العضدي (1) حيث قال: واعلم أن الحق أن المتصل أظهر، فلا يكون مشتركا (2) ولا للمشترك (3) بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع، ولذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلا عند تعذر المتصل، حتى عدلوا للحمل على المتصل عن الظاهر وخالفوه، ومن ثم قالوا في قوله: له عندي مأة درهم إلا ثوبا وله على إبل إلا شاة: معناه إلا قيمة ثوب أو قيمة شاة فيرتكبون الاضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متصلا، ولو كان في المنقطع ظاهرا لم يرتكبوا مخالفة ظاهر حذرا عنه (إنتهى) وأما ما ذكره من أن ظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات النبي (ص) فمسلم لكن الحديث الصحيح خصصها بعلي وفاطمة وابناهما عليهم آلاف التحية والثناء كما مر (4) بلا حاجة أحدنا إلى تكلف التخصيص بمجرد الاحتمال فقول الناصب: ولو خصصناه اه ليس على ما ينبغي فافهم.
22 وأما ما ذكره: من أنه لا يدل على خلافة علي (ع)، فجهالة صرفة، أو تجاهل محض، لظهور دلالة الآية على أن مودة علي (ع) واجبة بمقتضى الآية حيث جعل الله تعالى أجر الارسال إلى ما (1) يستحق به الثواب الدائم مودة ذوي القربى، وإنما يجب ذلك مع، عصمتهم، إذ مع وقوع الخطاء عنهم يجب ترك مودتهم لقوله تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله (2) الآية وغير علي (ع) ليس بمعصوم بالاتفاق، فتعين أن يكون هو الإمام، وقد روى (3) ابن حجر (4) في الباب الحادي عشر من صواعقه عن إمامه الشافعي شعرا في وجوب ذلك برغم أنف الناصب وهو قوله: (شعر) يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر إنكم * من لم يصل عليك لا صلاة له على أن إقامة الشيعة للدليل على إمامة علي (ع) على أهل السنة غير واجب بل تبرعي، لاتفاق أهل السنة معهم على إمامته بعد رسول الله (ص)، غاية الأمر أنهم ينفون الواسطة وأهل السنة يثبتونها، والدليل على المثبت دون النافي كما تقرر في موضعه، إلا أن يرتكبوا خرق الاجماع بإنكار إمامته مطلقا فحينئذ يجب على الشيعة إقامة الدليل والله الهادي سواء السبيل. قال المصنف رفع الله درجته الخامسة قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله (5)
23 قال الثعلبي (1): رواه ابن عباس أنها نزلت في علي (ع) لما هرب النبي (ص)
24 من المشركين إلى الغار خلفه لقضاء ديونه ورد ودايعه، فبات على فراشه وأحاط المشركون بالدار، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل (ع) وميكائيل إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كل منهما الحياة، فأوحى الله تعالى إليهما ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمد (ص) فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثر بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا وكان جبرئيل (ع) عند رأسه وميكائيل (ع) عند رجليه فقال جبرئيل: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله تعالى بك الملائكة (1) (إنتهى).
34 قال الناصب خفضه الله أقول: اختلف المفسرون فيمن من؟ قال كثير منهم: نزلت في صهيب الرومي (1)
38 وأنه كان رجلا غريبا بمكة، فلما هاجر رسول الله (ص) قصد الهجرة، فمنعه قريش من الهجرة، فقال: يا معشر قريش إنكم تعلمون أني كثير المال، وإني تركت لكم أموالي فدعوني أهاجر في سبيل الله ولكم مالي فلما هاجر وترك الأموال أنزل الله هذه الآية فلما دخل صهيب على رسول الله (ص) وقرء عليه الآية قال له نربح البيع وأكثر المفسرين على أنها نزلت في الزبير (1) بن عوام ومقداد بن الأسود (2)
39 لما بعثهما رسول الله (ص) لينزلوا خبيب بن عدي (1) من خشبة
40 التي صلب عليه، فكان صلب بمكة وحوله أربعون من المشركين، ففديا بنفسهما حتى أنزلاه فنزل الله الآية ولو كان نازلا في شأن أمير المؤمنين علي (ع) فهو يدل على فضله واجتهاده في طاعة النبي (ص)، وبذل الروح له وكل هذه مسلمة (1)، لا كلام لأحد فيه، ولكن ليس (2) هو بنص في إمامته كما لا يخفى (إنتهى).
41 أقول روى (1) فخر الدين الرازي (2) ونظام الدين النيشابوري (3) في تفسيريهما: أن الآية نزلت في شأن علي (ع) كما رواه المصنف، ورووا أيضا نزوله في شأن صهيب عن سعيد بن المسيب (4) هو شقي فاسق من أعداء أهل البيت عليهم السلام كما يستفاد من كتب الجمهور أيضا، ومن جملة آثار عداوته ما روى أنه لم يصل على جنازة علي بن الحسين عليه آلاف التحية والثناء، مع أخبار غلامه له بذلك، خطاب الشقي إياه على وجه منكر مذكور في موضعه، مع أنه لا ارتباط لهذه الرواية بمدلول الآية، لأن مدلولها بذل النفس والروح، ومدلول الرواية بذل المال، وأين هذا من ذاك؟ وهذا أيضا من جملة أمارات عداوة الشقي، حيث لم يرض بصرف الرواية المتضمنة لمنقبة علي (ع) إني حر قرشي بل صرفها عنه إلى عبد سود رومي، علم أنه أيضا من أعداء أهل البيت عليهم السلام، ولعل الناصب لما تفطن بعدم الارتباط وضعها من تلقاء نفسه في شأن الزبيد والمقداد على وجه يرتبط بالمراد والله الهادي للسداد.
42 وأما قوله: ولكن ليس هو بنص في إمامته، فمكابرة صريحة لأنه إذا قال له جبرئيل في هذه القضية: من مثلك يا بن أبي طالب؟ وقد دل هذا على انتفاء مثل له في العالم ولا أقل في أصحاب النبي (ص)، فقد صار نصا في تعيينه للإمامة دون من لا يماثله في شئ كما هو صريح الكلام، وتفضيل المفضول باطل كما مر بيانه، ولنعم ما أشار
43 بعض فضلاء شعرائنا إلى تفصيل فضيلة تمكن علي (ع) على فراش النبي (1) (ص) في تلك الليلة بقوله شعر نيست در بحث امامت قول فضول درشب هجرت كه خوابيد است درجاي رسول؟
44 قال المصنف رفع الله درجته السادسة آية المباهلة (1) أجمع المفسرون (2) على أن أبنائنا إشارة إلى الحسن والحسين عليهما السلام ونسائنا إشارة إلى فاطمة عليها السلام، وأنفسنا إشارة إلى علي (ع) فجعله الله تعالى نفس محمد (ص) والمراد المساواة: ومساوي الأكمل
46 والأولى بالتصرف، أولى وأكمل وأولى بالتصرف، وهذه الآية من أدل دليل على علو مرتبة مولينا أمير المؤمنين (ع) لأنه تعالى حكم بالمساواة لنفس رسول الله (ص) وأنه تعالى عينه في استعانة النبي (ص) في الدعاء وآي فضيلة أعظم من أن يأمر الله تعالى نبيه بأن يستعين به على الدعاء إليه والتوسل به ولمن حصلت هذه المرتبة؟ إنتهى. قال الناصب خفضه الله أقول: كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا أهل بيتهم وقراباتهم لتشمل البهلة ساير أصحابهم، فجمع رسول الله (ص) أولاده ونسائه، والمراد بالأنفس ههنا الرجال كأنه أمر بأن يجمع نسائه وأولاده ورجال أهل بيته، فكان النساء فاطمة والأولاد والحسن والحسين، والرجال رسول الله (ص)، وعلي، وأما دعوى المساواة التي ذكرها فهي باطلة قطعا، وبطلانها من ضرورات الدين، لأن غير النبي (ص) من
62 الأمة لا يساوي النبي أصلا، ومن ادعى هذا فهو خارج عن الدين، وكيف يمكن المساواة؟ والنبي (ص) نبي مرسل خاتم الأنبياء أفضل أولي العزم، وهذه الصفات كلها مفقودة في علي (ع) نعم لأمير المؤمنين علي (ع) في هذه الآية فضيلة عظيمة وهي مسلمة، ولكن لا تصير دالة على النص بإمامته (إنتهى). أقول يتوجه عليه وجوه من الكلام منها أنه إذا كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا أهل بيتهم وقرابتهم لتشمل البهلة سائر أصحابهم كما اعترف به الناصب دون من يعتقد مزيد عناية الله تعالى فيهم فلم يخالف النبي (ص) هذه العادة ولم يجعل البهلة شاملة لجميع قراباته وأصحابه من بني هاشم قاطبة؟ بل خص من النساء، ومن الرجال عليا (ع) ومن الأولاد سبطيه، حيث خالف العادة المألوفة وخص الأربعة بالبهلة، وعلم أن الباقي من قراباته لم يكونوا في مكان القرب من الله ومزيد عناية فيهم، وأيضا لو كانت العادة والشمول والتعميم كما ذكره الناصب الزنيم (1)، لاعتراض عليه النصارى الذين كانوا طرف المباهلة بمخالفته لما جرت عليه العادة، ولاحتجوا عليه بذلك وأما قوله: والرجال رسول الله وعلي عليهما السلام، فقد قصد فيه حمل لفظ الأنفس على حقيقة الجمع عند بعضهم، ولم يعلم أن النبي (ص) في مثل هذا الخطاب لا يدخل تحت الأمر كما تقرر في الأصول ومنهم أن ما ذكر من أن مساواة الولي للنبي (ص) خروج عن الدين خروج عن الحق واليقين، وذهول عن معونة معرفة أمير المؤمنين (2) وسيد الوصيين وأخي سيد المرسلين، وأما ما تمسك
63 به في الاستبعاد عن ذلك من أنه كيف يمكن المساواة والنبي (ص) نبي مرسل خاتم الأنبياء أفضل أولي العزم؟ ففيه أن هذا كناية عن غاية الاختصاص والقرب والمحبة، لأنه إذا كملت المحبة بين اثنين يقال: إنهما متحدان معنى وإن افترقا صورة، وغاية ما يلزم من ذلك، المساواة في الدرجة لا في النبوة، ومن البين أنه لو لم يكن لعلي (ص) مداناة ومقاربة على الحد المذكور لما أجرى الله تعالى عليه أنه نفس الرسول، ولما كان علي (ع) وولداه الصغيران عليهم السلام أولى من أخيه جعفر وعقيل مثلا لتساويهما في القرابة، فاندفع بهذا أيضا ما ذكره الناصب: من أن عادة أرباب المباهلة أن يجتمعوا أهل بيتهم وقراباتهم اه والحاصل أن النبي (ص) لما كان عارفا بجلال الله سبحانه خائفا منه غاية الخوف استعان في المباهلة التي هي الدعاء من الجانبين بهلاك الآخر وبالعبد عن رحمة الله تعالى بجماعة تيقن بهم فضيلة ومنزلة عند الله تعالى لدعائهم في المباهلة، فإن كثرة الأفاضل أدخل في الاستجابة كما علم من سنة النبي (ص) أيضا، فترك دعوة من يساويهم في الفضل عند الله تعالى من النبي (ص) إخلال بشدة الاهتمام في أمر الدين والنبي (ص) منزه عند ومما يدل على استعانته بهم في المباهلة قوله: ثم نبتهل، بصيغة الجمع وما ذكره (1) القاضي البيضاوي (2) في تفسيره وغيره في غيره من أن رسول الله (ص)
64 قد غدا محتضنا (1) بالحسين (الحسين خ ل)، آخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا. وكذا ما قال أسقف (2) النصارى وهو المسمى بأبي الحارثة حين تقدم رسول الله (ص) وجثى على ركبتيه والله جثا الأنبياء للمباهلة، يا معشر النصارى، إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا، إلى آخر ما رواه القاضي وغيره، ويؤيد دلالة الآية على أفضلية علي (ع) ما في كتاب الصواعق (3) المحرقة لابن حجر رواية عن الدار (4) قطني: إن عليا (ع) يوم الشورى احتج على أهلها
65 فقال لهم: أنشدكم الله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله (ص) في الرحم مني ومن جعله نفسه وابناه ابناه ونسائه نساءه غيري؟ قالوا: اللهم لا، الحديث، وأيضا نقول: ليس المراد من النفسية حقيقة الاتحاد، بل المراد المساواة فيما يمكن المساواة فيه من الفضائل والكمالات، لأنه أقرب المعاني المجازية إلى المعنى الحقيقي، فيحمل عليها عند تعذر الحقيقة على ما هو قاعدة الأصول، ولا شك أن الرسول (ص) أفضل الناس اتفاقا ومساوي الأفضل أفضل، ويمكن أن يقال أيضا: إن مراد المصنف بالمساواة المساواة في الصفات النفسية، وحينئذ نقول: أن أراد الناصب يكون نبينا (ص) نبيا مرسلا خاتم النبوة بعثه على الوجه المذكور فظاهر أن هذا ليس من صفات النفس كما صرح به الغزالي (1) في المنخول حيث قال: ليست الأحكام للأفعال صفات ذاتية، وإنما معناها ارتباط خطاب الشارع بها أمرا ونهيا حثا وزجرا، فالمحرم هو المقول فيه: لا تفعلوه، والواجب هو المقول فيه: لا تتركوه، وهو كالنبوة ليست ذاتية نفسية للنبي (ص)، ولكنها عبارة عن اختصاص شخص بخطاب التبليغ (إنتهى) وإن أراد به الصفة الكاملة النفسية التي تنبعث عنه البعث على الوجه المذكور ويقضي المساواة في الدرجة، فلا يمتنع أن تكون تلك الصفة وتلك الدرجة حاصلة لأمير المؤمنين (ع)، غاية الأمران خصوصية خاتمية نبينا (ص) منعت عن بعثه على الوجه المخصوص وعن إطلاق الاسم عليه شرعا، كما قيل بمثله في منع إطلاق اسم الجوهر بمعنى الموجود لا في موضوع على الله سبحانه، وليس هذا بأبعد ما يرويه أصحاب هذا الناصب الشقي
66 في شأن أبي بكر: من أن النبي (ص) قال: أنا وأبو بكر كفرسي (1) رهان، وفي شأن عمر أنه قال (ص): لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب رواه في المشكاة عن الترمذي. وأما ما ذكره الناصب: من أن هذه الآية ليست دالة على النص بإمامته، فمردود بأن المصنف لم يحصر مطالب هذا الباب في النص على خلافة علي (ع) بل المدعى كما صرح به سابقا في عنوان ما نحن فيه من البحث الرابع، إقامته الدليل على الإمامة أعم من أن يكون دالا على نفسها، أو شرائطها ولوازمها من العصمة والأفضيلة واستجماع الفضائل على وجه لا يلحقه غيره فيه، وقد علم ذلك صاحب المواقف (2) حيث قال: (3) ولهم أي الشيعة في بيان أفضلية علي (ع) مسلكان، الأول ما يدل على كونه أفضل إجمالا وهو وجوه الأول آية المباهلة، والثاني خبر الطير (4) اه المسلك الثاني ما يدل على كونه أفضل تفصيلا: وهو أن فضيلة المرء على غيره، إنما
67 يكون بما له من الكمالات وقد اجتمع في علي منها ما تفرق في الصحابة وهي أمور: الأول: العلم وهو أعلم الصحابة لأنه كان غاية الذكاء اه نعم كابر صاحب المواقف بعد ذلك وقال في الجواب عن المسلكين: بأنه يدل على الفضيلة، وأما الأفضلية فلا، كيف؟! ومرجعها إلى كثرة الثواب والكرامة عند الله، وذلك يعود إلى الاكتساب للطاعات والاخلاص فيها، وما يعود إلى نصرة الاسلام ومآثرهم في تقوية الدين، ومن المعلوم في كتب السير: أن أبا بكر لما أسلم اشتغل بالدعوة إلى الله فأسلم على يده عثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله والزبير وسعد بن وقاص وعثمان بن مظعون، فتقوى بهم الاسلام وكان دائما في منازعة الكفار وإعلاء دين الله في حياة النبي (ص) وبعد وفاته، واعلم أن مسألة الأفضلية لا طمع فيها في الجزم واليقين إذ لا دلالة للعقل بطريق الاستقلال على الأفضلية بمعنى أكثرية الثواب، بل مستندها النقل وليست هذه المسألة مسألة يتعلق بها عمل، فيكتفي فيها الظن الذي هو كاف في الأحكام العملية، بل هي مسألة علمية يطلب فيها اليقين، والنصوص المذكورة بعد معارضتها لا تفيد القطع على ما لا يخفى على مصنف، لأنها بأسرها إما آحاد أو ظنية الدلالة، مع كونها متعارضة أيضا، وليس الاختصاص بكثرة الثواب موجبا للزيادة قطعا، بل ظما، لأن الثواب تفضل من الله كما عرفته فيما سلف فله أن لا يثيب المطيع ويثيب غيره، وثبوت الإمامة وإن كان قطيعا لا يفيد القطع بالأفضلية بل غايته الظن؟! ولا قطع بأن إمامة المفضول لا يصح معه وجود الفاضل، لكنا وجدنا السلف قالوا بأن الأفضل أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وحسن ظننا بهم يقتضي بأنهم لو لم يعرفون ذلك لما أطبقوا عليه فوجب علينا اتباعهم في ذلك القول، وتفويض ما هو الحق إلى الله تعالى، وقال الآمدي (1):
68 وقد يراد بالتفضيل اختصاص أحمد الشخصين عن الآخر، أما بأصل فضيلة لا وجود لهما في الآخر، كالعالم والجاهل، وأما بزيادة فيها ككونه أعلم مثلا، وذلك أيضا غير مقطوع به فيما بين الصحابة، إذ ما من فضيلة تبين اختصاصه بواحد منهم إلا ويمكن بيان مشاركة غيره له فيها، وبتقدير عدم المشاركة فقد يمكن بيان اختصاص الآخر بفضيلة أخرى، ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل لاحتمال أن يكون فضيلة واحدة أرجح من فضائل كثيرة أما لزيادة شرفها في نفسها أو لزيادة كميتها، فلا جزم في الأفضلية بهذا المعنى أيضا (إنتهى). وقال شارح العقايد النفسية (1): وأما نحن فقد وجدنا دلائل الجانبين متعارضة، ولم نجد هذه المسألة مما يتعلق به شئ من الأعمال، أو يكون التوقف فيه مخلا بشئ من الواجبات، وكان السلف كانوا متوقفين في تفضيل عثمان حيث جعلوا من علامات السنة والجماعة تفضيل الشيخين ومحبة الختنين
69 والانصاف أنه، إن أريد بالأفضلية كثرة الثواب فللتوقف جهة، وإن أريد كثرة ما يعده ذوو العقول من فضائل فلا (إنتهى) وأقول: في الكل نظر، أما ما ذكره صاحب الموقف، فلأنه لا يخفى على من له أدنى عقل وتميز أن الكرامة والثواب الذي هو عوض عن العبادة على وجه التعظيم، ليس غير الفضائل والكمالات التي لا شك في أنها أكثر تحققا في علي (ع) وبعضها كان مخصوصا به، فلا معنى لأن يكون لغيره وعزة وكرامة وثواب أكثر أو مساو، وأما ما ذكره من أن أبا بكر لما أسلم اشتغل بالدعوة وأسلم على يده عثمان اه ففيه أن جميع من أسلم قبل الهجرة لم يزيدوا على أربعين رجلا أكثرهم قد أسلموا بدعوة رسول الله (ص) نفسه وعلى تقدير إسلام هؤلاء الخمسة بيد أبي بكر، كيف يقال: إنه اشتغل بالدعوة؟ فإن هذا إنما يقال إذا أجاب دعوة الشخص جماعات كثيرة من الناس لا خمسة أو ستة بل لو صرح أحد بذلك لااستهزئ به [لاستهزئ به ظ]، وعلى تقدير تسليم استقامة ذلك فقد أسلم على يد علي (ع) ألوف من العرب والعجم ومنها طوائف همدان (1) من أهل يمن بأسرها حتى روي
70 (1): أنه لما وصل خبر علي (ع) إلى رسول الله (ص) بإسلام همدان سر جدا (خر ساجدا خ ل) ووقع في السجود شكر الله تعالى قائلا: السلام على همدان، السلام على همدان مكررا. وأما ما ذكره من منازعة أبي بكر للكفار فهو مجرد عبارة لأن المنازعة إنما تطلع فيما أمكن لكل من الطرفين مقاومة، وكان أمر أبي بكر (2) قبل الهجرة أن يربط الكفار بحبل، ويضرب أو يصفع وينتف لحيته كما سيجئ نقلا عن أوليائه، وبعد الهجرة نجا من ذلك، لكن لم يبارز أحدا قط في شئ من غزوات النبي (ص)، بل مداره الفرار عن الزحف، فأين ما نسب إليه من منازعة الكفار وإعلاء الدين؟ وأما ما ذكره: من أنه لا مطمع في الجزم بالأفضلية بمعنى كثرة الثواب، فغير مسلم لما عرفت، وعلى تقدير التسليم غير مفيد في مقصوده إذ كيف يتصور من العاقل أن يذهب إلى عدم أولوية إمامة من يكون متصفا بهذه الصفات الكاملة بمجرد احتمال أن يكون غيره أفضل في الواقع، إذ من الظاهر أن العاقل يقول: إن الآن في نظرنا هذا الشخص أفضل وأحق وأولى بالإمامة، إلى أن يثبت في غيره، ضرورة أنه لا معنى لأن يقال: إن أخذ العلم مثلا ممن لا يكون علمه معلوما أولى وأحسن ممن يكون ذلك معلوما منه، وهذا ظاهر جدا عند العقل، وقد ورد في النقل من القرآن والحديث أيضا كقوله تعالى: أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (3)، يعني هل الذي يكون صاحب هداية
71 وعلم بالحق أحق وأولى بأن يهتدي به الخلق ويقتبس الحق من أنوار هدايته وعمله، أو الذي لا هداية له ولا علم إلى أن يتعلم العلم والهداية عن غيره فكيف تحكمون أنتم أيها العقلاء؟ يعني من المعلوم أن العقل نحكم بأن الأول أحق وأولى بمتابعة الخلق له اهتدائهم (به) واقتدائهم بله خلافه مكابرة وعناد لا يخفى على أولي النهى. وأما ما ذكره من أن هذه المسألة ليست مسألة يتعلق بها عمل اه ففيه أنه كيف ينكر تعلق العمل بها مع إمكان تأديتها إلى الوقوع في تفضيل المفضول وتقديمه وتأخيره من هو متقدم في نفس الأمر وهو إن لم يكن كفرا لا أقل من أن يكون فسقا، لقوله تعالى: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وضل سبيلا (1)، والعمى هو عدم تعلم الحق كما فسر وبالجملة كيف يحكم بأنه مما لا يتعلق به شئ من الأعمال مع أن أكثر المخالفات بين الشيعة وجمهور أهل السنة بحيث يلعن بعضهم بعضا وقع من هذا، فحينئذ وجب تحقيق هذه المسألة وتحصيل اليقين فيها، ليعلم من يجب اتباعه ومن لا يجب حتى لا يقع في سخط الله تعالى. وأما ما ذكره من أن النصوص متعارضة، فغير مسلم لما بينا سابقا: من أن النصوص الواردة في شأن علي (ع) مما اتفق عليه الفريقان، بخلاف ما روي في شأن غيره من الثلاثة، نعم ما روي في مطاعن الثلاثة معارض بما روي من مناقبهم فافهم (2). وأما ما ذكره: من أنه ليس الاختصاص بكثرة الثواب موجبا لزيادته قطعا بل ظنا، لأن الثواب تفضل من الله تعالى كما عرفته فيما سلف، فله أن لا يثيب المطيع ويثيب غيره، فمدفوع بما أصلناه وأثبتناه سابقا: من قاعدة الحسن والقبح العقليين. وأما ما ذكره من أن ثبوت الإمامة وإن كان قطعيا، لا يفيد القطع بالأفضلية اه فمدفوع بأنه على تقدير عدم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، كما يقتضيه
72 العقل السليم، تكون صحة الخلافة مبنية على الاتصاف بالأفضلية، فالظن فيها يستلزم الظن فيه قطعا، وأما قوله: ولأقطع بأن إمامة المفضول لا يصح مع وجود الفاضل، فهو مكابرة على ما يقطع به العقل السليم، بناء على الألف بتحسين ما فعله السلف: من مخالفة مقتضى العقل في مسألة الإمامة، فلا يلتفت إليه. وأما ما ذكره بقوله: لكنا وجدنا السلف قالوا إلى آخره، فمردود بأن ذلك السلف كانوا ممن لا يرحمهم الله، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (1)، بالتزام التقليد الذميم الذي رد الله عليه في كتابه الكريم معاتبا للكفار بقوله حكاية عنهم: إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (2)، وحسن الظن بهم لم ينشأ إلا من قلة الفطن وضيق العطن وأنه من قبيل، إن بعض الظن (3) مع أن مجرد حسن الظن بهم، لا يقتضي وجوب متابعتهم كما لا يخفى، وبالجملة: أنهم بنوا الأفضلية، على الترتيب الوجودي في الخلافة، ولا طائل في ذلك، لأنا نعلم أنهم لو جعلوا خمسين من الصحابة خلفاء قبل أمير المؤمنين عليه آلاف التحية والسلام لفضلوا جميع هؤلاء عليه، وكيف يوجب الترتيب الوجودي في الخلافة الصوري مرتبة وفضيلة، مع أن هؤلاء لكونهم صفر اليد عن الفضائل والعدد، كانت نسبتهم إلى علي (ع) نسبة الأصفار إلى العدد، فلا يورث تقدمهم الصوري عليه (ع)، إلا زيادة ما كان له من المرتبة والمقام كما قال الشاعر (ره): از رتبة صوري خلافت مقصود * جز عرض كمال أسد الله نبود گرگشت رقم سه صفر پيش از الفي پيد است كه در رتبة كمال كه فزود؟ (كدامين افزود) وكان القوم مع جهلهم بعلم المنطق وحكمهم بتحريمه شبهوا أمير المؤمنين (ع) بالشكل
73 الرابع، حيث أسقطه بعضهم (1) عن درجة الاعتبار، لمخالفته الأول، واعتبر جمهورهم الثاني بعد الأول لموافقته معه في أشرف المقدمتين عندهم، وهم غصب الخلافة عن أهل البيت عليهم السلام ولهذا سميا بالعمرين ثم اعتبروا الثالث (2) لموافقته معه في مقدمة أخرى وهي ترويج أحكام الأولين واقتفاء سيرتهما، واعتبروا عليا (ع) في المرتبة الرابعة لأن طبعه (ع) كان مخالفا للأول والثاني أصلا ورأسا، ولهذا لما قال له عبد الرحمن بن عوف يوم الشورى: (3) أمدد يدك أبايعك بسيرة الشيخين، امتنع (ع) عن ذلك، وقال: بل بمقتضى الكتاب والسنة، فعدل عنه (ع) إلى عثمان بالشرط المذكور فقبل منه ذلك. وأما ما ذكره الآمدي بقوله: إذ ما من فضيلة تبين اختصاصها بواحد منهم إلا ويمكن بيان مشاركة غيره له فيها، ففيه نظر ظاهر، إذ بعد ما فرض اختصاص فضيلة بواحد منهم، كيف يمكن بيان مشاركة له غيره فيها اللهم إلا أن يراد الاشتراك في أصل أنواع تلك الفضائل، لكن على نحو أن يدعى اشتراك الصبي القاري لصرف الزنجاني ونحوه مع معلمه المتبحر في العلوم العقلية والنقلية، أو يدعى اشتراك من قلع باب خيبر وقتل عمر وبن عبد ود وأمثاله، مع من قلع باب بيته، أو قتل نحو الضب والفأرة في العلم والشجاعة، وهذا في غاية الوهن والشناعة. وأما ما ذكره: من أنه لا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل لاحتمال أن يكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل كثيرة، فمدخول بما مر من أنا لا نحتاج في تعيين الإمام إلا إلى الفحص عن حال من استجمع فيه شرايط الإمامة والرياسة من الفضائل
74 والكمالات الظاهرة، وأنه لا التفات للعاقل إلى احتمال كون غيره ممن لم يظهر منه شئ من هذه الفضايل ربما كان أفضل عند الله وفي نفس الأمر، بل لو اعتبر مثل هذا الخيال الفاسد لتعذر الأمر على الناس في تعيين الرئيس والإمام، لاحتمال أن يكون كل حائك وحجام وسوقي ومجهول نشاء في شاهق جبل أو بر وبحر، أفضل من إشراف قوم مشهورين بالفضل والكرامة، فينسد باب تعيين المتصف بالإمامة وليقل أولياء الآمدي الذين يفرون كفراره من محال إلى محال، ويطيرون من غصن إلى غصن، أن اختيار من اختار أبا بكر للإمامة، هل وقع بشئ ممتاز عموا فيه من الفضائل الظاهرة التي نسبوها إليه في الأحاديث الموضوعة في شانه، أو لاطلاعهم على ما كان فيه من الفضائل الباطنية التي لم يظهر على أحد، أو وقع في ذلك بمجرد البخت ولاتفاق ومحض الشهوة والارتفاق من غير ملاحظة اتصافه بشئ من الفضائل الظاهرية والباطنية، بل كان عبد أبي بكر مساويا معه في نظرهم في استحقاق الخلافة فالثالث إزراء بجلالة قدر أبي بكر عندهم والثاني ملحق بالمحال، فتعين الأول وهو اعتبار العاقل في ذلك كثرة الفضائل ولم تتحقق الكثرة إلا في علي (ع) كما علم وسيعلم بعون الله الملك العلام. وأما ما ذكره شارح العقايد فأكثر مقدماته مشترك مع ما نقلناه عن صاحب المواقف وأبطلناه إلا ما ذكره من المحاكمة المدلول عليها بقوله: والانصاف إنه إن أريد: وهذا مردود بأن الثواب الذي كانوا بسبب تحصيلهم له أفضل إن كان في مقابلة الطاعة كما نطق به الكتاب والسنة وبيناه سابقا فلا شك إن من طاعته أكثر فثوابه أكثر فحينئذ من تأمل في أحوال الصحابة علم بديهة إن طاعة علي (ع) كان أكثر بمراتب لأنه عبد الله تعالى مدة عمره ولم يقع منه عصيان قط، وإن غيره إنما عبد الله تعالى بعد مضي أكثر عمره وزمانه في كفره وعصيانه كما قال أبو سعيد النيلي ره (1)
75 شعر عبد الإله وغيره من جهله * ما زال معتكفا على أصنامه (الأصنام خ ل) وإن لم يكن مقابلا للطاعة، فليس بثواب ولا يدل على التعظيم والتفضيل، لأن كونه في مقابلة الطاعة هو الفارق بين الثواب والتفضيل، فحينئذ أيضا لا يكون لتوقفه جهة فتوجه، فإنه غاية الشوط في هذا المضمار، والله أعلم بحقايق الأسرار. قال المصنف رفع الله درجته السابعة قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات، (1) روى (2) الجمهور عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله (ص) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. قال سئل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب عليه (إنتهى).
76 قال الناصب خفضه الله أقول: اختلف المفسرون في هذه الكلمات، فقال بعضهم، هو التسبيح والتهليل والتحميد، وقال بعضهم: وهي مناسك الحج فيها غفر ذنوب آدم، وقال بعضهم: هي الخصال العشر التي سميت خصال الفطرة، وقد أمر آدم بالعمل بها ليتوب الله عليه، ولو صح ما رواه الجمهور، ولا نعرف هذا الجمهور لدل على فضيلة كاملة لعلي (ع) ونحن نقل بها، ونعلم أن التوسل بأصحاب العباء من أعظم الوسايل وأقرب الذرايع إلى الله تعالى، ولكن لا يدل على نص الإمامة، فخرج الرجل من مدعاه ويقيم الدلائل على فضائل علي (ع) من نص القرآن، كل هذه الفضائل مسلمة (إنتهى). أقول. يتوجه عليه أن موافقة بعض المفسرين من جمهور أهل السنة مع الشيعة في أمثال ذلك يكفي في قيام الحجة للشيعة على الكل كما مر بيانه وللإشارة إلى هذه النكتة مع روم الاختصار اعتمادا على الاشتهار، ترى المصنف قدس سره ربما يقتصر بقوله روى الجمهور، ويطوي ذكر اسم الراوي. ثم القول: بأن المراد من الكلمات مناسك الحج وكذا القول: بأنها هي الخصال العشرة، مع خفاء صدق الكلمات عليها غير مذكورة
77 في التفاسير المشهورة، ولعل الناصب قد حرف الكلم عن مواضعها (1) كما هو دأبه أو ضل عنه ثقبة الدعاء، (الوعاء خ ل) فإن المفسرين ومنهم صاحب الكشاف (2) إنما ذكروا هذين القولين في تفسير قوله تعالى: وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات (3) الآية ومنشأ اشتباه الناصب ذكر الكلمات في الآيتين وعدم مبالاته بأمر الدين وتحصيل اليقين وأما ما ذكره الناصب الخارجي من خروج المصنف عن مدعاه، فقد بينا سابقا في بيان أعمية المدعى ما يشهد عليه بخروجه عن طريق الصدق، أو نسيانه عنوان المبحث عن غاية الحيرة والبهت، بل الاكثار من مجرد ذكره تعالى لعلي (ع) في القرآن
79 التمثيل بحاله دون غيره ممن زعمه الناصب قرينا له (ع)، يدل على أنه حبيب الله منظور له بنظرة رحيمة (1) ضرب لنا مثلا ونسي خلقه، (2) بل نقول: ذكر فضيلة واحدة له (ع) في تلك الفضيلة على غيره فيكون هو بتلك الفضيلة فاضلا وغيره مفضولا، تأمل وتدبر. قال المصنف رفع الله درجته الثامنة قوله تعالى: إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي (3)، روى الجمهور (4) عن ابن مسعود قال رسول الله (ص): انتهت الدعوة إلي وإلى علي لم يسجد أحدنا قط الصنم، فاتخذني نبيا واتخذ عليا (وليا خ ل) وصيا (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذه الرواية ليست في كتب أهل السنة والجماعة، ولا أحد من المفسرين
80 ذكر هذا، وإن صحت دل على أن عليا وصي رسول الله (ص)، والمراد بالوصاية ميراث العلم الحكمة وليست هي نصا في الإمامة كما ادعاه (إنتهى) أقول هذه الرواية مما رواه ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب بإسناده إلى عبد الله ابن مسعود، فالانكار والاصرار فيه عناد، وإلحاد، والمراد بالدعوة المذكورة فيها دعوة إبراهيم وطلب الإمامة لذريته من الله تعالى، فدلت الرواية على أن المراد بالوصاية الإمامة وإن سبق الكفر وسجود الصنم (1) ينافي الإمامة في ثاني الحال أيضا كما أوضحناه سابقا فينتفي إمامة الثلاثة، ويصير نصا في إرادة الإمامة دون ميراث العلم والحكمة. إن قيل: لا يلزم من هذه الرواية عدم إمامة الثلاثة إذ كما أن انتهاء الدعوة إلى النبي (ص) لا يدل على عدم نبي قبله فكذلك انتهاء الدعوة إلى علي (ع) لا يدل على عدم إمام قبله، بل اللازم من الرواية أن الإمام المنتهى إليه الدعوى، يجب أن لا يسجد صنما قط، ولا يلزم منها أن يكون قبل الانتهاء أيضا كذلك قلت: قوله: (ص) انتهت بصيغة الماضي، يدل على وقوع الانتهاء عند تكلم النبي (ص)
81 وسبق إمامة غير علي (ع) ينافي ذلك، نعم لو قال النبي (ص): سينتهي الدعوة الخ لكان لذلك الاحتمال مجال، وليس فليس، فظهر الفرق بين انتهاء الدعوة إلى النبي (ص) وبين انتهائها إلى علي (ع) لا يقال: لو صحت هذه الرواية، لزم أن لا يكون باقي الأئمة إماما، لأنا نقول: الملازمة ممنوعة فإن الانتهاء بمعنى الوصول، لا الانقطاع وفي هذا الجواب مندوحة عما قيل: إن عدم صحة هذه الرواية لا يضرنا إذ غرضنا الزامهم بأن أبا بكر وعمر وعثمان ليسوا أئمة فتأمل هذا. ويقرب من هذه الرواية ما رواه (1) النسفي الحنفي (2) في تفسير المدارك عند تفسير آية النجوى عن أمير المؤمنين أنه قال: سألت رسول الله (ص) عشر مسائل إلى أن قال: قلت: وما الحق؟ قال: الاسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك (إنتهى) وأقول: مفهوم الشرط حجة عند المحققين من أئمة الأصول، فيدل على أن الإمامة والولاية قبل الانتهاء إليه باطل، فيلزم بطلان خلافة من تقدم فيها عليه كما لا يخفى. قال المصنف رفع الله درجته التاسعة قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا (3) روى الجمهور (4) عن ابن عباس، قال: نزلت في أمير المؤمنين علي (ع) قال: الود المحبة في قلوب المؤمنين (إنتهى)
82 قال الناصب خفضه الله أقول: ليست هذه الرواية في تفسير أهل السنة وإن صحت دلت على وجوب محبته وهو واجب بالاتفاق، ولم يثبت به النص على الإمامة وهو المدعى (إنتهى). أقول الرواية مذكورة في تفسير الرازي (1) وتفسير النيشابوري (2) وكتاب الصواعق (3) المحرقة لابن حجر المتأخر وفيه ما يزيد رغم أنف الناصب الشقي المنكر لفضائل علي (ع)، فإنه قال: وصح أن العباس شكى إلى رسول الله (ص) ما يلقون من قريش من تعبيسهم وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم، فغضب (ص) غضبا شديدا حتى احمر وجهه، ودر عرق بين عينيه، وقال: والذي نفسي بيده: لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ورسوله وفي رواية صحيحة أيضا: ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم والله لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني (إنتهى) وأما قوله: ولم يثبت به النص على الإمامة، فمدفوع بأن من يوقع الله تعالى محبته في قلوب المؤمنين ويذكرها في مقام الامتنان لا بد وأن يكون معصوما وإذا ثبتت العصمة ثم الدست (4).
87 قال المصنف رفع الله درجته العاشرة قوله تعالى: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (1)، نقل الجمهور (2) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون (إنتهى).
88 قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا في تفاسير السنة، ولو صح دل على أن عليا (ع) هاد وهو مسلم، وكذا أصحاب رسول الله (ص) هداة لقوله (ص): أصحابي كالنجوم (1) بأيهم اقتديتم اهتديتم ولا دلالة فيه على النص (إنتهى). أقول هذا مذكور في تفسير إمام أهل السنة فخر الدين الرازي (2) مع تفصيل حيث قال: وذكروا هيهنا أقوالا إلى أن قال: والثالث المنذر النبي والهادي علي، قال ابن عباس: وضع رسول الله (ص) يده على صدره فقال: أنا المنذر، وأومأ إلى منكب علي، وقال أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي (إنتهى). وقد صنف ابن عقدة (3) كتابا في هذه الآية، وروايات نزولها في شأن علي (ع)
93 ورواها (1) الثعلبي في تفسيره مسندة عن ابن عباس أيضا بعين ما ذكره الرازي (2) في تفسيره، ورواها الثعلبي أيضا مسندة إلى علي (ع) قال: قال المنذر النبي (ص) والهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه (إنتهى) فإنكار الناصب كما ترى، وأما قوله: ولو صح دل على أن عليا هاد، وهو مسلم ففيه أن دلالته ليست مقصورة على أصل الهداية ومجرده، بل على كمال الهداية بل على حصر الهادي من أمة محمد (ص) فيه، وبالجملة هذه الخصوصيات الزائدة مع خصوصية وقوعه، مقابلا للنبي (ص) في إتيان أحدهما بالانذار وآخر بالهداية، دليل على تقديمه على كل من نازعه الخلافة، وأنه أحق بها منه، لأن انحصار مطلق الهداية فيه، يقتضي كونه هاديا في ساير أوقاته، وقد ثبت ذلك الأمر له بقول الله تعالى مجملا، وبقول الرسول (ص) مبينا، كما عرفت وأما ما رواه من حديث أصحابه كالنجوم ففيه من آثار الوضع والبطلان ما لا يخفى لأن ذلك القول لا يخلو إما أن قاله النبي (ص) لأصحابه وغيرهم، أو قاله لأصحابه دون غيرهم، أو قاله لغير أصحابه فإن قالوا: إنه قاله للصحابة وغيرهم، أو قاله للصحابة دون غيرهم، قلنا فهل يستقيم في الكلام الفصيح المحكم أن يقول لأصحابه: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟ وإن قالوا إنه قاله لغير الصحابة، قلنا لهم، هل يعلم خبر بهذا معروف مجمع عليه أم هو شئ تتخرصونه باستحسان عقولكم وآرائكم لأن الصحابة هم الذين رووها، بل إنما رواه عمر فلو كان قاله لغيرهم لكان قد ذكروا ذلك الخبر، وكانوا يقولون، أو يقول: إن الرسول قال لجميع من أسلم غير الصحابة كالنجوم الخ ولما لم يكن في نقلكم شئ من هذا التخصيص، بطل ادعائكم في ذلك، ومما
94 يكشف عن ذلك (1) ما ذكره شارح كتاب الشفا (2) للقاضي عياض المالكي (3) حيث قال: اعلم أن حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أخرجه الدارقطني (4) في الفضائل، وابن عبد البر (5) في العلم من طريقه من حديث جابر، وقال: هذا
95 إسناد لا تقوم به حجة لأن الحارث بن غصين مجهول (1) ورواه عبد بن حميد (2) في مسنده من رواية عبد الرحيم بن زيد (3) العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب (4) عن ابن عمر قال البزار (5)
96 منكر لا يصح، ورواه ابن (1) عدي في الكامل من رواية حمزة بن أبي حمزة
97 النصيبي، (1) عن نافع، (2) عن ابن عمر (3) بلفظ بأيهم أخذتم، بقوله: بدل اقتديتم وإسناد ضعيف، لأجل حمزة، لأنه متهم بالكذب (4)، ورواه البيهقي (5) في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس، ومن وجه آخر
98 مرسلا وقال متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لم يثبت منها في هذا الباب إسناد، وقال ابن حزم (1): إنه مكذوب موضوع باطل، وقال الحافظ زين الدين العراقي (2) وكان ينبغي للمصنف (للقاضي خ ل)، أن لا يذكر هذا الحديث بصيغة
99 الجزم لما عرف من حاله عند علماء الفن وقد سبق له مثله مرارا (إنتهى كلام شارح الشفا) وهو كاف شاف في الرد على أهل الشقاء، ولو فرضنا صحته، فليس على إطلاقه لأن من أصحابه الناكثين والقاسطين والمارقين (1) ونحوهم، وقد عرفت ما جاء في حقهم وحق اتباعهم، وإلا لكان المقتدى بمن يمرق من الدين مثلا مهتديا، وأيضا فإن من الناس من اقتدى في قتل عثمان بالصحابة إما بجميعهم على خلاف أو ببعضهم وفاقا، فإن رضي الناصب بأنهم مهتدون في قتلهم عثمان فلا أرغم الله إلا أنفه، فتعين أن يكون المراد بالأصحاب المذكور فيه أفاضل الصحابة المتصفين بمزايا العلم والكمال، لأنهم الذين يهتدي بهم كالنجوم، وقد صرح بمثل هذا التخصيص ابن حجر في صواعقه في توجيه ما روي (2) من قوله: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي، ولولا إرادة الخاص لزم مفاسد شتى أشرنا إلى بعضها هيهنا، وذكرنا بعضها في أوايل الكتاب، ولنعم ما قيل في الفارسية:
101 (شعر) صحابه گرچه جمله كالنجوم اند * ولي بعض كواكب نحس وشومند فلينظهر هذا الناصب الضال، أن المتصف بهداية الأمة أهو من يطالع اللوح المحفوظ بشهادة ابن حجر العسقلاني (1) في شرح صحيح البخاري كما مر، ويقول: سلوني عما دون العرش (2) ونحو ذلك، مما يدل على غزارة علمه؟ أو من لا يعرف معنى الكلالة (3) والأب من القرآن؟ أو من يعترف بأفقهية مخدرات النساء عنه (4)، ويقول سبعين مرة لولا علي لهلك عمر (5): وهذه معضلة [6] ولا أبا حسن فيها، أفمن
102 يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (1) تكميل جميل ينبغي أن يعلم أنه إذا دل حديث مروي من طريق أهل السنة على أفضلية علي (ع) أو على تفرده بفضيلة مخصوصة كما فيما نحن فيه ثم وجد حديث آخر من طريقهم يدل على أفضلية غيره، أو تفرد غيره بتلك الفضيلة المخصوصة أو اشتراكه معه فيها، فالعقل السليم حاكم بصدق الأول، وكذب الثاني كما أوضحه والدي الشريف (2) روح الله روحه في بعض تعليقاته (3) حيث قال: لا يخفى على أولي النهى أن اجتماع النقيضين وارتفاعهما أيضا محال فلا يكون في الواقع إلا أحدهما، فنقول حينئذ: إنا نجد كثيرا في الأحاديث المعتبرة عند الجمهور ويزعمون أنها من الصحاح حديثين نقلهما ناقل واحد، أحدهما يدل دلالة واضحة صريحة على أفضلية مولانا أمير المؤمنين (ع) والآخر يدل على أفضلية من
103 فضلوه عليه على زعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد، فلا يكون الناقل في نقل الحديثين صادقا لما بينهما من التناقض، ولا يكون فيهما كاذبا لأن طرح الكل مخالف للأصول فيبقى أن يكون في أحدهما صادقا وفي الآخر كاذبا، فإن قالوا إن ناقلهم فيما نقله في حق علي (ع) كاذب، وفي حق غيره صادق منعناه: لأن من تطرق الكذب في إحدى روايته لم يعتبر روايته الأخرى، فهو فيما نقل في حقه (ع) صادق وفي الآخر كاذب، لكن لا من جهة مجرد نقل ناقلهم، بل لأنا وجدنا أخبارا صحاحا متواترة مروية عن المعصومين وعن كبار الصحابة المنتجبين الموثوقين يؤيد ما روى روايتهم، ويوثق ما حكى ناقلوهم وثقاتهم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (1) قال المصنف رفع الله درجته الحادية عشر قوله تعالى: وقفوهم إنهم مسؤولون (2) روى الجمهور (3) عن ابن عباس وعن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال: عن ولاية علي بن أبي طالب (إنتهى).
104 قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا من رواية أهل السنة ولو صح دل على أنه من أولياء الله تعالى، والولي هو المحب المطيع، وليس هو بنص في الإمامة (إنتهى) أقول الانكار ناش عن الجهل والعناد، فإنه مذكور في الصواعق لابن حجر (1) عن الديلمي (2)
107 والواحدي (1)
108 قال: وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (1) أن النبي قال: وقفوهم إنهم مسؤولون، عن ولاية علي، وكان هذا مراد الواحدي بقوله: روى في قوله تعالى: إنهم مسؤولون أي عن ولاية علي (ع) وأهل البيت، لأن الله تعالى أمر نبيه (ص) أن يعرف الخلق إنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى، والمعنى إنهم يسئلون هل والوهم حق المولاة؟! كما أوصاهم النبي (ص) أم أضاعوا وأهملوها، فتكون عليهم المطالبة والتبعة (إنتهى) وأما قوله: ولو صح دل على أنه من أولياء الله والولي هو المحب المطيع الخ. فمدخول، بأن ما يوجب التوقف والسؤال هو الولاية بمعنى الإمامة المساوقة للنبوة دون المحبة، فإن المحبة لم يجعل بانفرادها أصلا اعتقاديا يسئل عنها، وإنما هي من لوزام اعتقاد نبوة الشخص أو إمامته، فيكون نصا على الإمامة على رغم أنف الناصب الشقي
109 قال المصنف رفع الله درجته الثانية عشر قوله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول (1)، روى الجمهور (2) عن ابن عباس وعن أبي سعيد الخدري قال: ببغضهم عليا.
110 قال الناصب خفضه الله أقول: ليس في تفسير أهل السنة وإن صح دل على فضيلته، لا نص على إمامته (إنتهى) أقول قد ذكر ذلك الحافظ أبو بكر موسى بن مردويه (1) في كتاب المناقب (2) في جملة ما ذكره من الآيات النازلة في شأن علي (ع) وهي مذكورة في كتاب كشف الغمة (3) ووجه الاستدلال به على المطلوب: أن من جعل الله تعالى بغضه دليل النفاق والكفر في دين الله لا يكون إلا نبيا أو إماما، ولا أقل من أن يكون أفضل الخلق بعد النبي (ص). قال المصنف رفع الله درجته الثالثة عشر قوله تعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون (4)، روى الجمهور (5) عن ابن عباس قال: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب (إنتهى).
114 قال الناصب خفضه الله أقول: هذا الحديث جاء في رواية أهل السنة، ولكن بهذه العبارة: سباق الأمم ثلاثة، مؤمن آل فرعون وحبيب النجار، وعلي بن أبي طالب، في أن عليا (ع) سابق في الاسلام وصاحب السابقة والفضائل التي لا تحصى، (تخفى خ ل) ولكن لا تدل الآية على نص بإمامته، وذلك المدعى (إنتهى). أقول قد وقع في آخر هذه الرواية سيما فيما رواه (1) فخر الدين الرازي في تفسير قوله
121 تعالى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه (1) الآية قوله (ص): وهو أفضلهم، وكتمه الناصب الشقي عداوة لأمير المؤمنين واحترازا عن أن يظهر بذكر ذلك كونه أفضل من باقي هذه الأمة كما هو مطلوب المصنف فافهم. قال المصنف رفع الله درجته الرابعة عشر قوله تعالى: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام إلى قوله تعالى إن الله عنده أجر عظيم (2)، روى الجمهور (3) في الجمع بين الصحاح الستة أنها نزلت في علي بن أبي طالب (ع) لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس، فقال طلحة: أنا أولى بالبيت: لأن المفتاح بيدي، وقال العباس: أنا أولى أنا صاحب السقاية والقائم عليها، فقال علي (ع): أنا أول الناس إيمانا وأكثرهم جهادا، فأنزل الله تعالى هذه الآية لبيان أفضليته (ع) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذا صحيح من رواية الجمهور من أهل السنة وقد عدها العلماء في فضائل أمير المؤمنين (ع) وفضائله أكثر من أن تحصى، وليس هذا محل الخلاف كما مر حتى يقيم عليه الدلائل، بل الكلام في النص على إمامته وهذا لا يدل عليه (إنتهى).
122 أقول الآية مع الرواية على أفضليته (ع) وهو محل الخلاف كما مر، وجه الدلالة: إن كلا من عباس وطلحة (1) كانا يدعيان أولويتهما بالبيت بالنسبة إلى غيرهم من الأمة فرد عليهما علي (ع) بأن الأولى بذلك هو لا غير، وصدقه الله تعالى في ذلك بموجب الرواية فيكون أولى بالبيت خصوصا البيت المعنوي، ويكون أفضل من الكل وأولى
128 بالإمامة وأبصر بما يتعلق بالبيت، فإن صاحب البيت أبصر بما في البيت (1) قال المصنف رفع الله درجته الخامسة عشر آية المناجاة (2) لم يفعلها غير (3) علي (ع) قال ابن عمر: كان
129 لعلي (ع) ثلاثة لو كانت لي واحدة منها لكانت أحب إلي من حمر النعم، تزويجه بفاطمة عليها السلام وإعطاءه الراية يوم خيبر، وآية النجوى (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: هذا من رواية أهل السنة وأن آية النجوى لم يعمل به إلا علي (ع)، ولا كلام في أن هذا من فضائله التي عجزت الألسن عن الإحاطة بها، ولكن لا يدل على النص على إمامته (إنتهى). أقول إنما استدل المصنف بها على الأفضلية ووجه الاستدلال: أنه سبق ساير الصحابة إلى العمل بمضمونها وبعد عمله بها نسخت (1) عنهم، فيكون نزولها بيانا لأفضليته عليهم ومسارعته إلى قبول أوامر الله عز وجل، والعمل بها قبلهم، فيكون أفضل، ولهذا تمناها ابن عمر (2)، وربما يستدل من هذا على كذب ما يدعيه أهل السنة من أن أبا بكر كان ذا مال، وأنه كان يصرف ماله في سبيل الله وذلك، لأنه إذا بخل أبو بكر بدرهم أو درهمين يقدمه بين يدي نجوى النبي (ص) وفارق النبي (ص) والنظر إلى وجهه الكريم وما يفيده خطابه الفهيم مقدار عشرة ليال كما نقله ابن المرتضى (3)
140 من أهل السنة في تفسيره والزمخشري (1) حتى ينزل قرآن بالعتب على ذلك محال أن ينفق مثل ذلك المال الذي رووه لأحد كما لا يخفى، هذا
141 وقد كابر القاضي عبد الجبار (1) في هذا المقام، فقال: هذا لا يدل على فضيلة علي دون أكابر الصحابة لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل بهذا الفرض (إنتهى). وأقول: فساده ظاهر، لاتفاق الأصوليين سوى من جوز التكليف بما لا يطاق على أنه تعالى لا يجوز أن يكلف العبد بإتيانه بفعل في زمان يقصر عن فعله فيه، وأيضا يدفع هذا الاحتمال دلالة رواية ابن المغازلي في كتاب المناقب: والبغوي (2) في معالم التنزيل عن علي (ع): أن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فاشتريت عشرة دراهم، فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم، فإن هذه الرواية صريحة (3) في اتساع الوقت، وكذا يدفعه ما رواه (4) الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس، قال: إن الله حرم كلام رسول الله (ص) إلا بتقديم الصدقة وبخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه، وتصدق علي (ع) ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين، وأيضا يدل على أنهم لم يكونوا معدودين (معذورين خ ل) في هذا قوله تعالى: فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم (5) فإن ذكر التوبة يدل على توجه العتاب إليهم بسبب الاهمال في الأمثال، ولو كان الزمان مضيقا كما ذكره القاضي، لما توجه ذلك، وأيضا يدل عليه تمني ابن عمر إياه كما مر هذا، وقد زاد الرازي في الطنبور نغمة
142 الزنبور (1) فقال سلمت (سلمناه ل خ) أن الوقت قد وسع، إلا أن الاقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد شيئا وينفر الرجل الغني، فلم (ولم خ ل) يكن في تركه مضرة، لأن الذي يكون سببا للألفة أولى عما (مما خ ل) يكون سببا للوحشة، وأيضا الصدقة عند المناجاة واجبة أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة، بل الأولى ترك المناجاة لما بينا من أنها كانت سببا لسامة النبي (ص) (إنتهى). وأجاب عنه الفاضل النيشابوري (2) في تفسير بقوله: قلت هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي كرم الله وجهه في كل خصلة، ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة، فقد روى عن ابن عمر كان لعلي ثلاث لو كانت لي واحدة منهم كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه بفاطمة (فاطمة خ ل) رض، وإعطاءه الراية يوم خيبر، وآية النجوى، وهل يقول منصف: إن مناجاة النبي (ص) نقيصة؟ على أنه لم يرد في الآية النهي (نهى خ ل) عن المناجاة، وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة، فمن عمل بالآية حصلت له الفضيلة من جهتين، من جهة سد خلة بعض الفقراء، ومن جهة محبة نجوى الرسول (ص) ففيها القرب منه وحل المسائل العويصة، وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال (إنتهى). وأقول: يتوجه على الرازي فوق ما أورده النيشابوري عليه، أن علة تشريع الصدقة عند النجوى إنما هو سد خلة الفقراء والرفق بهم، ومع ذلك هم معذورون في ذلك شرعا وعرفا خارجون عن حكم الآية ضرورة، فلا يلزم انكسار قلوبهم كما لا يخفى، على أن ما ذكره جار في تشريع الزكاة والحج ونحوهما مما يتوقف وجوبه أو
143 ندبه على المال، فجاز أن يقال على قياس ما ذكره إن الأولى عدم شرعية الزكاة مثلا لأنه مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد النصاب، وينفر الرجل الغني، وهو كفر، أو في حد الكفر بالله تعالى، لفظ الصدقة ولم يحد لها مقدارا معينا ليقال: إن أبا بكر أو غيره من الفقراء ربما عجزوا بل يتأتى ذلك على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ولو بتمرة أو بشقها، (1) وكذا منع كون نجوى الرسول مندوبة في حد الكفر وقد تعرض له النيشابوري بإشارة فافهم. قال المصنف رفع الله درجته السادسة عشر روى ابن عبد البر (2) وغيره من السنة في قوله تعالى (3): واسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا (4)، قال: إن النبي (ص) ليلة أسري به جمع الله بينه وبين
144 الأنبياء، ثم قال له سلهم يا محمد على ماذا بعثتم؟ قالوا بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الاقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: هذا ليس من رواية أهل السنة، وظاهر الآية آب عن هذا، لأن تمام الآية: واسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون،
145 والمراد أن إجماع الأنبياء واقع على وجوب التوحيد ونفي الشرك، هذا مفهوم الآية، وهذا النقل من المناكير وإن صح فلا يثبت به النص الذي هو المدعى لما علمت أن الولاية تطلق على معان كثيرة (إنتهى). أقول الرواية المذكورة بأدنى تغيير في اللفظ في تفسير النيشابوري (1) عن الثعلبي، حيث قال: وعن ابن مسعود أن النبي (ص) قال: أتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا، قال: قلت: على م بعثوا، قال: على ولايتك وولاية علي ابن أبي طالب (ع)، رواه الثعلبي ولكنه لا يطابق قوله سبحانه أجعلنا الآية انتهى وقد ظهر (2) بما نقلناه أن الرواية من روايات أهل السنة وأن المناقشة التي ذكرها الناصب قد أخذها من النيشابوري، وهي مع وصمه الانتحال ضعيفة، إذ يمكن أن يكون الجعل في الجملة الاستفهامية بمعنى الحكم، كما صرح به النيشابوري آخرا، ويكون الجملة حكاية عن قول الرسول (ص)، وتأكيدا لما أضمر في الكلام من الاقرار ببعثهم على الشهادة المذكورة، بأن يكون المعنى أن الشهادة المذكورة لا يمكن التوقف فيها، إلا لمن جعل من دون الرحمن آلهة يعبدون (3)، ونظير هذا
146 الاضمار (1) واقع في القرآن في قوله تعالى أنا أنبئكم بتأويله فارسلون، يوسف أيها الصديق أفتنا (2)، فإن المراد كما ذكره، النيشابوري وغيره فأرسلوني إليه لأسأله ومروني باستعباره فأرسلوه إلى يوسف، فأتاه فقال يوسف الآية غاية الأمر أن يكون ما نحن فيه من الآية لخفاء القرينة على تعيين المحذوف من المتشابهات التي لا يعلم معناها إلا بتوفيق من الله تعالى على لسان رسوله، هذا لا يقدح في مطابقة قوله سبحانه: أجعلنا الآية لما روي في شأن النزول، فلا مناقشة ولا شئ من المناكير، وإنما المنكر هذا الشقي الناهق الذي يذهب إلى كل زيف (3) زاهق، وينعق (4) مع كل ناعق يلحس فضلات المتأخرين، ويزعم أن ما ذكروه آخر كلام في مقاصد الدين. قال المصنف رفع الله درجته السابعة عشر قوله تعالى: وتعيها أذن واعية (5)، روى (6) الجمهور أنها نزلت في علي (ع) (إنتهى).
147 قال الناصب خفضه الله أقول: روى المفسرون: أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله (ص) لعلي: سألت الله تعالى أن يجعلها أذنك، قال علي: فما نسيت بعدها شيئا، وهذا يدل على علمه وحفظه وفضيلته، ولا يدل على النص بإمامته (إنتهى). أقول روى (1) الواحدي (2) في أسباب نزول القرآن عن بريدة، روى (3) أبو نعيم في
154 الحلية عن علي وأبو القاسم (1) بن حبيب في تفسيره، عن زربن (2) حبيش عن علي
155 واللفظ له: قال: قال علي بن أبي طالب ضمني رسول الله، وقال أمرني ربي أن أدنيك ولا أقصيك، وأن تسمع وتعي، وفي تفسير الثعلبي في رواية بريدة وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تسمع وتعي فنزلت وتعيها أذن واعية (إنتهى) وبعضهم روى ما رواه الناصب، ففي إطلاق قوله: روى المفسرون ما يفسر عن تعصبه كما لا يخفى، وقال صاحب الكشاف وفخر الدين الرازي بعد ذكر الرواية التي رواها الناصب في شأن علي فإن قيل: لم قال أذن واعية على التوحيد والتنكير؟ قلنا: للايذان بأن الوعاة فيهم قلة، وتوبيخ الناس بقلة من يعي فيهم، والدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله تعالى فهو السواد الأعظم عند الله، وأن ما سواه لا يلتفت إليهم، وإن امتلاء العالم منهم (إنتهى). ثم أقول: فقد دلت الآية بما كشف علامة المعتزلة (1) وإمام الأشاعرة (2) عن أسرارها على اختصاص علي (ع) في زمان النبي (ص) بذلك لما صرحوا باستجابة دعاء النبي (ص) في حقه (ع) وعلي توبيخ غيره، وأنه لا التفات إليهم، فيكون هو الأحق بالإمامة كما هو المدعى، ومما ينبغي أن يمهد هيهنا لحال عليه فيما يأتي، أن من تأمل في القرآن والحديث، علم أن التفضيل لا يكون إلا بالعلم، قال النبي (ص) (3): فضل العالم على العابد كفضلي علي أدناكم، وقال الله: إنما يخشى
156 الله من عباده العلماء (1)، فإن معناه حصر الخشية والتقى على العلماء، مع أنه قال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم (2) ولا شك أن عليا كان أعلم من باقي الصحابة لا استفتائهم عنه مشهور (3)، وإقرارهم بجهلهم في تلك المستفتيات مذكور، حتى صار قول عمر: لولا علي لهلك عمر (4)، كالمثل السائر بين أمة خير البشر، وهذا دليل على أن عليا (ع) كان أعلم، وأما أن كل من كان أعلم فهو أفضل، فقد ثبت بالنص كما أسلفناه، وبعد ثبوت الصغرى والكبرى على هيئة الشكل الأول فنتيجته بديهة، وإنكاره مكابرة ومعاندة فلا يلتفت إليه. قال المصنف رفع الله درجته الثامنة عشر سورة هل أتى، روى (5) الجمهور كافة أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (ص) (جدهما خ ل) وعامة العرب، فنذر علي صوم ثلاثة أيام
157 وكذا أمهما فاطمة وخادمتهم فضة كذلك لئن برءا، فبرءا فليس عند آل محمد (ص) قليل ولا كثير، فاستقرض أمير المؤمنين ثلاثة أصواع من شعير، وطحنت فاطمة منها صاعا فخبزته خمسة أقراص لكل واحد قرصا وصلى علي المغرب، فلما أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه للافطار أتاهم مسكين، وسألهم فأعطاه كل منهم قوته، ومكثوا يومهم وليلتهم، لم يذوقوا شيئا، ثم صاموا اليوم الثاني، فخبزت فاطمة صاعا آخر فلما قدم بين أيديهم للافطار أتاهم يتيم سألهم القوت، فأعطاه كل واحد منهم بقوته فلما كان اليوم الثالث من صومهم وقدم الطعام للافطار أتاهم أسير، وسألهم القوت، فأعطاهم كل منهم قوته لم يذوقوا في الأيام الثلاثة سوى الماء فرأهم النبي (ص) في اليوم الرابع، وهم يرتعشون من الجوع، وفاطمة قد التصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فقال: وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا، فهبط جبرئيل، فقال: خذ ما هناك الله تعالى به في أهل بيتك، فقال: وما آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه هل أتى (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: ذكر المفسرين في شأن نزول السورة ما ذكره، ولكن أنكر على هذه الرواية كثير من المحدثين وأهل التفسير وتكلموا في أنه هل يجوز أن يبالغ الانسان في الصدقة إلى هذا الحد ويجوع نفسه وأهله حتى يشرف على الهلاك. وقد قال الله تعالى: ويسئلونك ماذا ينفقون قال العفو، والعفو ما كان فاضلا من نفقة العيال، وقال رسول الله (ص): خير الصدقة ما يكون صنوا عفوا وإن صح الرواية لا تدل على النص كما علمته (إنتهى).
170 أقول قال (1) فخر الدين الرازي في تفسيره: إن الواحدي من أصحابنا ذكر في كتاب البسيط إنها نزلت في علي، وصاحب الكشاف من المعتزلة ذكر هذه القصة، فروى عن ابن عباس: أن الحسن والحسين مرضا الخ والذي لم يذكر من المفسرين أنها نزلت في علي (ع) أبقى الآية على عمومها لعدم وصول سبب النزول إليه، أو لقصد إخفائه عداوة لأهل البيت عليهم السلام، لا أنه ذكر نزوله في شأن جماعة مخصوصة غيرهم، كما يشعر به ظاهر كلام الناصب، وأما ما ذكره من إنكار كثير من المحدثين والمفسرين لهذه الرواية وتكلمهم في جواز المبالغة في الصدقة إلى هذا الحد، فالظاهر أنه من تشكيكات نفسه دون أحد من المحدثين والمفسرين ولو كان لذلك أصل لذكره فخر الدين الرازي المشكك في تفسيره ومن العجايب أن أصحاب هذا الرجل ومنهم الرازي المذكور والنيشابوري في تفسيرهما يذكرون (2) أن قوله تعالى: وكونوا مع الصادقين (3) نزل في شأن الذين شدوا أنفسهم على السواري، ويسلمون ذلك ولا ينكرونه ولا يتكلمون عليه بأنه: هل يجوز رياضة النفس في هذا الحد بل يذكرون من جوع مشايخهم ومتصوفيهم من النقشبندية (4) وغيرهم ما يتجاوز عن ذلك، بل ذكر الناصب نفسه سابقا في مبحث نفي حلول الله
171 تعالى في غيره: أن أبا يزيد البسطامي (1) ترك شرب الماء سنة تأديبا لنفسه، واستحسنه
174 مع أن ذلك منهم تحمل ضرر من غير إيصال نفع منهم إلى الغير ثم ينكرون رياضة جوع أهل البيت عليهم السلام وإيثارهم المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم من غاية الجود والكرم، مع ثبوت الرواية هيهنا اتفاقا، وثبوت أن السائل عنهم في الليالي الثلاث إنما كان جبرئيل (ع) قد جاءهم امتحانا من الله تعالى، ولنعم ما قال الحصكفي (1) في الرد على الثالث في ذلك حيث أنشد: (شعر) قوم أتى في مدحهم هل أتى * ما شك في ذلك إلا ملحد قوم لهم في كل أرض مشهد * لا بل لهم في كل قلب مشهد
175 وأما ما توهمه: من منافاة قوله تعالى: ويسئلونك ماذا ينفقون قال العفو الآية لذلك، فمدفوع بأن العفو كما فسر بما ذكره الناصب كذلك فسر بأفضل المال (1) وأطيبه، ويؤيده قوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (2)، وما رواه من قوله (ع) خير الصدقة ما يكون صنوا عفوا، معارض لقوله (3) خير
176 الصدقة ما أبقت غنى، ولو تنزلنا عن ذلك، فنقول: إنما يلزم المنافاة لو لم ينفق عيال علي (ع) معه في الصدقة على ذلك الوجه، وأما إذا أتى صاحب العيال مما وجب عليه من النفقة وهم باختيارهم آثروا اليتيم والأسير والمسكين على أنفسهم بإعطاء كل واحد منهم حصة قوتهم لهم، فلا منافاة كما لا يخفى. قال المصنف رفع الله درجته التاسعة عشر قوله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به (1)، روى الجمهور (2) عن مجاهد، قال: هو علي ابن أبي طالب (إنتهى)
177 قال الناصب خفضه الله أقول: جماهير أهل السنة على أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وإن صح نزولها في علي المرتضى، فهو من فضائله ولا تدل على النص (إنتهى). أقول قد نقل صاحب كشف الغمة (1) الرواية التي ذكرها المصنف عن الحافظ أبي بكر (2) موسى بن مردويه وروى الحافظ (3) أيضا عن أبي جعفر (ع)، وأما نزول ذلك في شأن أبي بكر كما ادعاه الناصب، فهو شئ قد تفرد به فخر الدين الرازي، لمجرد ملاحظة مناسبة التصديق المذكور في الآية لما وضع (4) أولياء أبي بكر من لقب الصديق عليه، وهذا دأب الرجل في تفسير كثير من الآيات كما لا يخفى على المتتبع البصير، ولا ينبئك مثل خيبر (5)، ولو حاولوا إثبات وجود هذه الرواية في شئ من كتب المتقدمين على الرازي بلا استعمال كذب ومين، لرجعوا بخفي حنين (6)، ومن وقاحات الرازي إنه لم يكتف في ذلك بالكذب على الله
179 تعالى حتى وضع ذلك على لسان علي (ع) قاصدا به سد باب تجويز الناظرين كون ذلك وأراد في علي (ع) ثم لدفع التهمة التي أغلبت على ظن الخائن الخائف، نسب ذلك إلى المفسرين على الاجمال، ولكن الزكي الفطن لا يخفى عليه حقيقة الحال، ويدل على عدم ورود الرواية في شأن أبي بكر وعلى وصول الرواية الدالة على أن المراد بالآية هو علي (ع) إلى الرازي، ما ذكره بعد ذلك حيث قال: إن هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل، أما أبو بكر وأما علي لكن هذا اللفظ على أبي بكر أولى، لأن عليا (ع) كان في وقت البعث صغيرا، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت، ومعلوم أن إقدامه على التصديق لا يفيد لمزيدة قوة وشوكة في الاسلام، فكان حمل اللفظ على أبي بكر أولى (إنتهى) ووجه دلالته على ما ذكرنا من الأمرين: إنه لو كان هناك رواية في شأن أبي بكر لما احتاج إلى تكلف الاستدلال، ولا إلى ذكره عليا (ع) فيه ولو على سبيل الاحتمال، على أن الاستدلال المذكور كسائر تشكيكاته ظاهر البطلان، لأن درجة النبوة أعلى من مرتبة الاسلام وإذا جاز نبوة الصبي كان صحة إيمانه أجوز، وقد قال تعالى في شأن يحيى: وآتيناه الحكم صبيا (1)، وقال حكاية عن عيسى في صباه: إني عبد الله آتاني *
180 الكتاب وجعلني نبيا (1) وقال في شأن يوسف (ع) في حال صباه عند إلقائه في غيابت الجب: وأوحينا إليه اتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (2)، وقال سبحانه: ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما (3) وكان عمره عندما جعل نبيا إحدى عشرة سنة (4)، وإذا جاز أن يكون الصبي صاحب النبوة والوحي جاز أن يكون صاحب الايمان بطريق أولى، وأيضا كما لا يقل لمن تولد مؤمنا وفي فطرة الاسلام: إنه آمن لأنه تولد عليه، وكذا في علي (ع) لأنه تولد في حضرة الرسول لم يعبد صنما قط (5) لكن أبو بكر قد عبد الأصنام أزيد من أربعين سنة من عمره (6)، فكان عليه الاتيان بالايمان بعد ما لم يكن مؤمنا، وأيضا عند أصحابنا أن
181 عليا (ع) حين آمن بالنبي (ص) كان عمره خمسة عشر سنة، (1) وقيل أربعة عشر، والروايتان قد جاءتا أيضا من طريق الخصم، ذكر ذلك شارح (2) الطوالع عن أصحابه في شرحه، والعاقولي (3) في شرحه للمصابيح، قال: روى الحسن البصري
182 أن عمره كان خمسة عشر سنة عند إسلامه، وأما شارح الطوالع، فروي أربعة عشر سنة هذا على ما جاء في صحيح البخاري (1)، وقد تجاوز البلوغ لأنه روى عن المغيرة (2): أنه قال: احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، وأيضا
183 فقد رووا (1): إن النبي (ص) دعاه إلى الاسلام وهو لا يدعو إلى الاسلام إلا من يصح منه ذلك، كما قاله المأمون حين ناظر أبا العتاهية (2)
184 وأيضا قد صح أنه كتب إلى معاوية أبياتا (1) من جملتها قوله (ع) شعر سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي ولم ينكر عليه معاوية مع عداوته وتعنته، فكيف يزيد (2) عليه الرازي، وهو من جماعته في ذلك، وأيضا مرجع الاسلام إلى التصديق بما جاء به النبي (ص) وأنه رسول الله (ص) وذلك من التكاليف العقلية ومعلوم أن التكليف بالعقليات إنما يتوقف على كمال العقل وإن كان الرجل ابن خمس سنين، أو خمسين سنة، وعلي (ع) قد كان كمل عقله حين أسلم والبلوغ إنما هو شرط في التكاليف الشرعية الفرعية، على أنه لا يمتنع أن يكون من خصايصه لو كان صبيا صحه إسلامه صغيرا، كما أنه يطالع اللوح المحفوظ في حال رضاعه على ما سبقت الإشارة إليه (3) من كلام
193 ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح البخاري، وبالجملة يجوز اختصاصه (ع) بمزيد فضيلة في الخلقة أو جبت حصول البلوغ الشرعي قبل العدد، وما ذاك بعجب منه (ع)، فإنه مظهر العجايب ومنبع الغرائب. قال المصنف رفع الله درجته العشرون قوله تعالى: هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (1) عن أبي هريرة (2)
194 قال: مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي بن أبي طالب (ع) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: جاء هذا في روايات أهل السنة، ولا شك أن عليا من أفاضل المؤمنين ومن خلفائهم وأئمتهم، ولما كان رسول الله (ص) مؤيدا بالمؤمنين كان تأييده بعلي من باب الأولى، ولكن لا يدل على النص المدعى. أقول لا يخفى ما في كلام الناصب من التمويه، وذلك لأن كلام المصنف ليس في مجرد التأييد الذي يشترك فيه سائر المؤمنين على ما توهمه الناصب، بل في كتابة اسمه (ع) بوصف تأيده للنبي (ص) على العرش الأعظم في أزل الآزال، وهذا يدل على الأفضلية التي هي من جملة مدعيات المصنف كما مر مرارا، على أن ما اعترف به من كونه (ع) أولى من جميع المؤمنين بتأييده للنبي (ص) كاف في ثبوت المدعى أيضا كما لا يخفى.
195 قال المصنف رفع الله درجته الحادية والعشرون قوله تعالى: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين (1) روى الجمهور (2) أنها نزلت في علي (ع) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: ظاهر الآية أنها نزلت في كافة المؤمنين، ولو صح نزوله في علي (ع) يكون من فضائله، ولا دلالة لها على النص المدعى (إنتهى). أقول ظهور ما ذكره ممنوع، إذ لو كان مراده تعالى كافة المؤمنين يقال: حسبك الله والمؤمنون، فلما قيد بمن اتبعه منهم دل على إرادة التخصيص، وأما صحة الحديث فكفى فيه كونه مرويا عن طريق أهل السنة، وقد ذكرها صاحب كشف الغمة (3) عن كتاب عز الدين (4) عبد الرازق المحدث الحنبلي، وأما وجه الدلالة على
196 المدعى فهو أن الله تعالى لما حصر كفاية الشر عن النبي (ص) في جنابه سبحانه وفي علي (ع)، وكذا حصر اتباع النبي فيه (ع) بمقتضى الرواية دل ذلك على أفضليته عن سائر المؤمنين، فيكون أمير المؤمنين. قال المصنف رفع الله درجته الثانية والعشرون قوله تعالى: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه (1) قال
197 الثعلبي (1): نزلت في علي بن أبي طالب (ع) (إنتهى).
198 قال الناصب خفضه الله أقول ذهب المفسرون إلى أنها نزلت في أهل اليمن، وقيل: لما نزلت هذا الآية سئل رسول الله (ص) عن هذا القوم، فضرب بيده على ظهر سلمان، وقال هو وقومه والظاهر أنها كانت نازلة لقوم لم يؤمنوا بعد، لدلالة سوف يأتي الله على هذا، وعلي (ع) كان ممن آتاه الله من أول الاسلام، فكيف يصح نزوله فيه، وإن سلمنا فهو من فضائله ولا يدل على النص المدعى (إنتهى). أقول من ذهب إلى أنها نزلت في أهل اليمن كفخر الدين الرازي والقاضي البيضاوي قد استند بما روى أن النبي (ص) لما نزلت هذه الآية أشار إلى أبي موسى الأشعري، وقال هم قوم هذا، وأقول، فيه بحث لأنه إن أراد بأهل اليمن من انتسب إلى بلاد اليمن ولو لم يكونوا من الأشعرية كطايفة همدان (1) فهم لم يجاهدوا
199 إلا مع علي (ع) في حروبه، كما يعلم من كتب السير والتواريخ، وإن أراد الأشعرية كما يقتضيه سياق الرواية، فهم أيضا لم يدركوا مقاتلة أهل الردة (1) في زمان أبي بكر، اللهم إلا أن يراد به قتال بعضهم كأبي موسى ظاهرا مع علي (ع) في حرب صفين مع القاسطين المرتدين، وحينئذ يتحد مآله مع الرواية المتضمنة لكون الآية في شأن أمير المؤمنين (ع)، وأما من روى أنه (ع) قال، المراد سلمان وذووه كما وقع في الكشاف وتفسير البيضاوي، ففيه أن المتبادر من ذووه أي أصحاب سلمان مولينا أمير المؤمنين علي وساير أهل البيت عليهم السلام لكونه منهم بمقتضى قوله (ع): سلمان منا أهل البيت (2)، وأيضا من المعلوم أن سلمان لم يشهد محاربة شئ من أهل الردة، وكذا لم يظهر من ذويه على تقدير أن يراد بهم أهل الفرس مجاهدة مع أهل الردة، في زمان أبي بكر، فتعين الحمل على ما ذكرنا، وحينئذ يتحد أيضا ما لهذه الرواية مع ما رواه الثعلبي (3) والإمامية من أنها نزلت في شأن علي (ع) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين (4)، ولا يقدح في ذلك أن سلمان لم يعش إلى زمان قتال الطوايف الثلاثة، ولم يجاهد معهم، إذ يكفي في صحة نسبة فعل إلى جماعة صدوره من أكثرهم سيما وقد روي أن سلمان (5)
200 سكن مداين وتزوج هناك من بني كندة وحصل له أولاد كانوا في خدمة أمير المؤمنين (ع) في بعض حروبه فكان النبي (ص) لما لاحظ أن حسن صنيع إلا بناء يكون من زكاء طينة الأب نسب فعل الأبناء إليه رضي الله عنه، قال الشيخ (1) الموحد محيي الدين العربي في الفتوحات المكية: ولما كان رسول الله (ص) عبدا محضا قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس، وهو كل ما يشينهم، فإن الرجس هو القذر عند العرب هكذا حكى الفراء، قال تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، فلا يضاف إليهم إلا مطهر، ولا بد أن يكون كذلك فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم، فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس، فهذه شهادة من النبي (ص) لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة حيث قال (2) فيه رسول الله (ص): سلمان منا أهل البيت، وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم، وإذا كان لا ينضاف إليهم إلا مطهر مقدس وحصلت العناية الإلهية بمجرد الإضافة، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم، فهم المطهرون بل هم عين الطهارة، ثم قال: وهم المطهرون بالنص
202 فسلمان منهم بلا شك، وأرجو أن يكون عقب علي (1) وسلمان يلحقهم هذه العناية كما لحقت أولاد الحسن والحسين وعقبهم وموالي أهل البيت، فإن رحمة الله واسعة ثم، قال: فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم القائمين بحدود سرهم الواقفين عند مراسمه، فشرفهم أعلى وأتم وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام، ومن هؤلاء الأقطاب ورث سلمان شرف مقام أهل البيت فكان رضي الله عنه من أعلم الناس بما لله على عباده من الحقوق وما لأنفسهم والخلف عليهم من الحقوق وأقواهم على أدائها وفيه قال رسول الله (ص) (2): لو كان الايمان بالثريا لناله رجال من فارس وأشار إلى سلمان الفارسي (إنتهى) ومن اللطائف قوله (ع) لأبي موسى: هم قوم هذا، ولم يدخله في هذا الحكم، لعلمه (ع) لسوء عاقبته وانحرافه عن علي (ع)، لكن جماعة من أكابر أهل اليمن وأشرافهم وأفرادهم الذين يعد كل واحد منهم بألف قبيلة كانوا من شيعته (ع) ومن جملتهم طائفة همدان بأسرهم وأويس القرني (3) الذي
203 شهد بين يديه (ع) في وقعة صفين رضوان الله عليه وقوله (1) (ع) لسلمان رضي الله عنه: هذا وذووه فجعل قومه تبعا له في هذا الحكم وعبر عنه قومه بذويه إشارة إلى أن من اتصف به من معرفة الولاية ومتابعة من فرض الله متابعته، فهو منه وداخل تحت هذا الحكم وإلا فلا هذا. وقد ذكر فخر الدين الرازي (2) القول بنزول الآية في شأن علي (ع) أيضا لكن حيث أبرق وأرعد على الإمامية بالتشكيكات الناشية عن العصبية رأينا أن نذكر كلامه مع ما يتوجه عليها من الشناعة والملام صيانة للناظرين القاصرين عن الوقوع في مواقع الشكوك والأوهام فنقول: قال: وقال قوم إنها نزلت في علي (ع)، ويدل عليه وجهان الأول: إنه (ع) لما دفع الراية إلى علي (ع) يوم خيبر قال: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله
204 ويحبه الله ورسوله وهذا هو الصفة المذكورة في الآية والوجه الثاني أنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وهذه الآية في حق علي (ع) فكان الأولى جعل ما قبلها أيضا في حقه فهذه جملة الأقوال في هذه الآية ولنا في هذه الآية مقامات، الأول إن هذا الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض، وتقريره: أن مذهبهم أن الذين أقروا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي بن أبي طالب، فنقول: لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق بدليل قوله تعالى: ومن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم إلى آخر الآية كلمة (من) في معرض الشرط للعموم، فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن دين الاسلام، فإن الله تعالى يأتي بقوم يقهرهم ويبطل شوكتهم، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم، ولما لم يكن الأمر كذلك، بل الأمر بالضد، فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبدا منذ كانوا علمنا فساد مقالاتهم ومذهبهم وهذا كلام ظاهر لمن أنصف المقام الثاني إنا ندعي: أن هذه الآية يجب أن يقال: إنها نزلت في حق أبي بكر والدليل عليه وجهان الأول أن هذا الآية مختصة بمحاربة المرتدين وأبو بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين على ما شرحناه، ولا يمكن أن يكون المراد هو الرسول (ص) لأنه لم يتفق له محاربة المرتدين ولأنه تعالى قال: فسوف يأتي الله بقوم وهذا للاستقبال لا للحال، فوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في في وقت نزول هذا الخطاب، فإن قيل: هذا لازم عليكم، لأن أبا بكر كان موجودا في ذلك الوقت قلنا: الجواب من وجهين الأول أن القوم الذين قاتلهم أبو بكر من أهل الردة كانوا موجودين في الحال. والثاني أن معنى الآية: أن الله تعالى سوف يأتي
205 بقوم قادرين متمكنين من هذا الحرب، وأبو بكر وإن كان موجودا في ذلك الوقت إلا أنه ما كان مستقلا في ذلك الوقت بالحرب والأمر والنهي، فزال السؤال، فثبت أنه لا يمكن أن يكون المراد هو الرسول (ص) ولا يمكن أيضا أن يكون المراد هو علي رضوان الله عليه، لأن عليا رضي الله عنه لم يتفق له قتال مع أهل الردة فإن قلت لا نسلم أنه لم يتفق له قال مع أهل الردة، لأن كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا، قلنا: هذا باطل من وجهين: الأول أن اسم المرتد إنما يتناول من كان تاركا لشرايع الاسلام والقوم الذين نازعوا علينا (ع) ما كانوا كذلك في الظاهر وما كان أحد يقول إنه إنما يحاربهم لأجل أنهم خرجوا عن الاسلام، وعلي (ع) لم يسمهم بالمرتدين، فهذا الذي يقوله هؤلاء الروافض بهت على جميع المسلمين وعلى علي (ع) أيضا الثاني لو كان كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا لزم في أبي بكر وفي قومه أن يكونوا مرتدين، ولو كان كذلك لوجب بحكم ظاهر الآية: أن يأتي الله بقوم يقهرونهم ويردونهم إلى الدين الصحيح ولما لم يوجد ذلك البتة علمنا أن منازعة علي (ع) في الإمامة لا تكون ردة وإذا لم تكن ردة لم يمكن حمل الآية على علي (ع) لأنها نازلة فيمن يحارب المرتدين ولا يمكن أيضا أن يقال: إنها نازلة في أهل اليمن أو في أهل فارس لأنه لم يتفق لهم محاربة مع المرتدين وبتقدير أن يقال، اتفقت لهم هذه المحاربة، لكنهم كانوا رعية وأتباعا وأذنابا، فكان الرئيس الأمر المطاع في تلك الواقعة هو أبو بكر، ومعلوم أن حمل الآية على من كان أصلا في هذه القيادة ورئيسا مطاعا فيها أولى من حملها على الرعية والأتباع والأذناب، فظهر بما ذكرنا من الدليل الظاهر أن هذه الآية مختصة بأبي بكر الوجه الثاني في بيان أن الآية مختصة بأبي بكر هو إنا نقول: هب أن عليا (ع) كان قد حارب المرتدين ولكن محاربة أبي بكر مع المرتدين كانت أعلى حالا وأكثر موقعا في الاسلام من محاربة علي (ع)، مع من خالفة في الإمامة وذلك، لأنه علم بالتواتر أنه
206 (ص) لما توفي اضطربت الأعراب وتمردوا، وأن أبا بكر هو الذي قهرهم ومسيلمة وطلحة (طليحة خ ل) وهو الذي حارب الطوايف السبعة المرتدين وهو الذي حارب مانعي الزكاة ولما فعل ذلك استقر الاسلام وعظمت شوكته وانبسطت دولته أما لما انتهى الأمر إلى علي (ع) فكان الاسلام قد انبسط في الشرق والغرب وصار ملوك الدنيا مقهورين وصار الاسلام مستوليا على جميع الأديان والملل، فثبت أن محاربة أبي بكر أعظم تأثيرا في نصرة الاسلام وتقويته من محاربة علي (ع)، ومعلوم أن المقصود من هذه الآية تعظيم قوم يسعون في تقوية الدين ونصر الاسلام ولما كان أبو بكر هو المتولي لذلك وجب أن يكون هو المراد بالآية. المقام الثالث في هذه الآية وهو إنا ندعي دلالة هذه الآية على صحة إمامة أبي بكر وذلك لأنه لما ثبت بما ذكرنا أن هذا الآية مختصة به فنقول: إنه تعالى وصف الذين أرادهم بهذا الآية بصفات أولها أنه يحبهم ويحبونه، ثبت أن المراد بهذه هو أبو بكر ثبت أن قوله: يحبهم ويحبونه وصف لأبي بكر، ومن وصفه الله تعالى بذلك يمتنع أن يكون ظالما، وذلك يدل على أنه كان محقا في إمامته وثانيها قوله: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وهو صفة أبي بكر أيضا للدليل الذي ذكرناه، ويؤكده ما روي في الخبر (1) المستفيض أنه قال (ع) أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، فكان موصوفا بالرحمة والشفقة على المؤمنين وبالشدة مع الكفار، ألا ترى أن في أول الأمر حين كان الرسول (ص) في مكة وكان في غاية الضعف، كيف كان يذب عن الرسول (ص)؟ وكيف كان يلازمه ويخدمه؟ وما كان يبالي بأحد من جبابرة الكفار وشياطينهم وفي آخر الأمر أعني وقت خلافته كيف لم يلتفت إلى قول أحد وأصر على أنه لا بد من المحاربة مع مانعي الزكاة حتى آل الأمر إلى أن خرج
207 إلى قتال القوم وحده حتى جاء أكابر الصاحبة وتضرعوا إليه ومنعوه من الذهاب، ثم لما بلغ بعث العسكر إليهم انهزموا وجعل الله ذلك مبدئا لدولة الاسلام، فكان قوله: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، لا يليق إلا به وثالثها قوله: يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فهذا مشترك فيه بين أبي بكر وعلي، إلا أن حظ أبي بكر منه أتم وأكمل وذلك لأن مجاهدة أبي بكر مع الكفار كان في أول البعث وهناك الاسلام كان في غاية الضعف، والكفر في غاية القوة فكان يجاهد الكفار بمقدار قدرته، ويذب عن رسول الله (ص) بغاية وسعه وأما علي (ع) فإنه إنما شرع في الجهاد يوم بدر وأحد، وفي ذلك الوقت كان الاسلام قويا، وكانت العساكر مجتمعة، فثبت أن جهادا أبي بكر كان أكمل من جهاد علي (ع) من وجهين الأول إنه كان متقدما عليه في الزمان فكان أفضل، لقوله تعالى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل. والثاني أن جهاد أبي بكر كان في وقت ضعف الرسول (ص) وجهاد علي كان في وقت القوة، ورابعها قوله: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذا لائق لأبي بكر، لأنه متأكد بقوله: ولا يأتل أولي الفضل منكم والسعة، وقد بينا أن هذه الآية لا بد أن يكون في أبي بكر، ومما يدل على أن جميع هذا الصفات لأبي بكر: إنا بينا بالدليل أن هذه الآية لا بد وأن تكون في أبي بكر، ومتى كان الأمر كذلك، كانت هذه الصفات لا بد وإن تكون صفات لأبي بكر، وإذا ثبت هذا وجب القطع بصحة إمامته إذ لو كانت إمامته باطلة لما كانت هذه الصفات لايقة به فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنه كان موصوفا بهذه الصفات حال حياة الرسول (ص) ثم بعد وفاته لما شرع في
208 الإمامة زالت هذه الصفات وبطلت. قلنا: هذا باطل قطعا، لأنه تعالى قال: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فأثبت كونهم موصوفين بهذه الصفة حال إتيان الله بهم في المستقبل، وذلك يدل على شهادة الله له بكونه موصوفا بهذه الصفات حال محاربته مع أهل الردة وذلك هو حال إمامته فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على صحة إمامته. أما قول الروافض: إن هذه الآية في حق علي رضي الله عنه بدليل أنه (ص) قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وكان ذلك هو علي (ع) فنقول: هذا الخبر من باب الآحاد (1)، وعندهم لا يجوز التمسك به في العمل، فكيف يجوز التمسك به في العلم؟ وأيضا أن إثبات هذه الصفة لعلي لا يوجب انتفائها عن أبي بكر، وبتقدير أن يدل على ذلك، لكنه لا يدل على انتفاء ذلك المجموع عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات كونه كرارا غير فرار، فلما انتفى ذلك عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات له فكفى هذا في العمل بدليل الخطاب فأما انتفاء جميع تلك الصفات فلا دلالة في اللفظ عليه وأيضا فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل ولأن ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن وأما ذكوره تمسك بالخبر المنقول بالآحاد ولأنه معارض بالأحاديث (2) الدالة على كون أبي بكر محبا لله ولرسوله
209 وكون الله محبا له وراضيا عنه، قال تعالى في حق أبي بكر: ولسوف يرضى، وقال (1) عليه الصلاة والسلام: إن الله يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة، وقال: (2) ما صب الله شيئا في صدري إلا وصببته في صدر أبي بكر، وكل ذلك يدل على أنه كان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأما الوجه الثاني وهو قولهم: الآية التي بعد هذه الآية دالة على إمامة علي (ع) فوجب أن تكون هذه الآية نازلة في علي، فجوابنا إنا لا نسلم دلالة الآية التي بعد هذه الآية على إمامة علي وسنذكر الكلام فيه إن شاء الله، فهذا ما في هذا الموضع من البحث والله أعلم (إنتهى كلام الرازي). وأقول يتوجه عليه أنظار أما أولا فلما أورد النيشابوري (3) على قوله: لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم الخ بأن لناصر مذهب الشيعة أن يقول: ما يدريك إنه تعالى لا يجئ بقوم يحاربهم؟ ولعل المراد بخروج المهدي (عج) هو ذلك فإن محاربة من دان بدين الأوايل هي محاربة الأوايل (إنتهى) ثم إن مع كونه شافعيا ظاهرا وباطنا كما هو صرح به في آخر تفسيره، غير متهم في ذلك خاف عن المتعصبين من أهل
210 نحلته، فاعتذر بأن هذا إنما ذكرته بطريق (1) المنع، لا لأجل العصبية والميل، فإن اعتقاد ارتداد الصحابة الكرام أمر فظيع والله أعلم (إنتهى) واعترض عليه بعض الناظرين (2) بأن الحق ما قاله ناصر الاسلام والإمام العلامة فخر الدين الرازي وما ذكره هذا الفاضل نصرة للشيعة كلام فاحش شنيع لا يليق بأحد من أهل الديانة، وليت شعري ماذا يفيد محاربة المهدي في آخر الزمان بعد ذهاب أكثر أيام الدنيا وانقضاء عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم وظهور أمارات القيامة، ثم إنه لم يثبت إنه يخرج لذلك (إنتهى) وأقول: بل الحق ما أجراه الله تعالى على لسان ناصر الشيعة مع كونه من المخالفين، لأن الاتيان والانتقام بعد عصر الصحابة والتابعين المرتدين إنما ينافي مدلول الآية لو لم يحضر هناك أحد منهم، ولكن قد تقرر عند الشيعة بناء على أصل الرجعة الثابت بالكتاب والسنة (3) أنه يرجع إلى الدنيا عند ظهور المهدي (ع) جماعة من هؤلاء الصحابة المرتدين فيأتيهم المهدي عليه الصلاة والسلام وينتقم منهم أشد الانتقام
211 ويؤيد ما ذكره (1) ناصر الشيعة ما ذكره شيخ الموحدين (2) في الباب الستة والستين (3) بعد ثلاثمأة من كتاب الفتوحات المكية عند ذكر صفات المهدي على آبائه وعليه آلاف التحية والثناء وعلامات ظهوره (ع) حيث قال: اعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله (ص) من ولد فاطمة، يواطي اسمه اسم رسول الله (ص) جده الحسين بن علي بن أبي طالب يبايع بين الركن والمقام يشبه رسول الله (ص) في أخلاقه والله يقول فيه: وإنك لعلى خلق عظيم، هو أجلى الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية يأتيه الرجل فيقول له: يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله يخرج على فترة من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، يمسي جاهلا بخيلا جبانا ويصبح أعلم الناس أكرم الناس أشجع الناس يصلحه الله في ليلة يمشي النصر بين يديه، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا، يقفو أثر رسول الله (ص) لا يخطي، له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل ويقوى الضعيف في الحق ويقرى الضيف ويعين على نوائب الحق يفعل ما يقول، ويقول ما يعلم، ويعلم ما يشهد يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله يمرج الشام، يبيد الظلم وأهله، يقيم الدين ينفخ الروح في الاسلام يعز
212 الاسلام به بعد ذله، ويحيا بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول الله (ص) لحكم به، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص أعدائه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه عن الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقايق عن شهود وكشف بتعريف إلهي، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه ثم قال بعد ورقة: ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله، كما يفعل الحنفيون والشافعيون فيما اختلفوا فيه، ولكن الله يظهره بالسيف والكرم فيطمعون ويخافون ويقبلون حكمه من غير إيمان بل يضمرون خلافه ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم، لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع، وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد، وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون فاسد الخيال لا يلتفتون إليه (إنتهى) (1)
213 وأما ثانيا فلأن قوله: لو كان كذلك لجاء الله بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق الخ. مردود: بأنه لا دلالة للآية على أن الله تعالى يأتي بقوم يحارب المرتدين ويقهرهم بالسيف والسنان كما يشعر به كلام هذا المسمى بالإمام، وإنما صريح مدلول الآية: أنه يأتي في مقابل المرتدين بقوم راسخين في الدين مؤيدين بالحق واليقين أعم من أن يقع بينهما قتال أم لا، فجاز أن يأتي الله تارة بقوم ينصرون الدين ويقاتلون المرتدين بالسيف والسنان وتارة بقوم منصورين بالحجة والبرهان. نعم لما حمل أهل السنة الآية على ذلك أجابت الشيعة على سبيل مجاراة (1) الخصم بأنه جاز أن يكون المراد بها عليا عليه آلاف التحية والثناء على هذا التقدير أيضا لأنه قاتل المرتدين من الناكثين (2) والقاسطين والمارقين فقوله: فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن دين الاسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويبطل شوكتهم مردود كما ترى، وكذلك قوله: لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم لما عرفت إن حكم الآية أعم من ذلك اللهم إلا أن يراد بقهرهم وإبطال مذهبهم إقامة الحجة والبرهان دون استعمال السيف والسنان وهذا حاصل بحمد الله تعالى للشيعة أيدهم الله بنصره في ساير (3) الأزمنة، ولهذا ترى هذا المتسمى
219 بالإمام قد ماج عقله وهاج (1) بقله واختل كلامه وانحل زمامه (2) عند تكلمه هيهنا في رد استدلال الشيعة بهذه الآية الواحدة فسود ورقة كلها هذر وجلها شذر (3) مذر وهو يعلم أنه محجوج لكن هوى الأصول (4) الفاجر يحمله على سوء المكابرة وأما ثالثا فلأن ما ذكره من أن أمر الشيعة بالضد يدل على أنه لم يعرف معنى الضد إذ المضادة إنما يتحقق لو حكموا بارتداد الشيعة من حيث مخالفتهم لهم في مسألة الإمامة ولم يحكم بذلك هذا الرجل ولا أحد من أهل نحلته (5) فكيف يقولون بذلك مع أن مسألة الإمامة عندهم من الفروع كما مر. والمجتهد المخالف في شئ من الفروع وكذا مقلده لا يكون فاسقا فضلا عن أن يكون مرتدا، فغاية أمر الشيعة أن يكونوا قوما مقهورين للمستولين في زمانهم من أهل الردة ينتظرون حضور إمامهم ودنوا الوقت الذي وعدهم الله بقوله: فسوف يأتي الله بقوم الآية (6) ولهذا قال الشيخ ابن العربي: إن أسعد الناس حالا بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو شيعة الكوفة كما مر فافهم. وأما قوله إن الشيعة ممنوعون عن إظهار مقالاتهم ممنوع ولو سلم فقد جرت عادة الله على إيصال مقالاتهم وحججهم إلى الملحدين
220 المرتدين نصرة للدين المبين كما أوصل هذه المقالة ونحوها إلى فخر الدين وفاء بما وعده بقوله: وكان حقا علينا نصر المؤمنين (1) وأما رابعا فلأن ما ذكره في الوجه الثاني من المقام الثاني من أن أبا بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين غير مسلم وما شرحه سابقا مما لا ينشرح به صدر من له قلب، وذلك لأنا لا نسلم أن الذين ارتكب أبو بكر قتالهم كانوا من أهل الردة لما سبق من أن من عدهم أبو بكر وأصحابه من أهل الردة كانوا قسمين (2) قسم لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة (3) وسجاح فهؤلاء كانوا كفارا حربين لم يسلموا قط فإطلاق الارتداد عليهم مخالف للعرف واللغة والثاني قوم منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر وفرقوها على فقراء قومهم لاعتقادهم عدم استحقاق أبي بكر للخلافة وأن المنصوص عليه هو علي (ع) كما مر تفصيلا وهذا لا يوجب الارتداد عن الدين كما لا يخفى. وأما خامسا فلأن ما ذكره في الوجه الأول من الجواب عن الالزام اللازم له من أن القوم الذين قاتلهم أبو بكر من أهل الردة ما كانوا موجودين في الحال فبطلانه ظاهر لأن رئيس فرقة ممن سموهم مرتدين كان مسيلمة وسجاح وهم كانوا في زمان النبي (ص) ورئيس بني (4) حنيف كان مالك (5) بن نويرة وهو كان من
221 الصحابة وكذا الكلام في بني كندة (1) فإن رئيسهم كان أشعث بن (2) قيس الذي صار صهرا لأبي بكر بعد حكمه بارتداد. وأما سادسا فلأنه يتوجه على ما ذكره من الوجه الثاني أنه إن أراد بالقدرة والتمكن من الحرب والاستقلال فيه قدرة أبي بكر وتمكنه بنفسه فهو لم يكن أبدا
222 قادرا على أقل من ذلك أيضا وإنما كان مرافقته مع عسكر الرسول كمصاحبة الحجر (1) الموضوع بجنب الانسان بل أدون حالا، لأنه كان يفر والحجر لا يفر وإن أراد التمكن والقدرة بمعونة غيره من المهاجرين والأنصار فهذه القدرة كانت حاصلة للنبي (ص) مع زيادة لأن القوم وهم أبو بكر وجماعة المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا المرتدين بإشارته كانوا موجودين في زمان النبي (ص) حاضرين في خدمته، فلما معنى تخصيص الله تعالى إنذاره للمرتدين بإتيان ذلك القوم بعد زمان النبي (ص) كما يقتضيه سياق الكلام على أن هذا التوجيه لا يتمشى بالنسبة إلى قتال مانعي الزكاة فإن المنع منهم لم يتحقق في زمان نزول الآية حتى يصح أن يقال: إن أبا بكر لم يكن في ذلك الزمان قادرا مستقلا في قتالهم، فإن القدرة والاستقلال على شئ فرع وجوده كما لا يخفى. وأما سابعا فلأن ما ذكره من أن اسم المرتد إنما يتناول من كان تاركا لشرايع الاسلام الخ، مردود بأن الناكثين والقاسطين والمارقين كانوا عند الإمامية مرتدين فإنكارهم للأصل الخامس من أصول الشرايع وهو الإمامة وقد مر (2) بيان أصالة هذه المسألة في أوائل هذا الباب فتذكر. وأما ثامنا فلأن قوله: وما كان أحد يقول: إن عليا إنما يحاربهم لأجل أنهم خرجوا عن الاسلام، إن أراد به أن أحدا من أهل السنة لم يقل فمسلم، ووجهه ظاهر، لأنهم قرروا أن الإمامة من الفروع كما مر لكن هذا لا يقوم حجة وإن أراد أن عليا وشيعته القائلين بأن الإمامة من الأصول لم يقولوا بذلك فممنوع والسند (3) ما روي
223 عن علي (ع) من أنه قال يوم الجمل: ما قوتل أهل هذا الآية حتى اليوم ويؤبده ما روي في صحيحي البخاري ومسلم من حديث الحوض المشهور الدال على ارتداد بعض جماعة من الصحابة وسيذكرها (1) المصنف بعد ذلك في الموضع اللايق بهما وسأنبهك إن شاء الله تعالى في تحقيق حديث (2) الطير على شئ مما تطلع به على الفئة التي وصفهم الله سبحانه في هذا الآية بالمحبة التي اشتق منها اسم حبيبه لتطلع على حقيقة النسبة التي هي بين النبي (ص) والولي. ويظهر لك أن إنكار الإمامة كإنكار النبوة وإنكار النبوة كإنكار الألوهية، فعلم أن معرفة الإمام والاعتراف بحقه شطر الأيمان ولولا ذلك لم يحكم الله سبحانه على منكرها بالارتداد، إذ محصل معنى الآية وعيد لمن أنكرها وارتد بذلك عن دين الاسلام، بإتيان فئة يعرفون صاحبها ويعترفون بحقه يحبهم الله ويحبونه لمحبتهم إياه والقيام بمودته والبراءة من أعدائه اللهم اجعلنا من زمرة الذين أنعمت عليهم بمحبة أحبائك والبراءة من أعدائك إنك على كل شئ قدير وبالإجابة والتفضل حقيق وجدير. وأما تاسعا فلأن ما ذكره في الوجه الثاني من أنه لو كان كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا لزم الخ قد عرفت جوابه سابقا مما ذكرناه ونقلناه عن النيشابوري. وأما عاشرا فلأن ما ذكره في بيان كون محاربة أبي بكر أعلى حالا من المرتدين مردود بأن ذلك فرع ثبوت أن محاربته كانت مع المرتدين وقد عرفت بطلانه، وأيضا كيف يكون ذلك أعلى حالا مع أن عليا (ع) جاهد المرتدين من أكابر قريش الذين كانوا ذوي الشوكة والعدد بنفسه وأبو بكر كان قاعدا في قعر
224 المبيت يبعث جماعة من أصحاب النبي (ص) إلى قتل المخذولين من أعراب البادية الذين كان ضعفهم ظاهرا كقوة الأصحاب وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (1). وأما الحادي عشر فلأن قوله: لما فعل أبو بكر ذلك استقر الاسلام الخ غير مسلم وإنما استقر بذلك إمامته وسلطنته لأنهم كانوا ينكرون إمامته ويتوقفون في دفع الزكاة إليه وكانوا يثيرون عليه باقي القبائل بقولهم: إن الإمامة حق أهل البيت دونه كما مر. وأما الثاني عشر فلأن قوله: ولما انتهى الأمر إلى علي (ع) فكان الاسلام انبسط الخ مدخول بأن المنبسط إنما كان إسلام العوام وأما الخواص من قريش ومن وافقهم وهم العمدة في عساكر الاسلام فالمفروض أنهم ارتدوا بعد النبي (ص) فكان الخطيب معهم أجل وأعظم وقتالهم أشد وأصعب كما لا يخفى على من اطلع على تفاصيل حرب الجمل وصفين وما ظهر فيها عن قريش من (2) الداء الدفين وأما الثالث عشر فلأن قوله: لأنه لما ثبت بما ذكرناه أن هذه الآية مختصة وقوله: فلما ثبت أن المراد بهذه الآية أبو بكر ثبت اه مجاب بما قيل: ثبت (3) العرش ثم انقش، وكذا الكلام فيما ذكره في الصفة الثانية. وأما الرابع عشر فلأن استفاضة الخبر الذي ذكره للتأكيد ممنوعة، ومن العجب أن الخبر الذي نقله الشيعة إلزاما لهم من كتبهم المحكوم عليها بالصحة عندهم يرد بأنه من باب الآحاد، وهذا الخبر الذي ليس عنه في تلك الكتب عين ولا أثر يسمى
225 مستفيضا. ومن المضحكات قوله بعيد ذلك: إن أبا بكر كان يذب عنه الكفار في مكة فإن النبي (ص) لم يكن (1) يقدر على ذب الكفار ما دام في مكة فضلا عن أبي بكر، ولهذا أذن بعض المؤمنين بالمهاجرة إلى الحبشة وهو بنفسه هرب إلى الغار ومنه إلى المدينة ووفد على الأنصار، نعم لم يكن أحد من قريش يتعرض لأبي بكر لعلمهم بنفاقه أو لأنه كان معلم (2) صبيانهم في الجاهلية، وأكثر شبانهم كانوا تلاميذه فيسامحونه رعاية لحق التعليم، أو لأن وجوده وعدمه كان سواء في مقام الآباء والتسليم. وأما الخامس عشر فلأن قوله: كيف لم يلتفت على قول أحد وأصر على أنه لا بد من المحاربة مع مانعي الزكاة الخ مدفوع بأن عدم التفاته في ذلك إلى قول أحد وإصراره فيه إنما كان لما ظنه من أن إنكارهم يوجب الاخلال في خلافته وليس في هذا ما يوجب مدحه، وكذا الكلام في إظهاره الخروج إلى قتال القوم وحده لأن إظهاره لذلك إنما كان اعتمادا منه على غلبة ظنه بأن الأصحاب يمنعونه عن الخروج أو لتيقنه أنه لو خرج لخرج معه أكثر المهاجرين والأنصار، لابتلائهم بإطاعته وقبوله خلافته وكان واثقا بأن الأمر الذي حصل آخرا بإمرة خالد بن الوليد مع سرية خفيفة يحصل مع ألوف من المهاجرين والأنصار من غير أن يحتاج إلى الفرار. وأما السادس عشر فلأن ما ذكره من أن قوله تعالى: يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم: مشترك بين علي وأبو (أبي خ) بكر فغيره سلم. فإن الخوف من لومة اللائم لم يكن متوهما في قتال من ارتد من العرب في زمان أبي بكر حتى يوصف
226 فاعله بعدم الخوف من ذلك، وإنما كان يتوهم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذين كان فيهم كثير من أصحاب سيد الأنام ومن المتظاهرين بالاسلام، كيف وفي الطايفة الأولى طلحة وزبير من أكابر المشهورين بالصحبة وفيهم عايشة زوجة رسول الله (ص)، وفي الطايفة الثانية معاوية خال المؤمنين ومعه ثلاثة عشر طايفة من طايفة قريش مع الأهل والأولاد، والظاهر أن أكثرهم أيضا كانوا من الصحابة. وأما الفرقة الثالثة وهم الخوارج فكانوا في أعداد الصلحاء وأهل القرآن فكان محل اللوم لكن ما كان هو وأصحابه يخافون من لومة أي لائم كان، لأنهم كانوا على الحق (1) فلا يخافون غير الله ومن المضحكات نسبة الجهاد إلى أبي بكر في أول بعث النبي (ص) وفي زمان إقامته بمكة اللهم إلا أن يراد بذلك الجهاد إنكاره للكفار بقلبه وهذا أيضا في محل المنع عندنا. وأما السابع عشر فلأن قوله: وأما علي (ع) فإنما شرع في الجهاد يوم بدر واحد وفي ذلك الوقت كان الاسلام قويا وكانت العساكر مجتمعة الخ يدل على أنه ورث الأضغان البدرية عن أسلافه من أهل الجاهلية، وذلك لأن العساكر من المهاجرين والأنصار كانوا في يوم بدر ثلاثمأة وبضعة عشر وقتل علي (ع) نصف المقتولين (2) من عسكر الخصم بنفسه وقتل الباقي باقي الأصحاب مع الملائكة (3) المسومين وكانوا
227 في أحد أقل من ذلك وفي الأحزاب احتاجوا إلى حفر الخندق والتحصن به إلى أن فتح الله تعالى على يد علي (ع) بقتل عمرو بن عبد ود. وقال (1) فيه رسول الله (ص) لضربة علي (ع) يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين، وكذا الحال في خيبر وحنين
228 وقد فر (1) أبو بكر في هذه الوقايع كما تدل عليه الأخبار ويشعر به كلام (2) ابن
229 أبي الحديد المعتزلي في بعض الأشعار حيث قال شعر وليس ينكر في حنين فراره * ففي أحد قد فر خوفا وخيبرا ولو كان الاسلام في تلك الأيام قويا بكثرة أهل الاسلام وقلة أهل الكفر فقد كان فرار أبي بكر بالغا غاية العار ونهاية العوار، بل كانت (1) كبيرة مفضية إلى النار. وأما الثامن عشر فلأن قوله: إن جهاد أبي بكر كان متقدما على جهاد علي (ع)
230 في الزمان فكان أفضل لقوله تعالى (1): لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، إنما يتم لو ثبت أنه قاتل قبل علي (ع) وقد عرفت أن القتال ومبارزة الاقتران لم يقع عن أبي بكر قط ولم يذكر له في الاسلام جريح فضلا عن قتيل مدة حياة رسول الله (ص) وبعد وفاته. وكذا قد عرفت بطلان ما ذكره في الوجه الثاني من أن جهاد أبي بكر كان في وقت ضعف الخ وستعرف (2) أن نسبة الانفاق إلى أبي بكر إنما هي من موضوعات أهل النفاق فكيف يلزم التفضيل. وأما التاسع عشر فلأن ما ذكره في الصفة الرابعة مما لا يخفى وهنه على من رجع إلى ما ذكره في موضع استدلاله على ذلك بقوله: ولا يأتل أولي الفضل منكم، فإنه ذكر في تفسير هذه الآية أيضا تشكيكات ومخالطات لا ينخدع بها إلا حمقاء أهل نحلته (3)، ولنذكر روما للاختصار وتنبيها على صدق إظهارنا للرد والانكار عمدة ما بنى عليه هناك من المقدمات الفاسدة والدعاوي الكاذبة الكاسدة. فقول قال: أجمع المفسرون على أن المراد من قوله: أولوا الفضل، أبو بكر، وهذه الآية تدل على أنه كان أفضل الناس بعد رسول الله (ص) لأن الفضل المذكور في هذه الآية، أما في الدنيا وأما في الآخرة، والأول باطل، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح، والمدح بالدنيا من الله غير جايز، ولأنه لو كان كذلك، لكان قوله: والسعة تكريرا، فتعين أن يكون المراد منه الفضل في الدين فلو كان غير مساو له في الدرجات في الدين، لم يكن هو صاحب الفضل، لأن المساوئ للفاضل يكون فاضلا، فلما أثبت الله تعالى الفضل مطلقا غير مقيد بشخص دون شخص وجب أن يكون أفضل الخلق ترك العمل به في حق الرسول (ص)،
231 فيبقى العمل به في الغير، فإن قيل: نمنع إجماع المفسرين على اختصاص هذه الآية بأبي بكر. قلنا: كل من طالع كتب التفسير والأحاديث على أن اختصاص هذه الآية بأبي بكر بلغ إلى حد التواتر، فلو جاز منعه، لجاز منع كل متواتر (إنتهى) وأقول: يتوجه عليه أولا لا نسلم إجماع المفسرين من أهل السنة على ذلك فضلا عن اتفاق مفسري الشيعة معهم، بل قد ذهب جماعة من أهل السنة أيضا على أنها نزلت في جمع من الصحابة حلفوا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشئ من الإفك ولا يواسوهم، ويؤيدهم لفظة (أولوا) بصيغة الجمع وعلى تقدير أنه ورد في قصة مسطح ومنع أبي بكر الصدقة عنه مع إباء لفظة (أولوا) بصيغة الجمع عنه كما أشرنا إليه، فلم لا يجوز أن يكون نزولها في شأن مسطح أصالة وأبي بكر بالعرض؟ وما الذي جعل القضية منعكسة؟ مع ظهور أن المقصود الأصلي من الآية المواساة مع مسطح وسد خلته والرد على من خالف ذلك كما لا يخفى، وأما قوله: لو جاز منع هذا لجاز منع كل متواتر، ففيه أنه إن أراد تواتره لفظا فتوجه المنع عليه ظاهر لا مدفع له، لأن النقاد من أهل الحديث حصروا الأخبار المتواترة لفظا في الواحد (1) أو الاثنين (2) أو الثلاث (3)، وإن أراد به التواتر المعنوي، فليس هنا روايات متعددة مستفيضة يكون القدر المشترك بينها متواترا، فلا يثبت التواتر المعنوي وثانيا أن ما قاله من أن الله تعالى ذكره في معرض المدح ممنوع، ولعله توهم
232 هذا من الوصف العنواني في الفضل والسعة ولم يعلم أن مثل هذا الوصف قد يعرض للكافر السخي الذي له فضل حاجة وغنى وسعة، بل قد يجتمع مع الذم، فيقال: إن القوم الفلاني مع كونهم من أولوا الفضل والسعة يبخلون بما آتيهم الله تعالى، ويقال: إن أبا بكر وأضرابه من الأصحاب مع ما نسب إليهم من المال والانفاق قد بخلوا عند نزول آية النجوى عن تقديم صدقة، بين يدي نجوى النبي (ص) حتى نسخت الآية فافهم، وذق إنك أنت العزيز الكريم (1)، ومن العجب إنه ذكر قبيل هذا الكلام أن المراد من قوله: ولا يأتل أولي الفضل، لا تقصروا في أن تحسنوا، فحمل الفضل على الاحسان والاعطاء ثم نسي ذلك بعد سطور وأصر في أن المراد الفضل بمعنى زيادة الثواب أو العلم، مع أن الفضل بهذين المعنين لا يظهر لهما وجه هيهنا إذ كثير من أهل الفضل بمعنى زيادة الثواب أو العلم لا يقدرون على إنفاق صلة الرحم وأقل من ذلك، وكذا نمنع أن المدح من الله تعالى بالدنيا غير جايز، كيف؟ وقد وقع التمدح بها في القرآن بقوله: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء (2) الآية إلى غير ذلك، فإن التبوء في الأرض الذي هو من نعم الدنيا لو لم يكن ممدوحا، لما مكن الله تعالى يوسف منه على نبينا وآله وعليه السلام منه بل نقول: الآية قادحة في فضيلة أبي بكر، لاشتمالها على نهيه تعالى عما أتى به أبو بكر من الحلف على أن لا ينفق مسطحا ومن معه، كما روي (3) في شأن النزول، فدلت الآية على صدور المعصية من أبي بكر، وما أجاب به هذا المتسمى بالإمام في أواخر هذا المقام: من أن النهي لا يدل على وقوعه قال الله تعالى لمحمد (ص)
233 ولا تطع الكافرين (1) ولم يدل ذلك على أنه (ع) أطاعهم الخ مدخول بأن مجرد النهي وإن لم يدل على ذلك، لكن ما رواه هذا المجيب من شأن النزول سابقا، صريح في الوقوع حيث قال: لما نزلت آية الإفك، قال أبو بكر لمسطح وقرابته: قوموا فلستم مني ولست منكم ولا يدخلن علي أحد منكم، فقال مسطح: أنشدكم الله والاسلام وأنشدكم القرابة والرحم أن لا تخرجنا إلى أحد، فما كان لنا في أول الأمر من ذنب فلم يقبل عذره، وقال: انطلقوا أيها القوم، فخرجوا لا يدرون أين يذهبون؟ وأين يتوجهون من الأرض الخ فإنه صريح في ترك النفقة عنهم ولو في يوم والانكار مكابرة، على أن المنع عن الحلف الواقع قطعا كان في ثبوت المعصية كما لا يخفى، وحمل النهي على التنزيه من ترك الأولى كما ارتكبه من ضيق الخناق (2)، مردود بأن الأصل في النهي التحريم، وحمله على التنزيه من باب ترك الأولى، وفي شأن الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين إنما ارتكبه العلماء بمعونة قيام دليل عصمتهم، وإذ لا عصمة لأبي بكر يكون الحمل فيه محالا. وثالثا أن ما توهمه من لزوم التكرار إنما يلزم لو كان الفضل بمعنى الزيادة على الحاجة في الدنيا متحدا في المعنى مع السعة وليس كذلك، لأن معنى السعة أوسع مما يملكه الشخص زيادة على حاجته، فلا يلزم التكرار. ورابعا أن ما ذكره من أنه لو كان غير مساو له في الدرجات لم يكن هو صاحب الفضل الخ فيه من الخبط ما لا يخفى، لظهور أن مساواة فاضل لآخر في الدرجة، إنما ينافي أفضليته عن ذلك، لا أنه ينافي صدق كونه فاضلا، أو صاحب فضل كما توهمه، وقوله: فلما أثبت تعالى الفضل مطلقا الخ بناء على مهدوم، لما عرفت من انتفاء الاطلاق مطلقا فافهم.
234 وأما العشرون فلما في قوله: إنا بينا بالدليل أن هذه الآية لا بد وأن يكون في أبي بكر الخ من الاشتباه والالتباس والبناء على غير أساس. وأما الحادي والعشرون فلأن ما ذكره من أن خبر يوم خيبر من باب الآحاد، مسلم لكنه مستفيض، بل يكاد أن يكون متواتر المعنى، وما ذكره: من أن خبر الواحد لا يجوز التمسك به عند الإمامية (1) في العمل فكيف يجوز التمسك به في العلم؟ مدفوع: بأن القول بعدم اعتبار خبر الواحد، قول شذوذ من الشيعة كما هو قوله شذوذ (2) من أهل السنة أيضا على ما ذكر في كتب الأصول، ولو سلم فجاز أن يكون التمسك به إلزاميا (3) لجمهور أهل السنة القائلين بحجية خبر الواحد. وأما الثاني والعشرون، فلأن قوله: إثبات هذه الصفة لعلي (ع) لا يوجب انتفائها عن أبي بكر، لا يسمن ولا يغني من جوع (4) لظهور فضل من ثبت له ذلك على من لم يثبت له وإن لم يقتض نفيه عنه في الواقع فإن عدم اقتضاء النفي أمر مشترك بين
235 أبي بكر وساير من لا يدل اللفظ على ثبوت ذلك لهم حتى عبد أبي بكر، على أن سوق الكلام صريح في الدلالة على انتفاء ذلك عن الغير مطلقا، وأما ما ذكره بقوله: وبتقدير أن يدل على ذلك لكنه يدل الخ فمردود بأن تلك الصفات متلازمة، فنفي بعضها ككونه كرارا غير فرار يستلزم نفي الباقي وهو محبة الله تعالى ورسوله له ومحبته لله ورسوله، لظهور أن محبة الشخص لله ورسوله وإخلاصه لهما، يقتضي أن تهون عليه نفسه، فلا يفر عن أعدائهما ويجاهد في الله حق جهاده، وكذا محبة الله ورسوله يستلزم تأييده في الجهاد بعدم فراره، خصوصا إذا لم يكن المقاومة مع العدو فوق الطاقة البشرية كما كانت في القضية المذكورة، بل الوصفان الأولان بمنزلة العلة للوصفين الآخرين فكان في الكلام تعريض (1) للرجلين بأن فرارهما إنما كان لعدم محبتهما لله ورسوله وبالعكس، فظهر أن اللفظ بمعونة الاستلزام والعلية المذكورين يدل على ذلك كما لا يخفى على من تأمل في مقتضيات الحال والمقام وأما ما ذكره بقوله: وأيضا فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة للمذكور في هذه الآية الخ فمدخول بأنه: لو سلم أن الآية بمجردها لا يمنع عن حصول تلك الصفة لأبي بكر في الزمان المستقبل، لكن التواريخ (2) والسير قد دلت على أنه لم تحصل تلك الصفة لأبي بكر قط في المستقبل من الزمان أيضا، اللهم إلا أن
236 يقال: إنه اتصف بكونه غير فرار في الزمان المستقبل وأيام خلافته لقراره في ذلك الزمان في بيته والتزامه للعافية وعدم خروجه عن المدينة لقتال ولا صيد ضب، وهذا مما لا يمكن إنكاره كما لا يخفى. وأما الثالث والعشرون فلأن قوله: ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن وما ذكروه تمسك بالخبر المنقول بالآحاد فغير مسلم لأن الشيعة أيضا تمسكوا بظاهر القرآن، لكنهم جعلوا التمسك بالخبر أصلا ودليلا والظاهر مؤيدا له ودعوى الظهور فيما ذهبوا إليه أظهر كما أوضحناه، بل نقول: ليس ظهور الآية في دلالتها على القوم المعين بوجه يصلح للاحتجاج به لأن ما يمكن أن يتوهم منه ظهور ذلك لا يخلو إما أن يكون قوله تعالى: ومن يرتد فلا دلالة له على ذلك قطعا، لما ذكره هذا الرجل سابقا: من أن كلمة (من) في معرض الشرط للعموم، فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن الاسلام، فإن الله يأتي بقوم يقهرهم الخ فلا دلالة له على خصوص من قاتلهم أبو بكر، إذ لا دلالة للعام على الخاص فضلا عن ظهور دلالته على شئ وإما أن يكون لفظ قوم في قوله تعالى يأتي الله بقوم، ولا ريب في أن مفهوم القوم أمر كلي يتساوى صدقه على أفراده كالانسان بالنسبة إلى أفراده، فدعوى أنه ظاهر في الدلالة على أبي بكر ومن وافقه في قتال أهل الردة تحكم لا يخفى، وأما الأوصاف فقد عرفت أن دعوى ظهور انطباقها على حال أبي بكر خارج عن الانصاف ولو فتح أبواب التفسير بمثل هذا الظهور لأمكن دعوى ظهور دلالة قوله تعالى: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم على إرادة إضاعة رجل اسمه نور الله، (1) وكان له أعداء وحساد وكذا جاز دعوى
237 ظهور ما نقله (1) جلال الدين السيوطي (2) الشافعي في كتاب الاتقان عن ابن فورك (3) في تفسيره في قوله تعالى: ولكن ليطمئن قلبي، أن إبراهيم كان له صديق وصفه بأنه قلبه أي ليسكن هذا الصديق إلى هذه المشاهدة إذا رآها عيانا، انتهى مع أنهم عدوا مثل هذا التفسير من التفسيرات المنكرة التي لا يحل الاعتماد (4) عليها، ولنعم ما قال بعض العلماء (5): إن في تفسير فخر الدين الرازي كل شئ إلا التفسير وأما الرابع والعشرون فلأنا لا نسلم أن قوله تعالى: ولسوف يرضى ورد في حق أبي بكر، بل روي (6) أنه وارد في حق أبي ذر أو أبي الحداد (7) كما نقله
238 شارح الطوالع (1) عن الواحدي (2) في تفسيره، وقد بينا في رسالتنا المعمولة لتحقيق هذه الآية، أنه لا مناسبة بالآية للرواية التي اختلقوها لنزولها في أبي بكر فارجع إليها. وأما الخامس والعشرون فلأن الحديثين الذين ذكرهما في معرض المعارضة من الموضوعات (3) المشهورة الملومة المدحورة عند محدثي أهل السنة أيضا، كما صرح به الشيخ المحدث مجد الدين (4) الفيروزآبادي الشافعي في خاتمة كتابه الموسوم بسفر
239 السعادة حيث قال: أشهر المشهورات من الموضوعات: إن الله (1) يتجلى للناس
240 عامة ولأبي بكر خاصة، وحديث (1) ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في أبي بكر
241 وحديث (1) أنا وأبو بكر كفرسي رهان، وحديث (2) إن الله لما اختار
242 الأرواح اختار روح أبي بكر، وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل (إنتهى كلامه) وقد صرح بوضع الحديثين أيضا مؤلف (1) كتاب تذكرة الموضوعات نقلا عن الخلاصة (2) والمختصر (3) تأليف الشيخ المذكور. وأما السادس والعشرون فلأنا قد أثبتنا سابقا دلالة الآية التي بعد هذه الآية التي نحن فيها على إمامة علي (ع) بوجه، يوجب إسقاط ما أشار إليه من المنع، ولا يتوقف فيه من له فطرة سليمة وفطنة قويمة، فتذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (4) فهذا غاية الشوط في هذا المضمار والله أعلم بحقايق الأسرار. قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والعشرون قوله تعالى: والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون (5) روى (6) أحمد بن حنبل نزلت في علي (ع).
243 قال الناصب خفضه الله أقول لا شك أن عليا من الصديقين والشهداء، والظاهر أن الآية نزلت في جماعة من الصديقين والشهداء، ويمكن أن تكون نازلة في الخلفاء وإن صح نزولها في علي، فهي من فضايله، وليست دالة على مدعي النص (إنتهى) أقول قد ذكرنا سابقا أن عليا (ع) قال على منبر الكوفة: أنا الصديق الأكبر، والكلي ينصرف إلى الفرد الكامل، فينصرف الصديق في الآية إلى علي (ع) دون غيره فافهم وأما احتمال نزول الآية في الخلفاء، فإنما يتم لو أريد من الشهداء الذين يشهدون عند الحاكم في الدنيا والآخرة. وأما إذا كان المراد المقتولين في سبيل الله فلا، لأن من الخلفاء أبا بكر، وقد مات حتف أنفه، وأما ما ذكره من أن هذه الآية لا تصلح دليلا على مدعي النص فقد عرفت جوابه مرارا.
245 قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والعشرون قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية (1)، روى الجمهور (2) أنها نزلت في علي (ع) كانت معه أربعة دراهم أنفق في الليل درهما، وبالنهار درهما وفي السر درهما، وفي العلانية درهما (إنتهى).
246 قال الناصب خفضه الله أقول: ذكر المفسرون من أهل السنة: إن الآية نزلت في علي وهو من فضائله، ولا يثبت به مدعى النص (إنتهى). أقول إن الآية تدل على أنه (ع) لتفرده بهذه الصدقة كان أسخى من ساير الصحابة، فيكون أفضل منهم وأحب إلى الله تعالى، وهذا أيضا داخل في مدعى المصنف كما مر. قال المصنف رفع الله درجته الخامسة والعشرون قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (1) في صحيح مسلم (2) قلت: يا رسول الله
252 أما السلام عليك، فقد عرفناه، وأما الصلاة عليك فكيف هي؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول كأنه نسي المدعى وهو إثبات النص، وأخذ بذكر فضائل علي وهذا أمر مسلم واتفق العلماء على أنها نزلت فيهم آيات كثيرة ومن يظن أنه ينكر فضل محمد وآله فما ينكره إلا من ينكره ضوء الشمس والقمر (إنتهى). أقول قد مر أن الناصب نسي عنوان المبحث أو يتجاهل ترويجا لكاسده، فإن المصنف جعل المدعى هناك ذكر ما هو أعم من أن يدل على النص على الإمامة والأفضلية بل الفضيلة وإثبات أفضليته (ع) عن غيره ممن غصب الخلافة بمنزلة النص عليه، لأنها من جملة شرايط الإمامة كما بين فيما سبق، وإذا ثبت ذلك فيه دون غيره ثبت المطلوب، ولا ريب في أن الأمر باقتران صلاة النبي (ص) بصلاة الآل دون الصلاة على غيرهم مع كون استحقاقها في مكان ومرتبة، وقد ذهب القوم إلى أن تخصيص واحد بها في الذكر من خصايص النبوة يدل على الإمامة لدى الانصاف،
272 كيف لا؟ والسر في ذلك على ما تفطن به السلطان الفاضل السعيد غياث الدين أولجايتو محمد خدابنده (1) أنار الله برهانه إن آل الأنبياء السابقين لما لم يكونوا أوصيائهم في حفظ شريعتهم لتطرق النسخ على أديانهم وعدم الحاجة إلى حافظ لها بعدهم يكون شريكا لهم في إيصالها على وجهها إلى من بعدهم لم يستحقوا الصلاة ولم يجب اقتران صلاة الأنبياء بصلاتهم أصلا، ولما كان دين نبينا (ص) مأمونا عن النسخ والتبديل وكان على آله وعترته الأوصياء المعصومين حفظه بعده إلى يوم القيامة أوجب مشاركتهم معه في حفظ الدين وإبلاغه إلى من بعده على وجه خال عن الخلل والتوهين، فشاركهم معه (ص) في استحقاقهم الصلاة وتوجيهه إليهم كما إليه (ص) وأيضا الكلام حقيقة في أن الصلاة عليهم واجبة في في الصلاة التي هي أفضل الأعمال البدنية ولا تصح بدونها، ومن كان هذا شانه كان أفضل، وقد روى (2) ابن حجر (3) المتأخر في الباب العاشر من صواعقه عن الشافعي إمامه وإمام هذا الناصب الشقي شعرا في ذلك وهو ذلك قوله: يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر إنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له وقال عند الاستدلال بهذه الآية على كرامة أهل البيت: إنه (ص) أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمهم، ومن ثم لما أدخل من مر في الكساء قال: اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك
273 ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم، وقضية استجابة هذا الدعاء إن الله تعالى صلى عليهم معه، فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه، ويروى (1) لا تصلوا علي الصلاة البتراء، فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد وتمسكون بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد (إنتهى) قال المصنف رفع الله درجته السادسة والعشرون قوله تعالى: مرج البحرين يلتقيان (2)، روى الجمهور (3)
274 قال ابن عباس علي وفاطمة بينهما برزخ (1) لا يبغيان النبي (ص) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين، ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة (إنتهى)
276 قال الناصب خفضه الله أقول: هذا ليس من تفاسير أهل السنة ثم ما ذكره من أن النبي (ص) برزخ بين فاطمة وعلي، فلا وجه له وإن صح التفسير دل على فضيلته لا على النص المدعى (إنتهى) أقول هذا مما نقله صاحب كشف الغمة (1) عن الحافظ (2) أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، عن أنس، وهو مذكور في بعض التفاسير (3) وأكثر كتب المناقب (4)، وقد أشار إليه الشيخ عز الدين (5) عبد السلام المقدسي الشافعي في فصل من
277 بعض رسائله المعمولة في مدح الخلفاء حيث قال: فلما حملت خديجة رضي الله عنها بفاطمة عليها السلام كانت فاطمة تحدثها من بطنها وتؤنسها في وحدتها، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله (ص)، فدخل النبي يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة لمن تحدثين (بمن تتحدثين خ ل) قالت: أحدث الجنين الذي في بطني فإنه يحدثني ويؤنسني، قال: يا خديجة أبشري فإنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، فإن الله تعالى قد جعلها من نسلي، وسيجعل من نسلها خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه، فما برح ذلك النور يعلو وأشعته في الآفاق تنمو حتى جاءه الملك فقال: يا محمد أنا الملك محمود وأن الله بعثني أن أزوج النور من النور، فقال رسول الله (ص) ممن؟ قال: علي من فاطمة،، فإن الله قد زوجها من فوق سبع سماوات وقد شهد ملاكها (1) جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفا من الكروبيين وسبعين ألفا من الملائكة الكرام الذين إذا سجد أحدهم سجدة لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة، أوحى الله تبارك وتعالى إليهم أن ارفعوا رؤسكم واشهدوا ملاك علي بفاطمة فكان الخاطب جبرئيل والشاهدان ميكائيل وإسرافيل، ثم أمر الله عز وجل بحور العين أن يحضرن تحت شجرة طوبى وأوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك، فنثرت ما فيها من جوز ولوز وسكر فاللوز من در والجوز من ياقوت، والسكر من سكر الجنة فالتقطته حور العين، فهو عندهن في الاطباق تتهادينه، ويقلن هذا من نثار تزويج فاطمة بعلي، فعند ذلك أحضر النبي (ص) أصحابه، وقال: أشهدكم أني زوجت فاطمة من علي (ع) فلما التقى البحران، بحر ماء النبوة من فاطمة عليها السلام وبحر ماء الفتوة من علي كرم الله وجهه، هنالك مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان
278 برزخ التقوى لا يبغي علي على فاطمة بدعوى ولا فاطمة على علي بشكوى، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان اللؤلؤ: الحسن، والمرجان: الحسين، فجاءا سبطين سيدين شهيدين حبيبين إلى سيد الكونين فهما روحاه وريحانتاه، كلما راح عليهما وارتاع إليهما يقول: هذا ريحانتاي من الدنيا، وكلما اشتاق إليهما يقول: ولداي هذان سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما، وفاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما يؤذيها، ويسرني ما يسرها، قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (إنتهى) وبه ظهرا أيضا وجه كون النبي (ص) برزخا بينهما، فإن وجوده (ص) مؤكد لعصمتهما وعدم صدور خلاف الأولى من أحدهما إلى الآخر وأما قول الناصب: وإن صح التفسير دل على فضيلته لا على النص، فمردود بأنه قد دل على عصمته لا أقل على أفضليته، وهذا من جملة ما ادعاه المصنف كما مر، بل لو دل على مجرد الفضيلة، لكان من متممات المدعى لأن ذكرها وذكر غيرها من جهات الفضيلة الحاصلة فيه (ع) يدل على حصر جهات الفضيلة فيه، فيلزم منه أفضليته على من لم يستجمعها كما لا يخفى وقد اعترف الناصب بذلك فيما بعد عند استدلال المصنف في المطلب الرابع على علمه (ع) بما روى (1) من قوله (ص) من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده الخ حيث قال إن الجامع للفضائل أفضل ممن تفرق فيهم الفضائل (إنتهى)
279 قال المصنف رفع الله درجته السابعة والعشرون قوله تعالى: ومن عنده علم الكتاب (1)، روى الجمهور (2) هو علي (إنتهى)
280 قال الناصب خفضه الله أقول: جمهور المفسرين على أن المراد به علماء اليهود الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأضرابه، وقيل المراد به أيضا هو الله تعالى، ويكون جمعا بين الوصفين، وأما نزوله في شأن علي فليس في التفاسير وإن سلمنا لا يستلزم المطلوب (إنتهى) أقول اعترض على القول بأن المراد عبد الله بن سلام وأضرابه بأن إثبات النبوة بقول الواحد والاثنين مع جواز الكذب على أمثالهم لكونهم غير معصومين لا يجوز وعن سعيد ابن جبير (1) إن السورة مكية وابن سلام وأصحابه آمنوا بالمدينة بعد الهجرة كذا في تفسير النيشابوري (2)
283 وأنا أقول أيضا: إن الكتاب يتبادر منه القرآن دون التوراة والإنجيل مثلا، نعم المتبادر من أهل الكتاب اليهود والنصارى وأين هذا من ذاك؟ وأما ما ذكره: من أن الرواية التي رواها المصنف ليس في التفاسير، فمردود بأن الثعلبي رواها في تفسيره من طريقين (1) أحدهما: عن عبد الله بن سلام إن النبي (ص) قال: إنما ذلك علي بن أبي طالب، ورواها الشيخ جلال الدين السيوطي (2) في كتاب الاتقان (3) في معرفة علوم القرآن، قال: قال سعيد بن منصور في سننه حدثنا أبو عوانه عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى ومن عنده علم الكتاب (4) أهو عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف وهذه السورة مكية (إنتهى) وكذا رواه البغوي (5) في معالم التنزيل ومن العجب أن صاحب الاتقان وصاحب المعالم والثعلبي رووا ذلك عن عبد الله بن سلام وخصوصا الثعلبي (6) رواه بصيغة الحصر، ومع هذا ترى الناصب لا يبالي عداوة علي (ع) وإنكار فضائله عن النكال والملام وأما ما ذكره: من أنه لا يستلزم المطلوب، ففيه أنه إذا كان علي بن أبي طالب (ع)
284 عنده علم الكتاب، كان حاجة الأمة إليه أمس في الاتباع وأخص في الانتجاع (1)، لحاجتها إلى معرفة الحلال والحرام والواجب والمندوب في جميع الأوامر والنواهي إلى غير ذلك مما يشتمل عليه الكتابي، لأنه (ع) لجميع ذلك، والاتباع لطريق النجاة من الضلال والسلوك محجة البيضاء، لا يحصل إلا بأخذ البيان ممن هو موثوق به قد نبه الله ورسوله عليه، وفي الاتباع لغيره عكس جميع ذلك المذكور لعدم العلم به عقلا وسمعا، فيكون هو أولى بإمامة الأمة. قال المصنف رفع الله درجته الثامنة والعشرون قوله تعالى: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه (2) قال ابن عباس (3) علي (ع) وأصحابه (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: ظاهر الآية يدل على أنها في جماعة يكونون مع النبي (ص) في الآخرة وعلي من جملتهم، لأن عدم الخزيان في القيامة لا يختص بالنبي (ص) وعلي، بل خواص أصحابه داخلون في عدم الخزيان، وإن سلم لا يثبت النص المطلوب (إنتهى)
285 أقول لا شك أن ظاهر الآية ما ذكره من إرادة الجماعة، لكن الرواية على ما في نسخة المصنف متضمنة لذكر أصحاب علي (ع) معه كما ذكرناه، والناصب حذف النون ذلك عن النسخة ليتسع له الاعتراض على المصنف بوجه وأما ما ذكره: من أن خواص أصحاب النبي (ص) داخلون في عدم الخزيان إن أراد بهم خواص أصحابه الذين كانوا بعده من خواص أصحاب علي (ع) أيضا كبني هاشم والمقداد وسلمان وأبا ذر وعمار وأمثالهم فهو مسلم ولا يفيده، وإن أراد خواص أصحاب النبي (ص) ممن انحرف بعده (ص) عن علي (ع) وغصب عنه الخلافة فلا نسلم دخولهم في عدم الخزي، بل إنما ورد حديث الحوض المشهور (1) في شأن خزي هؤلاء كما لا يخفى، وأيضا الخزي له مراتب فكيف ينفي مطلق الخزي عن خواص أصحاب رسول الله مع إثبات أسلاف الناصب ذلك لنبي الله إبراهيم فيما سبق نقله عن الصحيحين (2): من أنه خاب يوم القيامة عن شفاعة من سأله من الخلق واعتذر إليهم بأن ربي قد غضب غضبا شديدا لم يغضب قلبه، ولن يغضب بعده، وإني قد كذبت ثلاث كذبات (3) الحديث فإن في خيبته بسبب تلك الكذبات عن شفاعة الخلق واعتذاره إليهم بذلك الوجه خزي (4) لا يخفى
286 لكن تعالى الله ورسوله عما يقول الظالمون علوا كبيرا (1) ثم لا يخفى أن الخزيان على ما يعلم من كتب اللغة مشتق، محمول على الشخص كيقظان ونومان لا مصدر فقول الناصب أخزاه الله: عدم الخزيان في القيامة وقوله داخلون في عدم الخزيان في القيامة لحن ورطانة كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته التاسعة والعشرون قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (2)، روى الجمهور (3) عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله
287 .
292 (ص) لعلي هم أنت يا علي وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضيين مرضيين ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين (1) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذه غير مذكورة في التفاسير، بل الظاهر العموم وإن سلم، فلا نص (إنتهى) أقول إن المصنف لم يقل إنه مذكور في التفاسير، وإنما قال: إنه رواه الجمهور وهو مذكور في الصواعق المحرقة (2) لابن حجر المتأخر، نقله صاحب كشف الغمة (3) عن الحافظ ابن مردويه (4) ولو تتبعوا تفاسير المتقدمين من أهل السنة كالثعلبي
293 لوجدوه فيها أيضا، وبالجملة الحديث وإن لم يكن نصا في الإمامة، لكنه نص صريح في الأفضلية ويلزم منه نفي إمامة غيره (ع) كما مر. قال المصنف رفع الله درجته الثلاثون قوله تعالى: هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا (1)، قال ابن سيرين (2): نزلت (3) في النبي (ص) وعلي حين تزويج فاطمة عليها السلام.
294 قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا من تفاسير أهل السنة وإن صح دل على الفضيلة وهي مسلمة ولا يثبت النص (إنتهى) أقول حاصل ما يستفاد من الآية من شأن نزوله: إنه تعالى خلق عليا (ع) قريبا من النبي (ص) من جهة النسب ومن جهة السبب، وهذه فضيلة عظيمة لم يحصل لغير علي (ع) كما علم من حديث ابن عمر سابقا (1) أيضا، فيكون أفضل، والأفضل أولى بالإمامة، وهذا ما أراده المصنف قدس سره. قال المصنف رفع الله درجته الحادية والثلاثون قوله تعالى: وكونوا مع الصادقين (2) روى الجمهور (3)
296 أنها نزلت في علي (ع) وكذا قوله: واركعوا مع الراكعين أنها نزلت في رسول الله (ص) وعلي (ع) قال الناصب خفضه الله أقول نزل قوله وكونوا مع الصادقين، في الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، وأنهم صدقوا رسول الله (ص) فأنجاهم الله وكذب المنافقون فهلكوا، وأنزل الله تعالى كونوا مع الصادقين، وخاطب المؤمنين حتى لا يهلكوا بالكذب كالمنافقين وإن صح دل على الفضيلة، لا على النص كسائر أخواته (إنتهى) أقول قد ذكر فخر (1) الدين الرازي في تفسيره: إنه تعالى لما حكم بقبول توبة هؤلاء الثلاثة ذكر ما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى وهو التخلف عن رسول الله (ص) في الجهاد فقال يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، في مخالفة أمر الرسول وكونوا مع الصادقين بمعنى مع النبي (ص) وأصحابه في الغزوات، ولا تكونوا متخلفين عنهم وجالسين مع المنافقين في البيوت (إنتهى) وبهذا يعلم أن ما قاله الناصب إن الآية نزلت في الثلاثة الذين تخلفوا خلف باطل، إذ مراد المصنف من كون الآية نازلة في النبي (ص) وفي علي (ع) أن المعنى من الصادقين النبي (ص) وابن عمه عليهما السلام المتصفين بالصدق، وذلك كذلك كما علم من تفسير الرازي لا من كذب وتخلف وتاب، نعم الزجر المستفاد من سياق الآية متعلق بهما، وأين هذا من ذلك؟ وأما ما ذكره الناصب: من أن هذا إن صح دل على الفضيلة لا على النص مدفوع بأنه دال على العصمة فيكون دالا على الإمامة، فيكون نصا في الإمامة، ووجه
300 الدلالة ما ذكره الشارح الجديد (1) للتجريد، حيث قال: (2) مضمون الآية الكريمة هو الآمر بمتابعة المعصومين لأن الصادقين هم المعصومون وغير علي (ع) من الصحابة ليس بمعصوم، بالاتفاق فالمأمور بمتابعته إنما هو علي (ع) ثم قال: وأجيب بمنع المقدمات (إنتهى) وأقول: في إثبات المقدمة الأولى: أن الأمر بالمتابعة يقتضي أن يكون المأمور بمتابعته معصوما إذ الأمر بمتابعة غير المعصوم قبيح لا يصدر عنه تعالى، وفي إثبات الثانية: أن منعها مكابرة، لأن أحدا لا يدعي عصمة غير علي (ع) من الثلاثة وفي إثبات الثالثة: أن متابعة الصادقين يتوقف على علمنا بأن ذلك الشخص صادق والعلم بكونه صادقا يتوقف على العلم بكونه معصوما، والعلم بكونه معصوما يتوقف على كونه معصوما في الواقع لأن الصادقين هم المعصومون في الواقع ونفس الأمر، فالصادقون الذين نحن مأمورون بمتابعتهم هم المعصومون في الواقع تأمل ومن نفايس المباحث ما ذكره الرازي أيضا هيهنا حيث قال: إنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين، ومتى وجب الكون مع فلا بد من وجود الصادقين، لأن الكون مع الشئ مشروط بوجود ذلك الشئ، فهذا يدل على أنه لا بد من وجود الصادقين في كل وقت، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل، فوجب إذا أطبقوا على شئ أن يكونوا محقين فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة، فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال المراد بقوله وكونوا مع الصادقين أي كونوا على طريقة الصالحين كما أن الرجل إذا قال لولده: كن مع الصالحين لا يفيد إلا ذلك لكن نقول: إن هذا الأمر كان موجودا في زمان الرسول فقط، وكان هذا أمرا بالكون مع الرسول فلا يدل على وجود صادق في ساير الأزمنة، سلمنا ذلك، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الصادق هو المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما يقوله الشيعة، والجواب عن الأول أن قوله: كونوا مع الصادقين أمر بموافقة الصادقين ونهى عن مفارقتهم
301 وذلك مشروط بوجود الصادقين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فدلت هذه الآية على وجود الصادقين، وقوله: إنه محمول على أن يكونوا على طريقة الصادقين فنقول: إنه عدول عن الظاهر من غير دليل قوله إنه هذا الأمر مختص بزمان الرسول (ص)، قلنا: هذا باطل لوجوه، الأول: إنه ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمد (ص) إن التكاليف المذكورة في القرآن متوجهة على المكلفين إلى قيام القيامة فكان الأمر في هذا التكليف كذلك والثاني أن الصيغة تتناول الأوقات كلها بدليل صحة الاستثناء والثالث لما لم يكن الوقت المعين مذكورا في لفظ الآية لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حمله على الباقي فإما أن لا يحمل على شئ فيفضي إلى التعطيل وهو باطل أو على الكل وهو المطلوب والرابع وهو أنه قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله أمر لهم بالتقوى وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقيا، وإنما يكون كذلك لو كان جايز الخطاء فكانت الآية داله على أن من كان جايز الخطاء وجب كونه مقتديا بمن كان واجب العصمة وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين وترتب الحكم في هذا يدل على أنه إنما وجب على جايز الخطاء كونه مقتديا به ليكون مانعا لجايز الخطاء وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان فوجب حصوله على كل الأزمان قوله لم لا يجوز أن يكون المراد هو كون المؤمن مع المعصوم الموجود في كل زمان؟ قلنا: نحن نعترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان، إلا إنا نقول: إن ذلك المعصوم هو مجموع الأمة وأنتم تقولون: إن ذلك المعصوم واحد منهم، فنقول: هذا الثاني باطل، لأنه تعالى أوجب على كل من المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين، وإنما يمكنه ذلك لو كان عالما بأن ذلك الصادق من هو؟ لأن الجاهل بأنه من هو لو كان مأمورا بالكون معه، كان ذلك تكليف ما لا يطاق، لأنا لا نعلم انسانا معينا موصوفا بوصف العصمة والعلم بأنا لا نعلم هذا الانسان حاصل بالضرورة فثبت أن قوله: وكونوا مع الصادقين ليس أمرا بالكون مع شخص معين ولما بطل هذا، بقي
302 أن المراد منه الكون مع مجموع الأمة وذلك يدل على أن قول مجموع الأمة صواب وحق ولا نعني بقولنا الاجماع حجة إلا ذلك (إنتهى كلامه) وأقول: فيه نظر، إذ لا دلالة للفظ الآية على وجوب تعدد الصادقين في كل وقت وزمان كما يشعر به كلامه، بل هو أعم من ذلك ومن وجوب وجود المتعدد من الصادقين موزعا آحادها على أجزاء الوقت والزمان بأن يوجد في كل زمان صادق معصوم يكون إمام أهل زمانه كما قال به الشيعة فلا تدل الآية على وجوب وجود جماعة يتحقق لهم الاجماع في كل وقت لأن العام لا دلالة له على الخاص وأيضا مجموع المجتمعين (المجمعين خ ل) في مقام الاجماع صادق واحد، لا متعدد لما صرحوا بأن كلا من آحاد المجمعين جايز الخطاء وإنما المعصوم هو المجموع من حيث المجموع فتوصيف ذلك المجموع المأخوذ على وجه الوحدة بكونهم صادقين غير متجه وإنما يتجه لو كان كل واحد من آحاده متصفا بالصدق أيضا ألا ترى؟ أن مجموع الجدران والسقف والعرصة يتصف بكونه بيتا وحجة وخزانة ونحو ذلك ولا يتصف كل واحد من أجزائه بذلك فلا يصح أن يكون المراد بالصادقين مجموع من حصل بهم الاجماع الشرعي فثبت أن المراد بالصادقين المعصومين الذين لا يخلو زمان التكليف عن واحد منهم، كما ذهب إليه الشيعة الإمامية لا الاجماع الذي قاله أهل السنة وأما ما ذكره: من إنا لا نعلم انسانا معينا موصوفا بوصف العصمة فجوابه ما أفاده أفضل (1) المحققين قدس سره في التجريد بقوله: والعصمة تقتضي النص وسيرته (ص) التنصيص والحاصل أن العصمة وإن كان من الأمور الخفية التي لا يعلمها إلا علم السرائر، لكن يمكن العلم به بالنص
303 من الله ورسوله على الإمام الأول، وبنص الإمام الأول على الثاني وهكذا وربما يعلم بظهور المعجزة مقارنة لدعوى العصمة والإمامة كما بين في موضعه، فلا يلزم تكليف ما لا يطاق كما توهمه إمام أهل النصب والنفاق ولا ترتبط الآية بحجية الاجماع والاتفاق وظهر أنها صريحة في عصمته النازلة فيه واستحقاقه للإمامة ووجوب الطاعة رغما لأنف أهل السنة والجماعة والحمد لله رب العالمين قال المصنف رفع الله درجته الثانية والثلاثون قوله تعالى: إخوانا على سرر متقابلين (1) في مسند أحمد ابن حنبل (2): أنها نزلت في علي (ع) (إنتهى).
304 قال الناصب خفضه الله أقول: صحت الرواية عندنا عن أمير المؤمنين علي بعد وقعة جمل كان يقول: وأنا أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير كما يقول الله تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين هكذا صح وإن صح ما رواه فهو من الفضائل المسلمة ولا دليل على النص (إنتهى). أقول ما صح عندهم لا يصح عندنا، وإنما الصحيح عندنا ما رواه أحمد منهم لأنه المتفق عليه بيننا وبينهم ومع ذلك تقييد قول علي (ع) ذلك بما بعد وقعة الجمل من إضافات الناصب ثم إن الرواية التي رواها المصنف عن أحمد تدل على أن عليا (ع) كان من أهل الجنة ومن نزل القرآن على البشارة له بكونه من أهل الجنة أولى بأن يكون إماما لا يقال: قد دل الحديث أيضا على أن العشرة من أصحاب النبي (ص) من أهل الجنة ومنهم الخلفاء الثلاثة. لأنا نقول: هذا الحديث عندنا (1) موضوع وباطل من وجوه، الأول إن راويه سعيد (2) بن زيد بن نفيل وهو قد أدخل نفسه في العشرة ولا بد لدفع تهمة جلب النفع لنفسه من دليل والثاني أن أكثر المهاجرين والأنصار قد شاركوا في دم عثمان ولا يجوز اتفاق الجم الغفير من هؤلاء الصحابة على قتل من ثبت عندهم أنه من أهل الجنة، الثالث أنه
306 لو كان له صحة لاحتج به عثمان يوم الدار، ولقال: إن من هو من أهل الجنة لا يكون ظالما، فأنتم ظالمون في تكليفي بخلع نفسي عن الخلافة إلى غير ذلك من الوجوه. قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والثلاثون قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، روى (1) الجمهور: قال رسول الله (ص): لو يعلم الناس
307 متى سمي علي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال عز وجل: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالت الملائكة بلى، فقال الله تعالى: أنا ربكم ومحمد نبيكم (ص) وعلي أميركم (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذا من تفاسير الشيعة وليس من تفاسير المفسرين، والعجب إنه لم يتابع المعتزلة في هذه المسألة، فإنهم ينكرون إخراج الذر من ظهر آدم ويقولون هذا تمثيل وتخييل لا حقيقة له، لأنه ينافي قواعدهم في نفي القضاء والقدر السابق، وإن صح النقل فيدل على أن عليا أمير المؤمنين، وهذا مسلم، لأنه كان من الخلفاء ولم يلزم منه نص على أنه أمير المؤمنين بعد النبي (ص) حتى يثبت به مطلوبه (إنتهى). أقول هذا من تفاسير الشيعة والسنة (1)، وإنما لم يصرح المصنف بمأخذه اعتمادا على اشتهار مأخذه وقس عليه نظاير. ثم إن تفاسير الشيعة داخل في تفاسير المفسرين فليس لقوله: وليس من تفاسيره المفسرين وجه، وأما ما أتى به من العجب، فعجيب لما سبق وسيجيئ أن قضية المتابعة منعكسة، ومع هذا فالمعتزلة جماعة عقلاء مدققون ليس في متابعتهم عار متابعة الأشعري الذي لا يعرف من عدم الشعور أن أي طرفيه أطول من الآخر (2) وكان في أقواله ومقالاته تابعها لما سمعه من القصاص ومثالهم
308 كما سبق نقلا عن الحكيم الشهرزوري (1) والسيد معين الدين الإيجي الشافعي (2) فتذكر، وأيضا إنما ذكر المصنف الآية المذكورة بالتفسير المذكور المروي عن الجمهور إلزاما لهم، فلا يدل على عدم إنكاره لذلك، وتحقيقه: إن الذي أنكره الإمامية والمعتزلة هو إخراج الذرية من صلب آدم (ص) كالذر كما وقع في تفاسير الجمهور وأحاديثهم على ما في المشكاة (3) وغيره من أن الله تعالى استخرج ذرية آدم من صلبه كالذر وأخذ عليهم الميثاق بما يجب عليهم من المعارف ثم أعادهم إلى صلبه (ع) حتى قال بعض متصوفيهم: أن لذة ذلك الخطاب في أذني إلى الآن فإن هذا التفسير في غاية الاستبعاد كما صرح المصنف في جواب
309 مسائل السيد مهنا بن سنان الحسيني (1) المدني قائلا: إن جميع بني آدم لم يوجدوا من ظهر آدم (ع)، وأيضا فإن ما هو كالذر كيف يكلف أو يخاطب أو يتوجه إليه طلب الشهادة منه؟! مع أن الله تعالى حكى أنه أخذ من ظهور بني آدم لا من ظهره (ع) والوجه في ذلك: توجه الخطاب إلى العقلاء البالغين الذين عرفوا الله تعالى بما شهدوا من آثار الصانع تعالى في أنفسهم وفي باقي المقدمات (إنتهى)
310 ثم لا يخفى أنه لا ينافي هذا الحديث ولا الاستدلال به على مدعى المصنف ما ذهب إليه المعتزلة في تفسير الآية من التمثيل والتخييل لكفاية التقرير والاقرار التخييليين بالنبوة والإمامة في فضل النبي والوصي، كما كان كافيا في إظهار جلال الله وعظمته تأمل. وأما ما ذكره: من أنه لم يلزم منه نص على أنه أمير المؤمنين بعد النبي (ص) الخ ففيه: أن دلالته على أنه سمى أمير المؤمنين قبل وجود آدم يقتضي أن يكون أولى من غيره بإمارة المؤمنين في عالم الوجود، وهذا كاف في مطلوب المصنف كما مر بيانه مرارا. قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والثلاثون قوله تعالى: وصالح المؤمنين (1) أجمع المفسرون وروى الجمهور (2) أنه علي (ع) (إنتهى)
311 قال الناصب خفضه الله أقول: هذه الآية في سورة التحريم وهي نازلة في شأن عايشة وحفصة، واتفق المفسرون على أن المراد من صالح المؤمنين أبو بكر وعمر، لأن صدر الآية هكذا: وإن تظاهر عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، يعني إن تظاهر عايشة وحفصة على جذب رسول الله (ص) من نسائه فإن الله مولاه وجبريل بأن يخبره عن صنيعهما وصالح المؤمنين المراد أبواهما، فإنهما كانا ينصحانهما بترك الأفعال التي يكون للضرات، وإن صح نزوله في أمير المؤمنين فلا شك أنه صالح المؤمنين، ولكن لا يدل على النص المدعى (إنتهى). أقول الرواية التي ذكرها المصنف قد نقلها صاحب كشف الغمة (1) عن عز الدين
314 عبد الرزاق المحدث الحنبلي (1) وعن الحافظ أبي بكر بن مردويه (2) بإسناده إلى أسماء بنت عميس (3) وهو مذكور في تفسير أبي يوسف (4) يعقوب بن سفيان الفسوي
315 بإسناده إلى ابن عباس، ورواه السدي (1) في تفسيره عن أبي مالك (2) وعن ابن عباس ورواه (3) الثعلبي في تفسيره بإسنادين إلى غير ذلك، وتحقيق كلام المصنف وتوضيح استدلاله بالآية والرواية أن المراد بصالح المؤمنين أصلح المؤمنين بدلالة العرف والاستعمال، لأن الشخص إذا قال: فلان عالم قومه أو زاهد بلده يريد إنه أعلم وأزهد، ويشهد بصحة ذلك ما روي عن عمر بن العلا (4) من قوله كان أوس بن حجر (5)
316 شاعر مضر حتى نشأ النابغة (1) وزهير (2) فطأطأ منه وهو شاتمهم في الجاهلية غير مدافع وإنما أراد بلفظ شاعر أشعر، لا غير، وكذا قولهم: فلان شجاع القوم لا يقال ذلك إلا إذا كان أشجعهم، فعلى هذا يكون علي (ع) أصلح القوم وأفضلهم ويدل على هذا أيضا أنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى عند ذكر ناصر نبيه (ع) إذا وقع التظاهر عليه بعد ذكره سبحانه وتعالى وذكر جبرئيل (ع) إلا من كان أقوى الخلق نصرة لنبيه وأمنعهم جانبا في الدفاع والذب عنه، ولا يحسن ولا يليق بموضوع (بموضع خ ل) الكلام ذكر ضعيف النصرة ولا المتوسط فيها،
317 والحال هذه ألا ترى؟ إن أحد الملوك لو هدد بعض أعدائه ممن ينازع سلطانه ويطلب مكانه، فقال: لا تطمعوا في ولا تحدثوا نفوسكم بمغالبي، فإن أنصاري فلان فلا يحسن أن يدخل في كلامه إلا من هو الغاية في النصرة والمشهور بالشجاعة المعروف بحسن المدافعة ألا ترى أن معاوية حيث ذكر كثرة من معه من العدد هدده أمير المؤمنين (ع) بمالك الأشتر حيث هو معروف بالشجاعة مشهور بحسن المدافعة عن علي (ع) لأنه قال في مالك (1): كان لي كما كنت لرسول الله
318 (ص) ولقد ظهر بما ذكرناه أولا وحققناه وأوضحناه ثانيا، كذب ما ذكره الناصب من اتفاق المفسرين على أن المراد بصالح المؤمنين فاسقا من المؤمنين، وظهر امتناع حمل ذلك على غير أصلح المؤمنين، وظهر وجه دلالته على الأفضلية التي هي مطلوب المصنف (قدس سره) وأيضا حمل لفظ صالح مفردا على رجلين اثنين مخالف للوضع، وما ذكره فخر الدين الرازي هيهنا: من أنه يجوز أن يراد بلفظ صالح مفردا الواحد والجمع مستندا بما قاله أبو علي الفارسي (1): من أنه
319 قد جاء فعيل مفراد يراد به الكثرة كقوله تعالى: ولا يسئل حميم حميما (1) فضعفه ظاهر لأن قياس فاعل على فعيل بلا سند يعتد به غير مسموع، ولو سلم فحميم إنما أريد به الكثرة بقرينة وقوعه في حيز النفي المفيد للاستغراق، وتنكيره الذي قد يكون للتكثير، وربما يتعين فيه بمعونة الحال والمقام والتنكير فيما نحن فيه فيكون قياس صالح ذلك على حميم قياسا مع الفارق كما لا يخفى. قال المصنف رفع الله درجته الخامسة والثلاثون قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم (2) الخ الآية روى الجمهور (3) عن أبي سعيد الخدري قال: إن النبي (ص) دعى الناس
320 إلى علي (ع) في غدير خم وأمر بما تحت الشجرة من الشوك، فقم، (1) فدعا عليا (ع) فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله (ص) وعلي (ع) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فقال رسول الله (ص) الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي، والولاية لعلي بن أبي طالب (ع) بعدي، ثم قال: من كنت (2) مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
322 قال الناصب خفضه الله أقول: في صحيح البخاري ومسلم: إن هذه الآية نزلت في حجة الوداع ليلة عرفة حين قال رسول الله (ص) في الموقف، ولا خلاف في هذا، والذي ذكره من مفتريات الشيعة وإن صح فقد ذكرنا قبل هذا أن وصية غدير خم لم يكن نصا (1) بل توصية لأهله وأقاربه، وتعريف علي بين العرب وليتخذوه سيد بني هاشم (إنتهى)
327 أقول قد نقل هذا الحديث من المتقدمين الثعلبي في تفسيره (1) ومحمد بن جرير الطبري (2) الشافعي في مجلدات له في طرق هذا الحديث، وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن (3) عقدة، وأبو الحسن بن المغازلي الشافعي (4) وغيرهم، ومن المتأخرين الشيخ الحافظ محمد الجزري الشافعي في رسالته (5) المشهورة الموسومة بأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب (ع)
328 وأثبت فيها تواتر هذا الحديث من طرق متعددة، ونسب المنكر إلى الجهل
334 والتعصب وإن تعسف آخرا في إصلاح ما فسده الدهر (1) بحمل تقدم الثلاثة في الخلافة إلى نحو من الزلات (2) الواقعة عن الأنبياء عليهم السلام فلا يوجب قدحا فيهم وفي خلافتهم، وقال الشيخ جلال الدين السيوطي الشافعي في كتاب الاتقان (3) وهو أيضا من أكابر المتأخرين: أخرج أبو عبيدة عن محمد بن كعب، قال: نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة ومنها: اليوم أكملت لكم دينكم وفي الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية وعرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم وأخرج مثله من حديث أبي هريرة (إنتهى) والعاقل الفطن يحكم من هيهنا على أن ما في الصحيح سقيم موضوعا عنادا مع علي (ع) وبالجملة تكفينا في ترجيح ما نرويه في فضائل علي (ع) موفقة بعض ثقات الخصام، لأنه المتفق عليه بين أهل الاسلام كما مر مرارا وأما ما ذكره قبل هذا، فقد عرفت قبل هذا ما فيه من التحريف والتمويه فتذكر ثم الوصية لعلي (ع) وتعريفه بين العرب، تقضي أن يكون تلك الوصية لأن يتخذه العرب قاطبة العرب من قريش وغيرهم سيدا لهم لا بنو هاشم فقط كما ذكره الناصب وهذا ظاهر جدا لكن الناصب لأجل الاحتراز عن الاعتراف بلزوم كونه (ع) سيدا لأبي بكر وعمر وعثمان الذين هم من عرب قريش خص سيادته تحكما ببني هاشم، فتأمل، فإنه صريح في عداوته لعلي (ع).
335 قال المصنف رفع الله درجته السادسة والثلاثون قوله تعالى: والنجم إذا هوى (1) روى (2) الجمهور عن ابن عباس، قال: كنت جالسا مع فئة من بني هاشم عند النبي (ص) إذا انقض كوكب، فقال رسول الله (ص): من انقض هذه النجم في منزله فهو الوصي من بعدي، فقال فئة من بني هاشم، فنظروا، فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن أبي طالب (ع)، فقالوا: يا رسول الله (ص) غويت في حب علي فأنزل الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: آثار الوضع والافتراء على هذا النقل ظاهر لا خفاء به، فإن هذه السورة نزلت في أوايل بعثة النبي (ص) وابن عباس لم يولد بعد، فكيف روى هذا الحديث؟ ثم نسبة الغواية إلى النبي (ص) في حب علي وربط الآية بها في غاية الركاكة، ولا يخفى هذا، ولو صح دل على وصايته، والوصاية غير الخلافة (إنتهى). أقول ما ذكره من أن سورة النجم نزلت في أوايل بعثة النبي (ص) من مفترياته، وليس في شئ من الكتب المتداولة عنه عين ولا أثر، والظاهر أنه اعتمد في افترائه هذا على ما قيل: إن السورة مكية،، فظن أن كل ما هو مكي نزل في أول البعثة، وليس كذلك، بل منها ما نزل بعد الهجرة في مكة عام الفتح أو عام
336 حجة الوداع، فليكن سورة النجم كلا أو بعضا من هذا القبيل، ويرشد إلى ما ذكرناه ما قاله جلال الدين السيوطي الشافعي في كتاب الاتقان (1) من أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار إلى أن قال: الثاني أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة الخ على أن هذا مما رواه أبو حامد (أبو سعد خ ل) (2)
340 الشافعي في كتاب شرف المصطفى، وأبو الحسن ابن المغازلي (1) الشافعي الواسطي في كتاب المناقب على رغم هذا الناصب المارقي القاسطي (2) بإسناده إلى ابن عباس فليطلب من كتابه وأما ما استشكله من نسبة أصحاب النبي (ص) الغواية إليه، فإنما استشكله حذرا عن أن يقال: إن الثلاثة من خلفاء الناصب من جملة الناصبين، وإلا فهذا ليس بأبعد من نسبة أولاد يعقوب (ع) له إلى الضلال في حبه ليوسف (ع) إذ قالوا: ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين (3) وقالوا ثانيا: تاالله إنك لفي ضلالك القديم (4) أولاد يعقوب مع كونهم مولودين على الفطرة الصحيحة وصاروا أنبياء بعد ذلك على ما زعم أصحاب الناصب الشقي إذا قالوا مثل ذلك في شأن أبيهم ونبيهم، فما ظنك بجماعة نشأوا في الكفر أفنوا أكثر أعمارهم فيه؟! وأما ربط الآية فظاهر جدا: لكن لا يرتبط بالقلب الميت المملو من عداوة أهل البيت عليهم السلام، وأما ما ذكره من أن الوصاية غير الخلافة فإن أراد به أن الوصاية لا يكون بمعنى الخلافة والإمامة أصلا فبطلانه ظاهر بل الوصاية إذا أطلق لإيراد به إلا أولوية التصرف في جميع أمور الموصي، وهو مساوق للخلافة وذلك لأن أصل معنى الوصية في اللغة هو الوصل ومعناه العرفي أن يصل الموصي تصرفه بعد الموت بما قبل الموت أي تصرف كان، فالوصي إذا أطلق يكون المراد به الأولى بالتصرف في أمور الموصي جميعا إلا
341 ما أخرجه الدليل، وإنما يطلق على الوصي الخص كوصي الطفل بالإضافة والتقييد، فيكون المراد بالوصي حيث أطلق النبي (ص) في شأن وصيه (ع) أولى التصرف في كل ما كان له التصرف فيه، وهذا معنى الخلافة كما لا يخفى وإن أراد أنه قد يكون بمعنى مغاير للخلافة فمسلم لكنه غير محتمل هيهنا لأن الوصاية التي أوجبت غيرة قريش ونسبتهم فيها النبي (ص) إلى الغواية في حب علي (ع) هو الوصاية بمعنى الإمامة لا غير كما لا يخفى على أولي النهى. قال المصنف رفع الله درجته السابعة والثلاثون أقسم الله بخيل (1) جهاده في غراة (2) السلسلة كما روي (3)
342 أن جماعة (1) من العرب اجتمعوا على وادي الرملة (2) ليبيتوا (3) النبي بالمدينة فقال النبي (ص) لأصحابه: من لهؤلاء؟ فقام جماعة من أهل الصفة (4) وقالوا: نحن فول علينا شئت فأقرع بينهم فخرجت القرعة على
343 ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم فأمر أبا بكر بأخذ اللواء والمضي إلى بني سليم (1) وهم ببطن الوادي (2) فهز موهم وقتلوا جمعا من المسلمين فانهزم أبو بكر، فعقد لعمر بن الخطاب وبعثه فهزموه فساء النبي (ص) فقال عمر وبن العاص ابعثني يا رسول الله فأنفذه فهزموه وقتلوا جماعة من أصحابه وبقي النبي (ص) أياما يدعو عليهم ثم طلب أمير المؤمنين (ع) وبعثه إليهم ودعا له وشيعه إلى مسجد الأحزاب وأنفذ معه جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمر وبن العاص فصار الليل وكمن النهار حتى استقبل الوادي منه فمه فلم يشك عمر وبن العاص أنه يأخذهم فقال لأبي بكر: هذه أرض سباع وذئاب (الضباع خ ل) وهي أشد علينا من بني سليم والمصلحة أن نعلو الوادي وأراد إفساد الحال، وقال: قل ذلك لأمير المؤمنين (ع) فقال له أبو بكر: فلم يلتفت إليه ثم قال لعمر: فقال له: فلم يجبه أمير المؤمنين وكبس على القوم الفجر فأخذهم فأنزل الله تعالى والعاديات (3) ضبحا السورة واستقبله النبي (ص) فنزل أمير المؤمنين علي (ع) وقال له النبي (ص) لولا أن أشفق أن يقول فيك طوايف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقلا،
344 لا تمر بملاء منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك اركب فإن الله ورسوله راضيان (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: قصة غزوة ذات السلاسل فنقول في الصحاح، وأنها تصداها عمرو ابن العاص بتأمير رسول الله (ص) إياه وكان الفتح بيده، وأما ما ذكره فليس بمنقول في الصحاح، بل اشتمل على المناكير، فإن النبي (ص) كيف يجوز أن يدعي ألوهية علي والمفهوم من هذا الخبر أن النبي (ص) كان يريد أن يقول بألوهيته ولكن خاف أن يعبده الناس وهذا كلام غلاة الرفضة، ولا ينبغي نقل هذ المسلم فضلا عن فاضل (إنتهى). أقول ما ذكره من أن الفتح كان بيد عمر وبن العاص مما لم يذكره البخاري في صحيحه، فيكون كاذبا في هذا ثم قول النبي (ص) ما خاف معه من الناس اعتقاد ألوهيته لا يستلزم ادعاءه لألوهيته كما توهمه هذا الناصب الأعوج (1) الأهوج الرجس المارد (2) المتكلم بكل سخيف بارد بل يكفي في ذلك كشفه (ص) عما خفي من فضائل علي (ع) وكمالاته وقدرته بتأييد الله تعالى على خوارق العادات التي هي دليل قربة إلى الله تعالى وكمال عنايته إليه وتأييده له وكيف يفهم ذلك غير فهم وذو عوج مع قوله (ص). لولا إن أشفق أي: أخاف أن يقول فيك الخ وكيف تجتمع إرادته (ص) لأن يقول بألوهيته مع خوفه من عبادة الناس له، ثم كيف ينكر الحديث ويحكم باشتماله على المناكير، مع أن الشافعي إمام هذا
345 الناصب قد نظم (1) مضمون هذا الحديث في مدحه المتواتر المشهور حيث قال: شعر: لو أن المرتضى أبدى محله * لأضحى الناس طرا سجدا له كفى في فضل مولانا علي * وقوع الشك فيه أنه الله وقال أبو نواس (2)
346 شعر لا تحسبني هويت الطهر حيدرة * بفضله وعلاه في ذوي النسب ولا شجاعته في يوم معركة * ولا التلذذ في الجنات من إرب ولا التبرد من نار الجحيم ولا * رجوت إن ليوم الحشر يشفع لي لكن عرفت هو السر الخفي وإن * أبحته حللوا قتلى وكفرني يصدهم عنه داء دواء له * كالمسك يعرض عنه صاحب الكلب قال المصنف رفع الله درجته الثامنة والثلاثون قوله تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوي (1) المؤمن علي، والفاسق الوليد نقله الجمهور (2) (إنتهى)
347 قال الناصب خفضه الله أقول: جاء في هذا تفسير أهل السنة والآية نازلة في علي كرم الله وجهه وهو من فضائله التي لا تحصى (إنتهى). أقول بل الآية دالة على أفضليته وأولويته للإمامة، لعدم استواء الفاسق وغير الفاسق عند الله تعالى والثلاثة المتقمصون للخلافة كانوا فاسقين ظالمين كافرين قبل الاسلام اتفاقا فلا يكونون مستحقين للخلافة وقد بينا سابقا أن الخلافة والإمامة لا تجتمع مع صدورهم الظلم سابقا (1) أيضا فتذكر. قال المصنف رفع الله درجته التاسعة والثلاثون قوله تعالى: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد (2) منه، روى الجمهور (3) أن من كان على بينة من ربه رسول الله (ع) والشاهد علي (ع) (إنتهى)
352 قال الناصب خفضه الله أقول: ليس من تفاسير أهل السنة وإن صح فهي كأخواتها كانت سهلة (إنتهى) أقول ما نسب المصنف روايته إلى الجمهور قد رواه (1) ابن جرير الطبري وذكره (2) الثعلبي، وكذا الحافظ أبو نعيم بثلاثة طرق عن عبد الله (4) بن الأسدي والفلكي (5) المفسر عن مجاهد (6)
357 وعن عبد الله (1) بن شداد وغيرهم من قدماء أهل السنة، ومن المتأخرين فخر الدين الرازي في تفسيره (2) الكبير حيث قال: قد ذكروا في تفسير الشاهد وجوها أحدها أنه جبرئيل يقرء القرآن على محمد (ص) وثانيها أن ذلك الشاهد لسان محمد (ص) وثالثها أن المراد هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والمعنى أنه يتلو تلك البينة وقوله: منه أي هذا الشاهد من محمد (ص) وبعض منه والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد (ص) (إنتهى) ولا ريب أن شاهد النبي (ص) على أمته يكون أعدل الخلايق سيما إذا تشرفت بكونه بعضا منه (ص) كما ذكره الرازي فكيف يتقدم عليه غيره؟ مع كون ذلك الشاهد من النبي (ص) لأن (من) هيهنا لتبين الجنس فيؤذن بأن علي بن أبي طالب من جنس الرسول (ص) وقوله: ويتلوه شاهد منه، فيه بيان لكون علي (ع) تالي الرسول من غير فصل بينهما يتالي آخر، فمن جعله تاليا بعد ثلاثة فعليه الدلالة، لأن التالي هو من يلي غيره على أثره من غير فصل بينهما، ولو لم يرد تفسير هذه
358 الآية بأن الشاهد هو علي (ع) لدلت عليه بمعونة قول الرسول (1) أنت مني وأنا منك، فإنه لم يقل هذا لأحد سواء فظهر اختصاصه بذلك دون غيره. قال المصنف رفع الله درجته الأربعون: قوله تعالى: فاستوى على سوقه (2) قال الحسن البصري (3): استوى الاسلام بسيف علي (ع) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: جاء في التفسير أن هذه نزلت في الخلفاء الأربعة كزرع رسول الله (ص)
359 أخرج شطأه أبو بكر فآذره عمر فاستغلظ عثمان، فاستوى على سوقه علي كرم الله وجهه وهو من فضايله الكبيرة ولا يدل على النص (إنتهى) أقول الرواية المفصلة التي ذكرها الناصب قد رواها النيشابوري (1) عن عكرمة ولعل التفصيل أيضا كان مذكورا فيما رواه المصنف عن الحسن، لكن قد اقتصر على بعضها الذي كان دليلا إلزاميا وموافقا لما روي من طريق الإمامية وترك البعض الآخر منها، لعدم مدخليته في غرضه بل لعدم اعتقاده لصحته كما أشرنا إليه ثم الرواية دالة على الأفضلية لا على مجرد الفضيلة كما توهمه الناصب لأنه إذا كان استواء دين الاسلام على ساقه بعلي (ع) وتقويته دون غيره كان أفضل من غيره قال المصنف رفع الله درجته الحادية والأربعون قوله تعالى يسقى بماء (2) واحد قال جابر الأنصاري (3) سمعت
360 رسول الله (ص) يقول الناس من شجر شتى، وأنا وأنت يا علي من شجرة واحدة (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: قوله تعالى: يسقى بماء واحد نزل في بيان أن الفواكه تختلف طعومها مع أنها يسقى بماء واحد، وهذا من غرايب صنع الله تعالى، وأما ما ذكره من الحديث لا ربط بالآية والعجب أن كلام هذا الرجل في غاية التشويش، وكأنه يزعم أن أحد لا ينظر في كتابه أو كان ضعيف الرأي لا يعرف ربط الدليل بالمدعى (إنتهى).
361 أقول قد ذكر صاحب كشف الغمة (1) الرواية المذكورة نقلا عن الحافظ أبي بكر بن مردويه قال: قوله تعالى: وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد (2) عن (3) جابر بن عبد الله (4) أنه سمع النبي (ص) يقول: الناس من شجر شتى وأنا وأنت يا علي من شجرة واحدة، ثم قرء النبي (ص) الآية (إنتهى) ثم إن للقرآن ظهرا وبطنا فلا ينافي أن يكون ظاهر معنى الآية ما ذكره الناصب: من بيان اختلاف طعوم الفواكه وباطنه ما روي عن جابر رضي الله عنه، وبالجملة الصنوان المذكور في الآية جمع صنوة هي النخلة لها رأسان وأي بعد في الكناية عن اتحاد النبي ووصيه عليهما السلام بنخلة لها رأسان يسقى بالماء الواحد من الفيض الإلهي، ولو امتنع الناصب عن قبول هذا التأويل هينها لأشكل عليه الأمر في الحديث الذي ذكره قبيل ذلك في تفسير قوله تعالى: كزرع أخرج
362 شطأه الآية، حيث جعل فيه الزرع المذكور في الآية عبارة عن رسول الله (ص) وباقي كلماتها الواقعة في وصف الزرع كناية عن بعض أصحابه مع أن ما نحن فيه من الحديث الدال على الاتحاد الذاتي مما يؤيده الحديث المشهور وهو قوله (ص): (1) خلقت أنا وعلي من نور واحد: وغير ذلك مما يوافقه في المعنى فظهر أن ما ذكره: من عدم ارتباط الحديث بالآية ناش عن بلوغ عناده إلى النهاية وأن التعجب الذي ذكره مما ينبغي أن يذكر عن لسان المصنف قدس سره إلى هذا الناصب السفيه الذي يتعجب مما جهله ويطعن فيه قال المصنف رفع الله درجته الثانية والأربعون قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (2)، نزلت في علي (ع) (3)
363 قال الناصب خفضه الله أقول: هذه الآية نزلت في قتلى أحد حين قتلوا ووقف رسول الله (ص) على مصعب ابن عمير (1) وهو ممن قتل بأحد فقرأ عليه هذه الآية، وإن صح نزوله في علي كرم الله وجهه فهو من فضايله ولا يدل على النص المقصود (إنتهى) أقول يكذب ما ذكره الناصب: من أن الآية نزلت في قتلى أحد أن الله تعالى قسم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ورسوله على قسمين، مقتول ومنتظر، حيث قال: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا الآية أي منهم من قتل فوفى بنذره
364 من الثبات مع رسول الله (ص) وهم حمزة بن عبد المطلب (1) ومن قتل معه من بني
365 هاشم وأنس بن النضر (1) وأصحابه، ومنهم من ينتظر النصر والقتل على ما مضى عليه أصحابه، فلم يغيروا العهد لا من استشهد ولا من انتظروا عن علي (ع) فينا نزلت (2) والله وأنا المنتظر وما بدلت تبديلا، ولا يخفى أن أنس بن النضر وأصحابه وإن لم يكونوا من بني هاشم لكن رأسهم ورئيسهم في الصدق وسببية نزول الآية حمزة ومن معه من بني هاشم دون العكس، وبالجملة مقصد المصنف قدس سره أن المراد بصادق العهد المنتظر هو علي (ع) وكفى به تفضيلا وإما أن الآية نزلت في مصعب بن عمير فلم نجده في شئ من التفاسير المتداولة حتى في تفسير فخر الدين الرازي الذي كل عليث (3) وفليس فتأمل. قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والأربعون قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا (4) وهو علي (ع) (5) (إنتهى)
366 قال الناصب خفضه الله أقول: على من جملة ورثة الكتاب، لأنه عالم بحقيق الكتاب، فهذا يدل على علمه ووفور توغله في معرفة الكتاب ولا يدل على النص (إنتهى) أقول روى نزول الآية في شأن علي خاصة الحافظ أبو بكر بن مردويه (1) فقول الناصب أقول علي من جملة ورثة الكتاب غفلة أو تغافل وتحامل على علي (ع) ثم الظاهر أنه ارتكب هذا التمحل والتحامل تطرقا إلى احتمال اشتراك أبي بكر وعمر مع علي (ع) في ذلك الميراث لئلا يلزم ما قصده المصنف عن تفضيله (ع) عليهما وليت شعري كيف يشتركان معه في ميراث الكتاب مع أنهما كانا من أجهل (2) الناس بالكتاب والسنة حتى لم يعرف أبو بكر الأب والكلالة (3) وغيرهما من الكتاب، وقد اعترف عمر بأن النساء المخدرات في البيوت أفقه وأعلم منه (4) وكان مدار (5) أمرهما الرجوع إلى علي (ع) ومن دونه
367 من علماء الصحابة كما هو المشهور وسيأتي في هذا الرق المنشور (1) قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والأربعون قوله تعالى: أنا ومن اتبعني (2) هو علي (ع) (3) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: إن أراد أنه ما تبع النبي (ص) غير علي فهذا باطل كما لا يخفى وإن أراد أنه من جملة المتابعين فهذا ظاهر لا يحتاج إلى دليل والنسبة له بالمدعى (إنتهى) أقول المراد حصر المتابعة الكاملة التي يكون بحسب الظاهر والباطن ولا يشوبها شائبة تردد ونفي هذه المتابعة عن غير علي غبر ظاهر البطلان وانحصار المتابعة الكاملة فيه (ع) دليل أفضليته عن غيره وهو المدعى. قال المصنف رفع الله درجته الخامسة والأربعون قوله تعالى: أفمن يعل إنما أنزل إليك من ربك الحق (4) هو علي (ع) (5) إنتهى.
368 قال الناصب خفضه الله أقول: هذا من تفاسير الشيعة لا من تفاسير أهل السنة، وإن صح تدل على علمه بحقية الكتاب، لا على التنصيص بإمامته وهو المدعى. أقول المدعى من الاستدلال بالآية إثبات الأفضلية ونسبته بهذا المدعى حاصلة فإن تمام الآية قوله تعالى: أفمن يعلم إنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب (1) الآية وقد ضرب الله المثل بعلي (ع) في أن حال من علم أن ما أنزل الله هو الحق واستجاب مخالف بحال الجاهل الذي لا يستبصر فلا يستجيب ويقصر في المتابعة ولله المثل الأعلى (2) لكن الناصب الشقي الذي قلبه أعمى لا يتذكر كما قال تعالى: إنما يتذكر أولوا الألباب قال النيشابوري أي إنما ينتفع بالأمثال أولوا الألباب الذين يميزون القشر عن اللباب (إنتهى) فليتأمل أولياء الناصب إن من يميز القشر عن اللباب هو ابن أبي قحافة وابن الخطاب أم من عنده علم الكتاب وفصل الخطاب؟! قال المصنف رفعه الله السادسة والأربعون قوله تعالى: ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (3) قال علي (ع) (4) يا رسول الله: ما هذه الفتنة؟ قال يا علي: بك،
369 وأنت مخاصم فاعتد للخصومة (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: أجمع المفسرون على أن الآية نزلت في رجل وامرأة أسلما، وكان لهما ولد يحبانه حبا شديدا فمات فافتتنا، وكادا يرجعان عن الاسلام فأنزل الله هذه الآية، وأما ما ذكره من الخبر فالظاهر أن النبي (ص) لم يجعل عليا فتنة للمسلمين وهذه من القوادح لا من الفضايل على ما ذكره (إنتهى) أقول من العجب أن الناصب الشقي يكذب في شأن النزول ثم يدعي اجتماع المفسرين عليه مع أن إمامه فخر الدين الرازي ذكر في سبب النزول أقوالا ثلاثة ليس هذا شئ منها ولو كان لهذا السبب نحو صحة لكان هو أولى بذكره لعدم مبالاته باشتمال كتابه على كل غث (1) وسمين ثم أقول الفتنة (2) في الآية بمعنى الامتحان وحاصل الآية كما صرح به الرازي والنيشابوري أن الناس لا يتركون بمجرد التلفظ بكلمة الاسلام بل يؤمرون بأنواع التكاليف الشاقة ويمتحنون بها ولا ريب أن من جملة ما امتحن الله به أمة نبيه (ص) الكتاب والعترة الطاهرة فإن إطاعة حكمهما ثقيل على الأمة، ولهذا سميا في الحديث المشهور بالثقلين وسيد العترة هو
370 علي (ع) وقد فتن به المشايخ الثلاثة والطوايف الثلاثة من الناكثين، والقاسطين والمارقين وأضرابهم ولهذا قال علي (ع) أنا دابة الأرض، وغرضه (ع) على ما تفطن به بعض العارفين (1) أنه كما أن دابة الأرض سبب تميز الكافر عن المسلم أنا أيضا سبب تميز أحدهما عن الآخر، ولا قدح في ذلك كما توهمه الناصب، بل هو فضيلة تفوق كثيرا من الفضايل والكمالات كما لا يخفى. قال المصنف رفع الله درجته السابعة والأربعون قوله تعالى: وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى (2) قال (ص) في أمر (3) علي (ع) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذه من رواياته وآثر النكر عليه ظاهر. ولا دلالة له أصلا على ثبوت النص المدعى (إنتهى) أقول الرواية المذكورة في كشف الغمة (4) رواية عن الحافظ أبي بكر بن مردويه والمراد من قوله (ص) في أمر علي (ع) في أمر إمامته فهو نص على إمامته وشقاوة من شاقوا في ذلك
371 قال المصنف رفعه الله الثامنة والأربعون قوله تعالى: ويؤت كل ذي فضل فضله (1) هو علي (ع) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: إن صح نزوله فيه فهو دال على فضله المتفق عليه ولا دلالة على النص (إنتهى) أقول الراوية مذكورة في كشف الغمة (2) نقله عن ابن مردويه ومعنى الآية كما في تفسير النيشابوري (3) وشيخنا الطبرسي (4) قدس سره أن كل ذي فضل يؤت موجب فضله ومقتضاه يعني الجزاء المترتب على عمله بحسب تزايد الطاعات وورود الآية في شأن علي (ع) يدل على أنه كان زايدا في العمل عن غيره من الأمة كما يدل عليه قول النبي لضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين (5) فيكون أفضل وهذا ما أراده المصنف قدس سره. قال المصنف رفعه الله التاسعة والأربعون قوله تعالى: فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه (6) هو من رد قول رسول الله (ص) في علي (ع) (7) (إنتهى)
372 قال الناصب خفضه الله أقول: هذا من رواياته وإن صح لا تدل على ثبوت المقصد (إنتهى) أقول هذا من روايات ابن مردويه حافظ أهل السنة، وكفى دلالة على ذلك كنيته الشريف (1) والظاهر أن المراد من قول رسول الله (ص) في علي (ع) قوله في إمامته كما وقع في يوم غدير خم، ومن الذي رد عليه حارث بن النعمان الفهري كما مر (2) أو من رد عليه عند وفاته بقوله: إن الرجل ليهجر (3) فتدبر، وعلى هذا يكون نصا في المقصد ولو سلم فالدلالة على مجرد الفضيلة يكفي في ثبوت المقصد كما مر بيانه مرارا. قال المصنف رفع الله درجته الخمسون قوله تعالى: وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (4)،
373 قال أبو رافع (1): وجه النبي عليا (ع) في طلب أبي سفيان فلقيهم (2) أعرابي من خزاعة (3) فقال: إن القوم قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا فقالوا:
374 حسبنا الله ونعم الوكيل فنزلت (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: الآية نزلت في البدر الصغرى، (1) وذلك أن أبا سفيان لما انقضى الحرب يوم أحد قال: الموعد بيننا في موسم بدر، فلما كان وقت الموسم لم يستطع أبو سفيان أن يخرج لجدب السنة فأرسل نعيم بن مسعود ليثبط رسول الله (ص) من القتال فجاء نعيم بن مسعود وخوف رسول الله (ص) وأصحابه فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل وتتمة الآية تدل على ما ذكرنا، فإنه يقول الذين قال لهم الناس وهو نعيم بن مسعود إن الناس قد جمعوا لكم أبو سفيان وقريش فقال المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل، هذا رواية أهل السنة وإن صح ما رواه فلا يدل على المقصود كما علمت (إنتهى) أقول الرواية التي ذكرها المصنف قد رواها ابن مردويه أيضا وهو من حفاظ أهل السنة وأكابرهم فيكون روايته حجة عليهم ووجه دلالته على المقصود أن من يزيد إيمانه في هذه المخاوف إشجع وأخلص نية في الدين عن غيره فيكون أفضل، وهذا ما أردناه والناصب حذف من الرواية التي ذكرها المصنف قوله: فزادهم إيمانا
375 مع أنه مذكور (1) في كتاب كشف الغمة أيضا بل في صدر الآية لتصير الدلالة خفية فيعترض على المصنف وقد كشف الله عن سوء عمله والحمد لله قال المصنف رفعه الله الحادية والخمسون قوله تعالى: وكفى الله المؤمنين القتال (2) في قراءة، ابن مسعود بعلي بن أبي طالب عليهما السلام (إنتهى)
376 قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا من القراءات المتواترة، والشيعة يعدونها من الشواذ وإن صح دل على فضيلته، لا على إمامته بعد رسول الله (ص) (إنتهى) أقول هذا وإن لم يكن من القراءات المتواترة ليست من الشاذة أيضا، لوجود الواسطة بينهما وهي الآحاد الصحيحة تدل على هذا ما نقله الشيخ جلال الدين السيوطي في كتاب الاتقان (1) عن القاضي جلال الدين البلقيني (2) أنه قال: إن القراءة
378 تنقسم إلى متواتر وآحاد وشاذ فالمتواتر القراءات السبعة (1) المشهورة والآحاد القراءات الثلاثة (2) التي هي تمام العشر ويلحق بها قراءة الصحابة والشاذ قراءة
379 التنابعين كالأعمش (1) ويحيى (2) اه وأما وجه الدلالة على المقصود فظاهر، لظهور دلالة الآية بناء على تلك القراءة على كون علي (ع) إشجع من كل الأمة وأنه تعالى به (ع) كفى شر العدو عنهم يوم الأحزاب فيكون أفضل منهم وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (3) قال المصنف رفعه الله الثانية والخمسون قوله تعالى واجعل لي لسان صدق في الآخرين (4) هو علي (ع) عرضت ولايته على إبراهيم على نبينا وآله و (ع) فقال: اللهم اجعله من ذريتي
380 ففعل الله ذلك (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: مفهوم الآية: إن إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام سأل من الله تعالى أن يجعل له ذكر جميل بعد وفاته وهو المراد من لسان الصدق وحمل لسان الصدق على علي (ع) بعيد بحسب المعنى والشيعة لا يبالون (1) بمثل هذا ويذكرون كلما يسمعون ولا دليل لهم فيما يفترون (إنتهى) أقول ما أشار إليه المصنف من الرواية قد رواها ابن مردويه وبعد تسليم الناصب للرواية لا وجه لاستبعاد حمل لسان الصدق على علي (ع) على أن النيشابوري قال في تفسيره إن الإضافة في قوله: لسان صدق كقوله: قدم صدق وقيل: سأل ربه أن يجعل من ذريته في آخر الزمان داعيا إلى ملته وهو محمد (ص) (إنتهى) وأنت خبير بأنه لا فرق في القرب والبعديين حمل لسان الصدق على محمد (ص) وبين
381 حمله على علي (ع) ولكن الناصب متى يسمع فضيلة فضايل علي (ع) اختل من الغيظ عقله واحتال في دفعه لظفره وأنيابه وشنع على الشيعة في روايتها ولو من كتب (1) أصحابه ولنعم ما قيل: شعر: إذا ذكرت الغر من آل هاشم * تنافرت عنك الكلاب الشاردة فقل لمن لامك في حبه * خانتك في مولدك الوالدة نظم: همه نپذيرى چون زال على باشد حرف زود بخروشى وگوئى نه صوابست خطاست بيگمان گفتن توباز نمايد كه ترا بدل اندر غضب دشمني آل عبا است ولا يستبعد من قلب تمكن فيه بغض علي بن أبي طالب (ع) أن يصير محروما مهجورا عن توفيق الهداية والسعادة وكمال البصيرة وضياء الانصاف حتى يكون ساير أقواله واقعا له خطاء رياء خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (2) قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والخمسون قوله تعالى والعصر إن الانسان (3) لفي خسر يعني (4) أبا جهل إلا الذين آمنوا علي وسلمان (إنتهى).
382 قال الناصب خفضه الله أقول هذا تفسير لا يصح أصلا لأن الانسان إذا أريد به أبو جهل يكون لاستثناء منقطعا ولم يقل به أحد وإن كان الاستثناء متصلا لا يصح أن يراد بالانسان أبو جهل فالمراد منه أفراد الانسان على سبيل الاستغراق وعلى هذا لا يصح تخصيص المؤمنين بعلي وسلمان فإن غيرهم من المؤمنين ليسوا في خسر وهذا الرجل يعلف كل نبت ولا يفرق بين السم والحشيش (1) أقول قد قال بكون الاستثناء منقطعا مقاتل (2) وغيره من أسلاف الناصب الشقي
383 رغما لأنفه قال النيشابوري في تفسيره (1) وعن مقاتل أنه أبو لهب وفي خبر مرفوع أنه أبو جهل كانوا يقولون إن محمدا (ص) لفي خسر فأقسم الله تعالى أن الأمر بالضد مما توهموه وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا (إنتهى) وأما قول الناصب: فإن غير علي وسلمان من المؤمنين ليسوا في خسر فغير مسلم وإنما يكون كذلك لو أريد بالخسر الكفر ولو أريد به مطلق الذنب والتقصير فلا، لما قاله شيخنا الطبرسي في تفسيره (2) من أن الانسان ينقص من عمره كل يوم وهو رأس ماله فإذا ذهب رأس ماله ولم يكتسب به الطاعة كان طول عمره في النقصان إلا المؤمنين الصالحين الكاملين فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فيربحوا وفازوا واستعدوا (إنتهى) وزاد عليه فاضل النيشابوري (3) في تفسيره وقال: وإن كان العبد مشغولا بالمباحات فهو أيضا في شئ من الخسر لأنه يمكنه أن يعمل فيه عملا يبقى أثره ولذته دائما وإن كان مشغولا بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الاتيان به على وجه أحسن لأن مراتب الخضوع والعبادة غير متناهية كما أن جلال الله وجماله ليس لهما نهاية (إنتهى) فليفرق الناصب الذي لم يفرق بين الفرق والقدم بين الحشيش والسم وليمسك عنان القلم عما يورث الخجالة والندم
384 قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والخمسون وتواصوا بالصبر (1) قال ابن عباس (2) ره هو علي (ع) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول أنت خبير بأن الصبر صفة من الصفات، وليس هو من الأسامي حتى يراد شخص وهذا قريب من السابق (إنتهى) أقول نعم نحن خبير بذلك لكن هيهنا خبر آخر ليس للناصب الجاهل عنه خبر. شعر: خبريست نورسيده تومگر خبر ندارى؟! جگر حسود خون شد تومگر جگر ندارى؟! وذلك: لأن ضمير هو في قول ابن عباس هو علي ليس راجعا إلى الصبر كما توهمه الناصب العاجز عن فهم واضح الكلام بل هو راجع إلى مدلول ضمير الجمع
385 في قوله: تواصوا، المراد به علي (ع) بشخصه وبخصوصه تعظيما له (ع) وكم له نظاير في كلام الملك العلام؟! قال المصنف رفع الله درجته الخامسة والخمسون والسابقون الأولون (1) علي وسلمان (2) (إنتهى)
386 قال الناصب خفضه الله أقول المراد بالسابق إن كان السابق في الاسلام فسلمان ليس كذلك وإن كان السابق في الأعمال الصالحات فغيره من الصحابة هكذا ولا صحة لهذا النقل وهو من تفاسير الشيعة (إنتهى) أقول قد روى (1) الحافظ أبو بكر بن مردويه ما في معنى ذلك وما ذكره: من أن سلمان ليس سابقا في الاسلام إن أراد به نفي كونه أسبق الكل فنحن لا ندعيه ولا دلالة للآية عليه وإن أراد به نفي كونه من السابقين الأولين بأن يكون ثاني الأولين أو ثالثهم فهو جهل بحال سلمان عليه وإلا تجاهل، لأجل ترويج حال أبي بكر وسد باب تقدم إسلام سلمان عليه وإلا فقد روى (2) الرازي وغيره من المفسرين أن سلمان قد جاء النبي (ص) قبل البعثة، ولهذا كان الكفار يتهمون النبي (ص) عند بعثته بأن ما يذكره من الأخبار الماضية ويجئ به من كلام الله إنما هي بتعليم سلمان، فرد الله تعالى عليهم بقوله: لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (3) الآية نعم لما كان سلمان رجلا غريبا مسكينا لم يحصل له خلافة وأمارة لم يلتفت الجمهور إلى ضبط حاله ولم يرضوا أن يذكروا فيه ما يزري بشأن أبي بكر ووباله، ولو نال سلمان الخلافة أولا ولو بالجلافة لقالوا إنه أفضل وأسبق إسلاما من ابن أبي قحافة وقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة إن سلمان رضي الله عنه هو الذي صار واسطة في تقريب أبي بكر إلى النبي (ص) فقال للنبي (ص) بمحضر علي (ع) أن أبا بكر وإن كان من أرذل (4) طوايف قريش لكنه لم يزل كان معلما لصبيانهم
388 مطاعا لمن أخذ عنه فتيانهم، فهم لأجل رعاية حق التعليم يتلقونه بالتبجيل والتعظيم ولكلامه فيهم أثر عظيم وإن معلمي الصبيان طالبون للرياسة راغبون في الترأس والدراسة فلو رغبناه إلى ما أخبره به الأحبار من ظهور سلطانكم وسطوح برهانكم وأطمعناه فيما يترقب من جاهكم وذللناه إلى تجاهكم، لكان أدخل في تأليف القلوب وأقرب إلى نيل المطلوب فاستصوبا عليهما السلام ذلك وشرع سلمان في دلالة الرجل وإدخاله في الاسلام والله أعلم بحقايق المرام. قال المصنف رفع الله درجته السادسة والخمسون قوله تعالى: وبشر المخبتين إلى قوله ومما رزقناهم ينفقون (1) علي (ع) منهم (2) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول هذا مسلم لا نزاع فيه، ولكن لا تدل على المدعى (إنتهى) أقول بل يدل على المدعى بضم الفضائل الأخر التي ذكره المصنف (إنتهى)
389 قال المصنف رفعه الله السابعة والخمسون قوله تعالى: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى (1) علي (ع) منهم (2) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: هذا مسلم لا نزاع فيه، ولا يكن لا يدل على المدعى (إنتهى). أقول فيه إن الحسنى الخصلة المفضلة في الحسن، فيدل على أفضلية علي (ع) على غيره ممن لم يدخل في الآية.
390 قال المصنف رفع الله درجته الثامنة والخمسون قوله تعالى: من جاء بالحسنة (1) قال علي (ع): الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا من جاء بها أكبه الله على وجهه في النار (2) (إنتهى)
391 قال الناصب خفضه الله أقول: لا شك أن حب أهل بيت محمد (ص) من الحسنات، ولكن لا يثبت النص (إنتهى).
392 أقول ليس الكلام في الحب وحده لأن حب سائر المؤمنين من الحسنات، وإنما الكلام في بغضهم فإن بغض غير أهل البيت من المؤمنين لم تقع فيه الوعيد بالانكباب في النار فيدل ذلك على الأفضلية، لأن هذا مرتبة الأنبياء عليهم السلام كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته التاسعة والخمسون فأذن مؤذن بينهم (1) هو علي (ع) (2) (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول لم يثبت هذا في الصحاح والتفاسير وإن صح لا يدل على النص (إنتهى)
393 أقول قد روى ذلك ابن مردويه على ما في كتاب كشف الغمة، فالانكار مردود هو نص في الدلالة على الأفضلية، لأن من أدن بإذن الله تعالى بين الناس يوم القيامة وينادي أهل الجنة والنار أن لعنة الله على الظالمين، ينبغي أن يكون منزها عن ساير شوائب الظلم معصوما عن الكبائر والصغائر فيكون أفضل من غيره سيما من مضى أكثر عمره في الكفر والعدوان والله المستعان. قال المصنف رفعه الله درجته الستون إذا دعاكم لما يحييكم (1) دعاكم، إلى ولاية علي بن أبي طالب عليهما
394 السلام (1) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا في التفاسير، وإن صح لا يدل على المقصود (إنتهى). أقول هذا أيضا مما رواه ابن مردويه وجه دلالته على المقصود يتوقف على تمهيد مقدمة وهي: أن تمام الآية قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسل إذا دعاكم لما يحيكم الآية وقال فخر الدين الرازي في تفسيره (3): إن الفقه قالوا ظاهر الأمر للوجوب، وتمسكوا بهذه الآية على صحة قولهم من وجهين الوجه الأول أن كل من أمره الله بفعل فقد دعاه إلى ذلك الفعل، وهذه الآية تدل على أنه لا بد من الإجابة في كل ما دعاه الله إليه، فإن قيل: قوله: استجيبوا لله أمر فلم قلتم إنه يدل على الوجوب؟ وهل النزاع إلا فيه؟ ويرجع حاصل هذا الكلام إلى إثبات إن الأمر للوجوب بناء على أن هذا الأمر يفيد الوجوب، وهو يقتضي
395 إثبات الشئ بنفسه وهو محال. والجواب: إن من المعلوم بالضرورة أن كل ما أمر الله به، فهو مرغب فيه مندوب إليه، فلو حملناه قوله: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم على هذا المعنى، كان هذا جاريا مجرى إيضاح الواضحات، وأنه عبث، فوجب حمله على فايدة زايدة وهي الوجوب صونا لهذا النص عن التعطيل ويتأكد هذا بأن قوله تعالى بعد ذلك: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون جار مجرى التهديد والوعيد، وذلك لا يليق إلا بالايجاب (إنتهى) فنقول: لا يخلو إما أن يكون المراد من الولاية المذكورة في شأن نزول الآية الخلافة والإمامة كما هو الظاهر المتبادر إلى الفهم، فقد دلت الآية على وجوب الطاعة له عليه آلاف التحية والسلام واعتقاد خلافته وإن كان المراد النصرة والمحبة فيلزم تفضيله (ع) على غيره من الأمة، لأن نصرة غيره من آحاد الأمة غير واجبة خصوصا مع هذا التأكيد والتهديد الذي عرفته من كلام الرازي، وعلى التقديرين يحصل المقصود كما لا يخفى. قال المصنف رفع الله درجته الحادية والستون في مقعد صدق عند مليك مقتدر (1) علي (ع) (2) (إنتهى)
396 ولا يخفى إن الناصب اكتفى في جرحه هذا بنسخة سقيمة من نسخ المتن قد سقط فيها هذا الفصل ثم كتب في هذا المقام من جرحه: أنه لم يذكر هيهنا الأولى وكأنه في الحساب أيضا غالط (إنتهى). أقول الغالط من اعتمد على الغلط وأشد غلطا من ذلك أنه عبر عن الحادية بالأولى فتأمل قال المصنف رفع الله درجته الثانية والستون ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون (1)، قال
397 النبي (ص) (1) لعلي عليه آلاف التحية والثناء: إن فيك مثلا من عيسى أحبه قوم، فهلكوا فيه، وأبغضه قوم، فهلكوا فيه، فقال المنافقون. أما يرى له مثلا إلا عيسى فنزلت هذا الآية.
398 قال الناصب خفضه الله أقول الآية نزلت في عبد الله بن الزبعري (1) حين نزل إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون، فقال ابن الزبعري: عيسى عبد فهو يدخل جهنم، فقال رسول الله (ص) ما أجهلك بلغة قومك؟! فإن ما لا يراد به ذوو العقول وعيسى (ع) من ذوي العقول فأنزل الله تعالى ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون، وإن صح فهو في حكم أخواتها (إنتهى) أقول قد ذكر (2) فخر الدين الرازي في هذه الآية أقوالا ثلاثة: أحدها ما ذكره الناصب حيث قال: إن لفظ الآية لا يدل إلا على أنه لما ضرب ابن مريم مثلا أخذ القوم يصيحون ويرفعون أصواتهم وأما إن ذلك المثل كيف كان؟ فاللفظ لا يدل عليه، والمفسرون ذكروا وجوها محتملة فالأول أن الكفار لما سمعوا إن النصارى يعبدون عيسى على نبينا وآله و (ع) قالوا: إذا عبدوا عيسى فآلهتنا خير من عيسى وإنما قالوا ذلك، لأنهم كانوا يعبدون الله والملائكة الثاني روى أنه لما نزل قوله تعالى. إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون، قال
402 عبد الله بن الزبعري إلى آخره، الوجه الثالث في التأويل هو أن النبي (ص) لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح وجعلوه إلها لأنفسهم قال كفار مكة: إن محمد (ص) يريد أن نجعله لنا إلها كما جعل النصارى المسيح إلها لأنفسهم ثم عند هذا قالوا: أآلهتنا خير أم هو؟ يعني آلهتنا خير أم محمد (ص) ذكروا ذلك لأجل أنهم قالوا: إن محمدا (ص) يدعونا إلى عبادة نفسه، وآبائنا زعموا أنه يجب عبادة هذه الأصنام فإذا كان لا بد من أحد هذين الأمرين فعبادة هذه الأصنام أولى، لأن آبائنا وأسلافنا كانوا متطابقين عليه وأما محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، فإنه متهم في أمرنا بعبادته، فكان الاشتغال بعبادة الأصنام أولى (إنتهى) وقد ظهر من كلامه إن ما ذكره في تأويل الآية وجوه محتملة، قالوها رجما بالغيب من غير استناد إلى حديث مخبر عن سبب النزول، فيكون ما رواه المصنف أولى بالاعتبار كما لا يخفى، وأيضا كل من أخبار الثلاثة خال عن المعنى الذي يقتضيه أسلوب ضرب المثل وعن ذكر من ضرب له المثل بخلاف المعنى المستفاد من رواية المصنف فإنه مقرر لأسلوب المثل ومبين لمن ضرب له وهو علي (ع) ضرب لنا مثلا ونسي خلقه (1) فيكون أفضل أو نقول: قد دلت الآية مع الرواية دلالة صريحة على أن حكمه (ع) حكم عيسى على نبينا وآله و (ع) فلا أقل من دلالته على الأفضلية وبالجملة ما ذكره المصنف من الأدلة وإن كانت أخوات إلا أنها من نجب الأدلة ونخبها، وما من آية إلا وهي أكبر من أختها. ختم وإتمام قد روى (2) أحمد بن حنبل في مسنده ما في معنى الحديث المذكور من طرق
403 ثمانية منها ما رواه مسندا إلى علي (ع) قال قال رسول الله (ص) يا علي إن فيك مثلا من عيسى أبغضه اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له، قال: قال علي يهلك في رجلان محب يفرطني بما ليس في ومبغض يحمله شناني على أن يبهتني وقوله (ع): حتى بهتوا أمه أي جعلوه ولد زينة وكذا ابن المغازلي (1) في كتاب المناقب والشيخ عبد الواحد (2) الآمدي التميمي في الجزء الثالث من جواهر (3) الكلام في حروف ياء النداء وابن (4)
404 عبد ربه في كتاب العقد (1) ذكروا ما في معناه، ومعلوم أن خصائصه الباهرة (2) ومعجزاته القاهرة وآياته الناطقة مثل قلع الباب وقلع الصخرة (3) وإخباره بالمغيبات (4) على ما سيجئ قد بلغت شرف الكمال، حتى التبس أمره على كثير من العقلاء، واعتقدوا أنه فاطر الأرض والسماء وخالق الأموات والأحياء كما بلغ الأمر في عيسى (ع) هل هو معبود أو عبد؟ ولعل الله سبحانه تعالى لما سبق في علمه ما يجري عليه حال علي (ع) من كثرة الباغضين والمعاندين، وما يبلغون إليه من مساواته لمن لا يجري مجراه، كساه الله من حلل الأنوار وجليل المنار ما يبلغ به إلى غاية يقوم بها الحجة البالغة لله سبحانه على الخلائق ولا يبقى لهم عذر يعتذرون به في ولاية وليه عليه الصلاة والسلام، وقد جعل الناس في كلامه (ع) ثلاث مراتب قوم أفرطوا في حبه فهلكوا وهم النصيرية (5) لأنهم يعتقدون أنه إله يحيي ويميت
405 ويمنع ويرزق لما عاينوا من أفعاله الباهرة التي يؤيد الله تعالى بها أنبياءه وأوصياء أنبيائه ليصح (ليتضح خ ل) بها صدق دعوتهم في النبوة والخلافة، فلما أهملوا وظيفة النظر في الدليل هلكوا حيث شبهوا الصانع بالمصنوع والرب بالمربوب، وقوم (1) أفرطوا في بغضه حتى نصبوا له العداوة وحاربوه ودفعوه عن مقامه الذي نصبه الله تعالى فيه، ونبه عليه بالآيات في كتابه ونص عليه الرسول في مواضع لا تحصى كثرة (2) وأفرطوا في بغضه حتى كتموا من النصوص ما قدروا عليه وتوعدوا
406 الناس على نشر مناقبه وسبوه (1) على المنابر، بل قادوه كما يقاد الجمل
407 المخشوش (1) وأضرموا النار في بيته (2) وسفكوا دماء ذريته الطاهرة (3) وقوم مقتصدون أولئك جعلوا عليا (ع) إماما ولم يتعدوا به ما جعله الله له، ومعلوم أن التميز من الأمة قليل، والعمى فيها كثير، وعلى ذلك مضى جمهورها ألم تر أن قوم موسى على نبينا وآله وعليه السلام حال صعودهم من البحر قد شاهدوا الآية العظمى أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون فلا عجب حينئذ أن تنقلب الأمة بعد نبيها وتختلف في وصيه (وصيته خ) ومعلوم أن أبا بكر لم يقل أحد من الأمة بأسرها إنه إله يحيي ويميت بل قوم يرون إمامته وقوم لا يرونها أصلا والأمة بأسرها قائلة بإمامة علي (ع) لكنهم منهم من جعله رابعا والخلاف حينئذ في علي (ع) بين الإلهية والإمامة والخلاف في أبي بكر هل هو إمام أم لا؟ وهذا تباين عظيم وتباعد مفرط قد بلغ إلى الغاية وارتفع في النهاية كما أشار إليه الفرزدق (4) رحمه الله بقوله:
411 شعر تبا لناصبة الإمام لقدتها فتوا في الضلال بل تاهوا قاسوا عتيقا بحيدر سخنت (1) * عيونهم با لذي به فاهوا كم بين من شك في إمامته * وبين من قيل إنه الله؟! وقد اشتهر عن الشافعي ما مضى (2) من قوله: لو أن المرتضى أبدى محله * لأضحى الناس طرا سجدا له
412 كفى في فضل مولانا علي * وقوع الشك فيه إنه الله قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والستون وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (1) قال علي (ع) هم أنا وشيعتي (2) (إنتهى)
413 قال الناصب حفظة الله أقول هذه من رواياته ومدعياته، والله أعلم وليس فيه دليل على المدعى (إنتهى). أقول هذه الرواية مما اختصرها المصنف عن رواية رواها الحافظ ابن مردويه عن زاذان (1) عن علي (ع) قال: تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون
414 في النار وواحدة في الجنة وهم الذين قال الله تعالى: وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وهم أنا وشيعتي (إنتهى) وقال فخر الدين الرازي: أكثر المفسرين على أن المراد من الأمة هيهنا قوم محمد (ص) روى قتادة وابن جريح عن النبي (ص) أنها هذه الأمة وروي أيضا أنه (ع) قال هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى على نبينا وآله وعليه السلام مثلها، وعن الربيع عن أنس أنه قرء النبي (ص) هذه الآية فقال إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم، وقال ابن عباس رضي الله عنه: يريد أمة محمد (ص) من المهاجرين والأنصار (إنتهى) والرواية الأخيرة مما ذكرها الرازي صريحة في تخصيص بعض الأمة بكونه على الحق، وهذا هو الحق، كما دل عليه أيضا ما اشتهر من حديث افتراق الأمة، والجمع بينه وبين حديث ابن مردويه يقتضي أن يكون المراد بالقوم المذكور عليا (ع) وشيعته، ومن البين إن الخلفاء الثلاثة وأتباعهم من أهل السنة ليسوا من شيعة علي (ع) لما عرفت من المباينة والمخالفة بينهم وبين علي (ع) وقد ذكر (1) القاضي ابن خلكان في أحوال علي بن جهنم القرشي عليه ما عليه إنه كان معذورا في
415 بغض علي (ع) والانحراف عنه، لأن محبة علي بن أبي طالب عليهما السلام لا تجتمع مع التسنن (إنتهى) فيكونون على الباطل لأن الحق لا يكون في جهتين مختلفتين وكفى فيه دليلا على المدعى كما لا يخفى. قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والستون وتراهم ركعا سجدا (1)، نزلت (2) في علي (ع) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: إن صح فلا دلالة له على النص (إنتهى) أقول تمام الآية قوله تعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود
416 الآية ولعل استدلال المصنف بتمام الآية، وإنما اكتفى بذكر البعض اختصارا واعتمادا على انصراف ذهن من فاز بتلاوة القرآن إلى الباقي، وكون باقي الصفات المذكورة فيها إنما يرتبط بعلي (ع) دون الخلفاء الثلاثة وبالجملة قوله تعالى: ركعا سجدا إخبار عن كثرة صلاته (ع) ومداومته عليها، وسيجئ من الأحاديث والأخبار ما يدل على أنه (ع) بلغ في ذلك مبلغا لم ينله غيره من الصحابة، فيكون أعبدهم كما أشار إليه أيضا أفضل المحققين (قدس سره) في التجريد (1) فيكون أفضل وهذا ما ادعاه المصنف. قال المصنف رفع الله درجته الخامسة والستون والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا (2)، نزلت في (3) علي (ع)، لأن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (إنتهى).
417 قال الناصب خفضه الله أقول: الظاهر العموم، وإن خص فلا دلالة له على النص المقصود (إنتهى) أقول وجه استدلال المصنف بهذه الآية على الأفضلية أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها، وهو قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا الآية، والحاصل كما ذكره فخر الدين الرازي في تفسيره إنه لما كان الله مصليا على نبيه لم ينفك إيذاء الله عن إيذائه، فإن من آذى الله، فقد آذى الرسول (ص) فبين الله للمؤمنين إنكم إن أتيتم بما أمرتكم وصليتم على النبي كما صليت عليه لا ينفك إيذائكم عن إيذاء الرسول (ص) كما يكون على الأصدقاء الصادقين في الصداقة (إنتهى) ففي الآية بمقتضى الرواية التي ذكرها المصنف قدس سره دلالة على أن إيذاء علي (ع) لا ينفك عن إيذاء الرسول (ص)
418 ولم يرد في الآية الرواية الصحيحة المتفق عليها ما يدل على كون أحد من الخلفاء الثلاثة أو غيرهم من كباير الصحابة كذلك، فيكون أفضل. قال المصنف رفع الله درجته السادسة والستون وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض (1) في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين (2) وهو علي (ع) لأنه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم (3) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: ظاهر الآية العموم، ولم يذكر المفسرون تخصيصا بأحد، ولو خص فلا دلالة على النص، والاستدلال بأنه مؤمن مهاجر ذو رحم لا يوجب التخصيص لشمول الأوصاف المذكورة غيره (إنتهى). أقول ليس مقصود المصنف ولا مقتضى ما ذكره من الرواية (الدلالة خ ل) نفي عموم الآية،
419 بل المراد أن ذلك العام مع ما اعتبر معه من الأوصاف إنما يتحقق بين أرحام النبي (ص) في علي (ع) ولكن الناصب البليد لم يفهم المقصود والمرام، والحاصل أن الآية نص في إمامة علي (ع) لدلالتها على أن الأولى بالنبي (ص) أيضا من أولى الأرحام من كان مستجمعا للأمور الثلاثة كما أشار إليه المصنف، وقد أجمع أهل الاسلام على انحصار الإمام بعد النبي (ص) في علي (ع) والعباس وأبي بكر والعباس وإن كان مؤمنا ومن أولى الأرحام لكن لم يكن مهاجرا (1) بل كان طليقا، ولاتفاق أصحاب الناصب معنا في أنه طلب مبايعة علي (ع) في أول الأمر، ولم يكن ذلك إلا لعلمه بالنص على علي (ع) كما نقوله، أو بالأفضلية كما يقولون، بل قد حدث القول بإمامة عباس بعد الاجماع الثنائي (الصناعي خ ل) وانقراض القائل به بعد زمان العباسية فافهم، وأبو بكر على تقدير صحة إيمانه وهجرته لم يكن من أولي الأرحام، فتعين أن يكون الأولى بالإمامة والخلافة بعد النبي (ص) علي (ع) لاستجماعه الأمور الثلاثة فتثبت (فثبت خ ل) ما ادعيناه بحمد الله تعالى وبما قررناه قد اضمحل ما أجاب به المشكك الرازي في تفسيره الكبير عن تمسك بعض أكابر الذرية الطاهرة بالآية المذكورة على المتقلب الدوانيقي العباسي، حيث قال: تمسك محمد بن (2) عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام
420 في كتابه (1) إلى أبي جعفر المنصور بهذه الآية على أن الامام بعد رسول الله (ص) هو علي بن أبي طالب عليهما السلام فقال: قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، يدل على ثبوت الأولوية، وليس في الآية شئ معين في ثبوت هذه الأولوية، فوجب حمله على الكل إلا ما خصه الدليل، وحينئذ يندرج فيه الإمامة ولا يجوز أن يقال: إن أبا بكر من أولي الأرحام، لما نقل (2) عنه أنه (ع) أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم، ثم بعث عليا خلفه وأمر بأن يكون المبلغ هو علي (ع) وقال: لا يؤديها إلا رجل مني وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية، والجواب إن صحت به هذه الدلالة كان العباس أولى بالإمامة لأنه كان أقرب إلى رسول الله (ص) من علي (ع) وبهذا الوجه أجاب أبو جعفر المنصور عنه (إنتهى كلامه) ووجه اضمحلاله بما قررناه ظاهرا جدا، قال المصنف رفع الله درجته السابعة والستون: وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق (3) نزلت في ولاية
422 علي (ع) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: لم يذكره المفسرون فإن صح فهو في حكم أخواته. أقول قد ذكره الحافظ ابن مردويه رواية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والمراد بقدم صدق في الآية الفضل والسابقة قال (2) شيخنا الطبرسي: ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة (3) الجميلة والسابقة قدما كما سميت النعمة يدا وباعا (4) لأنها تعطى باليد وصاحبها يبوع بها، وإضافته إلى صدق دليل (دلالة خ ل) على زيادة فضل، وأنه من السوابق العظيمة (إنتهى) وقد وفقه في الدلالة على الزيادة فخر الدين الرازي في تفسيره والزمخشري في الكشاف فيدل الآية على زيادة فضل علي (ع) بمعونة الرواية، وأما ما ذكره المفسرون من أهل السنة على ما في تفسير الرازي فهي احتمالات أحدثوها بمجرد استحسان عقولهم وملاحظة أدنى مناسبة لمحت في أنظارهم فلا يعارض الرواية المذكورة كما لا يخفى.
423 قال المصنف رفع الله درجته الثامنة والستون أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم (1) كان علي (ع)
424 منهم (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذا يشمل ساير الخلفاء، فإن كلهم كانوا أولي الأمر، ولا دليل على مدعاه (إنتهى).
426 أقول سنذكر إن شاء الله تعالى في بحث الاجماع نقلا عن إمامه فخر الدين الرازي أن أولي الأمر الذي اقترن وجوب طاعته بطاعة الله وطاعة رسوله يجب أن يكون معصوما ولهذا ذهب إلى أن المراد بأولي الأمر الاجماع ونفى أن يكون المراد الخلفاء لعدم عصمتهم ففي ما ذكره الناصب هيهنا من شمول الآية للخلفاء مخالفة لقول إمامه، فلا يلتفت إليه (مصراع) فإن القول ما قال الإمام. ونحن قد أثبتنا بمحمد الله عصمة أئمتنا عليهم السلام عقلا ونقلا، علي (ع) سيدهم فتم لنا الدست (1) قال المصنف رفع الله درجته التاسعة والستون وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر (2) في مسند أحمد (3) هو علي أذن بالآيات من سورة براءة حين أنفذها النبي (ص) مع
427 أبي بكر وأتبعه بعلي فرده ومضى بها علي عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله: قد أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو واحد مني (إنتهى)
438 قال الناصب خفضه الله أقول سيرد عليكم أن انفاذ علي بعد أبي بكر كان لأجل أن العرب في العهود لا يعتبرون إلا قول صاحب العهد، أو أحد من قومه، ولأجل هذا انفذ عليا (إنتهى). أقول لا ريب في أن الفعل الصادر عن الله تعالى ورسوله يتعالى عن العبث، فما الوجه في إنفاذ الرجل أولا، وأخذها منه ثانيا، إلا تنبيها على الفضل وتنويها بالاسم، وتعلية للذكر ورفعة لجناب منه ارتضى لتأديتها، وعكس ذلك فيمن عزل، ولو كان دفع البراءة إلى علي عليه السلام أو لا ما وضح الأمر هذا الوضوح، ولجاز أن يجول بخواطر الناس أن في الجماعة غير علي عليه السلام من يصلح أن يكون مؤديا للبراءة، قائما في ذلك مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأما ما ذكره الناصب في وجه إنفاذ علي عليه السلام بعد أبي بكر، من أنه كان لأجل أن العرب في العهود لا يعتبرون إلى آخر، فهو شئ سبق إليه الجاحظ (1) حيث قال: إنه كان من عادة (2) العرب في عقد الحلف وحل العقد أنه كان لا يتولى منهم إلا السيد المطاع أو رجل من رهطه (إنتهى) ورد عليه: بأنه أراد أن يذم عليا فمدحه وأن يبعده فقربه، وأنا أقول في الرد عليه وعلى أخيه الناصب أيضا: إنه لو كان إنفاذ علي عليه السلام لأجل ما تعارف بين العرب في العهود، لما خفي على النبي صلى الله عليه وآله أولا، فعلم أن السر في ذلك عدم قابلية أبي بكر للأداء عند الله تعالى وسيجئ تمام الكلام منا فيما بعد إن شاء الله تعالى.
439 قال المصنف رفع الله درجته السبعون طوبى لهم وحسن مآب (1)، قال ابن سيرين (2): هي شجرة في الجنة
440 أصلها في حجرة علي عليه السلام وليس في الجنة حجرة إلا وفيها غصن من أغصانها (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: في الروايات المشهورة إنها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد أن بيت النبي والولي يكون متحدا، ولا بأس بهذه الرواية، فإن كل هذه يدل الفضايل المتفق عليها، ولا دلالة على النص وهو المدعى (إنتهى).
443 أقول تحقيق الكلام في هذه الآية ما ذكره شيخنا الطبرسي (ره) في تفسيره (1): من أنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله أن طوبى شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة وقال مرة أخرى في دار علي، فقيل له في ذلك، فقال: إن داري ودار علي في الجنة بمكان واحد (إنتهى)، ولو سلم أن الشجرة ليست في دار علي فكفى في أفضليته عليه السلام ما اعترف به الناصب كرها من اتحاد دار النبي والولي وهو المدعى، قال بعض فضلاء أصحابنا: إن في اتحاد داريهما عليهما السلام دليلا ظاهرا على شرفه على جميع الخلايق، وإذا كان رهطان متعاديان وفي أمرهما متباينان حتى ظهر بالخبر المأثور إن حسن المرجع لأحدهما كان ذلك دليلا واضحا وعلما لايحا وزنادا قادحا على بيقرة (2) الحق وزحلفة (3) الباطل، قال المصنف رفع الله درجته الحادية والسبعون فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (4)، قال، ابن عباس (5) بعلي عليه السلام (إنتهى)
444 قال الناصب خفضه الله أقول: لا يظهر ربطه بعلي إذ من الذين ينتقم منهم هم الكفار وعلي عليه السلام لم يحارب الكفار بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أراد البغاة، فالآية ليست نازلة في شأنهم كما يدل السابق واللاحق من الآية على أنها نزلت في شأن الكفار، وإن صح فلا يدل على المدعى (إنتهى) أقول الرواية عن طريق ابن عباس، قد رواها (1) ابن مردويه (2) وقد روى (3) ذلك
445 شيخنا الطبرسي (ره) في تفسيره عن جابر بن عبد الله، حيث قال: إن كلمة ما، في قوله تعالى فإما نذهبن بك، بمنزلة لام القسم في أنها إذا دخلت دخلت معها النون الثقيلة، والمعنى إن قبضناك وتوفيناك فإنا منتقمون منهم بعدك وعن الحسن وقتادة إن الله أكرم نبيه بأن لم يره تلك النقمة ولم ير في أمته إلا ما قرت به عينه، وقد كان ذلك بعده نقمة شديدة وقد روى أنه أري ما تلقى أمته بعده، فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتى قبض، وروى جابر بن عبد الله قال: إني لأدناهم من رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بمنى حين (حتى خ ل) قال: لألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت إلى خلفه، وقال: أو علي؟ أو علي؟ ثلاث مرات، فرأينا أن جبرئيل غمزه فأنزل الله تعالى على أثر ذلك: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون بعلي بن أبي طالب، وإن أردنا أن نريك ما نعدهم من العذاب، فإنهم تحت قدرتنا، لا يفوتوننا، وقيل: إنه رأى نقمة الله منهم يوم بدر بأن أسر منهم وقتل (إنتهى) وأما قول الناصب: وعلي لم يحارب الكفار بعد النبي صلى الله عليه وآله إن أراد به الكافر الأصلي، فهب أن يكون كذلك، لكن لا يجديه نفعا، وإن أراد به الأعم من الكافر الأصلي والمرتد فغير مسلم لأن البغاة كفار مرتدون عندنا كما مر سابقا في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه (1) الآية، وبالجملة محاربو علي عليه السلام كفرة عندنا، كما صرح به أفضل المحققين في التجريد بقوله (2): محاربو علي كفرة، ومخالفوه فسقة، والبغاة قد حاربوا عليا عليه السلام وأيضا ما الوجه في تجويزهم للحكم بارتداد من منع الزكاة عن أبي بكر لأجل اعتقادهم
446 عدم استحقاقه للخلافة دون تجويز الحكم بارتداد البغاة الذين حاربوا عليا عليه السلام، مع أن التجويز لازم هيهنا بطريق أولى كما لا يخفى، وقال المصنف قدس سره في شرحه: قد اختلف قول علمائنا في مخالفي علي عليه السلام في الإمامة، فمنهم من حكم بكفرهم لأنهم دفعوا ما علموا ثبوته من الدين وهو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره، وذهب آخرون إلى أنهم فسقة وهو الأقوى، ثم اختلف هؤلاء على أقوال ثلاثة، أحدها إنهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة الثاني إنهم يخرجون من النار إلى الجنة الثالث ما ارتضاه ابن نوبخت (1) وجماعة من علمائنا: إنهم يخرجون من النار لعدم الايمان المقتضى لاستحقاق الثواب (إنتهى) ووجه دلالة الآية على المدعى: أن من ينتقم الله به عن الكفار ويطيب خاطر نبيه بوساطته دون ساير المهاجر والأنصار يكون أفضل أصحابه الأخيار. قال المصنف رفع الله درجته الثانية والسبعون هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل، وهو على سراط
447 مستقيم (1)، عن ابن عباس (2) أنه علي عليه السلام (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: لا شك أن عليا كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، لكن لا يدل هذا على النص على إمامته (إنتهى) أقول ما ذكره المصنف تمام آية هي قوله تعالى: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم الآية وقد ضرب الله فيها المثل لنفسه، ولما يفيض إلى عباده من النعم الدينية والدنيوية وللأصنام التي هي أموات لا تنفع، بل يصل منها إلى من يعبدها أعظم المضار. ولا شك في أن من ضرب الله به المثل لنفسه من الجهة المذكورة (3) يجب أن يكون في أعلى درجات القدرة والعلم والجود والاستقامة، فيكون أفضل، لقوله تعالى: ولله المثل الأعلى (4)، أو لقوله تعالى: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه (5) فافهم، وأيضا إذا كان علي عليه السلام على الصراط المستقيم أي
448 الطريق الواضح، كل من خالفه جايرا غير واضح، لاستحالة وجود الحق في جهتين مختلفتين، والمخالفة بينه وبين من تقمصوا الخلافة مما لا يمكن إنكاره، ولا يدفع اشتهاره. قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والسبعون سلام آل ياسين (1) عن ابن عباس آل محمد (2) (إنتهى)،
449 قال الناصب خفضه الله أقول: صح هذا، وآل ياسين آل محمد وعلي منهم والسلام عليهم، ولكن أين هو من دليل المدعى انتهى.
450 أقول قد خص الله تعالى في آيات متفرقة من هذه السورة عدة من الأنبياء بالسلام، فقال: سلام على نوح في العالمين، سلام على إبراهيم، سلام على موسى وهارون، ثم قال: سلام على آل ياسين، ثم ختم السورة بقوله: وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، ومن البين أن في السلام عليهم منفردا في أثناء السلام على الأنبياء والمرسلين دلالة صريحة على كونهم في درجتهم ومن كان في درجتهم لا يكون إلا إماما معصوما، فيكون نصا في الإمامة، ولا أقل من كونه نصا في الأفضلية ويؤيد ذلك ما نقله (1) ابن حجر المتأخر في صواعقه عن فخر الدين الرازي من أنه قال: إن أهل بيته صلى الله عليه وسلم يساوونه في خمسة أشياء في السلام قال: السلام عليك أيها النبي وقال: سلام على آل ياسين، وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي الطهارة، قال: طه إي يا طاهر، وقال: ويطهركم تطهيرا، وفي تحريم الصدقة وفي المحبة، قال الله تعالى: فاتبعوني يحببكم الله (22)، وقال: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (3). قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والسبعون: ومن عنده علم الكتاب (4) هو علي عليه السلام فأما من أوتي
451 كتابه بيمينه (1) قال ابن عباس: هو علي عليه السلام (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: قد علمت أن آية ومن عنده علم الكتاب نزلت في عبد الله بن سلام وأما آية من أوتي كتابه بيمينه، فالظاهر أن المراد ساير المؤمنين من أصحاب اليمين، وإن خص فلا دلالة له على المدعى (إنتهى). أقول قد علمت فيما مر أن رواية نزول الآية في عبد الله بن سلام موضوع (2) وأن عبد الله نفسه روى ذلك في شأن علي عليه السلام وأما الآية الثانية فالاستدلال بها على الأفضلية أو الإمامة مبني على ما ذكره الشيخ الأعظم أبو جعفر (3) الطوسي قدس سره في تفسير التبيان
452 من أن هذا كتاب آخر غير كتاب الأعمال، وفيه البشارة إلى الجنة، فحسب لأن كتاب الحفظة إنما هو بين الله وبين عبده، ولا يراه أحد ولا يقرءه فتأمل.
453 قال المصنف رفع الله درجته الخامسة والسبعون ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين (1) عن أبي هريرة (2) قال: قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم
454 فاطمة؟ قال: فاطمة أحب إلي منك وأنت أعز علي منها وكأني بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس وأن عليه الأباريق مثل عدد النجوم وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة إخوانا على سرر متقابلين (1) وأنت معي وشيعتك في الجنة، ثم قرء رسول الله صلى الله عليه وآله إخوانا على سرر متقابلين لا ينظر أحدهم في قفاء صاحبه (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: إن صح هذا، فهو من فضايله، وذكر درجاته العلى في الجنة، ولا ريب لمؤمن في هذا، والبحث عن وجود النص، فأي نفع لذكر هذه الفضائل في ذكرها؟
455 أقول قد سبق الكلام في تحقيق هذا الحديث، ووجه (1) دلالته على الأفضلية، ونزيده عليه هيهنا، ونقول: وجه الاستدلال وأنفع في ذكره دلالة شأن النزول على أن عليا عليه السلام أعز عند النبي صلى الله عليه وآله من فاطمة عليها السلام، ومن البين أن فاطمة أعز عنده من باقي الأمة، فيكون علي عليه السلام أعز من الكل، فيكون أفضل. قال المصنف رفع الله درجته السادسة والسبعون يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار (2)، هو علي عليه السلام (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: قد سبق ما ذكر في شأن نزول هذه الآية، وهو من الفضائل،
456 ولا يدل (1) على النص (إنتهى) أقول قد سبق منا أيضا تحقيق شأن النزول وتصحيح دلالته فتذكر. قال المصنف رفع الله درجته السابعة والسبعون أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (2)، قال الباقر عليه السلام نحن الناس (3) (إنتهى).
457 قال الناصب خفضه الله أقول: هذا أيضا إن صح فهو من الفضائل ولا ثبوت للمدعى (إنتهى). أقول قد ذكر هذه الرواية (1) ابن حجر المتأخر في صواعقه: حيث قال: أخرج أبو الحسن المغازلي عن الباقر (رض) أنه قال في هذه الآية: نحن الناس والله (إنتهى) وأما وجه الدلالة على المدعى فهو أن محسود الناس سيما في أمور الدين يكون أفضل قال المصنف رفع الله درجته الثامنة والسبعون كمشكاة فيها مصباح (2)، عن الحسن البصري، قال: المشكاة
458 فاطمة، والمصباح: الحسن والحسين، والزجاجة كأنها كوكب دري قال: كانت فاطمة كوكبا دريا بين نساء العالمين، توقد من شجرة مباركة، قال: الشجرة المباركة إبراهيم لا شرقية ولا غربية، لا يهودية ولا نصرانية، يكاد زيتها يضئ، قال يكاد العلم أن ينطق منها، ولو لم تمسسه نار نور على نور، قال: فيها إمام بعد إمام يهدي الله لنوره من يشاء، قال: يهدي الله لولايتهم من يشاء (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا من تفاسير أهل السنة وإن صح فدل على فضايل أهل بيت رسول الله وهو متفق عليه، ولو ذكر عليه أضعاف هذا فلا منازع ينازعه (إنتهى)
459 أقول إن الناصب غفل من مضرة تسليم ذلك له، وإلا فهو أول متنازع في ذلك، ولهذا قد أنكر كثيرا من فضايل أهل البيت سابقا ونسبها إلى النكر والوضع (1) ولهذا أيضا قد بالغ إمامه فخر الدين الرازي فيما ذكر سابقا (2) من آية النجوى في صرف نجوى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كونها فضيلة إلى كونها منقصة حتى رد عليه النيشابوري هناك، وقال قلت: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب، ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي في كل خصلة؟ ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم يوجد لغيره من أكابر الصحابة (إنتهى) وكيف لا يكونوا منازعين في هذا مع ظهور أن كثرة الفضائل المختصة به عليه السلام يوجب أفضليته والأفضلية تستدعي الأولوية بالإمامة كما عرفت سابقا، ثم إن هذه الرواية مما ذكره (3) أبو الحسن بن المغازلي الشافعي (4) في كتاب المناقب، ومقدم الآية: الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة الآية فقد ضرب الله تعالى بفاطمة والسبطين المثل لنوره تعالى، ولله المثل الأعلى، وإذا كان مثل فاطمة والسبطين عليهم السلام بهذا المحل فبالأولى أن يكن محل علي أجل وأكمل، فيكون عن غيره من الأمة أتم وأفضل: والله متم نوره ولو كره الكافرون (5) قال المصنف رفع الله درجته التاسعة والسبعون: ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما (6)، قال ابن عباس:
460 لا تقتلوا أهل بيت نبيكم (1) (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: هذا ليس من تفاسير أهل السنة وترك قتال أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله هل يحتاج إلى الاستدلال بالنص وهو على إقامة الدليل على إثبات نص الإمامة ويستدل بالقرآن على عدم قتلهم، وهذا من غرايب أطواره في البحث (إنتهى) أقول ليس المراد من ذكر الآية والرواية الاستدلال على وجوب ترك قتل أهل البيت كما توهمه الناصب، قاتله الله، بل الغرض الاستدلال على أفضليتهم بما يدلان عليه من زيادة مبالغة في المنع والزجر عن قتل أهل البيت، لإفادتهما حينئذ أن عزتهم تجب أن تكون عند الأمة كعزة أنفسهم، فكما أن الشخص يمتنع عن قتل نفسه يجب أن يمتنع عن قتلهم وأقل ما يلزم من ذلك أن يكون عزتهم كعزة جميع الناس فيلزم أن يكونوا أعز الناس وهو دليل الأفضلية، وأيضا لو تم ما أورده من استغناء وجوب ترك قتل أهل البيت عليهم السلام عن الديل لورد ذلك على ظاهر الآية مع قطع النظر عن المعنى الذي اقتضته الرواية كما قال فخر الدين الرازي من أن بعضهم
461 أنكر كون الآية نهيا عن قتلهم أنفسهم، وقال: إن المؤمن مع إيمانه لا يجوز أن ينهى عن قتل نفسه، لأنه ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه، وذلك لأن الصارف عنه في الدنيا قائم وهو الألم الشديد والذم العظيم، وإذا كان الصارف حاصلا امتنع منه أن يفعل ذلك، وإذا كان كذلك لم يكن في النهي فائدة وإنما يمكن أن يذكر هذا النهي فيمن يعتقد في قتل نفسه ما يعتقده أهل الهند، وذلك لا يتأتي في المؤمن، ثم قال: ويمكن أن يجاب عنه بأن المؤمن مع كونه مؤمنا بالله وباليوم الآخر قد يلحقه من الغم والآفة ما يكون القتل عليه أسهل من ذلك، كما ترى كثيرا من المسلمين قد يقتلون أنفسهم بمثل السبب الذي ذكرناه (إنتهى). وأقول: على هذا القياس يمكن أن يجاب أيضا عن إيراد الناصب، بأن أسلافه من الأموية والعباسية، ومن يحذو حذوهم، مع أنهم كانوا يظهرون الايمان بالله وباليوم الآخر قد لحقهم من حب الخلافة، وحرص الذب عن حريمها ما أداهم إلى قتل كثير من أئمة (1) أهل البيت وسادات (2) ذريتهم الطاهرة، لظنهم أن أهل
462 البيت حيث كانوا هم الخلفاء حقيقة، فربما يجتمع الناس معهم ويؤدي ذلك إلى أخذ الملك منهم، فصار القتل عليهم أسهل من التساهل في حفظ الملك العقيم (1)، هذا لكن لا مجال لذلك السؤال فيما قصده المصنف كما عرفت، حتى يحتاج في دفعه إلى هذا الجواب، والله الموفق بالصواب. قال المصنف رفع الله درجته الثمانون وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (2)، عن ابن عباس (3) قال: سأل قوم النبي صلى الله عليه وآله فيمن نزلت هذه الآية؟ قال: إذا كان يوم
471 القيامة عقد لواء من نور أبيض ونادى مناد ليقم سيد المؤمنين ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد صلى الله عليه وآله، فيقوم علي بن أبي طالب عليهما السلام فيعطى اللواء من النور الأبيض بيده، وتحته جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وغيرهم لا يخالطوهم غيرهم، حتى يجلس على منبر من نور رب العزة (العالمين خ ل) ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا، فيعطى أجره ونوره، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم صفتكم ومنازلكم في الجنة، إن ربكم يقول: إن لكم عندي مغفرة وأجرا عظيما، يعني الجنة، فيقوم علي عليه السلم والقوم معه تحت لوائه حتى يدخل بهم الجنة، ثم يرجع إلى منبره فلا يزال إلى أن يعرض عليه جميع المؤمنين، فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنة، ويترك أقواما على النار، وذلك قوله تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرهم ونورهم يعني السابقين الأولين، وأهل الولاية له، والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب الجحيم، يعني بالولاية بحق علي عليه السلام وحقه وجب على العالمين (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذا من القصص والحكايات التي ترويها الشيعة، ولا نقل صحيح به ولا إسناد ولا شئ ولا اتقاء من الكذب والافتراء، وإن صح هذا دل على منقبة عظيمة من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، وهي مسلمة والكلام في النص وأين هذا الاستدلال منه؟ (إنتهى)
472 أقول إنما حذف المصنف الاسناد اعتماد على اشتهاره بين الجمهور وحفظه في الدفاتر والصدور، ومما حضرنا من الكتب الذي ذكر فيها هذه الرواية كتاب شواهد التنزيل من تأليفات الحاكم أبي القاسم عبد الله بن عبد الله الحسكاني (1) ومع هذا أكثر مقدمات الرواية مؤيدة بآيات أخرى من سورة الحديد (2) كم ترى، فما الذي يوجب كونها من القصص والحكايات دون صحيح الروايات؟ سوى بلوغ عصبية الناصب إلى أقصى الغايات.
473 قال المصنف رفع الله درجته الحادية والثمانون قوله تعالى: والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (1)، نزلت في علي عليه السلام (2) لما وصل إليه قتل حمزة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فنزلت هذه الآية (إنتهى)، قال الناصب خفضه الله أقول: هذا ليس في تفاسير أهل السنة، وإن صح فهو كساير أخواتها في عدم دلالته على النص (إنتهى)
474 أقول شأن النزول على الوجه الذي نقله المصنف المذكور في تفسير الثعلبي (1) والنقاش (2) وغيرهما (3)، فإنكاره على هذا كساير إنكاراته الباردة الواردة في مواضع شتى وأما الاستدلال بالآية على المطلوب فمن وجهين، أحدهما الاستدلال بتوجه الصلوات من الله تعالى إليه عليه السلام وقد زعم أهل السنة أن توجهها إلى شخص بانفراده مخصوص بالمعصوم فيدل على عصمته عليه السلام وهو أحد المطالب، وثانيهما الاستدلال بحصر كمال الاهتداء فيه عليه السلام بقوله تعالى: وأولئك هم المهتدون، ويؤيده قوله تعالى إنا هديناه السبيل (4) في سورة هل أتى، وقوله تعالى، إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (5) كما مر فيدل على الأفضلية، وهذا مطلب آخر أفمن يهدي
475 إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (1)؟ قال المصنف رفع الله درجته الثانية والثمانون في مسند أحمد بن حنبل (2) قال ابن عباس ما في القرآن آية إلا وعلي رأسها، وقائدها وشريفها وأميرها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله
476 في القرآن، وما ذكر عليا إلا بخير، وعنه (1): ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل
479 في علي عليه السلام، وعن مجاهد (1) نزل في علي عليه السلام سبعون آية، وعن ابن عباس
480 ما أنزل الله آية وفيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها عليه آلاف التحية والثناء (إنتهى) قال الناصب خفضه الله أقول: هذه أخبار لو صحت دلت على فضايل علي عليه السلام، وكل ما ينقله من مسند أحمد بن حنبل فهو يدل على أن أهل السنة لا يألون جهدا في ذكر فضايل أمير المؤمنين، ولو كان النص موجودا في إمامته لكانوا يروونه وينقلونه ولا يكتمونه، فعلم، أن لا نص هناك (إنتهى) أقول إنما ذكر أحمد بن حنبل وأضرابه من أهل السنة تلك الفضائل بإجراء الله تعالى ذلك على لسانهم ولسان أقلامهم من غير أن يعرفوا أن الشيعة يتطرق بذلك إلى توهين أمر الخلفاء الثلاثة وكان المقصد (المقصود خ ل) الأصلي لهم من تلك
481 النقول أمران، دفع تهمة النصب الذي كانوا يخافون منها على أوائل خلفاء بني العباس حيث كانوا شيعة في الاعتقاد وإظهار خلوص ما ذهبوا إليه من تصحيح خلافة الثلاثة عن لوث العصبية الجاهلية وشوب الأغراض والكدورات البشرية ولهذا تراهم لما ضاق عليهم الخناق بذلك واستدل الشيعة بذلك على أفضلية علي عليه السلام اضطروا إلى إنكار المعقول وجوزوا تفضيل المفضول. قال المصنف رفع الله درجته الثالثة والثمانون روى الحافظ محمد بن موسى الشيرازي من علماء الجمهور واستخراجه من التفاسير الاثني عشر (1) عن ابن عباس في قوله تعالى: فاسئلوا أهل الذكر (2)
482 قال هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان وهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، والله ما سمى
483 المؤمن مؤمنا إلا كرامة لأمير المؤمنين ورواه سفيان الثوري عن السدي عن الحارث انتهى. قال الناصب خفضه الله أقول: ليس هذا من روايات تفاسير أهل السنة وهي أشياء تدل على فضيلة آل العباء وهذا أمر لا ريب فيه، ولا ينكرها إلا المنافق ولا يعتقدها إلا المؤمن الخالص ولكن لا يثبت به النص انتهى. أقول لا يخفى أن الحافظ المذكور من مشاهير أهل السنة والتفاسير التي استخرج منها من تفاسيرهم فالقول بأن هذا ليس من روايات تفاسير أهل السنة لا وجه له، وكأنه إنما أنكر كون تلك التفاسير من تفاسير أهل السنة لأنه لكمال عداوته مع الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لما رأى لفظ التفاسير في كلام المصنف مضافا إلى اثني عشر توحش طبعه وانتشر كذى ناب أهره الشر - أو عاص أحضر في المحشر، فتوهم أن تلك التفاسير تفاسير الأئمة الاثني عشر أو الاثني عشرية القائلين بإمامة ذلك المعشر ومن كرامات المصنف قدس سره أنه الهم بأن مثل هذا الناصب الجاهل ربما يأتي بمثل هذا الانكار ففصل فيما بعد عند ذكر مطاعن بعض الصحابة أسامي مؤلفي تلك التفاسير ليعلم أنهم من أهل السنة والجماعة، ولا يبقى مجال للانكار والمنازعة وأما وجه الاستدلال بالآية فظاهر جدا لأن من سماه الله تعالى بأهل الذكر وأمر ساير الأمة بالسؤال عنه لا يكون إلا إماما. قال المصنف رفع الله درجته الرابعة والثمانون عن الحافظ (1) في قوله تعالى: عم يتسائلون
484 عن النبأ (1) العظيم بإسناده إلى السدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ولاية علي يتسائلون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا في غرب ولا في بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت يقولان للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك، وعنه عن ابن مسعود قال: وقعت الخلافة من الله تعالى لثلاثة نفر، آدم في قوله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة وداود إنا جعلناك خليفة في الأرض (2) وأمير المؤمنين ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، داود وسليمان وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يعني الاسلام وليبدلنهم من بعد خوفهم من أهل مكة أمنا يعني في المدينة يعبدونني يعني يوحدونني ومن كفر بعد ذلك لولاية علي فأولئك هم الفاسقون يعني العاصين لله تعالى ولرسوله وهذا كله نقله الجمهور واشتهر عنهم وتواتر عنهم (إنتهى). قال الناصب خفضه الله أقول: ما ذكر إن المراد بعم علي عليه السلام فلا يصح بحسب المعنى والتركيب ويكون هكذا علي يتسائلون عن النبأ العظيم، وأنت تعلم أن هذا تركيب فاسد، وأما
485 ما ذكر من السؤال في القبر عن ولاية علي لم يثبت هذا في الكتاب ولا السنة، ولو كانت من المسئولات في القبر لكان ينبغي أن يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواتر واشتهر كما اشتهر باقي أركان الاسلام وأما ما نقل عن ابن مسعود أنه قال: وقعت الخلافة من الله لثلاثة آدم وداود وعلي فآدم وداود قد صرح باسمهما في الخلافة في القرآن، وأما أن يكون المراد من قوله تعالى ليستخلفنهم علي فحسب فغير ظاهر، ولا خبر صحيح يدل على هذا، بل الظاهر يشتمل الخلفاء الأربع وملوك العرب في الاسلام فإن ظاهر الآية أن الله وعد المؤمنين بأن يجعلهم خلفاء الأرض وينزع الملك من كسرى (1) وقيصر، ويؤتيه المؤمنين وهذا مضمون الآية، وما فسره في الآية فكل من باب التفسير بالرأي، وما ذكر إن كل الأشياء التي ذكرها نقله الجمهور واشتهر عنهم وتواتر، فهذا كذب أظهر وأبين من كذب مسيلمة الكذاب لأن مراده من الجمهور أهل السنة والجماعة، وليس كل ما ذكر متواترا عند أهل السنة وكأنه لا يعلم معنى التواتر. أقول لم يقل المصنف: إن المراد بعم ومسمى لفظه هو علي عليه السلام لظهور أنه جار ومجرور لا علم، وإنما قال: إن الآية نزلت في علي عليه السلام ومراده أن المراد بالنبأ العظيم المذكور فيها هو علي عليه السلام ويدل عليه الشعر المشهور عن عمرو بن
486 عاص أو حسان بن ثابت في مناقبه عليه آلاف التحية والثناء كما أشار إليه (1) النيشابوري في تفسيره حيث قال النباء العظيم القرآن واختلافهم فيه أن بعضهم جعلوه سحرا وبعضهم شعرا وكهانة وقيل نبوة محمد صلى الله عليه وآله، كانوا يقولون ما هذا الذي حدث وعجبوا أن جاءهم منذر منهم، وقالت الشيعة هو علي عليه السلام، قال القائل في حقه. شعر: هو النبأ العظيم وفلك نوح وباب الله وانقطع الخطاب (إنتهى) ويؤيده ما رواه الحافظ المذكور عن السدي عن علقمة أنه قال: خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح ومصحف فوقه، وهو يقرء عم يتسائلون فأراد البراز فقال علي عليه السلام مكانك وخرج بنفسه وقال: أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال لا قال: والله أنا النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم وفي ولايتي تنازعتم وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم وببغيكم هلكتم بعد ما بسيفي نجوتم، يوم غدير قد علمتم قد علمتم قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ثم علاه بسيفه ورمى رأسه ويده ثم قال شعر: أبى الله إلا أن صفين دارنا * وداركم ما لاح في الأرض كوكب وحتى تموتوا أو نموت وما لنا * وما لكم عن حومة (2) الحرب مهرب وأما ما ذكره الناصب من أن السؤال في القبر عن ولاية علي عليه السلام لم يثبت في الكتاب والسنة، فكفى في رده وثبوت ذلك في الكتاب ما رواه حافظ أهل السنة في شأن نزول الآية، وأما قوله لو كانت من المسئولات في القبر لكان ينبغي أن يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وتواتر واشتهر إلى آخره فيجاب (فمجاب خ ل) بأن رسول الله صلى الله عليه وآله
487 قد بين لنا ذلك في غدير خم عند نزول قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي في شأن ولاية علي عليه السلام لما سبق من دلالته ودلالة غيره من الآيات والأحاديث على أن إمامة علي عليه السلام من أركان الدين، وقد تواتر واشتهر في زمان النبي صلى الله عليه وآله، وقبل استقرار شبهة الخلاف في قلوب الناس، ثم منعت بتقليد السلف وإيقاعهم للشبهة في قلوب الناس سيما في زمان بني أمية المبالغين في محو آثار أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم عن تواترها عند جمهور أهل السنة المقلدة للسلف الخائضين في غمرات الشبهة وبقي متواترا ومشهورا عند غيرهم، وبالجملة شرط حصول العلم بالخبر المتواتر أن (1) لا يسبق شبهة إلى السامع أو تقليدينا في موجب خبره بأن يكون معتقدا نفيه فإن ارتسام الشبهة ونحوها في الذهن واعتقاد هاله مانع من قبول غيره والاصغاء إليه، ومن هذا ورد (2) قوله صلى الله عليه وآله: حبك للشيئ
488 (الشئ خ ل) يعمي ويصم، وبهذا الشرط يحصل الجواب لمن خالف الاسلام من الفرق إذا ادعى عدم بلوغ التواتر بدعوى نبينا صلى الله عليه وآله النبوة وظهور المعجزات على يده موافقة لدعواه، فإن المانع لحصول العم لهم بذلك دون المسلمين سبق الشبهة إلى نفيه ولولا الشرط المذكور لم يتحقق جوابنا لهم عن غير معجزة القرآن وسيعلم الناصب الشقي كل ذلك عند الموت وبعده كما قال تعالى: كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون (1) وقال: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (2) وأما ما رواه المصنف عن ابن مسعود فمع كونه منقولا من كتب المناقب لأهل السنة مما يدل عليه أنه تعالى كلما ذكر أمر الخلافة أضافه إلى نفسه وأشار إلى كونه من عند الله، فقال في شأن آدم على نبينا وآله وعليه السلام إني جاعل في الأرض خليفة، وفي شأن داود إنا جعلناك خليفة وفي حق هارون حكاية عن موسى هارون اخلفني في قومي فإن سياق الآية يدل على أنه إنما قال ذلك بأمره تعالى إلى غير ذلك من نظير هذه الآيات، والإمامة عند أهل السنة يثبت باختيار الناس بل باختيار رجل (3) واحد كما مر تفصيله، فلو لم تحمل الآية على خلافة علي وأولاده عليهم السلام للزم خلف وعد الله تعالى، وتحقيق الكلام وتوضيح المرام يتوقف على
489 نقل ما ذكره الرازي في تفسير هذا المقام، مع إيراد ما سنح لنا عليه من الرد والالزام فنقول: قال: إن الآية دلت على إمامة الأئمة الأربعة (1) وذلك، لأنه تعالى وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الحاضرين في زمان محمد (صلى الله عليه وآله): وهو المراد بقوله: ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وأن يمكن لهم دينهم المرضي وأن يبدلهم بعد الخوف أمنا ومعلوم أن المراد بهذا الوعد بعد الرسول صلى الله عليه وآله هؤلاء لأن استخلاف غيره لا يكون إلا بعده، ومعلوم أنه لا نبي بعده لأنه خاتم الأنبياء، فإذا المراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة، ومعلوم أن الاستخلاف الذي هذا وصفه، إنما كان في أيام أبي بكر وعمر وعثمان، لأن في أيامهم كانت الفتوح العظيمة، وحصل التمكين وظهور الدين وإلا من، ولم يحصل ذلك في أيام علي رضي الله عنه لأنه لم يتفرغ لجهاد الكفار لاشتغاله بمحاربة من خالفه من أهل الصلاة فثبت بهذا دلالة الآية على صحة خلفاء هؤلاء فإن قيل الآية متروكة الظاهر، لأنها تقتضي حصول الخلاف لكل من آمن وعمل صالحا، ولم يكن الأمر كذلك، نزلنا عنه، لكن لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله: ليستخلفنهم، هو أنه تعالى يسكنهم في الأرض ويمكنهم من التصرف لا أن المراد منه تعالى خلافة الله ومما يدل عليه قوله: كما استخلف الذين قبلهم واستخلاف من كان قبلهم لم يكن بطريق الإمامة فوجب أن يكون الأمر في حقهم أيضا كذلك، نزلنا عنه لكن هيهنا ما يدل على أنه لا يجوز حمله على خلافة رسوله الله لأن من مذهبكم أنه عليه السلام لم يستخلف أحدا، وروي (2) عن علي عليه السلام: أنه قال: أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وآله
490 نزلنا عنه، لكن لم لا يجوز أن يكون المراد منه عليا عليه السلام، والواحد قد يعبر عنه بلفظ الجمع، على سبيل التعظيم كقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر (1)، وقال في حق علي عليه السلام: والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (2)، نزلنا عنه، ولكن نحمله على الأئمة الاثني عشر، والجواب عن الأول إن كلمة من للتبعيض، فقوله: منكم يدل على أن المراد بهذا الخطاب بعضهم، وعن الثاني أن الاستخلاف بالمعنى الذي ذكرتموه حاصل لجميع الخلق، فالمذكور هيهنا في معرض البشارة ينبغي أن يكون مغايرا له، وأما قوله تعالى: كما استخلف الذين من قبلهم، فالذين كانوا قبلهم قد كانوا مغايرا له، وأما قوله تعالى: كما استخلف الذين من قبلهم، فالذين كانوا قبلهم قد كانوا خلفاء تارة بسبب النبوة، وتارة بسبب الإمامة والخلافة حاصلة في الصورتين، وعن الثالث أنه وإن كان من مذهبنا أنه عليه السلام لم يستخلف أحدا بالتعيين، ولكنه قد استخلف بذكر الوصف (3) والأمر بالاختيار، فلا يمتنع في هؤلاء الأئمة الأربعة إنه تعالى يستخلفهم وأن الرسول استخلفهم، وعلى هذا الوجه قالوا في أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي قيل: أنه عليه السلام لم يستخلف أريد به على وجه التعيين، وإذا قيل: استخلف، فالمراد منه على طريقة الوصف والأمر بالاختيار، وعن الرابع إن حمل الجمع على الواحد مجاز، وهو خلاف الأصل وعن الخامس إنه باطل لوجهين، أحدهما أن قوله تعالى منكم يدل
491 على أن هذا الخطاب صحة إمامة الأربعة وهؤلاء الأئمة ما كانوا حاضرين، الثاني أنه تعالى وعدهم القوة والشوكة والنفاذ في الحكم (العالم خ ل) ولم يوجد ذلك فيهم، فثبت بهذا صحة إمامة الأئمة الأربعة وبطل قول الرافضة الطاعنين على أبي بكر وعمر وعثمان وبطلان قول الخوارج الطاعنين على عثمان وعلي (إنتهى كلامه) وأقول: وبالله التوفيق فيه نظر من وجوه. أما أولا فلأن ما أجاب به عن الأول مردود بأن كلمة من التبعيضية في الآية إنما تقتضي كون الذين آمنوا وعملوا الصالحات، بعض الناس المكلفين، لا كون الموعود بالاستخلاف بعض الذين آمنوا وعملوا الصالحات فظاهر الآية يقتضي استخلاف كل من آمن وعمل صالحا كما ذكره المعترض وأما ثانيا فلأن ما أجاب به عن الثاني مدفوع، بأن كون الاستخلاف بالمعنى الذين ذكره المعترض حاصلا لجميع الخلق ممنوع لأن المعترض فسر الخلافة المقابلة للخلافة الإلهية بالسكون في الأرض والتصرف فيها معا وأراد بالتصرف في الأرض التصرف الحاصل لصالحي الملوك المتصرفين فيه بعض الأقطار والأقاليم والبلدان بلا حصول شرايط الخلافة الإلهية فيهم، ومثل هذا التصرف غير حاصل لجميع الخلق وهو ظاهر جدا وأما ما ذكره مما حاصله أن الخلفاء الذين أشار إليهم سبحانه وتعالى بقوله: كما استخلف الذين من قبلهم، كانوا خلفاء بطريق النبوة أو الإمامة فتشبيه من تأخر عنهم بهم يقتضي كونهم خلفاء أيضا بأحد ذينك الوجهين فهو تشكيك سهل ومغالطة ظاهرة لأن من يقول بجواز حمل الخلافة في جانب المشبه على غير الخلافة الإلهية كذا يقول: بحملها على ذلك في جانب المشبه به أيضا لظهور أن قبل بعثه نبينا صلى الله عليه وآله كما كانوا خلفاء أنبياء أو أئمة، كذلك كانوا خلفاء مجازية صالحون في دينهم وأما ثالثا: فلأن ما أجاب به عن الثالث مدخول بأن الأمة على قولين
492 إن الخلافة (1) بالنص دون الاختيار وبالاختيار دون النص، والذين قالوا إن الخليفة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى ورسوله قالوا إن الخليفة هو علي وأولاده عليهم آلاف التحية والثناء، والذين قالوا بالاختيار قالوا: بصحة خلافة الصحابة فالقول بالنص مجملا ومعينا في حق غير علي عليه السلام يكون قولا ثالثا خارقا للاجماع واختراعا من الرازي هربا عن الالزام، مع أن هذا التأويل مما يأبى عنه ظاهر ما رواه المصنف في أول مطاعن أبي بكر عن عمر: من أنه قال: إن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف، وإن استخلف فإن أبا بكر استخلف، ووجه الإباء أن النفي والاثبات في كلامه يقتضيان ورودهما على موضع واحد كما لا يخفى، وأيضا قال الله تعالى: كما استخلف الذين من قبلهم، ومن المعلوم أن الذين استخلف من قبل كآدم وداود وهارون عليه نبينا وآله وعليهم السلام، إنما كان خلافتهم عن النص والتعيين من الله تعالى، لا على طريق الاختيار من الأمة سيما اختيار جماعة منهم لواحد على التعيين تارة واختيار واحد منهم لواحد غير معين من ستة نفر على طريقة الشورى أخرى، وأيضا لما كان آراء الناس مختلفة، فالغالب
493 أن يكون اختيارهم مورثا للفتنة والنزاع كما صرح به الشيخ أبو علي (1) قدس سره في إلهيات (2) الشفاء، فكيف يفوض الله تعالى ذلك إلى اختيار الأنام، وقال الغزالي (3) في منهاج العابدين (4) وأما التفويض فتأمل فيه أصلين، أحدهما أنك تعلم أن الاختيار لا يصلح إلا لمن كان عالما بالأمور بجميع جهاتها باطنها وظاهرها حالها وعاقبتها، وإلا فلا يأمن أن يختار الفساد والهلاك على ما فيه الخير والصلاح، ألا ترى؟ أنك لو قلت لبدوي أو قروي أو راعي غنم انقد لي هذه الدراهم وميز بين جيدها ورديها (ورديئها خ ل)، فإنه لا يهتدي لذلك، ولو قلت لسوقي غير صيرفي فربما يعسر أيضا، فلا تأمن إلا بأن تعرضها على الصيرفي الخبير بالذهب والفضة وما فيهما من الخواص والأسرار وهذا العلم المحيط بالأمور من جميع الوجوه لا يصلح إلا لله رب العالمين فلا يستحق إذن أحد أن يكون له الاختيار والتدبير إلا الله وحده لا شريك له، فلذلك قال تعالى: وربك يخلق ما يشاء، ويختار ما كان لهم الخيرة (5)
494 (إنتهى مقاله) ومن اللطايف أن الآية المذكورة على ما ذكره صاحب الكشاف (1) والقاضي البيضاوي (2) وغيرهم، قد نزلت في شأن قريش لأجل أنهم لم يروا رسالة الله لايقا بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله، وكانوا يقولون لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (3)، فرد الله عليهم بأن اختيار الرسل وأولي الأمر في الدين إنما يكون من جانبه تعالى، لأنه عالم بمصالح العباد، وليس لاختيار العباد فيها مدخل واعتبار لعدم علمهم بالصلاح والفساد، وكيف يمكن اعتبار اختيار آحاد الأمة في باب الإمامة؟! مع أن الكتاب والسنة ناطقان بأن جمع من الأنبياء الذين كانوا ناظرين بنور النبوة وبصيرة الرسالة مؤيدين بالمكاشفة الإلهية ومخالطة الملائكة اختاروا البعض من قومهم بعد الاختبار والتجربة، فظهر آخر الأمر ضرر ذلك الاختبار، وتبين أن الصواب كان خلافه، فمن ذلك أن يعقوب على نبينا وآله وعليه السلام اختار كبار أولاده لحفظ ولده يوسف على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، وقد ظهر ضرره آخرا، وكذا اختار موسى على نبينا وآله وعليه السلام عن ألوف من قومه سبعين رجلا لميقات ربه، فلما حضروا ذلك المقام قالوا: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة (4)، وآل الأمر إلى أن ظهر على موسى على نبينا وآله وعليهم السلام إنهم كانوا سفهاء فقال أتهلكنا بما فعل السفهاء منا (5) ومن المتفق عليه أن نبينا صلى الله عليه وآله اختار وليد بن عقبة للارسال إلى بني المصطلق (6)
495 لأجل أخذ الصدقات وبينه وبينهم أحنة (1) وعداوة، فلما قرب من ديارهم وسمعوا به استقبلوه تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، فحسبهم مقاتليه، فرجع وقال للنبي صلوات الله عليه وآله وسلم: إنهم ارتدوا ومنعوا الزكاة، فهم رسول الله صلى الله عليه وآله بإنفاذ جيش لقتال هؤلاء القوم، فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (2)، وأيضا من المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وآله اختار خالد بن (3) وليد وبعثه لإصلاح حال بني خزيمة (4) إليهم، وهو قد قتل جمعا كثيرا منهم بسبب عداوة وضغن كان في قلبه سهم من أيام الجاهلية حتى أرسل صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام في أثره لاستدراك حالهم وتسليتهم وقال صلى الله عليه وآله في ذلك المقام: اللهم إني أبرء إليك مما فعله خالد، وكذا ذكر القوم في كتبهم، أن النبي صلى الله عليه وآله اختار أبا بكر وأعطاه الراية في يوم خيبر فرجع منهزما
496 وفي رواية (1): إنه بعد فرار أبي بكر اختار عمر وهو اختار الفرار على القرار حتى فتح الله على يد كرار غير فرار، ولا يخفى على العاقل المنصف أنه إذا كان الأنبياء عليهم السلام مع كمال عصمتهم وفضلهم وتأييدهم من عند الله، قد حصل لهم ضرر الاختيار في كثير من الأمور، فكيف يمكن الاعتماد على اختيار عدة من الصحابة في بواطن أمور الذين مع ظهور إنهم لم يكونوا إلى ظاهر أكثر الأمور مهتدين،
497 بل كان من كان في زعمهم عمدتهم أقل فقها وفهما من ناقصات العقل والدين (1) وأما رابعا، فلأن ما ذكره: من أن حمل الواحد على الجمع خلاف الأصل مقدوح بأن العدول عن الأصل إذا دل الدليل على خلافه جايز، بل واجب كما في المتشابهات وغيرها، والدليل هيهنا عدم صلاحية غير علي عليه السلام للخلافة الإلهية (2) كما علم سابقا، وأيضا ارتكاب تجوز حمل الجمع على الواحد معارض بما ارتكبتم من تجويز حمل الخلافة الثابتة باختيار الناس دون الخلافة الحقيقية الثابتة بالنص من الله ورسوله فافهم وأما خامسا فلأن ما ذكره في الجواب عن الخامس أولا مزيف، بأنه إن أراد أن أحدا من هؤلاء، الأئمة لم يكن حاضرا عند نزول الآية، فكذبه ظاهر
498 لظهور حضور علي عليه السلام بل الحسن والحسين عليهما الصلاة والسلام أيضا، وإن أراد أن جميعهم لم يكونوا حاضرين فمسلم، لكن الخطاب لا يقتضي ذلك، بل يكفي فيه توجيه الكلام إلى الحاضرين أصالة وإلى الغائبين والمعدومين تبعا كم تقرر في الأصول (1) إن قيل: إن نفس الخطاب وإن كان شاملا للغائبين والمعدومين في زمان النزول لكن التمكين من الدين وتبديل الخوف بالأمن لم يحصل لأكثر هؤلاء الأئمة الذين لم يكونوا حاضرين عن عند النزول، قلت: الخلافة الإلهية لا تستدعي التمكين من الدين كما علم ذلك من حال كثير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذا الكلام في تبديل الخوف بالأمن، ويشهد له قوله تعالى حاكيا عن موسى على نبينا وآله وعليه السلام: ففررت منكم لما خفتكم (2)، على أن تبديل الخوف بالأمن لم يحصل في زمن الخلفاء الثلاثة أيضا على حد ما أخبر الله تعالى عنه بقوله:
499 يعبدونني لا يشركون بي شيئا (1)، فإن تبديل الخوف بالأمن بهذا المعنى لم يحصل في زمان الصحابة إلا في بعض المواضع، بل لم يحصل الأمن مطلقا في شئ من المواضع مطردا بالنسبة إلى جميع آحاد المسلمين، كيف؟! وقد قتل في زمان أبي بكر بنو حنيف (2) وأمثالهم من المسلمين الذين اتهموهم بالردة وأضرموا النار على باب أهل البيت لأجل أخذ البيعة عنهم (3) وأخذوا فدك (4) غصبا إلى غير ذلك، وكذا في زمان عمر وعثمان كما لا يخفى على من تأمل في مطاعنهم الآتية وأما سادسا فلأن ما ذكره ثانيا، مخدوش بأن وعد القوة والشوكة لا يقتضي حصوله في الجميع، بل يكفي حصوله على بعضهم، لأن قوة بعضهم في الدين في قوة قوة الباقي كما مر (5) عن النيشابوري في تفسير قوله تعالى: من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم (6) الآية. حيث قال: إن محاربة من دان بدين الأوايل هي محاربة الأوايل فافهم، بل نقول: إن قوله: منكم، وإن كان يقتضي أن يكون الخطاب مع الحاضرين، لكن لا يقتضي أن يكون وعده الاستخلاف والتمكين بحصول ذلك لأنفسهم، بل يكفي في إنجاز الوعد حصوله لبعض ذرياتهم مثلا، وذلك كما يعد السلطان بعض أهل عسكره بأنه لو حمل على عسكر عدوه وقاتلهم، ثم قتل أن
500 يعطي أولاده شيئا من الإيالة والإمارة، هذا، والحق كما صرح به أصحابنا وورد به الخبر (1) عن طريق أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين أن المراد بهذا الخليفة هو مهدي أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، لا جميع الأمة، ولا الخلفاء الثالثة بناءا منهم على فتح بلاد العرب وبعض بلاد العجم في زمانهم كما أشار إليه الناصب هيهنا بقوله: وينزع الملك من كسرى (2) وقيصر، ولا علي عليه الصلاة والسلام بناء على ما احتج به المصنف هيهنا إلزاما من رواية ابن مسعود المروية من طريق أهل السنة، وإنما قلنا ذلك، لأن الظاهر من قوله تعالى: في مشارق الأرض ومغاربها (3)، وتمكين الدين وتبديل الحوض بالأمن على الوجه الذي ذكر في الآية وعلى جهة الاطراد إنما يحصل لمهدي الأمة الموعود المنتظر الذي قال فيه (4) النبي صلى الله عليه وآله: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى
501 يخرج رجلا من ولدي يواطي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، نور الله عيوننا بنور لقائه، وجعلنا من المجاهدين تحت لوائه. رجعنا إلى تتمة كلام الناصب فنقول: إن قوله وليس كل ما ذكر متواتر عند أهل السنة وكأنه لا يعلم معنى التواتر، مردود بأن مراد المصنف قدس سره، من المتواتر هيهنا معنى لا لفظا كما سنحقق الكلام فيه بعيد ذلك إن شاء الله، فكأن هذا الناصب الجاهل لا يعلم من التواتر إلا التواتر والله تعالى أعلم.
502 هذا آخر الجزء الثالث من الكتاب قد وفقنا الله تعالى من فضله وكرمه العميم لإتمامه والمأمول من عنايته أن يوفقنا بإتمام سائر الأجزاء إنه المستعان في المعاضل والمشاكل والحمد لله. كتبه العبد جمال الدين محمود الحسيني المرعشي النجفي مع مشاركة الأخ الفاضل الأكرم العالم الصالح الميرزا علي أكبر الإيراني الشرفخانه أدام الله توفيقه ربيع الثاني 1378 ببلدة قم المشرفة وتم تصحيحه بيد العبد (السيد إبراهيم الميانجي) عفي عنه فيه اليوم الثاني من جمادى الأولى من تلك السنة، والحمد لله أولا وآخرا