حقيقة علم آل محمد (ع) و جهاته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقيقة علم آل محمد (ع) و جهاته - نسخه متنی

علي عاشور

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: حقيقة علم آل محمد (ع) وجهاته
المؤلف: السيد علي عاشور
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:
حقيقة علم آل محمد (عليهم السلام) وجهاته
آل محمد (عليهم السلام)
بين قوسي النزول والصعود
الكتاب الثاني
علم آل محمد (عليهم السلام) وجهاته
تأليف العلامة
السيد علي عاشور

6
الاهداء:
إلى عشاق العلم والعلوم
إلى عشاق أصحاب العلم والملكوت
إلى عشاق المعلم الأول محمد وآل محمد (عليهم السلام)
إليكم ايها العشاق نهدي هذه الباقة من المفاهيم
إليكم نزف صدور أبحاث علم آل محمد (عليهم السلام)

7
* تمهيد:
بعدما وصل الكلام إلى أن الله قد مكن أهل البيت (عليهم السلام) من التصرف في كل
ما وصل إليه علمهم، كان لا بد من البحث عن علم آل محمد بل عن حقيقته، ونحن
مأمورين بذلك وبالتصديق بكل ما جاء في علمهم، حتى روي عن أمير المؤمنين
علي (عليه السلام): " اعلم يا سلمان ان الشاك في أمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا
وحقوقنا " (1).
والبحث عن علم الإمام متوقف عليه بعض الأبحاث المتقدمة والآتية.
وسوف نبحث هنا وبإجمال غير مخل الجهات التالية:
1 - علم آل محمد وأقسامه.
2 - زمان علم آل محمد.
3 - ماهية علم آل محمد.
4 - مصدر حصوله وحلوله فيهم.
5 - كيفية حصوله.
6 - سعة علم آل محمد (شموله للغيب).



1 - إرشاد القلوب: 2 / 416 فضائل الأئمة.
9
وجوب معرفة علم آل محمد (عليهم السلام)
وجوب معرفة علم الإمام
إضافة إلى أن معرفة علم الإمام من الأمور الواجبة شرعا وعقلا من باب أن
نصب الإمام واجب عقلا (من باب اللطف) ونقلا، وكذلك معرفة الإمام، كما حقق
في العقائد.
ومعرفة الإمام هي معرفته بكل خصوصياته وصفاته والتي منها العلم.
وذلك لان العقل عندما يحكم بوجوب معرفة امام الزمان (عليه السلام) لا يحكم على
شخصه فقط دون مشخصاته، لوضوح ان الحكم بمعرفته من أجل أنها معرفة لله أو
لا أقل تؤدي إلى معرفة الله، إضافة إلى أنها تقرب العبد من طاعة مولاه.
وهذا لا يعني القول بعدم بوجود الأثر لمعرفة شخص الإمام. كيف؟ ونفس
وجود الإمام - بلا معرفته - يعتبر أمانا للأمة كما يأتي.
* وكذلك الروايات عندما تخبر عن معرفة الإمام تشير إلى مشخصاته
كالمروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " من عرفني وعرف حقي فقد عرف الله " (1).
ومعلوم معرفة شخص الإمام لا تؤدي لمعرفة الله تعالى، لا أقل لعامة الناس.
وعن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " من شك في أربعة فقد كفر بجميع ما انزل الله
تبارك وتعالى أحدها: معرفة الإمام في كل زمان بشخصه ونعته " (2).
ومعلوم أن معرفة نعت الإمام معرفة لكل صفاته (عليه السلام).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ".. وبعد معرفة
الإمام الذي به يأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر " (3).
ومعرفة نعت الإمام وصفته غير معرفة اسمه (عليه السلام).
وتقدم في الكتاب الأول الكلام حول وجوب معرفة آل محمد (عليهم السلام) وأثاره.
ولكن هل يجب الاعتقاد به على التفصيل أم يكفي الاجمال؟



1 - بحار الأنوار: 26 / 258.
2 - كمال الدين: 2 / 413 ح 14 الباب 39.
3 - كفاية الأثر: 256.
11
وهل الاعتقاد بالعلم ضروري، بحيث ان من أنكره أنكر ضرورة من
ضروريات الدين أم لا؟
اما بالنسبة للأول، فالمسألة مربوطة بالإمامة، إذ ما هو القدر الذي يجب
معرفته من علم الإمام بحيث لا يكون معه جاهلا لإمامه (عليه السلام)، ولا يشمله حديث "
من لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ".
فإذا قلنا أن المعرفة الإجمالية لعلم الإمام كافية في معرفة الإمام بصفاته، كان
الواجب هو العلم الاجمالي. وإلا كان الواجب العلم التفصيلي بعلوم الإمام.
والذي يقوى في النفس التفصيل بين أهل العلم القادرين على المعرفة
التفصيلية، وبين العوام الذين لا يقدرون على تلك المعرفة.
فاما العوام فالواجب عليهم المعرفة الاجمالية.
واما أهل العلم والقدرة فلا يكتفى منهم بالإجمالية، لأن معرفة الإمام منهم
تقتضي المعرفة التفصيلية، فإذا قصروا في معرفة علمه التفصيلي كانوا مقصرين في
نفس معرفة الإمام لمكان قدرتهم العلمية.
وإن شئت قلت: معرفة العلم التفصيلي للإمام واجب عيني، إلا أنه منوط
بالقدرة، فيخرج عامة الناس لعدم تحقق القدرة العلمية فيهم.
على أنه يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه من كل الجهات والتي من
أهمها العلم، فكيف نريد أن نحكم عليه بأنه الأفضل بلا المعرفة التفصيلية لعلمه؟!
إن قيل: يكفي ما نقل لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهم؟
قلنا: الواجب الشرعي والعقلي على كل انسان أن يعرف إمام زمانه، وإلا
مات ميتة جاهلية، كما في الأحاديث (1)، وهذا الواجب يجب تحصيله على كل فرد
بنفسه لا بنقل ناقل.
على اننا ننقل الكلام للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هل يجب معرفة علمه تفصيلا أم



1 - المعجم الكبير: 10 / 289 ح 10687، والمعجم الأوسط: 4 / 243 ح 3429، والشريعة
للآجري: 9، وكنز العمال: 1 / 207 ح 1035، والكافي: 1 / 377 ح 3، وعيون أخبار
الرضا: 2 / 58 باب 7، وكمال الدين: 2 / 412 - 668 باب 39، وغيبة النعماني: 80 - 84
باب 7.
12
إجمالا؟
فلا بد من معرفة كون النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أفضل أهل زمانه من ناحية العلم
وغيره.
وعليه فالنبوة والإمامة متوقفة على معرفة الأعلم، نعم ثبوت النبوة يحصل
بالمعجزة.
ولا يمكن معرفة الأعلم إلا بعد الاطلاع على كل علومه وعلوم الآخرين.
لان كل أعلم نبي أو وصي لوجوب تقديم الأفضل على المفضول كما دلت
عليه العقول والنقول (1).
ان قيل: كان الخضر أعلم من موسى (عليهما السلام).
قلنا: أولا لا نسلم كونه أعلم، وذلك لما حققناه أن الأعلم أعلم في كل شئ،
والخضر لم يكن أعلما من جميع الجهات، فموسى كان أعلم منه بالرسالة السماوية التي
أرسله الله ليبلغها للناس، وإلا لكان الواجب إرسال الخضر عوضا عنه.
ثانيا: علم النبوة المشروط في الباب هو العلم الذي يحتاج اليه الناس في
حياتهم، أو الذي يجب على النبي (صلى الله عليه وآله) معرفته، ومعلوم علم الخضر لم يكن كذلك،
انما كان علما بالأمور الباطنية.
* واما كون علم الإمام من الضروريات: فإن معرفة الإمام ضرورة من
ضروريات الدين، فلا بد أن يكون العلم - كصفة مهمة من صفات الإمام بل المعرفة
قد تتوقف عليه - أيضا ضرورة من ضروريات الدين.
نعم على ما تقدم من الفرق بين أهل العلم والعوام فان العوام لا يقدرون على
المعرفة لعدم تحقق القدرة فيهم، فقد لا تكون بالنسبة إليهم ضرورة، نعم لو التفتوا
إليها لعلموا ببداهتها.
سبب اخفاء النبي للعلم الرباني
قد يقال ان أكثر الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والقليل منها عن رسول



1 - سوف يأتي تفصيل ذلك في الكتاب الرابع.
13
الله (صلى الله عليه وآله) فما سبب ذلك، وهل يراد أن يثبت لآل محمد ما لم يثبت للنبي (صلى الله عليه وآله)، أم انهم
سواء في كل شئ؟
وفي معرض الجواب نقول:
* أولا: هناك روايات تفيد انهم سواء في كل شئ (1)، ولا أقل هناك
روايات كثيرة تفيد انهم في العلم سواء، كالمروي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " نحن
في العلم والشجاعة سواء ".
وفي رواية: " لا يكون آخرهم أعلم من أولهم ".
وفي رواية: " أولنا كآخرنا وآخرنا كأولنا " (2).
ونحو ذلك من الروايات الآتية في ذيل الكتاب (3).
* ثانيا: ان آل محمد (صلى الله عليه وآله) أيضا كما يأتي كانوا يخفون كثيرا من علومهم، حتى
أخبروا أنفسهم بالعلة وهي عدم الكتمان، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): " والله لو أن على
أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلى شئ، ولكن فيكم
الإذاعة، والله بالغ أمره " (4).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): " لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امرئ بما له
وعليه " (5).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام):
اني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا



1 - سوف نذكر نبذة صغيرة عن ذلك في الخاتمة، ويراجع بحار الأنوار: 25 / 352 باب انه
جرى لهم من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله وانهم سواء ح 1 وما بعده.
2 - راجع لذلك: بحار الأنوار: 25 / 357 ح 7 و 13 و 17.
3 - بحار الأنوار: 25 / 353 ح 2 - 3 - 17 - 14 - 15 - 9، وكتاب سليم: 188.
4 - بحار الأنوار: 26 / 141 ح 13 باب انه لا يحجب عنهم شئ.
5 - بحار الأنوار: 26 / 149 ح 34 باب انه لا يحجب عنهم شئ.
14
ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا (1)
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لمن سأله عن سبب رفع النبي عليا (عليه السلام) على كتفه؟
فقال: " ليعرف الناس مقامه ورفعته.
فقال: زدني؟
فقال (عليه السلام): " ليعلم الناس انه أحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال: زدني؟
فقال: " ليعلم الناس انه إمام بعده والعلم المرفوع.
فقال: زدني؟
فقال: " هيهات، والله لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عني وأنت تقول ان جعفر
ابن محمد كاذب في قوله أو مجنون " (2).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): " خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم مما
ينكرون، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا، إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا
ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان (3).
وقال (عليه السلام): " لا تذيعوا سرنا ولا تحدثوا به عند غير أهله فان المذيع سرنا
أشد علينا من عدونا " (4).
وقد بين الإمام العسكري (عليه السلام) علة عدم اخبارهم بالأمور الغيبية بقوله
لموسى الجوهري: " ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب، فنخرج ما علمنا
منه إليكم، فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر " (5).
* ثالثا: الظروف التي كان يعيشها النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك بعض الأئمة كانت



1 - الأصول الأصيلة: 167، وغرر البهاء الضوي: 318، ومشارق أنوار اليقين: 17، وجامع
الأسرار: 35 ح 66.
2 - مشارق أنوار اليقين: 17.
3 - الأصول الأصيلة: 169.
4 - الخرايج والجرايح: 267 باب 7.
5 - الهداية الكبرى: 334 باب 13.
15
مختلفة فرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في بداية الدعوة الإسلامية وقريب عهد بالجاهلية.
بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء بعده بسنوات، وهكذا الأئمة واحدا بعد واحد.
وإذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين
المظفر الذي يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب: قال بعد أن ذكر توقف الرسالة
على علم النبي (صلى الله عليه وآله) بكل الأشياء: فعلم الرسول بالعالم وإحاطته بما يحدث فيه
وقدرته على تعميم الاصلاح للداني والقاصي والحاضر والباد، من أسس تلك
الرسالة العامة وقاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة.
غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة (صلى الله عليه وآله) أن يظهر للأمة تلك
القوى القدسية والعلم الرباني الفياض. وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غض
جديد، والناس لم تتعرف تعاليم الاسلام الفرعية بعد؟!
فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى وتطمئن إلى الايمان بذلك العلم.
بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الايمان الراسخ، وما خضع
البعض منهم للسلطة النبوية إلا بعد اللتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب " (1).
أقول: عدم افصاح النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن كنه علمه كان بالنسبة لعامة
الناس.
وإلا فقد أفصح لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته وحقيقة علمه، بل وفي بعض
الأحيان كان يفصح للكثير من الصحابة عن بعض الأمور الغيبية أو الغامضة
الجديدة، كما تقدم في كثير من الأحاديث حول عالم الأنوار، وانه كان حول العرش
هو وآله، وانه كان نبيا وآدم بين الطين والماء.
إضافة إلى أحاديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف النبي الأعظم وعلمه وانه
علمه ألف باب من العلم يفتح منه ما أراد، والذي يشعر بأنه ليس تعليما كسبيا، بل
إشارة إلى المنحة الربانية التي أفاضها النبي على آل محمد (عليهم السلام).
وسوف يأتي في كلام الغزالي ما يشير إلى ذلك.



1 - علم الإمام: 9 - 10.
16
حقيقة علم آل محمد (عليهم السلام) وأقسامه
* الجهة الأولى:
علم آل محمد (عليهم السلام) وأقسامه
تقدم في الأحاديث ان الانسان مهما حاول أن يذكر من الفضائل لآل
محمد (صلى الله عليه وآله)، فإنه لن يبلغ هذه الحقيقة.
كيف؟ ورسول البشرية يقول في الحديث الصحيح:
" يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك
إلا الله وأنا " (1).
وقال (صلى الله عليه وآله) مخاطبا عليا (عليه السلام): " هذا رجل لا يعرفه إلا الله ورسوله " (2).
وكيف يعرف علي (عليه السلام) وهو القائل:
" بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية
في الطوي البعيدة " (3).
ويصف الإمام الصادق (عليه السلام) هذا العلم ليقول: " ان عندنا والله سرا من سر
الله وعلما من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن
قلبه للايمان، والله ما كلف الله ذلك أحدا غيرنا، ولا استعبد بذلك أحدا غيرنا.
وان عندنا سرا من سر الله وعلما من علم الله، أمرنا بتبليغه فبلغناه عن الله
عز وجل ما أمرنا بتبليغه " (4).



1 - إرشاد القلوب: 2 / 209، ومشارق أنوار اليقين: 112 ورمز له بالصحة.
2 - مشارق أنوار اليقين: 112.
3 - نهج البلاغة: 52 الخطبة 5 والأرشية الحبال والطوي البئر، والتذكرة الحمدونية: 1 / 91 ح
166 بلفظ: لقد اندمجت.
4 - أصول الكافي: 1 / 402 باب حديثهم صعب مستصعب ح 5، وبحار الأنوار: 25 / 385
باب غرائب أفعالهم ح 44.
17
أقول: في هذه الرواية ان علمهم لا يحتمله أحد حتى الأنبياء، وفي الذيل أنهم
أمروا أن يبلغوا هذا العلم فبلغوه، فقد يقال: ما فائدة تبليغه مع أنه لا يحتمله أحد؟!
وللجواب عن هذا الإشكال لا بد من تقسيم علم أهل البيت (عليهم السلام).

18
مراتب علم آل محمد (عليهم السلام)
* مراتب علم آل محمد (عليهم السلام) وأقسامه
علم أهل البيت (عليهم السلام) في حقيقته على مراتب:
1 - مرتبة لم يؤمروا بالكشف عنها ولا بتبليغها لعدم احتماله وفهمه على
حقيقته، أو لشئ أخفي عنا.
وهذا ما دلت عليه طائفة من الروايات منها الرواية المتقدمة (1).
وفي بعض الروايات لم يوصف العلم بأنه لا يحتمل، بل وصف بأن " أمرهم
جسيم مقنع لا يستطاع ذكره " (2).
وهذا العلم هو ما يوصف بالعلم اللدني - كما يأتي تفصيله - والذي كان الأئمة
يشيرون إليه إشارة إجمالية، كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى:
* (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) *.
قال: " ورب الكعبة ورب البنية (البيت) ثلاث مرات، لو كنت بين موسى
والخضر لأخبرتهما اني أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما " (3).
وفي أحاديث الاسم الأعظم الآتية إشارة إجمالية أيضا لهذا العلم.
2 - ومرتبة من علمهم أمروا بتبليغه، كما دلت عليه الرواية المتقدمة في
مطلع البحث وهو أيضا على قسمين:
أ - قسم أمر أهل البيت (عليهم السلام) بتبليغه لكافة الناس، وهو كل علم
صدر منهم ووصل إلى عامة الناس، وهو المبثوث في كتبهم وكتب شيعتهم.
ب - وقسم أمروا أن يبلغوه لخواص الناس، ومن يقدر على فهمه
وتحمله، أو عدم افشائه.
ويدل عليه: حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ميثم التمار عندما سأله عن معنى



1 - من أراد المزيد فليراجع بصائر الدرجات: 20 - 21 - 22 ح 10 - 11 - 15 - 16.
2 - بصائر الدرجات: 28 ح 8 تتمة أن أمرهم صعب.
3 - أصول الكافي: 1 / 261 باب انهم يعلمون علم ما كان ويكون ح 1، وبصائر الدرجات:
129، ودلائل الإمامة: 132.
19
عدم احتمال الملك والنبي لعلم آل محمد، فأخذ الأمير بشرح معنى عدم احتماله.
والحديث طويل (1).
وما روي عنه (عليه السلام) أيضا عندما سئل عن وجه الله، قال: " أنا وجه الله ".
بينما قال للبعض الآخر عندما سأله: " أوقدوا نارا، فسألهم أين وجه النار؟
قالوا: كل النار وجه النار.
قال (عليه السلام): " كل شئ وجه الله " (2).
وما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض،
وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون ".
قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه، فقال: " علمت
ذلك من كتاب الله ان الله عز وجل يقول: * (فيه تبيان كل شئ) * (3).
وفي رواية مشابهة عن حماد قال: " فبهت انظر إليه فقال: " يا حماد إن ذلك
من كتاب الله، ثلاث مرات " (4).
ونحو ذلك من الروايات التي لم يكن فيها أهل البيت (عليهم السلام) يصرحون بكل
شئ لأصحابهم، إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، وسوف يأتي بعضها.
نعم، كما قال صادق آل محمد (عليهم السلام): " لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في
فضلنا " (5).
* ومن هذا الباب الطائفة التي تقول:
" إن حديثنا صعب مستصعب لا يعرفه إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد
امتحن الله قلبه للايمان " (6).



1 - بحار الأنوار: 25 / 383 باب غرائب أفعالهم ح 38.
2 - يراجع بصائر الدرجات: 61، وإرشاد القلوب: 310 - 317 - 318، وجامع الأسرار: 211
ح 404.
3 - الكافي: 1 / 261 ح 2، وبصائر الدرجات: 128 باب علمهم بما في السماوات.
4 - بصائر الدرجات: 128.
5 - الهداية الكبرى: 419 باب 14.
6 - بشارة المصطفى: 148، والهداية الكبرى: 129 باب 2، والكافي: 1 / 401 ح 1، وبصائر
الدرجات: 21 ح 1.
20
ومنها بلفظ: أن أمرهم صعب مستصعب. وهي روايات كثيرة (1).
وبذلك يرتفع التناقض بين الطائفتين:
1 - الأولى التي تقول: " ان حديثهم صعب - لا يحتمله لا ملك مقرب ولا
نبي " (2).
2 - والثانية التي تقول: " ان حديثهم صعب - لا يحتمله إلا ملك مقرب أو
نبي مرسل ".
وهذا أحد الوجوه لرفع التناقض، وخلاصته: أن تحمل الطائفة الأولى على
أعلى مراتب علمهم، والطائفة الثانية على مرتبة أخرى وهي التي أمروا بتبليغها
للخواص.
وهناك وجوه أخرى منها:
وجوه الجمع بين أحاديثهم الصعبة
* الوجه الثاني: ان تحمل الطائفة الأولى على عدم الإيمان والاعتقاد به
على الحقيقة.
ويشهد له ألسنة الروايات القائلة: " صعب مستصعب لا يؤمن به نبي " (3).
" لا يعرفه " (4) " لا يقر به " (5) " لا يعمل به " (6) " لا يصبر عليه " (7).
فمن الناس من يقر به ويحتمله ومنهم من لا يقر به، ولكن يحتمله على اجماله.
* الوجه الثالث: ان تحمل الطائفة الأولى على عدم معرفة وادراك باطن



1 - بصائر الدرجات: 26 ح 1 - 2 وما بعدهما.
2 - راجع إضافة لما تقدم الوسائل: 18 / 16 ح 33285، ومعاني الاخبار: 188.
3 - أصول الكافي: 1 / 404 ح 3.
4 - بصائر الدرجات: 27.
5 - بصائر الدرجات: 27.
6 - بصائر الدرجات: 29 باب نادر في علمهم.
7 - بصائر الدرجات: 29.
21
أحاديثهم، وتحمل الثانية على ادراك ومعرفة ظاهرها، ويشهد له روايات ان
لحديثنا " ظهرا وبطنا "، أو لحديثنا " سبعين وجها " (1).
* الوجه الرابع: ان تحمل الأولى على أن: أمرهم لا يحتمل، والثانية أن
حديثهم يحتمل ويراد بالأمر الأعظم من الحديث.
خاصة بلحاظ ان بعض الروايات تعبر: " ان أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق
من هتكه أذله الله " (2).
وفي رواية: " أمر آل محمد جسيم مقنع لا يستطاع ذكره " (3).
* الوجه الخامس: أن تحمل الأولى على عدم إمكان احتمال الأنبياء
والملائكة والناس لكامل وجوه أحاديثهم.
وتحمل الثانية على احتمال الأنبياء لبعض أو أكثر وجوه أحاديثهم.
* ومن هنا يتضح ما ورد في تفاوت علم الصحابة، كالمروي عن الإمام
الصادق (عليه السلام) قال: " والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بينهما فما ظنكم بسائر الخلق " (4).
نعم أول السيد المرتضى الحديث بأن معنى: " لقتله " أي من شدة الحب (5).
وفيه تكلف زائد، لأن الحديث جاء في تفسير الإمام لروايات " حديثنا
صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل ".
خاصة أن هناك حديثا فيه: " لقال: رحم الله قاتل سلمان ".
وهنا كلام للمحدث علي بن زين الدين العاملي مفيد في دره المنثور
فليراجع (6).



1 - الاختصاص: 12 / 288 جهات علومهم، وتفسير الطبري: 1 / 32 خطبة الكتاب.
2 - بصائر الدرجات: 28.
3 - بصائر الدرجات: 28.
4 - أصول الكافي: 1 / 401.
5 - غرر الفوائد: 419.
6 - الدر المنثور للشهيد: 1 / 47 حديث لو علم أبو ذر.
22
زمان علم آل محمد (عليهم السلام)
الجهة الثانية:
زمان علم آل محمد (عليهم السلام)
قد يقال ان الروايات التي تحدد زمن اتصاف آل محمد بالعلم قليلة، باستثناء
التي تأتي في طي الأبحاث الآتية.
ولعل هذا البحث مرتبط بالأبحاث الآتية، ذلك أن في الجهة الثالثة في ماهية
علم آل محمد (عليهم السلام) إذا قلنا إن علمهم كسبي، فزمانه عند التعلم، وهو يختلف
باختلاف أحوال أهل البيت (عليهم السلام).
بينما إذا قلنا إنه لدني - كما وهو الأرجح - فإنه لا يخضع لسنين التعلم، بل
يكون زمانه هو زمان ولادة الإمام المعصوم في الظاهر، أو زمان وجوده في الواقع
كما يأتي.
وإذا قلنا إنه مربوط بالمشيئة، بمعنى انه إذا شاؤوا أن يعلموا علموا، فان زمان
العلم يكون عند كل إرادة لهم.
هذا كله في الجهة الثالثة - ماهية العلم -.
وكذلك في الجهة الرابعة: مصدر حصوله، فإنه إذا رجحنا كونه بواسطة
الوحي أو جبرائيل أو المحدث أو الإلهام أو الروح الآمرية أو مباشرة من الله، فان
زمان العلم يكون عند اتصاف الإمام بالإمامة أو عند الاختيار اللهي عز وجل.
وإن شئت قلت: عند احتياج الإمام للعلم، لا بمعنى تصديه لإجابة الناس،
بل بمعنى أن خلو الإمام منه يعد نقصا، فعند وجود الإمام في لوح الواقع إذا وجد
خاليا من العلم الرباني، فهو محتاج إلى هذا العلم.
على أنه يحتمل أن يكون زمان العلم عالم الأنوار، خاصة إذا اخترنا ان
المصدر الروح الآمرية أو المباشرة من الله تعالى، كما هو الصحيح.
اما إذا اخترنا - في الجهة الرابعة - ان المصدر القرآن أو العامود النوراني، أو

23
انه وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو من ليلة القدر، فان زمان العلم يكون بحسب
الاختيار هناك، فإذا اخترنا ليلة القدر فزمان علمهم هو وقت نزولها، وهكذا إذا
اخترنا غيرها.
وعلى كل حال سوف ننتظر الاختيار في الأبحاث الآتية.
* هذا ووردت بعض الروايات الصريحة في زمان علمهم منها:
منها ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر طويل في كيفية ولادة الإمام وانعقاد
نطفته جاء فيه: " فإذا استقرت في الرحم أربعين ليلة نصب الله له عمودا من نور في
بطن أمه ينظر منه مد بصره، فإذا تمت له في بطن أمه أربعة أشهر أتاه ملك يقال له
حيوان وكتب على عضده الأيمن: * (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته
وهو السميع العليم) * فإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا
رأسه إلى السماء، فإذا وضع يديه إلى الأرض فإنه يقبض كل علم أنزله الله من السماء
إلى الأرض ".
إلى أن قال: " فإذا قالها (1) أعطاه الله علم الأول وعلم الآخر واستوجب
زيارة الروح في ليلة القدر " (2).
والروايات بهذا المضمون كثيرة (3).
وفي رواية أخرى: " فإذا مضت عليه أربعون يوما سمع الصوت وهو في بطن
أمه، فإذا ولد أوتي الحكمة... وزين بالعلم والوقار وألبسه الهيبة " (4).
* أقول: فهذه الروايات وأشباهها تثبت ان زمان علم آل محمد هو عند



1 - أي قوله تعالى: (شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم).
2 - بصائر الدرجات: 441 - 442 باب النوادر من عامود النور ح 4.
3 - بصائر الدرجات: 431 ح 1 وما بعده باب انهم تعرض عليهم الأعمال في أمر العامود،
والهداية الكبرى: 100 - 101 باب 2.
4 - بصائر الدرجات: 432 ح 4 - 10 و 440 ح 3.
24
ولادة كل إمام، ولكن على ما يأتي في الأبحاث الآتية فان هذا الزمان لا يتناسب مع
ما نرجحه هناك.
خاصة أنه يمكن تأويل هذه الروايات بأن الإمام كان لديه هذه العلوم،
ولكن عند الولادة يجدد أو يؤكد للامام ذلك، كما قد يستفاد من لفظة " يقبض ".
على أنه قد كذب الناس بحصول العلم للامام في زمن الولادة، أو في الصغر،
فكيف يصدقون أن علمهم منذ عالم الأنوار!!
فنحملها على اختلاف مستوى الصحابة.
- ومنها ما ورد في الحديث المتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" نبئت وآدم بين الروح والجسد " " وجبت النبوة لي وآدم بين الروح
والجسد " " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " (1).
فكونه نبيا ينبأ في غاية الوضوح والدلالة على تلقيه العلوم في ذلك العالم، إذ
يستحيل أن الله اتخذه نبيا ونبأه وهو فاقد للعلم.
وهذا يدل ان علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قبل الخلق وفي زمان عالم الأنوار
والأظلة.
وهكذا أهل البيت (عليهم السلام) كما تقدم في بعض روايات عالم الأنوار من تسبيحهم
لله وتقديسهم له تعالى.
ومن المعلوم ان تحمل النبوة وعبادة الله وتقديسه لا تكون إلا بعد العلم.
والأصرح منه ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): " ان الله أول ما خلق خلق
محمدا وعترته الهداة المهديين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله ".
قلت: وما الأشباح؟



1 - فضائل ابن شاذان: 34، كنز العمال: 12 / 426 ح 35584 و 11 / 409 - 450 ح 32115
و 31917، والشريعة للآجري: 416 - 421 - عدة أحاديث -، ومصابيح السنة: 4 / 38
ح 4479، والشفاء: 1 / 166، وسنن الترمذي: 5 / 585، والمعجم الكبير: 20 / 353،
والطبقات الكبرى: 7 / 42 و: 1 / 118، والفردوس بمأثور الخطاب: 3 / 284 ح 4854.
25
قال: " ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيدا بروح واحدة هي
روح القدس " (1).
وعن الإمام العسكري (عليه السلام): " هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام
يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم " (2).
وسوف يأتي روايات ان علمهم من روح القدس، وهذا صريح ان زمان
علمهم كل علمهم، هو عالم الأنوار قبل خلق الخلق.
وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال فيه: " فلما أراد أن يخلق الخلق
نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم؟
فكان أول من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم،
فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني
وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون " (3).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث جاء فيه: " ثم جعلنا عن يمين العرش، ثم
خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة، وكبرنا فكبرت الملائكة، وكان ذلك من تعليمي
وتعليم علي، وكان ذلك في علم الله السابق ان الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل،
وكل شئ يسبح لله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي " (4).
وقال (صلى الله عليه وآله): " يا علي نحن أفضل (من الملائكة) خير خليقة الله على بسيط
الأرض وخيرة الله المقربين، وكيف لا نكون خيرا منهم؟ وقد سبقناهم إلى معرفة الله



1 - أصول الكافي: 1 / 442 ح 10 مولد النبي.
2 - الأنوار النعمانية: 2 / 18.
3 - بحار الأنوار: 15 / 16 باب بدء خلق النبي ح 22، و: 26 / 277 ح 19 باب تفضيلهم على
الأنبياء، والتوحيد للصدوق: 319 باب معنى: (وكان عرشه على الماء) ح 1 (باب 49)
ط. قم.
4 - بحار الأنوار: 26 / 345 باب فضل النبي وآله ح 18، ومشارق أنوار اليقين: 40، والأنوار
النعمانية: 1 / 22.
26
وتوحيده؟! فبنا عرفوا الله وبنا عبدوا الله وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله " (1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة، ونحن عهد
الله ونحن ذمة الله، لم نزل أنوارا حول العرش نسبح فيسبح أهل السماء لتسبيحنا، فلما
نزلنا إلى الأرض سبحنا فسبح أهل الأرض، فكل علم خرج إلى أهل السماوات والأرض
فمنا وعنا " (2).
* أقول: معرفة الله وتوحيده أفضل العلوم وأشرفها، بل هي أصل العلم
وأصوله.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ان الله مثل لي أمتي في
الطين وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها " (3).
وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ان ربي مثل
لي أمتي في الطين وعلمني أسماء الأنبياء - وفي نسخة - الأشياء، كما علم آدم الأسماء
كلها فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لعلي وشيعته " (4).
وعن الحسين بن علي (عليهما السلام) عن أبيه انه قرأ عليه أصبغ بن نباتة: * (وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) * الآية، قال: " فبكى علي (عليه السلام) وقال: اني
لأذكر الوقت الذي أخذ الله تعالى علي فيه الميثاق " (5).
وقال الإمام الجواد (عليه السلام): " أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد، أنا العالم
بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرايركم فظواهركم، وما أنتم صائرون
إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين (6)، وبعد فناء السماوات والأرضين،



1 - بحار الأنوار: 26 / 349 - 350 ح 33.
2 - مشارق أنوار اليقين: 45.
3 - بصائر الدرجات: 85 باب انه عرف ما رأى في الأظلة ح 7.
4 - بصائر الدرجات: 86 باب انه عرف ما رأى في الأظلة ح 15.
5 - مناقب ابن المغازلي: 175 ط. الحياة، وط. طهران: 272 ح 319.
6 - في الهداية الكبرى: علما أورثناه الله قبل الخلق أجمعين.
27
ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلالة، ووثوب أهل الشك، لقلت قولا
تعجب منه الأولون والآخرون ".
ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال: " يا محمد أصمت كما صمت آباؤك من
قبل " (1).
وروى صاحب بستان الكرامة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان جالسا وعنده
جبرائيل (عليه السلام) فدخل علي (عليه السلام) فقام له جبرائيل (عليه السلام).
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " أتقوم لهذا الفتى.
فقال له (عليه السلام): نعم انه له علي حق التعليم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟
فقال: لما خلقني الله تعالى سألني من أنت وما أسمك ومن أنا وما اسمي؟
فتحيرت في الجواب وبقيت ساكتا، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار
وعلمني الجواب، فقال: " قل: أنت ربي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل
واسمي جبرائيل ".
ولهذا قمت له وعظمته " (2).
* أقول: مما لا شك فيه أن الرسول كان يعلم بتعليم علي (عليه السلام) لجبرائيل، انما
أراد أن يبين فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) من لسان جبرائيل، وتقدم في الكتاب الأول
ما يدل على ذلك.
وروى الصفوري قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " سلوني قبل أن تفقدوني عن علم
لا يعرفه جبرائيل وميكائيل " (3).



1 - مشارق أنوار اليقين: 98 الفصل الحادي عشر، والهداية الكبرى: 296 باب 11.
2 - الأنوار النعمانية: 1 / 15.
3 - نزهة المجالس: 2 / 129 ط. التقدم العلمية بمصر 1330 ه‍، و 2 / 144 ط. بيروت
المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الأزهرية 1346 ه‍.
28
وقد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلى ذلك بقوله:
" الحمد لله الذي جعل الانسان الكامل معلم الملك وأدار بانقساره
طبقات الفلك ".
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما حدث عنه سلمان الفارسي في حديث خلقهم
أنوارا قبل السماء والأرض: " ثم خلق منا ومن صلب الحسين تسعة أئمة ودعاهم
فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنية وأرضا مدحية، وهواء وماء وملكا، وأشركنا
بعلمه " (1).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب
الكساء وشكايتهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما حل بهم قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
لفضة: " يا فضة لقد عرفه رسول الله وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل (ضرب فاطمة
وإسقاط المحسن (عليهما السلام)) ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش " (2).
هذا وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:
" في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين " (3).



1 - الهداية الكبرى: 375 باب 14.
2 - الهداية الكبرى: 408 باب 14.
3 - لوامع أنوار الكوكب الدري: 1 / 117 - 118.
29
الجهة الثالثة:
ماهية علم آل محمد (عليهم السلام)
ويتردد هذا البحث بين ثلاثة احتمالات:
1 - أن يكون علم آل محمد (عليهم السلام) علما كسبيا، ويراد به أن علمهم بالتعلم
المتعارف بين الناس، وإن شئت سميته بالعلم الحصولي.
2 - أن يكون علم آل محمد (عليهم السلام) علما لدنيا غير كسبي، بمعنى أن الله
أعطاهم هذا العلم بلا تكسب وتجهد، هذا بغض النظر عن كيفية الاعطاء، والذي
هو الجهة الرابعة الآتية. وهذا العلم يسمى بالعلم الحضوري.
3 - أن يكون علم آل محمد (عليهم السلام) علما متعلقا بالمشيئة والإرادة، فمتى
شاؤوا أن يعلموا علموا أو أعلموا.
وهذا البحث أيضا يخضع لما يأتي من أبحاث كما سوف نبين ذلك.

31
العلم الحصولي واللدني لآل محمد (عليهم السلام)
* الاحتمال الأول:
العلم الكسبي الحصولي
ويدل عليه طوائف:
منها ما تواتر عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف
باب " (1).
ومنها: روايات الازدياد الآتية في الجهة الخامسة كقول الإمام الصادق (عليه السلام)
:
" ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور ".
قلت: كيف ذلك؟
قال: " إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله) العرش ووافى الأئمة (عليهم السلام)
ووافيت معهم، فما أرجع إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لنفذ ما عندي " (2).
وفي رواية: " انه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم (من) علم الله
الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر " (3).
ونحوها من الروايات (4).
ومنها: الروايات الآتية في الجهة الرابعة ان منبع علمهم من القرآن أو من ليلة
القدر أو ان علمهم وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
كل ذلك يدل في ظاهره أن علمهم كسبي بالتعلم.



1 - يراجع بصائر الدرجات: 309 باب في الكلمة التي علم رسول الله أمير المؤمنين 8،
والاختصاص: 382 - 183.
2 - أصول الكافي: 1 / 254 ح 3.
3 - بحار الأنوار: 24 / 183 ح 21 باب انهم كلمات الله، والكافي: 1 / 248 ح 3 باب ليلة
القدر.
4 - يراجع بحار الأنوار: 26 / 86، وبصائر الدرجات: 392 - 324 - 120 - 130، والكافي:
1 / 252 إلى 254.
33
حقيقة علم آل محمد (عليهم السلام) وجهاته
الآيات الدالة على العلم اللدني
* الاحتمال الثاني:
العلم اللدني
ويدل عليه آيات وروايات:
الآيات الدالة على العلم اللدني
ويدل عليه من الآيات:
* الآية الأولى قوله تعالى:
* (وعلمك ما لم تكن تعلم) * (1).
قال الإمام الغزالي: (اعلم أن العلم يحصل من طريقين: أحدهما التعلم
الإنساني، والثاني التعلم الرباني.
الطريق الثاني: إلقاء الوحي، وهو ان النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها
دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل الفانية، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها،
وتتمسك بجود مبدعها وتعتمد على إفادته وفيض نوره، والله تعالى بحسن عنايته
يقبل على تلك النفس إقبالا كليا، وينظر إليها نظرا إلهيا ويتخذ منها لوحا، ومن
النفس الكلي قلما وينقش فيها جميع علومه، ويصير العقل الكلي كالمعلم والنفس
القدسية كالمتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس، وينتقش فيها جميع الصور، من
غير تعلم وتفكر، ومصداق هذا قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): * (وعلمك ما لم تكن تعلم) *
) (2).
إلى آخر كلامه، ويأتي بعضه في الفرق بين العلم اللدني والحصولي.
وروي عن قتادة في قوله تعالى: * (وعلمك ما لم تكن تعلم) * قال: " علمه



1 - النساء: 113.
2 - مجموعة رسائل الغزالي - الرسالة اللدنية: 3 / 69.
35
الله بيان الدنيا والآخرة " (1).
وعن الضحاك قال: " علمه الخير والشر " (2).
وقال العلامة الطباطبائي: * (وعلمك ما لم تكن تعلم) * ليس هو الذي علمه
بوحي الكتاب والحكمة فقط، فإن مورد الآية قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) في الحوادث الواقعة
والدعاوي التي ترفع إليه برأيه الخاص، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشئ،
وان كان متوقفا عليهما، بل رأيه ونظره الخاص به.
ومن هنا ان المراد بالإنزال والتعليم في قوله: * (وأنزل الله عليك الكتاب
والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) *: نوعان اثنان من العلم:
أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين على النبي (صلى الله عليه وآله).
والآخر: التعليم بنوع من الإلقاء في القلب والإلهام الخفي الإلهي، من غير
إنزال الملك.
وهذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي (صلى الله عليه وآله).
وعلى هذا، فالمراد بقوله: * (وعلمك ما لم تكن تعلم) * أتاك نوعا من العلم لو
لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إتيانه الأسباب العادية، التي تعلم الانسان ما
يكتسبه من العلوم) انتهى (3).
* أقول: ظاهر كلامه ان إيتاء الكتاب والحكمة بواسطة الوحي الخاص
(جبرائيل) إيتاء كسبي غير لدني، وان علم النبي (صلى الله عليه وآله) مصدره شيئان:
1 - الوحي بالكتاب والحكمة.
2 - الإلهام أو القذف بالقلب.
* والذي يقوى في النظر أن إيتاء الكتاب والحكمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إن كان
المراد به تذكير جبرائيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالآيات القرآنية والحكم الإلهية، فهو كما



1 - تفسير الدر المنثور: 2 / 220 مورد الآية.
2 - تفسير الدر المنثور: 2 / 220 مورد الآية.
3 - تفسير الميزان: 5 / 79 - 80 مورد الآية.
36
قال علم كسبي، ولكنه لا ينبئ عن حقيقة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالكتاب والحكمة.
وان كان المراد به نزول القرآن جملة واحدة على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
فممنوع لأنه نزول غير كسبي، وكيف يكون كسبيا وهو من الله تعالى بالمباشرة كما
يأتي.
إن قيل: نزوله تدريجا كان بواسطة جبرائيل، ونزوله جملة واحدة كان أيضا
بواسطته، قال تعالى: * (نزل به الروح الأمين على قلبك) * (1).
قلنا:
أولا: هذا مبني على تفسير هذه الآية بنزوله جملة واحدة، وإلا فقد يكون
المعنى: ان الروح الأمين نزل به تدريجا على قلبك، ولا تفسر الآية أصلا بالنزول
جملة واحدة.
والخلاصة: لا نسلم ان نزول القرآن جملة واحدة على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله)،
كان بواسطة جبرائيل، اما لعدم الدليل عليه، واما لعدم الحاجة إليه، واما لما يأتي
من أن زمن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرآن وغيره، هو عرش الرحمن وقبل خلق
جبرائيل وغيره من الخلق، واما لما يأتي من الدليل على معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) للقرآن
قبل خلق جبرائيل.
ثانيا: لو سلمنا ان الآية تشير إلى نزوله جملة واحدة بواسطة جبرائيل كما
استدل بها العلامة، فانا لا نسلم ان هذا النزول كسبي، فصحيح ان جبرائيل يكون
الواسطة في انتقال القرآن إلى قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن ليس هو المعلم له
ولتفاصيله وآياته، انما الله هو المعلم الحقيقي وعلم الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) غير كسبي، حيث
أن العلوم الكسبية غير ثابتة ومتغيرة كما يأتي.
اما قوله ان مصدر علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الكتاب والحكمة، إضافة إلى
الإلهام والقذف.
فبغض النظر عن ما يأتي في مصدر علم آل محمد (عليهم السلام)، فانا نقول: هذا



1 - الشعراء: 193.
37
التفصيل حول العلم يتنافى مع حقيقة العلم الذي هو نور يقذفه الله في قلب من
يشاء.
على أنه يتنافى أيضا مع حقيقة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزمان حصوله وكيفية
ذلك.
فان الحكمة والقرآن هي قسم من العلوم الإلهية التي علمها الله لنبيه بقوله: * (
وعلمك ما لم تكن تعلم) *، أو حتى قوله * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) *.
فليس المراد أن العلم قسمان: قسم لأحكام القرآن والحكمة الإلهية، وقسم
لبقية الأمور.
لأنه:
أولا: الآية مطلقة * (ما لم تكن تعلم) * فكل ما لا يعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام
الله عز وجل بتعليمه إياه مباشرة، وبلا توسط مخلوق، فكان لدنيا، وهو شامل
لأحكام القرآن من حلال وحرام وقصص ومواعظ، وحكم ومعارف إلهية، وأمور
غيبية، وما شابه ذلك.
قال الشيخ الطبرسي في الآية: (ما لم تعلمه من الشرائع وأنباء الرسل الأولين
، وغير ذلك من العلوم) (1).
ثانيا: هذا ينافي صريح القرآن الكريم وانه فيه تبيان كل شئ (2) كما يأتي في
كثير من الروايات.
والخلاصة: علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم واحد لا يتجزأ، وهو علم لدني بكل
شئ، الشامل للقرآن والحكمة والأمور الغيبية ونحوهم.
ولا يلزم لغوية نزول القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لما قلنا إن المراد بالنزول
هو التدريجي، اما لمؤانسة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) - نظير نزوله على فاطمة (عليها السلام) -، واما
لتذكيره (صلى الله عليه وآله) بالآيات، لا لتعليم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المستتبع لجهله، وأعلمية جبرائيل



1 - مجمع البيان: 3 / 168 مورد الآية.
2 - قال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) النحل: 89.
38
عليه، ولو بالواسطة.
ومرادنا بالتذكير ليس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نسي آيات القرآن والحكمة،
انما كما قدمنا سابقا أنه لإبراز حقيقة الوحي التي كانت عند الأنبياء السابقين، والتي
اعتاد الناس عليها في الأنبياء وصحة دعوتهم، خاصة في المجتمع الجاهلي الذي لم
يصدق بنبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فلم يستطع النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أن يبرز لهم الوحي
وصفاته وأسمائه وآثاره كما تقدم ويأتي.
واما النزول الدفعي للقرآن، فهو أيضا ليس معناه ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
يجهل أحكامه وابرامه وآياته، وذلك كما قدمناه من أن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواحد
من الواحد لا يتجزأ، وزمانه قبل زمان جبرائيل كما يأتي. والذي من ضمنه أحكام
القرآن الكريم والحكم الإلهية، فلا تغفل.
هذا وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:
" في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين " (1).



1 - لوامع أنوار الكوكب الدري: 1 / 117 - 118.
39
* الآية الثانية قوله تعالى:
* (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت
وفرعها في السماء، تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله
الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) * (1).
والشجرة الطيبة كما تواتر في الأحاديث هي آل محمد والأئمة منهم عليهم
صلوات المصلين (2).
وقوله تعالى: * (تؤتي أكلها كل حين) * فسرت بعلم الإمام وما يفتي به من
الحلال والحرام.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): * (تؤتي اكلها كل حين) * فقال: " ما يخرج إلى
الناس من علم الإمام في كل حين يسأل عنه " (3).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): " هو ما يخرج من الإمام من الحلال والحرام في كل
سنة إلى شيعته " (4).
* الآية الثالثة قوله تعالى:
* (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) * (5).
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): " قال علينا عين؟ "
فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين.



1 - إبراهيم: 24.
2 - راجع بحار الأنوار: 24 / 138 إلى 143 ح 2 وما بعده باب انهم الشجرة الطيبة، والفردوس
بمأثور الخطاب: 1 / 52 ح 135، وتلخيص المتشابه: 1 / 309 رقم الترجمة 485.
3 - بحار الأنوار: 24 / 140 - 139 ح 4 و 6.
4 - المصدر السابق.
5 - الكهف: 65.
41
فقال: " ورب الكعبة ورب البنية - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر
لأخبرتهما اني أعلم منهما ولأنبئهما بما ليس في أيديهما " (1).
ومن المعلوم ان علم الخضر لدني بقوله تعالى: * (... آتيناه رحمة من عندنا
وعلمناه من لدنا علما) * ولا يصح كون آل محمد (عليهم السلام) علمهم كسبيا في حال كونهم
أعلم من الخضر وأفضل.



1 - الكافي: 1 / 261 ح 1 باب انهم يعلمون ما كان ويكون، وبصائر الدرجات: 129.
42
* الآية الرابعة قوله تعالى:
* (علمه شديد القوى فأوحى... إلى عبده ما أوحى) * (1).
وهي الآية من آيات عديدة تصف عروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ربه حتى كان
قاب قوسين أو أدنى.
والروايات كثيرة ان النبي هو الذي دنا فتدلى وكان قاب قوسين أو أدنى
رواها الفريقان من طرق (2).
منها: ما روي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: " أنا ابن من علا فاستعلى فجاز
سدرة المنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى " (3).
ومنها: ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " وذلك أنه يعني النبي (صلى الله عليه وآله) أقرب
الخلق إلى الله تعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرائيل لما أسري به إلى السماء:
تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولولا ان روحه
ونفسه كان من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، وكان من الله عز وجل كما قال الله
عز وجل * (قاب قوسين أو أدنى) * أي: بل أدنى " (4).
وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " كنت من ربي كقاب قوسين أو



1 - النجم: 5 - 8.
2 - راجع تفسير الدر المنثور: 6 / 123 - 124 مورد الآية، وتفسير الميزان: 19 / 33 - 36
مورد الآية، ونور الثقلين: 5 / 145 إلى 158 موردها، والشفا 1 / 34 - 37 إلى 39 الفصل
الخامس و 1 / 203 - 204، وارشاد القلوب: 2 / 409 - 411، ولوامع أنوار الكوكب الدري:
1 / 117 - 118، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 315، وتاريخ الخميس: 1 / 311 ذكر
المعراج.
3 - تفسير الميزان: 19 / 33 - 35، مورد الآية، ونور الثقلين: 5 / 151 مورد الآية.
4 - تفسير الميزان: 19 / 33 مورد الآية.
43
أدنى " (1).
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * قال:
" وحي مشافهة " (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " ان هذه الآية مشافهة الله لنبيه لما أسرى به إلى
السماء، قال النبي (صلى الله عليه وآله): انتهيت إلى سدرة المنتهى " (3).
ومنها الحديث المستفيض: قول جبرائيل للنبي محمد (صلى الله عليه وآله): تقدم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " في هذا الموضع تفارقني ".
فقال جبرائيل: لو دنوت أنملة لاحترقت (4).
وفي رواية: " يا جبرائيل لما تخلفت عني؟
قال: وما منا إلا له مقام معلوم، لو دنوت أنملة لاحترقت، وفي هذه الليلة
بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام، وإلا فمقامي المعهود عند السدرة " (5).
وفي رواية أخرى قال له: " تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد
من خلق الله قبلك " (6).
وعن ابن عباس في قوله: * (ثم دنا) * قال: " هو محمد دنا إلى ربه " (7).
ونحوه عن محمد بن كعب والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وأنس (8).



1 - تفسير الميزان: 19 / 33 - 35 مورد الآية، ونور الثقلين: 5 / 151 مورد الآية.
2 - تفسير القمي: 2 / 334 مورد الآية، وتفسير الميزان: 19 / 34، ونور الثقلين: 5 / 152.
3 - الدر المنثور: 5 / 148، 149 مورد الآية.
4 - راجع تفسير الميزان: 19 / 35، وتفسير نور الثقلين: 5 / 155، وعيون الأخبار:
1 / 205 باب 26 ح 22، وينابيع المودة: 2 / 583، وكمال الدين: 1 / 255 وبحار الأنوار:
26 / 337، وتاريخ الخميس: 1 / 311 ذكر المعراج.
5 - تاريخ الخميس: 1 / 311 ذكر قصة المعراج.
6 - تفسير الميزان: 19 / 33، 35، مورد الآية، ونور الثقلين: 5 / 151 مورد الآية.
7 - الدر المنثور: 6 / 123 مورد الآية.
8 - الشفا: 1 / 204 - 205 فصل في قوله: فأوحى إلى عبده.
44
وعن أبي سعيد قال: " لما أسرى بالنبي اقترب من ربه فكان قاب قوسين أو
أدنى " (1).
وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قوله تعالى * (دنا فتدلى) * قال: " ذاك
رسول الله دنى من حجب النور " (2).
ومن العجيب ما روى ان القصة في جبرائيل، وانه هو الذي دنا فتدلى،
والعجب فيه أن الله تعالى إذا يريد أن يدني جبرائيل منه لماذا يحضر النبي
الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟
وهل يراد بالإسراء والآيات مدح النبي (صلى الله عليه وآله) وتبيين فضله أم مدح جبرائيل
وتبيين فضله؟!
مع أن البعض منع ونفى ركوب جبرائيل مع النبي (صلى الله عليه وآله) على البراق
لاختصاصه بشرف الاسراء (3).
هذا إضافة إلى أن الآيات كلها في سياق واحد: * (ما ينطق عن الهوى إن هو
إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) * إلى آخر الآيات.
اما قوله تعالى: * (علمه شديد القوى) * فقيل ان الذي علم النبي (صلى الله عليه وآله) هو
جبرائيل، وقيل إن معلمه هو الله تعالى (4).
ولكن بقرينة قوله تعالى: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * والتي فيها أن الله
هو الموحي لعبده بالمباشرة والمشافهة، يتعين كون المعلم هو الله تعالى، وعلم الله لا
يكون إلا لدنيا، إذ الكسبي زائل متغير كما يأتي، وهو المطلوب.
ويؤيده، إضافة لما مر من روايات خاصة، وروايات تخلف جبرائيل الدالة



1 - الدر المنثور للسيوطي: 6 / 123 مورد الآية.
2 - الدر المنثور: 5 / 148، 149 مورد الآية.
3 - تاريخ الخميس: 1 / 310 ذكر قصة المعراج.
4 - راجع تفسير الميزان: 19 / 27 مورد الآية.
45
على أن جبرائيل لم يكن موجودا معهما عند تعليم الله ذلك العلم الشديد القوي:
ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: * (ثم دنا فتدلى... فأوحى إلى عبده
ما أوحى) * قال: " فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فأخذ كتاب
أصحاب اليمين بيمينه وفتحه فنظر إليه فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم، ثم
طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه وفتح صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل
النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم نزل معه الصحيفتان فدفعهما إلى علي " (1).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " حتى انتهى إلى ساق العرش فدنى بالعلم
فتدلى " (2).
وعن الحسن قال: " دنا من عبده محمد (صلى الله عليه وآله) فتدلى فقرب منه فأراه ما شاء
أن يريه من قدرته وعظمته " (3).
فهذا يدل على أن الله تعالى أوحى له وحي مشافهة، كما تقدم في لسان
الرواية السابقة، بغير توسط جبرائيل، لأنه لم يتقدم معه وإلا لاحترق - كما تقدم
أيضا وان ما أوحي إليه هو من العلوم والمعارف.
قال جعفر بن محمد (عليه السلام): " انقطعت الكيفية عن الدنو، ألا ترى كيف حجب
جبريل عن دنوه ودنا محمد إلى ما أودع قلبه من المعرفة والايمان، فتدلى بسكون
قلبه إلى ما أدناه، وزال عن قلبه الشك والارتياب " (4).
وعنه (عليه السلام) أنه قال: " أوحى الله إليه بلا واسطة " (5).
ونحوه عن الواسطي (6).



1 - نور الثقلين: 5 / 150 ح 25 مورد الآية.
2 - تفسير نور الثقلين: 5 / 150 - 151 مورد الآية.
3 - الشفا: 1 / 204.
4 - الشفا: 1 / 205 فصل من قوله: فأوحى إلى عبده.
5 - الشفا: 1 / 205 فصل من قوله: فأوحى إلى عبده.
6 - الشفا: 1 / 205 فصل من قوله: فأوحى إلى عبده، وتاريخ الخميس: 1 / 312 قصة
المعراج.
46
وقال القاضي عياض: اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب هنا من الله
أو إلى الله، فليس بدنو مكان ولا قرب مدى، بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد
الصادق ليس بدنو حد، وانما دنو النبي (صلى الله عليه وسلم) من ربه وقربه منه، أبانه عظيم منزلته
وتشريف رتبته، واشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته، ومن الله
تعالى مبرة وتأنيس وبسط وإكرام (1).
وفي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " فسمع النداء يقول: ادن يا محمد فدنا،
فقطرت عليه من العرش قطرة ما أخطأت فمه، فوقعت على لسانه فكانت أحلى من
كل شئ، فأراه الله بها علم الأولين والآخرين " (2).
ويشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول الله
قال (صلى الله عليه وآله): ".. * (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) * قال: وسألني ربي فلم
أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد فوجدت بردها بين ثديي
فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى... وعلمني القرآن فكان
جبرائيل (عليه السلام) يذكرني به " (3).
وتقدم الحديث الشريف " في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم
الأولين " (4).
فيتبين أن الوحي إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان وحيا من قبل الله مباشرة،
ووحي الله لا يكون إلا لدنيا.



1 - تاريخ الخميس: 1 / 313، والشفا: 1 / 202.
2 - تاريخ الخميس: 1 / 313 قصة المعراج.
3 - المواهب اللدنية: 2 / 381 - 382 بحث الاسراء والمعراج - الربع الأخير منه، وسوف
يأتي الحديث بتمامه، ولوامع أنوار الكوكب الدري: 1 / 118.
4 - لوامع أنوار الكوكب الدري: 1 / 117 - 118.
47
* الآية الخامسة قوله تعالى:
* (الرحمن علم القرآن علمه البيان) * (1).
وهي أصرح في الدلالة من الآية السابقة، في كون النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد تعلم
القرآن من الله تعالى لا بتوسط أحد، ومما لا شك فيه أن تعليم الله لا يكون إلا لدنيا.
* الآية السادسة قوله تعالى:
* (وجعلناهم أئمة، وأوحينا إليهم فعل الخيرات) * (2).
فقد ورد انهم المرادون بهذه الآية، كما تقدم في أدلة الولاية التكوينية من
القرآن (3).
منها: ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في قوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة
يهدون بأمرنا) * قال أبو جعفر (عليه السلام): " يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحى إليهم
بالروح في صدورهم " (4).
وهي واضحة الدلالة أن الله تعالى هو الذي يوحي إليهم.
* الآية السابعة قوله تعالى:
* (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الايمان) *.



1 - الرحمن: 1.
2 - الأنبياء: 73.
3 - راجع بحار الأنوار: 24 / 157 - 158 باب انهم خير أمة أخرجت للناس ح 16 - 17 - 19
- 20.
4 - بحار الأنوار: 24 / 158 ح 21.
49
فعن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلم أهو علم يتعلمه العالم
من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟
قال (عليه السلام): " الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قوله تعالى: * (وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) *... بلى قد كان
في حالا لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في
الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي الروح التي يعطيها الله تعالى
من شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم " (1).
وسوف يأتي عدة روايات حول الروح الآمرية.



1 - الكافي: 1 / 273 ح 5 باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة.
50
* الآية الثامنة قوله تعالى:
* (ورحمتي وسعت كل شئ) * (1).
قال الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسيرها: " علم الإمام ووسع علمه الذي هو من
علمه كل شئ " (2).
وهذا أيضا صريح في أن علم الإمام (عليه السلام) من الله تعالى المتعين كونه لدنيا.
* الآية التاسعة قوله تعالى:
* (ولقد آتينا داود وسليمان علما) * (3)
قال بعض المفسرين: ذلك هو الاسم الأعظم تركب من الحروف الواردة في
فواتح السور، وكان مكتوبا على خاتم سليمان بن داود، وبه لان الحديد لداود،
وسخر الجن لسليمان، وطوى الأرض للخضر وبه تعلم العلم اللدني، وبه أوتي عرش
بلقيس، وبه يحيي عيسى الطير (4).
وعن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصته مع وعمار في تحويل الحجر إلى ذهب
فقال (عليه السلام): " ادع الله بي حتى تلين، فإنه اسمي ألان الله الحديد لداود " (5).



1 - الأعراف: 156.
2 - تفسير نور الثقلين: 2 / 781 ح 288 عن الكافي.
3 - النمل: 15.
4 - ينابيع المودة: 402 ط. اسلامبول، و 483 ط. النجف وقم.
5 - مشارق أنوار اليقين: 173.
51
الأحاديث الدالة على العلم اللدني
الأحاديث الدالة على العلم اللدني
منها: ما تقدم في الطائفة السابعة من القسم الثاني من أدلة الولاية التكوينية،
أعني روايات اعطاؤهم علم الكتاب وتفضيلهم على الذين عندهم علم من الكتاب
.
ومنها ما تقدم ضمن تفسير الآيات المتقدمة على العلم اللدني.
وقال الإمام الرضا (عليه السلام): " علمت كل لسان وكل كتاب وما كان وما سيكون
بغير تعلم، وهذا سر الأنبياء أودعه الله فيهم، والأنبياء أودعوه إلى أوصيائهم، ومن
لم يعرف ذلك ويتحققه فليس هو على شئ، ولا قوة إلا بالله " (1).
ومن الروايات أيضا: روايات اعطاء الإمام العلم بواسطة النور، كالمروي
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " ان الإمام يسمع الكلام في بطن أمه... حتى إذا شب رفع
الله له عمودا من نور يرى فيه الدنيا وما فيها، لا يستر عنه منها شئ " (2).
وفي رواية: " إذا أراد علم شئ نظر في ذلك النور فعرفه " (3).
ونحو ذلك من روايات عامود النور الآتية (4).
وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: " ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يقذفه
الله في قلب من يريد الله أن يهديه " (5).
وفي الأثر: " العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه وأنطق به على
لسانهم " (6).



1 - الخرايج والجرايح: 316 الباب التاسع.
2 - بصائر الدرجات: 435 ح 3 باب انه يرى ما بين المشرق والمغرب.
3 - بصائر الدرجات: 440 ح 2.
4 - بصائر الدرجات: 431 إلى 443 عدة أبواب في عرض الأعمال بواسطة العامود.
5 - المحجة البيضاء: 5 / 45 كتاب شرح عجائب القلب.
6 - المصدر السابق.
53
وفي آخر: " ما من عبد إلا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب " (1).
وفي ثالث: " فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه، فيرى ما هو غائب عن
بصره " (2).
وفي الحديث القدسي في وصف الأولياء: " أقبل عليهم بوجهي، أترى من
واجهته بوجهي يعلم أحد أي شئ أريد أن أعطيه، ثم قال عز وجل: أول ما أعطيهم
أن أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم " (3).
ومن روايات العلم اللدني روايات كونهم معدن العلم وورثته (4).
ومنها روايات كون عندهم جميع العلوم (5).
ومنها ما يأتي في الجهة السادسة من علمهم بالكتاب والقرآن، وهو فيه تبيان
كل شئ.
وكذلك روايات علمهم بما كان ويكون، وما شابه من هذه الروايات.
ومنها ما يأتي من علمهم للغيب.
ومنها: ما يأتي في الجهة الرابعة من أن علمهم بإيحاء من الله مباشرة، أو انه
قذف ونقر في القلوب، أو انه تحديث.
فان هذا كله يدل على كون علمهم لدنيا ويأتي توضيح الاستدلال بها في
الترجيح بين الاحتمالات.



1 - المصدر نفسه.
2 - المصدر نفسه.
3 - المحجة البيضاء: 5 / 39 كتاب شرح عجاب القلب.
4 - الكافي: 1 / 221 - 222 باب انهم معدن العلم وورثته.
5 - الكافي: 1 / 255 - 256 باب انهم يعلمون جميع العلوم.
54
الدليل العقلي على العلم اللدني
هذا إضافة إلى الدليل العقلي الدال على علمهم اللدني وذلك بعدة تقاريب:
* التقريب الأول:
العلم الحضوري للإمام أكمل في اللطف
ان إرسال الرسل والأئمة لطف من الله تعالى كما هو مبين في العقائد.
واللطف هو كل ما يبعد العبد عن المعصية، وإن شئت قلت هو ما دعا إلى فعل
الطاعة (1).
وعليه، فأولا: أنه من حسن الظن بالله أن يجعل حججه على أكمل وجه
وأصبغ نعمة، وهذا هو الأنسب مع حكمة الله.
ومعلوم ان العلم اللدني أكمل من الكسبي.
ثانيا: علم الناس بأن علم الإمام لدني حاضرا في كل حال ولكل شئ،
رادع لهم عن ارتكاب المعصية والبعد عنها ومقرب لهم إلى فعل الطاعة، لخوفهم من
تأنيب الإمام لهم على المعصية، ولفرحهم من مدحه لهم على الطاعات.
وفي الروايات ما يؤكد ذلك.
* التقريب الثاني:
العلم اللدني أنفع للأمة
فإن الإمام كلما كان علمه محيطا بكل الأشياء، وعلى أكمل وجه من العلم
والإحاطة، وكأن يعلم بما مضى وما سوف يأتي، وعلمه بخلفيات وأسرار الكلام،
فان كل ذلك يكون أنفع للأمة ولمصالحها الدينية والسياسية والاجتماعية، الفردية
والنوعية.



1 - الذخيرة: 186 باب الكلام في اللطف.
55
لأن الإمام (عليه السلام) بعلمه اللدني لا ينخدع، ولا تحصل عليه المنقصة لاحتياجه
إلى السؤال فيما لو فرض ان علمه غير لدني، ولما علم المنافقين والمخادعين وحيلهم.
وفي التاريخ شواهد جمة ان الإمام أو الخليفة إذا لا يعلم ما في الصدور كيف
ينخدع ويصبح سخرية للرعية. بينما لو كان عالما بخفايا الأمور كيف تجده يبرم
الأمور إبراما.
* التقريب الثالث:
العلم اللدني أكمل للإمام
والعلم اللدني أكمل وأفضل للامام (عليه السلام) وعدمه منقصة، إذ لو لم يكن علمه
لدنيا لوجد من هو أعلم منه، والأعلم أفضل، والإمام يجب أن يكون أعلم
الموجودين وأفضلهم.
على أن العرف والعقل يحكمان بأن الإمام والخليفة يجب أن يكونا أكمل
المخلوقات، ويحكمان أيضا أن العلم اللدني أكمل من الكسبي الحصولي التدريجي.
* التقريب الرابع:
العلم الحصولي علم متغير لا يفيد اليقين
العلم اللدني كما يأتي قريبا علم شريف من الله تعالى يؤدي إلى اليقين بالمعلوم
، أما العلم الحصولي الكسبي فإنه لا يفيد اليقين الجازم بالقضية.
ومعلوم أن العقل يحكم بوجوب كون الاخبار الصادرة عن الإمام (عليه السلام)
أخبارا يقينية، وإلا لما أفاد الاطمئنان عند الناس، ولما وجب التصديق به.

56
الفرق بين العلم اللدني والحصولي
الفرق بين العلم اللدني الحضوري والكسبي الحصولي
للعلم بالأشياء طريقان: أن يتوصل إلى الشئ بواسطة الخواص والعوارض
أو الشبح والظل وآثار الأشياء ولوازمها، وهذا يسمى بالعلم الحصولي.
وهناك طريق آخر وهو أن يتوصل للشئ من خلال معرفة مبادئه وأسبابه،
وهذا ما يسمى بالعلم الحضوري أو اللدني، والذي من آثاره هو الاطلاع على
أسرار وغيب العالم، كما حصل مع الخضر وموسى (عليهما السلام).
قال المتأله السبزواري في اللآلي: العلم حصولي وحضوري، والحصولي هو
الصورة الحاصلة من الشئ عند العقل.
والحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته ونقشه، كعلم المجرد
بذاته، أو بمعلوله كعلم الحق تعالى بمعلولاته عند المحققين، وليس بتصور ولا بتصديق
لأن مقسمهما العلم الحصولي) (1).
وقال العلامة الطباطبائي: (وللرواية " من عرف نفسه عرف ربه " معنى آخر
أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس، وهو ان النظر في الآيات
الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي، بخلاف النظر في
النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها فإنه نظر شهودي وعلم
حضوري.
والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلى نظم الأقيسة واستعمال البرهان، وهو
باق ما دام الانسان متوجها إلى مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها، ولذلك
يزول العلم بزوال الاشراف على دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الاختلاف.
وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان،



1 - عيون مسائل النفس: 519.
57
فإذا اشتغل الانسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في
جميع أطوار وجودها، وجد أمرا عجيبا، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء
متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها
وسائر صفاتها وأفعالها، بما لا يناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجود
والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال) (1).
وقال صدر المتألهين في شرح أصول الكافي (شرح الحديث العاشر):
(اعلم أن العلم بالأشياء الجزئية على وجهين:
أحدهما: ان يعلم الأشياء من الأشياء، بحس أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة
أو اجتهاد، ومثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط،
فإنه يلزم ان يعلم في زمان وجودها علما، وقبل وجودها علما آخر، ثم بعده علما
آخر.
فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما، كالكسوف مثلا حين وجوده يجيب
بجواب فيقول مثلا: انكسفت الشمس، وإذا سئل عنه قبل حدوثه يجيب بجواب آخر
فيقول: سيكون الكسوف، ثم إذا سئل بعده فيقول: قد كان الكسوف. فعلمه بشئ
واحد تارة كان وتارة كائن وتارة سيكون، فيتغير علمه.
ومثل هذا العلم الانفعالي متغير فاسد ليس بيقين إذ العلم اليقيني ما لا يتغير
أصلا.
وثانيهما: أن لا يعلم الأشياء من الأشياء، بل يعلم بمباديها وأسبابها، فيعلم
أوائل الوجود وثوانيها، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الجزئيات، علما واحدا وعقلا
بسيطا محيطا بكليات الأشياء، وجزئياتها على وجه عقلي غير متغير، فمن عرف
المبدأ الأول بصفاته اللازمة وعرف انه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود
عرف أوائل الموجودات عنه، وما يتولد عنها على الترتيب السببي والمسببي، كما



1 - تفسير الميزان: 6 / 171 - 172 مورد آية 105 من المائدة - البحث الروائي.
58
يتولد مراتب العدد من الواحد على الترتيب، وما من شئ من الأشياء يوجد إلا
وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه وسبب سببه إلى أن ينتهي إليه تعالى.
فيكون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية) (1).
فتحصل: ان العلم الحصولي الكسبي علم بظواهر الأشياء وجزئياتها من
طريق نفس الأشياء يتغير ولا يفيد اليقين، وهذا العلم يتنزه عنه الأولياء فضلا عن
آل محمد (عليهم السلام).
وان العلم الشهودي الحضوري علم بواقع الأشياء وأسبابها - والذي يغني
عن العلم بجزئياتها - وانه هو علم الأولياء فضلا عن أولي الأمر من آل محمد (عليهم السلام).
وآثار هذا العلم إضافة إلى أنها شهودية لعين الواقع وصقع الأمر، أنه يؤهل
العالم به أن يطلع على أسرار الكون والملكوت، ويعطيه الأهلية لقدرة التصرف فيه،
منتظرا منح القدرة من الله العزيز المتعال.
قال الإمام الغزالي بعد تعريف الوحي والإلهام والعلم الحاصل منهما: (والعلم
الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا،
والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري، وانما هو
كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف، وذلك أن العلوم كلها
حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى، الذي هو في الجواهر المفارقة
الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم (عليه السلام).
وقد بين ان العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من
النفس الكلية، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات، فمن إفاضة
العقل الكلي يتولد الإلهام (كذا - والصحيح الوحي) ومن اشراق النفس الكلية
يتولد الإلهام، فالوحي حلية الأنبياء، والإلهام زينة الأولياء (2).



1 - شرح أصول الكافي: 206 ط. الرحلي.
2 - رسائل الإمام الغزالي - الرسالة اللدنية: 3 / 70 ط دار الكتب العلمية، وراجع جامع
الأسرار: 449 ح 905.
59
وقال القسطلاني: والعلم اللدني الرحماني هو ثمرة العبودية والمتابعة لهذا النبي
الكريم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، وبه يحصل الفهم في الكتاب والسنة بأمر
يختص به صاحبه، كما قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد سئل: هل خصكم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بشئ دون الناس؟
فقال: " لا، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه " (1).
وقال الفيض الكاشاني: وليعلم ان علوم الأئمة (عليهم السلام) ليست اجتهادية ولا
سمعية أخذوها من جهة الحواس، بل لدنية أخذوها من الله سبحانه ببركة متابعة
النبي (صلى الله عليه وآله) (2).



1 - المواهب اللدنية: 2 / 493 في وجوب محبته واتباع سنته - الفصل الأول، والحديث في
المحجة البيضاء: 5 / 43.
2 - الأصول الأصيلة: 30 - 31 الأصل الثاني - وصل -.
60
العلم الإرادي
الاحتمال الثالث: ان علم آل محمد (عليهم السلام) علم إرادي.
ويراد به ان علم آل محمد (صلى الله عليه وآله) متوقفا على إرادتهم لهذا العلم متى احتاجوا
إليه، وهذا ليس علما كسبيا لأنه لا يحتاج إلى التكسب، وليس علما للأشياء من
الأشياء، انما هو علم منوط بإرادة ومشيئة كل إمام، وهذا هو فرقه عن العلم اللدني
إذ ليس علم الإمام حاضرا في كل آن آن.
ويدل على هذا الاحتمال عدة روايات:
منها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ان الإمام (عليه السلام) إذا شاء أن يعلم اعلم " (1).
وفي رواية: " إذا شاء أن يعلم علم " (2).
وفي ثالثة عن عمار الساباطي: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام يعلم الغيب
؟
فقال: " لا، ولكن إذا أراد أن يعلم الشئ أعلمه الله ذلك " (3).
ونحوها ذلك من الروايات (4).
وقد تقدم في الكتاب الأول روايات: " قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء
شئنا " (5).
الخالية عن باب العلم.



1 - أصول الكافي: 1 / 258 باب انهم إذا شاؤوا اعلموا ح 2.
2 - بصائر الدرجات: 315 باب انه ان شاء علم ح 2.
3 - الكافي: 1 / 257 ح 4 باب نادر في الغيب، وبصائر الدرجات: 315 ح 4، وبحار الأنوار:
26 / 57 ح 119.
4 - بحار الأنوار: 26 / 56 - 57 ح 116 وما بعده.
5 - الهداية الكبرى: 359 باب 14.
61
* تمحيص الاحتمالات
اما الاحتمال الأول: فأولا يكفي لسقوطه معارضة الاحتمال الثاني والثالث له
بل ونفيه.
ثانيا: تقدم في الدليل العقلي أن العلم الكسبي لا يليق بالامام المعصوم
المفترض الطاعة، بل قد يعد نقصا، وذلك لعدم افادته اليقين القطعي.
ثالثا: لا يتناسب مع حالات آل محمد المختلفة زمانا ومكانا، ذلك أن العلم
الكسبي يحتاج إلى الزمان والمكان، بل هو خاضع في كثرته وقلته لهما، فالزمان الذي
قضاه أمير المؤمنين في التعلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من القرآن أكثر من الزمان
الذي قضاه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وهكذا في باقي الأئمة (عليهم السلام)، والمسألة أوضح في
خاتم الأئمة الحجة القائم (عليه السلام).
فروايات الازدياد ان كان المراد منها زيادة التكسب، فإنها تجعل التفاوت
بين علم النبي والأئمة (عليهم السلام) أو هم فيما بينهم، وتقدم انهم سواء.
على أن ذلك ينافي أصل علم الأئمة (عليهم السلام) حيث إن بعض الأئمة - على الأقل -
كان منذ صغره يعلم علم ما كان وما يكون، كما روي عن حذيفة قال: سمعت
الحسين ابن علي (عليهما السلام) يقول: " والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر
بن سعد، وذلك في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ".
فقلت له: أنبأك بهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال (عليه السلام): " لا ".
قال: فأتيت النبي فأخبرته.
فقال (صلى الله عليه وآله): " علمي علمه وعلمه علمي، لأنا نعلم الكائن قبل كينونته " (1).
والروايات كثيرة في ذلك يأتي بعضها.
وعليه: فروايات الازدياد لابد أن تفسر:



1 - بحار الأنوار: 44 / 186.
63
اما بأن الإمام يريد أن يبين ارتباطه بالله أو بالعرش - على حسب لسانها -
وان علمه من علم الله تعالى.
واما يريد (عليه السلام) أن يخبر عن حالاته الغيبية مع الله تعالى ولقائه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وعن عروجه إلى العرش.
واما كون الإمام في مجلس لا يستطيع أن يصرح بأكثر من ذلك اما للتقية واما
لتفاوت أصحابه - كما يأتي توضيحه -.
هذا، ويمكن من بعض ألسنتها جعلها دليلا على العلم اللدني، وذلك أن
الازدياد يرجع في الواقع إلى العطاء المباشر من الله تعالى، خاصة في الرواية التي
عبرت عن العلم المستفاد " بالعلم الخاص المكنون العجيب ".
نعم تبقى مسألة تكرار العروج إلى الله للازدياد وأنه كل ليلة جمعة، الذي
ظاهره التعلم التدريجي، ولكن يجاب عنه بما تقدم أنه للتأكيد على ارتباط آل
محمد (عليهم السلام) بالعرش وأن علمهم من الله تعالى مباشرة.
على أنه لو صح لكان غير مضر، لان العروج وان كان ظاهره التدرج، إلا
أنه في النهاية علم من الله تعالى وعلم الله ليس كسبيا.
وأما روايات أمير المؤمنين (عليه السلام): " علمني رسول الله ألف باب " فإنها كانت
في مقام تبيين انه أعلم من الخلفاء، وانه أقرب منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وكان يغذيه
بالعلم.
واما تحمل على عدم تحمل الناس لأكثر من ذلك، خاصة وان أمير
المؤمنين (عليه السلام) مع كل هذه التصريحات وان علمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ادعوا له
الربوبية.
هذا ويمكن تفسير هذه الروايات لتدل على العلم اللدني أيضا، وإليه أشار
الإمام الغزالي، قال: (وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) " ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدخل لسانه
في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم وفتح لي من كل باب ألف باب ".
وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم، بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم
اللدني، وكذا قال (عليه السلام) لما حكى عن عهد موسى (عليه السلام) ان شرح كتابه كان أربعين

64
حملا: " لو اذن الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) لأشرح في شرح الفاتحة حتى يبلغ أربعين
وقرا ".
قال: وهذه الكثرة والسعة والافتتاح في العلم لا يكون إلا من لدن إلهي
سماوي) (1).
خاصة بعد ملاحظة انه ورد الحديث ومن طرق بلفظ: " علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عليا حرفا يفتح ألف حرف كل حرف منها يفتح ألف حرف " (2).
وفي رواية: " علم رسول الله عليا كلمة تفتح ألف كلمة " (3).
فهذا يدل على أنه ليس حصوليا.
اما الاحتمال الثالث: فإنه يكفي ما تقدم من أدلة في الاحتمال الثاني لرده أو
تأويله وذلك:
ان آل محمد (عليهم السلام) وبسبب الغلو فيهم أو بسبب الحفاظ على شيعتهم، لم
يكونوا يصرحون بكل العلوم التي كانوا يعلمونها إلا في المجالس الخاصة، كما تقدم
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: " علينا عين ".
فقلنا: ليس علينا عين.
فقال: " ورب الكعبة ورب البنية لو كنت بين الخضر وموسى لأخبرتهما اني
أعلم منهما ولأنبئهما بما ليس في أيديهما " (4).
وفي رواية طويلة تقدم طرفها قال فيها الإمام الصادق (عليه السلام): " يا عجبا
لأقوام يزعمون انا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله، لقد هممت بضرب جاريتي
فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي ".



1 - مجموعة رسائل الغزالي - الرسالة اللدنية: 3 / 70 - 71 وفيه تفاوت بسيط مع المتن،
والطرائف: 1 / 136 ح 215 واللفظ له، وسعد السعود: 284 (ذيل الكتاب).
2 - الاختصاص: 12 / 285 جهات علومهم.
3 - الاختصاص: 12 / 285 جهات علومهم.
4 - الكافي: 1 / 261 ح 1 باب انهم يعلمون ما يكون.
65
قال سدير: فلما ان قام عن مجلسه صار في منزله وأعلمت دخلت أنا وأبو
بصير وميسر وقلنا له: جعلنا الله فداك سمعناك أنت تقول كذا وكذا في أمر خادمتك،
ونحن نزعم انك تعلم علما كثيرا، ولا ننسبك إلى علم الغيب (1).
وذكر لهم الحديث المتقدم في مطلع الطائفة السابعة من القسم الثاني من الأدلة
التكوينية، كيف انه يعلم الكتاب كله وانه أعلم من آصف.
وفي رواية قال (عليه السلام): " اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما
في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون ".
قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه.
فقال: " علمت ذلك من كتاب الله " (2).
ونحو ذلك من الروايات كثير (3).
هذا ويكمن أن يقال: أن روايات توقف علم الإمام على المشيئة ترجع إلى
الاحتمال الثاني أيضا، لأنها ليست في صدد نفي العلم اللدني للإمام ولا سلب العلم
عن الإمام في بعض الأزمنة، انما هي بصدد تبيين غزارة علمهم وانه لا يخفى عليهم
شئ في السماوات والأرض، وانهم يعلمون كل شئ متى أرادوا.
وإن شئت قلت: آل محمد في عيش دائم مع الله، وإرادتهم دوما مع الله تعالى،
ولا تفكر إلا بالله وآياته وعباداته، فلا بد للإمام أن لا يخرج عن هذا العيش إلا
للضرورة - كما تقدم - فإذا احتاج إلى علم ما لحل خصومة أو نحو ذلك استدعى
علمه المخزون بإرادته ومشيئته.
وهذا لا يستلزم النقص، لأنه انما غاب عن هذه العلوم (علوم تصريف
الأمور) للانشغال بعلوم أفضل وأشرف، لأن عيش الإمام مع الله هو التفكر في
آياته وعلم الله والعلم بصفاته وأسمائه، وهذا أشرف العلوم وأكملها.



1 - بصائر الدرجات: 230 ح 5.
2 - الكافي: 1 / 261 ح، وبصائر الدرجات: 128.
3 - راجع بصائر الدرجات: 128 باب علمهم بما في السماوات.
66
وعليه: فهذا تفصيل بين علمين للامام: علم لا ينفك عن الإمام، وهو العلم
الشريف بالله وبآياته، وليس مربوطا بالإرادة بل إرادة الإمام كلها متجهة لهذا
العلم تستدعيه في كل آن آن، وتعيشه لحظة بعد أخرى.
وعلم لا يرتبط بهذا الأمر، بل يرتبط بتصريف أمور الملك والخلافة لعامة
الناس، فان هذا العلم يستدعيه الإمام وقت الحاجة، وهو المتوقف على الإرادة
بهذا المعنى.
على أن توقف علم الإمام على الإرادة إذا فسر بما لا يرجع للعلم اللدني، فإنه
يستلزم النقص على الإمام، لأنه في حالة عدم إرادته للعلم يكون جاهلا والعياذ
بالله، ويكون غيره في تلك الفترة أعلم منه، ولو بالنسبة، فتأمل.
أو لا أقل يوجب عدم الكمال، ذلك لما تقدم من أدلة عقلية على العلم اللدني
وأنه أكمل للامام وأقرب للطف.

67
شبهات حول العلم اللدني
* شبهات حول العلم اللدني
اعترض على العلم اللدني لآل محمد (صلى الله عليه وآله) ببعض الآيات والروايات.
أما الآيات، فبقوله تعالى:
1 - * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * * (لو كنت أعلم الغيب
لاستكثرت من الخير) * * (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا
أقول لكم اني ملك ان اتبع ما يوحى إلي) * * (قل لا يعلم من في السماوات والأرض
الغيب إلا هو) * (1) * (لا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء) * (2).
2 - * (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) * (3).
3 - * (ومن حولك من الأعراب رجال منافقون ومن أهل المدينة مردوا على
النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) * (4).
4 - * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) * (5).
5 - * (قل انما أنا بشر مثلكم يوحى إلي انما إلهكم إله واحد) * (6).
6 - * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * (7) * (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن
يقضى إليك وحيه) * (8).
ومن الروايات:
1 - ما تقدم من قول الإمام الصادق (عليه السلام): يا عجبا لأقوام يزعمون انا نعلم
الغيب. ونحوها من الروايات النافية للغيب.



1 - الأنعام: 59، والأعراف: 188، والأنعام: 50، والنمل 65.
2 - يونس: 39.
3 - الأعلى: 6.
4 - التوبة: 101.
5 - الشورى: 52.
6 - الكهف: 110، فصلت: 6.
7 - القيامة: 16.
8 - طه: 114.
69
2 - ما ورد في سهو النبي (صلى الله عليه وآله) ونومه عن صلاة الصبح.
3 - ما ورد في اقدامهم على القتل وشرب السم.
4 - ما ورد في نفي الغلو عنهم وتقريع القائل به.
5 - ما ورد في أفعال الأئمة الظاهرية كبقية الناس.
رد الشبهات
اما الآيات: فيجاب عن الجميع أولا: بأن هناك كثير من الآيات القرآنية
نزلت من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة) سواء التي ذكرت في باب العلم كالمتقدم
منها، أم التي وردت في مختلف المواضيع، وإليك نموذجا منها:
قوله تعالى: * (انا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * (1).
ونقطع ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحده على الهدى والكفار على الضلال، كما بينته
كثير من الآيات.
إلا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد مجاراة الكفار لمصلحة ما.
وقوله تعالى: * (ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * (2).
ولا يشك مؤمن ان النبي (صلى الله عليه وآله) يدري ما يفعل به بل الآيات الأخرى
مصرحة بذلك، ونحن ندري ما يفعل بهم أيضا.
وقوله تعالى: * (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون
الكتاب من قبلك) * (3).
ولا يتوهم مسلم ان النبي (صلى الله عليه وآله) شك في يوم من الأيام، وأين قوله تعالى: * (
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) * (4).



1 - سبأ: 24.
2 - الأحقاف: 9.
3 - يونس: 94.
4 - الفتح: 28.
70
ثانيا: فرق بين النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبين آل محمد (عليهم السلام) وذلك لكون زمن
النبي (صلى الله عليه وآله) زمن تأسيس الاسلام وتركيز دعائمه الأساسية وهم قريبوا عهد
بالجاهلية، ويدل عليه ما روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: " ان علي بن
الحسين (عليهما السلام) كان يقرأ القرآن فربما مر المار فصعق من حسن صوته، وان الإمام لو
أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس ".
قيل له: ألم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟.
فقال (عليه السلام): " ان رسول الله كان يتحمل من خلفه ما يطيقونه " (1).
ورواه الكليني بسند آخر (2).
* ويجاب عن الآيات الأولى النافية لعلم الغيب: بأنه لا يراد اثبات علم
الغيب لآل محمد (عليهم السلام) بالاستقلال أو بعرض علم الله تعالى الغيبي، فان المنفي من
الآيات هو علم الغيب الذي يكون بعرض علم الله تعالى، لذا قال تعالى: * (عالم
الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول) * (3).
وقال: * (لا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء) * (4).
فالآيات لا تنفي أن يمنح ويمن الله عز وجل بعلمه كله أو بعضه على من يشاء
كيفما يشاء وأينما يشاء، انما هي تنفي الغيب الذي يؤدي بصاحبه إلى الألوهية أو
الشريك لله.
وتقدم الكلام في ذلك في الكتاب الأول في الولاية التكوينية.
وسوف يأتي زيادة توضيح عند ذكر الآيات الدالة على علم للنبي
الأعظم (صلى الله عليه وآله) للغيب.
* ويجاب عن الآية الثانية: انها عامة لكل الناس انما خوطب النبي بها لأنه
القارئ الأول للقرآن، والمعني بمسألة القرآن أكثر من غيره، وإلا فرسول الله مطهر



1 - بحار الأنوار: 46 / 69 عن الاحتجاج.
2 - الكافي: 2 / 615 باب ترتيل القرآن ح 4.
3 - الجن: 26 - 27.
4 - يونس: 39.
71
من هذه النواقص بآية التطهير.
على أن الآية تثبت عدم نسيان النبي للقرآن، والاستثناء ليس اثبات لنسيانه
انما هو لبقاء قدرة الله على اطلاقها، نظير قوله تعالى في أهل الجنة: * (خالدين فيها ما
دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) * (1).
* ويجاب عن الآية الثالثة: بحملها على أن النبي (صلى الله عليه وآله) بالاستقلال لا يعلم
المنافقين، فالله يريد أن ينفي علم النبي بالمنافقين بعرض علمه تعالى، اما ان الله
أعلمه بأسمائهم فالآية لا تنفيه، بل هو مثبت بآيات أخرى وأحاديث متعددة،
وكيف لا يعلم النبي (صلى الله عليه وآله) بالمنافقين، وكان يعلم خبر السماء والأرض؟!
وكيف لا يعلمهم وكان بعض صحابته يعلمهم كما هو معروف عن حذيفة (2)
؟!
هذا إضافة إلى تصريح أهل البيت (عليهم السلام) بعلمهم التفصيلي للمنافقين ظاهرهم
وباطنهم (3).
ومعلوم ان ما علمه الأئمة (عليهم السلام) علمه الرسول (صلى الله عليه وآله) بالأولوية وقد تقدم
قريبا أن علمه علمهم (عليهم السلام).
* ويجاب عن الآية الرابعة: بأنها واضحة في إرادة التفريق بين حالتين،
الحالة الأولى قبل إعطاء الله الروح الآمرية، والحالة الثانية بعد هذا العطاء، لذا جاء
قوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * قبل هذه الآية.
نعم الآية لا تشير إلى زمن اعطائه الروح الآمرية قبل النبوة أم بعدها وتقدم
مفصلا أنها قبل النبوة، بل في عالم الأنوار والأظلة.
ويجاب عن الآية الخامسة: أنها متعلقة بقول الكافرين: * (قلوبنا في أكنة مما
تدعونا إليه وفي آذاننا وقر) * فكأن الكفار حاولوا أن يعتذروا من الايمان بأننا لا



1 - هود: 108.
2 - الغدير: 5 / 60، وكنز العمال: 13 / 160 ح 36492.
3 - الكافي: 1 / 223 باب انهم ورثوا النبي ح 1.
72
نفهم ما تقول، فجاء الجواب: انما أنا بشر، أتكلم بنفس الكلام الذي تتكلمون فيه
وبنفس المنطق، وما أخبركم به ليس من عندي انما هو من عند الله تعالى.
وكونه بشرا لا ينافي اعطائه العلم اللدني، لذا كان أمير المؤمنين يصرح بذلك
فيقول: " أنا بشر مثلكم أجرى الله على يدي المعاجز " (1).
* ويجاب عن الآية السادسة: بما فسرها الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله: * (لا
تحرك به لسانك لتعجل به) * فالذي أبداه فهو للناس كافة، والذي لم يحرك به لسانا
أمر الله تعالى أن يخصنا به دون غيرنا، فلذلك كان يناجي به أخاه عليا دون
أصحابه " (2).
فتكون الآية مؤيدة للعلم اللدني لا نافية له.
قال الشيخ الطبرسي في الآية: لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كررها
عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة، ألهاهم حب العاجلة فاحتاجوا
إلى زيادة تنبيه وتقرير (3).
على أن الآية ظاهرة في علم النبي (صلى الله عليه وآله) للقرآن قبل تعليم جبرائيل له، كما
يأتي تفصيله في آية: * (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) * (4).
في الترجيح بين الطوائف العشرة فارتقب (5).
* اما الروايات:
فالرواية الأولى وأمثالها النافية لعلمهم للغيب واضحة انها كانت تريد أن ترد
على الغلاة، فهم ينفون الغيب المساوق للغلو، لا علم الغيب الذي يكون من الله
تعالى.



1 - الفضائل لابن شاذان: 72.
2 - دلائل الإمامة: 105 معجزات الإمام الباقر.
3 - مجمع البيان: 10 / 603 مورد الآية - القيامة: 16.
4 - طه: 114.
5 - صفحة: 115.
73
على أن الروايات هذه تحمل - كما تقدم - على اختلاف مستوى الصحابة، فلم
يكونوا يستطيعون التصريح بكل ما يعلمون، وقد تقدم توضيح ذلك قريبا.
- اما الطائفة الثانية: وهي روايات نسيان النبي ونومه عن صلاة الصبح،
فردها من أمور:
أولا: ان هذه الروايات وان كان بعضها مرضي السند، إلا أن القطع بصحتها
مشكل، مع ما ورد من طوائف من الروايات تؤكد عصمة آل محمد عن الخطأ،
وتثبت لهم العلم بكل الأحكام الشرعية، وان علمهم سواء فيه، ولا تستثنى
النسيان لمصلحة ما، كالتعليم وعدم الغلو وما شابه ذلك من أسباب النسيان.
ثانيا: اثبات النسيان للنبي (صلى الله عليه وآله) أو لآل محمد (عليهم السلام) ينافي مضمون آية
التطهير وآية: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فمن أثبت النسيان
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أثبته على الوحي الموحي إليه من الله تعالى بنص هذه الآية.
ثالثا: إثبات النسيان أو ترك الصلاة الواجبة فيه نوع شين ونقص عند العرف
العام والخاص، فأهل الصلاة في كل عصر ومكان إذا ناموا عن صلاة الصبح
يعتبرون أنفسهم مذنبين مقصرين، ويستغفروا الله ويعتبروا ان الشيطان بال في
آذانهم - كما في بعض الروايات - (1).
وإذا سئل البعض يحاول اخفاء هذا الأمر حياء لما فيه من المنقصة والمهانة
بترك الواجب، وهذا شئ مسلم، ومن ينكر ذلك فعليه أن يجرب وينام عن صلاته
ثم يعرضها أمام الناس.
فكيف يريدونا أن نتعقل ذلك في نبينا نبي الهدى وآل بيته الأطهار المصطفين
الأخيار.
ولمن أراد مزيد بيان فليراجع رسالة الشيخ المفيد (قده) في عدم سهو



1 - رشفة الصادي: 302 الخاتمة (بتحقيقنا).
74
النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
رابعا: إن اثبات السهو أو الاسهاء يبطل نبوة النبي الأعظم وإمامة الأئمة
الطاهرين (عليهم السلام)، ذلك أن النبي والإمام يجب أن يكون أفضل وأعلم الموجودين في
كل أمر أمر وفي طيلة نبوته وإمامته، ولو وجد من هو أفضل منه للحظة واحدة،
لوجب عقلا وشرعا أن يكون هو النبي والإمام دونه. وعليه فإذا ثبت السهو على
النبي والإمام (عليهما السلام) فإنه في تلك الفترة الزمنية غيره أفضل منه في صلاته مثلا، لعدم
صدق السهو في حقه.
ان قيل: المعتبر في الأفضلية على نحو المجموع.
قلنا: إن تعقلنا ذلك في غير المعصوم، فانا لا نحتمله فيه (عليه السلام)، ذلك لما حققناه
مفصلا في النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)، من أن الأفضل أفضل في كل شئ، ففي
العلم يجب أن يكون أعلم الناس، وفي الفقه أفقه الناس، وفي السياسة أسيس
الناس، وفي القضاء أقضى الناس، وهكذا في بقية صفات التفاضل، كما يأتي مفصلا.
* وقد سمعت من بعض مراجع التقليد انه كان يتوقف في استمرار مرجعيته
على الناس فيما لو دخل في الغيبوبة أو الاغماء المتعمد منه، كمرحلة العلاج وغير
المتعمد. مع أن العرف قد يتساهل في هذه اللحظات.
خامسا: مسألة الاسهاء وهي ان النبي (صلى الله عليه وآله) لا يسهو، ولكن الله بقدرته
أسهاه، فهي وان كانت أقل محذور من السهو، إلا أنها أيضا بالنتيجة تؤدي لان
يكون النبي (صلى الله عليه وآله) نام عن صلاته الواجبة، واحتاج إلى من يذكره في صلاته.
على أن الله عزت آلاؤه كيف يتعقل انه من أجل نفي الغلو عن النبي أو من
أجل مصلحة التشريع، يفرض على نبيه (صلى الله عليه وآله) المختار أفضل المخلوقين ترك واجب
يورث عليه النقص أو لا أقل عدم الكمال، ويعد عند الناس من المعاصي الكبيرة،



1 - رسالة في عدم سهو النبي: 10 / 17 من مصنفات الشيخ المفيد.
2 - في الكتاب الرابع.
75
وهل يعبد الله من حيث يعصى!؟
سادسا: ان الإمام لا يحتاج إلى أحد، بل كل الناس محتاجة إليه، سواء في
الأمور الدينية أم الدنيوية، أما الدينية فلوضوح اشتراط الاخلاص في الأعمال
العبادية خاصة من آل محمد (عليهم السلام)، وقد حكم البعض ببطلان الوضوء إذا كان
بمساعدة الغير.
واما الدنيوية فللنهي الوارد من أهل البيت (عليهم السلام) في الاعتماد على غير الله،
لأن الاستعانة بالغير في الأمور الدنيوية تنافي التوكل على الله من أئمة المسلمين.
على أن الحاجة للناس تجعل صاحب الحاجة مفضولا في مقابل الفاعل.
وقد أنبى الله نبيه يوسف (عليه السلام) عندما قال لرفيق سجنه: * (اذكرني عند
ربك) * (1) أي سيدك.
هذا وقال الإمام الصادق (عليه السلام): " ان عندنا ما لا نحتاج إلى الناس وان الناس
ليحتاجون إلينا " (2).
وعليه فإذا قلنا بسهو أو اسهاء النبي والإمام لاحتاجا إلى من يذكرهما
بصلاتهما وأفعالهما، ولذهب الوثوق بصحة صلاتهما، لاحتمال أن كل صلاة يؤدينها
يحتمل فيها السهو والغلط، وكفى بذلك منقصة أو عدم كمال.
سابعا: أنه وردت روايات كثيرة ان الإمام لا يسهو ولا ينسى، كالمروي عن
الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): والإمام المستحق للإمامة له
علامات: فمنها أن يعلم انه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في
الفتيا، ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى " (3).
ثامنا: اثبات السهو على الإمام يعني عدم علم الإمام بما يأتي به، وهو ينافي



1 - يوسف: 42.
2 - الكافي: 1 / 242 ح 6 باب ذكر الصحيفة والجفر.
3 - بحار الأنوار: 25 / 164 باب جامع في صفات الإمام من كتاب الإمامة: ح 32.
76
ما تقدم وما يأتي من سعة علمه وشموله لكل شئ، وما ورد من روايات تثبت
السهو لا تقوم في مقابل تلك الروايات المستفيضة.
- اما الرواية الثالثة: وهي روايات اقدامهم على القتل وتناول السم، وهذا لا
ينافي علمهم اللدني، إذ وردت طائفة من الروايات تثبت علمهم الاجمالي
والتفصيلي بموتهم (1)، وسوف نذكر بعضها في الخاتمة.
بل هو يؤكد علمهم اللدني، نعم يبقى محذور اقدامهم مع العلم، وجوابه
الاجمالي انهم كانوا يخيرون بين البقاء في عالم المادة والهداية، وبين العروج إلى
القرب المطلق من الله.
وإن شئت قلت: بين الصعود والنزول، فكانوا يختارون العروج والصعود إلى
القرب المطلق، لأنه أقرب إلى واقعهم وحالاتهم.
ولك أن تدعي ان مهمة الإمام المعصوم كانت هداية البشر - وتقدم ان سبب
نزولهم إلى عالم المادة هو ذلك -، فلما انتهت مهمة هذا الإمام اما بانتهاء مرحلته واما
لفسح المجال أمام الإمام اللاحق، ليكمل مهمته ويعود إلى حيث أتى.
على أن الموت قد خط على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، فلا محال
سوف تأتي اللحظة لانتقال الإمام من حياته الدنيوية، انما الخلاف في زمانها، فيكون
الإمام المعصوم ولتلطف الله به قد أعطي اختيار زمان العروج.
وسوف يأتي في الخاتمة تفصيل الكلام في علم الإمام المعصوم بموته (عليه السلام) ورد
الشبهات فلا تغفل.
- اما الرواية الرابعة: وهي نفي الغلو وتقريع صاحبه، فهي تجري مجرى
الرواية الأولى، إذ من الطبيعي أن تكثر الرواية ضد من يدعي الربوبية لآل
محمد (عليهم السلام)، والعلم اللدني ليس فيه ادعاء الربوبية، بل انما قال به من قال لتنزيه آل



1 - أصول الكافي: 1 / 260 - 258، وبصائر الدرجات: 481 - 484، وبحار الأنوار:
48 / 236 - 242 و: 25 / 136.
77
محمد عن النقص، مع اعترافه انهم عباد الله تعالى، وانه هو الذي أعطاهم هذا العلم
الرباني.
- اما الرواية الخامسة: وهي روايات تعاملهم مع الناس كأنهم منهم، فهذا من
باب تواضعهم مع الناس، ومن باب عدم ادعاء الربوبية لهم أيضا.
على أن بعض التصرفات كانت واردة مورد التقية، أو لاختلاف مستوى
صحابتهم كما تقدم مرارا.
منبع ومصدر حصول علم آل محمد (عليهم السلام)
الجهة الرابعة:
منبع ومصدر حصول علم آل محمد (عليهم السلام)
والروايات في ذلك على عدة ألسنة ظاهر أكثرها التنافي وينظمها طوائف:
* الطائفة الأولى:
ما دل أن مصدر علمهم القرآن والكتاب
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " والله اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض،
وما في الجنة وما في النار، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، ثم قال: اعلمه
من كتاب انظر إليه هكذا، ثم بسط كفيه ثم قال: إن الله يقول: * (انا أنزلنا إليك
الكتاب فيه تبيان كل شئ) * (1).
وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): " اني لأعلم ما في السماوات وأعلم ما كان وما
يكون ".
ثم مكث هنيئة، فرأى أن ذلك كبر على من سمعه فقال (عليه السلام): " علمته من
كتاب الله، ان الله يقول * (فيه تبيان كل شئ) * " (2).



1 - بصائر الدرجات: 127 باب علمهم بما في السماوات ح 2.
2 - بصائر الدرجات: 128 باب علمهم بما في السماوات ح 5.
79
وتقدم نحو هذه الروايات.
* أقول: سوف يأتي في الطائفة الخامسة ان عندهم الجامعة، وفيها كل ما
يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة، وأن عندهم مصحف فاطمة (1).
وفي رواية عنها (عليها السلام): وليس من قضية إلا وهي فيها (2).



1 - الإرشاد: 2 / 186.
2 - الكافي: 1 / 241 ح 5.
80
* الطائفة الثانية:
ان علمهم من ليلة القدر
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث جاء فيه: " فإذا كانت ليلة ثلاثة وعشرين
فيها يفرق كل أمر حكيم، ثم ينهى ذلك ويمضي ".
قلت: إلى من؟
قال: " إلى صاحبكم، ولولا ذلك لم يعلم ما يكون في تلك السنة " (1).
وعنه (عليه السلام) قال: " ان الله يقضي فيها مقادير تلك السنة ثم يقذف به إلى
الأرض ".
فقلت: إلى من؟
فقال لي: " من ترى يا عاجز " (2).
وفي رواية: " كتب الله فيها ما يكون " (3).
ونحو ذلك من الروايات (4).



1 - بصائر الدرجات: 222 ح 11 و 220 ح 3 باب ما يلقى إليهم في ليلة القدر.
2 - بصائر الدرجات: 221 ح 10.
3 - بصائر الدرجات: 221 ح 7.
4 - بصائر الدرجات: 220 إلى 225.
81
* الطائفة الثالثة:
ان علمهم من عامود النور
فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): " ان لله عامودا من نور حجبه الله عن جميع
الخلائق طرفه عند الله وطرفه الآخر في اذن الإمام، فإذا أراد الله شيئا أوحاه في إذن
الإمام " (1).
وفي رواية إذا أراد الإمام (2).
وفي حديث: " إذا شب (الإمام) رفع الله له عمودا من نور يرى فيه الدنيا وما
فيها لا يستر عنه منها شئ " (3).
وعن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام): " إذا ولد رفع له عامود من نور في
كل مكان ينظر فيه الخلائق وأعمالهم " (4).
وفي أخرى: " إذا وقع إلى الأرض رفع له عامود من نور يرى به أعمال
العباد " (5).
* أقول: والروايات بنحو ذلك كثيرة فلتراجع (6).



1 - بحار الأنوار: 26 / 134 باب رفع العامود للإمام ح 9.
2 - البحار: 26 / 134 ح 10.
3 - بحار الأنوار: 26 / 133 ح 2.
4 - الهداية الكبرى: 354 باب 14.
5 - الهداية الكبرى: 240 باب 7.
6 - بحار الأنوار: 26 / 132 ح 1 إلى 16 باب ان الله يرفع للإمام عامودا ينظر به، وبصائر
الدرجات: 431 إلى 437 ح 1 وما بعده، باب عرض الأعمال في أمر العامود، والهداية
الكبرى: 240 باب 7.
83
* الطائفة الرابعة:
ان علمهم وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فعن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث عن علم الإمام علي (عليه السلام) قال: " وورث علم
الأوصياء وعلم من كان قبله " (1).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام): " انا ورثنا محمدا " (2).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: " اما بعد فان محمدا كان أمين الله في خلقه فلما
قبض كنا أهل البيت ورثته، فنحن امناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا
وأنساب العرب ومولد الاسلام، وانا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة
النفاق " (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث جاء فيه: " ورب الكعبة ورب البيت -
ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما اني أعلم منهما، ولأنبئهما بما
ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما هو كائن
إلى يوم القيامة.
وان رسول الله أعطي علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فورثناه من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراثة " (4).
وفي رواية مشهورة في مدح آل البيت (عليهم السلام): " أعطاهم فهمي وعلمي " (5).
وعنه في رواية: " ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قبض ورث علي (عليه السلام) علمه وسلاحه



1 - الكافي: 1 / 224 باب انهم ورثوا النبي ح 2.
2 - الكافي: 1 / 225 ح 3.
3 - الكافي: 1 / 223 ح 1.
4 - بصائر الدرجات: 129 باب انهم أعطوا علم ما مضى ح 1.
5 - بصائر الدرجات: 48 ح 1 - 2 - 4 باب أعطاهم فهمي وعلمي.
85
وما هناك، ثم صار إلى الحسن، ثم صار إلى الحسين (عليهما السلام)، ثم صار إلى علي بن
الحسين صلوات الله عليهم جميعا " (1).
* أقول: الروايات في ذلك كثيرة وبمختلف المضامين (2).



1 - الإرشاد: 2 / 189 كلام الصادق 7 حول ميراث النبي.
2 - بصائر الدرجات: 299 باب أن عندهم أصول العلم و 326 باب انهم ورثوا العلم من رسول
الله 9.
86
* الطائفة الخامسة:
ان علمهم بواسطة القذف والنقر
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ان علمنا غابر مزبور ونكت في القلوب ونقر في
الأسماع.
فقال: اما الغابر فما تقدم من علمنا، واما المزبور فما يأتينا، واما النكت في
القلوب فإلهام، واما النقر في الاسماع فأمر الملك " (1).
* أقول: رواه المفيد بتفصيل أكثر جاء فيه: "... واما النكت في القلوب فهو
الإلهام والنقر في الاسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم، واما
الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل
البيت (عليهم السلام).
واما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب
الله الأولى.
واما مصحف فاطمة (عليها السلام) ففيه ما يكون من حادث وأسماء كل من يملك إلى
أن تقوم الساعة.
واما الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فلق
فيه، وخط علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم
القيامة، حتى أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة " (2).
وفي رواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام): " مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض
وغابر وحادث، فاما الماضي فمفسر، واما الغابر فمزبور، واما الحادث فقذف في



1 - أصول الكافي: 1 / 264 باب جهات علومهم ح 3 - 1 - 2، وبصائر الدرجات: 318 ح 2.
2 - الإرشاد: 2 / 186 كلام الصادق حول ميراث رسول الله 9.
87
القلوب ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا " (1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قلت أخبرني عن علم عالمكم؟
قال (عليه السلام): " وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن علي (عليه السلام) ".
قال: قلت: انا نتحدث انه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم.
قال: " أو ذاك " (2).
ونحوه عن أبي جعفر (3).
وعنه (عليه السلام) أنه قال: " فينا والله من ينقر في اذنه وينكت في قلبه وتصافحه
الملائكة " (4).
وعن أبي جعفر وقد سئل عن المحدث قال: " ينكت في اذنه فيسمع طنينا
كطنين الطست، أو يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة يقع في الطست ".
فقلت: نبي؟
فقال (عليه السلام): " لا، مثل الخضر وذي القرنين " (5).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " ان منا لمن يعاين معاينة، وان منا لمن ينقر
في قلبه كيت وكيت، وان منا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست ".
قال: قلت: فالذين يعاينون ما هم؟
قال: " خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل " (6).
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام): قلت له: وكيف العلم في غيرها
أيشق القلب فيه أم لا؟



1 - أصول الكافي: 1 / 264 باب جهات علومهم ح 3 - 1 - 2، وبصائر الدرجات: 318 ح 2.
2 - المصدر السابق.
3 - بصائر الدرجات: 327 ح 6.
4 - الاختصاص: 286 جهات علومهم.
5 - الاختصاص: 287 جهات علومهم.
6 - بصائر الدرجات: 231 باب انهم يخاطبون ويسمعون الصوت ح 1.
88
قال (عليه السلام): " لا يشق، لكن الله يلهم ذلك الرجل بالقذف في القلب حتى يخيل
إلى الاذن انه تكلم بما شاء الله علمه، والله واسع عليم " (1).
وفي حديث صحيح عن الحرث قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما علم عالمكم
جملة يقذف في قلبه وينكت في اذنه؟
قال: فقال: " وحي كوحي أم موسى " (2).
* أقول: وروايات القذف والنكت كثيرة جدا وفيها الصحاح (3).



1 - بصائر: 223 ح 14 باب ما يلقى إليهم ليلة القدر.
2 - بصائر الدرجات: 317 ح 10 باب ما يفعل بالإمام من النكت.
3 - بصائر الدرجات: 316 ح 1 إلى 319 ح 13، وبحار الأنوار: 26 / 57 ح 121 وما بعده.
89
* الطائفة السادسة:
ان علمهم (عليهم السلام) بالإلهام
* أقول: تقدم في الطائفة السابقة بعض الروايات الدالة عليه.
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: " ان العبد إذا اختاره الله
عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك وادع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم
إلهاما فلم يعي بعده بجواب " (1).
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) عندما سئل عن علمهم قال: " قد يكون سماعا
ويكون إلهاما، ويكونان معا " (2).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أعطاني الله خمسا وأعطى عليا خمسا - وعد منها:
" وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام " (3).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): " والأوصياء قد ألهموا إلهاما من العلم علما جما، مثل
جم الغفير " (4).
ومن أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام): " اللهم صل على محمد وآله وألهمني
علم ما يجب لهما علي إلهاما واجمع لي علم ذلك كله تماما " (5).



1 - بحار الأنوار: 25 / 127 ح 3.
2 - الاختصاص: 12 / 286 جهات علومهم.
3 - فضائل ابن شاذان: 5.
4 - بصائر الدرجات: 130 ح 2 باب ما يزاد في ليلة الجمعة.
5 - الصحيفة السجادية: 136 رقم 24 دعائه لأبويه عليهم السلام.
91
* الطائفة السابعة:
في أنهم (عليهم السلام) محدثون
فعن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): انا نقول إن عليا لينكت في
قلبه أو ينقر في صدره واذنه؟
قال (عليه السلام): " ان عليا كان محدثا ".
قال: فلما أكثرت عليه قال (عليه السلام): " ان عليا يوم بني قريظة وبني النضير كان
جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثاه " (1).
ورواه المفيد بلفظ: " ولما رآني قد كبر علي قوله قال... " (2).
* أقول: نزول جبرائيل وميكائيل على الإمام علي (عليه السلام) في كل الحرب من
الأمور المتواترة، خاصة من حديث الإمام الحسن (عليه السلام) عند خطبته بعد استشهاد
أمير المؤمنين (عليه السلام) كما يأتي في الطائفة الثامنة.
وقال الإمام الحسين (عليه السلام): " ما ضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) بسيفه ذي الفقار
أحدا فنجا، وكان إذا قاتل، قاتل جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك
الموت بين يديه " (3).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): " ان عليا والحسن كانا محدثين " (4).
وفي رواية: " عليا والحسن والحسين " (5).



1 - بصائر الدرجات: 321 باب ان المحدث كيف صفته ح 2 - 7، وأصول الكافي: 1 / 238 -
240 ح 1 وما بعده.
2 - الاختصاص: 12 / 286.
3 - أمالي الصدوق: 414 مجلس 77 ح 9.
4 - بصائر الدرجات: 322 ح 6 و 12.
5 - المصدر السابق.
93
وفي رواية زاد: " وفاطمة كانت محدثة " (1).
* أقول: الرواية مستفيضة في كون علي محدثا (2).
وفي الحديث الصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام): " الأئمة علماء صادقون مفهمون
محدثون " (3).
وقال العلامة المجلسي: الأخبار متواترة في أنهم عليهم السلام محدثون (4).
وهو كما قال (5).
هذا، واعلم أن المراد بالمحدث في الروايات أنهم يحدثون عن الله تعالى، كما
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان محدثا
قال: " انه كان محدثا عن امامه (عليه السلام) لا عن ربه، لأنه لا يحدث عن الله إلا الحجة "
(6).



1 - بصائر الدرجات: 372 ح 16.
2 - راجع بصائر الدرجات: 321 ح 3 - 4 - 7 - 8 - 11.
3 - بصائر الدرجات: 339 ج 7 باب 5 ح 1.
4 - بحار الأنوار: 25 / 141.
5 - راجع أصول الكافي: 1 / 270 باب انهم محدثون ح 1 - 5، وكتاب سليم: 227 والإرشاد
للمفيد: 2 / 346 النص على القائم، وبصائر الدرجات: 319 باب انهم محدثون، وبحار
الأنوار: 26 / 66 باب انهم محدثون ح 1 إلى 47 و 48 / 242، و: 36 / 271 - 272 - 398
- 382، ومناقب آل أبي طالب: 1 / 296 - 213، واعلام الورى: 385 - 369، وكمال الدين
: 2 / 339 - 305 و 1 / 305، وغيبة الشيخ: 97 - 98، وارشاد القلوب: 2 / 494، وروضة
الواعظين: 261، وكفاية الأثر: 221، واثبات الوصية: 229، وكشف الغمة: 3 / 297،
وتقريب المعارف: 182، والفصول المهمة: 292، وعيون أخبار الرضا: 1 / 46، والخصال:
2 / 478 - 480 - 479، والكافي: 1 / 531 - 534 - و 533، وغيبة النعماني: 44 - 54،
61 - 41.
6 - الوسائل: 18 / 106 ح 33427 عن رجال الكشي: 11 ح 2.
94
حقيقة علم آل محمد (عليهم السلام) وجهاته
* الطائفة الثامنة:
ان علمهم (عليهم السلام) بواسطة الوحي وجبرائيل
منها: الحديث المتواتر عن الإمام الحسن (عليه السلام) في أول خطبة خطبها بعد
استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطيه الراية فيقاتل
جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره " (1).
* أقول: تقدم في الطائفة السابعة انه كان ينزل ويحدثه لا فقط نزل لنصرته،
وأخرج أحمد نزول جبرائيل وميكائيل وإسرافيل للسلام على علي ليلة بدر (2).
وتقدم حديث الإمام الصادق (عليه السلام) الصحيح السند في علمهم انه: " وحي
كوحي أم موسى " (3).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): " انه محدث كصاحب سليمان وموسى وذي
القرنين " (4).
وعنه (عليه السلام) قال: " بيت علي وفاطمة من حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسقف بيتهم
عرش رب العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوفة إلى العرش معراج الوحي،
والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا ومساء، وفي كل ساعة وطرفة عين، والملائكة
لا ينقطع فوجهم فوج ينزل وفوج يصعد.
وان الله تبارك وتعالى كشط لإبراهيم عن السماوات حتى أبصر العرش، وزاد
الله في قوة ناظره، وان الله زاد في قوة ناظرة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين



1 - مجمع الزوائد: 9 / 146 و: 203 من البغية الرائد ح 14798، والفضائل الخمسة:
2 / 394 - 397 من طرق، والمعجم الأوسط: 3 / 87 ح 2176، ومسند أبي يعلى:
12 / 125 ح 6757 بسند صحيح: ومقاتل الطالبيين: 62، وجواهر العقدين: 317،
وذخائر العقبى: 74.
2 - فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 613 ح 1049، وذخائر العقبى: 69.
3 - الاختصاص: 12 / 286، وبصائر الدرجات: 317 ح 10 باب ما يفعل بالامام من النكت.
4 - بصائر الدرجات: 241 ج 7 ب 6 ح 3.
95
صلوات الله عليهم أجمعين، وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفا غير
العرش " (1).
* أقول: لا يتوهم أحد ان كثرة نزول الملائكة هو حاجة آل محمد (عليهم السلام)
إليهم، وإلا لفضلوا عليهم، وهو خلاف الأدلة والاجماع من فضل آل محمد (عليهم السلام)
على الملائكة وجبرئيل (2).
نعم، القول انهم سفراء الله تعالى لنقل أخبار أو تأكيدها، أو أي هدف آخر
لا بأس به.
وان كان الذي يقوى في النفس انها تنزل لخدمتهم أو للتبرك بهم وبصبيانهم،
وقد دلت عليه بعض الروايات ليس هذا موضع تفصيلها (3).
منها ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الحديث عن كثرة الملائكة: " وما منهم أحد
إلا ويتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت " (4).
وفي رواية: " ان جبرئيل زيد في جماله لأنه تشرف وأصبح من آل
محمد (عليهم السلام) " (5).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " قال جبرائيل: يا رب فاني أسألك بحقهم عليك إلا
جعلتني خادمهم.
قال تعالى: قد جعلتك.
فجبرائيل (عليه السلام) من أهل البيت وانه لخادمنا " (6).



1 - كنز الفوائد: 473، وبحار الأنوار: 25 / 97 ح 71 باب الأرواح التي فيهم.
2 - الروايات كثيرة في تفضيل آل محمد عليهم، راجع بحار الأنوار: 26 / 335 باب فضل
النبي وأهل بيته على الملائكة ح 1 إلى 24.
3 - سوف يأتي تفصيل الكلام في التفاضل بين الأئمة والملائكة.
4 - بحار الأنوار: 26 / 339 ح 5 باب فضل النبي وأهل بيته على الملائكة.
5 - بحار الأنوار: 26 / 343 ح 15 باب فضل النبي وأهل بيته على الملائكة.
6 - بحار الأنوار: 26 / 345 ح 17 باب فضل النبي وأهل بيته على الملائكة.
96
وعنه (صلى الله عليه وآله): ".. فان الملائكة لخدامنا " (1).
* أقول: تقدم في الكتاب الأول أن النبي (صلى الله عليه وآله) علم حملة العرش،
وأنهم (عليهم السلام) الذين علموا الملائكة التسبيح والتقديس، وأن عليا (عليه السلام) هو معلم
جبرائيل، فكان له عليه حق التعليم (2).
* وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): " ان فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل يأتيها
فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما
يكون بعدها في ذريتها، وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة " (3).
وعنه (عليه السلام) في رواية صحيحة رواها الكليني والصفار حول الجامعة والجفر
ومصحف فاطمة (عليها السلام) قال: " وان عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريهم ما مصحف
فاطمة؟!
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم وثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف
واحد، انما هو شئ أملاها الله وأوحى إليها ". وبالهامش وفي نسخة: " أملاء الله
تعالى " (4).
وفي رواية: " ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها " (5).
وفي ثالثة: " انما هو شئ القي عليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما " (6).



1 - كمال الدين 1 / 254 نص الله على القائم.
2 - راجع بحار الأنوار: 26 / 345 باب فضل النبي وأهل بيته على الملائكة / والشفاء
للقاضي عياض: 1 / 170 - 83.
3 - الكافي: 1 / 241 ح 5 باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة، وبصائر الدرجات: 153 ح 6،
وبحار الأنوار: 46 / 195.
4 - بصائر الدرجات: 152 ح 3 باب انهم أعطوا الجفر والجامعة، وأصول الكافي: 1 / 238 -
240 ح 1 وما بعده.
5 - بصائر الدرجات: 156 ح 14.
6 - بصائر الدرجات: 159 ح 27.
97
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: " هؤلاء أهل بيت أكرمهم الله
بسره وشرفهم بكرامته وأعزهم بالهدى وثبتهم بالوحي " (1).
وعنه (عليه السلام) في حديث طويل: " وإليهم نفث (بعث) الروح الأمين.
وفي رواية عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف الأئمة: " وإليهم بعث الأمين
جبرائيل " (2).
وكثرت الرواية عنهم انهم: " مهبط الوحي " (3).
وفي حديث: " نحن ولاة أمر الله وورثة وحي الله " (4).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): " فليذهب الحسن يمينا وشمالا لا يوجد العلم إلا عند
أهل العلم [أهل البيت] الذين نزل عليهم جبرائيل " (5).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " فليشرق الحكم [بن عتيبة] وليغرب، أما والله لا
يصيب العلم - وفي رواية: لا يوجد - إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرائيل " (6).
وعن عمر بن يزيد قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) الذي أملاه جبرائيل على
علي (عليه السلام) أقرآن هو؟
قال (عليه السلام): " لا " (7).
ويدل على هذه الطائفة روايات نزول الملائكة عليهم وإتيانها بالأخبار
إليهم (8).



1 - بحار الأنوار: 26 / 251 ح 22 باب جوامع مناقبهم.
2 - بحار الأنوار: 26 / 255 ح 30 و 35، ومشارق أنوار اليقين: 49.
3 - بحار الأنوار: 26 / 253 ح 26.
4 - بحار الأنوار: 26 / 260 ح 39.
5 - بصائر الدرجات: 10 ح 5 باب الأمر بطلب العلم منهم.
6 - أصول الكافي: 1 / 399 ح 4، والوسائل: 18 / 47 ح 33209، وبصائر الدرجات: 9 ح
2 - 3 باب الأمر بطلب العلم من معدنهم.
7 - بصائر الدرجات: 157 ح 17 باب انهم أعطوا الجفر والجامعة.
8 - راجع بصائر الدرجات: 90 إلى 95 باب دخول الملائكة عليهم:.
98
بتقريب عدم انحصار الوحي بجبرائيل، أو لكون جبرائيل من الملائكة
بالجملة، فنزولها عليهم نزول لجبرائيل (عليهم السلام).
وسوف يأتي في الطائفة التاسعة حديث: " انا منا لمن يعاين معاينة وانه خلق
أعظم أو أكبر من جبرائيل وميكائيل ".
وهناك روايات كثيرة منها ما هو صريح في نزول جبرائيل وميكائيل، ومنها
أنهما تراءيا لهم (1).
* ومما يؤكد هذه الطائفة قوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة، وأوحينا إليهم فعل
الخيرات) * (2)، فقد ورد انهم المرادون بهذه الآية، كما تقدم في أدلة الولاية
التكوينية من القرآن (3).
ومنها: ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في قوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة
يهدون بأمرنا) * قال أبو جعفر (عليه السلام): " يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحى إليهم
بالروح في صدورهم " (4).
* أقول: بعد قراءتك لهذه الروايات المتكثرة، وقول العلماء بإمكان الوحي
لغير الأنبياء، كأم موسى ومريم وغيرها (5)، يتضح ان نسبة نفي الوحي عن آل
محمد (عليهم السلام) إلى الشيخ الأجل المفيد غير صحيحة، جاء في كتابه أوائل المقالات:
(وانما منعت نزول الوحي عليهم والايحاء بالأشياء إليهم، للاجماع على المنع من
ذلك والاتفاق على أنه من يزعم أن أحدا بعد نبينا يوحى إليه فقد أخطأ وكفر) (6).
فهو بعد اعترافه بالايحاء لام موسى منع الايحاء لآل محمد (عليهم السلام)، مع



1 - بصائر الدرجات: 233 باب انه تراءيا له جبرائيل وميكائيل.
2 - الأنبياء: 73.
3 - راجع بحار الأنوار: 24 / 157 - 158 باب انهم خير أمة أخرجت للناس ح 16 - 17 - 19
- 20.
4 - بحار الأنوار: 24 / 158 ح 21.
5 - راجع قرة العيون للكاشاني: 397، وأوائل المقالات: 68.
6 - أوائل المقالات: 68 القول 42.
99
الاعتراف انه ممكن عقلا.
وسبب عدم صحة هذه النسبة الروايات المتقدمة.
واما تكفير من يقول به فغير صحيح، فكأنه وقع التباس بين الايحاء المساوي
والمساوق للنبوة، وبين الايحاء غير المساوي له، فالاجماع قائم على حرمة الوحي
بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) المساوق لنبوة الموحى إليه، اما ادعاء الوحي لغير الأنبياء كوحي أم
موسى فهو خارج عن إجماعهم.
ولسنا في صدد إثبات كرامات لآل محمد (عليهم السلام) بسبب نزول الوحي عليهم،
إذ ما نعتقد به انهم أفضل من جبرائيل الذي ينزل عليهم بالوحي، بل هم غير
محتاجين إلى وحي جبرائيل لغناهم بالله تعالى.
نعم ان كان المراد كونه واسطة بينهم وبين الله فالروايات أثبتت على أنهم
كانوا يوافون العرش كل ليلة جمعة ولا يرجعون إلا بعلم مستفاد، وأنهم كانوا
يحدثون عن الله مباشرة وبغير وحي، كما يأتي في الطائفة العاشرة، فأية حاجة قد
تدعى لنزول جبرائيل (عليه السلام) عليهم (عليهم السلام)؟!.

100
* الطائفة التاسعة:
ان علمهم (عليهم السلام) بواسطة الروح
قال أبو حمزة: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلم أهو علم يتعلمه العالم من
أفواه الرجال، أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟
قال (عليه السلام): " الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قوله تعالى: * (وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) *... بلى قد كان
في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في
الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي الروح التي يعطيها الله تعالى
من شاء، فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم " (1).
* أقول: لا يستفاد من هذه الرواية ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان قبل النبوة أو البعثة لا
يدري ما الكتاب والايمان ذلك أن الرواية لم تحدد متى أوحى الله تعالى إليه الروح
التي علم بها، فلعله أوحاها إليه في عالم الأنوار كما تقدم في الحديث المشهور: "
نبئت وآدم بين الطين والماء ".
وعنه (عليه السلام) في حديث صحيح في قوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا
من أمرنا) * قال: " خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده " (2).
وفي رواية جاءت بلفظ: " هو مع الأئمة يفقههم " (3).
وفي رواية زاد: " وهو من الملكوت " (4).



1 - الكافي: 1 / 273 ح 5 باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة.
2 - الكافي: 1 / 273 ح 1 - 2.
3 - بصائر الدرجات: 462 ح 8 باب الروح التي في قوله تعالى: (يسألونك عن الروح).
4 - الكافي: 1 / 273 ح 1 - 2.
101
* أقول: روايات الروح الآمرية وانه مع الأئمة كثيرة فلتراجع (1).
وفي الحديث الصحيح عن علي بن الحسين (عليهما السلام) عندما سئل بما تحكمون؟
قال (عليه السلام): " بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا شئ ليس عندنا تلقانا به
روح القدس ".
وزاد في رواية: " تلقانا به روح القدس وألهمنا الله إلهاما "
وفي ثالثة: " ان الأوصياء محدثون يحدثهم روح القدس ولا يرونه، وكان
علي (عليه السلام) يعرض ما يسأل عنه فيوجس في نفسه أن قد أصبت بالجواب، فيخبر
فيكون كما قال " (2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): " ان الله خلق الأنبياء والأئمة على خمسة أرواح: روح
القوة وروح الايمان وروح الحياة وروح الشهوة وروح القدس، فروح القدس من
الله، وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان، فروح القدس لا يلهو ولا يتغير ولا
يلعب، وبروح القدس علموا - يا جابر - ما دون العرش إلى ما تحت الثرى " (3).
وفي رواية أبي عبد الله (عليه السلام) زاد: " فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس
فصار في الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو... وروح القدس
ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها ".
قلت: جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده؟
قال: " نعم، وما دون العرش " (4).
وعن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: " ان الله أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة



1 - بصائر الدرجات: 455 ح 1 إلى 15 باب الروح التي قال الله: (وكذلك أوحينا...) و 458
ح 1 إلى 5 الباب الذي يليه و 460 ح 1 إلى 12 الباب الذي يليه و 463 ح 1 إلى 4 الباب الذي
يليه.
2 - بصائر الدرجات: 451 - 452 - 453 ح 3 و 6 و 9 باب ان روح القدس يتلقاهم.
3 - بصائر الدرجات: 454 ح 12 - 13.
4 - المصدر السابق.
102
ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي مع الأئمة منا
تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله " (1).
وعن الإمام العسكري (عليه السلام): " هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام
يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم " (2).



1 - عيون أخبار الرضا: 2 / 200 باب 46 ح 1.
2 - الأنوار النعمانية: 2 / 18.
103
علم آل محمد (عليهم السلام) مباشرة من الله
* الطائفة العاشرة:
ان علمهم بلا واسطة بل من الله بالمباشرة
* ويدل عليه آيات وروايات:
فمن الآيات:
قوله تعالى:
* (فأوحى إلى عبده ما أوحى) *
فعن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: * (فأوحى إلى عبده ما
أوحى) * قال: " أوحى إليه بلا واسطة ".
ونحوه عن الواسطي (1).
وفي تفسير القمي: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * قال: " وحي مشافهة " (2)
.
ومنها قوله تعالى:
* (وعلمك ما لم تكن تعلم) * (3).
وقوله تعالى:
* (علمه شديد القوى) * (4).
وهذا نص صريح أن الذي علمه هو الله تعالى بالمباشرة، وقد تقدم الكلام
فيهما في العلم اللدني فراجعه.



1 - الشفا: 1 / 202 فصل في قوله (فأوحى إلى عبده)، وتاريخ الخميس: 1 / 312 قصة
المعراج.
2 - تفسير الميزان: 19 / 34، وتفسير نور الثقلين: 5 / 152 وتفسير القمي: 2 / 334 مورد
الآية.
3 - النساء: 113.
4 - النجم: 5.
105
ومنها قوله تعالى:
* (ورحمتي وسعت كل شئ) * (1)
وقد تقدم حديث الإمام الباقر في تفسيرها بقوله: " علم الإمام، ووسع علمه
الذي هو من علمه كل شئ " (2).
وهو صريح في المباشرية في العلم.
ومنها قوله تعالى:
* (وكل شئ أحصيناه كتابا) *.
* (وكل شئ أحصيناه في امام مبين) *
وسوف يأتي في علم الغيب شرحهما.
ومنها قوله تعالى:
* (الرحمن علم القرآن علمه البيان) *
وتقدم الكلام فيها في العلم اللدني.



1 - الأعراف: 156.
2 - نور الثقلين: 2 / 78 ح 288.
106
* ومن الروايات:
ما تقدم في الطائفة الخامسة: " ان منا لمن يعاين معاينة " (1).
منها ما قاله الصادق (عليه السلام): " ان منا لمن يعاين معاينة، وان منا لمن ينقر في
قلبه كيت وكيت، وان منا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست ".
قال: قلت: فالذين يعاينون ما هم؟
قال: " خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل " (2).
فعلى أن المعاينة لغير جبرائيل (عليه السلام) تكون على وزان روايات: " فأوحى اليه
وحي مشافهة ".
وعن معاذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " سبق العلم وجف القلم ومضى القدر
بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل ".
إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): " عن الله أروي حديثي: ان الله تبارك وتعالى يقول يا بن
آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء " (3).
وعن عبد الله بن عمر قال: " ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يروي حديثه عن الله
عز وجل " (4).
وقد عنون البخاري في صحيحة عنوانا: " باب ذكر النبي وروايته عن ربه ".
وأخرج ثلاثة أحاديث:
عن قتادة عن أنس عن النبي يرويه عن ربه قال: " إذا تقرب العبد إلي شبرا
تقربت اليه ذراعا " (5).



1 - ويراجع بصائر الدرجات: 231 ح 1 وما بعده باب انهم يخاطبون ويسمعون الصوت.
2 - بصائر الدرجات: 231 باب انهم يخاطبون ويسمعون الصوت ح 1.
3 - كتاب التوحيد للصدوق: 343 - 344 باب 55 المشيئة ح 13.
4 - كتاب التوحيد للصدوق: 340 ح 10.
5 - ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري: 15 / 595 كتاب التوحيد - باب ذكر النبي
وروايته عن ربه، وفتح الباري شرح صحيح البخاري: 13 / 626 ح 7536 كتاب التوحيد
- باب ذكر النبي وروايته عن ربه.
107
وعن محمد بن زياد نحوه قال: ".. عن النبي يرويه عن ربكم.. " (1).
وعن ابن عباس عن النبي فيما يرويه عن ربه قال " لا ينبغي لأحد أن يقول إنه
خير من يونس " (2).
قال القسطلاني بعد ذكر هذه الأحاديث الثلاثة: (قال الكرماني: الرواية
عن الرب أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بالواسطة أو بدونها، لكن المتبادر إلى
الذهن المتداول على الألسنة كان بغير الواسطة) (3).
وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني قول الكرماني بلفظ: (الرواية عن الرب
أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بدون الواسطة، وان كان المتبادر هو ما كان بغير
الواسطة والله أعلم) (4).
وقال القاضي عياض: اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب
عباده والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء (5).
وقال الإمام الجواد (عليه السلام) لمن سأله عن كيفية العلم بالمغيب:
" نحن من علم الله علمنا، وعن الله نخبر " (6).
وعن سالم بن أبي حفصة قال: لما هلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)



1 - ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري: 15 / 597 كتاب التوحيد - باب ذكر النبي
وروايته عن ربه.
2 - ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري: 15 / 597 كتاب التوحيد - باب ذكر النبي
وروايته عن ربه.
3 - ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري: 15 / 599 كتاب التوحيد - باب ذكر النبي
وروايته عن ربه.
4 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: 13 / 613 ح 7540 كتاب التوحيد - باب ذكر النبي
وروايته عن ربه.
5 - الشفا: 1 / 249 الباب الرابع.
6 - الهداية الكبرى: 304 باب 11.
108
قلت لأصحابي: انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) فأعزيه
به.
فدخلت عليه فعزيته ثم قلت: انا لله وإنا إليه راجعون، ذهب والله من كان
يقول: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " فلا يسأل عن من بينه وبين رسول الله، لا والله لا
يرى مثله أبدا.
قال: فسكت أبو عبد الله (عليه السلام) ساعة ثم قال: " قال الله تعالى: ان من عبادي
من يتصدق بشق تمرة فأربيها له ".
فخرجت إلى أصحابي فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنا نستعظم قول أبي
جعفر (عليه السلام): " قال رسول الله.. " بلا واسطة، فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): " قال الله
تعالى.. " بلا واسطة (1).
* أقول: لا يقال غاية الحديث ان الإمام الباقر (عليه السلام) لم يكن يسأل عن سلسلة
الحديث ورواته عن رسول الله، وذلك لصدقه فكذلك الإمام الصادق (عليه السلام).
لأنا نقول: ان صدق الإمام الباقر (عليه السلام) وعدم اتهامه على أحاديث رسول
الله (صلى الله عليه وآله) من الأمور المسلمة خاصة عند الشيعة، بل الأمر كذلك في كل أهل
البيت (عليهم السلام).
فليس لكلامه محصل، لأن الإمام علي (عليه السلام) لا يسأل عن الواسطة والحسن
والحسين وزين العابدين (عليهم السلام) كذلك، وهكذا بقية الأئمة، لذا لابد أن يحمل قول
الراوي: " بلا واسطة " انه كان يعتقد ان الإمام الباقر (عليه السلام) يروي مباشرة عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهكذا في الإمام الصادق (عليه السلام) فإنه يروي عن الله بلا واسطة ولا يتهم بذلك.
وسوف يأتي رواية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن الله بلا واسطة.
- وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث المناجاة المشهور قال لمن اعترض عليه



1 - بحار الأنوار: 47 / 337 ح 12 باب أحوال أصحابه وأهل زمانه 7 عن أمالي الطوسي: 78،
وأمالي المفيد: 354 ذيل الكتاب مجلس 42 ح 7.
109
كيف يناجي يوم الطائف عليا (عليه السلام): " ما أنا انتجيته بل الله تعالى انتجاه " (1).
وفي بعض الروايات: " بل الله ناجاه " (2).
وفي رواية: " ما أنا بمناجي له، انما يناجي ربه " (3).
وعن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك بلغني ان الله
تبارك وتعالى قد ناجى عليا (عليه السلام).
قال (عليه السلام): " أجل قد كان بينهما مناجات بالطايف نزل بينهما جبرئيل " (4).
وفي رواية عن أبي رافع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " نعم يا رافع، ان الله ناجاه
يوم الطايف ويوم عقبة تبوك ويوم حنين - وفي نسخة: خيبر " (5).
وعنه (عليه السلام) قال: " قال رسول الله لعلي: ان الله يوصيك ويناجيك.
قال: فناجاه يوم براءة قبل الصلاة الأولى إلى صلاة العصر " (6).
وعنه (عليه السلام): " ان الله ناجى عليا يوم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (7).
* أقول: والروايات كثيرة في مناجات الله لعلي عند الفريقين فلا تغفل، بل
تكاد تصل إلى حد التواتر.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: " والإمام يجب أن يكون
عالما لا يجهل.. فهو في البقية من إبراهيم... والرضى من الله، والقول عن الله " (8).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " نحن من شجرة طيبة برأنا الله من طينة واحدة



1 - الإرشاد: 1 / 153 اعتراض عمر على النبي في مناجاته عليا، والعمدة: 361 ح 701 إلى
ح 706، والمعجم الكبير للطبراني: 2 / 186 ح 1756، ومناقب ابن المغازلي: 95 ط.
الحياة، وط. طهران: 124 ح 162 إلى 166.
2 - العمدة: 361 ح 701، ومناقب ابن المغازلي: 95 ط. الحياة، وط. طهران: 124 ح 162.
3 - بصائر الدرجات: 410 ح 2 باب ان الله ناجاه بالطايف.
4 - بصائر الدرجات: 410 ح 1.
5 - بصائر الدرجات: 411 ح 5.
6 - بصائر الدرجات: 411 ح 6.
7 - بصائر الدرجات: 411 ح 7.
8 - بحار الأنوار: 25 / 172 ح 38.
110
فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله " (1).
ويؤيده ما تقدم في الجهة الثالثة عروج الإمام (عليه السلام) كل ليلة جمعة إلى العرش
ولا يرجع إلى بعلم مستفاد.
وقال الحسن (عليه السلام) لعائشة عندما سألته كيف عرفت ما كان بيني وبين
النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قال: " هذا من علم الله " (2).
وفي الروايات ما يقول: " ان الله أعطاه علمه " ونحوها من التعابير (3).
وتقدمت رواية مصحف فاطمة (عليها السلام) الصحيحة الذي فيها: " هو شئ أملاها
الله وأوحى إليها "، وفي رواية: " ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها " (4).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " ان لله عامودا من نور حجبه الله عن جميع الخلائق،
طرفه عند الله وطرفه الآخر في اذن الإمام، فإذا أراد الله شيئا أوحاه في اذن
الإمام " (5).
وفي لفظ: " هو عامود من نور بيننا وبين الله " (6).
* أقول: وروايات عامود النور الذي بين الإمام وبين الله كثيرة تقدم بعضها،
وكلها تفيد أن لا واسطة بين الله تعالى وبين الإمام (عليه السلام) في الاستلهام من العلم
الملكوتي (7).
وعن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: " ان الله أيدنا بروح منه مقدسة



1 - بحار الأنوار: 25 / 363 ح 23 باب انه جرى لهم من الفضل ما جرى للرسول.
2 - الهداية الكبرى: 198 ذيل باب 4.
3 - بحار الأنوار: 25 / 152 ح 25 باب جامع في صفات الإمام، وبصائر الدرجات: 442 ح 4
.
4 - بصائر الدرجات: 152 ح 3 باب انهم أعطوا الجفر والجامعة و ح 14.
5 - بصائر الدرجات: 439 ح 1 باب ما يفعل بالأئمة بذكر العامود والنور.
6 - عيون أخبار الرضا: 2 / 200 باب 46 ح 1.
7 - راجع بصائر الدرجات: 440 إلى 443 ح 2 إلى 9.
111
مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي مع
الأئمة منا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله " (1).
فهنا فسر العامود بالروح.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: " انا أهل بيت من علم الله علمنا ومن
حكم الله الصادق قلنا، ومن قول الصادق سمعنا " (2).



1 - عيون أخبار الرضا: 2 / 200 باب 46 ح 1.
2 - كتاب سليم: 159، والمسترشد: 561 ح 238.
112
الترجيح بين الطوائف العشر
هذه مجموع الروايات التي تتحدث عن مصدر ومنبع علم آل محمد، وكما
عرفت اخترنا منها ما يدل على المقصود وصنفناها على طوائف عشر خلاصتها: ان
منبع ومصدر علمهم:
1 - القرآن. 2 - ليلة القدر. 3 - عامود النور. 4 - وراثة من النبي.
5 - القذف والنقر. 6 - الإلهام. 7 - التحديث. 8 - الوحي وجبرائيل.
9 - الروح. 10 - من الله مباشرة.
والذي يقوى في النفس ان أرجح الاحتمالات هو الاحتمال العاشر، وذلك
لأمور:
أن روايات بابه كثيرة تصل بمجموعها مع تأييدها بالآيات إلى حد التواتر
المعنوي.
وأيضا هذا الاحتمال يتناسب مع ما تقدم من الأبحاث السابقة، فمثلا في الجهة
الرابعة رجحنا ان علمهم لدني، وهذا يتناسب مع الاحتمال العاشر ولا يتناسب مع
البقية، إلا إذا أرجعنا بعضها إلى الاحتمال العاشر، كالقذف والالهام والتحديث
والوحي والروح، فعلمهم يكون من الله مباشرة، ولكن المباشرية تريد لا أقل ما
يدل عليها أو يشير إليها، فيكون القذف والإلهام والتحديث ونحوها إشارة إلى أن
علمهم من الله تعالى.
وكذلك بالنسبة للجهة الخامسة الآتية، فان المرجح فيها ان علمهم حصل
دفعة واحدة لا على دفعات، وهو لا يتناسب إلا مع الاحتمال العاشر.
وعليه فتكون نفس الأدلة التي دلت على أن علمهم لدني ودفعة واحدة، دليلا
على أن علمهم من الله تعالى بلا توسط معلم.
ومن هنا لا بد من توجيه بقية الاحتمالات، وتفسير قول النبي وأهل
بيته (عليهم السلام) في التركيز على القرآن والوحي وانتظار جبرائيل ونحوها من الأمور.
- اما روايات القرآن الكريم، فمما لا شك فيه أن النبي وأهل بيته لابد أن

113
يركزوا على الدستور والقانون الأساسي للإسلام، وكونه دستورا كاملا شاملا كما
قال تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وسوف يأتي في الجهة السادسة ان
القرآن فيه كل العلوم التي عند آل محمد (عليهم السلام)، وهو لا ينافي ان علمهم من الله العزيز
القدير.
والدليل على ذلك أن الأئمة عندما كانوا يسألون عن علمهم، كانوا يقولون:
نعلم ما كان ويكون، فإذا اعترض عليهم أو لم يتحمله البعض، قالوا: علمناه من
كتاب الله (1).
وقد تقدمت هذه الروايات في الجهة الأولى.
- واما روايات ان علمهم من ليلة القدر، فإنهم كانوا يسألون عن ليلة القدر
على من تنزل وما هي؟.
فيجيب الإمام (عليه السلام): انها تنزل بأمر كل شئ أو مقادير تلك السنة، فيسألون
على من تنزل؟
أي من الأولى الذي تنزل عليه ليلة القدر.
فكان الإمام (عليه السلام) يقول على آل محمد أو على إمام الزمان.
لذا نجد في بعضها قال الإمام (عليه السلام): " من ترى يا عاجز!! " كما قدم.
ويحتمل ان الإمام أراد أن يثبت إمامتهم بليلة القدر، وان الذي تنزل عليه
ليلة القدر ويعلم كل أمر حكيم هو الإمام المفترض الطاعة، وهو منحصر بآل
محمد (عليهم السلام)، فتكون من ضمن الأدلة على إمامتهم.
هذا ويحتمل أيضا ان السائل لم يكن ليتحمل أكثر من هذا الجواب ليعطيه
الإمام (عليه السلام).
- اما روايات عامود النور، فهي اما ترجع إلى الوحي، واما إلى الروح، كما
في رواية الإمام الرضا (عليه السلام) في الطائفة التاسعة (2).



1 - راجع الكافي: 1 / 261، وبصائر الدرجات: 128.
2 - قال (عليه السلام): " ان الله أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى
إلا مع رسول الله، وهي مع الأئمة منا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله "
عيون أخبار الرضا: 2 / 200 باب 46 ح 1.
114
وإما إلى الاحتمال العاشر الصحيح، لأن العامود من نور كناية عن طريقة
إرسال الله عز وجل العلم لآل محمد (عليهم السلام).
بل روايات العامود دليل على الاحتمال العاشر، لأنها تنفي وجود الواسطة
بين الإمام وبين مصدر علم الباري عز وجل، فتأمل.
- واما روايات الوراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهي للتأكيد على أنهم أولى
برسول الله (صلى الله عليه وآله) من غيرهم، لذا كانوا يستدلون على إمامتهم وأولويتهم بسلاح
رسول الله وبعض مختصاته، وذلك للتأكيد على القرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
والمسألة واضحة لمن تأمل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في احتجاجه على أبي بكر وعمر
يوم البيعة، أو احتجاجه يوم الشورى (1).
- واما روايات القذف، فهي إما ترجع للإلهام، واما للاحتمال العاشر، لأن
القذف عبارة عن الطريق لوصول علم الله إلى آل محمد (عليهم السلام).
- واما روايات الإلهام والتحديث فهي مؤيدة للاحتمال العاشر، إذ الإلهام لا
يكون إلا من الله مباشرة، وكذلك كونهم محدثين كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)
أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان محدثا قال: " انه كان محدثا عن
امامه (عليه السلام) لا عن ربه، لأنه لا يحدث عن الله إلا الحجة " (2).
- واما روايات الوحي وجبرائيل، فمن المسلم بالنسبة لروايات أهل
البيت (عليهم السلام) ان يقولوا ان علمهم من الوحي وجبرائيل، لأن علم النبي (صلى الله عليه وآله) من
جبرائيل أو من الوحي بنص القرآن * (إن هو إلا وحي يوحى) * * (نزل به الروح
الأمين على قلبك) * ولن يكون آل محمد بأفضل من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعليه فالكلام لابد أن ينصب على سبب ابراز علم النبي (صلى الله عليه وآله) انه من الوحي
وجبرائيل فنقول:



1 - كما يأتي في الكتاب الخامس.
2 - الوسائل: 18 / 106 ح 33427 عن رجال الكشي: 11 ح 2.
115
* كانت الناس في الجاهلية الجهلاء، ولن تتحمل نسبة العلم إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
بلا توسط الوحي بينه وبين الله، إما لأن عادة ان الأنبياء يوحى إليهم.
واما لقرب عهدهم بالجاهلية وعدم معرفتهم المعرفة الحقيقية للنبي الأعظم،
حتى أنهم كانوا ينادونه من وراء الحجرات باسمه.
وهم، مع أنه (صلى الله عليه وآله) أبرز لهم مسألة الوحي، كذبوه وقالوا: هذا من عنده، أو
من عند سلمان الفارسي.
فكيف لو لم يبرز لهم الوحي وجبرائيل (عليه السلام)!؟.
وما يشير إلى ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) عندما كان يأتيه الوحي، كان يقول جاء
جبرائيل، وذهب جبرائيل، وأخبرني جبرائيل عن الله تعالى، وما شابه ذلك، وما
ذاك إلا للتأكيد أن هناك إلها ودينا وإسلاما ورسالة من السماء.
ومن هنا نفهم الآيات والروايات التي تحدثنا ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يعطي
الجواب حتى ينزل الوحي، فهو كان يعلم الجواب، ولكن يريد أن يغرز في نفوسهم
فكرة الوحي من السماء.
قال تعالى: * (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) * (1).
فالنبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن ينقضي الوحي من السماء عليه، كان مستعدا أن يقرأ على
الناس القرآن، بل تقدم علمه للقرآن منذ عالم الأنوار.
ونسبة العجلة للنبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن المراد بها حتى أن التوقيت غير مناسب، بل
لابراز أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم بالقرآن وآياته قبل أن ينزل عليه جبرائيل،
وبالتالي تكون الآية دليلا على ما نذكره وذكرناه سابقا أن جبرائيل كان يذكره
بالقرآن تذكيرا لا يجتمع مع النسيان.
ان قيل: يحتمل في الآية ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستعجل بالقرآن فيتلو الآية
الأولى أو مطلعها قبل أن يكملها جبرائيل أو قبل أن ينتهي من السورة.
قلنا: فعل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هذا إما مع التفاته إلى بقية الآيات التي يكملها
جبرائيل، وإما مع عدم التفاته لها.



1 - طه: 114.
116
فعلى الأول لا معنى للنهي عن العجلة.
وعلى الثاني يكون النبي مفوتا للوحي ومضيعا لبعض الآيات، ولا قائل به
إلا من سفه قوله.
قال الشيخ الطبرسي في الآية: لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كررها
عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة، ألهاهم حب العاجلة فاحتاجوا
إلى زيادة تنبيه وتقرير (1).
وقال سيد المفسرين: ويؤول المعنى إلى أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد،
لأن عندك علما في الجملة، لكن لا تكتف به واطلب من الله علما جديدا بالصبر
واستماع بقية الوحي. وهذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولا
دفعة واحدة غير نزوله نجوما على النبي (صلى الله عليه وآله) فلولا علم ما منه بالقرآن قبل ذلك لم
يكن لعجلته بقراءة ما لم ينزل منه بعد معنى (2).
وقد أبطل السيد الطباطبائي نسبة عجلة النبي (صلى الله عليه وآله) في القراءة قبل انتهاء
جبرائيل (3).
* أقول: عندي أن معنى الآية: ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقرأ القرآن على الناس أو
كان يبلغ بعض أحكامه ومعانيه للناس مرة واحدة، وذلك قبل أن ينزل الوحي
عليه به وقبل أن ينقضي اليه، فجاء الخطاب الإلهي ليقول: لا تعجل في تبليغ القرآن
، وأبلغه للناس حتى قبل نزول جبرائيل به، أبلغهم إياه بالتأني ليفهموه ويعملوا به،
ولك أن تقرأه عدة مرات على الناس ولا داعي للعجلة والاقتصار على المرة، فان
قلوبهم لم تلن بعد، واشكر الله (وقل رب زدني علما) لما أتاك علم القرآن قبل أن
ينزل به جبرائيل.
وبذلك ننفي محذور نسبة العجلة إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
ويشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول الله



1 - مجمع البيان: 10 / 603 مورد الآية - القيامة: 16.
2 - تفسير الميزان: 14 / 215 مورد الآية - طه: 114.
3 - تفسير الميزان: 20 / 110 مورد الآية - القيامة: 16.
117
قال (صلى الله عليه وآله): ".. * (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) * قال: وسألني ربي فلم
أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد، فوجدت بردها بين
ثديي فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى، فعلم أخذ علي كتمانه إذ
علم أنه لا يقدر على حمله أحد غيري، وعلم خيرني فيه، وعلمني القرآن فكان
جبريل (عليه السلام) يذكرني به، وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي.
ولقد عاجلت جبريل (عليه السلام) في آية نزل بها علي، فعاتبي ربي وأنزل علي:
* (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) * (1).
وتقدم الحديث الشريف " في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم
الأولين " (2).
* هذا الهدف من التركيز على جبرائيل، ورأينا كيف ان النبي مع نص القرآن
انه * (وحي يوحى) * نجد ان عمر ومن يدين بدينه، كيف كذبوا النبي (صلى الله عليه وآله) يوم
الوفاة وقالوا: ان الرجل ليهجر (3).
فكيف لو لم يكن التركيز على الوحي وجبرائيل؟
والخلاصة: التأمل في صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) وعدم اعتقادهم في كثير من الأمور
الغيبية يجعل النبي الأعظم لا يصرح بكل علمه وحقيقة حاله.
وتقدم في مطلع الكتاب سبب اخفاء النبي (صلى الله عليه وآله) للعلم الرباني.
- اما روايات الروح فيجري فيها ما جرى في جبرائيل أو تكون إشارة إلى
الطريق والواسطة لعلم الله تعالى.
لذا قال أبو جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) *: "
يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحي إليهم بالروح في صدورهم " (4).



1 - المواهب اللدنية: 2 / 381 - 382 بحث الاسراء والمعراج - الربع الأخير منه، ولوامع
أنوار الكوكب الدري: 1 / 118 بتفاوت.
2 - لوامع أنوار الكوكب الدري: 1 / 117 - 118.
3 - كما يأتي مفصلا في الكتاب الرابع.
4 - بحار الأنوار: 24 / 158 ح 21.
118
فجعل الروح واسطة للوحي النازل على الصدور.
كيفية حصول علم آل محمد (عليهم السلام)
* الجهة الخامس:
كيفية حصول علم آل محمد (عليهم السلام)
وهو مردد بين حصوله لأهل البيت بشكل تدريجي يوما بيوم أو ساعة
بساعة، وبين حصوله دفعة واحدة.
ويدل على الاحتمال الأول طائفة من الروايات منها:
ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) بما يعلم عالمكم جعلت فداك؟
قال (عليه السلام): " يا أبا محمد ان عالمنا لا يعلم الغيب ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه
كان كبعضكم، ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة " (1).
وفي رواية عنه (عليه السلام): " ما من ليلة جمعة إلا وافى رسول الله العرش ووافى
الأئمة ووافيت معهم، فما ارجع إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لنفذ ما عندي " (2).
وفي ثالثة: " لولا انا نزداد لأنفدنا " (3).
ونحو ذلك من الروايات (4).
* أقول: ويدل عليه أيضا ما تقدم من أن منبع علمهم عامود النور أو ليلة
القدر، وكذلك ما دل على أن علمهم كسبي حصولي.
فهذه الروايات تفيد أن حصول العلم عندهم (عليهم السلام) كان بشكل تدريجي.
اما الاحتمال الثاني - كونه دفعة واحدة - فيدل عليه ما تقدم من روايات ان
علمهم (عليهم السلام) لدني، لبداهة ان حصوله دفعة واحدة من الباري عز وجل.
ويدل عليه أيضا ما تقدم في زمان علمهم، وانه في عالم الأنوار وقبل الخلق.



1 - بصائر الدرجات: 325 باب ما يلقى شئ بعد شئ ح 2.
2 - الكافي: 1 / 254 باب انهم يزدادون في ليلة الجمعة ح 3.
3 - الكافي: 1 / 254 باب الازدياد ح 1 - 2.
4 - الكافي: 1 / 253 - 254 أبواب الازدياد، وبحار الأنوار: 26 / 86 إلى 97 ح 1 إلى 37
باب الازدياد، وبصائر الدرجات: 130 - 392 - 324.
119
وأيضا ما يأتي في الطائفة السادسة من علمهم بما هو كان ويكون، أو علمهم
بالغيب، أو علمهم بما في اللوح المحفوظ، فان كل هذه الطوائف تستلزم ان يكون
حصول العلم لآل محمد (عليهم السلام) دفعة واحدة وتنفي كونه تدريجيا كسبيا.
وعليه: فهذا الاحتمال هو المتعين لتناسبه مع الاحتمالات الصحيحة المتقدمة في
الجهات، ومع الاحتمالات الصحيحة أيضا الآتية في بقية الجهات.
اما الاحتمال الأول فإنه لا يتناسب مع شئ منها، فهو لا يتناسب مع كون
زمن علمهم كل علمهم عالم الأنوار، ولا مع كونه لدنيا، ولا مع كون منبعه الله تعالى
ووحيه.
وسبب ابراز الأئمة للتدرج بالعلم: إما للتأكيد على عبوديتهم واحتياجهم لله
تعالى.
واما لعدم تحمل السامعين لأكثر من ذلك.
واما لإبراز علاقتهم بالله، وانها مستمرة يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة.
واما للتأكيد على عروجهم إلى عرش الرحمن عزة آلاؤه للزيادة كل ليلة جمعة
الدال على الربط المعنوي بالله تعالى.
هذا وقد تكون المسألة أعمق من ذلك، وهو حاجة الممكنات لواجب
الوجود، وان الممكن في كل آن آن يحتاج إلى الفيض الدائم من الواجب تعالى
ولولاه لما كان: * (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا
) * (1).
فيكون الهدف أنهم يبرزون أمرا توحيديا.



1 - الاسراء: 20.
120
سعة علم آل محمد (عليهم السلام)
* الجهة السادسة:
سعة علم آل محمد (عليهم السلام)
الروايات مختلفة في سعة وضيق علم آل محمد، وتمامها في احتمالات:
* الاحتمال الأول:
انهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: " أنا صاحب اللوح
المحفوظ ألهمني الله عز وجل علم ما فيه " (1).
وقال في خطبة له من على المنبر: " أنا اللوح أنا القلم أنا العرش " (2).
وفي لفظ عنه (عليه السلام): " أنا اللوح المحفوظ وأنا القلم الأعلى " (3).
وقال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " ان الله خلق من نور قلبك ملكا فوكله
باللوح المحفوظ، فلا يخط هناك غيب إلا وأنت تشهده " (4).
وتقدم ويأتي علمهم بالكتاب كله، وانهم المرادون من قوله تعالى:
* (ومن عنده علم الكتاب) * هذا، وقد فسر الكتاب باللوح المحفوظ (5).
فيكون المراد * (من عنده علم الكتاب) * من عنده علم اللوح المحفوظ، وهم
آل محمد الأطهار (عليهم السلام) على ما تقدم.



1 - بحار الأنوار: 26 / 4 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 1.
2 - مشارق أنوار اليقين: 159.
3 - الرسائل الثمانية: 129، ومشارق أنوار اليقين: 24 - 159، والمراقبات: 259.
4 - مشارق أنوار اليقين: 136.
5 - تفسير فتح القدير: 3 / 91 الرعد 43.
121
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب
عنه شئ من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد " (1).



1 - مشارق أنوار اليقين: 138.
122
* الاحتمال الثاني:
علمهم بالكتاب والقرآن الكريم
* أقول: تقدم بعض هذه الروايات في الطائفة السابعة من النحو الأول من
أدلة الولاية التكوينية (1).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في تشخيص الإمام: " ولا يسأل عن شئ مما في
الدفتين إلا أجاب عنه " (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " والله اني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره، كأنه
في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما يكون، قال الله تعالى:
* (فيه تبيان كل شئ) * (3).
وفي رواية: " فنحن الذين اصطفانا الله، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه
تبيان كل شئ " (4).
ويؤيد هذه الطائفة كل ما ورد بأنهم الراسخون في العلم (5).



1 - يراجع إضافة إلى ما تقدم بصائر الدرجات: 212 باب ان اسم الأعظم وعلم الكتاب
عندهم، وبحار الأنوار: 26 / 111 ح 7 - 8، والوسائل: 18 / 50 ح 33218.
2 - بصائر الدرجات: 489 ح 1 باب إذا مضى إمام يعرف الذي بعده، وفي الكافي: في قوله
(بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) وذكر نحوه. الكافي: 1 / 214 ح 3.
3 - الكافي: 1 / 229 باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة ح 4.
4 - بصائر الدرجات: 115 ح 3.
5 - بصائر الدرجات: 202 باب انهم الراسخون في العلم.
123
* الاحتمال الثالث:
عندهم علم السماوات والأرض والجنة وكل غائبة فيهم
فعن أبي عبد الله (عليه السلام): " ان الله أجل وأعظم من أن يحتج بعبد من عباده ".
وفي رواية: ان يفرض طاعة - ثم يخفى عنه شيئا من أخبار السماء
والأرض " (1).
* أقول: هناك روايات كثيرة بهذا المعنى ذكرها المجلسي في بحاره والكليني في
كافيه والصفار في بصائره (2).
وعنه (عليه السلام): " اني لأعلم ما في السماوات وأعلم ما في الأرضين، وأعلم ما في
الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان ويكون، ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر
على من سمعه.
فقال: " علمت من كتاب الله ان الله يقول: * (فيه تبيان كل شئ) * (3).
وفي حديث طويل عنه (عليه السلام) في خلق الإمام وتحديثه في بطن أمه وولادته
قال:
" فإذا وضع يده إلى الأرض فإنه يقبض كل علم أنزله الله من السماء إلى
الأرض " (4).
وعن أبي الحسن الأول (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: " ان الله يقول: * (



1 - وزاد الكليني في رواية: ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قواد دينهم.
2 - بحار الأنوار: 26 / 110 ح 4 وما بعده وقبله باب انهم لا يحجب عنهم علم أسماء الأرض،
وبصائر الدرجات: 124 و 127 باب ما لا يحجب عن الأئمة، والكافي: 1 / 261 ح 2 - 3 -
4 - 6.
3 - بحار الأنوار: 26 / 110، وبصائر الدرجات: 127 - 128: والكافي: 1 / 261.
4 - بصائر الدرجات: 441 ح 4.
125
وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) * (1) ثم قال جل وعز * (ثم
أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا) * (2) " فنحن الذين اصطفانا الله، فقد
ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شئ " (3).
وهناك روايات مشابهة (4).



1 - النحل: 75.
2 - فاطر: 32.
3 - بصائر الدرجات: 115 ح 3.
4 - بصائر الدرجات: 124 باب ما لا يحجب عنهم، والبحار: 26 / 28 ح 19.
126
* الاحتمال الرابع:
علمهم بما هو كائن ويكون
وقد تقدم في الاحتمال الثالث بعض رواياته.
وقال أبو عبد الله (عليه السلام) ابتداء منه: " والله اني لأعلم ما في السماوات والأرض،
وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، ثم قال: اعلمه من كتاب الله انظر إليه هكذا
. ثم بسط كفيه " (1).
وعنه (عليه السلام) في كلامه عن مصحف فاطمة (عليها السلام): " اما انه ليس فيه من الحلال
والحرام، ولكن فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن " (2).
وعنه (عليه السلام) في حديث صحيح عن الجامعة والجفر والمصحف: " ان عندنا لعلم
ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ".
قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم.
قال: " انه لعلم، وليس بذاك ".
قلت: جعلت فداك فأي شئ هو العلم؟
قال (عليه السلام): ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر والشئ بعد الشئ إلى
يوم القيامة " (3).
* أقول: مراد الإمام أن يثبت ان العلم ليس بالتعلم والقراءة من الكتب
والمصاحف انما هو ما يحدث لهم بالليل بإفاضة من الله، فيكون (عليه السلام) يشير إلى العلم
اللدني.
لذا رويت هذه الرواية بنحو آخر: قال منصور: ان عندكم صحيفة طولها



1 - بصائر الدرجات: 127 ح 2 باب علمهم بما في السماوات والأرض.
2 - المراقبات: 35، وبصائر الدرجات: 157 ح 18 باب انهم أعطوا الجفر.
3 - أصول الكافي: 1 / 238 - 240 ح 1 وما بعده، وبصائر الدرجات: 152 ح 3 باب انهم
أعطوا الجفر، والهداية الكبرى: 238 باب 7.
127
سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه الناس وان هذا العلم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " ليس هذا هو العلم انما هو أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
إن العلم الذي يحدث في كل يوم وليلة " (1).
وهناك روايات مشابهة بذكر التوراة والإنجيل لا الصحيفة (2).
وتقدم حديث كون الإمام أعلم من موسى والخضر (عليهما السلام) لأنهما لم يعطيا علم
ما هو كائن (3).
وفي لفظ: " اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وما بقي " (4).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما
يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: * (يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده أم الكتاب) * (5).
وتبين هذه الرواية علم آل محمد (عليهم السلام) بكل ذلك ولكن التحرج في ذكر ذلك
للناس، من جهة عدم استيعابه أو تحمله، ولا ينافيه اخباراتهم ببعض ذلك كما تقدم
، من أجل إبراز سعة علمهم.
أو يقال: أنهم (عليهم السلام) يخبرون بما يعلمون أن الله تعالى لا يمحوه.



1 - بحار الأنوار: 26 / 20 ح 6.
2 - بحار الأنوار: 26 / 20.
3 - بحار الأنوار: 26 / 111 ح 9 باب انهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض.
4 - بحار الأنوار: 26 / 112 ح 10 - 11.
5 - محاضرات الفياض: 5 / 337 عن الاحتجاج وأمالي الصدوق والتوحيد.
128
* الاحتمال الخامس:
علمهم بما يحتاج إليه الناس وبأمورهم
تقدم بعض هذه الروايات في الثالث.
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " لا يحتج الله تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون
عنده كل ما يحتاجون إليه " (1).
والروايات في هذا المضمون كثيرة (2).
وقال (عليه السلام): " ان الله أحكم وأكرم وأجل وأعلم من أن يكون احتج على عباده
بحجة ثم يغيب عنه شيئا من أمرهم ".
وله ألفاظ أخرى (3).
وفي حديث وقد سئل عن حال الإمام أيسأل عن الحلال والحرام والذي
يحتاج الناس إليه فلا يكون عنده شئ؟
قال (عليه السلام): " لا، ولكن قد يكون عنده ولا يجيب " (4).



1 - الكافي: 1 / 262 ح 5 باب انهم يعلمون ما كان ويكون.
2 - بحار الأنوار: 26 / 138 ح 7 - 8، وبصائر الدرجات: 122.
3 - بحار الأنوار: 26 / 137 ح 1 - 2 - 4 - 6 - 15، وبصائر الدرجات: 122.
4 - بصائر الدرجات: 44 ح 4 باب ان عندهم الحلال والحرام.
129
* الاحتمال السادس:
عندهم جوامع العلوم وأصوله
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أعطاني الله خمسا وأعطى عليا خمسا، أعطاني
جوامع الكلم وأعطى عليا جوامع العلم " (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى:
* (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) *.
قال: " الأئمة خاصة " (2).
ونحوه عن أبي جعفر (عليه السلام) (3).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " عندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه
وأواخيه (4) " (5).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): " انا أهل البيت عندنا معاقل العلم وأبواب الحكم
وضياء الأمر " (6).



1 - الفضائل لابن شاذان: 5.
2 - الكافي: 1 / 214 ح 4.
3 - الكافي: 1 / 214 ح 5.
4 - في المنجد: (أواخي وأخايا وأواخ: حبل يدفن في الأرض مثنيا فيبرز منه شبه حلقة تشد
فيها الدابة. يقال: شد الله بينكما أواخي الإخاء.
وقال: توخى الشئ: قصده وتحراه) المنجد: 5.
وقال: (وخى الامر طلبه دون سواه) المنجد: 892.
5 - بحار الأنوار: 26 / 30 - 31 ح 42 - 44.
6 - البحار: 26 / 30 - 31 ح 42 - 44.
131
* الاحتمال السابع:
عندهم علم الملائكة وجميع الأنبياء وكتبهم السابقة
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ان الله علمني علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه
ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلما استأثر به فإذا بدا
لله في شئ منه أعلمنا ذلك، وعرض على الأئمة الذين كانوا قبلنا " (1).
ونحوه عن أبي جعفر (عليه السلام).
وله ألفاظ مشابهة (2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): " ان الله جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) علم النبيين بأسره، وان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) صب ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) " (3).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى
الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين " (4).
وفي حديث ولادة الإمام علي (عليه السلام) وتلاوته كل كتب الأنبياء ومدح النبي له
ما يؤيد هذا الاحتمال (5).
* أقول: الروايات في وراثتهم لعلم الأنبياء كثيرة (6).



1 - الكافي: 1 / 255 - 256 ح 1، وبحار الأنوار: 26 / 159 - 160.
2 - الكافي: 1 / 255 - 256 ح 1 وما بعده، وبحار الأنوار: 26 / 159 - 160 عدة أحاديث.
3 - بحار الأنوار: 26 / 167 ح 21 باب عندهم جميع علوم الملائكة والأنبياء.
4 - بحار الأنوار: 26 / 160 ح 6.
5 - الهداية الكبرى: 100 - 101 باب 2.
6 - الكافي: 1 / 255 - 256 ح 1 وما بعده و 227، وبحار الأنوار: 26 / 159 - 160 عدة
أحاديث، وراجع بصائر الدرجات: 114 - 117.
133
* الاحتمال الثامن:
انهم أعلم من الأنبياء
فعن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: " علمت والله ما علمت الأنبياء والرسل ".
ثم قال لي: " أزيدك؟ ".
قلت: نعم.
قال: " ونزاد ما لم تزد الأنبياء " (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " ان الله خلق أولي العزم من الرسل وفضلهم بالعلم
وأورثنا علمهم وفضلنا عليهم في علمهم، وعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يعلموا وعلمنا
علم الرسول وعلمهم " (2).
* أقول: الروايات كثيرة في تفضيلهم على الأنبياء جميعا، وبعضها يفضلهم
على بعض الأنبياء (3).
وتقدم نحوها في العلم اللدني.
ويؤيد هذه الروايات روايات توسل الأنبياء بآل محمد (عليهم السلام) والتي تقدم
بعضها في مطلع الكتاب الأول (4).



1 - بحار الأنوار: 26 / 198 ح 9 باب انهم أعلم من الأنبياء.
2 - بحار الأنوار: 26 / 194 ح 1، وبصائر الدرجات: 227 ح 1.
3 - يراجع بحار الأنوار: 26 / 194، 200 باب انهم أعلم من الأنبياء، وبصائر الدرجات: 114
باب انهم ورثوا علم آدم.
4 - راجع بحار الأنوار: 26 / 319، 334، باب ان دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل بهم.
135
* الاحتمال التاسع:
علمهم بكل شئ أو بما لا يعلمون
قال تعالى: * (وعلمك ما لم تك تعلم) * (1).
وهذه الآية تفيد ان الله تعالى علم نبيه كل العلوم التي لا يعلمها بلا استثناء،
فتكون الآية ناصة على رفع الجهل كل الجهل عن نبي الهدى (صلى الله عليه وآله).
وقد تقدم معنى الآية مفصلا في العلم اللدني.
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): " ما يخفى على الإمام شئ " (2).
وعن الإمام العسكري (عليه السلام): " ان الله أعطى حجته معرفة كل شئ " (3).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث كلام الشمس مع أمير المؤمنين وقولها له: يا
من هو بكل شئ عليم.
فقال (صلى الله عليه وآله): " قالت الصدق، هو أعلم بالحلال والحرام والسنن والفرائض
وما يشاكل على ذلك " (4).
وعن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " انما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في
السماء وفي موضعه، هو مطلع على جميع الأشياء كلها " (5).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " انهم علموا ما خلق الله وذرأه وبرأه " (6).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: * (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين
) * (7) قال: " في أمير المؤمنين (عليه السلام) " (8).



1 - النساء: 114.
2 - الخرايج والجرايح: 279.
3 - أعلام الورى: 357.
4 - الفضائل لابن شاذان: 70.
5 - بصائر الدرجات: 441 ح 8 باب ذكر عامود النار.
6 - بحار الأنوار: 26 / 116 ح 22.
7 - يس: 12.
8 - بحار الأنوار: 24 / 158 ح 24.
137
وقال (عليه السلام): " أنا رحمت الله التي وسعت كل شئ " (1)
وعن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين (عليه السلام) إلى فاطمة
ابنته فدفعته إلى علي بن الحسين قلت: فما فيه يرحمك الله؟
قال (عليه السلام): " ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى " (2).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي، وأنا علمته
عليا " (3).
وفي حديث: ".. فما علمني شيئا الا علمه علي " (4).
* أقول: ويؤيد هذا الاحتمال ما تقدم في الاحتمال الثاني علمهم بالقرآن الذي
فيه تبيان كل شئ.
ويؤيده الحديث المستفيض: " لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا " (5).
كان هذا ذكر للروايات التي تفيد علمهم لكل شئ بلا ذكر مصاديق العلوم،
ولمن أراد تفصيل " علمهم لكل شئ " فليرجع لما ذكره الشيخ الأربلي في كشف
الغمة والقاضي عياض في الشفاء والسيد اللاري في كتابه (حاجة الأنام إلى النبي
والإمام) (6).



1 - الهداية الكبرى: 400.
2 - البحار: 26 / 54 ح 109 باب جهات علومهم.
3 - تفسير نور الثقلين: 4 / 379.
4 - مناقب ابن المغازلي: 50 - 51 ط. الحياة، وط. طهران: 50 ح 73.
5 - فضائل ابن شاذان: 137، وكشف الغمة: 1 / 170 - 286، والغرر والدرر ذيل حرف لو،
وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 7 / 253 الخطبة 113 و 10 / 142 الخطبة 186،
وبحار الأنوار: 40 / 153 ح 54 و 46 / 135 ح 25، والأنوار النعمانية: 1 / 26 - 35 وقال
أنه مستفيض.
6 - كشف الغمة: 1 / 131 - 134 فضائل علي، والشفا: 1 / 335 - 354 فصل ما اطلع عليه
من الغيوب، وحاجة الأنام: 60 - 61 - 65 إلى 103.
138
علم آل محمد (عليهم السلام) للغيب
* الاحتمال العاشر:
علم آل محمد (عليهم السلام) للغيب
قبل البدء بأدلة الاحتمال لا بأس بالإشارة إلى أن الذي يدعي علم الغيب
للإمام والنبي (عليهم السلام) لا يدعيه على نحو الاستقلالية، بل يدعي ان الله أطلع نبيه وأهل
بيته على الأمور الغيبية التي لم يطلع عليها أحد.
وإن شئت قلت: علم الغيب لذات الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم
الثابت لواجب الوجود والذي هو عين الذات، وهذا مختص بالله ولغيره كفر.
اما العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالى وليس هو عين الذات، فهذا الذي
علمته الأئمة ورسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال تعالى: * (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) *.
وعلى هذا يحمل قوله تعالى: * (قل لا أقول عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب
ولا أقول لكم اني ملك ان اتبع إلا ما يوحى إلي) * فنفى امتلاكه لخزائن الله ولم ينف
امكان تمليك الله خزائنه له أو لأي بشر آخر، وكذلك نفى كونه ملكا مع أنه أفضل
من الملك، وقال: * (اتبع ما يوحى إلي) *.
وليعلم أيضا ان الغيب اما نسبي واما مطلق، لأن الغيب هو الاطلاع على
الأمور الغيبية التي خفت عن الناس، وتارة يطلع الله عبده على أمر غيبي واحد
وأخرى يطلعه على مائة وثالثة يطلعه على كل الأمور الغيبية.
ولذا ما يأتي من روايات تارة يدل علمهم للغيب المطلق، وأخرى علمهم
لبعض الأمور الغيبية.
فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: " والله لقد أعطينا علم الأولين
والآخرين ".
فقال له رجل من أصحابه: " جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟
فقال له (عليه السلام): " ويحك اني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم
وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن

139
يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن
أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم " (1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: " ان الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا
وتنزيلا وأطلعك عليه إلهاما " (2).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): " يا مفضل ان العالم منا يعلم حتى تقلب جناح
الطير في الهواء، ومن أنكر من ذلك شيئا فقد كفر بالله من فوق عرشه، وأوجب
لأوليائه الجهل " (3).
وقيل لابي جعفر (عليه السلام): ان شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجلة. وكانا
جالسين على دجلة.
فقال له أبو جعفر (عليه السلام): " يقدر الله عز وجل أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة
من خلقه؟ "
قال: نعم.
فقال (عليه السلام): " أنا أكرم على الله من بعوضته، ثم خرج " (4).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة يصف فيها الإمام: " فهو الصدق والعدل..
يطلع على الغيب ويعطى التصرف على الاطلاق " (5).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): " يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب
عنه شئ من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد، وانا لنشهد أعمالكم ولا
يخفى علينا شئ من أمركم، وان أعمالكم لتعرض علينا، وإذا كانت الروح وارتاض
البدن أشرقت أنوارها، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب " (6).



1 - بحار الأنوار: 26 / 28 ح 28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب: 3 / 374.
2 - مشارق أنوار اليقين: 135 - 136 و 25.
3 - مشارق أنوار اليقين: 135.
4 - اثبات الوصية: 191 - 192.
5 - مشارق أنوار اليقين: 115.
6 - مشارق أنوار اليقين: 138.
140
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه
ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألا وإني
مفضيه إلى الخاصة " (1).
وقال (عليه السلام): " فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين
الساعة ولا عن فئة تهدي مئة وتضل مئة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها " (2).
وقال (عليه السلام): " أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني
بطرق الأرض " (3).
وقالت عائشة للحسن (عليه السلام) بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير ولم
يطلع عليه أحد سواها: يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب، فمن ذا الذي
أخبرك بهذا عني!! (4).
وعندما أخبرها بخفايا ضميرها وما أخبرها به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حربها
الأمير (عليه السلام) قالت: جدك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك؟!
قال: " هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين (عليهم السلام) " (5).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الغيب درجات منها سماع ومنها نبت في القلب " (6)
.
وقال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لمن سأله عن القائم المنتظر عجل الله
فرجه: " ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم
فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر " (7).
وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): " ألا إن للعبد أربع أعين: عينان يبصر بهما



1 - نهج البلاغة: 250 الخطبة 175.
2 - نهج البلاغة: 137 خ 93.
3 - نهج البلاغة: 280 خ 189.
4 - الهداية الكبرى: 197 - 198، ذيل الباب الرابع.
5 - المصدر السابق.
6 - الهداية الكبرى: 76 الباب الأول.
7 - الهداية الكبرى: 334 باب 13.
141
أمر دينه ودنياه، وعينان يبصر بهما أمر آخرته، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له
العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته [وأمر آخرته] " (1).
ورواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ: " ما من عبد إلا وفي وجهه عينان
يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد بعبد خيرا
فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعده بالغيب، فآمن بالغيب على الغيب "
(2).
وفي قصة أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبا حنيفة ما يؤكد علم الإمام
الكاظم (عليه السلام) للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه: جئنا لنسأله عن الفرض والسنة
وهو الآن جاء بشئ من علم الغيب.
فسألاه من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك انه يموت في هذه الليلة؟
قال الإمام (عليه السلام): " من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي
طالب (عليه السلام) " (3).
وأيضا في قصة اخبار الإمام الرضا (عليه السلام) ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل
الشك في الباب حيث قال (عليه السلام) له: " ان أخبرتك انك ستبلى في هذه الأيام بذي
رحم لك كنت مصدقا لي؟ "
قال: لا، فان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.
قال (عليه السلام): " أوليس الله يقول: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من
ارتضى من رسول) * فرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول
الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وان
الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيام، فإن لم يصح ما قلت فبهذه المدة،
وإلا فاني كذاب مفتر، وان صح فتعلم انك الراد على الله وعلى رسوله.
ولك دلالة أخرى فتصاب ببصرك وتصير مكفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبالا وهذا



1 - الخصال: 1 / 240 ح 90 باب الأربعة.
2 - كنز العمال: 2 / 42 ح 3043.
3 - الخرايج والجرايح: 287 - 288 الباب الثامن.
142
كائن بعد أيام.
ولك عندي دلالة أخرى انك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص ".
قال محمد بن الفضل: بالله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب (1).
* أقول: هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلا ناصبي.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: " والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد
سماوي، وأمر إلهي وروح قدسي، ومقام علي ونور جلي وسر خفي، فهو ملك الذات
إلهي الصفات، زائد الحسنات عالم بالمغيبات، خصا من رب العالمين ونصا من
الصادق الأمين " (2).
وعن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) لما أخبر أم الفضل بنت المأمون بما فاجأها مما
يعتري النساء عند العادة.
قالت له: لا يعلم الغيب إلا الله.
قال (عليه السلام): " وأنا أعلمه من علم الله تعالى " (3).
* أقول: وهذه رواية أخرى تنص على علمهم للغيب فلا تغفل وأزل الشك
من قلبك.
وفي خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها: " ويلبس الهيبة
وعلم الضمير، ويطلع على الغيب ويعطى التصرف على الإطلاق " (4).
هذه روايات الغيب المطلق.
- واما روايات اخبارهم بأمور غيبية فهي كثيرة جدا، بل هي من معاجز آل
محمد (عليهم السلام)، وقد تقدم الكثير منها في الأبحاث السابقة كعلمهم بما في الضمائر وأعمال
العباد، وكعلمهم بما يكون وما يأتي.
1 - ومنها اخبارات النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وتربته



1 - الخرايج والجرايح: 306 - 307 الباب التاسع.
2 - بحار الأنوار: 25 / 172 ح 38 باب جامع في صفات الإمام.
3 - الإرشاد إلى ولاية الفقيه: 254.
4 - مشارق أنوار اليقين: 115.
143
وزواره والبكاء عليه وما يجري له (1).
واخباراته (صلى الله عليه وآله) أيضا بخروج عائشة لقتال فرقة من المسلمين ونبح كلاب
الحوأب لها (2).
وأخباراته (صلى الله عليه وآله) بما يجري على ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الظلم (3).
* أقول: اخبارات النبي لا يمكن حصرها بهذه الرسالة (4).
بل ادعى القاضي عياض تواتره (5).
2 - ومنها أخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين وقاتله (6).
واخباره (عليه السلام) طلحة والزبير انهما لا يريدان العمرة انما البصرة (7).
وأخباره (عليه السلام) بقضية الخوارج وصاحب الثدية (8).
واخباره (عليه السلام) عن قتل نفسه (9).
واخباره (عليه السلام) بقتل ميثم التمار وصلبه (10).



1 - المجم الأوسط للطبراني: 7 / 170 ح 6312، وصحيح ابن حبان: 8 / 262 ح 6707،
وأمالي الشجري: 1 / 177، والمعجم الكبير: 3 / 105 ترجمة الحسين، ومجمع الزوائد:
9 / 301.
2 - مروج الذهب: 2 / 357، وكنز العمال: 11 / 197 - 343 ح 31208 - 31668، والإمامة
والسياسة: 1 / 82، والمستدرك: 3 / 120، وصحيح ابن حبان: 7 / 151 ح 6272،
ومسند ابن راهويه: 3 / 891 ح 1569، والمصنف لعبد الرزاق: 11 / 365 ح 20753.
3 - وفاة الزهراء للمقرم: 57، وكشف الغمة 1: 148.
4 - أعلام الورى: 42 إلى 45، والهداية الكبرى: 42 - 43 - 60 - 62 - 66، ومناقب آل أبي
طالب: 1 / 140.
5 - الشفا: 1 / 336 فصل في ما اطلع عليه من الغيوب.
6 - كشف اليقين: 90 ح 79، وأسد الغابة: 4 / 169، والفتوح لابن أعثم: 1 / 210، والفضائل
الخمسة: 3 / 343، وترجمة الحسين: 236.
7 - مروج الذهب: 2 / 406، والارشاد: 1 / 317 فصل 61.
8 - مروج الذهب: 2 / 406، والارشاد: 1 / 317 فصل 61.
9 - مسند أحمد: 1 / 156، والارشاد: 1 / 320.
10 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2 / 291 الكلام 37.
144
* أقول: اخبارات أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمغيبات كثيرة لا مجال لذكرها هنا
(1).
3 - ومنها اخبار فاطمة الزهراء (عليها السلام) بموتها ومكان دفنها (2).
4 - ومنها اخبار الإمام الحسن (عليه السلام) عائشة بما فعلته يوم وفاة الأمير (3)،
وغيرها من اخباراته (4).
5 - ومنها اخبار الحسين (عليه السلام) بقتله (5) وبكثير من الأمور الغيبية
الأخرى (6).
6 - ومنها اخبار الإمام زين العابدين (عليه السلام) بكثير من الغيب (7).
7 - ومنها اخبار الإمام الباقر (عليه السلام) باستخلاف عمر بن عبد العزيز واخباره
بأمور أخرى (8).



1 - شرح النهج لابن ميثم: 3 / 161 - 346 و 2 / 153، وكشف الغطاء: 13، وسفينة البحار:
1 / 373 و 2 / 335، وبحار الأنوار: 53 / 189، ومرآة العقول: 3 / 117، وبصائر
الدرجات: 298 - 356، والطرائف: 1 / 73، والمحجة البيضاء: 4 / 195 إلى 203،
والهداية الكبرى: 128 - 132 إلى 137 و 146 و 148 و 151 و 154 و 160 و 166، وكشف
اليقين للحلي: 90 - 101، وكشف الغمة: 1 / 273 إلى 286، والارشاد: 1 / 314 إلى 330
، والخرايج والجرايح: 174 إلى 193 و 208 إلى 210 و 213، وكشف الغطاء: 13 - 14،
وأعلام الورى: 173 - 174، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2 / 286 إلى 295 شرح
الكلام 37 وذكر عدة نماذج.
2 - فضائل الصحابة: 2 / 629، وكشف الغمة: 2 / 42، والفضائل الخمسة: 3 / 198.
3 - مشارق أنوار اليقين: 86، والهداية الكبرى: 197.
4 - الخرايج والجرايح: 220 إلى 223 باب 3، والهداية الكبرى: 186 و 190 و 194 و 195.
5 - مشارق أنوار اليقين: 88، والهداية الكبرى: 203 - 205.
6 - الخرايج والجرايح: 226 إلى 231، والهداية الكبرى: 205 إلى 207 باب 5.
7 - الخرايج والجرايح: 238 باب 5، وجامع كرامات الأولياء: 2 / 256، والهداية الكبرى:
222 إلى 225 باب 6.
8 - مشارق أنوار اليقين: 90 - 91، والخرايج والجرايح: 244 - 246 إلى 249 و 251 و 256
باب 6، وجامع كرامات الأولياء: 1 / 133، والهداية الكبرى: 241 باب 7.
145
8 - ومنها أخبار الإمام الصادق (عليه السلام) بصنيعة أبا كهمش مع الجارية، وبظلم
إبراهيم بن مهزم لأمه، وبزنا بعض الناس، وما شابه من اخباراته (1).
9 - ومنها اخبار الإمام الكاظم (عليه السلام) بكثير من الأمور الغيبية (2).
10 - ومنها اخبار الإمام الرضا (عليه السلام) في عدة وقائع معروفة (3).
11 - ومنها اخبار الإمام الجواد (عليه السلام) في مكان الشاة وعلمه بما أضمره محمد
ابن علي الهاشمي ونحوها (4).
12 - ومنها اخبار الإمام علي الهادي (عليه السلام) في وقائع متعددة (5).
13 - ومنها اخبار الإمام العسكري (عليه السلام) وهو مستفيض (6).
14 - وآخرها أخبار من صاحب الغيبة الحجة القائم المنتظر - أرواح العالمين
لتراب مقدمه الفداء (7).
- ونحو ذلك من اخباراتهم عليهم صلوات المصلين (8).
هذا ويأتي في الخاتمة اخبارات الأئمة جميعا بموتهم وكيفيته، وهو من الأمور
الغيبية أيضا.



1 - أعلام الورى: 269، وجامع كرامات الأولياء: 2 / 4 - 5، والهداية الكبرى: 250 إلى 253
و 256 باب 8، وراجع بصائر الدرجات: 242 باب انهم يخبرون شيعتهم بأفعالهم.
2 - الخرايج والجرايح: 280 - 275 - 299 باب 8، وجامع كرامات الأولياء: 1 / 407،
والهداية الكبرى: 267 إلى 27 باب 9.
3 - أعلام الورى: 310، والخرايج والجرايح: 306 - 323 - 324 - 326 باب 9، وجامع
كرامات الأولياء: 2 / 257 - 258، والهداية الكبرى: 288 إلى 291 باب 10.
4 - أعلام الورى: 334 - 335، والخرايج والجرايح: 335 - 338 باب 10، والهداية الكبرى:
300 إلى 306 باب 11.
5 - أعلام الورى: 341، والهداية الكبرى: 314 إلى 319 باب 12.
6 - أعلام الورى: 352 - 356، والهداية الكبرى: 329 إلى 335 و 340 إلى 349 باب 13.
7 - أعلام الورى: 422، والهداية الكبرى: 359 و 369 و 370 باب 14، والأنوار النعمانية: 2
/ 23.
8 - راجع الاختصاص: 12 / 306 - 304، والرسائل الثمانية: 384.
146
الآيات الدالة على علم آل محمد (عليهم السلام) للغيب
الآيات الدالة على علم النبي للغيب
* الآية الأولى قوله تعالى:
* (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) * (1).
فظاهر الآية امكان اطلاع من يرتضيه الله لغيبه، وهي لا تحدد مقدار الغيب،
بل تبقى على اطلاقها.
وقد جاءت الرواية ان محمدا وآل محمد ارتضاهم الله لذلك:
فقال الإمام الرضا (عليه السلام) لعمرو بن هذاب عندما نفى عن الأئمة (عليهم السلام) علم
الغيب محتجا بهذه الآية: " ان رسول الله هو المرتضى عند الله، ونحن ورثة ذلك
الرسول الذي اطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة " (2).
وقال أبو جعفر (عليه السلام): " * (إلا من ارتضى من رسول) * وكان والله محمد ممن
ارتضاه " (3).
* الآية الثانية قوله تعالى:
* (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - تلك من أنباء الغيب نوحيها
إليك) * (4).
وهذا نص صريح في علم النبي (صلى الله عليه وآله) لأمور غيبية منا منه تعالى على نبي الهدى
صلوات الله عليه وآله.
* الآية الثالثة قوله تعالى:
* (وعلمك ما لم تكن تعلم) * (5).
وقد تقدم الكلام في الآية في العلم اللدني.



1 - الجن: 26.
2 - بحار الأنوار: 12 / 22 و 15 / 74.
3 - الارشاد إلى ولاية الفقيه: 257، وقريب منه في الخرايج والجرايح: 306.
4 - آل عمران: 44، هود: 49، يوسف: 102.
5 - النساء: 113.
147
* الآية الرابعة قوله تعالى:
* (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) * (1).
والإمام المبين هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
فعن الإمام الباقر (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا: يا رسول الله من
الكتاب المبين أهو التوراة؟
قال (صلى الله عليه وآله): " لا ".
قالا: فهو الإنجيل.
قال (صلى الله عليه وآله): " لا ".
قالا: فهو القرآن؟
قال (صلى الله عليه وآله): " لا ".
فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " هذا هو الإمام المبين الذي
أحصى الله فيه كل شئ " (2).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " أنا والله الإمام المبين أبين الحق من الباطل
ورثته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (3).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي وأنا علمته
عليا، وقد أحصاه الله في، وكل علم علمته فقد أحصيته في إمام المتقين وما من علم



1 - يس: 12.
2 - ينابيع المودة: 1 / 77 ط. اسلامبول و 87 ط. النجف، ومشارق أنوار اليقين: 103 و 55،
وتفسير نور الثقلين: 4 / 379 مورد الآية ولكن بتسمية الرجلين: أبو بكر وعمر، وتفسير
الميزان: 17 / 70 عن معاني الأخبار، والانسان الكامل: 153 عن الفصول المهمة في
أصول الأئمة باب أن لكل واقعة حكم.
3 - تفسير نور الثقلين: 4 / 379 عن تفسير القمي.
149
إلا علمته عليا " (1).
وجاء في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) مع المفضل وكشفه عن قبر أمير
المؤمنين (عليه السلام) ما يؤيد ذلك قال المفضل: ودخلنا من مزارنا منها (بقعة أمير المؤمنين)
إلى مولانا الصادق (عليه السلام) فوقفنا بين يديه.
فقال (عليه السلام): " والله يا مفضل ويا صفوان ما خرجتما عن البقعة عقدا واحدا،
ولا نقصتما عنها قدما ".
فقلنا: الحمد لله ولك يا مولاي وشكرا لهذه النعمة.
وقرأ (عليه السلام): * (وكل شئ أحصيناه كتابا) * وقوله: * (وكل شئ أحصيناه في
إمام مبين) * (2).
وعن صالح بن سهل عن جعفر الصادق عليه السلام قال: " * (وكل شئ
أحصيناه في إمام مبين) * في أمير المؤمنين صلوات الله عليه نزلت " (3).
وعن عمار بن ياسر قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) سائرا فمررنا بواد
مملوءة نملا فقلت: يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله يعلم عدد هذا النمل؟
قال (عليه السلام): " نعم يا عمار أنا أعرف رجلا يعلم كم عدده وكم فيه ذكر وكم فيه
أنثى ".
فقلت: من ذلك الرجل؟
فقال: " يا عمار أما قرأت في يس * (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) *؟ "
فقلت: بلى يا مولاي.
قال: " أنا ذلك الإمام المبين " (4).



1 - تفسير نور الثقلين: 4 / 379 عن الاحتجاج.
2 - الهداية الكبرى:: 98 الباب الثاني.
3 - ينابيع المودة: 1 / 77 ط. اسلامبول و 87 ط. النجف.
4 - ينابيع المودة: 1 / 77 ط. اسلامبول و 87 - 88 ط. النجف.
150
وقال المتتبع العلامة الجزائري: فقد تحقق في الأخبار العامة والخاصة ان قوله
تعالى: * (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) * المراد به علي بن أبي طالب (1).
وعن طاهر بن الحسن في حديث انتسابه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " أنا
طاهر بن الحسن بن.... بن علي بن أبي طالب الذي أنزل الله فيه * (وكل شئ
أحصيناه في إمام مبين) * هو والله الإمام المبين، ونحن الذين أنزل الله في حقنا:
* (ذرية بعضها من بعض) * " (2).
* أقول: ذكر في بعض التفاسير ان الإمام المبين هو اللوح المحفوظ، وان الله
عبر عن اللوح بألفاظ متعددة كأم الكتاب والكتاب المبين (3).
وروي عن مجاهد أن الإمام المبين هو أم الكتاب (4).
وعن قتادة أن الإمام المبين هو الكتاب المبين (5).
وإذا صح ذلك فقد تقدم ان اللوح المحفوظ هو أمير المؤمنين (عليه السلام) (6).
وسوف يأتي في الآية التالية انهم هم الكتاب المبين.
ومن طريق آخر تقدم في الكتاب الأول ان أول ما خلق الله اللوح المحفوظ
وان أول ما خلق الله محمد وعلي والأئمة (عليهم السلام).
وهذا يشير إلى انهم اللوح المحفوظ الذي حفظ الله فيه كل شئ أحصاه بعلمه
وقدرته فتأمل.
ومن طريق ثالث تقدم في الكتاب الأول استفاضة الأخبار بأن عندهم علم
الكتاب وانهم المرادون بقوله تعالى: * (ومن عنده علم الكتاب) *.



1 - الأنوار النعمانية: 1 / 47.
2 - الأنوار النعمانية: 2 / 18.
3 - تفسير الميزان: 17 / 67 مورد الآية.
4 - الدر المنثور: 5 / 260 - 261 مورد الآية.
5 - الدر المنثور: 5 / 260 - 261 مورد الآية.
6 - في الاحتمال الأول.
151
هذا وقد فسر علم الكتاب باللوح المحفوظ، كما نقله الشوكاني في تفسيره (1)
.
فينتج: كونهم (عليهم السلام) الإمام المبين واللوح المحفوظ والكتاب المبين الذي خص
الله فيه كل شئ، وهذا يشمل كل الأمور الغيبية لأنها لا تخرج عن الشيئية، بل
الآية مطلقة لكل أمر أمر.



1 - الفتح القدير: 3 / 91 سورة الرعد: 43.
152
* الآية الخامسة قوله تعالى:
* (ورحمتي وسعت كل شئ) * (1).
فروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسيرها: " علم الإمام، ووسع علمه الذي
هو من علمه كل شئ " (2)
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أنا رحمت الله التي وسعت كل شئ " (3).
* الآية السادسة قوله تعالى:
* (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا
أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * (4).
وقال عز من قائل:
* (وكل شئ أحصيناه كتابا) * (5).
فهذه الآية تدل على إمكان كون علم كل هذه الأمور الشاملة لعلم الحاضر
والماضي والمستقبل ولعلم الغيب، يمكن أن يحصيها حاص وهو الكتاب المبين.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة ان آل محمد صلوات الله عليهم جميعا هم
الكتاب المبين (6).
ومن طرق ثاني تقدم ان الكتاب المبين هو الإمام المبين، وتقدم أيضا انهم هم
الإمام المبين في كل زمان.



1 - العراف: 156.
2 - نور الثقلين: 2 / 78 ح 288 عن الكافي.
3 - الهداية الكبرى: 400.
4 - يونس: 61، وسبأ: 3.
5 - النبأ: 29.
6 - راجع مشارق أنوار اليقين: 136.
153
وفي المناقب سئل علي (عليه السلام) ان عيسى بن مريم كان يحيي الموتى وسليمان بن
داود كان يفهم منطق الطير، هل لكم هذه المنزلة؟
قال (عليه السلام): " ان الله يقول في كتابه: * (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في
كتاب مبين) * فنحن أورثنا هذا القرآن الذي فيه ما يسير به الجبال وقطعت به
البلدان ويحيى به الموتى، وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شئ " (1).
ويشير إلى ذلك أيضا ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): فعن المفضل قال:
دخلت على الإمام الصادق (عليه السلام) ذات يوم فقال لي: " يا مفضل هل عرفت محمدا
وعليا وفاطمة والحسن والحسين: كنه معرفتهم؟ ".
قلت: يا سيدي ما كنه معرفتهم؟
قال: " يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى ".
قال: قلت: عرفني ذلك يا سيدي؟
قال (عليه السلام): " يا مفضل تعلم انهم علموا ما خلق الله عز وجل وذرأه وبرأه،
وانهم كلمة التقوى وخزان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار، وعلموا
كم في السماء من نجم وملك، ووزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها، وما
تسقط من ورقة إلا علموها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في
كتاب مبين، وهو في علمهم وقد علموا ذلك " (2).



1 - ينابيع المودة: 1 / 81 ط. النجف و 1 / 71 ط. تركيا.
2 - البحار: 26 / 116 ح 21 باب انهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض، وإلزام الناصب:
1 / 12.
154
* تمحيص الاحتمالات
علم أن سعة علمهم مردد بين: (العلم بما في اللوح المحفوظ - العلم بالقرآن -
العلم بما في السماوات والأرض والجنة والنار - العلم بما كان ويكون - علمهم بما
يحتاج إليه الناس - عندهم جوامع ومعدن العلوم - عندهم علم جميع الملائكة
والأنبياء - انهم أعلم من الملائكة وأولي العزم - العلم بكل شئ لا يعلمونه - العلم
بالغيب).
وهذه الاحتمالات ليست متنافية فيما بينها لإمكان التداخل، فما أثبت لهم
العلم باللوح المحفوظ لم ينف العلم بالقرآن ولا بقية الاحتمالات، وهكذا بالنسبة لكل
احتمال احتمال.
وعليه فجمعا بين هذه الاحتمالات نقول: انهم يعلمون اللوح المحفوظ
والقرآن، وما في السماوات والأرض وما كان وما يكون وما يحتاج إليه الناس
وأمورا غيبية أخرى.
ويكون سبب هذه الاختلافات في الأجوبة: اما عدم تحمل السائل لعلمهم
كما في روايات علمهم بالقرآن.
واما لأن العلم باللوح المحفوظ يشمل كل العلوم قال تعالى: * (وما يعزب عن
ربك من مثقال ذرة في الأرض وفي السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب
مبين) * (1).
وقال تعالى: * (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) * (2).
واما لان العلم بالقرآن هو نفسه يرجع إلى علمهم بكل شئ، لأن القرآن فيه
تبيان كل شئ (3)، ويرجع لما يحتاج إليه الناس لأنهم يعتمدون على القرآن في



1 - يونس: 61.
2 - البروج: 22.
3 - لصدر المتألهين كلام يبرهن على ذلك فليراجع. حاجة الأنام: 100، وسرح العيون: 427
- 429.
155
التشريع.
والعلم بكل شئ يشمل كل الاحتمالات السابقة لأنه كانت ألسنتها ان الله
أعلمهم بما لا يعلمون، ولم يستثن شيئا، وبعضها انه أعلمهم بكل شئ، وهذا يشمل
كل العلوم الغيبية وغيرها.
واما مسألة علمهم بعلوم الأنبياء، ثم في الاحتمال الآخر انهم أعلم من
الأنبياء، فهذا ما أشار إليه الإمام الباقر (عليه السلام) عندما أخبر ان الله جمع للنبي كل علوم
الأنبياء والنبي (صلى الله عليه وآله) جمعها لعلي.
فقال السائل: يا بن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟
فتعجب الإمام منه (1).
فالروايات التي قالت إنه ورث أو تعلم علم كل الأنبياء بنفسها تدل انه أعلم
منهم، لأنه يكون قد جمع ما تفرق في كل واحد منهم (عليهم السلام).
ويؤيده ما ورد انه: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه فلينظر إلى علي ومن
أراد أن ينظر إلى موسى في بطشه فلينظر إلى علي " (2).
وهكذا في بقية صفات الأنبياء (عليهم السلام).
فهو جمع العلم والشجاعة والحلم المتفرق بهم.
هذا، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من رأى عليا فقد رأى أولي العزم من الرسل
" (3).
ولم يكن علي (عليه السلام) يشبه الأنبياء بصفاته الخلقية، فيتعين الشبه بالصفات
الخلقية.
وعلم الغيب أيضا يشمل علمهم بما يكون لأنه اخبار عن أمور غيبية.



1 - بحار الأنوار: 26 / 167 ح 21 باب انهم عندهم علم الملائكة.
2 - كتاب الأربعين: 71، ومناقب ابن المغازلي: 147 ط. الحياة، وط. طهران: 212 ح 256،
وفتح الملك العلي: 70، وكتاب الأمالي: 1 / 133.
3 - شرح دعاء الصباح: 121 الهامش.
156
وعليه فالمتعين هو علمهم بكل شئ، وبه قال العلامة الطباطبائي انه
متواتر (1). وهو مساوق للعلم بالغيب.
وإن شئت قلت: علمهم بكل علم ممكن، كما تقدم عن النبي (صلى الله عليه وآله):
" معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي وأنا علمته عليا " (2).
وقد تقدم في العلم اللدني كلام الغزالي في الوحي والعلم الرباني للنبي، وانه
يقتضي العلم بكل شئ قال: فيحصل جميع العلوم لتلك النفس وينتقش فيها جميع
الصور من غير تعلم وتفكر ومصداق هذا قوله تعالى لنبيه: * (وعلمك ما لم تكن
تعلم) * (3).
ويأتي علم الأئمة بموتهم على التفصيل، والتي هي أمور غيبية.
وعلم الغيب لابد أن يكون داخلا تحت هذا الشئ.
اما ما ورد في نفي علم الغيب عنهم فلما تقدم انهم ينفونه بكونه صفة لواجب
الوجود، وانه عين الذات، فالنفي كان لعلم الغيب الاستقلالي، ولم ينفوه بما هو من
الله تعالى.
قال العلامة المجلسي: (قد عرفت مرارا ان نفي علم الغيب عنهم معناه انهم لا
يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام وإلا، فظاهر أن عمدة
معجزات الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) من هذا القبيل) (4).
وللعلامة الأميني كلام مشابه جميل لا بأس بالرجوع إليه (5).
ومما يؤيد ذلك قصة الإمام الجواد (عليه السلام) مع ابنة أم جعفر حيث علم منها ما لا
يعلمه إلا الله فسألته أم جعفر قائلة: فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلا الله وهي؟.



1 - تفسير الميزان: 18 / 192، الإحقاق: 1 - 14.
2 - تفسير نور الثقلين: 4 / 379، ومناقب ابن المغازلي: 50 ح 73 مع تفاوت.
3 - الرسالة اللدنية: 69 وتقدم كلامه مفصلا.
4 - بحار الأنوار: 26 / 103 باب انهم لا يعلمون الغيب ح 6.
5 - الغدير: 5 / 52 إلى 65.
157
فقال (عليه السلام): " وأنا أيضا أعلمه من علم الله " (1).
وبعد هذا لا يصار إلى ما ذكره الشيخ المفيد (قده) في أوائل المقالات (2) من
نسبة علم الغيب إلى المفوضة، حيث فسر علم الغيب بأنه من علم الأشياء بنفسها لا
بعلم مستفاد، فكأنه وقع خلط بين العلم الثابت لله كصفة لواجب الوجود وهو علم
استقلالي نابع من ذات الباري عزت آلاؤه، وبين العلم الذي يوصف به آل
محمد (عليهم السلام) والذي هو من تعليم الله تعالى، فليس هو بالعلم الاستقلالي ولا يعد صفة
لواجب الوجود.
فالأئمة يعلمون الأمور الغيبية من علم الله، كما بيناه.
* فينتج:
أولا: أن علم الغيب لا يؤدي إلى التفويض المحرم، وان كان بمعنى التفويض
الصحيح (3).
ثانيا: شمول علم الأئمة (عليهم السلام) لعلم الغيب كما تقدم.
ثالثا: بقية الاحتمالات في سعة علم آل محمد (عليهم السلام) لا تنافي علم الغيب.
رابعا: أن زمن امتلاك آل محمد (عليهم السلام) لعلم الغيب هو عالم الأنوار والأظلة.
خامسا: أن علمهم لدني غير كسبي مصدره الله تعالى بلا توسط مخلوق.



1 - مشارق أنوار اليقين: 99.
2 - أوائل المقالات: 68 القول 42.
3 - قد تقدم معاني التفويض في الكتاب الأول.
158
الخاتمة / علم آل محمد (عليهم السلام) بزمان موتهم
الخاتمة في أمور
* الامر الأول:
* علم آل محمد (عليهم السلام) بزمان ومكان موتهم
فعن بعض أصحابنا قال: قلت للرضا (عليه السلام) الإمام يعلم إذا مات؟
قال: " نعم، يعلم بالتعليم حتى يتقدم في الأمر ".
قلت: علم أبو الحسن بالرطب والريحان المسمومين الذين بعث إليه يحيى بن
خالد.
قال: " نعم " (1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " ان أبي مرض مرضا شديدا - إلى أن قال - اني
ميت يوم كذا وكذا، "
قال: فمات في ذلك اليوم (2).
وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) يعلم بموته على التفصيل (3).
وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يعلم بموته وبقاتله على التفصيل (4).
بل نقل الراوندي تواتره (5).
وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم متى يموت وبأي أرض يموت ومن يستشهد
معه (6).



1 - بصائر الدرجات: 481 باب علمهم بموتهم ح 3.
2 - بصائر الدرجات: 481 باب علمهم بموتهم ح 2.
3 - الخرايج والجرايح: 303 باب 9.
4 - راجع أصول الكافي: 1 / 259 ح 4 من باب علمهم بموتهم.
5 - الخرايج والجرايح: 190 الباب الثاني.
6 - مشارق أنوار اليقين: 88، والهداية الكبرى: 203 - 204 باب 5.
159
وكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) كذلك، فقامت واغتسلت وأوصت (1).
بل ورد ان أصحاب الكساء صلوات الله عليهم يعلمون ما يحل بهم في عالم
الأظلة والأنوار (2).
وكذلك الإمام الرضا (عليه السلام) حيث قال لابن جهم: " فإنه سيقتلني بالسم وهو
ظالم لي، أعرف ذلك بعهد معهود إلي من آبائي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا علي
ما دمت حيا " (3).
والإمام زين العابدين قال للإمام الباقر (عليهما السلام): " يا بني ان هذه الليلة التي
أقبض فيها " (4).
بل ورد ان علمهم بموتهم من علامات إمامتهم:
قال الإمام الصادق (عليه السلام): " أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس
ذلك بحجة لله على خلقه " (5).
* أقول: هذه جملة من الأحاديث الدالة انهم يعلمون بموتهم على التفصيل،
ولا يمكن لمنكر أن ينكر عليهم ذلك، فان ما تقدم من أحاديث ملزم لمن كان له قلب
أو ألقى السمع وهو شهيد.
هذا وما تقدم من أحاديث في سعة علمهم وكيفيته وزمانه وجهاته، كله يدل
انهم يعلمون بموتهم، لأن علمهم بكل شئ شامل لذلك، وعلمهم بالغيب شامل له
أيضا، وكون علمهم لدنيا حاضرا فيهم شامل أيضا لذلك.



1 - الفضائل الخمسة: 3 / 198، ومقتل الخوارزمي: 1 / 85، وفضائل الصحابة: 2 / 629،
وكشف الغمة: 2 / 42.
2 - الهداية الكبرى: 408.
3 - بحار الأنوار: 25 / 136 كتاب الإمامة باب جامع في صفات الإمام ح 5، وجامع كرامات
الأولياء: 2 / 256.
4 - أصول الكافي: 1 / 259 ح 3 من باب علمهم بموتهم.
5 - أصول الكافي: 1 / 258 ح 1، وبصائر الدرجات: 484 ح 13.
160
نعم، أنكر من أنكر العلم بموتهم من جهة اشكال معروف، وهو أنه إذا علم
بموته بالسم والقتل كيف يقدم عليه؟!
وهل يكون الإمام يعين قاتله على نفسه؟!
وهل يعتبر ذلك رميا للنفس في التهلكة؟!
إلا أنه يمكن رفع هذا الإشكال بعدة إجابات ترفع حجة القول بإنكار علمهم
بموتهم، فنقول وبالله المستعان ومن آل محمد توسط المعونة:

161
* دفع اشكال معرفة الإمام بموته
* الجواب الأول: ان يقال ان حالهم حال الشهداء الأبرار، بل هم أفضل،
فان بعض الشهداء يعلمون بزمان ومكان استشهادهم، والعرف لا يحكم عليهم
بالتهلكة وقتل النفس، فان العمليات الاستشهادية التي يقوم بها أبدال أهل الشام
في ألوية حزب الله، أكبر دليل على التضحية والفداء، يخرجون من مقرهم
بسياراتهم المفخخة ويسير أحدهم إلى الهدف اليهودي حتى إذا ما وصل إليه أطلق
زر التفجير، فتنفجر سيارته بالأعداء وهو في داخلها، فعند حله لزر الأمان يعلم
بموته على التفصيل، ومع ذلك يقدم من أجل هدف أسمى وتنفيذ الأوامر الإلهية
المأخوذة على عاتقه.
* الجواب الثاني: أن يكون الإمام (عليه السلام) عند موته مخيرا بين الموت والبقاء،
ولكنه يختار الأفضل لعلمه ان الآخرة ولقاء الله تعالى خير له من البقاء في الدنيا.
ويدل عليه ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): " نحن معشر إذا لم يرض الله
لأحدنا الدنيا نقلنا إليه " (1).
وحديث الإمام الرضا (عليه السلام): " رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) البارحة وهو يقول: يا
علي عندنا خير لك " (2).
وحديث الإمام الباقر (عليه السلام) أيضا قال: " أنزل الله تعالى النصر على
الحسين (عليه السلام) حتى كان بين السماء والأرض خير: النصر أو لقاء الله فاختار لقاء الله
تعالى " (3).
اما لماذا ما عند الله خير؟ ولماذا لم ينقله إليه قبل هذه المدة مع أنه في كل وقت



1 - بصائر الدرجات: 481 ح 4.
2 - بصائر الدرجات: 483 ح 9، وأصول الكافي: 1 / 260 ح 6.
3 - أصول الكافي: 1 / 260 ح 8.
163
ما عند الله خير لآل محمد (عليهم السلام)؟
فذلك لأن الإمام سفير الله تعالى في أرضه، وله مهمة هداية الناس، فإذا
انتهت مدته وجاءت مدة الإمام الذي بعده، فان العلة التي اقتضت بقاءه قد ارتفعت
فيعود إلى مقره الأبدي.
وسوف يأتي توضيح ذلك في الجواب الصحيح.
* الجواب الثالث: ما ذكره العلامة المجلسي قال: (ان التحرز عن أمثال تلك
الأمور (كتناول السم ونحوه) انما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية،
وإلا فيلزم أن لا يجري عليهم شئ من التقديرات المكروهة، وهذا مما لا يكون.
والحاصل ان أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرية لا بالعلوم
الإلهامية) (1).
مراده: ان الانسان العادي إذا علم أن ما يأكله سم يؤدي إلى الموت فإنه يمتنع
عن تناوله ويتحرز عنه لعدم علمه بالأسباب الحقيقية للموت وعدم علمه بكيفية
موته من غير السم، إذ لعل الانسان لو يعلم ان موته سوف يقع بأمر أعظم من السم
، أو انه سوف يموت أمام أطفاله فيما بعد، لقبل بموته بالسم هذا ولتناوله من أجل انه
اختار أهون الموتتين وأصلحهما له ولعياله.
اما أهل البيت (عليهم السلام) فهم يعلمون كل التقديرات المكروهة والأفعال التي
سوف تحل بهم، فمثلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما خرج إلى المسجد الحرام كان يعلم ان
كفار قريش سوف يلقون عليه أثناء الصلاة السل وفضلات الحيوان، ومع علمه
خرج، وهكذا في كثير من الأمور المكروهة التي تحصل لهم (عليهم السلام).
وعليه فالإمام يتعامل بالظواهر في أمثال هذه الأمور كبقية الناس مع علمه
بما يحصل، لذا ورد الحديث الشريف: " نحن صبر وشيعتنا أصبر لأننا نصبر على ما



1 - بحار الأنوار: 48 / 236 تاريخ الإمام الكاظم 7.
164
نعلم وهم يصبرون على ما لا يعلمون " (1).
وعليه، فعندما عرض على الإمام (عليه السلام) العنب المسموم فإنه يتعامل معه على أنه
عنب، ولا يتعامل معه على أنه سم مميت تنزيلا لنفسه منزلة الأشخاص العاديين.
وإلا لو أراد الإمام التعامل معه على أنه سم حقيقي لما تناوله وعندها لا يقع
عليه القتل أبدا مع علمه أن الله قد كتبه عليه!!
هذا ما يمكن أن يوجه به جواب العلامة المجلسي.
وفيه: انه إن صح لا يفسر حقيقة علمهم بموتهم.
على أنه التزم بأن فعل الإمام تهلكة إلا أن تكليفه فيها غير تكليفنا نحن فيها،
وهذا لا ملزم لنا للقبول به، لما يأتي في الجواب الصحيح.
* الجواب الرابع: ما ذكره العلامة المجلسي أيضا من انه يمكن أن يقال: (لعلهم
علموا انهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر
الأمرين) (2).
أقول: هذا يصح بالنسبة لأمثالنا ذلك اننا إذا علمنا بشرين فإننا نختار
أيسرهما.
اما آل محمد (عليهم السلام) فان المسألة بالنسبة لهم تختلف، فان الله هو الذي يقدر
أمورهم، فلو علم الله ان تلك الموتة أنفع للإمام أو للشيعة أو لمصلحة ما، لأوجبها
عليهم، وهم (عليهم السلام) لما اختاروا غيرها.
وبعبارة أخرى: الإمام يعلم ما اختار الله له من كيفية موته، وهو (عليه السلام) لا
يريد إلا ما أراد الله، فالمسألة ليست مسألة علم الإمام بكيفية الموت فقط، بل
المسألة تتعلق بشئ أعظم من ذلك، والتخيير للإمام في اختيار أي الموتتين مرتبط
بمقام يستحق أن يختار الإمام لأجله فراق الشيعة.



1 - بحار الأنوار: 32 / 175 ح 132 كتاب 35.
2 - بحار الأنوار: 48 / 236.
165
على أن الإمام الكاظم (عليه السلام) حاول الطاغية الرشيد قتله أولا بالسم فلم يفلح،
ثم عاد وقتله بالسم نفسه (1) فالموتة الأولى كانت كالثانية.
* الجواب الخامس: ما وردت به بعض الروايات ان الله ينسى الإمام لينفذ
حكمه فيه، كالمروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في تناول الرطب من الإمام الكاظم (عليه السلام)
فقال: " أنساه لينفذ فيه الحكم " (2).
وفي رواية أخرى: " غاب عنه المحدث " (3).
* أقول: وهذا يرفع إشكال اقدام الإمام على تناول السم والرمي بالتهلكة
لأنه أكل العنب وهو لا يعلم انه مسموم.
وفيه:
أولا: انه ينافي ما تقدم من روايات وانه من علامات الإمام العلم بموته.
ثانيا: ينافي علم الإمام وسعته بما تقدم في مواضع مختلفة ومستفيضة وانه
يشمل كل شئ.
ثالثا: تقدم نفي السهو عن الإمام.
رابعا: هذا الجواب لا يتناسب مع عظمة الإمام إذ يكون الإمام لا يعلم إلى
أين يصير، ولا يختار بنفسه ما عند الله عز وجل من المقام المحمود، ويكون كبقية
الناس يقدم على أمر خفي مجهول.
خامسا: اننا لا نحتاج إلى هذا الجواب مع وجود الأجوبة الأخرى.
* الجواب السادس: ما ورد في رواية الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: " ان الله
عز وجل غضب على الشيعة فخيرني في نفسي أو هم، فوقيتهم والله بنفسي " (4).



1 - الهداية الكبرى: 265 باب 9.
2 - بصائر الدرجات: 481 ح 3، وبحار الأنوار: 48 / 235 - 236 ح 42.
3 - بحار الأنوار: 48 / 242 ح 50 عن رجال الكشي: 371.
4 - أصول الكافي: 1 / 260 ح 5 باب علمهم بموتهم، والدر المنثور: 1 / 80.
166
وهذه الرواية مروية في حق الإمام الكاظم (عليه السلام) فقط، فهل يمكن تعدية
الحكم لكل إمام (عليه السلام)؟!
قد يقال: إنه ممكن في حق بعض الأئمة ممن كانت الشيعة في زمانهم، كما كانت
في زمن الإمام الكاظم (عليه السلام)، ولكن ماذا نفعل في شيعة قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)!!
نعم الرواية لا تفسر لنا حقيقة انتقال الإمام إلى جوار ربه وعودته إلى عرش
الرحمن تعالى.
فالجواب لا يخلو من ضعف.
* الجواب السابع: ما ذكره الشيخ المفيد (قده) قال في تخريج علم أمير
المؤمنين (عليه السلام) بموته:
(إذا كان لا يمتنع أن يتعبده الله بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه
الله بذلك من علو الدرجة ما لا يبلغه إلا به، ولعلمه تعالى بأنه يطيعه في ذلك طاعة
لو كلفها سواه لم يؤدها، ويكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس
ما لا يقوم مقامه غيره، فلا يكون بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ملقيا بيده إلى التهلكة ولا
معينا على نفسه معونة مستقبحة في العقول) (1).
وعلى كلامه يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) عالما بوقت استشهاده وانها في الصلاة
ويصبر على ذلك من أجل المرتبة المرجوة، وهذا لا محذور فيه من هذه الناحية، إذ
يحافظ على علم أمير المؤمنين (عليه السلام) باستشهاده ولا يدخل الجهل عليه.
ومسألة الدرجة الرفيعة أيضا لا إشكال فيها، إذ تحمل على الدرجة المعنوية
والقرب من الله تعالى، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعبد الله عبادة الأحرار لا عبادة
التجار.
نعم، مسألة صبر الأمير (عليه السلام) على الشهادة، قد يفهم منها الجزع والخوف أو
لا أقل عدم الرغبة في هذا القتل، لأن الصبر لا يكون إلا على المكروه، نعم هو صبر



1 - المسائل العكبرية: 6 / 70 المسألة العشرون.
167
عن علم كما تقدم في الحديث: " نحن صبر وشيعتنا أصبر لأننا نصبر على ما نعلم ".
فيكون في جواب الشيخ الأقدس محذور الصبر على المكروه، مع أن الشهادة
بالنسبة لغير أمير المؤمنين (عليه السلام) عشق، فكيف هي لأمير الموحدين علي بن أبي
طالب صلوات المصلين عليه، وهو القائل: " لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل
بثدي أمه " (1).
وقال (عليه السلام): " لولا الآجال التي كتب الله لهم لماتوا شوقا إلى الله والثواب " (2).
وانسه بالموت والشهادة ما هو إلا الحب وعشق لقاء الله تعالى، نعم أمير
الموحدين (عليه السلام) كان صابرا على المكروه، ولكن ليست هي الشهادة والقتل، انما
صبره على فراق الله هو المكروه: " إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على
فراقك " (3).
وعليه فلولا مسألة الصبر على المكروه، فان جواب الشيخ المفيد متين وعلى
كل حال هو أفضل الأجوبة المتقدمة.
نعم هذه ليست عقيدة الشيخ المفيد لأنه استبعد علم أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيره
من الأئمة بموتهم ووقت ذلك، ونفى وجود أثر في ذلك (4).
ولسنا في صدد الرد عليه، انما أنت خبير بوجود الأثر المستفيض، وقد تقدم
منه شيئا يسيرا، ونقلت لك الروايات في علمهم بموتهم وعلمهم بالمغيبات.
* الجواب الثامن: ما ذكره العلامة الطباطبائي في تفسيره ملخصه بقوله:
(فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث على ما هي عليها في متن الواقع لم
يؤثر ذلك في اخراج حادث منها، وان كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلى حد



1 - تذكرة الخواص: 121، وبحار الأنوار: 28 / 234 ح 20، والمحاسن والمساوئ: 483.
2 - نهج البلاغة: 2 / 161، والبحار: 68 / 193.
3 - فقرة من دعاء كميل، اقبال الاعمال: 708 ط. الحجرية.
4 - المسائل العكبرية: 6 / 70.
168
الإمكان) (1).
مراده انه لو فرض علم الإمام مثلا بوقت قتله وساعته، فان علمه بذلك لا
يؤثر ولا يمنع وقوع القتل من باب ان حدوث القتل يستند إلى علل وشرائط، فإذا
تمت وجب تحقق الفعل والقتل، كتحقق أي معلول عند حصول علته التامة.
* أقول: صحيح ان العلل إذا تمت وجب تحقق المعلول، وان الشرائط إذا
توفرت وجب حصول القتل، ولكن في ما نحن فيه من اقدام الإمام (عليه السلام) على القتل
مع علمه به، وانه لا يلزم منه المساعدة على التهلكة، في مثل هذا نحن نحاول معرفة
مدخلية علم الإمام في قتله، وهل هو مخير أم غير مخير، وهل هو يعلم بذلك أو لا؟
وتقدم في الروايات كونه عالما بقتله وكونه مخيرا في ذلك، وانه اختار
الأفضل، وهو القتل والقرب من الله تعالى، ولو كان الأفضل هو البقاء لاختاره.
والخلاصة: ظاهر كلامه عدم اختيار الإمام في زمن قتله، وهذا منافي لبعض
الأخبار المتقدمة.
نعم، لا يقال اختيار الإمام ينافي قانون العلية، لأنا نقول لو اختار الإمام
البقاء لما قتل، ولما انهدم قانون العلية الظاهري، إذ يكشف عندها عن عدم تحقق
كافة العلل، وهذا لا يلزم معه كون قبول الإمام بقتله في هذا الوقت أحد أجزاء العلة
التامة.
على أنه لو كان يحمل على عشق الإمام للقاء الله تعالى وفعله المستحيل من
أجل ذلك.
الجواب التاسع وهو الصحيح: اننا قدمنا في الكتاب الأول - الولاية التكوينية
- ان آل محمد كانوا أنوارا حول عرش الله، وانما أنزلهم الله إلى الدنيا لهداية البشر
المتوقفة عليهم.
ومعلوم ان هذا الهبوط خلاف طبع الأولياء والعرفاء.



1 - تفسير الميزان: 18 / 193.
169
والله سبحانه وتعالى أنزلهم على فترات مختلفة ابتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى
الإمام المهدي (عج)، وجعل لكل إمام (عليه السلام) مدة محددة يقضي فيها مع أصحابه
ليهديهم، فإذا انتهت مدة الإمام الأول انتقلت المهمة إلى الإمام الثاني وهكذا.
وعند انتهاء مدة الإمام الأول، فان العلة التي اقتضت هبوطهم من عالم
الأنوار وعرش الرحمن ترتفع، وإذا ارتفعت العلة وجب ان يعودوا إلى مقرهم
الطبيعي.
ويؤيده قول رسول الله للرضا (عليهما السلام): " ما عندنا خير لك " (1).
وقد تقدم أيضا في الكتاب الأول أحاديث ان الإمام قلبه مع الله وشخصه مع
الخلق، فهو عيشه الدائمي مع الله، ولكن لمصلحة الهداية كان مع البشر.
ويؤيده ما تقدم في الإمام الحسين (عليه السلام) انه خير بين النصر ولقاء الله فاختار
لقاء الله (2).
وما روي عن امامنا زين العابدين (عليه السلام): " والله لا يشغلني شئ عن شكره
وذكره في ليل ولا نهار وسر ولا علانية، ولولا لأهلي علي حقا ولسائر الناس في
خاصهم وعامهم علي حقوقا لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى
أؤديها إليهم، لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي الله ثم لم أردهما حتى يقضي الله على
نفسي وهو خير الحاكمين " (3).
ويؤيده أيضا ما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في سبب إقدام أمير
المؤمنين (عليه السلام) على الصلاة في المسجد مع علمه بابن ملجم وقتله له قال (عليه السلام): " ذلك
كان ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل (4).



1 - الكافي: 1 / 260 ح 8 و 6.
2 - المصدر السابق.
3 - الآداب المعنوية للصلاة: 313.
4 - أصول الكافي: 1 / 259 باب علمهم بموتهم.
170
وتكون مقادير الله ان مدة إمامة الإمام الأول (عليه السلام) انتهت ليأتي الإمام الثاني
.
وبعبارة مختصرة: ليس الإشكال في سبب موت الإمام (عليه السلام) وعروجه إلى
مقام قاب قوسين أو أدنى، انما الإشكال في هبوط الإمام من مقامه إلى هذه الدنيا.
اما مسألة رمي النفس في التهلكة، فان التهلكة هي وضع النفس في موضع
الضرر أو الخسارة، واختيار الإمام (عليه السلام) للقاء الله وعودته إلى عرش الله ليس فيه
ضرر ولا خسارة، بل هو ربح ومصلحة لمن يعلم بمقامه عند الله، ولمن يعلم من أين
أتى وإلى أين يعود.
وإن شئت قلت: نعم الضرر هذا، لأن الضرر من أجل مصلحة أعظم وأفضل
لا يعد ضررا، وان عد فهو لا يلغي الإقدام عليه من أجل المصلحة الكبرى.
وكما أن الشهيد الذي يعلم انه يقتل في عمليته الاستشهادية فهو ضرر بهذا
المعنى، ولكنه مغفور له لأنه يقدم على فعل واجب أهم من ترك هذا الضرر المحرم في
غير هكذا موضع.
وبعبارة أخرى: كون الفعل هذا مرادا لله تعالى أو للإمام (عليه السلام) يكفي في عدم
كونه تهلكة، فافهم.
وهذا يتناسب مع ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) ان قتله قضاء محتوم وأمر
واجب (1) لا مفر منه، فالله تعالى قدر له ذلك، وان ولايته تنتهي إلى سنة 60 ه‍. ولا
حاجة لوجوده الظاهري بعد هذه السنة في هداية الناس، فيرجع إلى مكانه الأصلي
- الأبدي الأزلي -.
وأيضا يؤيده ما تقدم عن الإمام الباقر (عليه السلام) عندما قرب أجله استدعى ابنه
الصادق (عليه السلام) وقال: " ان هذه الليلة التي وعدت فيها " (2).



1 - الهداية الكبرى: 203 باب 5.
2 - الهداية الكبرى: 239 باب 7.
171
وكأنه كان ينتظرها بفارغ الصبر وكذلك ما حصل من أمير المؤمنين (عليه السلام) عند
استشهاده: " فزت ورب الكعبة ".
وهذا الوجه يتناسب مع قوله تعالى: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم
الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * (1).
فالإمام الولي ينتظر لقاء الله تعالى.
* تنوير:
عزيزي القارئ لا تدع للشيطان عليك سبيلا ليقول لك إذا مات الإمام فان
موضعه التراب والقبر!! لأن الإمام لا يمكث في قبره أكثر من ثلاث أيام، ثم ينقله
الله من قبره بروحه وجسده وعظمه ولحمه إلى عرشه، إلى مقره الأبدي والطبيعي.
وقد حكى الشيخ المفيد (قده) إجماع فقهاء الإمامية عليه (2) وسوف نأتي
على تفصيل ذلك في الكتب القادمة وفيه روايات مستفيضة تأتي (3).



1 - الأنبياء: 103.
2 - أوائل المقالات: 45 و 4 / 72 ط. المؤتمر.
3 - راجع بصائر الدرجات: 443 - 445.
172
تساوي محمد وآل محمد (عليهم السلام)
* الامر الثاني:
أحاديث تساوي محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله)
في الروايات والتي منها ما تقدم في الكتاب الأول ومنها هنا، نجد ان بعضها
يفضل بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين آل محمد.
وبعضها يفضل بين النبي والإمام علي وبين بقية آل محمد (عليهم السلام).
وبعضها يفضل بين أصحاب الكساء وبين بقية الأئمة.
وبعضها يفضل بين أصحاب الكساء والإمام المهدي وبين بقية الأئمة.
هذا بصورة مطلقة.
وبعض الروايات تقول: " نحن في العلم سواء " وبعضها: في الحلال والحرام.
فعن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: " نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا
على قدر ما نؤمر " (1).
ولم أجد - إلى الآن - ما يستدعي الخوض في تفصيل وتفنيد هذه الروايات
لعدم الجدوى في ذلك، لأن مقامهم جميعا معروف، وهم في مكان واحد يوم القيامة
في قبة العرش، ولا يتنازعون فيه، بل ولا ينازعهم أحد في ذلك.
نعم، ما نحن بصدد اثباته - وهو العلم - يتوقف أن نذكر بعض الروايات التي
توجب التساوي بينهما أو لا أقل في العلم بشكل مخصوص.
منها ما تقدم من طرق: " علي مني وأنا من علي - حسين مني وأنا من حسين
وأصحاب الكساء مني وأنا منهم " صلوات الله عليهم أجمعين.
ومنها الحديث المشهور: " أنا وأنت وهذا الراقد والحسن والحسين في مكان



1 - بحار الأنوار: 25 / 357 ح 7.
173
واحد يوم القيامة " (1).
ومنها ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اني واثنى عشر من ولدي وأنت يا علي زر
الأرض - يعني أوتادها وجبالها -، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها فإذا ذهب
الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا " (2).
ومنها ما يأتي من طرق في حديث الأمان: " أهل بيتي أمان للأمة ".
ومنها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا قال: " اختاركما الله عز وجل مني
ومن أبيكما وأمكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة تاسعهم قائمهم وكلهم في
المنزلة والفضل عند الله (سواء) واحد " (3).
وعن الإمام العسكري: " أولنا وآخرنا في العلم والامر سواء، ولرسول الله
وأمير المؤمنين (عليهما السلام) فضلهما " (4).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " كلنا واحد من نور واحد " (5).
ومنها ما تقدم أنهم جميعا من نور واحد (6).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف آل محمد (عليهم السلام): " خلقهم الله من نور
عظمته " (7).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا



1 - فضائل الصحابة: 2 / 693، ومسند البزار: 3 / 30 ح 779، ومسند أبي يعلى: 1 / 393
ح 510، وأسد الغابة: 5 / 269، والمطالب العالية: 4 / 69، وذخائر العقبى: 25.
2 - أصول الكافي: 1 / 534 ح 17 باب ما جاء في الاثنى عشر والنص عليهم.
3 - دلائل الإمامة: 237 معرفة وجوب القائم، وبحار الأنوار: 25 / 356 ح 4، والأنوار
النعمانية: 1 / 20.
4 - أعلام الوري: 355.
5 - بحار الأنوار: 26 / 16 ح 2.
6 - راجع إضافة إلى ما تقدم في الكتاب الأول: بحار الأنوار: 26 / 16 ح 2، وكشف اليقين:
1 / 106، وفضائل ابن شاذان: 54 - 96، والروض الفائق: 219 مجلس 53..
7 - مشارق أنوار اليقين: 117.
174
أحبوا وأرادوا، لأنا كلنا واحد أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد،
فلا تفرقوا بيننا " (1).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " علمنا واحد وفضلنا واحد ونحن شئ
واحد " (2).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ".. فعلمني علمه وعلمته علمي " (3)
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أولنا كآخرنا وآخرنا كأولنا " (4).
ومنها ما روي عنهم انهم جميعا من طينة واحدة (5).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لام سلمة: " كيف تجدين عليا في نفسك؟ ".
قلت: لا يتقدمك يا رسول الله، ولا يتأخر عنك وأنتما في نفسي سواء.
فقال (صلى الله عليه وآله): " شكر الله فعلك يا أم سلمة لو لم يكن علي في نفسك مثلي لبرئت
منك في الآخرة ولم ينفعك قربك مني في الدنيا " (6).
* أقول: تقدم في الكتاب الأول قول النبي (صلى الله عليه وآله): " كنت نبيا وآدم بين الطين
والماء ".
وقول علي (عليه السلام): " كنت وليا وآدم بين الطين والماء (7) ".
وهذا يقتضي التساوي في الأظلة، ويأتي في الكتاب الرابع نحو هذه
الأحاديث التي توجب التساوي بينهما، وبعض أقوال العلماء في ذلك فارتقب.



1 - بحار الأنوار: 26 / 6 ح 1 من باب نادر من معرفتهم.
2 - بحار الأنوار: 26 / 317 ح 82 باب تفضيلهم على الأنبياء.
3 - إلزام الناصب: 2 / 243.
4 - بحار الأنوار: 25 / 360 ح 17.
5 - بشارة المصطفى: 20.
6 - الهداية الكبرى: 197 باب 4.
7 - المراقبات: 259.
175
وقال الإمام الهادي (عليه السلام): " من فرق بيني وبين جدي؟! أنا هو وهو أنا " (1)
.
وقال الإمام المهدي (عجل الله فرجه) فيما رواه عنه الإمام الصادق (عليهما السلام):
" من أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين إليا فها أنا محمد. ومن أراد أن ينظر إلى
الأئمة من ولد الحسين فها أنا هم واحدا بعد واحد، فها أنا هم، فلينظر
إلي " (2).



1 - الهداية الكبرى: 315 باب 12.
2 - الهداية الكبرى: 398 باب 14.
176
/ 1