بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: مجلة تراثنا المؤلف: مؤسسة آل البيت الجزء: 38 الوفاة: معاصر المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية تحقيق: الطبعة: سنة الطبع: 1415 المطبعة: ستارة - قم الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة ردمك: ISSN:1016-4030 ملاحظات: العدد الأول - السنة العاشرة محرم الحرام 1415 تراثنا نشرة فصلية تصدرها مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث * الإسهام في النشرة باب مفتوح لجميع العلماء والمحققين والباحثين والمعنيين بشؤون تراث أهل البيت عليهم السلام. * الآراء المنشورة لا تعبر عن رأي النشرة بالضرورة. * ترتيب المواضيع يخضع لأمور فنية، وليس لأي أمر آخر. * النشرة غير ملزمة بنشر كل ما يصل إليها. المراسلات: تعنون باسم: هيئة التحرير. دور شهر - خ. شهيد فاطمي - كوچه 9 - پلاك 5 - هاتف: 2 - 730001 ص. ب. 996 / 37185 - قم - الجمهورية الإسلامية في إيران. تراثنا. العددان الأول والثاني (38 و 39) السنة العاشرة / محرم - جمادى الآخرة 1415 ه. الإعداد والنشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. الكمية: 2000 نسخة. المطبعة: ستاره - قم. الفلم والألواح الحساسة (الزنكغراف): واصف - قم. قيمة الاشتراك السنوي في نشرة (تراثنا) 200 تومانا في إيران، و 25 دولارا أمريكيا في بقية أنحاء العالم.
1 بسم الله الرحمن الرحيم
5 كلمة العدد الهجمة الثقافية على التشيع وصلتها بمذبحة الحرم الرضوي المقدس ليس هناك ثمة أدنى شك بأن الحوار الفكري، والسجال العقائدي المبتني على الأسس الأخلاقية المنبعثة عن الشريعة الإسلامية السمحاء، يشكل في أوضح أبعاده المنظورة مرتعا خصبا، ومنبرا معطاء تفصح فيه جملة الأفكار المتناظرة عن هويتها الحقيقية على بساط البحث والمناظرة، في سعي رصين يحاول أن يجد لمدعياته موطئ قدم على أرض الواقع قبالة غيرها من الأطروحات المختلفة، مضافا إلى ما في ذلك من النقد الرصين لمواطن الخلل - إن وجدت - وصولا إلى إنضاج البعض من تلك الأفكار، أو تبين عوارها وسقوطها لعجزها عن الوقوف أمام الحقائق التي يجب أن تمثل الهيكل العام للعقيدة الإسلامية. ولا غرو في ذلك، فقد سجل لنا التاريخ الإسلامي الجم الوفير من تلك المناظرات الفكرية، بأشكالها المتعددة، حيث أفصحت عن ترتيب جملة واسعة من التصورات التي كان لها الأكثر الكبير في ترصين مواقع الأطروحات السليمة والصحيحة بعيدا عن التشكيلات الجاهزة والمنقولة في حقائب الوسطاء، وقصاصاتهم الباهتة الصفراء. ولا ريب قطعا في ذلك، فإن الاستقراء المتأني في التراث الفكري
7 للعقائد الإسلامية يوضي بوضوح وجلاء إلى حقيقة وصواب ما أشرنا إليه، وكنا وما زلنا نذكر بوجوب التعاطي معه بعقلانية وفطنة تجنبا من مغبة السقوط في مهاوي التجني والتعدي على جملة أفكار وعقائد هي أنقى من الثوب الأبيض الخالي من الأدران. ولا يخفى على ذلك المستقرئ الفطن بأن عقائد الشيعة الإمامية قد كانت - وطوال قرون متلاحقة - في حالة سجال متواصل، وجدال مستمر، بأشكال وأبعاد متعددة، معلنة بوضوح لا لبس فيه حقيقة ما تؤمن به، وما تدين به، وهو ما يمثل - بلا محاباة - صلب العقيدة الإسلامية النقية، وأسسها التي ترتكز عليها، ولما لم يجد قبالتها محاجوها ومناظروها إلا التسليم بصوابها، والقطع بصحتها، والنكوص عن مجاراتها، متوزعين بين طرفي الإيمان والتسليم الباحث عن الحقيقة التي هي ضالة المؤمن، وبين النكوص والتذرع بحجج واهية باطلة لا تنطلي على أحد، مثيرين النقع قبال تلك الحقائق الثابتة والرصينة من خلال الكذب والافتراء، والتلاعب بمفردات الحديث، وهذا هو بحق سلاح العاجزين! بيد أن ردود الفعل السلبية تلك كانت لا تلبث أن تذوي وتتهاوى لأنها لا تعتمد أية أسس علمية سليمة تدفع المتأمل بها للإيمان بدعاويها وتقولاتها السقيمة والساقطة، حين لا ينفك علماء الشيعة ومفكروها مرارا وتكرارا من التصدي لإبطال هذه التهم الفاسدة، وإيضاح حقيقة ما عمد الآخرون - بإصرار ممجوج سمج - إلى الطعن به، بمدعيات عارية من الصحة. ولعل الأسفار التي تزدان بها المكتبة الشيعية خير شاهد ومصدق لما نقول، والتي هي بمتناول الجميع، لا يعسر على طالب حاجة اقتناؤها وسبر أغوارها. وحقا نقول: إن حجم وأبعاد تلك الهجمات الفكرية كانت ولا زالت تتناسب طرديا مع توسع ونفوذ الفكر الشيعي قبال الأفكار الأخرى، مادية كانت أسسها أم دينية، إذ تحرك كلا أغراضه ونياته، وما أكثر ما تلاقت أهداف تلك
8 الأفكار - رغم تنافرها العقائدي قطعا - في غرز نصال الحقد سوية في جسد الفكر الشيعي، دون إدراك منهم بأن ذلك خير مبعث للانطلاق من قبل مفكري الشيعة نحو آفاق أوسع وأبعد على الساحة الفكرية بأشكالها المختلفة. ثم إن الملفت لنظر الباحث في مدعيات كل أولئك المتجلببين بما يوافق ويخدم أغراضهم من المسميات المختلفة - سواء باسم الدفاع عن حريم الإسلام، أو العقيدة الإنسانية قبالة تسرب الأفكار الشيعية!! - قد بقوا - ورغم تقادم الدهور والعصور - يجترون عين التقولات التي اخترعتها مخيلة أسلافهم - من الذين لا تخفى على أحد حقيقة نياتهم وأغراضهم - دون إضافة أو تجديد، وكانوا مصداقا واقعيا لمن يقول: لا جديد تحت الشمس، فأصبحوا أضحوكة الباحثين والدارسين، من الذين سموا الإعادة والتكرار لما ثبت بطلان مدعاه، وسقوط فحواه. نعم - ولا أدنى تجن فيما نقول - إن كل أولئك يدورون في عين الحلقة المفرغة التي أصبحت مألوفة معروفة حتى لدى صبيان الشيعة، وكأنهم في دورانهم هذا قد أعرضوا عن أي تفكير منطقي يظهر لهم حالة النكوص الفكري الذي يعيشون فيه، وإن رفضهم المفكرون الاسلاميون ونبذوهم. وفي أيامنا هذه - وكنتيجة منطقية للمعادلة السابقة التي أشرنا إليها آنفا - بدأنا نعاين بوضوح جلي فورة جديدة لذوي النيات المنحرفة، من الذين تحركهم أصابع فاسدة مفسدة - تارة من خلف ستار الدعوة إلى التصحيح، وأخرى باسم الدفاع عن الإنسانية، وثالثة بذريعة الذود عن حرية الفكر الإنساني، وغيرها من الأحابيل التي ما عادت تنطلي على أحد - من خلال ترديد عين النيرات الممجوجة، وبشكل لا جدة فيه، عدا سعته وكثرته. ولا يخفى على مطلع الشكل الوسخ، والغرض القذر التي ابتغاه أسياد سلمان رشدي - سيئ الذكر - من خلال إصداره لكتاب الآيات الشيطانية، والمفتقر لأي مغزى ومفهوم وإشارة تستحق القراءة والمطالعة، بل لا تجده إلا
9 سلة قمامة تغص بالمهاترات والكفريات والسباب الذي لا يصدر إلا عن نفوس وضيعة فاسدة أعمالها الحقد، وأضلها الجشع فانطلقت من قمقمها لا تلوي على شئ، فهي تدمر نفسها قبل أن تصل إلى غيرها، لأن الأرض تخلو من عاقل لا يزدري سلمان رشدي ومن لف لفه عند مطالعته لأول سطر من كتابه المذكور. ولا تختلف عنه بشئ (تسليمه نسرين) بانحرافها الفكري، وسقوطها الإنساني من خلال انقيادها الأعمى خلف الثروة وبريقها اللامع الذي لوحت لها به عين المراكز المشخصة - التي لا يجديها تبرقعها بألف ستار وستار، فما عادت تلك الحيل لتنطلي على أحد، أو يمكن تمريرها على أحد - فانفلت شرها من عقاله، وعدت نحوها كالمسلوب الأحاسيس والتائه العقل، فلحقت بقرينها سلمان، فكانا بحق مسيلمة وسجاح العصر. نعم، ولكن لما وجد أولئك أن سحرهم قد انقلب عليهم، ودارت عليهم الدوائر، وعجزوا من أن يحدثوا صدعا في البنيان الشامخ للعقيدة الإسلامية المباركة دفعهم حقدهم الأسود، وتخبطهم الأهوج إلى سلاح العاجزين والمفلسين فكرا، فلجأوا إلى القتل والتدمير كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وبشكل عشوائي لا ينم إلا عن سقوط بين، وفشل مقطوع به، إذ يظهر ذلك بوضوح في ما يسمى بحملات سباه الصحابة (جند الصحابة) في الباكستان، والتي لا يصدق عليها غير عنوان الحشية الهمجية التي لا يمكن أن تصدر إلا عن محترفي القتل والسطو والتخريب، فألبت الدنيا عليهم، ودفعتهم إلى مزبلة التاريخ، فما أشد إفلاس أولئك المراهنين على جدوى هذه الأعمال الواضحة السقوط وحماقتهم! بيد أن عقد الفشل المركبة لا يسعها إلا أن تنساق بروادها إلى آخر مطاف الانحراف والفساد، من خلال تصورات سقيمة تحاول جاهدة أن تقنع بها الحمقى والمجانين لتجد لها مبررا يدفعها للتبجح بما تقوم به، فقد تجلى ذلك
10 بوضوح من خلال فاجعة الحرم الرضوي في العاشر من شهر محرم الحرام عام 1415 ه، إذ تمثلت في هذه الواقعة حقيقة الوجه الكالح البشع لتلك الأفكار ودعاتها، وبشكل لم يسبق له مثيل في عصرنا الحاضر، فقد أكدوا بالدليل القاطع على حقدهم الدفين، ونياتهم المنحرفة التي لا تخضع لأي ضابط ديني أو إنساني. فقتل العشرات من النساء والأطفال والرجال الأبرياء حول ضريح الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في لحظات الحزن المأساوي لفاجعة الطف الدموية، من خلال دس المتفجرات إلى داخل هذا المكان المقدس لمما يندى له جبين الإنسانية، وتقشعر له حتى جلود الوحش. فماذا يمكن أن يشكل هذا الفعل الإجرامي - الدال على إسفاف تلك المراكز المنحرفة في عتوها وتجنيها على الشيعة ومعتقداتهم - من نتائج قد تكون حسبت عند التخطيط له؟! بل وماذا جنى أولئك القتلة من فعلهم الشنيع هذا!؟ نحن واثقون ومجمعون على أن أوضح ما يمكن أن يستخلص من هذا العمل - المترافق مع غيره من الأعمال المنحرفة الأخرى - هو العجز المطبق التي بدأت تلك المراكز تدركه قبالة توسع ونفوذ الفكر الشيعي في هذا العصر الذي تحاول فيه دوائر الكفر والالحاد ترتيب معادلات جديدة في العالم لا تخدم إلا مصالحها، ومصالح أتباعها. وحقا إن الخوض في غمار هذا الحديث لمما يكلم القلب، ويحزن النفس، إلا أن فيه تذكرة لمن يبحث عن الحقيقة بأن لا ينخدع بالبريق الزائف الذي تختفي خلفه تلك الوجوه المتغضنة المليئة بالحقد والشر، بل أن يطلبها من مظانها ومنابعها الحقيقية، والتي هي بمتناول الجميع، ولا يعسر على أحد الوصول إليها. فالعقائد الشيعية - التي يحاول أولئك المرتزقة والمنحرفون تشويهها، وإثارة النقع قبالها - هي أجلى من الشمس في رابعة النهار، ومن البدر ليالي
11 الصيف في كبد السماء، فلا عذر لمن ينساق من الأكاذيب والتقولات السقيمة التي تقلب الحقائق، وتطمس معالمهما، ويدعي بعد ذلك الجهل وعدم المعرفة. بل وإن قلوب علماء الشيعة ومفكريهم لهي مشرعة للباحثين عن الحقيقة قبل مكتباتهم، ولا غرو في ذلك، فتلك هي السلوكيات التي تعلموها من مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أمناء الوحي الذين طهرهم الله تعالى من الرجس، وعصمهم من الزلل، وأمر سبحانه الأمة بالاقتداء بهم، واقتفاء آثارهم. والحمد لله تعالى أولا وآخرا. هيئة التحرير
12 هوية التاريخ الإسلامي عيون التاريخ الاتجاه... وأجواء التدوين. صائب عبد الحميد عيون التاريخ نعني بعيون التاريخ: الكتب الأولى التي عينت بتدوين أحداث التاريخ الإسلامي حتى صارت في ما بعد المصادر المعول عليها في معرفة تاريخ الإسلام وسير رجاله. ويمكن تقسيم هذه المصادر إلى قسمين: اختص الأول بتدوين حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعصر الرسالة. فيما اتسع الثاني لعهود الخلفاء بعد الرسول وحتى عصر المؤرخ غالبا. مصادر القسم الأول: اتسمت مصادر هذا القسم بسمة بارزة تمثلت بالعناية الفائقة بأمر الحروب والمغازي، حتى قصر الكثير منها على هذا الباب، ومن هنا غلب اسم (المغازي) على هذه المصادر، فيما كان اسم (السيرة) أقل ظهورا. وأبرز من عرف من مؤرخي هذا القسم: 1 - عروة بن الزبير بن العوام (93 ه): كان من فقهاء المدينة، وقد
13 اعتزل الحياة السياسية في عهد أخيه عبد الله بن الزبير، وقد أكثر الرواية عن أم المؤمنين عائشة (1). 2 - أبان بن عثمان بن عفان (105 ه): عمل واليا على المدينة لعبد الملك بن مروان سبع سنين (2). 3 - وهب بن منبه (110 - أو 114 ه): لم يكن معتمدا في الحديث وأخبار الإسلام، وإنما كانت غزارة علمه في الإسرائيليات، وعمل قاضيا على صنعاء (3). 4 - عاصم بن عمر بن قتادة (120 ه): تابعي حدث عن أبيه وجابر بن عبد الله وأنس، ومن التابعين الإمام علي بن الحسين والحسن بن محمد بن الحنفية وعبيد الله الخولاني، وحدث عند ابن إسحاق والأسود ربيب عروة. أمره عمر بن عبد العزيز أن يجلس في المسجد الأموي بدمشق فيحدث الناس بالمغازي ومناقب الصحابة (4). 5 - شرحبيل بن سعد (123 ه): كان من أعلم الناس بالمغازي، إلا أنه كان يجعل لمن لا سابقة له سابقة، فأسقطوا مغازيه وعلمه (5). لكن سفيان ابن عيينة قال فيه: لم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه. ووثقه يحيى بن معين وابن حبان، وخرج له ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما (6). 6 - ابن شهاب الزهري (124 ه): له كتاب المغازي، حفظت أجزاء منه في كتاب (المصنف) لعبد الرزاق الصنعاني. وكان الزهري صاحب شرطة بني
(1) الطبقات الكبرى 5 / 178، سير أعلام النبلاء 4 / 421. (2) الطبقات الكبرى 5 / 151، سير أعلام النبلاء 4 / 351. (3) سير أعلام النبلاء 4 / 544، معجم الأدباء 19 / 259. (4) سير أعلام النبلاء 5 / 240، تهذيب التهذيب 5 / 47. (5) سير أعلام النبلاء 6 / 116 ضمن ترجمة موسى بن عقبة. (6) تهذيب التهذيب 4 / 282، الثقات 4 / 365. 14 أمية، ولم يزل مع عبد الملك بن مروان وأولاده: هشام وسليمان ويزيد، ثم استعمله يزيد بن عبد الملك على القضاء (7). 7 - يزيد بن رومان الأسدي المدني (130 ه): له كتاب المغازي، منه قطع في طبقات ابن سعد، وجل اعتماده على عروة والزهري، وروى عنه ابن إسحاق (8). 8 - أبو الأسود الأسدي (131 ه): ربيب عروة بن الزبير، ومعظم روايته عنه، له كتاب المغازي، منه قطع في (الإصابة) (9). 9 - عبد الله بن أبي بكر بن حزم (135 ه): صاحب المغازي، أخذ عن أبيه وعروة بن الزبير، وحدث عنه الزهري وابن إسحاق (10). 10 - داود بن الحصين الأموي (135 ه): تلميذ عكرمة، يذهب مذهب الخوارج، حدث عنه ابن إسحاق (11). 11 - موسى بن عقبة (141 ه): له كتاب المغازي، اعتمد فيه رواية الزهري بالدرجة الأولى (12). 12 - محمد بن إسحاق بن يسار (151 ه): صاحب السيرة، وهو أتم ما كتب في هذا القسم وأحسنه ترتيبا، وبه صار ابن إسحاق شيخ كتاب السيرة، وصار من جاء بعده عيالا عليه. ولم يصلنا كتاب ابن إسحاق كاملا بل وصلت منه أجزاء فقط، وأما الكتاب بتمامه فقد اختصره ابن هشام في (السيرة النبوية) فحذف منه أشياء
(7) وفيات الأعيان 3 / 371، ميزان الاعتدال 1 / 625. (8) تهذيب التهذيب 11 / 284، تاريخ التراث العربي 2 / 81. (9) سير أعلام النبلاء 6 / 150، تاريخ التراث العربي 2 / 81. (10) سير أعلام النبلاء 5 / 314. (11) تهذيب التهذيب 3 / 157. (12) سير أعلام النبلاء 6 / 114. 15 كثيرة، وقد أشار ابن هشام إلى هذا الحذف، وسيأتي ذكره لاحقا. 13 - محمد بن عمر الواقدي (207 ه): صاحب (المغازي) وقد عمل الواقدي قاضيا بشرقي بغداد لهارون الرشيد وللمأمون من بعده، ثم تولى قضاء العسكر للمهدي أربع سنوات. وأكثر اعتماده في مغازيه على موسى بن عقبة ومعمر بن راشد، وهما تلميذا الزهري، وأخذ كثيرا من كتاب ابن إسحاق دون أن يذكر اسمه (13). وهناك أعلام آخرون كانوا أقل أثرا في التاريخ المحفوظ، وسيأتي ذكر بعضهم أثناء البحث. مصادر القسم الثاني: أما القسم الثاني من عيون التاريخ فيبرز فيه: 1 - تاريخ محمد بن جرير الطبري (310 ه): ويعد أكبر موسوعة تاريخية جمعت أحداث القرون الأولى من تاريخ الإسلام، إذ ختم الطبري تاريخه بذكر أحداث سنة 302 ه. فكان تاريخ الطبري المصدر الأول والأساس لمن جاء بعده، ومنهم من توقف عنده في أخبار القرون الثلاثة ولم يتعداه إلى غيره، كما فعل ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) وابن خلدون في تاريخه، وغيرهما. هذا مع أنه لم تخل تلك الفترة من كتابات مهمة جديرة بالعناية، وربما كانت أكثر دقة وأصدق نقلا لكثير من الأحداث على الرغم من إيجازها بالنسبة إلى تاريخ الطبري، ومن تلك المصادر: 2 - الإمامة والسياسة - أو تاريخ الخلفاء لابن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة 276 ه.
(1) معجم الأدباء 18 / 277، تاريخ التراث العربي 2 / 100. 16 3 - تاريخ اليعقوبي: لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب، من أعلام القرون الثالث الهجري. 4 - فتوح البلدان: للبلاذري، المتوفى سنة 279 ه. 5 - الفتوح: لابن أعثم الكوفي، المتوفى سنة 304 ه. 6 - مروج الذهب: للمسعودي، المتوفى سنة 346 ه. 7 - أخبار الزمان: للمسعودي أيضا، وهو كتاب كبير كما وصفه صاحبه في (مروج الذهب) غير أنه مفقود، وهو الكتاب الوحيد المفقود من هذه المجموعة. أما كتب التاريخ الأخرى فقد أضافت أحداث السنين اللاحقة التي لم يدركها الطبري ولم يدونها. نتيجة: من هنا يمكن أن نخلص إلى القول بأنه قد انتظمت للتاريخ الإسلامي عينان، هما: سيرة ابن إسحاق. تاريخ الطبري. * * *
17 الاتجاه وأجواء التدوين بين المنتمي واللامنتمي، أين وقفت عيون التاريخ الإسلامي؟ هل كان القدر المنتمي منها هو هذه النسبة إلى الإسلام وحسب؟ تلك نسبة طبيعية صيغت من الموضوع الذي تناوله الكتاب من غير أن تكون هناك ضرورة لهيمنة هذا الموضوع على مادة الكتاب، فكتاب التاريخ الذي يعني بأحداث حقبة زمنية ينسب إليها. والذي يعني بأخبار طائفة من الطوائف أو أمة من الأمم ينسب إليها، والذي يعني بأحداث بلد من البلدان ينسب إليه، وكلها نسب لا تتعدى التعريف بموضوع الكتاب. لكن حين ينحصر الأمر بتاريخ أمة وقد ظهرت فيها الاختلافات، وتوزعت أبناءها الفرق والطوائف، وتغلبت الأهواء التي تفرض هيمنتها في صياغة أفكار الناس ورؤيتهم للأحداث... عندئذ أين سيقف التاريخ؟ هل سيكون بعيدا عن معترك الميول والأهواء، منفصلا عن قيود الزمان والمكان ليسجل الأحداث والأخبار كما هي تماما، وبكامل أسبابها ودواعيها المباشرة وغير المباشرة، ثم بكامل تفاصيلها وما خلفته من آثار كما هي قبل أن تنفعل معها الميول والأهواء؟ لا شك أن هذا هو الأمل المنشود، وهو الذي تقتضيه الأمانة للتاريخ وللحقيقة. ولكن لا شك أيضا أن التاريخ لم يكتب في الفضاء، ولا كان المؤرخ يستقل بساطا سحريا يقله فوق آفاق زمانه ومكانه. إنه يكتب من على الأرض، وفي زمان ما ومكان ما.. وإنه يكتب ما يسمع، لا ما يرى..
18 وإنما يحدثه رجال لهم حيال الأحداث مواقف وميول، فهو لم يسمع في الحقيقة حدثا مجردا، وإنما سمع الحدث ممزوجا له أو مضافا إليه انفعالات الناقلين... وأيضا فإن المؤرخ نفسه هو واحد من أولئك البشر، يعيش في عصر من الأعصار.. وللبشر ميول، ولكل عصر لونه ونغماته التي ميزته عن غيره من العصور، فهو ينفر من كل لون ونغمة لا تنسجم معها. وفرق بين رجل يعيش فكرته لنفسه ولأصحابه الذين يتابعونه ويوافقونه، وبين آخر يكتب فكرته لتكون بين أيدي الناس، كل الناس، علمائهم وعامتهم، فإذا كان الأول قد يجد نفسه في مأمن ومعزل عن الرقباء، فإن الثاني يرى عيون الناس وكأنها ترصد أفكاره وتحصي عليه حتى ما لم يرد بحسبانه! فهي لا تكتفي بقراءة ما سطره على الورق، بل تتعدى إلى ما وراء ذلك لتقرأ دوافعه وميوله أيضا، لتصدر أحكامها عليه بحق وبغير حق. وحين يكون عصر من العصور قاسيا في مواجهة النغمات التي لا توافق نغماته، فإنما جاءت قسوته من أناسه، لا من أرضه ولا سمائه.. ففي حال كهذه هل يبعد أن يكون المؤرخ مسوقا من حيث يدري أو لا يدري، ومن حيث يريد أو لا يريد لمجاراة تلك النغمات، أو مداراتها؟ إنه عندئذ سوف يقطع من الحقيقة التاريخية أجزاء مساوية لمقدار ذلك الانسياق. ولعل هذا هو الأقل الأخطار الثلاثة التي قد تتعرض لها الحقيقة التاريخية... أما الخطر الثاني: فيتمثل في الانسياق التام لنغمات العصر وأهواء أهله، والسير مع تياره الجارف الذي سيجرف معه أهم الحقائق التاريخية التي تعاكس اتجاه سيره. وأما الخطر الثالث: فهو أن يكون المؤرخ نفسه من أصحاب الأهواء
19 الذين لا يقبلون إلا ما وافق أهواءهم، ولا ينظرون إلى الأحداث والحقائق إلا بمنظار الهوى. ثم إن هذا الكتاب أو ذاك من كتب التاريخ سوف يصبح مصدرا لثقافة الأجيال، تستقي منه رؤيتها للتاريخ التي ستساهم مساهمة فعالة في صياغة عقائدها. فحين يجتمع الناس على مصدر من مصادر التاريخ التي نسجت فيها الأحداث تحت إحدى المؤثرات الثلاثة المتقدمة، على حساب الحقيقة التاريخية، فمن البديهي أن تحمل أذهانهم برؤى مغايرة للحقيقة. ومن هنا تتسرب العقائد الدخيلة إلى الأذهان، فيعتقد الناس بأشياء ومفاهيم ليست هي من الإسلام ومفاهيمه الحقة، وهم يظنون أنها الحق الذي لا تشوبه شائبة لكثرة ما يرونه من تسطير المؤرخين لما وربما دفاعهم عنها. وسوف لا يكون العوام وحدهم ضحية هذه الخطيئة، بل العلماء أيضا يقعون في ذلك حين يقفون علومهم على هذا النوع من المصادر، وحين يكونون هم أيضا منفعلين بتلك المؤثرات الثلاثة أو بعضها. فكيف اجتازت عيون التاريخ الإسلامي تلك الأجواء لتحفظ لنا حقائقه؟ لا شك أن الوقوف على المشاهد الحية لإثبات حقيقة ما هو أهم بكثير من البحوث النظرية والبراهين الفلسفية. مشاهد حية من عيون التاريخ أولا: مع مصادر القسم الأول: 1 - قال الزبير بن بكار (14): قدم سليمان بن عبد الملك إلى مكة حاجا
(14) الزبير بن بكار: هو أبو عبد الله الزبير بن أبي بكر - ويسمى: بكار - بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، صاحب النسب، تولى القضاء بمكة للمعتصم العباسي، وبقي على القضاء حتى توفي سنة 356 ه. (وفيات الأعيان 2 / 311). 20 سنة 82 ه، فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه. فقال له أبان: هي عندي، قد أخذتها مصححة ممن أثق به. فأمر سليمان عشرة من الكتاب بنسخها، فكتبوها في رق، فلما صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وفي بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا! فقال أبان: أيها الأمير، لا يمنعنا ما صنعوا أن نقول بالحق، هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا. فقال سليمان: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعله يخالفه. ثم أمر بالكتاب فخرق، ورجع فأخبر أباه عبد الملك بن مروان بذلك الكتاب، فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها؟! قال سليمان: فلذلك أمرت بتخريق ما نسخته (15). ومن هذه الواقعة تظهر عدة ملاحظات هامة: * لم يكن أهمها تخريق الكتاب... * ولا كلمة عبد الملك بن مروان - وهو الخليفة - التي تعد دستورا نافذا في تحديد المنهج الثقافي إبان الحكم الأموي. * بل أهم من ذلك اختفاء أهم مناقب الأنصار، وفي الوقائع الحاسمة في تاريخ الإسلام: بيعة العقبة الأولى، والعقبة الثانية، ومعركة بدر! غابت عن
(15) الموفقيات - للزبير بن بكار -: 222، عنه السيد الجلالي في تدوين السنة الشريفة: 420. 21 السواد الأعظم من المسلمين، وحتى عن سليمان بن عبد الملك الذي سيصبح عن قريب خليفة المسلمين، هذا وما زال الناس في القرون الأول من عمر الإسلام! * وأهم من هذا: البعد الذي انطوت عليه كلمة أبان بن عثمان المؤرخ وهو يحاول إقناع سليمان بن عبد الملك، فيقول له: أيها الأمير، لا يمنعنا ما صنعوا أن نقول بالحق! لا شك أن جناية الأنصار الذين كانوا أنصار رسول الله والمجاهدين معه وأنصار دين الله، هي أنهم لم يكونوا فيما بعد أنصارا لبني أمية. وهذه وحدها حجة كافية في غلق أبواب الجدال فيهم، وفي تخريق الكتاب!! هذا إن لم نعطف عليه ما سيراه الأمويون إذن في الأنصار من نظرة عداء قديم ثبت ظاهرا على مدى عشر سنين، ابتداء ببيعة العقبة الأولى، ومرورا بمعركة بدر وأحد والخندق، وانتهاء بفتح مكة! * وثمة ملاحظة أخرى خفية لم تتطرق إليها نصوص هذه الواقعة، لكن الناظر الفطن يراها ظاهرة ظهور النصوص الجلية.. فماذا لو وقف سليمان بن عبد الملك في تلك الصحف على مواقف علي ابن أبي طالب وبني هشام ومناقبهم، ألم يكن سينكرها أشد من إنكاره لمواقف الأنصار؟ إن هذه الواقعة لتنطق بصوت خفي بأن تلك الصحف التي حفظت من حق الأنصار ما أثار انتباه الأمير ودهشته ثم استنكار الخليفة من بعده، لم تكن تحفظ شيئا من حق علي وبني هاشم الذين هم لبني أمية خصوم العقيدة والتاريخ. ولهذه الملاحظة ما يؤيدها من سيرة أبان بن عثمان، إذ كان هواه على الدوام مع خصوم علي، ففي مستهل شبابه في السادسة عشرة من عمره خرج مع أصحاب الجمل لقتال علي، ثم كان هواه من الأمويين وعمل لهم واليا على
22 المدينة المنورة سبع سنين. وإذا كانت هذه الملاحظة قد جاءت هنا خفية، فإنها قد استولت بالكامل على المشهد الآتي: 2 - قال المدائني: أخبرني ابن شهاب بن عبد الله، قال: قال لي خالد القسري (16): اكتب لي السيرة. فقلت له: فإنه يمر بي الشئ من سير علي بن أبي طالب، فأذكره؟ قال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم! (17) فهذا القول الصريح لا يقصر عن أن يكون برهانا على ما نسبناه إلى تاريخ أبان بن عثمان آنفا. 3 - من أصحاب التاريخ: الذين عرفناهم في القسم الأول: عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة، فكيف كان موقفهم من سير علي بن أبي طالب عليه السلام؟ كان عروة بن الزبير واحدا من كبار علماء المدينة، هذا حق، وكان قد اعتزل السياسة أيام النزاع بين أخيه عبد الله وبين الأمويين، هذا ما حفظه له التاريخ، ولكن هل اعتزل أيضا إزاء النزاع الذي حصل حول الخلافة؟ الذي ثبت عنه يفيد القطع بأنه لم يكن معتزلا ذلك النزاع. فالذي ثبت عنه أن أكثر حديثه كان عن أم المؤمنين عائشة، ولا شك أنها
(16) الدمشقي، والي مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان بن عبد الملك، ووالي العراق لهشام ابن عبد الملك (سير أعلام النبلاء 5 / 425). (17) الأغاني 22 / 21 أخبار خالد بن عبد الله القسري. 23 كانت طرفا من أطراف النزاع في مراحله الأخيرة، كما كان لها ميلا صريحا إلى أحد طرفي النزاع منذ أيامه الأولى، بل ربما قبل ذلك أيضا. ولقد ثبت عن عروة أنه قد تأثر بهذا الميل تأثرا كبيرا، بل الأرجح أن ميله هذا هو الذي دعاه إلى الاختصاص بعائشة دون سواها، فهو ابن الزبير بن العوام الذي كان إلى جانب عائشة في طليعة الداعين إلى نقض بيعة علي بن أبي طالب وإعلان الحرب ضده، تلك الحرب التي كان الزبير من أول ضحاياها. وكان عروة قد حاول الخروج معهما في تلك الحرب، لكن ردوه لصغره، إذ كان عمره ثلاث عشرة سنة (18). فلم يكن اختصاصه بأم المؤمنين عائشة لكونها خالته أخت أمه أسماء إذن، فلقد كان بنو هاشم أخواله أيضا، فأم أبيه هي صفية بنت عبد المطلب أخت أبو طالب. ولقد كان هذا الميل ثابتا في حديثه حتى عد في المنحرفين على علي عليه السلام، نسبه إلى ذلك من لا يتهم فيه: قال معمر: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه السلام، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ الله أعلم بهما! إني لأتهمهما في بني هاشم (19)! إذن فهذا المصدر متهم أيضا، متهم لا في إخفاء بعض حقائق التاريخ وحسب، بل في إدخال الأخبار المختلقة التي نسجها خصوم بني هاشم للنيل منهم والتنقص من منزلتهم! إنه متهم بذلك حتى عند الزهري الذي لم يكن له ميل إلى علي وبني
(18) سير أعلام النبلاء 4 / 423، الطبقات الكبرى 5 / 179. (19) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 64. 24 هاشم، بل على العكس كان قريبا من بني أمية مقربا لديهم، كما سيأتي ذكره. 4 - مغازي وابن شهاب الزهري: الفائدة الأخرى التي تظهر من الخبر المتقدم هي أن الزهري كان أكثر إنصافا لحقائق التاريخ من عروة. ومرة أخرى يبدو الزهري أكثر إنصافا من آخرين ممن عاصروه حين يوجه الطعن للتاريخ الذي كان يكتب على عيون بني أمية: قال معمر: سألت الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية، فضحك، وقال: هو علي بن أبي طالب، ولو سألت هؤلاء - يعني بني أمية - لقالوا: عثمان!! (20). إذن لم يقتصر الأمر هنا على كتمان مواقف علي عليه السلام وسيره، بل تعدى إلى سلبها منه وإضافتها إلى غيره! * لا شك أن الخبرين المذكورين قد حفظا للزهري موقفا فريدا، إذ نزه قلمه فيهما عن لونين من ألوان اغتصاب الحقيقة التاريخية، فأبى أن يسوق أحاديث علم أنها وضعت للنيل من علي وبني هاشم، كما أبى أن يسلبهم حقهم ليمنحه آخرين من غيرهم. ويبقى السؤال: هل استطاع الزهري أن يكون أمينا على السير فيثبتها في محلها بلا زيادة ولا نقصان، وحتى سير علي وبني هاشم والأنصار، في تلك الأجواء التي لم تتوقف عند كتمان سيرهم، بل تعدت ذلك فأثارت حولها سحبا كثيفة لتعكس لهم صورة أخرى تماما؟ هل وفي الزهري للحقيقة وأدى الأمانة على أتم وجه؟ الحق أن من تتبع رواية الزهري للسير والمغازي يجد أنه لم يكن كذلك،
(20) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5 / 343 ح 9722. 25 فعلى امتداد سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه لا تجد لعلي بن أبي طالب عليه السلام ذكرا، إلا حين لا ينطوي ذكره على فضيلة تميزه على غيره (21)، وحين سئل عن فضيلة له جحدها! ففي ذكر أول من أسلم نقل عبد الرزاق ما نقله معمر عن غير الزهري: أن أول من أسلم علي بن أبي طالب. لكن الزهري قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة (22). في حين لا يكاد يعرف هذا عن أحد غير الزهري (23). ثم يواصل الزهري ذكر من أسلم فلا يذكر إسلام علي عليه السلام ولا أحد من بني هاشم. ثم يمضي في ذكر السيرة والمغازي فلا تجد عليا فيها إلا رجلا غريبا ليس له فيها خبر ولا أثر، مع أنه لا يمر على أثر لأبي بكر وعمر إلا فصل فيه وزينه، أما علي فلا ذكر له! لا في العهد المكي، ولا في الهجرة، ولا في المؤاخاة، ولا في بدر، ولا في أحد، ولا في الخندق، ولا في خيبر، ولا في فتح مكة، ولا في حنين، ولا في تبوك، ولا في غير ذلك!! إنه ليبدو لقارئ مغازي الزهري أن عليا رجل غريب على السيرة! ولقد استشعر عبد الرزاق ذلك وهو يروي مغازي الزهري فتداركه في مواضع معدودة فقط: فروى خبر إسلام على من حديث معمر عن قتادة وعن عثمان
(21) رواية الزهري لمغازي الرسول جمعها عبد الرزاق في المصنف - كتاب المغازي - 5 / 313 - 439. (22) المصنف 5 / 325. (23) أنظر: كتاب الأوائل: 91 - 93، سيرة ابن إسحاق: 137، الطبقات الكبرى 3 / 21، البدء والتاريخ 4 / 145، السيرة النبوية من تاريخ الإسلام - للذهبي -: 70، تاريخ الخلفاء - للسيوطي -: 132، وترجمة الإمام علي عليه السلام في (الإستيعاب) و (أسد الغابة) و (الإصابة). 26 الجزري (24). وروى مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الهجرة من حديث معمر عن عثمان الجزري وعن قتادة (25). أما حديث الزهري فكان يرويه عن عروة عن عائشة، وليس فيه ذكر لعلي! (26). وروى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام حين خلفه أميرا على المدينة يوم تبوك: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) رواه من حديث معمر عن قتادة وعلي بن زيد بن جدعان (27). هذا، مع أن الزهري يثبت في مغازيه حديث ابن عباس الذي يدين فيه أم المؤمنين عائشة للسبب نفسه، كتمان مواقف علي! قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة أخبرته، قالت: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له - قالت - فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد أخرى على يد رجل آخر، وهو يخط برجليه في الأرض. فقال عبيد الله: فحدثت به ابن عباس، فقال: أتدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ هو علي بن أبي طالب، ولكن عائشة لا تطيب نفسا بخير (28). استظهار: من هذه القراءة في مغازي الزهري يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك
(24) المصنف 5 / 325. (25) المصنف 5 / 389. (26) المصنف 5 / 385 - 389، 390 - 392. (27) المصنف 5 / 405 - 406 ح 9745. (28) المصنف 5 / 429 - 430. 27 المؤرخ الذي سماه المدائني (ابن شهاب ابن عبد الله) والذي طلب إليه خالد القسري أن يكتب له السيرة، أنه هو ابن شهاب الزهري هذا، فابن شهاب هو الغالب على تسمية الزهري، وأما عبد الله فهو جده، وعبد الله هو ابن شهاب، ومن هنا وقع اللبس. ويؤيد ما قلناه أنه لم يكن أحد من أهل العلم بالسير ممن عاصر خالد القسري يعرف بابن شهاب إلا ابن شهاب الزهري. إذن هذه هي مغازي ابن شهاب الزهري التي عرف بها نفسه، فقال: قال لي خالد القسري: اكتب لي السيرة. فقلت له: فإنه يمر بي الشئ منس ير علي بن أبي طالب، فأذكره؟ فقال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم! (29). فلما لم يجد الزهري عليا في قعر الجحيم، لم يورد له ذكرا في مغازيه! دهاء الزهري: تجنب الزهري شيئا من أخبار شيخه عروة حين اتهمه في بني هاشم، وهذه فضيلة يحفظها له التاريخ. وفي مقابل ذلك أعرض عن ذكر سير علي ومناقبه إرضاء لبني أمية، وهذه حفظها له بنو أمية! وربما ظن أنه قد سلك مسلكا وسطا، فلا هو أرضاهم في النيل من علي وبني هاشم، ولا هو أسخطهم بذكر سير علي وبني هاشم! وبهذا نجح الزهري فكان حظيا عند الأمويين لا يقدمون عليه أحدا حتى توفي. ولكن لم يأت هذا النجاح إلا بما هدره من حقائق الدين والتاريخ التي لو أظهرها لكان الزهري عندهم غير الزهري!
(29) تقدم في الفقرة 2 عن كتاب الأغاني 22 / 21 من رواية المدائني. 28 * ثم ألم يكن في إخفاء صفحات هامة من السيرة تغييرا لوجه السيرة، وعرضها بوجه جديد مخالف لوجهها الحقيقي؟ فكيف يعد هذا مسلكا وسطا؟! * ويزيد في تغيير وجه السيرة ما يقع أثناء الحديث من ذكر لموقف اشترك فيه مع علي بن أبي طالب رجل آخر، فحين يحذف اسم علي سيبرز الآخر في صورة جديدة لم تكن هي الصورة التي تحققت في الواقع. فحين يذكر الزهري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكر على الحج (30)، ثم يخفي ما وراءها من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث عليا عليه السلام على أثره وأمره أن يأخذ منه (براءة) فيبلغها في الموسم، فعاد أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أنزل في شئ يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا، ولكني أمرت ألا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني) (31). إنه عندما يقطع هذا الجزء فسوف تظهر الواقعة بوجه آخر. إن الذي سخر منه الزهري آنفا من قول بني أمية في كاتب الكتاب يوم الحديبية (32)، قد وقع في مثله في مواضع كثيرة من مغازيه... وأكثر هذه المواقع وضوحا ما نقله في سد أبواب المسجد، فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سدوا هذه الأبواب الشوارع في
(30) المصنف 5 / 382. (31) هذا الحديث في: مسند أحمد 1 / 3، 331 و 3 / 212، 283 و 4 / 164، 165، سنن الترمذي 5 / ح 3719، سنن النسائي - كتاب الخصائص - 5 / ح 8461، جامع الأصول 9 / ح 6496، مجمع الزوائد 9 / 119، تاريخ اليعقوبي 2 / 76، البداية والنهاية 7 / 370. (32) تقدم قول الزهري: إن كاتب الكتاب يوم الحديبية هو علي، ولو سألت بني أمية لقالوا: هو عثمان! 29 المسجد إلا باب أبي بكر رحمه الله، فإني لا أعلم رجلا أحسن يدا عندي من الصحابة من أبي بكر (33). وحديث سد الأبواب إنما هو لعلي لا لأبي بكر، حتى اشتهر أنه لا يدخل المسجد جنبا إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (سدوا هذه الأبواب إلا باب علي) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن كثير والعسقلاني وغيرهم (34). قال ابن أبي الحديد المعتزلي: حديث سد الأبواب كان لعلي عليه السلام فقلبه البكرية لأبي بكر (35). 5 - مغازي تلامذة عروة والزهري: كان من أصحاب المغازي: يزيد بن رومان تلميذا لعروة والزهري، وأبو الأسود تلميذا لعروة وهو ربيبه، وموسى بن عقبة تلميذا للزهري، وقد جعل هؤلاء اعتمادهم بالمرتبة الأولى على رواية عروة والزهري (36). فلا شك إذن أن تأتي مغازيهم بنفس تلك الخصائص. مثال ذلك: ما رواه يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير في قصة مهاجري الحبشة وحديث النجاشي معهم، فقال: إنما كان يكلم النجاشي عثمان بن عفان! قال ابن إسحاق: وليس كذلك، إنما كان يكلمه جعفر بن
(33) المصنف 5 / 431. (34) مسند أحمد 1 / 331، سنن الترمذي 5 / ح 3732، سنن النسائي - كتاب الخصائص - 5 / ح 8423، البداية والنهاية 7 / 355، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7 / 13، الإصابة 4 / 270، جامع الأصول 9 / ح 6494، مجمع الزوائد 9 / 114 - 115. (35) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 / 49. (36) تقدم ذكره عن مصادره في بداية هذا البحث. 30 أبي طالب (37). والذي ذكره ابن إسحاق هو الذي عليه سائر أصحاب السير (38). أما رواية يزيد بن رومان عن عروة فهي من جنس ما ذكره الزهري عن بني أمية في حديث كاتب الكتاب يوم الحديبية. 6 - مغازي عاصم بن عمر بن قتادة: هذا المصدر نجا نسبيا من أسر التطرف أو الانحياز الذي وقعت فيه المصادر السابقة، فذكر كثيرا من سير الأنصار وأخبارهم وأطرافا من سير علي عليه السلام (39). ولعل السر في ذلك يعود إلى أمرين: الأول: أنه كان من الأنصار، فجد قتادة هو قتادة بن النعمان الأنصاري الذي سقطت عينه إثر ضربة في معركة أحد، فردها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الشريفة فعادت أحسن من قبل. والثاني: أنه كان يحدث في عهد عمر بن عبد العزيز، وهو عهد أكثر اعتدالا استطاع فيه بعض أهل العلم أن يظهروا من العلم ما لم يكن يظهر في عهود سائر خلفاء بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز وبعده. لكنه كان يحدث في مسجد دمشق، فهو بلا شك لم يستطع أن يقول كل ما يعلم فيصدم أهل الشام بما ينكرونه، وهم كما وصفهم معاوية بن أبي سفيان:
(37) سيرة ابن إسحاق / 217 - 218. (38) تاريخ اليعقوبي 2 / 29، السيرة النبوية - لابن حبان -: 79، المنتظم - لابن الجوزي - 2 / 383، الكامل في التاريخ 2 / 80، السيرة النبوية - للذهبي -: 189 - 190، عيون الأثر 1 / 155، البداية والنهاية 3 / 89، ولا يعرف خلاف في ذلك. (39) نقل بعض مروياته ابن إسحاق في سيرته، والطبري في تاريخه. 31 إن بالشام مئة ألف فارس، كل يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون عليا ولا قرابته، ولا عمارا ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحبته، ولا طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتقون سعدا ولا دعوته (40). 7 - آخرون: أما الآخرون من أصحاب المغازي والسير الذين لم يقفوا عند تلك الحدود ولا خضعوا لتلك الضوابط، لأثبتوا من السير ما صح لديهم أو ما بلغهم حتى من سير علي عليه السلام وبني هاشم والأنصار، فكان من اليسير جدا أن ينبزوا بالتشيع، وعندما يقال لمؤرخ أو محدث إنه يتشيع فليس المراد التعريف بمذهبه وحسب، بل المراد ا لطعن بروايته وردها. وهكذا كان نصيب الكثير من مؤرخي تلك المرحلة، والمرحلة اللاحقة أيضا، فقيل فيهم: كان أصحاب المغازي يتشيعون، كابن إسحاق، وأبو معشر، ويحيى بن سعيد الأموي وغيرهم (41). * قد تقدم التعريف بابن إسحاق وسيأتي بتفصيل أكثر في الفقرة اللاحقة. * أبو معشر: نجيح بن عبد الرحمن السندي (170 ه) مولى أم موسى ابن المهدي العباسي (42)، أشخصه المهدي معه من المدينة إلى بغداد سنة 160 ه وأمر له بألف دينار، وقال له: تكون بحضرتنا فتفقه من حولنا (43). فهذا من أن يأتيه التشيع، إلا أن يكون قد روى من سير علي عليه السلام وبني
(40) الإمامية والسياسة: 46. (41) معجم الأدباء 18 / 7. (42) من هنا قالوا له: مولى بني هاشم. (43) سير أعلام النبلاء 7 / 435 - 440، تهذيب التهذيب 9 / 374. 32 هاشم ما كان لا يأذن به الأمويون؟! لقد لاحظ بعض المحققين أن مغازي أبي معشر كانت تضم كل أحداث حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (44). فهو إذن لم يقتطع تلك الأجزاء التي اقتطعها عروة والزهري وتلاميذهم، وهذا هو التشيع! هذا، رغم أن الظاهر من رواية أبي معشر أنه كان متحفظا في نقل هذا النوع من الحديث، كما هو ظاهر في الرواية الوحيدة التي نقلها عنه الطبري في ما يخص عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي روايته لإمارة أبي بكر على الحج وبعث علي عليه السلام على أثره وتبليغ سورة براءة، فقد أخفى أبو معشر ما في هذه الواقعة من مزية لعلي عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت ألا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني) فلم يأت هذا الحديث في روايته! (45). وأما في عهد الخلفاء فقد روى الطبري عنه كثيرا (46)، ولكن لم يرو عنه في الغالب إلا تاريخ غزوة، أو تاريخ وفاة، أو اسم من ولي الحج في كل سنة من السنين! * يحيى بن سعيد: ابن أبان بن سعيد بن العاص الأموي (194 ه) تلميذ ابن إسحاق، أخذ عنه المغازي (47)، وروى عنه كتاب الخلفاء (48). من هنا لحق به ما لحق بابن إسحاق، ورغم أنه روى عن هشام بن عروة
(44) تاريخ التراث العربي 2 / 94. (45) تاريخ الطبري 3 / 123. (46) لا عن مغازيه التي تختص بعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كتابه الآخر (تاريخ الخلفاء) الذي يبدو أنه استوعب فيه التاريخ إلى سنة وفاته. (47) سيرة أعلام النبلاء 9 / 139. (48) معجم الأدباء 18 / 9 ترجمة ابن إسحاق. 33 ابن الزبير وآخرون من خصوم الشيعة إلا أن هذا لم يمح عنه سمة التشيع التي لم يمحها نسبه الأموي أيضا! وقد أخرج له الطبري ست روايات ليس فيها ما يمت إلى التشيع أو سير علي عليه السلام وبني هاشم بصلة، بل منها ما هو من رواية عروة والزهري (49). 8 - سيرة ابن إسحاق: الكتاب الجامع للسيرة النبوية والمغازي، وهو كتاب كبير اختصره ابن هشام في كتابه الشهير (السيرة النبوية لابن هشام). رواه عنه ثلاثة من تلامذته، وإحدى الروايات هي التي اختصرها ابن هشام، وهي رواية البكائي (50). وقد عدد ابن إسحاق مصادر كتابه، فروى عن الزهري ويزيد بن رومان وفاطمة بنت المنذر بن الزبير زوجة هشام بن عروة بن الزبير، كما روى عن عاصم بن عمر بن قتادة، وروى عن الأعمش وعبد الله بن الحسن بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام. أما تشيعه ففسره بعضهم بقوله: كان له انقطاع إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن، وكان يأتيه بالشئ فيقول له: أثبت هذا في علمك. فيثبته ويرويه عنه (51). ترى لماذا لا يقال في من وقف كتابه على رواية عروة والزهري إنه كان بكريا أو عثمانيا، فيجعل ذلك عيبا قادحا فيه؟! على أي حال فقد أثبت ابن إسحاق كثيرا من سير علي عليه السلام
(49) أنظر: تاريخ الطبري 1 / 246، 2 / 364، 3 / 27، 68، 162، 194. (50) طبعت أجزاء من رواية ثانية - رواية يونس بن بكير - في مجلد واحد، بحقيق د. سهيل زكار. غير أن أيا من تلك الروايات لم تصل كاملة! (51) معجم الأدباء 18 / 7. 34 والأنصار التي أعرض عنها غ يره ممن تقدم ذكرهم، وربما تكون من أبرز رواياته في ذلك: حديث سلمان الفارسي وهو يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، إنه ليس من نبي إلا وله وصي وسبطان، فمن وصيك وسبطاك؟ فيجيبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (والذي نفسي بيده لأنا خير النبيين، وإن وصيي لخير الوصيين - يعني عليا عليه السلام - وسبطاي خير الأسباط - يعني الحسن والحسين عليهما السلام - (52). اختصار ابن هشام: عمد ابن هشام إلى أشياء في سيرة ابن إسحاق فحذفها، وقال: تركت ذكرها للاختصار. ولأجل الأمانة فقد أوضح عن تلك الأشياء التي حذفها في مقدمته، وقد تضمنت: بعض أخبار ما قبل النبوة، وبعض الأنساب التي لا تتصل بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأشعارا تفرد بذكرها ابن إسحاق، ثم ذكر أشياء أخرى حذفها فقال: وأشياء: بعضها يشنع الحديث به. - وبعض يسوء بعض الناس ذكره. - وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته. ولعل هذه الأشياء هي أخطر ما حذف من سيرة ابن إسحاق، وبالخصوص الثاني منها الذي قال عنه (يسوء بعض الناس ذكره) وسوف تظهر معالم هذه الأشياء المحذوفة عند الحديث عن تاريخ الطبري، وعن منهاج التدوين في تلك المرحلة، علما أن ابن هشام قد توفي سنة 213 ه.
(52) سيرة ابن إسحاق / 124 - 125، وانظر مقدمة د. سهيل زكار على السيرة: 13 - 14. 35 ثانيا: مع مصادر القسم الثاني: وأهمها - كما قدمنا - هو تاريخ الطبري الموسوم ب: تاريخ الأمم والملوك. فكيف تعامل الطبري مع الأحداث، وبالخصوص ما يتصل منها بمواضع النزاع المذهبي وإرضاء الرأي العام أو إسخاطه. النقاط التالية ستقدم لنا الجواب الشافي بأكبر قدر ممكن من الإيجاز: 1 - اعتمد الطبري كثيرا من كتب المغازي والسير المتقدمة، وأضاف إليها كثيرا مما سمعه من مشايخه ومن رواة الأخبار، فأسند رواياته غالبا، ونسبها إلى مصدرها أحيانا، وخروجا من العهدة فقد ذكر ذلك في مقدمته، ثم قال: فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا (53). لقد دافع بعبارته هذه عن نفسه، لا عن الحقيقة التاريخية... فهو برئ مما جاء في بعض مروياته من تهافت أو مناقضة للحقيقة، وإنما التبعة في ذلك على الرواة. وإذا كان وجه العذر في أنه حين عرف بالأسانيد فقد ترك الطريق واضحا أمام الدارسين ليعرفوا الصحيح منه، ويعرفوا الضعيف والباطل المفترى كذلك من خلال معرفة حال الرواة، وهو أمر قد أصبح هينا بعد إحكام علم الجرح والتعديل، إذا كان هذا هو وجه العذر فلا شك أنه وجه صحيح لم تم كما أراد له صاحبه.
(53) تاريخ الطبري 1 / 8. 36 ولكن هنا مسألتان: الأولى: إن الذين سينتفعون من ذلك إنما هم الخاصة من أهل العلم ذوي الباع الطويل في علوم الرواية والدراية وأهل التخصص في هذا الفن، وهؤلاء أندر من الكبريت الأحمر في كل عصر ومصر، أما السواد الأعظم من الناس بما فيهم الكثرة الغالبة من أهل المعرفة والاطلاع وحتى بعض المتخصصين في التاريخ فهم بعيدون عن معرفة ذلك والتقحم فيه، وإنما يقرأون تاريخا مسطورا ومنظما، ومما يزيد في تقبلهم لكل ما فيه واطمئنانهم إليه هو هذه الأسانيد نفيها! وهنا انقلب دور هذه الأسانيد لتأتي بالنتيجة المعكوسة تماما عند الغالبية العظمى، بل عند عامة الأئمة وسائر طبقات المتعلمين من أبنائها على مدى العصور وتعاقب الأجيال! هذه هي الحقيقة الواقعة.. وهذه هي العاقبة الخطيرة لتلك الطريقة من الحذر.. وسوف تتضح لنا خطورة هذه النتيجة أكثر حين نلتفت إلى أنه ليس المهم في كتابه التاريخ تبرئة الكاتب المصنف أو إلقاء اللوم عليه، إنما المهم فيه والمطلوب منه هو ما سيتركه من أثر في ثقافة الأجيال ورؤيتها لحقائق التاريخ وأحداثه الهامة. الثانية: إن كبار المؤرخين الذين أخذوا عن الطبري - وهم عادة من خاصة أهل العلم والتحقيق - قد وقعوا في ذلك المحذور في كثير مما أخذوه عنه، حين اعتمدوا أشد الروايات ضعفا وأكثرها تهافتا ومناقضة للواقع. وهذه حقيقة لائحة للناظر في تاريخ ابن الأثير (الكامل في التاريخ)، وتاريخ ابن كثير (البداية والنهاية)، وتاريخ ابن خلدون، بل حتى تاريخ المسعودي (مروج الذهب) الذي أثنى على تاريخ الطبري أشد الثناء ولم يشر إلى رواياته عن المتروكين والضعفاء.
37 ومن أمثلة تلك الروايات المتهافتة الروايات التي تنتهي إلى سيف بن عمر، فلعله لم يعرف في التاريخ روايات أضعف منها سندا ولا أشد منها نكارة!! فسيف بن عمر معروف عند أهل الجرح والتعديل بلا خلاف بينهم، أنه: متروك كذاب، يضع الحديث، متهم بالزندقة (54). أضف إلى ذلك أن الرجل الذي روى كتب سيف - وهو شعيب بن إبراهيم - هو رجل مجهول ليس بالمعروف (55). لكن هذه المعرفة بحال سيف بن عمر وراوي كتبه لم تمنع أكابر المؤرخين من اعتماده بالدرجة الأولى وخاصة في أكثر مراحل التاريخ الإسلامي حساسية، وهي المرحلة التي سنعرف بها في النقطة التالية. 2 - إن أكثر مراحل التاريخ الإسلامي حساسية هي المرحلة التي تبتدئ بمرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته وابتداء عهد الخلافة وما نجم فيها من خلافات وفتن ابتداء بأحداث سقيفة بني ساعدة لانتخاب أول الخلفاء، وانتهاء بمعركة الجمل التي قادها نصف من بقي من أعضاء الشورى، فيما اعتزل الربع الآخر - سعد بن أبي وقاص - ولكن كان قلبه ولسانه مع الربع المستهدف في تلك الحرب - علي بن أبي طالب عليه السلام -. وقد تمخضت تلك المرحلة عن أحداث كانت بمثابة النواة الأولى لأول خلاف وقع بين المسلمين، ذلك الخلاف الذي أخذ ينمو مع الزمن ومع تعاقب الأحداث، ومع نموه كان يظهر في الميدان مزيد من الأهواء التي اتخذت
(54) أنظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2 / 255 رقم 3637. (55) ميزان الاعتدال 2 / 275 رقم 3704، لسان الميزان 3 / 176 رقم 4100. (56) كان أعضاء الشورى ستة نفر من كبار المهاجرين وهم: علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، فتوفي عبد الرحمن وعثمان وبقي الأربعة المذكورون. 38 أشكالا شتى دخلت في الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي مواقف الصحابة ونزعاتهم. ففي مرحلة كهذه ينبغي أن يكون المؤرخ حذرا كل الحذر فلا يجنح إلى رواية من عرف بالكذب ووضع الحديث، ولا إلى صاحب الهوى وهو ينتصر لهواه. فكيف كان اختيار الطبري في تأريخه لهذه المرحلة؟ إنه مما يلفت النظر أن الطبري قد جعل جل اعتماده في تدوين أحداث هذه المرحلة بطولها على رواية سيف بن عمر المعروف بالكذب ووضع الحديث والمتهم بالزندقة! ففي هذه المرحلة، ابتداء من مرض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاء بمعركة الجمل، لا يفارق الطبري رواية سيف إلا حين يضع إلى جانبها رواية أخرى، وغالبا ما تجد الفرق شاسعا بين رواية سيف وغيره (57). ولعله سيتضح السبب في اعتماد رواية سيف عند المرور على النقاط التالية. 3 - وقف الطبري عند قصة أبي ذر مع بني أمية، فرآها من أخطر الأحداث التي تصف مسار التاريخ وتكشف عن وجهه الحقيقي، فأعرض عن كل ما روي فيها باستثناء ما رواه سيف بن عمر، لأنه الكاتب الوحيد الذي حفظ للسلطان ماء وجهه واستنقذه من عواقب تلك الأحداث كما صرح بذلك الطبري نفسه في مستهل حديثه عن هذه القصة، فقال:
(57) راجع تاريخ الطبري 3 / 184 - - 4 / 562 تجد رواية سيف بن عمر تكتسح هذه الصفحات اكتساحا غريبا! وأما المقارنات بين رواية سيف ورواية غيره في كل واحدة من الأحداث والوقائع فقد جمعها العلامة السيد مرتضى العسكري في كتابين هما: (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) و (خمسون ومائة صحابي مختلق) وكل منهما في مجلدين. 39 (في هذه السنة - سنة 30 ه - كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية، وإشخاص معاوية إياه (58)، أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها، فأما العاذرون لمعاوية فإنهم ذكروا في ذلك قصة كتب بها إلي السري يذكر أن شعيبا حدثه سيف...). ويسرد الطبري هذه القصة مرددا بين فقراتها (قال سيف) (قال سيف) حتى أتى على آخرها، ثم قال: (وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة وأمورا شنيعة كرهت ذكرها) (59)! إذن لا شئ عن هذا الحدث الحاسم الذي يكشف كثيرا من أسرار التاريخ، لا شئ عنه في هذه الموسوعة التاريخية الكبرى إلا ما يرويه المتزندق سيف، وينقله عنه راويته المجهول شعيب، ولا شئ بعد ذلك، فهؤلاء هم العاذرون معاوية، وأما الآخرون فلا بد من وضع الأكف على أفواههم، فالطبري يكره ذكر أخبارهم! ترى لماذا نسي الطبري منهجه في الرواية؟! ألم يقرر في مقدمته أنه يروي ما بلغه، ثم إذا كان فيه ضعف أو خلاف للواقع فالعهدة فيه على الناقلين، لا عليه؟! فلماذا إذن تجنب رواية الطرف الآخر وكره ذكرها، ألم يكن الأولى أن يذكرها أيضا ثم يترك الأمر من بعده لأهل التمحيص فينظروا أي الروايتين أحسن إسنادا وأولى بالاعتماد؟! ربما يظهر من كلام الطبري أن رواية هذا الطرف - العاذرين أبا ذر - قد حوت أمورا شنيعة، ولذا كره ذكرها، ولم تكن رواية سيف كذلك. لكن هذا العذر مردود بأمرين:
(58) يعني تسيير معاوية لأبي ذر من الشام إلى المدينة. (59) تاريخ الطبري 4 / 283 - 286. 40 الأول: أن رواية سيف جاءت بما هو شنيع، بل بما هو أكثر شناعة من تلك الأمور التي كره الطبري ذكرها. فأما الشناعة التي كره الطبري ذكرها فمفادها: أن معاوية كان يحب المال والزينة، وأنه سير الصحابي الكبير أبا ذر من الشام إلى المدينة على بعير بلا وطاء حتى تآكل لحم فخذيه. وحين قدم أبو ذر المدينة أمر الخليفة عثمان بن عفان بنفيه إلى الربذة بعد جدل دار بينهما أصر فيه أبو ذر ألا يكف عن طعن الأمراء الذين شغلتهم الدنيا وجمع الثروات الطائلة، وخرج أبو ذر إلى الربذة ولم يجرؤ أحد أن يودعه سوى علي وولديه الحسن والحسين عليهم السلام (60). وأما رواية سيف التي لا يذكر الطبري سواها، فأولها: (لما ورد ابن السوداء (61) الشام لقي أبا ذر، فقال: يا أبا ذر، ألا تعجب إلى معاوية، يقول: المال مال الله؟! ألا إن كل شئ لله، فكأنه يريد أن يحتجبه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين! فأتاه أبو ذر فقال: ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله!... قام أبو ذر بالشام وجعل يقول: يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء.. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء... ثم يذكر تسيير معاوية أبا ذر إلى المدينة على أحسن هيئة، ويكرمه الخليفة أحسن إكرام ويتلطف به، غير أن أبا ذر يصر على أن يهجر المدينة ليرتد أعرابيا!! فهذه القصة التي حملت على رابع الإسلام - أبي ذر (62) - فجعلته تابعا
(60) راجع القصة في: تاريخ المدينة المنورة 3 / 1034، تاريخ اليعقوبي 2 / 171 - 173، أنساب الأشراف: القسم الرابع: 5442 - 5445، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 54 ومنه أيضا 1 / 199 و 3 / 28. (61) يريد عبد الله بن سبأ، اليهودي الذي أسلم كيدا للإسلام والمسلمين. (63) فقد أسلم أبو ذر بعد خديجة وعلي وزيد بن حارثة، أنظر: سيرة ابن إسحاق: 137 - 138. 41 لإرادة ذلك اليهودي الماكر، ثم جعلت منه رجلا متمردا على الخليفة بإيعاز من ذلك اليهودي، ثم جعلت منه مرتدا أعرابيا بعد الهجرة. أليس في هذه القصة من الشناعة ما يكفي لنفور المؤرخ منها حين يكون عهده النفور من أمثالها وما هو أدنى منها؟! الثاني: إن الطبري باختياره هذا يصرح قولا وعملا أنه قد وقف في تاريخه إلى جانب الأمير الغالب، ملتمسا له العذر على كل حال وإن لم يجد هذا العذر إلا عند الزنادقة كسيف بن عمر!! ألا تراه كيف كان صريحا في إعراضه عن سائر أحاديث العاذرين أبا ذر - الطرف المغلوب - واكتفائه برواية العاذرين معاوية - الأمير الغالب - رغم أنه لا يجد هذا العذر إلا عند الموصوف بالزندقة والمعروف بالكذب والوضع، سيف ابن عمر، ومن طريق راويته المجهول شعيب؟! إن موقفا كهذا ينبغي ألا يظهر في تدوين التاريخ، وبالخصوص تاريخ الإسلام. * وهنا نلحظ أن عذر الطبري بترك تلك الروايات بأنها حوت أمورا شنيعة، قد جاء مطابقا لعذر ابن هشام في حذف أشياء من سيرة ابن إسحاق حيث قال عنها: (يشنع الحديث به)! 4 - موقف آخر يتبناه الطبري في تاريخه: وقف الطبري على مكاتبات جرت بين محمد بن أبي بكر لما ولي مصر، ومعاوية بن أبي سفيان، فقال: عن يزيد بن ظبيان أنه قال: إن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان، لما ولي. وقطع الطبري الكلام إلى هنا ثم قال: فذكر يزيد بن ظبيان مكاتبات
42 جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة! (63) وهذا كلام صريح بأن أذهان العامة قد شحنت بثقافة منحازة، وقد تعصبت لها كثيرا فهي لا تحتمل سماع ما يناقضها وإن كان هو الحق. إن عبارة الطبري هذه تحدد لنا بوضوح ما عناه ابن هشام حين حذف أشياء من سيرة ابن إسحاق فقال عنها: (يسوء بعض الناس ذكره)! فما هي معالم هذه الثقافة التي شحنت بها أذهان العامة؟ لقد تقدمت نبذ من ذلك عند ذكر كتاب أبان بن عثمان الذي خرقه سليمان بن عبد الملك لما فيه من ذكر للأنصار، وفي حديث خالد القسري لابن شهاب حين طلب منه أن يكتب المغازي شريطة أن لا يأتي لعلي عليه السلام بذكر إلا أن يجده في قعر جهنم! وفي حديث الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية: لو سألت بني أمية لقالوا هو عثمان! وسنأتي على مزيد من معالم تلك الثقافة في فقرة لاحقة أعددناها لهذا الغرض، بعنوان (منهاج التدوين). مؤرخون على أثر الطبري: وجاء المؤرخون اللاحقون من أصحاب التصانيف الكبيرة في التاريخ فاقتفوا أثر الطبري حذو القذة بالقذة (64)، فلم يقتصروا على اعتماده مصدرا وحيدا لتلك الحقبة من التاريخ، بل اجتهدوا في توثيقه إلى أبعد الحدود، غافلين عن أسانيده التي كانت في أغلب ما يخص هذه الحقبة الحساسة من أوهى الأسانيد وأبعدها عن دواعي القبول، فألبسوا الطبري ما أراد أن يتبرأ منه من تبعات ذلك!
(63) تاريخ الطبري 4 / 557. (64) يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. 43 أ - ابن الأثير: في كتابه الكبير (الكامل في التاريخ) تابع الطبري في نصوصه ومنحاه، فنقل ما اختاره الطبري كاملا أو أوجزه في أغلب الأحيان، ولم يخالفه في شئ أثبته، ولا عارضه على إسناد ضعيف ولا متن منكر، بل على العكس حاول توثيق كل ما جاء فيه. قال ابن الأثير في مقدمة كتابه وهو يعرف بمنهجه ويذكر مصادره: (أقول: إنني قد جمعت في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتاب واحد... فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو الكتاب المعول عند الكافة عليه، والمرجوع عند الاختلاف إليه، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه، لم أخل بترجمة واحدة منها...). وقال: (فلما فرغت منه أخذت غيره من التواريخ المشهورة فطالعتها وأضفت منها إلى ما نقلته من تاريخ الطبري ما ليس فيه... إلا ما يتعلق بما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم...). هذه هي النقطة الخطيرة التي استوعبت تلك المرحلة الحساسة من تاريخ الإسلام، فما هو موقف ابن الأثير إزاء ما فيها من أحداث حاسمة في تشخيص الحقائق؟ قال ابن الأثير مواصلا كلامه: (إلا ما يتعلق بما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لم أضف إلى ما نقله أبو جعفر شيئا.. وإنما اعتمدت عليه من بين المؤرخين، إذ هو الإمام المتقن حقا، الجامع علما وصحة اعتقاد وصدقا) (65). فهل غفل ابن الأثير عما قدمه الطبري على مروياته من أسانيد، وما صرح
(65) الكامل في التاريخ 1 / 3 مقدمة المصنف. 44 به من أنه لم ينقلها ثقة بها وإنما هي روايات بلغته والعهدة فيها على رواتها؟! لقد أسقط ابن الأثير تلك الأسانيد وأبقى النصوص وكأنها الحقائق التي لا شك فيها ولا غبار عليها! فإذا تذكرنا أن هذه الحقبة الحاسمة من التاريخ قد حصرها الطبري برواية سيف بن عمر في الأغلب الأعم، وإذا تذكرنا من هو سيف، ومن هو راويته الأول، علمنا عندئذ فداحة الأمر الذي ارتكبه ابن الأثير! وعلمنا أيضا مدى ما لقوله الآتي من حقيقة، ومدى ما له من أثر فادح في ثقافة الأجيال وعقائدها... ذلك قوله وهو يصف مصادره التي اعتمدها في تاريخه وفي مقدمتها روايات الطبري عن كتب سيف، فيقول: (على أني لم أنقل إلا من التواريخ المذكورة، والكتب المشهورة، ممن يعلم بصدقهم في ما نقلوه، وصحة ما دونوه... ولم أكن كالخابط في ظلماء الليالي، ولا كمن يجمع الحصباء واللآلي) (66). فكم بين هذا وبين ما قاله الطبري في ديباجته؟! فالطبري لم يوثق ما نقله، بل على العكس علم أن فيه ما يستنكر ويستشنع لما فيه من مجانبة الصواب، فقدم عذره إلى قراءة بأن هذا قد أتى من رواته لا منه هو، وجعل وسيلته إلى هذا العذر أن ذكر الأسانيد كاملة ليقف القارئ عليها فيأخذ بروايات الصادقين والممدوحين، ويترك روايات الكذابين والمتروكين. أما ابن الأثير فقد أتى على تلك الأسانيد فحذفها، ثم حكم بصحة كل ما ورائها، معللا ذلك بأن الطبري قد رواها في تاريخه، والطبري إمام لا شك في علمه وصدقه!! إن هذا لفادح من الأمور...
(66) الكامل في التاريخ 1 / 3 - 4. 45 ولم يكن الطبري وحده ضحيته، بل هذه الأجيال التي عرضت لها الأباطل وكأنها الحقائق، ورسم لها تاريخ الإسلام منكوسا على رأسه وهي تخال أنه قائم على قدميه! وهكذا تستولي الأباطيل على عقائد الناس، حين يغتر الناس بكلام معسول كديباجة ابن الأثير هذه... ب - ابن خلدون: ابن خلدون أيضا يؤكد اعتماده على ما نقله الطبري دون غيره، ثم يزيد على ذلك فيهاجم المؤرخين الذين نقلوا أخبارا غير التي نقلها سيف بن عمر والعاذرون، فيقول بعد أن فرغ من ذكر وقعة الجمل: (هذا أمر الجمل ملخصا من كتاب أبي جعفر الطبري، اعتمدناه للوثوق به، ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره) (67). وفي موضع آخر وبعد أن فرغ من الكلام في أمر الخلافة الإسلامية، قال: (هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها من الردة والفتوحات والحروب، ثم الاتفاق والجماعة، أوردتها ملخصة عيونها ومجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبري، وهو تاريخه الكبير، فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الأمة وأخيارها وعدولها من الصحابة والتابعين. فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين؟؟؟ مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء، فلن ينبغي أن تسود بها الصحف) (68). إن ما قيل في حق ابن الأثير يقال هنا أيضا في حق ابن خلدون.
(67) تاريخ ابن خلدون 2 / 622. (68) تاريخ ابن خلدون 2 / 650. 46 ج - ابن حزم: أورد ابن حزم في سيرته أخبار الخلفاء باختصار شديد، وفي حديثه المختصر عن خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وذكر وقعة الجمل وصفين، قال: (وفي أيامه كانت وقعة الجمل وصفين، وعلم الناس منه فيها كيف قتال أهل البغي). ثم انتقل فورا ليوجه القارئ إلى المصادر التي تكفلت ذكر الغزوتين، فقال: (وحديثها قد اعتنى به ثقات أهل التاريخ، كأبي جعفر بن جرير وغيره) (69). فقد اكتفى بذكر الطبري من بين ثقات أهل التاريخ، في حين لم يعتمد الطبري في أخبار معركة الجمل سوى رواية سيف بن عمر!! طريقة الانتفاء وشروط الصحة: لمسنا بوضوح أن شيخ المؤرخين الإمام الطبري قد التزم منهاجا خاصا في انتفاء الأخبار، وبالخصوص ما يعني منها بأحداث تلك المرحلة الحساسة والحاسمة في تاريخ الإسلام. وقد كشف الطبري عن بعض حدود منهاجه هذا بصريح القول أحيانا، وأحيانا أخرى بما التزمه بالفعل من شروط الانتقاء وإن لم يصرح بها قولا. ومن ذلك: 1 - انتقاؤه أخبار العاذرين معاوية وترك ما سوى ذلك. وحجته في ذلك حفظ السلف. ولكن الحق أنه مهما أجهد نفسه في
(69) جوامع السيرة: 355. 47 انتقاء الأخبار وتهذيبها فلا يستطيع إعذار معاوية حتى ينال من خصومه وهم دائما من كبار السلف الذين لا يقرن بهم معاوية. إذن فالسلف الذي يعني الطبري بحفظه هو معاوية وفئته فقط لا كل السلف. 2 - إنتقاؤه ما يرضي العامة ويوافق أهواءها دون سواه. فإذا تذكرنا أن العامة كانت تهوى هوى الفئة الغالبة، وتعتقد بما أذن المتغلبون بنشره من عقائد، أدركنا أن التاريخ قد مال أيضا إلى هذه الفئة، وغمص الآخرين حقهم. 3 - متابعة الأمر الواقع والذب عنه ما وجد لذلك سبيلا. وهذا النهج واضح، أولا: في التزام الشرطين المتقدمين. وثانيا: في التزام رواية سيف بن عمر على طول هذه المرحلة الحساسة، ابتداء بوفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاء بمعركة الجمل. وسيف هو الراوي الذي نذر نفسه لهذا الغرض، وصنع لأجله الأساطير، وزور الحقائق، وقلب الأخبار (70). وعلى هذا النحو سار الآخرون، كما رأينا ذلك واضحا عند ابن الأثير وابن خلدون، وقد جعلا تلك الأمور شروطا في صحة الخبر. وثمة ترابط وثيق بين هذه الأمور الثلاثة سيظهر جليا في الفقرة اللاحقة.
(70) من طريف أخباره أنه اختلق 39 صحابيا، وعدهم أبطالا فاتحين في 39 واقعة، ولكن لم يخلق الله أحدا من أولئك الذين عدهم في الصحابة، ولا كان شئ من تلك الوقائع التي ذكرها! أنظر: خمسون ومئة صحابي مختلق، للسيد مرتضى العسكري. 48 * ومع حذر الطبري الشديد وتمسكه بتلك النقاط لم ينج من أولئك العامة، فقد اتهموه بمناصرة الشيعة! فكيف بنيت إذن ثقافة العامة؟! منهاج التدوين ومعالم الثقافة: سير الصحابة ومناقبهم هي القضية الحاسمة في هوية التاريخ.. فمنذ أن ظهر الاختلاف بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت هذه القضية المحور الأهم في محاور الخلاف... وما زالت تنمو حتى بلغت أوجها في عهد معاوية بن أبي سفيان. وأهم من ذلك أنه في هذا العهد وضعت اللبنات الأولى لهذه المرحلة من مراحل التدوين. فلم تشأ السياسة آنذاك أن تدع الثقافة تجري بعيدا عن سلطانها، بل بسطت عليها سلطانها كما بسطته على شؤون الإدارة والأجناد، فرسمت لها مسارا لا تتعداه. وقد تمت معالم هذا المسار مبكرا على يد معاوية بن أبي سفيان، الذي كان قد أنجز منها شوطا هاما في حدود سلطانه أيام ولايته على الشام.. ولقد حفظ لنا التاريخ ذلك في نصوص شهد لها الواقع بجزئياته، نقلت عن أئمة ثقات كالإمام محمد الباقر عليه السلام، والمدائني، ونفطويه. واتفقت هذه النصوص في وصف الخلاصة التي تمثل هوية هذا المسار الجديد، فيما كان حديث المدائني معنيا بتحديد المراحل التي اتبعت في ذلك، فقال: * كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته). هذه هي الخطوة الأولى من خطوات هذا المشروع، أن يمنع التحدث بسيرة علي وأهل البيت عليهم السلام وفضائلهم، لئلا تنقل إلى العامة فتدخل في ثقافتهم وعقائدهم.
49 وعلى أثر هذه الخطوة، قال المدائني: قامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا عليه السلام ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. فعلي عليه السلام وأهل بيته لم يكونوا مجردين من الفضائل غرباء على السيرة فقط، وإنما هم هؤلاء الذين يلعنهم خطباء المسلمين ويبرؤون منهم!! وهكذا ابتدأ المشروع الجديد بهدم ما في أذهان العامة الذين يعلمون أن عليا عليه السلام هو أحد خلفاء المسلمين، وأنه صاحب السابقة والعلم والجهاد والزهاد، وأن أهل بيته هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم جاءت الخطوة الثانية، قال المدائني: * وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: (ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة). هؤلاء الذين ما زالوا يحتفظون بحب علي، تهدر كرامتهم ويعاملون معاملة الفساق فلا تقبل لهم شهادة. ومن كانت هذه حاله فلو حدث بحديث فحديثه باطل ومردود بلا كلام، فكيف تؤخذ أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ممن لا تقبل شهادته؟! وهكذا فعلا ردت شهادات أهل هذه الطائفة، وتركت أحاديثهم. فلما جاء أهل الجرح والتعديل في فترة لاحقة عللوا ترك أحاديثهم بأنهم كانوا يتشيعون، وصار كل حديث يرد عنهم خلاف ما ألفه الناس يعد حديثا منكرا. * قال المدائني: وكتب إلى عماله: (أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته). ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية ويفيضه عليهم، وكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا. فلبثوا بذلك حينا.. فهذه هي الخطوة الثالثة من خطوات هذا المشروع الثقافي الجديد.
50 * ثم كتب إلى عماله: (إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين.. ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله). فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها.. وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشاروا بذكر ذلك على المنابر.. وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع... حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن... وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.. فظهر حديث كثير موضوع.. وبهتان منتشر.. ومضى على ذلك: الفقهاء، والقضاة، والولاة، والقراء المراؤون، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند الأئمة، يصيبوا به الأموال والضياع والمنازل.. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها!! (71) وإلى مثل هذا انتهى حديث الإمام الباقر عليه السلام وهو يصف حال أهل البيت وشيعتهم في ذلك العهد، إلى أن قال: (وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من
(71) عن كتاب الأحداث للمدائني، نقلها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 11 / 44 - 46. 51 تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئا منها، ولا كانت وقعت، وهو يحسب أنها حق لكثرة من رواها ممن لم يعرف بالكذب ولا بقلة ورع)!! (72). وإلى مثله أيضا انتهى كلام نفطويه في تاريخه حيث يقول: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة اختلقت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم!! (73) الخلاصة: تلك هي مصادر ثقافة العامة... وهذه هي مادة عقائدها!! وكل ما جاء بخلاف ذلك فهو مما يسوء العامة ذكره... فتجنب التاريخ ذكره! وكل حديث لا ينسجم في مؤداه مع هذا الحديث المنتشر فهو حديث منكر لا يكتب ولا يتدين به. ثم جاء اللاحقون من أهل الجرح والتعديل وتدوين الحديث والتاريخ فاعتمدوا على ما ثبت في ذلك العهد من أحاديث وأخبار مدونة أو محفوظة، فمن وثقه المعتمدون المأذونون في ذلك العهد فهو الثقة المأمون، ومن مضى على مثل طريقته فهو مثله على امتداد العصور، ومن طعنه أولئك فهو المطعون وحديثه المتروك، ومن مضى على مثل طريقته فهو مثله... فهؤلاء هم أهل الأهواء ا لذين ينبغي ألا تسود الصحف بأحاديثهم، كما قال ابن خلدون وكما صنع ابن هشام والطبري. هكذا يكشف لنا التاريخ عن هويته...
(72) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 / 44. (73) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 / 46. 52 هوية حددتها تلك المدرسة الثقافية الشاملة التي أنشئت في أول عصور التدوين. إن هذه الحقيقة لتستدعي إثارة الشكوك حول الكثير مما جمعته عيون التاريخ وكأنه الحقيقة التي لا مراء فيها.. إنها تستدعي أن يحاكم هذا التاريخ محاكمة جادة حتى يتميز ما ثبت فيه مما هو حق، وما ثبت فيه تأثرا بتلك المدرسة وما خلفته في أذهان الناس، حتى وجد ابن هشام والطبري نفسيهما مكتوفي الأيدي لا يستطيعان أن يثبتا حقيقة واحدة تصطدم مع عقائد الناس وما ترسخت عليه أهواؤهم. بل حتى وجدا نفسيهما منساقين لتلك الآثار، يعدان ما خالفها من الأمور الشنيعة التي يجب ألا تكتب! إن الآثار التي تركتها تلك المدرسة في أذهان عامة الناس قد بلغت حدا يصعب تصوره! التاريخ في محكمة السنة: ماذا عساه أن يكون نصيب أبي ذر في تاريخ يكتبه العاذرون معاوية؟! لقد عزم هذا التاريخ أن ينفي أبا ذر كما نفاه خصومه... وأن يتركه وحيدا كما عاش وحيدا ومات وحيدا!! وماذا عساه أن يكون نصيب عمار؟! لقد سعى هذا التاريخ في محو أثره بعد ما غاله سيف الفئة الباغية!! وماذا عساه أن يكون نصيب الأنصار بعدما مضت فيهم الأثرة فلم يجدوا إلا الصبر، فاتخذوه شعارا ودثارا؟ فالذي استأثر عليهم بحقهم أيام حياتهم، هل سيرعى لهم حقهم بعد مماتهم؟! وماذا سيكون نصيب الخصم الألد!! خصم الأبد... أبي تراب وأهل بيته؟!
53 من هذه النوافذ التي نفتحها على التاريخ تتجلى لك أسرار النبوة.. فتهتف من الأعماق بشعور وبلا شعور: الصلاة والسلام عليك يا خير خلق الله، أشهد أنك رسول الله حقا! فتعال نطل إطلالة تأمل من تلك النوافذ: فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخص أبا ذر بقول عجب!! ويمنح عمارا شهادة عجبا!! ويخبر الأنصار بنبأ عجب!! ويخبر عليا عليه السلام بمثله وزيادة!! ويقرن بين الأنصار وعلي بما يثير الدهشة والعجب!! 1 - أبو ذر: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخص أبا ذر بقول عجب، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر)!! (74). لم هذا الاختصاص لأبي ذر وحده، وفي الصحابة كثير من أهل الصدق الذين لم يعرف لأحدهم كذبة قط؟! إن الإطلالة على هذا التاريخ تنبئك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن بقوله الشريف هذا يريد الاطراء على أبي ذر وحسب، وإنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يقف بنفسه المقدسة وبحديثه الشريف إلى جنب أبي ذر حين تقف الدولة ضده بكامل ثقلها... يريد أن يشهد له ويصدقه حين تكذبه الناس، وحين يتهمه التاريخ! وحين يبقى أبو ذر الرجل الذي ينطق وحده، وينفى وحده، ويموت وحده!
(74) سنن الترمذي 5 / ح 3801 و 3802، سنن ابن ماجة 1 / ح 156، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 4 / 228، المستدرك 3 / 342. 54 حين يكون خصمه الدولة بكامل ثقلها، بأمرائها وقضاتها ومحدثيها ومؤرخيها، فيعلوا عليه الضجيج لتضيع أصداء صوته المخنوق!! حينئذ يقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بشخصه الكريم وسنته المطهرة - فيشهد له بأنه الأصدق قولا من كل ذلك الرعيل، وأنه الأثبت لهجة من كل ذلك الضجيج.. فإن جفاه الناس، وأعرض عنه التاريخ، فلا ضير عليه، فإنه كان وحده أمة في مقابل تلك الأمة، وسيبعث وحده يوم القيامة أمة (75)!! وفي الحالين هو الأمة الأصدق لهجة والأمضى حجة والأعز ناصرا. إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لنا بهذا الحديث: إذا رأيتم أمة تتهم أبا ذر وترد عليه، فصدقوه وكذبوها، ولا يغركم أن فيها رواة ومحدثون، فأبو ذر هو الأصدق لهجة على الدوام. ولا يغركم فيها كثرة أو غلبة، فأبو ذر وحده أمة! وقبل ذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أبا ذر بما سيكون معه، إذ دخل المسجد يوما فوجده منجدلا فيه، فقال له: (ألا أراك نائما؟) فقال أبو ذر: فأين أنام، هل لي من بيت غيره؟ فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال له: (كيف أنت إذا أخرجوك منه؟). قال: ألحق بالشام، فأكون رجلا من أهلها. فقال له: (كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟). قال: أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي. فقال له: (فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟) (76).
(75) سير أعلام النبلاء 2 / 78، الإصابة 4 / 64. (76) مسند أحمد 6 / 457، سير أعلام النبلاء 2 / 61. 55 فهذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوقوعه هو الذي كذب به العاذرون لأن فيه أمورا شنيعة بحق بعض السلف!! ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أخذ على أبي ذر ألا تأخذه في الله لومة لائم: قال أبو ذر: (بايعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسا، وواثقني سبعا، وأشهد الله علي سبعا ألا أخاف في الله لومة لائم) (77). أما عاذروا السلف فقالوا: إنما أغواه ابن سبأ!! تلك قصة أبي ذر بين السنة والتاريخ. ولو قلنا إن التاريخ قد أسقط الكثير من سير أبي ذر ومناقبه لما أسأنا الظن. 2 - عمار: ومثل الذي كان مع أبي ذر كان مع عمار الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق) (78)! وهكذا عرف به الصحابي الكبير حذيفة بن اليمان، حيث سئل عن الفتن وانشقاق الأمة فرقا، فقال: (انظروا الفئة التي فيها ابن سمية - عمار - فاتبعوه، فإنه يدور مع كتاب الله حيث دار) (79). وأعجب من هذا فإن عمارا قد أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وبهذا كان يعرفه أصحاب رسول الله رضي الله عنهم (80).
(77) مسند أحمد 5 / 172، سير أعلام النبلاء 2 / 62. (78) سير أعلام النبلاء 1 / 416 رجاله ثقات. (79) المستدرك 3 / 391 وصححه الحاكم والذهبي. (80) صحيح البخاري 3 / 1368 - كتاب فضائل الصحابة - باب 20 مناقب عمار وحذيفة. 56 فحين يأتي التاريخ ليصف عمارا بأنه كان من أول المتأثرين بدعوة ابن سبأ، تأثر به فأظهر الخلاف على عثمان! وتأثر به فتعصب لعلي عليه السلام وشدد على حقه في الخلافة! (81) عندئذ تظهر أبعاد تلك الأحاديث الشريفة. فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم يقول لنا: إذا جاءكم أحد بمثل هذا عن عمار فاعلموا أنما هو افتراء باطل، فإن عمارا قد أجاره الله تعالى من الشيطان، فما كان يقوله عمار فهو دينه وعقيدته، وهو الحق، وما هو من وحي شيطان.. إنه غبار يثار بوجه الفئة التي انتظم فيها عمار، وهي الفئة المحقة، فمهما تعددت الفئات فإن عمارا مع الفئة المحقة، لا يفارقها، يدور مع كتاب الله حديث دار.. فلا يصدنكم هذا عنه، ولا يغرنكم أنه يقال من قبل الفئة القوية المتغلبة على الأرض وعلى تدوين التاريخ، فإن تلك هي الفئة الباغية... فإن عمارا (تقتله الفئة الباغية)!! إنها معجزة النبوة.. فقد علم صلى الله عليه وآله وسلم أن عمارا سيكون قطبا من الأقطاب التي يدور عليها اختلاف الناس، فسوف يكون له أعداء يحاربونه بأكثر من سلاح، منها: أ - أنهم سيتهمونه في عقيدته ويزعمون أنه قد تأثر بشياطين الإنس فأغوته ومالت به عن الرشاد. ب - سيصفونه بإثارة الفرقة والفتنة في هذه الأمة. ج - سيقاتلونه فيقتلونه. فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأول بإبلاغه أصحابه أن عمارا
(81) أنظر: تاريخ الطبري 4 / 341 - أحداث سنة 35 - من رواية سيف بن عمر، وعنه: الكامل في التاريخ 3 / 155، تاريخ ابن خلدون 2 / 587. 57 قد أجاره الله من الشيطان!! فمن اتهم عمارا بشئ من ذلك فكذبوه واعلموا أنه مفتر... ورد على الثاني فقال: (إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (يدور مع كتاب الله حيث دار) فإذا رأيتم فئة تخالف عمارا فاعلموا أن تلك هي فئة الباطل والضلال! وإذا دعاهم عمار إلى شئ فردوه وكذبوه فإنما يدعوهم إلى الحق، ويدعون هم إلى الباطل... وتعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمر الناس مع عمار فقال: (ما لهم ولعمار؟! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار!) (82). ورد على الثالث، فقال: (تقتله الفئة الباغية). وقال: (من يعاد عمارا يعاده الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله)!! (83) إنها شهادتان في آن واحد: شهادة ببراءة عمار، وشهادة بجناية التاريخ. شهادة لعمار بأنه مع الحق، وشهادة على التاريخ بأنه مع الباطل. وهكذا رسمت السنة مسارا، وسار التاريخ في مسار آخر. 3 - الأنصار: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: (ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)! (84). فهناك الجزاء، وهناك النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم، خصم لمن استأثر عليهم، ومن كان النبي خصمه فقد خسر!! وذاق الأنصار تلك الأثرة، وذاقوا مر الصبر عليها.
(82) منتخب كنز العمال 5 / 231. (83) مسند أحمد 4 / 90، المستدرك 3 / 389 وصححه الحاكم والذهبي. (84) صحيح البخاري 3 / 1381 ح 3581 - 3583 كتاب فضائل الصحابة، باب 38. 58 وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)! (85). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)! (86). فتغلب أناس على أمور المسلمين أبغضوا الأنصار واستأثروا عليهم، فطاوعهم التاريخ على ذلك! 4 - علي: أولئك الذين نال منهم التاريخ - أبو ذر، وعمار، والأنصار - هم فئة علي عليه السلام. أبو ذر وعمار هما اللذان لم يفارقا عليا قط، ولا قدما عليه بشرا غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. والأنصار هم الذين أحبوا عليا وأحبهم، حتى جر عليهم حبه تلك الأثرة. وبعد، فعلي هو العنوان المستهدف على الدوام من قبل خصومه المتغلبين على البلاد، وعلى كتابة التاريخ والحديث. وكما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حب الأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق، وجعل ذلك لعلي عليه السلام، فعهد إليه عهدا: (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)! (87). وقال له: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من
(85) صحيح البخاري 3 - كتاب فضائل الصحابة - باب 34 ح 3573. (86) صحيح البخاري 3 - كتاب فضائل الصحابة - باب 34 ح 3572. (87) صحيح مسلم 1 / 86 ح 131 - كتاب الإيمان - سنن الترمذي 5 / 643 ح 3736، سنن النسائي 8 / 116 - كتاب الإيمان، سنن ابن ماجة 1 / 42 ح 114. 59 عاداه) (88)!. وقال له ولأهل بيته: (أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم)! (89). فجاء التاريخ مسالما وعاذرا، بل مطاوعا لمن أبغضهم وعاداهم وحاربهم!! نتيجة البحث: أبو ذر قربته السنة، ونفاه الحاكمون، فنفاه التاريخ! وعمار نصرته السنة، وقتله الباغون، فغاله التاريخ! والأنصار أدنتهم السنة، وأبعدهم المتغلبون، فأبعدهم التاريخ! وعلي حالفته السنة، وخاصمه القاسطون، فخاصمه التاريخ! ذاك مسار السنة، وهذا مسار التاريخ!! فالسنة قد أدانت التاريخ مرات ومرات، وقطعت معه موعدا يوم اللقاء على الحوض! فجناية التاريخ ليست في اصطناع الأعذار فقط، بل في مبادلة الأدوار.. فحين يكون أبو ذر وعمار قد تأثرا بابن سبأ، أو انحرفا عن الجادة بإثارة الفتنة، فسوف يكون الحق مع خصومهم، فالخصوم إذا هم الذين لزموا الصراط المستقيم، وما كان عليه أبو ذر وعمار هو الباطل!! فهذا هو مصير السنة حين يكتب التاريخ بأقلام العاذرين ولإرضاء العامة واستجلاب رضا المتغلبين. إنه لفصام كبير بين مسار الإسلام كما أراده الله ورسوله، وبين المسار
(88) مسند أحمد 1 / 119، 152 و 4 / 281، 370، 372، سنن ا بن ماجة 1 / 43 ح 116، سنن النسائي - كتاب الخصائص - بعدة طرق. (89) مسند أحمد 2 / 442، سنن الترمذي 5 / 669 ح 3870، سنن ابن ماجة 1 / 52 ح 145، مصابيح السنة 4 / 190. 60 الواقعي الذي شهده تاريخ الإسلام ومضى عليه التدوين. تلك حقيقة وقف عليها الكثير من الدارسين والمحققين، ولم تعد من الأمور الغامضة التي قد تثير حفائظ المتمسكين بكل ما ينسب إلى التراث. لقد أدرك الجميع حقيقة أن معظم المؤرخين الذين صاغوا هذا التاريخ هم من الموالين للسلطات سياسيا، في عهود تأجج فيها النزاع السياسي وازدادت حدته حتى امتد إلى كل ميادين الحياة، فكان أقل ما يفعله المؤرخون هو تبرير أعمال الخلفاء والأمراء، أيا كانوا، ومهما كانت أعمالهم، والكف عن ذكر ما يزعجهم من حقائق التاريخ، وما لا يأذنوا بكتابته! كما أن معظم التواريخ كانوا أيضا موالين للسلطات مذهبيا، في عهود كان فيها النزاع المذهبي على أشده (وقد صار كل الفرق يحكي الشر عن مخالفيه ويكتم الخير، ويروي الكذب والبهتان، وينتحل الأحاديث النبوية والمأثورات عن السلف خدمة لأغراض المتخاصمين)!. ووجد المتدينون والفقهاء في هذا التاريخ مادة دسمة في الانتصار لأوليائهم في السياسة والمذهب. بل الغريب أن يكون الفقهاء أشد تطرفا من المؤرخين في ما يمس (عدالة) أوليائهم من (الخلفاء)! وهذا ظاهر جدا في كتابات ابن حزم وابن تيمية. تلك الحقائق هي التي جمعت الدارسين والمنصفين من أهل التحقيق والنظر على قول واحد مفاده: إن معلوماتنا عن التاريخ بحاجة إلى مراجعة جادة ودراسة في ضوء رؤية شمولية للتاريخ الإسلامي.. رؤية تحيط بجوهر رسالة الإسلام.. رؤية تكون فيها الشريعة الإسلامية بمصدريها الأساسيين - القرآن والسنة - هي المعيار الذي تقوم على أساسه الأطراف المتنازعة والفئات
61 المختلفة. وهذا هو الذي أردناه في هذا البحث.. * فالقرآن والسنة هما المصدران المعصومان اللذان يحكمان على كل ما عداهما، ولا شئ يحكم عليهما. * وإن القرآن والسنة يعكسان الصورة التامة لمسار الإسلام، في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبعده. * وأما الواقع الذي صنعه المسلمون بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو من صنع المسلمين أنفسهم، وهو خاضع لميزان القرآن والسنة، فما كان منه موافقا لهما فهو من الإسلام ومن مساره الشرعي الذي لا شك فيه، وما كان منه مخالفا لهما فهو مسار آخر أولى أن ينسب إلى أصحابه. كما ظهر هنا جليا نوعان من الموازين خضعت لهما أكثر الدراسات في التاريخ والعقيدة، وهما: * ميزان منح أصول المذهب سمة العصمة، فجعل نصوص القرآن والسنة وحقائق التاريخ كلها خاضعة له، فما وافق المذهب فهو الحق عنده، وما خالف المذهب أعمل فيه التأويل ولو إلى حد التعطيل وخصوصا مع آيات الكتاب الكريم، وما لا يمكن تأويله من السنة والحقائق التاريخية أنكرها بالمرة وكذب بها! * وميزان منح السياسة النافذة والأمر الواقع في مرحلة ما سمة العصمة، وجعلها هي الحاكمة على النصوص القرآن والسنة، فلا يقبل إلا ما وافقها، وأما ما خالفها فمصيره إما إلى التأويل الذي يبلغ أحيانا منزلة النسخ والتعطيل، وإما إلى التكذيب والانكار الذي ينال الكثير من السنة النبوية والوقائع التاريخية. وما توفيقي إلا بالله.
62 حديث تأثير السحر في سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم في ميزان النقد السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا طيبا مباركا كثيرا في الأولى والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المحفوظ من كيد السحرة، وعلى آله الطيبين الطاهرين البررة، وصفوة صحبه المصطفين الخيرة. وبعد، فهذه رسالة موسومة ب (القول الفائق في نفي تأثير السحر في خير الخلائق) صلى الله عليه وآله وسلم، بينت فيها اختلاف جمهور الفريقين في تأثره صلى الله عليه وآله وسلم بالسحر الذي عمله لبيد بن الأعصم اليهودي - كما جاء في بعض الأحاديث وذكره جماعة من المفسرين في سبب نزول المعوذتين - وضمنتها حجج الطائفتين على مذهبهم ليكون اختيار الحق عن بينة، والله تعالى ولي الهداية والتوفيق. فنقول: اعلم أنهم اختلفوا في أن السحر هل له حقيقة أم لا، وقد أطالوا الكلام في هذا الشأن، ونحن نضرب عن ذلك صفحا، ونطوي عنه كشحا، روما للاختصار. ويترتب على الثاني عدم بقاء مجال للبحث، إلا أن الأول وإن كان هو
63 الأقرب بيد أن تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير ثابت، بل لا يصح البتة، كما سيظهر لك ذلك إن شاء الله تعالى.
64 فصل إذا تقرر هذا فاعلم: أن مما اعتل به من أجاز تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم ما روي من أنه عليه وآله الصلاة والسلام سحره لبيد بن أعصم اليهودي، وقد ورد ذلك من طرق الفريقين، ونحن نورد في هذه العجالة ما وقفنا عليه من تلك المرويات، ونتكلم فيه بما يفتح الله به علينا ويرشدنا إليه، وهو المستعان في الأمور كلها، لا إله غيره ولا رب سواه. أخرج فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره (1) عن عبد الرحمن بن محمد العلوي ومحمد بن عمرو الخزاز، عن إبراهيم بن محمد بن ميمون، عن عيسى ابن محمد، عن جده، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: سحر لبيد بن أعصم اليهودي وأم عبد الله اليهودية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عقد من قز أحمر وأخضر وأصفر، فعقدوا له إحدى عشرة عقدة، ثم جعلوه في جف من طلع (2)، ثم أدخلوه في بئر بواد بالمدينة في مراقي البئر تحت راعوفة (3) فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا لا يأكل ولا يشرب ولا يسمع ولا يبصر ولا يأتي النساء. فنزل عليه جبرئيل ونزل بالمعوذات فقال له: يا محمد ما شأنك؟ قال: ما أدري، أنا بالحال التي ترى، قال: فإن أم عبد الله ولبيد بن أعصم سحراك، وأخبره بالسحر وحيث هو. ثم قرأ جبرئيل: (بسم الله الرحمن الرحيم * قل أعوذ برب الفلق)،
(1) تفسير فرات الكوفي: 619 ح 774. (2) جف الطلعة وعاؤها الذي يكون فيه، والجمع الجفوف، والطلع من النخل شئ يخرج كأنه نعلان مطبقات والحمل بينهما منضود والطرف محدد. (3) راعوفة البئر صخرة تترك في أسفل البئر إذا احتفرت تكون هناك ليجلس المستقي عليها حين التنقية. 65 فقال رسول الله ذاك فانحلت عقدة، ثم لم يزل يقرأ آية ويقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنحل عقدة، حتى قرأها عليه إحدى عشرة آية وانحلت إحدى عشرة عقدة، وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخل أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره بما أخبره جبرئيل وقال: انطلق فأتني بالسحر، فخرج علي عليه السلام فجاء به، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنقض، ثم تفل عليه، الحديث. وإسناد هذا الخبر مما لا تقوم به حجة، فإن عبد الرحمن بن محمد العلوي مجهول لا يعرف حاله، ولم يتعرض أصحابنا - رضوان الله عليهم - لترجمته، وكذا صاحبه محمد بن عمرو الخزاز، فإن حاله مجهول (4)، وإنما ذكر النجاشي (5) في ترجمة أبيه عمرو بن عثمان الثقفي الخزاز أن له ابنا اسمه محمد روى عنه ابن عقدة. ونحوهما عيسى بن محمد وجده، إذ لم يترجما في كتب الأصحاب رحمهم الله تعالى. وأما إبراهيم بن محمد بن ميمون، فقد حكي عن (ميزان الاعتدال) (6) للحافظ الذهبي أنه من أجلاء الشيعة، ولذلك عدة المامقاني في الحسان (7). وأخرج ابنا بسطام في كتاب (طب الأئمة عليهم السلام) (8) عن محمد ابن جعفر البرسي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الأرمني، قال: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا محمد بن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إن جبرئيل عليه السلام أتى النبي
(4) تنقيح المقال 3 / 164. (5) رجال النجاشي: 287 رقم 766. (6) ميزان الاعتدال 1 / 63 رقم 203. (7) تنقيح المقال 1 / 23. (8) طب الأئمة: 113. 66 صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا محمد، قال: لبيك يا جبرئيل، قال: إن فلانا اليهودي سحرك وجعل السحر في بئر بني فلان، فابعث إليه - يعني إلى البئر - أوثق الناس عندك وأعظمهم في عينك - وهو عديل نفسك - حتى يأتيك بالسحر. قال: فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: انطلق إلى بئر ذروان (9) فإن فيها سحرا سحرني به لبيد بن أعصم اليهودي فأتني به. قال علي عليه السلام: فانطلقت في حاجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهبطت فإذا ماء البئر قد صار كأنه ماء الحياض من السحر - إلى أن قال - فاستخرجت حقا (10) فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: افتحه، ففتحته فإذا في الحق قطعة كرب النخل في جوفه وتر (11) عليها إحدى عشرة عقدة، وكان جبرئيل عليه السلام أنزل يومئذ المعوذتين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، اقرأها على الوتر. فجعل أمير المؤمنين عليه السلام كلما قرا آية انحلت عقدة حتى فرغ منها، وكشف الله عز وجل عن نبيه ما سحره به وعافاه. وهذا الخبر غير نقي الإسناد أيضا، إذ فيه البرسي والأصحاب - رحمهم الله - لم يحوموا حوله، ولا تصدوا لذكره في كتبهم، فلم يتبين لنا حاله، ومثله أحمد بن يحيى الأرمني. وأما محمد بن المفضل بن عمر، فقد عده الشيخ - رحمه الله - وسائر
(9) ذروان - بفتح المعجمة وسكون الراء -: بئر في بني زريق، وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج. (10) أي وعاء من خشب أو عاج أو غيرهما مما يصلح أن ينحت منه. (11) ا لوتر: شرعة القوس ومعلقها. 67 أرباب الرجال من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام (12)، فالظاهر أن روايته عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام مرسلة، ومع ذلك لا يعرف له حال. بقي الكلام على محمد بن سنان أبي جعفر الزاهري الخزاعي، وقد اختلفت كلمتهم فيه، والمشهور بين الفقهاء وعلماء الرجال تضعيفه - كما نص عليه في التنقيح (13) - ونقل عن جماعة من الأكابر الطعن فيه والحط عليه. فقد صرح الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه الله - بضعفه في الرجال والفهرست، وقال في (التهذيب): محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدا، وما يستبد بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يعتمد عليه، ونحوه كلامه في (الاستبصار). وقال أيضا - في أواخر باب الميم من رجاله -: مياح المدائني ضعيف جدا، له كتاب يعرف ب: رسالة مياح، وطريقها أضعف منها وهو محمد بن سنان. وقال ابن الغضائري - رحمه الله - بترجمته: ضعيف، غال، يضع، لا يلتفت إليه. وقال المفيد رحمه الله - في رسالته التي في كمال شهر رمضان ونقصانه، بعد نقل رواية دالة على أن شهر رمضان لا ينقص أبدا -: وهذا حديث شاذ نادر غير معتمد عليه، في طريقه محمد بن سنان وهو مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، ومن كان هذا سبيله لا يعتمد عليه في الدين. انتهى. وقد قدح فيه أيضا في كلام آخر. وتوقف العلامة ابن المطهر - رحمه الله - فيه، كما هو نص خلاصته. ونسب التضعيف إلى جماعة آخرين، منهم أبو محمد الفضل بن شاذان
(12) رجال الطوسي: 361 رقم 32. (13) تنقيح المقال 3 / 124. 68 وأيوب بن نوح وصفوان بن يحيى. قال أبو عمرو الكشي في رجاله: قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري: قال أبو محمد الفضل بن شاذان: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان. وقال أيضا: قال حمدويه: كتبت أحاديث محمد بن سنان عن أيوب بن نوح وقال: لا أستحل أن أروي أحاديث ابن سنان. وقال أيضا: ذكر حمدويه بن نصير أن أيوب بن نوح دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان فقال لنا: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإني كتبت عن محمد بن سنان ولكني لا أروي لكم أنا عنه شيئا، فإنه قال عند موته: كل ما حدثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية وإنما وجدته. انتهى. وقال ابن داود: روي عنه - يعني محمد بن سنان - أنه قال عند موته: لا ترووا عني مما حدثت شيئا، فإنما هي كتب اشتريتها في السوق. وممن ضعفه من أجلة أهل العلم الشيخ الإمام المحقق نجم الدين ابن سعيد في مواضع من المعتبر، والعلامة ابن المطهر في موضع من المختلف، والآبي في كشف الرموز، والشهيد الثاني في المسالك، والمحقق الأردبيلي، وتلميذه صاحب المدارك، وصاحب الذخيرة، وحكي ذلك أيضا عن المعتصم والمنتقى ومشرق الشمسين، والحبل المتين، وحاشية المولى صالح، والتنقيح، والفخري في مرتب مشيخة الصدوق، والذكرى، والروضة، وغيرها. فالحزم اجتناب أحاديثه لا سيما في المسائل الأصولية - كالتي نحن فيها -، وإن احتجوا ببعضها في الفروع فإنما ذلك لوجود متابعة، أو قيام شاهد، أو تحقق انجبار الضعف بعمل الأصحاب، أو لأجل الاستناد إلى قاعدة التسامح في أدلة السنن والكراهة في مواردها عند الذاهب إلى حجيتها وتماميتها، وغير ذلك. وإن أبيت إلا القول بوثاقته - استنادا إلى ذب صاحب التنقيح عنه - فإن
69 الآفة لا ترتفع من الحديث أيضا، لجهالة سائر رجال السند - كما عرفت آنفا -. ولا يخفى عليك أن أكثر ما ذكره المامقاني - رحمه الله - في الذب عنه وأجاب به عن المطاعن والقوادح التي رمي بها لا تأبى المؤاخذة والايراد. هذا، مع أن الجرح هنا مفسر فيقدم على المدح والتوثيق على مقتضى القاعدة المقررة في محلها. فإن قلت: سلمنا، إلا أن الشيخ - رحمه الله - قد علق في التهذيب والاستبصار، وكذا النجاشي - رحمه الله - في رجاله عدم الاعتماد على روايته على ما استبد بروايته ولم يشركه فيه غيره - كما مر آنفا - وهذا الحديث ليس كذلك، إذ قد روي من وجوه أخر. قلت: مضافا إلى أن الأكثر أطلقوا القول بتضعيفه ولم يقيدوه بذلك - ومنهم الشيخ رحمه الله في كتابيه الرجال والفهرست - فإن جميع الأخبار المروية في هذا الباب مرمية بالضعف والشذوذ، ورطل منها لا يقام له وزن ولا يسوي دانقا، ورواتها بين مجهول ووضاع. وبالجملة: فليس في المقام ما يوجب الركون ويورث السكون إلى هذا الحديث وأضرابه، بل الصارف عنه وعن أمثاله قوي، ولو سلمنا فغاية ما تفيده الأحاديث الواردة في هذا الشأن الظن، وظاهر أنه لا يكتفى به فيما نحن فيه، بل لا بد من القطع واليقين والعلم الذي لا يعتريه شك ولا ريب، فتنبه. هذا كله من جهة الإسناد، وأما متنه فلا يخلو من نكارة، فإن ظاهر ما ورد فيه من أن أمير المؤمنين عليه السلام كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى فرغ من المعوذتين، أنه بإتمام قراءتهما انحلت العقد الإحدى عشرة بأجمعها، وهذا لا يتم إلا على القول بأن المعوذتين إحدى عشرة آية، وهو مذهب أهل الخلاف، وأما على مذهب أهل الحق فلا يستقيم ذلك، لإجماعهم على أن البسملة آية، اللهم إلا أن يقال: إن المراد أصل المعوذتين دون بسملتيهما، ودونه خرط القتاد.
70 مضافا إلى أن بين الخبرين المتقدمين تهافتا بينا، ففي الأول أن جبرئيل عليه السلام هو الذي تولى قراءة المعوذتين، وفي هذا أن عليا عليه السلام هو الذي قرأهما، وعليك بالتأمل والتروي فيما روي في هذا الباب علك تهتدي إلى علل أخرى، والله المستعان. وفي كتاب طب الأئمة عليهم السلام أيضا (14) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام - من حديث - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سحره لبيد بن أعصم اليهودي، فقال أبو بصير لأبي عبد الله عليه السلام: وما كاد أو عسى أن يبلغ من سحره؟ قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: بلى، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى أنه يجامع وليس يجامع، وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده، والسحر حق، وما يسلط السحر إلا على العين والفرج - الحديث -. ومع غض الطرف عن إرساله، أفليس - يا أولي الألباب - أن من يرى أنه يفعل الشئ ولا يفعله قد بلغ السحر منه مبلغا عظيما وأخذ بروحه بحيث يتخيل ذلك؟! وحاشا أشرف الخلائق وأكملهم على الإطلاق صلى الله عليه وآله وسلم من هذا التخبيط والتخليط. وفي كتاب (دعائم الإسلام) (15) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام: أن لبيد بن أعصم وأم عبد الله اليهوديين لما سحرا النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلا السحر في مراقي بئر بالمدينة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم ولا يتكلم ولا يأكل ولا يشرب، فنزل عليه جبرئيل، بمعوذات - الحديث -. وهذا خبر آحاد مرسل لا يحتج بمثله في هذه المقامات، على أن هذا
(14) طب الأئمة: 114. (15) دعائم الإسلام 1 / 138 ح 487. 71 اللفظ يدفع الذي قبله من حيث عدم تسلط السحر إلا على العين والفرج فحسب، فإنه مشعر، بل صريح في تأثيره في عقله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار لا يفهم - والعياذ بالله - ما دام مسحورا، وهذا من أشنع الأقوال وأفسد الآراء عند أولي البصائر والحجى، بل صريح الخبر أن السحر أثر في سمعه وبصره وكلامه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فأقام لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، وكذلك لا يأكل ولا يشرب، وهذا كله من أبين الأباطيل وأوضح الأضاليل، إذ كيف يصلح من جاز عليه مثل ذلك - من تعطيل الحواس واختلالها - لمنصب عظيم ومقام جسيم كالنبوة والرسالة والتبليغ عن الله تعالى شأنه وعز سلطانه. وليعلم أن هذه المرويات وأضرابها لا تنفق في سوق الاعتقاد السديد وإن عزيت إلى الأئمة الهادين سلام الله تعالى عليهم أجمعين، ولا يعول عليها ذو مسكة، ولا يحتفل بشئ منها ذو لب ودين، لمعارضتها لصريح الكتاب العزيز وبداهة العقل. وعلى تقدير ثبوتها، فإنها محمولة على التقية بلا ريب، لموافقتها لأحاديث مخالفينا واعتقادهم، وهذا أحسن ما يقال فيها على ذلك التقدير. ومن القواعد المقررة عندهم أن المسائل الأصولية لا بد فيها من برهان قاطع ودليل جازم، فلا يجوز التعويل على الظنون في ذلك. قال الإمام العلامة جمال الدين ابن المطهر - رحمه الله تعالى - في (مبادئ الأصول) (16): خبر الواحد إذا اقتضى علما ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده، لأنه اقتضى التكليف بالعلم ولا يفيده فيلزم تكليف ما لا يطاق. انتهى. وبالجملة: فقد قرروا أن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من
(16) مبادئ الوصول: 209. 72 الكتاب والسنة والمتواترة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه، وحديث الباب منه إن لم يحمل على التقية، فافهم. وقال شيخ الإسلام المجلسي رحمه الله في (بحار الأنوار) (17) - عقب إيراده أحاديث سحره صلى الله عليه وآله وسلم -: والأخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية أو ضعيفة، ومعارضة بمثلها فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك. انتهى. ولقد أجاد فيما أفاد، رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه. وقال أيضا - من جملة كلام الله -: وأما تأثير السحر في النبي والإمام صلوات الله عليهما فالظاهر عدم وقوعه. انتهى. وكلامه هذا ظاهر في عدم اعتباره - رحمه الله - تلك الأخبار الدالة بظاهرها على التأثير، وناهيك به طعنا فيها من هذا الإمام الخريت في الحديث وعلومه، والله الموفق والمعين. * * *
(17) بحار الأنوار 63 / 41. 73 فصل وأما ما روي في ذلك من طرق مخالفينا فكثير، نقتصر على إيراد نبذة منه في هذا الإملاء المختصر، فنقول: أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) (18) قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما، قال: فأتاه جبريل فقال: إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لذلك عقدا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا فاستخرجها، فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه أحد. وأخرجه ابن سعد، والنسائي في سننه (19) والحاكم وصححه، وعبد بن حميد في مسنده - كما في الدر المنثور (20) -. وفي إسناده: محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم أبو معاوية الضرير الكوفي. قال يعقوب بن شيبة وابن سعد: يدلس (21)، وفي (هدي الساري) (22): ربما دلس. وقد ذكروا أن المدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع، وهو
(18) المصنف 8 / 29 ح 3569، تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 46 - 47. (19) سنن النسائي 7 / 113. (20) الدر المنثور 6 / 417. (21) تهذيب التهذيب 5 / 91. (22) هدي الساري: 460. 74 هنا عنعن فلا يحتج بحديثه، وكذلك الأعمش، على ما سيأتي إن شاء الله -. وقال ابن حبان وغيره: كان مرجئا خبيثا - كما بترجمته في تهذيب التهذيب (23) -. وقال ابن حبان أيضا: ربما أخطأ (24). وفيه: سليمان بن مهران الأعمش الكاهلي الأسدي، وقد رمي بالتدليس. قال الحافظ في (التقريب): يدلس. وعدة النسائي من المدلسين - كما في الخلاصة، للخزرجي -. وقال أبو حاتم: الأعمش حافظ يخلط أو يدلس. تهذيب التهذيب 5 / 545. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سئل يحيى بن معين عن الرجل يلقي الرجل الضعيف بين ثقتين، ويصل الحديث ثقة عن ثقة، ويقول: أنقص من الإسناد وأصل ثقة عن ثقة، قال: لا تفعل لعل الحديث عن كذاب ليس بشئ، فإذا أحسنه فإذا هو أفسده، ولكن يحدث بما روى. قال عثمان: كان الأعمش ربما فعل هذا. انتهى (25). وعده الحافظ العراقي أيضا من المدلسين فقال - في ألفية الحديث -: وفي الصحيح عدة كالأعمش - وكهشيم بعده وفتش وقال البقاعي: سألت شيخنا هل تدليس التسوية جرح؟ فقال: لا شك أنه جرح، فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور. انتهى. ولعظم ضرره قال شعبة بن الحجاج - فيما رواه الشافعي عنه (26) -: التدليس أخو الكذب، وقال أيضا: لئن أزني أحب إلي من أن أدلس. انتهى. وقال الحافظ السيوطي - في مبحث تدليس التسوية من كتابه (تدريب
(23) تهذيب التهذيب 5 / 91. (24) هدي الساري: 461. (25) لسان الميزان 1 / 12. (26) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث: 82. 75 الراوي) (27) -: قال الخطيب: وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا. وقال العلائي: فهذا أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها. وقال العراقي: هو قادح فيمن تعمد فعله. وقال شيخ الإسلام: لا شك أنه جرح وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار. انتهى. وأخرج البخاري في صحيحه (28) قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشئ وما فعله، حتى كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله تعالى أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شئ؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشيطان، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا، فأمر بها فدفنت. وأخرج نحوه في باب السحر من كتاب الطب عن أبي أسامة عن هشام. وأخرجه مسلم أيضا في باب السحر من كتاب الطب والمرض والرقى من
(27) تدريب الراوي 1 / 226. (28) كتاب الطب - باب السحر وقول الله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) - كتاب الدعوات - باب تكرير الدعاء. 76 صحيحه باختلاف يسير في اللفظ. وأخرج البخاري أيضا أيضا في صحيحه (29) قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: سمعت ابن عيينة يقول: أول من حدثنا به ابن جريج يقول: حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن فقال: يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت رعوفة في بئر ذروان. قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين، قال: فاستخرج، قالت: فقلت: أفلا - أي تنشرت -؟ فقال: أما والله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا. انتهى. وفي إسناده: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. قال المخراقي عن مالك: كان ابن جريج حاطب ليل. وقال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما، وأما ابن عيينة فكان يدلس عن الثقات - كما في تهذيب التهذيب (30) -. هذا، وقد عرفت أن حديث الباب في الصحيحين يدور على هشام بن
(29) كتاب الطب - باب هل يستخرج السحر؟ - كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) الآية. (30) تهذيب التهذيب 3 / 502 - 503. 77 عروة عن أبيه عن عائشة، وقد حكى شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (31) و (هدي الساري) (32) عن يعقوب بن شيبة، أنه قال: كان تساهله - يعني هشاما - أنه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. قال ابن حجر: هذا هو التدليس، وأما قول ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، فقد حكي عن مالك أشد من هذا. انتهى. قلت: هو ما حكاه الخطيب في (تاريخ بغداد) (33) والحافظ الذهبي في (الكاشف) عن الإمام مالك، أنه قال: هشام بن عروة كذاب. فأي وزن يقام بعد هذا لقول ابن القيم: إن هشاما من أوثق الناس وأعلمهم، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه (34)؟! وقال الحافظ في (تقريب التهذيب): ربما دلس، وقد عرفت - فيما تقدم - أن المدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع، وهنا ليس كذلك، وإن وقع في الصحيحين فليس بشئ ولا كرامة. ويعجبني كلام الشيخ العلامة محيي الدين بن أبي الوفاء القرشي في هذا المضمار حيث قال: اعلم أن (عن) مقتضية للانقطاع عند أهل الحديث، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شئ كثير، فيقولون على سبيل التجوز: ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع، وما كان في الصحيحين فمحمول على الاتصال. انتهى (35). وأيضا: فقد ثبت في جملة من أحاديث الباب أنه عليه وآله الصلاة والسلام أرسل عليا عليه السلام إلى البئر فاستخرج السحر، وكان جبريل قد
(31) تهذيب التهذيب 6 / 35. (32) هدي الساري: 471. (33) تاريخ بغداد 1 / 223. (34) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 46. (35) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2 / 428 - 429. 78 نزل بالمعوذتين، فكلما قرئت آية انحلت عقدة حتى قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأنما أنشط من عقال، وهو يدل بظاهره على عدم إتيانه عليه وآله الصلاة والسلام البئر، إذ لو أتاها في جماعة من أصحابه لكان مظنة لثوران الشر على الناس ووقوع الفتنة بين المسلمين واليهود، لا أن ذلك لأجل أن لا يطلعوا على ما سحر به صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فيتعلمه من أراد استعمال السحر. كيف وقد ثبت في بعض الأحاديث أن السحر حلت عقده ونقض بمحضره الشريف؟! وفي بعضها إشعار باستكشاف ما كان داخل الجف وأنه وجد في الطلعة تمثال من شمع، تمثال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا فيه إبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة (36). هذا، وما في (فتح الباري) (37) من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجههم أولا إلى البئر ثم توجه فشاهدها بنفسه، مدفوع بأن الثابت في أحاديث الباب أن عقد السحر انحلت بقراءة المعوذتين بعد ما أتوا به إليه صلى الله عليه وآله وسلم - كما تقدم - فلم يبق في البئر شئ من السحر حتى يتوجه عليه وآله الصلاة والسلام لمشاهدته، فتنبه. وأيضا: إن قول عائشة (أفلا استخرجته) وجوابه صلى الله عليه وآله وسلم إياها بحصول المعافاة يعارضه ما وقع في حديثها الآخر من استخراجه، وكذا ما رووه في حديث ابن عباس (38) من أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى علي وآخر فأمرهما أن يأتيا البئر. وفي مرسل عمر بن الحكم - عند ابن سعد -: فدعا جبير بن إياس الزرقي فدله على موضع في بئر ذروان فاستخرجه.
(36) فتح الباري 10 / 241. (37) فتح الباري 10 / 241. (38) عند ابن سعد كما في فتح الباري 10 / 240. 79 قال ابن سعد: ويقال الذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي (39). وقال الحافظ أبو الفضل ابن حجر: وفي رواية عمرة عن عائشة (فنزل رجل فاستخرجه) (40). وأنت خبير بأن هذا الاختلاف في المستخرج ينبئ عن تحقق أصل الخراج، إذ لولاه لما كان وجه للاختلاف فيه، على أن في أكثر أحاديث الباب دلالة على استخراج السحر ونقضه - كما تقدم ويأتي إن شاء الله -. وبالجملة: فثاني الحديثين يدفع أولهما الصريح في عدم استخراج السحر، والمخالف لغيره من النقول الدالة على استخراجه وحله فيسقط عن الاعتبار، لأن ذلك قد استفاض من طرق مخالفينا واشتهر. ومن ثم رجحوا رواية سفيان بن عيينة التي أثبت فيها إخراج السحر وجعل سؤال عائشة عن النشرة، لتقدمه في الضبط على رواية عيسى بن يونس التي نفى فيها السؤال عن النشرة وجعل سؤال عائشة عن الاستخراج (41). قال الحافظ ابن حجر (42): ويؤيده أن النشرة لم تقع في رواية أبي أسامة، والزيادة من سفيان مقبولة لأنه أثبتهم، ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين فيبعد من الوهم، وزاد ذكر النشرة وجعل جوابه صلى الله عليه وآله وسلم ب (لا) بدلا من الاستخراج. انتهى. ولما أشكل ذلك على المتعبدين بحديث عائشة في الصحيحين انبروا للجمع بينهما: بأن الاستخراج المثبت هو استخراج الجف من البئر، والمنفي استخراج ما حواه (43).
(39) فتح الباري 10 / 240. (40) فتح الباري 10 / 241، دلائل النبوة 7 / 92. (41) فتح الباري 10 / 245، إرشاد الساري 8 / 406. (42) فتح الباري 10 / 245. (43) فتح الباري 10 / 245، إرشاد الساري 8 / 406، تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 45 - 46. 80 ويقدح فيه ما مر آنفا من أن في بعض أحاديث الباب - ومنها حديث الصحيحين - إشعارا باستكشاف ما كان داخل الجف من المشط والمشاطة وتمثال الشمع والإبر والوتر، فتنبه. قال الشيخ الإمام أبو جعفر الطوسي - رضوان الله عليه - في كتاب (الخلاف) (44) - بعد ما ذكر رواية الجمهور حديث زيد بن أرقم في السحر -: وهذه أخبار آحاد لا يعمل عليها في هذا المعنى، وقد روي عن عائشة أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما عمل فيه السحر، وهذا يعارض ذلك. انتهى. قلت: ويؤيده ما أخرجه ابن سعد عن الواقدي بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل - كما في فتح الباري (45) - قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم - وكان حليفا في بني زريق وكان ساحرا - فقالوا له: يا أبا الأعصم أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا... إلى آخره. وقال الإمام العلامة ابن المطهر رحمه الله (46): هذا القول عندي باطل، والروايات ضعيفة، خصوصا رواية عائشة. انتهى. هذا شأن حديث الباب في الصحيحين اللذين أجمعوا على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى - كما زعم النووي (47) - فلا يغرنك - بعدما حصحص لك الحق وصرح عن محضه - قول ابن قيم الجوزية (48): قد اتفق
(44) الخلاف ج 3 - كتاب كفارة القتل - مسألة 14. (45) فتح الباري 10 / 237. (46) منتهى المطلب في تحقيق المذهب 2 / 1014 كتاب التجارة - المكاسب المحرمة. (47) شرح صحيح مسلم 1 / 20. (48) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 46. 81 أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة. انتهى. فأي اعتداد بتصحيحهما هذه الأباطيل، وأي اعتبار بتخريجها في كتابيهما: وهبني قلت: هذا الصبح ليل * أيعشى الناظرون عن الضياء بل الحري بذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة أن لا يعولوا على تلك الأحاديث وأضرابها التي ملأت الصحيحين (49) وغيرهما مما فيها مس بكرامة الأنبياء عليهم السلام - كما لا يخفى على من سبر أحاديث الصحاح، واطلع على ما فيها من الحط الصراح - نعوذ بالله من الغواية والخذلان، ونسأله السلامة من المصيبة في الدين والاعتقاد، وإنما اللائق بهم في ذلك المزلق السحيق، التمحيص الدقيق والتفحص العميق، والله سبحانه ولي الهداية والتوفيق. وأخرج البيهقي في (دلائل النبوة) (50) قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد المقرئ، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يوسف ابن يعقوب، قال: حدثنا سلمة بن حيان، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، عن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم، وكان تعجبه خدمته، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه أيضا: فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن مراطة رأسه، وإذا تمثال من
(49) وما أكثر ما تكذب الأسماء! (50) دلائل النبوة 7 / 92 - 94، وكذا ابن مردويه كما في الدر المنثور 6 / 417. 82 شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقة فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين... إلى آخره. قلت: يقع الكلام على هذا الخبر في إسناده ومتنه: أما إسناده: ففيه محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي الفزاري أبو عبد الرحمن الكوفي، وقد غمزوه وطعنوه. قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ترك الناس حديثه. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشئ ولا يكتب حديثه. وقال البخاري: تركه ابن المبارك ويحيى. وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال الفلاس وعلي بن الجنيد والأزدي: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف الحديث. وقال ابن حبان: كان ردئ الحفظ، وذهبت كتبه فجعل يحدث من حفظه فيهم، وكثرت المناكير في روايته. تركه ابن مهدي وابن المبارك والقطان وابن معين. وقال أبو حاتم: روى عنه شعبة وسليمان على التعجب، وهو ضعيف الحديث جدا. وقال الحاكم في المدخل: متروك الحديث بلا خلاف أعرفه بين أئمة النقل فيه. وقال الساجي: منكر الحديث، أجمع أهل النقل على ترك حديثه، عنده مناكير - كما بترجمته في تهذيب التهذيب (51). وقال الحافظ العلائي: متهم (52).
(51) تهذيب التهذيب 5 / 207 - 208. (52) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة 1 / 109. 83 وأما متنه: ففيه نكارة ظاهرة، وهي أنه لم يعهد أن أحدا من اليهود خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة - فيما نعلم - سوى صبي يقال له: عبد القدوس - فيما ذكره ابن بشكوال عن حماية صاحب العتبية (53) - وقد مات في صباه - كما أخرجه البخاري في صحيحه (54) - ولبيد بن أعصم قد بلغ مبلغ الرجال وشتان ما بينهما. نعم، رووا عن ابن عباس وعائشة (55): أنه كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدنت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه بها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود. وهذا صريح في أن الخادم غلام من اليهود غير لبيد، والله أعلم. * * *
(53) فتح الباري 3 / 262، إرشاد الساري 2 / 449. (54) صحيح البخاري 2 / 118 - بتحقيق ابن شاكر - باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام؟ (55) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 47، الفتوحات الإلهية (حاشية الجلالين) 4 / 606 للشيخ سليمان بن عمر العجيلي الشافعي الشهير بالجمل. 84 تتمة أخرج البيهقي في (الدلائل) (56) أيضا قصة السحر من وجه آخر بسنده عن عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وقال: الاعتماد على الحديث الأول. انتهى. يعني حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، الذي أخرجه قبله (57)، فسقط الاحتجاج به، وصرح الحافظ في (الفتح) (58) بضعف سنده، وأخرجه ابن سعد بسند آخر منقطع - كما في الفتح أيضا -. وأخرج ابن مردويه (59) من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أيضا حديث السحر، وفيه: أنه جعل في بئر (ميمون)، وهو غريب لم يرد في غير هذا اللفظ، والمشهور في الروايات أنه بئر (ذروان) كما مر. وأما عكرمة البربري فحدث عن عظائمه ومغامزه ولا حرج، ومن ابتغى التفصيل فعليه بمعاجم التراجم (60). وأخرج ابن مردويه أيضا قصة السحر عن أنس بن مالك - كما في الدر المنثور (61). وهي - مضافا إلى جهالة طريقها - مردودة بما سنذكر إن شاء الله تعالى من أمرها وبيان بطلانها، والله الموفق.
(56) دلائل النبوة 6 / 248. (57) دلائل النبوة 6 / 247. (58) فتح الباري 10 / 236. (59) الدر المنثور 6 / 417 - 418. (60) راجع تهذيب التهذيب 4 / 169 - 170. (61) الدر المنثور 6 / 418. 85 تنبيه زعم علي القاري في (مرقاة المفاتيح) (62) وقوع نوعين من السحر له صلى الله عليه وآله وسلم ليكون أجره مرتين!! وأن أحدهما وقع من لبيد والآخر من بناته. انتهى. وهذه دعوى بلا نية، زاد بها في الطنبور رنة: والدعاوى ما لم تقيموا عليها - بينات أبناؤها أدعياء كيف وأن الثابت في الأحاديث وقوع سحر واحد تولاه لبيد بن الأعصم اليهودي لا بناته - كما جاء في الصحيح (63) -؟! نعم، يجوز أن يكون اليهودي قد استعان ببناته في ذلك، وهذا غير مدفوع إلا أن الذي تولى كبره منهم إنما هو لبيد فحسب. ولعل القاري استند في دعواه إلى قول أبي عبيدة وغيره: إن بنات لبيد بن أعصم سحرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس بسديد - كما قال ابن قيم الجوزية (64) -. هذا، والأنكى من ذلك كله ما وقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي من أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقام أربعين ليلة مسحورا، يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، ويخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله، وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد (ستة أشهر)، وفي (جامع معمر) عن الزهري أنه لبث ستة أشهر (65)!! قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر في (الفتح): وقد وجدنا ه
(62) مرقاة المفاتيح 5 / 455. (63) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 43. (64) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 43. (65) كما في فتح الباري 10 / 237. 86 موصولا بإسناد الصحيح، فهو المعتمد (66). انتهى. وفي إرشاد الساري (67): إنه لبث سنة!! وليت شعري كيف يجوز تصديق هذا الزخرف من القول؟! أم كيف تحتمل العقول السليمة أن يدع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ماكثا في السحر هذه المدة على تلك الحال لا يأبه به ولا يستجيب دعاءه ولا يفرج عنه كربته؟! فوعزة الحق إن هذا لمما تستنكره عقول بني آدم، وتستخف بقائله، وتعزوه إلى الهجر والهذيان، نعوذ بالله من تسويل الشيطان، وبه نستجير من التسور على مقام سيد ولد عدنان، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام، والله المستعان على ما يصفون. * * *
(66) فتح الباري 10 / 237. (67) إرشاد الساري 8 / 405. 87 فصل ثم إنه لو جاز ذلك في حق الأنبياء عليهم السلام لكان ذريعة لعبث أهل الكفر بالأنبياء والمرسلين، ولكانوا عرضة لمساءتهم، إذ لم تنفك عصورهم من وجود ساحر عليم، مع أنه لم يحك وقوع ذلك إلا في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعيد جدا أن لا يكون الأنبياء عليهم السلام قد سحروا وأثر السحر فيهم - لو جاز ذلك في حقهم - لأنهم قوتلوا بالسيف والسنان، ولا حامل عليه لو كان للسحر تأثير فيهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. بل السحر أدعى للمشركين إلى الطعن في رسل الله وإيذائهم، لأن فيه تعطيل الأنبياء عليهم السلام والتسلط على جوارحهم، بل قد يسحرون مدة عمرهم فيسقط النفع بهم - والعياذ بالله - وهو أنجع في نيل الغرض وجعلهم عرضة للاستهزاء والسخرية، مع أنه أيسر من المقاتلة في الميدان، والمحاربة بالسيف والسنان، ولا أظن منصفا يرتاب في ذلك. وبالجملة: فإن في فتح هذا الباب - أعني تجويز تأثير السحر في الأنبياء عليهم السلام ولو في الجملة - سد لباب النبوة، وفيه ما فيه! * * *
88 فصل ويقدح فيما تضمنته تلك الأحاديث من أن قصة السحر كانت بالمدينة، وأن المعوذتين أنزلتا لتعويذه صلى الله عليه وآله وسلم بهما، ما ذهب إليه بعض أهل العلم من كون المعوذتين مكيتين أو خصوص سورة الفلق - على الخلاف -. فقد أخرج البيهقي في (دلائل النبوة) (68) بإسناده عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن، قالا: أنزل الله من القرآن بمكة (إقرأ باسم ربك) - وساق الأثر إلى قولهما: - والفلق، وقل أعوذ برب الناس... إلى آخره. وأخرج ابن الضريس في (فضائل القرآن) (69) بسنده عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كانت إذا أنزلت فاتحة الكتاب بمكة كتبت بمكة، ثم يزيد الله فيها ما شاء، وكان أول ما أنزل من القرآن (إقرأ باسم ربك) إلى أن قال: - ثم (قل أعوذ برب الفلق) ثم (قل أعوذ برب الناس) - وعد سورا أخرى وقال: - فهذا ما أنزل الله بمكة. وقال أبو عبيد في (فضائل القرآن) (70): حدثنا عبد الله بن صالح ومعاوية ابن صالح، عن علي بن أبي طلحة، قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة وآل عمران - وذكر سورا ليست المعوذات منها - ثم قال: وسائر ذلك بمكة. وأخرج أبو بكر بن الأنباري نحوه عن قتادة - كما في الاتقان (71) -. وحكى أبو عبد الله محمد بن حزم في كتاب (معرفة الناسخ
(68) الاتقان 1 / 40، دلائل النبوة 7 / 142. (69) الاتقان 1 / 42. (70) الاتقان 1 / 43 - 44. (71) الاتقان 1 / 44. 89 والمنسوخ) (72): عن الضحاك والسدي أنهما مكيتان. وذكر أبو الحسن بن الحصار في كتابه (الناسخ والمنسوخ) أن المعوذتين مما اختلف فيه. هذا، وقد ذهب ثلة من متقدمي المفسرين ومتأخريهم إلى أن سورة الفلق مكية، فكأنهم لم يعبأوا بما روي من قصة السحر وكونها سبب النزول. واختار الجلال السيوطي في (الاتقان) (73) - تبعا لجماعة - أن المعوذتين مدنيتان، لأنهما نزلتا في قصة سحر لبيد بن الأعصم كما أخرجه البيهقي في (الدلائل). انتهى. وهو أول الكلام وعين المتنازع فيه، فكيف ينهض دليلا في محل النزاع؟! على أنك قد عرفت ما في رواية البيهقي في (دلائل النبوة) فراجع ثمة إن شئت. ومنه يعلم ما في كلام الشهاب الخفاجي في (حاشية البيضاوي) (74) إذ زعم أنه لا وجه للاختلاف في مكيتهما ومدنيتهما، وأن الصحيح مدنيتهما معولا على قصة السحر، وقد تقدم الكلام على ذلك آنفا.
(72) معرفة الناسخ والمنسوخ، المطبوع بهامش تفسير الجلالين 2 / 160. (73) الاتقان 1 / 55. (74) عناية القاضي وكفاية الراضي 8 / 414. 90 فصل ومن أقوى الأسباب الموجبة للإعراض عن هاتيك الأخبار وردها، أنها توجب صدق قول الكفرة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم مسحور، وقد قال الله تعالى: (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (75). وزعم قوم ممن أثبت تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم: أن الآية لا دلالة فيها على ذلك، لأن المراد بها - والله أعلم - أنه صلى الله عليه وآله وسلم مجنون بواسطة السحر - كما قاله البيضاوي وغيره (76) -. وقال الفخر الرازي في تفسيره (77): إن الكفار كانوا يريدون بكونه (مسحورا) أنه مجنون أزيل عقله بواسطة السحر فلذلك ترك دينهم. انتهى. وفي تفسير الجلالين 1 / 141: (مسحورا) مخدوعا مغلوبا على عقله. وأنت - يرحمك الله - إذا تأملت الآية الشريفة ونظيرتها في سورة الإسراء، وأنعمت فيهما نظر التحقيق، لعرفت أنهم ملزمون بما قالوا، ومسلمون الحجة لخصمهم من غير أن يشعروا، كيف لا؟! وكل مقر بأن المسحور من أصابه السحر فأثر فيه سواء في عقله أو سائر حواسه وجوارحه. وظاهر أن المجنون الذي جن بغير السحر لا يقال له: مسحور، بل يقال له: مجنون، كما قالوه في حقه صلى الله عليه وآله وسلم، وحكاه الله تعالى
(75) سورة الفرقان 25: 8 - 9. (76) أنوار التنزيل 1 / 587. (77) التفسير الكبير (مفاتح الغيب) 32 / 188. 91 عنهم بقوله: (ويقولون إنه لمجنون) (78) (ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون) (79) (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (80) فلا يطلق المسحور إلا على من سحر فخولط عقله وغلب عليه بسبب السحر، وهذا لا ينكره الخصم، بل قد أفصح عنه الرازي فيما تقدم من كلامه، وصرح به الآلوسي في تفسيره حيث قال: أي سحر فجن (81). ويشهد لذلك ما في التنزيل حكاية عن الكفار قولهم: (بل نحن قوم مسحورون) (82) وفي التنزيل أيضا: (فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) (83) والله تعالى أعلى وأعلم. فتبين أن المنفي - بنحو الأشعار - في الآيتين الكريمتين ليس الجنون المحض، فإن ذلك منفي صريحا في آيات أخر، بل ضرب خاص منه - أعني الجنون المسبب عن تأثير السحر الذي ادعوه في حقه صلى الله عليه وآله وسلم -، فهما نافيتان للمسبب بلسان نفي السبب كما لا يخفى على المتأمل الفطن. وعلى هذا فلا يلزم من دعوى المثبت أن لا يكون السحر قد أثر في عقله صلى الله عليه وآله وسلم باعتقاد المشركين - والعياذ بالله - بل زعمهم التأثير أدعى لنفي دعواهم ورد افترائهم بأنه عليه وآله الصلاة والسلام إنما ترك عبادة آلهتهم لخلل في عقله، وأنه مجنون أزل عقله بالسحر حيث ترك دينهم - كما عن السعد التفتازاني في شرح المقاصد (84) - وإلا فهم لا يزعمون تأثير السحر
(78) سورة القلم 68: 51. (79) سورة الصافات: 37: 36. (80) سورة الحجر 15: 6. (81) روح المعاني 15 / 89. (82) سورة الحجر 15: 15. (83) سورة الإسراء 17: 101. (84) شرح المقاصد 5 / 81. 92 في سائر أعضائه وحواسه - سوى عقله، ولا يعنونه، لعدم تعلق غرض صحيح لهم بذلك، فهذا لا ينهض دليلا للمثبتين، بل هو حجة عليهم. وبعد تحرير هذا الموضع وقفنا على كلام لابن القيم الجوزية قريب مما ذكرناه، فرأيناه أن إيراده هاهنا لا يخلو من فائدة. قال - بعد ذكر جوابين عن الآية (85) -: فالصواب هو الجواب الثالث، وهو جواب صاحب الكشاف وغيره: أن المسحور على بابه وهو منس حر حتى جن فقالوا: مسحور، مثل مجنون، أي زائل العقل لا يعقل ما يقول، فإن المسحور الذي لا يتبع هو الذي فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول، فهو كالمجنون، ولهذا قالوا فيه: (معلم مجنون) (86) فأما من أصيب في بدنه بمرض من الأمراض يصاب به الناس فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه، وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان، وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءهم من أتباعهم، ولهذا قال تعالى: (أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) مثلوك بالشاعر مرة والساحر أخرى، والمجنون مرة والمسحور أخرى، فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيره طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فإنه أي طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة، فهو متحير في أمره لا يهتدي سبيلا ولا يقدر على سلوكها، فهكذا حال أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه حتى ضربوا له أمثالا برأه الله منها، وهو أبعد عنها، وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان. انتهى. ومما احتجوا به لنفي القول بتأثير السحر وعمله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول جل ثناؤه - مخاطبا إياه - (والله يعصمك من الناس) (87) فإن الآية عدة من الله تعالى بالحفظ والكلاءة، والمعنى: والله يضمن لك العصمة
(85) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: 50. (86) سورة الدخان 44: 14. (87) سورة المائدة 5: 67. 93 من أعدائك - كما قال الزمخشري في الكشاف (88) - والسكوت عن تعيين ما يعصم منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفيد نوعا من التعميم - كما أفاده صاحب (الميزان) (89) - فهو من مصاديق ما قرروه في الأصول من أن حذف المتعلق يفيد العموم. وأورد السعد التفتازاني على الاستدلال بالآية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصوم من أن يهلكه الناس، أو يوقع خللا في نبوته، لا أن يوصل ضررا وألما إلى بدنه (90). انتهى. لكنك عرفت أن عدم ذكر المتعلق دليل على عموم العصمة من الضرر، والسحر من أظهر مصاديقه، وما ذكره إنما هو بعض ما عصم منه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا دليل على اختصاص العصمة بالعصمة من إهلاك الناس إياه، أو إيقاع الخلل في أمر النبوة إلا المورد والسياق، لكنهم قرروا أن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب، وأن المورد لا يخصص الوارد، على أن المنصف لا يرتاب في أن تجويز تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم مما يوجب الخلل في أمر النبوة، إذ لا دافع لاحتمال العبث به عليه وآله الصلاة والسلام مدة عمره بسحره والتسلط على جوارحه وحواسه، لأنه لو جاز ذلك في حقه ولو مرة لجاز مرات أخر وهلم جرا، لا سيما إذا طال به ستة أشهر أو أربعين ليلة أو أدنى من ذلك أو أكثر - كما مر - وأنت غير غافل عما يترتب على ذلك من المفاسد والمحاذير، فحيث يلزم هذا التالي الفاسد فلا بد من الالتزام بعدم تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا. وأما ما أصابه - بأبي هو وأمي - في غزاة أحد من كسر رباعيته الشريفة
(88) الكشاف 1 / 353. (89) الميزان في تفسير القرآن 6 / 51. (90) شرح المقاصد 5 / 81. 94 وشج وجهه الأنور، وما ناله قبل ذلك من ضرر الجهال وإيذائهم يوم الطائف وغير ذلك مما تواتر معناه أو كاد، من الوقائع العظيمة والخطوب الجسمية فإنما وقع في أمر الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله وطبائع هذه الأمور تقتضي مثل تلك المضرات، ونحن لا ندفع ذلك البتة، بل فيه دلالة على عصمته صلى الله عليه وآله وسلم من القتل فحسب دون سائر الأسباب التي لم يرفع أثرها فيه عليه وآله الصلاة والسلام. على أن التمسك بعموم الآية يقتضي صونه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حتى عن مثل ذلك، منذ نزول الآية إلى حين وفاته ولحوقه بالرفيق الأعلى فضلا عن قتله والفتك به من قب لأعدائه، فظهر مما ذكرنا أن قياس تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم على تأثير السيف به وتسليط الحيات والعقارب عليه ليس في محله (91)، فإن بين تأثير السحر وتأثير بعض تلك الأشياء فيه بونا بعيدا وفرقا شديدا، مضافا إلى أن ظاهر الآية يدل على العصمة من شر الناس وأذاهم دون العقارب والحيات وأضرابهما، فتنبه والله أعلم. هذا، ولكن قد يعكر على أصل الاحتجاج بالآية ما قد يقال من أن نزولها إنما كان بغدير خم بعد منصرفه صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع - كما ذهب إليه أكثر المفسرين حتى كاد يكون إجماعا -، وسحر لبيد - على تقدير ثبوته - كان قبل ذلك (92)، فالآية ناظرة لحين نزولها إلى آخر حياته
(91) خلافا لما أفاده كلام صاحب الجواهر - رحمه الله تعالى - في كتاب التجارة. (92) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10 / 237: وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر: أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكيم مرسل، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم - وكان حليفا في بني زريق، وكان ساحرا - فقالوا له: يا أبا الأعصم، أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا، ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه، فجعلوا له ثلاثة دنانير. انتهى. وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 8 / 405 فراجع. 95 صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وهو لا ينافي استمرار ما حصل له من الضرر بسبب ما قبل نزول الآية إلى وفاته - بأبي هو وأمي - كما في قصة الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية إليه في غزوة خيبر، فتأمل. ومما استندوا إليه في دعوى منع تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) (93) أي: جنس الساحر. قال الإمام الطبرسي - رحمه الله - في تفسير الآية (94): أي: لا يظفر الساحر ببغيته، إذ لا حقيقة للسحر، وقيل: لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره لأن الحق يبطله. انتهى. قلت: أما على الأول فقد عرفت في صدر الرسالة أنه لا يبقى مجال للبحث في المقام، وأما على الثاني فلا يجوز أن يقال: إن السحر تسلط ولو على غير عقله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن ذلك من فلاح الساحر وفوزه ببغيته في الجملة وقد فرض انتفاؤه، لأن الحق يبطله، فما ظنك برسول رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم؟! واعترض السعد التفتازاني في (شرح المقاصد) (95) دلالة الآية على المنع: بأن الساحر لا يوجد في كل عصر وزمان وبكل قطر ومكان، ولا ينفذ حكمه كل أوان، ولا له يد في كل شان. انتهى. وهو وهم نشأ من عدم التدبر في معنى الآية، لأن قوله تعالى (حيث أتى) كقولهم حيث سير وأية سلك وأينما كان - كما في الكشاف (96) - وأين هذا من دعوى عدم وجود الساحر في كل زمان ومكان؟! على أنها أيضا لا تخلو من
(93) سورة طه 20: 69. (94) مجمع البيان في تفسير القرآن 4 / 20. (95) شرح المقاصد 5 / 81. (96) الكشاف 2 / 440. 96 نظر، إذ قد كان في بلاد الكثير كثير من الكهان والسحرة من أهل الكتاب وغيرهم من المشركين، وكانت بضاعة السحر والتمويه رائجة عندهم في تلك العصور، ولبيد بن الأعصم وبناته وأم عبد الله اليهودية إنما هم من آحادهم، وكان هؤلاء ا لرهط في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمانه، وفي قطره ومكانه، فكيف يعترض بما لا تعلق له بشئ من معنى الآية؟! وأما دعواه أن حكم الساحر لا ينفذ في كل أوان، ولا له يد في كل شأن، فمردودة، لظهورها في إثبات التأثير بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجبة جزئية، والتحقيق نفي تأثير عمل الساحر في الأنبياء والأئمة عليهم السلام سالبة كلية - كما عرفت فيما مضى وسيأتي إن شاء الله تعالى -. وإذا أحطت خبرا ما تلوناه عليك ظهر لك ما في كلام شيخ الإسلام المجلسي - رحمه الله - وغيره من أفاضل أهل عصرنا حيث ادعى أنه لم يقم برهان على امتناع السحر إذا لم ينته إلى حد يخل بغرض البعثة كالتخبيط والتخليط، فإنه إذا كان الله سبحانه أقدر الكفار لمصالح التكليف على حبس الأنبياء عليهم السلام والأوصياء عليهم السلام وضربهم وجرحهم وقتلهم بأشنع الوجوه، فأي استحالة على أن يقدروا على فعل يؤثر فيهم هما ومرضا؟! (97). انتهى. فإن في التوالي الفاسدة المترتبة على تجويز تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وإن لم ينته إلى الحد المذكور - كفاية في المنع من التجويز، إذ الشئ قد يستحيل ويمتنع للوازمه الباطلة وتواليه الفاسدة وإن لم يكن في ذاته ممتنعا، فتنبه. وما بنى عليه دعواه واعتل به لعدم الامتناع من أن الكفار إذا قدروا على إيذاء الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بالضرب والقتل، فلا استحالة في قدرتهم
(97) بحار الأنوار 63 / 41. 97 على ما دون ذلك كالسحر، بين الضعف، لأن الله تعالى قد ضمن لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم العصمة من القتل كما قال عز من قائل (والله يعصمك من الناس) فلا يقع ما ذكره من القتل في حق نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تثبت أولوية القدرة على سحره عليه وآله الصلاة والسلام، بل دون ثبوتها خرط القتاد. وأما غيره من أنبياء الله تعالى ورسله وأئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإنهم وإن لم يعصموا من القتل إلا أن امتناع تأثير السحر وعمله فيهم يجري من وجه آخر، وهو أن تجويز تأثيره فيهم يوجب الإخلال في أمر النبوة والإمامة بالتقرير المتقدم. فإن قلت: ما تقول في قول الله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد) فإن لم تكن فيه إشارة إلى قصة سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعليمه التعوذ من شر السواحر فما معنى الاستعاذة من شرهن؟! قلت: ذكر الزمخشري في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها: أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر، ومن إثمهن في ذلك. والثاني: أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعنهم به من باطلهن. والثالث: أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن. قال: ويجوز أن يراد بهن النساء الكيادات من قوله: (إن كيدكن عظيم) (98) تشبيها لكيدهن بالسحر، والنفث في العقد، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهن لهم وعرضهن محاسنهن كأنهن يسحرنهم بذلك. انتهى (99).
(98) سورة يوسف 12: 28. (99) الكشاف 4 / 244. 98 وحكى الإمام الطبرسي - رحمه الله - في (مجمع البيان) (100) عن أبي مسلم: أن النفاثات النساء اللاتي يملن آراء الرجال ويصرفنهم عن مرادهم ويردونهم إلى آرائهن، لأن العزم والرأي يعبر عنهما بالعقد، فعبر عن حلها بالنفث، فإن العادة جرت أن من حل عقدا نفث فيه. انتهى. وسيأتي في كلام شيخ الإسلام البهائي - رحمه الله -: أن الأمر بالاستعاذة من سحرهن لا يدل على تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهو كالدعاء في (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (101). على أن المتأمل يعلم أن القول بكون النفاثات هن السواحر لا يوافق القول بأن المعوذتين إنما أنزلتا في قصة سحر لبيد بن أعصم اليهودي، إذ لو كان ذلك حقا لكان ينبغي التعوذ من شر السحرة النفاثين لا السواحر النفاثات. ولعل الآلوسي تنبيه لذلك حيث اختار في (تفسيره) (102): أن المراد بالنفاثات النفوس السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها. قال: فالنفاثات صفة للنفوس، واعتبر ذلك لمكان التأنيث، مع أن تأثير السحر إنما هو من جهة النفوس الخبيثة والأرواح الشريرة وسلطانه منها، وجعل هذا التقدير أولى من تقدير بعضهم النساء موصوفا ليشمل الرجال ويتضمن الإشارة السابقة ويطابق سبب النزول، فإن الذي سحره صلى الله عليه وآله وسلم كان رجلا على المشهور وقيل أعانه بعض النساء. انتهى. وسبقه إلى ذلك ابن القيم في (تفسير المعوذتين) (103) وكأنه أخذه منه، والله أعلم.
(100) مجمع ا لبيان 10 / 596. (101) سورة البقرة: 2: 286. (102) روح المعاني 30 / 282. (103) تفسير المعوذتين 43 - 44. 99 نعم، يمكن أن يكون اليهودي أو بناته - على ما روي - اجتهدوا في سحره صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقدروا عليه، وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقه - كما قال الإمام الطبرسي رحمه الله في تفسيره الكبير (104) - لكن لا يدل ذلك على كون النفاثات في الآية هن بنات لبيد كما توهم، كيف وأن جل من ذكروا القصة أسند فعل السحر إلى ابن أعصم لكونه هو الذي تولاه؟! وهذا مما يعضد الإشكال الذي بيناه آنفا. هذا كله مضافا إلى أن ابن جرير الطبري - مع إمامته وتقدمه في علم التفسير - لم يذكر في تفسيره (جامع البيان) قصة السحر ولم يومئ إليها، وصنيعه هذا مشعر بعدم اعتماده واعتداده في شأن نزول المعوذتين على تلك الواقعة المحكية، وهذا مما يوهن مذهب المثبتين لحديث السحر من أهل نحلته وإن أخرجه الشيخان في الصحيحين، فتنبه.
(104) مجمع البيان 10 / 568. 100 تتمة فإن قال قائل: حسبك في صحة حديث السحر وتأثيره اتفاق الأمة على تسمية السورتين بالمعوذتين منذ الصدر الأول، ونزولهما لتعويذه واسترقائه صلى الله عليه وآله وسلم مما أصابه. قلنا: لسنا ننكر نزول المعوذتين في شكوى أصابته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، بل نقول به موجبة جزئية، إلا أن الجزم بكونها عمل السحر فيه عليه وآله الصلاة والسلام مشكل، لأن ظاهر ما جاء في شأن نزولهما أعم من ذلك، فلا يدل عليه - كما لا يخفى -. عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتكى شكوى شديدة ووجع وجعا شديدا، فأتاه جبرائيل وميكائيل عليهما السلام فقعد جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوذه جبرائيل ب (قل أعوذ برب الفلق) وعوذه ميكائيل ب (قل أعوذ برب الناس). وروى أبو خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو شاك فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد، وقال: باسم الله أرقيك، والله يشفيك من كل داء يؤذيك، خذها فلتهنيك (105). وذكر الإمام فخر الرازي في تفسيره الكبير 3 / 187 وجهين آخرين - سوى قصة السحر - في سبب نزول الروح الأمين بالمعوذتين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(105) مجمع البيان 10 / 569، الدر المنثور 6 / 419. 101 أحدهما ما روي من أن جبرئيل عليه السلام أتاه وقال: إن عفريتا من الجن يكيدك فقال: إذا أويت إلى فراشك قل أعوذ برب، السورتين. وثانيهما أن الله تعالى أنزلهما عليه ليكونا رقية من العين، وعن سعيد بن المسيب: أن قريشا قالوا: تعالوا نتجوع فنعين محمدا ففعلوا، ثم أتوه وقالوا: ما أشد عضدك وأقوى ظهرك وأنضر وجهك، فأنزل الله تعالى المعوذتين. انتهى. ويستفاد منه أن المعوذتين مكيتان فتبطل حجة القوم وتدحض، ولم يبق لهم متشبث بحديث السحر ولا مستمسك. هذا، مع مخالفة أصل الدعوى لمحكمات الكتاب المجيد - كما عرفت - والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
102 فصل وحيث تحققت أن دعوى تأثير السحر في نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مما لا أصل له البتة، فلا بأس بإيراد طرف من كلام أكابر علماء الفريقين وأئمتهم في ذلك كسرا لسورة الاستبعاد، وإتماما للفائدة، فنقول وبالله التوفيق: قال شيخ الطائفة المحقة الإمام أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه - في تفسيره (التبيان) (106): ولا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر - على ما رواه القصاص الجهال - لأن من يوصف بأنه مسحور فقد خبل عقله، وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله: (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه، فأطلع الله نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعلوه من التمويه، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له. انتهى. وقال أمين الملة والدين أبو علي الفضل بن الحسن الطوسي - رحمه الله تعالى - في تفسير الكبير (مجمع البيان) (107): فأما ما روي من الأخبار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله، أو أنه لم يفعل ما فعله، فأخبار مفتعلة لا يلتفت إليها، وقد قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن الكفار: (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) فلو كان للسحر عمل فيه لكان الكفار صادقين في مقالهم، حاشا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كل صفة نقص تنفر عن قبول قوله، فإنه حجة الله على خليفته، وصفوته على بريته. انتهى. وقال أيضا (108) - بعد ما حكى عنهم قصة لبيد في شأن نزول المعوذتين:
(106) التبيان 10 / 434. (107) مجمع البيان 1 / 177. (108) مجمع البيان 10 / 568. 103 وهذا لا يجوز، لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله، وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله: (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا) ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته - على ما روي - اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه، وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقه. قال: وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم، ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم له؟! انتهى. وقريب من ذلك ما ذكره الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره، وكذا الجرجاني في (المحاسن) والكاشفي في المنهج وخلاصته حاكيا اتفاق علماء الإمامية على عدم تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الإمام العلامة جمال الدين ابن المطهر - رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه - في كتابه (منتهى المطلب) - بعد إيراده رواية البخاري المتقدمة -: وهذا القول عندي باطل، والروايات ضعيفة، خصوصا رواية عائشة، لاستحالة تطرق السحر إلى الأنبياء عليهم السلام. انتهى. وقال شيخ الإسلام بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي - رحمه الله تعالى - في (مفتاح الفلاح) (109): اعلم أنا معاشر الإمامية على أن السحر لم يؤثر في النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأمره في هذه السورة - يعني سورة الفلق - بالاستعاذة من سحرهن لا يدل على تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو كالدعاء في (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا). قال: وأما ما نقله المخالفون من أن السحر أثر فيه صلى الله عليه وآله وسلم - كما رواه البخاري ومسلم من أنه صلى الله عليه وآله وسلم سحر حتى
(109) مفتاح الفلاح: 93. 104 أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يكن فعله - فهو من جملة الأكاذيب، ولو صح ما نقلوه لصدق قول الكفار: (إن تتبعون إلا رجل مسحورا) انتهى. وحكاه الشيخ فخر الدين ابن طريح - رحمه الله - في مادة (نفث) من (مجمع البحرين) ولم يتعقبه بشئ. وقال شيخ الإسلام المجلسي - رحمه الله - في (بحار الأنوار) (110): المشهور بين الإمامية عدم تأثير السحر في الأنبياء والأئمة عليهم ا لسلام، وأولوا بعض الأخبار الواردة في ذلك، وطرحوا بعضها. انتهى. وقال العلامة الفهامة الشريف السيد محمد الجواد العاملي - رحمه الله - في (مفتاح الكرامة) (111): قد ورد في بعض أخبارنا وفاقا لروايات العامة عن عائشة أنه صلى الله عليه وآله وسلم سحره لبيد بن أعصم اليهودي، وقد أنكره الشيخ في (الخلاف) والمصنف - يعني العلامة ابن المطهر رحمه الله - في (المنتهى) وجماعة، وهو كذلك قطعا كما تقضي به أصول المذهب، والروايات شاذة ضعيفة، محمولة على التقية، مخالفة للأصول والقواعد والاعتبار، فلا يلتفت إلى ما احتمله في البحار. انتهى. قلت: كأنه عنى قول المجلسي رحمه الله (112): إن السحر يندفع بالعوذ والآيات والتوكل، وهم عليهم السلام معادن جميع ذلك فتأثيره فيهم مستبعد. انتهى. لكن ظهور الأحاديث المتقدمة في تأثير السحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم ظهورا قطعيا تدفع ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، على أن كل من صحح حديث السحر قد أثبت تأثيره في الجملة، فتنبه. هذا، وأما جمهور أهل الخلاف فقد صححوا حديث السحر وأثبتوه
(110) بحار الأنوار 18 / 70. (111) مفتاح الكرامة 4 / 73. (112) بحار الأنوار 63 / 41. 105 متعبدين بوروده في الصحيحين، وقد عرفت ما في ذلك، إلا أن طائفة من متقدميهم ومتأخريهم أنكروا عمل السحر وتأثيره في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يحتفلوا بالأحاديث الواردة في إثباته، وينبغي أن نذكر هنا نبذة من كلامهم في ذلك مما وقفنا عليه على العجالة، فنقول: قال أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص في كتاب (أحكام القرآن) (113) - بعد الإنكار الشديد على من أثبت للسحر حقيقة -: وقد أجازوا من فعل الساحر ما هو أطم من هذا وأفظع، وذلك أنهم زعموا أن النبي عليه السلام سحر، وأن السحر عمل فيه حتى قال فيه: إنه يتخيل لي أني أقول الشئ وأفعله ولم أقله ولم أفعله، وأن امرأة يهودية سحرته في جف طلعة وهو تحت راعوفة البئر، فاستخرج وزال عن النبي عليه السلام ذلك العارض، وقد قال الله تعالى مكذبا للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال جل من قائل: (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا). قال: ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام، واستجرارا لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام والقدح فيها، وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء وفعل السحرة وأن جميعه من نوع واحد. قال: والعجب ممن يجمع بين تصديق الأنبياء عليهم السلام وإثبات معجزاتهم وبين التصديق بمثل هذا من فعل السحرة مع قوله تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) فصدق هؤلاء من كذبه الله وأخبر ببطلان دعواه وانتحاله. قال: وجائز أن تكون المرأة اليهودية بجهلها فعلت ذلك ظنا منها بأن ذلك يعمل في الأجساد وقصدت به النبي عليه السلام، فأطلع الله نبيه على
(113) أحكام القرآن 1 / 60. (114) المشاقة - كثمامة -: ما سقط من الشعر أو الكتان عند المشط. 106 موضع سرها، وأظهر جهلها فيما ارتكبت وظنت، ليكون ذلك من دلائل نبوته، لا أن ذلك ضره وخلط عليه أمره، ولم يقل كل الرواة أنه اختلط عليه أمره، وإنما هذا اللفظ زيد في الحديث ولا أصل له. انتهى. وحكى الفخر الرازي في (مفاتح الغيب) (115) عن القاضي قال: هذه الرواية باطلة، وكيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول: (والله يعصمك من الناس) وقال: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)؟! ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة، ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى الضرر لجميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكل ذلك باطل، ولأن الكفار كانوا يعيرونه بأنه مسحور، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوة ولحصل فيه عليه السلام ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير جائز. انتهى. وقال الشيخ الإمام محمد عبده بتفسير سورة الفلق من كتابه (تفسير جزء عم) (116): قد رووا هاهنا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحره لبيد بن الأعصم وأثر سحره فيه حتى كان يخيل له أنه يفعل الشئ وهو لا يفعله، أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك وأخرجت مواد السحر من بئر وعوفي صلى الله عليه وآله وسلم مما كان نزل به من ذلك ونزلت هذه السورة. ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئا وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية (117) بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه: (إن تتبعون إلا رجلا
(115) مفاتح الغيب 32 / 187 - 188. (116) تفسير جزء عم: 180. (117) حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك، فإنه منزه عنه على مذهب أهل الحق، أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم. 107 (مسحورا) وليس المسحور عندهم إلا من خولط عقله وخيل له أن شيئا يقع وهو لا يقع فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه، وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها: إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر وقد جاء القرآن بصحة السحر، فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلد بدعة - نعوذ بالله -، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر، ويعرض عن القرآن في نفسه السحر عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعده من افتراء المشركين عليه، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك! مع أن الذي قصده المشركون ظاهر، لأنهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد، فإنه خالط عقله وإدراكه في زعمهم. قال: والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته وعدم الاعتقاد بما ينفيه، وقد جاء ينفي السحر عنه عليه السلام حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه، ووبخهم على زعمهم هذا، فإن هو ليس بمسحور قطعا. قال (118): وأما الحديث - على فرض صحته - فهو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون، على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة. وعلى أي حال فلنا، بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه
(118) تفسير جزء عم: 181. 108 في عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل، فإنه إذا خولط النبي في عقله - كما زعموا - جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئا وهو لم يبلغه، أو أن شيئا نزل عليه وهو لم ينزل عليه، والأمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان. ثم إن نفي السحر عنه لا يستلزم نفي السحر مطلقا، فربما جاز أن يصيب السحر غيره بالجنون نفسه، ولكن من المحال أن يصيبه لأن الله عصمه منه. ما أضر المحب الجاهل، وما أشد خطره على من يظن أنه يحبه، نعوذ بالله من الخذلان. قال (119): ولو كان هؤلاء يقدرون الكتاب قدره، ويعرفون من اللغة ما يكفي لعاقل أن يتكلم، ما هذروا هذر الهذر، ولا وصموا الإسلام بهذه الوصمة، وكيف يصح أن تكون هذه السورة نزلت في سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أنها مكية في قول عطاء والحسن وجابر وفي رواية كريب عن ابن عباس، وما يزعمون من السحر إنما وقع بالمدينة؟! لكن من تعود القول بالمحال، لا يمكن الكلام معه بحال، نعوذ بالله من الخبال. انتهى كلامه. وإنما ذكرناه بطوله لاشتماله على فوائد جمة ومطالب مهمة، وأرباب الفضل لا يسأمون من ذلك. وذكر تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا في (تفسير المنار) (120): أن كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر، قد يصدق عليه بعض ما عدوه من علامة الوضع، كحديث سحر بعضهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصاص من المفسرين المتقدمين والأستاذ الإمام محمد عبده من المتأخرين، لأنه معارض بقوله تعالى: (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * أنظر كيف ضربوا لك الأمثال
(119) تفسير جزء عم: 182. (120) تفسير المنار 2 / 104 - 105. 109 فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (121). انتهى. وبالجملة: فمن أمعن نظر الإنصاف في ما تقدم علم أن ما اشتهر في بعض الكتب وشاع على الألسنة من عمل السحر وتأثيره في النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما لا أصل له، وإن وردت بذلك بعض الروايات من طرق الفريقين فإنك قد عرفت ما فيها، ولا أقل من حمل ما جاء من طريقنا على التقية لموافقتها لأحاديث العامة ومخالفتها للاعتقاد السديد ومذهب الأئمة المحققين من أهل العلم من العصابة الناجية المفلحة، رحمهم الله تعالى، ونفعنا بعلومهم، وأفاض علينا من بركاتهم، آمين. ولو تنزلنا فإنه يجوز أن يكون عليه وآله والصلاة والسلام قصد بالسحر، لكنه لم يعمل فيه كرامة من الله تعالى له وإظهارا لمعجزته، وهذا ليس مما نحن فيه في شئ، إذ النزاع في تأثيره في النفس الشريفة ودونه الشم الراسيات. فلا التفات - بعد ما تبين الحق الذي هو أحق بالأتباع - إلى إزراء المازري (122) وغيره ممن صوب القول بتأثره صلى الله عليه وآله وسلم بالسحر، بالطاعنين في تلك المقالة. وهذا آخر ما قصدنا إيراده في هذه الرسالة، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصفوة صحبه وسلم، ومجد وكرم، وشرف وعظم. * * *
(121) سورة الإسراء 17: 47 - 48. (122) كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10 / 237، والقسطلاني في إرشاد الساري 8 / 403، والنووي في شرح صحيح مسلم 9 / 16. 110 المصادر 1 - الاتقان في علوم القرآن، للحافظ جلال الدين السيوطي - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. 2 - أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص - تحقيق محمد الصادق قمحاوي - ط شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد - الطبعة الثانية. 3 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني - ط سنة 1305 ه. 4 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للقاضي البيضاوي - ط. 5 - بحار الأنوار، للعلامة المحدث المجلسي - ط دار الأضواء - بيروت. 6 - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي - ط مطبعة السعادة - بمصر. 7 - التبيان في تفسير القرآن، للشيخ الإمام أبي جعفر الطوسي - تحقيق أحمد قصير العاملي - ط النجف. 8 - تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي، للحافظ جلال الدين السيوطي - تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف - الطبعة الأولى سنة 1379 ه - القاهرة. 9 - تفسير جزء عم، للشيخ محمد عبده - ط محمد علي صبيح سنة 1387 ه. 10 - تفسير الجلالين، لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي - ط. المطبعة العامرة الشرفية سنة 1317 ه - مصر. 11 - تفسير سورة الكافرون والمعوذتين، لابن قيم الجوزية - تحقيق محمد حامد الفقي - ط دار الكتب العلمية - بيروت. 12 - تفسير فرات إبراهيم الكوفي - ط النجف. 13 - تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا - ط مطبعة المنار - مصر. 14 - تنقيح المقال في علم الرجال، للعلامة الجليل الشيخ عبد الله المامقاني - ط المطبعة المرتضوية سنة 1342 ه. 15 - تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط دار إحياء التراث العربي
111 سنة 1412 لا 16 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لعبد القادر بن محمد القرشي - طبعة حيدر آباد سنة 1332 ه. 17 - الخلاف في الفقه، للشيخ الإمام أبي جعفر الطوسي. 18 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للحافظ جلال الدين السيوطي - ط الميمنية سنة 1314 ه. 19 - دعائم الإسلام، للقاضي أبي حنيفة النعمان - أفسيت مؤسسة آل البيت عليهم السلام - قم. 20 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، للبيهقي - تحقيق عبد المعطي قلعجي - دار الكتب العلمية - بيروت. 21 - رجال النجاشي، لأبي العباس النجاشي - ط. جماعة المدرسين بقم - بتحقيق آية الله السيد موسى الزنجاني. 22 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي)، لشهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي - ط دار إحياء التراث العربي - بيروت. 23 - سنن النسائي بشرح السيوطي، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت. 24 - شرح المقاصد، لسعد الدين التفتازاني - تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، أوفسيت مكتبة الشريف الرضي - قم 1371 ه. ش. 25 - صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري. 26 - صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج النيسابوري. 27 - طب الأئمة عليهم السلام، لابني بسطام - ط المطبعة الحيدرية - النجف. 28 - عناية القاضي وكفاية الراضي، لشهاب الدين الخفاجي (حاشية البيضاوي) دار الطباعة العامرة ببولاق - مصر سنة 1283 ه. 29 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط دار الريان للتراث - مصر سنة 1407 ه. 30 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للحافظ زين الدين العراقي - تحقيق محمود
112 ربيع - عالم الكتب - بيروت - الطبعة الثانية سنة 1408 ه. 31 - الكشاف عن حقائق التنزيل (تفسير الزمخشري)، لجار الله محمود بن عمر الزمخشري، ط دار المعرفة - بيروت. 32 - لسان الميزان، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط حيدر آباد سنة 1331 ه. 33 - مبادئ الوصول إلى علم الأصول، للعلامة الحسن بن يوسف المطهر الحلي - تحقيق عبد الحسين محمد علي البقال. 34 - مجمع البيان في تفسير القرآن، للإمام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي - أفسيت المكتبة العلمية الإسلامية - طهران. 35 - مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح، لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري - ط المطبعة الميمنية بمصر سنة 1309 ه. 36 - المصنف، لأبي بكر بن أبي شيبة - ط. 37 - مفاتح الغيب (تفسير الرازي)، ط المطبعة البهية المصرية. 38 - مفتاح الفلاح، لشيخ الإسلام بهاء الدين العاملي - ط مصر سنة 1324 ه. 39 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، للفقيه المحقق السيد محمد جواد الحسيني العاملي - ط المطبعة الرضوية بمصر سنة 1323 ه. 40 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب، للعلامة الحلي - ط إيران. 41 - الميزان في تفسير القرآن، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي - منشورات مؤسسة الأعلمي - بيروت. 42 - هدي الساري - مقدمة فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط دار الريان للتراث - مصر سنة 1407 ه. * * *
113 تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (3) السيد علي الحسيني الميلاني قيل: (قوله (ونقل هذه الكلمة عنه جماعة كثيرون، أحدهم ابن حجر...) لا يغني عنه شيئا، فهل يتحول الكذب إلى صدق إذ كثر ناقلوه؟). أقول: هذا كلام باطل، لأن الكذب لا يتحول إلى صدق إذا كثر ناقلوه، لكن هذا الحديث حق وصدق لا (كذب). على أنه لو كان كذبا لم يخل حال ناقليه عن أحد حالين: إما أن يكونوا جاهلين بكونه كذبا... وهذا لا يلتزم به هذا القائل ولا غيره، وكيف يلتزم بجهل نقلة هذا الحديث بحاله، وهم أئمة الحديث المرجع إليهم في روايته ومعرفته؟! إذ فيهم: محمد بن سليمان المطين. و عبد الله بن أحمد بن حنبل. والحسن بن عمر الفقيمي. والحسن بن صالح بن حي.
114 وأبو أحمد الزبيري الحبال. وعمر بن شبة. وأبو طاهر المخلص. وابن السمرقندي. وابن عساكر. والسخاوي... وإما أن يكونوا عالمين بكونه كذبا... وهذا أيضا لا يلتزم به القائل ولا غيره، لأن معناه أن يتعمد هؤلاء الأئمة الثقات الفطاحل نقل حديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيسقطون عن العدالة والوثاقة، ويعدون في جملة من تعمد الكذب عليه، ومن كذب على الرسول الأمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين! * قال السيد: (وخطب الإمام المجتبى أبو محمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة فقال: اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم). قال في الهامش: (فراجعها في أواخر باب وصية النبي بهم، من الصواعق المحرقة لابن حجر، صفحة 137.) قيل: (راجعناها في الصواعق 229، فوجدنا المؤلف الموسوي قد سلخها من كلام الحسن لأمر ما. يقول ابن حجر: وقد صرح الحسن رضي الله عنه بذلك، فإنه حين استخلف وثب عليه رجل من بني أسد فطعنه وهو ساجد بخنجر لم يبلغ منه مبلغا، ولذا عاش بعده عشر سنين فقال: يا أهل العراق، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفاكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل فيهم: (إنما
115 يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). قالوا: ولأنتم هم؟ قال: نعم. ويكفي هذا الكلام ضعفا أن رواه الثعلبي في تفسيره كما صرح بذلك في الصواعق). أقول: أولا: يكفي وروده في كتب أهل السنة، إذ يكون بذلك مورد اتفاق المسلمين، ولا ريب في وجوب الأخذ بكل أمر حق وقع الاتفاق عليه. وثانيا: هذا الكلام رواه الحافظ الطبراني، ونص الحافظ نور الدين الهيثمي - في كتابه الذي اعتمد عليه المعترض في مواضع! - على أن (رجاله ثقات). وهذا نص الرواية في باب فضل أهل البيت رضي الله عنهم: (وعن أبي جميلة: إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف، فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه، فتمرض منها أشهرا. ثم قام فخطب على المنبر فقال: يا أهل العراق، اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكيا. رواه الطبراني. ورجاله ثقات) (1). وفيه فوائد: 1 - قوله عليه السلام: (اتقوا الله فينا). ثم علل أمره بتقوى الله فيهم بقوله: (فإنا أمراؤكم). 2 - قوله عليه السلام: (ونحن أهل البيت الذين...) يفيد بكل وضوح
(1) مجمع الزوائد 9 / 172. 116 حصر الآية الكريمة فيه وفي والديه وأخيه. 3 - ليس في هذه الرواية الصحيحة - باعتراف الحافظ الهيثمي - جملة: (لأنتم هم؟ قال: نعم. وعدمها في هذه الرواية الصحيحة دليل على أمور: أحدها: إذعان المسلمين بكون (أهل البيت) في الآية ونحوها هم: الحسنان ووالداهما، دون غيرهم، وكون هذا المعنى مسلما مفروغا عنه بينهم. والثاني: إن بعض النواصب لما رأوا دلالة هذا الحديث على ما ذكرنا زادوا فيه تلك الجملة، لتفيد جهل المسلمين أو شكهم فيما قاله الإمام عليه السلام واستدل به. والثالث: إن ابن حجر المكي اختار اللفظ المشتمل على الجملة، وما أشار إلى رواية الطبراني! وما ذلك إلا كونه بصدد الطعن في فضائل أهل البيت والرد على شيعتهم... اللهم إلا أن يكون مضطرا إلى الإقرار بصحة حديث منها. وثالثا: قوله: (يكفي هذا الكلام ضعفا أن رواه الثعلبي في تفسيره كما صرح بذلك في الصواعق) مردود بوجوه: 1 - قد ظهر أن الكلام صحيح لا ضعيف. 2 - قد ظهر أن روايته غير منحصرة بالثعلبي في تفسيره. 3 - إن رواية الثعلبي لفضيلة م + ن فضائل أهل البيت عليهم السلام كافية لشيعتهم في مقام الاستدلال، وذلك: أ - لأن مجرد وجودها في كتب القوم كاف. ب - لأن الرواية إذا صح سندها يجب الأخذ بها في أي كتاب من كتبهم كانت، وهذا ما نص عليه المعترض. ج - ولأن الثعلبي موصوف عندهم بصفات جليلة، وتفسيره (الكشف والبيان) من التفاسير المعتمدة عندهم، كما لا يخفى على من راجع ترجمته في المصادر التالية:
117 وفيات الأعيان 1 / 61، الوافي بالوفيات 7 / 307، العبر 3 / 161، مرآة الجنان 3 / 46، تتمة المختصر 1 / 477، بغية الوعاة: 154، طبقات المفسرين 1 / 65، طبقات الشافعية - للسبكي - 4 / 58، طبقات الشافعية - للأسنوي - 1 / 429، وغيرها. قال السبكي: (وكان أوحد زمانه في علم القرآن...). وقال الأسنوي: (ذكره ابن الصلاح والنووي من الفقهاء الشافعية، وكان إماما في اللغة والنحو...). وقال الداودي: (كان أوحد أهل زمانه في علم القرآن، حافظ للغة، بارعا في العربية، واعظا، موثقا). لكن الثعلبي لما أكثر من نقل روايات فضائل العترة وأخبار نزول الآيات فيهم... رماه ابن تيمية وأتباعه بالتساهل في النقل، وحاولوا إسقاط رواياته المسندة عن الاعتبار. بقي: قوله: (قد سلخها من كلام الحسن لأمر ما. ولا يخفى: أنه كلام جاهل أو متجاهل، إذ المهم هو الاستشهاد بكلام الإمام عليه السلام الثابت بالسند الصحيح... أما أنه في أي مناسبة قاله؟ وما كان المورد له؟ فهذا لا علاقة له بالبحث، ولا يخصص مدلول الكتاب البتة. * قال السيد: (وكان الإمام أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين إذا تلا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يدعو الله عز وجل دعاء طويلا...). قال في الهامش: (فراجعه في صفحة 90 من الصواعق المحرقة لابن حجر، في تفسير الآية الخامسة: (واعتصموا بحبل الله جميعا) من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11).
118 أقول: لم يتقول المعترض بشئ حول هذا الكلام المنقول عن الإمام زين العابدين عليه السلام. وفي هذه الرواية فوائد: 1 - إشارة إلى نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فيهم عليهم السلام. 2 - إشارة إلى نزول قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فيهم عليهم السلام. 3 - إشارة إلى نزول قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فيهم عليهم السلام. 4 - إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي...). 5 - تصريح بانحصار (الموقوف به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم) فيهم. 6 - تصريح بأنهم (الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة). وسكوت الرجل عن هذه الرواية - وهو في مقام الرد - دليل على إقراره بصحة سندها، ولا مناص له من قبولها والالتزام بمضامينها. ولا يخفى أن ذكر ابن حجر المكي هذه الرواية بتفسير قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا) شاهد على أن المراد من (حبل الله) فيها هم الأئمة من العترة النبوية، وهو مروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وبه قال بعض المفسرين (2).
(2) منهم: الثعلبي الذي أشرنا إلى ترجمته قريبا، نقل ذلك عنه جماعة منهم ابن حجر في (الصواعق). 119 المراجعة - 8 * قال السيد رحمه الله: (حيث قلنا إنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوة لأولي الألباب، وسفن النجاة، وأمان الأمة، وباب حطة: إشارة إلى المأثور من هذه المضامين من السنن الصحيحة والنصوص الصريحة...) قيل: (نحن مع تسليمنا بصحة بعض الأخبار الواردة في مناقب علي - رضي الله عنه - وفي بنيه، لكننا لا نقر أن هذه الأخبار فيها حصر وجوب الاتباع لهم. ولذلك فإن تضييق مدلولات هذه الأخبار وقصرها على فئة من الصحابة دون فئة مما يأباه منطوق هذه النصوص، فضلا عن أن صريح الكتاب والسنة وعمل الصحابة على غير ذلك. ومعلوم أن كثيرا من احتجاجات الرافضة لا تخلو من أحد خطأين: إما خطأ في الدليل، وإما خطأ في المدلول، وقد يجتمع فيها الخطآن معا. أما خطؤهم في الدليل فمن مثل احتجاجهم على أهل السنة بأحاديث ضعيفة وهالكة، من أجل إقامة الحجة عليهم. وأما خطؤهم في المدلول فكاحتجاجهم بآيات قرآنية وأحاديث صحيحة ليس فيها دليل على ما يثيرونه من قضايا. وقد يحتجون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة على قضايا غير صحيحة). أقول: هذا كلامه! ثم استشهد بكلام لشيخ إسلامه ابن تيمية يفيد نفس الذي
120 قاله، فلم يأت بشئ جديد. ومن المراد بكلمة (نحن) في أهل هذا الكلام؟! إن كان المراد: علماء أهل السنة المحققين الشارحين للأحاديث النبوية، والمبينين لما تدل عليه السنة المحمدية، والذين عليهم الاعتماد وإليهم الاستناد في هذا الباب، فسننقل أقاريرهم في دلالة تلك الأخبار المعتبرة على حصر وجوب الاتباع بأمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام. وإن كان المراد - من (نحن) -: هو المتكلم نفسه... فقد وجدنا سكوته في قبال بعض الأدلة - ومنها الرواية المتقدمة قريبا عن الإمام السجاد عليه السلام - وسكوته في هكذا مواضع إقرار. على أنه إذا لم يقر في موضع فهو محجوج بإقرار أئمة مذهبه، ولا أظن أن يدعى هذا الرجل كونه أعلم وأفهم للأخبار من كبار علماء طائفته! * قال السيد: (3 - وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ أهاب في الجاهلين، وصرخ في الغافلين، فنادى: * يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي). قال في الهامش: (أخرجه الترمذي والنسائي عن جابر، ونقله عنهما المتقي الهندي في أول باب الاعتصام بالكتاب والسنة من كنز العمال، ص 44 من جزئه الأول). * (وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
121 قال في الهامش: (أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم، وهو الحديث 874 من أحاديث كنز العمال، في ص 44 من جزئه الأول). * (وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو: ما بين السماء إلى الأرض - وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). قال في الهامش: (أخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت، بطريقين صحيحين، أحدهما في أول صفحة 182، والثاني في آخر صفحة 189 من الجزء الخامس. أيضا: ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد. وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز، في ص 47 من جزئه الأول). * (وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). قال في الهامش: (أخرجه الحاكم في ص 148 من الجزء الثالث من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بصحته على شرط الشيخين). * (وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل، وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما). قال في الهامش: (أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري
122 من طريقين، أحدهما في آخر ص 17 والثاني في آخر ص 26 من الجزء الثالث من مسنده. وأخرجه أيضا: ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد. وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز في ص 47 من جزئه الأول). * (ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، فقال: كأني دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) الحديث بطوله. قال في الهامش: (أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم مرفوعا في صفحة 109 من الجزء الثالث من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. وأخرجه عن طريق آخر عن زيد بن أرقم في ص 533 من الجزء الثالث من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت: وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته). * (وعن عبد الله بن حنطب، قال: خطب رسول الله بالجحفة فقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإني سائلكم عن اثنين: القرآن وعترتي). قال في الهامش: (أخرجه الطبراني كما في الأربعين للنبهاني. وفي إحياء الميت للسيوطي. وأنت تعلم بأن خطبته صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ لم تكن مقصورة على هذه الكلمة، فإنه لا يقال عمن اقتصر عليها: إنه خطبنا. لكن السياسة
123 كم اعتقلت ألسن المحدثين، وحبست أقلام الكاتبين! ومع ذلك فإن هذه القطرة من ذلك البحر، والشذرة من ذلك البذر كافية وافية. والحمد لله) أقول: أولا: إن طرق وألفاظ حديث الثقلين كثيرة ومختلفة، مما يشهد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الكلام في مناسبات ومواضع متعددة. وذلك لأنه كان ينتهز كل فرصة للوصية بثقليه والأمر باتباعهما والأخذ منهما. ويؤيد ذلك كلام ابن حجر المكي الذي أورده السيد. وثانيا: إن الذين نقل عنهم السيد حديث الثقلين هم أعظم وأكبر حفاظ وأئمة أهل السنة في الحديث، بحيث لو يكون الحديث - الذي اتفق على إخراجه هؤلاء - كذبا، لم تجد عندهم حديثا صحيحا أبدا! إن الذين نقل عنهم حديث الثقلين هم: 1 - أبو بكر بن أبي شيبة، وهو شيخ البخاري. 2 - أحمد بن حنبل، وهو أحد الأئمة الأربعة، وكتاب (المسند) من أوثق كتبهم الحديثية. 3 - محمد بن سعد، صاحب كتاب (الطبقات الكبير) وأحد أئمة الحديث ورجال الجرح والتعديل. 4 - محمد بن عيسى الترمذي، صاحب (الجامع الصحيح) أحد الصحاح الستة عندهم. 5 - أحمد بن شعيب النسائي، صاحب (السنن) أحد الصحاح الستة عندهم. 6 - أبو يعلي الموصلي، صاحب المسند) وهو من أعاظم حفاظهم. 7 - الحاكم النيسابوري، صاحب (المستدرك) إمام المحدثين عندهم. 8 - شمس الدين الذهبي، صاحب (تلخيص المستدرك) وغيره من
124 الكتب الكثيرة والمصنفات الشهيرة، في الحديث والرجال والسير، والمعتمد عند المتأخرين، في هذه الفنون، وهو الذي طالما استند إليه أتباع ابن تيمية في المكابرة مع الشيعة. وثالثا: إن رواة هذا الحديث من نظراء أولئك الأئمة فمن دونهم أكثر وأكثر، بحيث لو أردنا ذكر أسماء من وقفنا على روايتهم له لضاق بنا المجال، وقد ألفت لجمع طرقه وألفاظه كتب مفردة من علماء الشيعة والسنة، ومن أشهر علماء القوم المؤلفين فيه: الحافظ محمد بن طاهر المقدسي - المتوفى سنة 507 ه - صاحب كتاب (الجمع بين رجال الصحيحين). ورابعا: إن الذين نصوا على صحة حديث الثقلين من القدماء والمتأخرين، أو أخرجوه في كتبهم التي التزموا فيها بالصحة من مشاهير أهل السنة كثيرون كذلك. ونحن نكتفي بذكر بعضهم: 1 - إمام الأئمة ابن خزيمة، صاحب (الصحيح). 2 - الإمام الحافظ أبو عوانة الإسفرائني، صاحب (الصحيح). 3 - الحافظ المحاملي، صاحب (الأمالي). 4 - الحافظ البغوي الملقب ب (محيي السنة)، صاحب (مصابيح السنة). 5 - الحافظ ضياء الدين المقدسي في (المختارة) الملتزم فيها بالصحة. 6 - الحافظ سراج الدين الفرغاني في (نصاب الأخبار) الملتزم فيه بالصحة. 7 - الحافظ المزي، صاحب (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف). 8 - الحافظ ابن كثير الدمشقي، صاحب (التفسير) المعروف. 9 - الحافظ الهيثمي، صاحب (مجمع الزوائد). 10 - الحافظ السيوطي، صاحب (الجامع الصغير) وغيره. 11 - ا لحافظ السخاوي، صاحب (استجلاب ارتقاء الغرف).
125 12 - الحافظ السمهودي، صاحب (جواهر العقدين). وخامسا: إنه يكفي للاحتجاج سند واحد من أسانيد واحد من ألفاظه، لكن هذا الحديث من الأحاديث المتواترة قطعا، إذ رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من ثلاثين من صحابته، ورواته من الأئمة والحفاظ والمحدثين عبر القرون كثيرا جدا (3). وسادسا: إن دلالة حديث الثقلين على ما تذهب إليه الشيعة - وهو حصر وجوب الاتباع في الأئمة من أهل البيت عليهم السلام - واضحة جدا على من له أدنى معرفة بألفاظ اللغة العربية وأساليبها... لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بمحكم الكتاب العزيز، فكما يجب الأخذ والاتباع لما في الكتاب، ولا يجوز تقديم غيره عليه، كذلك الأئمة. ولا بأس بإيراد نصوص عبارات بعض المحققين من أهل السنة في الاعتراف بما قلناه: قال الحكيم الترمذي: (حض على التمسك بهم، لأن الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة) (4). وقال النووي: (قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: وأنا تارك فيكم ثقلين، فذكر كتاب الله وأهل بيته. قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما) (5). وقال ابن الأثير: (فيه (6): إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، سماهما ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. ويقال لكل شئ خطير
(3) أنظر: الأجزاء الثلاثة الأولى من كتابنا الكبير (نفحات الأزهار). (4) نوادر الأصول. عنه شرح المواهب اللدنية 7 / 5. (5) المنهاج في شرح صحيح مسلم 15 / 180. (6) أي: في الحديث. 126 نفيس: ثقل، فسماها ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما) (7). وقال القاري: (والمراد بالأخذ بهم: التمسك بمحبتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل برواياتهم، والاعتماد على مقالتهم) (8). وقال شهاب الدين الخفاجي: (أي: تمسكتم وعملتم واتبعتموه) (9). وقال المناوي: (إني تارك فيكم بعد وفاتي خليفتين. زاد في رواية: أحدهما أكبر من الآخر. وفي رواية بدل خليفتين: ثقلين، سماهما به لعظم شأنهما: كتاب الله القرآن، حبل، أي: هو حبل ممدود ما بين السماء والأرض. قيل: أراد به عهده، وقيل: السبب الموصل إلى رضاه. وعترتي - بمثناة فوقية -: أهل بيتي. تفصيل بعد إجمال، بدلا أو بيانا، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (10). وبعد، فلننظر إلى ما قيل في قبال الاستدلال بحديث الثقلين: قيل: تعليقا على الحديث الأول عن الترمذي والنسائي عن جابر: (هذا الحديث تفرد به زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. والأنماطي قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث. واعلم أن المؤلف - لأمر يريده - تجاهل عمدا رواية مسلم التي فيها التصريح بأن أهل بيته ليسوا مقصورين على: علي وفاطمة والحسن والحسين. وإنما يدخل فيهم جميع آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. ثم إنه قد كرر سياق هذا الحديث الوارد في عدد من كتب الحديث ليوهم
(7) النهاية: مادة (ثقل). (8) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600. (9) نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض 3 / 410. (10) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 14. 127 القارئ أنها أحاديث متعددة، لإثبات موضوع واحد. مع أنه حديث واحد روي بروايات متعددة. وأصح رواياته رواية مسلم التي لا تخدم وجهة نظره فتجاهلها. هذا، ولكن حديث المؤاخاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما الزيادة وهي: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلا ريب أنه كذب). أقول: هذا كلامه، فنقول: 1 - كلمة: (التي فيها التصريح) هذا التصريح ليس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليكون حجة، بل هو من (زيد بن أرقم) لكن الرجل أبهم لكي يوهم القارئ (11)! 2 - كلمة: (الوارد في عدد من كتب الحديث) وحق الكلمة: (الوارد في أكثر كتب الحديث بما فيها الصحاح والمسانيد). 3 - قوله: (لكن حديث المؤاخاة) تبع في تسمية حديث: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ب (حديث المؤاخاة) بعض أسلافه، فقد وجدت في كلام الذهبي: (وعملت الرافضة عيد الغدير، يعني يوم المؤاخاة...) (12) ولعلهم يريدون أن هذا الحديث لا يفيد إلا (المؤاخاة)!! 4 - جملة: (اللهم وال من والاه...) سيظهر أنها ليست بكذب، وأن
(11) وأيضا: لكيلا يراجع القارئ نص الكلام في مصادره المعتمدة، ففي (صحيح مسلم) وغيره أنه سئل: نساؤه من أهل بيته؟ قال: (لا، وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها) فزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسن من (أهل البيت) عند (زيد بن أرقم)!! (12) سير أعلام النبلاء 15 / 129. 128 رميها بذلك هو الكذب. 5 - لم يكرر السيد سياق هذا الحديث، وإنما تكرر صدوره عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أذعن بذلك جماعة ممن تقدم منهم وتأخر، كصاحب (الصواعق) ابن حجر... فالإشكال الذي يستحق النظر فيه - لكونه في الظاهر علميا - هو الإشكال السندي بالنسبة إلى الحديث الأول... فنقول: أولا: يكفينا الأحاديث الأخرى التي سلم بصحتها. وثانيا: إن الحديث الذي ناقش في سنده من أحاديث (الجامع الصحيح) للترمذي، (والسنن) للنسائي... وهذان الكتابان من الصحاح الستة عندهم. وثالثا: إنه لم يناقش في سنده إلا من جهة (زيد بن الحسن الأنماطي) واستنادا إلى كلمة أبي حاتم. لكن هذه المناقشة مردودة: قال ابن حجر: (ت - الترمذي. زيد بن الحسن القرشي أبو الحسن الكوفي، صاحب الأنماط. روى عن: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، ومعروف بن خربوذ، وعلي بن المبارك الهنائي. وعنه: إسحاق بن راهويه، وسعيد بن سليمان الواسطي، وعلي بن المديني، ونصر بن عبد الرحمن الوشاء، ونصر بن مزاحم. قال أبو حاتم: كوفي قدم بغداد، منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الترمذي حديثا واحدا في الحج) (13). فقد ذكر ابن حجر أسماء جماعة من الأئمة رووا عن زيد بن الحسن، وأن ابن حبان ذكره في الثقات. ويبقى قول أبي حاتم (منكر الحديث) وهو غير مسموع:
(13) تهذيب التهذيب 3 / 350. 129 أما أولا: فلأنه لو كان منكر الحديث لما أخرج عنه هؤلاء كابن راهويه وابن المديني وسعيد بن سليمان والترمذي. وأما ثانيا: فلأن (أبا حاتم) متعنت في الرجال، ولا يبنى على تجريحه، كما نص عليه الحافظ الذهبي بترجمته إذ قال: (إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث. وإذا لين رجلا أو قال فيه: لا يحتج به، فلا، توقف حتى ترى ما قال غيره فيه، وإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة ليس بقوي، أو نحو ذلك) (14). تنبيه: قد توهم هذا الرجل أن حديث الثقلين في (صحيح مسلم) لا يدل على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية من وجوب اتباع أهل البيت والتمسك بهم والأخذ عنهم... وقد سبقه في هذا التوهم غيره، قال الدكتور علي أحمد السالوس: (فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم. فالعطف على الصغير، بهم والأخذ عنهم... وقد سبقه في هذا التوهم غيره، قال الدكتور علي أحمد السالوس: (فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم. فالعطف على الصغير، ورعاية اليتيم، والأخذ بيد الجاهل، غير الأخذ من العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه (وآله) وسلم). وقد دفعنا هذا الوهم في ردنا على الدكتور المذكور، وبينا عدم الفرق بين رواية مسلم ورواية أحمد والترمذي وغيرهما، فالحديث هو الحديث، والمدلول واحد، والنتيجة واحدة... فراجعه بالتفصيل (15).
(14) سير أعلام النبلاء 13 / 247. (15) حديث الثقلين... تواتره، فقهه كما في كتب السنة - ط 1413 ه. 130 * قال السيد: في هامش الحديث الأخير من أحاديث الثقلين التي استدل بها: (وأنت تعلم...) وقد تقدمت عبارته. فقيل: (إن المؤلف لا يكفيه أن يبني قصورا على أوهام، ولا أن يستشهد بالباطل على ما يريد، بل يذهب أبعد من ذلك، فيتخرص - رجما بالغيب - ويتهم نقلة الأحاديث ورواتها من أهل السنة: بأنهم خانوا الأمانة، واختصروا كثيرا من رواياتهم، خوفا من حاكم. ويقصد أنهم زوروا الحقائق، وحذفوا ما يتعلق بالوصية لعلي بالخلافة! وكأنه مقر - في قرارة نفسه - أن كل ما يستشهد به على هذه القضية لا يكفي ولا يشفي غليلا، فمشى خطوة أخرى فيما وراء النصوص، وهي مكذوبة، وتقول من غير دليل، واتهم من غير حجة، وادعى أن هذه النصوص حذف أكثرها، وألصقها تعلقا بالمسألة!!). أقول: أما السب فلا نقابله فيه بالمثل! والحق مع السيد - رحمه الله - فيما قال، لأن المستفاد من تتبع ألفاظ حديث الغدير في كتب أهل السنة - ويساعده الاعتبار وشواهد الأحوال - هو أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد خطبهم -: ففي (المسند): (فخطبنا) (16). وفي (المستدرك على الصحيحين): (قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه،
(16) مسند أحمد 4 / 372. 131 وذكر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول) (17). وفي (مجمع الزوائد): (فوالله ما من شئ يكون إلى يوم الساعة إلا قد أخبرنا به يومئذ، ثم قال: أيها الناس...) (18). فأين النص الكامل لتلك الخطبة؟! وإذا كان قد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بكل شئ يكون إلى يوم الساعة، وبين وظيفة الأمة، فما الذي حملهم على إخفائه عن الأمة؟! لقد حرموا الأمة من هدي الرسول وتعاليمه وإرشاداته، بدلا من أن ينقلوها ويكونوا دعاة إليها وناشرين لها.. وإن الذي حملهم على كتم خطبة النبي هذه هو ما حملهم على كتم كثير من الحقائق! وإن الذي منعهم من نقلها هو نفس ما منعهم من أن يقربوا إليه دواة وقرطاسا ليكتب للأمة كتابا لن يضلوا بعده! * قال السيد: (4 - والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة، وقد صدع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواقف له شتى: تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه والحجرة غاصة بأصحابه، إذ قال: أيها الناس يوشك أن أقبض...). قال في الهامش: (راجعه في أواخر الفصل 2 من الباب 9 من الصواعق
(17) المستدرك على الصحيحين 3 / 109. (18) مجمع الزوائد 9 / 105 وقد وثق رجاله. 132 المحرقة لابن حجر، بعد الأربعين حديثا من الأحاديث المذكورة في ذلك الفصل، ص 75). قيل: (يكفي أن يعلم أن هذا الذي ساقه على أنه قاله صلى الله عليه [وآله] وسلم في مرضه والحجرة غاصة بأصحابه، ليس في كتاب من كتب الحديث المعتبرة، وقد أورده من غير سند، فالاحتجاج به ساقط حتى تثبت قضيتان: سنده أولا، ثم صدق هذا السند. وهيهات له أن يثبت هاتين القضيتين، وليس ذكره لكتاب الصواعق لابن حجر المكي بمصحح هذا الحديث، ولا بدليل على صحة الاحتجاج به. فابن حجر هذا ليس من علماء الحديث، ولا له في هذه الصناعة باع ولا ذراع، ومن تأمل كتابه (الصواعق) وما حشاه به من الأحاديث الضعيفة والموضوعة يتيقن أن كتابه لا يأبه به إلا أمثال المؤلف وبني جلدته. على أن ابن حجر لم يسلم حتى من هجوم المؤلف عبد الحسين، وجازاه جزاء سنمار). أقول: عدم اعتراضه إلا على حديث صدوره في مرضه في الحجرة، ظاهر في موافقته على صدور حديث الثقلين يوم غدير خم، ويوم عرفة في حجة الوداع، وبعد انصرافه من الطائف، وعلى منبره في المدينة، ووجود ذلك في كتب الحديث المعتبرة، وعليه يكون موافقا على صدور الحديث في مواقف متعددة، فيناقض إنكاره ذلك في كلماته السابقة. وأما رواية أنه قاله في مرض موته فقد جاء في (الصواعق) بعدما روى الحديث بعد انصرافه من الطائف عن ابن أبي شيبة: (وفي رواية...). فابن حجر لم يعز هذا الحديث إلى كتاب، لكن بالتأمل في كلامه يظهر
133 تصحيحه له، لأنه بعد ما أورد الحديث السابق عن ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عوف، قال: (وفيه رجل اختلف في تضعيفه، وبقية رجاله ثقات) (19). ثم أورد هذا الحديث ولم يتكلم على سنده بشئ... ونحن تكفينا رواية ابن حجر لهذا الحديث لا سيما مع سكوته عن سنده، لأنه من كبار علماء أهل السنة المدافعين عن الخلفاء ومعاوية وحكومة الطلقاء، كما لا يخفى على من راجع (الصواعق) و (تطهير الجنان) وغيرهما مما كتبه في هذا الشأن. ومع ذلك... نذكر واحدا من رواة هذا الحديث، المتقدمين على ابن حجر المكي... ألا وهو الحافظ السمهودي (20)، فإنه نص على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك في مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه، كما في رواية لأم سلمة. ولا بأس بنقل متن عبارته في التنبيه الخامس من تنبيهات حديث الثقلين: (خامسها: قد تضمنت الأحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامه صلى الله عليه [وآله] وسلم بذلك خطيبا يوم غدير خم، كما في أكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته، كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيبا بعد انصرافه من حصار الطائف، كما في رواية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت
(19) الصواعق المحرقة: 75. (20) هو: الحافظ نور الدين علي بن عبد الله السمهودي، المتوفى سنة 911 ه. قال الحافظ السخاوي بترجمته بعد كلام له: (وبالجملة، فهو إنسان فاضل متفنن متميز في الفقه والأصلين، مديم للعمل والجمع والتأليف، متوجه للعبادة وللمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة على ذلك، طلق العبارة فيه، مغرم به، مع قوة نفس وتكلف، خصوصا في مناقشات لشيخنا في الحديث ونحوه). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 5 / 245. 134 الحجرة من أصحابه، كما في رواية لأم سلمة. بل سبق قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: اخلفوني في أهل بيتي... مع قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم: انظروا كيف تخلفوني فيهما. وقوله: ألا وإني سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي. وقوله: ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل. و: أوصيكم بعترتي خيرا. و: أذكركم الله في أهل بيتي. على اختلاف الألفاظ في الروايات المتقدمة. مع قوله - في رواية عبد الله بن زيد عن أبيه -: فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره، وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه. وفي الحديث الآخر: فإني أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصيمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار. وفي الآخر: من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا. مع ما اشتملت عليه ألفاظ الأحاديث المتقدمة على اختلاف طرقها.، وما سبق فيما أوصى به أمته وأهل بيته. فأي حث أبلغ من هذا وآكد منه؟! فجزى الله تعالى نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم عن أمته وأهل بيته أفضل ما جزى أحدا من أنبيائه ورسله عليهم السلام) (21). * قال السيد: (5 - على أن المفهوم من قوله: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن
(21) جواهر العقدين - مخطوط. 135 تضلوا: كتاب الله وعترتي): إنما هو ضلال من لم يستمسك بهما معا كما لا يخفى. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الثقلين عند الطبراني -: (فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم). قال ابن حجر: وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم: دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره) إلى آخر كلامه. قيل: في الاعتراض على الحديث عن الطبراني: (هذا جزء من حديث رواه الطبراني عن زيد بن أرقم. وفي هذا السند: حكيم بن جبير. وهو ضعيف. ورمي بالتشيع كما قال المباركفوري. مجمع الزوائد 9 / 163. على أن هذا الحديث - لو صح - فإن دلالته تشمل بني هاشم جميعا وهم عشيرته صلى الله عليه (وآله) وسلم، لا أبناء علي وفاطمة فقط. ومع غض النظر عن مناقشة ابن حجر المكي فيما استنبطه من حكم من هذا الحديث الضعيف، هل يصح هذا الحديث دليلا على هذا الحكم؟ ثم أليس في هذا دليل على عدم أصالة آراء ابن حجر وضعفه الفاضح في الحديث واستنباطه الأحكام؟). أقول: * أما المفهوم من حديث الثقلين - كما ذكره السيد - فلا ينكره أحد.
136 * وأما الحديث المؤيد فهذا سنده: (حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا جعفر بن حميد (ح) حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا النضر بن سعيد أبو صهيب، قالا: ثنا عبد الله بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: نزل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم يوم الجحفة. ثم أقبل على الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله، وإني يوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نصحت. قال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا: نشهد. قال: فرفع يديه فوضعهما على صدره ثم قال: وأنا أشهد معكم. ثم قال: ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرطكم على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: كتاب الله طرف بيد الله (عز وجل) وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت ذلك لهما ربي. فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. ثم أخذ بيد علي - رضي الله عنه - فقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (22).
(22) المعجم الكبير 8 ر 5 / 166 - 167. 137 وهذا الحديث رواه الحافظ السيوطي بتفسير قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (23). وكذا الشيخ المتقي الهندي (24). وقد روى الشيخ المتقي الهندي قبل ذلك هذا الحديث عن الطبراني عن زيد بن ثابت، قال: (إني لكم فرط، إنكم واردون علي الحوض، عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟ قيل: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت لهما ذلك ربي، ولا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم. طب عن زيد بن ثابت) (25). ألا يليق هذا الحديث المروي في هذه الكتب، عن اثنين من مشاهير الأصحاب، لأن يكون (مؤيدا)؟! * ثم إن الحديث عن زيد بن أرقم لم يناقش في سنده إلا من جهة (حكيم بن جبير)... وقد راجعنا ترجمته في (تهذيب التهذيب) (26) فوجدناه من رجال أربعة من الصحاح الستة، وأن من الرواة عنه: (الأعمش، والسفيانان، وزائدة، وفطر بن خليفة، وشعبة، وشريك،
(23) الدر المنثور 2 / 60. (24) كنز العمال 1 / رقم 957. (25) كنز العمال 1 / رقم 946. (26) تهذيب التهذيب 2 / 383. 138 وعلي بن صالح، وجماعة).. (وقال الفلاس: كان يحيى يحدث عنه). ثم إن السبب في تضعيف بعضهم إياه هو (التشيع) ليس إلا: (قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقال: في رأيه شئ. قلت: ما محله؟ قال: الصدق إن شاء الله). وقد تقدم - ويأتي - أن (التشيع) غير قادح. * وأما دعوى أن الحديث يشمل بني هاشم كلهم، فجهل أو تجاهل، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن التقدم على (عترته) وعن تعليمهم، ويعلل ذلك: بأنهم أعلم منكم، وكيف يشمل هذا جميع بني هاشم؟! وليت الرجل راجع كلمات شراح الحديث من أبناء مذهبه! فإن الذي قاله ابن حجر المكي قد نص عليه غير واحد من أعلام الحديث والعلماء الحفاظ. قال القاري في شرح المشكاة: (أقول: والأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله. فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: (ويعلمهم الكتاب والحكمة). ويؤيده ما أخرجه أحمد في المناقب، عن حميد بن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ذكر عنده قضاء قضى به علي بن أبي طالب، فأعجبه وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت...) (27). وقال المناوي: (وعترتي أهل بيتي. تفصيل بعد إجمال، بدلا أو بيانا. وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (28).
(27) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600. (28) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 14. 139 وقال عبد الحق الهندي: والعترة رهط الرجل وأقرباؤه وعشيرته الأدنون، وفسره صلى الله عليه (وآله) وسلم بقوله: وأهل بيتي، للإشارة إلى أن مراده هنا من العترة: أخص عشيرته وأقاربه. وهم أولاد الجد القريب. أي: أولاده وذريته صلى الله عليه (وآله) وسلم) (29). وقال السمهودي: (الذين وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة: هم العلماء بكتاب الله عز وجل، إذ لا يحث صلى الله عليه (وآله) وسلم على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق، حتى يردا الحوض، ولهذا قال: لا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا) (30). * وأما الحكم الذي استنبطه ابن حجر من الحديث - والذي لأجله تهجم عليه هذا الرجل - فهو موجود كذلك في كلام غير ابن حجر من أئمة الحديث: ففي (جواهر العقدين) و (شرح المواهب اللدنية) و (فيض القدير): أن ذلك يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب كذلك. ولهذا كانوا - كما سيأتي - أمانا لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض) (31).
(29) أشعة اللمعات في شرح المشكاة 4 / 681. (30) جواهر العقدين - مخطوط. (31) جواهر العقدين - مخطوط، فيض القدير 3 / 15، شرح المواهب اللدنية 7 / 8. 140 حديث السفينة * قال السيد: (6 - ومما يأخذ بالأعناق إلى أهل البيت ويضطر المؤمن إلى الانقطاع في الدين إليهم: قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق). قال في الهامش: (أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبي ذر، ص 151 من الجزء الثالث من المستدرك). * (وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له). قال في الهامش: (أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد، وهذا هو الحديث 18 من الأربعين، الخامسة والعشرين من الأربعين أربعين للنبهاني، ص 261 من كتابه الأربعين أربعين حديثا). أقول: أولا: لقد اقتصر السيد - رحمه الله - على هذين اللفظين من ألفاظ حديث السفينة، عن الحاكم النيسابوري والحافظ الطبراني، بالإسناد إلى اثنين من الصحابة، هما أبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري. وهذا كاف للاحتجاج، لكون الحاكم والطبراني من أكبر أئمة الحديث عند القوم. وثانيا: حديث السفينة مروي في كتب القوم بالطرق الكثيرة عن عدة من الصحابة غير من ذكر، وهم: 1 - أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام.
141 2 - عبد الله بن العباس. 3 - أبو الطفيل عامر بن واثلة. 4 - أنس بن مالك. 5 - عبد الله بن الزبير. 6 - سلمة بن الأكوع. وثالثا: إن رواة حديث السفينة من كبار الأئمة والحفاظ المشاهير كثيرون جدا، ومن أشهرهم: 1 - أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة (32). 2 - مسلم بن الحجاج، صاحب الكتاب (الصحيح) عندهم. 3 - أحمد بن عبد الخالق البزار، في (المسند). 4 - أبو بكر الخطيب البغدادي، في (تاريخ بغداد). 5 - الفخر الرازي، في (تفسيره) الكبير، بتفسير آية المودة. 6 - شمس الدين الذهبي في (الميزان) بترجمة: الحسن بن أبي جعفر الجفري. 7 - ابن حجر العسقلاني، في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية). ورابعا: إن من أعلام القوم من ينص على صحة الحديث، أو يعترف بتعدد طرقه وأن بعضها يقوي بعضا، وإليك عبارات بعضهم: 1 - قال الحاكم النيسابوري بعد أن أخرجه: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه). 2 - وقال ابن حجر المكي: (وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا:
(32) أنظر: مشكاة المصابيح 3 / 1742، تاريخ الخلفاء: 573. 142 إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا. وفي رواية مسلم (33): ومن تخلف عنها غرق. وفي رواية: هلك. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له الذنوب (34). 3 - وقال شمس الدين السخاوي: (وبعض هذه الطرق يقوي بعضا) (35). 4 - وقال جلال الدين السيوطي: (أخرجه الحاكم وهو صحيح) (36) وقال: (رواه البزار وأبو يعلى في مسنديهما، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه) (37). 5 - ابن حجر المكي في (شرح الهمزية للبوصيري) بشرح قوله: آل بيت النبي طبتم وطاب * المدح لي فيكم وطاب الثناء قال: (وصح حديث: إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك). 6 - وقال العيدروس اليمني: (وصح حديث: إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك) (38). 7 - وقال السيد أحمد زيني دحلان: (وصح عنه صلى الله عليه (وآله) وسلم من طرق كثيرة أنه قال: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق - وفي رواية: هلك - ومثل أهل بيتي فيكم
(33) هذه الكلمة حرفوها إلى (سلم) كما حرفوا صحيح مسلم بإسقاط الحديث! والشاهد بما ذكرنا هو أن الشيخ الجهرمي ذكر الكلمة كذلك: (وفي رواية مسلم) في ترجمته الحديث في كتابه (البراهين القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة) إلى الفارسية. (34) الصواعق المحرقة: 140. (35) استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط. (36) نهاية الافضال في مناب الآل - مخطوط. (37) الأساس في مناقب بني العباس - مخطوط. (38) العقد النبوي والسر المصطفوي - مخطوط. 143 كمثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له) (39). 8 - وقال الشيخ محمد بن يوسف التونسي المالكي، المعروف بالكافي: (روى البزار عن ابن عباس، وأبو داود عن ابن الزبير، والحاكم عن أبي ذر - بسند حسن -: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق). وقال بعد كلام له: (ويدل على ذلك: الحديث المشهور المتفق على نقله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وهو حديث نقله الفريقان وصححه القبيلان، لا يمكن لطاعن أن يطعن عليه، وأمثاله في الأحاديث كثيرة) (40). وخامسا: وقد بلغ هذا الحديث من الثبوت مبلغا جعل كبار علماء اللغة من أهل السنة يوردونه في كتبهم، ويستشهدون بألفاظه على المعاني اللغوية: قال ابن الأثير: (زخ: فيه (41): مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تخلف عنها زخ في النار. أي: دفع ورمي، يقال: زخه يزخه زخا) (42). وقال ابن منظور: (وفي الحديث: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تخلف عنها زخ في النار. أي: دفع ورمي. يقال: زخه يزخه زخا) (43). وقال الزبيدي: (وفي حديث: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تخلف عنها زخ به في النار. أي: دفع ورمي) (44).
(39) الفضل المبين في فضائل الخلفاء الراشدين وأهل البيت الطاهرين. ط هامش السيرة الدحلانية. باب ذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام. (40) السيف اليماني المسلول في عنق من يطعن في أصحاب الرسول: 9. (41) النهاية: مادة (زخ). (42) أي: في الحديث. (43) لسان العرب: مادة (زخ). (44) تاج العروس في شرح القاموس: مادة (زخ). 144 وسادسا: لقد ذكر كبار المحققين من علماء الحديث عند القوم، الشارحون للسنة الكريمة والأقوال النبوية في معنى حديث السفينة، عبارات فيها الاعتراف الصريح بدلالته على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية، ولا بأس بذكر بعض تلك العبارات: قال الطيبي بشرح الحديث عن أبي ذر الغفاري: (قوله: وهو آخذ باب الكعبة. أراد الراوي بهذا مزيد توكيد لإثبات هذا، وكذا أبو ذر اهتم بشأن روايته، فأورده في هذا المقام على رؤوس الأنام ليتمسكوا به. وفي رواية له بقوله: من عرفني فأنا من قد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: ألا: إن مثل أهل بيتي... الحديث. أراد بقوله: فأنا أبو ذر، المشهور بصدق اللهجة وثقة الرواية، وأنه هذا حديث صحيح لا مجال للرد فيه. وهذا تلميح إلى ما روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق من أبي ذر. وفي رواية أبي ذر: من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم، فقال عمر بن الخطاب - كالحاسد! -: يا رسول الله أفتعرف ذلك؟! قال: ذلك فاعرفوه. أخرجه الترمذي وحسنه الصنعاني في كشف الحجاب. شبه الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات، والبدع والأهواء الزائغة، ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها، وليس فيه خلاص ومناص إلا تلك السفينة، وهي: محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم (45). وقال القاري بمثل كلمات الطيبي واستشهد بها (46).
(45) الكاشف - مخطوط. (46) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 610. 145 وقال السمهودي: (قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه. الحديث. ووجه: إن النجاة ثبت لأهل السفينة من قوم نوح عليه السلام... ومحصله: الحث على التعلق بحبلهم وحبهم وإعظامهم شكرا لنعمة مشرفهم صلى الله عليه (وآله) وسلم، والأخذ بهدي علمائهم ومحاسن أخلاقهم وشيمهم. فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة، وأدى شكر النعمة الوافرة، ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان، فاستوجب النيران) (47). وقال المناوي (إن مثل أهل بيتي) فاطمة وعلي وابنيهما، وبينهما أهل العدل والديانة (فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك) وجه التشبيه: أن النجاة ثبت لأهل السفينة من قوم نوح، فأثبت المصطفى صلى الله عليه (وآله) وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة، وجعلهم وصلة إليها. ومحصوله: الحث على التعلق بحبهم وحبلهم وإعظامهم شكرا لنعمة مشرفهم، والأخذ بهدي علمائهم، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة، وأدى شكر النعمة المترادفة. ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان، فاستحق النيران، لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار، كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده، وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة، الذين أذهب عنكم الرجس وطهرهم، وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في كثير من الآيات، وهم العروة الوثقى، ومعدن التقى. واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم، إذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض) (48).
(47) جواهر العقدين - مخطوط. (48) فيض القدير - شرح الجامع الصغير 2 / 519. 146 وقال ابن حجر المكي مثل ذلك، وقد أورد السيد - رحمه الله - عبارته في المتن. قيل: (رواه الحاكم في المستدرك 3 / 151 عن أبي ذر. وفي سنده: مفضل ابن صالح، وهو منكر الحديث كما قال البخاري وغيره. وضعفه المناوي في فتح القدير (49). وقال ابن عدي: أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، وسائره أرجو أن يكون مستقيما. وقال الذهبي في الميزان: وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر. ومن رواته أيضا: سويد بن سعيد، قال البخاري: هو منكر الحديث، ويحيى بن معين كذبه وسبه. قال أبو داود: وسمعت يحيى يقول: هو حلال الدم. وقال الحاكم: ويقال إن يحيى لما ذكر له هذا الحديث قال: لو كان لي فرس ورمح غزوت سويدا. وأما حنش فقد وثقه أبو داود، وقال أبو حاتم: صالح، لا أراهم يحتجون به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري: يتكلمون في حديثه، وقال ابن حبان: لا يحتج به، ينفرد عن علي بأشياء، ولا يشبه حديثه حديث الثقات. وروي الحديث من طريق أخرى فيها ضعيفان: الحسن بن أبي جعفر الجفري. وعلي بن زيد بن جدعان. أما الحسن بن أبي جعفر، فقد قال فيه الفلاس: صدوق منكر الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف ضعيف، وضعفه أحمد والنسائي، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال مسلم بن إبراهيم - وهو تلميذه -: كان من خيار الناس رحمه الله، وقال يحيى بن معين: ليس بشئ.
(49) كذا. والصحيح: فيض القدير. 147 ثم ذكر له الذهبي أحاديث منكرة فيها هذا الحديث، ثم قال: قال ابن عدي: هو عندي ممن لا يتعمد الكذب. وقال ابن حبان: كان الجفري من المتعبدين المجابين الدعوة، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث فلا يحتج به (الميزان). وأما علي بن زيد بن جدعان، فقال الذهبي: اختلفوا فيه. ثم ذكر من وثقه ثم قال: وقال شعبة: حدثنا علي بن زيد (وكان رفاعا، أي: كان يخطئ فيرفع الحديث الموقوف) وقال مرة: حدثنا علي قبل أن يختلط، وكان ابن عيينة يضعفه، وقال حماد بن زيد: أخبرنا ابن زيد وكان يقلب الأحاديث. وقال الفلاس: كان يحيى القطان يتقي الحديث عن علي بن زيد. وروي عن يزيد بن زريع قال: كان علي بن زيد رافضيا. وقال أحمد العجلي: كان يتشيع وليس بالقوي. وقال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به. فهل - يا ترى - يصلح مثل هذا الحديث الهالك أن يأخذ بالأعناق؟!!). أقول: أولا: إنه يكفي لاستدلال الشيعة بهذا الحديث كونه مخرجا في كتب أهل السنة، من السنن والمسانيد والمجاميع الحديثية الشهيرة، وبطرق متكثرة، عن عدة من صحابة ا لنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو - كما قال الشيخ الكافي المالكي - (حديث مشهور متفق على نقله) و (نقله الفريقان وصححه القبيلان) و (لا يمكن لطاعن أن يطعن عليه). وثانيا: إنه يكفي للاحتجاج تصحيح الحاكم وعدة من مشاهير الأئمة وقول آخرين: حديث مروي بطرق عديدة يقوي س بعضها بعضا. وثالثا: ظاهر كلام الرجل انحصار طرق هذا الحديث بما ذكره وخدش فيه. والحال أن طرقه كثيرة جدا كما اعترف بذلك غير واحد منهم.
148 ورابعا: إنه قد ورد بطرق ليس فيها أحد من الرواة الذين حاول تضعيفهم.. ومن ذلك: رواية البزار في (مسنده) عن عبد الله بن الزبير. ورواية الخطيب البغدادي في (تاريخه) عن أنس. ورواية الدولابي بالإسناد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة... (50). ورواية أبي عبد الله القضاعي الأندلسي، الشهير بابن الأبار، في (معجمه) بالإسناد عن زاذان عن أبي ذر... (51). وخامسا: إنه يشهد بصحة حديث السفينة روايات أخرى: كالذي أخرجه ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: (إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح، وكباب حطة في بني إسرائيل) (52). والذي رواه المتقي الهندي عنه عليه السلام أنه قال في كلام له: (والله إن مثلنا في هذه الأمة كمثل سفينة نوح في قوم نوح، وإن مثلنا في هذه الأمة كمثل باب حطة في بني إسرائيل) (53). وسادسا: لقد أخرج الحاكم هذا الحديث بطريقين (54): أحدهما: (أخبرني ميمون بن إسحاق الهاشمي، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، ثنا المفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني، قال: سمعت أبا ذر يقول - وهو آخذ بباب الكعبة -: أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله
(50) الكنى والأسماء 1 / 76. (51) المعجم - لابن الأبار - 87 - 89. (52) الدر المنثور 1 / 71 - 72. (53) كنز العمال 2 / 277. (54) ويلاحظ أنه يصحح أحدهما على شرط مسلم، ويسكت عن الآخر، وهذا مما يدل على دقة الحاكم وتثبته في الحديث، وأنه لم يكن متساهلا في كتابه - كما يدعي بعض القوم -. 149 صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) (55). والثاني: (أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان الزاهد ببغداد، حدثنا العباس بن إبراهيم القراطيسي، ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا مفضل ابن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني، قال: سمعت أبا ذر - وهو آخذ باب الكعبة -: من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثل حطة لبني إسرائيل) (56). والحافظ الذهبي - وهو من أتباع ابن تيمية وإمام أتباعه - لم يخدش في السندين إلا من جهة (المفضل بن صالح). فقد جاء في (تلخيص المستدرك) في آخر الحديث الأول: (م. قلت: مفضل خرج له الترمذي فقط. ضعفوه) (57). وفي آخر الحديث الثاني: (صحيح. قلت: مفضل واه) (58). لكن صاحبنا أضاف التكلم في (حنش الكناني) التابعي المشهور، وكأنه أشد تعصبا من الذهبي!! وسابعا: إن المفضل بن صالح - الذي ضعفه الذهبي - من رجال الترمذي كما اعترف...
(55) المستدرك على الصحيحين 2 / 343. (56) المستدرك على الصحيحين 3 / 151. (57) تلخيص المستدرك - المطبوع بذيل المستدرك - 2 / 343. (58) تلخيص المستدرك - المطبوع بذيل المستدرك - 3 / 151. 150 وهو على شرط مسلم كما نص عليه الحاكم واعترف الذهبي به أيضا. والذي أوجب التكلم فيه منهم ما ذكره الترمذي بقوله: (ليس عند أهل الحديث بذاك الحافظ) فيهم غير قادحين في ثقته، ولا في حفظه، إلا أنه ليس بذاك الحافظ! وظاهر كلماتهم أن ذنب الرجل رواية فضائل أهل البيت: قال ابن عدي - بعد أن أورد له أحاديث -: (أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، وسائره أرجو أن يكون مستقيما). فابن عدي يوثق الرجل، وإنما ينكر بعض أحاديثه، وقد جعل أنكرها حديث الحسن. قال ابن حجر: (يعني: أتاني جابر فقال: اكشف لي عن بطنك. الحديث)! (59). إذن، فالرجل لا مجال للقدح فيه ولا في رواياته، وما ذكره الذهبي ليس إلا تعصبا، وهو مشهور بالتعصب كما عرفت سابقا. وثامنا: قوله: (وروي الحديث من طريق أخرى فيها ضعيفان: الحسن بن أبي جعفر الجفري، وعلي بن زيد بن جدعان) فيه: إن (الحسن بن أبي جعفر الجفري) يروي هذا الحديث عن (علي بن زيد) كما عند المحدث الفقيه ابن المغازلي الشافعي، حيث رواه بإسناده عن (الحسن بن أبي جعفر، ثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر...) (60). لكن قال الحافظ الهيثمي صاحب مجمع الزوائد: (عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومن
(59) تهذيب التهذيب 10 / 242. (60) مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام: 132. 151 قاتلنا في آخر الزمان كمن قاتل مع الدجال. رواه البزار والطبراني في الثلاثة. وفي إسناد البزار: الحسن بن أبي جعفر الجعفري. وفي إسناد الطبراني: عبد الله ابن داهر. وهما متروكان) (61). فيظهر أن الطريق التي فيها (الحسن) لا يوجد فيه (علي بن زيد بن جدعان) أو يوجد ولا كلام فيه. ومثله الحديث الآخر. قال الهيثمي: (وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق. رواه البزار والطبراني. وفيه: الحسن بن أبي جعفر. وهو متروك) (62). وذكر الحافظ الهيثمي الحديث بسند آخر ليس فيه واحد من الرجلين المذكورين. قال: (وعن عبد الله بن الزبير: إن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها سلم، ومن تركها غرق. رواه البزار. وفيه: ابن لهيعة: وهو لين) (63). وتاسعا: لنا أن نحتج بكل من: الحسن بن أبي جعفر الجفري. وعلي بن زيد بن جدعان. * أما (الحسن) فقد روى عنه: أبو داود الطيالسي، وابن مهدي، ويزيد ابن زريع، وعثمان بن مطر، ومسلم بن إبراهيم، وجماعة آخرين من مشاهير الرواة والأئمة، وروايتهم عنه تدل على جلالته، بالإضافة إلى:
(61) مجمع الزوائد 9 / 168. (62) مجمع الزوائد 9 / 168. (63) مجمع الزوائد 9 / 168. 152 أن مسلم بن إبراهيم قال: كان من خيار الناس. وقال عمرو بن علي: صدوق منكر الحديث. وقال أبو بكر بن أبي الأسود: ترك ابن مهدي حديثه ثم حدث عنه وقال: ما كان لي حجة عند ربي. وقال ابن عدي: والحسن بن أبي جعفر أحاديثه صالحة، وهو يروي الغرائب وخاصة عن محمد بن جحادة، له عنه نسخة يرويها المنذر بن الوليد الجارودي عن أبيه عنه. وله عن محمد بن جحادة غير ما ذكرت أحاديث مستقيمة صالحة، وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب، وهو صدوق. وقال ابن حبان: من خبار عباد الله الخشن، ضعفه يحيى وتركه أحمد، وكان من المتعبدين المجابين الدعوة، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظه، فإذا حدث وهم قلب الأسانيد وهو لا يعلم، حتى صار ممن لا يحتج به، وإن كان فاضلا. هذه هي الكلمات التي أوردها الحافظ ابن حجر بترجمته، في مقابلة كلمات الجرح (64). فنقول: 1 - الرجل من رجال الترمذي وابن ماجة. 2 - روى عنه كبار الأئمة. 3 - شهد بعدالته: مسلم بن إبراهيم فقال: كان من خيار الناس. فقال المعترض: (وهو تلميذه). قلت: كأنه يريد إسقاط هذه الشهادة، لكون الشاهد تلميذا، وكأن الرجل لا يدري أن هذا المورد ليس من موارد عدم قبول الشهادة، بل الأمر
(64) تهذيب التهذيب 2 / 227. 153 بالعكس، إذ المفروض عدالة الشاهد، فإذا كان تلميذا كان أكثر معرفة بحال المشهود له من غيره. 4 - شهد بعدالته: عمرو بن علي الفلاس إذ قال: صدوق. وسيأتي الكلام على قوله بعد ذلك: (منكر الحديث). 5 - شهد بعدالته: ابن عدي. 6 - قال ابن حبان: من خيار عباد الله الخشن، وكان من المتعبدين المجابين الدعوة، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظه، فإذا حدث وهم وقلب الأسانيد وهو لا يعلم، حتى صار ممن لا يحتج به وإن كان فاضلا. أقول: هذه عبارة ابن حبان... فقارن بينها وبين ما أورده المعترض: (وقال ابن حبان: كان الجفري من المتعبدين المجابين الدعوة، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث، فلا يحتج به). ولاحظ! ممن هذا التحريف والتصرف؟! يقول ابن حبان - بعد الشهادة بكون (الحسن) من خيار عباد الله الخشن، وأنه كان من المتعبدين المجابين الدعوة -: ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظه، فإذا حدث وهم وقلب الأسانيد وهو لا يعلم حتى صار ممن لا يحتج به وإن كان فاضلا. فغاية ما كان من (الحسن) أنه: (إذا حدث وهم وقلب الأسانيد) لكن (وهو لا يعلم) أي: فهو - كما قال ابن عدي -: (ممن لا يتعمد الكذب، وهو صدوق). ولذا قال عنه الفلاس (65) - بعد أن قال: (صدوق) -: (منكر الحديث). فظهر: أولا: لم ينقل المعترض كلمات التعديل والثناء.
(65) ولا يخفى أن (عمرو بن علي الفلاس) هو نفسه من رواة حديث السفينة، عن طريق (الحسن ابن أبي جعفر الجفري) أخرجه عنه أبو بكر البزار في مسنده، وهذا مما يشهد بما ذكرناه. 154 وثانيا: دق حرف بعض الكلمات في حق الرجل. وثالثا: قد ظلم الرجل إذ لم يتحقق كلمات الجرح، وأنها إنما ترجع إلى وهم الرجل في روايته عن غفلة، وأما هو في ذاته فصدوق جليل من خيار عباد الله الخشن. * وأما (علي بن زيد) فقد أخرج عنه: البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم، والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة، كما ذكر ابن حجر (66)، وهؤلاء أرباب الصحاح الستة عندهم. وذكر ابن حجر كلمات عدة من الأئمة في وثاقته وصدقه والثناء عليه... ونحن لا نحتاج إلى الإطناب في ترجمته لأمرين: الأول: كونه من رجال مسلم والأربعة والبخاري في (الأدب المفرد)، وهذا فوق المطلوب. والثاني: إن السبب الأصلي لجرح من جرحه هو التشيع! فلاحظ عباراتهم في (تهذيب التهذيب) ونكتفي بإيراد واحدة منها: (وقال يزيد بن زريع: رأيته ولم أحمل عنه لأنه كان رافضيا). وقد جعلوا أنكر ما روى: ما حدث به حماد بن سلمة، عنه، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، رفعه: إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه. قاله ابن حجر. قلت: فإذا كان هذا الأمر - الحق الذي وافقه في روايته كثيرون، وهو من الأحاديث الصادرة قطعا - هو أنكر ما روي عنه، فاعرف حال بقية أحاديثه! وعاشرا: لنا أن نحتج بكل من: عبد الله بن داهر. وابن لهيعة.
(66) تهذيب التهذيب 7 / 283. 155 * أما (عبد الله بن داهر) فذنبه عند القوم أنه: (رافضي خبيث) وأن: (عامة ما يرويه في فضائل علي وهو متهم في ذلك). وقد أورد في (الميزان) و (لسان الميزان) أحاديث عنه في فضل علي وأهل البيت عليهم السلام، منها ما رواه بإسناده عن ابن عباس: (ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بالقرآن وعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم - وهو آخذ بيد علي -: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو خليفتي من بعدي) (67). * وأما (ابن لهيعة) فقد روى عنه كبار الأئمة من المتقدمين، كالثوري، والشعبي، والأوزاعي، والليث بن سعد، وابن المبارك. وهو من رجال: مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة. قال أبو داود عن أحمد: ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟! وعن الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع، وحججت حجا لالقى ابن لهيعة. وقال أبو طاهر بن السرح: سمعت ابن وهب يقول: حدثني - والله - الصادق البار عبد الله بن لهيعة. وقال يعقوب بن سفيان: سمعت أحمد بن صالح - وكان من خيار المتقنين - يثني عليه. وعنه أيضا: ابن لهيعة صحيح الكتاب... وعن ابن معين: قد كتبت حديث ابن لهيعة، وما زال ابن وهب يكتب
(67) ميزان الاعتدال 2 / 417، لسان الميزان 3 / 283. 156 عنه حتى مات. وقال الحاكم: استشهد به مسلم في موضعين. وقال ابن شاهين: قال أحمد بن صالح: ابن لهيعة ثقة، وما روي عنه من الأحاديث فيها تخليط يطرح ذلك التخليط. وقال مسعود عن الحاكم: لم يقصد الكذب، وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ. وقال ابن عدي: حديثه كأنه نسيان، وهو ممن يكتب حديثه (68). أقول: ألا يكفي هذا للاحتجاج بما رواه؟! بقي الكلام: في: (حنش الكناني) و (سويد بن سعيد). * أما (حنش) فقد عرفت أنه من التابعين المشاهير، وقد دأب القوم على تعديل التابعين أخذا بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحاديث: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم... بل ذكره ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة كما ذكر ابن حجر. وأورد ابن حجر كلمات التوثيق له عن أبي داود والعجلي وغيرهما. وقد أخذ عليه أنه كان ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات!! حتى صار ممن لا يحتج بحديثه!! (69) * وأما (سويد بن سعيد) فهو من رجال صحيح مسلم وصحيح ابن ماجة. قال ابن حجر: (وعنه: مسلم، وابن ماجة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وعبد الله بن أحمد، ومطين، وبقي بن مخلد، وأبو الأزهر...).
(68) تهذيب التهذيب 5 / 327. (69) تهذيب التهذيب 3 / 51. 157 قال ابن حجر: (قال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي أحاديث سويد عن ضمام بن إسماعيل فقال لي: اكتبها كلها فإنه صالح. أو قال: ثقة. وقال الميموني عن أحمد: ما علمت إلا خيرا. وقال البغوي: كان من الحفاظ، وكان أحمد ينتقي عليه لولديه فيسمعان منه. وقال أبو داود عن أحمد: أرجو أن يكون صدوقا. وقال: لا بأس به. وقال أبو حاتم: كان صدوقا وكان يدلس ويكثر. وقال البخاري: كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق مضطرب الحفظ ولا سيما بعد ما عمي. وقال صالح بن محمد: صدوق إلا أنه كان عمي فكان يلقن أحاديث ليست من حديثه...) (70). وقال الذهبي: (الحافظ الرحال المعمر، حدث عن مالك بالموطأ وعنه: م، ق، ومطين، وابن ناجية، وعبد الله بن أحمد، والباغندي، والبغوي، وخلق كثير. قال البغوي: كان من الحفاظ، كان أحمد بن حنبل ينتقي عليه لولديه. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس. وقال أبو زرعة: أما كتبه فصحاح، وأما إذا حدث من حفظه فلا) (71). وقال ابن حجر: (صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه. وأفحش فيه ابن معين القول) (72). أقول: تلخص: 1 - هو من رجال مسلم وابن ماجة، ومن مشايخ كثير من الأئمة. 2 - هو (صدوق) عند أحمد وجماعة من أئمة الجرح والتعديل. 3 - عمدة ما انتقد عليه أنه لما عمي لقن ما ليس من حديثه. 4 - أفحش القول فيه يحيى بن معين... فقوله مردود عند الأئمة. واعلم أن هذا المعترض ذكر العبارة التالية:
(70) تهذيب التهذيب 4 / 272 - 275. (71) تذكرة الحفاظ 2 / 454. (72) تقريب التهذيب 1 / 340. 158 (وقال الحاكم: ويقال إن يحيى لما ذكر له هذا الحديث قال: لو كان لي فرس ورمح غزوت سويدا). لكن ما هو المراد من (هذا الحديث)؟! حديث السفينة؟! لا، بل حديث آخر... لكن الرجل دلس وحرف!! قال ابن حجر: (وقال ابن حبان: كان أتى عن الثقات بالمعضلات: روى عن أبي مسهر - يعني عن أبي يحيى القتات - عن مجاهد، عن ابن عباس، رفعه: من عشق وكتم وعف ومات مات شهيدا. قال: ومن روى مثل هذا الخبر عن أبي مسهر تجب مجانبة رواياته. هذا إلى ما لا يحصى من الآثار وتلك الأخبار. وقال فيه يحيى بن معين: لو كان لي فرس ورمح لكنت أغزوه. قاله لما روى سويد هذا الحديث. وكذا قال الحاكم أن ابن معين قال هذا في الحديث) (73). أقول: هكذا يريدون الرد على كتبنا، فاعرفوهم أيها المنصفون واحذروهم أيها المسلمون!! * قال السيد رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ا لنجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف (في الدين) فإذا خالفتها قبيلة من العرب (يعني: في أحكام الله عز وجل) اختلفوا فصاروا حزب إبليس).
(73) تهذيب التهذيب 4 / 241. 159 قال في الهامش: (أخرجه الحاكم في ص 149 من الجزء الثالث من المستدرك عن ابن عباس. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه). قيل: (رواه الحاكم 3 / 149. وفي سنده ابن أركون، قال الذهبي: ضعفوه. وكذا خليد ضعفه أحمد وغيره. وهو حديث موضوع كما ذكر الذهبي). أقول: قال الحاكم: (حدثنا مكرم بن أحمد القاضي، ثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا إسحاق بن سعيد بن أركون الدمشقي، ثنا خليد بن دعلج أبو عمرو السدوسي، أظنه عن قتادة، عن عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله... هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). وقد رواه عن الحاكم أعيان علماء الحديث المتأخرين عنه وارتضوا تصحيحه، ومنهم: الحافظ السيوطي، في: الخصائص الكبرى 3 / 364، وإحياء الميت بفضائل أهل البيت: رقم 29. والحافظ السمهودي، في: جواهر العقدين - مخطوط. والشبراوي، في: الإتحاف بحب الأشراف: 20. والحمزاوي، في: مشارق الأنوار: 86. والصبان، في: إسعاف الراغبين - هامش نور الأبصار: 130. فنحن نستدل برواية هؤلاء... أما الذهبي فقد عرفنا حاله وطريقته، ولا يعتد بكلامه إلا من كان على شاكلته...
160 ثم إن لهذا الحديث الشريف مؤيدات كثيرة... كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (النجوم أمان لأهل الأرض، وأهل بيتي أمان لأمتي). أخرجه: ابن أبي شيبة، ومسدد، والحكيم الترمذي، وأبو يعلى، والطبراني، وابن عساكر وعنهم المتقي الهندي (74). ولهذا نجدهم يعقدون في كتبهم أبوابا بهذا العنوان: قال الحافظ محب الدين الطبري: (ذكر أنهم أمان لأمة محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم...) (75). وقال الحافظ السخاوي: (باب الأمان ببقائهم والنجاة في اقتفائهم...) (76). وقال الحافظ السمهودي: (الذكر الخامس: ذكر أنهم أمان الأمة، وأنهم كسفينة نوح...) (77). للبحث صلة...
(74) كنز العمال 13 / 88. (75) ذخائر العقبى: 17. (76) استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط. (77) جواهر العقدين - مخطوط. 161 البردة والأعمال التي دارت حولها (فهرسة) (1) أسعد الطيب البردة هي أسير قصيدة قيلت في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ووصف شمائله الزكية... فقد ذاعت في مختلف الأقطار الإسلامية ذيوعا عظيما لم يتح مثله لقصيدة أخرى في بابها، فعنيت بها الجماهير الشعبية، وحفظتها الخاصة والعامة، ورتلها المرتلون في المحافل كأنها نشيد الأناشيد، وتبارى الخطاطون البارعون في نسخها كلها أو بعضها، وحليت كتابتها بالذهب على نحو ما يصنع المتفننون بنسخ المصحف الشريف، وتهاداها الكبراء، وذكر أنها كانت جزءا من الهدية التي قدمها ابن خلدون إلى تيمورلنك. (الموازنة بين الشعراء: 172). وتجاذبها كبار الشعراء منذ عصر البوصيري إلى عصرنا تضمينا وتشطيرا وتخميسا وتسبيعا وتعشيرا ومعارضة، وكان آخر من عارضها في عصر النهضة الحديثة محمود سامي البارودي وسمى قصيدته (كشف الغمة في مدح سيد الأمة) وعدد أبيات هذه القصيدة 447 بيتا، ثم أمير الشعراء أحمد شوقي وسمى قصيدته (نهج البردة). (الموازنة بين الشعراء، والمدائح النبوية في الأدب العربي، وديوان البارودي: 22، وديوان شوقي م 1).
162 هكذا يقول الشيخ محمد بهجة الأثري (1). وأما سبب تسميتها بالبردة، مع أن ناظمها سماها: الكواكب الدرية في مدح خبر البرية، فهو شيوع منام البوصيري المحكي في كشف الظنون 2 / 1331 وغيره، ويرى الشيخ الأثري أن خفة هذا الاسم على اللسان سبب آخر لهذه التسمية. وقد تحرف هذا الاسم عند الأتراك العثمانيين إلى (البراءة) وجرى على ألسنتهم قديما وحديثا، ولعلهم أخذوا هذه التسمية من مضمون حكاية الشاعر سبب نظمه لها وما اتفق له من البرء. ولكن لغة العرب لا تساعدهم، فإن البراءة هي قترة الصائد التي يكمن فيها، والجمع برأ، وهذا بعيد عن مرادهم. وفي بغداد كان الناس يسمون قصيدة كعب بن زهير البردة، وقصيدة البوصيري البراءة (2). وقد كان العلماء يجيزون بقراءتها وروايتها ويجازون، فقد قال إسماعيل ابن الأحمر (- 807) (من أخلاف أمراء غرناطة) في ترجمة الفقيه القاضي الخطيب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد: (أدركته ورأيته، وأجازني في القصيدة الموسومة بالبردة التي أولها: أمن تذكر جبران بذي سلم -.............. نظم الفقيه أبي عبد الله محمد شرف الدين البوصيري) (3). وفي مكتبة جامعة طهران شرح فارسي لقصيدة البردة فيه إجازة لأبي سعيد ابن أبي يزيد الأبيوردي، عن فضل الله الرودستاني الأصفهاني، عن
(1) الخطاط البغدادي - التعليقات - 35 - 36. (2) الخطاط البغدادي - التعليقات -: 37. (3) نثير الجمان: 307. 163 شمس الدين أبي الخير محمد السخاوي المصري في الروضة في المدينة المنورة، عن أبي محمد عبد الواحد بن فرات الحنفي، عن ابن جماعة، عن ناظمها. وقد كتبت نسخة الشرح في الاثنين 11 / ربيع الأول / 898 (4). وكانت تقرأ على الشيوخ كما تقرأ كتب الدرس الأخرى، فهذا الشيخ محمد عياد الطنطاوي (1710 (؟) - 1861 م) يقول: (وقرأت المقامات الحريرية في الأزهر، وشرح الزوزني على المعلقات، وما علمت أحدا قبلي قرأهما فيه، وقرأت البردة..) (5). وهذا السيد أحمد الآمدي يجيز بها، وهذا نص إجازته: (أجزت أخي وثمرة قلبي السيد حسين الحامد لقراءة (؟) قصيدة البراءة أو البردة لكل أمر مهم بقدر قدرته، نفعه الله بها بالنبي وعترته. (وأنا المحتاج إلى شفاعة صاحب المعراج السيد أحمد الآمدي) نقش خاتمه) (6). وذكرت لها خواص - كما مر في إجازة السيد أحمد الآمدي - وألف في هذه الخواص، ففي المكتبة الصبيحية بسلا مخطوط (مجموع) برقم 117 وفي ضمنه كتاب (خواص البردة) لمؤلف مجهول في 3 أوراق (7). وقد عن لي من عدة سنين أن أسجل ما يمر بي حول البردة، فتجمع لدي هذا المقال.
(4) مكتبة جامعة طهران، رقم 7427، وصفت في فهرسها 16 / 557. (5) حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي: 112. (6) تخميس تركي لسليمان بن عبد الرحمن، المتلخص ب: نحيفي - المكتبة الرضوية، رقم 13272، ورقة 37 آخر التخميس. (7) فهرس المكتبة الصبيحية: 250. 164 وسيدور الكلام فيه على عدة فصول. تنبيهات 1 - التزمنا في عملنا هذا بالأعمال التي كتبت باللغة العربية إلا ما سنشير إليه. 2 - ذكرنا تخميس البردة لنحيفي وهو باللغة التركية الإسلامبولية لغرابته. 3 - اختصرنا أسماء بعض المصادر، وهي: 1 - معجم المطبوعات: اختصار لكتاب معجم المطبوعات العربية والمعربة. 2 - مشار: اختصار لمعجم المطبوعات العربية لخانبابا مشار. 3 - دار الكتب: اختصار لدار الكتب المصرية. 4 - منزوي: نسخه هاي خطي فارسي. 4 - لقد دخلت في هذه الفهرسة الأعمال التي دارت حول بردة كعب ابن زهير، وسبب دخولها إجمال الفهارس المعتمدة، وهي أعمال قليلة. 5 - هذه النشرة نشرة أولية يتبعها - إن شاء الله - تصحيح واستدراك قد يطول وقد يقصر.
165 الفصل الأول نسخ البردة المخطوطة آثار فنية من الخط العربي ودليل دراسة لهذا الخط الكريم أراد الدكتور سهيل أنور في كتابه (الخطاط البغدادي علي بن هلال) أن يثبت رأيه في طريقه ابن هلال في الخط، وأن هذه الطريقة قد استمرت في مصر إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وأن الخطوط في شمال أفريقية وفي سورية لم تشذ عن طريقة ابن هلال إلى عصور قريبة. فجعل من أمثلته الدالة على ذلك البردة في قوله: (وقد استمر هذا الأسلوب، ولم يضف إليه شئ يذكر. وفي خزائن كتبنا، ولا سيما خزانة كتب السلطان محمود الأول في جامع آيا صوفيا، أمثال كثيرة لذلك في نسخ قصيدة البراءة) (8). وإليك أسماء وأماكن عدة نسخ على سبيل المثال: 1 - أول نسخ البردة المجودة الخط هي النسخة - أو النسخ - التي كتبها ناظم عقدها البوصيري نفسه، فقد عده مترجموه من الخطاطين الماهرين. 2 - ياقوت المستعصمي (- 698) (9)، وقد بقي مما ينسب إلى خطه نسخة في مكتبة مجلس الشورى بطهران، برقم 5264، ورقم دفتر 16816، وصفت في فهرسها 16 / 87، وهي بخط الثلث والنسخ الجيد، وقد فقدت منها ورقتان من الوسط وأبدلتا بورقتين كتبتا بخط حديث. وها نحن ذاكرون ما عثرنا عليه من النسخ مرتبة على القرون:
(8) الخطاط البغدادي - الأصل -: 8 - 9، والنص في ص 9. (9) لقد ذكرنا نسخة ياقوت، وإن كان هو علما في الخط المنسوب، لأنه كتبها بعد نسخة الناظم حتما. هذا إن صحت نسبة هذه النسخة إلى ياقوت. 166 القرن الثامن 1 - نسخة أصلها في شستربتي برقم 4178، وصورتها في معهد المخطوطات برقم 2035، وصفت في فهرس الأدب 1 / 282 بأنها نسخة خزائنية كتبت بقلم نسخ وثلث مجود مشكول، كتبها في القاهرة يوسف السرائي برسم السلطان شعبان وفرغ منها في 16 / شعبان / 707، وبين سطورها تخميس لناصر الدين محمد بن عبد الصمد الفيومي، وصفحاتها مجدولة ومزخرفة. 30 ورقة، في الصفحة 3 سطور، 30 * 42 سم. 2 - نسخة أصلها في شستربتي برقم 5475، وصورتها في معهد المخطوطات برقم 2135، وصفت في فهرس الأدب 1 / 283، احتمل المفهرس أنها من خطوط القرن الثامن الهجري، بخط نسخ مجود مشكول، وبين سطورها تخميس. 35 ورقة، كل صفحة 3 سطور، 18 * 5 / 26 سم. القرن التاسع 1 - نسخة أصلها في شستربتي برقم 4169، وصورتها في معهد المخطوطات برقم 2029، وصفت في فهرس الأدب 1 / 283. وهي نسخة خزائنية كتبت بقلم نسخ مجود وثلث مشكول، كتبها عبد الله الشرواني في سنة 877، وبين سطورها تخميس ناصر الدين محمد بن عبد الصمد الفيومي، وصفحاتها مجدولة مزخرفة. 29 ورقة، في الصفحة 3 سطور، 31 * 2 / 43 سم.
167 2 - نسخة أصلها في شستربتي برقم 4177، وصورتها في معهد المخطوطات برقم 2034. وهي نسخة خزائنية، كتبت بقلم نسخ وثلث مجود مشكول، صفحاتها مجدولة مزخرفة، وبين سطورها تخميس. قدر مفهرس المعهد أنها من خطوط القرن التاسع الهجري. 29 ورقة، في الصفحة 3 سطور 6 / 27 * 5 / 34 سم. 3 - نسخة أصلها في شستربتي برقم 4168، وصورتها في معهد المخطوطات برقم 2028، وصفت في فهرس الأدب 1 / 283. وهي نسخة خزائنية، كتبت بقلم نسخ مجود مشكول، كتبها قائم الشريفي أحد مماليك الأشرف قايتباي برسم السلطان المذكور المتوفى في 901. صفحاتها مجدولة مزخرفة، وبين سطورها تخميس. 30 ورقة، في الصفحة 3 سطور، 8 / 29 * 43 سم. 4 - نسخة في المكتبة الرضوية في مدينة مشهد، برقم 4389، كتبت في سنة 881، من كتب نادر شاه. القرن العاشر 1 - نسخة أصلها في شستربتي برقم 4209، وصورتها في معهد المخطوطات برقم 2040، وصفت في فهرس الأدب 1 / 284. وهي بخط ثلث ونسخ مجود مشكول، كتبها سلطان محمد بن محمد حسين، وفرغ منها في شهر رمضان سنة 985، صفحاتها مجدولة ومزخرفة وبها أثر رطوبة. 15 ورقة، الصفحة 11 سطرا، 5 / 17 * 26 سم. 2 - نسخة في المكتبة الرضوية في مدينة مشهد، برقم 4391، كتبت
168 في سنة 985. القرن الحادي عشر 1 - نسخة في المكتبة الرضوية، برقم 4390، كتبت في سنة 1089، وهي من كتب نادر شاه. 2 - نسخة في مكتبة جامعة مك كيل - كندا، وصفت في فهرسها 1 / 151 تسلسل 163 النسخة رقم 1، حيث إن تحت الرقم 163 ثلاث نسخ من البردة. تفضل مدير مكتبتها مشكورا فصورها وأرسلها لي. وقد كتبت في سنة 1093. القرن الثاني عشر 1 - نسخة في مكتبة كوهر شاد في مشهد بإيران، تحت رقم 3 / 814، بخط نسخ جيد، جدول إكليل ولاجورد وأسود، 12 سطرا في الصفحة. القرن الثالث عشر نسخة في المكتبة الوطنية في طهران (كتابخانه ملي) وصفت في فهرسها 8 / 402، بخط نستعليق جيد، وهي نفيسة مجدولة ملونة، كتبها شمس الكتاب محمد الحسيني، وهي في 24 ورقة.
169 الفصل الثاني مجموعات التخاميس 1 - مجموعة يوسف بن يحيى بن محمد، أبي المحاسن، جمال الدين، الكرماني (بعد 894). قال السخاوي: (جمع من تخاميس البردة ما ينيف على ستين). الضوء اللامع 10 / 337، الأعلام 8 / 258. 2 - مجموعة ذكر السهراني (محمد بن منلا أبي بكر) أنه رأى خمسة وثلاثين تخميسا جمعها بعض العلماء. كشف الظنون 2 / 1331 هامش. 3 - مجموعة أيتمش الخضري الزاهري (- 846). وهي تسعة وعشرون تخميسا. منها نسخة في مكتبة شستربتي برقم 4215، في 90 ورقة، بقياس 8 / 21 * 3 / 30 سم. ومنها مصورة في معهد المخطوطات العربية برقم 2041. أولها: (أما بعد، فقد جمع العبد الفقير إلى الله تعالى أيتمش الخضري... عدة تخاميس على الكواكب الدرية في مدح خير البرية... المشهورة بالبردة... المشتملة على ثمانية فصول... وإن وجد في ترتيب
170 التخاميس خلل في التباس بعضها ببعض فمن النسخ التي وجد فيها عدة تخاميس). الأول للسيد الشريف أحمد بن ترجم. وآخرها مبتور، وآخر الموجود منها بيت من قصيدة (بانت سعاد) لكعب ابن زهير، وهو: أنبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول كتبت بقلم نسخ وثلث جيد مشكول من خطوط القرن العاشر الهجري تقديرا، وصفحاتها مجدولة. فهرس المخطوطات المصورة - الأدب، قسم 1 / 62. 4 - مجموعة المرعشية برقم 5309، وهي خمسة عشر تخميسا كتبت في 997، في 41 ورقة بقياس 32 سطر، و 5 / 41 * 28 سم. أبيات ا لبردة بخط الثلث وكتبت بالشنجرف، والتخميس بلون أسود، واسم الشاعر باللاجورد. مجدولة. بخط محمد المناوي. أنظرها في فهرس المكتبة 14 / 97 والنماذج 33 و 34 و 35. وقد فرقت أسماء المخمسين وأوائل التخاميس في فصل الأعمال الشعرية. 5 - مجموعة شعبان بن محمد الآثاري. حيث اختار تسعة من تخاميس البردة وضم إليها تخميس نفسها وسماها:
171 (آثار العشرة) ورمز لهم بالحروف (م ي خ ح ه أ س ز ن ش). الذريعة 4 / 8 ه تتمة هامش 1 المتقدم في الصفحة السابقة. 6 - مجموعة المكتبة الرضوية برقم 4475، وهي ستة تخاميس، رتبت جداول الأصل على خمسة تخاميس، وأضيف إليها تخميس سادس بخط سئ ولم يذكر اسم ناظمه، أوله: الله يعلم ما بالقلب من ألم -.... كتبت في القرن التاسع، في 79 ورقة، بقياس 11 سطر. فهرس الرضوية ج 7 قسم 1 ص 242 - 243، ويوجد نموذج لصفحة منها في آخر ج 7 قسم 2. وقد فرقتها كسابقتها - في فصل الأعمال الشعرية. 7 - مجموعة مكتبة مجلس الشورى الإيراني. كتبت في 767، في 83 صفحة بقياس 20 سطر، 35 * 25 سم. خطها نسخ وثلث جميل جدا. وقد رتبت ترتيبا لطيفا حيث قسمت الصفحة إلى نصفين، كتب في آخر كل نصف بيت من البردة بخط ثلث غليظ بحبر أسود، ونسقت ثلاثة تخاميس في الوسط وواحد على جهة اليمين والآخر على جهة اليسار. كتب التخميس الأول والثالث بقلم ثلث بحبر أسود، وكتب التخميس الثاني بحبر أحمر. الصفحة الأول والثانية مزخرفة مذهبة. أولها: (الحمد لله الذي أوجب حمده... أما بعد، فلما رأيت جماعة من
172 الفضلاء كل بذل جهده في تخميس القصيدة المسماة بالبردة، ورأى كل أنه قد بلغ ما قصده، أحببت أن أجمع ما خمسوه ليكون لي في القيامة عمدة، وجمعت في هذه الأوراق ما خمسون فكانت خمسة في العدة، فالتخميس الأول..). آخرها: (كملت البردة وتخميساتها بحمد الله وعونه وحسن توفيقه نهار يوم الجمعة سادس شهر جمادى الأولى سنة سبع وستين وسبعمائة، وصلى الله على محمد وآله وسلم). فهرسها 7 / 239 - 255، رقم ثبت 63227، رقم الفهرس 182. وقد فرقتها - كسابقتها - في فصل الأعمال الشعرية. 8 - مجموعة المكتبة الوطنية في تبريز (كتابخانه ملي تبريز). برقم 3 / 2904، أنظر فهرسها 1 / 226. ولا أعلم عنها أكثر من هذا. 9 - مجموعة مكتبة متحف مولانا في مدينة قونيا في تركيا. وهي أربعة تخاميس، في 46 ورقة. رقم الخزانة 2664، رقم المجلد 709. أنظر: المخطوطات العربية في مكتبة متحف مولانا في قونيا - نشر عالم الكتب - الطبعة الأولى 1407 ه / 1986 م، ص 198 - 201، وقد فرقتها - كسابقاتها - في فصل الأعمال الشعرية
173 الفصل الثالث الأعمال الشعرية أ - الأعمال الشعرية مرتبة حسب أسماء الشعراء (1 - 5) خمسة تخاميس إبراهيم بن أحمد (أو محمد) الجمل الصفاقسي. تراجم المؤلفين التونسيين 2 / 54، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 4 / 299 رقم 10305. (6) تثمين إبراهيم بن أحمد (أو محمد) الجمل الصفاقسي. في أول كل ثمين اسم الجلالة. تراجم المؤلفين التونسيين 2 / 54، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 4 / 237 رقم 9935. (7) تخميس إبراهيم حقي الموصلي الحسيني (1306 - 1339). وسماه: (تنفيس الشدة في تخميس البردة). طبعه علي الخاقاني - بغداد - 1968 م.
174 معجم المؤلفين (المستدرك): 14، معجم المؤلفين العراقيين - كوركيس عواد - 1 / 39، التراث العربي - كوركيس عواد -: 40. (8) تخميس إبراهيم بن الخشاب، بدر الدين المخزومي. أوله: يا من براه الهوى مذ رق كالقلم وابتاع بالنوم مرعى النجم في الظلم في دار الكتب (10). (9) تخميس إبراهيم بن علي البهنسي (- 846) أوله: أسهرت جفنك في محلولك الظلم وفاض دمعك محمرا كما الديم في دار الكتب. ويظهر من السخاوي أن تخميس المترجم غير هذا التخميس الذي ذكرناه حيث قال: (خمس البردة تخميسا غريبا فإنه افتتح بصدر بيت الأصل وختم بعجزه وكلامه بينهما).
(10) كلما جاء ذكر (دار الكتب) فالمعني به دار الكتب المصرية. 175 ولعل التخميسين له. الضوء اللامع 1 / 81. (10) تخميس إبراهيم بن يحيى بن محمد العاملي الطيبي (1154 - 1214). شعراء الغري 1 / 1. (11) تخميس أحمد بن أبي بكر بن صالح، شهاب الدين المرعشي الحلبي (- 872). أوله: لما تنشقت من أرواح ذي الهمم وحلي الخد من حبات منتظم في دار الكتب. كشف الظنون 2 / 1333، الضوء اللامع 1 / 254. (12) تخميس أحمد بن حسين بن أحمد بن محمد الطرابلسي المالكي الصوفي، المعروف ب (بهلول) (- 1113). فهرس منتخباتي: 86 - 87.
176 (13) تشطير البردة وتعجيزها أحمد الحفظي بن عبد الخالق الزمزمي العجيلي (كان حيا في 1293) طبع في الآستانة، وطبع في بولاق سنة 1295 في 16 صفحة. معجم المؤلفين 1 / 263، الأعلام 1 / 145، معجم المطبوعات: 796. (14) تشطير البردة أحمد بن داوود بن سليمان العاني النقشبندي البغدادي، المعروف ب (أحمد الداوود) (1286 - 1367). معجم المؤلفين (المستدرك): 51، الاعلام 1 / 123. (15) تخميس أحمد بن سالم، شهاب الدين بن مجد الدين، الأذرعي. أوله: هل لي إلى أثلات البان والعلم من عودة فعسى أشفى من السقم في دار الكتب. وفي الرضوية. (11)
(11) كلما ذكرنا المكتبة الرضوية والمرعشية ومجلس الشورى بدون ذكر رقم المخطوطة فإنما نعني المجموعات. أنظر فصل: مجموعات التخاميس. 177 وفي مكتبة المرعشي العامة، ونسبه المفهرس إلى الغزي. وفي مكتبة مجلس الشورى أنه لأحمد بن منصور بن صارم الدمياطي، شهاب الدين، المعروف ب (ابن حباس). (16) مجاراة أحمد بن أبي سعيد الأميثهوي (1047 - 1130). حركة التأليف في الإقليم الشمالي الهندي: 109، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 3 / 44 رقم 6111. (17) تشطير أحمد بن شرقاوي الخلفي المالكي الخلوتي (1250 - 1316) طبع في بولاق في سنة 1314 في 36 صفحة. معجم المطبوعات: 372. (18) تخميس أحمد بن شعبان المقدسي الحنبلي. أوله: يا من أشاع سلوا ثم لم ينم
178 أراك في الوجد تبري علة السقم في دار الكتب. (19) مجاراة أحمد شوقي (1352). أولها: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم سماها: (نهج البردة). ديوانه 1 / 190 - 208. (20) تسبيع أحمد بن عبد الله المكي، شهاب الدين. قال حاجي خليفة: (ذكر السهراني أنه رأى تسبيعا عجيبا مبدوءا من أوله إلى آخره بلفظة الجلالة للشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله المكي فذكره بعد شرح كل بيت) (12). (21) تشطير أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد، الخياط الجرجاوي المالكي (- 27
(12) كشف الظنون: 1331 مادة (قصيدة البردة). 179 جمادى الآخرة 1254). معجم المؤلفين 1 / 306، فهرس دار الكتب 3 / 63. (22) نهج البردة لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب، أبي بكر. طبع في القاهرة، مكتبة مصطفى الحلبي. (23) تخميس أحمد بن مترجم (13) (ترجم) السيد الشريف. أوله: عرج على العلم السعدي بالعلم واسمع أنينا خفيا زائد الألم في دار الكتب. (24) تخميس أحمد بن محمد بن أحمد الشريف (كان حيا 1139). تراجم المؤلفين التونسيين 3 / 179، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، 4 / 242 رقم 9968.
(13) آل ترجم: بطن من آل فائز بكربلاء، ينحدر من سلالة تاج الدين ترجم، نقيب الأشراف، الجد الأعلى لسادات آل ترجم، كان حيا سنة 943 - 980 ه البيوتات العلوية في كربلاء - للقزويني - 1 / 33 - 44، معجم قبائل العرب 4 / 42. 180 (25) تخميس أحمد بدر الدين بن محمد الصاحب شرف الدين. أوله: يا قلب كم في قبور العشق من أمم ماتوا من الشوق في ضر وفي ألم في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة، نسب إلى ابن الصاحب. (26) تخميس أحمد بن محمد بن علي السلمي، أبي العباس، شهاب الدين، المنصوري، ابن الهائم (- 887). وسماه: (تأسيس النجدة بتخميس البردة). أوله: يا راعي النجم في الظلماء لم ينم يشدو ويحدو بذكر البان والعلم في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي نسب إلى ابن الشهيد.
181 (27) تخميس أحمد بن محمد، السلمي نفسه. أوله: ألم بالقلب أوصاب من الألم وصرت بعد وجود الحسن في عدم في دار الكتب. الضوء اللامع 2 / 150. (28) تخميس أحمد بن محمد، السلمي نفسه. أوله: يا مرسل الدمع في الأطلال كالديم لونين من جفنه كالورس والعنم في دار الكتب. (29) تخميس أحمد بن محمد بن علي الحجازي، شهاب الدين (ت 879). أوله: قلبي لبعد الحمى قد صار في ضرم
182 والعين سحت دما في الخد كالديم في دار الكتب. كشف الظنون 2 / 1334، الضوء اللامع 2 / 148، الأعلام 1 / 230. (30) تخميس أحمد بن محمد بن يوسف الصفدي الخالدي (- 1034). خلاصة الأثر 1 / 298، معجم المؤلفين 2 / 169. (31) تخميس أحمد بن مزبان الورجي (- بعد 1193). معجم أعلام الجزائر: 342، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 1 / 364 رقم 1630. (32) تخميس أحمد بن منصور بن صارم الدمياطي، شهاب الدين، المعروف ب (ابن حباس). أوله: علام دمعك منهلا بمنسجم كساه لون احمرار حرقة الندم في دار الكتب.
183 (33) تخميس أحمد بن ناصر بن خليفة، أبي العباس الباعوني. أوله: يا باغيا كتم أمر غير منكتم أنى وطرفك صافي الدمع لم ينم في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي. (34) تخميس أسعد بن سعد الدين حسن جان، التبريزي، المفتي العثماني (- 1034). نظمه في وسط ربيع 1012. كشف الظنون 2 / 1333. في مكتبة جامعة لس أنجلس برقم A 700. (35) تخميس إسماعيل بن إبراهيم بن محمد التركماني الحنفي مجد الدين. أوله: ما شأن دمعك فوق الخد ذا ديم
184 ونثره كعقيق غير منتظم في دار الكتب. الضوء اللامع 2 / 286. (36) تخميس بدر الدين الونسي. أوله: ما بال عرف سرى عن بانة العلم أجرى وأكلم طرفا منك لم ينم. في دار الكتب. (37) تخميس أبي بكر تقي الدين بن حجة الحموي. أوله: لما مزجت دمي بالدمع من ألم وعمت في لجج الدمعين من ألم في دار الكتب. وفي مكتبة متحف مولانا. الضوء اللامع 11 / 54 وسماه: (تفصيل البردة). قلت: لعل الاسم مصحفا، وأرى صحته: (تفضيل) بالضاد، فقد سمى هو بديعيته: تفضيل أبي بكر.
185 (38) تخميس أبي بكر بن رمضان الشالياتي القاضي (- 895). أوله: رفقا بنفسك يا من بات ذا ألم كم ذا التأوه في محلولك الظلم ما لي أرى حمرة في الخد كالعنم أمن تذكر جيران............... مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م 65 ج 1 ص 71 مقال (الشعر والشعراء في كيرالا وأساليبهم للدكتور ك. م محمد أستاذ مساعد في جامعة كالكوت في الهند. ونسخة التخميس عند قاضي كالكوت محمد كويا. وترجمة الناظم في (أعيان مليبار) لأحمد كويا الشالياتي، مخطوط في مكتبة المخطوطات في شاليات في كيرالا. (39) تشطير جميل بن مصطفى العظم الدمشقي (- 1352). وسماه: (تفريج الشدة في تشطير البردة). طبع على الحجر في الآستانة سنة 1313. الأعلام 2 / 139، معجم المطبوعات: 1341.
186 (40) تخميس حسن بن أحمد، الصوفي المصري، جمال الدين. وسماه: (الفرج بعد الشدة في تخميس البردة). أوله: يا قاصدا نحو بيت الله بالحرم عرج بربع أحبائي وصف ألمي في دار الكتب. (41) تخميس حسن بن يحيى الأعرجي الحسيني. أوله: ما لي أراك حليف الوجد والسقم والجفن في صبب والقلب في ضرم تذري دموعك في الخدين كالعنم أمن تذكر جيران........ في مكتبة كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية في مشهد، في مجموع برقم 1684، وصفت في فهرسها 3 / 792. وقد نشرته في مجلة (تراثنا) الصادرة عن مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم، في العد 23 الصادر في ربيع الآخر 1411، ص 151 - 220.
187 (42) تخميس حسين بن عبد القادر. أوله: يا ساهر الطرف في داج من الظلم تئن أنات ذي شجو وذي ألم في دار الكتب. (43) تخميس حسين بن علي بن حسن العشاري البغدادي. سلك الدرر 2 / 69. (44) منظومة في السيرة حمدون بن عبد الرحمان بن حمدون، السلمي المرادسي، أبو الفيض، ابن الحاج (- 1232 ه). نظمها على نهج البردة في أربعة آلاف بيت وشرحها في خمس مجلدات. الأعلام 2 / 275.
188 (45) تخميس خليل بن إبراهيم الثمين (1213 - 1293). معجم المؤلفين 4 / 109. (46) تخميس خليل الأشرف نائب الإسكندرية. مخطوط في طوب قبو سراي برقم A 2350 8396 في 8 أوراق. (47) تخميس خليل بن شاهين، غرس الدين. أوله: وما بهم من حنو غير منخرم وودهم بوفاء غير منعدم في دار الكتب. الضوء اللامع 3 / 196. (48) تخميس درويش علي بن حسين بن علي البغدادي (- 1277).
189 ترجم له ولده أحمد في كنز الأديب، وأورد فيه التخميس بتمامه. الذريعة 4 / 8. (49) تسبيع الرفاء شهاب الدين الدمشقي. ذكره ابن طولون في ذخائر القصر (مخطوط). (50) تخميس سليمان سعد الدين أفندي، مستقيم زاده (- 1202). الخطاط البغدادي (التعليقات) ص 6. (51) تخميس سليمان بن عبد الرحمان بن صالح الرومي، نحيفي (- 1151). ثلاثة أشطر باللغة التركية ثم بيت البردة بالعربية. في المكتبة الرضوية في مشهد، برقم 13272، وعندي مصورة له. معجم المؤلفين 4 / 265. (52) تخميس سليمان بن علي القرماني (- 924).
190 كشف الظنون 2 / 1333، معجم المؤلفين 4 / 271. (53) مجاراة سليمان بن علي القرماني (- 924). كشف الظنون 2 / 1333. (54) مجاراة سنبل زاده وهبي أفندي. في كوبريلي 3 / 528 مجموعة، الكتاب الثالث 64 ب - 74 ب مع مجاراة ل (بانت سعاد) وصفت في فهرسها 3 / 237. (55) تخميس شريف أفندي. في مكتبة جامعة لوس أنجلس، في مجموعة برقم B 708، كتبت في القرن الثالث عشر. وهي نسخة مكتوبة بالأسود والأحمر والأصفر.
191 (56) تخميس شعبان بن محمد بن داوود الآثاري (- 828). واسمه: (حل العقدة في تخميس البردة). أوله: يا قلب قد فاض دمع العين كالديم وصرت من حرقة الأشواق في ألم حتى استحال وجود منك كالعدم أمن تذكر جيران......... في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة. وفي مكتبة متحف مولانا، في مجموع رقمه في الخزانة 1638 ورقم المجلد 226، وصفت في فهرسها ص 260. كشف الظنون 2 / 1334، الضوء اللامع 3 / 301 - 303، معجم المؤلفين 4 / 300 ومستدركه: 287. (57) تخميس صلاح الدين مشتاقي الرومي، صلاحي. يشبه تخميس سليمان بن عبد الرحمان نحيفي. في مكتبة جامعة لوس أنجلس برقم B 72، وفيها أيضا نسخة أخرى برقم B 111.
192 (58) تخميس طاهر بن حسن بن عمر بن حبيب الحلبي، زين الدين، المعروف ب: ابن حبيب (- 808). أوله: يا باكيا قرح الأجفان بالألم وشاكيا من غرام فيه لم يلم ومن له الوجد وافى ملقي السلم أمن تذكر جيران................... في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة. كشف الظنون 2 / 1333، الضوء اللامع 4 / 3، الأعلام 3 / 221. (59) تخميس طه. أوله: قضى الإله على العشاق في القدم بأن يجولوا بفقر الذل بالقدم يا ذا الذي ثخنت أحشاه بالكلم أمن تذكر جيران....................
193 في مكتبة متحف مولانا. (60) تخميس عائشة الباعونية. اسمه: (القول الصحيح في تخميس بردة المديح). معجم المؤلفين 5 / 57 ومستدركه: 316، البديعيات: 103. (61) تخميس عباس أفندي فوزي الداغستاني. اسمه: (أنيس الوحدة في تخميس البردة). طبع في الآستانة على الحجر سنة 1300. خانبابا مشار: 103. (62) تشطير عبد الحميد قدس بن محمد علي بن عبد القادر الخطيب (- 1335). وسماه: (دفع الشدة في تشطير البردة). طبع في مكة المكرمة سنة 1313 في 31 صفحة. وفي بيروت، المطبعة الأدبية 1318. معجم المطبوعات: 1275، الأعلام 3 / 289، البديعيات: 172.
194 (63) تخميس عبد الرحمان بن أحمد بن عبد الله بن مسك السخاوي الشافعي، المعروف ب: ابن مسك (1025 - 1123). اسمه: (الدر النفيس في الجمع بين التسديس والتخميس). فهرس دار الكتب 7 / 206، معجم المؤلفين 5 / 119، هدية العارفين 1 / 552. (64) تخميس عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، جلال الدين. أوله: سائل أخا الوجد والتبريح والألم وذا البكا والضنى والحزن والقسم في دار الكتب. البديعيات: 100. (65) تخميس عبد الرحمان بن محمد بن علي المغربي القمولي. أوله: يا جيرة الخيف والبانات والعلم
195 القلب ذاب من الأشواق والألم في دار الكتب. (66) تخميس عبد الرحيم بن عبد الرحمان بن محمد السيوطي المالكي الجرجاوي. طبع في مصر في المطبعة المليجية سنة 1324. خانبابا مشار: 175. (67) تشطير عبد الرحيم بن عبد الرحمان بن محمد السيوطي المالكي الجرجاوي. اسمه: برء السقيم في مدح البر الرحيم). طبع في مصر في مطبعة الكلية سنة 1330. خانبابا مشار: 123. (68) مجاراة عبد العزيز الزمزمي (- 976). اسمها: (الفتح التام في مدح سيد الأنام). النور السافر: 287.
196 (69) تشطير عبد العزيز محمد بك. طبع في مصر سنة 1352. خانبابا مشار: 186. (70) تخميس عبد الغني أبي البلاغ، - المعروف ب: صبانح. أوله: من سفح ذاك اللوى عن أيمن العلم لم تقف يمناك بل تهفو بذكرهم في دار الكتب. (71 - 83) ثلاثة عشر تخميسا لعبد القادر بن خالد بن أبي زيد العيس المطماطي الجبالي (- 1122). تراجم المؤلفين التونسيين 2 / 14، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 4 / 257 رقم 10068.
197 (84) تشطير عبد القادر سعيد بن سعيد بن عبد القادر الرافعي الفاروقي الحنفي الطرابلسي. اسمه: (نيل المراد في تشطير الهمزية والبردة وبانت سعاد). طبع في القاهرة سنة 1315 و 1329. معجم المؤلفين 5 / 291 ومستدركه: 397، الأعلام 4 / 40. (85) تخميس عبد اللطيف بن أحمد الفوي القاهري الحلبي الشافعي (740 - 801). أوله: يا من جفاه الكرى فالجفن لم ينم وجسمه بانقسام الفكر في سقم في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة، ونسب فيها إلى البصري. الضوء اللامع 4 / 324 - 325، معجم المؤلفين 6 / 7. (86) تخميس عبد اللطيف بن نصر الله الطويلي المصري. أوله:
198 أرقت ليلك فالأجفان لم تنم والجسم ألبس أثوابا من السقم في دار الكتب. الضوء اللامع 4 / 339. (87) تخميس عبد اللطيف. نفسه. أوله: أصيب قلبك من سهم الهوى ورمي فاطلب نجاة من البلوى به ورم في دار الكتب. الضوء اللامع 4 / 339. (88) تخميس عبد اللطيف. نفسه. أوله: الحمد لله أهل الفضل والقدم إن الهوى رسخت في حمله قدمي في دار الكتب. الضوء اللامع 4 / 339، معجم المؤلفين 6 / 15.
199 (89) تخميس عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن زروان البصري، شمس الدين. أوله: إلى م عن مذهب العشاق لم ترم حتام أنت حليف البؤس والسقم في دار الكتب. (90) تسبيع عبد الله بن عمر البيضاوي القاضي، ناصر الدين (- 696). اسمه: (تفريج الشدة في تسبيع البردة). في مكتبة الأوقاف في الموصل برقم 48 / 4. طبع في مصر، في المطبعة الشرفية سنة 1308. وطبع في مصر أيضا في سنة 1319 وفي هامشه تخميس الفيومي. خانبابا مشار: 197. وطبع ضمن (رياض البردة)، كما في فهرس المكتبة السلفية لسنة 1352 ص 55. (91) تخميس عبد الله بن محمود الرومي الحنفي، كجوك زاده (- 1042).
200 كشف الظنون 2 / 1333، هدية العارفين 1 / 475، معجم المؤلفين 6 / 146. (92) تسبيع عثمان بك، الأمير الشاعر. أوله: الله يعلم ما في القلب من ألم ومن غرام بأحشائي ومن سقم على فراق فريق حل في الحرم كم قيل والدمع من عيني كالديم فقلت لما همى دمعي بمنسجم أمن تذكر جيران.............. من مخطوطات خزانة آل طلس بحلب. أنظر: المنتخب من المخطوطات العربية في حلب - نشر عالم الكتب - ص 403، رقم 147. وفي آخر النسخة (تم التسبيع المبارك... يوم الجمعة سابع شهر ذي الحجة الحرام ختام عام اثنين وأربعين ومائة وألف من الهجرة). اسمه: (تفرج الشدة بتسبيع البردة). وفي فهرس دار الكتب 3 / 66: (تفريج الشدة... للقاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي.... هكذا في النسخة المطبوعة معزوا إلى القاضي البيضاوي وهو بعيد جدا). والذي في النسخة المخطوطة رقم 5081 أن التسبيع المذكور للأمير
201 عثمان بك. ويوجد هذا التسبيع مسمى باسم (حل العقدة...) منسوبا إلى العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الله المالكي المكي... طبع بالمطبعة الشرفية بمصر سنة 1308. وانظر: تسبيع عبد الله بن عمر. (93) تخميس عثمان بن عبد الله الموصلي. معجم المؤلفين 6 / 260 ومستدركه: 460. (94) تخميس عثمان بن محمد الزنحلي، أبي عمرو، المعروف ب (كندور). أوله: ما بال عينك لم تهجع ولم تنم والدمع منها كنهر غير منصرم في دار الكتب. (95) النفحات الأحدية في تصدير الكواكب الدرية. ابن علان، محمد علي الصديقي المكي. إيضاح المكنون 2 / 663.
202 (96) تخميس علي بن أحمد، صدر الدين بن نظام الدين، الحسيني المدني (1052 - 1120). أوله: يا ساهر الليل يرعى النجم في الظلم وناحل الجسم من وجد ومن ألم ما بال جفنك يذرو الدمع كالعنم أمن تذكر جيران.............. قدم له بخطبة أولها: (الحمد لله الذي مدح نبيه الأمين بأشرف المدائح...). فرغ منه لثلاث بقين من جمادى سنة 1106 في الهند. وأهداه إلى أبي المظفر محمد أورنك زيب عالم كير سلطان الهند. في مكتبة المرعشي العامة في قم، برقم 2754، وصفت في فهرسها 7 / 315. وطبعه محمد حسن آل ياسين في مطبعة المعارف ببغداد سنة 1374 في السلسلة التي نشرها باسم (نفائس المخطوطات) في حلقتها الرابعة. (97) تخميس علي بن زكريا بن إسماعيل، المسعودي الداوودي، أبي الحسن علاء الدين.
203 أوله: ما بال جسمك موقوفا على السقم وما لطرفك في الديجور لم ينم في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة، نسب إلى الدمياطي. وفي مكتبة مجلس الشورى، نسب إلى الفيومي. وفي مكتبة الرضوية ي مشهد، نسب إلى الفيومي. وفي الظاهرية - شعر 72 و 70 - بدون نسبة. ونسبه بعضهم إلى ناصر الدين الغزي الفيومي. (98) تخميس علي بن سالم بن عبد الناصر، الغزي الشافعي (- 747). أوله: يا من غدا هائما حيران لم ينم علام أجريت دمع العين كالعنم وفيم أنحلت هذا الجسم بالسقم أمن تذكر جيران.................... في مكتبة مجلس الشورى، وزاد في أوله تخميسه من عنده هي: من بعد حمد إلهي بارئ النسم مع الصلاة على المختار ذي الكرم وآله الطاهرين الأصل والشيم
204 وصحبه خير صحب الرسل كلهم أقول نظما غدا بالمدح ذا عظم وفي مكتبة المرعشي العامة، نسب إلى الأذرعي. وفي الرضوية. الدرر الكامنة 3 / 51، معجم المؤلفين 7 / 98. (99) تخميس علي بن سودون بن عبد الله البشبغاوي، نور الدين. أوله: يا مازجا بالدماء الدمع من ندم وناشرا ما انطوى في القلب من ألم في دار الكتب. (100) تخميس علي بن علي زيد الزرلي (1111 - نحو 1171). تراجم المؤلفين التونسيين 2 / 417، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 4 / 243 رقم 9974. (101) تخميس له أيضا.
205 نفس المصدر. (102) تخميس علي بن محمد مخلوف المنياوي، نور الدين. أوله: قد استمال وجود منك للعدم وانهل مزن ثوى (؟) عينيك كالديم في دار الكتب. (103) تخميس علي بن مصطفى بن سنان السوسي. في مكتبة حسن حسني عبد الوهاب، برقم 18030. معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 317. (104) تخميس علي بن ناصر، أبي الحسن نور الدين، المعروف ب (ابن ناصر الحجازي). طبع في مصر. معجم المطبوعات: 262.
206 (105) تخميس علي الدواليبي البغدادي، أبي الحسن عفيف الدين. أوله: ما لي أراك سمير النجم ذا سدم والنوم حمأ (؟) عينيك ولم يحم في دار الكتب. (106) تخميس علي الدواليبي. نفسه. أوله: ما لي أراك ضعيف الجسم ذا سقم وإن جرى ذكر سكان الحمى تهم في دار الكتب. (107) تخميس عمر بن أسواني، سراج الدين. أوله: ما لي أراك من الأشجان في ألم
207 ترتاح شوقا إلى الجرعاء من إضم في دار الكتب. (108) تشطير عمر بن عباس القفصي المغربي، أبي حفص. فهرس مكتبة مجلس الشورى 4 / 384 - 385. (109) تخميس عمر بن عبد العزيز، سراج الدين، الفيومي الدمشقي (- 917). الكواكب السائرة 1 / 286، شذرات الذهب 8 / 84، معجم المؤلفين 7 / 291. (110) مجاراة عمر بن علي البلنكوتي الهندي القاضي سماها: (لاح الهلال). مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م 65 ج 1 ص 76. (111) تخميس فرج بن أحمد بن أبي بكر بن محمد المنفلوطي المالكي (كان حيا في 899).
208 الضوء اللامع 6 / 168، معجم المؤلفين 8 / 57. (112) تشطير فضل الله بن محمد خالد الأنصاري الأزهري الحلبي. طبع في حمص سنة 1385 ه في 302 ص. (113) تخميس ابن قطب الدين. أوله: تبكي وتشكو إلى الأطلال والديم ودمع عينك مرفض بفيض دم في دار الكتب. (114) تسبيع المجد الملاطي المصري. في مكتبة جامعة لوس أنجلس برقم D 300. (115) تخميس الشيخ مجلي.
209 وهو تخميس بيت واحد، هو: كذلك الله مولاه وخيرته ولم تسر سوى الأخرى سريرته وللدنية لن ترنو بصيرته وأكدت زهده فيها ضرورته إن الضرورة لا تعدو على العصم في دار الكتب. (116) تخميس محمد بن إبراهيم، شمس الدين، الجلفاوي. أوله: قد عدت من حر نار الشوق والألم نضوا فلم ترني من شدة الألم في دار الكتب. (117) تخميس محمد بن إبراهيم النابلسي الدمشقي الشافعي، أبي الفتح، المعروف ب (ابن الشهيد). أوله: ما بال جسمك لا يشفى من السقم
210 وما لقلبك مصدوعا من الألم في دار الكتب. (118) تخميس محمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف ب (مامية الرومي (- 988). أوله: يا من له عبرة تنهل كالديم وما له عبرة بالسقم في الأمم في دار الكتب. شذرات الذهب 8 / 413، بروكلمان - الذيل - 2 / 382، الأعلام 6 / 7. (119) تخميس محمد بن أحمد بن عبد الله، القلقشندي الشافعي، نجم الدين (797 - 876). أوله: أمن تفكر جيران لقربهم أمن تذكر أزمان لبعدهم في دار الكتب. كشف الظنون 2 / 1336، الضوء اللامع 6 / 322، معجم المؤلفين 8 / 278.
211 (120) تخميس محمد بن أحمد بن أبي العيد، السخاوي القصبي المالكي. اسمه: (تخميس طرز البردة وتلخيص نشر الوردة). أوله: إن جئت جزعا فجز عن أيمن العلم ومل لسلمى وسل ما شئت من كلم ورمت سلعا فسل عن قلبك الكلم أمن تذكر جيران.......... في دار الكتب. وفي مكتبة متحف مولانا. وطبع في مصر سنة 1317 في 98 صفحة. معجم المطبوعات: 1015، إيضاح المكنون 1 / 270. (121) تعجيز التصدير وتصدير التعجيز (تشطير) محمد بن أحمد بن قاسم بن محمد ساسي، البوني التميمي المسيتي (- بعد 1116) تعريف الخلف برجال السلف: 524.
212 (122) تخميس محمد بن إسماعيل (أبي إسحاق) بن إبراهيم، العلائية وي الرومي، الملقب ب (أسعد)، الشهير ب (ابن أبي إسحاق) (- 1166). هدية العارفين 2 / 329، إيضاح المكنون، معجم المؤلفين 9 / 52. (123) تخميس محمد بن إسماعيل بن زكريا الحميري، أبي الفتح، المعروف ب (الأهناسي). أوله: أهاجك الشوق لما لاح من إضم أم خلفتك الليالي في ربى الحرم تشكو وتنشد باكي مربع الحلم أمن تذكر جيران.................. في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة، ونسب إلى الونشي. (124) تخميس محمد بن أبيك، شمس الدين بن أبي البر، المغيثي الصالحي النجمي الحنبلي.
213 اسمه: (منح الجليل في مدح الخليل). في دار الكتب. (125) تخميس محمد بدر دماصي، أبي عبد الله. أوله: الشوق جل عن الاحصاء بالكلم والهجر زاد على التعذيب في الألم في دار الكتب. (126) تخميس محمد بن بصري، شمس الدين. أوله: أراك من عظم الأشواق ذا سقم متيما مغرما لم تصح من ألم في دار الكتب. (127) تخميس محمد بن البغدادي الزركشي، شمس الدين (- 810). اسمه: (قرة العين في التسميط بين المصراعين).
214 أوله: همت اشتياقا لأهل البان والعلم أم أحدث الوجد ذكرى الأربع القدم في دار الكتب. (128) تخميس محمد بن أبي بكر الجوجري الضرير، شمس الدين. أوله: ما لي أرى القلب والأحشاء في ضرم والجفن في خلق والجسم في سقم في دار الكتب. (129) تخميس محمد بن أبي بكر بن عمر، شمس الدين، الدنجيهي القاهري. أوله: بعد العقيق وأهل السفح من إضم أجريت دمعك سفحا مثل حيهم في دار الكتب. الضوء اللامع 7 / 188.
215 (130) تخميس محمد بن أبي بكر الدنجيهي، نفسه. أوله: سهرت حتى أرقت الدمع كالعنم أم من مزيج الكرى بالسهد في الظلم في دار الكتب. (131) تسميط محمد بن جابر الغساني المكناسي (- 827). نيل الابتهاج: 286 - 287، معجم المؤلفين 9 / 146، الأعلام 6 / 68. (132) تشطير محمد بن حسن بن وادي، أبي الهدى الصيادي الرفاعي الخالدي (1266 - 1327). طبع في الإسكندرية سنة 1309 في 17 صفحة. معجم المطبوعات: 353.
216 (133) نظيرة قصيدة البردة محمد خان وزير الوظائف. الذريعة 24 / 233. (134) تخميس محمد بن خضر الحلبي، شمس الدين أبي النور، المعروف ب (ابن المصري). أوله: يا من له مدمع ينهل كالديم وقد جرى بدم من شدة الألم في دار الكتب. (135) تخميس محمد بن خليل المقرئ الحلبي، شمس الدين، المعروف ب (ابن القباقيبي) (- 849). أوله: الله يعلم ما في القلب من ألم ومن غرام بأحشائي ومن سقم في دار الكتب.
217 وفي مكتبة ملك في طهران، في مجموعة وصفت في فهرسها 5 / 21 رقم 410. وفي المكتبة الرضوية. (136) تخميس محمد بن خليل. نفسه. أوله: ما لي أراك سهيد الطرف لم تنم والجسم منتحل من شدة السقم في دار الكتب. كشف الظنون 2 / 1333 وتصحفت فيه كلمة (المقري) إلى (الغزي)، الضوء اللامع 11 / 266، إعلام النبلاء 5 / 242، الأعلام 6 / 117. (137) تخميس محمد بن خليل الرومي، مكي زاده (- 1212). معجم المؤلفين 9 / 289، هدية العارفين 2 / 351. (138) تخميس محمد رائف بن محمد بسيم بن إسحاق، المعروف ب (ملاحق زاده) الرومي الحنفي (- 1240).
218 إيضاح المكنون 4 / 229 - 230، هدية العارفين 2 / 360، معجم المؤلفين 9 / 303. (139) تخميس محمد رضا النحوي (- 1226). أوله: ما لي أراك حليف الوجد والألم أودى بجسمك ما أودى من السقم ذا مدمع بالدم المنهل منسجم أمن تذكر جيران........... وقدم له بخطبة أولها: (الحمد لله الممدوح بكل لسان، الغني بظاهر محامده عن الايضاح والبيان...). فرغ منه في يوم الثلاثاء 24 رجب سنة 1201. وقد قرظه السيد صادق الفحام (- 1204) والسيد محمد زيني (- 1216) والشيخ علي زيني (- 1215) وكلهم مترجمون في تكملة أمل الأمل، والطليعة في شعراء الشيعة، والكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة. ذكر صاحب (أعيان الشيعة) أنه نظمه باقتراح أستاذه السيد محمد مهدي بحر العلوم، وأورده بتمامه مع ما عثر عليه من تقاريظه في كتابه: معادن الجواهر ونزهة النواظر 3 / 137 فما بعد، وأورده بتمامه خلا التقاريظ في أعيان الشيعة 9 / 293. في مكتبة مجلس الشورى رقم 2، والنسخة برقم 715، وصفت في فهرسها 2 / 40.
219 وفي المكتبة الرضوية، برقم 12788. وطبع في إسلامبول سنة 1306 ومعه تخميس بانت سعاد. الذريعة 4 / 8 رقم 19. (140) مجاراة محمد سكوتي بن محمد المدرني (- 1103). واسمها: (الدرة في نظيرة قصيدة البردة). وله شرحها باسم: (الغرة في شرح الدرة). هدية العارفين 2 / 302، إيضاح المكنون 2 / 231، معجم المؤلفين 10 / 41. (141) تخميس محمد بن شاذي عنبري، ناصر الدين. أوله: يا مازجا بدم ينهل كالديم كؤوس دمع أدارتها يد الألم بمن صبوت إليهم ملقي السلم أمن تذكر جيران.................. اسمه: (أعلام المودة في سلوك طي البردة). في دار الكتب. الضوء اللامع 7 / 264.
220 (142) تخميس محمد بن عبد الحميد النيربي، المعروف ب (الناصر) وب (حمد وحميده (- 1321). اسمه: (التحفة البهية في تخميس البردة البوصيرية). طبع في حلب في المطبعة العلمية سنة 1343 في 44 صفحة. معجم المطبوعات: 794، الأعلام 6 / 111. (143) تخميس محمد بن عبد الرحمان الحوضي، شاعر تلمسان في زمانه (- ذو القعدة 910). وطريقته أنه أدرج المصاريع ا لثلاثة التي من نظمه بين مصراعي بيت البردة. قال الوادي آشي: (وهذا يكاد أن يكون معجزا لصعوبته). ثبت أبي جعفر البلوي الوادي آشي: 434 - 435. (144) تصدير وتعجيز البردة (تشطير) للحوضي نفسه. ثبت أبي جعفر البلوي الوادي آشي: 435.
221 (145) تخميس محمد بن عبد الصمد الفيومي المالكي، ناصر الدين، معيد المدرسة المالكية بالفيوم. أوله: ما بال قلبك لا ينفك ذا ألم مذ بان أهل الحمى والبان والعلم وانهل مدمعك القاني بمنسجم أمن تذكر جيران........... في دار الكتب، برقم 8624 وفي مكتبة المرعشي العامة. وفي مكتبة المرعشي العامة، برقم 3899، كتبت في سنة 1052 في قصبة أغروس في 23 ورقة، وصفت في فهرسها 10 / 279. وفي المكتبة الرضوية، ونسب إلى الدمياطي. وفي مكتبة مجلس الشورى، ونسب إلى أحمد بن محمد الأذرعي شهاب الدين. وفي مكتبة مجلس الشورى أيضا، في مجموعة برقم 3365 تسلسل الفهرس، وثبت قديم 23313، وثبت جديد 5500، الكتاب الخامس، ص 18 - 66، كتبت في سنة 1307 - 1308. وفي مكتبة ملك في مجموعة، الكتاب الثامن، كتب في 5 جمادى الأولى 886، فهرسها 5 / 61 رقم 528. وقد طبع في المطبعة الشرفية بمصر سنة 1308 في 42 صفحة باسم:
222 (تخميس الكواكب الدرية في مدح خير البرية). وطبع أيضا بهامش (تفريج الشدة في تسبيع البردة) المنسوب للبيضاوي بمصر سنة 1319. وطبع ضمن (رياض البردة)، ذكر ذلك في فهرس المكتبة السلطية لسنة 1352، ص 55. كشف الظنون 2 / 1334، معجم المطبوعات: 1476، خانبابا مشار: 175. (146) تخميس محمد بن عبد العزيز بن شعبان الإسكندري اللخمي. اسمه: (تخميس طي البردة وتلخيص نشر الوردة). طبع بمصر 1311. (147) تشطير محمد بن عبد القار المقاطعجي اليماني. أوله: أمن تذكر جيران بدي سلم كسيت بردا من الأحزان والسقم أم من فراق ربوع كنت تعهدها مزجت دمعا جرى من مقلة بدم سلافة العصر: 452 وذكر منها عدة أبيات.
223 (148) مجاراة محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني التواني (- 909). تعريف الخلف، القسم الأول ص 172، وذكر أن له عدة قصائد على وزن البردة ورويها في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم. الأعلام 6 / 216. (149) تخميس محمد بن عبد الله الفلكي. ضمن (رياض البردة). فهرس المكتبة السلفية لسنة 1352، ص 55. (150) تخميس محمد بن عبد الله بن بدران، أبي عبد الله. وهو تخميس خمسة أبيات: من قوله: (أقسمت بالقمر المنشق) إلى (وقاية الله أغنت). أوله: جل الذي من حرور الشمس ظلله وزان خلقته حسنا وكمله
224 الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر: 198. تخميس محمد بن عبد الله بن عبد القادر بن عمر السنجاري، الشيرازي الأصل، الواسطي، الشافعي، السكاكيني، نجم الدين، نزيل الحرمين (- 838). أوله: يا هائم القلب بين البان والعلم وهامي الدمع حتى صار كالعنم يا مازجا بالدما دمعا على سلم أمن تذكر جيران.... اسمه: (الذخيرة المعدة في تخميس البردة). في مكتبة المرعشي العامة، نسب إلى الواسطي. الضوء اللامع 8 / 67 - 69، معجم المؤلفين 10 / 182، إيضاح المكنون، هدية العارفين 2 / 189 و 190. (152) تخميس محمد بن عبد الله بن الصائغ المغربي، أبي عبد الله. أوله: يا من صحيح هواه موجب السقم ومن ثناه وجود الوجد كالعدم
225 إنسان عينيك يا إنسان في ألم أمن تذكر جيران............. في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة، ونسب إلى ابن عرفة. (153) تخميس محمد بن عبد الله الطرابلسي الحنفي، أبي النصر (- 1218). إيضاح المكنون 1 / 183، هدية العارفين 2 / 354، معجم المؤلفين 10 / 220. (154) تخميس محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين يحيى. أوله: علام أمسى سمير النجم في الظلم وفيم أجرى عقيق الدمع في العلم حتى غدا مطرف الأسقام ذا علم أمن تذكر جيران...... اسمه: (الأفلاك الدورية على الكواكب الدرية في مدح خير البرية). في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء نسخة كتبت في 1015، في 17 ورقة. فهرس الجامع الكبير: 111 و 113.
226 (155) تخميس محمد بن علي الشاطبي الأندلسي البرجي (كان حيا في 870). في مكتبة الرباط، برقم 831 (1641 د). معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 317. (156) تخميس محمد الصغير بن علي داوود النابلي (1067 - بعد 1137). تراجم المؤلفين التونسيين 2 / 287، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 4 / 242 رقم 9969. (157) تخميس محمد بن خواجة علي بن نجم الكيلاني، غياث الدين. أوله: في مطلع الحسن حسن مطلع الكلم ثم استهل بدور الحي حيهم في دار الكتب.
227 (158) تخميس محمد علي بن علي بن راعي الغنم الدمياطي المادح. أوله: يا نائم الطرف لم يغمض ولم ينم وجسمه ناحل بال من الألم في دار الكتب. (159) تخميس محمد بن محمد بن عبد الرحمان، الصبيبي المدني الشافعي، أبي الحرم. الضوء اللامع 9 / 102. (160) تخميس محمد بن محمد بن محمد بن طاهر، التبادكاني الطوسي الخراساني، شمس الدين، القاضي (- 891). خمس البردة باللغة العربية ثم ترجم الأصل والتخميس إلى الفارسية نظما. انتهى من الترجمة في الخميس العاشر من شهر رمضان المبارك سنة 868.
228 أول التخميس: يا أيها المختطي من شدة الألم يا أيها المفتدي من ذلة السقم فهرست مشترك نسخه هاي خطي فارسي باكستان 7 / 524. (161) تخميس محمد بن محمد بن محمد اللخمي التونسي، أبي عبد الله، المعروف ب (النقاض). أوله: يا سعد ما لك بين البان والعلم تبكي الربوع بوكاف ومنسجم اسمه: (العمدة في تخميس البردة). في دار الكتب. (162) تخميس محمد بن محمد بن يوسف منزلي، شمس الدين. أوله: يا حاوي العلم والآداب والحكم وساهر الجفن في محلولك الظلم ومن غدا بين أهل الحب كالعلم
229 أمن تذكر جيران................ في دار الكتب. وفي مكتبة المرعشي العامة، ونسب إلى الحنفي. الضوء اللامع 10 / 34. (163) تخميس محمد بن محمود بن برهان الدين الحميدي الرومي الحسيني الحنفي (- 1044). هدية العارفين 2 / 278، معجم المؤلفين 11 / 315. (164) تخميس محمد بن منصور بن عبادة، شمس الدين، المعروف ب (ابن الصارح). أوله: بان التصبر بين البان والعلم وبان وجدي وما وجدي بمنكتم يا طرف مالك بعد البين لم تنم أمن تذكر جيران............... في دار الكتب. وفي مكتبة مجلس الشورى. وفي المكتبة الرضوية. وفي مكتبة السيد المرعشي العامة.
230 (165) تسبيع: محمد بن أبي الوفاء، جمال الدين. أوله: الله يعلم ما بالقلب من ألم ومن غرام بأحشائي ومن سقم في المكتبة الرضوية في مشهد تخميس مجهول الناظم بهذا المطلع وفي مكتبة كوبريلي، في مجموعة برقم 1 / 1352، تسبيع، نسخة نفيسة، وصفت في فهرسها 2 / 86. كشف الظنون 2 / 1336. (166) تخميس محمد بن يعقوب بن يحيى بن عبد الله، المغربي الأصل المدني المالكي، جمال الدين (- نحو 830). الضوء اللامع 10 / 87، نيل الابتهاج: 290، معجم المؤلفين 12 / 119. (167) تسديس محمد البوصيري. اسمه: (تسديس الكواكب الدرية في مدح خير البرية). معجم المؤلفين 10 / 28 ومستدركه: 647.
231 (168) تسبيع محمد البوصيري نفسه. اسمه: (تفريج الشدة بتسبيع البردة). نفس المصدر. (169) تعشير محمد البوصيري نفسه. اسمه: (تعشير الكواكب الدرية في مدح خير البرية). المصدر نفسه. (170) تخميس محمد المرجوشي المصري، شمس الدين. أوله: يا من بلي جسمه من شدة السقم وقلبه قد غدا يشكو من الضرم في دار الكتب.
232 (171) تسبيع محمد الملطي المصري الخلوتي القادري. طبع في مصر في المطبعة الميمنية سنة 1311 ضمن مجموعة. خانبابا مشار: 183. (172) مجاراة محمود سامي البارودي. اسمها: (كشف الغمة في مدح سيد الأمة). في 447 بيتا. ديوانه، م 2. (173) تخميس مخلوف الشرياني الشريف (ق 8). تراجم المؤلفين التونسيين 3 / 174، بواسطة معجم ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 4 / 242 رقم 9970. (174) تسبيع مصطفى الكردي الشافعي (- قبل 1225). في مخطوطات خزانة آل طلس في حلب، وصفت في المنتخب من
233 المخطوطات العربية في حلب، ص 402، رقم 146. (175) تخميس معروف بن مصطفى الحسيني. الذريعة 4 / 8 رقم 17. (176) تخميس معروف بن مصطفى بن أحمد النودهي (- 1254). منه نسخة ناقصة الأول فلي المكتبة المركزية بجامعة صلاح الدين، برقم 419 / 5 م، وصفت في فهرسها ص 443 رقم 469. مستدرك معجم المؤلفين: 797، الأعلام 7 / 105. وللمؤلف ترجمة في: الشيخ معروف النودهي - لمحمد الخال -، ومعجم المؤلفين 10 / 28 و 12 / 411. (177) وهج البردة هند هارون. قالت في ترجمة حياتها المختصرة: (كما أكرمني الله عز وجل بكتابة قصيدة (وهج البردة) أعارض فيها البوصيري وأحمد شوقي معبرة عن الإسلام بصدق عفوي وعن عظمة الرسالة والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم). مجلة (الموسم) بيروت - م 3 عدد 11، 1412 ه / 1990 م، مقالة (هند
234 هارون شاعرة الألم والإيمان) ص 944. (178) تخميس يحيى بن زكريا بن بيرام القسطنطيني الرومي المفتي شيخ الاسلام (- 1053). أوله: لما رأيتك تذري الدمع كالعنم غرقت في لجج الأحزان والألم فقل - وسر الهوى - لا تخش من ندم أمن تذكر جيران.......... كشف الظنون 2 / 1333، خلاصة الأثر 4 / 467 - 471، نفحة الريحانة 3 / 62 رقم 145، معجم المؤلفين 13 / 197. (179) تخميس يحيى بن عبد الصمد بن يحيى الأنصاري، المعروف ب (اليحيائي). أوله: صرح بذكر هوى أفناك من سقم أضناك بالكتم حتى صرت للعدم في دار الكتب.
235 (180) تخميس يوسف بن محمد بن عبد الرحمان الباعوني، جمال الدين أبي المحاسن. أوله: يا من غدا فاقدا للصبر بالألم ومن بدا وجده للناس كالعلم في دار الكتب. (181) تخميس يوسف بن موسى الجذامي الأندلسي، أبي الحجاج (- 767). اسمه: (الاستشفاء بالعدة والاستشفاع بالعمدة في تخميس قصيدة البردة). إيضاح المكنون 1 / 71، كشف الظنون 2 / 1333، الأعلام 8 / 254. وفي فهرس المكتبة المركزية لجامعة طهران 2 / 716 أنه شرح (؟). (182) تشطير اسمه: (شفاء العليل في مدح طه الجليل). طبع في مصر سنة 1313 في 24 صفحة. معجم المطبوعات: 924.
236 (183) تخميس أوله: يا بائحا بالهوى صبرا على الألم فإن ذلك مكتوب من القدم في دار الكتب. (184) تخميس لبعض شعراء المغرب. أوله: ما بال عينك تشكو شدة الألم رمداء نامت عيون وهي لم تنم. في دار الكتب. (185) تسبيع أوله: محمد جاء بالآيات والحكم مبشرا ونذيرا جملة الأمم طبع بمصر في 1311 في 31 صفحة، مع تخميس قصيدة المناجاة
237 للسهيلي. الذريعة 4 / 174. (186) تسبيع أوله: الله أودع في الأحشا لذي إضم صبابة صب منها الدمع كالديم وأنت من ذكر عرب الحي والحرم تبكي العقيق بنثر الدمع في العلم مستمطرا سحب دمع سال كالعنم أمن تذكر جيران..................... في مكتبة المرعشي العامة، برقم 191 مجموعة، والنص (1 ظ - 26 و) وصفت في فهرسها 1 / 221. (187) نظيرة قصيدة البردة مجهول. مخطوط في مكتبة الهمداني في النجف ضمن مجموعة. الذريعة 24 / 233.
238 ب - الأعمال الشعرية مرتبة حسب أوائل حروفها، ومحالة على أسماء الشعراء. أراك من عظم الأشواق ذا سقم متيما مغرما لم تصح من ألم محمد بن بصري. أرقت ليلك فالأجفان لم تنم والجسم ألبس أثوابا من السقم عبد اللطيف بن نصر الله. أسهرت جفنك في محلولك الظلم وفاض دمعك محمرا كالديم إبراهيم بن علي. أصيب قلبك من سهم الهوى ورمي فاطلب نجاة من البلوى به ورم عبد اللطيف بن نصر الله. إلى م عن مذهب العشاق لم ترم حتام أنت حليف البؤس والسقم عبد الله بن عبد الرحمان.
239 ألم بالقلب أوصاب من الألم وصرت بعد وجود الحسن في عدم أحمد بن محمد بن علي السلمي، ابن الهائم. الله أودع في الأحشا لذي إضم صبابة صب منها الدمع كالديم تسبيع لمجهول. الله يعلم ما في القلب من ألم ومن غرام بأحشائي ومن سقم عثمان بك. محمد بن خليل المقرئ الحلبي. محمد بن أبي الوفاء. أمن تذكر جيران بذي سلم كسيت بردا من الأحزان والسقم محمد بن عبد القادر. أمن تفكر جيران لقربهم أمن تذكر أزمان لبعدهم محمد بن أحمد بن عبد الله القلقشندي.
240 إن جئت جزعا فجز عن أيمن العلم ومل لسلمي وسل ما شئت من كلم محمد بن أحمد بن أبي العيد. أهاجك الشوق لما لاح من إضم أم خلفتك الليالي في ربى الحرم محمد بن إسماعيل بن زكريا. بان التصبر بين البان والعلم وبان وجدي وما وجدي بمنكتم محمد بن منصور بن عبادة. بعد العقيق وأهل السفح من إضم أجريت دمعك سفحا مثل حيهم محمد بن أبي بكر بن عمر، الدنجيهي. تبكي وتشكو إلى الأطلال والديم ودمع عينك مرفض بفيض دم ابن قطب الدين. جل الذي من حرور الشمس ظلله
241 وزان خلفته حسنا وكمله محمد بن عبد الله بن بدران. الحمد لله أهل الفضل والقدم إن الهوى رسخت في حمله قدمي عبد اللطيف بن نصر الله. رفقا بنفسك يا من بات ذا ألم كم ذا التأوه في محلولك الظلم أبو بكر بن رمضان الشالياتي. ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم أحمد شوقي. سائل أخا الوجد والتبريح والألم وذا البكا والضنى والحزن والسقم عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي. سهرت حتى أرقت الدمع كالغنم أم من مزيج الكرى بالسهد في الظلم محمد بن أبي بكر الدنجيهي.
242 الشوق جل عن الاحصاء بالكلم والهجر زاد على التعذيب في الألم محمد بدر دماصي. صرح بذكر هوى أفناك من سقم أضناك بالكتم حتى صرت للعدم يحيى بن عبد الصمد بن يحيى. عرج على العلم السعدي بالعلم واسمع أنينا خفيا زائد الألم أحمد بن مترجم. علام أمسى سمير النجم في الظلم وفيم أجرى عقيق الدمع في العلم محمد بن عبد الله بن الإمام يحيى. علام دمعك منهلا بمنسجم كساه لون احمرار حرقة الندم أحمد بن منصور بن صارم. في مطلع الحسن حسن مطلع الكلم
243 ثم استهل بدور الحي حيهم محمد بن خواجة علي الكيلاني. قد استمال وجود منك للعدم وانهل مزن ثوى عينيك كالديم علي بن محمد مخلوف. قد عدت من حر نار الشوق والألم نضوا فلم ترني من شدة الألم محمد بن إبراهيم الجلفاوي. قضى الإله على العشاق في القدم بأن يجولوا بفقر الذل بالقدم طه. قلبي لبعد الحمى قد صار في ضرم والعين سحت دما في الخد كالديم أحمد بن محمد بن علي الحجازي. كذلك الله مولاه وخيرته ولم تسر سوى الأخرى سريرته مجلي.
244 لما تنشقت من أرواح ذي الهمم وحلي الخد من حبات منتظم أحمد بن أبي بكر بن صالح. لما رأيتك تذري الدمع كالعنم غرقت في لجج الأحزان والألم يحيى بن زكريان بن بيرام. لما مزجت دمي بالدمع من ألم وعمت في لجج الدمعين من ألم أبو بكر بن حجة. ما بال جسمك لا يشفى من السقم وما لقلبك مصدوعا من الألم محمد بن إبراهيم النابلسي. ما بال جسمك موقوفا على السقم وما لطرفك في الديجور لم ينم علي بن زكريا لا ما بال عرف سرى عن بانة العلم
245 أجرى وأكلم طرفا منك لم ينم بدر الدين الونسي. ما بال عينك تشكو شدة الألم رمداء نامت عيون وهي لم تنم لبعض شعراء المغرب. ما بال عينك لم تهجع ولم تنم والدمع منها كنهر غير منصرم عثمان بن محمد الزنحلي. ما بال قلبك لا ينفك ذا ألم مذ بان أهل الحمى والبان والعلم محمد بن عبد الصمد الفيومي. ما شأن دمعك فوق الخد ذا ديم ونثره كعقيق غير منتظم إسماعيل بن إبراهيم. ما لي أرى القلب والأحشاء في ضرم والجفن في خلق والجسم في سقم محمد بن أبي بكر الجوجري.
246 ما لي أراك حليف الوجد والألم أودى بجسمك ما أودى من السقم محمد رضا النحوي. ما لي أراك حليف الوجد والسقم والجفن في صبب والقلب في ضرم حسن بن يحيى الأعرجي. ما لي أراك سمير النجم ذا سدم والنوم حمأ (؟) عينيك ولم يحم علي الدواليبي. ما لي أراك سهيد الطرف لم تنم والجسم منتحل من شدة السقم محمد بن خليل الغزي (ابن القباقيبي). ما لي أراك ضعيف الجسم ذا سقم وإن جرى ذكر سكان الحمى تهم علي الدواليبي. ما لي أراك من الأشجان في ألم
247 ترتاح شوقا إلى الجرعاء من إضم عمر بن أسواني. محمد جاء بالآيات والحكم مبشرا ونذيرا جملة الأمم تسبيع لمجهول. من سفح ذاك اللوى عن أيمن العلم لم تقف يمناك بل تهفو بذكرهم عبد الغني أبي البلاغ. هل لي إلى أثلاث البان والعلم من عودة فعسى أشفى من السقم أحمد بن سالم. همت اشتياقا لأهل البان والعلم أم أحدث الوجد ذكرى الأربع القدم محمد بن البغدادي. وما بهم من حنو غير منخرم وودهم بوفاء غير منعدم خليل بن شاهين.
248 يا أيها المختطي من شدة الألم يا أيها المفتدي من ذلة السقم مجهول. يا بائحا بالهوى صبرا على الألم فإن ذلك مكتوب من القدم مجهول. يا باغيا كتم أمر غير منكتم أنى وطرفك صافي الدمع لم ينم أحمد بن ناصر بن خليفة. يا باكيا قرح الأجفان بالألم وشاكيا من غرام فيه لم يلم طاهر بن حسن بن عمر. يا جيرة الخيف والبانات والعلم القلب ذاب من الأشواق والألم عبد الرحمان بن محمد بن علي القمولي. يا حاوي العلم والآداب والحكم
249 وساهر الجفن في محلولك الظلم محمد بن محمد بن يوسف منزلي. يا راعي النجم في الظلماء لم ينم يشدو ويحدو بذكر البان والعلم أحمد بن محمد السلمي. يا ساهر الطرف في داج من الظلم تئن أنات ذي شجو وذي ألم حسين بن عبد القادر. يا ساهر الليل يرعى النجم في الظلم وناحل الجسم من وجد ومن ألم علي بن أحمد المدني. يا سعد مالك بين البان والعلم تبكي الربوع بوكاف ومنسجم محمد بن محمد بن محمد اللخمي. يا قاصدا نحو بيت الله بالحرم عرج بربع أحبائي وصف ألمي حسن بن أحمد الصوفي.
250 يا قلب قد فاض دمع العين كالديم وصرت من حرقة الأشواق في ألم شعبان بن محمد بن داوود الآثاري. يا قلب كم من قبور العشق من أمم ماتوا من الشوق في ضر وفي ألم أحمد بدر الدين بن محمد الصاحب. يا مازجا بالدماء الدمع من ندم وناشرا ما انطوى في القلب من ألم علي بن سودون. يا مازجا بدم ينهل كالديم كؤوس دمع أدارتها يد الألم محمد بن شاذي عنبري. يا مرسل الدمع في الأطلال كالديم لونين من جفنه كالورس والعنم أحمد بن محمد بن علي السلمي. يا من أشاع سلوا ثم لم ينم
251 أراك في الوجد تبري علة السقم أحمد بن شعبان المقدسي. يا من براه الهوى مذ رق كالقلم وابتاع بالنوم مرعى النجم في الظلم إبراهيم بن الخشاب. يا من بلي جسمه من شدة السقم وقلبه قد غدا يشكو من الضرم محمد المرجوشي المصري. يا من جفاه الكرى فالجفن لم ينم وجسمه بانقسام الذكر في سقم عبد اللطيف بن أحمد الواسطي. يا من صحيح هواه موجب السقم ومن ثناه وجود الوجد كالعدم محمد بن عبد الله بن الصائغ. يا من غدا فاقدا للصبر بالألم ومن بدا وجده للناس كالعلم يوسف بن محمد بن عبد الرحمان.
252 يا من غدا هائما حيران لم ينم علام أجريت دمع العين كالعنم علي بن سالم بن عبد الناصر. يا من له عبرة تنهل كالديم وحاله عبرة بالسقم في الألم محمد بن أحمد بن عبد الله، مامية الرومي. يا من له مدمع ينهل كالديم وقد جرى بدم من شدة الألم محمد بن خضر الحلبي. يا نائم (؟) الطرف لم يغمض ولم ينم وجسمه ناحل بال من الألم محمد علي بن علي راعي الغنم. يا هائم القلب بين البان والعلم وهامي الدمع حتى صار كالعنم محمد بن عبد الله بن عبد القادر السكاكيني. للبحث صلة...