نشوء المذاهب و الفرق الإسلامية نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نشوء المذاهب و الفرق الإسلامية - نسخه متنی

حسين شاكري

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: نشوء المذاهب والفرق الإسلامية
المؤلف: الحاج حسين الشاكري
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1418
المطبعة: ستارة
الناشر: المؤلف
ردمك:
ملاحظات:
سلسلة
الثقافة الإسلامية
(11)
نشوء المذاهب
والفرق الإسلامية
تأليف
حسين الشاكري

1
حقوق الطبع
محفوظة للمؤلف
اسم الكتاب: نشوء المذاهب والفرق الإسلامية
تأليف: حسين الشاكري
الناشر: المؤلف
الطبعة: الأولى - 1418 ه‍
المطبعة: ستارة
العدد: 3000 نسخة
عنوان المؤلف
الجمهورية الإسلامية في إيران - قم المقدسة
زنبيل آباد - 30 متري آستانة - بلاك 76 - كد 37166
هاتف 926990 و 927871 - كد 0098251

2
تمهيد
الهدف من إحياء التراث الإسلامي، وإشاعة العقيدة
الحقة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) في أوساط شبابنا الحائر
بين تيارات الثقافات الغربية، الغريبة، المشبعة بسموم
أفكار الصهيونية والصليبية والماركسية، بتخطيط من
الماسونية العالمية.
وكذلك غزو الآراء الشاذة الضالة، من بعض
المذاهب التي تدعي الإسلام زورا وبهتانا، بدفع من
الاستعمار والماسونية العالمية، بهدف التخريب والتفرقة
وقطع الجسور الممتدة بين المسلمين كافة، وتكفير مذهب
شيعة أهل البيت (عليهم السلام) خاصة.

3
والغرض من تسليح شبابنا الناهض للوقوف بوجه
تلكم التيارات المنحرفة الضالة، ليدافع عن مبادئه
وعقيدته كما دافع عنها سلفنا الصالح وتحمل العنت
والعذاب في سبيل ذلك، لا سيما شبابنا الذين قهرتهم
الظروف العصيبة والالتجاء إلى أحضان دول الكفر، لسد
حاجاتهم البايولوجية، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
والله أسأل أن يسدد خطانا ويهدينا إلى سواء
السبيل.
حسين الشاكري

4
نشوء
المذاهب والفرق الإسلامية
مقدمة
بمجرد أن لبى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نداء ربه
والتحق بالرفيق الأعلى وسمع المسلمون بالفاجعة التي
ألمت بهم، ضج من كان في المسجد بالبكاء والعويل
وأخذهم الذهول، وسرى ذلك بسرعة البرق الخاطف في
أنحاء المدينة المنورة سريان النار في الهشيم، وتجمعوا
في المسجد وحوله.
وجاء عمر بن الخطاب ومعه المغيرة بن شعبة،
وكان أبو بكر بالسنح - ضيعة له خارج المدينة -، ودخلا

5
حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مسجى على سريره،
فكشف عن وجهه الشريف، فلما تيقن بموته (صلى الله عليه وآله وسلم)
خرج إلى الناس في المسجد وهم بتلك الحالة المدهوشة،
رافعا عقيرته ومهددا بقوله: إن رجالا من المنافقين
يزعمون بأن محمدا قد مات، وإنه والله ما مات ولكنه
قد ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب
عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قالوا بأنه قد
مات، ووالله ليرجعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما رجع موسى
وليقطعن أيدي وأرجل رجال زعموا أنه مات، ثم شهر
سيفه وقال: ولئن بلغني عن رجل من المسلمين يزعم أن
محمدا قد مات ضربته بسيفي هذا، وهو يرعد ويهدد
ويتوعد.
فأثر قوله هذا في العامة من المسلمين تأثير السحر
وأصابهم الذهول والحيرة.
وبهذه الفذلكة السياسية المحنكة استطاع عمر
الهيمنة على عقول الناس، وإغفالهم عن الاعتقاد بموت
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ينصرفوا ولا يفكروا في مبايعة خليفته

6
الذي عينه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم قبل وفاته بسبعين يوما،
لحين وصول أبي بكر المدينة من السنح.
ولما أحس الأنصار بجدية إقدام المهاجرين لتنفيذ
مخططهم التآمري الذي دبروه بليل لتنحية الإمام
علي (عليه السلام) عن الخلافة وسبقهم في السيطرة على سدة
الحكم وإحساسهم بدنو خيوط مؤامرة الانقلاب من
الالتفاف حول أعناقهم، بادروا بعقد اجتماع عام لهم في
سقيفتهم - سقيفة بني ساعدة - لانتخاب سعد بن عبادة
الأنصاري زعيما لهم وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون
المهاجرين، متناسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وحقه في الخلافة.
ولما وصل أبو بكر من السنح في هذا الخضم
المتلاطم بأمواج الأحداث السياسية السريعة، استلم دوره
في تنفيذ المخطط وأخذ زمام المبادرة بيده فدخل حجرة
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يزال مسجى على سريره،
فكشف عن وجهه الشريف، ثم خرج إلى الناس وقال:
من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد

7
الله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ الآية الشريفة:
وما محمد... الخ.
وخمد عمر ولم ينبس ببنت شفة، لأن دوره
قد انتهى، وقال: والله لكأني ما سمعت بهذه
الآية.
وجاء من يخبر أبا بكر وعمر وغيرهما بأن الأنصار
مجتمعون في سقيفة بني ساعدة لانتخاب سعد بن عبادة
خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دونهم.
فركضوا مسرعين ودخلوا عليهم السقيفة، وهناك
حدثت الأحداث الرهيبة، وجرى الصراع المرير والتنازع
الحاد، واستطاع المهاجرون بحنكتهم السياسية ودهائهم
المعهود أن يشقوا صفوف الأنصار بين الأوس والخزرج
ويثيروا الضغائن والحزازات القديمة فيما بينهم، وأخيرا
تغلبوا عليهم وقفز أبو بكر على سدة الخلافة بدهائه،
وجئ به إلى المسجد يزفونه كما تزف العروس، وكل من
يجدوه في الطريق يخبطون يديه ويمسحوها على يدي
أبي بكر لمبايعته بالخلافة، شاء أم أبى.

8
يجري هذا وعلي بن أبي طالب وأهل بيته وشيعته
منهمكون في تجهيز النبي، ذاهلين من شدة المصاب
عما يجري في الخارج. وقد ذكرنا ذلك مفصلا في
كتابنا " علي في الكتاب والسنة " (1) وفي كتابنا
" محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (2) من موسوعة المصطفى
والعترة.
منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا نمت هذه البذرة نموا
سريعا وترعرعت ولقحت وأعطت ثمارها وأصبحت
الأمة فرقا وأحزابا ونحلا يضرب بعضهم رقاب البعض
ويكفر بعضهم بعضا، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم).
ذكر الشيخ المفيد في إرشاده، أنه قال:
" أيها الناس، لألفينكم ترجعون بعدي كفارا،
يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر
السيل الجرار، ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي



(1) علي في الكتاب والسنة 2: 449.
(2) موسوعة المصطفى والعترة 1: 443.
9
يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله " (1).
وتوسعت الخلافات ثم توسعت حتى صارت كل
شرذمة تدعي لنفسها الأحقية بالإسلام، ولها عقيدة ورأي
ومذهب خاص. وجاء دور بني أمية بعد عهد أبي بكر
وعمر وعثمان ليحيكوا على منوالهم، بإغراء المرتزقة
بالأموال من وعاظ السلاطين لينسجوا من خيالهم
أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، مدعين بأنها من
أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كذبا وبهتانا، في فضائلهم وفضائل
حكام بني أمية، كأبي هريرة وسمرة بن جندب
وأبي موسى الأشعري وابن أبي الدرداء، وغيرهم من هذه
النكرات، العابدين لأهوائهم، ليغيروا معالم الدين
ضاربين حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرض الحائط، على رغم
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار " (2).



(1) محمد رسول الله: 437. " موسوعة المصطفى والعترة ".
(2) كنز العمال 3: 8238.
10
لقد أدرك أعداء الإسلام أن أهل البيت (عليهم السلام) مصدر
الأصالة والنقاء، ومفزع المسلمين في الشدائد والمحن،
وأن لهم مقاما وحرمة في نفوس أبناء الإسلام كافة، فالكل
ينظر إليهم بالاحترام والتقدير، ويقدس ما يصدر عنهم،
وينتهي إليهم، لذلك حاولت العناصر المخربة والمدسوسة
أن تتجه إلى مصدر الأصالة والنقاء فتتستر تحت ظلاله،
وترفع كذبا وزيفا شعار الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، الذين
لعنوهم وتبرأوا منهم، ولتخطط بكيد وخبث لهدم عقيدة
التوحيد والقضاء على رسالة الإسلام وتشويه منهج
أهل البيت (عليهم السلام)، الدعاة إلى الله، والأمناء على رسالة
التوحيد، فافتعلوا عقائد ضالة وفلسفات منحرفة، فقالوا
بحلول الله - جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا - في أجساد
الأئمة، وقالوا بتفويض الله الأمور من الرزق والتأثير في
الخلق والجنة والنار إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
بل وينسب بعضهم الألوهية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)،
كل ذلك كيدا للإسلام وأهله، وهدما لعقيدة التوحيد،
وكان وراء هذه التيارات العناصر المجوسية،

11
والمانوية، والمزدكية، وأمثالها، التي أعلنت نفاقا
الدخول في الإسلام ولم تؤمن به، كما شارك الفكر
اليهودي والنصراني المحرف بهذه الحملة
التخريبية (1).
وكم استطاعوا عن هذا الطريق من بلبلة العقول،
وزرع الشبهات، ودس الروايات والمفاهيم الضالة،
ونسبتها لأهل البيت كذبا وتزويرا، لذا فقد تصدى نفر
من العلماء الأعلام وصنفوا كتب الرجال، وفرزوا
العناصر المدسوسة لتشخيص الكذابين والوضاعين
وأصحاب العقائد الضالة من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)



(1) إن هذا العمل التخريبي والأفكار الضالة لا ينحصر دورها
ومحاولاتها الهدامة ضد أهل البيت ومحاولة التستر تحت
شعارهم، بل عملوا على إدخالها عن طريق بقية فرق وطوائف
المسلمين الأخرى، لذا تصدى الفلاسفة والعلماء ورجال
الحديث من مذاهب المسلمين الأخرى لمواجهتها والتخلص
منها، وما زلنا نشاهد كثيرا من المدسوسات والعقائد غير
الصحيحة في كتب المسلمين وتراثهم من مختلف الطوائف،
وهي ما يرفضها المحققون الملتزمون.
12
وحتى آخر سلسلة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الرواة الأمناء
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإسقاط كل رواية مدسوسة،
ولكشف كل راو متستر دساس، كما فعل النجاشي
في كتابه المعروف ب‍ " رجال النجاشي "، والشيخ
الطوسي في كتابيه " الفهرست " و " رجال الطوسي "،
وغيرهما.
ويحدثنا التأريخ عن وجود فرق ضالة ومنحرفة
نسبت نفسها لأهل البيت (عليهم السلام) كالغلاة والمفوضة، وقد
تبرأ أهل البيت منهم ولعنوهم وطردوهم وأبعدوهم، بل
وحكم فقهاء الإمامية بنجاسة الغلاة والمفوضة.
وقد عد النوبختي (1) فرقا عديدة من الغلاة
والمفوضة في كتابه " فرق الشيعة "، وذكر مواقف أئمة
أهل البيت (عليهم السلام) منهم، نذكر منها قوله:
" وأما أصحاب (أبي الخطاب محمد بن أبي زينب



(1) النوبختي: هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، من
أعلام الإمامية في القرن الثالث الهجري.
13
الأجدع الأسدي) ومن قال بقولهم، فإنهم افترقوا لما
بلغهم أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الإمام الصادق (عليه السلام)
لعنه وبرئ منه ومن أصحابه ".
إلى أن قال:
" وفرقة منهم قالت إن أبا عبد الله جعفر بن محمد
(الصادق) هو الله - جل وعز وتعالى علوا كبيرا - وإن
أبا الخطاب نبي مرسل.
فرقة قالت: جعفر بن محمد هو الله - عز وجل
وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وإنما هو نور يدخل
في أبدان الأوصياء فيحل فيها، فكان ذلك النور هو جعفر
ابن محمد (الصادق) ثم خرج منه فدخل في
أبي الخطاب " (1).
ثم تابع النوبختي عرضه لهذه العقائد الضالة
فقال:
" فهذه فرق أهل الغلو ممن انتحل التشيع وإلى



(1) النوبختي، فرق الشيعة: 59، طبعة 1388 ه‍.
14
(الخرمدينية) (1) والمزدكية (2) والزنديقية (3) والدهرية (4)
مرجعهم جميعا لعنهم الله، وكلهم متفقون على نفي الربوبية
عن الجليل الخالق - تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا -



(1) وهم فرقة من الشيعة العباسية (الراوندية القائلين بإمامة
العباس عم الرسول (صلى الله عليه وآله)) ويسمون (الأبا مسلمية) لقولهم
بإمامة أبي مسلم، وادعائهم بأنه حي لا يموت، وقالوا
بالإباحات وترك الفرائض، وإلى أصلهم ترجع فرقة (الخرمية)
أتباع بابك الخرمي الذين استباحوا المحرمات وقتلوا المسلمين
في الجبال بناحية أذربيجان. انظر فرق الشيعة: 46 و 47،
طبعة 1355 ه‍، النجف.
(2) المزدكية: أتباع مزدك الذي ظهر في أيام قباد والد
أنو شيروان، واسم كتابه الذي ادعى نزوله عليه " ديستاو "،
وقولهم كقول المانوية (ديانة فارسية قديمة) في الأصلين: النور
والظلمة. انظر فهرست ابن النديم. والمزدكية هم الذين أباحوا
المحرمات، وزعموا أن الناس شركاء في الأموال والنساء، وإليه
يمت المذهب الاشتراكي. تعليق السيد محمد صادق بحر العلوم
على كتاب " فرق الشيعة " للنوبختي.
(3) الزنديقية: هم الذين رفضوا تعاليم الأديان الإلهية بحجة
تحرر الفكر، المصدر السابق.
(4) الدهريون: هم القائلون إن العالم موجود أزلا وأبدا، لا صانع
له، وهم فرقة من الكفار الملحدين.
15
وإثباتها في بدن مخلوق، على أن البدن مسكن لله، وأن
الله تعالى نور وروح ينتقل في هذه الأبدان - تعالى الله
عن ذلك - إلا أنهم مختلفون في رؤسائهم الذين يتولونهم،
يبرأ البعض من بعض ويلعن بعضهم بعضا " (1).
كما نقل النوبختي من أخبار الفرق الضالة المنقرضة
التي حاولت التستر بالانتساب إلى أهل البيت (عليهم السلام)
فرقة قالت: " إن محمد بن الحنفية بن الإمام علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) هو المهدي سماه الإمام علي مهديا،
لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك، ولكنه غاب ولا يدرى
أين هو، وسيرجع ويملك الأرض، ولا إمام بعد غيبته إلى
رجوعه إلى أصحابه، وهم أصحاب ابن كرب " (2).
ثم قال:
" وحمزة بن عمارة البربري منهم، وكان من أهل
المدينة، ففارقهم وادعى أنه نبي، وأن محمد بن الحنفية



(1) النوبختي، فرق الشيعة: 60.
(2) النوبختي، فرق الشيعة: 44.
16
هو الله - عز وجل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا -
وأن حمزة هو الإمام، وإنه ينزل عليه سبعة أسباب من
السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها، فتبعه على ذلك ناس
من أهل المدينة وأهل الكوفة، فلعنه أبو جعفر (الباقر)
محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)، وبرئ منه وكذبه وبرئت
منه الشيعة " (1).
كما لعن الإمام الصادق (عليه السلام) صائدا النهدي الذي
تابع هذه الفرقة الضالة وعده من الشياطين، وقد عده
الصادق في رواية فيمن كذب عليه (2).
وفيما يلي نذكر ما رواه علماء الشيعة عن الإمام
الصادق (عليه السلام) في تحديد موقفه من أولئك الضالين الغلاة،
ومن آرائهم المنحرفة، ولعنه وطرده. ننقل لهم مثلا
لهذا الموقف موقفه من أتباع أبي الجارود، فقد نقل
ابن النديم في " الفهرست ":



(1) النوبختي، فرق الشيعة: 45.
(2) النوبختي، فرق الشيعة: 45.
17
" إن الإمام الصادق (عليه السلام) قال عنه: لعنه الله، إنه
أعمى القلب، أعمى البصر " (1).
كما لعن من الغلاة أبا منصور العجلي، فقد ورد:
" وأبو منصور العجلي قد لعنه الإمام الصادق ثلاثا،
كما ذكره الكشي في رجاله: 300، وصلبه يوسف بن عمر
الثقفي والي العراق في أيام هشام بن عبد الملك " (2).
وقد حدد الإمام الصادق (عليه السلام) موقفا من أولئك
الغلاة - أصحاب الفرق والمقالات المخالفة لعقيدة
التوحيد -، ثم ذكر مجموعة منهم، وهم:
المغيرة بن سعيد، وبزيع، والسري، وأبو الخطاب
محمد بن أبي زينب الأجدع، ومعمر، وبشار الشعيري،
وحمزة البربري، وصائد النهدي، وقال:
" لعنهم الله، فإنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا،
أو عاجز الرأي، كفانا الله مؤونة كل كذاب، وأذاقهم



(1) ابن النديم، الفهرست: 227.
(2) سعد بن عبد الله الأشعري، المقالات والفرق: 47.
18
حر الحديد " (1).
وورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
البراءة من أولئك الغلاة في حديث هذا نصه:
" يا معشر الشيعة - شيعة آل محمد -، كونوا النمرقة
الوسطى، يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي. فقال له
رجل من الأنصار يقال له سعد: جعلت فداك، ما الغالي؟
قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك
منا، ولسنا منهم. قال: فما التالي؟ قال: المرتاد يريد
الخير، يبلغه الخير ويؤجر عليه " (2).
ونقل إلينا أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) موقف
الإمام حين بلغه قول أبي الخطاب في الغلو، ونقلت إليه
مقالة أبي الخطاب فيه، قال:
" فرأيت أبا عبد الله قد أرسل دمعته من حماليق
عينيه وهو يقول: (يا رب، برئت إليك مما ادعى في



(1) رجال الكشي: 305.
(2) الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: 66، الطبعة الثانية
1385 ه‍.
19
الأجدع عبد بني أسد، خشع لك شعري وبشري، عبد لك
ابن عبد لك، خاضع ذليل)، ثم أطرق ساعة في الأرض
كأنه يناجي شيئا، ثم رفع رأسه وهو يقول: (أجل، أجل،
عبد خاضع، خاشع، ذليل لربه، صاغر، راغم من ربه،
خائف، وجل، لي والله رب أعبده، لا اشرك به شيئا، ما له
أخزاه الله وأرعبه ولا آمن روعته يوم القيامة... ما كانت
تلبية الأنبياء هكذا، ولا تلبيتي، ولا تلبية الرسل، إنما
لبيت ب‍: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك) " (1).
وعن سدير قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوما يزعمون أنكم
آلهة، يتلون بذلك علينا قرآنا: * (وهو الذي في السماء إله
وفي الأرض إله) *. فقال (عليه السلام): (يا سدير، سمعي وبصري
وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله
منهم، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله



(1) العلامة المجلسي، بحار الأنوار 47: 378، الطبعة الثالثة
1403 ه‍، عن كتاب زيد النرسي.
20
لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط
عليهم) " (1).
وكما كذبوا على الإمام الباقر والصادق وتبرءا
منهم، كذلك كذبت فرق على الإمام موسى بن جعفر بعد
وفاته، وقالوا إنه لم يمت، ولكن رفع كما رفع عيسى،
وسيعود مرة أخرى، فتبرأ ولده الإمام علي بن موسى
الرضا منهم ولعنهم، وهكذا كان أهل البيت (عليهم السلام) يبرأون
من أولئك، وهكذا كان كما قال الإمام الصادق، لا يزال
يكذب على أهل البيت (عليهم السلام) في كل فترة كذابون،
يستهدفون بذلك تشويه منهج أهل البيت (عليهم السلام)، والكيد
للإسلام، وتعريض حياة الأئمة للأخطار وسوء السمعة،
إلا أن أهل البيت (عليهم السلام) حددوا الموقف الصريح من أولئك
المخربين كما أوضحنا. ومن نعم الله على الإسلام وأهله
أن انقرضت تلك الفرق الضالة وهي في مهد نشوئها، ولم
يبق منها إلا ذكرها السئ في كتب التأريخ. قال الشيخ



(1) الكليني، أصول الكافي 1: 269، الطبعة الثانية.
21
المفيد: وليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة
موجودة في زماننا هذا، وهو سنة ثلاث وسبعين
وثلاثمائة إلا الإمامية الاثنا عشرية... وهم أكثر فرق
الشيعة عددا وعلما ومتكلمون ونظار وصالحون وعباد
ومتفقهة وأصحاب حديث وأدباء وشعراء، وهم وجه
الإمامية ورؤساء جماعتهم والمعتمد عليهم في الديانة،
ومن سواهم منقرضون (1).
والغريب أن بعض الذين في قلوبهم مرض
يحاولون أن يشوهوا الحقائق ويقلبوا الأمور، فيتهموا
منهج أهل البيت (عليهم السلام) بتلك الخرافات والأباطيل
ويصوروا الملتزمين بمنهج أهل البيت (عليهم السلام) بتلك الصورة
الشوهاء المرفوضة المنقرضة، من هنا كان لا بد من
الإشارة والتنبيه على هذه الدسائس الخطرة والمحاولات
الهدامة التي تستهدف شق وحدة المسلمين وتزييف
الحقيقة.



(1) الشريف المرتضى، الفصول المختارة: 261، دار الأضواء -
بيروت.
22
وواضح لدى المحققين والباحثين في شؤون
العقائد أن هناك من ينتسب إلى مذاهب المسلمين
الأخرى، ويقول بالجبر والتجسيم، وأن لله جسما وله
كرسي يجلس عليه، وأن عرض كرسيه سبعة أشبار، وأن
الله يدخل رجله في جهنم يوم القيامة فيطفئ حرارتها،
وأنه ينزل إلى سماء الدنيا على حمار أبيض (1).
وواضح أن جميع هذه الأقاويل أباطيل تنافي
عقيدة التوحيد، والإسلام منها براء.
وأخيرا، جاء دور الاستعمار الفكري بعد الحروب
الصليبية بواسطة المستشرقين، بدافع من الأفكار الهدامة،
الماسونية العالمية وقوى الصليبية والصهيونية والماركسية



(1) في صحيح مسلم والبخاري والترمذي والنسائي وأحمد
والبيهقي وابن جرير وابن مردويه عن أنس بن مالك عن النبي
(صلى الله عليه وآله)، قال: " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى
يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط
قط بعزتك وكرمك... الخ ". الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
17: 14. تفسير سورة ق، الآية 30.
23
العالمية، والذين خططوا لهدم الدين وطمس معالم
الإسلام وقيمه وحضارته، وابتدعوا فرقا ونحلا مختلقة
ووهمية ليس لها أي أساس.
ومن ذلك اليوم إلى يومنا هذا نجد اختلاف الأمة
قائما على قدم وساق فيما بينها، حتى صارت طرائق قددا
وأيادي سبأ، وأصبحوا أذلاء في عقر دورهم.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون...
المؤلف
حسين الشاكري

24
معنى التشيع
مذهب التشيع هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وعنهم
يأخذون الأحكام، لأنهم أصدق الناس لهجة في
الحديث، وأشدهم محافظة على أداء رسالة التبليغ،
واتباعا لأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ قرنهم بالكتاب العزيز الدال
بكل صراحة على وجوب اتباع أهل البيت والتمسك بهم،
فإنه نجاة من الضلالة.
هذا التشيع بمعناه الجلي، ونص عليه أهل اللغة.
يقول الحافظ الأزهري:
الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويوالونهم.
ويقول ابن منظور: أصل الشيعة الفرقة من الناس،
ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ
واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى
عليا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين حتى صار

25
اسما خاصا، فإذا قيل: فلان من الشيعة، عرف أنه
منهم (1).
ونص بهذا القول نفسه ابن الأثير في " النهاية " (2)،
وكذا في " صبح الأعشى " (3)، و " مجمع البحرين " في
مادة تشيع، وغيرها من معاجم اللغة.
وقال في " القاموس ": وشيعة الرجل - بالكسر -:
أتباعه وأنصاره. وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى
عليا وأهل بيته حتى صار اسما خاصا لهم (4).
وقال في " تاج العروس ": إذا قيل فلان من الشيعة
عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا، أي عندهم،
وأصل ذلك من المشايعة والمطاوعة (5).
وقال أبو حاتم الرازي: " إن أول اسم ظهر في



(1) لسان العرب 10: 55.
(2) النهاية 2: 246.
(3) صبح الأعشى 13: 236.
(4) القاموس 3: 47.
(5) تاج العروس 5: 405.
26
الإسلام هو الشيعة، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة،
هم: أبو ذر وسلمان وعمار والمقداد، حتى آن أوان
صفين، فاشتهر بين موالي علي (رضي الله عنه) " (1).
وقال ابن النديم: لما خالف طلحة والزبير على
علي (عليه السلام) وأبيا إلا الطلب بدم عثمان، وقصدهما علي (عليه السلام)
ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، سمى من اتبعه
على ذلك: الشيعة، فكان يقول: شيعي.
إلى غير ذلك مما كتبه أصحاب السنن والمعاجم
الرجالية والتاريخية واللغوية.
ومما تجدر الإشارة إليه، هو أن البعض يتعمد
استعمال هذا الاسم على عمومه، وحيث كان اسم التشيع
يدل على الاتباع فقد أطلق المؤرخون اسم الشيعة على
أنصار العباسيين وأتباعهم، فيقولون: شيعة المنصور
أو شيعة الرشيد مثلا، ويذكرون لهم كثيرا من الحوادث،
وأهم هذه الفرق هم الشيعة الراوندية، وهم شيعة



(1) روضات الجنات: 88.
27
المنصور الدوانيقي، غالوا في حبه بل عبدوه من دون
الله.
ومن الغريب أن بعض كتاب العصر الحاضر عندما
ذكر فرق الشيعة وبين عقائدهم التي خبط فيها خبط
عشواء جعل الراوندية من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا
نص قوله:
الراوندية فرقة من غلاة الشيعة ناهضت العلويين
في أيام العباسيين، وذهبت إلى أن أحق الناس بالإمامة
هو (العباس بن عبد المطلب)، لأنه عم النبي، ثم يأتي من
بعد العباس أبناؤه. إلى أن يقول: وقد غلت الراوندية أو
فريق منهم، بل كلهم، فعبدوا أبا جعفر المنصور، وطاروا
قائلين: (أنت أنت)، أي أنت الله (1).
ولا ندري كيف يتفق هذا مع عقائد الإمامية،
سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
وليس من الصعب الوقوف على كثير من شذوذ



(1) الدكتور عادل العوا، الكلام والفلسفة: 31.
28
الكتاب الذين دونوا أسماء الفرق وألحقوا بفرق الشيعة من
ليس منهم عندما نعرف عقائد الشيعة الإمامية، ولكن
الأغراض والأهواء قد انحرفت بكثير ممن كتب عن
الشيعة.
أصل الشيعة
قال الشهرستاني (1): هم الذين شايعوا عليا (رضي الله عنه)
على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية، إما
جليا وإما خفيا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من
أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من
عنده.
وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار
العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية،
وهي ركن الدين.



(1) الملل والنحل 1: 131.
29
وقال النوبختي (1): أول الفرق الشيعة، وهم فرقة
علي بن أبي طالب (عليه السلام) المسمون بشيعة علي (عليه السلام) في
زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول
بإمامته منهم: المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي،
وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر، ومن
وافق مودته مودة علي (عليه السلام)، وهم أول من سمي باسم
التشيع من هذه الأمة، لأن اسم التشيع قديم، شيعة
إبراهيم، وموسى، وعيسى.
ويدعي أكثر الكتاب من السنة والمستشرقين
أن تأريخ التشيع يرجع إلى عهد متأخر عن وفاة
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهم بين قائل برجوعه إلى العصر الأموي الأول،
وإنه كان نتيجة للاضطهاد والتنكيل الذي لحق أنصار علي
وبنيه (عليهم السلام) من الأمويين، وقائل برجوعه إلى العصر الذي
بدأ المسلمون فيه يحاسبون عثمان وأنصاره على



(1) فرق الشيعة: 17.
30
تصرفاتهم وسوء إدارتهم، وقد أسرف جماعة إسرافا
حاقدا على الشيعة فأرجعوه إلى عناصر أجنبية كانت
تعمل في الخفاء لتحطيم الإسلام عن هذا الطريق. وجاء
في كتاب " النظم الإسلامية " للمستشرق الفرنسي
(غودفروا): إن الحزبين الكبيرين الخوارج والشيعة
تكونا بعد الانشقاق الذي حصل بعد معركة صفين لأسباب
سياسية.
وقال جماعة منهم: إن عبد الله بن سبأ لعب دورا
بارزا في تكوين فكرة التشيع.
ونحن لا ننكر أن الشيعة لم يكونوا كلهم نمطا واحدا
في إيمانهم وتفكيرهم، وإن الظروف التي كانت تحيط بهم
كانت تفرض عليهم التردد والحيرة والرجوع لغير الإمام
الشرعي أحيانا، ولكن سرعان ما تنجلي لهم الحقائق
وينكشف الواقع بعد الفحص والاختبار، وقد استغل
خصماء الشيعة هذا النوع من التردد والالتباس الذي طرأ
على بعض الشيعة فأضافوا إليهم عشرات الفرق، وكانت
هناك أيادي تسير التأريخ لصالحها، وتعمل لمحاربة

31
التشيع عن طريق التشويش عليه وتشويه معالمه، تلك
الأفكار التي نسبوها إلى بعض المتشيعين، وفي النهاية
استطاعوا أن يفرضوا على التأريخ شخصا وهميا سموه
عبد الله بن سبأ، قد انتحل الإسلام وأسر اليهودية فأسس
فرقة وقادها لقتل عثمان، واخترع فكرة الوصاية التي
تدين بها الإمامية (1).
والواقع أن التشيع بما هو فرقة في مقابل جماعة
المسلمين لم يكن قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن المبدأ
الذي يرتكز عليه التشيع، وهو نص النبي على استخلاف
علي (عليه السلام) من بعده هو من يوم الدار، وكان بعد ولادة
الإسلام وقبل أن يهاجر الرسول من مكة إلى المدينة بأكثر
من ثمانية أعوام تقريبا، وذلك حينما أوحى الله سبحانه
إليه في كتابه المجيد: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) *.
وجاء في جملة من الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
جمع عشيرته الأقربين من آل عبد المطلب بعد أن هيأ



(1) راجع كتاب " عبد الله بن سبأ "، للسيد مرتضى العسكري.
32
لهم طعاما ثم دعاهم لمؤازرته والإيمان بدعوته المباركة،
وكانوا نحوا من ثلاثين رجلا، وكان في جملة ما قاله لهم:
" أيكم يؤازرني على هذا الأمر وهو وارثي ووصيي،
يقضي ديني وينجز عداتي، وخليفتي فيكم من بعدي "،
فكررها فيهم ثلاثا أو أربعا فلم يتقدم منهم أحد غير
علي (عليه السلام) كما أورد ذلك أحمد بن حنبل في مسنده،
والثعالبي في تفسيره، وأضاف الثعالبي أن النبي كررها
ثلاث مرات وفي كل مرة يسكت القوم إلا عليا (عليه السلام)،
ولما يئس النبي من جوابهم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي:
أنت أخي ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، فكان هذا
الموقف البذرة الأولى للتشيع (1)، وما زال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
طوال حياته يتعاهد تلك البذرة ويغذيها بأقواله
وأفعاله حتى نمت وتركزت في نفوس جماعة من
المسلمين عرفوا بشيعة علي وموالاته حتى في حياة



(1) راجع كتابنا " علي في الكتاب والسنة "، الجزء الثاني، يوم
الدار. وراجع كتابينا " محمد رسول الله " و " علي المرتضى "
من موسوعة المصطفى والعترة.
33
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي السنة الأخيرة من حياته بعد
رجوعه من مكة المكرمة وقبل أن يتفرق عنه المسلمون
في محل يدعى بغدير خم لم يجد الرسول بدا من
التنصيص عليه بوصفه واسمه بعد أن نزلت عليه الآية
الكريمة: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم
تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *، فاستوقف
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الحشود التي تمثل مختلف البلاد
والطبقات وتقدر بمائة ألف أو تزيد وصنع له أصحابه منبرا
[من أحداج الإبل]، ثم استدعى عليا (عليه السلام) إليه وقبض
على ذراعه ونص عليه بتلك الصيغة المروية (1) في كتب
الحديث والتأريخ بمختلف الأسانيد، وفي جملة منها: إنه
بعد أن اعترفوا له بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال:
" من كنت مولاه فعلي مولاه "، فجعل له الولاية التي
جعلها له الله والتي اعترف له بها المسلمون، وبعد أن



(1) راجع كتابنا " علي في الكتاب والسنة " وكتابينا " محمد
رسول الله " و " علي المرتضى " من موسوعة المصطفى
والعترة.
34
استمعوا لهذا البيان، لم يرتابوا في أنه قد نص على
استخلافه بتلك الصيغة. وكان الرأي العام الإسلامي بعد
وفاة الرسول متجها نحو علي (عليه السلام)، ولم يكن التسابق
الذي حصل بين المهاجرين والأنصار عليها بمجرد أن
أعلن نبأ وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا لسد الباب في وجه الأكثرية
التي لا تعدل بعلي (عليه السلام) أحدا من الناس، ولذا أصيب
الجمهور بما يشبه الدهشة لهذا التسابق والتزاحم بين
الأنصار من جهة وبين المهاجرين من جهة أخرى، والنبي
لا يزال بين أهله مسجى على فراش الموت، وعلي
وبنو هاشم وجماعة من أجلاء الصحابة منصرفون عن
دنيا الناس إلى تجهيزه لمقره الأخير، وقد تمت البيعة
لأبي بكر بتلك السرعة الخاطفة. وحينما انتهى علي (عليه السلام)
من تجهيز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستسلم لسطوة الحاكم الجديد
ولم ترهبه الجماهير المحتشدة به، فوقف يناضل ويدافع
عن حقه السليب، ووقف إلى جانبه عدد من أعيان
الصحابة، ولكنه بعد أن رأى الإصرار على موقفه السلبي
قد يؤدي إلى نتائج يجني ثمارها أعداء الإسلام، آثر عند

35
ذلك أن يكون مع جماعة المسلمين يدا واحدة حرصا
على المصلحة العليا للمسلمين.
ومهما كان الحال، فالتشيع بمعناه المعروف عند
الفقهاء والمتكلمين والمحدثين، والذي تتميز به هذه
الفرقة عن فرق المسلمين، ولد في حياة الرسول نتيجة
لتلك النصوص التي أوردها المحدثون في كتبهم، ومع إن
الأحداث فرضت على علي (عليه السلام) أن يتساهل ويتسامح،
ولكن فكرة استخلافه لم تنته عند هذا الحد، وما كان
التسامح ليحد من نشاطها، بل أخذت طريقها في النفوس
والقلوب، وتضاعف عدد المتشيعين له على مرور الأيام،
ورجع كثير من المسلمين إلى الماضي القريب واحتشدت
في أذهانهم صور عن مواقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، تلك المواقف
التي كان يصرح فيها باستخلاف علي (عليه السلام) من بعده تارة،
ويلمح فيها أخرى، فالتفوا حول علي (عليه السلام) وأصبحوا
من الدعاة الأوفياء له في جميع المراحل التي مر بها
التشيع وما زال ينمو وينتشر بين المسلمين في الأقطار
المختلفة.

36
وإن التشيع في الإسلام كان جزءا من الدعوة التي
دعا إليها القرآن وبلغها الرسول إلى الأمة في جملة ما بلغه
من تشريعات وأنظمة، وهو بمفهومه الشائع بين المسلمين
في هذا العصر وقبله كانت بذرته الأولى في عصر الرسول
وبعد وفاته.
وذهب أكثر الكتاب العرب والمستشرقين إلى أن
التشيع حدث بعد مقتل عثمان، كالشيخ محمد أبي زهرة
الذي استعرض الأحداث التي أطاحت بعرش عثمان،
قال: " وفي ظل هذه الفتن نبت المذهب الشيعي ".
ورواية ابن النديم في الفهرست، عن محمد بن
إسحاق، تدل على أن أول ما أطلق لفظ التشيع على من
اتبع أمير المؤمنين (عليه السلام) في محاربة طلحة والزبير في
الجمل، قال: قال محمد بن إسحاق: لما خالف طلحة
والزبير على علي (رضي الله عنه) وأبيا إلا الطلب بدم عثمان بن
عفان، وقصدهما علي (عليه السلام) ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر
الله جل اسمه، تسمى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان
يقول: شيعي، وسماهم (عليه السلام) الأصفياء، والأولياء، وشرطة

37
الخميس، والأصحاب (1).
وكما ادعى آخرون أن التشيع حدث بعد واقعة
صفين كما ادعى هذا القول المستشرق الفرنسي
(غودفروا)، وذهبت فئة إلى أن التشيع حدث بعد انتشار
الموالي الذين دخلوا الإسلام من الفرس وغيرهم.
من هم الشيعة الإمامية؟
الشيعة الإمامية اليوم طائفة عظمي من المسلمين
يؤمنون بالله العلي العظيم ولا يشركون به شيئا،
ويعتقدون بأن سيد الأنبياء وأفضل الأصفياء محمد
ابن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين ولا نبي بعده، وإن
حلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم
القيامة.
ويعتقدون بأن الله تعالى أمر نبيه بنصب علي



(1) فهرست ابن النديم: 249.
38
ابن أبي طالب (عليه السلام)، وهم معتقدون بولاية أحد عشر إماما
من ولد علي وفاطمة بعد الاعتقاد بولاية علي بن أبي
طالب وهم: الحسن بن علي المجتبى، ثم أخوه الحسين
الشهيد بكربلاء، ثم علي بن الحسين سيد الساجدين، ثم
محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم
موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم
محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم
الحسن بن علي العسكري، ثم المنتظر المهدي صلوات
الله عليهم أجمعين.
وهم معتقدون بأن الموت حق، ومسائلة القبر حق،
والبعث حق، والنشور حق، والصراط حق، والميزان
حق، والحساب حق، والكتاب حق، والجنة حق، والنار
حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في
القبور (1).
وهذه هي الأصول الاعتقادية للشيعة وهي موافقة



(1) كتاب " الشيعة " للعلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
39
للكتاب والسنة القطعية والأدلة العقلية كما ذكرها علماء
الشيعة وأكابرهم في كتبهم الكلامية.
فرق الشيعة
قال الإسفرائيني (1): فرق الرفض هي: الزيدية،
منهم ثلاث فرق، والكيسانية، منهم فرقتان، والإمامية،
منهم خمس عشرة فرقة.
وقال الشهرستاني (2): الشيعة هم خمس فرق:
كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة، وإسماعيلية، وبعضهم
يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة،
وبعضهم إلى التشبيه.
وقال النوبختي (3): فلما قبض الله عز وجل
نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) افترقت فرق الشيعة ثلاث فرق:



(1) الفرق بين الفرق: 51.
(2) الملل والنحل 1: 131.
(3) فرق الشيعة: 18.
40
فرقة منهم قالت: إن عليا (عليه السلام) إمام مفترض الطاعة
بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واجب على الناس القبول منه
والأخذ، فلم تزل هذه الفرقة ثابتة على إمامته حتى قتل
علي (عليه السلام).
وفرقة قالت: إن عليا كان أولى الناس بعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس لفضله وسابقته وعلمه، وهو
أفضل الناس كلهم بعده وأشجعهم وأسخاهم وأورعهم
وأزهدهم، وأجازوا مع ذلك إمامة أبي بكر وعمر
وعدوهما أهلا لذلك المكان والمقام، وذكروا أن عليا (عليه السلام)
سلم لهما الأمر ورضي بذلك وبايعهما طائعا غير مكره
وترك حقه لهما، فنحن راضون كما رضي الله المسلمين له
ولمن بايع... وهم أوائل (البترية).
وخرجت من هذه الفرقة فرقة قالت: إن عليا (عليه السلام)
أفضل الناس لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن كان
جائزا للناس أن يولوا عليهم غيره، إذا كان الوالي الذي
يولونه مجربا... فمن خالفه من قريش وبني هاشم عليا
كان أو غيره من الناس فهو كافر ضال.

41
ومن هذه الفرق:
1 - الكيسانية:
قال الشهرستاني (1): أصحاب كيسان مولى
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل:
تلميذ للسيد محمد بن الحنفية (رضي الله عنه)، يعتقدون فيه اعتقادا
فوق حده ودرجته، من إحاطته بالعلوم كلها واقتباسه من
(السيدين) الأسرار بحملتها.
وقال الإسفرائيني (2): هؤلاء أتباع المختار بن
أبي عبيدة الثقفي الذي قام بثأر الحسين بن علي بن
أبي طالب، وقتل أكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء، وكان
المختار يقال له: كيسان، وقيل: إنه أخذ مقالته عن مولى
لعلي (رضي الله عنه) كان اسمه كيسان.
وافترقت الكيسانية فرقا يجمعها شيئان:



(1) الملل والنحل 1: 131.
(2) الفرق بين الفرق: 58.
42
أحدهما: قولهم بإمامة محمد بن الحنفية، وإليه كان
يدعو المختار بن أبي عبيدة.
والثاني: قولهم بجواز البداء على الله عز وجل.
واختلفت الكيسانية في سبب إمامة محمد بن
الحنفية، فزعم بعضهم أنه كان إماما بعد أبيه علي بن
أبي طالب.
وقال آخرون منهم: إن الإمامة بعد علي كانت لابنه
الحسن، ثم للحسين، ثم صارت إلى محمد بن الحنفية
بوصية أخيه الحسين إليه حين خرج من المدينة إلى مكة
حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية.
ثم افترق الذين قالوا بإمامة محمد بن الحنفية،
فزعم قوم منهم يقال لهم (الكربية) أصحاب أبي كرب
الضرير: أن محمد بن الحنفية حي لم يمت، وإنه في جبل
رضوى، وعنده عين من الماء وعين من العسل يأخذ منه
رزقه، وعن يمينه أسد، وعن يساره نمر، يحفظانه من
أعدائه إلى وقت خروجه، وهو المهدي المنتظر.
وذهب الباقون من الكيسانية إلى الإقرار بموت

43
محمد بن الحنفية، واختلفوا في الإمام بعده، فمنهم من
زعم أن الإمامة بعده رجعت إلى ابن أخيه علي بن
الحسين زين العابدين، ومنهم من قال برجوعها بعده إلى
أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.
واختلف هؤلاء في الإمام بعد أبي هاشم، فمنهم من
نقلها إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن
عبد المطلب بوصية أبي هاشم إليه، وهذا قول
الراوندية (1)، ومنهم من زعم أن الإمامة بعد أبي هاشم
صارت إلى بيان بن سمعان، ومنهم من زعم أنها انتقلت
بعد أبي هاشم إلى عبد الله بن عمرو بن حرب، وادعت
هذه الفرقة (2) إلوهية عبد الله بن عمرو.
وذكر الشهرستاني أربع فرق من الكيسانية، وهي:
أ - المختارية:
أصحاب المختار بن أبي عبيدة الثقفي، كان



(1) أنظر الفرقة السادسة عشرة من فرق الغلاة.
(2) أنظر الفرقة الرابعة عشر من فرق الغلاة (الحربية).
44
خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار شيعيا وكيسانيا.
وقال الشهرستاني (1): إن محمد بن الحنفية كثير
العلم، غزير المعرفة، وقد أخبره أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)
عن أحوال الملاحم، وأطلعه على مدارج المعالم. وقد
قيل: إنه كان مستودعا علم الإمامة حتى سلم الإمامة إلى
أهلها، وما فارق الدنيا إلا وقد أقرها في مستقرها.
ب - الهاشمية:
أتباع أبي هاشم بن محمد بن الحنفية (2)، واختلفت
بعد أبي هاشم شيعته خمس فرق:
فرقة قالت: إن أبا هاشم مات - منصرفا من الشام -
بأرض الشراة، وأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن
عباس، وأنجرت في أولاده الوصية، حتى صارت الخلافة
إلى بني العباس.
وفرقة قالت: لا، بل إن أبا هاشم أوصى إلى أخيه



(1) الملل والنحل 1: 133.
(2) الملل والنحل 1: 134، والمقالات والفرق: 69، الرقم
123.
45
علي بن محمد، وعلي أوصى إلى ابنه الحسن، فالإمامة
عندهم في بني الحنفية.
وفرقة قالت: إن أبا هاشم أوصى إلى عبد الله بن
عمرو بن حرب.
وعن فرقة عبد الله بن عمرو نشأت: الخرمية
والمزدكية بالعراق، وهلك عبد الله بخراسان، وافترقت
أصحابه فمنهم من قال: إنه بعد حي، لم يمت، ويرجع.
ومنهم من قال: بل مات وتحولت روحه إلى
إسحاق بن زيد بن الحارث الأنصاري، وهم الحارثية:
الذين يبيحون المحرمات.
ج - البيانية (1):
أتباع بيان بن سمعان التميمي، قالوا بانتقال الإمامة
من أبي هاشم إليه، وهو من الغلاة القائلين بإلوهية
أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه).



(1) ذكرها الإسفرائيني في الفرق بين الفرق ضمن فرق الغلاة:
251، ويأتي ذكرها تحت رقم 13 من فرق الغلاة، فراجع.
والملل والنحل 1: 136.
46
د - الرزامية:
أتباع رزام بن رزم، ساقوا الإمامة من علي إلى ابنه
محمد ثم إلى ابنه أبي هاشم، ثم منه إلى علي بن عبد الله
ابن عباس بالوصية، ثم ساقوها إلى محمد بن علي،
وأوصى محمد إلى ابنه إبراهيم الإمام وهو صاحب
أبي مسلم الذي دعا إليه وقال بإمامته، وهؤلاء ظهروا
بخراسان في أيام أبي مسلم.
والمقنع الذي ادعى الألوهية لنفسه كان في الأول
على مذهب الرزامية وتابعه (مبيضة) ما وراء النهر،
وهؤلاء صنف من الخرمية دانوا بترك الفرائض، وقالوا:
الدين أمران: معرفة الإمام، وأداء الأمانة.
وقال الأشعري (1): قالت الكيسانية: يرجع الناس
في أجسادهم وأبدانهم التي كانوا عليها، ويرجع
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع النبيين فيؤمنون بمحمد وينصرونه،
ويرجع علي (عليه السلام) فيقتل معاوية وآل أبي سفيان ويهدم



(1) المقالات والفرق: 50.
47
دمشق ويغرق البصرة ويحرقها.
وقال المجلسي (رحمه الله) (1): مما يدل على بطلان قول
الكيسانية في إمامة محمد رحمة الله عليه أنه لو كان على
ما زعموا إماما معصوما يجب على الأمة طاعته لوجب
النص عليه أو ظهور العلم الدال على صدقه، إذ العصمة
لا تعلم بالحس، وإنما تعلم بخبر علام الغيوب.
وأضاف المجلسي (2): وإن الكيسانية قد انقرضوا
حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد إلا ما يحكى
ولا يعرف صحته.
ومجمل القول إن محمد بن الحنفية الذي تنتمي إليه
هذه الفرقة لم يدع الإمامة لنفسه، ولم يحدث عنه التأريخ
بأنه نازع أحدا فيها، وكل ما في الأمر أنه لم يجاهر في
عداء المختار ولم يتظاهر في خصومته لأسباب سياسية،
أما المختار فمن الجائز أن يكون قد انتحل لنفسه بعض



(1) بحار الأنوار 37: 5.
(2) بحار الأنوار 37: 3.
48
الصفات لتدعيم مركزه في الكوفة.
ولكن ما ورد عن الإمامين زين العابدين وولده
محمد الباقر (عليهما السلام) من الثناء والترحم عليه يبعد عنه تلك
التهم الباطلة.
2 - الزيدية:
قال هاشم معروف الحسني (1): الفرقة الثانية من
فرق الشيعة: الزيدية.
وقال النوبختي (2): الزيدية الذين يدعون
(الحسينية) (3) فإنهم يقولون من دعا إلى الله عز وجل من
آل محمد فهو مفترض الطاعة، وكان علي بن أبي طالب
إماما في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره، ثم كان بعده
الحسين إماما عند خروجه وقبل ذلك إذ كان مجانبا
لمعاوية ويزيد بن معاوية حتى قتل، ثم زيد بن علي بن



(1) الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 64.
(2) فرق الشيعة: 58.
(3) قال الأشعري في المقالات والفرق: 74: (الحصينية).
49
الحسين المقتول بالكوفة، أمه أم ولد، ثم يحيى بن زيد بن
علي المقتول بخراسان وأمه ريطة بنت أبي هاشم عبد الله
ابن محمد بن الحنفية، ثم ابنه الآخر عيسى بن زيد بن
علي، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن، وأمه هند بنت
أبي عبيدة بن عبد الله، ثم من دعا إلى طاعة الله من
آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو إمام.
وقال الشهرستاني (1): (الزيدية) أتباع زيد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ساقوا
الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا
ثبوت الإمامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل
فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة، أن يكون
إماما واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من
أولاد الحسين رضي الله عنهما، وعن هذا جوز قوم منهم
إمامة محمد وإبراهيم الإمامين ابني عبد الله بن الحسن بن
الحسن الذين خرجا في أيام المنصور وقتلا على ذلك،



(1) الملل والنحل 1: 137.
50
وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه
الخصال، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة.
وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب، أراد أن
يحصل الأصول والفروع حتى يتحلى بالعلم، فتتلمذ في
الأصول لواصل بن عطاء الغزال رأس المعتزلة ورئيسهم،
فاقتبس منه الاعتزال وصارت أصحابه كلهم معتزلة.
وقال: كان علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أفضل الصحابة، إلا أن
الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية
راعوها، من تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة،
وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل.
ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة وعرفوا أنه
لا يتبرأ من الشيخين رفضوه.
وبعد قتل زيد بن علي وبعده يحيى بن زيد وبعده
محمد وإبراهيم، لم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر
بخراسان صاحبهم، ناصر الأطروش (1)، فطلب ليقتل



(1) ناصر الأطروش: هو الحسن بن علي بن الحسن بن الحسن
ابن عمر بن علي بن الحسين وكان يلقب بالناصر.
51
فاختفى واعتزل الأمر، وصار إلى بلاد الديلم والجبل،
ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد، فدعا الناس دعوة إلى
الإسلام على مذهب زيد بن علي فدانوا بذلك، وبقيت
الزيدية في تلك البلاد ظاهرين، وكان يخرج واحد بعد
واحد من الأئمة ويلي أمرهم، وخالفوا بني أعمامهم من
الموسوية في مسائل الأصول، ومالت أكثر الزيدية بعد
ذلك عن القول بإمامة المفضول، وطعنت في الصحابة طعن
الإمامية، وهم أصناف ثلاثة:
جارودية، وسليمانية، وبترية، والصالحية منهم
والبترية على مذهب واحد.
وقال هاشم معروف الحسني (1): إن جماعة من
الشيعة والفقهاء قالوا بإمامة زيد بن علي، وكانوا يرون
رأيه في الثورة على الأمويين، أما إنه ادعى الإمامة وثار
من أجلها فليس فيما بأيدينا من الأدلة ما يؤكد ذلك.
إن بعض الكتاب قد ذهبوا إلى أن زيدا تتلمذ على



(1) الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 74.
52
واصل بن عطاء، وإنه كان معتزليا في أصول الإسلام،
وذلك نتيجة تأثره بأستاذه واصل بن عطاء.
وقد تعرض لهذه المسألة الشيخ أبو زهرة في كتابه
الإمام زيد، ورجح بأن زيدا من حيث تقارب سنه مع
واصل بن عطاء، ومن حيث كفاءاته التي عرف بها، يتعين
أن يكون لقاؤه مع واصل بن عطاء لقاء مذاكرة لا لقاء
تلمذة كما يدعون، وإن آراء زيد في الإمامة لا تلتقي مع
رأي المعتزلة، ولا يمكن أن يكون تلميذا لواصل، وهو
يرى فسق أحد الشخصين لا بعينه، علي ومعاوية،
ولا يجيز شهادة علي (عليه السلام) على باقة بقل كما جاء عنه.
وعلى أي الأحوال، فقد قال بإمامة زيد بن علي
جماعة من الشيعة بعد وفاته.
أ - الجارودية (1):
قال الشهرستاني: أصحاب أبي الجارود زياد بن
أبي زياد، زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نص على " علي " (رضي الله عنه)



(1) الملل والنحل 1: 140.
53
بالوصف دون التسمية، وهو الإمام بعده، والناس قصروا
حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف، وإنما
نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك. وقد خالف
أبو الجارود في هذه المقالة إمامة زيد بن علي، واختلفت
الجارودية في التوقف والسوق.
فساق بعضهم الإمامة من علي إلى الحسن، ثم إلى
الحسين، ثم إلى علي بن الحسين زين العابدين، ثم إلى
ابنه زيد بن علي، ثم إلى محمد [ذي النفس الزكية] بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب،
وقالوا بإمامته، وكان أبو حنيفة على بيعته ومن جملة
شيعته، ومحمد بن عبد الله مات بحبس المنصور.
والذين قالوا بإمامة محمد بن عبد الله الإمام
اختلفوا، فمنهم من قال: إنه لم يقتل وهو بعد حي
وسيخرج فيملأ الأرض عدلا، ومنهم من أقر بموته وساق
الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن
الحسين بن علي صاحب الطالقان، وحبسه المعتصم في
داره حتى مات، ومنهم من قال بإمامة يحيى بن عمر

54
صاحب الكوفة، قتل في أيام المستعين.
وأما أبو الجارود فكان يسمى سرحوب، سماه
بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر، وسرحوب: شيطان
أعمى يسكن البحر.
وقال الإسفرائيني (1):
قالت إحدى الفرق الجارودية: إن الإمامة صارت
بعد الحسن والحسين في ولد الحسن والحسين، فمن
خرج منهم شاهرا سيفه داعيا إلى دينه، وكان عالما
وعارفا فهو الإمام.
ثم افترقت الجارودية بعد هذا في الإمام المنتظر
فرقا، منهم من لم يعين واحدا بالانتظار، وقال: كل من
شهر سيفه ودعا إلى دينه من ولدي الحسن والحسين فهو
الإمام.
ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن
الحسن بن علي بن أبي طالب.



(1) الفرق بين الفرق: 52.
55
ومنهم من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان.
ومنهم من ينتظر محمد بن عمر (1) الذي خرج
بالكوفة.
وزعمت الجارودية أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة
علي (عليه السلام).
وقال النوبختي (2): السرحوبية نسبة إلى زياد بن
المنذر أبا الجارود، ولقبه سرحوبا، فقالت هذه الفرقة:
الحلال حلال آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحرام حرامهم،
والأحكام أحكامهم.
وقال النوبختي (3):
وأما الأقوياء من الزيدية، أصحاب أبي الجارود،
وأصحاب أبي خالد الواسطي، وأصحاب فضيل الرسان
ومنصور بن أبي الأسود.



(1) في بحار الأنوار (37: 30): " يحيى بن عمر "، من أحفاد
زيد بن علي، وقتل سنة 288 في عهد المستعين بالله.
(2) فرق الشيعة: 55 - 56.
(3) فرق الشيعة: 58.
56
ب - السليمانية:
قال الشهرستاني (1): أصحاب سليمان بن جرير،
وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلق، ويصح أن
تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وإنما تصح في
المفضول مع وجود الأفضل، وأثبتت إمامة أبي بكر وعمر
حقا باختيار الأمة حقا اجتهاديا، وربما كان يقول: إن
الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي (رضي الله عنه) خطأ
لا يبلغ درجة الفسق، غير أنه طعن في عثمان للأحداث
التي أحدثها وأكفره بذلك، وأكفر عائشة والزبير وطلحة
بإقدامهم على قتال علي (رضي الله عنه).
وقال الإسفرائيني (2): السليمانية أو الجريرية:
هؤلاء أتباع سليمان بن جرير الزيدي، وقال: إن أهل
السنة يكفرون سليمان بن جرير من أجل أنه كفر عثمان.
وقال الأشعري: ومن الزيدية فرقة تسمى



(1) الملل والنحل 1: 141، وبحار الأنوار 37: 30.
(2) الفرق بين الفرق: 53، الرقم 50.
57
الصباحية، وهم أصحاب الصباح المزني، وأمرهم أن
يعلنوا البراءة من أبي بكر وعمر، وأن يقروا بالرجعة.
ج - وفرقة من الزيدية تسمى اليعقوبية: وهم
أصحاب يعقوب بن عدي، أنكروا الرجعة ولم يؤمنوا بها،
ولم يتبرأوا ممن أقر بها، ولم يتبرأوا من أبي بكر وعمر.
3 - البترية:
قال ابن أبي خلف الأشعري القمي (1): هم أصحاب
الحسن بن صالح بن حي ومن قال بقوله: إن عليا (عليه السلام) هو
أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولاهم بالإمامة،
وإن بيعة أبي بكر ليست بخطأ، ووقفوا في عثمان وثبتوا
حزب علي (عليه السلام) وشهدوا على مخالفيه في النار، واعتلوا
بأن عليا (عليه السلام) سلم لهما ذلك فهو بمنزلة رجل كان له على
رجل حق فتركه له.



(1) المقالات والفرق: 7، لسعد بن عبد الله بن أبي خلف
الأشعري القمي.
58
وقال أبو محمد النوبختي (1): وخرجت من هذه
الفرقة (أي البترية) فرقة قالت: إن عليا (عليه السلام) أفضل الناس
لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال الإسفرائيني (2): هؤلاء أتباع رجلين،
أحدهما: الحسن بن صالح بن حي، والآخر: كثير النواء
الملقب بالأبتر. وقولهم كقول سليمان بن جرير الذي قال:
إن الإمامة شورى، وإنما تنعقد بعقد رجلين من خيار
الأمة، غير أن البترية توقفت في عثمان.
وقال البخاري (3): مات الحسن بن صالح بن حي
الكوفي سنة سبع وستين ومائة وهو من ثوار همدان،
وكنيته أبو عبد الله.
وقال ابن النديم في الفهرست (4): ولد الحسن بن
صالح بن حي سنة مائة، ومات متخفيا سنة ثمان وستين



(1) فرق الشيعة: 21.
(2) الفرق بين الفرق: 54.
(3) التأريخ الكبير 2: 295، الرقم 2521.
(4) فهرست ابن النديم: 267.
59
ومائة، وكان من كبار الشيعة الزيدية، وقيل: إنه توفي سنة
179، والأرجح سنة 167.
وقال الشهرستاني (1): الصالحية والبترية.
الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي.
والبترية: أصحاب كثير النوى الأبتر.
وهما متفقان في المذهب وتوقفوا في أمر عثمان،
أهو مؤمن أم كافر؟
وقالوا: من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين
رضي الله عنهما وكان عالما زاهدا شجاعا، فهو الإمام.
وأكثرهم - في زماننا - مقلدون لا يرجعون إلى
رأي واجتهاد، أما في الأصول فيرون رأي المعتزلة
ويعظمون أئمة الاعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت.
أما في الفروع فهم على مذهب أبي حنيفة إلا في
مسائل قليلة يوافقون الشافعي والشيعة.



(1) الملل والنحل 1: 142، واعتبرهما من فرق الزيدية.
60
وقال الأشعري (1): أصحاب الحديث الحسن بن
صالح بن حي وكثير النوا وسالم بن أبي حفصة والحكم بن
عتيبة وسلمة بن كهل وأبو المقدام وثابت الحداد، فإنهم
دعوا إلى ولاية علي، ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر،
وأجمعوا جميعا أن عليا خير القوم، وهم مع ذلك يأخذون
بأحكام أبي بكر وعمر، ويرون المسح على الخفين
وشرب النبيذ المسكر وأكل الجري، واختلفوا في حرب
علي ومحاربة من حاربه.
وقال الإسفرائيني: البترية والسليمانية من الزيدية،
كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية، لإقرار الجارودية
على تكفير أبي بكر وعمر، والجارودية يكفرون
السليمانية والبترية، لتركهما تكفير أبي بكر وعمر.
وروى الكشي (2) عن حمدويه، قال: حدثنا يعقوب
ابن يزيد، قال: حدثنا محمد بن عمر، عن محمد بن



(1) المقالات والفرق: 11.
(2) رجال الكشي: 228، الرقم 409.
61
عذافر، عن عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية؟ فقال: لا تصدق
عليهم بشئ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي:
الزيدية هم النصاب.
فرق الشيعة الأخرى:
الإمامية:
قال الإسفرائيني (1): هؤلاء الإمامية المخالفة
للزيدية والكيسانية والغلاة، وهم خمس عشرة فرقة:
الكاملية، والمحمدية، والباقرية، والناووسية،
والشميطية، والعمارية، والإسماعيلية، والمباركية،
والموسوية، والقطعية، والاثنا عشرية، والهشامية،
والزرارية، واليونسية، والشيطانية.
وأضاف الشهرستاني (2): الجعفرية الواقفة،



(1) الفرق بين الفرق: 72.
(2) الملل والنحل 1: 147 - 154.
62
والأفطحية، والمفضلية، والحمارية، والباطنية التعليمية.
وقال النوبختي (1): لما توفي أبو عبد الله جعفر بن
محمد (عليه السلام) افترقت شيعته بعده ست فرق، وأضاف
الإسفرائيني في كتابه (الفرق بين الفرق) فرق شيعية
أخرى.
1 - الناووسية:
قال النوبختي (2): قالت الناووسية أن جعفر بن
محمد حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس
وأنه هو المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: إن
رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه فإني
أنا صاحبكم. وإنه قال لهم: إن جاءكم من يخبركم عني
أنه مرضني وغسلني وكفنني فلا تصدقوه فإني صاحبكم،
صاحب السيف.
وقال الشهرستاني (3): عن أبي حامد الزوزني: أن



(1) فرق الشيعة: 66.
(2) فرق الشيعة: 67، والمقالات والفرق: 79 - 80.
(3) الملل والنحل 1: 148.
63
الناووسية زعمت أن عليا باق، وستنشق الأرض عنه قبل
يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا.
وقال الإسفرائيني (1): انضم إلى هذه الفرقة قوم من
السبئية، فزعموا جميعا أن جعفرا كان عالما بجميع معالم
الدين.
وهذه الفرقة تسمى الناووسية لأنهم لقبوا برئيس
لهم يقال له: عجلان بن ناووس من أهل البصرة.
2 - الإسماعيلية:
قال النوبختي (2): زعمت هذه الفرقة أن الإمام
بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت
موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على
جهة التلبيس من أبيه على الناس لأنه خاف فغيبه
عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك
الأرض ويقوم بأمر الناس وأنه هو القائم، لأن أباه



(1) الفرق بين الفرق: 80.
(2) فرق الشيعة: 67.
64
أشار إليه بالإمامة بعده.
وقال الإسفرائيني (1): وافترقت الإسماعيلية
فرقتين:
1 - فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر، مع اتفاق
أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.
2 - وفرقة قالت: كان الإمام بعد جعفر سبطه محمد
ابن إسماعيل بن جعفر، حيث إن جعفرا نصب ابنه
إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل.
وقال الشهرستاني (2): يقال للفرقة الثانية من
الإسماعيلية (المباركية)، وثم منهم من وقف على محمد
ابن إسماعيل، السابع التام، وقال برجعته بعد غيبته، وإنما
تم دور السبعة به، ثم ابتدئ منه بالأئمة المستورين
الذين كانوا يسيرون في البلاد سرا ويظهرون الدعاة
جهرا، ومنهم من ساق الإمامة في (المستورين) منهم، ثم



(1) الفرق بين الفرق: 81، الرقم 60.
(2) الملل والنحل 1: 149 و 171.
65
في (الظاهرين القائمين) من بعدهم، وهم الباطنية.
قالوا: ولن تخلو الأرض قط من (إمام) حي قائم،
إما ظاهر مكشوف وإما باطن مستور، فإذا كان الإمام
ظاهرا جاز أن يكون حجته مستورا، وإذا كان الإمام
مستورا فلا بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين.
ثم بعد الأئمة المستورين كان ظهور المهدي بالله،
والقائم بأمر الله وأولادهم نصا بعد نص على إمام بعد
إمام.
ومن مذهبهم: أن من مات ولم يعرف (إمام زمانه)
مات ميتة جاهلية، وكذلك من مات ولم يكن في عنقه
(بيعة إمام) مات ميتة جاهلية.
وأشهر ألقابهم: (الباطنية)، وإنما لزمهم هذا اللقب
لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا.
ولهم ألقاب كثيرة:
فبالعراق يسمون: الباطنية، والقرامطة، والمزدكية.
وبخراسان: التعليمية، والملحدة.
وهم يقولون: نحن إسماعيلية، لأنا تميزنا عن فرق

66
الشيعة بهذا الاسم وهذا الشخص.
ثم إن الباطنية القديمة قد خلطوا كلامهم ببعض كلام
الفلاسفة وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج.
أما أصحاب (الدعوة الجديدة) فقد تنكبوا هذه
الطريقة حين أظهر (الحسن بن محمد بن الصباح) دعوته
واستظهر بالرجال وتحصن بالقلاع، وكان بدء صعوده
على (قلعة الموت) (1) في شهر شعبان سنة ثلاث وثمانين
وأربعمائة.
وعد الإسفرائيني (2) فرقة الباطنية من فرق الغلاة
وقال: إن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من
ضرر اليهود والنصارى والمجوس، بل أعظم من مضرة
الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر
الدجال الذي يظهر في آخر الزمان.
وقد حكى أصحاب المقالات أن الذين أسسوا



(1) أشهر قلعة حصينة من قلاع (طالقان) من نواحي قزوين، بناها
أحد ملوك الديلم وسماها (إله موت) أي تعليم العقاب.
(2) الفرق بين الفرق: 305.
67
دعوة الباطنية جماعة، منهم: ميمون بن ديصان،
المعروف بالقداح، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق،
وكان من الأهواز. ومنهم: محمد بن الحسين الملقب
ب‍ " دندان "، اجتمعوا كلهم مع ميمون بن ديصان في سجن
والي العراق، فأسسوا في ذلك السجن مذاهب الباطنية،
ثم رحل ميمون بن ديصان إلى ناحية المغرب، وانتسب
في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب، وزعم أنه من
نسله، فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرفض
والحلولية منهم، ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن
جعفر.
ثم ظهر في دعوته إلى دين الباطنية رجل يقال له
حمدان قرمط، ثم ظهر بعده في الدعوة إلى البدعة
أبو سعيد الجنابي وكان من مستجيبة حمدان، وتغلب على
ناحية البحرين.
ثم لما تمادت الأيام بهم ظهر المعروف منهم
بسعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون بن
ديصان القداح، فغير اسم نفسه ونسبه وقال لأتباعه أنا

68
عبيد الله (1) بن الحسين بن محمد بن إسماعيل بن جعفر
الصادق، ثم ظهرت فتنته بالمغرب واستولى على أعمال
مصر.
وقال الأشعري (2): الفرقة التي زعمت أن الإمام بعد
جعفر: محمد بن إسماعيل بن جعفر، وقالوا: إن الأمر كان
لإسماعيل في حياة أبيه، فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر
ابن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل، وكان الحق له
ولا يجوز غير ذلك، وأصحاب هذه المقالة يسمون
(المباركية) (3) برئيس لهم كان يسمى (المبارك مولى
إسماعيل بن جعفر).
أما الإسماعيلية (4) الخالصة فقد: زعمت أن الإمام



(1) هو عبيد الله الملقب بالمهدي، والد الخلفاء العبيديين
الفاطميين، وقد افترى أنه من ولد جعفر الصادق، وهلك سنة
322 وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة (العبر 2: 193).
(2) المقالات والفرق: 80، الرقم 157.
(3) الفرق بين الفرق: 83، الرقم 62.
(4) المقالات والفرق: 80، الرقم 156.
69
بعد جعفر ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل
في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك يلتبس على الناس لأنه
خاف عليه نفسه عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت
حتى يملك الأرض ويقوم بأمور الناس وإنه هو القائم،
لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده، فلما أظهر موته علمنا أنه
قد صدق وأنه القائم لم يمت.
وقال الأشعري (1): أما الإسماعيلية الخالصة فهم
الخطابية، وقد دخلت منهم فرقة في فرقة محمد بن
إسماعيل، وأقروا بموت إسماعيل في حياة أبيه، وكانت
الخطابية الرؤساء منهم قتلوا مع أبي الخطاب.
أما القرامطة (2): هذه الفرقة انشعبت من فرقة
المباركية التي انشعبت هي عن الخطابية، وسميت
القرامطة لرئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب
ب‍ (قرمطويه)، وكانوا في الأصل على مقالة المباركية ثم



(1) المقالات والفرق: 81، الرقم 158.
(2) المقالات والفرق: 83، الرقم 161.
70
خالفوهم، وقالوا: لا يكون بعد محمد غير سبعة أئمة:
علي وهو إمام رسول، والحسن والحسين وعلي بن
الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ومحمد بن
إسماعيل بن جعفر وهو الإمام القائم المهدي وهو رسول،
وإنه من أولي العزم.
3 - السميطية (1):
قالت هذه الفرقة، إن الإمام بعد جعفر بن محمد
ابنه (محمد بن جعفر)، وأمه أم ولد يقال لها حميدة، وذلك
أن بعضهم روى لهم أن محمد بن جعفر دخل على أبيه
جعفر يوما وهو صبي صغير فعدا إليه فكبا في قميصه
ووقع على وجهه، فقام إليه جعفر وقبله ومسح التراب عن
وجهه ووضعه على صدره وقال: سمعت أبي يقول: إذا
ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي، فهو شبيهي وشبيه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن



(1) فرق الشيعة: 78، والمقالات والفرق: 86، الرقم 162،
وقال المجلسي (رحمه الله): السبطية، (بحار الأنوار 37: 10).
71
جعفر وولده من بعده، وهذه الفرقة تنسب إلى رئيس لهم
يقال له (يحيى بن أبي سميط).
وقال الإسفرائيني (1):
السميطية: وقد ساقوا الإمامة بطريق النص من
جعفر إلى ابنه محمد بن جعفر، وأقروا بموت جعفر،
وزعموا أن جعفرا أوصى بها لابنه محمد، ثم أداروا
الإمامة في أولاد محمد بن جعفر، وزعموا أن المنتظر من
ولده.
4 - الفطحية:
قال النوبختي (2): قالت هذه الفرقة إن الإمامة بعد
جعفر في ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح، وذلك أنه كان عند
مضي جعفر أكبر ولده سنا وجلس مجلس أبيه وادعى
الإمامة ووصية أبيه، واعتلوا بحديث يروونه عن أبي
عبد الله جعفر بن محمد أنه قال: الإمامة في الأكبر من



(1) الفرق بين الفرق: 80، الرقم 58، والملل والنحل 1: 148.
(2) فرق الشيعة: 77، والمقالات والفرق: 87، الرقم 163.
72
ولد الإمام، فمال إلى عبد الله والقول بإمامته جل من قال
بإمامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحق
فامتحنوا عبد الله، بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة
وغير ذلك فلم يجدوا عنده علما.
وسميت الفطحية بهذا الاسم لأن عبد الله كان أفطح
الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعض
الرواة: نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له
عبد الله بن فطيح.
ومال إلى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة وفقهائها،
ولم يشكوا في أن الإمامة في عبد الله بن جعفر وفي ولده
من بعده، فمات عبد الله ولم يخلف ذكرا، فرجع عامة
الفطحية عن القول بإمامته سوى قليل منهم إلى القول
بإمامة موسى بن جعفر، وقد كان رجع جماعة منهم في
حياة عبد الله إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ثم رجع عامتهم
بعد وفاته عن القول به، وبقي بعضهم على القول بإمامته ثم
إمامة موسى بن جعفر من بعده، وعاش عبد الله بن جعفر
بعد أبيه سبعين يوما.

73
وقال الأشعري (1): روي أن (جعفر الصادق (عليه السلام))
قال لموسى (عليه السلام): يا بني إن أخاك سيجلس مجلسي،
ويدعي الإمامة بعدي، فلا تنازعه ولا تتكلمن، فإنه أول
أهلي لحاقا بي.
وقال الأشعري (2): وقالت فرقة من أصحاب
عبد الله بعد وفاته: إن الإمامة انقطعت بعد موته فلا إمام
بعده.
وشذت منهم فرقة بعد وفاة موسى بن جعفر،
فادعت أن لعبد الله بن جعفر ابنا ولد له من جارية وأنه
كان وجهه إلى اليمن فنشأ هنالك، يقال له محمد، وأنه
تحول بعد موت أبيه إلى خراسان فهو مقيم بها، وأنه حي
إلى اليوم، وأنه الإمام بعد أبيه، وهو القائم المنتظر.
وهذه الفرقة قليلة، منهم قوم بناحية العراق، وناحية
اليمن، وأكثرهم بخراسان.



(1) المقالات والفرق: 87، الرقم 164.
(2) المقالات والفرق: 88، الرقم 165.
74
وذكرها الإسفرائيني (1) باسم العمارية، وقال: وهم
(أي الفطحية) ينسبون إلى زعيم منهم يسمى عمارا، وهم
يسوقون الإمامة إلى جعفر الصادق، ثم زعموا أن الإمام
بعده ولده عبد الله.
وقد أبطل الشيخ المفيد (رحمه الله) (2) مزاعم هذه الفرق
التي جاءت بعد وفاة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
وقال:
فأما الناووسية، فقد ارتكبت في إنكارها وفاة
أبي عبد الله (عليه السلام) ضربا من دفع الضرورة وإنكار
المشاهدة، لأن العلم بوفاته كالعلم بوفاة أبيه من قبله،
ولا فرق بين هذه الفرقة وبين الغلاة الدافعين لوفاة
أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين من أنكر مقتل الحسين (عليه السلام)،
ودفع ذلك مراد عن أنه كان مشبها للقوم، وأما الخبر الذي
تعلقوا به فهو خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا،



(1) الفرق بين الفرق: 81، الرقم 59.
(2) الفصول المختارة: 249.
75
ولو رواه ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره
حجة في دفع الضرورات وارتكاب الجهالات بدفع
المشاهدات، على أنه يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون هذا
القول إنما صدر من أبي عبد الله (عليه السلام) عند توجهه إلى
العراق، ليؤمنهم من موته في تلك الأحوال، ويعرفهم
رجوعه إليهم من العراق، ويحذرهم من قبول أقوال
المرجفين (1) به، والمؤدية إلى الفساد، ولا يجب أن يكون
ذلك مستغرقا لجميع الأزمان، ويحتمل أن يكون أشار إلى
جماعة علم أنهم لا يبقون بعده وأنه يتأخر عنهم فقال:
" من جاءكم من هؤلاء " فقد جاء في بعض الأسانيد:
" من جاء منكم "، وفي بعضها: " من جاءكم من
أصحابي "، وهذا يقتضي الخصوص.
وله وجه آخر وهو أنه عنى بذلك كل الخلق
ما سوى الإمام القائم من بعده لأنه ليس يجوز أن يتولى



(1) أرجف: خاض في الأخبار السيئة والفتن قصد أن يهيج
الناس.
76
غسل الإمام وتكفينه ودفنه إلا الإمام القائم مقامه (عليه السلام)
إلا أن تدعو ضرورة إلى غير ذلك، فكأنه أنبأهم بأنه
لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن تولي أمره بنفسه.
وأضاف الشيخ المفيد (رحمه الله): مع أنه لا بقية
للناووسية، ولم تكن في الأصل أيضا كثرة، ولا أعرف
منهم رجل مشهور بالعلم، ولا قرئ لهم كتاب، وإنما هي
حكاية إن صحت، فعن عدد يسير لم يبرز قولهم حتى
اضمحل وانتقض.
وأما ما اعتلت به الإسماعيلية (1) من أن
إسماعيل (رحمه الله) كان الأكبر وأن النص يجب أن يكون على
الأكبر، فلعمري إن ذلك يجب إذا كان الأكبر باقيا بعد
الوالد، فأما إذا كان المعلوم من حاله أنه يموت في حياته
ولا يبقى بعده، فليس يجب ما ادعوه.
وأما ما ادعوه من تسليم الجماعة لهم حصول النص
عليه، فإنهم ادعوا في ذلك باطلا وتوهموا فاسدا من قبل



(1) الفصول المختارة: 250.
77
أنه ليس أحد من أصحابنا يعترف بأن أبا عبد الله (عليه السلام)
نص على ابنه إسماعيل، ولا روى راو ذلك في شاذ من
الأخبار ولا في معروف منها، وإنما كان الناس في حياة
إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله ينص عليه لأنه أكبر
أولاده، وبما كانوا يرونه من تعظيمه، فلما مات إسماعيل
زالت ظنونهم وعلموا أن الإمامة في غيره، فتعلق هؤلاء
المبطلون بذلك الظن وجعلوه أصلا، وادعوا أنه قد وقع
النص، وليس معهم في ذلك خبر، ولا أثر يعرفه أحد من
نقلة الشيعة.
فأما الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) من قوله: " ما بدا
لله في شئ كما بدا له في إسماعيل "، فإنها على غير
ما توهموه أيضا من البداء في الإمامة، وإنما معناها
ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " إن الله عز وجل
كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين، فسألته فيه فرقا،
فما بدا له في شئ كما بدا له في إسماعيل " يعني به
ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسألة
أبي عبد الله (عليه السلام)، فأما الإمامة فإنه لا يوصف الله عز

78
وجل بالبداء فيها، وعلى ذلك إجماع فقهاء الإمامية.
فأما (1) من ذهب إلى إمامة محمد بن إسماعيل بنص
أبيه عليه، فإنه منتقض القول فاسد الرأي، من قبل أنه إذا
لم يثبت لإسماعيل إمامة في حياة أبي عبد الله (عليه السلام)
- لاستحالة وجود إمامين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمان
واحد - لم يجز أن يثبت إمامة محمد، لأنها تكون حينئذ
ثابتة بنص غير إمام، وذلك فاسد في النظر الصحيح. وأما
من زعم بأن أبا عبد الله (عليه السلام) نص على محمد بن إسماعيل
بعد وفاة أبيه، فإنهم لم يتعلقوا في ذلك بأثر، وإنما قالوه
قياسا على أصل فاسد.
وأما (2) من ادعى إمامة محمد بن جعفر (عليه السلام) بعد أبيه
فإنهم شذاذ جدا، قالوا بذلك زمانا مع قلة عددهم وإنكار
الجماعة عليهم، ثم انقرضوا حتى لم يبق منهم أحد يذهب
إلى هذا المذهب.



(1) الفصول المختارة: 251.
(2) الفصول المختارة: 252.
79
وأما الفطحية، فإن أمرها أيضا واضح وفساد قولها
غير خاف ولا مستور، وذلك أنهم لم يدعوا نصا من
أبي عبد الله (عليه السلام) على عبد الله، وإنما عملوا على ما رووه
من أن الإمامة تكون في الأكبر.
5 - الكاملية (1):
ذكرها الإسفرائيني ضمن فرق الإمامية وقال:
هؤلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف
بأبي كامل، وكان يزعم أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة
علي، وكفر علي بتركه قتالهم، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه
قتال أصحاب صفين.
6 - المحمدية (2):
هؤلاء ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن
الحسن بن علي بن أبي طالب، ولا يصدقون بقتله، وكان
المغيرة بن سعيد العجلي يقول لأصحابه: إن المهدي



(1) الفرق بين الفرق: 73، الرقم 54.
(2) الفرق بين الفرق: 75، الرقم 55.
80
المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسن.
7 - الباقرية (1):
هؤلاء قوم ساقوا الإمامة من علي بن
أبي طالب (عليه السلام) في أولاده إلى محمد بن علي المعروف
بالباقر (عليه السلام).
8 - الموسوية (2):
هؤلاء الذين ساقوا الإمامة إلى جعفر، ثم زعموا أن
الإمام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفر، وزعموا أن
موسى بن جعفر حي وأنه هو المهدي المنتظر.
9 - القطعية (3):
هؤلاء ساقوا الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه



(1) الفرق بين الفرق: 78، الرقم 56.
(2) الفرق بين الفرق: 82، الرقم 61.
(3) الفرق بين الفرق: 83، الرقم 63.
أقول: من يريد التفصيل حول الفرق الشيعية فليراجع:
فرق النوبختي، بحار الأنوار 37: 1 - 34، المقالات والفرق
لأبي الحسن الأشعري.
81
موسى، وقطعوا بموت موسى، وزعموا أن الإمام بعده
سبط محمد بن الحسن الذي هو سبط علي بن موسى
الرضا، ويقال لهم: الاثنا عشرية.

82
نشأة الاعتزال وأصوله
لما (1) قتل عثمان بن عفان، بايع الناس عليا (عليه السلام)،
فسموا الجماعة ثم افترقوا بعد ذلك فصاروا ثلاث فرق:
فرقة أقامت على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وفرقة منهم اعتزلت مع سعد بن مالك، وهو سعد بن
أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن
مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي مولى
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي (عليه السلام)
وامتنعوا من محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته
والرضا به، فسموا المعتزلة، وصاروا أسلاف المعتزلة إلى
آخر الأبد. وقالوا: لا يحل قتال علي ولا القتال معه.
وذكر بعض أهل العلم أن الأحنف بن قيس التميمي اعتزل
بعد ذلك في خاصة قومه من بني تميم لا على التدين



(1) فرق الشيعة، للنوبختي: 5.
83
بالاعتزال، لكن على طلب السلامة من القتل وذهاب
المال، وقال لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم.
وفرقة خالفت عليا (عليه السلام)، وهم طلحة بن عبيد الله
والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر، فصاروا إلى
البصرة... وهم أصحاب الجمل.
وقالت (1) المعتزلة: إن الإمامة يستحقها كل من كان
قائما بالكتاب والسنة، فإذا اجتمع قرشي ونبطي وهما
قائمان بالكتاب والسنة ولينا القرشي، والإمامة لا تكون
إلا بإجماع الأمة واختيار ونظر.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) في أوائل المقالات في
المذاهب والمختارات (2): اسم الاعتزال هو لقب حدث لها
عند القول بالمنزلة بين المنزلتين، وما أحدثه واصل بن
عطاء من المذهب في ذلك، ونصب من الاحتجاج له،
فتابعه عمرو بن عبيد، ووافقه على التدين بمن قال بها،



(1) فرق الشيعة، للنوبختي: 10.
(2) أوائل المقالات: 43 - 45.
84
ومن اتبعهما عليه إلى اعتزال الحسن البصري وأصحابه
والتحيز عن مجلسه، فسماهم الناس: المعتزلة، لاعتزالهم
مجلس الحسن، ولم يكن قبل ذلك يعرف الاعتزال،
ولا كان علما على فريق من الناس، فمن وافق المعتزلة
فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين كان معتزليا على
الحقيقة.
اتفق أهل الإمامة على أنه لا بد في كل زمان من
إمام موجود يحتج الله عز وجل به على عباده، واجتمعت
المعتزلة على خلاف ذلك وجواز خلو الأزمان الكثيرة من
إمام موجود. وأفكار المعتزلة لا تعدو واحدا من أمور
ثلاثة:
الأول: إن واصل بن عطاء الغزال كان يتبنى رأي
معبد الجهني وغيلان الدمشقي في أفعال الإنسان، وإنه هو
وحده الذي يصنع أفعاله بدون أن يكون لله أي أثر في
ذلك، وهما أول من أظهر القول بالقدر بمعنى الاختيار
المطلق.
وقد أضمر واصل هذه العقيدة وأخفاها عن رفقائه

85
وأستاذه الحسن البصري، فيكون وصفه بالاعتزال
لأنه اعتزل رأي الجمهور الأكبر القائل بالقدر المرادف
للجبر.
الثاني: إن وصف الاعتزال غلب عليهم لأنهم
اعتزلوا قول الخوارج والمرجئة والفقهاء في مرتكب
الكبيرة، حيث إن الخوارج يرونه كافرا، والمرجئة يرونه
مؤمنا مستحقا للنعيم، والفقهاء يرونه منافقا، وأجاب
واصل بأنهم بين المنزلتين: الإيمان والكفر، ويستحقون
الخلود في جهنم (1).
الثالث: إنهم إنما وصفوا بالاعتزال لأنهم عزلوا
مرتكب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين كما يظهر ذلك
من المسعودي في " مروج الذهب ".
ويرى بعض المؤرخين أن وصف الاعتزال كان
أسبق من تأريخ واصل بن عطاء، وأنه وصف لجماعة من
المسلمين قد لزموا منازلهم عندما صالح الحسن بن



(1) التبصير في الدين: 64، وفجر الإسلام: 298.
86
علي (عليه السلام) معاوية واعتزلوا الفريقين.
ويرى بعض المستشرقين أن جماعة من المسلمين
كانوا أتقياء للغاية أعرضوا عن ملاذ الحياة وزهدوا في
الدنيا، فسماهم الناس: معتزلة.
ووردت في كتاب قيس بن سعد بن عبادة، وكان
واليا لعلي (عليه السلام) على مصر، قال في كتابه إلى علي (عليه السلام):
" إن قبلي قوما معتزلين، وقد سألوني أن أكف عنهم ".
وجميع فرق المعتزلة متفقون على خمسة مبادئ:
التوحيد، العدل، الوعيد والوعد، المنزلة بين المنزلتين،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الأصول
الخمسة هي الأركان التي لا بد منها في وصفهم بالاعتزال.
وقد بدأ المعتزلة نشاطهم في مطلع القرن الثاني،
بينما ظهر واصل بن عطاء بآرائه، ثم بدأت تنشط وتنتشر
مبادئها بمناصرة الحكام العباسيين إلى أوائل القرن الرابع
الهجري سنة 331، وفي السنة التي توفي فيها الجبائي،
الزعيم الأخير لتلك المدرسة، وفي خلال هذه المدة بلغ
عدد المتزعمين من المعتزلة عشرين شيخا.

87
ولعب الأشاعرة دورا بارزا في الصراع الذي
حدث بين المعتزلة والمحدثين، أدى إلى حرق كتبهم
وتشريدهم في البلاد شرقا وغربا، وأصبح المسلمون
ينظرون إلى مذهب المعتزلة بعين الريبة والحذر.
فرق المعتزلة:
1 - الواصلية:
قال الشهرستاني (1): هم أصحاب أبي حذيفة واصل
ابن عطاء الغزال الألثغ، كان تلميذا للحسن البصري،
وكان في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك.
وبالمغرب الآن منهم شرذمة قليلة في بلد إدريس بن
عبد الله الحسني الذي خرج بالمغرب في أيام أبي جعفر
المنصور. واعتزالهم يدور على أربع قواعد:
1 - القول بنفي صفات الباري تعالى، من العلم
والقدرة والإرادة والحياة.



(1) الملل والنحل 1: 50، والفرق بين الفرق: 133.
88
2 - القول بالقدر، وسلكوا مسلك معبد الجهني
وغيلان الدمشقي.
3 - القول بالمنزلة بين المنزلتين.
4 - قوله في الفريقين من أصحاب الجمل وصفين
أن أحدهما مخطئ لا بعينه، وكذلك قوله في عثمان
وقاتليه، قال: إن أحد الفريقين فاسق لا محالة، وجوز أن
يكون عثمان وعلي على خطأ.
وهو رئيس المعتزلة، وتوفي سنة 131.
2 - الهذيلية:
قال الإسفرائيني (1): هؤلاء أتباع أبي الهذيل محمد
ابن الهذيل المعروف بالعلاف. وقال الشهرستاني (2): هو
حمدان بن الهذيل شيخ المعتزلة ومقدم الطائفة ومقرر
الطريقة، أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن
واصل بن عطاء.



(1) الفرق بين الفرق: 138.
(2) الملل والنحل 1: 53.
89
ولد في البصرة سنة 135، ولم يرتحل عنها قبل سنة
204 بعد أن استدعاه المأمون لبغداد.
وقد ذهب إلى أن الله سبحانه لا يقدر أن يعطي
عباده القدرة على الإحياء والإماتة، ومن آرائه أن الله
لا يقدر على ما أقدر عليه عباده، ولا يوصف بالقدرة على
الصلاة والصيام.
3 - النظامية (1):
أتباع إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام المتوفى
سنة 221 وله من العمر خمس وثلاثون سنة، وكان من
مشاهير العلماء البارعين في علم الكلام والفلسفة، وقد
طالع كثيرا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام
المعتزلة، وقد نسب إليه أنه كان يقول: إن القرآن لا إعجاز
في نظمه، وينكر جميع المعجزات التي رواها المحدثون
عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يتأول صفات الله سبحانه
تأويلا سلبيا.



(1) الملل والنحل 1: 56، والفرق بين الفرق: 147.
90
4 - الخابطية (1) والحدثية:
أصحاب أحمد بن خابط (2)، وهو من تلامذة
النظام، وقد قال بالتناسخ، ونسب إلى الخابطية القول بأن
للعالم إلهين: أحدهما قديم وهو الله، والثاني محدث وهو
السيد المسيح.
وقيل: إن الذي ادعى بالتناسخ هم (الحدثية)
من المعتزلة، وهم أتباع الفضل بن الحدثي أحد تلامذة
النظام.
5 - البشرية:
أتباع بشر بن المعتمر.
وقال الشهرستاني (3):
كان من أفضل علماء المعتزلة، وقد ذهب إلى أن
الإنسان يخلق اللون والطعم والرائحة والسمع والبصر
على سبيل التولد.



(1) الملل والنحل 1: 61.
(2) وقيل: أحمد بن حائط، وفرقته الحائطية.
(3) الملل والنحل 1: 63.
91
وقال الإسفرائيني (1): قال أعوانه من القدرية
بتكفيره.
6 - المعمرية (2):
أصحاب معمر بن عباد السلمي، وهو من أعظم
القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر
خيره وشره من الله تعالى.
وقد تفرد عن شيوخ المعتزلة بأمور منها أن
الإنسان ليس الصورة التي نشاهدها، وإنما هو شئ
في هذه الصورة، عالم، قادر، مختار، يدبر بلا حركة
ولا سكون.
وقال الإسفرائيني (3):
وكان رأسا للملحدة وذنبا للقدرية، وفضائحه على
الأعداد كثيرة الأمداد.



(1) الفرق بين الفرق: 170.
(2) الملل والنحل 1: 65.
(3) الفرق بين الفرق: 166.
92
7 - المزدارية (1):
أصحاب عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى
الملقب بالمزدار، وقد تتلمذ لبشر بن المعتمر وأخذ العلم
منه وتزهد، ويسمى راهب المعتزلة، وكان من أعاظم
معتزلة بغداد وزهادهم، وقد ذهب إلى أن الله يقدر على
الظلم والكذب، وإن الناس قادرون على الإتيان بمثل
القرآن وأحسن منه نظما، وكفر من عاشر السلطان وحكم
بعدم التوارث بينه وبين أقربائه.
8 - الثمامية:
أصحاب ثمامة بن أشرس النميري، كان جامعا بين
سخافة الدين وخلاعة النفس، وكان ثمامة في أيام
المأمون، وقد رآه المأمون سكران يتمرغ في الوحل.
9 - الهشامية:
أصحاب هشام بن عمرو الفوطي، ومبالغته في



(1) الملل والنحل 1: 67، والتبصير في الدين: 71، والفرق بين
الفرق: 178، وفيه: " المردارية " بالراء المهملة.
93
القدر أشد وأكثر من مبالغة أصحابه، وهو من معتزلة القرن
الثاني المعاصرين للمأمون العباسي، وكان لا يجيز لأحد
من المسلمين أن يقول " حسبنا الله ونعم الوكيل ".
10 - الجاحظية:
أصحاب عمرو بن بحر أبي عثمان الجاحظ. قال
الشهرستاني: كان من فضلاء المعتزلة والمصنفين لهم،
وكان في أيام المعتصم والمتوكل، توفي سنة 256، ومن
مؤلفاته طبائع الحيوان.
11 - الخياطية:
أتباع عبد الرحيم بن محمد المعروف بأبي الحسين
الخياط المتوفى سنة 290، من تلامذة جعفر بن بشر.
وقال الشهرستاني (1): أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط
أستاذ أبي القاسم الكعبي، وهما من معتزلة بغداد، إلا أن
الخياط غالى في إثبات المعدوم، وانفرد الكعبي عن
أستاذه.



(1) الملل والنحل 1: 73.
94
12 - الجبائية (1):
أتباع محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة
303، وهو الزعيم الأول للطبقة الثالثة من طبقات
المعتزلة، وقد عرف بالذكاء منذ كان صغيرا. وقال
الشهرستاني: كنيته أبو علي، وابنه أبو هاشم عبد السلام
وهما من معتزلة البصرة، وخالفه ابنه وسائر أصحابه.
13 - البهشمية (2):
قال الإسفرائيني: هؤلاء أتباع أبي هاشم بن
الجبائي، وأكثر معتزلة عصرنا على مذهبه، لدعوة
ابن عباد (3) وزير آل بويه إليه، ويقال لهم: الذمية، لقولهم
باستحقاق الذم لا على فعل، وقد شاركوا المعتزلة في أكثر
ضلالتها.



(1) الفرق بين الفرق: 194، والملل والنحل 1: 73.
(2) الفرق بين الفرق: 294، والملل والنحل 1: 73.
(3) هو أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني الملقب
بالصاحب، ولد سنة 326 في إصطخر وتوفي سنة 326 بالري
ثم نقل إلى إصبهان.
95
14 - الكعبية (1):
هؤلاء أتباع أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن
محمود البلخي، المعروف بالكعبي، وكان حاطب ليل
يدعي في أنواع العلوم، خالف البصريين من المعتزلة في
أقوال كثيرة.
وقد أضاف الإسفرائيني فرق أخرى للمعتزلة هي:
15 - الأسوارية (2):
أتباع علي الأسواري، وكان من أتباع أبي الهذيل،
ثم انتقل إلى مذهب النظام، وزاد عليه في الضلالة بأن
قال: إن ما علم الله أن لا يكون لم يكن مقدورا لله تعالى.
16 - الجعفرية (3):
أتباع جعفر بن بشير المتوفى سنة 234، وجعفر بن
حرب المتوفى سنة 236، وقد ذهبا إلى أن الله لا يقدر
على ظلم الأطفال والمجانين.



(1) الفرق بين الفرق: 192، والملل والنحل 1: 73.
(2) الفرق بين الفرق: 165.
(3) الفرق بين الفرق: 180.
96
17 - الإسكافية (1):
هؤلاء أتباع محمد بن عبد الله الإسكافي، وكان
خياطا، وكان قد أخذ ضلالته في القدر من جعفر بن
حرب، ثم خالفه في بعض فروعه ومات سنة 140.
18 - الشحامية (2):
هؤلاء أتباع أبي يعقوب (3) الشحام وكان أستاذ
الجبائي، من أصحاب أبي الهذيل، وإليه انتهت رئاسة
المعتزلة في البصرة في وقته، ويروى أن الواثق العباسي
أمر أن يجعل مع أصحاب الدواوين رجال من المعتزلة
فاختار أبا يعقوب الشحام، المتوفى سنة 267 ه‍.



(1) الفرق بين الفرق: 182.
(2) الفرق بين الفرق: 190.
(3) هو: أبو يعقوب يوسف بن عبد الله بن إسحاق الشحام.
97
المرجئة وفرقهم
نشأة المرجئة ومعنى الإرجاء:
وهم الذين يبالغون في إثبات الوعد، وهم عكس
المعتزلة المبالغين في إثبات الوعيد، فهم يرجون المغفرة
والثواب لأهل المعاصي، ويرجئون حكم أصحاب
الكبائر إلى الآخرة، فلا يحكمون عليهم بكفر ولا فسق
ويقولون: إن الإيمان إنما هو التصديق بالقلب واللسان
فحسب، وإنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع
الكفر طاعة، فالإيمان عندهم منفصل عن العمل، ومنهم
من زعم أن الإيمان اعتقاد بالقلب، وإن أعلن الكفر
بلسانه وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية والنصرانية وعبد
الصليب، وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك،
فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله، وهو ولي الله، ومن أهل
الجنة، ذكر ذلك ابن حزم.
وكلمة الإرجاء على معنيين:

98
أحدهما: التأخير، يقال: أرجيته وأرجأته، إذا
أخرته، ومنه قوله تعالى: * (قالوا أرجه وأخاه) * أي أمهله
وأخره، وسموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان.
ثانيهما: إعطاء الإرجاء، أما إطلاق اسم
- المرجئة - على الجماعة بالمعنى الثاني فظاهر، لأنهم
كانوا يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع
الكفر طاعة.
ولقد اضطربت الأقوال حول نشأة هذه الفرقة وبدء
تكوينها، ولم نستطع بهذه العجالة تحديد ذلك على وجه
التحقيق.
يقول النوبختي: لما قتل علي (عليه السلام) اتفقت بقية
الناكثين والقاسطين وتبعة الدنيا، فقد التقت الفرقة التي
كانت مع علي (عليه السلام) والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير
وعائشة، فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان
إلا القليل منهم من شيعة علي ومن قال بإمامته بعد
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهم السواد الأعظم وأهل الحشو وأتباع
الملوك وأعوان كل من غلب، أعني الذين التقوا مع معاوية

99
فسموا جميعا (المرجئة) لأنهم توالوا المختلفين جميعا
وزعموا أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر
بالإيمان ورجوا لهم جميعا المغفرة (1).
وافترقت (2) (المرجئة) بعد ذلك فصارت إلى أربع
فرق: فرقة منهم غلوا في القول وهم (الجهمية) أصحاب
(جهم بن صفوان) وهم مرجئة أهل خراسان.
وفرقة الغيلانية: وهم أصحاب (غيلان بن مروان)
وهم مرجئة أهل الشام.
وفرقة الماصرية: وهم أصحاب (عمرو بن قيس
الماصر)، وهم مرجئة أهل العراق، منهم (أبو حنيفة)
ونظراؤه.
وفرقة منهم يسمون (النساك) و (البترية) أصحاب
الحديث، منهم: (سفيان بن سعيد الثوري) و (شريك بن
عبد الله) و (ابن أبي ليلى) و (محمد بن إدريس



(1) فرق الشيعة للنوبختي: 6 - 7.
(2) فرق الشيعة: 7.
100
الشافعي) و (مالك بن أنس) ونظراؤهم من أهل الحشو
والجمهور العظيم وقد سموا (الحشوية) (1).
فقالت أوائلهم في الإمامة: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
من الدنيا ولم يستخلف على دينه من يقوم مقامه، وجوزوا
فعل هذا الفعل لكل إمام أقيم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم
اختلف هؤلاء فقال بعضهم: على الناس أن يجتهدوا
آراءهم في نصب الإمام وجميع حوادث الدين والدنيا إلى
اجتهاد الرأي، وقال بعضهم: الرأي باطل، ولكن الله
عز وجل أمر الخلق أن يختاروا بعقولهم.
وقال من المرجئة (2) أبو حنيفة وأبو يوسف وبشر
المريسي ومن قال بقولهم، في حرب علي (عليه السلام) ومحاربة
من حاربه: إن عليا (عليه السلام) كان مصيبا في حربه طلحة
والزبير وغيرهما، وإن جميع من قاتل عليا (عليه السلام) وحاربه



(1) قالت الحشوية إن عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في
حروبهم، وإن المصيبين هم الذين قعدوا عنهم، وإنهم يتولونهم
جميعا، ويتبرأون من حربهم. فرق الشيعة: 15.
(2) فرق الشيعة: 13.
101
كان على خطأ، وجب على الناس محاربتهم مع علي (عليه السلام)،
والدليل على ذلك قول الله عز وجل: * (فقاتلوا التي تبغي
حتى تفيئ إلى أمر الله) *.
وفي الواقع أن هذه الفرقة سياسية، ولكنها أخذت
تخلط بالسياسة أصول الدين، فهم أعوان الأمراء
والمنضوون تحت لوائهم، يؤيدون دولتهم مع ارتكابهم
المحارم، وانغماسهم بالجرائم.
وقد فسح هذا المبدأ الهدام للمفسدين والمستهترين
طريق الوصول إلى غاياتهم بما يرضي نهمهم، وقد
اتخذوه ذريعة لمآثمهم، ومبررا لأعمالهم القبيحة، وساترا
لأغراضهم الفاسدة.
وقد أيدوا برأيهم هذا خلفاء الدولة الأموية تأييدا
عمليا، فهم في الواقع قد فتحوا باب الجرأة على ارتكاب
المحارم، وأيدوا المجرمين، وآزروا الظلمة، وهونوا
الخطب في العقاب والمؤاخذة.
وافترقت المرجئة إلى عدة فرق - كل فرقة تضلل
أختها -، ولكل فرقة أقوال وآراء، ذكرها المؤلفون في

102
الفرق، سنأتي على ذكر نبذة منها عند تعداد فرق المرجئة
بإذن الله.
وذكر أصحاب المقالات أن أبا حنيفة النعمان بن
ثابت كان من المرجئة، وحكى عنه غسان الكوفي الذي
تنسب إليه الفرقة الغسانية: أنه كان على مذهبه، ويعده من
المرجئة، لأن أبا حنيفة كان يذهب إلى أن الإيمان هو
الإقرار باللسان، وإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
أصناف المرجئة:
المرجئة ثلاثة أصناف (1):
صنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان، وبالقدر
على مذاهب القدرية، فهم معدودون في القدرية
والمرجئة، كأبي شمر المرجئ، ومحمد بن شبيب
البصري، والخالدي.
وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان، ومالوا



(1) الفرق بين الفرق للإسفرائيني: 44 و 211.
103
إلى قول جهم في الأعمال والأكساب، فهم من جملة
الجهمية والمرجئة.
وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدر، وهم
خمس فرق: يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية
ومريسية، وهذا الصنف خارجون عن الجبرية والقدرية.
ذم المرجئة:
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " لعنت المرجئة
على لسان سبعين نبيا "، قيل: من المرجئة يا رسول الله؟
قال: " الذين يقولون الإيمان كلام "، يعني الذين زعموا
أن الإيمان هو الإقرار وحده دون غيره.
وروى الكليني (1): محمد بن يحيى، عن محمد بن
الحسين، عن النضر بن شعيب، عن أبان بن عثمان، عن
الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
لا تجالسوهم - يعني المرجئة - لعنهم الله ولعن



(1) الكافي 2: 401، الحديث 6.
104
مللهم المشركة الذين لا يعبدون الله على شئ من
الأشياء.
فرق المرجئة:
أ - اليونسية (1):
هؤلاء أتباع يونس بن عون الذي زعم أن الإيمان
في القلب واللسان، وأنه هو المعرفة بالله تعالى، والمحبة
والخضوع له بالقلب، والإقرار باللسان أنه واحد ليس
كمثله شئ، ما لم تقم حجة الرسل (عليهم السلام)، فإن قامت
عليهم حجتهم لزمهم التصديق بهم، وزعم هؤلاء أن كل
خصلة من خصال الإيمان ولا بعض إيمان، ومجموعها
إيمان.
والمؤمن (2) إنما يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته
لا بعمله وطاعته.



(1) الفرق بين الفرق: 212.
(2) الملل والنحل للشهرستاني 1: 136.
105
ب - الغسانية (1):
هؤلاء أتباع غسان المرجئ الذي زعم أن الإيمان
هو الإقرار أو المحبة لله تعالى وتعظيمه وترك الاستكبار
عليه، وقال إنه يزيد ولا ينقص، وفارق اليونسية بأن سمى
كل خصلة من الإيمان بعض الإيمان.
وقال الشهرستاني (2): زعم غسان أن قائلا لو قال:
أعلم أن الله تعالى قد حرم أكل الخنزير، ولا أدري هل
الخنزير الذي حرمه هذه الشاة، أم غيرها؟ كان مؤمنا.
ج - التومنية (3):
هؤلاء أتباع أبي معاذ التومني الذي زعم أن
الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال من تركها
أو ترك خصلة منها كفر، ومجموع تلك الخصال إيمان،
ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض إيمان، وزعم أن
تارك الفريضة التي ليست بإيمان يقال له: فسق، ولا يقال



(1) الفرق بين الفرق: 212.
(2) الملل والنحل 1: 126.
(3) الفرق بين الفرق: 212.
106
له فاسق على الإطلاق إذا لم يتركها جاهدا.
وقال: ومن ترك الصلاة والصيام مستحلا كفر، ومن
قتل نبيا أو لطمه كفر، وإلى هذا المذهب ميل ابن الراوندي
وبشر المريسي.
د - الثوبانية (1):
هؤلاء أتباع أبي ثوبان المرجئ الذي زعم أن
الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسله وبكل ما يجب
في العقل فعله، وما جاز في العقل أن لا يفعل فليست
المعرفة به من الإيمان. وفارقوا اليونسية والغسانية
بإيجابهم في العقل شيئا قبل ورود الشرع بوجوبه.
وقال الشهرستاني (2): ومن القائلين بمقالة
أبي ثوبان هذا: أبو مروان غيلان بن مروان الدمشقي،
وأبو شمر، ومويس بن عمران، والفضل الرقاشي، ومحمد
ابن شبيب، والعتابي، وصالح قبة.



(1) الفرق بين الفرق: 213.
(2) الملل والنحل 1: 127.
107
ه‍ - المريسية (1):
هؤلاء مرجئة بغداد من أتباع بشر المريسي،
وكان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي، غير أنه
لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف وضللته
الصفاتية في ذلك، ولما وافق الصفاتية في القول بأن الله
تعالى خالق أكساب العباد، وفي أن الاستطاعة مع الفعل،
أكفرته المعتزلة في ذلك، فصار مهجور الصفاتية والمعتزلة
معا.
وكان يقول في الإيمان: إنه هو التصديق بالقلب
واللسان جميعا، كما قال ابن الراوندي في أن الكفر هو
الجحد والإنكار، وزعما أن السجود للصنم ليس بكفر،
ولكنه دلالة على الكفر.
وقال الشهرستاني (2): ونقل عن بشر المريسي أنه
قال: إذا دخل أصحاب الكبائر النار، فإنهم سيخرجون



(1) الفرق بين الفرق: 213.
(2) الملل والنحل 1: 128.
108
عنها بعد أن يعذبوا بذنوبهم، وأما التخليد فيها فمحال.
و - العبيدية (1):
هؤلاء أصحاب عبيد المكتئب. حكي عنه أنه قال:
ما دون الشرك مغفور لا محالة، وإن العبد إذا مات على
توحيده لا يضره ما اقترف من الآثام واجترح من
السيئات.
وحكى اليمان عن عبيد المكتئب وأصحابه أنهم
قالوا: إن علم الله تعالى لم يزل شيئا غيره، وإن كلامه
لم يزل شيئا غيره.
ز - الصالحية (2):
هؤلاء أصحاب صالح بن عمر الصالحي، وقد جمع
بين القدر والإرجاء فقال: الإيمان هو المعرفة بالله تعالى
على الإطلاق، وهو أن للعالم صانعا فقط، والكفر هو
الجهل به على الإطلاق، وزعم أن معرفة الله تعالى هي



(1) الملل والنحل 1: 126.
(2) الملل والنحل 1: 129.
109
المحبة والخضوع له.
وزعم: أن الصلاة ليست بعبادة لله تعالى، وأنه
لا عبادة له إلا الإيمان به، وهو معرفته وهو خصلة
واحدة، لا يزيد ولا ينقص، وكذلك الكفر خصلة واحدة،
لا يزيد ولا ينقص.
أعلام المرجئة:
ونقل الشهرستاني (1): أن رجال المرجئة هم:
الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، وسعيد بن جبير،
وطلق بن حبيب، وعمرو بن مرة، ومحارب بن زياد،
ومقاتل بن سليمان، وذر، وعمرو بن ذر، وحماد بن
أبي سليمان، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن
الحسن، وقديد بن جعفر، وهؤلاء كلهم أئمة الحديث.



(1) الملل والنحل 1: 130.
110
الخوارج وفرقهم
نشأة الخوارج:
نشأت هذه الفرقة بصفين، عندما طلب معاوية
التحكيم من علي (عليه السلام)، وهي " كلمة حق يراد بها باطل "
كما قال (عليه السلام)، كما هي خدعة حربية استعملها معاوية
بإشارة من عمرو بن العاص عندما أحس بالهزيمة،
ولمس الضعف في جيشه، وعرف تفوق علي بحقه، وأن
الحق مع علي (عليه السلام)، وقد انتظم لجيشه رجال مخلصون قد
رسخ الإيمان في قلوبهم من الصحابة والتابعين.
فأراد معاوية أن يوقع الشك في نفر من الذين لم
يتركز الإيمان في قلوبهم ومرقوا من الدين، مروق السهم
من الرمية، وهم المخدوعون الذين أجبروا الإمام على
قبول التحكيم، وكان على رأسهم الأشعث بن قيس
المرتد، والذي يبدو من حركته الانقلابية إنه كان على
اتفاق مسبق مع معاوية. وبعد ما تبين لهم خدعة رفع

111
المصاحف ومهزلة التحكيم احتجوا على الإمام قبوله
التحكيم.
وعلى أي حال (1)، فقد تكونت هذه الفرقة من
عناصر مختلفة، وظهرت منهم مخالفة الإمام علي (عليه السلام)
وتجرأوا على مقامه، ونسبوا إليه ما لا يليق بشأنه.
وقد نظموا أمورهم، وقاموا بأمر لم يكن وليد وقته،
وإنما هو أمر مدبر من ذي قبل، فكانت من جرائها حرب
النهروان، وقضى الإمام علي (عليه السلام) على زعمائهم بعد
النصائح والأعذار.
وقبل واقعة النهروان تلبسوا بالظلم إلى أبعد حد،
وأباحوا دماء جميع المسلمين، وخضبوا البلاد الإسلامية
بالدماء، وكانوا يتشددون في عقيدتهم، ويرون إباحة
دماء المسلمين الذين يخالفون عقيدتهم، فالمسلم
المخالف لهم لا عصمة لدمه وعرضه وماله.



(1) ذكرنا ذلك مفصلا في الجزء الثاني والثالث من هذه
الموسوعة، وفي الجزء الثالث من كتابنا " علي في الكتاب
والسنة ".
112
ومن طريف أخبارهم: أنهم أصابوا مسلما
ونصرانيا، فقتلوا المسلم وأوصوا بالنصراني وقالوا:
احفظوا ذمة نبيكم فيه، وقتلوا عبد الله بن خباب وفي
عنقه مصحف، وقالوا: إن الذي في عنقك يأمرنا أن نقتلك،
فقربوه إلى شاطئ النهر فذبحوه، وبقروا بطن زوجته
وهي حامل.
وساوموا نصرانيا نخلة له، فقال: هي لكم، فقالوا:
والله ما كنا لنأخذها إلا بثمن، فقال لهم النصراني:
ما أعجب هذا؟ أتقتلون مثل عبد الله بن خباب
ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن؟!
اتفق جمهور الخوارج على نظريتين:
الأولى: نظرية الخلافة، وهي أن الخليفة لا يكون
إلا بانتخاب حر صحيح من المسلمين، ويستمر الخليفة
ما قام بالعدل مبتعدا عن الزيغ والخطأ، فإن حاد وجب
عزله أو قتله.
والنظرية الثانية: أن العمل جزء من الإيمان، وليس
الإيمان الاعتقاد وحده، فمن لم يعمل بفروض الدين

113
وارتكب الكبائر فهو عندهم كافر، ولم يفرقوا بين ذنب
يرتكب عن قصد وسوء نية، وخطأ في الرأي والاجتهاد
يؤدي إلى مخالفة الصواب، وبهذا كفروا جميع فرق
المسلمين وأباحوا دماءهم.
فرق الخوارج:
أ - المحكمة الأولى:
يقال للخوارج محكمة، وشراة.
واختلفوا في أول من تشرى (1) منهم، فقيل: عروة
ابن حدير أخو مرداس الخارجي، وقيل: أولهم يزيد بن
عاصم المحاربي، وقيل: رجل من ربيعة من بني يشكر،
كان مع علي (عليه السلام) بصفين، فلما رأى اتفاق الفريقين على
الحكمين استوى على فرسه وحمل على أصحاب معاوية
وقتل منهم رجلا، وحمل على أصحاب علي (عليه السلام) وقتل
منهم رجلا، ثم نادى بأعلى صوته: ألا إني قد خلعت



(1) سموا شراة لقولهم: إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله.
114
عليا ومعاوية، وبرئت من حكمهما، ثم قاتل أصحاب
علي (عليه السلام) حتى قتله قوم من همدان.
ثم إن الخوارج بعد رجوع علي (عليه السلام) من صفين إلى
الكوفة انحازوا إلى حروراء، وهم يومئذ اثنا عشر ألفا،
ولذلك سميت الخوارج حرورية، وزعيمهم يومئذ عبد الله
ابن الكواء، وشبث بن ربعي، وخرج إليهم علي (عليه السلام)
يناظرهم فوضحت حجته عليهم، فاستأمن إليه ابن الكواء
مع عشرة من الفرسان، وانحاز الباقون منهم إلى النهروان،
فلما قرب منهم علي (عليه السلام) وتكلم إليهم استأمن إليه منهم
يومئذ ثمانية آلاف وقالوا: التوبة، وانفرد منهم أربعة
آلاف بقتاله (عليه السلام) مع عبد الله بن وهب الراسبي،
وحرقوص بن زهير البجلي. وقال علي (عليه السلام) للذين
استأمنوا إليه: اعتزلوني في هذا اليوم. وقال لأصحابه:
قاتلوهم، وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة
أنفس، صار منهم رجلان إلى سجستان، ومن أتباعهما
خوارج سجستان، ورجلان إلى اليمن ومن أتباعهما
أباضية اليمن، ورجلان صارا إلى عمان، ومن أتباعهما

115
خوارج عمان، ورجلان صارا إلى ناحية الجزيرة، ومن
أتباعهما كان خوارج الجزيرة، ورجل منهم صار إلى
تل موزن، فهذه قصة المحكمة الأولى، ذكرنا مجملها في
كتابنا " علي في الكتاب والسنة " في فصل حرب
الخوارج بالنهروان، والجزء الثاني من كتابنا " علي
المرتضى " من موسوعة المصطفى والعترة.
ثم خرج على علي (عليه السلام) بعد ذلك من الخوارج
جماعة كانوا على رأي المحكمة الأولى، منهم أشرس بن
عوف، وخرج عليه بالأنبار، وغفلة التيمي بن تيم عدي،
وخرج عليه بماسبذان، والأشهب بن بشر العرني خرج
عليه بجرجرايا، وسعد بن قفل، خرج عليه بالمدائن،
وأبو مريم السعدي، خرج عليه في سواد الكوفة، فأخرج
علي (عليه السلام) إلى كل واحد جيشا حتى قتل أولئك الخوارج.
ب - الأزارقة (1):
هؤلاء أتباع نافع بن الأزرق الحنفي المكنى



(1) الفرق بين الفرق: 101.
116
بأبي راشد، ولم تكن للخوارج قط فرقة أكثر عددا
ولا أشد منهم شوكة.
والذي جمعهم من الدين أشياء، منها: قولهم بأن
مخالفيهم من هذه الأمة مشركون، وكانت المحكمة الأولى
يقولون: إنهم كفرة لا مشركون.
ومنها: قولهم إن القعدة (1) - ممن كان على رأيهم -
عن الهجرة إليهم مشركون وإن كانوا على رأيهم.
ومنها: أنهم أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا
ادعى أنه منهم: أن يدفع إليه أسير من مخالفيهم ويأمروه
بقتله، فإن قتله صدقوه، وإن لم يقتله قتلوه، وقالوا: هذا
منافق.
ومنها: أنهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم وقتل
أطفالهم، وزعموا أن الأطفال مشركون، وقطعوا بأن
أطفال مخالفيهم مخلدون في النار.



(1) القعدة: غلب على قوم من الخوارج قعدوا عن نصرة علي (عليه السلام)
وعن مقاتلته أيضا.
117
وأنكرت الأزارقة الرجم، واستحلوا كفر الأمانة
التي أمر الله تعالى بأدائها، ولم يقيموا الحد على قاذف
الرجل المحصن، وأقاموه على قاذف المحصنات من
النساء، وقطعوا يد السارق في القليل والكثير.
ثم الأزارقة بايعوا نافع بن الأزرق وسموه
أمير المؤمنين، وانضم إليهم خوارج عمان واليمامة،
فصاروا أكثر من عشرين ألفا، وقاتلهم المهلب بأمر من
عبد الله بن الزبير، وثبت المهلب وبنوه وأتباعهم على
قتالهم تسع عشرة سنة، وانهزمت الأزارقة في آخرها إلى
سابور من أرض فارس، وجعلوها دار هجرتهم، إلى أن
وقع الخلاف بين الأزارقة، ففارق عبد ربه الكبير قطريا
وصار إلى واد ب‍ (جيرفت كرمين) في سبعة آلاف رجل،
وفارقه عبد ربه الصغير في أربعة آلاف، وصار إلى ناحية
من (كرمان)، وبقي قطري في بضعة عشر ألف بأرض
فارس، وأرسل الحجاج لهم جيش فقتلهم.
ج - النجدات:
هؤلاء أتباع نجدة بن عامر الحنفي، وكان السبب

118
في رئاسته وزعامته أن نافع بن الأزرق لما أظهر البراءة
من القعدة عنه بعد أن كانوا على رأيه، وسماهم مشركين،
واستحل قتل أطفال مخالفيه ونسائهم، فارقه أبو فديك
وعطية الحنفي وجماعة من أتباعهم، وذهبوا إلى اليمامة،
فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون
اللحوق بعسكر نافع، فأخبروهم بأحداث نافع، وردوهم
إلى اليمامة، وبايعوا بها نجدة بن عامر، واختلفوا عليه
فصاروا ثلاث فرق:
1 - فرقة صارت مع عطية الحنفي إلى سجستان.
2 - وفرقة صارت مع أبي فديك حربا على نجدة،
وهم والذين قتلوا نجدة.
3 - وفرقة عذروا نجدة في أحداثه وأقاموا على
إمامته.
ومن بدع نجدة:
أنه أسقط حد الخمر، ومن كذب كذبة صغيرة
وأصر عليها فهو مشرك، ومن زنى وسرق وشرب الخمر
غير مصر عليه فهو مسلم، وأنه عذر أهل الخطأ في

119
الاجتهاد بالجهالات.
ثم تفرقت النجدات إلى ثلاث فرق:
1 - فرقة أكفرته وصارت إلى أبي فديك، كراشد
الطويل وأبي بيهس وأبي الشمراخ.
2 - وفرقة عذرته فيما فعل.
3 - وفرقة من النجدات بعدوا عن اليمامة، وكانوا
بناحية البصرة.
ثم قتل أبو فديك من قبل عبد الملك بن مروان.
د - الصفرية (1):
هؤلاء أتباع زياد بن الأصفر، وقولهم في الجملة
كقول الأزارقة، غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال
مخالفيهم ونسائهم، وصارت الصفرية ثلاث فرق:
1 - فرقة تزعم أن صاحب كل ذنب مشرك كما
قالت الأزارقة.
2 - والثانية: تزعم أن اسم الكفر واقع على صاحب



(1) الملل والنحل 1: 123، والفرق بين الفرق: 108 - 111.
120
الذنب ليس فيه حد، والمحدود في ذنبه خارج عن
الإيمان وغير داخل في الكفر.
3 - والثالثة: تزعم أن اسم الكفر يقع على صاحب
الذنب إذا حده الوالي على ذنبه.
وكل الصفرية يقولون بموالاة عبد الله بن وهب
الراسبي، وحرقوص بن زهير وأتباعهما من المحكمة
الأولى، ويقولون بإمامة أبي بلال مرداس الخارجي
بعدهم، وبإمامة عمران بن حطان السدوسي بعد أبي بلال.
فأما أبو بلال مرداس فإنه خرج في أيام يزيد بن
معاوية بناحية البصرة على عبيد الله بن زياد، فبعث إليه
عبيد الله زرعة بن مسلم الذي كان يميل إلى قول
الخوارج، وقتل ابن زياد كل من وجده من الصفرية
بالبصرة، فلما قتل مرداس اتخذت الصفرية عمران بن
حطان إماما، وكان هذا شاعرا شديدا في مذهب الصفرية،
وبلغ من خبثه في بغض علي (عليه السلام) أنه رثى عبد الرحمن بن
ملجم، وقد أجابه عبد القاهر ردا على مدحه لابن ملجم
قائلا:

121
يا ضربة من كفور ما استفاد بها * إلا الجزاء بما يصليه نيرانا (1)
إني لألعنه دينا وألعن من * يرجو له أبدا عفوا وغفرانا
ذاك الشقي لأشقى الناس كلهم * أخفهم عند رب الناس ميزانا
قال الشهرستاني (2): نقل عن الضحاك منهم: أنه
جوز تزويج المسلمات من كفار قومهم في دار التقية دون
دار العلانية.
ه‍ - العجاردة (3):
العجاردة كلها أتباع عبد الكريم بن عجرد، وكان
من أتباع عطية الحنفي، وكانت العجاردة مفترقة عشر
فرق يجمعها القول بأن الطفل يدعى إذا بلغ، وتجب البراءة
منه قبل ذلك حتى يدعى إلى الإسلام أو يصفه هو،
والعجاردة لا يرون أموال مخالفيهم فيئا إلا بعد قتل
صاحبه، والعجاردة (4) وافقوا النجدات في بدعهم، وهم



(1) أقول: قد أحسن عبد القاهر في شعره هذا لعن ابن ملجم،
الذي قال في حقه ابن حجر أنه من أهل النار.
(2) الملل والنحل 1: 123.
(3) الفرق بين الفرق: 111.
(4) الملل والنحل 1: 115.
122
يتولون القعدة، إذا عرفوهم بالديانة، ويرون الهجرة
فضيلة، لا فريضة، ويحكى عنهم أنهم ينكرون كون سورة
يوسف من القرآن.
ثم افترقت العجاردة أصنافا، ولكل صنف مذهب
على حياله.
وفرق العجاردة هي ثمانية:
1 - الخازمية (1):
هؤلاء أكثر عجاردة سجستان، وقد قالوا في باب
القدر والاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنة، وأكفروا
(الميمونية) (2) الذين قالوا في باب القدر والاستطاعة بقول
القدرية المعتزلة عن الحق، ثم إن الخازمية خالفوا أكثر
الخوارج في الولاية والعداوة.
وقال الشهرستاني:
ويحكى عنهم أنهم يتوقفون في أمر علي (عليه السلام)،



(1) في الملل والنحل (الحازمية) بالحاء المهملة 1: 118، وفي
الفرق بين الفرق (الخازمية) بالخاء المعجمة.
(2) فرقة من العجاردة، ستأتي لاحقا برقم (7).
123
ولا يصرحون بالبراءة عنه، ويصرحون بالبراءة في حق
غيره.
2 - الشعيبية:
قول هؤلاء في باب القدر والاستطاعة والمشيئة
كقول الخازمية، وإنما ظهر ذكر الشعيبية حين نازع
زعيمهم المعروف بشعيب رجلا من الخوارج اسمه
ميمون، وكان السبب في ذلك أنه كان لميمون على شعيب
مال، فتقاضاه، فقال له شعيب: أعطيكه إن شاء الله، فقال
له ميمون: قد شاء الله ذلك الساعة. فقال شعيب: لو كان
قد شاء ذلك لم أستطع أن لا أعطيكه. فقال ميمون: قد
أمرك الله بذلك، وكل ما أمر به فقد شاءه، وما لم يشأ
لم يأمر به، فافترقت العجاردة عند ذلك.
3 - ذكر الخلفية:
هم أتباع خلف الذي قاتل حمزة الخارجي،
والخلفية لا يرون القتال إلا مع إمام منهم، وصارت الخلفية
إلى قول الأزارقة في شئ واحد، وهو دعواهم أن أطفال
مخالفيهم في النار.

124
4 - المعلومية والمجهولية (1):
هاتان الفرقتان من جملة الخازمية، وهذه الفرقة
تدعي إمامة من كان على دينها وخرج بسيفه على أعدائه
من غير براءة منهم عن القعدة عنهم.
وأما المجهولية منهم فقولهم كقول المعلومية، غير
أنهم قالوا: من عرف الله ببعض أسمائه فقد عرفه،
وأكفروا المعلومية منهم في هذا الباب.
5 - الصلتية:
هؤلاء منسوبون إلى صلت بن عثمان. وقيل: صلت
ابن أبي الصلت، وكان من العجاردة غير أنه قال: إذا
استجاب لنا الرجل وأسلم توليناه وبرئنا من أطفاله، لأنه
ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون حينئذ إلى الإسلام
فيقبلونه.
وبإزاء هذه الفرقة فرقة أخرى - وهي التاسعة من



(1) لم يذكر الشهرستاني المعلومية ولا المجهولية بين فرق
العجاردة التي ذكرها، وذكرها ضمن فرق الثعالبة، وقد ذكرهما
الإسفرائيني ضمن العجاردة.
125
العجاردة - زعموا أنه ليس لأطفال المؤمنين ولا لأطفال
المشركين ولاية ولا عداوة حتى يدركوا فيدعوا إلى
الإسلام فيقبلوا أو ينكروا.
6 - الحمزية:
هؤلاء أتباع حمزة بن أكرك الذي عاث في
سجستان وخراسان ومكران وقهستان وكرمان، وهزم
الجيوش الكثيرة، وكان في الأصل من العجاردة الخازمية
ثم خالفهم في باب القدر والاستطاعة، وكان إذا قاتل قوما
وهزمهم أمر بإحراق أموالهم، وكان مع ذلك يقتل الأسراء
من مخالفيهم، وكان ظهوره في أيام هارون الرشيد في
سنة تسع وسبعين ومائة، وبدأ بقتال البيهسية (1) من
الخوارج وقتل الكثير منهم، فسموه عند ذلك أمير
المؤمنين.
ووصل إلى سجستان وقتل بها الكثير من الخوارج
الخلفية (2)، وانهزم منه رئيس للخلفية اسمه مسعود بن



(1) من فرق الخوارج، وستأتي لاحقا في (ح).
(2) فرقة من العجاردة، تقدمت آنفا برقم (3).
126
قيس، وغرق في وادي أثناء فراره، وشك أتباعه في
موته.
ثم رجع حمزة من كرمان وأغار في طريقه على
رستاق بست في نيسابور، وكان بهم قوم من الخوارج
الثعالبة (1)، فقتلهم حمزة.
فلما تمكن المأمون من الخلافة كتب إلى حمزة
كتابا استدعاه فيه إلى طاعته، فما ازداد إلا عتوا في أمره،
فقاتله المأمون، وكذلك قاتله عبد الرحمن النيسابوري،
فهزموا حمزة، وقتلوا الألوف من أصحابه، وانفلت منهم
حمزة جريحا ومات في هزيمته هذه، وأراح الله عز وجل
منه ومن أتباعه العباد والبلاد بعد ذلك.
7 - الميمونية (2):
هم أصحاب ميمون بن خالد، كان من جملة
العجاردة، وإن الميمونية يجيزون نكاح بنات البنات



(1) من فرق الخوارج، وستأتي لاحقا في (و).
(2) الملل والنحل 1: 116.
127
وبنات أولاد الإخوة والأخوات. وعدها الإسفرائيني (1)
من جملة الغلاة الخارجين، ولم يذكرها من فرق
العجاردة.
8 - الأطرافية (2):
فرقة على مذهب حمزة في القول بالقدر، ورئيسهم
غالب بن شاذك من سجستان، وخالفهم عبد الله بن
السديوري وتبرأ منهم.
ومنهم: المحمدية، أصحاب محمد بن رزق، وكان
من أصحاب الحسين بن الرقاء، ثم برئ منه.
و - الثعالبة:
هؤلاء أتباع ثعلبة بن مشكان (3)، والثعالبة تدعي
إمامته بعد عبد الكريم بن عجرد، وتزعم أن عبد الكريم



(1) الفرق بين الفرق: 113.
(2) لم يذكر الإسفرائيني الأطرافية بين فرق العجاردة التي
ذكرها.
(3) سماه في الملل والنحل 1: 118 (ثعلبة بن عامر)، ومثله في
خطط المقريزي.
128
ابن عجرد كان إماما قبل أن يخالفه ثعلبة في حكم
الأطفال.
وصارت الثعالبة ست فرق هي:
1 - المعبدية (1):
أصحاب معبد بن عبد الرحمن، كان من جملة
الثعالبة، خالف جمهور الثعالبة في أخذ الزكاة من
العبيد وإعطائهم منها، وأكفر من لم يقل بذلك، وخالف
الأخنس في الخطأ الذي وقع له في تزويج المسلمات من
مشرك.
2 - الأخنسية (2):
أصحاب أخنس بن قيس من جملة الثعالبة،
وحرموا الاغتيال والقتل والسرقة في السر، ولا يبدأ أحد
من أهل القبلة بالقتال، وبرئ من سائر الثعالبة وبرئ منه
سائرهم.



(1) الملل والنحل 1: 118، والفرق بين الفرق: 118.
(2) الملل والنحل 1: 118، والفرق بين الفرق: 118.
129
3 - الشيبانية:
هم أتباع شيبان بن سلمة، الخارج في أيام
أبي مسلم الخراساني (1) صاحب الدعوة إلى العباسيين،
وأعان أبا مسلم على أعدائه في حروبه، وأكفرته الخوارج
كلها في معاونته أبا مسلم، والذين أكفروه من الثعالبة يقال
لهم زيادية، أصحاب زياد بن عبد الرحمن، وكان شيبان
يقول بتشبيه الله سبحانه لخلقه.
4 - الرشيدية:
هم أصحاب رشيد الطوسي، ويقال لهم: العشرية،
وأصلهم من الثعالبة، وانفردوا بأن قالوا: فيما سقي بالعيون
والأنهار الجارية نصف العشر، وإنما يجب العشر الكامل
في ما سقته السماء فحسب.
5 - المكرمية:
أصحاب مكرم بن عبد الله العجلي، زعموا أن



(1) أبو مسلم الخراساني: كانت له فرقة من فرق الخرمية تدعى:
المسلمية، يقولون بإمامته.
130
تارك الصلاة كافر، لا لأجل ترك الصلاة، لكن لجهله بالله
عز وجل.
والفرقة السادسة (1):
أقامت على إمامة ثعلبة، ولم تقل بإمامة أحد بعده.
البدعية:
هم أصحاب يحيى بن أصدم، كان من جملة
الثعالبة، أبدعوا القول بأنا نقطع على أنفسنا بأن من اعتقد
اعتقادنا فهو من أهل الجنة، ولا نقول: إن شاء الله، فإن
ذلك شك في الاعتقاد، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله،
فهو شاك، فنحن من أهل الجنة قطعا من غير شك.
ز - الإباضية وفرقها:
أجمعت الإباضية على القول بإمامة عبد الله بن
إباض، الذي خرج في أيام مروان بن محمد، وقيل: إن
عبد الله بن يحيى الإباضي كان رفيقا له في جميع أحواله



(1) لم يذكرها الإسفرائيني ضمن فرق الثعالبة، وذكرها
الشهرستاني في الملل والنحل 1: 120.
131
وأقواله، قال: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير
مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة
أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حلال، وما سواه
حرام، وحرام قتلهم وسبيهم في السر غيلة إلا بعد نصب
القتال وإقامة الحجة، وإذا غنموا مع الغنائم ذهبا أو فضة
فإنهم يردونها على أصحابها عند الغنيمة.
ثم افترقت الأباضية فيما بينهم أربع فرق، هي:
1 - الحفصية:
هم أصحاب حفص بن أبي المقدام، وقالوا: إن بين
الشرك والإيمان معرفة الله تعالى وحده، فمن عرفه ثم
كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار، أو عمل بجميع
المحرمات من قتل النفس والزنا وسائر المحرمات، فهو
كافر برئ من الشرك. وزعموا أن عليا (عليه السلام) هو الذي
أنزل الله تعالى فيه: * (ومن الناس من يعجبك قوله في
الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) *،
وإن عبد الرحمن بن ملجم هو الذي أنزل الله فيه: * (ومن
الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) *.

132
2 - الحارثية:
هؤلاء أتباع حارث بن يزيد الإباضي، وهم الذين
قالوا في باب القدر بمثل قول المعتزلة، وزعموا أيضا أن
الاستطاعة قبل الفعل، وأكفرهم سائر الأباضية.
وزعمت الحارثية أنه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة
الأولى إلا عبد الله بن إباض، وبعده حارث بن يزيد
الإباضي.
3 - اليزيدية (1):
أصحاب يزيد بن أنيسة، الذي قال بتولي المحكمة
الأولى قبل الأزارقة، وتبرأ ممن بعدهم إلا الإباضية، فإنه
يتولاهم، وزعم أن الله تعالى سيبعث رسولا من العجم،
ويترك شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
4 - أصحاب طاعة لا يراد الله بها (2):
زعم هؤلاء أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن



(1) لم يذكرها الإسفرائيني من فرق الإباضية، واعتبرها من فرق
الغلاة المنتسبين إلى الإسلام.
(2) لم يذكرها الشهرستاني من فرق الإباضية.
133
لا يريد الله تعالى بها.
ح - البيهسية:
أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر (1)، وقد كان
الحجاج طلبه أيام الوليد فهرب إلى المدينة، وقتله عثمان
ابن حيان المزني. وكفر أبو بيهس الواقفية، وزعم أنه
لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله تعالى والرسل والولاية
لأولياء الله تعالى.
وذهب قوم من البيهسية إلى أنه لا يحرم سوى
ما ورد في قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما
على طاعم...) *، وما سوى ذلك فكله حلال.
ومن البيهسية قوم يقال لهم: العونية، وهم فرقتان:
فرقة تقول من رجع من دار الهجرة إلى القعود برئنا
منه، وفرقة تقول بل نتولاهم. ومن البيهسية صنف يقال
لهم: أصحاب التفسير، وصنف يقال لهم: أصحاب
السؤال.



(1) وقيل: هيصم بن عامر.
134
ط - الشبيبية:
هؤلاء يعرفون بالشبيبية، لانتسابهم إلى شبيب بن
يزيد الشيباني المكنى بأبي الصحارى، ويعرفون
بالصالحية أيضا لانتسابهم إلى صالح بن مسرح
الخارجي، وخرج على بشر بن مروان في أيام ولايته
على العراق من جهة أخيه عبد الملك بن مروان، وعندما
أشرف على الموت قال لأصحابه: قد استخلفت عليكم
شبيبا، وخالف شبيب صالحا وهو أنه مع أتباعه أجازوا
إمامة المرأة منهم إذا قامت بأمورهم وخرجت على
مخالفيهم، وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام بعد قتل
شبيب، وبعد ذلك قتلهم الحجاج جميعا.
انتهت فرق الخوارج.

135
الغلاة
أسباب نشأة الغلاة:
العداء للإسلام متأصل منذ فجر الدعوة الإسلامية،
قبل عصر الإمام الصادق (عليه السلام) يتوارثه الأبناء والأحفاد،
لأن دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ بدايتها كانت موجهة إلى
الناس كافة، سواء منهم العرب أو غيرهم، وثنيون كانوا أو
يهود أو نصارى أو مجوس، فهي لم تختص بطائفة دون
أخرى، ولا بقوم دون قوم، ولا بقطر دون آخر، بل دعوة
لرسالة السماء عامة عالمية شاملة.
ولا بد أن تجابه هذه الدعوة بأقوى عدة وبأكثر عدد
من المعارضين الذين قضى الإسلام على عقائدهم
الفاسدة ومجدهم الغابر، وهدم هياكل وبيوت عبادتهم
التي يعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى، كما هدم
صروح الكبرياء والأنانية وأزال عروش الظلم
والاستبداد.

136
فلم يخضع لهذه الدعوة جبابرة قريش الذين ملكت
الأنانية قلوبهم، ولا الأباطرة من ملوك النصارى أو
اليهود، وزعماء الكنيسة والكنيست وغيرهم، وعبدة
الأوثان من المشركين.
وهدم النظام الاستبدادي المتعسف بنظام العدل
والمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس كافة.
فأحست هذه العناصر بخطر الدعوة، فكانت
للوثنية جذورها العميقة في الجزيرة العربية، ولليهودية
قواعد قوية في بلد الهجرة (المدينة المنورة وما حولها)،
وللنصرانية قوة في الشمال، ولها كنائس وأتباع منبثون
في مهد الدعوة، أضف إلى ذلك المجوسية ومعابدها التي
تدعمها دولة قوية تدين بدينها.
وكل هذه العناصر لا يروق لها انتشار هذا الدين
وظهوره، فتظاهر الكل بالعداء للإسلام، وانتظم عقدهم
وتكتلوا لشن حروب شعواء لا هوادة فيها، حتى نصر الله
رسوله، فتيقنوا أن لا أمل لهم مطلقا في القضاء على
الإسلام، فاندحروا خائبين.

137
فدخل بعضهم الإسلام اعترافا منهم بعجزهم عن
مقاومته، وآخرون اعتقدوا صدق الدعوة فاستجابوا لها
وأسلموا، وفئة ثالثة دخلوا الإسلام نفاقا فأظهروا الإسلام
وأبطنوا الكفر، وبقي الحقد يأكل قلوبهم، والغيض يحز في
نفوسهم، فهم يتوارثونه ويتحينون الفرص ويتأهبون
للوثبة، ويعملون من وراء الستار، وينتظرون الفرصة
واليوم الذي ينتقمون فيه من الإسلام وأهله.
ولعل أول عهد حقق آمالهم هو الحكم الأموي، لأن
حكامهم قد رفضوا الخضوع لنظم الإسلام وقوانينه، فكان
دورهم فتحا لتلك العناصر المعادية للإسلام، فقد سنحت
الفرصة، وكان لأمرهم متسع.
فقد قرب الأمويون بعضهم، وجعلوا منهم أداة
سياسية يستعينون بهم على ترويج دعاياتهم، وإظهار
مقاصدهم، كما أقام معاوية كعب الأحبار، وهو يهودي
أسلم في عهد عمر، فغير مجرى الحوادث والتأريخ،
وأدخل الإسرائيليات في صميم تأريخ الإسلام على
مسمع من عمر وعثمان ومعاوية.

138
وعلى كل حال فإن تعرض الإمام الصادق (عليه السلام) لهم
والبراءة منهم وإعلان ذلك للملأ، هو امتداد لحركة الأئمة
ضد خصوم الإسلام في الحكم الأموي، الذي كان مسرحا
على لوحته الأمور المناقضة للإسلام والمخالفة لمبادئه.
وقد وجدوا أن أقرب طريق يوصلهم إلى غاياتهم
الضالة وتحصيل أمنياتهم هو الدخول في صفوف
المسلمين، والعمل بكل الطرق المتاحة لهم على تفريق
كلمة المسلمين وبث روح العداء بينهم.
فتفرقوا لهذا الغرض فرقا وأحزابا، فمن مستجلب
ود السلطان لينال مركزا هاما في الدولة، يستطيع بواسطته
أن يفسد بعض الأمور ويغير بعض الحقائق.
ومنهم من سلك طريق إظهار المحافظة على
الإسلام والانتصار له، والرد على ما يلصقه به إخوانه
الذين سلكوا سبيله في تشويه سمعة الإسلام.
ومنهم من ضرب على وتر حساس يستطيع به أن
يستميل القلوب، ويحرك العواطف والشعور بإظهار حب
أهل البيت (عليهم السلام) والغلو فيهم، من حيث تأليب جميع

139
الفئات الحاكمة على ظلمهم من دون مراقبة الله تعالى
ولا مراعاة لحرمة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وصفوة القول إنهم توزعوا على جميع الطوائف
الإسلامية، فاندسوا في صفوفهم وامتزجوا في مجتمعهم.
فهذا سوسن النصراني كان أول من نطق بالقدر وقد
أظهر الإسلام، وعنه أخذ معبد الجهني، وأخذ غيلان عن
معبد (1)، ثم عاد سوسن إلى النصرانية بعد أن بث فكرته
وسمومه.
وهذا ابن كلاب من بابية الحشوية، وكان عباد بن
سليمان يقول: إنه نصراني.
قال أبو عباس البغوي: دخلنا على فيثون النصراني
[الراهب] وكان في دار الروم بالجانب الغربي، فجرى
الحديث إلى أن سألته عن ابن كلاب فقال فيثون: رحم
الله عبد الله (اسم بن كلاب) كان يجيئني فيجلس إلى
تلك الزاوية - وأشار إلى ناحية من البيعة - وعني أخذ هذا



(1) الفرق للبغدادي: 70.
140
القول، ولو عاش لنصرنا المسلمين (1)، أي لجعلناهم
نصارى.
ذكرنا هذا الحديث على سبيل المثال لما يفعله
أصحاب الديانات الأخرى الذين كانوا يستغلون الفرص
للتدخل في صفوف المسلمين.
موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من الغلاة:
إن من أعظم المشاكل التي واجهت الإمام
الصادق (عليه السلام) وأهمها: حركة الغلاة الهدامة، الذين تطلعت
رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء إلى بث روح التفرقة
بين المسلمين، وترعرعت بنات أفكارهم في ذلك العصر
ليقوموا بمهمة الانتصار لمبادئهم وأديانهم التي قضى عليها
الإسلام.
فكانوا يبثون الأحاديث الكاذبة ويسندونها إلى
حملة العلم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلبسوا مبدأهم ثوبا



(1) الفهرست لابن النديم: 255 - 256.
141
لا يليق به.
فكان المغيرة بن سعيد (1) يدعي الاتصال بأبي جعفر
الباقر (عليه السلام) ويروي عنه الأحاديث المكذوبة، فأعلن
الإمام الصادق (عليه السلام) كذبه والبراءة منه، وأعطى لأصحابه
قاعدة في الأحاديث التي تروى عنه، قال: " لا تقبلوا
علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدوا معه
شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه
الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها،
فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
وقال (عليه السلام): " لعن الله المغيرة بن سعيد ولعن
يهودية كان يختلف إليها... الخ ".
وهذا أبو الخطاب الأسدي، وهو محمد بن مغلاص
الأسدي الكوفي، كان رجلا من الموالي واشتهر بكنيته



(1) المغيرة بن سعيد مولى بجيلة، كذاب، قال ابن عدي: لم يكن
بالكوفة ألعن من المغيرة بن سعيد، كان يكذب على أهل البيت
(عليهم السلام)، قتله خالد القسري سنة 119 ه‍ مع عدد من أصحابه.
142
دون اسمه.
ظهر هذا الرجل في الكوفة، وكان المجتمع يموج
بالتيارات السياسية، والدعوة العباسية تشق طريقها إلى
النجاح بسرعة، فاستغل ذلك الظرف الذي يأمل فيه نجاح
مهمته في نشر دعوته الإلحادية، فدعى إلى عقيدة عرف
أتباعها بالخطابية، وساعدته الظروف المواتية أن يجمع
حوله تلاميذ يلقنهم تعاليمه، ويرسم لهم خطط الدعوة
والتجمع والظهور.
وكانت حركتهم سرية محكمة، وهي حركة سياسية
من جهة، وعقائدية من جهة أخرى، وتلتقيان في نقطة
العداء للإسلام.
وقد أجمعت شيعة أهل البيت (عليهم السلام) على لعن
أبي الخطاب وتكفيره والبراءة منه، وإنه غال ملعون كما
هو مذكور في كتب رجال الحديث والتأريخ، كما لعنه
الإمام الصادق (عليه السلام) وكفره وأعلن البراءة منه.
وقد وقف الإمام الصادق (عليه السلام) تجاه هذه الدعوة
الإلحادية موقفا مهما، وأعلن استنكاره على أبي الخطاب،

143
فكان موقفه (عليه السلام) صدمة لموجة الغلو الجامحة وقضاء
مبرما على مزاعم الملحدين، ويتجلي عظيم اهتمامه من
أقواله وأمره للناس بالابتعاد عنهم.
فكان (عليه السلام) يهتم أشد الاهتمام بأمر الغلاة، لأن
بعضهم ادعى أن جعفر بن محمد إله - تعالى الله عن قوله -
فعظم ذلك على الإمام جعفر بن محمد الصادق، وحاول
أن يقدر عليه فلم يقدر، فأعلن لعنه والبراءة منه، وجمع
أصحابه وأعلمهم بذلك، وكتب إلى جميع البلدان بكفره
ولعنه والبراءة منه (1).
كما أعلن (عليه السلام) براءته من الغلاة ويقول لأصحابه:
لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا
تصافحوهم ولا توارثوهم، ولما قتلوا بالكوفة، قال (عليه السلام):
لعن الله أبا الخطاب، ولعن من قتل معه، ولعن الله من
دخل قلبه رحمة لهم.
وكان يقول: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة



(1) دعائم الإسلام: 62 - 63.
144
والناس أجمعين.
وقال (عليه السلام) لأبي بصير: يا أبا محمد، أبرأ ممن يرى
إننا أرباب، فقال أبو بصير: أنا أبرأ إلى الله منه. قال (عليه السلام):
أبرأ ممن يزعم أننا أنبياء. فقال: أنا برئ منه إلى الله
تعالى.
وقال (عليه السلام): من قال بأننا أنبياء فعليه لعنة الله.
وله (عليه السلام) كثير من هذه الأقوال التي أظهرها للملأ
في محاربة تلك الفئة الباغية وحث الناس على مقاومتهم
ومقاطعتهم، وكان يقول: ليس لهؤلاء شئ خير من القتل.
ولم يكد يعلن (عليه السلام) على الملأ براءته حتى أحدث
ذلك صدعا في صفوفهم وفرق كلمتهم، وعرف الناس
نواياهم وما يقصدون في إظهار تلك العقائد الفاسدة،
فمزق الله شملهم وأباد جمعهم، ولم يبق لهم أثر في
الوجود.
وإليك وصف بعض فرقهم، وسنذكر أربعا وعشرين
فرقة منهم بصورة موجزة.

145
الغلاة وفرقهم:
قال الشهرستاني (1): الغالية، هؤلاء هم الذين غلوا
في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقة،
وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبهوا واحدا من
الأئمة بالإله، وربما شبهوا الإله بالخلق.
وقال أبو محمد النوبختي (2): ومن الكيسانية
والعباسية والحارثية تفرقت فرق الخرمدينية، ومنهم كان
بدء الغلو في القول حتى قالوا: إن الأئمة آلهة، وإنهم
أنبياء، وإنهم رسل، وإنهم ملائكة، وهم الذين تكلموا
بالأظلة وفي التناسخ في الأرواح، وهم أهل القول بالدور
في هذه الدار وإبطال القيامة والبعث والحساب، وزعموا
أن لا دار إلا الدنيا وأن القيامة إنما هي خروج الروح من
بدن ودخولها في بدن آخر، " أي التناسخ ".
وقال الشهرستاني (3): وبدع الغلاة محصورة في



(1) الملل والنحل 1: 154.
(2) فرق الشيعة، للنوبختي: 36.
(3) الملل والنحل 1: 155.
146
أربع: التشبيه والبداء والرجعة والتناسخ، ولهم ألقاب بكل
بلد لقب، فيقال لهم بأصبهان: الخرمية والكوذية،
وبالري: المزدكية والسنباذية، وبآذربيجان: الدقولية،
وبموضع: المحمرة، وبما وراء النهر: المبيضة، وهم أحد
عشر صنفا، وتفرقوا إلى أربع وعشرين فرقة، وهم:
1 - المنصورية (1):
وهم أصحاب أبي منصور، وهو ادعى أن الله عز
وجل عرج به إليه فأدناه منه وكلمه ومسح يده على رأسه.
وكان أبو منصور العجلي من أهل الكوفة من عبد القيس،
وكان أميا لا يقرأ فادعى بعد وفاة أبي جعفر محمد بن علي
ابن الحسين (عليه السلام) أنه فوض إليه أمره وجعله وصيه من
بعده، ثم ترقى به الأمر إلى أن قال: كان علي بن
أبي طالب (عليه السلام) نبيا ورسولا وكذا الحسن والحسين وعلي
ابن الحسين ومحمد بن علي، وأنا نبي ورسول، والنبوة
في ستة من ولدي يكونون بعدي أنبياء آخرهم القائم.



(1) فرق الشيعة، للنوبختي: 38.
147
وكان يأمر بخنق من خالفهم وقتله، وقال: من خالفكم فهو
كافر مشرك.
وقال الشهرستاني (1): زعم أبو منصور أن عليا (عليه السلام)
هو الكسف الساقط من السماء.
2 - الخطابية:
قال الشهرستاني (2): هم أصحاب أبي الخطاب
محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع مولى بني أسد، وهو
الذي عزا نفسه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق
(رضي الله عنه)، فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه تبرأ
منه ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه، فلما اعتزل عنه ادعى
الإمامة لنفسه، وزعم أن جعفرا هو الإله في زمانه، ولما
وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث
دعوته قتله.
وافترقت الخطابية بعده فرقا:



(1) الملل والنحل 1: 158، والفرق بين الفرق: 261.
(2) الملل والنحل 1: 159، والفرق بين الفرق: 265 - 267.
148
1 - فزعمت فرقة أن الإمام بعده رجل يقال له:
(معمر) ودانوا به كما دانوا بأبي الخطاب واستحلوا الخمر
والزنا وسائر المحرمات، ودانوا بترك الصلاة وتسمى هذه
الفرقة (المعمرية).
2 - وزعمت طائفة أن الإمام بعد أبي الخطاب:
بزيغ، وكان يزعم أن جعفرا هو الإله، وتسمى هذه الطائفة
(البزيغية).
3 - وزعمت طائفة أن الإمام بعد أبي الخطاب:
عمير بن بيان العجلي، وقالوا كما قالت الطائفة الأولى،
إلا أنهم اعترفوا أنهم يموتون، وكانوا قد نصبوا خيمة
بكناسة الكوفة يجتمعون فيها على عبادة الصادق (رضي الله عنه)
فرفع خبرهم إلى زيد بن عمر بن هبيرة، فأخذ عميرا
فصلبه، وتسمى هذه الطائفة (العجلية) و (العميرية)
أيضا.
4 - وزعمت طائفة أن الإمام بعد أبي الخطاب:
مفضل الصيرفي، وتسمى هذه الفرقة (المفضلية).
وتبرأ من هؤلاء كلهم جعفر بن محمد الصادق (رضي الله عنه)

149
ولعنهم.
5 - والفرقة الخامسة: الخطابية المطلقة، ثبتت على
موالاة أبي الخطاب في دعاويه كلها وأنكرت إمامة من
بعده.
وقال عبد القاهر: إن الخطابية قد أكفرت أبا بكر
وعمر وعثمان وأكثر الصحابة بإخراجهم عليا من الإمامة
في عصرهم.
6 - وقال النوبختي (1):
وفرقة قالت: (السري) رسول مثل أبي الخطاب
أرسله جعفر، هو الإسلام والإسلام هو السلام وهو الله
عز وجل، فدعوا إلى نبوة السري ورسالته، وصلوا
وصاموا وحجوا لجعفر بن محمد ولبوا له، فقالوا: لبيك
يا جعفر.
3 - الگيالية:
قال الشهرستاني: أتباع أحمد بن الگيال، وكان من



(1) فرق الشيعة: 43.
150
دعاة واحد من أهل البيت بعد جعفر بن محمد الصادق،
ولما وقفوا على بدعته تبرموا منه ولعنوه، وادعى الإمامة
أولا، ثم ادعى أنه القائم ثانيا، وقتله من انتمى إليه أولا
على بدعته.
4 - الهشامية (1):
أصحاب الهشامين: هشام بن الحكم صاحب
المقالة في التشبيه، وهشام بن سالم الجواليقي.
5 - النعمانية (2):
قال الشهرستاني: أصحاب محمد بن النعمان
أبي جعفر الأحول الملقب بشيطان الطاق، وهم الشيطانية
أيضا.



(1) أقول: اتهمت العامة هذين بأنهما غلاة وهما عند الشيعة من
الثقات والمعتمدين، راجع ترجمتنا لهما في أصحاب الصادق
(عليه السلام)، فتدبر.
(2) أقول: اتهمت العامة هؤلاء بأنهم غلاة، وهم عند الشيعة من
الثقات والمعتمدين، راجع ترجمتنا لمحمد بن النعمان في
أصحاب الباقر (عليه السلام)، فتدبر.
151
والشيعة تقول: هو مؤمن الطاق (1).
وقال الشهرستاني: إن الفرق عند محمد بن النعمان
أربع: الفرقة الأولى عنده القدرية، والفرقة الثانية
الخوارج، والثالثة العامة، والرابعة الشيعة، ثم عين الشيعة
بالنجاة في الآخرة من هذه الفرق.
6 - اليونسية:
قال الشهرستاني: هؤلاء أصحاب يونس بن عبد
الرحمن (2) القمي مولى آل يقطين، وهو من مشبهة الشيعة،
وقد صنف لهم كتبا في ذلك، ولم يعتبره الإسفرائيني من
الغلاة.



(1) أقول: لم يذكر الإسفرائيني البغدادي هذه الفرقة والتي قبلها
في الغلاة، وإنما ذكرهما في فصل بيان مقالات الروافض،
واعتبرهما الشهرستاني في الملل والنحل 1: 165 - 168 من
الغلاة.
(2) ذكره الطوسي في رجاله في أصحاب الكاظم (عليه السلام): 364،
الرقم 11، وقال: ضعفه القميون وهو ثقة، وكذلك ذكره الطوسي
في أصحاب الرضا (عليه السلام).
152
7 - النصيرية والإسحاقية (1):
قال الشهرستاني: من جملة غلاة الشيعة، ولهم
جماعة ينصرون مذهبهم.
8 - السبائية (2):
أصحاب عبد الله بن سبأ، الذي قال لعلي كرم الله
وجهه: " أنت أنت " أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، وزعم
أن عليا حي لم يمت.
9 - الكاملية (3):
قال الشهرستاني: هم أصحاب أبي كامل، أكفر
جميع الصحابة بتركها بيعة علي (رضي الله عنه)، وطعن في علي
أيضا بتركه حقه ولم يعذره في القعود.
10 - العلبائية:



(1) لم يذكرهما الإسفرائيني في كتابه.
(2) راجع كتاب " عبد الله بن سبأ " للعلامة العسكري، حيث
أثبت الحقائق بأن وجوده وهمي.
(3) ذكرها الإسفرائيني في الفرق بين الفرق: 73، من فرق
الإمامية المخالفة للزيدية والكيسانية والغلاة.
153
قال الشهرستاني: هم أصحاب العلباء بن ذراع
الدوسي، وكان يفضل عليا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزعم أنه
الذي بعث محمدا يعني عليا، وسماه إلها، وكان يقول بذم
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى
نفسه، ويسمون هذه الفرقة: (الذمية).
ومنهم من قال بإلهيتهما جميعا، ويقدمون عليا في
أحكام الإلهية، ويسمونهم (العينية).
ومنهم من قال بإلهيتهما جميعا، ويفضلون محمدا
في الإلهية ويسمونهم: (الميمية).
ومنهم من قال بإلهية أصحاب الكساء: محمد
وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وكرهوا أن يقولوا:
فاطمة بالتأنيث، بل قالوا: فاطم.
11 - المغيرية (1):
قال الشهرستاني: هم أصحاب المغيرة بن سعيد
العجلي، ادعى أن الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسين



(1) قال النوبختي (59 - 62): إنها من فرق الزيدية الضعفاء.
154
في محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن،
الخارج بالمدينة، وزعم أنه حي لم يمت، وادعى الإمامة
لنفسه بعد الإمام محمد، وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه،
واستحل المحارم، وغلا في حق علي (رضي الله عنه).
وقال الإسفرائيني (1): زعم أن محمد النفس الزكية
هو المهدي المنتظر، وعندما قتل النفس الزكية اختلفت
المغيرية، فبرئت منه فرقة وثبتت أخرى بانتظار محمد
النفس الزكية بالخروج، وتسمى هذه الفرقة: (المحمدية).
12 - الجناحية:
قال الإسفرائيني (2): هؤلاء أتباع عبد الله بن
معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وكان سبب اتباعهم له أن المغيرية الذين تبرؤوا من
المغيرة بن سعيد بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسن بن
الحسن بن علي، خرجوا من الكوفة إلى المدينة يطلبون



(1) الفرق بين الفرق: 253 - 257.
(2) الفرق بين الفرق: 263.
155
إماما، فلقيهم عبد الله بن معاوية فدعاهم لنفسه، وزعم
أنه هو الإمام بعد علي وأولاده من صلبه فبايعوه، وحكوا
لأتباعهم أن عبد الله بن معاوية زعم أنه رب.
واستحلوا الخمر والميتة والزنا واللواط وسائر
المحرمات (1)، وأسقطوا وجوب العبادات، وقتله أبو مسلم
الخراساني، وأنكر أتباعه قتله وزعموا أنه حي.
13 - البيانية:
قال الإسفرائيني (2): هؤلاء أتباع بيان بن سمعان
التميمي، وهم الذين زعموا أن الإمامة صارت من محمد
ابن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد، ثم
صارت من أبي هاشم إلى بيان بن سمعان بوصيته إليه.



(1) وذلك بتأويلهم الباطل، لقوله تعالى: * (ليس على الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا) *
المائدة: 93، ومن هنا جاءت تسميتهم بالجناحية.
(2) الفرق بين الفرق: 251، ولم يذكرها الشهرستاني في فرق
الغلاة، وإنما ذكرها في فرق الشيعة الكيسانية، وقال: إن بيان
بن سمعان هو من الغلاة، الملل والنحل 1: 136.
156
واختلف هؤلاء في بيان: فمنهم من زعم أنه كان نبيا.
ومنهم من زعم أنه كان إلها. ثم قتله خالد بن عبد الله
القسري في زمان ولايته في العراق.
14 - الحربية:
قال الإسفرائيني (1): هؤلاء أتباع عبد الله بن عمرو
ابن حرب الكندي، وكان على دين البيانية في دعواها أن
روح الإله تناسخت في الأنبياء والأئمة إلى أن انتهت إلى
أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، ثم زعمت
الحربية أن تلك الروح انتقلت من عبد الله بن محمد بن
الحنفية إلى عبد الله بن عمرو بن حرب.
15 - الشريعية (2):
قال الإسفرائيني: هم أتباع رجل كان يعرف
بالشريعي، وقد زعم أن الله تعالى حل في خمسة، وهم:
النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وزعموا أن



(1) الفرق بين الفرق: 259.
(2) الفرق بين الفرق: 271.
157
هؤلاء الخمسة آلهة، وحكي عن الشريعي أنه ادعى يوما
أن الإله حل فيه.
وكان بعده من أتباعه رجل يعرف بالنميري، حكي
عنه أنه ادعى في نفسه أن الله حل فيه.
16 - الراوندية:
قال النوبختي (1): وهم العباسية الخلص الذين
قالوا: الإمامة لعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - العباس بن عبد المطلب
رحمة الله عليه - وثبتت على ولاية أسلافها الأولى سرا،
وكرهوا أن يشهدوا على إسلامهم بالكفر وهم مع ذلك
يتولون أبا مسلم ويعظمونه، وهم الذين غلوا في القول في
العباس وولده.
ومن العباسية فرقتان قالتا بالغلو في العباس رحمة
الله عليه (2):
فرقة منها تسمى: (الهاشمية)، وهم أصحاب



(1) فرق الشيعة: 47.
(2) فرق الشيعة: 51.
158
أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية (1).
وفرقة قالت: أبو مسلم نبي مرسل يعلم الغيب
أرسله أبو جعفر المنصور وهم من الراوندية أصحاب
عبد الله الراوندي وشهدوا أن المنصور هو الله.
17 - قال النوبختي (2): وصنوف الغالية افترقوا بعد
وفاة أبي الخطاب على مقالات كثيرة فقالت فرقة منهم:
إن روح جعفر بن محمد جعلت في أبي الخطاب ثم
تحولت في محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد غيبة
أبي الخطاب.
18 - الأبو مسيلمية (3):
وهي فرقة من الرزامية، أفرطوا في موالاة
أبي مسلم صاحب دولة بني العباس، وزعموا أنه صار إلها



(1) هو أحد زعماء العلويين في العصر المرواني، وكان يبث
الدعاية سرا وينفرهم من بني أمية ويستميلهم إلى بني هاشم،
فدس له السم سليمان بن عبد الملك فتوفي سنة 99، انظر تأريخ
ابن الأثير، حوادث سنة 99.
(2) فرق الشيعة: 71، والمقالات والفرق: 83.
(3) الفرق بين الفرق: 275.
159
بحلول روح الإله فيه، وزعموا أيضا أن أبا مسلم حي
لم يمت وهم على انتظاره، وهؤلاء بمرو وهرات يعرفون
بالبركوكية.
19 - المقنعية:
قال الإسفرائيني: هم المبيضة بما وراء نهر
جيحون، وكان زعيمهم المعروف بالمقنع رجلا أعور
قصارا بمرو، وكان على دين الرزامية بمرو، ثم ادعى
لنفسه الإلهية، وكانوا يستحلون الميتة والخنزير.
20 - الحلمانية:
هم المنسوبون إلى أبي حلمان الدمشقي، أصله من
فارس، ومنشؤه حلب، وأظهر بدعته بدمشق، وكانوا
يقولون بحلول الإله في الأشخاص الحسنة، وإذا رأوا
صورة حسنة سجدوا لها.
21 - الخرمية:
هؤلاء صنفان:
1 - المزدكية: الذين استباحوا المحرمات، وزعموا
أن الناس شركاء في الأموال والنساء.

160
2 - الخرمدينية: وهم فريقان بابكية ومازيارية،
وكلتاهما معروفة بالمحمرة.
فالبابكية منهم أتباع بابك الخرمي ظهر في
أذربيجان وصلبه المعتصم بسر من رأى.
أما المازيارية منهم فهم أتباع مازيار الذي أظهر
دين المحمرة بجرجان وصلبه المعتصم.
وأتباع مازيار اليوم في جبلهم أكره من يليهم من
سواد جرجان، يظهرون الإسلام ويضمرون خلافه.
22 - قال الأشعري (1): وفرقة من الغلاة لعنهم الله
أظهروا دعوة التشيع واستبطنوا المجوسية فزعموا أن
سلمان رحمة الله عليه هو الرب، وإن محمدا داع إليه،
وإن سلمان لم يزل يظهر نفسه لأهل كل دين، وذهبوا في
جميع الأشياء مذهب المجوس من شق طرفي الثوب وشد
الزنانير.



(1) المقالات والفرق: 61، الرقم 121.
161
23 - البشيرية (1):
أصحاب محمد بن بشير كان من أصحاب
الكاظم (عليه السلام) ثم غلا وادعى الألوهية له (عليه السلام) والنبوة لنفسه
من قبله ولما توفي موسى (عليه السلام) قال بالوقف عليه. وكان
محمد بن بشير صاحب شعبذة ومخاريق، وقال: إن
الكاظم (عليه السلام) هو القائم المهدي.
24 - سبعون رجلا من الزط الذين ادعوا الربوبية
في أمير المؤمنين (عليه السلام):
روى الكشي (2) بالإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
إن عليا (عليه السلام) لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون
رجلا من الزط (3) فسلموا عليه، وكلموه بلسانهم، فرد
عليهم بلسانهم، وقال لهم: إني لست كما قلتم، أنا عبد الله
مخلوق. قال: فأبوا عليه وقالوا له: أنت أنت هو، فأبوا أن
يرجعوا ويتوبوا، فأمر (عليه السلام) بقتلهم.



(1) بحار الأنوار: 37، 17 و 29، والمقالات والفرق: 60، الرقم
116.
(2) رجال الكشي: 109، الرقم 175.
(3) الزط: قوم من السند.
162
الجبرية
الجبر هو نفي الفعل عن العبد حقيقة، وإضافته إلى
الرب حقيقة، وزعمت هذه الفرقة، أن الإنسان لا يخلق
أفعاله، وليس له مما ينسب إليه من أفعال شئ، فقوام هذا
المذهب نفي الفعل عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى.
وقد اختلفت الأقوال في نشأة هذه الفرقة، ومن هو
القائل بها أولا؟ فقيل: إن أول من قام بهذه النحلة رجل
يهودي، وقيل الجعد بن درهم، أخذها عن أبان بن
سمعان، وأخذها أبان عن طالوت بن أعصم اليهودي،
فهي على هذا فكرة يهودية، وقد ضل بها خلق كثير. وبهذا
المذهب لا يكون للإنسان كسب ولا إرادة ولا اختيار
ولا تصرف فيما وهبه الله من نعمة العقل على حسبه،
فكيف يكون له مطمع في ثواب أو خوف من عقاب؟
التفويض: وقد انتشر هذا المبدأ ومبدأ المفوضة،
وهم الذين يقولون بتفويض الأفعال إلى المخلوقين،

163
ورفعوا عنها قدرة الله وقضاءه، عكس المجبرة الذين
أسندوا الأفعال إليه تعالى، وأنه أجبر الناس على فعل
المعاصي، وأجبرهم على فعل الطاعات، وأن أفعالهم في
الحقيقة أفعاله، فكان أثر هاتين الفكرتين سيئا في
المجتمع الإسلامي.
الأمر بين الأمرين: فتصدى الإمام الصادق (عليه السلام)
لرد هؤلاء، وأعلن العقيدة الصحيحة والرأي السديد في
التوسط بين الأمرين فقال: " لا جبر ولا تفويض، ولكن
أمر بين أمرين " وخلاصته: إن أفعالنا، هي أفعالنا وتحت
قدرتنا واختيارنا من جهة، ومن جهة أخرى، هي مقدورة
لله تعالى، وداخلة في سلطانه، فلم يجبرنا على أفعالنا
حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي، لأن لنا
القدرة على الاختيار فيما نفعل، ولم يفوض إلينا خلق
أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه، بل له الخلق
والأمر وهو قادر على كل شئ ومحيط بالعباد.
واعتقاد شيعة أهل البيت في ذلك وسط بين
المذهبين، كما بينه أئمة الهدى (عليهم السلام)، وذلك عليه كلمة

164
الإمام الصادق المشهورة " لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر
بين أمرين ".
وبالجملة، فإن عصر الإمام الصادق (عليه السلام) كان عصر
مجادلات ونظر، واتسعت فيه دائرة الخلاف، وقد رأينا
موقفه في مقابلتهم، وردع أهل الآراء الفاسدة والعقائد
المخالفة للإسلام، وقام خلص أصحابه وأعيانهم بقسط
وافر من ذلك النضال دون تعاليم الإسلام الصحيحة، وقد
احتفظ التأريخ ببعض مناظراتهم التي نافحوا فيها لأجل
إثبات مبادئ الإسلام السامية.

165
محنة خلق القرآن
قالت العامة (1): فتنة خلق القرآن فتنة عمياء هوجاء
هبت سمومها في عهد المأمون، وإن كانت جراثيمها قديمة
وجذورها عميقة، فإن حلقاتها تتصل باليهودية الحاقدة
على الإسلام والمسلمين.
وإن أصل هذه المقالة الخبيثة هو التأثر باليهودية
المغذاة بالفلسفة والسفسطة الكافرة، تصل جذورها
باليهود الذين كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانوا يقولون
بخلق التوراة.
وقال ابن الأثير (2) في تأريخه في حوادث سنة
24: والذي توفي في هذه السنة القاضي أبو عبد الله أحمد
ابن دؤاد، وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وغيره من



(1) العلل ومعرفة الرجال 1: 67.
(2) الكامل في التأريخ 7: 75.
166
مذاهب المعتزلة، وأخذ ذلك عن بشر المريسي، وأخذه
بشر عن الجهم بن صفوان، وأخذه جهم عن الجعد بن
درهم، وأخذه الجعد عن أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن
طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وختنه، وأخذه طالوت
عن لبيد ابن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وكان لبيد يقول بخلق التوراة.
وأما بشر بن غياث المريسي الذي تولى زعامة هذه
الفتنة في وقته، وكان عين الجهمية ورأسهم وعالمهم في
عصره، فقد كان أبوه يهوديا.
وروى الخطيب (1) في تأريخه، عن إسحاق بن
إبراهيم الملقب بلؤلؤ، قال: مررت بالطريق فإذا بشر
المريسي والناس عليه مجتمعون، فمر يهودي، فأنا سمعته
يقول:
لا يفسد عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة،
يعني أن أباه كان يهوديا.



(1) تأريخ بغداد 7: 58.
167
وقال الزنجاني (1): بشر بن غياث المريسي، ظاهر
الصدوق (رحمه الله) الاعتماد عليه، مات سنة 252، والرجل
مغموز فيه عندهم جدا.
وملخص الفتنة والمحنة (2) أن المأمون العباسي كان
قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فزينوا له القول بخلق
القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل.
وعندما خرج المأمون إلى طرطوس لغزو الروم،
كتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب
صاحب الشرطة، يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق
القرآن، واتفق له ذلك في آخر عمره قبل موته بشهور من
سنة 218.
وأما فرقة المريسية (3) فهذه الفرقة من مرجئة بغداد
من أتباع بشر المريسي الذي أظهر قوله بخلق القرآن.



(1) الجامع في الرجال 1: 311، (كتاب رجالي من كتب
الشيعة).
(2) العلل ومعرفة الرجال 1: 69.
(3) أنظر الفرقة الخامسة من فرق المرجئة في كتابنا هذا.
168
وأما فرقة المستدركة (1) فهي فرقة من النجارية
أتباع الحسين بن محمد النجار، وهؤلاء يزعمون أنهم
استدركوا ما خفي على أسلافهم، لأن أسلافهم منعوا
إطلاق القول بأن القرآن مخلوق، وافترقت فيما بينها
فرقتين:
فرقة زعمت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال: إن كلام الله
مخلوق على ترتيب هذه الحروف.
وقالت الفرقة الثانية: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقل كلام
الله مخلوق على ترتيب هذه الحروف.
وقال هشام بن الحكم (2) في القرآن: إنه لا خالق
ولا مخلوق، ولا يقال: إنه غير مخلوق، لأنه صفة،
والصفة لا توصف عنده.
وقال ابن حبان (3): أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير
بتستر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي، قال:



(1) الفرق بين الفرق: 219، الرقم 115.
(2) أنظر ترجمتنا له في أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).
(3) المجروحين، لابن حبان 3: 65.
169
حدثنا الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف، قال: أول
من قال: القرآن مخلوق، أبو حنيفة، يريد بالكوفة.
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري، قال: حدثنا
سفيان بن وكيع، قال: حدثنا عمر بن حماد بن أبي حنيفة،
قال: سمعت أبي يقول، سمعت أبا حنيفة يقول: القرآن
مخلوق، قال: فكتب إليه ابن أبي ليلى: إما أن ترجع
وإلا لأفعلن بك. فقال: قد رجعت، فلما رجع إلى بيته
قلت: يا أبي أليس هذا رأيك؟ قال: نعم يا بني، وهو اليوم
أيضا رأيي ولكن أعيتهم التقية.
واتسع الخلاف بين المسلمين، من تكفير بعضهم
للبعض، فطائفة تقول: إن من قال: القرآن غير مخلوق
فهو كافر، وعليه ابن أبي داود وجماعته.
وطائفة تقول في تكفير من يقول بخلق القرآن،
وعليه أحمد بن حنبل، ويقول أبو عبد الله محمد بن يحيى
الذهلي المتوفى سنة 255 ه‍: من زعم أن القرآن مخلوق
فقد كفر، وبانت منه امرأته، فإن تاب وإلا ضربت عنقه،
ولا يدفن في مقابر المسلمين.

170
حتى إن الواثق استفك من الروم أربعة آلاف من
الأسارى، ولكنه اشترط أن من قال: القرآن مخلوق
يخلى من أسره ويعطى دينارين (1)، ومن امتنع عن ذلك
فيترك في الأسر ولا يفك، بمعنى أنه رتب آثار الكفر على
من لم يقل بخلق القرآن.
ولما قدم أحمد بن نصر إليه قال له الواثق: ما تقول
في القرآن؟ وكان أحمد ممن يذهب إلى أن القرآن غير
مخلوق، فقال: كلام الله، وأصر على رأيه غير متلعثم،
فقال بعض الحاضرين: هو حلال الدم، وقال ابن أبي
داود: هو شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقله، يؤخر
أمره ويستتاب، فقال الواثق: ما أراه إلا داعيا لكفره، ثم
دعى بالصمصامة فقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي،
فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا
لا نعرفه، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد، وأمر أن
يشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشى إليه برجله



(1) طبقات الشافعية 3: 22، وتأريخ اليعقوبي 3: 194.
171
وضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد (1).
وفي دائرة المعارف الإسلامية المترجمة عن
الأصل الإنجليزي والفرنسي: عندما أقرت الدولة عقائد
المعتزلة، وأنزلتها المنزلة الأولى وأخذت بالشدة كل
الفقهاء الذين لم يقولوا بمذهب خلق القرآن، كان أحمد بن
حنبل أحد هؤلاء الفقهاء الذين أصابتهم المحنة، فقد سيق
مكبلا بالأغلال للمثول بين يدي المأمون بطوس، ولكن
بلغه في الطريق نعي هذا الخليفة، وفي عهد المعتصم
احتمل في صبر بالغ ما ناله من إيذاء وسجن دون أن
يتسامح في شئ من عقائد السلف، ولم تكف الدولة عن
إيذاء أحمد بن حنبل إلا في عهد المتوكل (2).
وقال الشافعي إلى حفص الفرد في مناظرته له في
أن القرآن مخلوق: كفرت بالله العظيم (3).



(1) شذرات الذهب 2: 67.
(2) دائرة المعارف الإسلامية 1: 492، ترجمة أحمد الشنتناوي،
وإبراهيم زكي خورشيد - دار الفكر.
(3) آداب الشافعي 1: 194.
172
وقال الزركلي في ترجمة أحمد بن محمد بن
حنبل: وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن،
ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، وتولى المعتصم فسجن
ابن حنبل ثمانية وعشرين شهرا لامتناعه عن القول بخلق
القرآن، وأطلق سنة 220 ه‍ (1).
وفي كتاب المجروحين لابن حبان، قال عمر بن
حماد بن أبي حنيفة، قال: سمعت أبي يقول: القرآن
مخلوق (2).
هذا بعض ما حل بالمسلمين من عوامل الفرقة
والتفكك، وحوادث الشغب بين معتنقي المذاهب الأربعة،
الأمر الذي جعل المتدخلين في صفوف المسلمين ينفذون
خططهم، ويحققون أهدافهم في تفريق كلمة المسلمين
وصدع وحدتهم.



(1) الأعلام 1: 203.
(2) المجروحين 3: 65.
173
النزاع بين أهل الحديث وأهل الرأي
على إثر النجاح الذي أحرزته الجمعيات السرية
المنعقدة ضد النظام الأموي، طلع نجم بني العباس، وكان
لهم نشاط سياسي في المجتمع لتحويل الحكم من البيت
الأموي إلى البيت العلوي، وقد رفعوا شعار دعوتهم (إلى
الرضا من آل محمد).
ولكن العباسيين قد نشطوا بالحيلة، وتغلبوا في
اصطناع المعروف لآل البيت (عليهم السلام) ولكنهم كانوا في حذر
من العرب عامة ومن أهل المدينة خاصة، لأن أهل
المدينة قد وقفوا على حقيقة البيعة في الأبواء وأنها
لآل علي (عليه السلام) دون بني العباس، كما أنهم كانوا في طليعة
من بايع محمد بن علي بن الحسن (ذو النفس الزكية) وفي
رقبة السفاح والمنصور بيعته، فكيف يستقلان بالأمر
وينقضان تلك البيعة؟
ولكن السفاح استطاع بمهارته استجلاب قلوب

174
الموالي إليه بأساليب الرغبة والرهبة، وتثبيت قواعد ملكه
على أيدي الفرس عامة والخراسانيين خاصة، لأنه ما كان
يأمن وثبة العرب لجانب العلويين، فهم في نظر عامة
العرب والعباسيين أنصار بني علي لا أنصار بني العباس،
كما كانت سياستهم في بدء الدعوة قتل كل من يتكلم
بالعربية في بلاد فارس.
ومضى السفاح وجاء المنصور الدوانيقي للحكم،
وهو ذلك الرجل الحديدي الذي يقتحم مواقع الخطر
ولا يتهيب من إراقة الدماء، ولا يقف أمامه حاجز
ولا يردعه وازع ديني في سبيل تركيز دعائم ملكه. ففتك
بأهل البيت ومن عارض حكمه من العباسيين أنفسهم،
وأبعد علماء المدينة، ونصر الموالي، وأوجد تلك المعركة
القوية لفك وحدة المسلمين، وهي معركة أهل الحديث
وأهل الرأي. فقرب فقهاء العراق القائلين بالقياس،
وأحاطهم بعنايته ليحول أنظار الناس إليهم، والناس على
دين ملوكهم، وبذلك تقل قيمة علماء أهل المدينة الذين
هم أهل الفتيا إلى حد كبير.

175
وفي العهد العباسي نشطت الحركة العلمية، وكان
طبيعيا أن تنتعش العلوم في ظل سلطانهم، لأنهم كانوا
يدعون حقهم في الإمامة، وأنهم سلالة النبي، ليمسكوا
المبادرة بأيديهم ويحاربوا سواهم.
وعلى رغم ذلك فقد نهض أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
وبقية العلماء لنشر العلم، إذ وجد المسلمون كافة حرية
الرأي، والتف معظمهم حول أهل البيت لانتهال العلوم من
موردهم العذب، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) هو الشخصية
التي يتطلع إليها الناس يوم طلع فجر النهضة العلمية،
فحملوا عنه إلى سائر الأقطار، وقصده طلاب العلم من
الأنحاء القاصية، فضلا عن الدانية، وفتحت مدرسته بتلك
الفترة في المدينة المنورة وفي الكوفة، فكان المنتمون
إليها ما يربو على الأربعة آلاف طالب وتلميذ كما أسلفنا.
وهذا النشاط العلمي لا يروق للدولة العباسية الفتية
التي قامت على أنقاض الدولة الأموية، واستولت على
الحكم بدون حق شرعي، وإنما أصبح في صالح العلويين.
وانتهز العباسيون النشاط العلمي بنطاقه الواسع،

176
وأخذوا يشجعون الفرق والمذاهب، فكان في كل بلد إمام
له مذهب ينسب إليه، وكثر عدد المذاهب، إلا أنه لم يكتب
البقاء لأكثرها واعتراها الانقراض، وكان لمؤسسيها الذين
كثر أتباعهم تأريخ مجيد ومكانة سامية، ربما فاقوا في
نظر معاصريهم وذوي العلم منهم رؤساء المذاهب الذين
وقفت قافلة الفقه عندهم، واقتصر استنباط الأحكام
عليهم، ولكن السياسة الزمنية وعوامل انتشار مذاهبهم
عجزت عن مسايرة الظروف فلم يكتب لها البقاء،
ومحيت من صفحة الوجود، ولم يبق لأبناء السنة منها إلا
الأربعة من المذاهب: المالكي والحنفي والشافعي
والحنبلي.
أما المذاهب التي انقرضت فهي كثيرة، نذكر منها:
1 - مذهب عمر بن عبد العزيز المتوفى 101 ه‍ - 720 م.
2 - مذهب الشعبي المتوفى 105 ه‍ - 723 م.
3 - مذهب حسن البصري المتوفى 110 ه‍.
4 - مذهب الأعمش المتوفى 148 ه‍ - 764 م.
5 - مذهب الأوزاعي المتوفى 157 ه‍ - 772 م.

177
6 - مذهب سفيان الثوري المتوفى 161 ه‍ - 777 م.
7 - مذهب الليث المتوفى 175 ه‍.
8 - مذهب سفيان بن عيينة المتوفى 198 ه‍ - 814 م.
9 - مذهب إسحاق المتوفى 223 ه‍.
10 - مذهب أبي ثور المتوفى 240 ه‍ - 854 م.
11 - مذهب داود الظاهري المتوفى 270 ه‍ - 832 م.
12 - مذهب محمد بن جرير المتوفى 310 ه‍ - 923 م.
وغيرها من مذاهب المسلمين التي تتفق أحيانا
وتفترق أحيانا في كثير من المسائل الشرعية، ومنهم من
جعل في تعداد هذه المذاهب: مذهب عائشة، مذهب ابن
عمر، مذهب ابن مسعود، مذهب إبراهيم النخعي ومذهب
عبد الله بن أباض (1)، وغيرهم.
وهكذا ترى النزاع المذهبي قائما بعد أن كان علميا
محضا، أصبح مزيجا بالسياسة أو التعصب، وتعددت
عوامل التفرقة لتستند السلطة إلى أقوى الفرقاء، واتسع



(1) تأريخ الفتح العربي في ليبيا: 106.
178
نطاق الخلاف، فترى مالك بن أنس يحط من كرامة
العراقيين ويتحامل عليهم ويلعنهم.
وأكثروا القيل والقال والإيراد والجواب وتمهيد
طرق الجدل في الفقه، لا سيما بين مذهب الشافعي
ومذهب أبي حنفية، فترك الناس الكلام وفنون العلم
وأقبلوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة
على الخصوص، وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان
الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ومهما يكن من أمر فقد تعصب كل فريق إلى بلده
وتنابزوا، وعير أهل المدينة بسماع الغناء، وأهل مكة
بالمتعة، وأهل الكوفة بالنبيذ، واستندت عصبية كل قوم
لبلادهم، وحملتهم عصبيتهم على وضع الأخبار في مدح
قومه وبلده وذم مقابله، وعظم الانشقاق بين الطائفتين:
أصحاب الرأي والقياس وأصحاب الحديث، وبالطبع إن
الكوفة تضعف عن مقابلة الحجاز، ولكن السياسة الزمنية
اقتضت أن تكون إلى جانب أهل الرأي، لا حبا لهم، ولكن
بغضا لأهل الحديث أهل المدينة، وأصبح لكل جانب

179
أنصار ومتعصبون.
وقد طغت موجة التعصب بين المذاهب السنية حتى
أصبح التكتم بالمذهب لازما. يقول أبو بكر محمد بن
عبد الباقي المتوفى سنة 535 ه‍ وكان حنبليا:
إحفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب
ويعطينا الزمخشري صورة واضحة من صور
الخلاف وشدة التطاحن بين المذاهب وطعن البعض على
البعض بقوله:
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه كتمانه لي أسلم
فإن حنفيا قلت قالوا بأنني * أبيح الطلى وهو الشراب المحرم
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن مالكيا قلت قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون تيس ليس يدري ويفهم (1)



(1) الكشاف، الزمخشري 2: 573، الطبعة القديمة، وحذفت من
الطبعة الجديدة.
180
فكان مالك بن أنس في طليعة أهل الحديث
وأنصاره ومنهم سفيان الثوري وأصحابه. وزعيم أهل
الرأي هو أبو حنيفة وأصحابه وكثير من فقهاء العراق.
فالشافعي أخذ عن مالك وأصحابه، وأحمد بن
حنبل المتوفى سنة 241 ه‍ - 820 م أخذ عن الشافعي
المتوفى في سنة 204 ه‍ وأصحابه.
وإنما سموا أصحاب الحديث لأن عنايتهم بتحصيل
الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص
ولا يرجعون إلى القياس، وتبعهم أصحاب الشافعي،
وهم: إسماعيل بن يحيى المزني والربيع بن سليمان
الجيزي وحرملة بن يحيى وأبو يعقوب البويطي وابن
الصباغ وابن عبد الحكم المصري وأبو ثور، وغيرهم.
وأما أصحاب الرأي، فهم: أبو حنيفة النعمان بن
ثابت، وأصحابه: محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف
القاضي وزفر بن الهذيل والحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو
مطيع البلخي وبشر المريسي، فهؤلاء عرفوا بأهل الرأي،
وقالوا: إن الشريعة معقول المعنى ولها أصولها يرجع إليها.

181
وبهذا افترقت الأمة إلى فرقتين: أهل حديث وأهل
رأي، وأهل المدينة وأهل الكوفة، مع العلم إن أهل الكوفة
لا يقاسون بأهل المدينة في الحديث، فكان القياس
عندهم أكثر وعليه يبنون غالب فتاواهم.
هذه الخطوط العريضة للتنازع المذهبي، وقد لعبت
السياسة الزمنية دورها في تغذيته وتنشيطه.

182
التنازع بين المذاهب في مصادر التشريع
أ - القياس:
تعريف القياس لغة واصطلاحا:
القياس في اللغة (1): التقدير، ومنه: قست الثوب
بالذراع إذا قدرته به، قال الشاعر يصف جراحة أو شجة:
إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت * غنيتها أو زاد وهيا هزومها (2)
وقد عرف في اصطلاحهم بالاجتهاد تارة، كما ورد
ذلك عن الشافعي، وببذل الجهد لاستخراج الحق أخرى.
ويرد على هذين التعريفين أنهما غير جامعين ولا
مانعين. أما كونهما غير جامعين فلخروج القياس الجلي
عنهما، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم،
وأما كونهما غير مانعين فلدخول النظر في بقية الأدلة



(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 303.
(2) الأحكام، للآمدي 3: 3.
183
كالكتاب والسنة.
أما التعريف الذي ذكره القاضي أبو بكر الباقلاني
من أنه " حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما، أو
نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة " (1).
فقد سجلت على هذا التعريف عدة مفارقات، ومما
أورده الآمدي عليه لزوم الدور " لأن الحكم في الفرع نفيا
وإثباتا متفرع على القياس إجماعا، وليس هو ركن في
القياس، لأن نتيجة الدليل لا تكون في الدليل لما فيه من
الدور الممتنع ".
وعدل الآمدي بعد ذلك عن هذا التعريف إلى
تعاريف أبعد عن المؤاخذات، فقد عرفه الآمدي بأنه
عبارة " عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلة
المستنبطة من حكم الأصل ".
أما تعريف ابن الهمام له: " هو مساواة محل لآخر
في علة حكم له شرعي لا تدرك بمجرد فهم اللغة ".



(1) إرشاد الفحول: 198.
184
وقال السيد محمد تقي الحكيم (1): والذي يبدو لنا
أن أسلم التعاريف من الإشكالات ما ورد من أنه
" مساواة فرع لأصله في علة حكمه الشرعي "، لسلامته
من المؤاخذات.
وهناك اصطلاح آخر للقياس شاع استعماله على
ألسنة أهل الرأي قديما، وفحواه: التماس العلل الواقعية
للأحكام الشرعية من طريق العقل وجعلها مقياسا لصحة
النصوص التشريعية، فما وافقها فهو حكم الله الذي يؤخذ
به، وما خالفها كان موضعا للرفض أو التشكيك، وعلى
هذا النوع من الاصطلاح تنزل التعبيرات الشائعة: إن هذا
الحكم موافق للقياس، وذلك الحكم مخالف له.
وقد كان القياس بهذا المعنى مثار معركة فكرية
واسعة النطاق على عهد الإمام الصادق (عليه السلام) وأبي حنيفة.
وللقياس بمعناه الأول أركان أربعة:
1 - الأصل أو المقيس عليه: وهو المحل الذي ثبت



(1) الفقه المقارن: 305.
185
حكمه في الشريعة، ونص على علته، أو استنبطت بإحدى
المسالك.
2 - الفرع أو المقيس: وهو الموضوع الذي يراد
معرفة حكمه من طريق مشاركته للأصل في علة الحكم.
3 - الحكم: ويراد به الاعتبار الشرعي الذي جعله
الشارع على الأصل.
4 - العلة.
ولقد أنكر كل من الأستاذ سخاو، والدكتور جولد
تسيهر أن يكون القياس بمفهومه المحدد لدى المتأخرين
مستعملا لدى الصحابة.
ورد عليهما (1) الدكتور محمد يوسف بقوله: " حقا
إن الرأي في هذه الفترة من فترات تأريخ الفقه الإسلامي
ليس هو القياس الذي عرف فيما بعد في عصر الفقهاء
وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، ولكن الرأي الذي
استعمله بعض الصحابة لا يبعد كثيرا عن هذا القياس ".



(1) تأريخ الفقه الإسلامي: 29.
186
والذي (1) يبدو من أسانيد بعض الروايات المتعرضة
للرأي والقياس على اختلافها في النفي والإثبات، شيوع
الضعف والوهن فيها، مما يدل على أن الكثير منها كان
وليد الصراع الفكري بين مثبتي القياس ونفاته من
المتأخرين، وما كانت للقدامى من أبناء صدر الإسلام
وبخاصة كبار الصحابة فيها يد تذكر.
ويقول ابن جميع (2): دخلت على جعفر بن محمد
أنا وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، فقال لابن أبي ليلى: من هذا
معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين. قال:
لعله يقيس أمر الدين برأيه، قال: ما اسمك؟ قال:
نعمان. قال: يا نعمان، حدثني أبي عن جدي أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه:
إبليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم، فقال: أنا خير منه،
خلقته من طين. فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم



(1) الفقه المقارن: 351.
(2) الفقه المقارن: 329، وحلية الأولياء 3: 197.
187
القيامة بإبليس، لأنه اتبعه بالقياس. ثم قال له جعفر - كما
في رواية ابن شبرمة -: أيها أعظم، قتل النفس أو الزنا؟
قال: قتل النفس. قال: فإن الله عز وجل قبل في قتل
النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة.
ثم قال: أيها أعظم، الصلاة أم الصوم؟ فقال:
الصلاة. قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي
الصلاة؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك؟ اتق الله
ولا تقس الدين برأيك.
وهذا النوع هو الذي يشكل الخطر على الدين
لفسحه المجال للتلاعب بالشريعة، ومن الطبيعي أن يقف
منه أهل البيت (عليهم السلام) وبخاصة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي
انتشر هذا النوع من القياس على عهده، والحق كما يقول
الإمام: " إن السنة إذا قيست محق الدين ".
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): " لو كان الدين
بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ". وفي



(1) الآمدي في الأحكام 3: 83.
188
رواية أخرى: " لو كان الدين بالقياس، لكان المسح على
باطن الخف أولى من ظاهره ".
ويقول ابن مسعود (1): " إذا قلتم في دينكم
بالقياس، أحللتم كثيرا مما حرم الله، وحرمتم كثيرا
مما حلل الله ".
يقول ابن عباس (2):
" إياكم والمقاييس، فإنما عبدت الشمس والقمر
بالمقاييس ".
وسكوت الصحابة بنفس تقريرهم السابق يكون
إجماعا على إبطاله.
خلاصة البحث:
إن جميع ما ذكره مثبتوا القياس من الأدلة لا تنهض
بإثبات الحجية له، فنبقى نحن والشك في حجيته، والشك
في الحجية كاف للقطع بعدمها.



(1) الآمدي في الأحكام 3: 83.
(2) الآمدي في الأحكام 3: 85.
189
ب - الاستحسان:
تحديد الاستحسان:
الاستحسان في اللغة هو: " عد الشئ حسنا سواء
كان الشئ من الأمور الحسية أو المعنوية " (1).
لكن تحديده لدى الأصوليين مختلف فيه جدا،
وأكثر تعاريفهم التي ذكروها أبعد ما تكون عن فن
التعريف، وهي أقرب إلى تسجيعات الأدباء التي كان
يراعى فيها إخضاع المعنى للمحسنات البديعية، منها إلى
تحديدات المنطقيين. وإليكم نماذج مما ذكره السرخسي
في مبسوطه من التعاريف، يقول:
1 - الاستحسان: ترك القياس والأخذ بما هو أوفق
للناس.
2 - الاستحسان: طلب السهولة في الأحكام فيما
يبتلي به الخاص والعام.



(1) سلم الوصول: 296.
190
3 - الاستحسان: الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة.
4 - الاستحسان: الأخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه
الراحة.
وقريب منها في البعد عن الفن ما نسب إلى المالكية
من أنه: " الالتفات إلى المصلحة والعدل ".
وهذه تعاريف أخرى تكاد تكون ذات مفاهيم
محددة، وهي ما ذكره كل من:
1 - البزدوي (1) من الأحناف، من أنه: " العدول
عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، أو هو تخصيص
قياس بدليل أقوى منه ".
2 - الشاطبي (2) من المالكية، من أنه: " العمل
بأقوى الدليلين ".
3 - الطوخي (3) من الحنابلة في مختصره، من أنه:
" العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي
خاص ".



(1) مصادر التشريع: 58.
(2) مصادر التشريع: 58.
(3) مصادر التشريع: 58.
191
وقد ذكر له ابن قدامة معاني ثلاثة: " أحدها:
العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب
أو سنة.
ثانيها: ما يستحسنه المجتهد بعقله.
ثالثها (1): دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر
على التعبير عنه ".
وقال الشافعي: " من استحسن فقد شرع ".
وقال مالك: " الاستحسان تسعة أعشار العلم ".
الاستحسان - عرضة لتحكم الأهواء:
وينتظم فيه من تعاريف الاستحسان أمثال
قولهم: " دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على
التعبير عنه ".
ومثل هذا النوع من الاستحسان لا يمكن عده من
مصادر التشريع، لكونه عرضة لتحكم الأهواء فيه بسبب
من عدم ذكر الضوابط له، حتى في نفس المستحسنين.



(1) مصادر التشريع: 58.
192
دليل الاستحسان:
وقد استدلوا على حجية الاستحسان بعدة أدلة،
بعضها من الكتاب، وبعضها الآخر من السنة، والثالث
الإجماع.
أما أدلتهم من الكتاب، فأهمها:
1 - قوله تعالى: * (الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنه) *.
2 - قوله تعالى: * (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من
ربكم) *.
وأما أدلتهم من السنة:
فقد استدلوا منها بما ورد عن عبد الله بن مسعود من
أنه قال: " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ".
والإجماع:
وذلك بدعوى إجماع الأمة باستحسانهم دخول
الحمام وشرب الماء من أيدي السقائين، من غير تقدير
لزمان المكث وتقدير الماء والأجرة.
ولكن هذا الإجماع - لو صح وجود مثله - فهو قائم

193
على هذه الأحكام بالخصوص لا على استحسانها.
والخلاصة:
إن كان المراد بالاستحسان هو خصوص الأخذ
بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الأخذ به، إلا أن
عده أصلا في مقابل الكتاب والسنة ودليل العقل لا وجه
له، وإن كان كما يقول ابن القفال: ما يقع في الوهم من
استقباح الشئ واستحسانه من غير حجة دلت عليه من
أصل ونظير، فهو محظور والقول به غير سائغ " (1).
ج - مدرسة الرأي:
أصحاب الرأي (2): سموا أصحاب الرأي لأن أكثر
عنايتهم بتحصيل وجه القياس، والمعنى المستنبط من
الأحكام وبناء الحوادث عليها، وربما يقدمون القياس
الجلي على آحاد الأخبار.



(1) إرشاد الفحول: 241.
(2) الملل والنحل 1: 188.
194
وقد قال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي، وهو أحسن
ما قسنا عليه، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ولنا
ما رأينا.
وأصحاب الرأي، هم: أهل العراق، وهم أصحاب
أبي حنيفة النعمان بن ثابت.
ومن أصحابه: محمد بن الحسن، وأبو يوسف
يعقوب بن إبراهيم بن محمد القاضي، وزفر بن الهذيل،
والحسن بن زياد اللؤلؤي، وابن سماعة، وعافية القاضي،
وأبو مطيع البلخي، وبشر المريسي.
وهؤلاء ربما يزيدون على اجتهاده اجتهادا
ويخالفونه في الحكم الاجتهادي.
وأضاف ابن قتيبة (1) في " المعارف " عددا آخر من
أصحاب الرأي، وهم:
ابن أبي ليلى: وهو محمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى، وكان اسم أبي ليلى يسارا، وكان فقيها مفتيا



(1) المعارف لابن قتيبة: 277 - 280.
195
بالرأي، ومات سنة ثمان وأربعين ومائة (148 ه‍).
ربيعة صاحب الرأي (1): هو ربيعة بن أبي عبد
الرحمن، واسم أبي عبد الرحمن فروخ، توفي سنة ست
وثلاثين ومائة (136 ه‍) بالأنبار.
زفر صاحب الرأي: هو زفر بن الهذيل بن قيس،
يكنى أبا الهذيل، وكان قد سمع الحديث وغلب عليه
الرأي، ومات بالبصرة.
الأوزاعي: اسمه عبد الرحمن بن عمرو، مات
ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة (157 ه‍)، وقبره
لا يزال شاخصا جنوب بيروت على البحر.
سفيان الثوري: وهو سفيان بن سعيد بن مسروق
أبو عبد الله، مات بالبصرة متواريا من السلطان سنة
إحدى وستين ومائة (161 ه‍).
مالك بن أنس: توفي سنة تسع وسبعين ومائة
(179 ه‍).



(1) رجال الكشي: 153، الرقم 249.
196
أبو يوسف القاضي: هو يعقوب بن إبراهيم بن
حبيب، كان صاحب حديث حافظا، ثم لزم أبا حنيفة
فغلب عليه الرأي، ومات سنة اثنتين وثمانين ومائة (182
ه‍) في خلافة هارون.
محمد بن الحسن الفقيه: يكنى أبا عبد الله، وهو
مولى لشيبان، جالس أبا حنيفة وسمع منه ونظر في الرأي
فغلب عليه وعرف به، مات بالري سنة تسع وثمانين
ومائة (189 ه‍).

197
نشوء المذاهب الأربعة
ذكر السيد الأجل رضي الدين علي بن طاووس
طاب ثراه أن السبب في إحداث المذاهب الأربعة:
أن الصادق (عليه السلام) اجتمع عليه في عصر المنصور
أربعة آلاف راو يأخذون منه العلم، من جملتهم أبو حنيفة
النعمان بن ثابت ومالك بن أنس.
فلما رأى المنصور اجتماع الناس على
الصادق (عليه السلام) خاف ميل الناس إليه وأخذ الملك منه، فأمر
أبا حنيفة ومالكا باعتزال الصادق (عليه السلام) وإحداث مذهب
غير مذهبه (1)، وجعل لهما ومن تابعهما، وقرر عليهما



(1) قال الذهبي: بعث أبو جعفر المنصور إلى مالك حين قدم
المدينة، فقال: إن الناس قد اختلفوا بالعراق، فضع للناس كتابا
نجمعهم عليه، فوضع " الموطأ "، وقال المنصور إلى مالك: والله
لو بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن في الآفاق
فأحملهم عليه. تأريخ الإسلام، وفيات (171 - 180)، ص
321 - 324.
198
العلوفات والإدرارات، والناس عبيد الدنيا، وأمر الحاكم
مطاع.
فاعتزل أبو حنيفة عن الصادق (عليه السلام)، وأحدث
مذهبا غير مذهبه، وعمل فيه بالرأي والقياس
والاستحسان والاجتهاد.
ثم اعتزل مالك عن الصادق (عليه السلام)، وكان يقرأ عليه
وعلى ربيعة الرأي، فأحدث مذهبا غير مذهبهما وغير
مذهب أبي حنيفة.
ثم جاء بعدهما الشافعي محمد بن إدريس، فقرأ
على مالك وعلى محمد بن الحسن الشيباني صاحب
أبي حنيفة، فأحدث مذهبا غير مذهبهما.
ثم جاء بعده أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعي
فأحدث مذهبا غير مذهبه.
ثم استقرت مذاهب السنة في الفروع على هذه
الأربعة المذاهب الحادثة أيام المنصور.

199
من هو أبو حنيفة؟
هو (1): النعمان بن ثابت أبو حنيفة التيمي الكوفي
مولاهم، عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب
الصادق (عليه السلام).
وقال الذهبي: روى عن أبي جعفر الباقر (2).
وقال (3) ابن النديم في فهرسته: إنه كان خزازا
بالكوفة، وجده زوطي من موالي تيم الله بن ثعلبة، وهو
من أهل كابل.
وقال (4) ابن حبان في " المجروحين ":
النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي، صاحب
الرأي، يروي عن عطاء ونافع، كان مولده سنة ثمانين في



(1) رجال الطوسي: 325، الرقم 23.
(2) تأريخ الإسلام، الذهبي، وفيات (141 - 160)، ص 306.
(3) فهرست ابن النديم: 284، الفن الثاني من المقالة السادسة،
دار المعرفة - بيروت.
(4) المجروحين لابن حبان 3: 61.
200
سواد الكوفة، ومات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة ببغداد،
وقبره في مقبرة الخيزران، وكان رجلا جدلا ظاهر الورع
لم يكن الحديث صناعته، حدث بمائة وثلاثين حديثا
مسانيد ما له في الدنيا غيرها، أخطأ منها في مائة
وعشرين حديثا، إما أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه
من حيث لا يعلم، فلما كثر خطؤه على صوابه استحق ترك
الاحتجاج به في الأخبار.
ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج به لأنه كان
داعيا إلى الإرجاء، والداعية إلى البدع لا يجوز أن يحتج
به عند أئمتنا قاطبة.
هذا رأي ابن حبان (1) في أبي حنيفة.
لا شك أن ابن حبان وقع في صراع مع الأحناف،
وكاد لهم وكادوا له في كل مكان تواجدوا به، وهذا هو
التعليل الوحيد لتحامله على أبي حنيفة، هذا التحامل



(1) ابن حبان: من علماء أهل السنة، كان يميل إلى مدرسة
الشافعي، بل إن الشافعية يعدونه من رجال مذهبهم.
201
الذي دفعه إلى أن يصنف فيه كتابين مطولين من أطول
كتبه، فقد صنف كتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه في
عشرة أجزاء، وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة في
عشرة أجزاء.
وقال (1) ابن حبان: أخبرنا علي بن عبد العزيز
الأبلي، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي البختري،
قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: اللهم إنا ورثنا هذه
النبوة عن أبينا إبراهيم خليل الرحمن، وورثنا هذا البيت
عن أبينا إسماعيل بن خليل الرحمن، وورثنا العلم عن
جدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاجعل لعنتي ولعنة آبائي وأجدادي
على أبي حنيفة.
وقال ابن حبان: جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال:
ما تقول في من أكل لحم الخنزير؟ فقال: لا شئ عليه.
وقال أبو حنيفة: لو أن رجلا عبد هذا البغل تقربا
بذلك إلى الله جل وعلا لم أر بذلك بأسا.



(1) المجروحين لابن حبان 3: 73.
202
قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعمائة حديث أو أكثر.
وقال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
لأخذ بكثير من قولي (1).
وقال أبو حنيفة: إذا لف الرجل على إحليله حريرة
ثم أولجه في قبل امرأة أجنبية لم يكن زانيا.
فلذا (2) روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: في مثل
هذه القضايا وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض
بركاتها.
كلمات علماء العامة في أبي حنيفة:
قال الخطيب البغدادي: قال شعبة: كف من تراب
خير من أبي حنيفة.
وقال الشافعي: نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة
فإذا فيها مئة وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنة.



(1) المجروحين، لابن حبان 3: 65.
(2) سفينة البحار 1: 348.
203
وقال سفيان ومالك وحماد والأوزاعي والشافعي:
ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة.
وقال مالك: فتنة أبي حنيفة أضر على الأمة من فتنة
إبليس.
أصول الفقه الحنفي:
أصول الفقه عند الحنفية: الكتاب، والسنة،
والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعرف.
وعمدة أدلة فقههم هو القياس والرأي
والاستحسان، والباقي صفر عندهم بالنسبة إلى هذه
الثلاثة، كما يظهر من كلمات القوم، وما يظهر من فتاوى
أبي حنيفة.
اعتقاد أبي حنيفة في إمامة محمد بن عبد الله بن
الحسن بن الحسن:
قال الشهرستاني (1): قالت فرقة من فرقة الجارودية



(1) الملل والنحل 1: 140.
204
الإمامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى علي
ابن الحسين زين العابدين، ثم إلى ابنه زيد بن علي، ثم
منه إلى الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب وقالوا بإمامته، وكان أبو حنيفة على
بيعته ومن جملة شيعته، حتى رفع الأمر إلى المنصور
فحبسه حتى مات في الحبس، وقيل: إنه إنما بايع محمد
ابن عبد الله الإمام أيام المنصور، ولما قتل محمد بن
عبد الله بالمدينة بقي الإمام أبو حنيفة على تلك البيعة
يعتقد موالاة أهل البيت، فرفع حاله إلى المنصور فتم عليه
ما تم.
وقال المامقاني (1): يقال إن أبا جعفر المنصور
الدوانيقي الذي قال في حقه أبو حنيفة: إنه اللص المتغلب
أراد قضاءه فأبى، حبسه فمات في السجن، وقيل: إنه



(1) تنقيح المقال 3: 272، الرقم 12491.
وقال الذهبي: كان يجهر أمر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
من أصحاب الصادق جهرا شديدا، تأريخ الإسلام، وفيات
(141 - 160)، ص 310.
205
سقاه السم لأنه كان يفتي بإمامة إبراهيم ومحمد بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن وهما اللذان ادعيا الإمامة
في زمان الدوانيقي.
وعن الزمخشري في الكشاف: إن أبا حنيفة كان
يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي، والذي أعتقده أن
قوله بالرأي والاستحسان والقياس أوقع التنافي بين
أفعاله وأقواله مثل قوله تارة: لولا جعفر بن محمد (عليه السلام) ما
علم الناس مناسك حجهم.
مالك بن أنس:
هو: مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي المدني،
عده الشيخ الطوسي (1) في رجاله في أصحاب
الصادق (عليه السلام).
ولد سنة 95 للهجرة وتوفي سنة 179 وهو ابن
خمس وثمانين ودفن بالبقيع.



(1) رجال الطوسي: 308، الرقم 455.
206
رأي مالك في التفضيل:
إن لمالك بن أنس رأيا يكاد ينفرد به عن علماء
الإسلام، وذلك أنه يذهب إلى تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم
عثمان ويسكت ويقول هنا يتساوى الناس، فهو لا يرى
لعلي (عليه السلام) ميزة عن سائر الناس والصحابة، وقد اشترط
المنصور عليه أن لا يروي عن علي (عليه السلام) فوفى مالك
بالشرط، إذ لم يرو عن علي (عليه السلام) في موطأه.
فمالك يخالف المسلمين في ذلك، حتى أبا حنيفة
فإنه يرى عليا في مرتبة الراشدين ويقدمه على عثمان،
والشافعي يعلن محبته لعلي (عليه السلام).
كلام مالك بن أنس في المرض الذي مات فيه:
حكي عن الحافظ أبي عبد الله الحميدي أنه قال:
حكى القعنبي قال: دخلت على مالك بن أنس في المرض
الذي مات فيه، فسلمت عليه ثم جلست فرأيته يبكي،
فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي يبكيك؟ فقال لي:
يا بن قعنب، وما لي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني،
والله لوددت أني ضربت لكل مسألة أفتيت فيها برأي

207
سوط (1)، وقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه، وليتني
لم أفت بالرأي.
أصول الفقه المالكي:
الأصول عند المالكية: الكتاب، والسنة،
والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعرف، وإجماع
أهل المدينة، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع.
وقال ابن النديم في فهرسته: مالك بن أنس بن
أبي عامر من حمير، وعداده في بني تيم بن مرة من
قريش، وحمل به ثلاث سنين، وكان شديد البياض إلى
الشقرة (2).
الشافعي:
هو: محمد بن إدريس الشافعي، ولد سنة 150،



(1) وقال الذهبي في تأريخ الإسلام، وفيات (171 - 180)، ص
325: " لقد حدثت بأحاديث وددت أني ضربت بكل حديث
منها سوطين ولم أحدث بها ".
(2) فهرست ابن النديم: 280، الفن الأول من المقالة السادسة.
208
وقيل إنه ولد في اليوم الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة،
وتوفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة 204.
وقال المامقاني (1): محمد بن إدريس أبو عبد الله
الشافعي نسبة إلى أحد أجداده شافع بن السائب بن عبيد
ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وهو
أحد الأئمة الأربعة وأقربهم إلى الحق.
وقال ابن النديم (2) ما لفظه: وكان الشافعي شديدا
في التشيع، وذكر له رجل يوما مسألة فأجاب فيها فقال
له: خالفت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال له: أثبت لي هذا
من علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى أضع خدي على التراب
وأقول قد أخطأت وأرجع عن قولي إلى قوله. وحضر
ذات يوم مجلسا فيه بعض الطالبيين فقال: لا أتكلم في
مجلس يحضره أحدهم، هم أحق بالكلام ولهم الرئاسة
والفضل.



(1) تنقيح المقال 2: 76، الرقم 10360.
(2) فهرست ابن النديم: 295، الفن الثالث من المقالة السادسة.
209
أصول الفقه عند الشافعية:
أصول الفقه عند الشافعية: الكتاب، والسنة،
والإجماع، والقياس.
وكان رأي الشافعي في التفضيل: " قال الخلفاء
خمس: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد
العزيز " (1).
مدح الشافعي لمولانا علي (عليه السلام):
الإمام الشافعي كان يظهر حبه لأهل البيت (عليهم السلام)
ولا سيما بالنسبة إلى مولانا أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، كما يظهر ذلك مما نسب إليه كما يلي:
إذا في مجلس ذكروا عليا * وشبليه وفاطمة الزكية
يقال تجاوزوا يا قوم هذا * فهذا من حديث الرافضية
هربت إلى المهيمن من أناس * يرون الرفض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربي * ولعنته لتلك الجاهلية
* * *



(1) تأريخ الإسلام، وفيات (201 - 210)، ص 331.
210
يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفض حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافضي (1)
* * *
يا آل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له
* * *
أنا عبد لفتى أنزل فيه هل أتى * إلى متى أكتمه، أكتمه إلى متى
* * *
لو أن المرتضى أبدى محله * لكان الناس طرا سجدا له
كفى في فضل مولانا علي * وقوع الشك فيه أنه الله
ومات الشافعي وليس يدري * علي ربه أم ربه الله
وقال المامقاني: الأشعار التي تنقل عن الشافعي



(1) وقال الذهبي: بهذا الاعتبار قال أحمد بن عبد الله العجلي في
الشافعي: كان يتشيع، وهو ثقة، وقد ذكر الذهبي في تأريخه
هذا البيت من الشعر. تأريخ الإسلام، وفيات (201 - 210)،
ص 337 و 338.
211
في مدح علي بن أبي طالب (عليه السلام) تتضمن الغلو في التشيع
غلوا لا يرضى به.
الحنبلي:
أحمد بن محمد بن حنبل رابع الأئمة الأربعة، ينتهي
نسبه إلى ذي الثدية رئيس الخوارج على أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ولد أحمد بن حنبل سنة 164 وتوفي سنة 241.
وفي إرشاد القلوب للديلمي: إن أحمد بن حنبل كان
تلميذا لمولانا الكاظم (عليه السلام)، كما أن أبا حنيفة كان من
تلامذة الصادق (عليه السلام) (1).
قال أحمد بن حنبل: دخلت في بعض الأيام على
موسى بن جعفر (عليه السلام) حتى أقرأ عليه، وإذا بثعبان قد وضع
فمه على أذن موسى بن جعفر (عليه السلام) لم أفهمه، ثم انساب
الثعبان، فقال: يا أحمد، هذا رسول من الجن قد اختلفوا



(1) روضات الجنات 1: 184.
212
في مسألة، جائني يسألني فأخبرته بها، بالله يا أحمد،
لا تخبر بهذا أحدا إلا بعد موتي. فما أخبرت به حتى
مات (عليه السلام) (1).
أصول الفقه الحنبلي:
ذكر ابن القيم الجوزية: أن الأصول التي بنى عليها
أحمد بن حنبل فتاواه خمسة:
أحدها: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه
ولم يلتفت إلى ما خلفه، ولذلك قدم النص على فتاوى
الصحابة.
الثاني: ما أفتى به الصحابة ولا يعلم مخالفا فيه،
فإذا وجد لبعضهم فتوى ولم يعرف مخالفا لها لم يعدها إلى
غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع، بل يقول من ورعه في
التعبير: لا أعلم شيئا يدفعه.
الثالث: إنه إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم
أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن



(1) سفينة البحار 1: 302.
213
لم يتبين له موافقة أحد الأقوال، حكى الخلاف ولم يجزم
بالقول.
الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا
لم يكن في الباب شئ يدفعه، وهو الذي رجحه على
القياس.
الأصل الخامس: إذا لم يكن عند الإمام أحمد في
المسألة نص ولا قول للصحابة أو واحد منهم ولا أثر
مرسل أو ضعيف، ذهب إلى القياس فاستعمله للضرورة.
ولكن كتب الأصول عند الحنابلة قد زادت على
هذه الأصول، فذكروا الاستصحاب والمصالح والذرائع،
وربما ذكروا الإجماع (1).
انتشار المذاهب الأربعة في الأقطار الإسلامية
اشتهر الأخذ بالمذاهب الأربعة وانتشر العمل بها
في الأقطار الإسلامية، فهي في القرن الرابع الهجري



(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 4: 513.
214
تغلبت على ما سواها من المذاهب المعمول بها في القرنين
الثاني والثالث، ما عدا مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فإنه ظل
ثابتا وسائرا بقوته الروحية رغم كل العقبات التي وضعت
في طريقه.
وانتشار المذاهب في القرن الرابع بما يلي:
في سواد صنعاء ونواحيها مع سواد عمان شراة
غالية، وبقية الحجاز وأهل الرأي بعمان وجهرة، وصعدة،
شيعة، والغالب على صنعاء أصحاب أبي حنيفة والجوامع
بأيديهم، وفي نواحي نجد واليمن مذهب سفيان، وفي
العراق الغلبة ببغداد للحنابلة والشيعة، وبه مالكية
وأشعرية، وبالكوفة الشيعة إلا الكناسة فإنها سنية، وأكثر
أهل البصرة قدرية وشيعة، وثم حنابلة، وببغداد غالية
يفرطون بحب معاوية.
وهنا يحدثنا المقدسي عن دخوله جامع واسط
واستماعه لقصاص يقص على الناس حديثا عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله يدني معاوية يوم القيامة فيجلسه
إلى جنبه ثم يجلوه على الخلائق كالعروس. قال

215
المقدسي: فقلت له: بماذا؟ بمحاربته عليا (رضي الله عنه)؟ كذبت
يا ضال. فصاح: خذوا هذا الرافضي، فأقبل الناس علي،
فعرفني بعض الكتبة فكركرهم عني.
في إقليم أقور، وهو اليوم شمال العراق - أي:
الموصل ونواحيها - مذهبهم سنة وجماعة، إلا عانة فإنها
كثيرة معتزلة ولا ترى في الرأي غير مذهب أبي حنيفة
والشافعي، وفيها حنابلة، وجلية للشيعة. وإقليم الشام
مذاهبهم مستقيمة أهل جماعة وسنة، وأهل طبرية ونصف
نابلس وأكثر عمان شيعة، ولا ترى فيهم مالكيا، والعمل
كان فيه على مذهب أصحاب الحديث.
إقليم مصر على مذهب أهل الشام، غير أن أكثر
الفقهاء مالكيون، ألا ترى أنهم يصلون قدام الإمام ويربون
الكلاب؟ وأعلى القصبة شيعة وسائر المذاهب في
الفسطاط موجودة ظاهرية.
وأما إقليم المغرب: فالمذاهب فيها على ثلاثة
أقسام، وأما في الأندلس فمذهب مالك، وقراءة نافع،
وهم يقولون: لا نعرف إلا كتاب الله وموطأ مالك، فإن

216
ظهروا على الحنفي أو الشافعي نفوه، وإن عثروا على
المعتزلي أو الشيعي ونحوهما ربما قتلوه.
وبسائر المغرب إلى مصر لا يعرفون مذهب
الشافعي إلا مذهب أبي حنيفة ومالك، وأصحاب مالك
يكرهون الشافعي، يقولون: أخذ العلم عن مالك ثم
خالفه.
إقليم جانب خراسان للشيعة والمعتزلة، والغلبة
لأصحاب أبي حنيفة إلا في كورة الشاش فإنهم شوافع،
وفيهم قوم على مذهب عبد الله السرخسي.
وإقليم الرجاب مذاهبهم مستقيمة، إلا أن أهل
الحديث حنابلة.
وإقليم خوزستان مذاهبهم مختلفة، أكثر أهل
الأهواز ورامهرمز والدورق حنابلة، ونصف الأهواز
شيعة، وبه من أصحاب أبي حنيفة، ولهم إقليم فارس
والعمل فيه على أصحاب الحديث.
إقليم كرمان: المذاهب الغالبة للشافعي.
إقليم السند: مذاهبهم أكثرها أصحاب الحديث،

217
وقال: رأيت القاضي أبا محمد المنصور داوديا إماما في
مذهبه، أهل الملتان (شيعة يحيعلون في الأذان ويثنون في
الإقامة) أي يقولون: " حي على خير العمل "، ويقولون
في الإقامة مرتين: " قد قامت الصلاة "، ولا تخلو
القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة، وليس بهم
مالكية، ولا معتزلة، ولا عمل للحنابلة (1).
وختاما، أسأله تعالى أن يرينا الحق حقا فنتبعه،
والباطل باطلا فنتجنبه، ولا يجعله علينا متشابها فنتبع
هوانا بغير هدى منه.
وأن يسدد خطانا ويهدينا سواء السبيل، ولا يفرق
بيننا وبين ولاية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم
أجمعين، وأن يرزقنا شفاعتهم يوم عز فيه الشافع وعدم
الناصر.
فإنه أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.



(1) أحسن التقاسيم، لشمس الدين محمد بن أحمد المعروف
بالشاري، طبع سنة 1909 م بمطبعة بريل.
218
/ 1