ديوان السيد حيدر الحلي نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ديوان السيد حيدر الحلي - نسخه متنی

حيدر حلي؛ محقق: علي خاقاني

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: ديوان السيد حيدر الحلي
المؤلف: السيد حيدر الحلي
الجزء: 2
الوفاة: 1304
المجموعة: دواوين
تحقيق: علي الخاقاني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:
ديوان السيد حيدر الحلي - الجزء الثاني
حققه
علي الخاقاني
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا جملة ما نظمه وما نثره المرحوم المبرور السيد حيدر أبو سليمان ابن سليمان ابن
داود ابن سليمان ابن حيدر ابن احمد ابن محمود ابن شهاب ابن علي بن محمد ابن أبي عبد
الله ابن أبي القاسم ابن أبي البركات ابن القاسم ابن علي ابن أبي طالب ابن محمد
ابن أبي علي عمر الشريف ابن يحيى ابن أبي عبد الله الحسين النسابة ابن احمد
المحدث ابن أبي علي عمر ابن يحيى ابن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد ابن علي
ابن الحسين ابن علي ابن أبي طالب ابن عبد المطلب ابن هاشم أفضل التحية والسلام
عليهم كما قال،
نسب عقدن أصوله * بذوائب العليا فروعه
وكيفية ترتيب هذا الديوان فالسيد تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته لما كان
الغالب من شعره المدح والرثاء لأهل البيت عليهم السلام صدرنا غالب الفصول فيه
بمدحهم ورثائهم عليهم السلام
وكل حرف من الحروف المذكورة مرتب على فصول مدح ورثاء وعتاب واما الشعر فقد
رتبناه على ثمانية وعشرون بابا الباب الأول في الألف الممدودة وهي على ثلاث فصول
الفصل الأول في المديح قال تغمده الله برحمته يمدح النبي صلى الله عليه وآله
وسلم في يوم مبعثه ويمدح العسكريين عليهما السلام ويهنئ به جناب فريد عصره وغرة
جبين دهره العالم العامل والمجتهد الفاضل حجة الاسلام ومفزع الأنام انسان ناضرة
الزمن السيد ميرزا حسن الشيرازي أدام الله أيام إفادته بمحمد وآله ومن سلك من
صحبه على منواله انه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير قال
اي بشرى كست الدنيا بهاءا * قم فهني الأرض فيها والسماءا
طبق الارجا ومنها ارج * عطرت نفحة رياة الفضاءا
صورة أول صفحة من الديوان الذي خطه الشاعر المطبوع والخطيب المصقع الشيخ قاسم نجل
الشاعر الشيخ محمد الملا الحلي سنة 1305 ه‍ وقد قابلنا عليه هذا الديوان.
فذلك أليق وأحرى من جلب الوقيعة فيه وفيك فلقد ثبت عندنا ان من بالغتما بتأييده
وشد أزره وتشييده هو العالم الرباني بل فرد الفضل الذي لولا من لا نصرح به
لحلفنا انه ليس له ثاني إذ لو لم يكن عن
سيدنا اخذ وعلى قوله اعتمد وإلى رأيه في جميع الأمور قد استند حتى صار من أهل الكشف
والاستقامة الذين تتنزل عليهم الملائكة بالاسرار لما نص عليه رب الفضل بالإمامة
فيا أيها الرئيس الاجل.
سبق السيف العدل * ولبث قليلا يلحق الهيجا حمر
فلقد أطلق غربه لساني * وخلف ان لا يكفكف من جري أدهم القلم بنالي
حتى يأخذ غرار براعتي مأخذه * وحتى ينفذ غرب براعتي منفذه
والبادي أظلم وسيعلم أينا * الذي يقرع السن من الندم
ما المجد ألا ما بناه لساني * لا ما تزخرفه من البنيان
وحلي جيد الفضل نظم فرائدي * لا ما تنظم من فريد جمان
يا فاخرا لا في ملابس مدحتي * هذي ثياب الفخر لا ثوبان
سناولا لا في صلات قصائدي * هن المكارم هن لا قعبان
واعد صدقت فقلت اية حكمة * لما نطقت جرت باي لسان
من لم تصدقه الفعال * ضرب عن الخليط والهذيان
حرزه منشؤه الفقير إلى رحمة ربه الغني حيدر ابن سليمان الحسيني الحلي صورة آخر صفحة
من الديوان الذي خطه السيد حيدر الحلي قابلنا عليه هذا المطبوع.

1
مقدمة
كلمة موجزة تفضل بها الامام المصلح الأكبر حجة الاسلام الشيخ محمد الحسين آل كاشف
الغطاء
عندما مثل بين يدي هذا الديوان واطلع على ما فيه من زيادات وتحقيق وضبط وفن في
الاخراج
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد
من المعلوم ان دواوين الشعر كثيرة ومتفاوتة في القوة والضعف، وكذلك تختلف في الحسن
والإجادة، ولا شك ان أقواها وأحسنها ما وافق الواقع وأصاب كبد الحقيقة، وكان من
صميم الحق وقول الصدق، وان صح هذا في موضوع فأصحه ما قيل في مدائح أهل البيت
عليهم السلام ومراثيهم، وهذا الديوان للشاعر الشهير السيد حيدر حشره الله مع
أجداده الطاهرين، قد حوى النفيس بل الأنفس من المراثي والمدائح لائمة الهدى فشكر
الله مساعي الأدباء الساعين لإعادة طبعه، واستقصاء الوسع في تصحيحه وجمعه، وحيا
الله كل من سعى لاحياء مآثر أهل البيت وآثارهم، وتخليد مفاخرهم وأخبارهم وخاصة
الأديب المهذب الأستاذ الشيخ علي الخاقاني، وفق الله الجميع لمناصرة الحق والاخذ
به بدعاء.
محمد الحسين آل كاشف الغطاء

2
الحماسة
قال - رحمه الله - متحمسا:
وراءك اليوم عن لهوي وعن طربي * فان قلبي أمسى كعبة النوب
لا تطمعي في وصالي إن لي كبدا * تهوى وصال العلى لا الخرد العرب
أبعد حفظي لأسباب العلى زمنا * أضيعها لك بين اللهو واللعب
ما بت مستمطرا من مقلتي جزعا * نوء المدامع بين النؤى والطنب
قدح الأسى البرق والرعد الحنين * وأنفاسي الجنوب ودمعي ديمة السحب
ولا صبا أبدا قلبي لغانية * إذ ليس في حسنها شغلي ولا أربي
في السمر لا السمر (460) معقود هواي * وللبيض الظبا ليس للبيض الظبا طربي
وما عشقت سوى بكر العلى أبدا * ولست أخطبها إلا بذي شطب (461)
وطالما صرف هذا الدهر قلبني * فلم يكن لسوى العلياء منقلبي
ما ضرني بين قوم خفض منزلتي * ومنزلي فوق هام السبعة الشهب
وحسب نفسي وإن أصبحت ذا عدم * من ثروة أنني مثر من الأدب
ولست آسي (462) على عمر أطايبه * أنفقتها في ابتغاء المجد في الكرب
يأسى على العمر من باتت تقلبه * في مطرح الذل كف الخوف والرهب
لم يسرق الدهر لي فضلا ولا شرفا * وما ادعائي العلى والمجد بالكذب
وإنها لمساع لا نظير لها ورثتها * عن أب من هاشم فأب
من معشر عقدوا قدما مآزرهم * على العفاف وكانوا أنجب العرب
والأرض لم تبق منها بقعة أبدا * إلا سقوها برقراق الدم السرب



460 السمر الأولى: الرماح. والثانية: الغيد الملاح.
461 الشطب: جمع شطبة وهي الخط في متن السيف. يقول: لست أخطب بكر العلى إلا بالسيف.
462 آسي: آسف.
3
ومنها:
حتف الحماة ومقدام السراة له * في الروع سطوة هجام على النوب
محض الضريبة مغوار الكتيبة * محمود النقيبة يوم السبق والغلب
في كفه مرهف ماضي المضارب في * يوم القراع تراه ساطع اللهب
يمضي ولم يعتلق في شفرتيه دم * من سرعة القطع يوم الروع والرهب
في موقف بين أنياب الحمام به الا * ساد لم تنج بالاقدام والهرب
أعيا المنية حتى أنها سئمت * قبض النفوس به من شدة التعب
وقال مستنهضا الإمام الحجة المنتظر عليه السلام (463):
يا غمرة من لنا بمعبرها * موارد الموت دون مصدرها
يطفح موج البلا الخطير بها * فيغرق العقل في تصورها
وشدة عندها انتهت عظما * شدائد الدهر مع تكثرها
ضاقت ولم يأتها مفرجها * فجاشت النفس في تحيرها
الان رجس الضلالة استغرق * الأرض فضجت إلى مطهرها
وملة الله غيرت فغدت * تصرخ لله من مغيرها
من مخبري والنفوس عاتبة * ماذا يؤدي لسان مخبرها؟
لم صاحب الامر عن رعيته * أغضى فغصت بجور أكفرها؟
ما عذره نصب عينه اخذت * شيعته وهو بين أظهرها
يا غيرة الله لا قرار على * ركوب فحشائها ومنكرها
سيفك والضرب إن شيعتكم * قد بلغ السيف حز منحرها
مات الهدى سيدي فقم وأمت * شمس ضحاها بليل عثيرها
واترك منايا العدى بأنفسهم * تكثر في الروع من تعثرها
لم يشف من هذه الصدور سوى * كسرك صدر القنا بموغرها
وهذه الصحف محو سيفك للأعمار * منهم أمحي لأسطرها
فالنطف اليوم تشتكي وهي في * الأرحام منها إلى مصورها
فالله يا ابن النبي في فئة * ما ذخرت غيركم لمحشرها
ماذا لأعدائها تقول إذا * لم تنجها اليوم من مدمرها
أشقة البعد دونك اعترضت * أم حجبت عنك عين مبصرها؟
فهاك قلب قلوبنا ترها * تفطرت فيك من تنظرها
كم سهرت أعين وليس سوى * انتظارها غوثكم بمسهرها
أين الحفيظ العليم للفئة * المضاعة الحق عند أفجرها
تغضي وأنت الأب الرحيم لها * ما هكذا الظن يا ابن أطهرها
إن لم تغثها لجرم أكبرها * فارحم لها ضعف جرم أصغرها
كيف رقاب من الجحيم بكم * حررها الله في تبصرها
ترضى بأن تسترقها عصب * لم تله عن نايها ومزمرها
إن ترض يا صاحب الزمان بها * ودام للقوم فعل منكرها
ماتت شعار الايمان واندفنت * ما بين خمر العدى وميسرها
أبعد بها خطة تراد بها * لا قرب الله دار مؤثرها
الموت خير من الحياة بها * لو تملك النفس من تخيرها
ما غر أعداءنا بربهم * وهو ملي بقصم أظهرها
مهلا فلله في بريته * عوائد جل قدر أيسرها
فدعوة الناس إن تكن حجبت * لأنها ساء فعل أكثرها
فرب حرى حشى لواحدها * شكت إلى الله في تضورها
توشك أنفاسها وقد صعدت * أن تحرق القوم في تعرها



463 نظمت هذه القصيدة اثر عزم الوالي عمر باشا على تطبيق نظام التجنيد الإلزامي في
العراق عام 1274 ه‍، وقد وقعت حوادث هامة في الفرات وقابلها الوالي بالعنف. راجع
كتاب (الشعر السياسي العراقي) ص 194 - 197 للوائلي.
4
وقال متحمسا:
سنام علائي لم يقرع * وهضبة مجدي لم تطلع
فقل لرجال سعت جهدها * لتدرك فوق السهى موضعي (464)
ولو أن للشمس أحسابها * حياء من الخزي لم تطلع
قفي حيث أوقفك العجز أو * فطيري لام السما أو قعي
فلست بحائزة سعي من * له حوزة الشرف الأرفع
فنحن بنو هاشم لا نزال * لنا الصدر في الجمع والمجمع
ومن عزمي البيض مطبوعة * ولولا مضائي لم تقطع



464 وفي نسخة: مطلعي.
5
وقال أيضا:
ألفت قراع الخطب مذ أنا يافع * فكيف تروع اليوم قلبي الروائع
لقد عركت مني الليالي ابن حرة * على العرك منه لا تلين الأخادع (465)
وسيان عندي سلم دهري وحربه * وما هو معط لي وما هو مانع
لعمري ليصنع أيما شاء إنه * حقير بعيني كل ما هو صانع
سأنشد لا عجزا ولكن تحمسا * لي الله أي الحادثات اصانع
وأي الأعادي أتقي وهم الحصى * عديدا وكل مجهر ومصانع
فحيث طرحت اللحظ أبصرت منهم * أخا حنق شخصي لأحشاه صادع
إذا ما رآني أزور عني طرفه * كأني رمح بين جنبيه شارع
وإني ولا فخر، كفاني تغردي * تحاشدهم أنى حوتنا المجامع
أريهم بأني عن دهاهم مغفل * وعندي لهم خب (466) من العزم رادع
كذئب الفضا تلقاه رخوا إذا مشى * ويشتد إن وأثبته وهو قاطع
(ينام يإحدى مقلتيه ويتقي * بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع (467)



465 الأخادع: جمع أخدع وهو عرق يتفرع من الوريد.
466 الخب: الرجل الخداع.
467 البيت لحميد بن ثور الهلالي يصف به الذئب لان العرب تزعم أن الذئب ينام بعين
واحدة ويفتح الأخرى للحراسة، ويروي بأخرى المنايا.
6
وقال متحمسا:
إضرب بسيف أو لسان * واطعن برمح أو بنان
يغني اللسان عن المهند * والبنان عن السنان
ورم الفخار بهمة * رجحت على الشم الرعان
واسبق لغايات المعالي * مالكا قصب الرهان
مت تحت ظل المرهفات * فإن هذا العمر فاني
أو عش كريما في حياتك * هاجرا دار الهوان
وإذا رأيت العز أبعد * والهوان إليك داني
فالحزم موت باعتزاز * لا حياة في هوان
فالحر إن سيم المذلة * صاحب العضب اليماني
وإذا نبت فيه المعاهد * حل في كور الهجان (468)



468 الكور: ما يوضع على البعير كالسرج على الفرس، والهجان: الإبل البيض.
7
وقال متحمسا:
لا تحني إذا أخو الشوق (469) حنا * أنا يا ورق للشجا منك أدنى
وعلى مائس الأراك تغني * ودعي النوح للكئيب المعنى
ليت عهدي بحي نعمان يغدو * راجعا والمحال ما أتمنى
نزلوا بالغضا فأضحت عليه * أضلعي من ترادف الشوق تحنى
لفتاة في ذلك الحي تغدو * وهي من نشوة الصبا تتثنى
عوذت خدرها الفوارس بالبيض * وسمر الرماح ضربا وطعنا
أين منها متيم كلما اشتاق * إليها هفا غراما وأنا
طوحته يد الليالي بهيماء * فأمسى مستوحش الفكر مضنى
نازحا عن دياره تترامى * فيه أيدي المطي سهلا وحزنا
قد رثى لي الأنام انس وجن * مذ شجيت الأنام إنسا وجنا
طرح الدهر كفة الغدر يصطاد * بها الماجدين في كل مغنى
يبتغي ذلهم ونقص علاهم * ومحال ما يبتغي الدهر منا
نحن أبناء هاشم أربط العالم * جأشا وأكثر الناس منا
قد قفونا آباءنا الغر بالمال * سخاء وبالمكارم ضنا



469 وفي نسخة: الوجد.
8
المدائح
قال يمدح الحاج صالح كبه:
فيا نير الدنيا الذي بضيائه * جلا عن محياها ظلام الغياهب
عجبت لمن يبغي علاك بسعيه * وما هو من أبناء هذي المطالب
وما هو إلا كالمناسم لو سعت * مدى الدهر لا تسمو سمو الغوارب (470)
وأعجب منه من يجاريك (471) في الندى * وعندك يلغى باسطا كف طالب
يهابك إذ تبدو ومرجل ضغنه * من الغيظ يغلي (472) منه خلف الترائب
ويطرق إجلالا بحيث تظنه * قد انعقدت أهدابه بالحواجب
فحسبك فخرا أن فرعك ينتمي * لعرق علي في طينة المجد (473) ضارب
ولو بنداك البحر يقرن لم يكن * بجنب نداك البحر نهلة شارب



470 المناسم: مفرده منسم، طرف خف الإبل. الغارب: السنام، أعلى كل شئ.
471 في الديوان المطبوع: يجاديك.
472 وفيه: يغلو.
473 وفي نسخة: العرب.
9
وقال يمدح السيد سلمان النقيب (474)، وقد التمسه بعض الاشراف:
حدرت بأطراف البنان نقابها * مرحا فأخجل حسنها أترابها (475)
وجلت غداة تبسمت عن واضح * تستعذب العشاق فيه عذابها
قتالة اللحظات، فهي إذا رنت * وجد المشوق سهامها أهدابها
من حور (عدن) أقبلت لكنها * لم يحك مختوم الرحيق رضابها
سارقتها النظر المريب بمقلة * لم تقض من لمحاتها آرابها
فرأيت في تلك الغلائل (476) طفلة * لم تدر إلا عطرها وخضابها
ولقد دعوت وما دعوت مجيبة * ودعت بقلبي للهدى فأجابها
أعقيلة الحيين شقت فنولي * كبدا هوتك فكابدت أوصابها (477)
ما دمية المحراب أنت بل التي * تنسين نساك الورى محرابها
وأسر ما ضم الضجيع غريرة * لبست شبابك لا نزعت شبابها
يا هل سبتك بلحنها ابنة نشوة * إن تشد رقصت الكؤوس حبابها
بعثت حديث عبيرها لك في الصبا * فأرق أنفاس الصبا وأطابها
طربت لوصلك فاصطفت لك دلها * وأتتك تغرب في الهوى إغرابها
وحبتك ما خلف النقاب وإنها * لمراشف حدر (478) الهلال نقابها
حدرته عن قمر يود رقيبه * لو أنها استغشت عليه ثيابها
وانشق معطرة الثرى بمطارف * خطرت تجر على الثرى هدابها
نضت الحجاب ولو عليها أسبلت * تلك الفروع إذا أعدن حجابها
هتكت أشعة نورها ستر الدجى * وجلون من تلك الفجاج ضبابها
فكأن ليلة وصلها زنجية * حنقت عليك فمزقت جلبابها
وكأن أنجمها الثواقب في الدجى * حدق تراقب في الحجال كعابها
تحكي - وقد قلقت - أميمة عندما * وصفت لعينك قرطها وحقابها
لا بل حكت - قلقا - قلوب معاشر * ضمن (النقيب) بعزه إرهابها
وأرى السهى خفيت خفاء عداته * لحقارة حتى على من هابها
خفت مراسيل الثناء بمثقل * في شكر أنعمه الثقال رقابها
لمقلم ظفر الخطوب بنجدة * قلقت لأفواه النوائب نابها
ملك إذا استنهضته نهضت به * همم تدك على السهول هضابها
وإذا الحمية ألبسته حفيظة * نزعت لخيفته الضراغم غلبها
فإذا المطالب دون قصدك أرتجت * فاقرع بهمته، - وحسبك - بابها
رضع المكارم ناشئا في حجرها * وكفى العظائم واطئا أعقابها
فوقاء طلعته الكريمة أوجه * جعلت عن الوفد القطوب حجابها
وفداء أنمله الندية أنمل * لم تند لو قرض القريض إهابها
ما زال يبتدئ المكارم غضة * حتى على الدنيا أعاد شبابها
أبنى الزمان وراءكم عن غاية * ما فيكم من يستطيع طلابها
كم تجذبون مطارف الفخر التي * نسجت لسيد (هاشم) فاجتابها
الله جلبه الرياسة فيكم * أفعنه ينزع غيره جلبابها؟
فدعوا له صدر الوسادة واقعدوا * قاصين عنها، لستم أربابها
للفاطمي (القادري) ومن له * حسب من الأحساب كان لبابها
تنميه من علياء (هاشم) أسرة * وصل الاله بعرشه أنسابها
أنت الذي ورث السيادة عن أب * ورث النبوة: وحيها وكتابها
أقررت أعين (غالب) تحت الثرى * وسررت ثم (قصيها) و (كلابها)
كانت مقلدة رقاب مضارب * منها تعلمت السيوف ضرابها
واليوم لو شهدت لسانك لانتضت * منه بكل وقيعة قرضابها
وأرى النقابة منك لابن سمائها * ضرب الاله على النجوم قبابها
وأحلك الدار التي لجلالها * عنت الملوك وقبلت أعتابها
دار تمنى النيرات لو أنها * لثمت بأجفان العيون ترابها
هي منتدى شرف من الدار التي * كانت ملائكة السما حجابها
حزتم بني النبأ العظيم مآثرا * حتى الملائك لا تطيق حسابها
فيمن تفاخر والورى بأكفكم * جعل الاله ثوابها وعقابها
كنتم على أولى الزمان رؤوسها * شرقا وكان سواكم أذنابها
ولهاشم في كل عصر سيد * يجدونه لصدوعهم رابها (479)
واليوم أنت وحسبهم بك سيدا * لهم تروض من الأمور صعابها
فحدت قوافي الشعر باسمك مذلها * راضت خلائقك الحسان صعابها (480)
ولقد رأيتك في المكارم مسهبا * فأطلن عندك في الثنا إسهابها
فطرحن في أفناء مجدك ثقلها * ونضون عن أنضائهن حقابها
وأطفن منك بجنب أكرم من رعى (481) * لبني أرومة مجده أنسابها
يطلبن منك عناية نسمو بها * حتى نطاول في العلى أربابها
فإذا بمن لك تصطفيه خلطتنا * كنا لدائرة العلى أقطابها
ونرى لك الدنيا بعزك أعتبت * من بعدما كنا نمل عتابها
يا من له انتهت العلى من (هاشم) * قد سدت هاشم شيبها وشبابها
فاضرب خيامك في الذرى من مجدها * واعقد بناصية السهى أطنابها



474 هو السيد سلمان بن السيد علي بن السيد سلمان النقيب الكيلاني الملقب بالمحض،
تلقى النقابة بعد أبيه ببغداد، وكان له قدر كبير عند ملوك آل عثمان ورجالات العراق،
وكان مهيبا ذكيا استطاع أن يمد نفوذه إلى كثير من بلدان العراق، توفي ببغداد عام
1315 ه‍ وتأريخ وفاته:
وثقت بالفرد وأرخته * مضى نقيب الملك سلمان
475 جمع ترب: المتساويات في السن.
476 الغلائل: الثياب الرقيقة.
477 جمع وصب: السقم.
478 في الديوان المطبوع: حسد.
479 الراب: الذي يصلح الصدع.
480 الصعب في البيت السابق: ضد السهل. وفي البيت الثاني: الجمل المتروك الذي لم
يرض.
481 وفي نسخة: دعا.
10
وقال يمدح بعض إخوانه:
هل الحب إلا ما أذاب حشا الصب * فإن لم تذب فيه فلا خير في الحب
وخير خليليك الصفيين من صفا * لك الود منه في بعادك والقرب
على النأي يمسي ذا جفون كأنما * تكلف أن يحصى بها عدد الشهب
ولا خير في ود إمري تستديمه * بعتب، وأوشك أن يزول مع العتب
ألم ترني أصفيت ودي لماجد * كأن - على ما نابني - قلبه قلبي
وقال، وقد أرسلها في ضمن كتاب عن لسان الميرزا جعفر القزويني إلى السيد عبد الرحمن
النقيب:
بنورك لا بالنيرات الثواقب * أضاء حمى (الزوراء) من كل جانب
طلعت طلوع البدر فيها فلم تدع (482) * على الأرض فخرا للسما في الكواكب
خلعت عليها من بهائك حلة * بها اختالت اليوم اختيال الكواعب
وألبستها عقدا من الفخر ناظما * لها الدر فيه وهو در المناقب
فما أنت إلا بحر علم تتابعت * عجائبه والبحر جم العجائب
وما أنت إلا روض فضل تحدثت * برياه أنفاس الصبا والجنائب
وما أنت إلا ديمة مستهلة * بعرف من اللطف الإلهي ساكب
أخو همم لو زاحم الدهر بعضها * ثنته بصغراها حطيم المناكب
سما مفرق الجوزاء مجدك عاقدا * ذوائبه منها على في الذوائب
وجاراك (483) من قلنا له: أين من جرى * على الأرض من مجرى النجوم الثواقب
أرح غارب الآمال عنك فلم ينل * مكان الدراري فوق هذي الغوارب
وراءك أبراد لعلياء (484) لم تكن * تمد الثريا نحوها كف جاذب
فيا بن المزايا (القادرية) أعجزت * مزاياك في تعدادها كل حاسب
غلبنا بك الصيد الكرام على العلى * فحقك أن تدعى بسيد غالب
يروقك ما قد طرزت لك وشيه * صناع القوافي لا صناع الكواعب
فدمت على هام المجرة ساحبا * مطارف فخر طاهرات المساحب



482 في نسخة: يدع.
483 وفي نسخة: واجراك.
484 في نسخة: وراءك عن أبراد علياء. وفي المطبوع: ودائك عن ايراد.
11
وقال يمدحه أيضا (485):
لقد قلت للأرض ادعت بنجومها: * عليك السما فخرا فقالت: أجيبها
لئن هي بالاشراق منها تزينت * فما الفخر إلا حيث حل (نقيبها)



485 لم يثبت البيتان في الديوان المطبوع.
12
وقال يمدح بعضهم:
يا خير من صنع الجميل * لربه متقربا
وحنا على أبناء * فاطمة فكان لهم أبا
ورعى حقوق المؤمنين * ترؤفا وتحدبا
قد جئت في زمن القطيعة * واصلا من أتربا
لحظ الاله بك الكرام * فكنت منهض من كبا
وحفظت ماء وجوههم * عن أن يراق ويسكبا
وقال يمدح السيد علي النقيب (486) ضمن رسالة بعث بها إليه عن لسان بعض سادة آل
القزويني:
الفخر شاد بكم قبابه * والشعر زان بكم كعابه
والعلم في الدنيا بثاقب * فكركم أذكى شهابه
لكم الكلام وأنتم * امراء معركة الخطابه
من ذا يراجح حلمكم؟ * والحلم ما زلتم هضابه
أم من يطاولكم على * ومن العلى لكم الذؤابه
لكم النبوة، والإمامة، * والسيادة، والنقابه
من قال: لي فخر كهذا * فليعد لنا انتسابه
هذي الرياسة لا كمن * كانت رياسته ثيابه
هتف الرجاء فكنتم * بالفضل أول من أجابه
وحميتم ثغر العلى * وكذاك يحمى الليث غابه
أنفت يداكم أن تساجل * بالندى حتى السحابة
وبجودها حلفت بأن * تدع الكرام ولا صبابه (487)
يا ابن الذين رواق عز * هم يحجب بالمهابه
واللابسين رداء * فخرهم تطرزه النجابه
ماذا أقول ومدحكم * شحن الاله به كتابه



486 هو السيد علي بن السيد سلمان بن مصطفى بن زين الدين الصغير بن محمد درويش ابن
حسام الدين، من ذرية الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الكيلاني، في طليعة
الشخصيات العراقية في عصره كان مهيبا عند سلاطين آل عثمان، ومحترما عند ولاتهم
الذين يفدون إلى بغداد، وكان نقيب أشراف بغداد، خلفه في النقابة ولده السيد سلمان
في 28 ربيع الأول من عام 1289 ه‍ وقد توفي هو في 24 ربيع الأول يوم السبت من العام
نفسه وخلف من الأولاد خمسة وهم: سلمان، عبد الرحمن، زين الدين، عبد الله، أحمد.
487 الصبابة: آخر قطرات الماء في الاناء.
13
وقال يمدح صبحي بك عن لسان العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني:
لتلق (488) ملوك الأرض طوعا يد الصلح * حذار حسام صاغه الله للفتح
وأجرى فرندا فيه من جوهر العلى * غدا يخطف الابصار باللمع واللمح
فكم شق فجرا من دجى ليل حادث * وأضحك للأيام من أوجه طلح
لو الدولة الغراء يوما تفاخرت * مع الشمس قالت أين صبحك من (صبحي)
فتى في صريح المجد ينمى لمعشر * بيوتهم في المجد سامية الصرح
فتى ولدت منه النجابة حازما * بعيد مجال يرفد الملك بالنصح
أغر لسيماء العلى في جبينه * سنى في حشا الحساد يذكى جوى البرح
له طلعة غراء دائمة السنا * هي الشمس لو تمسي هي البدر لو يضحى (489)
هو البحر، بل لا يشبه (490) البحر جوده * وهل يستوي العذب الفرات مع الملح
يزوج آمال العفاة بجوده * ويقرنه في الحال في مولد النجح
ويبسط كفا رطبة من سماحة * إذا قبض اليبس الأكف من الشح
أرى المدح في الاشراف أفضل زينة * ولكنه في فضله شرف المدح
هو لسيف، بل لا (491) يفعل السيف فعله * بقوم على الأضغان مطوية الكشح
فقاتل أهل الضغن بالبطش لم يكن * كقاتل أهل الضغن بالبطش والصفح
هو الرمح سل عنه فؤاد حسوده * بما بات يلقي من شبا ذلك الرمح
تجده كليما وهو أعدل شاهد * فيا شاهدا أضحى يعدل بالجرح (492)
إليك ابن أم المجد (493) عذراء تجتلى * كأن محيا وجهها فلق الصبح
بها أرج من طيب ذكرك نشره * يعطر أنفاس الصبا لك بالنفح
تود بنات النظم أن لو حكينها * ويا بعد ما بين الملاحة والقبح
لقد فاز فيها قدحك اليوم مثلما * غدت وهي فيك اليوم فائزة القدح
فليس لها كف سواك ولم يكن * يليق سواها فيك من خرد المدح



488 وفي مخطوطة الملا: لتلو.
489 في الديوان المطبوع: لو تضحي، كذا أثبت الأصل في النسخ الثلاث، وفي نسخة (هي
البدر لو تمسي، هي الشمس لو تضحي).
490 في الديوان المطبوع: هي البحر، ولا بل: جاءت في المخطوطتين.
491 في المخطوطتين: لا بل.
492 أجمل تورية جاء بها الشاعر في هذا البيت.
14
493 في الديوان المخطوط: ابن أم الموت.
وقال مادحا الحاج محمد صالح كبه:
لا زلت يا ربع الشباب حميدا * باق وإن خلق الزمان جديدا
ما أنت للعشاق إلا جنة * صحبوا بها العيش القديم رغيدا
أيام كان العيش غضا ناعما * والدهر مقتبل الشباب وليدا
والدار طيبة الثرى مما بها * يسحبن ربات الخدور برودا
يستاف زائرها ثراها عنبرا * فيكذبن طرفا يراه صعيدا
يعطو إلى عذبات فرع أراكة * ظبي تفيأ ظلها الممدودا
غنج يسل من اللواحظ مرهفا * يغدو عليه قتيله محسودا
هو منتضى في الجفن إلا أنه * بين الجوانح يغتدي مغمودا
أضحت ضرائبه (494) القلوب تعد * أدماها به، وهو الشقي، سعيدا
وشقيق خديه النقي من الحيا * أضحى بعقرب صدغه مرصودا
يمسي سليما يشتفي بالريق من * باللثم بات بقطفه معمودا
كم بت معتنقا له في ليلة * بات العفاف بها على شهيدا
وكأنما في الأفق هالة بدرها * وبها الكواكب قد طلعن سعودا
ناد (محمد) حل فيه وولده * بعلاه حفت ناشئا ووليدا
هو داره الشرف التي قد مهدت * أبد (495) الزمان بعزهم تمهيدا
فرشوا بساحة أرضه القمرين * واتكأوا على زهر النجوم قعودا
متعاقدين على المكارم أحرزوا * شرفا تماثل طارفا وتليدا (496)
وعليهم قطبا فقطبا دائر * فلك الفخار أبوة وجدودا
كانوا قديما والعلى صدف لهم * درا تناسق في الفخار نضيدا
وأبوهم البحر المحيط وقد بدوا * منه على جيد الزمان عقودا
هو لجة المعروف ما عرفت بنو * الدنيا سواه منهلا مورودا
وبقية الأمجاد لم ير (497) غيره * خلفا لهم فوق الثرى موجودا
مستظهرا بعناية من ربه * وقفت عليه العز والتأييدا
متمحض لله في أفعاله * بالغيب يخشى الخالق المعبودا
فكأنما الأعضاء منه أعين * تذكى (498) جهنم نصبهن وقودا
لم تجترح ذنبا جوارح جسمه * بل كان عن (499) خطط الذنوب بعيدا
فتراه مرتعد الفرائص رهبة * لا باحتمال خطيئة مجهودا
يمسى بنفس لا تميل مع الهوى * لله يحي ليله تهجيدا
وإذا تجلى الليل أصبح (500) باسطا * للوفد كفا ما تغب الجودا
نسك كما شاء الاله وأنعم * لم يحصها إلا الاله عديدا
يا من لو اقتسم الأنام صلاحه * ما سن فيهم ذو الجلال حدودا
لله منجبة ولدت بحجرها * كان التقى في حجرها مولودا
لا تغتذي بغذا الجنين نزاهة * لكن غذيت الشكر والتحميدا
وبرزت والدنيا جميعا مجهل * علما جلا منها الغواشي السودا
وغدت وكانت عاقرا أم الندى * لما تطرقها نداك ولودا
تنميك من سلف المعالي أسرة * غلبوا على الشرف الكرام الصيدا
من كل معصوم البصيرة لم يزل * منه الرداء على التقى معقودا
لم يرتفع لك بيت مكرمة لهم * إلا وكان له (أخوك) (501) عمودا
شهدت صفات (أبي الأمين) بأنه * فضل البرية سيدا ومسودا
وأحله حيث استحق من العلى * حسب على الأحساب نال مزيدا
بذل السماح بذا (502) الزمان وإنه * لأعز من (بيض الأنوق) وجودا (503)
وعلى حياض سماحه اختلف الورى * شرقا وغربا مصدرا وورودا
يزداد منهل عرفه فيضا إذا * جفت ضروع الغاديات جمودا
ما إن غدا (504) في العرف مبدأ غاية * إلا لها ابن أخيه كان معيدا
ليس الحيا الوسمي من جدوى محمد * الرضا في المحل أنصر عودا
قد جاوزت مغناه دجلة فاغتدى * بندي يديه ماؤها ممدودا
والبحر من يمسي ويصبح جاره * لابد أن يمتاح منه الجودا
جذلان يشرق للسماحة كلما * دفع الظلام له الركاب وفودا
يسترشدون بنور أبلج إن خبا * ضوء النجوم يزد سناه وقودا
بأغر يغلب وجهه شمس الضحى * بضيائه حتى تموت خمودا
ما المجد منتحل لديه وإنما * ولدته أم المكرمات مجيدا
قد حلقت فيه لأرفع رتبة * همم تناهت في العلو صعودا
وحوت له النفس الكريمة سؤددا * أمسى بناصية السهى معقودا
فإذا عقود المجد (505) فصل نظمها * كانت مناقبه لهن فريدا
هو شمس أفق المكرمات وبدرها * الهادي لمن أمسى يجوب البيدا
ورث السماحة من خضم سماحة * فغدا بمجموع الفخار وحيدا
ذا الشبل من ذاك الهزبر وإنما * تلد الأسود الضاريات اسودا
يا من تعذر أن يحيط بوصفهم * نظم ولو ملا الزمان قصيدا
والجامعين المكرمات بوفرهم * مذ أكثروا في شمله التبديدا
ولهم بأندية العلاء إذا بدوا * تهوى الأعاظم ركعا وسجودا
أهدت لجيد علاكم ابنة فكرتي * درر الثناء قلائدا وعقودا
جليت محاسنها عليكم فاجتلوا * منها لمجدكم كعابا رودا
هي نثرة تضفوا (506) على أحسابكم * زغف خلفت بنسجها داوودا
قد خلدت لكم الثناء وسؤلها * إن الثناء لكم يدوم خلودا
فبقيتم في غبطة من ربكم * لكن بقاء لم يكن محدودا



494 الضرائب: جمع ضريبة: المضرب المقتول.
495 في الديوان المطبوع: أيدي.
496 الطارف: الحديث، والتالد: القديم.
497 في الديوان المطبوع: لم يك.
498 في مخطوطة الملا: تذكو.
499 في الديوان المطبوع: من.
500 والأنسب أن يقول: أمسى.
501 يقصد به أخاه عبد الكريم. لا تأتي الواو بعد إلا، والأنسب أن يقال: إلا أقام
له.
502 في مخطوطة الملا: من الزمان.
503 بيض الأنوق: مثل يضرب على شئ لا يمكن الحصول عليه.
504 في مخطوطة الملا: بدا.
505 في الديوان المطبوع: المدح، وهي الأنسب.
506 في الديوان المطبوع: تصفو.
15
وقال مادحا العلامة الكبير السيد مهدي القزويني (507) وقد تلف بعضها في عهده:
لقد رحلت عن ودنا فيه جفوة * وبعد الجفا فيه يراجع بالود
فنحن على ما كان من عهد حبه * أقمنا ولم نعزم رحيلا عن العهد
وكم ليلة ليلاء فيه (508) سهرتها * وقد مل طرف النجم فيها من السهد
يبيت خليا قلبه من صبابة * ولم يدر من برح الصبابة ما عندي
وكنا إذا شطت بنا الدار أو دنت * صفيين لم نكدر على القرب والبعد
وإني لتصيبني على النأي والجفا * إليه سجايا منه أحلى من الشهد
خليلي عندي اليوم لو تعلمانه * عجيب غرام فاسمعا منه ما ابدى
ألم يزعموا أن القلوب لأهلها * شواهد منهم بالقطيعة والود
فما بال قلبي محكما عقدة الهوى * لمن حل من حبل الهوى محكم العقد؟
وهل أنا وحدي يا خليلي هكذا * وجدت به أم هكذا كل ذي وجد؟
وبالفرد من أعلام نجد سقى الحيا * عهود حمى ذيالك (العلم الفرد)
منازل يستوقفن كل أخي هوى * ويحبسن أيدي الواخدات عن الوخد
لنا طلعت في غربها الشمس آية * فقلت لنا البشرى بها ظهر (المهدي)
أتى الخلف ابن المجتبى الحسن الذي * غدا قائما بالحق يهدي إلى الرشد
إمام هدى نور النبوة زاهر * بطلعة بدر وهي (509) كاملة السعد
ومن عطفه نشر الإمامة فائح * له أرج يغنيك عن أرج الند
به حفظ الباري شريعة جده * وشيد من أركانها كل منهد
فقام بمبيض من الرشد هاديا * إلى الحق في داج من الغي مسود
بقية أهل العلم والحلم والحجى * وأهل التقى والبر والنسك والزهد
ولولا احترامي باقر العلم قلت ما * له من ذوي العلم الأفاضل من ند
فتى حببته في النفوس شمائل * شذاهن أذكى من شذ الشيح والرند
وطبع كطبع الروض رق هواؤه * بأسرار رياه تذيع صبا نجد
وخلق به لو يمزج الماء شارب * لما شك فيه أنه الكوثر الخلدي
معيد لما أبداه في الجود لا كمن * إذا جاء لا يغدو معيدا لما يبدي



507 مرت ترجمته في الجزء الأول من الديوان ص 236.
508 في مخطوطة الملا: فيها.
509 في الديوان المطبوع: منه.
16
وقال مادحا محمد باشا بابان (510) بالتماس من السيد القزويني أن يذكر اسمه كما هو
مذكور:
من محمد رشيد باش بباني * استمدت أهل النهى كل رشد
ملك قد تقلد الأمر والنهي * ببأس على العدو أشد
مستضاه برأيه كل آن * مستشار في كل حل وعقد
بسط العدل رأفة وطوى الجور * جميعا من كل غور (511) ونجد
فالورى لابتهالها لعلاه * تستديم البقاء من غير حد
ماجد أحرز الوزارة إرثا * عن أب ماجد وعن خير جد
لا تقسه بغيره في المعالي * ما قديم الفخار كالمستجد
قد نضته يد الامارة سيفا * يخطف العين في شعاع الفرند
وبه أورت النجابة زندا * فخبأ من ملوكها كل زند
ففداء لها الملوك جميعا * وبحق جميعها لك أفدى
إنما أنت قطب دائرة الفخر * وعنوان كل شكر وحمد
بك فيحاؤنا اكتست كل فخر * ما اكتست مثله لفخر ببرد
سعدت فيك فهي في كل آن * تتباهى بطالع منك سعد
يا عيون الفيحاء قري بمولى * فيه يقذى طرف الخصيم الألد
وبه فاخري الممالك طرا * واستطيلي بعزة واستبدي



510 هو محمد رشيد بن إبراهيم بابان جد الأسرة المعروفة، كان حاكما إداريا في الحلة
عام 1296 ه‍ وهو الذي شيد سراي الحكومة فيها عام 1300 ه‍ وبقي إلى أن هدمته الحكومة
العراقية.
511 في مخطوطة الملا: عن كل غرب.
17
وقال يمدح حسام الدين (512) أفندي بالتماس العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني:
أطلع شمس الراح ليلا أغيد * كأنه من نورها مجسد
وزفها تحت الدجى فاشتبهت (513) * مدامه وخده المورد
فلست أدري أجلا لامعة * بكفه بها المدام عسجد
أم يده (514) البيضاء في رقتها * بها شعاع خده يتقد
ساق من الجوزاء وهو المشتري * نطاقه وعقده المنضد
شمس الضحى تود لو كان ابنها * وهي لها بدر السماء ولد
إذا أدارت كفه لثامه * خلت الثريا للهلال تعقد
من لي بقطف زهرة من خده * وعقرب الصدغ عليها رصد
مورد الوجنة ما استخجلته * إلا وماء الورد منها بدد
مطرد في خده ماء الحيا * ماء الحيا في خده مطرد
علقته نشوان من خمر الصبا * سبط القوام (515) فرعه مجعد
أهيف كم تعطفت قامته * وهو لألحان الغنا يردد
تعطف البانة يثنيها الصبا * وفوقها قمرية تغرد
بدر ولكن في الجمال يوسف * لحسنه بدر السماء يسجد
وشوقي الكامل ليس حره * يطفيه إلا ريقه المبرد
ما الحسن إلا جمرة بخده * وجمرة في القلب منى تقد
أبرد هاتيك بلثم هذه * يا من رأى نارا بنار تبرد؟
نار ولكن هي عندي جنة * من لي لو فيها فمي يخلد؟
كم ليلة بات بها منادمي * إلى الصباح والوشاة رقد
وسنان لم أجذب إلى خصره * إلا ثنى أعطافه التميد (516)
حتى يرى وخصره من رقة * على في انعطافه منعقد
أعد على صاحبي ذكر الطلا * وعد عما يزعم المفند
راحك يا ابن النشوات فاغتنم * حظك منها والعذار أسود
وعصر (517) اطرابك في اقتباله * والعيش غض لك فيه رغد
وعاقر الراح يحييك بها * شريكها في اللب إذ يغرد
ما ولدت أم الجمال مثله * وأقسمت بأنها ما تلد
ما استجمع اللذات إلا مجلس * على معاطاة الكؤوس يعقد
ما هو إلا للندامى فلك * به من الكأس يدور فرقد
أو روضة فيها الخدود مجتنى * من السقاة والشفاه مورد
وشادن (518) وفرته ريحانة * بطيب رياها النسيم يشهد
يا طالب العدل هلم ظافرا * فالعدل شخص قد حواه بلد
أما ترى (الفيحاء) كيف أصبحت * والجور من ورائها مشرد
هذا (حسام الدين) بين أهلها * أصبح والملك به مقلد
جرت ملوك العصر في مضماره * لغاية إلا عليه تبعد
فجاء يجري سابقا ما مسحت * غرة علياه سوى العز يد (519)
فقل لمن يطمع في عليائه * قف صاغرا ليس إليها مصعد
فالمجد إرث والندى سجية * والحمد كسب والعلاء مولد
تبصر في رواقه محجبا * منه ولا حاجب إلا السؤدد
قد خدمت أقلامه بيض الظبا * تصدرها عن أمره وتورد
سيف بكف الملك منه قائم * مقام خديه الطلا والعضد
منزلتان ليس في كليهما * ينوب عنه الصارم المجرد
وأنت حيث باسمه شاركته * لا تفتخر يا أيها المهند
فهو على هام العداة منتضى * دأبا وأنت تنتضي وتغمد
إن أشعرتك رهبة (520) هيبته * فمنه في صدر الندى أسد
أغلب لا يطمح (521) في حضرته * طرف ولا ينطق فيها مذود
مصور في شخصه روح النهى * عليه أبراد الفخار جدد
وغيره يغريك حسن شكله * ومنه ما في البرد إلا جسد
أبلج عنه واليه في الندى * تروي أحاديث الندى وتسند (522)
لهم نداه مشرك في وفره * ومدحهم حقا له موحد
يا خير من زار الثناء ربعه * فزار أزكى من نماه محتد
اليكها سيارة مع الصبا * تتهم في نشر الثنا وتنجد
سحارة الألفاظ (بابلية) * أم الكلام مثلها لا تلد (523)
بل كل معنى جاهلي قد غدا * يود منها أنه مولد
لا تحمد العود على قافية * ما كل عود في الأمور أحمد
أنت فدم سيد أبناء العلى * ونظمها للشعر فيك سيد



512 ورد ذكر هذا الرجل في ديوان الأخرس وقال فيه: الحسيب النسيب حسام الدين الحلي
قدسي زاده قائمقام البصرة، وعلى هذا فقد تنقل في وظائف عديدة منها حاكمية الحلة في
عهد الشاعر.
513 في المخطوطتين: فأشبهت.
514 في الديوان المطبوع: أو كفه البيضاء من رقتها.
515 سبط القوام: معتدله.
516 التميد: الاهتزاز والحركة.
517 في الديوان المطبوع: وعطر.
518 الشادن: ولد الظبية. الوفرة: ما ترسل من الشعر على الاذنين.
519 في مخطوطة الملا: سوى الغريد.
520 في المخطوط: رغبة.
521 في المخطوط: لا يطمع.
522 في مخطوطة الملا: وتنشد.
523 بابلية: نسبة إلى بابل الذي يروي عنها السحر. وفي المطبوعة: ما تلد.
18
وقال يمدح السيد سلمان النقيب عن لسان بعض رؤساء الحلة:
سبقت الورى مجدا يدوم بلا حد * فكان بلا قبل ويبقى بلا بعد
خلقت كما شاءت نقيبتك التي * أتاها الندى كوني فكانت بلا ند
وجئت إلى الدنيا كما اشتهت العلى * تعيد من المعروف أضعاف ما تبدي
وتبسط أندي من أديم غمامة * بنانا يعلمن الحيا كيف يستجدي
وفي الناس من يغدو به مستميحه * كمستقطر ماء من الحجر الصلد
فيا لابسا برد السيادة لا شذا * من الفخر إلا وهو في ذلك البرد
فبوركت من فرد حوى الدهر كله * ببرد علا منه طوى الناس في برد (524)
زعيم النهى ما عطرت جيبها (525) الصبا * بأطيب نشرا من عبيرك والند
يقولون في الدنيا بنت دارك العلى * فقلت بل الدنيا بها بنيت عندي (526)
كذبنا فذا رضوان بشرك مخبر * يحدث عنها أنها جنة الخلد
فمنك المزايا قد تقسمن فردها * وأعجب شئ قسمة (الجوهر الفرد)
ألست من القوم الذين وليدهم * يرشح طفلا للعلى وهو في المهد
فما حضنوا إلا بحجر نقابة * ولا رضعوا يوما سوى حلم الرشد
فيا قمم الأعداء للأرض طأطئ * ويا عينهم عودي من الجفن في غمد
نضا الله في كف النقابة سيفها * وقال احتكم ما شئت يا فاصل الحد
وهاتيك أبصار العدى وقلوبها * فدونك ما تختاره من ذوي الحقد
ومما يعير الأرض فخرا على السما * ويبهي الحصا فيها على أنجم السعد
بيوت بها قد أودع الله منكم * أطائب ما استصفاه من عترة المجد
لكم أذن الله العظيم برفعها * وأنتم مصابيح بها الناس تستهدي
لوجهك قد صلى بها المدح والثنا * لأنك فيها قبلة الشكر والحمد



524 وفي الديوان المطبوع: في فرد. وفيه: حوى الفخر.
525 في مخطوطة الملا: جيبه.
526 أخذه من قول أبي العيناء عندما خاطب المتوكل العباسي بعد فراغه من بناء قصره
المسمى ب‍ (الجعفري): الناس يبنون دورهم في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك.
19
وقال - رحمه الله - وقد سأله العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني ذلك:
نفسي بحبل ولاء (أحمد) أمسكت * مذ أحكمت بنياط قلبي عقده
أنى وفرض مودتي هي فيهم * أجر الرسالة لست أنسى عهده
بل لم تزل كبدي تروح وجدها * بنسيم ذكراه فتلقى برده
ماذا أقول على البعاد محررا * من نعت شوق فيه أشكو بعده
وجميع أقلامي يكل لسانها * عن أن يحيط بوصفه فيحده
لكن إذا سأل الحبيب فؤاده * علم الذي عندي بما هو عنده
هو ذاك غرة جبهة الحسب الذي * لفخاره السامي أعد معده
من طينة الشرف التي من محضها * باري الأنام برى أباه وجده
من معدن الكرم الإلهي الذي * لا خلق إلا وهو يشكو رفده
من بيت مختلف الملائكة الذي * للحق يهدي من تطلب رشده
من منبع الحكم (527) الذي يرد النهى * منه ويصدر وهو يحمد ورده (528)
من عترة الوحي الذين سما بهم * حسب له التنزيل يرفع مجده
ممن بعطف علاهم متضوع * أرج الإمامة مهديا لك نده
ممن على أولى الزمان نداهم * غمروا به حر الزمان وعبده
في كل عصر منهم ابن نبوة * جمع الاله به المحاسن وحده
فرد يسد مسد أرباب النهى * وجميعها ليست تسد مسده
واليوم هذا (أحمد) في فضله * فاضرب بذهنك أين تلقي نده؟
جاءت رسالته إلي فقلت، (ما * كذب الفؤاد بما رأى، لي وده
ونظرت في (معراج) رحلته التي * قد نال (بالاسراء) فيها قصده
إذ سار مقتعدا (براق) عزيمة * قد قربت من كل أفق بعده
وأرته من آياته مالا يرى ابن * مفازة لو كان أعمل جهده (529)
فأتى يقص محاسن القصص التي * قد أبطلت هزل الكلام وجده
أنباء فضل هن أوحى آيها * من غيب (530) أسرار البلاغة عنده
أبغي الخطاب له بوصف جامع * لهباته فيه أخاطب مجده
وأعود عما ابتغي متحيرا * ماذا أقول: ولست أملك وجده (531)
إذ عندي (القاموس) بعض هباته * فمتى سوى القاموس يشمل رفده (532)
وله لدي صنيعة من معدن * الجود الذي فرض المهيمن حمده
بيضاء صافية الحديدة قد حكت * بصفاء جوهرها لعيني وده
وكأن رونق ذلك الحسب الذي * ينهى إليه بها (533) أشاع فرنده
مشحوذة كلسانه فكأنه * فيها مكان الحد ركب حده
تروي حديث القطع عن ذي رونق * فيه النبي أبوه أتحف جده (534)
ما قط رأس يراعة فيها فتى * إلا تذكر ذا الفقار وقده (535)



527 في الديوان المطبوع: الحلم.
528 وفيه أيضا: برده.
529 يصف بالأبيات الثلاثة (رحلة) أهداها إليه ممدوحه قام بها في مختلف البلدان.
530 في مخطوطة الملا: من عيب.
531 في الديوان المخطوط: حده. وفي المخطوطة: مما ابتغي.
532 وفيه: وفده.
533 وفي المخطوطة: بما.
534 في البيت تورية جميلة في كلمة القطع. وفيها يشير إلى السيف الذي عبر عنه بذي
رونق، وهو الذي أهداه الرسول الأعظم (ص) إلى ابن عمه الإمام علي (ع) وهو المعروف
بذي الفقار، وقد وصفه بالبيت الأخير مشيرا إلى الكلمة المأثورة: ان ضرب عرضا قط،
وان ضرب طولا قد.
535 وفي المخطوطتين: وحده.
20
وقال يمدح العلامة الشيخ محمد حسن آل يس الكاظمي (536):
صباح الهدى من ضوء وجهك مسفر * ومن نوره ليل التهجد مقمر
خلقت كما شاء التقى غير منطو * على ريبة فيما تسر وتجهر
لك انتهت اليوم الرياسة للهدى * وإنك قبل اليوم فيها لأجدر
ولم أدر حتى زار شخصك ناظري * بأن التقى في الأرض شخص مصور
وأعظم شئ أن كفك لم يقم * بها عرض الدنيا وكلمك جوهر
يقر بعين الدين أنك نير * به حوزة الاسلام تزهو وتزهر
وفرج صدري كون ناديك للتقى * وأنك للأحكام فيه المصدر
فخاصمت فيك البدر يشرق نوره * وإن عليه حجتي منه أنور
فقال: كلانا زاهر في سمائه * فقلت: نعم لكن محياه أزهر
وقالت نجوم الأفق: إني كثيرة * فقلت: مزايا شيخنا مناك أكثر
وقال النسيم الغض: إني لعاطر * فقلت: شذا أخلاقه منك أعطر
ودع راحتيه يا سحاب فمنهما * يصوب الندى طبعا وأنت مسخر
لقد نشأت من رحمة الله فيهما * سحائب عشر بالعوارف تمطر
فيا علماء الأرض شرقا ومغربا * كذا فليكن من للهدى يتخير
ويا خير من يرتاده آمل الورى * فمنظره في روضة منه يحبر
إذا قيل فيمن روضة الفضل تزهر * وأي بحار العلم أروى وأغزر؟
إليك غدت تومي الشريعة لا إلى * سواك وأثنت وانثنت لك تشكر
وإن قيل من للمشكلات يحلها * ذكرت ولم تعقد (537) بغيرك خنصر
حليف التقى ما سار ذكر لذي تقى * بمنقبة إلا وذكرك أسير
لقد ضم منك البرد والبرد طاهر * فتى هو من ماء الغمامة أطهر
فتى حببته في النفوس خلائق * يكاد بها من وجهه البشر يقطر
فلو لم أبت فيها من الهم صاحيا * لقلت هي الصهباء من حيث تسكر
إليك عروسا كنت أسلفت مهرها * ولم تجل لولا أنها لك تمهر
شكرتك ما أسديته من صنيعة * تقدمت فيها والصنيعة تشكر
عطايا أتت منك ابتداءا حسابها * إلي وما كانت ببالي تخطر
وغير عجيب إن بدا من محمد * بمنزلة تشجى الحواسد حيدر
فما عصرنا إلا القيامة شدة * وما فيه إلا حوض جدواك كوثر
رمت عنده الدنيا كبار همومها * وهمته العلياء منهن أكبر
وطاف رجاها في حماه محلقا * عن الناس حيث الكل منهم مقصر



536 مرت ترجمته في الجزء الأول ص 185.
537 في المخطوطة: يعقد.
21
وقال يمدح الحاج محمد صالح كبه:
بنور وجهك لا بالشمس والقمر * أضاء أفق سماء المجد والخطر
وفي البرية من معروفك انتشرت * رواية الشاهدين السمع والبصر
تحدثوا عنك حتى أن كل فم * به عبير شذا من نشرك العطر
فذكرك المسك بين الناس يسحق * باللسان والفم لا بالفهر والحجر
وخلقك الروضة الغناء ترهم (538) في * نطاف بشرك لا في ريق المطر
وكفك البحر ما غاض الرجاء به * إلا وأبرز منه أنفس الدرر
ودار عزك تغدو الوفد ناعمة * فيها بأرغد عيش ناعم نضر
بها الضيوف تحي منك أكرم من * يعطى الرغائب من بدو ومن حضر
حيث الجنان على بعد تضي بها * للطارقين ضياء الأنجم الزهر
لقد غدا الأفق العلوي يحسدها * على مواقدها في سالف العصر
وود لو أنها كانت به بدلا * من الكواكب حتى الشمس والقمر
فالشهب والبدر يطفي الصبح ضوءهما * والشمس في الليل لم تشرق ولم تنر
لكن دارك لم تبرح مواقدها * مضيئة تصل الاصباح بالسحر
ما زلت ترفع فيها للقرى كرما * نارا شكا الأفق منها لافح الشرر
يا مقرض الأرض في عصر به وثقت * بنو الزمان بكنز البيض والصفر
كأنما الله لم يندب سواك إلى * قرض يضاعفه في محكم السور
فلم تكن بشرا بل أنت روح ندى * للعالمين بدت في صورة البشر
يفدي يديك ابن حرص لا حياء له * يلقي العفاة بوجه قد من حجر
جرى لعلياك من جهل فقلت له: * لقد جريت ولكن جرى منحدر
سما بك الحظ إلا عن علاء أبي * المهدي حطك ذل العجز والخور
أنت المعذب بالأموال تجمعها * خوف البغيضين من فقر ومن عسر
وهو المفرق ما يحويه مدخرا * كنز الخطيرين من حمد ومن شكر
ما ديمة القطر من صغرى أنامله * للمحل أقتل في أعوامه الغبر
يا ناظرا سير الأمجاد دونك خذ * منه العيان ودع ما جاء في السير
تجد به من أبيه كل مأثرة * ما للحيا مثلها في الجود من أثر
يريكها هو أو (عبد الكريم) بلا * شك وأيهما إن شئت فاختبر
لا تطلبن بها من ثالث لهما * هل ثالث شارك العينين بالنظر
تفرعا للعلى من دوحة سقيت * ماء التقى فزكت في أول العصر
وقد سما فرعها الاعلى فأثمر ما * بين النجوم بمثل الأنجم الزهر
بكل صافي المحيا بشره كرم * وكل أخلاقه صفو بلا كدر
ما أحدقوا بالرضا إلا وخلتهم * كواكبا تستمد النور من قمر
مهذب يتبع النعمى بثانية * دأبا وجود سواه بيضة العقر
له مناقب مجد كلها غرر * في جبهة الدهر بل أبهى من الغرر
زواهر في سماء الفضل دائرة * بمثلها فلك الخضراء لم يدر
رأى الثناء لباس الفخر تنسجه * يد الندى لذوي العلياء والخطر
فجاد حتى دعاه البحر حسبك ما * أبقى سماحك لي فضلا على البشر
وكل عنه لسان البرق ثم دعا * بالرعد أكرمت إني عنك ذو قصر
ينمي إلى طيبي الأعراق من عقدوا * على العفاف قديما طاهر الأزر
أعزة نورهم هاد ووجه * مساعيهم حسين بليل الحادث النكر
الوارثان من المهدي كل على * لافقها طاهر الأوهام لم يطر
والباسطان لدى الجدوى أكفهما * سحائبا تمطر العافين بالبدر
والغالبان على الفخر الكرام معا * بحيث لم يدعا فخرا لمفتخر
يا طيب فرع سماح مثمر بهما * ما كل فرع سماح طيب الثمر
لم يطلعا غاية للفخر ليس ترى * شأوا بها لمجيد غير منحسر
إلا وللمصطفى أبصرت مالهما * يوم الرهان من الايراد والصدر
أغر ما زهرت للشهب طلعته * إلا وغضت حياء وجه منستر
خذوا بني الشرف الوضاح كاعبة * مولودة الحسن بين البدو والحضر
لم تجل في مجلس إلا بوصفكم * تبسمت كابتسام الروض بالزهر
إن يصد نقص أناس فكر مادحهم * ففضلكم صيقل الألباب والفكر
لا زال بيت علاكم للورى حرما * يحجه الوفد مأمونا من الغير



538 الرهمة: المطر الخفيف الدائم.
22
عنوان وقال يمدح السيد عبد الرحمن النقيب في ضمن كتاب عن لسان بعض الاشراف:
يا هماما لفضله * يشهد السمع والبصر
كل معنى مهذب * من معانيك مبتكر
أنت للفضل روحه * وجميع الورى صور
وكذا أنت للزمان * مقيل إذا عثر
فاقبلن عذر من أسا * ما مسي من اعتذر
وقال يمدح الصدر الأعظم (539) عن لسان العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني:
أحق بالعز من لا يرهب الخطرا * ولا يعاقد إلا البيض والسمرا
والسيف أجدر أن يستله لوغى * من ليس يغمده أو يدرك الظفرا
وأبيض العرض من في كفه صدرت * بيض القواضب من ورد الدما حمرا
لم تقض من وصله بكر العلى وطرا * حتى من الهام يقضى سيفه وطرا
وحوزة الملك أولى في حياطتها * من بات في حفظها يستعذب السهرا
وذي الرعية أحرى في سياستها * من بالتجارب غور الدهر قد سبرا
وليس يملك يوما رق مملكة * من ليس يملأ منها السمع والبصرا
ولا تراض أقاليم البلاد بمن * لم تسق من خلقيه الصفو والكدرا
والحل والعقد لم يورد صوابهما * إلا الذي ثقة عن رأيه صدرا
ولا تناط أمور الملك أجمعها * إلا بمن قارع الأيام مقتدرا
أما نظرت لسلطان البرية من * على الرعية ظل العدل قد نشرا
من ودت الشهب لو في ربعه هبطت * فقبلته وشمت تربه العطرا
كيف اغتدي مودعا أسرار حضرته * صدرا أحاط بأسرار النهى خبرا
وكيف أنزله منه بمنزلة * لو ينزل البدر فيها تاه وافتخرا
لم يبل أخباره إلا رأى ثقة * للملك صدق منه المخبر الخبرا
فقال خذ منصبا أم العلى نصبت * أسرة لك فيه الأنجم الزهرا
هذي الوزارة فاحلل في ذوائبها * فالحزم للشمس أن تستوزر القمرا
فقال في رأيه والسيف يجمع من * أطراف مملكة الاسلام ما انتشرا
مؤيدا بجنود من مهابته * قد انتضى معه آراءه زبرا
وبات والدولة الغراء يكلؤها * بعين مستيقظ لا يركب الغررا
إن يجر في حلبات الرأي مبتدرا * خلت له الوزراء الورد والصدرا
رأته أوسعها صدرا وأجمعها * فكرا وأصدقها إن شؤورت نظرا
فسلمت لعلاه الامر مذعنة * لما يقول نهى إن شاء أو أمرا
فهل تضيق بخطب جاء من بشر * ذرعا وإن جل ذاك الخطب أو كبرا
وصدرها الأعظم السامي الذي تسع * الدنيا بهمته أعظم به بشرا
ذو عزمة مثل صدر السيف باترة * لو لاقت الدهر قرنا عمره انبترا
رعى المحبين فيها البدو والحضرا * وروع المبغضين الروم والخزرا
قد قلد الملك منه سيف ملحمة * لو يقرع الصخر يوما بالدم انفجرا
إذا الجباه بذل العجز قد وسمت * في جبهة الموت أبقى حده أثرا
يستصغر الحرب حتى ما يباشرها * بنفسه ولها إن باشر السفرا
لجاء والهمة العلياء فيه أتت * كالسيل من قلل الأجبال منحدرا
في جحفل إن سرى ضاقت بأوله * الدنيا وآخره لم يدر أين سرى
وخاض بحر الوغى بالحزم محتزما * بالنقع ملتئما بالصبر متزرا
حتى تضج ملوك الأرض قائلة * كذا بني الملك فلينصره من نصرا
هيهات هذي فعال لا يقوم لها * من قد قضى منهم قدما ومن غبرا
لو مد قيصر باعا نحوها قصرا * أورامها قبل كسرى الفرس لانكسرا
فعال منتصر لله قام بها * في الله منتهيا لله مؤتمرا
إن ينتقم فحقوق الله يأخذها * وليس يلغى حقوق الله إن غفرا
حلو السجايا رقيق طبعه عذب * له خلائق ينفى صفوها الكدرا
خلائق كالحميا لو ترشفها * من كان يبغضه في حبه سكرا
آنست يا وحشة الدنيا بذي كرم * أحيا بجدواه ميت الجود فانتشرا
ليس السحائب تحكيه وقد علمت * من كفه ماؤها قد كان معتصرا
ولا البحار تضاهيه وقد طمحت * أمواجها فهي بخلا تحرز الدررا
لم يجر حاتم طي أو أبو دلف (540) * إلا وعن شأوه بالجود قد حسرا
وإن (معنا) (541) على ما فيه من كرم * لو كان عاصره في الجود ما ذكرا
يا من ترى الناس أنى غاب غائبة * جميعها وحضورا أينما حضرا
أمجلسا لك هدى الأرض قد جمعت * أم أنت قد ضمنت أبرادك البشرا
إن الصدارة لم يصلح سواك لها * كأنها أبدا عين وأنت كرى
لا زال سعدك بالاقبال مقترنا * يستخدم المبهجين النصر والظفرا



539 يرى الأستاذ إبراهيم الوائلي في كتابه (الشعر السياسي العراقي) انها قد تكون
قيلت في مدحت باشا راجع ص 220 ح 48.
540 هو أبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل، من بني عجل بن لجيم، أمير الكرخ،
وسيد قومه. قلده الرشيد أعمال (الجبل) ثم صار أحد قادة جيش المأمون. توفي ببغداد
عام 226 ه‍ - 840 م له كتب منها (سياسة الملوك) و (البزاة والصيد) وقد قال الشعر
ولحنه. ترجمت له في كتابي (شعراء بغداد) ج 9.
541 هو أبو الوليد معن بن زائدة بن عبد الله بن مطر الشيباني، من مشاهير أجواد
العرب، وأحد الشجعان الفصحاء، أدرك العصرين الأموي والعباسي، ولاه المنصور على
اليمن، ثم ولاه سجستان، قتل غيلة عام 151 ه‍ - 768 م ورثاه شعراء عصره بأخلد
الشعر.
23
وقال مادحا مدحت باشا (542) بالتماس من الحاج مصطفى كبه:
رواقك ذا لا بل وليجة خادر * بل الليث يخطو دونه خطو قاصر
لك العسكر الجرار والهيبة التي * مخافتها تكفيك جر العساكر
خطبت الوغى بالرمح والسيف شاغلا * لسانيهما بين الكلى والمغافر
فسيفك فيها ناثر غير ناظم * ورمحك فيها ناظم غير ناثر
وكم من عدو قد خلقت لقلبه * جناحين من ذعر ورعب مخامر
فهابك حتى ساعة السلم لم يكن * ليلقاك إلا في حشا منك طائر
وخافك حتى ليس يخلو بسره * كأن رقيبا منك خلف السرائر
طلعت ثنيات التجارب كلها * فصرت ترى في الورد ما في المصادر
رويد الأعادي إن حزمك عوده * على الغمز يوما لا يلين لها صر
وإن جهلت يوما حسامك فلتسل * بها هامها عن عهدها بالمغافر
لك القلم النفاث في عقد النهى * بديع بيان من معان سواحر
فوالله ما أدري أهل نثر ساحر * على الطرس يبدو منه أو سحر ناثر؟
وفكرك يوحي أي نظم وإنها * لقول كريم جل لا قول شاعر



542 مدحت باشا، أشهر والي جاء بغداد وعرف باصلاحاته وتفكيره واتصاله بمختلف أعلام
العراق وأدبائه. ولد في إسطنبول 1238 ه‍، وتغلب في عدة مناصب فكان قبل مجيئه واليا
على الدانوب ثم رئيسا لمجلس
شورى الدولة، ثم جاء بغداد فأصلح كثيرا من الأمور ووسع الإدارة وأحسن التصرف في
تعديل الطرق والمواصلات وقام بفتح بلاد نجد واخماد فتنة عبد الكريم الجربا وعودة
عشيرة شمر إلى الاستقرار، ثم عين صدرا
أعظم وأخيرا نقم عليه السلطان عبد الحميد فسجنه مدة واتهمه باتهامات كان يبغي من
ورائها القضاء عليه فكان ما أراد في عام 1301 ه‍. كتب عنه كتابا خاصا الأستاذ صديق
الدملوجي.
ولقد تحدث الدكتور يوسف عز الدين في كتابه (الشعر العراقي) خصائصه وأهدافه، في
القرن التاسع عشر عن مناسبة نظم الشاعر لهذه القصيدة في ص 61 - 62 كما تحدث في موضع
أخرى من الكتاب عن خواطر
الشاعر وميزاته.
24
وقال يمدح نسب الحاج محمد حسن كبه:
نسب أناف على الأنام به * شرفا فطال به على قصره
هو عقد فضل لم يزل أبدا * تتزين العلياء في درره
وقال مراسلا بعض إخوانه:
إلى من مناقبه الزاهرات * بدت أنجما في سما الفضل زهرا
فتى ورث المجد من هاشم * فكان به أرفع الناس قدرا
فأخلاقه (عين ماء الحياة) * بها صرت - والحمد لله - (خضرا)
جرى قلم الحب في مهجتي * فأثبت فيها له الود سطرا
يمثله الشوق في ناظري * فأنظر منه المحيا الأغرا
أراه قريبا بعين الهوى * على بعده فأحييه بدرا
همام تضوع من عطفه * عبير نهى طبق الكون عطرا
لذكرك فرغت شطر الفؤاد * ومنه الشواغل يملأن شطرا
وقال يمدح النقيب حين سار إلى الحج بالتماس بعض الأكابر:
يا مليكا به الملوك أطافوا * بت معافا تحفك الألطاف
للمنى أين ما أقمت مقام * وله أين ما انصرفت انصراف
غير بدع بأن تخاف وترجى * سيد القوم يرتجى ويخاف
أي أرض حللتها فهي روض * لأنوف الملوك فيه استياف
يا نقيب الاشراف وهو نداء * لك تعلو بذكره الاشراف
نفحت منهم بنشر ولكن * من غوالي فخارك الاعطاف
بك طابوا ويكسب الماء طيبا * حين يغدو للورد وهو مضاف
افرش الله أخمصيك خدودا * من عدا عنك قد زواها انحراف (543)
ضل من فيك قاسها حيث منها * لم تنل كعب رجلك الأكتاف
فطأ اليوم أينما شئت فخرا * رغمت تحت نعلك الأناف
لك وجه لو باهل الشمس يوما * لعرا وجهها المنير انكساف
شف توديعك الورى حين قالوا: * مزمع جوهر العلى الشفاف
ودعت منك منصفا فهي تدعو * سر على اليمن أنت والانصاف
لا تسل عن قلوبنا فلعمري * كلها في غد إليك لهاف
كلما جد في ركابك سير * جد للاشتياق فيها اعتساف
بوركت نية دعتك لبيت * لعلاه آباك قدما أنافوا (544)
ستؤدي فرض الطواف وتأتي * لحمى فيه للسرور مطاف
ثم أهدى إليك تحفة بشر * ما حوت مثل درها الأصداف
في تهان لها إليك اختلاف * وسعود لها عليك ائتلاف
كرياض الربيع تونق زهرا * راق للناظرين منها اقتطاف



543 كذا جاء في المخطوطة. وفي المطبوع: قد رواها.
544 في المطبوع: بعلاه.
25
وقال مادحا بعضهم:
أهدي إليك أخا الفخار تحية * رقت كرقة طبعك الشفاف
وافتك تحسب أنها دارية * حملت شذاك لأنفك المستاف
وفد السرور بها لتهنئة العلى * فيما حبيت به من الألطاف
أنت الذي عكف الثناء بربعه * وأطاف فيه الحمد أي مطاف
شهدت لك (الفيحاء) أنك زدتها * شرفا لأنك صفوة الاشراف
وبها لك انتهت الرياسة كلها * فرفلت في حبراتها الأفواف
وبها قدمت فكان أيمن مقدم * طرق العداة بمرغم الأناف
كانت أماني أنفس مكذوبة * دعت الحسود لقلة الانصاف
وقال يمدح السيد سلمان النقيب وقد التمسه الحاج مصطفى كبه وذلك ببغداد سنة 1295 ه‍:
بنى العشق ما أحلى إلي كل عاشق * طلا لمشوق زفها كف شائق
ولم أر في الأحشاء ألطف موقعا * وأرشق من نبل العيون الرواشق
وأغرق أهل الحب في الحب مهجة * بكل غرير في المحاسن فائق
أظنهم حتى على لحظ عينه * بما احمر من ورد بخديه رائق
وما العمر عندي كلمه غير ليلة * يبيت رهيف الخصر فيها معانقي
ترف على صدري خوافق فرعه * رفيف حشا منى على الشوق خافق
كأن الثريا طوقته هلالها * ومن حسد مدت له كف سارق
من الريم لم يألف سوى الرمل ملعبا * ولم يرتبع إلا باحناء بارق
ونشوان من مشمولة الدل قده * أرق من الغصن انعطافا لوامق
مورد ما بين العذارين زارني * فنزه أحداقي بلون الحدائق
وقلت وقد أرخى على الخد صدغه * لقد سلسل الريحان فوق الشقائق
اقبل طورا ورد خديه ناشقا * عبير شذى ما شق عرنين ناشق
وألثم طورا ثغره العذب راشفا * سلافة خمر لم تدنس بذائق
خلوت وما بي ريبة غير نظرة * تزودتها منه بعيني مسارق
وراودته لكن من الثغر قبلة * ألذ وأشهى من غبوق لغابق
وأعرضت عما دون عقد أزاره * عفافا وقد زالت جميع العوائق
وحسبك مني شيمة قد ورثتها * من الغالبيين الكرام المعارق
خليلي ما للكأس كفي ولا فمي * ولا كبدي للناهدات العوانق
نسيت وما بي يعلم الله صبوة * ولا اجتذبت أحشاي بعض العلائق
عشقت ولكن غير جارية المها * وما العيش إلا للمعالي بلائق
خذا من لساني ما يروق ذوي النهى * ويترك أهل النظم خرس الشقاشق
مديحا له تجلو مفارقها العلى * وسلمان منها غرة في المفارق
وقور على الاحداث لا تستخفه * إذا طرقت في الدهر إحدى السوابق
ومن كعلي القدر كان أبا له * يزن بحجاه راسيات الشواهق
نقيب بني الاشراف أعلى كرامهم * عمادا وأسناهم فناء لطارق
فما قلبت أم النقابة قبله * ولا بعده في مثله طرف رامق
فتى إن سرى يوما لاحراز مفخر * فليس له غير العلى من مرافق
لقد غدت الدنيا عليه جميعها * مغاربها تثنى ثناء المشارق
تطرق أم المجد في بيت سؤدد * يظلل عزا بالبنود الخوافق
فأنجب من سلمان وهو ذكا العلى * ببدر نهى يجلو ظلام الغواسق
همام نمته دوحة نبوية * إلى مثمر في المجد منها ووارق
له النسب الوضاح في جبهة العلى * مع الحسب السامي جميع الخلائق
يعد رسول الله فخرا لمجده * وحسبك مجدا في الذرى والشواهق
تضوع بعطفيه السيادة مثلما * تضوع عرف المسك طيبا لناشق
به اقتدحت زند النجابة هاشم * ففي وجهه من نورها لمع بارق
سما في المعالي طالبا قدر نفسه * إلى شرف فوق الكواكب باسق
وفات جميع السابقين إلى العلى * فقصر عن إدراكه كل سابق
وقالوا: رويدا حك عاتقك السهى * فقال: وما قدر السهى حك عاتقي
تمنطق طفلا بالرياسة واحتذى * بأخمصها تيجان أهل المناطق
إليكم ملوك الأرض عن ذي سرادق * تجمعت الدنيا به في السرادق
تقبل أهل الفخر أعتاب داره * فيأرج منها طيبها في المفارق
فداء مفاتيح الندى من بنانه * أكف على أموالها كالمغالق
تعلل راجيها إذا اسود ليله * بكاذب وعد فجره غير صادق
ندى بنان الكف في كل شتوة * يجف بها ضرع الغيوم الدوافق
فحين تشيم المجدبون بوارقا * تمنوا نداه غيث تلك البوارق
وضئ المجالي والمعالي كليهما * وعذب السجايا والندى والخلائق
أخف على الأرواح طبعا من الهوى * ولكنه في الحلم هضبة شاهق
فما طلعة البدر المنير مضيئة * كطلعته الغراء في كل غاسق
مهيب فلولا ما به من تكرم * لما لمحته هيبة عين رامق
فما هيبة الضرغام دون عرينه * كهيبته القعساء دون السرادق
لقد كتب الله الفخار له على * لواء على في الغرب والشرق خافق
تضايقت الدنيا ببعض فخاره * على أنه فراج كل المضايق
يضيع فضاء الأرض في رحب صدره * إذا هي غصت في الخطوب الطوارق
من الفاطميين الذين تراضعت * قناهم طلى الأعداء في كل مازق
هم توجوا هام الملوك ببيضهم * وداسوا على انماطهم بالسوابق
إذا نزلوا كانوا ربيع بني المنى * وإن ركبوا كانوا حماة الحقائق
تعانق فوق الخيل عالية القنا * عناق سواها الغيد فوق النمارق
هم القوم ما للشيخ منهم لكهلهم * وما منهم في كهلهم للمراهق
وهذا ابنهم سلمان والفرع طيبه * يجي على مقدار طيب المعارق
إذا مسحت منه العلى وجه سابق * جلت من أبي محمود غرة لاحق
فتى علمه يحكي غزارة جوده * وما علم قوم غير محض التشادق
وقد قومت منه الإصابة رأيه * فكان لفتق الدهر أحزم راتق
ومنطيق فصل لو يشاء لسانه * لفل حدود الفاصلات البوارق
يحاكي بقطع الخصم أسياف قومه * فيمضى مضاها في الطلى والمرافق
ويطعنه في قلبه بنوافذ * نفوذ قناهم في قلوب الفيالق
أبا المصطفى أرغمت أنت وذو النهى * شقيقك في العلياء شم المناشق
لقد زنتما جيد العلى من بنيكما * بسمطي فريد في العلى متناسق
فيا قمرا سارت بذكر علائه * نجوم القوافي في سماء المهارق
إليك تعدت فكرتي كل فكرة * لما لم يكن فيه مجال محاذق
فجاءت من القول الذي انفردت به * بآيات نظم أفحمت كل ناطق
سلمت على الدنيا وفخرك مشرق * يضئ ضياء الشمس في كل شارق
لك الدهر عبد لا يرى المجد عتقه * ولا هو يلوي عنكم جيد آبق
وقال في مدح بعض الاشراف:
بقيتي هي بين الشوق والأرق * حشا تذوب وجفن غير منطبق
قد لون الدهر دمعي في تلونه * فانهل من أحمر قان ومن يقق
وقيدتني عن شأو حوادثه * وقلن دونك والغايات فاستبق
فكيف يسبق من كان الزمان له * قيدا يجاذبه عن رسنه الغلق
وهل يؤدي لخل حق خلته * (545)
يامن تعوذه في كل شارقة * أم السماح برب الناس والفلق
عذرا فداؤك في طرق الندى فئة * أرى المكارم فيهم وحشة الطرق
ما أبطأت عنك لا صدا ولا مللا * آيات شوق ولا الاعراض من خلقي
وكيف أغفل حقا أنت صاحبه * وكان ذلك فرضا لازما عنقي



545 بياض: في المخطوطتين والمطبوعتين.
26
وقال يمدح بيت الحاج محمد صالح كبه:
بيت مجد إن حوى شكر الورى * فعلى معروفه كانوا عيالا
لم يكن للجود إلا مطلعا * يملا العين هلالا فهلالا
وقال يمدح مدحت باشا وقد سأله ذلك الحاج مصطفى كبه:
أثنت عليك بأسرها الدول * وتشوقتك الأعصر الأول
وأعدت للأيام جدتها * فاليوم عمر الدهر مقتبل
وأرى الممالك يا ابن بجدتها * لك شكرها كنداك متصل
أوسعتها وفضلتها كرما * عنه يضيق السهل والجبل
وسبرت غور زمانها فغدا * لا جرح إلا وهو مندمل
ما في الحياة لخالع أمل * أنت الحمام وسيفك الاجل
من ذا يرد لعزمتيك شبا * وشباك يقطع قبل ما يصل
إن تنتعل قمم الملوك فقد * توجتهم بالفخر لو عقلوا
وطأت لك الدنيا بأخمصها * همم بساط نعالها القلل
ولئن أقمت بحيث أنت وقد * أمنت بك الأقطار والسبل
فالأرض حيث تجوسها بلد * والناس حيث تسوسها رجل
وإذا الصواهل أرعدت وعلى * برق الصوارم أمطر الأسل
وعلت رياح الموت خافقة * بأجش قسطله لها زجل
خضت السيوف وكلها لجج * تحت الرماح وكلها ظلل
وجنيت عز الملك محتكما * من حيث تنبت في الكلى الذبل
ولديك آراء مثقفة * ما مسها كمثقف خطل
فإذا طعنت بها العدى وصلت * منهم لحيث السمر لا تصل
وعزائم كالشهب ثاقبة * في كل ناحية لها شعل
قل للقبائل لا نعدكم * جمع القبائل كلها رجل
أسد قلوب عداه من فرق * ذهل ونابل فكره ثعل
فاطرح أحاديث الكرام له * فيه لكل منهم مثل
واترك تفاصيل الملوك فقد * أغنتك عنها هذه الجمل
يا ابن الوزارة أنت أوحدها * لا راعها بفراقك الثكل
ومن ادعى للعين ليس سوى * انسانها ابن تشهد المقل
فأقم وبدرك كامل أبدا * والبدر منتقص ومكتمل
في دولة صلحت وزارتها * لك فهي تحسدها بك الدول
وقال يمدح الحاج محمد رضا كبه في ضمن عتاب:
يا أمجد الناس فرعا * ينمي لامجد أصل
وقاتل المحل جودا * في كل أزمة محل
وابن القرى ولعمري * أبوك زاد المقل
لا يستشار سواه * في كل عقد وحل
والموقد النار ليلا * للطارق المستدل
مرفوعة وعليها * مراجل (546) الزاد تغلى
يمتد منها لسان * إلى السما متجلي
حتى يضي سناه * في كل حزن وسهل
يدعو الضيوف هلموا * إلى القرى، لمحلى
فيهتدي بسناه * إليه كل مضل
أكرم به من كريم * له انتهى كل فضل
والخلق منك ومنه * مثلان في غير مثل
هذا مجاجة (547) مسك * وذاك شهدة نحل
يفدي علاك ابن خفض * سار برجل ابن ذل
يبغي العلى وهو شيخ * هم بهمة طفل
وهل تنال الثريا * عفوا بباع أشل
وما له في طريق * العلياء موطئ رجل
ولا له حوض جود * يرجى لعل ونهل
إلا حقيقة بخل * تبدو بصورة بذل



546 المراجل: القدور.
547 المجاجة: العصارة.
27
وقال يمدح العلامة الشيخ محمد حسن الكاظمي:
قدمتك العلى وكنت زعيما * وقصارى رجائها أن يدوما
واستنابتك عن أكارم تقفو * هديهم والكريم يقفو الكريما
لم يزدك التعظيم منا جلالا * إذ لدى ذي الجلال كنت عظيما
لك فوق الأنام طود جلال * طائر الوهم حوله لن يحوما
ما تجلى به لك الحق إلا * وغدا يصفق الحسود وجوما
فالعجيب العجاب أنك موسى * ونرى من سواك كان الكليما
باسطا بالندى بنان يد بيضا * لم يغد طرفة مضموما
هي شكل للجود ينتج دأبا * وسواها قد جاء شكلا عقيما
أيها المسقم الحواسد غيظا * بالنهى كم شفيت فكرا سقيما
أنت لطف لكن تجسمت شخصا * فغدا منك الجسيم جسيما
كم لعام مسحت وجها بأندي * من وجوه الغر الغوادي أديما
تلك راح كم روحتنا وكف * كم بها الله كف عنا الهموما
علمتنا هي الثنا فانتقينا * من مزايا علاك درا يتيما
فلك الفضل إن نظمنا لأنا * منك نهدي إليك عقدا نظيما
عصم الله دينه بك يا من * كان من كل مأثم معصوما
لا أرى يملك الحسود سوى ما * إن عددناه كان فيه ذميما
بصرا خاسئا وكفا أشلا * وحشا ذاعرا وأنفا رغيما
قد تقلدتها إمامة عصر * سدت فيها الامام والمأموما
قدمت منك واحد العصر يا من * عاد نهج الرشاد فيه قويما
قدمت فيك ثاني الغيث كفا * ثالث النيرين وجها وسيما
قدمت منك يا أدل على الله * عليما ناهيك فيه عليما
قدمت يا أجس للحكم نبضا * منك طبا بالمعضلات حكيما
قد نظرنا بك الأئمة حلما * وحجى راسخا وفضلا عميما
وروينا في الدين عنك حديثا * ما روينا في الدين عنك قديما
بك منهم بدت مناقب غر * في سماء الهدى طلعن نجوما
هي طورا تكون رشدا لقوم * ولقوم تكون طورا رجوما
فأقم في علي ترى كل آن * مقعدا للعدو منها مقيما
لم يكن ودنا مقالا علكناه * كما يعلك الجواد الشكيما
بل وجدناك حجة الله فينا * فنهجنا صراطك المستقيما
ولنا اليوم أنت في الأرض ظل * وغدا نستظل فيك النعيما
وقال يمدحه أيضا ويعزيه بوفاة ولديه الشيخ علي والشيخ باقر: -
إليك وقد كلت علينا العزائم * سرت بتحيات المشوق النسائم
تحاكمن في دعوى التفوق بالشذا * إليك وكل طيبات نواعم
ولا مدع عني سوى خالص الهوى * ولا شاهد إلا العلى والمكارم
وأغلب ظني أن خلقك للتي * حكت طيبه وهي التحيات حاكم
أما وأياد أوجب المجد شكرها * بها لم تنب عن راحتيك الغمائم
لأنت الذي منه ترد أمورنا * إلى عالم ما فوقه اليوم عالم
إلى قائم بالحق داع إلى الهدى * له الله عما يكره الله عاصم
إلى خير أهل الأرض برا ونائلا * وأكرم من تثنى عليه الأكارم
منار هدى لولاه لاغتدت الورى * بمجهل غي ضمها وهو قاتم
وسيف هدى يمحو الضلالة حده * ويثبت منه في يد الدين قائم
وعار من الآثام عف ضميره * وكأس من التقوى من الذكر طاعم
وجدناه ما يأتي الزمان بمثله * وهل تلد الأيام وهي عقائم
فتى أظهر الله العظيم جلاله * وليس لما قد أظهر الله كاتم
وشاد برغم الحاسدين علاءه * وليس لما قد شاده الله هادم
وذو هيبة لو اشعر الليث خوفها * لما ثبتت في الأرض منه القوائم
وأردفها أخرى فكانت عظيمة * تهون لديها في الزمان العظائم
فصابرتها في الله وهي عظيمة * أقيمت لها فوق السماء المآتم
وحزت ثوابا لو يقسم في الورى * لحطت به في الحشر منها الجرائم
فأنت لعمري أصلب الناس كلها * قناة على لم تستلنها العواجم
وأوسع أهل الأرض حلما متى تضق * لدى الخطب من أهل الحلوم الحيازم
عنت لك أهل الكبرياء وقبلت * ثرى نعلك الحساد والأنف راغم
نرى علماء الدين حتفا تتابعوا * وحسب الهدى عنهم بأنك سالم
فأنت بهذا العصر للخير فاتح * وأنت به للعلم والحلم خاتم
وأنت لعمري البحر جودا ونائلا * وأنملك العشر الغيوث السواجم
فيا منفقا بالصالحات زمانه * فدا لك من تفنى سنيه المآثم
بقيت بقاء لا يحد بغاية * وأنت على حفظ الشريعة قائم
ولو قلت عمر الدهر عمرت خلتني * أسأت مقالي ذلك الدهر خادم
تنبه لي طرف التفاتك ناظرا * إلي وطرف الدهر عني نائم
فأدعو لنفسي إن أقل دم لأنني * تدوم لي النعما بأنك دائم
فما أنا لولا روض خلقك رائد * ولا أنا لولا برق بشرك شائم
ودونكها غراء تبسم لؤلؤا * من القول لم يلفظه بالفكر ناظم
فرائد من لفظ عجبت بأنني * أبا عذرها ادعى وهن يتائم
ومدره قول يغتدي ولسانه * لوجه الخصوم اللد بالخزي واسم
ينال بأطراف اليراع بنانه * من الخصم ما ليست تنال اللهاذم
فأقلامه حقا قنا الخط لا القنا * وآراؤه لا المرهفات الصوارم
حمى الله فيه حوزة الدين واغتدت * تصان لأهل الحق فيه المحارم
فيا منسيا بالجود معنا وحاتما * ألا إن معنى من معانيك حاتم
محياك صاح يمطر البشر دائما * وكفك بالجدوى لراجيك غائم
وتخفض جنحا قد سما بك فارتقى * إلى حيث لا بالنسر تسمو القوادم
تدارك فيه الله أحكام ملة * قد اندرست لولاك منها المعالم
ألا إن عين الدين أنت ضياؤها * وأنت لها من عائر الشرك عاصم
شهدت لأهل الفضل أنك خيرهم * شهادة من لم تتبعه اللوائم
وانك ظل الله والحجة التي * تدين لها أعرابها والأعاجم
وعندك جود يشهد الغيث أنه * هو الغيث لا ماجدن فيه الغمائم
يطب به الأعداء والداء معضل * وترقى به الأيام وهي أراقم
سبقت لتفريج العظائم في الورى * فخرت ثناها واقتفتك الأعاظم
وصادمت الجلي حشاك فلم يكن * ليأخذ منها خطبها المتفاقم
فلو لم يكن من رقة قلت مقسما * لقد قرع الصلد الملم المصادم
وبالأمس لما أحدث الدهر نكبة * إلى الان منها مدمع الفضل ساجم
تلقيتها بالحلم لا الصدر ضائق * وإن كبرت فيه ولا القلب واجم
وقال يمدح السيد عبد الرحمن النقيب (548) ضمن كتاب:
لي العذر كل لسان القلم * وجف بما فوق طرسي رسم
وعندي ولا عربي سواه * لسان بهذا المقام العجم
اكلفه نعت سعد السعود * ومن للثريا به وهو فم
وغاية وصفي له أن أقول: * يا علما ويقل العلم
تركت لناديه عد البقاع * وعديت عن قول هذا الحرم
كتركي له عد أفرادها * وكيف بتعداد خير النسم
وقلت أرى الأرض في مجلس * لمن تحت طي رداه الأمم
هو البدر لكنه للكمال * وبدر السما بين نقص وتم
من الماثلين بصدر الندى * رزان الحلوم رزان القمم
فيا من إذا غاب قال الحضور: * وان حضر القول كل أرم
منيت ابتداءا بدر المقال * ويا بحر بالطبع منك الكرم
نعم حق لي فيك شكر الزمان * فحسن اعتنائك أعلى النعم
ولكن عجزت فمالي يد * بما يستقل بهدى الحكم



548 السيد عبد الرحمن بن السيد علي بن السيد سلمان النقيب الكيلاني، تقلد النقابة
بعد أخيه عام 1915، وكان من سراة القوم ومشاهيرهم، له إحاطة بكثير من العلوم
والفنون، وكانت لديه مكتبة واسعة ضمت النوادر من الكتب، وقد ألف أول وزارة عراقية.
توفي عام 1945 ه‍، وخلف أولادا.
28
وقال يمدح بعض الاجلاء:
قد أصبح الدهر يجلو منظرا حسنا * من ليلة طوقت جيد العلى مننا
إلى كريمك قد زفت كريمته * فزفت الدهر والاقبال واليمنا
لقد غدت بهم (الزوراء) لابسة * ثوبا من الزهو فيه فاخرت (عدنا)
يا بن الذين يبارون الصبا كرما * والروض خلقا وأطراف القنا لسنا
وقال يمدح العلامة الكبير السيد مهدي القزويني وأنجاله:
حيتك بكر النظم غدوه * تجلو الثنا شغفا وصبوه
بنواصع من لفظها * مثل الشموس بزغن ضحوه
طربت لمدحك هيفها * فثنت معاطف ذات نشوه
جاءتك تشكر أنعما * سبقت إليها منك حلوه
أوقرتها مننا أتت * منك ابتداءا لا بدعوه
عن حملها ضعفت وفيها * أعطيت للسعي قوه
فأتت تقاصر عن خطاها * خطوة ثقلت فخطوه
ودعتك يا من ليس يحنو * والد أبدا حنوه
ماذا أقول بمدح من * فيه كتاب الله نوه
علم الهدى السامي الذي * لا تلحق العلماء شأوه
ورث الأئمة كلما * قد ورثوا من غير صفوه
فحوى جميع خصالهم * إلا الإمامة والنبوة
أمنازعيه رياسة * كل بها يبغي علوه
من أين أنتم إنما * إرث الأبوة للبنوه
بل مالكم في الاشتراك * مع ابن وحي الله حظوه
حيث الامام بكل عصر * واحد هو فيه قدوه
وإمامنا مهدي هذا * العصر نلجأ فيه نحوه
هذا بقية جده * هل فيكم تجدون كفوه
ورع جميع فعاله * لله لا لهوى وشهوه
لا مضمرا غشا عليه * بزبرج التقوى مموه
لكن تمحض للإله * تقى بكل ملا وخلوه
جار على حال بها * أضحى لأهل الدين أسوة
فاشدد يدك به فما * للدين أوثق منه عروة
كم فك من عان وكم * قد راش محصوصا بثروه
وصعاب أمر أسلست * مذ راضها من بعد نخوه
فهو ابن قوم لا تحل * لهم يد اللاواء حبوه
وأبو أطايب لم تقم * عن مثلهم في الدهر نسوه
قمر السماء أبوهم * شرفا وهم والشهب اخوه
ولدوا ببيت من بيوت * الوحي أعلاهن ذروه
وتراضعوا لبن الإمامة * فيه من ثدي النبوة
بيت لأبكار المكارم * كل يوم فيه جلوه
هو كعبة والجود * مشعره ومروته المروه
نعم المناخ بيوم ضيقة * فاقة وبليل شتوه
فازرع رجاك به تجده * كحبة نبتت بربروه
للجود فيه جعفر * كرما يعد البحر حسوه
ويريك لين يديه رقة * غاديات السحب قسوه
في كل يوم في حماه * لغارة الآمال غزوه
تسبي مواهبه بها * ويسر إذ يؤخذن عنوه
كم فاح من أعطافه * أرج الفخار بدار ندوه
ولكم إلى شرف جرى * وجرت بنو العلياء تلوه
فهووا وحلق يركب * الشعري العبور إليه صهوه
بشراك سائمة الرجاء * فلم ترى ما عشت جفوة
قد جاء أكرم من به * أمل العفاة أناخ نضوه
لقيت أخاها المكرمات * فلم تخف للبخل سطوه
هو ذاك نعم فتى السماحة * والسجاحة والفتوه
ماء الحياة لذي الهوى * ولقلب ذي الشحناء جذوه
ما إن سما لعلى تود * النيرات بها علوه
إلا التقى معه أخوه * (صالح) منها بذروه
هذا المنوه في المعالي * باسمه هذا المنوه
غيظ الحسود إذا بدا * شرق الخصيم إذا تفوه
فيه سمات الفضل تشهد * أنه في الفضل قدوه
تحكى شمائله شمائل * من غدا في المجد صنوه
روح الكمال (محمد) * أكرم به للمجد صفوه
هو و (الحسين) من العلا * كلاهما عنق وصهوه
ريحانتا شرف تضوع * منهما أرج النبوة
يا اخوة الشرف الرفيع * وبوركت تلك الاخوه
حيتكم بدوية * هي عن سواكم ذات نبوه
مخضت ثميلتها لكم * حلب الثناء صريح رغوه
وسقتكم منها مكافئة * على الاحسان صفوه
وإذا اكتست حلل القبول * فحق أن تختال زهوه

29
المراثي
قال - رحمه الله - يرثي الحاج مهدي كبه (549) ويعزي أباه الحاج محمد صالح:
غمضت بغتة جفون الفناء * فوق إنسان مقلة العلياء
وله نقبت بغاشية الحزن * محيا الدنيا يد النكباء (550)
حملت وقر عبئها كاهل الدهر * فأمسى يرغو (551) من الاعياء
نكبة لم تدع جليدا على الوجد * (552) ولا صابرا على اللاواء
ليت أم الخطوب تعقم ماذا * أنتجت بغتة من الارزاء؟!
ولدت حين عنست (553) هرما ما * لم تلد مثله بوقت الصباء
فأصابت يداه في حرم المجد * فؤاد العليا (554) بسهم القضاء
فقضت نحبها، وغير عجيب * قد أصيبت بأرأس الأعضاء
يا صريع الحمام صلى عليك * الله من نازل بربع الفناء
وسقى منه تربة ضمنت جسمك * غيث الغفران والنعماء
فحقير نوء الجفون وما قدر * جفون السحاب والأنواء
أين عيس المنون فيك (555) استقلت * بالحصيف المضفر (556) الآراء
ذهبت في معرس السفر جودا * وروى حوم الأماني الظماء
نعم رب الندى حلما إذا النكباء * طارت بحوبة الحلماء
نعم رب الحجى إذا أكل الطيش * حجى الحازمين في اللاواء
نعم رب الندى إذا كسع (557) الشول * بأغبارها عيال الشتاء
نعم رب القرى إذا هبت الريح * شمالا في الشتوة الغبراء
نعم رب الجفان ليلة يمسى * بضياهن مقمر الظلماء
يا عفاء الأنام شرقا وغربا * دونكم فاحتبوا بثوب العفاء
واقصروا أعين الرجاء قنوطا * من إليه تمتد في البأساء؟؟
وانحبوا عن حريق وجد لمن كان * عليكم أحنى من الاباء
(يستقل الحبا لكم إن وفدتم * ولو المشرقان بعض الحباء) (558)
لو بكته عيونكم وأفضن الا * بحر السبع والحيا في البكاء
لم تفوه معشار ما قد أفاضت * لكم راح كفه البيضاء
رحلوا العيس قاصدين ضريحا * فيه ما فيه من على وسخاء
واعقروا عنده وجل عن العقر * قلوبا مطلولة السوداء
جدث ماء عيشكم غاض فيه * فانضحوا فوقه دم الأحشاء
حل فيه من قد كفى (آدما) في * غيث جدواه عيلة الأبناء
(ليت شعري أنى دنا الموت منه * وهو في ربع عزة قعساء) (559)
(هل أتاه مسترفدا حين أعطى * ما حوته يداه للفقراء) (560)
ودت المكرمات أن تفتديه * ببنيها الأماجد الكرماء
هم مكان الجفون منها ولكن * هو في (561) عينها مكان الضياء
وهم في الحياة موتى ولكن * هو ميت يعد في الاحياء
فحبا نفسه الردى إذ (562) أتاه * مستميحا يمشي على استحياء
بعد ما عاشت العفاة زمانا * من نداه في أسبغ النعماء
علمت فقرها ولم تعلم * إليه الردى من الفقراء
يا عقيدي على الجوى كبر (563) الخطب * فأهون بالدمعة البيضاء
أجر من ذوب قلبك الدمعة الحمراء * حزنا في الوجنة الصفراء
عود صبري من اللحا قد تعرى * فانبذ الصبر لوعة في العراء (564)
إن تسلني عن ظلمة الكون لما * حلن أنوار أرضه والسماء
فهو أثواب ليل حزن دجاه * طبق الخافقين بالظلماء
قد خفقن النجوم منه بجنح * سام أنوارهن بالاطفاء
ولبدر الغبراء حال أخوه * بدر أهل الغبراء والخضراء
وإلى الشمس قد نعوه فماتت * جزعا من سماع صوت النعاء
وله غص بالمصاب ولما * يتنفس حتى قضى ابن ذكاء
وقف المجد ناشدا يوم أودي * شاحب الوجه كاسف الأضواء
هل ترى (صالحا) على الأرض لما * غاب فيها (المهدي) بدر العلاء
قلت خفض عليك من عظم الامر * ونهنه من لوعة البرحاء
ليس إلا (محمد صالح) يوجد * في الأرض من بني حواء
في التقى (565) والصلاح والزهد والخشية * والنسك بل وحسن الرجاء
هي في العالمين أجزاء لكن * هو كل لهذه الاجزاء
وبيوم المعاد لو لقي الخلق * بأعماله إله السماء
كان حقا أن يعدم النار إذ ليس * نصيب للنار في الأتقياء
ليس ينفك للجميل قريبا * وبعيدا عن خطة الفحشاء
ومهابا له على أعين الدهر * قضى الكبرياء بالاغضاء
وبليغا قد انتظمن معانيه * (566) بسلك الاعجاز للبلغاء
وفصيحا بنطقه يخرس (567) الدهر * فما قدر سائر الفصحاء
فارس المشكلات إن ندبوه * لبيان المقالة العوصاء
فهو من غر (568) لفظه يطعن الثغرة * منه بالحجة البيضاء
واحد الفضل ماله فيه ثان * غير (عبد الكريم) غيث العطاء
بعقود الثناء فخرا تحلى * وتحلت به عقود الثناء
الذكي الذي إذا قست أهل * الفضل (569) فيه كانوا من الأغنياء
والمصلى للمجد خلف (570) أخيه * في سباق الأشباه والنظراء
ضربا في العلى بعرق كريم * واحد دون سائر الأكفاء
ينتمي كل واحد منهما عند * انتساب الأبناء للآباء
للكرام الأكف تحسب فيهن * يذوب الغمام يوم السخاء (571)
معشر المجد، شيعة الشرف الباذخ، * بيض الوجوه خضر الفناء
قد حباهم (محمد) بجميل * الذكر إذ كان (صالح) الأبناء (572)
يقظ القلب في حياطة دين الله * حتى في حالة الاغفاء
ذو يمين بيضاء لم تتغير * بأثام (البيضاء) و (الصفراء)
يا عليما يصيب شاكلة الغيب * بتسديد (573) أسهم الآراء
وكظيما للحزن يطوي حشاه * جلدا فوق زفرة خرساء
لك ذلت عرامة (574) الدهر حتى * لك أمسى يعد في الوصفاء (575)
ملكت رقة يمينك فالعالم * من رقه من العتقاء
ولئن قد أساء فالعبد للمولى * مسي جهلا بغير اهتداء
أنت أطلقت أسر أعوامه الغبر * من الجدب بالندى والسخاء
فجنى ما جنى، وغير عجيب * إنما السوء عادة الطلقاء
ولئن كان مسخطا لك بالأمس * بهذي المصيبة الصماء
فلك اليوم في (محمد) الندب * (الرضا) عنه فهو أعلى الرضاء
ذو محيا كالبدر يقطر منه * مثل طل (576) الانداء ماء الحياء
وعلا هي السماء، مساعيه * نجوم لالاؤها بالضياء
ومزايا لم أرض نظمى فيها * ولو انى نظمت شهب السماء
أو فم الدهر كنت فيه لسانا * ناطقا ما بلغت بعض الثناء
دون احصائها الكلام تناهى * فغدت مستحيلة الاحصاء
تيمت (577) قلبه حسان المعالي * بهواهن، لا حسان الظباء
وعلى الخلق خلقه فاض بالبشر * فأزرى بالروضة الغناء
خلق شف، فالهواء كثيف * عنده إن قرنته بالهواء
أرضعته العلا ثديا وثديا * رضع (المصطفى) ابن أم العلا
فهما في الزمان يقتسمان * الفخر دون الورى بخط سواء
ألفت نفسه السماح فتيا * بوركا من فتوة وفتاء
وحوى الفضل يافع السن لما * فات شوط المشايخ العظماء
يا رحاب الصدور في كل خطب * وثقال الحلوم عند البلاء
لن تضلوا السبيل والبدر (هاد) * لكم في دجنة الغماء (578)
وأخوه (محمد) حلمكم فيه * حسين رأس لدى النكباء (579)
ولكم أوجه بكل مهم (580) * ليس منها يحول حسن الثناء
ونفوس إذا التقت بالرزايا * غير مضعوفة القوى باللقاء
وكملس الصفا قلوب لدى الخطب * بها رن (581) مقطع الارزاء
إن أسمكم حسن الأسى ولاضعاف * أساكم تضمنت أحشائي
فلكم بعضكم ببعض عزاء * ولنا فيكم جميل العزاء.



549 أكبر أولاد أبيه، وممن ذكره الشاعر في العقد المفصل فقال: كان مذ ترعرع فريد
زمانه، في كرمه واحسانه، وواحد عصره، في شرف نفسه وفخره، قد برع في البلاغة
والفصاحة، واشتهر من كرم أخلاقه بالسجاحة والسماحة، جامعا بين نباهة الفكر، وجلالة
القدر، ولد عام 1219 ه‍. وتوفي في إيران عام 1271 ه‍ وحمل جثمانه إلى النجف، وقد
أثبتنا تأريخ وفاته في باب التاريخيات.
550 في الديوان المطبوع الغماء.
551 وفيه: يزغو.
552 وفي العقد المفصل: على الخطب.
553 وفي المطبوع: غلت.
554 وفي نسخة: العلى.
555 وفي نسخة: منك.
556 كذا في الأصل، ولعله يريد المحكم الرأي من ضفر بمعنى شد واحكم.
557 كسع الناقة بنيرها، ترك في ضرعها بقية من اللبن، والشول: جمع شائله وهي من
الإبل التي خف لبنها بعد مرور مده على حملها ووضعها.
558 هذه الأبيات من زيادات العقد المفصل.
559 هذه الأبيات من زيادات العقد المفصل.
560 هذه الأبيات من زيادات العقد المفصل.
561 وفي نسخة: من.
562 وفي نسخة: مذ.
563 وفي نسخة: عظم الخطب.
564 وفي نسخة: بالعراء.
565 وفي نسخة: فالتقى.
566 وفي نسخة: معاليه.
567 في العقد المفصل: أخرس.
568 وفي نسخة: عز.
569 وفي الديوان المطبوع: أهل الأرض.
570 وفيه أيضا: بعد.
571 يقصد قبيلة ربيعة التي ينتسب لها آل كبه.
572 وفي مخطوطة الملا: الاباء.
573 في الديوان المطبوع: بتشديد، وهو غلط.
574 عرامة: وهي الشدة، وفي المطبوع غرامية.
575 الوصفاء: الخدم.
576 في المطبوع: ظل.
577 تيمت استعبدت. شغفت.
578 وفي المطبوع: الظلماء.
579 يشير إلى عبد الهادي ومحمد حسين أبناء الحاج محمد رضا.
580 في المطبوع: ملم.
581 وفيه أيضا: يهادن.
30
582 لم تثبت هذه المقطوعة في الديوان المطبوع، وقد ذكر وفاة هذا الطفل الصغير في
(العقد المفصل) انها في سنة 1266 ه‍.
وقال يرثي طفلا له صغيرا (582):
هل يطربنك يا زمان نعائي؟ * أم أنك استعذبت ماء بكائي؟
في كل يوم منك ألقي شدة * ولأنت يوما شدة ورخاء
لا زلت ملحم غارة الارزاء * أو حاشدا جيشا من النكباء
حتى أصبت صميم قلبي بغتة * وطرقتني بفجيعة صماء
لم تبق لي جلدا، وكنت أخالني * جلدا بكل ملمة دهياء
ومعنف طرب المسامع ما رمى * عينيه صرف الدهر بالأقذاء
قد لا مني - وحشاه بين ضلوعه - * والأرض مطبقة على أحشائي
أمعيب حزني لو ملكت تجلدي * ما بت أمزج أدمعي ببكائي
أبني لو خلع البقاء على أمري * لخلعت من شغف عليك بقائي
مغف قد امتلأت ردي بدل الكرى * عيناك فاقد لذة الاغفاء
داء ترحل فيك غني معقب * في مهجتي للوجد أقتل داء
لهفي عليك بكل حين أبتغي * فيه لقاك ولات حين لقاء
ولئن حجبت بحيث أنت من الثرى * عن ناظري فأنت في أحشائي
قربت بك الذكرى وفيك نأى الردى * نفسي فداؤك من قريب ناء
لو مت من أسفي عليك فلم يكن * عجبا، ولكن العجيب بقائي
لا زال قبر ضم جسمك تربه * متنسما بلطائم الانداء
ولئن أبت حيث استقل بك الردى * ان تستهل حوافل الأنواء
فحدت إليك على البعاد مدامعي * غيثا جنوب تنفس الصعداء
وقال يرثي كريمة العلامة الكبير السيد مهدي القزويني ويعزيه وأولاده بوفاتها: -
كفأ الاله إناءها * دنيا أطلت هجاءها
سلني بها فلقد قتلت * بخبرتي أنباءها
وحلبت أشطرها معا * ومعا مخضت سقاءها
ولها مواضع نقبها * ثقة وضعت هناءها
فالآن أنطق ان سبرن * تجاربي آناءها (583)
هي من خبرت طباعها * لما خطيت وراءها
فوجدت فاركة وقلت * أرى الطلاق دواءها
عنها إليك فإنها * تدع القلوب وراءها
لا تعزمن بها البناء * ودع لها أبناءها
ذات التلون ما أقل * على الصفاء وفاءها
قلب الخدائع كلها * غمست بهن دلاءها
كم أنفس ملكت بزبرج * حسنها أهواءها
دهياء إلا أنها * جهل الأنام دهاءها
أبدا تدب بها الهموم * إلى النفوس ضراءها
خبأت خشونة غدرها * لمن استلان وطاءها
كالصل: لكن لا يصيب * لديغها رقاءها
خرقاء تدعي بالصناع * يدا، فدع خرقاءها
لا ترج نائلها، فكم * قطعت يدا ورجاءها
وبهدم عمرك قد سعت * فلن نريد (584) بناءها؟
اليوم ترشف زهوها * وغدا تعالج داءها
ما إن حمدت صباحها * إلا ذممت مساءها
دار الفجايع، والروايع * ما أشق عناءها!!
يا ناعما حتى كأنك * لم تخف بأساءها
لا تطلبن بها البقاء * فقد عرفت فناءها
ولقد سمعت وكان أفضع * ما سمعت نداءها
أبني التي أكلت * بأضراس البلا أبناءها؟
أو ما كفاكم أنها * سقت الردى أكفاءها؟
طوت المقاول كلها * وتحيفت أذواءها (585)
ولكم سعت ببشارة * لبس الزمان بهاءها
فغدت على إثر البشير * بها تطيل نعاءها
ولكم دعت (بكريمة) * والموت كان دعاءها
فاستودعت جدثا أرى * منه أضم خباءها
وأرى الخفارة (586) خدرها * وعفافها، وحياءها
وأراك في دار المكارم * ما أجل عزاءها
مرضت له اليوم السماء * بكاسف أضواءها
وبكت لغلة من بهم * سقت البسيطة ماءها
والأرض أضحت تقشعر * بمرجف غبراءها
رجت (587) لوجد الممسكين * بحلمهم أرجاءها
وعرا القذا عين الزمان * لمن جلوا أقذاءها
يا خجلة الدنيا لما * لقيت به عظماءها
وغلطت فيما قلت، بل * يا ما أقل حياءها
أو ما على دار النبوة * تابعت أرزاءها؟
صدعت بهن حشا الهدى * صدع الردى أحشاءها
كم مر من يوم * نوايحه تعط (588) ملاءها
فأتى بقارعة تزلزل * أرضها وسماءها
طرقت حمى الدار التي * لبس الورى نعماءها
دار بها فتح الرشاد * بخاتم علماءها
السيد (المهدي) أكرم * من وطا حصباءها
منه بواحدها الشريعة * كاثرت أعداءها
هذا الذي ببقائه * حفظ الاله بقاءها
للفضل ما ارتفعت سما * إلا وكان ذكاءها
هو آية الله التي * كست الهدى لالاءها
وأبو كواكب لا تضئ * النيرات ضياءها
أنوار وحي لا رأت * عين الهدى إطفاءها
ونفوس قدس قل أن * تغدو النفوس فداءها
هم أسرة الدين التي * فرض الاله ولاءها
ولها بواجب ودها * صفت القلوب صفاءها
بسطت على الدنيا أكفا * ما تغب سخاءها
وسرت بفضلهم الروا * ة ففصلت أنباءها
وروت (بجعفرهم) لحائمة * الرجاء رواءها
ذاك الذي نشرت عليه * المكرمات لواءها
ومشى على قدم غدا * وجه الحسود حذاءها
ناهيك (589) من قمر على * الدنيا أعاد بهاءها
من بعد ما لبست لفقد * كرامها ظلماءها
هو للزعامة (صالح) * شرفا رقى علياءها
ما حيلتي؟ فله مناقب * أفحمت شعراءها
لو أستطيع إذا نظمت * من النجوم ثناءها
فهو الذي في ظله * رأت الورى استذراءها (590)
واستدفعت فيه - على * أن لا مغيث - بلاءها
واستكشفت عنها بوجه * (محمد) غماءها
وعيونها (بحسينها) * رمقت وكان ضياءها
بيض الوجوه غطارف * نسج الفخار رداءها
في الشتوة الغبراء لا * تغني الكرام غناءها
من دوحة وجدت بما * المكرمات رواءها (591)
نشأت تظلل في الورى * أفنانها أفياءها (592)
أبني الزمان دعوا كواكب * هاشم وسماءها
فيؤا إليكم عن علا * لهم الاله أفاءها
يا أسرة خدمت * ملائكة السما آباءها
فطر الاله من الجبال * حلومها وعلاءها
لو تفرشون بقدركم * لفرشتم خضراءها
أو لستم المتجاوزين * بمجدكم جوزاءها
امناء دين الله سادة * خلقه امناءها (593)
بين الاله وبينها * وجدتكم سفراءها
ركبت سحابة رحمة * من ذي الرياح رخاءها (594)
وسرت على الدنيا من * الفردوس تحمل ماءها
فسقت ضريحا عنكم * ختمت به أرزاءها



583 وفي نسخة: أبناءها.
584 وفي المطبوع: تريد.
585 المقاول: جمع مقول وهو القيل بلغة أهل اليمن، والأذواء: ملوك اليمن لتقدم
(ذو) على أسمائهم مثل ذو يزن وذو نواس.
586 الخفارة: شدة الحياء.
587 في الديوان المطبوع: رحبت.
588 عط: شق، الملاء: الثياب.
589 ناهيك: كلمة تعجب تستعمل في المدح العالي.
590 الاستذراء: الاستظلال، الالتجاء.
591 في الديوان المطبوع: نماءها.
592 في الديوان المطبوع: افناءها.
593 في نسخة: امراءها.
594 الرخاء: ريح لينة الهبوب.
31
وقال يرثي السيد علي النقيب ضمن كتاب كتبه عن لسان العلامة السيد مهدي القزويني: -
قد علمنا فقر العفاة إليه * أفكان الردى من الفقراء؟
فجاه بنفسه مذ أتاه * مستميحا يمشي على استحياء
غسلوه والمكرمات تنادى * بينهم لا تغسلوه بماء
وإليكم عنه (595) فإني أولى * منكم بالكريم من أبنائي
ليس لي حاجة إليكم جمعيا * إنما عنكم بعيني غنائي
هدبها السدر والبياض حنوط * والزلال القراح ماء بكائي
وكفاني بجفنها كفنا يضفو * على جسمه المسجى أزائي
ودعوا قبره فمقلتي القبر * لانسان عيني البيضاء



595 في الديوان المخطوط: عني.
32
وقال راثيا العلامة السيد ميرزا صالح القزويني ومعزيا أخويه العلامة السيد محمد
والعلامة السيد حسين: -
ومجدك ما خلت (596) الردى منك يقرب * لأنك في صدر الردى منه أهيب (597)
أصابك، لا من حيث تخشى سهامه * عليك، ولا من حيث يقوى فيشغب (598)
ولكن رمى من غرة ما أصابها * بمثلك رام منه يرمي فيعطب
وما خلت منك الداء يبلغ ما أرى * لأنك للدهر الدواء المجرب
ولا في فراش السقم قدرت أنني * أرى منك طودا بالأكف يقلب
أمنت عليك النائبات، وانها * لعن كل من آمنته تتنكب
وقلت شغلن الدهر في كل لحظة * مواهب كفيك التي ليس توهب
ولم أدر أن الخطب يجمع وثبة * وان عشار الموت بالثكل مقرب (599)
إلى حين أردتني بفقدك ليلة * تولد منها يوم حزن عصبصب (600)
فقام بك الناعي وقال وللأسى * بكل حشا يدميه ظفر ومخلب
هلم بني الدنيا جميعا إلى التي * تزلزل منها اليوم شرق ومغرب
شكاة، ولكن في حشا المجد داؤها * وندب ولكن (هاشم) فيه تندب
صه أيها الناعي فنعيك يعطب * عضضت الصفا لابل حشا فاك إثلب (601)
لسانك يا جفت لهاتك فنعيك أو غدت * بريق الأفاعي لا بريقك ترطب
رويدك رفة عن حشاشة أنفس * هفت جزعا (602) عما تعمى وتعرب
فدع (صالحا) لي وانع من شئت إنها * ستذهب أحشاء الهدى حين يذهب
فليتك لي في نعيك الناس كلها * صدقت وفي فرد (هو الناس) تكذب
وداع دعا والرشد يقبر والهدى * يسوف ثرى واراه والوحي ينحب
ألا تلكم الأملاك شعثا تزاحموا * على من؟ فهل منهم توارى مقرب؟
أمستعظم الأملاك لا بل هو الذي * إلى الله فيه كلهم يتقرب
لقد رفعوا منه مناكب لم يكن (603) * لينهض، لولا الله، فيهن منكب
مناكب من جسم (النبوة) حملت * (إمامة) حق فضلها ليس يحسب
لقد دفنوا في دفنها العلم ميتا * وحسبك نار (604) في الجوانح تلهب
ويا رافدي اليوم قوما على ثرى * توارى به ذاك الأغر المهذب
قفا عزيا (المهدي) بابن هو الأب * لذي (605) الدين، فالدين اليتيم المترب
سلا كشب ذاك القبر يندي صعيده * بري بنى الآمال هل راح ينضب؟
وهل روضت خصبا بكف عهدتها * تنوب مناب الغيث والعام مجدب؟
وهل زال من ذاك المحيا وضاؤه * فقد راح وجه الدهر للحشر (606) يشحب؟
ضعي هاشم سرج العلى) وترجلي * فما لك في ظهر من العز مركب
ودونك تقليب الأكف تعللا * فقد فات (607) منك المشرفي المذرب
ويا ناهبي دمعي اعذراني على البكا * فما الناس إلا عاذل ومؤنب (608)
قفا واندبا أو خلياني ووقفة * يدك الرواسي شجوها حين أندب
أجامع شمل الدين شعب صدعه * ليومك صدع في الهدى ليس يشعب
وأعجب شئ أن نعشك في السما * ومنك توارى في ثرى الأرض كوكب
رمتك بها أيدي المقادير علة * عييت بها ما طبها متطبب
رجونا وقد أكدى (الرجاء المخيب) * نهنيك منها بالشفاء ونطرب (609)
ونجلس زهوا مستعدين للهنا * بناد به الأمثال في الفخر تضرب (610)
بحيث قلوب الناس، هذا منعم * سرورا بإنشادي، وهذا معذب
بل قد جلسنا مجلسا ودت السما * أسرتها (611) من شهبها فيه تنصب
كأنا تأهبنا لاوبة مقبل * وكان ليأس منك هذا التأهب
وهل أمل في عود من ذهبت به * بقاطعة الآمال عنقاه مغرب؟ (612)
وأقتل ما لاقيته فيك أنني * حضرت ومنك الشخص ناء مغيب
وعندي مما أسأر (613) البين لوعة * تجد بأحناء الضلوع وتلعب
أقلب طرفي لا أرى لك طلعة * يضيء بها هذا الندي المطيب
وأنصب سمعي لامتداحك لا أعي * به خاطبا بين السماطين (614) يخطب
ومما شجاني أن بدا المجد ماثلا * يصعد مثلي طرفه ويصوب (615)
وقال: وأرخاها جفونا كليلة * برغمي خلا منك الرواق المحجب
رزيت أخا إن أحدث الدهر جفوة * عتبت بها (616) فارتد لي وهو معتب
وددت بأن تبقى، وأن لك الردى * فداءا بمن فوق البسيطة يذهب
حجبت عن الدنيا، ولو تملك المنى * إذن لتمنت في ضريحك تحجب
فلا نفضت عن رأسها ترب مأتم * وخدك من تحت الصعيد مترب
ثكلتك بسام المحيا طليقه * فبعدك وجه الدهر جهم مقطب
أوجهك حيا أم بنانك أرطب؟ * وذكرك ميتا أم حنوطك أطيب؟
وما نزعوه عنك أم ما لبسته * لدار البلى أنقى جيوبا وأقشب؟
سأبكيك دهرا بالقوافي ولم أقل * من اليأس وجدا ما يقول المؤنب
لسان القوافي باسم من بعد تخطب * فلا سمع بعد اليوم للمدح يطرب؟
مضى من له كن القرائح برهة * إذا استولدتها قالة الشعر تنجب
أجل فلها في المجد خير بقية * لها الفضل يعزي والمكارم تنسب
لئن عزبت تلك الخواطر نبوة * فلا عن ثناهم، والخواطر تعزب (617)
وإن رغبت عن نظمها الشعر في الورى * فليس لها عن أهل ذا البيت مرغب
مضى من له كانت تهذب مدحها * وأبقى الذي في مدحه تتهذب
لئن أغرب المطري بذكر (محمد) (618) * فما انفك في كسب المحامد يغرب
فتى تقف الأكفاء دون سماطه * وقوف بني الآمال ترجو وترهب
أقل علاه أن أذيال فخره * لهن على هام المجرة مسحب
زعيم قريش، والزعامة فيهم * من الله في الدنيا وفي الدين منصب
حمولا (619) لاعباء الرياسة ناهضا * بأثقالها في الحق يرضى ويغضب
يقلب في النادي أنامل سؤدد * مقبلها زهوا يتيه ويعجب
إذا احتلبت يوما أرت أضرع الحيا * على بعد عهد بالحيا كيف تحلب
أخف (620) من الأرواح طبعا وإنه * لذو همة من ثقلها الدهر متعب
له شيم، لو كان للدهر بعضها * لاضحى إلينا الدهر وهو محبب
وخلق، فلو لا إن في الخمر سورة (621) * لقلت الحميا منه في الكأس تسكب
لنعم زعيم القوم إن يثر لم يكن * ليلبس إلا ما الندى منه يسلب
لنعم شريك السحب يبسط مثلها * بنانا (622) به روض المكارم معشب
تهذب أخلاق السحاب، وإنها * متى يجن هذا الدهر نعم المؤدب
ترى وفده منه تطيف بمورق * على جود كفيه الرجاء المشذب
فقد عرست حيث الندى، لا سحابه * جهام ولا برق المكارم خلب
(أبا القاسم) إسمع لا وعى لك مسمع * سوى مدح ليست لغيرك تخطب
تجلببت ثوب الدهر، فابق ومثله * بودي إذا أخلقته تتجلبب
لئن ضاق رحب الأرض في عظم رزئكم * فصدرك منه أي وعلياك أرحب
وحلمك أرسى من هضاب (يلملم) * وعودك من ناب العواجم أصلب
وما حل رز عزم (623) من شد أزره * أخ (كحسين) والأخ الضرب يطلب
فتى الحزم أما في النهى فهو واحد * ولكنه في موكب الحزم (624) موكب
إذا القوم جدوا في احتيال فحول * وإن قلبوا ظهر المجن فقلب (625)
وإن غالب الخطب الورى فقريعه * أخو نجدة ما بين برديه أغلب (626)
فلو شحذت (فهر) بحد لسانه * صوارمها ماكل منهن مضرب
ولو تنتضي منه اللسان لصممت * بأقطع من أسيافها حين تضرب
يصافي بأخلاق يروقك أنها * هي الراح إلا أنها ليس تقطب
تواضع حتى صار يمشي على الثرى * وبيت علاه في السماء مطنب
قرى ضيفه قبل القرى بشر وجهه * وقبل نزول النزل (627) أهل ومرحب
إذا احتلب السحب النسيم فكفه * على الوفد طبعا جودها يتحلب
ألا مبلغ عني الغداة رسالة * للحد أبى (الهادي) يقول فيطنب
(أبا حسن) إن تمس دارك والسما * سمائين في أفقيهما الشهب تثقب
فتلك السما سعد ونحس نجومها * على أنها بعض عن البعض أجنب
وهذي السما للسعد كل نجومها * ويخلف فيها كوكبا منه كوكب
فلو عاد للدنيا بشخصك عائد * لأبصرت فيها ما يسر ويعجب
فمن وجهك (الهادي) تروق بمنظر * لها (حسن) والحمد بالحسن يكسب (628)
و (أحمد) فيها من بهائك لامعا * لوفدك فيه عازب الانس يجلب (629)
بكل ابن مجد ما نضا بردة الصبا * على أنه فيها لأضيافه أب
أخو الحزم إما قسته في لداته * فطفل، وإن مارسته فهو أشيب
بنوك بنو العلياء أنجبت فيهم * لك الله هل تدري بمن أنت منجب؟
غطارفة لا تعقب الشمس مثلهم * ولو أنها في أفقها منك تعقب
ذوو غرر يجلو الغياهب ضوؤها * وغيرهم في عين رائيه غيهب
أأهل النفوس الغالبيات مولدا * لأنتم على كسب المكارم أغلب
رقاق حواشي الطبع، طبتم شمائلا * بها أرج من نفحة المسك أطيب
لكم خلقا مجد، فذلك للعدى * يمر، وهذا للمحبين يعذب
طبعتم سيوفا لم يلق لنجادها * سوى منكب المجد المؤثل منكب
وطنبتم أبيات فخر أبي العلى * لكم عوضا عنها النجوم تطنب
فما تلك إلا زينة لسمائها * وهذي بفرق المجد للوحي تضرب
فدونكموها ثاكلا قد تسلبت * ووشئ بهاء زانها ليس يسلب
أتت لكم عذراء في ريق الصبا * بعصر سواها فيه شمطاء ثيب
فداكم من الارزاء حاسد مجدكم * وإلا ففيكم عاش وهو معذب
طلعتم طلوع الشمس في مشرق العلى * فلا تغربوا ما الشمس تبدو وتغرب



596 في الديوان المطبوع: خفت.
597 حدثني الشيخ قاسم الملا الحلي ان هذه القصيدة مطلعها:
رواق العلى أبن المليك المحجب * لمن بعده تلك الأسرة تنصب
غير أن الشاعر أعرض عنه بالنظر إلى أن المعزى أخوه العلامة السيد محمد القزويني وهو
علم جهبذ ولأنه خاف من أن يكون ذلك كتعريض به.
598 يشغب: يهيج (للشر). وفي نسخة: يشعب.
599 العشار المقرب: الإبل الحوامل قريبة الوضع.
600 العصبصب: اليوم الشديد الحر أو الشديد مطلقا.
601 اثلب: فتات الحجارة والتراب جمع أثالب.
602 في المطبوع: فزعا مما.
603 في المطبوع: تكن.
604 وفيه أيضا: وحسبك نارا.
605 وفيه أيضا: لذا.
606 وفيه أيضا: للبعث يسحب.
607 في مخطوطة الملا: مات.
608 في المطبوع: عاذل أو مؤنب.
609 في المطبوع: فتطرب.
610 وفيه: بالفخر تضرب.
611 وفيه أيضا: أسرته.
612 العنقاء: اسم طائر مجهول المسمى، ومغرب صفة لها: أي أغربت ونأت في البلاد.
613 يقال اسأر الحاسب في حسابه أي لم يستقصي، وأسأر: أبقى.
614 السماطين: الصفين.
615 التصويب: ضد التصعيد.
616 في المطبوع: عتبت به.
617 تعزب: تذهب.
618 يقصد السيد محمد بن السيد مهدي القزويني الكبير، ترجمت له في كتابي (شعراء
الحلة) ج 5 ص 238 - 279.
619 وفي المطبوع: حمول لأعباء الرسالة ناهض.
620 في الديوان المطبوع: على.
621 السورة: الحدة، أي حدة الخمر.
622 وفي الديوان المطبوع: بيانا.
623 وفي مخطوطة الملا: حزم.
624 وفي المطبوع: الفخر.
625 الحول للقلب: كثير التصرف في الأمور، وقلب له ظهر المجن: إذا تحول عن الصداقة
للعداوة.
626 القريع: الذي يغلب في المقارعة، أخو النجدة: البطل الشهم.
627 في الديوان المطبوع: النزل النزل.
628 الهادي والحسن، علمان ملء السمع والبصر، وهما ولدا المرثي السيد صالح.
629 أحمد: هو ثالث أنجال المرثي. كان شاعرا فاضلا، ولد في الحلة عام 1287 ه‍ وتوفي
في النجف عام 1324 ه‍ ترجمت له في شعراء الحلة ج 1 ص 72 ط 1 و 104 ط 2.
33
وقال راثيا كريمة الحاج محمد صالح كبه: -
لحي الله دهرا لو يميل إلى العتبى (630) * لأوسعت بعد اليوم مسمعه عتبا
ولكنه والشر حشو إهابه * على شغبه إن قلت مهلا يزد شغبا
له السوء لم يلبس أخا الفضل نعمة * يسر بها إلا أعد لها السلبا
على الحر ملأن من الضغن قلبه * فبالهم منه لم يزل ينحت القلبا
يطل عليه كل يوم وليلة * بقارعة من صرفه تقلع (631) الهضبا
كأن كرام الناس في حلقه شجا * وإلا قذى يدمى لناضره غربا (632)
فيلفظهم كيما يسيغ شرابه * وتطبق عيناه على هدبه الهدبا
وحاربهم من غير ذنب لنقصه * فلست أرى غير الكمال له ذنبا
كأن له يا أعدم الله ظله * لديهم تراثا فهو لا يبرح الحربا
وأصعب حرب منه يوم صروفه * من الشرف السامي ارتقت مرتقى صعبا
تخطت حمى العلياء حتى انتهت به * إلى حرم للخطب يشعره رعبا
فما نهنهت دون الوقوف على خبا * ضربن المعالي فوق رتبته (633) حجبا
ولا صدرت إلا بنفس نجيبة * عليها مدى (634) الدهر العلى صرخت غضبى
أسر لها الناعي المفجع نعيها * فقامت عليها (635) تعلن النوح والندبا
وهون فقدان النساء مؤنب * يعيب الأسى لو شئت أوسعته ثلبا
وهون فقدان الرجال وعنده (636) * على زعمه فيما يرى هون الخطبا
وما كل فقدان النساء بهين * ولا كل فقدان الرجال يرى صعبا
فكم ذات خدر كان أولى بها البقا * وكم رجل أولى بأن يسكن التربا
وغير ملوم من يبيت لفقده * كريمته يستشعر الحزن والندبا
فكم من أب زانته عفة بنته * وكم ولد قد شان والده الندبا
فساقت بمأثور الحديث له (637) الثنا * وساق بمأثور الملام له السبا
بل الخطب فقد الأنجبين، ومن له * بذلك؟ لولا أنها تلد النجبا
وربة نسك بضعة من (محمد) * مضت ما زهت يوما ولا اتخذت تربا
غداة قضى عن أهلها الدهر بعدها * وأوحشها من لا ترى من ذوي القربى
وأخرجها من عالم الكون مثلما * له دخلت، لم تقترف أبدا ذنبا
أحب إله العالمين جوارها * له فقضى بالموت منه لها قربا
حليفة زهد ما تصدت لزينة * ولا عرفت في الدهر لهوا ولا لعبا
وخبأها فرط الحياء فلم تكن * تصافح وجه الأرض أذيالها سحبا
فلو أن عين الشمس تقسم أنها * لها ما رأت شخصا لما حلفت كذبا
وغير حجاب الخدر والقبر ما رأت * ولا شاهدت شرقا لدنيا ولا غربا
فلم تدر إلا بالسماع حياتها * وجاء سماعا أنها قضت النحبا
وأما هي العنقاء قلت فصادق * ولكن مقام الاحترام لها يأبى
وما هي إلا بضعة من (محمد) * أجل بني الدنيا وأعلاهم كعبا
وأرحبهم بيتا، وأوسعهم قرى * وأطولهم باعا وأرجحهم لبا
رطيب (638) ثرى منه تحي وفوده * محيا بأنداء الحيا لم يزل رطبا
وتلمس منه أنملا هن للندى * سحائب فيها علم المطر السحبا (639)
ولو نسبت شهب السماء بأنها * بنوه إذن تاهت بنسبتها عجبا
غدا مركزا للفضل ما لفضيلة (640) * جرى فلك إلا وكان له قطبا
له حببت كسب الثناء سجية * بها وهو طفل نفسه شغفت حبا
وأحرزها (عبد الكريم) شقيقه * فأصبح في كسب الثنا مغرما صبا
على أنه البحر المحيط وولده * جداول جود كان موردها عذبا
(رضا) الفخر (هادي) المكرمات و (مصطفى)
جميع بني العلياء ندب (641) حكى ندبا
غطارفة زهر الوجوه لو أنهم * بها قابلوا شهب السما (642) أطفأ والشهبا
بني المصطفى أنتم معادن للتقى * وأرجح أرباب النهى والحجى لبا
رقى صبركم (643) أفعى الخطوب فلم تكن * لتضجركم يوما ولو أوجعت لسبا (644)
فلا طرقتكم نكبة بعد هذه * ولا ساور التبريح يوما لكم قلبا



630 العتبى: الرضا.
631 في المطبوع: تصدع.
632 الغرب: شدة دمع العين.
633 في مخطوطة الملا: رتبه، ولا وجه له.
634 في المطبوع: على.
635 في مخطوطة الملا: عليه.
636 في المطبوع: يرى الخطب فقدان الرجال وعنده.
637 في مخطوطة الملا: لها في الصدر والعجز وتكرار الحديث أيضا.
638 في مخطوطة الملا: تطيب.
639 في رواية: السكبا.
640 في المطبوع: لا لفضيلة.
641 في المطبوع: ندبا حكى ندبا.
642 وفيه: الدجا.
643 وفيه: صبرهم.
644 السب: اللدغ، اللسع.
34
عنوان وقال راثيا العلامة الكبير الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر صاحب جواهر
الكلام (645): -
أظلم شرق الدنيا ومغربها * لما توارى في الترب كوكبها
وكادت السبعة الطباق معا * تطوى وكاد الفناء يعقبها
والأرض في أهلها قد اضطربت * وأوشك الاضطراب يقلبها
والناس في حيرة بأجمعها * لم تدر في الأرض أين مذهبها
أوهت صفاة الاسلام حادثة * حق لكل الأنام تندبها
قد قصمت عروة التقى وعلى * أفق سما الدين مد غيهبها
فغودرت جاهلية ومن * الرشاد لا مرشد يقربها
قد عاد أهل الالحاد ينتهز الفرصة * منهم من كان يرقبها
وراح راعي الضلال ممتريا * ضرع لبون الفساد يحلبها
اليوم قضب الحمام طبق في * مفاصل المكرمات مقضبها
جذ بها (646) كفها وجب به * سنامها بل وفل مضربها
اليوم أودى (محمد حسن) * الأفعال أزكى الأنام أطيبها
إن ناح حزنا عليه مشرقها * جاد به بالنياح مغربها
أرفع كل الورى مقام على * معظم للثناء أكسبها
أسمحها راحة وأحسنها * خلقا وخلقا للمدح أجلبها
أبلغها في المقال، أعلمها * أطيب منها فرعا وأنجبها
أربط منها جأشا وأوقرها * حولها في الخطوب قلبها
قد ضل إلا إليه وافدها * وضاق إلا عليه مطلبها
إن شمل العالم العقوق معا * أو كاد جهل الأنام يغلبها
فذاك في حلمه يدبره * وذي بأخلاقه يؤدبها
لنفسه ما يزال في طلب الراحة * يوم المعاد يتعبها
في طاعة الله كان يجهدها * وفي رضاء الاله يغضبها
من مرديات الهوى ينزهها * وعن دنايا الأمور يحجبها
مرتبة زاحم النجوم على * الأفق لفرط العلو منكبها
فهم على المشكلات يطلعه * ليس عليه يخفي مغيبها
لو قارعته الخطوب مجهدة * لهان منها عليه أصعبها
وإن عر الخلق حادث جلل * فالناس طرا إليه مهربا
فيا لها من رزية عظمت * أهونها قاتل وأصعبها
صبرا جميلا على غروب ذكا * كان بخير الجنان مغربها
وان قبرا قد حله (حسن) * أزكى أراضي الدنيا وأطيبها
لقبره استقى سحاب حيا * والسحب من راحتيه صيبها



645 أشهر مشاهير زعماء الدين في عصره، وجد الأسرة الجواهرية في النجف، وقد صار
مرجعا دينيا. ألف كتابه الكبير (جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام) بدأ بتأليفه
عام 1230 ه‍ وانتهى منه عام 1257 ه‍ وله غيره من الكتب الجليلة. توفي عام 1266 ه‍
ودفن بمقبرته الخاصة في محلة العمارة في النجف. وكان يوم وفاته مشهودا، رثاه فريق
من مشاهير شعراء عصره بقصائد عامرة.
646 في المطبوع: جذبه. جذ وجب: بمعنى قطع، والسنام أعلى ظهر البعير.
35
وقال راثيا ولدا له اسمه سليمان: -
لبست من الدهر ثوبا قشيبا * ورحت بكفيه منه سليبا
وأصبح كلى له مقتلا * فحيث رمى كان سهما (647) مصيبا
رماني بصماء توهى القوى * وقال إليك توق الخطوبا
فشأنك ما بعد أم الخطوب * بقلبي تحدث وسما غريبا
وقائلة قد أصاب الحمام * سواك، وذلك قلبي أصيبا
فنهنه من الوجد ما قد يعيب * وكفكف من العين دمعا سكوبا
فقلت، وقلبي أنفاسه * من الوجد توري بصدري لهيبا
ألائمتي ان أصيب المزاد (648) * بما فيه لابد من أن يصوبا
أطيلي العويل معي والنحيبا * وإلا دعيني أقاسي الكروبا
خذي اليوم عني جميل العزاء * فقد ملا الوجد قلبي وجيبا
أتأمل نفسي إذن ليتها * أصيبت بسهم الردى أن تطيبا
وبالأمس قد وسدت خده * تراب القبور فأمسى تريبا
ويا صاحبي قفا بي عليه * نعط القلوب أسى لا الجيوبا
واعقر قلبي لدى قبره * بسيف الشجا لا جيادا ونيبا
وأنضح من دم قلبي عليه * جفوني دما ليس دمعا مشوبا
وأدعوه وهو وراء الصعيد * وإن كنت أعلم أن لن يجيبا
أغصنا ولم أجن منه الثمار * جنته يد الموت غصنا رطيبا (649)
ونجما له أشرقت مقلتاي * بغربهما يوم أبدى غروبا
عجبت، وما زال هذا الزمان * يريني في كل يوم عجيبا
تموت فتحرم شم النسيم * وأحيا أشم الصبا والجنوبا
وتنزل في موحش مجدب * وأنزل ربعا أنيسا خصيبا
وتسكن أنت بضيق اللحود * وأسكن هذا الفضاء الرحيبا
كفاني بهذا (650) جوى ما بقيت * يجدد في القلب جرحا رغيبا
وقال راثيا ولده وأخاه ويشير إلى المكان الذي دفنا فيه:
يا ثاويين إلى جنب الفرات معا * لدى (مقام نبي الله أيوب)
أورثتماني وجدا يوم بينكما * ما عشت في الدهر يحكي وجد يعقوب
وقال يرثي السيد علي النقيب ضمن كتاب التمسه عليه بعض الاشراف عن لسانه: -
نعى الناعون للشرف المعلى * فتى الاشراف سيدها النقيبا
(علي) القدر أعبق من نمته * أرومة هاشم في المجد طيبا
به لبس الزمان قشيب برد * فجوذب ذلك البرد القشيبا
مضى محض الضريبة في المعالي * وخلد من مآثره ضروبا
وأبقى حيث أغرب في المزايا * على كبد الورى وسما غريبا
إذا اعترض السلؤ وكاد يخبو * تعيد لناره الذكرى لهيبا
نعم رحل الحمام بمن نداه * أقام بكل ناحية خطيبا
وقال رحمه الله في رثاء ولده وأخيه: -
نضارة عيش أزهرت واضمحلت * وأيام انس أقبلت ثم ولت
ومنفقة باللهو أيام عمرها * سرورا رأت ردني بدمعي بلت
فظنت عزائي بالملام فأكثرت * فلما رأت أن لا عزاء أقلت
فقد عزيت باللون والقلب بالجوى * فما مل قلبي والعواذل ملت
سقى الله (651) قبرا هلت أمس ترابه * على روح جسمي، ليت كفي شلت
غدا سائرا والطرف يتبع نعشه * غداة به عيس المنايا استقلت
ولما تصدى حائل (652) الترب دونه * وعيني منه لا فؤادي تخلت
تلفت والاحشاء عن مستقرها * (لشدة ما تنزو من الوجد) زلت
فما خاذل (653) جاءت بخشفين عنهما * وعنها بقفر البيد ضلا وضلت
بأكثر منى يوم غاب تلفتا * ولا أدمعا فيها الجفون استهلت



647 في مخطوطة الملا: كان سهمي.
648 المزاد: وعاء يوضع فيه الماء أو غيره.
649 في المطبوع: غضا رطيبا.
650 فيه أيضا: كفاني بها.
651 في الديوان المطبوع: سقى الغيث.
652 وفيه أيضا: حامل الترب.
653 الخاذل: الظبية تخلفت عن القطيع. الخشف: فرخ الظبي.
36
وقال يرثي كريمة الحاج محمد صالح كبه ويمدحه: -
يا نعش ما يصنع الفصيح؟ * لم أدر ماذا به يبوح
وأي معنى إليه يغدو * في وصف معناك أو يروح؟
هل فلك أنت من علاه * إليه طرف السهى (654) طموح؟
وقد جرت زهرة المعالي * فيه (655) لغرب هو الضريح
أو أنت نعش به مسجى * جسم لجسم العفاف روح
مناسب الفخر شيعته * والحسب الخالص الصريح
سرى على الأرض حاملوه * وهو بأفق السما يلوح
وخلفه واله ثكول * أم العلى دمعها سفوح
تطارح الورق وهي تدعو * على م ورق الحمى تنوح؟
ما هي والوجد تدعيه؟ * قلبي لا قلبها الجريح
تضم أضلاعها حشاها * ولي حشا ضمها الضريح
في طلحها إلفها، وإلفي * عن وطني شخصها طليح
أصم فيها النعي سمعي * مذ جاء من فارس يصيح
تلك المفداة ساورتها * شكية ما لها نزوح (656)
فلم تمرض (657) بذات قربى * لها بشكوى الضنى تبوح
حتى قضت، حيث ما عليها * في غربة البين من ينوح
نعم بكت بقعة تصلى * فيها وشهب السما جنوح
وانتحب (الكاتبان) إذ قد (658) * فاتهما وردها الصحيح
فليغتد اليوم كل خدر * أعماد أسجافه تطيح
فربة الاحتجاب أضحت * حجابها اللحد والضريح
قد غاض ماء الحياء يندي * به ثرى نشره يفوح
توسدت والعفاف فيه * يضمه جيبها النصيح
شلت أكف الزمان ماذا * من حرم المجد يستبيح
إليه دب الضراء لما * أبدي بأن جاء يستميح
واغتال محجوبة بخدر * يحوطها السؤدد الصريح
والعز عنه يذب مالا * يذبه الفارس المشيح
ومن أبى المصطفى حماه * في منعة ما لها مبيح
ذاك الذي راحتاه كل * على الورى ديمة دلوح (659)
بالطبع مستحلب نداه (660) * إن حلب الغاديات ريح
كأن منها البنان ضئر (661) * يرتضع الدهر ما تميح
مستعذب جوده المرجى * مبارك وجهه الصبيح
تقرأ في الوجه منه هذا * خاتم (662) أهل الندى المنوح
لا يشتري الحمد بالعطايا * إذ كان من حقه المديح
لكنه مذ نشأ إلى أن * من شيبه استكمل الوضوح
يتاجر الله كل يوم * بما حوت كفه السموح
حتى لقال الورى جميعا * هذا هو المتجر الربيح
كم ريض للناس فيه أمر * صعب على غيره جموح
ينشق (663) طيب الفخار محضا * من عطف عليائه يفوح
أغر يلقى الوفود طلقا * والعام في وجهه كلوح (664)
إن ناضل الخصم رد فاه * مع أنه الناطق الفصيح
لسانه ميت مسجى * والفم منه له ضريح
ما هو إلا خضم علم * منه ذوو العلم تستميح
بل هو عنوان كل فضل * وهم جميعا له شروح
ونير في سماء مجد * بنوه شهب به (665) تلوح
يا من غدا ربعهم وفيه * أم الردى منتج لقوح
ومن صفات الوقار تمت * فيهم ومنها الحجى الرجيح (666)
تلك التي عنكم استقلت * عيس المنايا بها تسيح
طوبى (667) لها جاورت ضريحا * عن جاره ربه صفوح
واضطجعت في حمى ضجيع * حميه (آدم) و (نوح)



654 السهى: نجم.
655 في الديوان المطبوع: فيك.
656 شكية ما لها نزوح: مرض ملازم.
657 في المطبوع: ولم تمرض.
658 في مخطوطة الملا: لما.
659 الدولح: كثيرة الماء.
660 في المخطوطة: نداها.
661 الضئر: المرضعة.
662 كذا في الأصل، ولعله حاتم.
663 في المطبوع: تنشق.
664 الكلوح: التقطيب.
665 في المطبوع: بها.
666 في مخطوطة الملا: رجيح.
667 طوبى: جاءت في معاني مختلفة، وكلها تنطبق هنا منها: الخير، الغبطة، السعادة،
وشجرة في الجنة، والجنة نفسها.
37
وقال يرثي ولد الحاج محمد رضا كبه وقد سقط من أعلى السطح إلى صحن الدار: -
أجل من على ما خلت يرقاه فادح * هلال المعالي طوحته الطوائح
ومن حيث لا تعلو يد الدهر أهبطت * إلى اللحد نجم الفخر فالدهر كالح
تناوله من أفق مجد لعزة * قد انحسرت عنها العيون الطوامح
فمطلعه في مشرق المجد مظلم * ومغربه في موضع اللحد واضح
لحى الله يوما قد أراني صباحه * تباريح وجد للحشا لا تبارح
به صاح ناعيه فأشغلت مسمعي * وقد مض في قعر الحشا منه صائح
وهمت جفوني بالبكا فملكتها * على الدمع أرجو الكذب والصدق لائح
وقلت لمن ينعاه إذ جد باسمه * بنوح تبين باسم منأنت نائح
بفيك الثرى لا تسم في النعي جعفرا * فيوشك أن تجتاح نفسي الجوائح (668)
فلما أبى إلا التي تشعب الحشا * وإلا التي تبيض منها المسائح (669)
جمعت فؤادي وانطويت على الجوى (670) * على حرق ضاقت بهن الجوانح
أعاذلتي (671) عني خذي اللوم جانبا * فلا أدمعي ترقى (672) ولا الوجد بارح
فلم ينسفح من عيني (673) الدمع وحده * ولكن كلى مدمع منه سافح
أصبرا وذا إنسان عيني أطبقت * على شخصه أجفانهن الضرايح
قد استله من عيني الدهر بعدما * تخيلت أن الدهر لي عنه صافح
بكف له مدت إلي بهيئة * بدت وهي فيها كف خل يصافح (674)
ومرت على وجهي فقدرت أنه * يلاطفني في مرها ويمازح
وما خلته يا شلها الله أنه * بها لسواد العين مني ماسح
فأطبقت عيني وهي بيضاء من عمى * وإنسانها حيث اشتهى الدهر طائح
بمن عن ضياء العين يعتاض طرفها * فيغدو عليه وهو للجفن فاتح
لتجر الليالي حيث (675) شاءت بنحسها * فما عندها فوق الذي أنا نائح
وماذا تريني بعدها في مدى الأسى * يدا لفؤادي سعدها وهو ذابح (676)
أقول لركب أجمعوا السير موهنا * وقد نشطت للكرخ فيهم طلايح
أقيموا فواقي ناقة (677) من صدورها * لأودعكم ما استحفظته الجوانح
خذوا مهجتي ثم انضحوها عقيرة (678) * على جدث دمع البلى فيه ناضح
وقولوا لا يد أحدرت (679) فيه جعفرا * ولم تدر ماذا قد طوته الصفائح
لأحدرت من قلب المكارم فلذة * قد انتزعتها من حشاها الفوادح
فغير جميل بعده الصبر للورى * ولا عيشهم لولا (محمد) صالح (680)
فتى الحلم لا مستثقلا لعظيمة * تخف لها الأحلام وهي رواجح
تدرع من نسج البصيرة قلبه * أضاة أسى (681) لم تدرعها الجحاجح
وصابرها دهياء في فقد جعفر * يكافح منها قلبه ما يكافح
ونهنه فيه زفرة عدن فوقها * حواني من (عبد الكريم) الجوانح
تعرض فيها حادث الدهر منهما * لصلين من نابيهما السم راشح
ونصلين لا تمضى بيوم كريهة * مضاءهما يوم الخصام الصفائح
ورمحين سل قلب الكواشح عنهما * بما منهما في القلب تلقى الكواشح
تجده كليما وهو أعدل شاهد * على جرحه والجرح لا شك فادح (682)
تسربلتها يا دهر شنعاء وسمها * لوجهك ما عمرت بالخزي فاضح
عمى لك هل عين تبيت وطرفها * لانسانها (683) بالشر أزرق لامح؟
أفق أي وقت فيه منك لجعفر * تفرغ كف ليته منك طائح
وقد شغلت في كل لمحة ناظر * يديك جميعا من أبيه المنائح (684)
فتى يجد الساري على نوره هدى * ولو ضمه فج من الأرض نازح
كأن المحيا منه والليل جانح * (سهيل) لابصار المهبين لائح
تجاوز (هادي) مجده كاهل السهى * إلى حيث ما لحظ الكواكب طائح
وأمسى (685) حسينا وجه جدواه للورى * على حين وجه الدهر في الخلق كالح
وأصبح معنى فخره مصطفى العلى * وكل لان يقفو محمد صالح
فتى في صريح المجد ينمي لمعشر * أكفهم أنواء عرف دوالح (686)
مضيئون ضوء الأنجم الشهب للورى * فأوجههم والشهب كل مصابح
على أول الدهر استهل نداهم * فسالت به قبل الغيوث الأباطح
ومد (أبو المهدي) فيه أناملا * رواضعها صيد الملوك الجحاجح
جرت بالنمير العذب عشر بحارها * وكل بحار الأرض عذب ومالح
فما للندى في آخر الدهر خاتم * سواه ولا في أول الدهر فاتح



668 الجوايح: المهلكات.
669 المسائح جمع مسيحة: الذؤابة، وشعر جانبي الرأس.
670 في المطبوع: من.
671 في المطبوع: أعاذلتا.
672 رقأ الدمع: إذا نشف وجف.
673 في المطبوع: في جفني.
674 وفيه: تصافح.
675 في الأصل: كيف شاءت.
676 في سعد وذابح تورية. فان سعد الذابح هو أحد سعود الكواكب العشرة وهو من منازل
القمر، ويريد: إذا كانت ليالي السعد تذبحني فما ظنك بليالي النحس.
677 الفواق: ما بين الحلبتين من الوقت، لان الناقة تحلب ثم تترك سويعة يرضعها
الفصيل لتدر، ثم تحلب.
678 العقيرة: ما يعقر على القبر اعظاما.
679 في العقد المفصل: أهبطت.
680 في العقد المفصل: جاء البيت هكذا:
فغير جميل بعده الصبر والعزا * ولا العيش لي لولا محمد صالح.
681 الإضاءة: الدرع.
682 وفي المطبوع: قادح.
683 في المطبوع: وانسانها.
684 في المخطوط: لمائح.
685 وفي المخطوطة: وأسنى.
686 في مخطوطة الملا: عرف وفاتح. وفي العقد المفصل جاء صدر هذا البيت هكذا:
نمته إلى المجد الصريح معاشر.
38
وقال في رثاء عمه الشاعر المعروف السيد مهدي بن السيد داود:
أظبي الردى أنصلتي وهاك وريدي * ذهب الزمان بعدتي وعديدي
نشبت سهام النائبات بمقتلي * فلحفظ ماذا أتقي عن جيدي
ماذا الذي يا دهر توعدني به * أو بعد عندك موضع لمزيد
طرقتني الدنيا بأي ملمة * ذهبت على بطارفي وتليدي
ما خلت رحب الصبر - حتى فاجأت * - عني يضيق وفيه رحب البيد
الان أصبح للنوائب جانبي * غرضا وشمل قواي للتبديد
طلعت علي الحادثات ثنية * لا يهتدي لرتاجها المسدود
وإلي قد طلعت (687) ذرى من شاهق * لا ترتقي هضباته بصعود
فنزعن من كفى قائم أبيض * أعددته للقا الخطوب السود
قد ملت نحو الصبر حين فقدته * فإذا المصاب بصبري المفقود
أفهل أذود الحادثات بكفي * الجذاء (688) أم بحسامي المغمود؟
عجبا أمنت الدهر وهو مخاتلي * ورقدت والأيام غير رقود
وأنا الفداء لمن نشأت بظله * والدهر يرمقني بعين حسود
لم أدر ما لفح الخطوب بحرها * وهواجر الأيام ذات وقود (689)
ما زلت وهو علي أحنى من أبي * بألذ عيش في حماه رغيد
حتى رماني في صبيحة نعيه * أرسى بداهية علي كؤود (690)
ففقدته فقد النواظر ضوءها * وعججت (691) عجة مثقل مجهود
مالي وللأيام قوض صرفها * عنى عماد رواقي الممدود
عثرت فجاوزت الإقالة عثرة * وطئت بها أنفي وأنف الجود
ومضت بنخوة هاشم وإبائها * فطوتهما والصبر في ملحود
حملت بكاهلها الأجب (692) لفقده * ثقل المصاب وركنها المهدود
وشككت مذ تحت الضلوع قلوبها * رجفت صبيحة يومها المشهود
أبه نعى الناعي لها (عمرو العلى) * أم (شيبة) الحمد انطوى بصعيد
فكأنما أضلاع هاشم لم يكن * أبدا لها عهد بقلب جليد
ما زال يوعدها الزمان بنكبة * صماء تأخذ من قوى الجلود
حتى أطل بوثبة فتبينت * ذاك الوعيد بيومها (693) الموعود
لم تقض ثكل عميدها بمحرم * إلا وأردفها بثكل عميد
يبكي عليه الدين بالعين التي * بكت الحسين أباه خير شهيد
إن يختلط رزءاهما فكلاهما * قصما قرا الايمان (694) والتوحيد
وأرى القريض وإن ملكت زمامه * وجريت في أمد إليه بعيد
لم ترض عنه غير ما قدرته (695) * في مدح جدك طاهرا (696) في الجيد
أمنت حشاشتك الروائع لا تخف * جور الزمان علي بالتنكيد



687 وفي الديوان المطبوع: صعدت.
688 في المخطوط: المجذوذ.
689 في مخطوطة الملا: غير رقود.
690 كؤود: صعبة، شاقة.
691 في المطبوع: عجبت.
692 الأجب: المقطوع.
693 في المطبوع: بيومه.
694 في المطبوع: الاسلام. وقرا: بفتح القاف. الظهر.
695 وفيه: فلدته.
696 وفيه: طائرا.
39
وقال يرثي الحاج مهدي كبه وقد توفى في طريق فارس، ويعزي والده الحاج محمد صالح: -
أغائر دمعك أم منجد * قد رحل الصبر ولا منجد (697)
يا رابط الأحشاء في راحة * قد نضجت بالجمر ما تقصد
لا تلتمس قلبك في جذوة * ما بقيت منك عليها يد
أخلت يبقى لك قلب على * فاغرة الوجد ولا يفقد
وان قلبا بين أنيابها * طاح شظايا كيف لا يزرد (698)
حسبك منها زفرة لو غدت * في جلد منها نزا الجلد
كم هز أضلاعك من فوقها * حتى تلاقين جوى مكمد
فساقطت منك الحشا أدمعا * حمرا على ذوب الحشا تشهد
لو تعلم الأيام ماذا جنت * إذا لودت أنها تنفد
لقد أجلت رز خطب لها * في كل قلب مأتما يعقد
إذ كورت شمسا، بنو المصطفى * فيها ترجوا أفقهم يسعد
الله يا دهر أبيناهم * في زهو بشر للعدى تكمد؟
وبينما في فرط إبهاجهم * فيها لأثواب الهنا جددوا؟
وكلهم قد مد عين الرجا * لفرقد الفخر بها يرصد؟
إذ يرد الناعي إليهم بأن * جاء (ابن نعش) ذلك الفرقد (699)
فيغتدي ذاك الهنا حنة * فرائص الدنيا لها ترعد (700)
نعش أتى يحمل فيه النهى * ميتا عليه يندب السؤدد
وخلفه العلياء في صرخة * تدعو إلى أين به يقصد؟
يا حاملي إنسان عيني قفوا * نشدتكم بالله لا تبعدوا
دعوه لي حسبي لتجهيزه * عين عليه طرفها أرمد
دموعها الغسل وأكفانه (701) * البياض، والجفن له ملحد
غدرت يا دهر ومنك الوفا * لا الغدر بالأمجاد مستبعد
فاذهب ذميما إنها غدرة * وجهك ما عشت بها اسود
ما لك بالسوء لأهل الحجى * وردت لا طاب لك المورد
يا ناهدا بالشر من جهله * تعلم بالشر لمن تنهد (702)
وطارقا بيت ندى يلتقي * ببابه المتهم والمنجد
حسبك من بيت عتيد القرى * أن له أفق السما يحسد
تخمد شهب الأفق لكن به * مواقد النيران لا تخمد
سواه ما للمجد (703) من مهبط * وما لذم نحوه مصعد
فمقعداه للتقى والندى * وحاجباه العز والسؤدد
ألم تجده حرما آمنا * يحجه الأبيض والأسود؟
فكيف تسعى فيه لا محرما؟ * كأنما أنت به ملحد
ما هو إلا بيت فخر له * قبيلة المعروف قد شيدوا
بيت أبو الندب الرضا ربه * أكرم من تحت السما يقصد
مولى درت أهل العلى أنه * دون الأنام العلم المفرد
وأنه لولا هداه الورى * ضلت فلا رشد ولا مرشد
وأنه لولا ندى كفه * لم ير لا رفد ولا مرفد
تلقاه طلق الوجه من هيبة * يفرق (704) منها الأسد الملبد
محبب من حسن أخلاقه * حتى إلى من مجده يحسد
ما سهدت (705) من خائف مقلة * إلا وبالأمن لها يرقد
من ذا سواه قام يدعو الورى: * دونكم من بحر جودي ردوا
ومد كفا بغريب الندى * آلاؤها (706) بين الورى تحمد
بخلت المزن ففي بخلها * حلائب (707) المزن لها تشهد
تبصر في راحته أبحرا * طافحة أمواهها (708) العسجد
أسرة تسمى ولكنها * بحار جود بالندى تزبد
فهو لعمري حجة في الندى * وآية في الفضل لا تجحد (709)
قد قام لله بما بعضه * لكل أمجاد الورى معقد (710)
مكارم ما لكريم سوى * (عبد الكريم) الندب فيها يد
ذاك أبو الكاظم غيث الندى * ترب المعالي نجمها الأسعد
أين بنو العلياء من مجده؟ * ومجده ما ناله الفرقد
فقل لهم: لا تطلبوا نهج من * لطرقه في المجد لن تهتدوا (711)
قفوا جميعا حيث أنتم فما * لكم إلى عليائه مصعد
هيهات أن يعلق في شأوه * إلا (الرضا) فرع العلى الأمجد
مبارك الطلعة في يمنها * جميع من صبحه يسعد
يرى سمات الخير في ماله (712) * بأنه خير الورى تشهد
مهذب رشحه للعلى * زعيمها الأكبر والسيد
فجاء فردا في النهى كاملا * يثنى عليه الفضل والمحمد
شمس على (هاد) لآفاقها * بدر له بدر السما يسجد
وشهبها الزهر (حسين) الندى * من طاب منه في العلى المولد
وفخر أرباب النهى (المصطفى) * من هو أزكى من نما محتد
وكوكب الرشد (أمين) التقى * و (كاظم) الغيظ الفتى الأمجد
و (باقر) الفضل وروح العلى * (عيسى) فهل فخر كذا يوجد؟
قوم هم شهب الفخار التي * منها بكل ترجم (713) الحسد
أنجم فضل زهرت فاهتدي * بنورها الأقرب والأبعد
حتى لقد قال جميع الورى: * هذا لعمري الشرف المتلد
يا أسرة المعروف لا نابكم * من بعد هذا الرزء ما يكمد
وهذه النكبة مع إنها * فيها ثواب الصبر لا ينفد
لا يحمد الصبر على مثلها * لكنه من مثلكم يحمد
وان من عنكم طواه الردى * في جنة الخلد له مقعد
قر بها الطرف وطرف العلى * شوقا إلى مرآه لا يرقد
ودمع عين المجد مذ أرخوا * (المهدي فيها غاب لا يجمد)
فعيشه في ظل فردوسها * تالله أرخ (لهو الأرغد)



697 منجد: الأولى بلاد نجد، والثانية، المساعد.
698 يزرد: يبلع.
699 في ابن نعش تورية غير خفية.
700 في المطبوع: له ترعد.
701 في مخطوطة الملا: وأكفانها.
702 نهد: أسرع إليه.
703 في المطبوع: في الحمد.
704 يفرق: يفزع، يخاف.
705 في المطبوع: ما سهرت.
706 الآلاء: النعم.
707 الحلايب: جمع حلوب: كثيرة المطر.
708 في مخطوطة الملا: أمواجها.
709 فيها أيضا: يجحد.
710 في المطبوع: مقعد.
711 في مخطوطة الملا: يهتدوا.
712 في المطبوع: فيها له.
713 ترجم: ترمي، تلعن.
40
وقال يرثي كريمة الحاج محمد صالح كبه ويعزيه بها، وقد توفيت في طريق فارس: -
قد تبلغ الأنفس في ارتيادها * حصول ما تهواه من مرادها
وقد تديم السعي في تتمة * انتقاصها أو طلب ازديادها
ففاتها ما اعتقدت حصوله * وجاءها ما ليس في اعتقادها
وكلما قدره الله لها * في قربها يجري وفي بعادها
هذا ابن أم المكرمات من غدا * يرفل (714) في الفاخر من أبرادها
جوادها وهل بمضمار العلى * أسبق من (محمد جوادها) (715)؟
أنكر مس الدهر من خشونة * لا يرقد الحر على قتادها
فانساب مثل الأيم (716) عن بلاده * ينتجع العزة في بلادها
يطلبها بعين يقظان رأت * سهادها أعذب من رقادها
مقتعدا من الاباء صعبة (717) * لا يقدر الدهر على اقتعادها
حتى اصطفى من عزة دار على * ترفع كف المجد من عمادها
فاحتل منها في رباع شرف * عادت نجوم الأفق من حسادها
قد عقد الندى فيها للنهي * واصطنع العرف إلى قصادها
واستحلت (الفرس) له خلائقا (718) * أخلاقها المرة من أضدادها
فكان فيها كهلال فطرها * وكل يوم مر من أعيادها
أأمل أن يعود وهو رافه * بناعم العيش إلى بغدادها
فعاد في نعش حوى (صفية) * أعز في عينيه من سوادها
خلت أهنيه على قدومه * لا أن أعزيه على افتقادها
وفيه في النادي لآل المصطفى * أقول قرت مقلتا أمجادها
لا أنني (719) أقول في مأتمها * صبرا وأين الصبر من فؤادها
يا خجلة الأيام من (محمد) * (صالحها) الزاجر عن فسادها
قد صبغ العار لها وجوهها * فلتستتر بفاضح اسودادها
يا قصرت يد الليالي ما جنت * على أبي (المهدي) في امتدادها
أليس دأبا كفها مملؤة * من كفه البيضاء في إرفادها (720)
مولى على الأرض تراه رحمة * عمت جميع الأرض بانفرادها
أحيا ثراها وأمات جدبها * بجوده، وكان من أوتادها
مقتصد يسرف في بذل الندى (721) * حيث الورى تسرف باقتصادها
كأن من وقاره حبوته * تضمن منه الطود في انعقادها
سدت لأهل الأرض (722) فيه ثلمة * ما ظفرت لولاه بانسدادها
خافت ولما التجأت لعزه * أقرها والأرض في مهادها
ينمي إلى قبيلة المجد التي * طريفها يعرب عن تلادها
إن عددت لمفخر ودت بأن * تدخل زهر الشهب في عدادها
تواترت عنها روايات الندى * من ولدها تنقل في آحادها
في كل ذي نفس تزكت بالتقى * لا تعلق الآثام في أبرادها
تديم ذكر الله، بل كاد لها * يقوم ما عاشت مقام زادها
هذا أبو (المهدي) فانظر في الورى * هل كأبي (المهدي) في عبادها؟
كأن في جنبيه نفس ملك * تستنفد (723) الأوقات في أورادها
أتعبها في طاعة الله لكي * تفوز بالراحة في معادها
حسبك ما ترويه عن آبائها: * أن التقى والبر في زهادها
بل كيف لا تثبت دعوى شرف * (أبو الأمين) كان من أشهادها
ندب حياض الجود منه نعمة * تروي بها الوفد على احتشادها
يزداد وريا زند مكرماته * إن زادت الجدوب في أصلادها (724)
صلى إلى العلياء خلف سابق * كان هو النخبة من أمجادها
ذاك أخوه وأبو النجب التي * قد أخذ الفخار في أعضادها
منها الرضى للوفد حيث سخطت * من بخل أهل الأرض في ارتيادها
محبب الأخلاق محسود العلى * دامت له العلياء مع حسادها
قد خلط البشرى لذي ودادها * بهائل السخط لذي أحقادها
مثل البحار الفعم يروي عذبها * ويغرق الجائش في إزبادها (725)
أو كالقطار السجم يرجى برقها * ويرهب القاصف من إرعادها
له الندى المورود عبا وندى * سواه مثل المص من ثمادها (726)
أزهر بسام العشي إن دجت * أوجه أقوام على قصادها
يلتمع السرور في جبينه * عند قرى الأضياف وازديادها
قد طاول الأنجم (هادي) مجده * حتى سما الكاهل من أفرادها
واتقدت من فوقها أنوارها * حتى شكت إليه من إخمادها
قد خلف (المهدي) خير من مشى * في هذه الأرض على مهادها
وقام في دار علاه حافظا * له ذمام الجود في وفادها
وبعضهم كالنار لا يخلفها * منها سوى ما كان من رمادها
أبلج لا يشبهه البدر لان * تشينه الكلفة في سوادها (727)
من فئة فيها الوقار والنهى * ساعة تستهل في ميلادها
(كمصطفى) الفخر وناهيك به * في شرف النفس وفي إرفادها
جل فلولا صغر النفس إذن * لقيل هذا مصطفى أجدادها
من مثله وأين تلقى مثله؟ * يا رائد المعروف في أجوادها
هذا الذي قد وجدت عفاته * برد الندى منه على أكبادها
وعن حسين جوده تحدثت * تحدث الروضة عن عهادها
كالغيث في دنوه، والبدر في * علوه، والشمس في اتقادها
بل في (أمين) الحلم نفس (كاظم) * للغيظ مما ساء من حسادها
(جعفر) فضل و (الجواد) جعفر * الفضل وذا حسبك من تعدادها
قد ولدت أم المعالي غيرها * لكن هي الصفوة من أولادها
تهوى السما أن تغتدي فراشها * والشهب أن تكون من وسادها
حيث أبو (المهدي) قد رشحها * للفخر والسؤدد من ميلادها
يا فئة أحلامها ما زحزحت (728) * راجفة الخطوب من أطوادها
اليكموها غررا وإن تكن * بدت من الأحزان في سوادها
وسمتها بمدحكم فأقبلت * سماتها تنير في أجيادها
بلطفها من القوافي نزلت * منزلة الأرواح من أجسادها
جاءتك ثكلى غير مستأجرة * تستقصر (الخنساء) (729) في إنشادها
لو رددت نوحا (لصخر) لأرت * كيف انفطار الصخر في تردادها
ناحت فأبكت شجنا عين العلى * بأدمع تذوب من فؤادها
ثم دعت لا طرقت ربعكم * إلا المسرات مدى آبادها
ولا وعى (730) غير التهاني سمعكم * أو مدحا تطرب في انشادها
ومنكم لا برحت آهلة * عرينة العزة في آسادها



714 يرفل: يتبختر، يتمايل.
715 محمد جواد: زوج المتوفاة وهو الذي حمل جثمانها إلى النجف.
716 الأيم: ذكر الأفعى.
717 الصعبة: التي لم يسبق لها أن تركب.
718 في المطبوع: الغرس.
719 المطبوع: لا لأني.
720 في المطبوع: ارقادها.
721 في المخطوط: اللهى، و: حتى.
722 في المطبوع: لأهل الدين.
723 في مخطوطة الملا: نستنفذ.
724 الأصلاد: السنوات الشديدة في قحطها.
725 الأزباد: ما يطفح على وجه البحر إذا اضطربت مياهه.
726 الثماد: المياه القليلة، والحفر التي تتجمع فيها المياه.
727 في المطبوع: في اسودادها.
728 في المخطوط: قد زحزحت.
729 هي الشاعرة الشهيرة تماضر بنت عمرو بن الشريد السفية، وقد عرفت، بمراثيها
لأخيها صخر، أسلمت مع قومها، توفيت عام 54 للهجرة وعمرت طويلا.
730 في المطبوع: دعى.
41
وقال راثيا العلامة الشيخ جعفر (731) بن الشيخ علي كاشف الغطاء ومعزيا به العلامة
السيد مهدي القزويني وقد تلف قسم منها:
ما للعيون حاربت رقادها؟ * وسالمت على القذى سهادها (732)
وما الذي أوجست (733) الناس ضحى * فألزمت أكفها أكبادها؟
نعم هوت دعامة الفضل التي * لدينه رب السماء شادها
واليوم عزى (جعفرا) (بجعفر) (734) * ناع نعى إلى الورى رشادها
قد جمع الدهر قواه كلها * بليلة قد ضاعف اسودادها
حتى على رزء الهدى بقلبه * أرزاء كل آله أعادها
الله يا دهر لقد خلدتها * سبة عار لا ترى نفادها
للمجد كانت مقلة واحدة * مسحت في كف الردى سوادها



731 هو الشيخ جعفر بن علي بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، من مشاهير أعلام عصره،
كان ذكيا لسنا، وعالما حافظا، وشاعرا رقيقا، توفي عام 1290 ه‍ ترجمت له في كتابي
(شعراء الغري) ج 2 ص 40 - 49.
732 في المطبوع: قتادها.
733 في مخطوطة الملا: أوحشت.
734 جعفر الثانية: يقصد بها ابن أخته الميرزا جعفر القزويني.
42
وقال راثيا العلامة الشيخ مهدي (735) بن الشيخ علي كاشف الغطاء ومعزيا أولاده وأخاه
الشيخ جعفرا والعلامة السيد مهدي القزويني: -
أعلمت طارقة الخطوب السود * بحمى الوصي صرعت أي عميد
ونزعت يا نزعت يداك بنانها * من قبة الاسلام أي عمود
ونعم فهبك قرعته بمرنة * صماء تأخذ من قوى الجلمود
أفطرت إلا قلب حامية الهدى * وصدعت إلا بيضة التوحيد؟
وبللت إلا في مدامع عينه * ذاك الصعيد على أجل فقيد؟
الان مات العلم واندرس التقى * وعفا السماح وطاح كف الجود
فجعت بنو الدنيا بزاد مقلها * وبري حائمة الرجا المطرود
وسرى فطبقها عليه مآتما * ناع تضيق به رحاب البيد
صلى الاله عليك (736) من مفقود * جل المصاب به عن التحديد
شغلت رزيتك الملائك فاغتدت * لك في هبوط عن جوى وصعود
وكفاك قدرا أن نعيك في السما * خلطته بالتقديس والتحميد
وبرفعها ذاك السرير تقربت * زلفى إلى خلاقها المعبود
رفعت به الأخوين شخصك والتقى * وتلته بالتسبيح والتمجيد
وبكاك دين الله بالعين التي * بكت (الأئمة) علة الموجود
عدلت رزيتهم (737) رزيتك التي * قصمت قوى الايمان والتوحيد
ماذا يواري خط قبرك من حجى * يزن الجبال ومن ندى مورود
إن تمس مهجور الفناء فطالما * وقف الرجاء ببابك المقصود
أو إن تكن جمدت بنانك بالردى * فعليك عين الجود غير جمود
أو قل من أيام عمرك عدها * فكثير برك ليس بالمعدود
تبكيك عين كم مسحت دموعها * ببرود فضل لا بفضل برود
لم تبق بعدك للمطالب نجعة * طوى الرجاء على حشا مكمود
هدم الردى بك ركن ملة (أحمد) * ولطالما بك كان للتشييد
غسلت سواد عيونها بدموعها * فصبغن أردية الكرام الصيد
صبغت بها تلك الثياب فسودت * وجه الزمان بذلك التسويد
ورأت بقية فخرها قد أدرجت * في برد شخص بالفخار وحيد
كم رد غرب الخصم وهو مركب * منها بثغرة نحرها والجيد
ووقى بمهجته الكريمة قلبها * من أسهم الأعداء كل مبيد
فكأنها (738) في صبرها دون الهدى * مع فرط رقتها مجن حديد
بأبي الذي عقدوا عليه رداءه * والخير تحت ردائه المعقود
لبس الحياة فصان طاهر بردها * بصلاحه وعفافه المشهود
حتى استجد سواه ثوبا للبلى * ومضى على كرم نقي العود
يا ثاويا خلف الصعيد كفي جوى * أني دعوتك من وراء صعيد
لثراك استسقى ثلاث سحائب * متكافئات كلها في الجود
فسحابة وطفاء منك تعلمت * للأرض سقى تهائم ونجود (739)
وسحابة من جود كفك أنبتت * شكر العفاة بدرها المحمود
وسحابة من عبرتي ما أن ونت * إلا وقال لها افتقادك جودي
هي بالزفير إليك ذات بوارق * ومن الحنين عليك ذات رعود
فاذهب حميدا في الجنان مخلدا * فالعيش بعدك ليس لي بحميد
ولقد دعوت الدين بعدك دعوة * يستك منها سمع كل حقود
لا تخش ضعفا في الزمان وإن غدا * يرسو (740) بداهية عليك كؤود
فبه لك (المهدي) أمنع قوة * تأوى لركن من علاه شديد
نسجت حميته عليك صنيعة * لم تقض نثرتها (741) يدا داود
فإذا دجا ليل الخطوب فلقته * من ضوء صبح جبينه بعمود
علم الهدى السامي الذي هو في كلا * حسبيه ساد على الكرام الصيد
ومفيد فضل (742) لو أتى العصر الذي * فيه المفيد لقال أنت مفيدي
هو آية الله التي قد أبطلت * في العالمين عناد كل جحود
وأبو المصابيح التي شهب السما * رمقت مطالعها بطرف حسود
لو فاخرت نهر المجرة في السما * غلبت بجعفر جودها المورود
ذاك الذي في الجود (743) أرسل صالحا * لكن لأهل الفضل لا لثمود
و (محمد) منه الحسين فعاذر * إن قلت أرسل خاتما (744) في الجود
أقمار تم في بروج سما العلى * شرفا يضئ على الليالي السود
وأسود غيل في المهابة لو حما * مأوى الظباء لكان غير اسود
وترى المكارم من مناقب فضلهم * تختال بين قلائد وعقود
من كل محتلب البنان رقيقها * في كل جامدة الضروع صلود (745)
ويقول للكف الكريمة كلما: * بدأت بعارفة بدار (746) أعيدي
يا عترة الوحي الذين توطدت * بهم دعائم ملة التوحيد
دمتم لنا والعز فوق رواقكم * والفخر تحت رواقه (747) الممدود
وبحسبكم علم الشريعة (جعفر) * الإحسان عن علم الهدى المفقود
والغر من آل المكارم من سموا * شرفا بفضل طارف وتليد
قد رد عقد الفخر في جيد العلى * (بأبي محمد) (748) وهو عقد الجيد
وأعاد يا دار الهدى لك (جده) (749) * فكأنه لم يطو في ملحود
أحيا مآثره الحسان وزادها * لو كان فيها موضع لمزيد
لو لم تبت أم السماح طروقة * لندى يديه لم تكن بولود
يا من وجوههم مصابح للهدى * وأكفهم في الجود سحب الجود
ماذا أقول معزيا بنشائدي؟ * قطعت مهابتكم لسان نشيدي



735 هو الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، من أشهر مشاهير
علماء عصره، ومن الأدباء الشعراء البلغاء، انتهت إليه رئاسة التقليد ورجع إليه
أطراف العراق وإيران وأذربيجان، وانتشر وكلاؤه في البلدان. ولد في النجف وتوفي بها
عام 1289 ه‍ ترجمت له في كتابي (شعراء الغري) ج 12 ص 108 - 111.
736 في المخطوطة: عليه.
737 في المطبوع: رزيتها.
738 في مخطوطة الملا: فكأنما.
739 التهائم والنجود: المنخفضات والمرتفعات عن الأرض.
740 في المطبوع: يرسي.
741 الصنيعة: لامة الحرب، النثرة: الدرع الحديدي الذي يلبس تحت الثياب في الحرب.
742 في المطبوع: مفيد عصره، ويريد به أشهر مشاهير علماء عصره الشيخ المفيد محمد بن
محمد النعمان البغدادي العكبري المعروف بابن المعلم المتوفي 413 ه‍ له أكثر من
مائتي كتاب وهو أستاذ الشريفين المرتضى والرضي.
743 في المطبوع: بالجود.
744 في نسخة: حاتما.
745 يكني عن السنة ذات الجوع والقحط.
746 بدار: اسم فعل بمعنى بادر أي أسرع.
747 في المطبوع: طرافه، والطراف البيت الكبير.
748 أبو محمد: هو الشيخ جعفر.
749 يريد به جده الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء.
43
عنوان وقال يرثي العلامة السيد جعفر القزويني (750) ويعزي ابن عمه السيد مهدي
القزويني: -
كذا يلج الموت غاب الأسود * وتدفن رضوى (751) ببطن اللحود
كذا يستباح حريم العلى * وتهوى بدور الهدى في الصعيد
بنفسي من لم يرثه ذووه * غير علا ومجد مشيد
وكبت جفان القرى بعده * ونيرانها رميت بالخمود
أحلف الندى وشقيق السماح * ليومك هول كيوم الورود
سقيت الحيا لست أنت الفقيد * ولكن صبري عين الفقيد
فلا قلت بعدك للعيش طب * ولا قلت بعدك للسحب جودي
لقد دل مجدك هذا الطريف * على مجد قومك ذاك التليد
بني هاشم هم عقود وأنت * واسطة بين تلك العقود
ولو كان يدفع ريب المنون * عن المءر في عدة أو عديد
لقامت تقيك الردى فتية * تذم إذا شبهت بالأسود
صباح الوجوه وأسيافهم * من الموت تطبع لا من حديد
وتغدو المنايا بأرماحهم * شوارع ما بين حمر وسود
ولكنه الموت لا مانع * لمن رام من سادة أو عبيد
عزاء أبا (صالح) لا فجعت * من بعد هذا المصاب الكؤود
فحلمك أرسى من الراسيات * وليس شبيه له في الوجود (752)
وجاراك في الفخر أهل السباق * ولكن سبقت لشأو (753) بعيد
فأصبح شأنهم في انحدار * وشأنك عنهم غدا في صعود
وما مر يوم جديد عليك * إلا ظهرت بفضل جديد
لئن ساءك الدهر في (جعفر) * فان الإساءة شأن العبيد



750 هو السيد جعفر بن باقر بن أحمد بن محمد الحسيني القزويني من مشاهير شعراء
وأدباء عصره. توفي عام 1265 ه‍. ترجمت له في كتابي (شعراء الغري) ج 2 ص 27 - 35.
751 رضوى: اسم جبل.
752 هذا البيت سقط من الديوان المطبوع.
753 في المطبوع: لمأوى.
44
وقال يرثي بعض الناس: -
ادرج والمعروف في برده * وحل والاحسان في لحده
فالبس ظلام الحزن يا دهره * لبدرك الآفل من سعده
كان به روض الهنا زاهيا * لأنه اليانع من ورده
شق الثرى ريحانة للعلى * وعاد كالسيف إلى غمده
وكل حي عيشه منهل * ما أقرب الاصدار من ورده
وقال راثيا الحاج محمد جواد كبه، وقد صادف موته مجئ الحاج مصطفى كبه من الحج: -
أأهنيك قائلا لك بشرى * أم أعزيك قائلا لك صبرا؟
فرحة أردفت بترحة ثكل * ساء فيها الزمان ساعة سرا
شفعت فيه أوبة بذهاب * فمنحنا سجلين نفعا وضرا
ملأ بالسرور للمجد شطرا * من حشاه وبالكآبة شطرا
زمن آب بالسعود حميدا * بعدما أقلق الركائب عصرا
قلت ألقى العصا وما كنت أدري * أن فيها له مآرب أخرى
بينما تكتسي وجوه الليالي * رونقا للسرور إذ عدن غبرا
خير يوم بدا بحلة زهو * ماله تحتها (تأبط شرا)
يا خليلي والحديث شجون * فأجيلا معي إلى الحزم فكرا
خبراني عن الصواب برشد * إن تكونا أحطتما فيه خبرا
كان لي في الأمور قلب ولكن * بمقاديم دهشتي طار ذعرا
قد وفدنا لكي نهني المعالي * فوجدنا العيون منهن عبرى
فبماذا أواجه الفخر أم في * أي شئ أخاطب المجد جهرا؟
أبنعي فأنثر الشجو دمعا؟ * أم أحيي فأنظم السعد شعرا؟
فالليالي أقررن للجود عينا * وعلى النعي منه أقذين أخرى
ومن المكرمات أبكين جفنا * بعدما للسعود أضحكن ثغرا
طبت يا أرض بين حي وميت * بالشذا عطراك بطنا وظهرا
فعزاء (لمصطفى) المجد عن من * خلت (بالمصطفى) أهنيه بشرى
رحلت بالجواد أيام دهر * أين مرت من بعده قيل عقرا
كان بالأمس أنظر الناس ربعا * وهو اليوم أطيب الناس قبرا
يا بني (المصطفى) وبيت نداكم * قد بنى طائر الرجا فيه وكرا
شدتموه على التقى يهدم الدهر * ويبقى بناؤه مشمخرا
لست أدري أأودع المجد منكم * بشرا فيه أم ملائك غرا؟
خلد (المصطفى) به لكم الفخر * وزدتم (بالمصطفى) اليوم فخرا
أرج المجد لو تجسم نشرا * من شذاه لعطر الأرض نشرا
ولودت أترابها الغيد أن قد * جعلته على الترائب عطرا
بسط الكف بالسماح فقلنا: * أرسلت نؤها الثريا فدرا
ملك في يديه عشر بنان * نشأت للورى سحائب عشرا
زاد في قدره التواضع حتى * عاد عنه الزمان يصعر قدرا
فهو قلب العلى وأي مكان * حل فيه تواضعا كان صدرا
بل هو العقد زانها وكذا العقد * يزين الفتاة جيدا ونحرا
لو تحك النجوم في عاتقيها * أخمصيه لقيل حسبك فخرا
أطبقت ظلمة الخطوب ولكن * بأخيه من ليلها شق فجرا
فأرانا شمسا بوجه أبي (الهادي) * وشمنا به - ولا ليل - بدرا
ذاك من أزهرت مزايا علاه * فبدت والكواكب الزهر زهرا
جاء محض النجار أملس عرض * فيه طابت حواضن المجد حجرا
عبق الجيب طاهر الردن والأذيال * عف الإزار سرا وجهرا
قد حلت لي أخلاقه في زمان * قلت لما طعمته ما أمرا
علمتني هي النظام إلى أن * (قيل لي أنت أشعر الناس طرا) (754)
وأداروا لي المدامة منها * ثم قالوا تحبها قلت بهرا
ماجد تطرب المسامع منه * من رقيق الثناء ما كان حرا
وإذا مر في العطا ود فيه * مجلس الجود لم يزل مستمرا
لا كمن إن تكلف الرفد يوما * أكلت كفه الندامة دهرا
ففداءا لشبره باع قوم * لم تقس في ذراعها منه فترا
مد لكن يدا صناع العطايا * طرزت بردتيه حمدا وشكرا
لا تفاخر به المجرة إلا * إن ترد تكسب المجرة فخرا
فهو بحر ويقذف الدر جودا * وهي نهر وليس يقذف درا
وهو والمصطفى بنادي العلى شفع * وكل يقوم في القوم وترا
حفظا حوزة السماح وكل * دونها للعذول كم سد ثغرا
فدم المكرمات لو لم يجيئا * لنعته يتائم الشعر هدرا
قد غرسنا فأثمر النظم حمدا * وسقيتم فأينع الجود وفرا
لسواه يا عاصرا حلب الفكر * بكف الخسار تعصر خمرا
أيها الطيبون معقد أزر * لكم الله شد بالنصر أزرا
ذكركم بالجميل سار ولكن * كمسير الرياح برا وبحرا
قرت الأرض بالجبال وكانت * هي والراسيات فيكم أقرا
هاكموها بكر القريض وعنها * سائلاها هل مثلها افتض بكرا؟
بسوى السحر لم تعب اي وعيب * الباليات إنه كان سحرا
مزجت راحة السرور بضر * فأذاقت طعمين حلوا ومرا
همت في عفرها وما كل من هام * بوادي القريض يصطاد عفرا
زان تحبيرها الطروس ففتش * ما عداها تجده طرسا وحبرا



754 صدر بيت ينسب إلى أبي نواس.
45
وقال راثيا محمد كاظم بن الحاج عبد الكريم كبه ومعزيا أباه وعمه الحاج محمد صالح: -
لا أرى للزمان يا صاح عذرا * أفيدري لمن تأبط شرا
ولمن بغتة ألم بخطب * ساء فيه الأنام عبدا وحرا
رد فيه حزنا نواصي الليالي * ووجوه الأنام شعثا وغبرا
وحشا المكرمات حرى وعين * المجد عبرى ومهجة الفضل حرى
جذ من دوحة المكارم غصنا * فذوي بغتة وقد كان نضرا
قد نعته العلياء وهو بقبر * مذ حواه لصبرها صار قبرا
يا هلالا رجوت يكمل بدرا * محقته يد الردى فاستسرا
من عذيري من لائم فيك لا أقبل * عذلا وليس يقبل عذرا؟
لام حتى بلومه ضقت ذرعا * مثل ما ضقت في مصابك صدرا
قلت دعني ومقلة لي عبرى * ببكاها ومهجة لي حرى
لا تسمني قرار عيني فهذا * ضوؤها في ثرى اللحود استقرا
هو منى شطر الحشا أو أسلو * بعدما من حشاي فارقت شطرا؟
عجبا صرت فيه أسمح للترب * ومنه عليه أطرح وقرا
بعد ظني على العيون جميعا * أن ترى ذلك المحيا الأغرا
كان لي في حياته العيش حلوا * وهو اليوم بعده قد أمرا
وبحسبي ما عشت داء لنفسي * أنا أبقى ويسكن اللحد قسرا
كيف ما مت إنني لجليد * وبه أنشبت يد الموت ظفرا
استجد الثياب حيا لجسمي * وهو يبلى في الترب ميتا معرى
لم أخلني كذا أكون صبورا * وفؤادي بسهمه قد تفرى
رمت رفع الآلام عنه بجهدي * شفقا لا لأبلغ الناس عذرا
وبذلت الطريف من جل مالي * مع بذل التليد منه ليبرا
وبودي لو كان يبقي واملقت * إذا كان ذا لعيني أقرا
سوءة للزمان ما لي أراه * ساء من أحسنوا لابناه طرا
هم بنو المصطفى ومن في البرايا * كبني المصطفى سماحا وبرا
فئة المجد معشر الشرف المحض * قبيل العليا وناهيك فخرا
قد أرق الحرص الأنام ولكن * لم يكن غيرهم على الأرض حرا
قد كساهم (محمد) صالح الافعال * بردا من فخره طاب نشرا
ورع من رآه قال لعمري * إن لله في معانيك سرا
ملكي الصفات لكن تراه * بشري الأعضاء قد جل قدرا
لك نفس قدسية قد تمحضت * بها للإله سرا وجهرا
هي تلك النفس التي بين جنبي * ذي المعالي أخيك ليست بأخرى
شرعا قد سموتما للمعالي * وإليها ركبتما النجم ظهرا
تم فيه ما كان ساء وسرا * فهو مل الزمان نفعا وضرا
ذو يسار يزري بيمنى سواه * ويمين كانت لراجيه يسرا
هي أجرى من البحار نوالا * ومن الغاديات أغزر درا
تخصب الأرض في نداه إذا الجدب * أديم الصعيد فيه اقشعرا
وعلى الأرض إن مشت ودت * الشهب عليها أذيال علياه جرا
كيف لا تحسد النجوم ثراه * وبه قد سما على الشهب فخرا
قد جرى سابقا وصلى أمين * الفضل يتلوه لاحقا واستمرا
ثم حلا معا بأرفع مجد * طلعا في سماه شمسا وبدرا
فغدا كل نير بهما هاد * لمن رام للمكارم مسرى
يا بني المصطفى رسختم حلوما * فغدوتم على النوائب صبرا
ذا الجزا أنتم حريون فيه * لكن الصبر أنتم فيه أحرى
ومصاب الماضي يهون إذا ما * كنت أنت الباقي وإن عز قدرا
وقال راثيا بعض الأكابر في ضمن كتاب: -
الان هون كل نائبة * جلل أمال دعائم الفخر
وطوى خضم العلم في كثب * الغبراء أخرس ألسن الشعر
خطب تجاوب بالنياح له * من كان في بر وفي بحر
قد عم أهل الأرض كلهم * فهم سواء فيه في الاجر
يا بحر جود قد طغى لججا * أفضى الحمام به إلى القبر
أيضم منك القبر طود نهى * بعلاه سامت ذروة النسر
فاذهب فما الدنيا بصالحة * لمقام مثلك من ذوي الفخر
طبقت مشرقها ومغربها * بفضائل جلت عن الحصر
وقال راثيا العلامة الشيخ محمد (755) بن الشيخ علي ومعزيا العلامة السيد مهدي
القزويني: -
طرقت فالأنام منها سكارى * تملأ الكون دهشة وانذعارا
بكر خطب لا ينشد الصبر فيها * قد أتانا بها الزمان ابتكارا
في حديث الأحقاب لم يأت فيها * وقديما لمثلها ما أشارا
بردت سائر القلوب ردى منها * وعادت من الغليل سكارى
ولها كانت المدامع لولا * حر أنفاسنا تكون بحارا
وقليل بها وإن ليس يجدي * ترسل العين دمعها مدرارا
نكبة تملأ الوجود مصابا * يملأ الأرض والسما استعبارا
يا نفوس اللاجين طيري شعاعا * أدرك الدهر عندك الأوتارا
وابردي يا حشاشة الشرك أمنا * مات من كان بين جنبيك نارا
فبمن يغتدي الهدى مستجيرا؟ * فقدت كعبة الهدى المستجارا
وله أصبح الحطيم حطيما * يتوارى في الترب حين توارى
ودجا (756) الأفق في دجى غيهب الحزن * وهبت ريح الصبا إعصارا
سومي يا خطوب خيلك فينا * تغنمي أين ما قصدت المغارا
وارتعي في حمى الورى فالمنايا * أنشبت في هزبرها الأظفارا
من حماها عن أن تراع وقسرا * رد أيدي الأيام عنها قصارا
همم حيث لا يرى البدر سيرا * مصعدات لا تعرف الانحدارا
كيف تخلو له من الحزن دار * والندى منه لم يفت ديارا
ملك الناس بالسماح عبيدا * فغدوا بعد فقده أحرارا
يا بغاة الاسلام لا تتناجوا * بانتقاص الدين الحنيف سرارا؟
لا تخالوا (محمدا) لم يخلف * للورى ناهيا ولا أمارا
فالإمام المهدي قد قام فيهم * علما يرشد الورى ومنارا
ما بني الله من سماء علوم * وهو بدر في أفقها قد أنارا
لازم الحق في هداه فأضحى * معه الحق حيثما دار دارا
منه مل الابراد عدل وتوحيد * وفخر من هاشم لا يجاري
والحبا في الندى تضمن منه * ركن رضوى حلما وأرسى وقارا
فترى الناس هيبة منه حرسا * يتناجون في الحديث سرارا
يا أجل الورى علا وقدرا * وأعز الأنام نفسا وجارا
عقد العي منطقي أن أعزيك * ومنك العزا غدا مستعارا
وقبيح مني إذا قلت صبرا * للذي علم الورى الاصطبارا



755 هو الشيخ محمد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، من مشاهير علماء
عصره، وكان مهيبا مطاعا وقورا شاعرا له مكانة عند ذوي الحكم، سمحا جوادا زاهدا، رجع
إليه الناس في التقليد، وكان يرعى الأدباء والشعراء ويصلهم، توفي في النجف عام 1268
ه‍ ترجمت له في كتابي (مستدرك شعراء الغري) ج 3 ص 45 المخطوط.
756 دجا: أظلم.
46
وقال يرثي العلامة السيد محمد تقي الطباطبائي ويعزي العلامة السيد مهدي
القزويني: -
ماذا تريدين بالدنيا يد القدر * لقد ذهبت بسمع الدهر والبصر
سودت مشرقها القاصي ومغربها * بكاسف الأبيضين الشمس والقمر
وغودر الأفق معتلا وأنجمه * من غاثر ضوؤه منها ومنكدر (757)
وأصبح النجف الاعلى يغص شجى * لله ما صنعت فيه يد الغير
طويت خير معد كلها نسبا * وأكرم الناس من باد ومحتضر
طأطأت من هاشم للأرض هام علي * ما طأطأتها ظبا الهندية البتر
أرغمت منها أنوفا كلها شمم * ما أرغمت بين أطراف القنا السمر
أريتها يومها من قبل حين سرت * بمشبع الطير في أعوامها الغبر
فاسأل بها اليوم هل وارت (محمدها) * أم شيبة الحمد في ذاك الثرى العطر
خطب لوت عنق الاسلام منه يد * يا شلها الله قد ألوت على مضر
مضى بأجمعها قلبا وأقطعها * غربا وأمنعها للخائف الحذر
فالآن لم يبق كهف للمروع ولا * مأوى يحط إليه راكب الخطر
قد طوحت جبل المجد المنيف على * على الورى نكبات الحادث النكر
يا من عن المجد أضحى مزمعا سفرا * ما كان أبرحه للمجد من سفر
أمهل فواقا فزود أنفسا بقيت * موقوفة فيك بين البث والفكر
قل للنوائب ما من غاية بقيت * وراء هذا فأنى شئت فابتدري
تالله زلزلت الدنيا بقارعة * من القيامة نادت بالسما انفطري
هون عليك وإن داعي المنون دعا * يا أنجم الفضل من آفاقك انتثري
لا تحسب الملة الغراء قد بقيت * بعد الذين مضوا عنها بلا وزر
هيهات قد حفظ الباري محجتها * البيضاء بالخلف (المهدي) من مضر
بقائم بهدانا غير منتظر * ينوب عن قائم بالامر منتظر
له نفائس علم كلها درر * والبحر يبرز منه أنفس الدرر
لو أصبحت علماء الأرض واردة * منه لما رغبت عنه إلى الصدر
مقدم بين أهل الفضل قد عرفت * له الرياسة في الماضي من العصر
يفوق في المدح عين القوم أثرهم * ومدحه شرع في العين والأثر
أغر يبسط كفا لا تقوم لها * بشكر ما صنعته ألسن البشر
هذي سما الدين فانظر كيف زينتها * بأنجم العلم من أبنائها الزهر
فروع دوحة مجد أثمرت كرما * للمعتفين وكم فرع بلا ثمر
أبناؤهم زهر آثارهم زبر * آلاؤهم مطر يغني عن المطر
كأنما خلق الله الورى صورا * جميعها وهم الأرواح للصور
يا من غفرنا ذنوب الحادثات به * وكلها ليس لولاه بمغتفر
بك الهدى قد تعزى في رزيته * عن ذاهب لم يدع صبرا لمصطبر
فاسلم وحسبك عنه سلوة بعلي * القدر سيد أهل العلم والخطر
و (بالحسين) أخي العلياء تلوهما * في الفضل واحد أهل الرأي والنظر
وبالنقي (علي) فرع دوحته * وكلهم طاب منه معقد الأزر
قوم إذا ذكروا بحر العلوم سموا * إلى العلى حيث لا مرقى لمفتخر
ولا تزال غوادي السحب واكفة * تعتاده بين منهل ومنهمر
حتى يعود ثراه روضة انقا * تستوقف الطرف في وشي من الزهر



757 في المخطوطة: ومن كدر.
47
وقال راثيا الحاج سليمان چلبي ومحمد بن إبراهيم بابان بالتماس أولادهما: -
أطار بك الناعي فؤاد العلى ذعرا * غداة نعي في نعيك المجد والفخرا
دعا بك فابيضت لنعيك عينها * من الحزن وارفضت مدامعها حمرا
بكتك فجارت جود كفيك إذ جرت * بدمع تعدى القطر إذ ساجل القطرا
ألا إن روض المكرمات برغمها * ذوي بعدما قد كان غض الحيا نضرا
وتلك قناة العز طارت بكفه * شظايا إلى أن كلها نفدت كسرا
فيا موحشا نادى النهى برحيله * ويا تاركا عين الندى أسفا عبري
ليومك جرح في حشا المجد لم يجد * معالجه طول الزمان له سبرا
أصاب الردى لما أصابك مقتلا * من الحسب السامي به قتل الصبرا
وغادر أفق المجد أغبر قائما * بحثو الثرى لما توسد في الغبرا
لمن بعدك الفيحاء تذخر دمعها * وقد كنت عند النائبات لها ذخرا؟
حرام بأن يهدي بها عاطر الثنا * فبعد عروس سائر الدهر لا عطرا
بلى فلتكن في النوح (خنساء) عصرها * وإن جل عن صخر (سليمانها) قدرا
قفا ناشداها أين بان عميدها * وهل بعده حام تسد به ثغرا؟
غدت بين ذؤبان الخطوب فريسة * بها كيف شاءت تنشب الناب والظفرا؟
مضى ابن جلاها لا ومثواه لا ترى * من القوم من يجلو دجى همها الدهرا
أمر (758) لديها العيش بعد افتقاده * وكان حلا فيه لأبنائها عصرا؟
فعذرا إذا إن تشتك اليتم بعده * فقد فقدت منه أبا لم يزل برا
برغم أخيه الجود ودع شخصه * وعاد إلى لقياه ينتظر الحشرا
ففي القلب منه كلما مر خاطر * تذكر محزونا وأنى له الذكرى
فتى شد أزر المجد فيه أطايب * على عفة منذ ارتدوا شدوا الأزرا
كرام على اولي الزمان رحابهم * لمنتجعي معروفهم لم تزل خضرا
لهم شرف البيت القديم ووفدهم * يحيون فيه منهم البدر فالبدرا
ثلمن المنايا عزهم (بمحمد) * فشلت يد فيها تناولنه قسرا
فتى كان سيفا فاصلا في يد العلى * يقد ولو لاقي ضريبته الدهرا
وكان لها في نحرها عقد سؤدد * فلو شعرت يوما به باهت الشعرى
ترى هل دري ناعيه أن نعيه * من الشرف الوضاح قد قصم الظهرا؟
وحر به قلب النهى فكأنما * سرى بين أضلاع النهى نعيه جمرا
فيا حامليه هل علمتم بأنكم * حملتم على أعواده النهي والأمرا؟
ويا دافنيه في الثرى هل علمتم * بأنكم واريتم في الثرى بحرا؟
لقد كان إن جن الدجى ليل حادث * يشق لها من نور طلعته فجرا
أغر إذا ما قطب العام مجدبا * تبسم فيه للندى وجلا ثغرا
وإن قبضت يمنى الكرام بنانها * مخافة إعسار به بسط اليسرى
ضحوك المحيا بوركت منه طلعة * تشع لو استقطرتها قطرت بشرى
إذا ما نشرنا في المجالس ذكره * تأرج في الدنيا فطبقها نشرا
لئن غاب فهو البدر موف فقد مضى * وأعقب في أفق العلى أنجما زهرا
وما مخدر أخلى الردى منه غابه * إذا منعت أشباله بعده الخدرا
غطارفة غر المساعي تقيلوا * أبا فأبا كانوا غطارفة غرا
إذا فوخروا يوما أتوا بأبيهم * وعدوا مزاياهم فقيل كفى فخرا
بحار ولكن في يدي كل واحد * نشأن لمرتاد النهى أبحر عشرا
لقد عذبوا بين الأنام خلائقا * ترشفها حتى انتشى كلهم سكرا
مناجيب قد أفنى التراث على الندى * أبوهم وأبقى في العلى لهم الذكرى
مضى من نضت أم الفخار حدادها * عليه ولم تمسح مفارقها الغبرا
وقد أودعت شطرا بلحد (محمد) * ولحد (سليمان) به أودعت شطرا
فلا يشمت الحساد في موت ماجد * قضى حين وافته الملائك بالبشرى
فهذا علي القدر قام من العلى * مقام (سليمان) فزيدت به فخرا
خضم ندى ما البحر يطفح موجه * بأغزر لجا من بنانته الصغرى
وهضبة حلم لو وزنت به الورى * وجدتهم في جنبه كلهم ذرا
وراءكم يا حاسديه مكانه * بأندية العليا فإن له الصدرا
وكم موكب للفخر ضمكم معا * فكنتم بغاثا وهو كان به صقرا
أخو اخوة في المكرمات جميعهم * أتوا شرعا فاستغرقوا الحمد والشكرا
عليهم في المجد محسنهم بدا * ومحسنهم منسيهم نائلا غمرا
بني الحلم أنتم أرسخ الناس هضبة * وأرحبهم في كل نازلة صدرا
نقول لكم صبرا ونعلم أنكم * أجل ولكن عادة قولنا صبرا
لكم ختم الله الرزايا بهذه * فلا طرقت أبياتكم بعدها أخرى



758 صار مرا.
48
وقال راثيا عبد الله بن شبيب البغدادي، ومعزيا أخاه محمدا:
يا رواق العلى فقدت وقورا * ألف الحلم واصطفاه سميرا
فيك قد أسكت الردى منه فحلا * طالما قد ملا الندى هديرا
وأرانا الفتور في جفن صل * حين أرخى الجفون منه فتورا
إنما أنت غاب عز أصابت * أسهم الحتف منك ليثا هصورا
قد تخلى سرادق المجد ممن * تخذ العز حاجبا وخفيرا
قبروا منه في الصعيد أخا السيف * لسانا عضبا وعزما طريرا
وغدا ينشرون منه مزايا * كل ناد بها يضوع عبيرا
يا لها عثرة جنتها الليالي * عاد جد الفيحاء فيها عثورا
نكبة صغرت جميع الرزايا * كان ذنب الزمان فيها كبيرا
قل لفيحاء بابل كابديها * لوعة في القلوب تبقى دهورا
وأطيلي العويل حزنا على من * رد باع الأيام عنك قصيرا
كان فيه بك الهجير أصيلا * فأعيدي له الأصيل هجيرا
بزفير يحمى به الترب حتى * تطأ الترب من لظاه سعيرا
يا دفينا على ثراه المعالي * تركت قلبها يكوس عقيرا
وسدوا خدك الكريم بلحد * عاد في طيبه ثراه عطيرا
حق لي فيك أن أعزي القصورا * وأهني بك الثرى والقبورا
هذه أظلمت لفقدك حزنا * وغدت تلك فيك تشرق نورا
قد عددناك في الجبال ولكن * لم نخل قبل سيرها أن تسيرا
بك لم يرفعوا سريرك إلا * ولك الحور قد نصبن السريرا
لم أخل قبل ان أراك دفينا * ان ملحودة توارى ثبيرا
إن تفرغت للبلى فلعمري * من أعاديك قد ملأت الصدورا
أو طواك الردى فذكرك باق * ليس ينفك طيبا منشورا
لك لولا (محمد) أي ثلم * في العلى سده يكون عسيرا
قطب مجد كفاه إن رحى الحمد * على غير قطبها لن تدورا
كم جلا للعيون طلعة وجد * طبعت في السما الهلال المنيرا
أسر الحلم نفسه وسواه * لهوى النفس لا يزال أسيرا
ماجد ينقل المكارم لكن * وارث لا كغيره مستعيرا
فهو يروي مرشحا لبنيه * عن أبيه حديثها المأثورا
ألمعي بغوره سبر الدهر * وما كان غوره مسبورا
ولكم راض صعبة لو سواه * راضها رأيه لزادت نفورا
حل دارا للمجد لم تلد العلياء * فيها إلا الابي الغيورا
لك يا دار ما وجدنا نظيرا * زدت فضلا على الديار كثيرا
شادك الماجد الأغر (شبيب) * للمعالي وفيك أسنى الحبورا
وبك استودع النهى من بنيه * أرحب الناس في الخطوب صدورا
فأخرى الزهر كلها بوجوه * زهرت في العلى فكانت بدورا
واستطيلي على الأثير بقوم * شرفا صيروا ثراك الأثيرا
معشر كلهم عرانين مجد * ينشر الحي منهم المقبورا
فلهم من (محمد) شمس فخر * كلما استحجبت تزيد سفورا
يا قريع الزمان عزما وحزما * وذكا المجد بهجة وسفورا
وقال راثيا أحدهم وقد سأله بعض الاشراف: -
أأحبابنا هل عائد بكم الدهر * طواكم وعندي من شمائلكم نشر؟
سلام على تلك المحاسن إنها * مضت فمضى في إثرها الزمن النضر
لعمري لئن قد أقفر الجزع منكم * فربع الأسى من بعدكم طلل قفر
أشاق إليكم كلما عن بارق * وآية شوقي أن دمعي له قطر
ولا أنشق الأرواح إلا غلالة * لتبرد أحشائي وهل يبرد الجمر؟
وكنت أعد الهجر لا شئ فوقه * إلى أن أتى ما هان من دونه الهجر
فأصبحت لا أعلام سلع تشوقني * ولا يتصباني بها ما حوى خدر
وكيف وفقدان الشباب فقدتكم؟ * وتلك حياة لا يحب لها عمر
ولما تجاذبناكم أنا والردى * رجعت برغمي عنكم ويدي صفر
وكم منكم من واضح الوجه أدرجت * له صورة في البرد لم يحكها البدر
وكافورة للحسن أضحت بزعمهم * تعطر بالكافور وهي له عطر
لي الله بعد اليوم من لي بقربكم * وأبعد غاد من أتى دونه القبر
قفوا زودونا إنما هي ساعة * ووعد التلاقي بيننا بعده الحشر
رحلتم وقلبي شطره في ظعونكم * وللوجد باق منه في أضلعي شطر
وشيعتكم والدمع يوم نواكم * غريقان فيه خلفكم أنا والصبر
وأعهد خصرا يشتكي ثقل ردفه * فوا رحمتا تحت الرشا (759) لك يا خصر
ولما وقفنا للفراق وقربت * حمولة بين لا يكل لها ظهر
ربطت بكفي الضلوع على حشا * تكاد خفوقا أن يطير بها الذعر
كأن نياط القلب شدت حمولكم * به، وبكم عني مذ انفصل السفر
فكم خلفكم لي أنة ما لوت بكم * على أنها قد لان شجوا لها الصخر
سأبكيكم ما ناح في الوكر طائر * فطائر قلبي بعدكم ماله وكر



759 هكذا وجد بالأصل، والبيت لم يثبت في المطبوع.
49
وقال راثيا الشيخ محسن مصبح ومعزيا ولده الشاعر الشيخ حسن (760) مصبح: -
بكيت لمحمول إلى القبر في نعش * سرى حاملوه في الثرى وهو في العرش
نعاك لي الناعي فقلت حشاشتي * عليها انطوت أنياب أفعى من الرقش
وقد كنت أرجو أن أهنيك بالشفا * فأصبحت أنشي في رثائك ما أنشي
وما خلت أن الدهر فيك مخاتلي * يراصدني سرا بغائلة البطش
إلى أن رأت عيني سريرك والعلى * على إثره تكلى وتعلن بالجهش
فلم أر لي من حيلة غير أنني * نظرت إليه مذ نأى نظر المغشي
كأن الذي بالأفق نعشك سائرا * وطرفي السهى والحاملون بنو نعش
مشت خلفك التقوى تشيع روحها * ومن غير روح من رأى ميتا يمشي
بكتك وظفر الوجد يخدش قلبها * فمدمعها المحمر من ذلك الخدش
لئن كنت فيما تبصر العين ثاويا * بدار البلى في ذلك الجدث الوحش
فإنك عند الله حي منعم * لديه على تلك النمارق والفرش
ولولا ابنك الزاكي لادمي تأسفا * عليك التقى كفيه بالعض والنهش
ولكن رأى والحمد لله باقيا * له (حسن) فاختار ما اختار ذو العرش
فتى حنيت منه على قلب خاشع * جوانح ذي نسك سلمن من الغش
فما ينطق الفحشاء مذود فضله * ولا سمع تقواه يعي قولة الفحش
تعاهد غيث العفو مرقد (محسن) * يبل ثرى واراه رشا على رش



760 هو الشيخ حسن بن محسن بن حسين الشهير بمصبح الخلي، من مشاهير شعراء عصره، ولد
في الحلة عام 1246 ه‍ وتوفي بها عام 1317 ه‍ ترجمت له في كتابي (شعراء الحلة) ج 1
ص 288 - 320، ط 1، وص 350 - 403، ط 2.
50
وقال راثيا الحجة الأكبر الشيخ مرتضى الأنصاري (761) ومعزيا العلامة السيد مهدي
القزويني: -
من حط هضبتك الرفيعة * وأباح حوزتك المنيعه؟
وطواك والتقوى بقبر * ضم جسمك والشريعة
وأعاد ملة (أحمد) * ثكلى وذات حشا وجيعه
تنعاك واضعة على * ظهر أجب يدا قطيعه
يا راحلا بالعلم * تنقله عن الدنيا جميعه
وموسدا في تربة * بات الصلاح بها ضجيعه
كنت الذريعة للهدى * واليوم بعدك لا ذريعه
إن الورى في فترة * عمياء ليس لها طليعه
ترتاد مثلك سابقا * بين الحسيرة والضليعه
ما كان أحوجها لطبك * أيها الراقي اللسيعه
فاذهب فلم تصلح لمثلك * هذه الدنيا الخدوعه
فلها دخلت وأنت محمود * السجية والطبيعه
وصحبتها بجوارح * عصمت لخالقها مطيعه
وخرجت منها طاهر * الأبراد مشكور الصنيعه
فلتبك مفقدك الورى * يا نيرا فقدت طلوعه
ولنستر الهلاك خلتها * ولا تشكو القطيعه
قد فاتها العين البصيرة * منك والاذن السميعه
كانت ترى بك من أما * مك غر أوصاف بديعه
قد راض نفسك زهده * فغدت بقرصيه قنوعه
وبلبس طمريه اكتفت * فاستشعرت بهما خشوعه
وصنعت إذ كنت الأمين * على الحقوق بها صنيعه
ورأيت فيها رأيه * لما لديك غدت وديعه
فلذا بها ساويت عالية * النفوس مع الوضيعه
والآن قد ضاقت لرزئك * في الورى الأرض الوسيعه
عادت كيوم وفاته * لك ذات أحشاء صديعه
هذي الفجيعة جددت * أحزانها تلك الفجيعه
خفض عليك أخا العزاء * وسكن النفس الجزوعه
فالدين (بالمهدي) كفمف * في تسليه دموعه
هذا إمام العصر مفزع * كل ذي كبد مروعه
هو صارع الأعداء * ناعش كل ذي نفس صريعه
إن تدعه لملمة * جاءت كفايته سريعه
فتراه يكتمه ويأبى الله * إلا أن يذيعه
يا من يساميه وراءك * عن معاليه الرفيعة
أتعبت نفسك في تكلف * ما الذي لن تستطيعه
مولى هو البحر المحيط * بكل مكرمة بديعه
نشأت بنوه سحائبا * أضحت بها الدنيا مريعه
فإذا ثرى الأرض اقشعر * أديمه كانوا ربيعه
ولدتهم أم الفخار * بدارة الحسب الرفيعة
(نسب عقدن أصوله * بذوائب العليا فروعه)
يا أيها الخلف المشيد * للهدى فينا ربوعه
والمستجار بركنه * في كل نازلة فظيعه
فلانت بعد (المرتضى) * نعم البقية للشريعة
وحدا نسيم العفو ساجم * غيثه فمري ضروعه
وسقى ثرى جدث أقام * مجاورا فيه شفيعه



761 هو العلم الجهبذ الشيخ مرتضى بن محمد أمين بن مرتضى بن شمس الدين الأنصاري،
أشهر مشاهير فقهاء عصره، واليه انتهت رئاسة الدين ورجع إليه الملايين من المسلمين.
وكان مضرب المثل في الزهد والورع، والتقى ومعرفة الله عز وجل. ولد عام 1214 ه‍
وتوفي 18 جمادي الثانية 1281 ه‍، ورثاه الكثير من شعراء عصره، ومنهم الشيخ أحمد بن
صالح البحراني، والشيخ صالح الكواز، والشيخ علي الجاسم الحلي، والشيخ محمد الملا
الحلي.
51
وقال راثيا الشيخ علي العذاري (762) ومعزيا أولاده، والعلامة السيد مهدي القزويني: -
درى لا درى دهر ذممنا طباعه * لأي حمى يا راعه الله راعه
وأي علي ساق للنزع نفسه * لقد كابدت نفس المعاني نزاعه
وأدرجت التقوى بأثناء برده * وأزمع خير الأرض عنها زماعه
مضت ليلة الاثنين عنه بواحد * له في النهى مرأى يفوق سماعه
تفرق شمل الصبر ساعة بينه * وأقبل شمل الهم يبدي اجتماعه
طوى يومه بشر الزمان بهاءه * بشاشته ابهاجه والتماعه
وغادره ما عاش ينشر رزءه * جديدا فيبكي ثكله وانتجاعه
أصاح بماذا يملك الجلد جفنه * على الدمع أو ينهي الحليم التياعه
ويطرد في أي الرقي مارد الجوى * ويحوي لديغ الهم فيها شجاعه
وكيف وأنى والتماسك والذي * به يشتكي كل أجد وداعه؟
سل (الحلة الفيحاء) عن عقد نحرها * أتعلم منها الدهر أين أضاعه؟
نعم سامه فابتاعه الموت بالجوى * ويا ربحها لو تستطيع ارتجاعه
مغمضه مهلا أتحفظ للتقى * بكفيك جفنا ما أعف ارتفاعه؟
وغاسله رفقا فمن جسد العلى * تقلب جسما ما أشق انتزاعه
ورادعه طيبا ألست بناشق * على جسمه طيب التقى ورداعه
وحامله في النعش دونك فاحتمل * به النسك إن النسك كان متاعه
ومضجعه في لحده أضجع التقى * به فهو يهوي مع أخيه اضطجاعه
وباكيه لا تبكي بالدمع وحده * بلى بدم الأحشاء مد اندفاعه
وراثيه إن الكلام لضائق * بعظم الجوى بل لا يضيق استماعه
نعم إن غدت منه خلا فهذه * بقيته في المجد تعلو يفاعه
بهمته تسمو إلى شرف العلى * وتبسط في كسب المعالي ذراعه
مضى وهو البدر المنير وأنجموا (763) * بأبراجه شهبا كساها شعاعه
أطايب قد حلوا من العز ربعه * فعطر طيب الفخر منهم بقاعه
فصبرا بني التقوى وإن كان رزؤكم * عرى الدهر منه ما أراع ذراعه
لنا ولكم حسن العزا عن أبيكم * بخير أب سر الندى قد أذاعه
هو الخلف المهدي من في جبينه * بدا للهدى نورا يزين التماعه
ولم تتبع في الاقتداء به الهدى * بل أوجب الله العظيم اتباعه
أبو سادة لو حلق النسر طائرا * لنيل ذرى عليائهم ما استطاعه
(فجعفر) فضل صالح و (محمد) * (حسين) حبا (المهدي) كل طباعه
فروع فخار رشحتها أصولها * لمجد تمنى المجد منه ارتفاعه
لهم حسب لو كايلوه (764) بنو العلى * بأحسابهم فخرا لما كلن صاعه
أبا صالح كم مبهمات جلوتها * وملتبس منها كشفت قناعه
سنا البدر (765) قد أطفأ سناك شعاعه * ونورك ذا فيه رأينا انطباعه
هل المجد إلا ما رفعت عماده * أو الجود إلا ما تجيد اصطناعه؟
وأعجب شئ أن يطاول فاضل * علاك ومنك الفتر يفضل باعه
وكيف الفضا في عظم فخرك لم يطق * أفخرك قد أعطى الفضاء اتساعه؟
تراجع أعطاء الكثير ولا كمن * إذا هو أعطى النزر ود ارتجاعه
سلمت لدين الله ترأب صدعه * وتحفظ ما منه سواك أضاعه
ولا زلت غيث اللطف يمنح ضرعه * ضريح (علي) دره ورضاعه



762 هو الشيخ علي بن حسين بن عبد الله بن الكاظم بن علي بن تريبان الشهير
بالعذاري، عالم أديب، وشاعر رقيق، ولد بالحلة عام 1200 ه‍ وتوفي بها في 26 ذي الحجة
عام 1281 ه‍. ترجمت له في كتابي (شعراء الحلة) ج 4 ص 221 - 227.
763 هكذا جاء بالأصل.
764 كذا في المخطوط والمطبوع، وقد جاء على لغة أكلوني البارغيث.
765 وفي نسخة: البرق.
52
التاريخيات
قال رحمه الله مؤرخا عام ولادة الحاج محمد صالح كبه (787) في سنة 1201 ه‍:
أتى اليوم حاتم أهل النهى * على أنه للندى فاتح
أغر غدا السعد لما استهل * وهو لغرته ماسح
وهنأ به المجد وفاده * وبشرها الشرف الواضح
وقالوا جميعا وقد أرخوا: * (نرى ولد الخلف الصالح)



787 طلب الحاج محمد صالح من الشاعر أن يؤرخ ولادته وان لم يكن قد أدركها.
53
وقال مؤرخا عام وفاة الحاج محمد صالح كبه في سنة 1287 ه‍:
إن يطو مصباح المكارم ضارح (788) * فلقد أضاءت في علاه مصابح
طف حيث حل فئم جود باهر * وعلى مؤثلة، ومجد (789) راجح
ملك له الشرف الرفيع مشيع * وعليه حتى المكرمات نوائح
شكت البرية داءه (790) لما شكا * فقضى والحد والقلوب ضرائح
من جاره (هود) دعاه فأرخوا: * (أسعد جوارك ذا محمد صالح)



788 الضارح: الذي يحفر الضريح للميت.
789 وفي نسخة: حلم.
790 وفي نسخة: شكت العفاة لدائه.
54
وقال وقد سأله محمد باشا بابان أن يضع هذا التأريخ وهو في سنة 1290 ه‍:
ذا محمد رشيد باشا بباني * شاد للحكم دار عز ومجد
تزدهي في مقاصر لو (لكسرى) * مثلت قال: هذه فوق جهدي
إنما (آصف) أتانا بصرح * من أتاه يجده جنة خلد
قد دعا الملك مطربا أرخوه: * (شاد بدر البهاء دارة سعد)
وقال مؤرخا عام ولادة الحاج مهدي كبه في سنة 1219 ه‍:
وليلة قد ولدت بصبحها (791) * شمس على تشع في سعودها
سرت بها أهل المعالي ولها * أهدت (بمهدي) سرور عيدها
قد طرب الدهر غداة أرخوا: * (فلتزدهي الليلة في مولودها)



791 في المطبوع: لصبحها.
55
وقال مؤرخا عام ولادة الحاج مصطفى كبه في سنة 1255 ه‍:
لقد ولدت أم المفاخر ماجدا * تضوع من أعطافه طيب محتده
تربي بحجر المجد واسترضع النهى * وشب يفدي وهو ناش بحسده
وأضحى عليه الفخر يعقد تاجه * ويلقي مقاليد المعالي إلى يده
فيا مولدا فيه بنعمة يمنه * لنا السعد غنى لا بنغمة (معبده)
به خمدت نار العدا حين أرخوا: * (أتى المصطفى يا عز آية مولده)
وقال مؤرخا عام وفاة الحاج مهدي كبه في 1271 ه‍:
ألا بكر الناعي بثاو ثواءة (792) * توسد والمعروف تحت ثرى اللحد
وعاش الهدى فيه ومات بموته * فأرخ (معا غاب الهدى هو والمهدي)



792 في المطبوع: بناؤه، وفي نسخة: بنانه.
56
وقال مؤرخا ومهنئا الحاج محمد صالح كبه بقدوم ولديه الحاج مصطفى والحاج محمد رضا من
الحج وكل شطر منها تأريخ وذلك في سنة 1277 ه‍:
عج لنادي التقى وحي البشيرا * إن فيه الزوراء تزهو سرورا
قد حباها يا سعد بشراك سعدا (793) * كل قطر لنوره شع نورا
إذا بإقبال أزهريها من الكعبة * قد جاءها يبث الحبورا
برضاها النقي وابن أبيه * مصطفاها يدعو وردت سفيرا
وجه بغداد حين أما لانسان * الحجى فيهما وصلت بشيرا
فغدا حين صبحاه بهيا * بل حديث الهنا حلا منشورا
أنت قطب التقى عليك لدأبا * فلك العز قد يرى مستديرا
بل جواد العليا ورب فخار * طيبه ضاع بالندى عبيرا
وقرين السخاء من جاد طفلا * بنداه وساد شيخا كبيرا
عش بطرف ما زال زهوا قريرا * يا أبا المصطفى فتحوى الحبورا (794)
كل عام كذا لدارك طلقا * يوفد السعد بالتهاني بشيرا
بل ومغناك طيبا كل يوم * تجتليه به سنيا منيرا
وكذا فليرق نديك مبد * من بهاء ما يخجل البدر نورا
بل كذا اعقد رواق جدك حاو * كل وقت جلالة محبورا
هاك القيت معجزا فانتحي يا * قف عفوا ما زبرجوا تسطيرا
حي منه مؤرخا عام ردا * كل شطر أبدى فعد الشطورا



793 هذا الشطر يكون مجموعه الأبجدي (1292) وقد اتفقت النسختان عليه وأظن الصحيح
(بشراء) بدلا من (بشراك) ليتم التأريخ.
794 الظاهر أن لفظة (الحبورا) وقعت هاهنا سهوا وان اتفقت النسختان عليها، ذلك لان
مجموع الشطر يكون (1027) أما لو وضعنا مكانها (السرورا) لتم الحساب.
57
وقال مؤرخا عام ولادة الحاج محمد رضا كبه في سنة 1246 ه‍:
قل لام العلى: ولدت كريما * شاد عليا أبيه فوق السماك
سخط الحاسدون مذ قيل أرخ: * (ولد المجد يا وفود رضاك)
وقال مؤرخا عام ولادة محمد صالح كبه ومهنيا والده الحاج محمد حسن وذاك في سنة 1296
ه‍:
بشرى بمولود به ابتهج الزمن * وغدت تهني المكرمات به (الحسن)
ولدته أم المجد أبلج طاهرا * في الأرض ترضعه المعارف لا اللبن
فيه مخائل من أبيه وجده * يخبرن أن سيطول عالية القنن
وسيغتدي للحمد أشرف كاسب * وعلى كنوز المجد أكرم مؤتمن
غصن نمته دوحة الكرم التي * منها العفاة كم اجتنت ثمر المنن
تتفيأ الأشراف بارد ظلها * لتقيهم من حر هاجرة المحن
وكفاك بالحسن المهذب شاهدا * لقديمه بحديث مفخرة الحسن
هذا الذي ملا الزمان عوارفا * بالبعض منها عاش كل بني الزمن
إن لم نوجه مدحنا وثناءنا * لمحمد الحسن الفعال، فقل: لمن
هو عقد فضل زان عاطل عصره * لو لم يهبه الله عز على الثمن
يفديه من تلقاه يرحض (795) ثوبه * يبغي نظافته وفي العرض الدرن (796)
إن لذ لي فيه الثناء فأنه * لألذ في عين المحب من الوسن
ندعوه يا ملكا بكاعبة العلى * هو لا بكاعبة النهود قد افتتن
يهنيك مولود سررت به العلى * من سعد مولده بسعد كما اقترن
طربت وقد غنى البشير مؤرخا * (ولدت محمد صالحا تقوى حسن)



795 يرحض: يغسل.
796 الدرن: الوسخ.
58
وقال يهنأ الحاج محمد صالح كبه ويذكر السنة التي حال فيها ولداه عن الحج وهي سنة
1276 ه‍ وكل شطر منها تاريخ: -
بشرى بروج الجود بشراها * ضاء بأفق المجد بدراها
وقد تجلت في سماء العلى *، فاهنأ بذا السعد، سراجاها
شع نهار السعد حين ابتدا * يضي في الزورا فجلاها
واكتست الدنيا لأنواره * أشعة تجلو محياها (797)
ثم دياجي النحس زالت فما * أسعدها وابيض قطراها
بل أنست اليوم حديث الصبا * نسمة بشر هب رياها
فيا علمتن بنات الفلا * من أمس أنضاك بأرجاها
وأي وجه لاغر هو ابن * الشمس مهما يزه خفاها
فوقك مبد خلف حجب السرى * زاهي سنا طرقك ضواها
إذ كم فرى بطن فلا ماؤها * آل وإعناقا تخطاها
لجد حتى احتل أم القرى * قد حاز ما حاز بمغناها
في شق نفس وقت ميلاده * تقاه والطيب دثاراها
رضى النهي أنجب حي النهى * أشمخها قدرا وأحباها
و (مصطفى) أعظم به أطيبا * مثل أخيه عاد أبهاها
ذا هو طرف العز إنسانه * وذاك راح البر يمناها
أتى ارتقاب الحج عاما به * مكثهما تلقى مصلاها (798)
فأرخنه فرحا معجبا (799) * في أشطر أحمدت رؤياها
هاك التق البشر لها مطلعا * ناش هناه وقت أنشأها
ألا اجلونها مزهرا وافتتح * بشرى بروج الجود بشراها



797 هذا الشطر ينقص واحدا.
798 هذان الشطران لا ينسجمان مع البقية لزيادة في العدد.
799 هذان الشطران لا ينسجمان مع البقية لزيادة في العدد.
59
وقال مؤرخا عام وفاة الحاج محمد رضا كبه:
وقف المجد ناعيا عند قبر * وارت المكرمات فيه حشاها
ودعا أنت جنة قلت: أرخ * (طاب مأوى نعيمها لرضاها)
وقال مؤرخا السنة التي تشارك بها في التجارة الحاج عبد الغني كبه ومصطفى الباجه جي
وهي سنة 1295 ه‍:
للمصطفى والحسن الفعل معا * مرآة رأى حسن مرئيها
كم قد أعدا للتجار رابح * خانا وهذا بالغنا مليها
باليمن فيها عقدا شراكة * لفتية مجموعها حظيها
كواكب كل يروق المشتري * فلا تسلني أيها دريها
بعينه الرحمن قد رعاهم * لله عين آمن مرعيها
أهلة بورك باجتماعها * ببرج سعد زانه وضيها
شراكة جاء حميد فألها * للربح أرخ (مصطفى غنيها)

60
التقارض
قال - رحمه الله - مقرظا تخميس همزية البوصيري (800) في مدح الرسول الأعظم محمد (ص)
للشاعر عبد الباقي العمري الفاروقي:
نسيت في عرفانك الحكماء * فقبيح (801) أن تذكر الشعراء
أي فضل لهم يبين وهل للبدر * نور إذا استنارت ذكاء
جئت في النظم مبصر الفكر والدنيا * جميعا بصيرة عمياء
فأزلت العمى بآيات فضل * أذعنت طاعة لها البلغاء
نشرت طي الفصاحة لكن * طويت في انتشارها الفصحاء
حكم حلوة الينابيع عفوا * سلسلتها روية سمحاء
يرشف السمع لفظها العذب راحا * لجميع العقول منه انتشاء
لو تلاها مرددا لفظها المر * لما احتجن روحه الأعضاء
وكفى شاهدا بفضلك ما * ترويه عنك (الهمزية) الغراء
بنت فكر مجلوة في قواف * لم تلد قط مثلها الآراء
ألفات مثل الغصون تلتها (802) * لك من كل همزة ورقاء (803)
لبست من جمان نظمك عقدا * ما تحلت بمثله عذراء
أين (يا ابن الفاروق) منك الذي * أبدع في نظمها ولا إطراء (804)
لو رأى ما أودعت فيها لاضحى * هو والنظم (واصل) والراء (805)
زبرة (806) قد أشعت في المتن منها * جوهرا في فرنده (807) يستضاء
فهي فيه عادت كمثل عصا موسى * وتخميسك اليد البيضاء (808)



800 البوصيري: هو محمد بن سعيد بن حمادة، من مشاهير شعراء عصره ولد بدلاص، ونشأ
ببوصير، وأشهر قصائده البردة في مدح الرسول الأعظم (ص) وقد عارضها الشعراء كما
شطرها وخمسها فريق كبير منهم، أشغل مناصب في القاهرة، وطبع ديوانه. توفي
بالإسكندرية عام 695 ه‍.
801 في المطبوع: فحقير.
802 وفي ديوان الفاروقي: عليها.
803 الورقاء: الحمامة. وفي البيت تشبيه جميل للهمزة فوق الألف كالورقاء فوق الغصن.
804 في ديوان الفاروقي جاء البيت هكذا:
أين يا ابن الفاروق عنك البويصيري * في نظمها ولا اطراء
805 يريد به واصل بن عطاء، وكان يلثغ بالراء.
806 الحديدة الضخمة الواسعة.
807 في ديوان الفاروقي: افرنده، وفي المطبوع: فريده وهو غلط.
808 في مخطوطة الملا: فهي عادت من نوره كعصا موسى.
61
وقال مقرظا (الباقيات الصالحات) للشاعر المعروف عبد الباقي العمري (809):
أرب القوافي قد غدا لك مذعنا * بها محرز الفضل اكتسابا ووارثه
لو (المتنبي) شاهد الحكم التي * نطقت بها ما شك أنك باعثه
هي والباقيات الصالحات) أطايب * القريض، ولكن ما سواها خبائثه
فحسبك منها معجزا بمديح من * معاجز كل الأنبياء موارثه
غدت كعصا موسى ولكنما بها * قد التقفا سحر القريض ونافثه
كفى انها في أمة الشعر قبلة * إليها قديم النظم صلى وحادثه



809 لم تثبت هذه القطعة في الديوان المطبوع، ولكنها مثبتة في العقد المفصل ج 1 ص
242 تأليف صاحب الديوان.
62
وقال مقرظا كتاب (الروض الخميل في مدح آل جميل) (810):
هذا كتاب أم حديقة روضة * تتنزه الأحداق في أورادها
وتود لو شرت (811) العيون بياضه * وسواده ببياضها وسوادها
نظمت به غرر الكلام مصاقع (812) * روح الفصاحة قام في أجسادها
غررا بدت كالشهب (813) إلا أنها * بزغت بليل من سواد مدادها
لو شنف الشادي الحمام بها إذن * خلعت له الأطواق من أجيادها (814)
يهوى فؤاد المءر يغدو مسمعا * ليحوز حظ السمع من إنشادها
لفظ أرق من الصبا وفخامة * معناه تحسب قد من أطوادها
دع ما يزخرفه الربيع وإن زهت * أزهاره بين الربى ووهادها
وتصفح (الروض الخميل) فرغبة * لثراه تنسى العين طيب رقادها
تحظى بكل طريفة من حسنها * غدت العقول العشر من روادها
ويعد من (آل الجميل) مناقبا * تهوى النجوم تكون من أعدادها



810 آل جميل: أسرة جليلة معروفة في العراق، نبغ منهم فريق من الشعراء والعلماء
والأعيان، وجدهم: محمد جميل بن عبد الجليل، وأولاده عبد الغني واخوته، هاجر من
الشام إلى بغداد، وأشهر من نبغ منهم عبد الغني فقد حاز على جلالة ورفعة ومكانة
سامية بين أعلام العراق وحكامه. وقد ألف السيد عبد الله بن أبي الثناء الآلوسي هذا
الكتاب (الروض الخميل في مدائح آل جميل) توجد منه نسخة عند المؤرخ عباس العزاوي،
وقد نشر العزاوي مجموعة عبد الغفار الأخرس في عبد الغني جميل.
811 شرت: باعت، واشترت: ابتاعت، وهو من الأضداد المعروفة في اللغة.
812 المصاقع: واحده مصقع، وهو الخطيب البليغ القول والجهوري الصوت، أو الذي لا يرتج
عليه في الكلام.
813 وفي المخطوط: كالشمس.
814 شنف الجارية: جعل لها قرطا، والشادي: المرتل.
63
وقال مقرظا شعر العلامة الميرزا أبي الفضل (815) أحد تلامذة الحجة السيد ميرزا حسن
الشيرازي:
يا أبا الفضل كلما قلت شعرا * فيه أودعت من بيانك سحرا
وإذا ما بعثت غائص فكر * في بحور القريض أبرزت درا
كم تعاطيت غاية جئت فيها * سابق الحلبتين نظما ونثرا
لك حر من النظام رقيق * ورقيق النظام ما كان حرا
إن تصفحته تجد كل شطر * فيه يحوي من المحاسن شطرا
لف في نشره بديع القوافي * ببديع ترويه لفا ونشرا
كلم كله سبائك تبر * ما سكن الأفكار شرواه (816) تبرا
صغته باهر المعاني فقلنا * إن لله في معانيك سرا
قد تجلى بدر (817) نظمك عصر * جئت فردا به فناهيك عصرا
وهدت قالة القريض نجوم * طلعت في سماء طرسك زهرا
ذكرتنا (ذكرى حبيب) فقلنا * إن في هذه القوافي لذكرى
وسقتنا (غيث (818) الوليد) فقلنا * أنت بالانسجام يا غيث أحرى
وتلت (معجزا لأحمد) يدعو * من وعاه: آمنت سرا وجهرا
فاجتنينا للانس زهرة روض * واجتلينا كالشمس عذراء بكرا
ينثني العقل حين تتلى كأن * اللفظ كأس والسمع يرتاح سكرا
فأرى (الخضر) أنت لكن لديه * (عين ماء الحياة) تنبع خمرا
هي آيات مرسل بالقوافي * ربها قد أحاط بالنظم خبرا
قد قرأنا عزائم الشعر منها * وسجدنا لله حمدا وشكرا



815 هو الميرزا أبو الفضل أحمد بن أبي القاسم بن الحاج محمد علي بن الحاج هادي
النوري الطهراني، عالم جليل، وشاعر معروف له ديوان طبع بطهران على الحروف. ولد عام
1273 ه‍ وسكن النجف زمنا طويلا منذ النشأة إلى أن اشتهر بين أعلام عصره، رجع إلى
طهران وتوفي بها عام 1316 ه‍، ترجمت له في كتابي (شعراء الغري) ج 1 ص 333 - 346.
816 الشروى: المثل. يقال: (لا يملك شروى نقير) أي مثل نقير، والنقير نكتة في
النواة.
817 وفي نسخة: تجلى ببدر.
818 المعروف: عبث الوليد، وهو شرح ديوان البحتري لأبي العلاء المعري.
819 شاعر كاتب أديب فقيه قطن الكاظمية وتوفي عام 1300 ه‍ وله كتب ورسائل وديوان في
أدب التأريخ أسماه (نصوص اليواقيث)، ترجمت له في كتابي (شعراء بغداد).
64
وقال مقرظا رسائل العلامة الميرزا محمد الهمداني (819)، ومذيلا للتقريظ برسالة:
انطقت بارعة يرى * حتى العدو وفاقها
تأبى النزاهة أن يذم * ذوو (820) الكمال نفاقها
فهي الهدى لكفؤها (821) * والصدق كان صداقها
عذبت مقالتها فما * أحلى الغداة مذاقها
إني رأيت (محمدا) * فضل الأنام وفاقها
فات الأفاضل لاحقا * حتى شأى سباقها
ورقى معارج ما امتطى * أحد سواه براقها
ما زال يخرق من * سماوات العلوم طباقها
حتى لقد (822) ضربت على * السبع الطباق رواقها
وغدت لخدمة سعده * الجوزا تشد نطاقها
هذا الذي راقته أبكار * العلاء وراقها
بمناقب غر أهلتها * أمن محاقها
زهرت سماء الفضل (823) لما * زينت آفاقها
يا من لحلبة فضله * أجرى يروم لحاقها
[قف حيث أنت وخل * محرزة المدى وسباقها
قد أحرز الغايات من * أجرى لهن عتاقها
فإليك عن لجج * نهينك أن تخوض عماقها] (824)
هذي رسائله فقف * متصفحا أوراقها
ترها عقائل فكرة * أخذ النهى ميثاقها
وحدائقا فيها المعالي * نزهت أحداقها
وشدت بها ورق الثنا * مذ (825) شاهدت ايراقها
وتلذذ الذوق السليم * بها عشية ذاقها



820 في المخطوطتين: أن تذم ذوو الكمال.
821 في المطبوع: فهي الهدى لكفورها.
822 وفي مخطوطة الأصل:
حتى له ضربت بأفنية * النجوم رواقها
823 في مخطوطة الأصل: العلم.
824 الأبيات الثلاثة لم تثبت في المطبوع.
825 في المطبوع: إذ.
65
ولعمري إن هذه الرسائل، المزرية بنور الخمائل، كلها آيات فضل مبهره، قد تنزلت من
سماء فكرة نيره، أينما تليت فهي تشهد، أنها معجزات من هو كاسمه محمد، ولا ملامة،
إن قلت: ختم به العلم أفاضله وأعلامه، فإنه علامة العصر بل نسيج وحده، وزينة جيد
الدهر بل واسطة عقده، ومركز دائرتي المناقب والمآثر، وجماع سلسلتي المحامد
والمفاخر، ولقد حل من أفاضل الزمن، محل الروح من البدن، وكفى بمؤلفاته الآخذة
بأطراف الفضل، شاهدا وناهيك بها شاهد عدل، فلنمسك عنان المقال عن الثناء عليه،
ببنان الدعاء له في نمو أغراس نعم الله لديه، فالشمس غنية بإشراقها، وحسب
الحمائم زينة بأطواقها، (وهل ينفع التحجيل من هو أشهب).
وقال مقرظا (الرحلة المكية) منظومة العلامة الشيخ محمد حسن كبه:
طرح الدهر في حمى المجد رحله * عند مولى يميره اليوم كله
ولدته العلى وآلت بأن لا * تلد الدهر في بني الدهر مثله
سيف عز لقد تقلده المجد * وبالجود أحسن الفخر صقله
ملك تطلع العلى منه بدرا * في عيون الحواسد اشتب شعله
أفرشته الخدود منهم ولكن * حسدت فوقها الكواكب نعله
لم يعب من خصاله الغر شي * غير بشر ينسي (826) به الضيف أهله
خفر الناس ذمة الجود لكن * حسن الفعل قد رعى اليوم أله
وحد المدح منه للفضل ربا * والثنا في سواه يحمد عجله
درجت في العلى أماجدها الغر * وكانوا شيخ العلاء وكهله
ثم أبقت (محمدا حسن) الفعل * على فخرها بها مستدله
ولعمري لا يكمل الفخر حتى * يصف الفرع طيبا لك أصله
في لسان الثناء رحلة ندب * كل يوم له إلى الفخر رحله
وصف البيد كيف أنضى المطايا * فطوى رحبها لينشر فضله
يا مباري الصبا بصغرى بنان * بالعطايا سماؤها مستهله
عجبا يبتغي علاك ابن نقص * ما حوى من خصالك الغر خصله
رفعت قدرك المعالي عليه * فلها أنت عمدة وهو فضله
وقواف منظومة لقبوها * رحلة حط عندها الشعر رحله
منك ألفاظها مجاجة مسك * مزجت حلوة بشهدة نحله
كم جلت لامري عقيلة معنى * أمهرتها يد التعجب عقله
ليت من مقلتي بدت بسواد * في بياض لكن بخط (ابن مقله)
كلمات في وصف حجك جاءت * كعطاياك في المكارم جزله
قد روته لنا فناديت أرخ * (حي حجا يتلو مساع برحله)



826 في المطبوع: ينمي.
66
وقال مقرظا كتاب العلامة الميرزا محمد الهمداني:
هو طرس أم خد عذراء تجلى * خط فيها الابداع ما كان أملى
وسطور تلألأت أم ثغور * من غوان يبسمن زهوا ودلا
بل كتاب (محمد) جاء فيه * بلسان الاعجاز في الناس يتلى
لا تشبه عقوده بفصول * ناعمات الصبا به تتحلى
فمن الدر نظم كل ولكن * در هذي الفصول أحلى وأعلى (827)
إن تصفحته بعقل تجده * كيف يهدي لمن تفهم عقلا
يا صناع اليراع بل يا إمام * الحرمين استطل على الناس فضلا
إن من بعض ما بنانك خطته * كتابا حوى المحاسن كلا
ولدته روية لك يقظى * إنها لم يلد لها الدهر مثلا
غير بدع إذا تحلى به العصر * فأنت السيف الصقيل المحلى
بل ذكاء الهدى وأقسم حقا * بنهار للفضل منك تجلى
إن هذا الكتاب روض فنون * يجتنى مثمرا كنانا ونبلا (828)
ظل أوراقه النهى فتصفحنا * عليها منثور لفظك طلا
فنظمنا له وقد راق حسنا * عقد مدح وكان للمدح أهلا (829)
فشممنا ريحانة النقل منه * وهجرنا سواه إذ كان بقلا



827 في المخطوطتين: أعلى، كما في المطبوع أيضا، ولعلها: أغلى.
828 في المطبوع: كمالا ونبلا.
829 في مخطوطة الملا: أحلى.
67
متفرقات
قال رحمه الله هاجيا:
أكرر الطرف (830) لا أرى أبدا * إلا غبيا أنى تلفت
من كل من ذقنه (كعانته) * والفم منه كأنه است
ومعجبا كل مشيه مرج * ومترفا كل أكله سحت



830 في المطبوع: أكرر طرفي فلا أرى أبدا.
68
وقال:
وحش من الانس من يعلق بصحبتم * يكن كمستبدل سقما بصحته
كأنني بينهم مسك أحاط به * ريح البطون فأخفى طيب نفحته
وقال:
كم تراني أستولد الأوقاتا * فرجا في انتظاره الصبر ماتا
وإذا هبت الحظوظ فحظي * يقطع الليل والنهار سباتا
وقال يهجو أهل زمانه:
ما أكثر الناس لولا أنهم بقر * تأتي المثالب أفواجا إذا ذكروا
لو شام آدم بعضا من فضائحهم * لما أحب له أن ينسب البشر
وقال:
إن يبلغنك عن جود امرئ خبر * فكذب السمع حتى يشهد البصر
ولا يغرك إن راقت ظواهره * فرب دوح نضير ماله ثمر
وقال هاجيا بعض الناس:
أفلان لا تبغي الثناء فما * لك في الثنا من نعمة تجزى
إن الذي يثنى عليك كمن * دون المهيمن يعبد الرجزا
وقال هاجيا بعض الشعراء:
فويل القريض لقد أصبحت * به أغبياء الورى تدعى
بقية عار دنى الهجاء * ترفع عن قدرها الأوضع
وقال مشيرا إلى زيارة أحد أصدقائه في ليلة هبت فيها عواصف ورياح (831):
سعدت من عشية زار فيها * قمر المجد ربعنا فأضاءا
وأظن الرياح قد حسدتنا * فهي وجدا تنفس الصعداءا



831 لم يثبت البيتان في المطبوعتين.
69
وقال يصف خيمة ضربت لمأتم الإمام الحسين (ع) والفرش في دار العلامة السيد مهدي
القزويني في العشرة الأولى من شهر المحرم:
أهذا نبي الهدى أحمد * وهذا الذي ضمنا المسجد
من الدمع محمرة أرضه * وسقف السماء به أسود
وجبريل إذ قام ينعى الحسين * وتبكي الملائك إذ تنشد
نعم وأبيك بها أحمد * وأملاك رب السما تشهد
فما عذر عينكم في الجمود * وعين الملائك لا تجمد
وقال وقد التمسه بعض الرؤساء أن يعمل تلغرافا إلى النقيب وهو في استانبول:
ليت مني نياط قلبي إلى قسطنطين * يمتد من أقاصي العراق
فيؤدي إليك أضعاف ما أديت * بالتلغراف من أشواقي
أنت بدر العلى فما برحت فيك * إلينا مضيئة الآفاق
فعلى البدر نالنا منك ما * نلنا على البعد منك بالاشراق
وقال في كتاب كتبه لبعض الأكابر:
قل للنسيم وقد سرى * سحرا بأنفاس رقيقه
يا مشبها عندي (أبا * محمود) في طيب الخليقة
إحمل إليه رسالة * تحكي سجاياه الأنيقة
من شيق في لجة الأشواق * مهجته غريقه
ولأنت والبرق ازويا * عن قلب وامقه خفوقه
شوقا لحضرته التي * كل النفوس لها مشوقه
هو فرع أصل قد غدت * يثرى (832) على الجوزا عروقه
من دوحة في ري ماء * المكرمات غدت وريقه
يا من تمنى النجم حين * سما إلى العليا لحوقه
من ذا لمجدك يرتقى * وسواك لم يسلك طريقه
إن الكرام هم المجاز * وأنت للكرم الحقيقة



832 كذا جاء في المخطوط. وفي المطبوعتين: بثرى، وفي المعنى التباس.
70
وقال في رسالة لبعض الاشراف:
سلام برقته قد حكى * ونفسك رقة أخلاقها
حباك به مغرم أحكمت * مودته صدق ميثاقها
ترف بمهجته دائما * إليك نوازع أشواقها
رآك تفرعت من دوحة * زكا في العلى طيب أعراقها
وأيكة مجدك قد غردت * حمام الثناء على ساقها
وغر مساعيك في المكرمات * تطول بزينة أعناقها
وفخرك لم تحك شمس السما * سناه بباهر إشراقها
فأهدي كأخلاقك الزاهرات * إليك تحية مشتاقها
وقال في وصف خيمة ضربوها في دار العلامة السيد مهدي القزويني في شهر المحرم قد بطنت
في بياض:
اليوم قد صوت ناعي الهدى * يفصح بالنعي ولا يكنى
ينعى قتيل الطف عند ابنه * المهدي مولى الإنس والجن
وقائل ذا السقف ما باله * ابيض وعهدي فيه كالدجن
قلت: رأى المهدي مستشعر * السواد حزنا باكي الجفن
فصار عينا كله للبكا * فها هو ابيض من الحزن
وقال رحمه الله:
خذي قلبي إليك فقلبيه * ترى لا موضعا للصبر فيه
وهل للصبر منزلة بقلبي * بأسهمها النوائب تدريه

71
الرسائل.. (مدح، رثاء، عتاب) الرسائل.. (مدح، رثاء، عتاب)
1 - قال مقرظا كتاب (الرحلة المكية) للحاج محمد حسن كبه:
أيها الرائد خميلة الآداب، الماخض ثميلة الأفكار والألباب، إمعن سير رواحل فكرك، في
شعاب هذه الرحلة، وذق بذوقك السليم في استعذاب هذه النحلة، واعرف كيف يجتنى
الورد، وبأي عين يراد، وكيف يجتنى الشهد، ومن أين يشتار ويستجاد. فلقد بهرني هذا
الكامل، الذي ما كشفت عن مثله ذيولها الحواضن من العقائل، ولا علقت بمثله من
النطف الغر أرحام الحوامل، ولا اتفقت ألسنة المدح إلا على فضله، ولا قلب الدهر
أجفان حائر قبل هذا في مثله. فابعث رائد نظرك في نجمع شمائله، ولمع مخائله،
وقلب أجفان التوسم، والحظ كيف جمع بين التبذخ في معاليه، وبين التواضع في شرف
التكرم، وتصفحه بعين الفراسة، وتعجب من ماجد كملت في شرخ شبابه فيه معاني
السؤدد والرياسة، فأصبح كعبة الفتوة، ومروة الاحسان والمروة، تتعرف للناس عرفات
جوده ونداه، فما دعا طائف الرجاء به إلا ولباه، فكل أيامه ولياليه نحر وتشريق،
وكل آناته مباهلة بالجود وتصديق، قد جمع في حجه بين مشعر الحرم، ومشعر الجود
والكرم، في رحلة شرف راقت منه بأميرها، ونحلة ظرف شاقت منه بابن أثيرها، تارة
تجده ابن مفازة، وتارة ملكا جعل إلى العليا على النجوم مجازه، يتنقل في تلك
الأودية، وتخفق عليه تلك الرايات والألوية، في فلوات مجاهل عمية الايضاح، خرساء
صدى الصحاري والبطاح، يتلون خريتها تلون آلها، ويمور من الهجير مور أنقائها،
أوقب صلالها، وتارة يصف لك تلك المنازل، وما حوت رياضها من المها الخواذل،
والجواري المطافل، فيدعك آنسا بتلك الخمائل، كأنك بينها نازل، وينعت لك شقائق
ورد كأنه أبو قابوسها، ويأخذ في نشر حديث أزهارها كأنه وشي حلية طاووسها، ويحدث
عن مناهل كان ابن فراتها، وعن صواهل كما قيل: كأنما نتجت تحته قياما، أو كأنه ولد
على صهواتها، وعن إبل ما أعجب ما وصف به رواحلها، كأنه لا سواه نتج قادحها
وبازلها، ثم يذكر في أثناء ذلك مساءه وصباحه، وغدوه ورواحه، وعشيه وأبكاره،
وأصيله وأسحاره، بمنطق عذب، وكلام أرق من خد المحبوب وحشاشة الصب، ويتنقل في
خلال ذلك في وصف طلوع الشمس وغروبها، وبزوغ الكواكب ومغيبها، ويتشوق إلى أحبته،
وأهل مودته، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه أبيات تلك الرحلة. وكلمات هذه النحلة، في
نظم كالذهب الابريز، أخلصه السبك، أو كاللؤلؤ الرطب، تتوالى فرائده في أحسن سلك،
وحيث راقني بها الاعجاب، وأخذك مني ما تأخذه محاسن بارعة الجمال من القلوب
والألباب، قرضت كعابها، وقرطت من أبياته أترابها، فحليتها بهذا الوقف، وشنفتها
بهذا الرعاث والشنف، وذلك قولي فيها، وفي منشئ معانيها:
طرح الدهر في حمى المجد رحله * عند مولى يميره اليوم كله (833)
أقول ولعمري أين يقع هذا التقريض، من مدحه على هذا النظم، الذي عادت به حياة
القريض، وإني لأحمد الله على ما أولانا من عظيم المنن، إذ رفع يتم الشعر في هذا
الزمن، بخلف آبائه الحسن، وحقيق أن أقول فيه، وإن لم أوفه من المدح حق
معانيه (834):
ما حلية الدنيا سوى أمجادها * يزهر في بهائم نديها
واليوم قد زينت ومن محمد * لا من سواه حسن حليها
قد نسج الفخر له مطارفا * مطرز بصنعه بهيها



833 تقدمت في حرف اللام.
834 وفي المطبوع: معاليه.
72
فلا أدري أوسط الزوراء، أم قمر توسط منها فلكا، تباع جواهر الحمد، وتجلت لطائم
الثناء، أعبق من لطائم المسك والند، إلى عالم منه بأثمانها، وخبير بتفاوت حسنها
وإحسانها.
* * *
2 - قال وقد كتب بها إلى الحاج محمد حسن كبه جوابا على رسالة وردت منه:
ما عقد الحمد خنصره، ولا فتح المجد بصره، على أنضر عود مكارم، وأزهر طلعة
لشائم، من أبلج بسام العشية في الزمن البهيم، سيماء الشرف الوضاح على قسمات وجهه
الكريم، يسفر للجود عن محيا أنور من بدر تم، يقرأ الوافد عنوان صحيفته هذا قبلة
الكرم:
وجه كأن البدر شا * طره الضياء أو النجوما
لو قابل الليل البهيم * لمزق الليل البهيما
يجلو الهموم ورب وجه * إن بدا جلب الهموما
فبوركت طلعة ذلك الأغر، وحياه الله ما تعاقب الأبيضان الشمس والقمر، فلعمري كم
أطلقت يده البيضاء، من صنيعة غراء، قد عقلت نعم الشكر بأفنية نعمه، وملكت
أعنة سوابق النظم والنثر فلا تستبق لغاية سوى الثناء على أخلاقه وكرمه، حتى مكث
ركاب الشكر على تلك المواهب حبيسا، وأقسم الثناء بتلك المناقب لا لمست يداه سواها
لموسى، وأين بركاب الشكر من تلك الرحبة الخضراء، وماذا تلمس بعد تلك المناقب يد
الحمد والثناء، وهل في هذا الزمن إلا (محمد حسن) ماجد ما اسود ليل الظن لطامع،
إلا ابيض من أشعة وجهه القمر الطالع، وإني وان أحكمت مني يد الاخلاص عقد
وده، وأمنت عليها أن تحل بيد هجرانه وصده، لمعتذر إليه، من ابطائي عليه،
فلقد ساورني الدهر، بشواغل هي قيد الفؤاد والفكر، فأصبحت قليل الحظوة، ثقيل
الخطوة، عاثرا بذيل التقصير، ناظرا من الخجل على البعد بطرف حسير، قد بعثت العذر
على لسان هذه الغادة الكعاب، التي ربما وقف الحياء بها دوين الباب، والرجاء من كرم
أخلاقه، وشرف أعراقه، أن يعيرها سمع مسامح وهاب:
إحدى الغواني إلى الزوراء * جاءتك تمشي على استحياء (835)
*



835 تقدمت في باب الموشحات.
73
3 - وكتب إليه أيضا يعتذر إليه:
قد جنى لي الزمان أعظم ذنب * وغدا عنه شاغلي ان يتوبا
فلقد أقعدتني العلل، حيث أقامني الخجل، ومثلت بي الأمراض، في هيئة من غيره
الصدود والاعراض، إلا أن أعناق الآمال، لم تزل متطاولة إلى هبوب نفحات الاقبال،
بقبول العذر ممن نزل به السقم منزلة الصحة من جسده، وحنى اللحد أضلاعه على بعض
أولاد أخيه وكان أعز عليه من أفلاذ كبده، ومع طوارق اخر، كل طارقه منها تقول لا
وزر، أيسرها ابتلاء الدهر له بحبسه، مع غير أبناء جنسه، لأني منذ فارقت ذلك
النادي، وحللت ولكن في غير بلادي، إلى الان مقسم الفكر بين معالجة الأوصاب،
ومعالجة انتساخ ذلك الكتاب، فإذا انحسرت عني آونة غمرة الألم، وأفقت قليلا من
سكرة السقم، أقبلت على التحرير، قائلا لا يحمد ترك القليل لفوات الكثير، وبينما
أنا كذلك: إذ وردت إلى تلك الرسائل، وأنا في حال، كأني المنعوت فيها بقول
القائل:
أهم بأمر العزم لا أستطيعه * كما حيل بين العير والنزوان
فلولا أنها تابعت إلى طروقها، وشفعت برعدها بروقها، حتى خفت أن ينصب علي سوط
عذابها، لما ألهاني عن تنميق الكتاب تنسيق جوابها، لأنها يا عافاك الله مما
أشتكيه، ومتعك من الصحة بأكمل ما ألتمسه من الله وأرجيه، وإن كان ورودها
إلي منك،، فإني قد آثرت الاشتغال بك حتى عنك، هذا عذري إليك، وأنا على ثقة من
قبوله إذا نشره بنان الاستعطاف لديك، ولقد وشحت هذه الألوكة، بنظم هذه الأبيات
التي جاءت أرق من ريطة وشي محوكة، وجعلت معانيها السحارة، كفارة ما سلف من
الذنوب وأي كفارة:
يا من لويت به يد الخطب * وبه ثنيت طلايع الكرب (836)



836 تقدمت في باب المدائح.
74
4 - وقال وقد كتب بها إليه جوابا على كتاب أرسله أيضا:
في فمي لم يزل لذكرك نشر * طيب واختبر بذاك النسيما
وبمرآة فكرتي لم يزل شخصك * نصب العينين مني مقيما
وعلى النحر من علاك ثنائي * ليس ينفك عقده منظوما
لا تظن البعاد يحجب عني * منك ذيالك المحيا الكريما
أنت عندي بالذكر أحضر من قلبي * بقلبي فكن بذاك عليما
لست أقوى لحمل عتبك يا من * حملت فخره المعالي قديما
فاثن عن غرب عتبك اليوم عني * فيه قد تركت قلبي كليما
إني ومن جعلك ريحانة الأديب، وسلوة الغريب، لم استوجب منك هذا العتاب، ولم
استجلب بمساءة كل هذا الخطاب، فهبني أسأت فأين العفو والكرم، ولعمري لقد تجرمت
علي ولا جرم، إني اعتذر الان فأقول: إن هبت من ذلك الجناب نسمات القبول، ما
حلت أزرار جيبها الصبا، ولا فتحت أكمام النور على الربى، عن أطيب من تسليمات
كأنما تحدثت بها أرواح النسيم فعطرت أنفاسها، وعن أبهى من تحيات كأنما باهت بها
الرواة أنواع الربيع فغطت خجلا بالأكمام رأسها، ولا ملاطفة غادة كعاب، لم تعرف
إلا العطر والخضاب، بأوقع في النفس، واشغل للحواس الخمس، من بديع بيان، كله قطع
جنان، يجلو بواضح الاعتذار ظلمة العتب، ويمحو بصادق التنصل كاذب الذنب، من محب صدع
التقريع منه الأحشاء، وأرمضت قلبه هواجس الاستجفاء، إلى من حنوت عليه ولا حنو
المرضعات على الغرام، وغذوت له الحب ولا غذاء الاباء طرائف الهيام، حتى شب
وليد شوقي إليه على الشغف، ونشأ طفل ولعي به في حجر الصبابة والكلف، حتى سكنت نفسي
إلى هواه، سكون الجفن الساهر إلى كراه، وعقدت خنصر التعويل عليه، حين توسمت عنوان
النهى بين عينيه، وسبرت في مباديه، وتفرست في معانيه، لاعلم أين يكون موقعه من
فخر أبيه، فرأيت الخير كله فيه بعد أخيه، حيث أنبأتني شمائله، وبشرتني مخائله، أنه
سيكون إنسان تلك المقلة، وطراز تلك الحلة، ولا عجب، والامر ليس بمستغرب، ممن
ترشحه معالي هممه، وتؤهله محاسن أخلاقه وكرائم شيمة، لمعارف أبيه وعوارف كرمه، أن
يتشح ببردة فخره، ويتوشح بمناقبه بين أبناء دهره، ولعمري لئن حكت أخلاقه خلائقه،
ووصفت مخاثله بوارقه، ففي الشبل من ابن الغيل شمائل، وعلى ابن ذكاء من الغزالة
دلائل، والفئ ناشي من الظل، والفرع مبني على الأصل، وذكاء النبت بقدر ذكاء
تربه، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، وهذه الصلصالة من ذلك الطين، وهذه
السلسالة من ذلك الماء المعين، قد استهل معه سعده، حين ولد مجده:
عف السريرة طاهر * الأبراد معصوم البصيرة
يقتدي به مشايخ الحزم في عنفوان شبيبته، وتعرف الإصابة كلما رمت عن قسي رويته،
زاده الله عليهم في الحزم بسطة، وجعل له في الكرم أنامل سبطه، قد مشى في ديار
التجارب فجاس خلالها، وقاس بفتره أشبار الكرماء فطالها، يضرب بعرقي نسبه، ويمت
بطرفي حسبه، إلى أبوين لا يجاريان شرفا، أب مرتضى وأب مصطفى، قد صعد الذروة من
هاشم، واقتعد الصهوة من مجد قبيلة المكارم، فهو من أهل - قل لا أسألكم عليه أجرا
-، ومن أسرة جعلوا الانفاق لوجه الله ذخيرة وذخرا، ليس على (الزوراء) وباهر
نداها، أسرة للشرف الواضح سواها، بل ولا على فقارة جميع ظهر الأرض، عترة غيرها
للكرم المحض، قبيلة صورها الله من طينة المعروف والاحسان، وحدرها من صلب
الشرف الأقدم على اولي الزمان، وأقرها في أرحام النجابة، وأولدها في رباع السماحة
والمثابة، ولفعها بأبهى مطارف الحمد، ورباها في حجر السؤدد والمجد، وأرضعها لبان
العلياء، وفطمها إلا عن رضاع الحمد والثناء، وجعل بها سماحة البحر الذي لا يخاض
في عبابه، وأبرزها بهيبة الهزبر الذي لا يواجه في غابه، وكفى طيب أصلها ابانه،
ان في حدائق أحسابها ذلك الحبيب أطيب ريحانه، أعني به جوهرة الزمن، وغرة وجهه
(الحسن)، أنمى الله غصن شبيبته على الفضائل، وشد أزر المعروف من عطائه بواصل،
وأرسى قواعد مجده على إلابد تخليدا، وورد بمكانه من حسان الآداب خدودها توريدا،
وأقر نواظرنا وناظره، بشفاء أبيه الذي عقد على الكرم مآزره، مولى أهل الفضل من
بوارقه، وزهرة من حدائقه، وأهل البذل قطرة من أمطاره، وغرفة من بحاره:
فله أياد لا تزال * سماؤها كرما مخيله
ونقيبة ما غيرت * في الجود عادتها الجميلة
ويد كضرع الغيث * يمخضها الرجا مخض الثميلة
أما بعد: فحين وصلت إلي عقيلة فكرك، وجميلة نظامك ونثرك، طرحت عنها الإزار،
وحللت من غلالتها الأزرار، ثم قبلت منها فتاتا تزري بفتات المسك بخلوقها،
وبابنة العنقود في راووقها، فشفت بعذب كلامها غلة صدري، ونفثت بسحر بيانها في عقد
صبري، قد نشرت لدي حديث واصل، ثم بسطت علي لسان عاذل، فأباتني تأنيبها مبيت
نابغي، وقلبني توبيخها في مضجع ابن هاني المغربي، بل كلما ضرب الليل على الأفق
رواقه، وعقد على الشفق أزراره ونطاقه، أمسي وهمومي القارعة، وأفلاذ كبدي الواقعة،
وفاتحة الرعد سائغ ريقي، وخاتمة الاعلى في شرايين أوردتي ووشائج عروقي، وآراثي في
الشعراء، وأحشائي ما جعله الخليل في وسط الأنبياء، تقريبا بلا استثناء، وكلما فلق
الصبح بعموده هامة الغسق، وشهر خاضبا من وريد الظلام سيفه الشفق، أصبح ولسان
حالي، يترجم عن لسان مقالي، إذا رأيت قوما، إني نذرت للرحمن صوما، فواعجباه
والدهر سلك عجائب، والأيام مثرية من الغرائب، كيف ينصرف إلي وهم، أو يتصور في خيال



837 تقدمت في باب المدائح.
75
أخي فهم، إني في تياك المودة أشقى، بعدما تمسكت منها بالعروة الوثقى، لا
وعافاك الله من العلل، وبلغك منتهى المجد وقد فعل، لا يلهو عن تلك المحبة
عميدها، ولا يخلق على تعاقب الليالي والأيام جديدها، وليت شعري اعتاض عنك، بأي
بدل منك، ولمن أربي مولود الوفاء، ولمن أزف عروس الاخلاص والصفاء، وملتمس
الثقة، لايداع المقه، كالمرتبع بواد غير زرع، والمنتج في بوار خالبة اللمع،
والمغترف من السراب الخادع، والقابض على الماء خانته فروج الأصابع، فهم ومن جعلك
جوهرة الزمن، حريون بقول المهيار أبي الحسن:
خلق إذا حدثت عن أخلاقها * فكأنما كشفت عن سوءاتها
وأما وعليا أبيك، وخلاله الصالحة التي اجتمعت في أخيك وفيك، وسماء مجده التي أنتما
قمراها، وعبقات فخره التي ينفح عطفا كما برياها، لأنت على بعدك، يا نسيج وحدك،
ثاني النفس لدي، وثالث عيني، بل أعز منهما علي، وما تركت المواجهة، رغبة
عن المشافهة، ولا المراسلة، رغبة عن المواصلة، كلا بل لعوائق طارية، وشواغل غير
متناهية، تلهي الحليم عن نفسه، وتنسيه يومه فضلا عن أمسه، ولولاها:
لنثرت حبات القلوب ألوكة * ونظمتها شوقا إليك قريضا
* * *
5 - وكتب إلى الحاج محمد رضا كبه بهذه الرسالة وصدرها بهذه الأبيات:
أغض النسيم تحمل سلامي * فحي برياه (دار السلام)
سلام محب غريق الوداد * غريق الفؤاد ببحر الغرام
يميت بشوق بياض النهار * ويحيي بشوق سواد الظلام
وتهفو نوازع أشواقه * بلب حشاشته المستهام
يطالع بالفكر وجه الحبيب * فيحظي برؤية بدر التمام
حبيب أروح قلبي العليل * من ذكره بنسيم المدام
وشوقي إلى در ألفاظه * كشوق الرياض لدر الغمام
ممن سكن روحه بمحاني (الزوراء)، وأقام جسمه بمغاني (الفيحاء)، إقامة المغترب عن
وطنه، اللابث في غير عطنه، لا يملك على الخفوق، أثناء قلبه المشوق، ولا يلقي سمعه
إلى نديم، ولو كان أفصح الأنام، ولا يرتاح إلى مفاكهة ولو كان من ولدان النعيم،
عبق الكلام، ولا ينظر إلا بعين انسية الأجفان، وحشية الانسان، قد عرفت آماقها
الأرق، وأنكرت أحداقها الرفق، لم تفتح على أناس بصرها، إلا استوحشت عنه
فغضت عنهم نظرها:
أتأنس في فتح أجفانها * عيوني في غير إنسانها
ويخلص يوما لنفسي السرور * إذا وصلت غير خلصانها
إذا كذبت بادعاء الوداد * نفسي وما الكذب من شانها
نعم عندها الغدر بعد الوفاء * هو الكفر من بعد ايمانها
على أنني لم أبرح مسائي وصباحي، وغدوي ورواحي، وعشيتي وأبكاري، وأصيلي وأسحاري،
حرج الصدر، متشعب الفكر، ملوي الحشاشة على حسرات متعالية، طوى الجوانح على
زفرات إلى التراقي متراقية، من لوعة غير ماضية، أقتل من ماضية الحد، وصبابة
كأنها جمرة ذاكية الوقد، فإذا غشيني الدجى بغياهبه، ورقدت الورى أحصيت عدد
كواكبه، بعين ابن شوق نسيت أجفانه الكرى، وإذا نضا الليل عني ثياب ظلمائه،
وألبسني النهار جلباب ضيائه، أقبلت على نفسي أعللها بوشيك التداني، واسلي غلة
شوقها بسراب الأماني، فتذم من أمسها ما استدبرت، وتحمد من يومها ما استقبلت،
حتى يأكل فم الغروب قرص الشمس، ولم تحصل من الرجاء إلا على اليأس، ولما لم يبق
لي في قوس الأماني منزع، ولا في مطمعات الأماني مطمع، سبرت بعين البصيرة والعقل،
مذاهب طرق الوصل، فوجدتها على ثلاثة أنحاء، بين أهل المودة والإخاء، إما بمشاهدة
العيان على القرب، أو حضور الحبيب في مهجة المحب، أو بث الشوق إليه والوجد،
بالمراسلة على البعد، فألفيت أولها مستحيلا، بعد أن طلبته بكرة وأصيلا. وأما
الثاني فما عداني وحين وصلت بالنظر إلى طريقها الثالث، وقطعت عن أولها قرينة
البواعث، وجدت نفسي مقصرة في عدم إتيانه لاقتدارها عليه مع شدة إمكانه، فلم
أزل أوبخها في ذلك وألومها وأعذلها والندم فيما هناك نديمها، إلى أن تمنت من شدة
الخجل، لو سبق السيف إليها ذلك العذل، وقد أخرسها الذنب، وأفحمها العتب، لأنها
قطعت لسان عذرها، في شبات هجرها، حيث أنها وإن طلبت من أنواع المواصلة أطيبها،
وأكملها لذة وأعذبها، إلا أن مالا يدرك جله لا يترك أقله، ولكن منها هذه
الزلة، صدرت بعد ماجد شابه فرعه أصله، ووصف طيب أخلاقه، كريم أعراقه، ولذا
نهضت بعد كبوتها، بأذيال هفوتها، وسلكت إلى المواصلة، بطريق المراسلة، وإلى
المخاطبة، بالمكاتبة، ولم تزل تمحض غزير درها، وتمخض ثميلة فكرها، حتى استخلصت
زبدة سلام رائقه، يستعذب بها حتى من لم تكن له ذائقة، لو ضوعت في لهاة من حشرجت
من الموت نفسه لا انساغت بفيه، أو تنفست أرواحها على بدنه لقرت الروح فيه:
فما روضة مرشوقة عن عبيرها * تحدثن أنفاس الصبا والجنائب
بأطيب عرفا من سلام بنشره * يعطر فاه كل راو وخاطب
ترفعه عوامل شوق تنازعت جلدي، وجلبت السقم في تصرفها إلى كبدي، فنسخت جميل
صبري، وأطالت اشتغال فكري، إلى من نصب الله على التمييز علم فخره، فانخفضت
بالإضافة إلى عزه جميع أبناء دهره، وجزمت بنو الدنيا أنه في السماحة البحر
المحيط، إذا بسط لها بالعطاء كفا استغرق وافر جودها ما حوته دائرة البسيط، فأقال به
من كبوة الجد عثارها، حتى سلمت له بالفضل اقرارها، فهو في أصله الذي عرقت به
العلياء، كما قلت فيه مخاطبا له بهذا الثناء:
يا أمجد الناس فرعا * ينمي لأكرم أصل (837)



837 تقدمت في باب المدائح.
75
ولعمري كيف ينالها بهمة جسمه، من ليس ينالها بها حسن فهمه، إذ هي علا مجد تفرع
من دوحة ضربت في طينة المجد أرومها، واخذ بأطراف الشرف حديثها وقديمها، فهو
ينتمي منها إلى نسب كريم الطرفين، وحسب لم يزل معشار فخره فخار الثقلين، ذاك
صفوة المكارم، في أبنائها الأكارم، وأنجب من ضمه الفضا، (محمد الرضا)، رفع
الله قواعد مجده، وخفض حواسد جده، وجعل كوكب سعده طالعا في سماء الفخار، ما
استدار الفلك الدوار:
دعاء إخلاص إذا رفعته * قال الحفيظان معي آمينا
أما بعد فالغرض من توشيح هذه الألوكة وتسهيمها، وترصيف منثورها ومنظومها، بث وجد
حركت ساكنه الذكرى، وترويح كبد أرمضتها هواجر البعد فغودرت حرى، وتعليل نفس
لم تزل من ثنايا الشوق إليكم متطلعة، ولأخباركم من فم الصادر والوارد لم تزل
منتجعة، ليرد عليها في ارتيادها، ما يجلب المسرة إلى فؤادها، من صحة أجسادكم التي
هي لجسم الزمان أرواح تدبره، وصفاء أيامكم التي هي أوضاح هذا الدهر وغرره، وصل
الله عزكم بيمن إقبالها، وقرن لكم بعمر الدهر غضارة اقتبالها، فلست اسأل غير ذلك
من محقق الحقائق، في كل غاسق وشارق، والسلام عليكم، ما رف قلبي بأجنحة الشوق
إليكم.
* * *
6 - وكتب بها إلى الحاج محمد رضا كبه أيضا:
نسخت ولم يحص اشتياقي ألوكة (838) * جميع الذي قد ضمه الكون ناسخ
لقد دان قلبي في شريعة حبكم * فليس له حتى القيامة ناسخ



838 الألوكة: الرسالة. وفي نسخة: والها.
76
سلام فتقت نور زهره صبا الحب، وأعربت أنفاس نشره عن طي سريرة الصب،
ورقت ألفاظه حتى سرق النسيم طبعه من رقتها، ونفحت بريا الاخلاص فقراته حتى
استعار العبير المحض طيبه من نفحتها، وما هي فقرات في الطروس قد وسمت، بل روح
محب أذابها الشوق، وفي قالب الألفاظ تجسمت، فلو نشق أرواح عرفها من غشيته
سكرات الموت لصحا، ولو سرح النظر في لؤلؤ ألفاظها ذو الطبع السليم لسحرت عقله
وماس منها مرحا، فحقيق أن أوشح خصور عرائسها الأنيقة، بدر من ألفاظي التي
تحتوي من المعاني على نفائسها، الدقيقة:
عرائس لفظ حكى مسكها * على الطرس أنفاس ريح الصبا
رقاق كرقة قلب المحب * وخد الحبيب بعصر الصبا
حكت في العذوبة أخلاق من * لها أهديت وإليها صبا
من محب قطع قلبه الشوق الملح، وترح به الغرام المبرح، وحال من البعاد بينه
وبين حبيبه، ما أوقد في أحشائه سعير وجد إذا انحنت عليه أضلاعه تجافت من لهيبه،
وغودر جنباه من تلهب أنفاسه الحرار، يرسل عليها شواظ من نار، وكاد في تصاعد
حريق زفرته، يضرم الهوى نارا في كرته، وحشدت جحافل الغرام في منحنى ضلوعه، وانتجعت
سفح عقيق دموعه، فهي تستدر عينه دموعها في كل آن، فتنبعث كأنهن الياقوت
والمرجان، وأوطنت الصبابة في غوير لبه، وقوض السلو عن غضي قلبه، وحال من
مترادفات الأشجان، بينها برزخ لا يبغيان، وأوشك الفراق أن ينسف طود حلمه بريح
عقيم، ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم، فلا يتناهي في تحرير نعت شوقه
الكلام، ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، إلى من حلقت به قدامي شرفه، فقصر
كل محلق عن شأو علاه التي أحرزها عن سلفه، وتسنم غارب كل فخر، ووطأ بأخمصه
رقاب الأنجم الزهر، وناصى برفيع مجده أعنان العلاء، ورقي ذروتها بسلم شرفه المطل
على الجوزاء، ولطفت شمائله، ولم يوجد في الكرم من يساجله، وغذي بلبان العلياء إلى
أن بحجرها نشأ، وارتشف مدامة حبها إلى أن نشأ، وطابت منه الخليقة، فكانت مما قلت
فيها خليقة:
يا طيب أخلاق كريم روي * السامع منها ما روى المبصر
بأنها أطيب من روضة * طينتها مازجها العنبر
لو مزج الماء بها شارب * ما شك فيه أنه الكوثر
ندب له في حلبات العلى * دون الأنام الورد والمصدر
كأن من يأوي إلى بشره * من وحشة في روضة يحبر
معارج العلياء مرصودة * ليس عليها غيره يظهر
الفصيح الذي عقدت عليه الفصاحة حبك نطاقها، والبليغ الذي مدت فوقه البلاغة رفيع
رواقها، والماجد الذي سمح الدهر بجوده، فدل على نفي بخل الدهر واثبات وجوده، وأحيا
به روضة الأدب بعدما ذوت، وأجد به ربوع الفضل بعدما عفت، ورفع به سماء المجد بعد
هبوطها، وأقام به أعمدة السؤدد بعد سقوطها، وأقر عيون السماح منه بإنسانها، ووصل
يمين المعروف منه ببنانها، ونشر به جميع ما طوى من المحاسن العجيبة، وأظهر فيه ما
أخفي من بدايع الكمالات الغريبة، فهو من أهل زمانه بمنزلة الروح من الجسد،
والواسطة من العقد المنضد، فأكرم به من ماجد بهيج تعشو من ضوء صباح محياه نواظر
الراثين إذا ملأت من نوره البصر، وأعجب به من فطن تعشو في ظلام الاشكال إلى مصباح
ذكاه بصائر ذي النظر، الصفي الذي أخلصته نفسي من جميع ما ضمه الفضا، (الحاج
محمد الرضا). لا زالت شمس إقباله طالعة في أعلى بروج المراتب، وكوكب سعده ثاقبا
في سماء شرفه التي يتمنى أن يحل فيها سعد الكواكب، ولا برح طائر اليمن له
مزجورا، وروض مسرته غضا مونقا نضيرا، بمحمد وآله المبرئين من الزلل، وصحبه الذين
ما لهم في التقى من مثل.
أما بعد: فإني لم أزل للغرام فيك نديما، وعلى الصبابة حيثما رحلت مقيما، تذهب بي
الأشواق كل مذهب، وطرف عيني لم يزل في آفاق السماء مقلب، فكان عيني قد جنت
عن أغضائها، وكلت بعد النجوم وإحصائها:
أنا أحصى النجوم فيك ولكن * لذنوب الزمان ليس بمحصى
غير أني كلما ألح على قلبي الجوى فأضناه، روحته بذكراك فتنتعش بعد الضعف قواه،
وبينما أعلل نفسي بذكر الوصال، وهي من شدة الشوق تتمثل بقول من قال:
ولم أر مثلي قطع الشوق قلبه * على أنه يحكي قساوته الصخر
إذ وردت منك إلي رسالة بديعة الكلام، حسنة النسيج والانسجام، قد افتتحت بزهر
السلام روضة كلماتها، وختمت بمسك الثناء عقود فقراتها، فنشقت منها نسيم المودة حين
نشرت لدي، واقتطفت منها نور المحبة حين قرئت علي، وهزني إليها الطرب،
وملكني منها العجب، ولما استوقفت النظر فيها، وأجلت الفكر في ألفاظها ومعانيها،
سكرت من ألفاظها ولا جام، بمدامة معانيها ولا مدام، فحينئذ ثنيت عطف ذي نشوة،
وذبت بها صبابة وصبوة، لكني كلما فوقت سهام فكري لم أصب الغرض في تفويقها، حين
غلب علي الشك في تحقيقها، أهي السلافة مزجت بالغيث الذي انسجم وانسكب، أم
(المستظرف) من أرواح الكتب، أو زفت إلي دمية القصر، أو يتيمة الدهر، وجليت
لي بين أنوار الربيع في المعاهد، حالية بدر القلائد، وغرر الفوائد، فيا لها عرائس
فكر أغرب مبتكرها وأبدع، ولا لي ألفاظ أحسن ناثرها حين جانس بينها وسجع، وجمع
فيها فصاحة الألفاظ وبلاغة المعاني فسحر الألباب بيانها، وألف بين الايجاز
والاطناب فبهر العقول تلخيصها وتبيانها، ووالى في سلك الطروس بين فرائد منظومها
ومنثورها، وقابل بين التدبيج والتطريز في وشي رياض سطورها، قد ابتدأت برفع خبر
الشوق عند الخليل، وأنهت إليه الجزم في تمييزه فيما بنيت عليه من مضمر الحب وظاهر
المدح الجليل، وأنبأت فيما أكدت من الشوق أن لا بدل من الصب عند صبه، وأن لا
عوض عنه فيما نعتت من اشتغال قلب الحبيب بمحبه، وان هوى الخليل مقصور على خليله
في كل أحواله، بالإضافة إلى الاستثناء في حذف عذاله، وصرحت عن إلغاء مقالة
الحساد، واثبات ما راموا نفيه من المحبة والوداد، فطفقت أكسوها من استبرق المدائح
بردا أحكم فكري نسجه، وأحليها بعقود الثناء وإن لم تزد حسنها بهاء وبهجة:
أطرسك أم خد عذراء بكر * وذا در لفظك أم لفظ در
سحر غداة فضضت الختام * عنه كأن لفظه نفث سحر
وشككني حسن تنميقه * أوشي بنانك أم وشي زهر
فناهيك بها مبلغة أو غرت فأوجزت، ومفصحة بما فيه لكل منطيق أعجزت، قد حملت
جزيل الحمد من مبادر لشكره، إلى من تقدم إليه بمدح مجده وتنويه قدره، فلله أبوك
وأنت، أتشكرني على مديح به إلى نفسي أحسنت، لان النفس منا ومنكم في الحقيقة
واحدة، وإن كانت الأجساد متعددة متباعدة، على أنكم في غنى عن جميع المدايح، بما
أحرزتم من المكارم والشرف الواضح، وبنشر فخركم طبق مجدكم سائر الارجاء، لا بما نشرت
لكم من الثناء ألسن الشعراء، غير أني كلما فكرت في نفسي، لم أجد إلا المحبة
الخالصة، دعتك إلى شكر مدائحي التي هي بالنسبة إلى كمال شرفكم متناقصة، فنسأل
الله سبحانه وتعالى: أن يجعل عزكم ملازما للدوام ما بقي الدهر، ويصل بالبقاء ما
خلع عليكم من مطارف الوقار والفخر، إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة.
* * *
7 - هذه صورة ما كتبه حول قصيدة المرحوم عمه السيد مهدي السيد داود:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف أنبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد: فيقول الراجي عفو ربه الغني (حيدر بن سليمان الحسيني) إني لما جارى
عمنا وسيدنا السيد مهدي السيد صالح القزويني (839) في قصيدة مدح إنسان عين الزمان،
وواحد الابدال والأعيان، من حط عن أدنى مراقي علاه الفرقدان، وأشرق في سماء فخره
المشرقان، زعيم الفضلاء الجحاجح، الحاج محمد صالح (كبه).



839 مر ذكره في باب المدائح.
77
أحببت أن أتصدى إلى تشطير قصيدة سيدنا السيد مهدي، كما تصدى إلى تشطير قصيدة
السيد المشار إليه الشيخ إبراهيم العاملي (840) فوجدتها في دقائق معانيها وسلاسة
ألفاظها ورقة قوافيها فوق ما قلت فيها:
ومعربة عن فضل من صاغ لفظها * وأودع فيها من بدايعه اللحنا
بديعه حسن لو سواه يرومها * لكان التقاط الشهب من مثلها أدنى
تود قلوب السامعين لو أنها * إذا أنشدت في محفل كانت الأدنى
فما هي إلا وردة ما تفتقت * كمائم زهر الشعر عن مثلها حسنا
ولا ولدت أم القريض نظيرها * ولا فتحت يوما على مثلها جفنا
فما روضة غناء راقت بزهرها * وما برحت أزهارها ترضع المزنا.
بألطف من مدح بها (لمحمد) * وأنى وفيه فاقت الروضة الغنا
فتى قبل دحو الأرض بيت علائه * بناه إله العرش للملتجي أمنا
وقام بنصر الدين لله ناصرا * وفي علمه للخلق نهج الهدى سنا
فما المجد إلا صورة وهو روحها * وما الفخر إلا لفظه وهو المعنى
فتى في معاليه وفي مجده يرى * أجل بني الدنيا وأمنعهم ركنا
وأكرم به من ماجد سيب جوده * لوفاده عن طيب المزن قد أغنى
أيا من لعيدان الندى رد ماءها * بعيد ظما لم يبق في دوحها غصنا
وقد عاد منها ما ذوي فيه مورقا * وما قد عسى أمسى لعاطفه لدنا
بمدحك أم الساريات حسودها * إذا تليت من سحر ألفاظها جنا
ومن حسنها وافى معنى قد اغتدى * وسيع فضاء الأرض في عينها سجنا
يود إذا ما أنشدوها بمحفل * له منشئ الأجساد ما خلق الأذنا
مسددة الأقوال يمسي معيبها * لخجلته بين الورى يقرع السنا
ولو رزق الله السكوت معيبها * لكان له من نطق مذوده أهنا



840 ترجمت له في شعراء الغري ج 1 ص 68.
78
ثم إني أعرضت عن تشطيرها وقلت ما يمنعني من تخميسها وقد انحلني أدبه، وشربت من
نطاف هذا النظام مشربه، فأطلقت عنان فكرتي في مجاراته، وقابلت بتخميسها جميع بدائعه
ومخترعاته، فقلت:
إذا عن لي برق يضيء على البعد * * *
* * * نزت كبدي من شدة الشوق والوجد (841)



841 ذكرت في باب المدائح.
79
ولما قدم حضرة قطب دائرة الوزارة، ومؤمل الامارة، وإلى بغداد جناب أحمد مدحت
باشا، نظم بيتين يتحمس بهما وذلك قوله:
فلا والقنا والمرهفات البواتر * فلا ترة أبقيت لي عند واتر
أيذهب خصم في دم لي مضيع * ولست أذيق الخصم حد البواتر
فكتب إلي الحاج مصطفى كبه إلى الحلة يستحثني بعد الالتماس على تشطيرهما وتخميسهما
وأن انثر مع ذلك نبذة من مدح الوالي المشار إليه، وأن انظم من الشعر مما يحسن به
الثناء عليه، وذكر انه حضر في تلك المجالس، وجرى ذكر البيتين فضمن التشطير
والتخميس، ثم ألزمني بذلك وحثني على الاستعجال، فأجبته وقلت مصدرا للنثر بهذين
البيتين موريا فيهما باسم الوالي المتقدم ذكره:
لي قواف في جنبها البحر رشحه * سلسلتها روية لي سمحه
مدح الدهر حسنها غير أني * لست أرضى بها لأحمد مدحه
ذلك من ألحف بيضة الاسلام جناح ظله، وأقام دون حوزة الملك سدا من زبر آرائه ونصله،
ومد غطاء الامن على الدين، وبسط العدل على جميع المسلمين، قد اصطفاه حضرة صدر
التأمير الرئاسة، وأرسله على حين فترة من التدبير والسياسة، فجاء بعدما غاضت بحيرة
البراعة، وخمدت نيران البأس والشجاعة، جامعا بين آية النصل، ومعجز المقال الفصل،
تتفجر من بنانه ينابيع الكرم، وتفرق عن بنانه جوامع الحكم، حتى هتف لسان العراق،
الان بزغت شمس العدل باهرة الاشراق، ودر حلب البراعة، ونطق بعد الافحام لسان
اليراعة، واستطيب نفحات غوالي الفضل، بعدما منع من شمها زكام الجهل، وقام وزن
الآداب، بعدما كسدت منها البضائع، حين نجم مشتري زهرة الكمال في حضرة فلكية
المطالع، كما قلت فيها:
حضرة مولى سواه ليس يرى * في غير هذا الزمان (842) إنسان
مذ شب يكسى العلى ومرهفه * شاب به الدهر وهو عريان



842 وفي المطبوع: في عين هذا الدهر.
80
فأرض أفنيتها الشرف، ونديم أنديتها الظرف، وخلتاها الشجاعة والكرم، وخادماها
السيف والقلم، وسفيراها العلاء والمجد، وسميراها الثناء والحمد، والهيبة حاجب
طراقها، والعزة خفير رواقها،
ويحق لي هاهنا الانشاء، وإن كان قاصرا لسان الثناء:
رواقك ذا لا بل وليجة خادر * بل الليث يخطو دونه خطو قاصر (843)



843 ذكرت هذه القصيدة في باب المدائح.
81
هذا ولقد رعدت سماء ذلك الفكر المدرار، فقرعت سمع الأعداء بصاعقتين يخطف منهم
برقهما القلوب والابصار، قد أوشكت أن تطلع على نفوسهم منهما الآجال، إذ تحمس
بهما فقال:
فلا والقنا والمرهفات البواتر * فلا ترة أبقيت لي عند واتر
أيذهب خصم في دم لي مضيع * ولست أذيق الخصم حد البواتر
هذا والله الشعر الذي تقطر منه الحماسة دما، وتجبن عن إنشاده الثريا حتى لو كانت
للأسد فما، وحيث فاض على الاسماع صوب هذين العارضين، وصقل الخواطر والطباع لمع
هذين البارقين، رجوت على قلة البضاعة، ونزارة الاطلاع على (844) هذه الصناعة، أن
انخرط في سلك من شكر، وأكون في نظم من خمس وشطر، فقلت لا متحمسا، بل على سبيل
الحكاية عنه مخمسا:
أثرت الثرى نقعا بكر الضوامر * إلى أن تركت الدهر أعمى النواظر
فقل للعدى أمنا شفي الكر خاطري * فلا والقنا والمرهفات البواتر
فلا ترة أبقيت لي عند واتر
أبحتكم للعفو أبرد مشرع * غداة غسلتم كل جرح بمدمع
طمعتم لعمر الله في غير مطمع * أيذهب خصم في دم لي مضيع
ولست أذيق الخصم حد البواتر



844 في المطبوع: في هذه.
82
ثم أقمت إلى جنب كل شطر جليل، خادما له من نظام جميل، فقلت مشطرا:
فلا والقنا والمرهفات البواتر * عن الخصم لم أصفح سوى صفح قادر
لقد صلت حتى قلت حسبي من الوغى * فلا ترة أبقيت لي عند واتر
أيذهب خصم في دم لي مضيع * وسيف حفاظي فل صرف الدوائر
فكيف تذوق النوم عيناي لحظة * ولست أذيق الخصم حد (845) البواتر



845 وفيه: طعم.
83
ثم رأيت أن أخمس التشطير، تلذذا بمعاودة الفكر إلى ذلك النظام الخطير، فقلت:
سطوت فلما لم أدع غير صاغر * عفوت إلى أن لم أجد غير شاكر
رعى الله صفحي عن عظيم الجرائر * فلا والقنا والمرهفات البواتر
عن الخصم لم أصفح سوى صفح قادر
حملت له أثقال عزمي وقد طغا (846) * على عود هذا الدهر حتى بها رغا
فلا وأبي لم يبق لي بعد مبتغي * لقد صلت حتى قلت حسبي من الوغى
فلا ترة أبقيت لي عند واتر
ضمنت على سيفي بهمة أروع * دم المجد من خصمي لأكرم مودع
فلست له ابنا إن يضع عند مودع (847) * أيذهب خصم في دم لي مضيع
وسيف حفاظي فل صرف الدوائر
أبي حد سيفي أن أكلم لفظة * بغير شباه من أجد فيه غلظة
لقد أطعمت عيني الحفيظة يقظة * فكيف تذوق النوم عيناي لحظة
ولست أذيق الخصم حد البواتر



846 في المطبوع: صغى.
847 وفيه: عند مدع.
84
ثم شفعته بهذه المقطوعة، وإن لم تكن لائقة لتلك الحضرة الرفيعة:
أثنت عليك بأسرها الدول * وتشوقتك الأعصر الأول (848)
* * *
8 - قال رحمه الله: وقد جرى لي مع أخي النقيب فريد الزمان، حضرة السيد عبد الرحمن
أفندي. وذلك أنه بعث إلى جناب الحاج مصطفى كبه زاده، أن يرسل إليه (نهج البلاغة)
و (مقصورة السيد الرضي) التي قالها في رثاء الحسين عليه السلام، فأرسلها إليه، وكانت
المقصورة غير تامة، ثم بعد ذلك وجدت المقصورة تامة، فكتبها وأرسلها إليه والتمس
مني أن اكتب معها على لسانه، فقلت:
يا من تفرع من ذؤابة معشر * غدت النقابة منهم في آلها
هذي بديلة أختها المقصورة * الأولى أتتك تفوقها بكمالها
فلما وصلت إليه نظم أبياتا يلتمس بها من الله نصر المسلمين وسلطانها، وخذلان
المشركين وأعوانها، ثم أرسلها إلي يريد تشطيرها وتخميسها، وكتب معها هذه الفقرات
يقول:
هذا ما سنح به الخاطر الفاتر، ونطق به اللسان الكليل العاثر، وتجاسر على ارساله
إليكم (849) مع اعترافي بأني لست ناظما ولا شاعرا، فإن لم يكن جديرا بالاعراض، وكانت
أبياته عامرة غير حقيقة بالانتقاض، وكان راجحا عندكم في ميزان القبول، أيها السيد
الحيدري وابن البتول، أرجوك أن تزينها بالتشطير والتخميس، لتكون سلوة للمكروب
وسببا للتنفيس، والسلام عليكم. والابيات هذه:
يا إله الخلق يا بارئنا * نحن في ضيق فكن عونا لنا
وانصر الغازين وارحم حالهم * وتلطف بهم في ذا العنا
فهم المفدون أرواحهم * وهم الموفون فرضا بينا
فاجزهم خيرا وضاعف أجرهم * أنت فياض العطايا والغنى
واخذل الكفار واخرب دارهم * واهلكنهم واشف فيهم قلبنا



848 ذكرت في باب المدائح.
849 في مخطوطة الملا: عليكم.
85
قال السيد: فنشطت لما ندبني إليه، وأنا المعترف بأن له المن علي لا لي المن
عليه، لأنه إنما دعاني للاخذ بحظي من الانتظام في سلك الداعين، بالنصر لحامي حوزة
الاسلام وبالتأييد لجنود المسلمين المرابطين، في سبيل الله في جهاد الكافرين، وقلت
مشطرا:
يا إله الخلق يا بارئنا * لك نشكو اليوم ما حل بنا
كظنا حشد الملمات فها * نحن في ضيق فكن عونا لنا
وانصر الغازين وارحم حالهم * فلقد أبلوا بلا حسنا
حيث عانوا فيك ما عانوا فجد * وتلطف بهم في ذا العنا
فهم المفدون أرواحهم * ليقوا فيها الهدى والسننا
لك قد دانوا فمن يفضلهم * وهم الموفون فرضا بينا
فاجزهم خيرا وضاعف أجرهم * واجعل النصر لهم مقترنا
ومن الفي فوفر حظهم * أنت فياض العطايا والغنى
واخذل الكفار واخرب دارهم * وأبحنا أرضهم والقننا
قد تشفوا فأدلنا منهم * واهلكنهم واشف فيهم قلبنا

86
عنوان وقال مخمسا:
نشأت نكباء يا رازئنا * إن تذرها أهرمت ناشئنا
خذ بأيدينا وكن كالئنا * يا إله الخلق يا بارئنا
نحن في ضيق فكن عونا لنا
واخذل الغاوين واشغل بالهم * وابحهم واخترم آجالهم
واصطليهم ليروا أعمالهم * وانصر الغازين وارحم حالهم
وتلطف بهم في ذا العنا
قوموا للحرب أشباحهم * ثم باعوا الكرب أفراحهم
فزد اللهم أرباحهم * فهم المفدون أرواحهم
وهم الموفون فرضا بينا
عنهم ضع يا إلهي إصرهم * وبنصر منك فاشدد أزرهم
محصوك اليوم حقا صبرهم * فاجزهم خيرا وضاعف أجرهم
أنت فياض العطايا والغنى
في حمى الاشراك أوقد نارهم * واقتسارا أولهم إدبارهم
ولئلا يخذلوا كن جارهم * واخذل الكفار واخرب دارهم
واهلكنهم واشف فيهم قلبنا
وقال: ثم كتبت إليه مع هذا الشعر بهذه الفواصل من النثر، والابيات التي في أثنائها
لي قلتها فيه، ممن وقع فيه طائر القلب، حيث يلتقط الحب لا الحب:
إلى فتى من قبيلة أبدا * قبيلة في الفخار واحدها
لم تنمه هاشم لذروتها * إلا وغيظا يموت حاسدها
روضة علم تروق والفضل * والعقل معا وردها ورائدها
جلا على (850) الطرس من فرائده * عروس فكر زهت فرائدها
خلوقها من شذا حجاه ومن * جوهر ألفاظه قلائدها



850 في المخطوط: عن الطرس.
87
قد انتظمت بسلك الايجاز، وانتظم في سلكها الاعجاز، فبرزت تخطر دلالا، وتسحب أبراد
البلاغة اختيالا، تجر تلك الأذيال، على نثر هو السحر الحلال، قد تنزلت من سماء
ذلك الحلال آياته الباهرة، واستغرقت من الصب حواسه الخمس، بما اقامه في مقام
الذهول، فجدير أن يتلى عليهم (851) فإذا هم بالساهرة، وحيث أن الداعي، لمالك رقاب
المناقب والمساعي، وإن كان ليس ببعيد الغور، يرى الامر الصادر من تلك الحضرة للفور،
فبادر إلى الامتثال، راجيا أن ينظمه القبول في سلك من حظى بالاقبال، عقد الله
عز ذلك الجناب بناصية الدهر، ولا برحت تأرج بعبير ثرى تلك الأعتاب مفارق الملوك
الغر، ما ضرب الليل رواقه، وحل بيد الصبح عن الغزالة نطاقه، وهذا دعاء للبرية
شامل.
فأجابه بهذه الرسالة:
أخذت بكف الشوق والاحترام، أدام الله بقاك مدى الدهر والأعوام، ما تفضلت به من
نفيس التخميس، المهزم بسطوته البليغة من أرباب الفصاحة ألف خميس، ورقيق (852)
التشطير، الاخذ بشطري الحسن، ولم يكن له شبيه ولا نظير، فوجدتهما لعمري قد ارتقيا
الطرف الأعلى من البلاغة، وارتفعا بعد أن انتصبا بمقام من الاحسان انخفضت دونه
أكابر الصناعة ولم يبلغ أحد بلاغة، فما أعذب ألفاظها، وأدق معانيها، وأعمر
أبياتها، وأحكم مبانيها، فلو رآها (أبو تمام) لاعترف بانحطاطه من ذيالك المقام، أو
(الشريف الرضي) لارتضاها وأقر طائعا بحسن السبك والنظام، أو (امرئ القيس) لما
امتري أنها (853) أبلغ من شعره، أو (عمر بن أبي ربيعة) لما شك أنها (854) أرق من
سلوكه في نظمه ونثره، أو (حسان بن ثابت) لاستحسنها وثبت عنده أنك إمام البلاغة، أو
(زهير بن أبي سلمى) لتاه عجبا من رونقها الأزهري وعلم أنك مصدر الحكمة في هذه
الصياغة (855)، وأما ما رصعتها به من جواهر نثرك الذي انتظمت دراريه، وعذبت ألفاظه
واستحكمت معانيه، فهو وبهي سمتك، ورقة طبعك، كما قيل: السحر الحلال، والماء
العذب، تجلى به الابصار والبصائر، وترتاح بسماعه القلوب والضمائر، فلو رآه (الصابي)
لصبا إليه، وتنسم من عبير صباه، وعلم أنه لو باراه، لما أتى بمثله ولا جاراه، أو
رئيس الخطباء (قس بن ساعدة) لفارق المواسم وسلم أن ذلك خارج عن طوقه ولو ألف
بليغ من قومه ساعده، أو كافي الكفاة (الصاحب بن عباد) لاستصحبه وما فارقه واكتفى به
وما زاد، ثم إني ورفيع قدرك، وسني فصاحتك، وعلي بلاغتك، قد صرت غريق بحار
الحيرة، لا أدري بأي كيفية أؤدي شكرك، وبأي لسان أصفك، فأكافي فضلك، بما تنزلت
به (856) من تخميس أبياتي اللواتي من الحسن عاريات، وتشطيرهن مع أنهن غير عامرات
ولا لائقات، وكلما أبرمت الاعزام، وشددت حيازيم الاهتمام، ونقلت الاقدام، لأداء
هذا المرام، قصر بي ضعف قوى الفكر وعي اللسان، وضيق الجنان، وكبا أدهم القلم
في هذا الميدان، لعلو شرفك الذي لا يباري، ووفور محاسنك التي لا تجاري، غير أن
العدول عن ذلك بالكلية إخلال بالواجبات، لان شكر المحسن من المفروضات، وبناء على
أن مالا يدرك كله، لا يترك أقله (857)، أقول: وليس سواء عالم وجهول، لأشكرنك شكرا
يليق بجنابك، ويفي باحسانك، ما كر الجديدان، وما تعاقب (858) الملوان، والسلام
عليكم، بعد (859) شوقي إليكم.
قال السيد: فأجبته بهذه الرسالة على أثرها، بكل نظمها ونثرها، وقلت: لاطفت الصب
جميلة برك، وتلطفت بالمغرم المشوق عقيلة نثرك، قد زارت محبا رفعها على
الأحداق، واجتنى من (860) محاسنها ثمرات الأوراق، ثم حل عنها النطاق، ببنان فكرة
المتأمل، ونضا عنها أبرادها الرقاق، إلا لبسة المتفضل، فوجدها آخذة بأطراف
النباهة والفكاهة، ووجد نفسه عن منادمة مثلها على طرف من العي والفهاهة، فترك
مفاوضتها المدح، وعدل عن مقارضتها الثناء ولا قدح، ورأى الالتحاف بشملة التسليم
بالقصور والاعتراف، أليق بكليل الذهن واللسان، من مقاومة شواهد الاختبار والامتحان،
فبادر بأنامل العذر، يفض لطايم الشكر، ويهدي من نسمات الحمد، ما هو أطيب من نسمات
الورد:
لي العذر كل لسان القلم * وجف بما هو طرسي رسم (861)



851 في الديوان المطبوع: عليه.
852 في المخطوط: ودقيق.
853 وفيه أنهما.
854 وفيه أنهما.
855 في الديوان المطبوع: الصناعة.
856 وفيه: تنزلت له.
857 في الديوان المطبوع: جله.
858 وفيه: وتعاقب.
859 وفيه: بعدد.
860 وفيه: في اثم.
861 ذكرت في باب المدائح.
88
إي وعلياك، وما انتظم على جيدها من عقد مزاياك، لا تنشط مني النفس، للقيام بأعباء
وصفك ولو نهضت بقواها الخمس، إذ لا يعلق طائر فكرها، بشأو من ارتفع عن مركز
وكرها:
يا هماما بفضله * يشهد السمع والبصر (862)
هذا والرجاء اسبال ستر التكرم والاغضاء على عيوب هذه الألوكة، لئلا تكون في أندية
الاشراف أضحوكة، لا زال قمر تلك السماء موفيا، ما نبت السعدان مستلقيا، والسلام
عليكم، ما رف فؤادي بأجنحة الشوق إليكم، ورحمة الله وبركاته.
* * *



862 ذكرت في باب المدائح.
89
9 - قال وقد أرسلها إلى صبحي بك في استانبول عن لسان الميرزا جعفر القزويني:
بيان براعة الفصاحة، ولسان براعة البلاغة، لا ينبسطان للإحاطة، بمزايا من أوضح
لأهل الفخر نهجه وهداهم صراطه:
شمس العلى بدر سماء الجلال * إنسان عين الفضل روح الكمال
الأعز الذي إذا أسفر وجهه جاءت الشمس تقول: هذا صبحي، والفيصل الذي إذا نطق
لسانه، أقبل الملك يقول لها: هذا سيفي، فإليك عنه تنحي:
ويدعيه المجد ما بينهما (863) * لنفسه فيعطيان ما ادعي



863 في الديوان المطبوع: ويدعيه الفضل من بينهما.
90
وكيف لا يكون كذلك من تستمد الشمس من نوره، ويعتضد الملك برأيه في مهمات أموره،
ويفتخر المجد بأنه من بنيه، وبأعزهم عليه يفديه، إذ هو منبع الحكم، وينبوع
السماحة والكرم، قد شهدت معاني بيانه، بباهر فضله ودل بديع تبيانه، على كمال
ظرفه ونبله، وزهرت كأخلاقه وشيمه، أنوار ربيع جوده وكرمه، وعطر جيب الدهر أرج
مجده، وصقل محيا الدنيا شعاع سعده، واني لما آنس كليم فكري على البعد نار
ذكائه، ونودي قلبي من جانب طور مجده وعليائه عرفت أن الذي صار قلبي كله مسمعا
لنداه، هو واحد الفضل الذي لا رب للكمال سواه، وحيث كان في شرع الآداب، وعرف ذوي
الألباب، ان من توحد بالفضل واستجمع صفات الكمال، جدير ورب السبع المثاني أن
يمدح بما تقصر عنه السبع الطوال، عملت في مديحه هذه القصيدة الحائية (864)، ونسجتها
له حلة حلية، وأهديتها إليه، وأنا على ثقة من قبولها إذا نشرت لديه، وإن كنت
كمهدي القطرة إلى البحر الخضم، والذرة إلى الطود الأشم، فهديتي هذه جهد
المقل، إلى الجواد المكثر المفضل، على أني وإن سمتني الفصاحة حيدر خيسها،
ودعتني البلاغة ليث عريسها، وكان أبي سليمان عصره، يأتيه بعرش بلقيس المعاني آصف
فكرة، فيراه مستقرا لديه، ارتداد طرفه إليه، فأراني لو استخرجت الدراري من نهر
المجرة، ونظمت بكف الثريا أنجم النثرة، عقودا أحلى بها نحور علياه، وأوشح
بها حسان مزاياه، لما زدتها بذلك حسنا، ولا أفدت معاني جمالها جميل معنى، بل أكون
كمن يقول: لماء السماء ما أطهرك، ولنور الرياض ما أزهرك، ولغض النسيم ما أطيب
نفسك، وللعقد النظيم ما أنفسك:
ولم يستفد بالمدح من ليس عنده * وهل ينفع التحجيل من هو أشهب؟
هذا ورجاء الداعي من نفحات كرمك، أيها المالك رقاب المناقب والمساعي بمعالي هممك،
إيصال هذه الرائية الغراء (865)، الناطقة بأبلغ الثناء، إلى حضرة صدر الوزارة الأعظم،
والسيف الذي انتضت منه يد الامارة على أعدائها أقطع مخذم، منا منك لا عليك،
وعائدة تكرم لك لا إليك، وهي وإن كانت حقيرة، في جنب معاليه الخطيرة، فأراها على
حقارة صناعتها، ونزارة بضاعتها، أن شملتها ألطافك بنسيم العناية ولحظتها
كفايتك بعين وضعتها موضعها، ووقعت منه موقعها، وهذه الحائية الغراء، والغانية
العذراء، قد حدرت لمدحك نقابها، فائقة بحسنها أترابها، فأعرها سمع مسامح وهوب،
واسبل (866) على قائلها من كثرة العيوب:
لتلق ملوك الأرض طوعا يد الصلح * * *
* * * حذار حسام صاغه الله للفتح (867)
* * *



864 راجع ص 20 من هذا الجزء.
865 انظر ص 37 من هذا الجز.
866 في الديوان المطبوع: وأسدل.
867 ذكرت في باب المدائح ص 20.
91
10 - قال رحمه الله: وقد كتب بها إلى السيد سلمان النقيب عن لسان بعض الاشراف
يقول:
يا خليقا (868) بأشرف الأخلاق * دم برغم الحسود عالي الرواق
وأنر في سماء مجدك بدرا * زاهر الضوء باهر الاشراق
إن تكن فيك قرت الشامعينا * فالقذا جائل بعين العراق
واليك الزوراء تشتاق شوق * الزهر ذاو إلى الحيا المهراق
كم نفوس تطلعت لك فيها * فترقت من شوقها للتراقي



868 وفي المخطوطة: يا كريما.
92
بل أنت لها الروح المدبرة، والرئيس المطلق الذي جميع أعضائها إليك مفتقره، قد
سكنت إليك في هذا الزمن، سكون الطرف الساهر إلى الوسن، ما فتحت جفون أعصارها على
مثلك، ولا التحفت بمثل ما التحفت به من أبراد فضلك، ولعمر الزوراء، لقد طاب لها
بظلك الاستذراء، تقتبس الذكاء من أشعة معارفك، وتلتمس اغتراف الكرم لا الماء من لجة
عوارفك، وتثني عليك بين أمجادها، ألسنة الانشاء بإنشادها:
الفخر شاد بكم قبابه * والشعر زان بكم كعابه (869)



869 ذكرت في باب المدائح.
93
إي وذلك الكنه، وما انتشر بين البرية عنه، من باهر فضل تقصر عنه الإشارة، ويضيق عن
الإحاطة بنعته نطاق العبارة، ليس لناعت وراء التنزيل منتهى، ولو حطت آراؤه السها،
في مدح من ضرب بعرق نبوي، في طينة الشرف القدسي، قد نسج الوحي ببنان التعظيم
رداء فخره، ونوه لسان الذكر الحكيم بجلالة قدره، ومثل في مجهل الزمان علم، في
أعلى يفاع الشرف الأقدم، إن ضلت باجتماعها الآراء فعلى انفراد به يقتدي، وإن
حارت عن قصدها الألباب فعلى نور فهمه الوقاد يجد الحيران هدى، ويحق لهذا العصر
أن يفتخر فيه، وإنه لجدير بالفخر في إنسانه الذي ما التقت مجامع الانشاد على ذي
براعة، أغزر ذهنا منه وأنطق لسان يراعة:
يا مجيدا إن قال: قال مجيدا * وفريدا إن ينش أنشا فريدا
أين من مجدك المؤثل نظمي * ولئن كنت قد شأوت (لبيدا)
كيف للشعر بالصعود لسام * حيث لا النيرات تلقي صعودا
فضل الخلق سيدا ومسودا * وحوى الفخر طارفا وتليدا
وبدا الفخر بين برديه شخصا * من طراز الثناء يكسي برودا
فلواه العلياء رف عليه * وله خاضعا أتى الدهر جيدا
هذا وأكف الابتهال، لا تزال مرفوعة إلى حضرة ذي الجلال، أن يعيدك لتشريف هذه
الرباع والمحاشد، بعد أن يكمل لك التشريف بتلك البقاع والمشاهد، (فيقر الداعي عينا
بمرآك، وينتظم في سلك من أثنى عليك وهناك) (870)، دعاء إخلاص إذا رفعته، قال
الحفيظان معي آمينا:
من طينة المجد الصراح التي * قد شهد الوحي بتطهيرها
من شعلة النار التي قد غدا * يقبس موسى العلم من نورها
فاترك أحاديث كرام مضت * ولا تقل جئت بمأثورها
فاليوم قد أغناك في فضله * عيان هذا عن أساطيرها
هذا الذي تقديمه في العلى * مع سبقها قاض بتأخيرها
لو مكة اسطاعت إذا أقبلت * شوقا إليه بحذافيرها
واستلمت منه يدا شرفت * باللثم أفواه جماهيرها
* * *



870 سقطت هذه الجملة من المطبوعتين.
94
11 - وقال رحمه الله، مقرظا على (الروض الخميل) في ذكر آل جميل:
هذا الروض الخميل، المتضوع في نشر ذكر آل جميل، تزهو به كل زهرة، ما رئي
مثلها على صفحتي نهر المجرة، وتتمنى رعى نرجسه الغزالة ويود المشتري أن يبتاع
حلة وشيه بالنثرة، وأنى له:
روض بدا بين الأنام أثرا * لسحب جود بالنهى تدبجه
فزهره نعوت أخلاقهم * ووصف طيب الأصل منه أرجه
كأنما نثرت فيه، أو نظمت في سلك قوافيه، كل حبة قلب، فهو إلى كل قلب محبب،
فما (دمية القصر) بين الأتراب، تنشد الأغاني في منازل الأحباب، وتعاطي نداماها
السلافة ممزوجة بالغيث الذي انسجم، مشفوعة لهم بمستطرف النعم، ولا (يتيمة الدهر)
مجلوة في المعاهد، حالية بدرر القلائد، وغرر الفرائد (871)، بأزهى من أوانس فقره،
وأبهى من عرائس أشطره، ولعمري ليجب على كل من هو مسلم إذا نظر فيه، يكون مع صريع
غوانيه، فيثني مطربا، وينشد متعجبا:
هذا كتاب أم حديقة روضة * تتنزه الأحداق في أورادها (872)
* * *



871 في المطبوع: بدرر الفوائد، وغرر القلائد.
872 ذكرت في باب التقاريظ.
95
13 - وقال رحمه الله، وقد كتب بها إلى إبراهيم بك عن لسان بعض الاجلاء:
سلام أشفي من رقية (873) الوصل، وأضفي من ريقة النحل، وأحلى من سلافة العنقود،
وأبهى من نظام العقود، من محب يطبق الأرض ثناء، ويملأ السماء دعاء، إلى من هو
أرق من النسيم شيما، واغزر من البحر كرما، سلالة طينة الشرف التي خدمتها الكفاة،
ودوحة الكرم التي اجتنت ثمرتها العفاة، ذو المناقب (874) المسطورة على صفحات الدهر،
والسجايا الفائقة على طرائف الزهر، ومن لم يفتح ناظر الزمان على أبلغ منه مقالة،
وأتم جلالة وجزالة، وأندى بنانا وأوفر إحسانا، وأكرم سجية وطبيعة، وأجلب للشكر
صنيعة، فكأنه لا يزال، ناظرا إلى قول من قال:
الحمد أكرم ما حوته حقيبة * والشكر أكرم ما حوته يدان
وإذا الكريم بكى وولى عمره * كفل الثناء له بعمر ثان
أعني به الماجد الذي تبلج به عمر الدهر، عن فلق البشر، الأشيم إبراهيم بك
المحترم. لا زال في نعمة من الله ضافية اللباس، نامية الاغراس، رافلا من الألطاف
المستفادة، في أبهى حلل الفوز والسعادة، وسجال السلامة مفاض عليه، وظلال الكرامة
ممدود عليه.
* * *



873 في المخطوط: من رقيقة.
874 في المطبوع: ذي المناقب.
96
13 - وقال رحمه الله: وقد كتب بها إلى العلامة الشيخ حسن بن المرحوم الشيخ أسد
الله يقول:
سلام أبهى من وشي صنعاء، وأزهى من روض ميثاء، وثناء تتفتح أكمام الرياض عن مثل
زهره، ولم تتحدث أنفاس الصبا عن مثل نشره، ودعاء ترمقه أكف الابتهال، إلى حضرة
ذي الجلال، محفوفا بالاخلاص والإنابة، مقرونا من اللطيف بسرعة الإجابة.
دعاء إخلاص إذا رفعته * قال الحفيظان معي آمينا
من محب محض الولاء، وعقد المودة بأوثق عرى الاخلاص والصفاء، ومشوق لو لم يتداو
من حرارة البعد بنسيم الذكرى، لقضى لاعج وجده على كبده الحري، إلى الحضرة التي
عقدت بكف الثريا أطنابها، وسمت على الشعرى العبور أعتابها، إذ هي حضرة قطب
العلياء المدار عليه فلك الحمد والثناء، ربيت مناقبه في حجور المآثر، ورضعت در
المكارم والمفاخر، علامة الزمن، الذي هو من العلم بمنزلة الروح من البدن، قد أسعد
الله به جدود الأفاضل، وورد بنور مزاياه خدود الفضائل، وعمر أفنية الشريعة،
ورفع قواعد (875) الملة المنيعة، فله الرأي البصير بالعواقب، والمجد المنيف على
النجم الثاقب، والهمة التي اختلقت (876) على قمة الجوزاء مرفوعة، والنفس التي
اختلقت (877) على اكتساب العلوم مطبوعة، قد أحرزت شرفا بسقت على النجوم شرفاته،
وفضلا تعرفت لأهل الفضل عرفاته:
ملأن من شرف السجية نفسه * يحوي الفضائل من جميع جهاتها



875 في المطبوع: أعمدة.
876 وفيه: التي هي على.
877 وفيه: التي خلقت.
97
ذاك قمر المجد الذي بهر الناظرين لالاؤه، وطفح بالفضل مكياله وإناؤه، علم
الاسلام، وحجة الله في الأنام، حضرة الأكرم، شيخنا الشيخ حسن المحترم، لا زال
مؤيدا من الله بعنايته، ومكلؤا بعين رعايته، ولا برح سمك مجده ثامن الأفلاك
ارتفاعا، وقمر فخره ثالث القمرين شعاعا، ولا انفكت شمس شرفه تملأ الدهر بإشراقها،
ما دامت أطواق الحمام بأعناقها.
أما بعد: فان الداعي لمجدكم بالتخليد، ولعزكم بالبقاء والتأييد، لا يزال على بعد
شقة المزار، ما اختلف الليل والنهار، حليف غرام، وأليف هيام، ونديم اشتياق، إلى
تلك الحضرة (878) السامية الرواق، التي تود الكواكب تقبيل أعتابها، ولثم ترابها،
أحمد الله الذي أهلني لولائها، وجعلني في نظم أودائها وأحبائها، ولعمري لو كنت
أملك أمري لما استنبت إهداء التحية في كتاب، عن الحضور للتشريف (879) بذلك الجناب،
فأحظي بلثم أنامل ريحانتيك، وأسعد بمطالعة صحيفة غرتي قمريك، اللذين هما للفضل
فرقدان، ولهما في المجد المحل السامي على كيوان، ولديك المرشح كل منهما لرئاسة
الدين، حضرة الأمجدين الشيخ باقر والشيخ أمين، جعلكم الله أبدا للمخوف عصمة،
وللملهوف غياثا ورحمة.
* * *



878 في المخطوط: تلك الساحة.
879 في المطبوع: للتشرف.
98
14 - وقال رحمه الله، وقد كتب بها إلى بعض الأكابر والامراء:
إن أزهي من روضة ضحك الزهر فيها (880) لبكاء الغمام، ونظم فيها لؤلؤ الطل نسيم
الصبا عقودا رائقة النظام، فحلي بها عواطل أجياد الاقاح، وفرث في أرجائها عياب
الطيب نوافح الرياح، وأبهى ما اقتطفته أكف الافهام، من أزاهير بدايع النثر
والنظام، سلام رسمه قلم الاشتياق، وحملته رواحل الأشواق، من محب لم يشب بالقطيعة
صفو الوداد، ومحبته لا تزيد ولا تنقص في القرب والبعاد، إلى من رضع ثدي المعالي
طفلا، وساد الأنام يافعا وكهلا، وما الدهر عنده إلا يومان، يوم ندى ويوم رهان،
فيحكم السؤال في أمواله، ويحكم الأسياف في الأرواح قبل سؤاله، ومن كفل له النصر
بخذلان أعدائه وأشار المجد إليه ببنانه، وأثنى عليه بلسانه:
كريم وقي ماله عرضه * فلست ترى فيه شيئا يعاب
سوى أن ما جمعت كفه * لوفاده مغنم أو نهاب
كأن عليه صلات الوفود * واجبة نص فيها الكتاب
أفيه يقاس السحاب ومنه * تعلم كيف يجود السحاب
وعند عطاياه أو حلمه * يقل الحصى أو تخف الهضاب
له صولة تملأ الدهر رعبا * وبأس شديد وعزم مهاب



880 وفيه: ضحك فيه الزهر.
99
الأعز الأمجد، إنسان عين الزمان (محمد) لا زال ظل عدله ومعاليه، لا يزيله
الدهر باختلاف أيامه ولياليه.
أما بعد: فيا من تردى بالفخر والكمال، واستمدت بحار الأرض من جوده النوال، قد
وردت إلينا رسالة منكم دلت على زيادة المودة والاختصاص، تسألنا فيها أن لا
تنقطع منا ومنكم (881) الانباء، في تحرير كتب تتضمن الافصاح عن أحوالنا وسلامتنا من
طوارق الاسواء، فنحن بحمد الله من نعمه في أوفر نصيب، ومن الصحة نتردى في كل يوم
برداء قشيب، غير أن قلوبنا من نار بعادكم في احتراق، وحسراتنا تكاد تزيل رضوى لشدة
الاشتياق، فعسى الله أن يقضي لنا بالتلاق، بعد طول هذا الفراق، فيصبح منا روض
الانس مونقا غضا، يملا قلوبنا سرورا بلقاء بعضنا بعضا، إنه على كل شئ قدير،
وبالإجابة جدير.
*



881 في الديوان المطبوع: منا عنكم الأبناء ولعله الأصح.
100
15 - وقال رحمه الله، وقد كتب بها إلى بعض الاشراف:
ما روضة نسجت من وشي الزهر برودها، ونظمت من نثار الطل عقودها، وفلت أنامل
القطر وفرة ريحانها، وسرحت ماشطة النسيم أصداغ آسها بين غدرانها، وتحدثت ذات
طوقها تملأ صبابة شوقها، فترنحت قامات باناتها مرحا، وتثنت معاطف أغصانها فرحا،
ولا طفلة غضة الشبيبة، تخطر في بردة محاسنها القشيبة، كأنما صافية ريقتها، من فرط
عذوبتها ممزوجة بسلافة الصهباء، أو بجني نحلة بيضاء، بأحلى من سلام أخذ الرقة
ممن طبع من يهدي إليه، والعبقة من أخلاق من ينشر لديه، قد جانس نثره مآثره لا
أنجم النثرة، وحكى ثاقب نظمه شعري مفاخره لا شعري المجرة، من حليف صبوة، وعديم
سلوة، ونديم ذكر، وأليف فكر، قد اتقدت في وسط حشاشته نار شوقه وصبابته، حتى كادت
تنضج نخاعه، وتأكل شعلتها أضلاعه، فهو يبكي بشررها الساطع، لا بجمر المدامع، فما
أحقه بمقالة، من وصف حاله:
ظن العذول أدمعي تناثرت * حمرا لعمري غرة ما يبصره
وإنما يقدح زند الشوق في * قلبي ومن عيني يطير شرره
فما ابن ورقاء ذكر إلفه بالعشي، فتنبه الغرام على قلبه الشجي، وحركت الذكرى ساكن
شوقه، فتنفس حتى كاد ينفصم منعقد طوقه وبات يحي ليله هديلا، ويميت نهاره صبابة
وغليلا:
ولا أم خشف ظل عنها فغودرت * بشرقي نجد وهو بالغور راتع
تبيت بأعلى الرمل تنصب سمعها * لتبلغها منه (882) البغام المسامع
وتضحى بعيدا تطرح اللحظ بالفلا * وتكتمه عن ناظريها الأجارع
بأشوق نفسا من حليف صبابة * بأحشائه للشوق تهفو نوازع



882 في المخطوط: منها.
101
إلى من تفرع من دوحة النبوة، وسمت به أعراق الإمامة والفتوة، وتضوع بعطفه
أرج السيادة، ولاح بطلعته عنوان اليمن والسعادة، ووري باقباله زند النجابة،
وعرفت من مواقع رأيه مواضع الإصابة، وانتهت محاسن الفضل إليه، فدعاه لسان
الانشاء وأثنى عليه:
يا ابن الألى غر ملوك الورى * تشرفت في لثم أعتابها
محاسن الفصل إليه انتهت * وأنت من غيرك أولى بها
ذلك نسيج وحده. وعديم نظيره ونده، من ضربت عليه العلياء رواقها، وعقدت لخدمة
سعده الجوزاء نطاقها، فهو غرة جبين الدهر، وثمينة قلادة نحر الفخر، سلالة الفخر
وسلسالة الكرم، فلان المحترم، نشر الله لواء جده، وطوى حواسد مجده، وأسبغ عليه
ظل عنايته، وأفاض عليه سجل كرامته، ما استلقى السعدان، وتعاقب الفتيان، بمحمد
خلاصة الوجود، وصحبه خلاصة الموجود.
أما بعد: فبينما أنا في مجلس التذكار، ومنادمة الأفكار، تعاطيني الأشواق والكآبة،
مدام الغرام والصبابة، إذ ورد علي في أسعد وقت من الأوقات، وأيمن ساعة من
الساعات، كتاب شريف، محتو على خطاب لطيف، كأن ألفاظه الزهر، وبيانه السحر، تستوقف
ديباجة وشيه النظر، ممن سرح في رياضها الفكر، بين منثور لؤلؤ ساقطه الطل،
ومنظوم جمان كالعقد المفصل، وغرائب استعارات هن زهرة الآداب، ونزهة القلوب
والألباب، قد سمحت به قريحة دائمة الانتاج، وروية لم يغلق عليها أبواب المعاني
رتاج، وأعملتها في تنسيقه وترصيفه، وتدبيجه وتفويفه، فكرة من كتب محاسنه في صحيفة
وجه الدهر، فمحت محاسن من تقدمه من جميع أهل الفخر، وفتحت به مقفلات المسائل،
وختمت به أهل الفضل والفضائل، كما قيل فيه وأنا القائل:
ببهاك أحمد في النهى * ختمت ذوو الرتب المنيعه
ونسخت ذكرهم به * نسخ الشرائع للشريعة
هذا وقد أتحفتني بثلاث تحف، وصلت منك إلي مع هذا المشرف، قد حسن لدي
مصطنعها، ولطف عندي موقعها، وسرت بإهدائها نفسي، وردت في أسمائها ومسمياتها
رويتي وحدسي، فتفاءلت بالرحلة
لترحال الهم، عن قلبي المتيم، وبالسكين بسكون نفسي الفرح، وقطعها أسباب الكآبة
والترح، وفي القاموس بإغراق أعدائي بقاموس البلاء، واستغراقي من الله بقاموس النعم
والآلاء، ثم أنشأت هذه
البديعة، مكافأة لك بالشكر على هذه الصنيعة:
نفسي بحبل ولاء أحمد أمسكت * مذ أحكمت بنياط قلبي عقده (883)



883 ذكرت في باب المدائح.
102
الفصل الثاني في الرثاء
15 - قال رحمه الله وقد التمسه السيد ميرزا صالح القزويني أن يعمل مقدمة لكتاب
(الأشجان في مراثي خير إنسان):
قامت على الدنيا نواعيها * إذ نعيت نفس العلى فيها
والأرض قد مادت بمن فوقها * واهتز قاصيها ودانيها
زلزلها فقدان من لم تنب * عن حمله فيها رواسيها
واستغرق الأقطار منها البكا * وأظلمت حزنا نواحيها
إلى الورى أنعى حياة الورى * فلتبك ما درت مآقيها
بلى ومن تركها غرقى بالمدامع، لا ترقى غروبها ما ناحت على فروعها السواجع، فلقد
طرقها بغتة طارق القدر، فنزل العمى من عيونها منزل البصر، بساعة كأنما وردت
بزلزلة الساعة وأهوال يوم الوعيد، فغادرت الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن ألم
المصاب شديد، قد أقبل فيها على المجد، ثم وقف واستوجد، واستعظم حالها وأنشد:
ما للورى دهشت أقام المحشر * أم قد دهى الثقلين خطب أكبر؟
أجل أيها المستفظع لهذا الحال، المتمثل بهذا المقال، اقترب للناس حسابهم قبل يوم
القيامة، فأدمت أكفهم الأنياب قبل يوم الحسرة والندامة، وعطوا الأكباد، قبل
الجيوب والابراد، ونضحوا القلوب، قبل الأجفان والغروب، ومثلوا متماسكين من الوجوم،
متهافتين على جمرة الأحزان وجذوة الهموم:
فمن واقف في جفنه الدمع واقف * ومن سائل في خده الدمع سائل
لغداة بكر فيها بنفوس جائشة، وعقول من الدهشة طائشة، بين ذاهب ولا يفطن أين
يتوجه، وآت لا يأتي بشئ سوى أن يتزفر أو يتأوه، وحران لا حيلة له غير عض
اليدين، وحيران لا يملك إلا استدارة العينين، فإذا سأل سائل، أو قال لمن بجنبه
قائل: هل أتاك حديث الغاشية، ولمن قامت رنة تلك الواعية، وأولئك عم يتساءلون،
وعلى من عدت العاديات، وماذا نزعت النازعات، عبس وتولى، ثم التفت إليه وقال: افض
غروب (884) عينيك سجلا فسجلا، فلقد دك طود الحلم، وهوى نجم الهداية والعلم،
ونزع من كف المعروف بنانها، واستل من عين العلياء إنسانها، وذوت من المكارم
رياضها الخضر، وتسلبت شجرات المعروف من ورقها النضر، ونقل إلى الأجداث قبلة
الشكر والحمد، ومصلى العفاة والوفد، وحمل (ابن جلا) إلى عرصة البلى:
ولفقده هذي النوائح جاوبت * فوق السماء نوائح الأملاك
ملك على الأفلاك علياه سمت * فالسمك منها ثامن الأفلاك



884 وفي المطبوع: دموع.
103
حتى إذا رست أعواده على أكتاف الرجال اجتذبته إليها الرغائب والآمال، آخذة بقوائم
سريره، ماسكة على فضول كفنه وأطراف حبيره، وصرخ مرمل الرجاء، إلى أين عنا بأخي
الشتوة الغبراء:
إلى أين عنا بزاد المقل * ورى صدى حائمات الأماني
به أنشب الموت أظفاره * فمن ذا يقلم ظفر الزمان
وعند من يلتمس الضيف قراه، ولدي من يعرس السفر بطلاح رزاياه، أم من يبسط
للمجد بين كفا كريما، أرطب وأندى من السحاب أديما، ويجلو على الوفود، محيا تجلى
بطلعته السعود، ومن ذا يعلق منه الخائف بأوثق العصم، ويأمن في حماه كما يأمن
الحمام في الحرم، فرويدكم يا حامليه، قفوا ليتزود المجد من أخيه، ويودعه
الرجاء، ثم تشيعه المكارم والعلياء، فامهلوا قليلا، ريثما أروح في وداعه
قلبا (885) عليلا:
وإن لم يكن إلا تعلل ساعة * قليلا فاني نافع لي قليلها



885 في المطبوع: فؤادا.
104
فآها ثم آه، ولا قوة على الصبر إلا بالله، ماذا لقي المجد، ساعة ودع أخاه من
برحاء الوجد، وقد ادرج منه في الكفن، من كان الروح المدبرة لهذا الزمن، فيا أعلام
العلم وأقطاب الممالك، ويا أرباب الأسرة والأرائك، ويا رؤساء العشائر والقبائل،
ويا خطباء المنابر والمحافل، ويا عترة الشرف والأحساب، وأسرة الكمال والآداب، ويا
رائدي المعروف، ومنتجعي الرفد في الزمن العسوف، هلموا إلى النبأ العظيم والفادح
الجسيم، الذي جدع مارن الدين، وقصم ظهر الاسلام والمسلمين، فطامنوا لهذا الحادث
رؤوسكم، لقد استلب عزكم وناموسكم، رزيتم والله بمن جمعت له الرتبة العليا،
بين رئاسة الدين والدنيا، قد ترشح لها بين النبوة والإمامة، واقتعد بها من الشرف
الرفيع غاربه وستامه، وتوالت في المجد مناقبه الغرر، فملأت من الدهر السمع والبصر،
خلدها على جباه الاعصار مسطوره، وبألسن الثناء في ألسنة المدن والأمصار مروية
ومأثوره، تتغنى بها الحداة في الفلوات، وتتناقلها الرواة، على تعاقب السنين في
جميع الأوقات، تنبئ عن حضرة سامية القدر رفيعة الرواق، آهلة الأفنية بكثرة الضيوف
والطراق، جليلة الشأن والخطر، جميلة العيان والأثر، قد جاس رائد صيتها خلال
الأرض، وفنيت مواقيتها وثمائن يواقيتها في أداء المعروف نافلة وفرض، فلذكر ربه -
تغمده الله برحمته ورضوانه - النباهة، ولجاهه - أعلى الله مقامه - الوجاهة،
ولقدره - طاب ثراه - التنويه، ولذاته قدس سره التنزيه، لقد نشر بيد الفخر في
الخافقين أعلامه، وطوى على المكارم لياليه وأيامه، ورحل عن الدنيا إلى اللحود، وكان
لها كاسمه (جعفر) فضل وجود، قد أحبت روحه الطاهرة، أن تتحول عن هذه الدار إلى
نعيم دار الآخرة، فانتقل إليها بعد أن شحن الأولى ببره، وطبق أقطارها بفخره،
وحمل من رواق مجده، ودفن في رواق جده، فصكت له الاشراف الجباه، عندما نفضت
بأكفها الصبر على ثراه، ثم انصرف الجميع، والعلياء خلفهم تقرع سمع بني عبد مناف
بما أنشأته من هذا التقريع:
عودي بطرفك يا قريش كليلا * وبعزمك امتلأت ظباه فلولا (886)



886 ذكرت في باب المراثي.
105
وأقيمت مآتم العزاء، فناحت فيها حتى أملاك السماء، وندبت فيها الشعراء، بقواف من
الشعر ثواكل، تتناشدها ذوو الأحزان في المناحات والمحافل، ثم عز وافيها أباه، فرع
الأراكة الهاشمية، ومنار الشريعة المحمدية، رئيس المحققين (محمد المهدي) بن الحسن
معز الدين:
علم الأمة علامتها * صبحها مصباحها نور هداها
قلبها قلبها حولها * عضبها بيضتها حامي حماها
وجروا عنه متساجلين في تسليته عنه بأخوته، وكفى سلوة عنه بأكبرهم أخيه الصالح لسد
ثلمته، وبالمعد لتشييد بيت الحسب والمجد، أخيهما أبي القاسم (محمد) وبأخيهم
الحسين الذي حل من الزمن محل الروح من الجسد، والواسطة من العقد المنضد، فهم
وأبيهم، كما قلت فيه وفيهم:
قمر السماء أبوهم * شرفا وهم والشهب اخوه
بل كما أقول: وإن رغمت معاطس، وازورت من الحنق نفوس ليست عند العلياء
بنفائس:
إنما هاشم لباب قريش * وهم صفو هاشم واللباب
فئة منصب الإمامة فيها * وسواها ومجدها الأنصاب
لعمري لئن (887) فقد منها شخص لم تفقد مزاياه، وطوى الموت عنها عيان من لم تطق
الأيام والليالي مكارمه وعلياه، فلقد كفل أخوه الصالح لمجده، بنشره لما قام مقامه
من بعده، في ندى فخره، ويليق بهذا المحل، أن أرسم من نظمي هذه الأبيات التي جاءت
كالعقد المفصل:
أقول للقلب وقد أرسلته * دمعا على ذاك الصفيح يقطر
يا والجا كافورة القدس التي * بالأمس قد أودع فيها الكوثر
صل جعفرا وحيه عني وقل * بورك من قد صرت فيه تحبر
أعيذ أحشاءك أن تنزو علي * رواق عليائك فيها الخدر
تصدر اليوم (أبو الهادي) به * فلم تغب كأنك المصدر
فقر عينا فالعلى تلك العلى * والمفخر الباهر ذاك المفخر
وجعفر للمكرمات (صالح) * وصالح للمكرمات جعفر



887 في مخطوطة الملا: لقد فقد.
106
وحيث أطلقنا عنان أدهم القلم، وبلغ هذا المقام وأحجم، فلنفتح حلية المراثي بنظم
أميرها، وفارس ميدان منظومها ومنثورها، الناشئ في حجر (888) الرسالة، والراضع در
الوحي وبلغ بنور عصمة الإمامة لكن عما يشينه فصاله، ومثل في مجهل الزمان علم، وطلع
في أفق العلياء أنور من بدر تم، ذاك (أبو الهادي)، وإن شئت قلت أبو الحسن
الصالح، لان يصبح وقد أصبح ذلك مقتدى الزمن، فلقد أنبأ عن مضاضة وجده بنظم بديع، لا
يليق غيره بشأنه الرفيع، فبلغ الغاية، بقوله في رثاء أخيه، وبه للعلياء عنه
كفاية (889).
يقول منشئ هذا التحرير، وموشي بردة هذا التحبير، الفقير إلى ربه الغني، حيدر
الحسيني الحلي: إني إن أثبت مرثيتي أول المراثي، لا طلبا للتقدم لها بل
لمناسبتها، لنظم هذا السيد الجليل، الذي تقدم قبلها أنه قد وصف ما هو عليه من
الوجد، وحكيت الحال التي نحن عليها من رزية هذا المصاب والفقد، على اني نحت
فيها بقواف كأن منها كل قافية ورقاء، أو كأنها الخنساء، إذ هي لو رددت
نياحها على صخر لارتكه كيف على نياحتها يتفطر، فتصفح ألفاظها ومعانيها، وأعرف
صحة قولهم: لو أعطيتم القوس باريها:
قد خططنا للمعالي مضجعا * ودفنا الدين والدنيا معا (890)
* * *



888 في المطبوع: بحجر الرسالة.
889 إلى هنا أثبت في المطبوعتين، وهذه الزيادة الآتية لم توجد فيهما.
890 ذكرت في باب المراثي.
107
16 - وقال رحمه الله وقد كتب بها معزيا لبعض الأكابر والأشراف:
ممن صدعت صفاة صبره قوارع الارزاء، فأذال مصون دمعه بتنفس الصعداء، وألبسه عظيم
المصاب، ثياب الاكتئاب، وحنى على جذوة الوجد منه الضلوع، ونافر لعظيم (891) ما
عراه طيب الهجوع، وكيف يلتذ بهجوعه، أو تجف مجاري دموعه، وقد فاجأه نعي من
كان مصباح ليله وسراج نهاره، إذ عثر فيه الدهر فلا لعا لعثاره:
نعوه على ضن قلبي به * فلله ماذا نعي الناعيان
رضيع صفاء له شعبة * من القلب مثل رضيع اللبان



891 وفي المطبوع: لعظم.
108
إلى من لا يستخف حليمها تفاقم الخطوب، ولا تغير طبيعتها في المكارم مقاساة
الكروب، الأعز الأمجد، سلالة الشرف الواضح (محمد) قطب دائرة الفخر والكمال، ومحط
الوفود وبحر النوال، ومن هدرت يداه دم الأموال لحقن دم المكارم، وعجز عن احصاء
فضله كل ناثر وناظم، وحيد دهره وفريد عصره، طالب العز من مستقره، المستضاء
برأيهما في سواد الخطوب، والمستجار بظلهما في كل نائبة تنوب، ومن أساء إليهما
الزمان بفقدان انسان عين الفخر، محمد علي القدر، وجوهرة الدهر، وفريد العصر،
وواسطة عقد الفخر، ومن ليس له في الفضل مثل ولا ند، وكان من أهل زمانه بمنزلة
الواسطة من العقد، ومن طلبت وصفه عقول ذوي النهي، وجاوزت في طلبها الجوزاء
والسهى، فلم تقف له على غاية ومنتهى، وحين رجعت منه صفر الكف، وقد بعد شأوه
بدورها في الخسف، وشموسها بالكسف، طائشة حيرى، راهبة ذعرا، تنشد شعرا:
طلبت وصفه العقول ولكن * لم يكن ممكنا إليه الوصول
وتعدت غاياتها ثم طاشت * حيث لم تدر فيه ماذا تقول
وأقرت هناك بالعجز عنه * وتساوى عليمها والجهول
فيا له من رز يقل الحزن بجنبه، ولو أن كل منا كان فيه انقضاء نحبه، ولو أفضنا له
النفوس من المآقي بدل الدموع لقلت، ولو وزنت به رواسي الجبال لخفت:
الان هون كل نازلة * جلل أمال دعائم الفخر (892)



892 ذكرت في باب المراثي.
109
فيا من ألقى الزمان لكفيهما خطام القياد، وسارت شوارد أوصافهما مسير الشمس في
جميع البلاد، إن من العجز أن تجزعا لعظم المصاب، وإن حسن العزاء مما يتضاعف به عند
الله الثواب، وشأن من وقرته روابع كل مهمة، أن يتدرع قلبه بالصبر لمكابدة كل
ملمة، ومن الحزم أن يتزر بثوب التجلد لابصار العباد، لئلا يعلموا بتململكما فتشفى
منه الحساد، وان من عظم عليكما فقده، وبرح بكما بعده، قد ورد حوضا كل الخلق
واردوه، وسلك طريقا كلهم سالكوه، وكل شئ هالك إلا وجهه.
* * *
17 - قال رحمه الله وقد كتب بها إلى السيد سلمان النقيب معزيا له بموت أبيه عن
لسان العلامة السيد مهدي القزويني:
نعى الناعون للشرف المعلى * فتى الاشراف سيدها النقيبا (893)



893 ذكرت في باب المراثي.
110
ينشر على طي الأيام ذكره، ويجدد ويا حاشاه من الدروس على تعاقب الأعوام علاؤه
وفخره، ويجلو من محاسنه الغر، على صفحات وجه الدهر، ما يفصله لسال الحمد فريدا،
وتتهاداه الليالي لنحورها عقودا، فهو حي بتلك المناقب، وإن قامت عليه النوادب،
إذ ليس الميت ورزؤه الذي ترك الألباب مطاشة، إلا ميت المآثر لا الحشاشة، ولعمري
لئن قصد المنون بصائبة تلج على الليث المشبل مغارة، وتنفذ على الأفعوان الصل
وجاره، فلقد قضى من الدنيا كرائم وطره، ورحل عنها فرحل المجد على أثره، بمهجة
حسيرة، قد نضخها على قبره عقيرة، وكأني بركب الثناء، وقد وقف فقلب على ذلك الجدث
جفون الرجاء، ثم رفع عقيرته بجنبه، وأنشده ما أنشاه في استطابة تربه:
أقول وقد وقفت على ضريح * كأن نسيمه أرج الغوالي
لئن أنشقتني يا قبر طيبا * فذاك الطيب من عبق المعالي
وليت شعري وهل أبقت شعورا طارقة هذا القدر، أيعلم الدهر لا أقاله الله عثاره
بمن عثر؟ ارتحل وأيم الله عن الأنام بربيعها، وعن الأيام بقريعها، حادث جذ من
العز أنفه، ومن الكرم ساعده وكفه، وأغص فم الدنيا بجرعة ثكل عميدها،
فعددت بلسان الدهر حتى كل ولم ينشط في محفل النياحة لتعديدها، وكيف ينشط منها
اللسان، أو يتسع لها نطاق البيان، في حصر تلك المناقب، التي كاثرت وأجلها عن قولي
الحصى عداد الكواكب، أليست هي مناقب من ضمن في ملاث أزار عظمته جميع كرامها، فطوى
منه الموت بردة فخر أدرج في أثنائها بقية أيامها:
قد علمنا فقر العفاة إليه * أفكان الردى من الفقراء (894)



894 ذكرت في باب المراثي. وفي المطبوع: فقر الزمان.
111
أجل أيتها التي تردد المقالة وتنعى، خفضي عليك ولا تضيقي بما لديك (895) ذرعا، إن
الموت لم يطو غارب بحرك ذلك الزاخر، إلا بعدما بدت منه على نحر الزمن عقد هذه
الجواهر، فحلي بها عاطل جيده، وأعدها (896) نفائس موجودة:
قد كان في موت علي الذرى * ماتت بنو المجد وعلياها
لكن بإذن الله روح النهى * قام فأحياه وأحياها
قد طويت لولا (أبو المصطفى) * ينشر في الدهر مزاياها
نعم زعيم القوم مقدامها * في الحزم طلاع ثناياها
مظفر الآراء ما أخفقت * في طلب الرأي سراياها
إن خاصم الأكفاء في مجمع * أضحكها منه وأبكاها
رياسة موروثة في العلى * يأرج في عطفيه رياها



895 وفي المخطوط: بذلك.
896 وفي المطبوع: واعتدها.
112
فأكرم به وارثا للمجد، قد ترك ألسنة الثناء والحمد ترتل آيات فضله ترتيلا، وتهتف
في الأنام بكرة وأصيلا، هكذا فليكن الكرم، ولترق إلى هنا عاليات الهمم، وليعرس
بمثل هذه الغابة، من خطب إلى الشرف عقيلة النقابة، هيهات هيهات لا توصل الراحة
إلا بنانها، ولا تبصر العين بغير إنسانها، فيا أحلم من (أحنف) وله أطريت، ويا
أذكى من (أياس) وعليه أثنيت، إني ما استرعيت سمعك هذا المقال، ولا استوقفت
نظرك على ما ضربته من هذه الأمثال، استزيدك في حلمك ركانه، أو أدلك على مكان
الصبر فأنت من الصبر بمكانة، بل تلك مقالة في التعزية مرادة، وعلالة جرت بمثلها
العادة، إذ جميع هبات الدنيا معادة فمرتجعة، والتسلية عنها سيرة متبعة، وما
استبقائي منك الصبر على هذه الرزية، إلا كاستقائي (897) سحاب الرحمة لتلك التربة
الندية، إذ من العبث التماس حصول ما حصل، وطلب المءر من الله أن يفعل ما كان
فعل:
لله في نفسك نفس العلى * قد أوجب الله لها حفظها
لا تجعل الحزن لها شاغلا * في أخذها من فخرها حظها
ولا حدتني خفة في أمرك (898)، ولا دعتني استضاقة لصدرك، وإنما هي من المحب نفثة
الصدر، وقولة يقولها اشفاقا على من أحب إذا فدح الامر، فكلاهما في الحصول شرع
سواء، بغير شك ولا مراء، نسأل الله أن يعرفكم أجر هذه الرزية على مقدارها، وأن
يكمل لكم ثواب الصبر على معيارها.
* * *



897 في المطبوع: كاستسقائي سحائب.
898 في المطبوع: جفة بأمرك.
113
18 - قال رحمه الله وقد كتب بها معزيا الحاج مصطفى كبه بوفاة والده الحاج محمد
صالح:
بالبدر من فجع الليالي البيضا * وأعاد للشمس النهار مريضا
ومن انتحى روض الكمال بمعطش * فذوت نظارته وكان أريضا
قدر مضي بزعيم آل المصطفى * والمجد قوض إثره تقويضا
قدر جب من الفخر سنامه وغاربه، وطبق بالحزن من الكون مشارقه ومغاربه، قد رحل
بمن هو زاد المقل، وناعش صرعة الضريك (899) والمرمل، وتقرب جبرئيل إلى الله برفع
روحه الطاهرة، حين (900) سمت عن الدنيا لنعيم الآخرة، فقوض عنها رحيض الثوب من درن
تبعاتها، مبرأ الجوارح من اجتراح خطيئاتها، لم تقض بنو الدنيا حق مصابه، ولم
تكافى ما أسدت إليها يده من جزيل ثوابه، وبماذا تقضي حق هذه النازلة، والمصيبة
الهائلة، أبصراخ الثواكل، أم بدمع على الوجنات سائل، أم بوجد ولو كان كوجد يعقوب،
أم بنوح ولو كان مما تشق عليه الأكباد لا الجيوب، هيهات:
كذبناه لم نجزع عليه ولم تقم * مآتمنا لما أقيمت مآتمه



899 الضريك: الأحمق، الضرير، الزمن، الفقير.
900 في المخطوط: حتى سمت.
114
نعم لنا العزاء بزعيم خلفه، والبدر الساطع بعده في سماء مجده وشرفه، ذاك رافع عماد
مكارمه، ورواق فخره ودعائمه، المصطفى للكرم بعده، والذي قام مقامه فسده:
وقضى حقوق الجود وهي نوافل * وسواه منها ما قضى المفروضا
فيا من هو للمآثر الحميدة أهل، والراقي بهمة من المجد أرفع محل، لا برح بيت عليا
أبيك، آهلا فيك وفي أخيك، وبآلكما الغرر، ما بقي الدهر، ونسأل الله أن يجعل هذه
الرزية خاتمة الارزاء، ويصرف
عنكم محذور القضاء.

115
ترجمة صاحب الديوان الفصل الثالث في العتاب
19 - قال رحمه الله مجيبا على القصيدة (النونية) التي وردته من بعض أخدانه الأعزاء
معاتبا بها إياه، واليك الرسالة والقصيدتين:
أما بعد افتتاح الانشاء بمفروض الحمد وواجب الثناء أقول: إن أفقر من الاصغاء ذلك
السمع المأهول. أيها الماجد الذي عوذته بنات الأفكار برقي القريض حينا، من نزعات
شيطان هذا الشيخ الذي أصبح له اليوم قرينا، وساء قرينا، وغادر منثور ذكره في
الصالحات دفينا، ويا حرسه الله قبل الممات إذ لو استمر على اصطناع المعروف
والمكارم لكان حسنة الدنيا، ولو لم يلق السمع لاتباع مقالة اللوائم لكان قطب دائرة
العليا، الحديث ذو شجون، وسيبصر أهل الانصاف بأينا المفتون، وان لي ولك في طي
هذا الامر الغريب، لشأنا من أعجب الأعاجيب، قد أوجب نشره، من سير بدالة المرح
ومخيلة الكبرياء شعره، عجبا لك كيف لم تجذب إليك من عنان خيلائك، ولم تكفكف من
بادرة عزمك وغلوائك، بل تركت لهاتيك عنانها، وأوسعت لهذه خطاها وميدانها، حتى
اقرعت بمسامعي مؤلم هذا التقريع، وجرعتني مضاضة ذلك التعريض الشنيع، فمبجدك ما
الذي أخفضك وأنت الوقور، وما الذي لمظك ممقر هذا التعريض وأنت الابي الغيور،
بلى وأنا أملك السجية، التي عاشت على معروفها البرية، ما دعاك إلى أن تظهر أنك
لي مغاضب، إلا الهرب من إسداء العطايا والمواهب، حيث استنشأتك قبل هذا سحابة،
خلتها نشأت دانية الربابة، قد بشر بها نفسه الرجاء، واستمطرها بظنه مغدقة
وطفاء، فكلما تطلع في نواحيها، استحكم طمعه فيها، وأمل أن ترخى بشآبيبها الغزار
عز إليها، فإذا هي تبرق غيضا وغضبا، وترعد تقريعا وعتبا، ثم لم تبرح بهاتيك
البوارق، أن أمطرتها علي صواعق وأي صواعق، فليتك إذ ترفعت كزعمك عن مدحي
الانفة، رعيت لي حرمة المدح السالفة، فلقد علم هذا العصر، أني لسانه الذي انتهت
إليه مقالة الشعر:
وأنا الذي لم يسخ بي أحد * إلا غدا ونديمه الندم
وإذا اهتززت لمدح ذي كرم * فأنا لسان والزمان فم
قد نشرت لكم من الذكر الجميل، ما لم ينشره لسان الشعر لذي مجد أثيل، حتى صرت لكم
في المدح أعرف من علم، بل أشهر من (زهير بن أبي سلمى) في مدائح هرم، كم نسجت
لأبيكم برد حمد، لم ينسج قبلي مثله (ابن برد)، وكم سيرت فيكم من النظام، ما لم
يسيره قبلي الشيخ (أبو تمام) بلا يد بيضاء، ولا عارفة غراء، بل جعلتم قيمة تلك
العقود، وأثمان هاتيك البرود، ما لو رسم معها في كتب المؤرخين، كما ترسم الجوائز
مع قصائد المتقدمين، يتداولها الأنام جيلا بعد جيل، لغض بنزارته من شرفكم المحض
ومجدكم الأثيل، بل لو لم أكتم عن الحساد، ما جعلتموه بأزائها من الصفاد، لو سمت
تلك الغرر البهية، بسمات ردية، كما وسمت قصيدة (أبي الطيب) لنزارة الجائزة
بالدينارية، وعلى حقارة الجزاء ونزارة ما أسديتموه من العطاء، رأيتك قد أعرضت غاية
الاعراض، وأغمضت عن حقوق المودة أشد الاغماض، بلا إساءة سبقت، ولا جناية
تقدمت، فنظمت قطعة من العتاب، يروق بنشرها ذوو الألباب، وأرسلتها إليك، مخاطبا
لك بلسان العتب عليك، فقلت:
حتى م الود بالهجران * وإلى م أبسط بالعتاب لساني
لا أنت عن غلواء (901) هجرك مقصر * شيئا ولا أنا عن عتابك واني
كم ذا أنبه منك من لم ينتبه * عن مثله في الفضل طرف زمان (902)
ما زال يصرف عن وجوه مطالبي * عينا رعى القاصي بها والداني
الغيث أنت فكيف تجدب راحتي * منه وتخصب راحة الذلان
وأما ومجدك ما تيقظ للنهي * من لم يكن لي قط باليقظان
بل أي ركن للمعالي شاده * من لا يكون مشيدا أركاني
أخذت بمخنقي الخطوب فضيقت * صدري فضاق بها إليك بياني
فتلاف من أيدي الخطوب بقيتي * فبقيتي لك يا عظيم الشأن
عجبا لكفك كيف تمسح غرة * من غير سابق حلبة لرهان
من ذا لكم عني ينوب إذا جرت * يوما جياد الشعر في ميدان
ومن الذي ينشي لجيد علاكم * مدحا يفصلها عقود جمان
فبم اقتنعت وهل ترى يغني الحصى * لمن ابتغي حليا عن المرجان
أرتجت بالاعراض باب رويتي * وعقلت في شطن الصدود لساني
وتركت عيني من جفاك سقيمة * الإبصار وهي صحيحة الانسان
ما إن (903) زففت من الولاء كريمة * إلا وتمهرها من الحرمان
فأصخ لعاتبة تجايش صدرها * فأتتك تنفث عن حشا حران
قد حاكمتك إليك فاقض بحقها * فلقد أتتك بواضح البرهان
وشكتك عندك والعجيب جناية * منها اشتكى متظلم للجاني
بين الرجا واليأس قد وقفت فقل: * من ذين تنزلها بأي مكان



901 في مخطوطة الملا: من غلواء.
902 في مخطوطة الملا: زماني.
903 في المطبوع: من أن.
116
فأصدرت الرسول إلي بوعد أكذب من السراب الخادع، وأخيب من بارقة صيف خالبة
اللوامع، حسبت أنك ألقيت إلي منه بحبل واصل، ولم أخل أنك ألقيت إلي بخيط
باطل، قد ضربت أنت على أحد طرفيه بيد المطل، وضربت أنا على الطرف الآخر بيد عسى
ولعل، حتى قالت لي النفس، أما غلب على رجائك اليأس، وإنك لتغمز بأنمل الرجاء، في
صدر حجارة صماء، فقلت لها أيتها النفس إنك لامارة، ما عليك من ذلك وإن من
الحجارة، وإني إنما أهز بنسيم المدح غصنا، منه ثمار المعروف ببنان الآمال تقطف
وتجني، حتى لم يبق في قوس الأنظار منزع، ولا في صدر الاعذار مدفع، فنظمت في
استقضاء ذلك الوعد قطعة من العتب، فيها ذكرى لمن كان له قلب، قد أوحى منها لسان
قلمي مسمعا، ما لو أنزلناه على جبل لرأيته خاشعا متصدعا، فقلت:
كلما زادك المحب اقترابا * زدت عنه تباعدا واجتنابا (904)



904 ذكرت في باب العتاب ج 1 ص 232.
117
فوعدت وعدا جميلا، وخبأت خباء وبيلا، لم أشعر إلا وقطعة من شعرك، بيد الأطفال
من أبنائك، والاغفال من أخصائك وأودائك، ينشرونها بكل بلاد، زعما منك ولرأيك
الإصابة أن ذلك ضرب من السداد، فعلى م يا هذا كذبت أم من بي أغراك، أظهرت كمالك
بما يعود عليك بنقض علاك، ولم تترو في أمرك، حتى اتخذت عفتي وإبائي درية لما
طاش من سهام شعرك، فجريت إلى غاية من الاعجاب جرى المتبجح بفخره، وما نهنهت
كأنك لم تقف على من لم يقف عند انتهاء قدره، فقلت متشدقا، ونطقت متفيهقا:
أطلقت بالعتب الممض لساني * إن ترم بالاعياء فضل بياني
يا من له أخلصت صفو مودتي * ما شابها كدر من الهجران
وعقدت حبل ولائه بمحبتي * حتى اغتديت بها رضيع لبان
وأراك قد نبهت مقلة ساهر * بالعتب بل متناوم يقظان
مغض على مضض القذى وتسومه * وهو البري بها جناية جاني
أتصد عني معرضا وتلومني * ولقد بدأت هديت بالهجران
جنبت منتجعي وغرك خلب * فطفقت تحسبه من الهتان
ورأيت خضرة دمنة فحسبتها * أزهار ريقة من الغيطان
أنفقت فيها باهر الحكم التي * عزت نفاستها على (لقمان)
وبثثت منها للنظام جواهرا * ما كان أحوجها إلى الكتمان
أتصونها عني وقد قلدتها * أعناق ناقصة وجيد دواني
لا تحسبن الشعر يرفع خاملا * لعلو قدر أو سمو مكان
من لم تصدقه الفعال فمدحه * ضرب من التخليط والهذيان
لست الذي بالمدح أكمل رفعتي * اني وذلك أعظم النقصان
لكن أغار على بدائع فكرة * أن لا تقلدها بديع زمان (905)



905 أثبتناها في كتابنا (شعراء الحلة) ج 3 ص 125.
118
فلما استوقفت ناقد الفكر، وسرحت رائد النظر في ألفاظها ومعانيها، وجدتها تنطق عن
بذخ وبأو، وتتشدق عن شمخ وزهو، قد نشأت من ضمير شحنه الحنق، وطفح بالاحن إناؤه
على لسان منشئها فنطق بما نطق، ثم قلت إنا لله ويا نفس صبرا، على مضاضة هذا
الشعر الذي برز مشتملا بثوب الحب وتحته تأبط شرا، فقالت نفسي الأبية: كأنك طامنت
إلى أن تعطي من نفسك الدنية:
ترى وإلى الان لم تجزع * وهل بعد للصبر من موضع
ويقرع سمعك هذا العتاب * وتغضي كأنك لم تسمع
وأما وحمية هاشم، وشهامة آبائك القماقم، لا نمتك تلك الاباة منها إلى الذروة،
إن لم تقرع بمقطع تلك الصفاة والمروة، فقلت لها لا شفي الله لي علة، إن لم أبرد
عنك حر هذه الغلة، فأنا الان أقول:
أيها الرئيس الذي كل فاضل إن قيس به مفضول، لماذا لا زلت بعد هذا بك النعل،
أصبحت تكسر علي أرعاظ النبل، تارة تدب لي الضراء، وأخرى تسر لي حسوا في
ارتغاء، تشوب لي اطراءك بالقدح، وتبرز لي هجاءك في صورة المدح، تظهر التأسف على
عقود نظامي النفيسة، مريدا بذلك أني لم أرفع قدري عن ارتكاب الدنية والخسيسة:
وهل في أديم الشمس للسهم مثبت * وإن جهل القارى يوما فراماها
لقد ملت علي بطرا، ونسبت إلي ما لم أكن له بأهل أشرا، فلم ترقب في إلا،
كأنك لم تفز من مديحي بالقدح الرقيب (906) والمعلى:
تذكركم فيك القوافي فاخرت * من سجد الناس له حتى سجد



906 كذا في المخطوطتين والمطبوعتين، ولعله يريد: القريب.
119
وكيف أقول: لست أجد لنسيانك ذلك المديح معنى، والله تعالى يقول:
كلا إن الانسان ليطغى، إن رآه استغنى، وليت شعري كيف خفت هضبة حلمك بعدما أرسى
بك الوقار دهرا، بل كيف استبدلت الاسراع بالأناة فنثلت علي كنانة شعرك تطاولا
وفخرا، فملأت قلبي ألما، حتى أدميت البنان تأسفا وندما، وحتى خلعت لبسة المتجلد،
بمقيم من الحزازة مقعد، وطفقت أنشئ ثم أنشد:
لي اللوم قد كلفت نفسي خطة * عواقبها تدمى عليها الأصابع
وأوردتها رنقا من الذل آجنا * يسوء المعالي أنني فيه شارع
ودنست من أبرادها ثوب عفة * إبائي تسهيم له ووشايع
وعرضتها بعد الاباء لسبة * (إذا ذكرت تستك منها المسامع)
أجل: وليت سبق السيف إلي هذا العذل، أي خطة أسوء وأفظع، أم أي سبة إذا
ذكرت في المجالس علي أشنع، من أني وضعت نفسي لكم وضع من يريد الارتفاع (907)
بكم، بل وضع من ينتجع هشيم كرمكم انتجاع الرائد، ويحرم على سراب جودكم حرم
المحليء عن الموارد، على أني أحق بما قاله الفرزدق:
أتيناك لا من حاجة عرضت لنا * إليك ولا من قلة في مجاشع



907 في المطبوع: الانتفاع.
120
وامتهنت نفسي بأن صرت لكم شاعر، ناشرا ذكركم بالجميل بين الأكابر والأصاغر، كم
أزففت لكم غادة كعاب، تخجل بحسنها الأتراب، لا أريد بذلك منكم إلا الوداد، وصفاء
المحبة والاتحاد، ولو أني استام لها بقدر محاسنها المهر، لعز على الأكفاء أن
تحظى منها بشطر، فطفقت تنظر إلي بعين محتقر، وتخاطبني بما تخاطب به من هو إليك
مفتقر، فمهلا أبا حسن، لا تشمخ بأنف من بزهرة دنياه قد افتتن:
إن أكن مهديا لك الشعر إني * لابن بيت تهدى له الاشعار
بل لعلي لا يعد المتطاول علي لمجده ما أعده (908) من الخصائص، لنسبي اللباب
وحسبي الخالص، تنميني إلى ذرى العلياء، سادة علماء، قادة حكماء، ذادة زعماء، هم
للشرف الوضاح أقدم أسرة، وللمجد الصراح أكرم عترة، ما منهم إلا هضبة وقار وحلم،
ولجة كرم وعلم، لا يشار إلا إليهم، ولا تعقد الخناصر إلا عليهم، لم يسرق لي
الدهر أبا، ولم يغتصب لي الادعاء بسببك حسبا، فيا أيها اليقظان المتناوم، ليتك
رقدت عن عتابك رقدة غيرك عن المكارم، هب أني جنبت منتجعك، بعدما كنت منضما بزعمك
إليك في جملة من انتجعك، فأين أنت أيها السيد المطلبي، عن قول أبي الطيب
المتنبي (909):
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا * ألا تفارقهم فالراحلون هم



908 في المخطوط: ما أعد.
909 هو أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي أشهر
شعراء العربية. ولد عام 303 ه‍، قتله عند عودته إلى بغداد فاتك بن أبي جهل الأسدي
بالقرب من دير العاقول بالنعمانية عام 354 ه‍ شرح ديوانه مائة علم من أعلام الأدب.
121
ترجمت له في كتابي (شعراء الكوفة) ج 1 ص 340.
وادعيت علي أني غرني خلب، فطفقت أحسبه ماطرا يتحلب، ورأيت خضرة دمنة
وجدتها مونقة، فخلتها أزهار غوطة ريقة، فأنفقت فيها باهر الحكم العجيبة،
وقلدت بجواهرها أعناق ناقصة معيبة، لعمري لقد شغلتك هذه الفصاحة، عن أن تفطن لهذا
الاثم الذي تعلق منك بتلك الساحة، لأنك قد علمت أني لم أمدح إلا من لو حصلت
لبعض المجيزين منهم الإجازة، لكان من شرف الرئاسة الكبرى بمفازة وأي مفازة،
وزعمت أنك بلغت من الرفعة والسناء، ما استغنيت به عن المدح والثناء:
فإذا مدحت فلا لتكسب رفعة * للشاكرين على الاله ثناء
فقلت قول المتطاول، إن الشعر لا يرفع من هو خامل، كأنك لم تعلم، باجماع من
تقدم، أنه يضع الرفيع، ويرفع الخامل الوضيع، كما غض من شرف بني نمير، ورفع من
بني أنف الناقة وهم أذل عشير، وهذا الأرجاني (910) يقول:
لولا زهير والمديح له * لم يدر هذا الناس من هرم



910 هو أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني، الملقب ناصح الدين، فقيه شاعر، تولى قضاء
تستر، وتوفي بها في ربيع الأول سنة 544 ه‍ وكانت ولادته عام 460 ه‍ له ديوان شعر
طبع ببيروت.
122
ودع كل ذلك وخبرني إن من خلع لباس الحمد ولم يرغب بلبسه، ولم يكن من أهل (ومن
يوق شح نفسه). بماذا أكمل رفعته، وأي الافعال صدقه فيما وصف به مجده ونعته،
وذكرت وأنت الخليق الجدير، أنك عزمت على بدائع فكرتي أن أقلدها ذا شرف خطير، فقل
لي أية غيرة عليها لمن أنزلها منه في جانب الاهمال، وأغفلها وهي من اللواتي تأنف
أن تعد في الاغفال، تحقيقا لما أقره في ذهنك الجهلة الجفاة، وتصديقا لمن لا
تصدق فيهم الأمهات:
أخلاقك الغر الصفايا مالها * حملت قذى الواشين وهي سلاف
والإفك في مرآة رأيك ماله * يخفي وأنت الجوهر الشفاف
ولا ملامة عليك، وإن توجه اللوم كله إليك، إذ لا يستطيع أن يحول طباعه، من فتح
لأفواه المنافقين اذنا سماعة، قد استخفك رهط ما هم بأبر قط، ممن أنزل فيهم (وكان
في المدينة تسعة رهط). ما أنت لهم بقدوة، وغيرك لحج أفئدتهم بالحب مشعر ومروة،
ينزهونك من الريب، ويثلبونك بظهر الغيب، يبرز أحدهم مشتملا بلباس التقوى، وهو قد
بلغ من خبث السريرة غايتها القصوى:
كم تقي للخلق يظهر نسكا * ولباري النفوس في السر عاصي
فهو في نسكه تراه أبا ذر * وعند التحقيق فابن العاص
قد نصبوك فخا لاختيال صيدهم، واتخذوك سلما يعرجون عليك إلى اغتيال من أرادوه
بكيدهم، وأنت ولا أريد أن أنسب إليك رذيلة، قد جرت عادتك ولا أقول إنها غير جميلة،
إنك تنيل من نال منك، وتميل إلى من مال عنك، المرائي أسعد عندك حظا، ممن محض لك
الصدق في المودة محضا، كم مالت نفسك لا لذي سناء، ميل الناقة من شرهة إلى تناول
الغذاء، ثم تابعت له الشهادة، أنه كادت (911) تئني مثلك له الوسادة، حتى حصل له
بشهادتك من التنويه، ما لم يحصل من قبله لزياد بن أبيه، وحتى خلنا أنك عازم على
استلحقاه، رغبة فيه لما ثبت عندك من غزارة علمه وشرف أعراقه، ثم قلنا إن سيدنا
الأكيس، هو وهذا الورع المقدس، لو لم يكونا في النبل رضيعي لبان، وفي حلبات الفضل
شريكي عنان، لما نفي عنه هذه الاسترابة، ثم أنابه منابة، فرويدا أيها المشتمل، ما
هكذا تورد الإبل، قد كان لكم قبل هذا عذر لكم، انكم دعوتم الناس لأمر لكم عله
ونهله، فأي عذر لكم اليوم في دعائكم لأمر إن تم اعتزلكم كله، فحوشيت أبا
الهادي وعز علينا أن نرى منك بعض الخفة والطيش، في الاكثار من الحث على تأمير هذا
الفاضل على من لك قبلنا من الجيش، فاطرح لجاجك، فقد رجع بنا الاذعان إلى
الاقتداء بهذا الأوحد الذي نهج منهاجك، ونهنه من بادرة جهل ابن أخيك، فذلك أليق
وأحرى من جلب الوقيعة فيه وفيك، فلقد ثبت عندنا أن من بالغتما بتأييده، وشد
أزره وتشييده، هو العالم الرباني، بل فرد الفضل الذي لولا من لا تصرح به
لحلفنا أنه ليس له ثاني، إذ لو لم يكن عن (912) سيدنا أخذ وعلى قوله اعتمد، وإلى
رأيه في جميع الأمور قد استند، حتى صار من أهل الكشف والاستقامة، الذين تتنزل عليهم
الملائكة بالاسرار لما نص عليه رب الفضل بالإمامة، فيا أيها الرئيس الاجل، سبق
السيف العذل، والبث قليلا يلحق الهيجا حمل (913)، فلقد أطلق غربه لساني، وحلف أن
لا يكفكف من جري أدهم القلم بناني، حتى يأخذ غرار يراعتي مأخذه، وحتى ينفذ غرب
براعتي منفذه، والبادي أظلم، وسيعلم أينا الذي يقرع سن الندم:
ما المجد إلا ما بناه لساني * لا ما تزحزحه من البنيان
وحلي جيد الفضل نظم فرائدي * لا ما تنظم من فريد جمان
يا فاخرا لا في ملابس مدحتي * هذي ثياب الفخر لا ثوبان
ومطاولا لا في صلات قصائدي * هن المكارم هن لا قعبان
ولقد صدقت فقلت أية حكمة * لما نطقت جرت بأي لسان
من لم تصدقه الفعال فمدحه * ضرب من التخليط والهذيان



911 في المخطوط: كانت.
912 في المطبوع: من سيدنا.
913 الأمثال لا تغير ونصه: لبث قليلا.
123
/ 1