بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: منهاج الفقاهة المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني الجزء: 2 الوفاة: معاصر المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن تحقيق: الطبعة: الرابعة سنة الطبع: 1418 - 1376 ش المطبعة: ياران الناشر: ردمك: ملاحظات: منهاج الفقاهة التعليق علي مكاسب الشيخ الأعظم منهاج الفقاهة التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم لآية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني مد ظله الجزء الثاني
1 الكتاب: منهاج الفقاهة الجزء الثاني المؤلف: آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني الطبعة: الرابعة تاريخ النشر: 1418 ه ق - 1376 ه ش المطبعة: ياران الكمية: 1000 نسخة
2 المكاسب المحرمة
3 بسم الله الرحمن الرحيم
4 الرابعة عشر: الغيبة حرام بالأدلة الأربعة، ويدل عليه من الكتاب قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) {1} فجعل المؤمن أخا وعرضه كلحمه والتفكه به أكلا، وعدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.
1) سورة الحجرات، آية 13. 5 وقوله تعالى: ويل لكل همزة لمزة {1}. وقوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) {2}.
1) سورة الهمزة، آية 2. 2) سورة النساء، آية 149. 6 وقوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم {1}.
1) سورة النور، آية 19. 2) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6. 7 ويدل عليه من الأخبار ما لا يحصى. فمنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله بعدة طرق أن الغيبة أشد من الزنا، وأن الرجل يزني فيتوب ويتوب الله عليه، وأن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه {1}. وعنه صلى الله عليه وآله أنه خطب يوما فذكر الربا وعظم شأنه، فقال: إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستة وثلاثين زنية، وأن أربى الربا عرض الرجل المسلم {2}. وعنه صلى الله عليه وآله من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين صباحا إلا أن يغفر له صاحبه {3}. وعنه صلى الله عليه وآله من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما (منهما)، وكان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير {4}. وعنه صلى الله عليه وآله كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم
1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9. 2) مستدرك الوسائل، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 25. 3) نفس المصدر، حديث 34. 4) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 20. 8 الناس بالغيبة، فاجتنب الغيبة فإنها أدام كلاب النار {1}. وعنه صلى الله عليه وآله من مشى في غيبة (عيب) أخيه وكشف عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم {2}. وروى أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن لم يتب فهو أول من يدخل النار {3}. وعنه صلى الله عليه وآله أن الغيبة حرام على كل مسلم وأن الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب {4} وأكل الحسنات إما أن يكون على وجه الاحباط أو لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه، أو لأنها تنقل الحسنات إلى المغتاب كما في غير واحد من الأخبار. ومنها النبوي صلى الله عليه وآله يؤتي بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز وجل و يدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيه، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي لا أرى فيه حسناتي، فيقال له: إن ربك لا يضل ولا ينسي ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتي بآخر ويدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي فإني ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: إن فلانا اغتابك فدفع حسناته إليك، الخبر {5}. ومنها ما ذكره كاشف الريبة قدس سره من رواية عن عبد الله بن سليمان النوفلي الطويلة عن الصادق عليه السلام وفيها عن النبي صلى الله عليه وآله أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها أولئك لا خلاق لهم، وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعت أذناه مما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم {6}.
1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 21. 2) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة. 3) البحار، ج 75، ص 257 حديث 48. 4) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة. 5) الوسائل، باب 49، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 9 ثم ظاهر هذه الأخبار كون الغيبة من الكبائر {1} كما ذكره جماعة بل أشد من بعضها وعد في غير واحد من الأخبار من الكبائر الخيانة، ويمكن إرجاع الغيبة إليها، فأي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ على غفلة منه، وعدم شعور وكيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر أظنها في غير المحل.
1) سورة النور، آية 20. 2) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر. 3) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر. 10 ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن {1} فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه.
1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس. 2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس. 11 وتوهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم، وعدم جريان أحكام الاسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف {1} استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة وحل ذبائحهم ومناكحتهم وحرمة دمائهم لحكمة دفع الفتنة، ونسائهم لأن لكل قوم نكاحا ونحو ذلك مع أن التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت أخوته، فلا يعم من وجب التبري عنه.
12 وكيف كان فلا اشكال في المسألة، بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حكمة حرمتها، وفي حال غير المؤمن في نظر الشارع، ثم الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها {1}.
14 لعموم بعض الروايات المتقدمة وغيرها الدالة على حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم {1} مع صدق الأخ عليه كما يشهد به قوله تعالى (وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين) مضافا إلى امكان الاستدلال بالآية {2} وإن كان الخطاب للمكلفين بناء على عد أطفالهم منهم تغليبا {3} وإمكان دعوى صدق المؤمن عليه مطلقا، أو في الجملة ولعله لما ذكرنا صرح في كشف الريبة بعدم الفرق بين الصغير والكبير. وظاهره الشمول لغير المميز أيضا، ومنه يظهر حكم المجنون إلا أنه صرح بعض الأساطين باستثناء من لا عقل له ولا تمييز معللا بالشك في دخوله تحت أدلة الحرمة، ولعله من جهة أن الاطلاقات منصرفة إلى من يتأثر لو سمع، وسيتضح ذلك زيادة على ذلك.
1) سورة البقرة، آية 221. 2) الحجرات، آية 13. 15 بقي الكلام في أمور: الأول الغيبة اسم مصدر لاغتاب أو مصدر لغاب، ففي المصباح اغتابه إذا ذكره بما يكرهه من العيوب وهو حق والاسم الغيبة {1}.
16 وعن القاموس غابه، عابه وذكره بما فيه من السوء، وعن النهاية أن يذكر الانسان في غيبته بسوء مما يكون فيه، والظاهر من الكل خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب، أن المراد ذكره في مقام الانتقاص {1} والمراد بالموصول هو نفس النقص الذي فيه.
1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2. 2) نفس المصدر، حديث 1. 17 والظاهر من الكراهة في عبارة المصباح كراهة وجوده ولكنه غير مقصود قطعا، فالمراد أما كراهة ظهوره ولو لم يكره وجوده كالميل إلى القبائح، وأما كراهة ذكره بذلك العيب {1} وعلى هذا التعريف دلت جملة من الأخبار مثل قوله عليه السلام وقد سأله أبو ذر عن الغيبة أنها ذكرك أخاك بما يكرهه، وفي نبوي آخر قال صلى الله عليه وآله: أتدرون [أتدري] ما الغيبة قالوا [قال] الله ورسوله أعلم قال: ذكرك (ذكركم) أخاك [أخاكم] بما يكرهه، ولذا قال في جامع المقاصد أن حد الغيبة على ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه، [لو سمعه] مما هو فيه.
1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9 وكشف الريبة، ص 52. 18 والمراد بما يكرهه كما تقدم في عبارة المصنف ما يكره ظهوره سواء كره وجوده كالبرص والجذام أم لا كالميل إلى القبائح، ويحتمل أن يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر الشخص به {1} ويكون كراهته. أما لكونه إظهارا للعيب وأما لكونه صادرا على جهة المذمة والاستخفاف والاستهزاء وإن لم يكن العيب مما يكره إظهاره لكونه ظاهرا بنفسه. وأما لكونه مشعرا بالذم وإن لم يقصد المتكلم الذم به كالألقاب المشعرة بالذم. قال في الصحاح: الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور، بما يغمه لو سمعه، و ظاهره التكلم بكلام يغمه لو سمعه، بل في كلام بعض من قارب عصرنا أن الاجماع والأخبار متطابقان على أن حقيقة الغيبة أن يذكر الغير بما يكره لو سمعه سواء كان بنقص في نفسه أو بدنه أو دينه أو دنياه أو فيما يتعلق به من الأشياء وظاهره أيضا إرادة الكلام المكروه.
19 وقال الشهيد الثاني في كشف الريبة: إن الغيبة ذكر الانسان في غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص والذم، ويخرج على هذا التعريف ما إذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة يكون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك مع أنه داخل في التعريف عند الشهيد قدس سره أيضا حيث عد من الغيبة ذكر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها كالأعمش والأعور ونحوهما. وكذلك ذكر عيوب الجارية التي يراد شراؤها إذا لم يقصد من ذكرها إلا بيان الواقع وغير ذلك مما ذكره هو وغيره من المستثنيات ودعوى أن قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا، والأولى بملاحظة ما تقدم من الأخبار وكلمات الأصحاب بناء على ارجاع الكراهة إلى الكلام المذكور به لا إلى الوصف ما تقدم من أن الغيبة أن يذكر الانسان بكلام يسوؤه به. أما بإظهار عيبه المستور، وإن لم يقصد انتقاصه، وأما بانتقاصه بعيب غير مستور، إما بقصد المتكلم أو بكون الكلام بنفسه منقصا له كما إذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم، نعم لو أرجعت الكراهة إلى الوصف الذي يسند إلى الانسان تعين إرادة كراهة ظهورها فيختص بالقسم الأول، وهو ما كان إظهارا لأمر مستور ويؤيد هذا الاحتمال بل يعينه الأخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون المقول مستورا
20 غير منكشف مثل قوله عليه السلام فيما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان: الغيبة أن تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه. ورواية داود بن سرحان المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد. ورواية أبان عن رجل لا يعلمه إلا يحيى الأزرق، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس فقد اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته. وحسنة عبد الرحمن بن سيابة بابن هاشم، قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه. وأما الأمر الظاهر مثل الحدة والعجلة فلا، والبهتان أن يقول فيه ما ليس فيه، وهذه الأخبار كما ترى صريحة في اعتبار كون الشئ غير منكشف {1} ويؤيد ذلك ما في الصحاح من أن الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فإن كان صدقا سمي غيبة، وإن كان كذبا سمي بهتانا فإن أراد من المستور من حيث ذلك المقول وأفق الأخبار وإن أراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة والمخالفة.
1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 22. 2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 3) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 4) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2. 21 والملخص من مجموع ما ورد في المقام أن الشئ المقول إن لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص حينئذ غيبة وإن اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه نظير ما إذا نفى عنه الاجتهاد وليس ممن يكون ذلك نقصا في حقه إلا أنه معتقد باجتهاد نفسه، نعم قد يحرم هذا من وجه آخر وإن كان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن كان مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس وأراد القائل تنقيص المغتاب به فهو المتيقن من أفراد الغيبة، وإن لم يرد القائل التنقيص. فالظاهر حرمته لكونه كشفا لعورة المؤمن وقد تقدم الخبر من مشي في غيبة أخيه وكشف عورته. الخ. وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال: نعم. قلت: تعني سفلتيه، قال: ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سره (1). وفي رواية محمد بن فضيل عن أبي الحسن عليه السلام: ولا تذيعن عليه شيئا تشينه به وتهدم به مروته فتكون من الذين قال الله عز وجل: (إن الذين يحبون أن تتشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) (2) ولا يقيد اطلاق النهي بصورة قصد الشين والهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع الفاحشة، بل الظاهر أن المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها مع أنه لا فائدة كثيرة في التنبيه على دخول القاصد لإشاعة
1) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 2) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4. 22 الفاحشة في عموم الآية. وإنما يحسن التنبيه على أن قاصد السبب قاصد للمسبب وإن لم يقصده بعنوانه، وكيف كان فلا اشكال من حيث النقل والعقل في حرمة إذاعة ما يوجب مهانة المؤمن وسقوطه عن أعين الناس في الجملة. وإنما الكلام في أنها غيبة أم لا، مقتضى الأخبار المتقدمة بأسرها ذلك خصوصا المستفيضة الأخيرة، فإن التفصيل فيها بين الظاهر والخفي أنما يكون مع عدم قصد القائل المذمة والانتقاص. وأما مع قصده فلا فرق بينهما في الحرمة والمنفي في تلك الأخبار، وإن كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة إلا أن ظاهر سياقها نفي الحرمة فيما عداها أيضا لكن مقتضى ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة عدمه لأنه اعتبر قصد الانتقاص والذم إلا أن يراد اعتبار ذلك فيما يقع على وجهين: دون ما لا يقع إلا على وجه واحد، فإن قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد له وإن كان المقول نقصا ظاهرا للسامع فإن لم يقصد القائل الذم، ولم يكن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم نظير الألقاب المشعرة به. فالظاهر أنه خارج عن الغيبة لعدم حصول كراهة للمقول فيه لا من حيث الاظهار ولا من حيث ذم المتكلم ولا من حيث الاشعار وإن كان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتكلم التعيير والمذمة بوجوده فلا اشكال في حرمة الثاني بل وكذا الأول لعموم ما دل على حرمة إيذاء المؤمن وإهانته وحرمة التنابز بالألقاب وحرمة تعيير المؤمن على صدور معصية منه فضلا عن غيرها ففي عدة من الأخبار من عير مؤمنا على معصية لم يمت حتى يرتكبه. وإنما الكلام في كونهما من الغيبة، فإن ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها. وظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء على ارجاع الكراهة فيها إلى كراهة الكلام الذي يذكر به الغير، وكذلك كلام أهل اللغة عدا الصحاح على بعض احتمالاته كونهما غيبة و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة، وإن كان ظاهر الأكثر خلافه فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الذي لا يفيد السامع اطلاعا لم يعلمه ولا يعلمه عادة من غير خبر مخبر، ليس غيبة فلا يحرم إلا إذا ثبت الحرمة من حيث المذمة والتعيير أو من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب ولو باعتبار بعض
23 التعبيرات فيحرم من جهة الايذاء والاستخفاف والذم والتعيير. ثم الظاهر المصرح به في بعض الروايات عدم الفرق في ذلك على ما صرح به غير واحد بين ما كان نقصانا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه حتى في ثوبه أو داره أو دابته أو غير ذلك {1}. وقد روى عن مولانا الصادق عليه السلام {2} الإشارة إلى ذلك بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه. قيل: أما البدن فكذكرك فيه العمش والحول والعور والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه. والنسب بأن يقول أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو اسكاف أو حايك أو نحو ذلك مما يكره. وأما الخلق بأن يقول إنه سئ الخلق بخيل [محيل] مراء متكبر شديد الغضب، جبان ضعيف القلب و نحو ذلك. وأما في أفعاله المتعلقة بالدين فكقولك سارق كذاب، شارب، خائن ظالم متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع والسجود ولا يجتنب من النجاسات ليس بارا بوالديه لا يحرس نفسه من الغيبة والتعرض لأعراض الناس. وأما أفعاله المتعلقة بالدنيا فكقولك قليل الأدب متهاون بالناس لا يرى لأحد عليه حقا كثير الكلام كثير الأكل نؤوم [والنوم] يجلس في غير موضعه. وأما في ثوبه فكقولك أنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب ونحو ذلك.
1) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 19. 24 ثم إن ظاهر النص وإن كان منصرفا إلى الذكر باللسان لكن المراد به حقيقة الذكر {1} فهو مقابل الاغفال فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول والفعل و الإشارة وغيرها فهو ذكر له ومن ذلك المبالغة في تهجين المطلب الذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الازراء بحال ذلك المصنف فإن قولك إن هذا المطلب بديهي البطلان لأن فيه تعريضا بأن صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب وبين ما هو بديهي البطلان، ولعل الملازمة نظرية وقد وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلى بعضهم ما لا بد له من الحمل والتوجيه أعوذ بالله من الغرور وإعجاب المرء بنفسه وحسده على غيره والاستيكال بالعلم.
1) أخرجه الخرائطي وابن مردويه والبيهقي كما في محكي الدر المنثور، ج 6، ص 94. 25 ثم إن دواعي الغيبة كثيرة: روي عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها إجمالا بقوله عليه السلام: أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ، ومساعدة قوم، وتصديق خبر بلا كشف، وتهمة، وسوء ظن، وحسد، وسخرية، وتعجيب، وتبرم، وتزين، الخبر. ثم إن ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، وقد يخفى على النفس لحب أو بعض فيرى أنه لم يغتب وقد وقع في أعظمها ومن ذلك أن الانسان قد يغتم بسبب ما يبتلي به أخوه في الدين لأجل أمر يرجع إلى نقص في فعله أو رأيه فيذكره المغتم في مقام التأسف عليه بما يكره ظهوره للغير مع أنه كان يمكنه بيان حاله للغير على وجه لا يذكر اسمه ليكون قد أحرز ثواب الاغتمام على ما أصاب المؤمن لكن الشيطان يخدعه ويوقعه في ذكر الاسم. بقي الكلام في أنه هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب أو يكفي ذكره عند نفسه {1} ظاهر الأكثر الدخول كما صرح به بعض المعاصرين، نعم ربما يستثنى من حكمها عند من استثنى ما لو علم اثنان صفة شخص فيذكر أحدهما بحضرة الآخر. وأما على ما قويناه من الرجوع في تعريف الغيبة إلى ما دل عليه المستفيضة المتقدمة من كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك في الغيبة.
26 ومنه يظهر أيضا أنه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب {1} مرددا بين أشخاص غير محصورة كما إذا قال جاءني اليوم رجل بخيل دني ذميم. فإن ظاهر تعريف الأكثر دخوله وإن خرج عن الحكم بناء على اعتبار التأثير عند السامع. وظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول. نعم لو قصد المذمة والتعبير حرم من هذه الجهة فيجب على السامع نهي المتكلم عنه إلا إذا احتمل أن يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم على الصحة كما سيجئ في مسألة الاستماع. والظاهر أن الذم والتعيير لمجهول العين لا يجب الردع عنه مع كون الذم والتعيير في موقعهما بأن كان مستحقا لهما، وإن لم يستحق مواجهته بالذم أو ذكره عند غيره بالذم. هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها على الإطلاق. أما لو كان مرددا بين أشخاص فإن كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كان كالمشتبه على الإطلاق {2} كما لو قال جاءني عجمي أو عربي كذا وكذا، إذا لم يكن بحيث يكون الذم راجعا إلى العنوان كأن يكون في المثالين تعريض إلى ذم تمام العجم أو العرب
28 وإن كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم {1} كأن يقول أحد ابني زيدا و أحد أخويه كذا وكذا. ففي كونه اغتيابا لكل منهما لذكرهما بما يكرهانه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب وعدمه لعدم تهتك ستر المعيوب منهما، كما لو قال أحد أهل البلد الفلاني كذا وكذا، وإن كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة إلى المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال أو كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهما وإسائة بالنسبة إلى غيره لأنه تهتك بالنسبة إليه لأنه إظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركه في احتمال العيب، فيكون الاطلاع عليه قريبا. وأما الآخر فقد أساء بالنسبة إليه حيث عرضه لاحتمال العيب، وجوه قال في جامع المقاصد ويوجد في كلام بعض الفضلاء (الفقهاء) أن من شرط الغيبة أن يكون متعلقها محصورا وإلا فلا تعد غيبة، فلو قال عن أهل بلدة غير محصورة ما لو قاله عن شخص واحد كان غيبة لم يحتسب غيبة، انتهى.
29 أقول: إن أراد أن ذم جمع غير محصور لا يعد غيبة وإن قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال أهل هذه القرية أو هذه البلدة كلهم كذا وكذا، فلا اشكال في كونها غيبة محرمة ولا وجه لاخراجه عن موضوعها أو حكمها وإن أراد أن ذم المردد بين غير المحصور لا يعد غيبة فلا بأس كما ذكرنا ولذا ذكر بعض تبعا لبعض الأساطين في مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قرية مع قيام القرينة على عدم إرادة الجميع كذم العرب أو العجم أو أهل الكوفة أو البصرة وبعض القرى، انتهى ولو أراد الأغلب ففي كونه اغتيابا لكل منهم وعدمه ما تقدم في المحصور. وبالجملة فالمدار في التحريم غير المدار في صدق الغيبة وبينهما عموم من وجه.
30 الثاني: في كفارة الغيبة الماحية لها {1}.
31 ومقتضى كونها من حقوق الناس توقف رفعها إلى اسقاط صاحبها. أما كونها من حقوق الناس فلأنه ظلم على المغتاب وللأخبار في أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا يغتابه {1} وأن حرمة عرض المسلم كحرمة دمه وماله {2} وأما توقف رفعها على ابراء ذي الحق فللمستفيضة المعتضدة بالأصل منها ما تقدم من أن الغيبة لا تغفر حتى يغفر صاحبها ومنها ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي بسنده المتصل إلى علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للمؤمن على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها
1) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 13. 2) المستدرك، باب 105، من أبواب أحكام العشرة، حديث 16. 32 أو العفو إلى أن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة ويقضي له عليه والنبوي المحكي في السرائر، وكشف الريبة من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم ولا دينار فيؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيتزايد على سيئاته. وفي نبوي آخر من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوما وليلة إلا أن يغفر له صاحبه. وفي الدعاء التاسع والثلاثون من أدعية الصحيفة السجادية ودعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل على هذا المعنى أيضا.
1) المستدرك، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 2) الوسائل، باب 158، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 3) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 24. 4) السرائر، ج 2، ص 69. 5) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 34. 33 ولا فرق في مقتضى الأصل والأخبار بين التمكن من الوصول إلى صاحبه و تعذره لأن تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق كما في غير هذا المقام، لكن روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أن كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته كلما ذكرته ولو صح سنده أمكن تخصيص الإطلاقات المتقدمة به فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلى البراءة مع احتمال العدم أيضا، لأن كون الاستغفار كفارة لا يدل على البراءة، فلعله كفارة للذنب من حيث كونه حقا لله تعالى نظير كفارة قتل الخطأ التي لا توجب براءة القاتل إلا أن يدعى ظهور السياق في البراءة.
1) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة. 2) الوسائل، باب 155، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 35
1) الوسائل، باب 78، من أبواب جهاد النفس، حديث 5. 2) المستدرك، باب 135، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 36 قال في كشف الريبة بعد ذكر النبويين الأخيرين المتعارضين ويمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له على من لم يبلغ غيبته المغتاب، فينبغي له الاقتصار على الدعاء والاستغفار لأن في محالته إثارة للفتنة وجلبا للضغائن، وفي حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه لموت أو غيبة وحمل المحالة على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة {1}. أقول: إن صح النبوي الأخير سندا، فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا إلى البراءة مطلقا في مقابل الاستبراء وإلا تعين طرحه والرجوع إلى الأصل واطلاق الأخبار المتقدمة وتعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرء آخر. نعم أرسل بعض من قارب عصرنا عن الصادق عليه السلام أنك إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه وإن لم يبلغه فاستغفر الله له {2}. وفي رواية السكوني المروية في الكافي في باب الظلم عن أبي
1) البحار، ج 75، ص 257. 37 عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر الله له فإنه كفارة له والأنصاف أن الأخبار الواردة في هذا الباب كلها غير نقية السند و أصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاستحلال ولا الاستغفار وأصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب (بالفتح) على المغتاب (بالكسر) تقتضي عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة {1} لكن المثبت لكون الغيبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه ليس إلا الأخبار الغير النقية السند {2} مع أن السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة {3} لذكر حقوق أخر في الروايات لا قائل بوجوب البراءة منها. ومعنى القضاء يوم القيامة لذيها على من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن لا العقاب عليها كما لا يخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة في رواية الكراجكي فالقول بعدم كونه حقا للناس بمعنى وجوب البراءة نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة وإن كان الاحتياط في خلافه بل لا يخلو عن قرب من جهة كثرة الأخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها، بل اعتبار سند بعضها، والأحوط الاستحلال إن تيسر وإلا فالاستغفار غفر الله لمن اغتبناه ولمن اغتابنا بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
38 الثالث: فيما استثنى من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعم {1}. فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة وغيرها أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن وتأذيه منه، فإذا فرض هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب (بالكسر) أو (بالفتح) أو ثالث دل العقل أو الشرع على كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم على طبق أقوى المصلحتين كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله وحقوق الناس، وقد نبه عليه غير واحد {1} قال في جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة: إن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكه به أو اضحاك الناس منه، و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير والتظلم وسماعه والجرح والتعديل ورد من ادعى نسبا ليس له والقدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين، انتهى. وفي كشف الريبة، إعلم أن المرخص في ذكر مساوئ الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا بها انتهى. وعلى هذا فموارد الاستثناء لا ينحصر في عدد.
39 نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة، أحدهما ما إذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق {1} فإن من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق {2}. نعم لو كان في مقام ذمه كرهه من حيث المذمة لكن المذمة على الفسق المتجاهر به لا تحرم كما لا يحرم لعنه. وقد تقدم عن الصحاح أخذ المستور في المغتاب {3}، وقد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر منها قوله عليه السلام في رواية هارون بن الجهم إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة {4}.
1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4. 41 وقوله من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له {1} ورواية أبي البختري ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع، والإمام الجائر، والفاسق المعلن بفسقه {2} ومفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته ووجبت أخوته وظهر عدله وحرمت غيبته {3}.
1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5. 3) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2. 42 وفي صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في بيان العدالة {1} بعد تعريف العدالة، أن الدليل على ذلك أن يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا فينتفي عند انتفائه.
1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 1. 43 ومفهوم قوله عليه السلام في رواية علقمة المحكية عن المحاسن من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنبا ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى داخل في ولاية الشيطان، الخبر {1}. دل على ترتب حرمة الاغتياب وقبول الشهادة على كونه من أهل الستر {2} وكونه من أهل العدالة على الطريق اللف والنشر أو على اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئي منه المعصية ولا مشهودا عليه بها، ومقتضى المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه غير المتجاهر، وكون قوله ومن اغتابه الخ، جملة مستأنفة غير معطوفة على الجزاء خلاف الظاهر.
1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 13. 44 ثم إن مقتضى اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به ولو مع عدم قصد غرض صحيح {1} ولم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر. نعم تقدم عن الشهيد الثاني احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز سب المتجاهر مع اعترافه بأن ظاهر النص والفتوى عدمه.
45 وهل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به {1} صرح الشهيد الثاني و غيره بعدم الجواز. وحكي عن الشهيد أيضا. وظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر وغير الساتر هو الجواز، واستظهره في الحدائق من كلام جملة من الأعلام وصرح به بعض الأساطين. و ينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح، فمن تجاهر باللواط العياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب، ومن تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة، ومن تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس وينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر، ومن تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح {2} و لعل هذا هو المراد بمن ألقى جلباب الحياء لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة إلى غيرها كبعض عمال الظلمة.
46 ثم المراد بالمتجاهر، من تجاهر بالقبيح بعنوان أنه قبيح فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا يعرف فساده إلا القليل، كما إذا كان من عمال الطلمة وادعى في ذلك عذرا مخالفا للواقع أو غير مسموع منه لم يعد متجاهرا {1}. نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر.
48 ولو كان متجاهرا عند أهل بلده أو محلته مستورا عند غيرهم هل يجوز ذكره عند غيرهم {1} ففيه اشكال من امكان دعوى ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا فرب متجاهر في بلد متستر في بلاد الغربة أو في طريق الحج والزيارة لئلا يقع عن عيون الناس. وبالجملة فحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام على الاطلاق وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه، فالأحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه ولا يستنكف من ظهوره للغير. نعم لو تأذى من ذمه بذلك دون ظهوره لم يقدح في الجواز، ولذا جاز سبه بما لا يكون كذبا وهذا هو الفارق بين السب والغيبة حيث إن مناط الأول المذمة والتنقيص فيجوز، ومناط الثاني إظهار عيوبه فلا يجوز إلا بمقدار الرخصة.
49 الثاني: تظلم المظلوم {1} وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متسترا به كما إذا ضربه في الليل الماضي وشتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه لظاهر قوله تعالى: (ولمن أنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) {2}.
1) الشورى، آية 42. 50 وقوله تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم {1}. فعن تفسير القمي أي لا يحب أن يجهر الرجل بالظلم والسوء ويظلم إلا من ظلم فأطلق له أن يعارضه بالظلم. وعن تفسير العياشي عنه صلى الله عليه وآله من أضاف قوما فأساء إضافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه {2} وهذه الرواية وإن وجب توجيهها إما بحمل الإساءة على ما يكون ظلما وهتكا لاحترامهم أو بغير ذلك إلا أنها دالة على عموم من ظلم في الآية الشريفة وأن كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال في الظالم.
1) النساء، آية 148. 51 ونحوها في وجوب التوجيه رواية أخرى في هذا المعنى محكية عن المجمع {1} أن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله ويؤيد الحكم فيما نحن فيه أن في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما {2} ولأن في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم {3} وهي مصلحة
1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6. 2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7. 52 خالية عن مفسدة فيثبت الجواز لأن الأحكام تابعة للمصالح، ويؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر {1} بناء على أن عدم احترامه من جهة جوره لا من جهة تجاهره وإلا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق. وفي النبوي لصاحب الحق مقال {2}.
1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5. 2) المحجة البيضاء للمحدث الكاشاني، ج 5، ص 270 - وكشف الريبة. 53 والظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو إزالة الظلم عنه {1} وقواه بعض الأساطين خلافا لكاشف الريبة وجمع ممن تأخر عنه فقيدوه اقتصارا في مخالفة الأصل على المتيقن من الأدلة لعدم عموم في الآية و عدم نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجية مع أن المروي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان {2} أنه لا يحب الشتم في الانتصار إلا من ظلم، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين. قال في الكتاب المذكور ونظيره (وانتصروا من بعد ما ظلموا) وما بعد {3} الآية لا يصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلية والنقلية ومقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم فلو لم يكن قابلا للتدارك لم يكن فائدة في هتك الظالم.
1) مجمع البيان، ج 2، ص 131. 54 وكذلك لو لم يكن ما فعل به ظلما بل كان من ترك الأولى {1} وإن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك فعن الكافي والتهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان {2} قال: دخل رجل على أبي عبد الله عليه السلام فشكى رجلا من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكو عليه، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك، فقال: يشكوني أني استقضيت منه حقي فجلس أبو عبد الله عليه السلام مغضبا فقال: كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ أرأيت قول الله تعالى (ويخافون سوء الحساب)، أترى أنهم خافوا الله عز وجل أن يجور عليهم لا والله ما خافوا إلا الاستقضاء فسماه الله عز وجل سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء.
1) الوسائل، باب 16، من أبواب الدين والقرض، حديث 1. 55 {1} ومرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافي قال: كان عنده قوم يحدثهم إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه وشكاه، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: وأنى لك بأخيك الكامل أي الرجل المهذب. فإن الظاهر من الجواب أن الشكوى إنما كانت من ترك الأولى الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.
1) الوسائل، باب 56، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 56 ومع ذلك كله فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتية التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوى من مصلحة احترام المغتاب كما أن الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به، وإن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها فيبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها {1}.
57 {1} منها نصح المستشير فإن النصيحة واجبة للمستشير {2}.
1) الوسائل، باب 3، من أبواب الوديعة. 2) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة. 3) الوسائل، باب 25، من أبواب فعل المعروف. 4) الوسائل، باب 23، من أبواب أحكام العشرة وباب 35، من أبواب فعل المعروف. 58 فإن خيانته قد تكون أقوى مفسدة من الوقوع في المغتاب {1}.
59 وكذلك النصح من غير استشارة فإن من أراد تزويج امرأة وأنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة والفساد فلا ريب أن التنبيه على بعضها، وإن أوجب الوقيعة فيها أولى من ترك نصح المؤمن مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه.
1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5. 60 ومنها الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان حقي فكيف طريقي في الخلاص {1} هذا إذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم بالخصوص وإلا فلا يجوز، ويمكن الاستدلال عليه بحكاية {2} هند زوجة أبي سفيان واشتكائها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقولها إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فلم يرد صلى الله عليه وآله عليها غيبة أبي سفيان، ولو نوقش في هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محل الكلام أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله قال: {3} جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن أمي لا تدفع يد لامس، فقال: احبسها. قال: قد فعلت، قال صلى الله عليه وآله: فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال صلى الله عليه وآله: فقيدها فإنك لا تبرها بشئ أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز وجل الخبر.
1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4. 2) الوسائل، باب 48، من أبواب حد الزنا، حديث 1. 61 واحتمال كونها متجاهرة بالفسق مدفوع بالأصل {1}.
62 {1} ومنها قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله، فإنه أولى من ستر المنكر عليه فهو في الحقيقة إحسان في حقه {2}. مضافا إلى عموم أدلة النهي عن المنكر {3}.
63 ومنها قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس {1} كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس، ويدل عليه مضافا إلى أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولى من ستر المغتاب، ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم، والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا [يطغوا] في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات. ومنها جرح الشهود {2} فإن الاجماع دل على جوازه، ولأن مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق أولى من الستر على الفاسق ومثله بل أولى بالجواز جرح الرواة {3} فإن مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته ويلحق بذلك الشهادة بالزنا وغيره لإقامة الحدود {4}.
1) الوسائل، باب 39، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، حديث 1. 64 ومنها دفع الضرر عن المغتاب {1} وعليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث، وقد بين ذلك الإمام عليه السلام بقوله في بعض ما أمر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه اقرأ مني على والدك السلام، فقل له: إنما أعيبك دفاعا مني عنك فإن الناس يسارعون إلى كل من قربناه ومجدناه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه و يذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عيبناه نحن، وإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا (منا) بميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأمر لمودتك لنا وميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون ذلك منا دافع شرهم عنك يقول الله عز وجل: (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) هذا التنزيل من عند الله لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تغصب [تعطب] على يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ والحمد لله، فافهم المثل رحمك الله فإنك أحب الناس إلي وأحب أصحاب أبي إلى حيا وميتا، وأنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، وإن وراءك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ويغصب أهلها
65 فرحمة الله عليك حيا ورحمة الله عليك ميتا، الخبر {1} ويلحق بذلك الغيبة للتقية على نفس المتكلم أو ماله أو عرضه أو عن ثالث، فإن الضرورات تبيح المحظورات.
1) ما ذكره المصنف من الرواية المبينة للحمل المزبور - مذكورة في رجال الكشي، ج 1، ص 349، الرقم 221، مع اختلافات كثيرة. 2) معجم رجال الحديث، ج 7، ص 230. 66 ومنها ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة {1} التي لا يعرف إلا بها كالأعمش والأعرج والأشتر والأحول، ونحوها. وفي الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله {2} و لا بأس بذلك فيما إذا صارت الصفة في اشتهار توصيف الشخص بها إلى حيث لا يكره ذلك صاحبها، وعليه يحمل ما صدر عن الإمام عليه السلام وغيره من العلماء الأعلام لكن كون هذا استثناء مبني على كون مجرد ذكر العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة، وقد منعنا ذلك سابقا إذ لا وجه لكراهة المغتاب لعدم كونه إظهارا لعيب غير ظاهر والمفروض عدم قصد الذم أيضا، اللهم إلا أن يقال إن الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به {3} يكره الانسان الاتصاف بها ولو من دون قصد الذم، فإن اشعارها بالذم كاف في الكراهة.
1) روضة الكافي، ص 91. 2) الوسائل، باب 11، من أبواب صفات القاضي، حديث 18. 67 ومنها ما حكاه في كشف الريبة عن بعض من أنه إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها، فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز {1} لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك أو خوف اشتهاره عنهما، انتهى. أقول إذا فرض عدم كون ذكر هما في مقام التعيير والمذمة، وليس هنا هتك ستر أيضا فلا وجه للتحريم ولا لكونها غيبة إلا على ظاهر بعض التعاريف المتقدمة. ومنها رد من ادعى نسبا ليس له {2} فإن مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة حرمة الاغتياب. ومنها القدح في مقالة باطلة، وإن دل على نقصان قائلها إذا توقف حفظ حق وإضاعة الباطل عليه {3} وأما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم يعرف له وجه مع شيوعه بينهم من قديم الأيام.
68 ثم إنهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة إلى ذكرها، بعد ما قدمنا أن الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام المؤمن، وهذا يختلف باختلاف تلك المصالح ومراتب مفسدة هتك المؤمن فإنها متدرجة في القوة والضعف فرب مؤمن لا يساوي عرضه شئ [من المصالح] فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة والمفسدة. الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف {1} فقد ورد السامع للغيبة أحد المغتابين والأخبار في حرمته كثيرة إلا أن ما يدل على كونه من الكبائر، كالرواية المذكورة ونحوها ضعيفة السند.
1) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7. 2) المستدرك باب، 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8. 3) كشف الريبة للشهيد الثاني. 4) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5. 69
1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 13. 2) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6. 3) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 27. 70
1) الوسائل، باب 156، من أبواب أحكام العشرة. 2) الوسائل، باب 5، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبها. 71 ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها {1} ولو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع. وقلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم، فالمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهرا لا مع العلم بعدمه.
73 قال: في كشف الريبة إذا سمع أحد مغتابا لآخر وهو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة ولا عدمه قيل {1}: لا يجب نهي القائل لامكان الاستحقاق، فيحمل فعل القائل على الصحة ما لم يعلم فساده ولأن ردعه يستلزم انتهاك حرمته وهو أحد المحرمين. ثم قال: والأولى التنزه عن ذلك حتى يتحقق المخرج منه لعموم الأدلة وترك الاستفصال فيها، وهو دليل إرادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل ولأن ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته، وهو هدم قاعدة النهي عن الغيبة، انتهى. أقول: والمحكي بقوله قيل: لا دلالة فيه على جواز الاستماع، وإنما تدل على عدم وجوب النهي عنه، ويمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل، لأن السامع أحد المغتابين، فكما أن المغتاب يحرم عليه الغيبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ. فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا إذا علم التجاهر. وأما نهي القائل فغير لازم مع دعوى القائل العذر المسوغ بل مع احتماله في حقه وإن اعتقد الناهي عدم التجاهر.
75 نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه هذا، ولكن الأقوى جواز الاستماع إذا جاز للقائل لأنه قول غير منكر فلا يحرم الاصغاء إليه للأصل والرواية على تقدير صحتها تدل على أن السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة، فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك فيكون دليلا على الجواز فيما نحن فيه. نعم لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها فإن جاز للسامع التكلم بغيبة جاز سماعها، وإن حرم عليه حرم سماعها أيضا كانت الرواية على تقدير صحتها دليلا للتحريم فيما نحن فيه لكنه خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية وإن كان هو الظاهر على تقدير قرائته بالجمع لكن هذا التقدير خلاف الظاهر، وقد تقدم في مسألة التشبيب أنه إذا شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع. ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة. فعن المجالس بإسناده عن أبي ذر (رضوان الله عليه) عن النبي صلى الله عليه وآله من اغتيب عنده أخوه المؤمن وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله تعالى في الدنيا و الآخرة، وإن خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة. ونحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام. وعن عقاب الأعمال بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة. فإن لم يرد عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتابه. وعن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام في حديث المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله من تطول على أخيه في غيبة سمعها فردها عنه، رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فإن هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة، الخبر. ولعل وجه زيادة عقابه أنه إذا لم يرده تجري المغتاب فيصر على هذه الغيبة وغيرها.
76 والظاهر أن الرد غير النهي عن الغيبة {1} والمراد به الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة.
77 فإن كان عيبا دنيويا انتصر له {1} بأن العيب ليس إلا ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبه الله به وإن كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية، فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلي بالمعصية، فينبغي أن يستغفر له ويهتم له لا أن تعير عليه وأن تعييرك إياه لعله أعظم عند الله من معصيته ونحو ذلك. ثم إنه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره {2}.
1) النور، 13. 2) النور، 14. 3) النور: 17. 78 وهذا وإن كان في نفسه مباحا {1} إلا أنه إذا انضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذو اللسانين، وتأكد حرمته. ولذا ورد في المستفيضة أنه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة وله لسانان من النار، فإن لسان المدح في الحضور وإن لم يكن لسانا من نار إلا أنه إذا انضم إلى لسان الذم في الغياب صار كذلك. وعن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من مدح أخاه المؤمن في وجهه واغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما. وعن الباقر عليه السلام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله. واعلم أنه قد يطلق الاغتياب على البهتان {2}
79 وهو أن يقال في شخص ما ليس فيه، وهو أغلظ تحريما من الغيبة ووجهه ظاهر لأنه جامع بين مفسدتي الكذب والغيبة ويمكن القول بتعدد العقاب من جهة كل من العنوانين والمركب {1}. وفي رواية علقمة عن الصادق عليه السلام حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله في الجنة أبدا، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب خالدا في النار وبئس المصير. خاتمة: في بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخيه {2}.
1) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 24. 80 ففي صحيحة مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن. وروى في الوسائل وكشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن علي الجعابي عن القاسم بن محمد ابن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة إلا بأدائها أو العفو: 1 - يغفر زلته، - 2 ويرحم عبرته، - 3 ويستر عورته، 4 - ويقيل عثرته، 5 - و يقبل معذرته، 6 - ويرد غيبته، 7 - ويديم نصيحته، 8 - ويحفظ خلته، 9 - ويرعى ذمته، 10 - ويعود مرضه، 11 - ويشهد ميته، 12 - ويجيب دعوته، 13 - ويقبل هديته، 14 - ويكافئ صلته، 15 - ويشكر نعمته، 16 - ويحسن نصرته، 17 - ويحفظ حليلته، 18 - ويقضي حاجته، 19 - ويستنجح مسألته، 20 - ويسمت عطسته، 21 - ويرشد ضالته، 22 - ويرد سلامه، 23 - ويطيب كلامه، 24 - ويبر أنعامه، 25 - ويصدق أقسامه، 26 - ويوالي وليه، 27 - ولا يعاديه، 28 - وينصره ظالما ومظلوما. فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه وأما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه، 29 - ولا يسلمه ولا يخذله، 30 - ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له عليه والأخبار في حقوق المؤمن كثيرة، والظاهر إرادة الحقوق المستحبة التي ينبغي أداؤها ومعنى القضاء لذيها على من هي عليه [عليها] المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما أعد لمن أدى حقوق الأخوة. ثم إن ظاهرها وإن كان عاما إلا أنه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدى لها بحسب اليسر {1} أما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه ولا يوجب إهمالها مطالبته يوم القيامة لتحقق المقاصة، فإن التهاتر يقع في الحقوق كما يقع في الأموال.
{1} قوله إلا أنه يمكن تخصيصها بالأخ العارف. 81
1) سورة البقرة، آية 195. 2) سورة النحل، آية 127. 3) سورة البقرة، آية 195. 4) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 82 وقد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الإخوان بل لجميعهم إلا القليل. فعن الصدوق قدس سره في الخصال وكتاب الإخوان والكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه السلام قال: قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة فقال: أخبرنا عن الإخوان، فقال عليه السلام: الإخوان صنفان: إخوان الثقة وإخوان المكاشرة. فأما إخوان الثقة فهم كالكف والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره و عيبه وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر. وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه، و حلاوة اللسان. وفي رواية عبد الله الحلبي المروية في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كان فيه هذه الحدود أو شئ منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم يكن فيه شئ منها فلا تنسبه إلى شئ من الصداقة. فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة. والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه. والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال. والرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله وقدرته. والخامسة: وهي مجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات. ولا يخفى أنه إذا لم يكن الصداقة لم يكن الأخوة {1} فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه. وفي نهج البلاغة لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث، في نكبته وفي غيبته وفي وفاته.
{1} الصداقة أخص من الأخوة، ويشير إليه مضافا إلى وضوحه، ما في نهج البلاغة 83 وفي كتاب الإخوان بسنده عن الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي: أرأيت من كان قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه، قلت: لا، قال: فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا قلت لا، قال: فضرب بيده على فخذه،، وقال: ما هؤلاء بإخوة. دل على من لا يواسي المؤمن ليس بأخ له فلا يكون له حقوق الأخوة {1} المذكورة في روايات الحقوق ونحوه، رواية ابن أبي عمير عن خلاد رفعه قال: أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وآله رجل فقال: ما أبطأ بك، قال: العري يا رسول الله فقال: أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما، فقال: بلى يا رسول الله قال: ما هذا لك بأخ. وفي رواية يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاغرب ثم اغرب: المحافظة على الصلوات في مواقيتها، والبر في الإخوان في اليسر والعسر {2}.
1) نهج البلاغة، 494، الحكمة رقم 134. 84 الخامسة عشرة: القمار حرام إجماعا {1} ويدل عليه الكتاب والسنة المتواترة وهو بكسر القاف كما عن بعض أهل اللغة الرهن على اللعب بشئ من الآلات المعروفة {2} وحكي عن جماعة أنه قد يطلق على اللعب بهذه الأشياء مطلقا ولو من دون رهن وبه صرح في جامع المقاصد، وعن بعض أن أصل المقامرة المغالبة.
1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12. 85
1) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4. 86 وكيف كان فهنا مسائل أربع لأن اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه، والمغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض وقد تكون بدونه. فالأولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن ولا اشكال في حرمته وحرمة العوض {1} والاجماع عليه محقق والأخبار به متواترة.
1) المائدة، آية 91 - والبقرة، آية 184. 2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، وراجع الأبواب 102 و 103 و 104 وغير من الأبواب منها وراجع كتب الحديث غير ما أشرنا إليه كالمستدرك والبحار وغيرهما. 87 الثانية: اللعب بآلات القمار من دون رهن {1} وفي صدق القمار عليه نظر لما عرفت {2} ومجرد الاستعمال لا يوجب إجراء الأحكام المطلقات ولو مع البناء على أصالة الحقيقة في الاستعمال لقوة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن في اللعب بها {3}. ومنه تظهر الخدشة في الاستدلال على المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات بناء على انصرافه إلى المتعارف من ثبوت الرهن، نعم قد يبعد دعوى الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي عن الشطرنج والنرد، قال عليه السلام: لا تقربوهما قلت: فالغناء قال: لا خير فيه لا تقربه.
88 والأولى الاستدلال على ذلك بما تقدم في رواية تحف العقول من أن ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات {1}. وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إنما الخمر و الميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) قال أما الخمر فكل مسكر من الشراب إلى أن قال: وأما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر إلى أن قال وكل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشئ من هذا حرام محرم {2}.
1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12. 89 وليس المراد بالقمار هنا المعنى المصدري حتى يرد ما تقدم من انصرافه إلى اللعب مع الرهن بل المراد الآلات بقرينة قوله بيعه وشراؤه وقوله. وأما الميسر فهو النرد،... الخ. ويؤيد الحكم {1} ما عن مجالس المفيد الثاني قدس سره ولد شيخنا الطوسي قدس سره
1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10. 90 وليس المراد بالقمار هنا المعنى المصدري حتى يرد ما تقدم من انصرافه إلى اللعب مع الرهن بل المراد الآلات بقرينة قوله بيعه وشراؤه وقوله. وأما الميسر فهو النرد،... الخ. ويؤيد الحكم {1} ما عن مجالس المفيد الثاني قدس سره ولد شيخنا الطوسي قدس سره
1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10. 91 المؤمن لمشغول عن اللعب فإن مقتضى إناطة الحكم بالباطل، واللعب عدم اعتبار الرهن في حرمة اللعب بهذه الأشياء ولا يجري (وعدم جريان) دعوى الانصراف هنا. الثالثة: المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار {1} كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل وعلى المصارعة وعلى الطيور وعلى الطفرة ونحو ذلك مما عدوها في باب السبق والرماية ومن أفراد غير ما نص على جوازه، والظاهر الالحاق بالقمار في الحرمة والفساد بل صريح بعض أنه قمار وصرح العلامة الطباطبائي قدس سره في مصابيحه بعدم الخلاف في الحرمة والفساد، وهو ظاهر كل من نفى الخلاف في تحريم المسابقة فيما عد المنصوص {2} مع العوض وجعل محل الخلاف فيها بدون العوض، فإن ظاهر ذلك أن محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك.
92 ومن المعلوم أنه ليس هنا إلا الحرمة التكليفية دون خصوص الفساد ويدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الملائكة لتحضر الرهان في الخف والحافر والريش وما سوى ذلك قمار حرام. وفي رواية العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والريش والنصل {1}.
1) الوسائل، باب 1، من أبواب السبق والرماية، حديث 6. 2) باب 3، من المصدر، ح 3. 93 والمحكي عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شئ، قال: والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها {1}. وفي مصححة معمر بن خلاد كل ما قومر عليه فهو ميسر {2}. وفي رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما يقامر به حتى الكعاب والجوز {3}. والظاهر أن المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن، و مع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف في الحكم ممن تقدم فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص
1) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 3) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4. 4) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7. 94 الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار {1}. وأما مطلق الرهان والمغالبة بغيرها فليس فيه إلا فساد المعاملة وعدم تملك الرهن فيحرم التصرف فيه لأنه أكل مال بالباطل ولا معصية من جهة العمل كما في القمار بل لو أخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد الذي هو نذر لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان أن المقامرة المذكورة أوجبته وألزمته أمكن القول بجوازه، وقد عرفت من الأخبار اطلاق القمار عليه و كونه موجبا للعن الملائكة وتنفرهم وأنه من الميسر المقرون بالخمر. وأما ما ذكره أخيرا من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد فلم أفهم معناه لأن العهد الذي تضمنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به إذ لا يستحب ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملك إلا أن يراد صورة الوفاء بأن يملكه تملكا جديدا بعد الغلبة في اللعب لكن حل الأكل على هذا الوجه جار في القمار المحرم أيضا {2} غاية الأمر الفرق بينهما بأن الوفاء لا يستحب في المحرم لكن الكلام في تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد لا في فعل الباذل و أنه يستحب له أو لا وكيف كان، فلا أظن الحكم بحرمة الفعل
95 مضافا إلى الفساد محل اشكال، بل ولا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق والرماية، وكتاب الشهادات، وتقدم دعواه صريحا من بعض الأعلام. نعم عن الكافي والتهذيب بسندهما عن محمد بن قيس {1} عن أبي جعفر عليه السلام أنه قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل وأصحاب له شاة، فقال: إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا، فقضى فيه أن ذلك باطل لا شئ في المؤاكلة من الطعام ما قل منه أو كثر، ومنع غرامة فيه وظاهرها من حيث عدم ردع الإمام عن فعل مثل هذا أنه ليس بحرام إلا أنه لا يترتب عليه الأثر لكن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان وعدم التحريم لأن التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضا، فتأمل {2}.
1) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 2) الوسائل، باب 5، من أبواب كتاب الجعالة، حديث 1. 96 ثم إن حكم العوض من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة يجب رده على مالكه مع بقائه ومع التلف فالبدل مثلا أو قيمة، وما ورد من قيئ الإمام البيض الذي قامر {1} به الغلام فلعله للحذر من أن يصير الحرام
1) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 97 جزء من بدنه لا للرد على المالك لكن يشكل بأن ما كان تأثيره كذلك يشكل أكل المعصوم له جهلا بناء على عدم اقدامه على المحرمات الواقعية الغير المتبدلة بالعلم [بالجهل] لا جهلا ولا غفلة لأن ما دل على عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب وفعل الحرام دل على عدم جواز الجهل عليه في ذلك، اللهم إلا أن يقال بأن مجرد التصرف من المحرمات العلمية والتأثير الواقعي الغير المتبدل بالجهل إنما هو في بقائه وصيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام والفرض اطلاعه عليه في أوائل وقت تصرف المعدة ولم يستمر جهله. هذا كله لتطبيق فعلهم على القواعد وإلا فلهم في حركاتهم من أفعالهم و أقوالهم شؤونا لا يعلمها غيرهم {1}.
98 الرابعة: المغالبة بغير عوض في غير ما نص على جواز المسابقة فيه {1} و الأكثر على ما في الرياض على التحريم بل حكي فيها عن جماعة دعوى الاجماع عليه {2} وهو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة. فعن موضع منها أنه لا تجوز المسابقة على المصارعة بعوض ولا بغير عوض عند علمائنا أجمع لعموم النهي، إلا في الثلاثة الخف، والحافر، والنصل. وظاهر استدلاله أن مستند الاجماع هو النهي، وهو جار في غير المصارعة أيضا، وعن موضع آخر لا يجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد والمقلاع و المنجنيق سواء كان بعوض أو بغير عوض عند علمائنا. وفيه أيضا لا يجوز المسابقة على المراكب والسفن والطيارات عند علمائنا، وقال أيضا لا يجوز المسابقة على مناطحة الغنم ومهارشة الديك بعوض ولا بغير عوض، قال وكذلك لا يجوز المسابقة بما لا ينتفع به في الحرب، وعد فيما مثل به اللعب بالخاتم والصولجان ورمي البنادق والجلاهق والوقوف على رجل واحد و معرفة ما في اليد من الزوج والفرد وسائر الملاعب، وكذا للبث في الماء، قال: و جوزه بعض الشافعية وليس بجيد، انتهى. وظاهر المسالك الميل إلى الجواز واستجوده في الكفاية وتبعه بعض من تأخر عنه للأصل وعدم ثبوت الاجماع وعدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من
99 عموم النهي {1} وهو غير دال لأن السبق في الرواية يحتمل التحريك بل في المسالك أنه المشهور في الرواية وعليه فلا يدل إلا على تحريم المراهنة بل هي غير ظاهرة في التحريم أيضا لاحتمال إرادة فسادها، بل هو الأظهر لأن نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه وإرادة نفي جواز العقد عليه في غاية البعد وعلى تقدير السكون فكما يحتمل نفي الجواز التكليفي فيحتمل نفي الصحة لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض {2} وقد يستدل للتحريم أيضا.
1) باب 3، من أبواب أحكام السبق والرماية، حديث 2. 100 {1} بأدلة القمار بناء على أنه مطلق المغالبة ولو بدون العوض كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد والشطرنج بدون العوض قمارا {2}. ودعوى أنه يشترط في صدق القمار إحدى الأمرين: أما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، وإن لم يكن عوض. وأما المغالبة مع العوض وإن لم يكن بالآلات المعدة للقمار على ما يشهد به اطلاقه في رواية الرهان في الخف والحافر في غاية البعد، بل الأظهر أنه مطلق المغالبة ويشهد له أن اطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة في مفهوم القمار {3} كما في سائر الآلات المضافة إلى الأعمال والآلة غير مأخوذة في المفهوم. وقد عرفت أن العوض أيضا غير مأخوذ فيه فتأمل.
1) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق والرماية. 101 ويمكن أن يستدل على التحريم أيضا بما تقدم من أخبار حرمة الشطرنج و النرد معللة بكونها من الباطل واللعب {1}، وأن كل ما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر وقوله عليه السلام في بيان حكم اللعب بالأربعة عشر لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان والرمي والمراد رهان الفرس، ولا شك في صدق اللهو واللعب، فيما نحن فيه ضرورة أن العوض لا دخل له في ذلك ويؤيده ما دل على أن كل لهو المؤمن باطل خلا ثلاثة {2} وعد منها اجراء الخيل وملاعبة الرجل امرأته. ولعله لذلك كله استدل في الرياض تبعا للمهذب بما دل على حرمة اللهو، لكن قد يشكل الاستدلال فيما إذا تعلق بهذه الأفعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا فيمكن إناطة الحكم باللهو ويحكم في غير مصاديقه بالإباحة إلا أن يكون قولا بالفصل، وهو غير معلوم وسيجئ بعض الكلام في ذلك عند التعرض لحكم اللهو وموضوعه إن شاء الله.
1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به. 2) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق والرماية. 102 السادسة عشر: القيادة حرام {1} وهي السعي بين الشخصين لجمعهما على الوطي المحرم وهي من الكبائر {2} وقد تقدم تفسير الواصلة والمستوصلة بذلك في مسألة تدليس الماشطة. وفي صحيحة ابن سنان أنه يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطا وينفي من المصر الذي هو فيه.
1) المستدرك، باب 4، من أبواب أحكام السبق والرماية، حديث 1. 2) الوسائل، باب 27، من أبواب آداب التجارة، حديث 11. 3) الوسائل، باب 5، من أبواب حد السحق والقيادة، حديث 1. 103 السابعة عشر: القيافة حرام {1} في الجملة نسبه في الحدائق إلى الأصحاب. و في الكفاية لا أعرف خلافا.
1) الوسائل، باب 27، من أبواب النكاح المحرم، حديث 2. 2) الوسائل، باب 117 من أبواب مقدمات النكاح، حديث 7. 104 وعن المنتهى الاجماع والقائف كما عن الصحاح والقاموس والمصباح هو الذي يعرف الآثار. وعن النهاية ومجمع البحرين زيادة أنه يعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، و في جامع المقاصد والمسالك كما عن ايضاح النافع والميسية: إنها الحاق الناس بعضهم ببعض وقيد في الدروس وجامع المقاصد كما في التنقيح حرمتها بما إذا ترتب عليها محرم. والظاهر أنه مراد الكل وإلا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي أو الظني بنسب شخص لا دليل على تحريمه {1} ولذا نهى في بعض الأخبار عن إتيان القائف والأخذ بقوله، ففي المحكي عن الخصال ما أحب أن تأتيهم.
1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 105
1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 106 وعن مجمع البحرين أن في الحديث لا أخذ بقول قائف، وقد افترى بعض العامة على رسول الله صلى الله عليه وآله في أنه قضى بقول القافة، وقد أنكر ذلك عليهم في الأخبار كما يشهد به ما عن الكافي عن زكريا بن يحيى بن نعمان المصري {1} قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال الحسن: أي والله جعلت فداك لقد بغي عليه إخوته، فقال علي بن جعفر: أي والله ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم، قال: فقال له إخوته ونحن أيضا: ما كان فينا إمام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة، فقال: ابعثوا أنتم إليهم. وأما أنا فلا ولا تعلموهم لما دعوتموهم إليه وليكونوا في بيوتكم، فلما جاؤوا وقعدنا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه جبة من صوف وقلنسوة ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له: أدخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام وقالوا: الحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا ما له هنا أب و لكن هذا عم أبيه، وهذا عمه وهذه عمته وإن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان فإن قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا هذا أبوه فقال علي بن جعفر فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام وقلت: أشهد أنك إمامي الخبر، نقلناه بطوله تيمنا.
1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 2) الكافي، ج 1، ص 322. 107 الثامنة عشرة: الكذب حرام {1} بضرورة العقول والأديان، ويدل عليه الأدلة الأربعة.
1) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 108 إلا أن الذي ينبغي الكلام فيه مقامان أحدهما في أنه من الكبائر والثاني في مسوغاته. أما الأول فالظاهر من غير واحد من الأخبار.
109 كالمروي في العيون {1} بسنده عن الفضل بن شاذان لا يقصر عن الصحيح، والمروي عن الأعمش في حديث شرائع الدين عده من الكبائر. وفي الموثقة بعثمان بن عيسى أن الله تعالى جعل للشر أقفالا، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب {2}.
2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 33. 2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 36. 3) الوسائل، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 110 وأرسل عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بأكبر الكبائر الاشراك بالله و عقوق الوالدين وقول الزور أي الكذب {1}. وعنه صلى الله عليه وآله: إن المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه {2}.
1) المحجة البيضاء، ج 5، ص 242 - صحيح مسلم، ج 1، ص 64. 2) المستدرك، باب 120، من أبواب أحكام العشرة، حديث 15. 111 ويؤيده ما عن العسكري عليه السلام جعلت الخبائث كلها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب الحديث فإن مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة ويمكن الاستدلال على كونه من الكبائر بقوله تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) {1} فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها، ولذلك كله أطلق جماعة كالفاضلين والشهيد الثاني في ظاهر كلماتهم كونه من الكبائر من غير فرق بين أن يترتب على الخبر الكاذب مفسدة وأن لا يترتب عليه شئ أصلا.
1) سورة النحل، آية 106. 112 ويؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في وصيته لأبي ذر رضي الله عنه ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له {1}. فإن الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع في المفسدة. نعم في الأخبار ما يظهر منه عدم كونه على الإطلاق كبيرة مثل رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام أن الكذب على الله تعالى ورسوله من الكبائر {2} فإنها ظاهرة في اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص لكن يمكن حملها على كون هذا الكذب الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة، ولعل هذا أولى من تقييد المطلقات المتقدمة.
1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4. 2) المستدرك، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 5. 113 وفي مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان يقول علي بن الحسين عليه السلام لولده: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير، الخبر {1}. ويستفاد منه أن عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد. وفي صحيحة ابن الحجاج، قلت لأبي عبد الله عليه السلام الكذاب هو الذي يكذب في الشئ، قال: لا، ما من أحد إلا ويكون منه ذلك، ولكن المطوع (المطبوع " خ ل ") على الكذب، فإن قوله ما من أحد، الخبر {2} يدل على أن الكذب من اللمم الذي يصدر من كل أحد لا من الكبائر.
1) الوسائل، باب 139، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6. 2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 3) الوسائل، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9. 114 وعن الحارث عن علي عليه السلام قال: لا يصلح من الكذب جد وهزل ولا يعدن أحدكم صبيه، ثم لا يفي له أن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، و ما زال أحدكم يكذب حتى يقال كذب وفجر، الخبر {1}. وفيه أيضا إشعار بأن مجرد الكذب ليس فجورا.
1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 2. 115 وقوله لا يعدن أحدكم صبيه ثم لا يفي له لا بد أن يراد به النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء وهو المراد ظاهرا بقوله تعالى: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا {1} وأن اطلاق الكذب عليه في الرواية لكونه في حكمه من حيث الحرمة أو لأن الوعد مستلزم للأخبار بوقوع الفعل، كما أن سائر الانشاءات كذلك ولذا ذكر بعض الأساطين أن الكذب، وإن كان من صفات الخبر إلا أن حكمه يجري في الانشاء المنبئ عنه كمدح المذموم، و ذم الممدوح وتمني المكاره وترجي غير المتوقع وإيجاب غير الموجب وندب غير النادب ووعد غير العازم، وكيف كان.
116
1) سورة الصف، آية 4. 2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 117 فالظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب لعدم كونه من مقولة الكلام، نعم هو كذب للوعد بمعنى جعله مخالفا للواقع كما أن انجاز الوعد صدق له بمعنى جعله مطابقا للواقع، فيقال صادق الوعد ووعد غير مكذوب والكذب بهذا المعنى ليس محرما على المشهور.
1) سورة الإسراء، آية 35. 2) سورة البقرة، آية 178. 118 وإن كان غير واحد من الأخبار ظاهرا في حرمته {1} وفي بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة.
1) سورة الصف، آية 2 - 3. 2) سورة البقرة، آية 45. 3) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 4) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2. 119 ثم إن ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى في الهزل {1} ويمكن أن يراد به الكذب في مقام الهزل. وأما نفس الهزل وهو الكلام الفاقد للقصد إلى تحقق مدلوله {2}، فلا يبعد أنه غير محرم مع نصب القرينة على إرادة الهزل كما صرح به بعض، ولعله لانصراف الكذب إلى الخبر المقصود و للسيرة.
1) الوسائل، باب 28، من كتاب الايمان. 120 ويمكن حمل الخبرين على مطلق المرجوحية، ويحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الأخيرين والنبوي في وصية أبي ذر {1} لأن الأكاذيب المضحكة أكثرها من قبيل الهزل. وعن الخصال بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنا زعيم بيت في أعلى الجنة و بيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقا ولمن ترك الكذب وإن كان هازلا ولمن حسن خلقه {2}. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده {3}.
1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 3) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4. 4) الوسائل، باب 135، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8. 5) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2. 121 ثم إنه لا ينبغي الإشكال في أن المبالغة في الادعاء وإن بلغت ما بلغت ليست من الكذب {1} وربما يدخل فيه إذا كانت في غير محلها كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر إلا إذا بنى على كونه كذلك في نظر المادح، فإن الأنظار تختلف في التحسين والتقبيح كالذوائق في المطعومات.
122 وأما التورية: وهو أن يريد بلفظ معنى مطابقا للواقع وقصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب أو المخاطب الخاص كما لو قلت في مقام إنكار ما قلته في حق أحد علم الله ما قلته وأردت بكلمة ما الموصلة وفهم المخاطب النافية، وكما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا وأشار إلى موضع خال في البيت، وكما لو قلت اليوم ما أكلت الخبز تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة إلى غير ذلك، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب {1}، ولذا صرح الأصحاب فيما سيأتي من وجوب التورية عند الضرورة بأنه يؤدي بما يخرجه من الكذب بل اعترض جامع المقاصد على قول العلامة في القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم، بأنه يجوز الحلف كاذبا و يجب التورية على العارف بها: بأن العبارة لا تخلو من مناقشة حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية، ومعلوم أن لا كذب معها، انتهى.
123 ووجه ذلك أن الخبر باعتبار معناه وهو المستعمل فيه كلامه ليس مخالفا للواقع وإنما فهم المخاطب من كلامه أمرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ، نعم لو ترتب عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة اللهم إلا أن يدعى أن مفسدة الكذب وهي الإغراء موجودة فيها وهو ممنوع لأن الكذب محرم لا لمجرد الإغراء وذكر بعض الأفاضل أن المعتبر في اتصاف الخبر بالصدق والكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لا ما هو المراد منه، فلو قال: رأيت حمارا وأراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف بالكذب، وإن لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهى موضع الحاجة.
124 فإن أراد اتصاف الخبر في الواقع فقد تقدم أنه دائر مدار موافقة مراد المخبر و مخالفته للواقع لأنه معنى الخبر، والمقصود منه دون ظاهره الذي لم يقصد. وإن أراد اتصافه عند الواصف فهو حق مع فرض جهله بإرادة خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ باعتقاد أن هذا هو مراد المخبر ومقصوده فيرجع الأمر إلى إناطة الاتصاف بمراد المتكلم، وإن كان الطريق إليه اعتقاد المخاطب.
1) المنافقون، آية 2. 125 ومما يدل على سلب الكذب عن التورية ما روى في الإحتجاج. أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل في قصة إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام): بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون قال: ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم، قيل: وكيف ذلك، فقال: إنما قال إبراهيم: إن كانوا ينطقون أي إن نطقوا فكبيرهم فعل وإن لم ينطقوا، فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا وما كذب إبراهيم، و سئل عن قوله تعالى: أيتها العير إنكم لسارقون قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنهم قالوا نفقد صواع الملك ولم يقولوا سرقتم صواع الملك، وسئل عن قول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام إني سقيم، قال: ما كان إبراهيم سقيما وما كذب إنما عنى سقيما في دينه أي مرتادا {1}.
1) احتجاج الطبرسي، ص 194، من طبعة النجف، عام 1350 ه 126 وفي مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يستأذن عليه يقول للجارية قولي ليس هو هاهنا فقال: لا بأس ليس بكذب {1}، فإن سلب الكذب مبني على أن المشار إليه بقوله هاهنا موضع خال من الدار إذ لا وجه له سوى ذلك وروى في باب الحيل من كتاب الطلاق للمبسوط {2} أن واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما في الطريق أعداء المصحوب، فأنكر الصاحب أنه هو فاحلفوه فحلف لهم أنه أخوه، فلما أتى النبي صلى الله عليه وآله قال له: صدقت، المسلم أخو المسلم، إلى غير ذلك مما يظهر منه ذلك.
1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8. 2) المبسوط، كتاب الطلاق، باب الحيل. 128 أما الكلام في المقام الثاني: وهو مسوغات الكذب. فاعلم أنه يسوغ الكذب لوجهين. أحدهما: الضرورة {1} إليه فيسوغ معها بالأدلة الأربعة {2} قال الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) {3} وقال تعالى: لا يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقية).
1) سورة النحل، آية 107. 129 وقوله عليه السلام ما من شئ إلا وقد أحله الله لمن اضطر إليه وقد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى {1} وقد استفاضت أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه، والاجماع أظهر من أن يدعي أو يحكي والعقل مستقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين {2} مع بقائه على قبحه أو انتفاء قبحه لغلبة الآخر عليه على القولين في كون القبح العقلي مطلقا أو في خصوص الكذب لأجل الذات أو بالوجوه والاعتبارات ولا اشكال في ذلك كله.
1) آل عمران: 29. 2) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان. 130 إنما الأشكال والخلاف في أنه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها أم لا، ظاهر المشهور هو الأول {1} كما يظهر من المقنعة والمبسوط والغنية والسرائر والشرائع والقواعد واللمعة وشرحها والتحرير وجامع المقاصد والرياض، و محكي مجمع البرهان في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة، قال في المقنعة من كانت عنده أمانة فطالبه ظالم فليجحد وإن استحلفه على ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب إلى أن قال: فإن لم يحسن التورية وكان نيته حفظ الأمانة أجزأته النية وكان مأجورا، انتهى. وقال في السرائر في هذه المسألة أعني مطالبة الظالم الوديعة فإن قنع الظالم منه بيمينه فله أن يحلف، ويوري في ذلك انتهى. وفي الغنية في هذه المسألة ويجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة ويوري في يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل إجماع الشيعة انتهى. وفي النافع حلف موريا، وفي القواعد ويجب التورية على العارف بها، انتهى. وفي التحرير في باب الحيل من كتاب الطلاق لو أنكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء أو القضاء جاز الحلف مع صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب انتهى. وفي اللمعة يحلف عليه فيوري وقريب منه في شرحه. وفي جامع المقاصد في باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب، انتهى.
131 التمكن من التورية، ولكن كلماتهم التي نقلها قدس سره لا تنطبق على هذه النسبة فإن مورد حكمهم باشتراط التورية إن أمكنت إنما هو جواز الحلف كاذبا، وأما جواز مطلق الكذب فهو خارج عن مورد كلامهم، بل ظاهر ما عن المقنعة عدم اشتراط جواز الكذب بعدم التمكن من التورية، فإنه قال: من كانت عنده أمانة فطالبها ظالم فليجحد، وإن استحلفه ظالم على ذلك فليحلف ويوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب - إلى أن قال - وإن لم يحسن التورية وكانت نيته حفظ الأمانة أجزأته النية. فإن هذا كما تلاحظ - بمقتضى التفصيل بين جواز الانكار، وجواز الحلف كاذبا، و تقييد الثاني بالتمكن من التورية دون الأول - كالصريح في عدم اعتباره. وكيف كان: ففي المسألة قولان: وتحقيق القول فيها يقتضي البحث في مقامين: الأول: فيما يقتضيه القواعد. المقام الثاني: في بيان مقتضى النصوص الخاصة الدالة على جواز الكذب لدفع الضرر المالي أو البدني عن نفسه أو عن أخيه. أما المقام الأول: ففيما إذا توقف واجب أهم على الكذب لا ينبغي التوقف في اعتبار عدم التمكن من التورية في جواز الكذب، إذ مع التمكن منها يكون قادرا على امتثال التكليفين عقلا وشرعا، ومعه لا يقع التزاحم بينهما كي ترتفع حرمة الكذب. وبالجملة: في مورد جواز الكذب للاضطرار يعتبر عدم التمكن من التورية، إذ مع التمكن منها لا يصدق الاضطرار. وأما إذا أكره عليه فقد يقال بأنه لا يعتبر عدم امكان التورية في الحكم بجواز الكذب. واستدلوا لذلك بوجوه: الأول: إن المعتبر في صدق الاكراه أن يخاف أنه لو علم المكره بالامتناع لأوقعه في الضرر، ومع التفصي بالتورية، إذا علم المكره بالامتناع لأوقعه في الضرر، وليست التورية كسائر ما يتفصى به كما لا يخفى.
132
1) الوسائل، باب 14، من كتاب الايمان، وغيره. 133 ووجه ما ذكروه أن الكذب حرام ولم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية فيدخل تحت العمومات مع أن قبح الكذب عقلي {1} فلا يسوغ إلا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه على قبحه ويتوقف تحققه على تحققه ولا يكون التوقف إلا مع العجز عن التورية وهذا الحكم جيد إلا أن مقتضى اطلاقات أدلة الترخيص في الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه عدم اعتبار ذلك. ففي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أحلف بالله كاذبا ونج أخاك من القتل وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف له لينجو به منه، قال: لا بأس، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على مال [ماله] نفسه، قال: نعم.
1) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 1. 2) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 4. 3) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 6. 4) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 18. 5) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 9. 134 وعن الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام اليمين على وجهين إلى أن قال: فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا ولم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص أمرء مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص أو غيره. وفي موثقة زرارة بابن بكير إنا نمر على هؤلاء القوم فيستحلفونا على أموالنا وقد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم بما شاؤوا. ورواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر إليه، وقال: ليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه إلى غير ذلك من ا لأخبار الواردة في هذا الباب، وفيما يأتي من جواز الكذب في الاصلاح التي يصعب على الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية. وأما حكم العقل بقبح الكذب في غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو وإن كان مسلما إلا أنه يمكن القول بالعفو عنه شرعا للأخبار المذكورة، كما عفي عن الكذب في الاصلاح وعن السب والتبري مع الاكراه مع أنه قبيح عقلا أيضا مع أن ايجاب التورية على القادر لا يخلو عن التزام بالعسر كما لا يخفى، فلو قيل بتوسعة الشارع على العباد بعدم ترتيب الآثار على الكذب فيما نحن فيه، وإن قدر على التورية كان حسنا إلا أن الاحتياط في خلافه بل هو المطابق للقواعد {1} لولا استبعاد التقييد في هذه المطلقات لأن النسبة بين هذه المطلقات وبين ما دل كالرواية الأخيرة وغيرها على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم للمنع مع عدمه مطلقا، عموم من وجه فيرجع إلى عمومات حرمة الكذب فتأمل.
135
1) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 18. 136 هذا مع إمكان منع الاستبعاد المذكور لأن مورد الأخبار عدم الالتفات إلى التورية في مقام الضرورة إلى الكذب إذ مع الالتفات، فالغالب اختيارها إذ لا داعي إلى العدول عنها إلى الكذب. ثم إن أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة على التورية {1} أطلقوا القول بلغوية ما أكره عليه من العقود والايقاعات والأقوال
1) سورة النحل، آية 107. 2) الوسائل، باب 29، من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف. 137 المحرمة كالسب والتبري من دون تقييد بصورة عدم التمكن من التورية بل صرح بعض هؤلاء كالشهيد في الروضة والمسالك في باب الطلاق بعدم اعتبار العجز عنها بل في كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه مع أنه يمكن أن يقال إن المكره على البيع إنما أكره على التلفظ بالصيغة، وأما إرادة المعنى فمما لا تقبل الإكراه فإذا أراد ه مع القدرة على عدم إرادته، فقد اختاره {1}. فالإكراه على البيع الواقعي يختص بغير القادر على التورية لعدم المعرفة بها أو عدم الالتفات إليها كما أن الاضطرار إلى الكذب يختص بغير القادر عليها، و يمكن أن يفرق بين المقامين بأن الإكراه إنما يتعلق بالبيع الحقيقي أو الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكره على التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون إرادة المعنى لكنه غير المكره عليه وحيث إن الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه، لم يعتبر ذلك في حكم الإكراه وهذا بخلاف الكذب فإنه لم يسوغ إلا عند الاضطرار إليه ولا اضطرار مع القدرة {2}.
138 نعم لو كان الإكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق موضوعه عرفا أو لغة العجز عن التفصي كما ادعاه بعض أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار بأن كان عدم ترتب الأثر على المكره عليه من حيث إنه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس والمال، كان ينبغي فيه اعتبار العجز من التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها. والحاصل أن المكره إذا قصد المعنى مع التمكن من التورية صدق على ما أوقع أنه مكره عليه فيدخل في عموم رفع ما أكرهوا عليه. وأما المضطر فإذا كذب مع القدرة على التورية لم يصدق أنه مضطر إليه فلا يدخل في عموم رفع ما اضطروا إليه. هذا كله على مذاق المشهور من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه حتى من جهة العجز عن التورية وأما على ما استظهرناه من الأخبار كما اعترف به جماعة من جوازه مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية فلا فرق بينه وبين الإكراه كما أن الظاهر أن أدلة نفي الإكراه راجعة إلى الاضطرار لكن من غير جهة التورية. فالشارع رخص في ترك التورية في كل كلام مضطر إليه للإكراه عليه أو دفع الضرر به هذا ولكن الأحوط التورية في البابين.
139 ثم إن الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات، نعم يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف {1} وعليه يحمل قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك.
141 ثم إن الأقوال الصادرة عن أئمتنا في مقام التقية في بيان الأحكام مثل قولهم لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر ونحو ذلك، وإن أمكن حمله على الكذب لمصلحة بناء على ما استظهرنا جوازه من الأخبار إلا أن الأليق بشأنهم عليهم السلام {1} هو الحمل على إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة، بأن يريد من جواز الصلاة في الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل والاضطرار إلى اللبس، وقد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة في بعض الموارد مثل أنه ذكر عليه السلام إن النافلة فريضة ففزع المخاطب، ثم قال: إنما أردت صلاة الوتر على النبي صلى الله عليه وآله ومن هنا يعلم أنه إذا
1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 11. 142 دار الأمر {1} في بعض المواضع بين الحمل على التقية والحمل على الاستحباب، كما في الأمر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثاني {2} لأن التقية تتأدى بإرادة المجاز وإخفاء القرينة {3}.
143 الثاني: من مسوغات الكذب إرادة الاصلاح {1} وقد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الاصلاح. ففي صحيحة معاوية بن عمار المصلح ليس بكذاب ونحوها رواية معاوية بن حكم عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله عليه السلام و في رواية عيسى بن حنان عن الصادق عليه السلام كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه، فهو موضوع عنه. ورجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا يريد بذلك الاصلاح. ورجل وعد أهله وهو لا يريد أن يتم لهم. وبمضمون هذه الرواية في استثناء هذه الثلاثة روايات.
1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3. 2) نفس المصدر، حديث 9. 3) نفس المصدر، حديث 5. 4) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6. 5) نفس المصدر، حديث 10. 144 وفي مرسلة الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكلام ثلاثة صدق وكذب و إصلاح بين الناس قيل له جعلت فداك وما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت فلانا قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعته. وعن الصدوق في كتاب الإخوان بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن الرجل ليصدق على أخيه فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله وأن الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعه فيكون عند الله صادقا، ثم إن ظاهر الأخبار المذكورة عدم وجوب التورية ولم أر من اعتبر العجز عنها في جواز الكذب في هذا المقام وتقييد الأخبار المذكورة بصورة العجز عنها في غاية البعد و إن كان مراعاته مقتضى الاحتياط.
1) الحجرات: 11. 145 ثم إنه قد ورد في أخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة بل مطلق الأهل {1} والله العالم.
1) الوسائل، باب 144، من أبواب أحكام العشرة، حديث 10. 2) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة. 146 التاسعة عشرة: الكهانة حرام {1} وهي من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما في الصحاح إذا تكهن، قال: ويقال كهن بالضم كهانة بالفتح إذا صار كاهنا. وعن القاموس أيضا الكهانة بالكسر، لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل كهانة بالفتح، وكيف كان فعن النهاية أن الكاهن من يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان. وقد كان في العرب كهنة فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقى إليه الأخبار. ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من سأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف والمحكي عن الأكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد من أنه من كان له رأي من الجن يأتيه الأخبار. وعن التنقيح أنه المشهور ونسبه في السرائر إلى القيل ورأي على فعيل من رأى يقال فلان رأى القوم أي صاحب رأيهم، قيل: وقد يكسر رائه اتباعا. وعن القاموس رأي كغني جني يرى فيخبر.
147 وعن النهاية يقال للتابع من الجن رأي بوزن كمي. أقول روى الطبرسي في الإحتجاج في جملة الأسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام قال الزنديق: فمن أين أصل الكهانة ومن أين يخبر الناس بما يحدث، قال عليه السلام: إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث وذلك في (من) وجوه شتى فراسة العين وذكاء القلب ووسوسة النفس وفطنة الروح مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن يخبره بما يحدث في المنازل والأطراف. وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله تعالى لاثبات الحجة ونفي الشبهة وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله في خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها إلى الأرض فيقذفها
1) احتجاج الطبرسي، ص 185. 148 إلى الكاهن فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من [مما كان] خبر يخبر به هو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس {1} مما يتحدثون [به وما يحدثونه]، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق و من قاتل قتل ومن غائب غاب، وهم أيضا بمنزلة الناس صدوق وكذوب، الخبر. وقوله عليه السلام مع قذف في قلبه يمكن أن يكون قيدا للأخير وهو فطنة الروح فيكون الكهانة بغير قذف الشياطين كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية ويحتمل أن يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة فيكون المراد تركب أخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان وما يحدث في نفسه لتلك الوجوه وغيرها كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل، وكيف كان ففي قوله انقطعت الكهانة {2} دلالة على ما عن المغرب من أن الكهانة في العرب كانت قبل البعث
149 قبل منع الشياطين عن استراق السمع لكن قوله عليه السلام إنما يؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا الناس، وقوله قبل ذلك مع قذف في قلبه الخ، دلالة على صدق الكاهن على من لا يخبر إلا بأخبار الأرض فيكون المراد من الكهانة المنقطعة الكهانة الكاملة التي يكون الكاهن بها حاكما في جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات، كما ذكر في أول الرواية وكيف كان فلا خلاف في حرمة الكهانة. وفي المروي عن الخصال من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه وآله. وقد تقدم رواية أن الكاهن كالساحر، وأن تعلم النجوم يدعو إلى الكهانة. وروي في مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشئ يسرق أو شبه ذلك، (فنسأله)، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب الخبر.
1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 150 وظاهر هذه الصحيحة أن الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرم مطلقا {1} سواء كان بالكهانة أو بغيرها لأنه عليه السلام جعل المخبر بالشئ الغائب بين الساحر والكاهن والكذاب، وجعل الكل حراما ويؤيده النهي في النبوي المروي في الفقيه في حديث المناهي أنه نهى عن إتيان العراف. وقال من أتاه وصدقه فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وقد عرفت من النهاية أن المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن ويخص باسم العراف ويؤيد ذلك ما تقدم في رواية الإحتجاج من قوله عليه السلام لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي الخ. فإن ظاهره كون ذلك مبغوضا للشارع من أي سبب كان فتبين من ذلك
1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 151 إن الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها من غير نظر في بعض ما صح اعتباره كبعض الجفر والرمل محرم، ولعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم لغير نبي أو وصي نبي سواء كان بالتنجيم أو الكهانة أو القيافة أو غير ذلك. العشرون: اللهو حرام {1} على ما يظهر من المبسوط والسرائر والمعتبر
1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 152 والقواعد والذكرى والجعفرية وغيرها حيث عللوا لزوم الاتمام في سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو، قال في المبسوط: السفر على أربعة أقسام: وذكر الواجب والندب والمباح، ثم قال: الرابع سفر المعصية وعد من أمثلتها من طلب الصيد لللهو والبطر ونحوه بعينه عبارة السرائر. وقال في المعتبر: قال علماؤنا اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص لنا أن اللهو حرام فالسفر له معصية، انتهى. وقال في القواعد: الخامس من شروط القصر إباحة السفر فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر والمتصيد لهوا انتهى. وقال في المختلف في كتاب المتاجر حرم الحلبي الرمي من قوس الجلاهق، قال: وهذا الاطلاق ليس بجيد بل ينبغي تقييده باللهو و البطر. وقد صرح الحلي في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته. وقال: إن اللعب بجميع الأشياء قبيح ورده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب و انتصر في الرياض للحلي بأن ما دل على قبح اللعب وورد بذمه من الآيات والروايات أظهر من أن يخفى فإذا ثبت القبح [والذم] ثبت النهي، ثم قال: ولولا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للإجماع لكان المصير إلى قوله ليس بذلك البعيد، انتهى.
153
1) سورة الأنبياء: آية 4. 2) سورة التكاثر: آية 2. 3) سورة النور: آية 38. 4) سورة عبس: آية 10. 154 ولا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب وشذوذ القول بحرمته مع دعوى كثرة الروايات بل الآيات على حرمة مطلق الله ولأجل النص على الجواز فيه في قوله عليه السلام لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام، واستدل في الرياض أيضا تبعا للمهذب على حرمة المسابقة بغير المنصوص على جوازه بغير عوض بما دل على تحريم اللهو واللعب، قال لكونها منه بلا تأمل انتهى. والأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا منها ما تقدم من قوله في رواية تحف العقول {1} وما يكون منه وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه شئ من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه.
1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 155 ومنها ما تقدم من رواية الأعمش {1} حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار، فإن الملاهي جمع الملهي مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء ونحوها في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر. رواية العيون الواردة في الكبائر وهي حسنة كالصحيحة بل صحيحة {2}.
1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 36. 2) نفس المصدر، حديث 33. 156 ومنها ما تقدم في روايات القمار من قوله عليه السلام كلما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر {1}. ومنها قوله عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب الصيد بالبزاة والصقور، إنما خرج في لهو لا يقصر {2} ومنها ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه السلام في جواب من سأله عن السماع، فقال: إن لأهل الحجاز فيه رأيا، قال: وهو في حيز اللهو {3} وقوله عليه السلام في رد من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله رخص في أيقال جئناكم جئناكم.
1) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15. 2) الوسائل، باب 9، من أبواب صلاة المسافر، حديث 1. 3) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1). 157 الخ. كذبوا {1} إن الله يقول: (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا) إلى آخر الآيتين. ومنها ما دل على أن اللهو من الباطل {2} بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء، ففي بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل (باطل) ما خلا ثلاثة المسابقة وملاعبة الرجل أهله الخ. وفي رواية علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه، قال: سألته عن اللعب بالأربعة عشر وشبهها، قال: لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان والرمي {3} إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.
1) الوسائل، باب 99 من أبواب ما يكتسب به، حديث 15. 2) الوسائل، باب 1، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 3) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14. 158 ويؤيده أن حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر أنه من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة. ففي رواية سماعة، قال أبو عبد الله عليه السلام لما مات آدم شمت به إبليس، وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم (على نبينا وآله وعليه السلام). فكلما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك {1} فإن فيه إشارة إلى أن المناط هو مطلق التلهي والتلذذ. ويؤيده ما تقدم من أن المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص بغير عوض {2}
1) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 2) المائدة: 90. 159 فإن الظاهر أنه لا وجه له عدا كونه لهوا وإن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم كما تقدم، نعم صرح العلامة في التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب كما تقدم نقل كلامه في مسألة القمار. هذا ولكن الاشكال في معنى اللهو فإنه إن أريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح والقاموس. فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور والسيرة فإن اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي ولا خلاف ظاهرا في عدم حرمته على الاطلاق. نعم لو خص اللهو بما يكون عن بطر وفسر بشدة الفرح كان الأقوى تحريمه ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق والضرب بالطشت، بدل الدف وكلما يفيد فائدة آلات اللهو ولو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوى الشهوية، ففي حرمته تردد.
160 واعلم أن هنا عنوانين آخرين اللعب واللغو {1} أما اللعب فقد عرفت أن ظاهر بعض ترادفهما ولكن مقتضى تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما ولعلهما من قبيل الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، و لعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال الغير المنبعثة عن القوى الشهوية والله وما تلتذ به النفس وينبعث عن القوى الشهوية، وقد ذكر غير واحد أن قوله تعالى (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة) الآية، بيان ملاذ الدنيا علي ترتيب تدرجه في العمر، وقد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين وكيف كان فلم أجد من أفتى بحرمة اللعب عدا الحلي على ما عرفت من كلامه ولعله يريد اللهو وإلا فالأقوى الكراهة {2}. {1} قوله واعلم أن هنا عنوانين آخرين: اللعب واللغو. فلا بد من التعرض لهما فالكلام في موردين: أما اللعب: فهو الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية أخرى. وأما حكمه: فعن الحلي والطبرسي حرمته بقول مطلق. {2} وقد اختار المصنف قدس سره كراهته. ولكن حيث لم يدل دليل على حرمته ولا على كراهته، فالأظهر عدم الكراهة أيضا. والمرسل المروي عن مجمع البيان: كل لعب حرام إلا ثلاثة: لعب الرجل بقوسه و فرسه وأهله. لارساله لا يعتمد عليه، وأظن أنه أراد الطبرسي بذلك ما عن النبي صلى الله عليه وآله، المروي في الوسائل في حديث: كل اللهو باطل إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته فإنهن من حق (1). وعليه فيرد عليه - مضافا إلى أنه إنما يكون في اللهو لا اللعب، ومضافا إلى ضعف سنده للرفع -: أنه يدل على أن كل اللهو باطل، ولا دليل على حرمة الباطل. أضف إلى ذلك كله قيام الضرورة على جواز اللعب في الجملة، وكونه من المباحات كاللعب باللحية أو الأحجار أو الحبل أو نحوها، وعليه فلو دل دليل على النهي عنه لا بد من حمله على قسم خاص منه.
1) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق والرماية، حديث 5. 161 وأما اللغو فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الأخبار {1}، كان في حكمه. ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أن السماع في حيز اللهو والباطل. أما سمعت قوله تعالى: وإذا مروا باللغو مروا كراما {2} و نحوها، رواية أبي أيوب حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية وإن أريد به مطلق الحركات اللاغية فالأقوى فيها الكراهة. وفي رواية أبي خالد الكابلي عن سيد الساجدين تفسير الذنوب التي تهتك العصم بشرب الخمر واللعب بالقمار وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس {3} وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر رحمهم الله أن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوي ما بين السماء والأرض {4}.
1) سورة الفرقان: آية 73. 2) سورة الفرقان، آية: 73. 3) الوسائل، باب 41، من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف، حديث 8. 4) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر، حديث 4. 162 الحادية والعشرون: مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم ذكره العلامة في المكاسب المحرمة.
1) المؤمنون: آية 26. 2) القصص: آية 28. 163 والوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا {1}، ويدل عليه من الشرع قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) {2}.
1) سورة هود، آية: 114. 2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 164 وعن النبي صلى الله عليه وآله فيما رواه الصدوق من عظم صاحب دنيا وأحبه طمعا في دنياه سخط الله عليه، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار {1}. وفي النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي من مدح سلطانا جائرا أو تخفف أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار {2} ومقتضى هذه الأدلة حرمة المدح طمعا في الممدوح، وأما لدفع شره فهو واجب. وقد ورد في عدة أخبار أن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم.
1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14. 2) الوسائل، باب 43، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 3) الوسائل، باب 70 من أبواب جهاد النفس. 165 الثانية والعشرون: معونة الظالمين في ظلمهم حرام {1} بالأدلة الأربعة {2}.
1) سورة هود، آية: 114. 2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 1) المائدة: 3. 166 وهو من الكبائر {1}. فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس، قال: قال عليه السلام من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الاسلام، قال: وقال: عليه السلام إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين أشباه الظلمة حتى من برأ لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم. وفي النبوي صلى الله عليه وآله من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلطها الله عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا.
1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15. 2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16. 3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 167 وأما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من الأخبار حرمتها {1} أيضا كبعض ما تقدم. وقول الصادق عليه السلام في رواية يونس بن يعقوب لا تعنهم علي بناء مسجد. وقوله عليه السلام ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء. وأن لي ما بين لابتيها لا ولا مدة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يفرغ الله [يحكم الله عز وجل بين العباد] من الحساب، لكن المشهور عدم الحرمة حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم والأقوى التحريم مع عد الشخص من الأعوان، فإن مجرد إعانتهم علي بناء المسجد، ليست محرمة إلا أنه إذا عد الشخص معمارا للظالم أو بناء له، ولو في خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له في باب السلطان كان محرما، ويدل على ذلك جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة. وقول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الكاهلي من سود اسمه في ديوان ولد سابع [مقلوب عباس] حشره الله يوم القيامة خنزيرا، وقوله عليه السلام ما اقترب عبد من سلطان جائر إلا تباعد من الله. وعن النبي صلى الله عليه وآله إياكم وأبواب السلطان وحواشيها، فإن أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم عن الله تعالى. وأما العمل له في المباحات لأجرة أو تبرعا من غير أن يعد معينا له في ذلك فضلا من أن يعد من أعوانه، فالأولى عدم الحرمة للأصل وعدم الدليل عدا ظاهر بعض الأخبار مثل رواية ابن أبي يعفور، قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك ربما أصاب الرجل منا الضيق
168 والشدة فيدعي إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت له وكاء وأن لي ما بين لابتيها... إلى آخر ما تقدم. ورواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا عذافر بلغني أنك تعامل أبا أيوب وأبا الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة، قال: فوجم أبي. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: لما رأى ما أصابه أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني الله عز وجل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات. ورواية صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام فقال لي: يا صفوان كل شئ منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت: جعلت فداك أي شئ، قال عليه السلام: إكرائك جمالك من هذا الرجل يعني هارون الرشيد، قلت: والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا لصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي ولكن ابعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم، قلت: نعم، قال: من أحب بقائهم فهو منهم ومن كان منهم كان وروده إلى النار، قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني، فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك، قلت: نعم، قال: ولم؟. قلت: أنا شيخ كبير وأن الغلمان [لا يقومون] بالأعمال، فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا إنما أشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه السلام قلت: مالي و لموسى بن جعفر عليه السلام قال: دع، هذا عنك والله لولا حسن صحبتك لقتلتك. وما ورد في تفسير الركون إلى الظالم من أن الرجل يأتي السلطان فيحب بقائه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه وغير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم، ومن هنا لما قيل لبعض إني رجل أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة، قال له: المعين من يبيعك الإبر والخيوط. وأما أنت فمن الظلمة أنفسهم. وفي رواية سليمان الجعفري المروية عن تفسير العياشي أن الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر والنظر إليهم على العمد
169 من الكبائر التي تستحق بها النار لكن الانصاف أن شيئا مما ذكر لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة. أما الرواية الأولى فلأن التعبير فيها في الجواب بقوله: ما أحب ظاهر في الكراهة. وأما قوله عليه السلام إن أعوان الظلمة، الخ. فهو من باب التنبيه على أن القرب إلى الظلمة والمخالطة معهم مرجوح وإلا فليس من يعمل لهم الأعمال المذكورة في السؤال خصوصا مرة أو مرتين خصوصا مع الاضطرار معدودا من أعوانهم، و كذلك يقال في رواية عذافر مع احتمال أن يكون معاملة عذافر مع أبي أيوب وأبي الربيع على وجه يكون معدودا من أعوانهم وعمالهم. وأما رواية صفوان فالظاهر منها أن نفس المعاملة معهم ليست محرمة بل من حيث محبة بقائهم، وإن لم تكن معه معاملة ولا يخفى على الفطن العارف بأساليب الكلام أن قوله عليه السلام ومن أحب بقائهم كان منهم لا يراد به من أحبهم مثل محبة صفوان بقائهم حتى يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتى لا يفضي ذلك إلى صيرورتهم من أعوانهم وأن يشرب القلب حبهم لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وقد تبين مما ذكرنا أن المحرم من العمل للظلمة قسمان: أحدهما: الإعانة لهم على الظلم. والثاني: ما يعد معهم من أعوانهم والمنسوبين إليهم، بأن يقال: هذا خياط السلطان وهذا معماره. وأما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر على تحريمه.
170
1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 2) نفس المصدر، حديث 1. 3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8. 4) نفس المصدر، حديث 11. 5) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12. 6) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12. 171 الثالثة والعشرون: النجش (بالنون المفتوحة والجيم الساكنة أو المفتوحة) حرام {1} لما في النبوي المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد والمنتهى من لعن الناجش والمنجوش له. وقوله صلى الله عليه وآله (ولا تناجشوا) ويدل على قبحه العقل لأنه غش وتلبيس و إضرار. وهو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شرائها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض وحكي تفسيره أيضا بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها ويروجها لمواطاة بينه وبين البائع، أو لا معها. وحرمته بالتفسير الثاني خصوصا لا مع المواطاة يحتاج إلى دليل وحكي الكراهة عن بعض.
172
1) الوسائل، باب 49، من أبواب آداب التجارة، حديث 2. 174
1) الوسائل، باب 49، من أبواب آداب التجارة، حديث 4. 2) المستدرك، باب 35، من أبواب آداب التجارة، حديث 2. 175 الرابعة والعشرون: النميمة محرمة بالأدلة الأربعة {1} وهي نقل قول الغير إلى المقول فيه، كان يقول تكلم فلان فيك بكذا وكذا، قيل هي من نم الحديث من باب قتل وضرب أي سعى به لايقاع فتنة أو وحشة وهي من الكبائر، قال الله تعالى: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) {2} والنمام قاطع لما أمر الله بصلته ومفسد قيل: وهي المراد بقوله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل).
1) الرعد: 26. 176 وقد تقدم في باب السحر قوله فيما رواه في الإحتجاج {1} في وجوه السحر وأن من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين. وعن عقاب الأعمال عن النبي صلى الله عليه وآله من مشى في نميمة بين الاثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه وإذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار، وقد استفاضت الأخبار بعدم دخول النمام الجنة ويدل على حرمتها مع كراهة المقول عنه لاظهار القول عند المقول فيه جميع ما دل على حرمة الغيبة ويتفاوت عقوبته بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد وقيل إن حد النميمة بالمعنى الأعم كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث {2} وسواء كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة والرمز والايماء
1) الرعد: 26. 2) البقرة: 28. 3) البقرة: 192. 177 وسواء كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال وسواء كان ذلك عيبا ونقصانا على المنقول عنه أم لا {1} بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه انتهى موضع الحاجة، ثم إنه قد يباح ذلك لبعض المصالح {2} التي هي آكد من مفسدة إفشاء السر كما تقدم في الغيبة، بل قيل إنها قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين لكن الكلام في النميمة على المؤمنين.
1) القلم: 11 و 12. 2) الوسائل، باب 164، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1. 3) نفس المصدر، حديث 6. 178 الخامسة والعشرون: النوح بالباطل {1}، ذكره في المكاسب المحرمة الشيخان وسلار والحلي والمحقق ومن تأخر عنه.
1) الوسائل، باب 104، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7. 2) نفس المصدر، ح 2. 179 والظاهر حرمته من حيث الباطل يعني الكذب وإلا فهو في نفسه ليس بمحرم وعلى هذا التفصيل دل غير واحد من الأخبار، وظاهر المبسوط وابن حمزة التحريم مطلقا كبعض الأخبار وكلاهما محمولان على المقيد جمعا.
1) الوسائل، باب 71، من أبواب الدفن وما يناسبه، حديث 2. 2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 180
1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11. 3) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 4) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12. 5) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 13. 6) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 181
1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7. 182 السادسة والعشرون: الولاية من قبل الجائر، وهي صيرورته واليا علي قوم منصوبا من قبله محرمة {1} لأن الوالي من أعظم الأعوان،
1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4. 2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 3) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8. 183 ولما تقدم في رواية تحف العقول من قوله، وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته فالعمل لهم والكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لأن كل شئ من جهة المعونة له، معصية كبيرة من الكبائر وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله واظهار الظلم والجور والفساد وابطال الكتب، وقتل الأنبياء و هدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم، و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة، الخبر. وفي رواية زياد بن أبي سلمة أهون ما يصنع الله عز وجل بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله عز وجل من حساب الخلائق (الخلق).
1) الوسائل، باب 12، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 3) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 184 ثم إن ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه من ظلم الغير مع أن الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية، وربما كان في بعض الأخبار إشارة إلى كونه من جهة الحرام الخارجي. ففي صحيحة داود بن زربي قال: أخبرني مولى لعلي بن الحسين عليه السلام قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة فأتيته فقلت له: جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لأفعل فانصرفت إلى منزلي فتفكرت ما أحسبه أنه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور والله لآتينه وأعطينه الطلاق، والعتاق والأيمان المغلظة أن لا أجورن على أحد و لا أظلمن ولا عدلن، قال: فأتيته، فقلت جعلت فداك أني فكرت في إبائك على و ظننت إنما منعتني مخافة أن أظلم أو أجور وأن كل امرأة لي طالق، وكل مملوك لي حر وعلى أن ظلمت أحدا أوجرت على [عليه] أحد، بل إن لم أعدل قال: فكيف، قلت: فأعدت عليه الأيمان فنظر (فرفع رأسه) إلى السماء، وقال: تنال (تناول) هذه السماء أيسر عليك من ذلك بناء على أن المشار إليه هو العدل وترك الظلم ويحتمل أن يكون هو الترخص في الدخول، ثم إنه يسوغ الولاية المذكورة أمران:
1) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به. 185
1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 3) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4. 186 أحدهما: القيام بمصالح العباد {1} بلا خلاف على الظاهر المصرح به في المحكي عن بعض، حيث قال: إن تقلد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن معه من إيصال الحق لمستحقه بالإجماع {2} والسنة الصحيحة وقوله تعالى: (... اجعلني على خزائن الأرض...) {3}.
1) يوسف: 56. 187 ويدل عليه قبل الاجماع أن الولاية إن كانت محرمة لذاتها كان (جاز) ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر {1} وإن كانت لاستلزامها الظلم على الغير فالمفروض عدم تحققه هنا، ويدل عليه النبوي الذي رواه الصدوق في حديث
1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به. 2) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به. 188 المناهي قال: من تولى عرافة قوم أتى به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله تعالى أطلقه الله، وإن كان ظالما يهوى به في نار جهنم وبئس المصير. وعن عقاب الأعمال ومن تولى عرافة قوم ولم يحسن فيهم حبس على شفير جهنم بكل يوم ألف سنة وحشر ويداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله أطلقه الله وإن كان ظالما هوى به في نار جهنم سبعين خريفا.
1) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6. 2) نفس المصدر، حديث 7. 3) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 4) نفس المصدر، حديث 9. 189 ولا يخفى أن العريف سيما في ذلك الزمان لا يكون إلا من قبل الجائر. وصحيحة زيد الشحام المحكية عن الأمالي عن أبي عبد الله عليه السلام من تولي أمرا من أمور الناس فعدل فيهم وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقا على الله أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة {1}. ورواية زياد بن أبي سلمة عن موسى بن جعفر عليه السلام يا زياد لأن أسقط من شاهق [حالق] فأتقطع قطعة قطعة أحب إلى من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا لما ذا قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: إلا لتفريج كربة مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه {2}.
1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7. 2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 190 ورواية علي بن يقطين أن لله تبارك تعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه، قال الصدوق: وفي خبر آخر أولئك عتقاء الله من النار، قال وقال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان {1}.
1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2 - 1. 2) نفس المصدر، حديث 3. 191 وعن المقنع سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يحب آل محمد وهو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رأيتهم، قال: يحشره الله على نيته إلى غير ذلك. وظاهرها {1} إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة والاحسان بالإخوان فيكون نظير الكذب في الاصلاح وربما يظهر من بعضها الاستحباب وربما يظهر من بعضها أن الدخول أولا غير جائز إلا أن الاحسان إلى الإخوان كفارة له كمرسلة الصدوق المتقدمة. وفي ذيل رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة، وإن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك يكون واحدة بواحدة.
192 والأولى أن يقال: إن الولاية الغير المحرمة منها ما يكون مرجوحة وهي ولاية من تولى لهم لنظام معاشه قاصدا للاحسان في خلال ذلك إلى المؤمنين ودفع الضر عنهم {1}. ففي رواية أبي بصير ما من جبار وإلا ومعه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين وهو أقلهم حظا في الآخرة لصحبة الجبار. ومنها ما يكون مستحبة وهي ولاية من لم يقصد بدخوله إلا الاحسان إلى المؤمنين. فعن رجال الكشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن لله تعالى في أبواب الظلمة من نور الله به البرهان ومكن له في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح الله بهم أمور المسلمين. إليهم ملجاء (يلجأ)
1) الوسائل، باب 44، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4. 2) رواه المامقاني رحمهم الله عن نسخة قديمة لرجال الكشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع. 3) المستدرك، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15. 4) المستدرك، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16. 193 المؤمنين من الضرر وإليهم مرجع ذوي الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة أولئك حقا أولئك أمناء الله في أرضه أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة ويزهر نورهم لأهل السماوات كما يزهر نور الكواكب الدرية لأهل الأرض أولئك من نورهم يوم القيامة تضئ القيامة خلقوا والله للجنة و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله. قال قلت: بماذا جعلت فداك قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد {1}.
1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 194 ومنها ما يكون واجبة وهي ما توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبان عليه فإن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة وربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة أيضا {1}. قال في النهاية تولي الأمر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه وربما بلغ حد الوجوب لما في ذلك من التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و وضع الأشياء مواقعها. وأما سلطان الجور فمتى علم الانسان أو غلب على ظنه أنه متى تولى الأمر من قبله أمكن التوصل إلى إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و قسمة الأخماس والصدقات في أربابها وصلة الإخوان ولا يكون مع ذلك مخلا بواجب ولا فاعلا لقبيح فإنه يستحب له أن يتعرض لتولي الأمر من قبله، انتهى. وقال في السرائر وأما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولى شيئا من الأمور مختارا من قبله إلا أن يعلم أو يغلب على ظنه، إلى آخر. عبارة النهاية بعينها. وفي الشرائع ولو أمن من ذلك أي اعتماد ما يحرم وقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت.
195 قال في المسالك: بعد أن اعترف أن مقتضى ذلك وجوبها ولعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم وعموم النهي عن الدخول معهم وتسويد الاسم في ديوانهم فإذا لم يبلغ حد المنع فلا أقل من عدم الوجوب، ولا يخفى ما في ظاهره من الضعف كما اعترف به غير واحد لأن الأمر بالمعروف واجب فإذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب إلى آخر ما ذكره حد المنع، فلا مانع من الوجوب المقدمي للواجب ويمكن توجيهه بأن نفس الولاية قبيح محرم لأنها توجب اعلاء كلمة الباطل وتقوية شوكته فإذا عارضها قبيح آخر وهو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس أحدهما أقل قبحا من الآخر فللمكلف فعلها تحصيلا لمصلحة الأمر بالمعروف وتركها دفعا لمفسدة تسويد الاسم في ديوانهم الموجب لاعلاء كلمتهم وقوة شوكتهم، نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتى يجعل أحدهما أقل قبحا ليصير واجبا.
196 والحاصل أن جواز الفعل والترك هنا ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، وتخصيص دليله بغير هذه الصورة بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الأمر بالمعروف، فللمكلف ملاحظة كل منهما والعمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين في غير هذا المقام، هذا ما أشار إليه الشهيد بقوله لعموم النهي الخ. {1}. وفي الكفاية أن الوجوب فيما نحن فيه حسن لو ثبت كون وجوب الأمر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة، وليس بثابت {2} وهو ضعيف لأن عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية، كاف مع اطلاق أدلة الأمر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام.
197 نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة إلى القدرة العرفية الغير المحققة في المقام لكنه تشكيك ابتدائي لا يضر بالاطلاقات وأضعف منه ما ذكره بعض بعد الاعتراض على ما في المسالك بقوله: ولا يخفى ما فيه، قال: ويمكن توجيه عدم الوجوب بتعارض ما دل على وجوب الأمر بالمعروف وما دل على حرمة الولاية عن الجائر بناء على حرمتها في ذاتها والنسبة عموم من وجه فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب، وقيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة. وأما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في خبر محمد بن إسماعيل وغيره الذي هو أيضا شاهد للجمع خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور وبذلك يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الأخص في مقدمة الواجب ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة إذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب انتهى. وفيه أن الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقف والرجوع إلى الأصول لا التخيير كما قرر في محله ومقتضاها إباحة الولاية للأصل ووجوب
198 الأمر بالمعروف لاستقلال العقل به كما ثبت في بابه، ثم على تقدير الحكم بالتخيير فالتخيير الذي يصار إليه عند تعارض الوجوب والتحريم هو التخيير الظاهري و هو الأخذ بأحدهما بالتزام الفعل أو الترك لا التخيير الواقعي. ثم المتعارضان بالعموم من وجه لا يمكن إلغاء ظاهر كل منهما مطلقا، بل بالنسبة إلى مادة الاجتماع لوجوب ابقائهما على ظاهرهما في مادتي الافتراق فيلزمك استعمال كل من الأمر والنهي في أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن الولاية في الالزام والإباحة {1}.
199 ثم دليل الاستحباب أخص لا محالة من أدلة التحريم فيخصص به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم بل لا بد بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه وبين أدلة وجوب الأمر بالمعروف ومن المعلوم المقرر في غير مقام أن دليل استحباب الشئ الذي قد يكون مقدمة لواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب فلا وجه لجعله شاهدا على الخروج عن مقتضاها، لأن دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشئ في نفسه مع قطع النظر عن الملزمات العرضية كصيرورته مقدمة لواجب أو مأمورا به لمن يجب إطاعته أو منذورا وشبهه، فالأحسن {1} في توجيه كلام من عبر بالجواز مع التمكن من الأمر بالمعروف إرادة الجواز بالمعنى الأعم وأما من عبر بالاستحباب فظاهره إرادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي نظير قولهم يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه مع أنه واجب كفائي لأحل الأمر بالمعروف الواجب كفاية أو يقال {2} إن مورد كلامهم ما إذا لم يكن هنا معروف متروك يجب فعلا الأمر به أو منكر مفعول يجب النهي عنه كذلك، بل يعلم بحسب العادة تحقق مورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ذلك، ومن المعلوم أنه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه وكيف كان فلا اشكال في وجوب تحصيل الولاية إذا كان هناك معروف متروك أو منكر مركوب يجب فعلا الأمر بالأول والنهي عن الثاني.
200 الثاني: مما يسوغ الولاية الاكراه عليه بالتوعيد على تركها {1} من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا أو ماليا عليه أو على من يتعلق به بحيث يعد الاضرار به اضرارا به ويكون تحمل الضرر عليه شاقا على النفس كالأب والولد ومن جرى مجراهما، وهذا مما لا اشكال في تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة في نفسها لعموم قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) {2} في الاستثناء عن عموم (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) والنبوي صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه وقولهم عليهم السلام التقية في كل ضرورة، وما من شئ إلا وقد أحله الله لمن اضطر إليه إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من العمومات وما يختص بالمقام وينبغي التنبيه على أمور:
1) الوسائل، باب 24، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما. 2) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس. 3) الوسائل، باب 12، من أبواب إحياء الموات. 4) سورة آل عمران، آية: 29. 201 الأول: أنه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر وما يتفق في خلالها مما يصدر الأمر به من السلطان الجائر ما عدا إراقة الدم إذا لم يمكن التفصي عنه، ولا اشكال في ذلك أنما الاشكال في أن ما يرجع إلى الاضرار بالغير {1} من نهب الأموال وهتك الأعراض وغير ذلك من العظائم هل تباح كل ذلك بالاكراه ولو كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما إذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا يليق به فهل يباح بذلك أعراض الناس وأموالهم ولو بلغت ما بلغت كثرة وعظمة، أم لا بد من ملاحظة الضررين والترجيح بينهما، وجهان: من اطلاق الاكراه، وأن الضرورات تبيح المحظورات.
202 ومن أن المستفاد من أدلة الاكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير، ولو كان ضرر الغير أدون فضلا عن أن يكون أعظم وإن شئت قلت: إن حديث رفع الاكراه ورفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الأمة ولا حسن في الامتنان على بعضهم بترخيصه في الاضرار بالبعض الآخر، فإذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الاضرار بالغير لم يجز ووجب تحمل الضرر هذا، ولكن الأقوى هو الأول {1} لعموم دليل نفي الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم، وعموم نفي الحرج، فإن إلزام الغير تحمل الضرر و ترك ما أكره عليه حرج وقوله صلى الله عليه وآله إنما جعلت التقية لتحقن به الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقية. حيث إنه دل على أن حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.
1) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس. 2) سورة الحج، آية: 79. 203 وأما ما ذكره من استفادة كون نفي الاكراه لدفع الضرر فهو مسلم، بمعنى دفع توجه الضرر وحدوث مقتضيه لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه. بيان ذلك أنه إذا توجه الضرر إلى شخص بمعنى حصول مقتضيه فدفعه عنه بالاضرار بغيره غير لازم بل غير جائز في الجملة فإذا توجه ضرر على المكلف باجباره على مال وفرض أن نهب مال الغير دافع له، فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الجبر (الضرر) عن نفسه، وكذلك إذا أكره على نهب مال غيره فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه إلى الغير وتوهم أنه كما يسوغ النهب في الثاني لكونه مكرها عليه فيرتفع حرمته، كذلك يسوغ في الأول لكونه مضطرا إليه. ألا ترى أنه لو توقف دفع الضرر على محرم آخر غير الاضرار بالغير كالافطار في شهر رمضان أو ترك الصلاة أو غيرهما ساغ له ذلك المحرم.
1) الوسائل، باب 31، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما. 204 وبعبارة أخرى: الاضرار بالغير من المحرمات فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع بالاضطرار لأن نسبة الرفع إلى ما أكرهوا عليه، وما اضطروا إليه على حد سواء مدفوع بالفرق بين المثالين في الصغرى بعد اشتراكهما في الكبرى المتقدمة، وهي أن الضرر المتوجه إلى شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره بأن الضرر في الأول متوجه إلى نفس الشخص فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير، غير جائز {1} وعموم رفع ما اضطروا إليه لا يشمل الاضرار بالغير المضطر إليه لأنه مسوق للامتنان على الأمة فترخيص بعضهم في الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه وصرف الضرر إلى غيره مناف للامتنان بل يشبه الترجيح بلا مرجح فعموم ما اضطروا إليه في حديث الرفع مختص بغير الاضرار بالغير من المحرمات. وأما الثاني: فالضرر فيه أولا وبالذات متوجه إلى الغير بحسب إلزام المكره {2} بالكسر وإرادته الحتمية والمكره بالفتح وإن كان مباشرا إلا أنه
205 ضعيف لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير حتى يقال: إنه أضر بالغير لئلا يتضرر نفسه، نعم لو تحمل الضرر ولم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا، لكن الشارع لم يوجب هذا والامتنان بهذا على بعض الأمة لا قبح فيه كما أنه لو أراد ثالث الاضرار بالغير لم يجب على الغير تحمل الضرر وصرفه عنه إلى نفسه هذا كله مع أن أدلة نفي الحرج كافية في الفرق بين المقامين {1} فإنه لا حرج في أن لا يرخص الشارع دفع الضرر عن أحد بالإضرار بغيره بخلاف ما لو ألزم الشارع الإضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه إلى الغير فإنه حرج قطعا.
206 الثاني: إن الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله، ممن يكون ضرره راجعا إلى تضرره و تألمه، وأما إذا لم يترتب على ترك المكره عليه إلا الضرر على بعض المؤمنين {1} ممن يعد أجنبيا من المكره (بالفتح) فالظاهر أنه لا يعد ذلك إكراها عرفا إذ لا خوف له يحمله على فعل ما أمر به وبما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه أو بمن يجري مجراه كالأب والولد، صرح في الشرائع والتحرير والروضة وغيرها.
207 نعم لو خاف على بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة بل غيرها من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين لقيام الدليل على وجوب مراعاة المؤمنين وعدم تعريضهم للضرر مثل ما في الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ولأن تبرأ منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها الذي هو قوامها وما لها الذي به نظامها وجاهها الذي به تمسكها وتصون من عرف بذلك من أوليائنا وإخوانك فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك وتنقطع به عن عملك في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين، و إياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض بنعمتك ونعمتهم للزوال مدل لهم في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك باعزازهم فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا الحديث. لكن لا يخفى أنه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير لعدم شمول أدلة الاكراه لهذا لما عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره ولا بمن يتعلق به وعدم جريان أدلة نفي الحرج إذ لا حرج على المأمور لأن المفروض تساوي من أمر بالاضرار به ومن يتضرر بترك هذا الأمر من حيث النسبة إلى المأمور مثلا لو أمر الشخص بنهب مال مؤمن ولا يترتب على مخالفة المأمور به إلا نهب مال مؤمن آخر فلا حرج حينئذ في تحريم نهب مال الأول بل تسويغه لدفع النهب عن الثاني قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة من الغرض في التقية خصوصا مع كون المال المنهوب للأول أعظم بمراتب. فإنه يشبه بمن فر من المطر إلى الميزاب بل اللازم في هذا المقام عدم جواز الاضرار بمؤمن، ولو لدفع الضرر الأعظم من غيره، نعم إلا لدفع ضرر النفس في وجه مع ضمان ذلك الضرر وبما ذكرنا ظهر أن اطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات بترتب ضرر مخالفة المكره عليه على نفس المكره وعلى أهله أو على الأجانب من المؤمنين، لا يخلو من بحث إلا أن يريدوا الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين فلا اشكال في تسويغه لما عدا الدم من المحرمات إذ لا تعادل نفس المؤمن شئ، فتأمل.
208 قال في القواعد وتحرم الولاية من الجائر إلا مع عدم التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو مع الاكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو على بعض المؤمنين فيجوز ائتمار ما يأمره إلا القتل، انتهى. ولو أراد بالخوف على بعض المؤمنين الخوف على أنفسهم دون أموالهم و إعراضهم لم يخالف ما ذكرنا، وقد شرح العبارة بذلك بعض الأساطين فقال: إلا مع الاكراه بالخوف على النفس من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بالحال من تلف أو حجب أو العرض من جهة النفس أو الأهل أو الخوف فيما عدا الوسط على بعض المؤمنين فيجوز حينئذ ائتمار ما يأمره انتهى. ومراده بما عدا الوسط الخوف على نفس بعض المؤمنين وأهله وكيف كان فهنا عنوانان الاكراه ودفع الضرر المخوف عن نفسه، وعن غيره من المؤمنين من دون اكراه.
1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به. 2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به. 209 والأول يباح به كل محرم {1} والثاني إن كان متعلقا بالنفس جاز له كل محرم حتى الاضرار المالي بالغير لكن الأقوى استقرار الضمان عليه إذا تحقق سببه لعدم الاكراه المانع عن الضمان أو استقراره {2}. وأما الاضرار بالعرض بالزنا ونحوه {3} ففيه تأمل، ولا يبعد ترجيح النفس عليه وإن كان متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الاضرار بالغير أصلا حتى في اليسى 4 ر من المال فإذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس لم يجز وإن كان متعلقا بالعرض، ففي جواز الاضرار بالمال مع الضمان أو العرض الأخف من العرض المدفوع عنه تأمل. وأما الاضرار بالنفس أو العرض الأعظم فلا يجوز بلا اشكال هذا وقد وقع في كلام بعض تفسير الاكراه بما يعم لحوق الضرر. قال في المسالك ضابط الاكراه المسوغ للولاية الخوف على النفس أو المال أو العرض عليه أو على بعض المؤمنين انتهى. ويمكن أن يريد بالاكراه مطلق المسوغ للولاية لكن صار هذا التعبير منه قدس سره منشأ لتخيل غير واحد أن الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعنى.
210 الثالث: إنه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين أنه يظهر من الأصحاب أن في اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه وعدمه أقوالا {1} ثالثها التفصيل بين الاكراه على نفس الولاية المحرمة فلا يعتبر وبين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي والذي يظهر من ملاحظة كلماتهم في باب الاكراه عدم الخلاف في اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجا ولم يتوقف على ضرر كما إذا أكره على أخذ المال من مؤمن فيظهر أنه أخذ المال وجعله في بيت المال مع عدم أخذه واقعا أو أخذه جهرا، ثم رده إليه سرا كما كان يفعله ابن يقطين وكما إذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة من دون قيد ويحسن ضيافته، ويظهر أنه حبسه وشدد عليه وكذا لا خلاف في أنه لا يعتبر العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر كثير وكان منشأ زعم الخلاف ما ذكره في المسالك في شرح عبارة الشرائع، مستظهرا
211 منه خلاف ما اعتمد عليه قال في الشرائع، بعد الحكم بجواز الدخول في الولاية دفعا للضرر اليسير مع الكراهة والكثير بدونها إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره مع عدم القدرة على التفصي منه إلا في الدماء المحرمة [المحترمة] فإنه لا تقية فيها [شرائع] انتهى. قال في المسالك ما ملخصه أن المصنف ذكر في هذه المسألة شرطين الاكراه والعجز عن التفصي وهما متغايران، والثاني أخص {1} والظاهر أن مشروطهما مختلف فالأول شرط لأصل قبول الولاية والثاني شرط للعمل بما يأمره، ثم فرع عليه أن الولاية إن أخذت مجردة عن الأمر بالمحرم فلا يشترط في جوازه الاكراه. وأما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة ولا يشترط فيه الالجاء إليه بحيث لا يقدر على خلافه {2} وقد صرح به الأصحاب في كتبهم فاشتراط العجز عن التفصي غير واضح إلا أن يريد به أصل الاكراه إلى أن قال: إن الاكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به وإن قدر على المخالفة مع خوف الضرر انتهى موضع الحاجة من كلامه.
212 أقول: لا يخفى على المتأمل أن المحقق قدس سره لم يعتبر شرطا زائدا على الاكراه إلا أن الجائر إذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته كما هو الغالب، وأمكن في بعضها المخالفة واقعا ودعوى الامتثال ظاهرا كما مثلنا لك سابقا قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي {1} وكيف كان فعبارة الشرائع واقعة على طبق المتعارف من تولية الولاة وأمرهم في ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها، وليس المراد بالتفصي المخالفة مع تحمل الضرر كما لا يخفى، ومما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره من نسبة عدم الخلاف المتقدم إلى الأصحاب من أنه على القول باعتبار العجز عن التفصي لو توقف المخالفة على بذل مال كثير لزم على هذا القول، ثم قال: وهو أحوط بل وأقرب.
213 الرابع: إن قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة {1} فيجوز تحمل الضرر المذكور لأن الناس مسلطون على أموالهم، بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم.
1) البحار، ج 1، ص 154. 214 الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن ولو توعد على تركه بالقتل إجماعا {1} على الظاهر المصرح به في بعض الكتب، وإن كان مقتضى عموم نفي الاكراه والحرج الجواز.
215 إلا أنه قد صح من الصادقين {1} عليهما السلام أنه إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم. فإذا بلغت الدم فلا تقية ومقتضى العموم أنه لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر والكبر والذكورة والأنوثة والعلم والجهل والحر والعبد وغير ذلك.
1) المائدة، آية: 46. 2) الوسائل، باب 31، من أبواب الأمر والنهي، حديث 1. 3) الوسائل، باب 31، من أبواب الأمر والنهي، حديث 2. 216 ولو كان المؤمن مستحقا للقتل {1} لحد ففي العموم وجهان من اطلاق قولهم عليهم السلام لا تقية في الدماء ومن أن المستفاد من قوله عليه السلام ليحقن بها الدم. فإذا بلغ الدم فلا تقية أن المراد الدم المحقون دون المأمور بإهراقه وظاهر المشهور الأول. وأما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة إلى غير ولي الدم ومما
217 ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف {1} لأن التقية إنما شرعت لحقن دماء الشيعة فحدها بلوغ دمهم لا دم غيرهم {2}. وبعبارة أخرى محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية في إهراق الدماء لأنها شرعت لحقنها فلا يشرع لأجلها إهراقها. ومن المعلوم أنه إذا أكره المؤمن على قتل مخالف فلا يلزم من شرعية التقية في قتله إهراق ما شرع التقية لحقنه هذا كله في غير الناصب. وأما الناصب فليس محقون الدم، وإنما منع منه حدوث الفتنة فلا اشكال في مشروعية قتله للتقية ومما ذكرنا يعلم حكم دم الذمي وشرعية التقية في إهراقه. وبالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين فحكم إهراقه حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها.
218 بقي الكلام في أن الدم يشمل الجرح وقطع الأعضاء {1} أو يختص بالقتل وجهان من اطلاق الدم وهو المحكي عن الشيخ، ومن عمومات التقية ونفي الحرج والاكراه وظهور الدم المتصف بالحقن في الدم المبقي للروح {2} وهو المحكي عن الروضة والمصابيح والرياض ولا يخلو عن قوة.
219 خاتمة: فيما ينبغي للوالي العمل به في نفسه وفي رعيته، روى شيخنا الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسمى بكشف الريبة عن أحكام الغيبة بإسناده عن شيخ الطائفة عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى الأشعري عن عبد الله بن سليمان النوفلي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فإذا بمولى لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابا ففضه وقرأه، فإذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداه ولا أراني فيه مكروها، فإنه ولي ذلك والقادر عليه، اعلم سيدي ومولاي أني بليت بولاية الأهواز فإن رأي سيدي ومولاي أن يحد لي حدا ويمثل لي مثالا لاستدل به على ما يقربني إلى الله عز وجل وإلى رسوله ويلخص لي في كتابه ما يرى لي العمل به، وفيما أبذله [ابتذله] وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس وإلى من أستريح وبمن أثق وآمن وألجأ إليه في سري فعسى أن يخلصني الله تعالى بهدايتك وولايتك فإنك حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك. قال عبد الله بن سليمان فأجابه أبو عبد الله عليه السلام. بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه ولطف بك بمنه وكلأك برعايته فإنه ولي ذلك. وأما بعد: فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته وفهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه وذكرت أنك بليت بولاية الأهواز وسرني ذلك وساءني وسأخبرك بما ساءني من ذلك وما سرني إن شاء الله تعالى. وأما سروري بولايتك فقلت عسى أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد صلى الله عليه وآله ويعز بك ذليلهم ويكسو بك عاريهم ويقوى بك ضعيفهم و يطفي بك نار المخالفين عنهم. وأما الذي ساءني من ذلك فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة حظيرة القدس، فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه فإن أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالى أخبرني يا عبد الله أبي عن آبائه عليهم السلام
220 عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من استشاره أخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة سلب [سلبه] الله لبه عنه. واعلم أني سأشير عليك برأيي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت تخافه. واعلم أن خلاصك ونجاتك في حقن الدماء وكف الأذى عن أولياء الله والرفق بالرعية والتأني وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف وشدة في غير عنف ومداراة صاحبك ومن يرد عليك من رسله وأرفق برعيتك [وارتق فتق رعيتك] بأن توقفهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء الله تعالى، وإياك والسعاة وأهل النمائم فلا يلزقن [يلتزقن] بك منهم أحد ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا فيسخط الله عليك ويهتك سترك وأحذر مكر خوزي الأهواز فإن أبي أخبرني عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الايمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزي أبدا؟! وأما من تأنس به وتستريح إليه وتلجئ أمورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك على دينك وميز أعوانك وجرب الفريقين، فإن رأيت هنالك رشدا فشأنك وإياه، وإياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو ممزح إلا أعطيت مثله في ذات الله وليكن جوائزك وعطاياك وخلعك للقواد والرسل والأحفاد وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والأخماس. وما أردت أن تصرف في وجوه البر والنجاح والصدقة والفطرة والحج والشرب والكسوة التي تصلي فيها وتصل بها، والهدية التي تهديها إلى الله عز وجل ورسوله من أطيب كسبك وانظر [أجهد] يا عبد الله أن لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من أهل هذه الآية: (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله...) ولا تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الله رب العالمين. واعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله [أنه سمع عن النبي صلى الله عليه وآله] قال يوما لأصحابه ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جائع فقلنا: هلكنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: من فضل
221 طعامكم ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفئون بها غضب الرب تعالى وسأنبئك بهوان الدنيا وهو أن شرفها على من مضى من السلف والتابعين، فقد حدثني أبي محمد بن علي بن الحسين، قال: لما تجهز الحسين عليه السلام إلى الكوفة أتاه ابن عباس فناشده الله والرحم أن يكون هو المقتول بالطف، فقال: أنا أعرف بمصرعي منك وما وكدي من الدنيا إلا فراقها. ألا أخبرك يا بن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلام والدنيا فقال له: بلي لعمري إني أحب أن تحدثني بأمرها، فقال أبي قال علي بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: إني بفدك في بعض حيطانها، وقد صارت لفاطمة عليها السلام فإذا أنا بامرأة قد قحمت (حجمت) على وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها، فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمي وكانت من أجمل نساء قريش، فقالت: يا بن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه المسحات وأدلك على خزائن الأرض فيكون لك ما بقيت ولعقبك من بعدك فقال لها: من أنت حتى أخطبك من أهلك، قال: فقالت أنا الدنيا، قال لها: فارجعي واطلبي زوجا غيري فلست من شأني فأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول: لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي أن غرت قرونا بنائل (بطائل) أتتنا على ذي العزيز بثنية * وزينتها في مثل تلك الشمائل فقلت لها غري سواي فإنني * عزوف من الدنيا ولست بجاهل وما أنا والدنيا فإن محمدا صلى الله عليه وآله * أحل صريعا بين تلك الجنادل وهيهات أمنى بالكنوز وودها * وأموال قارون وملك القبائل أليس جميعا للفناء مصيرنا * ويطلب من خزانها بالطوائل فغري سواي إنني غير راغب * بما فيك من عز وملك ونائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل فإني أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عذابا دائما غير زائل
222 فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لأحد حتى لقي الله تعالى محمودا غير ملوم ولا مذموم، ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا بشئ من بوائقها، وقد وجهت إليك بمكارم الدنيا والآخرة. وعن الصادق المصدق رسول الله صلى الله عليه وآله فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله أن يتجافى [يتحامى] عنك جل وعز بقدرته يا عبد الله إياك أن تخيف مؤمنا، فإن أبي حدثني عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظل إلا ظله وحشره في صورة الذر لحمه وجسده وجميع أعضائه حتى يورده مورده وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله وأمنه من [يوم] الفزع الأكبر وأمنه من سوء المنقلب. ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحداها الجنة، و من كسى أخاه المؤمن جبة عن عري كساه الله من سندس الجنة واستبرقها و حريرها، ولم يزل يخوض في رضوان الله ما دام على المكسو منها سلك، ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين وأسكنه مع أوليائه الطاهرين ومن حمل أخاه المؤمن على راحلة [رحله] حمله الله على ناقة من نوق الجنة وباهى به الملائكة المقربين يوم القيامة ومن زوج أخاه امرأة يأنس بها ويشد عضده ويستريح إليها زوجه الله من الحور العين وآنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وإخوانه وآنسهم به، ومن أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلة الأقدام، ومن زار أخاه المؤمن في منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله وكان حقيقا على الله أن يكرم زائره. يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لأصحابه يوما: معاشر الناس أنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه فلا
223 تتبعوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبع عثرة مؤمن يتبع الله [اتبع الله] عثرته يوم القيامة وفضحه في جوف بيته، وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا يصدق في مقالته ولا ينتصف من عدوه وعلى أن لا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه لأن المؤمن [كل مؤمن] ملجم وذلك لغاية قصيرة و راحة طويلة، أخذ الله ميثاق المؤمن على أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله، يقول بمقالة يبغيه ويحسده وشيطان يغويه ويمقته وسلطان يقفوا أثره ويتبع عثراته و كافر بالذي هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا وإباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا. يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: نزل جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله يقرئك [يقرأ عليك] السلام ويقول: اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا، فالمؤمن مني وأنا منه من استهان بمؤمن [مؤمنا] فقد استقبلني بالمحاربة. يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يوما: يا علي لا تناظر رجلا حتى تنظر في سريرته، فإن كانت سريرته حسنة فإن الله عز وجل لم يكن ليخذل وليه وإن كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساوئه فلو جهدت أن تعمل به أكثر ما عمل به من معاصي الله عز وجل الله تعالى ما قدرت عليه. يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها أولئك لا خلاق لهم. يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قالا (من قال في مؤمن ما رأت عيناه وسمعت أذناه ما يشينه ويهدم مروته)، فهو من الذين قال الله عز وجل: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم). يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته وشينه [وثلبه] أوبقه [أوثقه] الله بخطيئته يوم القيامة حتى يأتي بالمخرج [بمخرج] مما قال ولن يأتي بالمخرج منه أبدا ومن أدخل
224 على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على أهل بيت نبيه عليهم السلام سرورا، ومن أدخل على أهل بيت نبيه عليهم السلام سرورا فقد أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله سرورا، ومن أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله سرورا فقد سر الله ومن سر الله فحقيق على الله أن يدخله جنته، ثم إني أوصيك بتقوى الله وايثار طاعته والاعتصام بحبله، فإنه من اعتصم بحبل الله فقد هدى إلى صراط مستقيم فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه و هواه. فإن وصية الله عز وجل إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها ولا يعظم سواها. واعلم أن الخلق [الخلائق] لم يوكلوا بشئ أعظم من تقوى [التقوى] الله فإنه وصيتنا أهل البيت فإن استطعت أن تنال من الدنيا شيئا يسأل الله عنه [تسأل عنه] غدا فافعل. قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام إلى النجاشي نظر فيه، فقال: صدق والله الذي لا إله إلا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجى، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به أيام حياته (1).
1) الوسائل، باب 49، من أبواب ما يكتسب به. 225 السابعة والعشرون: هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة {1} لأنه همز ولمز و أكل اللحم وتعيير وإذاعة سر وكل ذلك كبيرة موبقة، فيدل عليه فحوى جميع ما تقدم في الغيبة {2} بل البهتان أيضا بناء على تفسير الهجاء بخلاف المدح كما عن الصحاح فيعم ما فيه من المعايب، وما ليس فيه كما عن القاموس والنهاية و المصباح لكن مع تخصيصه فيها بالشعر. وأما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد فلا يخلو عن تأمل.
226 ولا فرق في المؤمن بين الفاسق وغيره {1}. وأما الخبر محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين، فالمراد به الخارجون عن الايمان أو المتجاهرون بالفسق {2} وأحترز بالمؤمن عن المخالف فإنه يجوز هجوه لعدم احترامه.
1) لم أعثر على أصل له في كتب الحديث وإنما هو مذكور في المكاسب. ومفتاح الكرامة، وحواشي الشهيد على القواعد. 227 وكذا يجوز هجاء الفاسق المبدع {1} لئلا يؤخذ ببدعه [ببدعته] لكن بشرط الاقتصار على المعايب الموجودة فيه فلا يجوز بهته بما ليس فيه لعموم حرمة الكذب وما تقدم من الخبر في الغيبة من قوله عليه السلام في حق المبتدعة باهتوهم لكيلا يطمعوا في اضلالكم [الفساد في الاسلام] محمول على اتهامهم وسوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به {2} بأن يقال: لعله زان أو سارق وكذا إذا زاده ذكر ما ليس فيه من باب المبالغة ويحتمل ابقائه على ظاهره بتجويز الكذب عليهم لأحل المصلحة، فإن مصلحة تنفير الخلق عنهم أقوى من مفسدة الكذب. وفي رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له أن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم [من مخالفيهم] فقال: الكف عنهم أجمل، ثم قال لي: والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا، ثم قال: نحن أصحاب الخمس وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا وفي صدرها دلالة على جواز الافتراء وهو القذف على كراهة، ثم أشار عليه السلام إلى أولوية قصد الصدق بإرادة الزنا من حيث استحلال حقوق الأئمة عليهم السلام.
1) الوسائل، باب 39، من أبواب الأمر والنهي، ح 1. 228 الثامنة والعشرون: الهجر (بالضم) وهو الفحش من القول وما استقبح التصريح به منه {1}. ففي صحيحة أبي عبيدة البذاء من الجفاء والجفاء في النار. وفي النبوي صلى الله عليه وآله إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال، ولا ما قيل فيه وفي رواية سماعة إياك أن تكون فحاشا. وفي النبوي صلى الله عليه وآله إن من شر عباد الله من يكره مجالسته لفحشه. وفي رواية من علامات شرك الشيطان الذي لا شك (يشك) فيه أن يكون فحاشا لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه إلى غير ذلك من الأخبار. هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.
1) راجع الوسائل، باب 73 و 72 من أبواب جهاد النفس. 2) نفس المصدر. 229 الخامس: مما يحرم التكسب به ما يجب على الانسان فعله {1} عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا على المشهور كما في المسالك {2} بل عن مجمع البرهان كان دليله الاجماع. والظاهر أن نسبته إلى الشهرة في المسالك في مقابل قول السيد المخالف في وجوب تجهيز الميت على غير الولي لا في حرمة أخذ الأجرة على تقدير الوجوب عليه. وفي جامع المقاصد الاجماع على عدم جواز أخذ الأجرة على تعليم صيغة النكاح أو القائها على المتقاعدين، انتهى. وكان لمثل هذا ونحوه ذكر في الرياض أن على هذا الحكم الاجماع في كلام جماعة وهو الحجة، انتهى.
230 واعلم أن موضوع هذه المسألة ما إذا كان الواجب على العامل منفعة تعود إلى من يبذل بإزائه المال {1} كما لو كان كفائيا وأراد سقوطه منه فاستأجر غيره أو كان عينيا علي العامل ورجع نفعه منه إلى باذل المال كالقضاء للمدعي إذا وجب عينا. وبعبارة أخرى: مورد الكلام ما لو فرض مستحبا لجاز الاستيجار عليه لأن الكلام في كون مجرد الوجوب على الشخص مانعا عن أخذ الأجرة عليه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الأجرة عليه لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال إلى باذله، فإن النافلة أيضا كذلك. ولما كان نظر المصنف قدس سره في المكاسب إلى خصوص الجهة الثانية ذكر مبنيا علي ذلك أمرين: {1} الأول: إن موضوع هذه المسألة ما إذا كان الواجب على العامل منفعة تعود إلى من يبذل بإزائه المال كما لو كان كفائيا وأراد سقوطه منه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الأجرة عليه، لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال إلى باذله. ولا بأس بالإشارة الاجمالية إلى هذه الكبرى الكلية مقدمة للبحث. وقد استدل لاعتبار هذا الشرط بوجهين: الأول: إن الإجارة بدونه سفهية وأكل للمال بالباطل. الثاني: إن المبادلة في الإجارة إنما تكون بين منفعة معينة والعوض المعلوم، فلا بد من عود المنفعة إلى باذل العوض وإلا انتفت المبادلة والإجارة، إذ قوامها بدخول كل من العوضين في المكان الذي خرج منه الآخر. وفيهما نظر: أما الأول: فلأنه لا دليل على بطلان كل معاملة سفهية كما سيأتي تنقيح القول في ذلك في الجزء الثالث من هذا الشرح.
232 ومن هنا يعلم فساد الاستدلال على هذا المطلب، بمنافاة ذلك للاخلاص في العمل لانتقاضه طردا وعكسا بالمندوب والواجب التوصلي {1}. مع أن المؤجر ربما ينتفع بمنفعة عائدة إلى غيره، كما إذا انتفع من تعلم أحكام الصلاة مثلا من فعل المستأجر صلاة الظهر عن نفسه، بل يمكن أن يقال: إن التسبيب إلى تحقق الخير والإعانة على البر والتقوى مما يترتب عليه الثواب - أي الفائدة الأخروية - فالاستئجار المزبور لترتب هذه الفائدة عليه لا يكون سفهيا. اللهم إلا أن يقال: إن هذه فائدة فعل المؤجر نفسه والذي يعتبر في خروج الإجارة عن السفهية وكونها أكلا للمال بالباطل كون العمل المستأجر عليه مما له فائدة عائدة إلى المؤجر، إذ هو المقابل بالمال. مضافا إلى أن كون الله مطاعا لو كان هو المقصود من الإجارة لما كانت الإجارة سفهية كما لا يخفى. وأما الثاني: فلأن حقيقة الإجارة لا تقتضي أزيد من قابلية العمل لصيرورته مملوكا للمستأجر، وأما كون المنفعة راجعة إليه فهو مما لم يدل عليه دليل. {1} الأمر الثاني: إن الاستدلال على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب، بمنافاة ذلك للاخلاص في العمل. غير تام، لأن العجز عن العمل لأحل عدم تمشي القربة موجود في العبادات غير الواجبة والقدرة عليه لأحل عدم اعتبار القربة في التوصلي من الواجب ثابتة، فهذا الوجه غير مربوط بمورد النقض والابرام، ولا ملازم له كي يصح الاستدلال المزبور. وعليه فلا يرد عليه ما أورده السيد الفقيه، بقوله: الانتقاض الطردي لا يضر بالاستدلال، إذ لا مانع من كون الدليل أعم من المدعى في الجملة، وأما الانتقاض العكسي فهو مضر إن كان الغرض إثبات تمام المدعى كما هو الظاهر في المقام. لكن لا يخفى أن هذا الوجه لم يظهر مما ذكره في قوله: واعلم... إلى آخره.
233 ... عدم منافاة التعبدية لأخذ الأجرة وكيف كان: فقد عرفت أن البحث هنا يقع في مقامات: المقام الأول: في أن التعبدية هل تنافي أخذ الأجرة أم لا؟ وحيث أن المانع المتنازع فيه هي التعبدية فلا فرق في هذا المقام بين الواجب والمستحب. وقد استدل: لعدم جواز أخذ الأجرة على التعبديات بوجوه: الأول: أنه يعتبر في صحة العبادات أن يؤتى بها بقصد القربة، وأخذ الأجرة عليها ينافي القربة والاخلاص، إذ قصد ذلك يوجب انقلاب داعي الاخلاص في العبادة المستأجر عليها إلى داعي أخذ الأجرة، فيكون عقد الإجارة رافعا للتمكن من العمل المستأجر عليه، ويوجب ذلك بطلان الإجارة لا محالة، إذ التمكن منه شرط في صحة الإجارة وما يلزم من صحته فساده باطل. وبعد اصلاح ذلك بأن المراد من شريك العلة وما ادعى كونه في عرض قصد القربة ليس هو قصد تملك الأجرة لأنه إنما يكون بنفس الايجار لا بالعمل الخارجي. ولا تسلم الأجرة خارجا، لأنه يمكن للأجير تسلمها قبل العمل أو بعد العمل الخالي عن قصد القربة، أو اخباره كذبا بالعمل. بل المراد استحقاق مطالبة الأجرة. يرد عليه - مضافا إلى منع اقتضاء عقد الإجارة انقلاب الداعي دائما، إذ يمكن أن يلاحظ العامل في إتيان العمل استحقاق ذلك ويأتي به خالصا لوجه الله تعالى وإن علم بترتب ذلك عليه فيكون ذلك عنده من المقارنات -. إن العامل لما علم أنه لا يستحق مطالبة الأجرة شرعا إلا بإتيان العمل المستأجر عليه المتوقف على قصد القربة، لا محالة يقصد ذلك ويكون استحقاق المطالبة من قبيل
234 ... الداعي إلى الداعي لا شريك الداعي. فإن قلت: إنه إذا فرضنا عدم كون الامتثال بذاته داعيا، بل من حيث كونه مقتضيا لاستحقاق الأجرة فلا محالة يكون الامتثال علة ناقصة ومتممها حيثية استحقاق الأجرة فلا تكون العلة التامة هي قصد القربة. أجبنا عنه: بأن استحقاق الأجرة بما أنه غاية للفعل المغيي بالامتثال لكون ذلك هو مورد الإجارة، لا للفعل وحده ولا لغايته كذلك، فهو إنما يكون علة لعلة الفعل لا علة له ولا شريكا لعلته، ويكون الفعل منبعثا عن قصد الامتثال، وقصد الامتثال منبعثا عن استحقاق الأجرة، والانبعاث الثاني لا يضر بالانبعاث الأول، ولا يوجب نقصا فيه. فإن قيل: إن تحقق عنوان المستأجر عليه - أعني العبادة - يتوقف على أمرين: أحدهما: ذات العبادة وهو فعل الصلاة مثلا. الثاني: عنوان الامتثال فالقاصد للعبادة يقصد تحقق العنوان المستأجر عليه بكل من جزئيه، فيكون الداعي بالإضافة إلى نفس الفعل أمرين: الأول: تحقق هذا الجزء من المستأجر عليه. الثاني: قصد الامتثال، فيكون من قبيل التشريك في الداعي لا من قبيل الداعي للداعي، وإنما يكون من هذا القبيل ما إذا كان المستأجر عليه نفس الامتثال، ومن البديهي أن المستأجر عليه هو العمل العبادي لا التعبد بالعمل، وإلى هذا الوجه استند المحقق التقي قدس سره في أن قصد استحقاق الأجرة في عرض قصد الامتثال لا في طوله. توجه عليه: إن مورد الإجارة إنما هو المقيد بما هو مقيد، أي العبادة المقيدة بهذا القيد لا ذات المقيد والقيد بما هما ملحوظان بنحو المعنى الاسمي، فيكون قصد تحقق العنوان المستأجر عليه كقصد استحقاق الأجرة في طول قصد الامتثال لا في عرضه، مع أن قصد تحقق العنوان المستأجر عليه غير معتبر في سقوط الأمر بالإجارة كما ستعرف.
235
1) الوسائل، باب 9، من أبواب مقدمة العبادات، حديث 1. 2) مرآة العقول، باب النية، ج 1، ص 101. 236 ... فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل، وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الأجرة، فإن طلب الحاجة من الله تعالى ولو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح في العبادة، بل ربما يؤكدها. وفيه: أن كون النفع منه تعالى لا يوجب اتصاف الفعل بعنوان حسن مضاف إلى المولى، فإن كل نفع وضرر منه تعالى، ولذا قطع الأصحاب ببطلان العبادة إذا أتى بها بداعي الثواب أو دفع العقاب كما صرح به الشهيد قدس سره ومعه لا يعقل تأكد الاخلاص والعبادية بذلك. ويمكن الجواب عن هذا الوجه - مضافا إلى ما مر - بجواب حلي أفاده بعض المحققين وهو: إن الفعل المنبعث عن دعوة الأمر عدل في العبودية، وإحسان إلى المولى، وهو من العناوين الممدوح على فاعلها بالذات، ولا يعقل تخلف هذا العنوان الحسن بالذات عن الفعل المأتي بداعي الأمر، كما لا يعقل تخلف كونه ممدوحا على فاعله عن هذا العنوان الحسن بالذات، ومن الواضح أن ترتب فائدة دنيوية على هذا الفعل الممدوح على فاعله لا يخرجه عن كونه ممدوحا على فاعله، فلا يعقل مانعيته عن وقوعه ممدوحا على فاعله مع فرض ترتبه عليه، فإن ما يتفرع على الشئ لا يعقل أن يكون مانعا عنه. مع أنه قد عرفت أن تملك الأجرة إنما يكون بالايجار، وتسلمها لا يتوقف على إتيان العبادة مع قصد القربة، فالداعي إلى الإتيان بالعمل المستأجر عليه صحيحا وعن قصد القربة الذي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب ليس إلا الاستحقاق شرعا. وبعبارة أخرى: أمر المولى بالإتيان بما اشتغلت ذمته به من العبادة والخوف من الله تعالى فهذا أيضا غرض مطلوب من الخالق. فتدبر فإنه دقيق.
237
1) المائدة: 2. 2) النساء: 30. 238 وقد يرد ذلك بأن تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد الاخلاص {1} وفيه مضافا إلى اقتضاء ذلك الفرق بين الإجارة والجعالة {2} حيث إن الجعالة لا يوجب العمل على العامل أنه إن أريد أن تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص فلا ريب أن الوجوب الحاصل بالإجارة توصلي لا يشترط في حصول
240 ما وجب به قصد القربة مع أن غرض المستدل منافاة قصد أخذ المال لتحقق الاخلاص في العمل لا لاعتباره في وجوبه وإن أريد أنه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل فهو مخالف للواقع قطعا {1} لأن ما لا يترتب عليه أجر دنيوي أخلص مما يترتب عليه ذلك بحكم الوجدان، هذا مع أن الوجوب الناشئ من الإجارة إنما يتعلق بالوفاء بعقد الإجارة ومقتضى الاخلاص المعتبر في ترتب الثواب على موافقة هذا الأمر ولو لم يعتبر في سقوطه هو إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله، فهذا المعنى ينافي وجوب اتيان العبادة لأحل استحقاقه تعالى إياه {2} ولذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء كما في الجعالة لم يمكن قصد الاخلاص مع قصد استحقاق العوض فلا إخلاص هنا حتى يؤكده وجوب الوفاء بعد الايجاب بالإجارة، فالمانع حقيقة هو عدم القدرة على ايجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض سواء كانت المعاوضة لازمة أم جائزة.
241 وأما تأتي القربة في العبادات المستأجرة {1} فلأن الإجارة إنما تقع على الفعل المأتي به تقربا إلى الله نيابة عن فلان، توضيحه أن الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان في العمل متقربا إلى الله، فالمنوب عنه يتقرب إليه تعالى بعمل نائبه و تقربه، وهذا الجعل في نفسه مستحب لأنه احسان إلى المنوب عنه وايصال نفع إليه وقد يستأجر الشخص عليه فيصير واجبا بالإجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه
243 التقرب، فالأجير إنما يجعل نفسه لأحل استحقاق الأجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا إلى الله. فالأجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به إلى الله التي مرجع نفعها إلى المنوب عنه، وهذا بخلاف ما نحن فيه لأن الأجرة هنا في مقابل العمل تقربا إلى الله لأن العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه إلا إلى العامل لأن المفروض أنه يمتثل ما وجب على نفسه بل في مقابل نفس العمل فهو يستحق نفس العمل والمفروض أن الاخلاص اتيان العمل لخصوص أمر الله تعالى. والتقرب يقع للعامل دون الباذل ووقوعه للعامل يتوقف على أن لا يقصد بالعبادة سوى امتثال أمر الله تعالى فإن قلت: يمكن للأجير أن يأتي بالفعل مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للإجارة دخل في اتيانه فيستحق الأجرة فالإجارة غير مانعة من قصد الاخلاص. قلت: الكلام في أن مورد الإجارة لا بد أن يكون عملا قابلا لأن يوفي به بعقد الإجارة ويؤتى به لأحل استحقاق المستأجر إياه، ومن باب تسليم مال الغير إليه وما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك. فإن قلت: يمكن أن يكون غاية الفعل التقرب، والمقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الأجرة كما يؤتى بالفعل تقربا إلى الله ويقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق وغيرهما من الحاجات الدنيوية. قلت: فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الأجرة. فإن طلب الحاجة من الله تعالى سبحانه ولو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل ربما يؤكدها وكيف كان فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة وهو الواجب التعبدي في الجملة إلا أن مقتضاه جواز أخذ الأجرة في التوصليات وعدم جوازه في المندوبات التعبدية فليس مطردا ولا منعكسا.
244 نعم قد استدل على المطلب بعض الأساطين في شرحه على القواعد بوجوه أقواها، أن التنافي بين صفة الوجوب والتملك ذاتي لأن المملوك والمستحق لا يملك ولا يستحق ثانيا توضيحه أن الذي يقابل المال لا بد أن يكون كنفس المال مما يملكه المؤجر حتى يملكه المستأجر في مقابل تمليكه المال إياه، فإذا فرض العمل واجبا لله ليس للمكلف تركه فيصير نظير العمل المملوك للغير {1}، ألا ترى أنه إذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص لم يجز أن يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل وليس إلا لأن الفعل صار مستحقا للأول ومملوكا له، فلا معنى لتمليكه ثانيا للآخر مع فرض بقائه على ملك الأول. وهذا المعنى موجود فيما أوجبه الله تعالى خصوصا فيما يرجع إلى حقوق الغير حيث إن حاصل الايجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل كأحكام تجهيز الميت التي جعل الشارع الميت مستحقا لها على الحي فلا يستحقها غيره ثانيا، هذا ولكن الانصاف أن هذا
246
1) الدعائم، ج 2، ص 19. 248 الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة لإمكان منع المنافاة بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل وبين استحقاق المستأجر له، وليس استحقاق الشارع للفعل وتملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمي وتملكه الذي ينافي تملك الغير و استحقاقه. ثم إن هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العيني.
251 وأما الكفائي فاستدل على عدم جواز أخذ الأجرة عليه بأن الفعل متعين له فلا يدخل في ملك آخر {1} وبعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره {2} لأنه بمنزلة قولك استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك، وفيه منع وقوع الفعل له بعد إجارة نفسه للعمل للغير فإن آثار الفعل حينئذ ترجع إلى الغير فإذا وجب انقاذ غريق كفاية أو إزالة النجاسة عن المسجد فاستأجر واحد غيره فثواب
252 الانقاذ والإزالة يقع للمستأجر {1} دون الأجير المباشر لهما، نعم يسقط الفعل عنه لقيام المستأجر به ولو بالاستنابة، ومن هذا القبيل الاستئجار للجهاد مع وجوبه كفاية على الأجير والمستأجر. وبالجملة فلم أجد دليلا على هذا المطلب وافيا بجميع أفراده عدا الاجماع الذي لم يصرح به إلا المحقق الثاني لكنه موهون بوجود القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء والمتأخرين على ما يشهد به الحكاية والوجدان. أما الحكاية فقد نقل المحقق والعلامة قدس سره وغيرهما القول بجواز أخذ الأجرة على القضاء عن بعض، فقد قال في الشرائع: أما لو أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف، وكذلك العلامة قدس سره في المختلف. وقد حكى العلامة الطباطبائي في مصابيحه عن فخر الدين وجماعة التفصيل بين العبادات وغيرها، ويكفي في ذلك ملاحظة الأقوال التي ذكرها في المسالك في باب المتاجر. وأما ما وجدناه فهو أن ظاهر المقنعة بل النهاية ومحكي المرتضى جواز الأجر على القضاء مطلقا، وأن أول بعض كلامهم بإرادة الارتزاق وقد اختار جماعة جواز أخذ الأجر عليه إذا لم يكن متعينا أو تعين وكان القاضي محتاجا، وقد صرح فخر الدين في الإيضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية وغيرها فجوز أخذ الأجرة في الأول.
253 قال في شرح عبارة والده في القواعد في الاستئجار على تعليم الفقه ما لفظه: الحق عندي أن كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف أخذ الأجرة عليه والذي وجب كفاية. فإن كان مما لو أوقعه بغير نية لم يصح ولم يزل الوجوب فلا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنه عبادة محضة. وقال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك، وغير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه إلا ما نص الشارع على تحريمه كالدفن. انتهى. نعم رده في محكي جامع المقاصد بمخالفة هذا التفصيل لنص الأصحاب. أقول: لا يخفى أن الفخر أعرف بنص الأصحاب من المحقق الثاني، فهذا والده قدس سره صرح في المختلف بجواز أخذ الأجرة على القضاء إذا لم يتعين وقبله المحقق في الشرائع غير أنه قيد صورة عدم التعيين بالحاجة ولأجل ذلك اختار العلامة الطباطبائي في مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، ومع هذا فمن أين الوثوق على إجماع لم يصرح به إلا المحقق الثاني مع ما طعن به الشهيد الثاني على اجماعاته بالخصوص في رسالته في صلاة الجمعة.
254 فالذي ينساق إليه النظر أن مقتضى القاعدة في كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز أخذ الأجرة والجعل عليه وإن كان داخلا في العنوان الذي أوجبه الله على المكلف، ثم إن صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور أو اسقاطه به أو عنده {1} سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة وإن لم يصلح استحق الأجرة {2} وبقي الواجب في ذمته لو بقي وقته وإلا عوقب على تركه. وأما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة على الفعل فلم يثبت على الإطلاق بل اللازم التفصيل فإن كان العمل واجبا عينيا تعيينيا [تعينيا] لم يجز أخذ الأجرة لأن أخذ الأجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله أكل للمال بالباطل، لأن عمله هذا لا يكون محترما لأن استيفائه منه
255 لا يتوقف على طيب نفسه لأنه يقهر عليه مع عدم طيب النفس والامتناع، ومما يشهد بما ذكرناه أنه لو فرض أن المولى أمر بعض عبيده بفعل لغرض وكان مما يرجع نفعه أو بعض نفعه إلى غيره فأخذ العبد العوض من ذلك الغير على ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا بلا عوض، ثم إنه لا ينافي ما ذكرنا حكم الشارع بجواز أخذ الأجرة على العمل، بعد ايقاعه كما أجاز للوصي أخذ أجرة المثل أو مقدار الكفاية لأن هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة، ثم لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدي من الواجب والتوصلي مضافا في التعبدي إلى ما تقدم من منافاة أخذ الأجرة على العمل للاخلاص كما نبهنا عليه سابقا، وتقدم عن الفخر قدس سره وقرره عليه بعض من تأخر عنه، ومنه يظهر عدم جواز أخذ الأجرة على المندوب إذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب. وأما الواجب التخييري فإن كان توصليا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة على أحد فرديه بالخصوص {1} بعد فرض كونه مشتملا على نفع
256 محلل للمستأجر والمفروض أنه محترم لا يقهر المكلف عليه {1} فجاز أخذ الأجرة بإزائه، فإذا تعين دفن الميت على شخص وتردد الأمر بين حفر أحد موضعين فاختار الولي أحدهما بالخصوص لصلابته أو لغرض آخر فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن وإن كان تعبديا. فإن قلنا بكفاية الإخلاص بالقدر المشترك وإن كان إيجاد خصوص بعض الأفراد لداع غير الاخلاص فهو كالتوصلي. وإن قلنا بأن اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما في القصد كان حكمه كالتعييني. وأما الكفائي فإن كان توصليا أمكن أخذ الأجرة على إتيانه لأحل باذل الأجرة فهو العامل في الحقيقة، وإن كان تعبديا لم يجز الامتثال به وأخذ الأجرة عليه، نعم يجوز النيابة إن كان مما يقبل النيابة لكنه يخرج عن محل الكلام لأن محل الكلام أخذ الأجرة على ما هو واجب على الأجير لا على النيابة فيما هو واجب على المستأجر، فافهم.
257 ثم إنه قد يفهم من أدلة وجوب الشئ كفاية كونه حقا لمخلوق يستحقه على المكلفين {1} فكل من أقدم عليه فقد أدى حق ذلك المخلوق فلا يجوز له أخذ الأجرة منه ولا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية ولعل من هذا القبيل تجهيز الميت وانقاذ الغريق بل ومعالجة الطبيب لدفع الهلاك.
258 ثم إن هنا اشكالا مشهورا وهو أن الصناعات التي تتوقف النظام عليها يجب كفاية لوجوب إقامة النظام، بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه مع أن جواز أخذ الأجرة عليها مما لا كلام لهم فيه {1}، وكذا يلزم أن يحرم على الطبيب أخذ الأجرة على الطبابة بوجوبها عليه كفاية أو عينا كالفقاهة وقد تفصى منه بوجوه: أحدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع والسيرة القطعيين {2}.
259 الثاني: الالتزام بجواز أخذ الأجرة على الواجبات إذا لم تكن تعبدية {1} و قد حكاه في المصابيح عن جماعة، وهو ظاهر كل من جوز أخذ الأجرة على القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه كما تقدم حكايته في الشرائع والمختلف عن بعض، وفيه ما تقدم سابقا من أن الأقوى عدم جواز أخذ الأجرة عليه {2}. الثالث: ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الأخذ بصورة قيام من به الكفاية فلا يكون حينئذ واجبا {3}. وفيه: إن ظاهر العمل والفتوى جواز الأخذ ولو مع بقاء الوجوب الكفائي بل مع وجوبه عينا للانحصار.
260 الرابع: ما في مفتاح الكرامة من أن المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كأحكام الموتى وتعليم الفقه دون ما يجب لغيره، كالصنائع {1}. وفيه: إن هذا التخصيص إن كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم أو عنوانات كلامهم فهو خلاف الموجود منها وإن كان الدليل يقتضي الفرق فلا بد من بيانه. الخامس: إن المنع عن أخذ الأجرة على الصناعات الواجبة لإقامة النظام، يوجب اختلال النظام لوقوع أكثر الناس في المعصية بتركها أو ترك الشاق منها و الالتزام بالأسهل فإنهم لا يرغبون في الصناعات الشاقة أو الدقيقة إلا طمعا في الأجرة وزيادتها على ما يبذل لغيرها من الصناعات، فتسويغ أهل الأجرة عليها لطف في التكليف بإقامة النظام {2}.
261 وفيه: إن المشاهد بالوجدان أن اختيار الناس للصنائع الشاقة وتحملها ناشئ عن الدواعي الأخر غير زيادة الأجرة {1} مثل عدم قابليته لغير ما يختار أو عدم ميله إليه أو عدم كونه شاقا عليه لكونه ممن نشاء في تحمل المشقة ألا ترى أن أغلب الصنائع الشاقة من الكفائيات كالفلاحة والحرث والحصاد وشبه ذلك لا تزيد أجرتها على الأعمال السهلة. السادس: إن الوجوب في هذه الأمور مشروط بالعوض {2} قال بعض الأساطين بعد ذكر ما يدل على المنع عن أخذ الأجرة على الواجب. أما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط فتعلق الإجارة به قبله لا مانع منه ولو كانت هي الشرط في وجوبه فكل ما وجب كفاية من حرف وصناعات لم تجب إلا بشرط العوض بإجارة أو جعالة أو نحوهما، فلا فرق بين وجوبها العيني للانحصار ووجوبها الكفائي لتأخر الوجوب عنه وعدمه قبلها كما أن بذل الطعام و الشراب للمضطر إن بقي على الكفاية أو تعين يستحق فيه أخذ العوض على الأصح لأن وجوبه مشروط بخلاف ما وجب مطلقا بالأصالة كالنفقات أو بالعارض كالمنذور ونحوه، انتهى كلامه قدس سره. وفيه: إن وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض، لأنه لإقامة النظام التي هي من الواجبات المطلقة فإن الطبابة والفصد والحجامة وغيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة في بعض الأوقات واجبة بذل له العوض أم لم يبذل.
262 السابع: إن وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها، وإنما ثبت من حيث الأمر بإقامة النظام {1} وإقامة النظام غير متوقفة على العمل تبرعا بل تحصل به وبالعمل بالأجرة فالذي يجب على الطبيب لأحل إحياء النفس وإقامة النظام هو بذل نفسه للعمل لا بشرط التبرع به بل له أن يتبرع به وله أن يطلب الأجرة، وحينئذ فإن بذل المريض الأجرة وجب عليه العلاج وإن لم يبذل الأجرة والمفروض أدا ترك العلاج إلى الهلاك أجبره الحاكم حسبة على بذل الأجرة فيستحق الأجرة في ماله وإن لم يكن له مال. ففي ذمته فيؤدى في حياته أو بعد مماته من الزكاة أو غيرها. وبالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه بناء على المشهور. وأما ما أمر به من باب إقامة النظام فإقامة النظام تحصل ببذل النفس للعمل به في الجملة. وأما العمل تبرعا فلا، وحينئذ فيجوز طلب الأجرة من المعمول له إذا كان أهلا للطلب منه، و قصدها إذا لم يكن ممن يطلب منه كالغائب ا لذي يعمل فيما له عمل لدفع الهلاك عنه، وكالمريض المغمى عليه وفيه أنه إذا فرض وجوب احياء النفس وجب العلاج لكونه مقدمة له فأخذ الأجرة عليه غير جائز فالتحقيق على ما ذكرنا سابقا أن الواجب إذا كان عينيا تعينيا لم يجز أخذ الأجرة عليه ولو كان من الصناعات فلا يجوز للطبيب أخذ الأجرة على بيان الدواء أو تشخيص الداء.
263 وأما أخذ الوصي الأجرة على تولي أموال الطفل الموصى عليه الشامل بإطلاقه لصورة تعين العمل عليه {1} فهو من جهة الاجماع والنصوص المستفيضة على أن له أن يأخذ شيئا {2}، وإنما وقع الخلاف في تعيينه فذهب
264 جماعة إلى أن له أجرة المثل حملا للأخبار على ذلك، ولأنه إذا فرض احترام عمله بالنص والاجماع فلا بد من كون العوض أجرة المثل. وبالجملة فملاحظة النصوص والفتاوى في تلك المسألة يرشد إلى خروجها عما نحن فيه وأما باذل المال للمضطر {1} فهو إنما يرجع بعوض المبذول لا بأجرة البذل {2} فلا يرد نقضا في المسألة.
1) الوسائل، باب 72، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 265 وأما رجوع الأم المرضعة بعوض ارضاع اللباء مع وجوبه عليها {1} بناء على توقف حياة الولد عليه، فهو أما من قبيل بذل المال للمضطر {2} وأما من قبيل رجوع الوصي بأجرة المثل من جهة عموم آية: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فافهم {3}.
266 وإن كان كفائيا جاز الاستيجار عليه فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه عنه، وعن غيره وإن لم يحصل الامتثال ومن هذا الباب أخذ الطبيب الأجرة على حضوره عند المريض {1} إذا تعين عليه علاجه، فإن العلاج وإن كان معينا عليه إلا أن الجمع بينه وبين المريض مقدمة للعلاج واجب كفائي بينه وبين أولياء المريض فحضوره أداء للواجب الكفائي كإحضار الأولياء إلا أنه لا بأس بأخذ الأجرة عليه، نعم يستثنى من الواجب الكفائي ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير {2} يستحقه من المكلف كما قد يدعى أن الظاهر من أدلة وجوب تجهيز الميت أن للميت حقا على الاحياء في التجهيز فكل من فعل شيئا منه في الخارج فقد أدى حق الميت فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، وكذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه وما يحتاج إليه كصيغة النكاح ونحوها لكن تعيين هذا يحتاج إلى لطف قريحة. هذا تمام الكلام في أخذ الأجرة على الواجب. وأما الحرام فقد عرفت عدم جواز أخذ الأجرة عليه.
267 وأما المكروه والمباح فلا اشكال في جواز أخذ الأجرة عليهما. وأما المستحب والمراد منه ما كان له نفع قابل لأن يرجع إلى المستأجر ليصح الإجارة من هذه الجهة فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز أخذ الأجرة عليه لأن الموجود من هذا الفعل في الخارج لا يتصف بالاستحباب إلا مع الاخلاص الذي ينافيه اتيان الفعل لاستحقاق المستأجر إياه كما تقدم في الواجب، وحينئذ فإن كان حصول النفع المذكور منه متوقفا على نية القربة لم يجز أخذ الأجرة عليه {1} كما إذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدى به لأن المفروض بعد الإجارة عدم تحقق الاخلاص والمفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه عائد إلى المستأجر وما يخرج بالإجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به لم يجز الاستئجار عليه، ومن هذا القبيل الاستئجار على العبادة لله تعالى أصالة لا نيابة و اهداء ثوابها إلى المستأجر، فإن ثبوت الثواب للعامل موقوف على قصد الاخلاص المنفي مع الإجارة وإن كان حصول النفع غير متوقف على الاخلاص جاز الاستئجار عليه {2} كبناء المساجد وإعانة المحاويج، فإن من بنى لغيره مسجدا عاد إلى الغير نفع بناء المسجد وهو ثوابه وإن لم يقصد البناء من عمله إلا أخذ الأجرة وكذا من استأجر غيره لإعانة المحاويج والمشي في حوائجهم، فإن الماشي لا يقصد إلا الأجرة إلا أن نفع المشي عائد إلى المستأجر.
268 ومن هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه في العبادات {1} التي تقبل النيابة كالحج والزيارة ونحوهما، فإن نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر وإن كان مستحبا إلا أن ترتب الثواب للمنوب عنه وحصول هذا النفع له لا يتوقف على قصد النائب الاخلاص في نيابته بل متى جعل نفسه بمنزلة الغير وعمل العمل بقصد التقرب الذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الاخلاص في امتثال أوامر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت إليها أصلا، ولم يعلم بوجودها فضلا عن أن يقصد امتثالها، ألا ترى أن أكثر العوام
269 الذين يعملون الخيرات لأمواتهم لا يعلمون ثبوت الثواب لأنفسهم في هذه النيابة، بل يتخيل (يتخيلون) النيابة مجرد احسان إلى الميت لا يعود نفع منه إلى نفسه، والتقرب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا هو تقرب المنوب عنه لا تقرب النائب، فيجوز أن ينوب لأحل مجرد استحقاق الأجرة عن فلان بأن ينزل نفسه منزلته في اتيان الفعل قربة إلى الله، ثم إذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الإجارة فالأجير غير متقرب في نيابته لأن الفرض عدم علمه أحيانا بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب، لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره فهو متقرب بوصف كونه بدلا ونائبا عن الغير فالتقرب يحصل للغير. فإن قلت الموجود في الخارج من الأجير ليس إلا الصلاة عن الميت مثلا و هذا متعلق الإجارة والنيابة، فإن لم يمكن الاخلاص في متعلق الإجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت، وإن أمكن الاخلاص لم يناف لأخذ الأجرة كما ادعيت وليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها إلى الله تعالى شيئا، ونفس الصلاة شيئا آخر حتى يكون الأول متعلقا للإجارة، والثاني: موردا للاخلاص قلت: القربة المانع اعتبارها من تعلق الإجارة هي المعتبرة في نفس متعلق الإجارة، وإن اتحد خارجا مع ما يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للإجارة فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه إلى المباح والراجح والمرجوح وفعل للمنوب عنه، بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال {1}.
270 وبهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية والأخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة والإجارة تتعلق به بالاعتبار الأول: والتقرب بالاعتبار الثاني {1}، فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان نيابة صادرة عن الأجير النائب، فيقال: نائب عن فلان، وفعل كأنه صادر عن المنوب عنه فيمكن أن يقال على سبيل المجاز صلى فلان، ولا يمكن أن يقال ناب فلان فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار على الأول الذي لا يعتبر فيه القربة، وقد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوى وعملا من جواز الاستئجار على العبادات للميت وأن الاستشكال
271 في ذلك بمنافاة ذلك لاعتبار التقرب فيها ممكن الدفع خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستئجار للحج ودعوى خروجه بالنص فاسدة لأن مرجعها إلى عدم اعتبار القربة في الحج وأضعف منها دعوى أن الاستئجار على المقدمات كما لا يخفى مع أن ظاهر ما ورد في استئجار مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده إسماعيل كون الإجارة على نفس الأفعال.
272 ثم اعلم أنه كما لا يستحق الغير بالإجارة ما وجب على المكلف على وجه العبادة كذلك، لا يؤتى على وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالإجارة {1}.
275 فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمى عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه {1} كما صرح به في المختلف.
276 بل كذلك لو استؤجر لحمل غيره في الطواف {1} كما صرح به جماعة تبعا للإسكافي لأن المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه، لكن ظاهر جماعة جواز الاحتساب في هذه الصورة لأن استحقاق الحمل غير استحقاق الإطافة به كما لو استؤجر لحمل متاع وفي المسألة أقوال، قال في الشرائع ولو حمله حامل في الطواف أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه {2}، انتهى. وقال في المسالك هذا إذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه، أما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل لأن الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره فلا يجوز صرفها إلى نفسه، و في المسألة أقوال هذا أجودها انتهى. وأشار بالأقوال إلى القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع وظاهر القواعد على اشكال، والقول الآخر ما في الدروس من أنه يحتسب لكل من الحامل والمحمول ما لم يستأجره للحمل لا في طوافه، انتهى. والثالث: ما ذكره في المسالك من التفصيل. والرابع: ما ذكره بعض محشي الشرائع من استثناء صورة الاستئجار على الحمل. والخامس: الفرق بين الاستئجار للطواف به وبين الاستئجار لحمله في الطواف وهو ما اختاره في المختلف، وبنى فخر الدين في الإيضاح جواز الاحتساب في صورة الاستئجار للحمل التي استشكل والده قدس سره فيها على أن ضم نية التبرد إلى الوضوء قادح أم لا والمسألة مورد نظر وإن كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه.
277 ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستئجار على المستحب إذا كان من العبادات أنه لا يجوز أخذ الأجرة على أذان المكلف لصلاة نفسه {1} إذا كان مما يرجع نفع منه إلى الغير يصح لأجله الاستئجار كالاعلام بدخول الوقت
1) الوسائل، باب 50، من أبواب الطواف، حديث 3، كتاب الحج. 2) الوسائل، باب 50، من أبواب الطواف، حديث 4. 279 أو الإجتزاء به في الصلاة وكذا أذان المكلف للإعلام عند الأكثر كما عن الذكرى و على الأشبه كما في الروضة وهو المشهور كما في المختلف ومذهب الأصحاب إلا من شذ كما عنه وعن جامع المقاصد، وبالإجماع كما عن محكي المختلف بناء على أنها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله، فلا يجوز أن يستحقها الغير. وفي رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه أتاه رجل، فقال له: والله إني أحبك لله، فقال له: لكني أبغضك لله، قال: ولم؟ قال: لأنك تبغي في الأذان أجرا وتأخذ على تعليم القرآن أجرا {1}. وفي رواية حمران الواردة في فساد الدنيا واضمحلال الدين. وفيها قوله عليه السلام ورأيت الأذان بالأجرة والصلاة بالأجر، ويمكن أن يقال: إن مقتضى كونها عبادة عدم حصول الثواب إذا لم يتقرب بها لافساد الإجارة مع فرض كون العمل مما ينتفع به وإن لم يتقرب به، نعم لو قلنا: بأن الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتى بالأذان الذي لا يتقرب به صح ما ذكر لكن ليس كذلك، وأما الروايات فضعيفة، ومن هنا استوجه الحكم بالكراهة في الذكرى والمدارك ومجمع البرهان والبحار بعد أن حكى عن علم الهدى قدس سره.
1) الوسائل، باب 32، من أبواب الشهادات، حديث 6. 2) الوسائل، باب 41، من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف، حديث 6. 3) الوسائل، باب 30 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 280 أخذ الأجرة على الإمامة ولو اتضحت دلالة الروايات {1} أمكن جبر سند الأولى بالشهرة مع أن رواية حمران حسنة على الظاهر بابن هاشم.
1) الوسائل، باب 38، من أبواب الأذان والإقامة، حديث 1. 281 ومن هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الأجرة على الإمامة {1} مضافا إلى موافقتها للقاعدة المتقدمة من أن ما كان انتفاع الغير به موقوفا على تحققه على وجه الاخلاص فلا يجوز الاستئجار عليه لأن شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لأحل استحقاق المستأجر له حتى يكون وفاء بالعقد، وما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك، ثم إن من الواجبات التي يحرم أخذ الأجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة بناء على وجوبه {2} كما هو أحد الأقوال في المسألة لقوله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) المفسر في الصحيح بالدعاء للتحمل، وكذلك أداء الشهادة لوجوبه عينا أو كفاية وهو مع الوجوب العيني واضح.
282 وأما مع الوجوب الكفائي فلأن المستفاد من أدلة الشهادة كون التحمل و الأداء حقا للمشهود له على الشاهد، فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض للزوم مقابلة حق الشخص بشئ من ماله فيرجع إلى أكل المال بالباطل {1} ومنه يظهر أنه كما لا يجوز أخذ الأجرة من المشهود له، كذلك لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية إذا استأجره لفائدة اسقاطها عن نفسه، ثم إنه لا فرق في حرمة الأجرة بين توقف التحمل أو الأداء على قطع مسافة طويلة وعدمه.
283 نعم لو احتاج إلى بذل مال فالظاهر عدم وجوبه {1} ولو أمكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة فله أن يمتنع من الحضور ويطلب الاحضار بقي الكلام في شئ {2} وهو أن كثيرا من الأصحاب صرحوا في كثير من الواجبات والمستحبات التي يحرم أخذ الأجرة عليها بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين وليس المراد أخذ الأجرة أو الجعل من بيت المال لأن ما دل على تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال أو من غيره، بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب أدائه إليه عينا أو كفاية فيكون أكل المال بإزائه أكلا له بالباطل كان اعطائه العوض من بيت المال أولى بالحرمة لأنه تضييع له واعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون على العامل. بل المراد أنه إذا قام المكلف بما يجب عليه كفاية أو عينا مما يرجع إلى مصالح المؤمنين (المسلمين) وحقوقهم كالقضاء والافتاء والأذان والإقامة ونحوها ورأي ولي المسلمين المصلحة في تعيين شئ من بيت المال له في اليوم أو الشهر أو السنة من جهة قيامه بذلك الأمر لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته فيعين له ما يرفع حاجته وإن كان أزيد من أجرة المثل أو أقل منها ولا فر. ق بين أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام أو قبله حتى أنه لو قيل له اقض في البلد وأنا أكفيك مؤونتك من بيت المال جاز ولم يكن جعالة، وكيف كان فمقتضى القاعدة عدم جواز الارتزاق إلا مع الحاجة على وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المؤونة. فالارتزاق مع الاستغناء ولو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز ويظهر من اطلاق جماعة في باب القضاء خلاف ذلك بل صرح غير واحد بالجواز مع وجدان الكفاية.
284 خاتمة تشتمل على مسائل الأولى: صرح جماعة كما عن النهاية والسرائر والتذكرة والدروس وجامع المقاصد بحرمة بيع المصحف {1} والمراد به كما صرح به في الدروس خطه وظاهر المحكي عن نهاية الأحكام اشتهارها بين الصحابة حيث تمسك على الحرمة بمنع الصحابة وعليه تدل ظواهر الأخبار المستفيضة.
285 ففي موثقة سماعة لا تبيعوا المصاحف فإن بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها، قال: اشتر منه الدفتين والحديد والغلاف وإياك أن تشتري منه الورق. وفيه القرآن مكتوب فيكون عليك حراما وعلى من باعه حراما {1}، ومضمرة عثمان ابن عيسى قال: سألته عن بيع المصاحف وشرائها، قال [فقال] لا تشتر كلام الله ولكن اشتر الجلد والحديد والدفة (الدفتين) وقل أشتري منك هذا بكذا وكذا. ورواه في الكافي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ورواية جراح المدائني في بيع المصاحف، قال: لا تبع الكتاب ولا تشتره وبع الورق والأديم والحديد.
1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11. 286 {1} ورواية عبد الله بن سيابة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن المصاحف لن تشتري فإذا اشتريت فقل: إنما اشترى منك الورق وما فيه من الأديم وحليته وما فيه من عمل يدك بكذا وكذا. وظاهر قوله عليه السلام أن المصاحف لن تشتري أنها لا تدخل في ملك أحد على وجه العوضية عما بذله من الثمن، وأنها أجل من ذلك ويشير إليه تعبير الإمام في بعض الأخبار بكتاب الله وكلام الله الدال على التعظيم وكيف كان، فالحكم في المسألة واضح بعد الأخبار وعمل من عرفت حتى مثل الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد.
1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7. 3) نفس المصدر، حديث 2. 287 {1} وربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الأخبار عن ظواهرها مثل رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع المصاحف وشرائها، قال: إنما كان يوضع الورق عند القامة والمنبر، قال: وكان بين الحائط والمنبر قدر ممر شاة أو رجل و هو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب السورة (البقرة) ويجئ آخر فيكتب السورة، وكذلك كانوا ثم إنهم اشتروا بعد ذلك، قلت: فما ترى في ذلك؟ قال: أشتريه أحب إلى من أن أبيعه ومثله رواية روح بن عبد الرحيم. وزاد فيه قلت: فما ترى أن أعطى على كتابته أجرا قال: لا بأس ولكن هكذا كانوا يصنعون فإنها تدل على جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك وقوله أشتريه أحب إلى من أن أبيعه ونفي البأس عن الاستئجار لكتابته كما في أخبار أخر غيرها، فيجوز تملك الكتابة بالأجرة فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها ومن القرطاس وغيرهما لكن الانصاف أن لا دلالة فيها على جواز اشتراء خط المصحف، وإنما تدل على أن تحصيل المصحف في الصدر الأول كان بمباشرة كتابته ثم قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم و حصلوا المصاحف بأموالهم شراء واستئجارا ولا دلالة فيه على كيفية الشراء وأن الشراء والمعاوضة لا بد أن لا يقع إلا على ما عدا الخط من القرطاس وغيره.
1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8. 2) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9. 288 وفي بعض الروايات دلالة على أن الأولى مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه أن يستكتب بلا شرط ثم يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أم عبد الله بنت الحسن أرادت أن تكتب مصحفا فاشترت ورقا من عندها ودعت رجلا فكتب لها على غير شرط فأعطته فرغ خمسين دينارا وأنه لم تبع المصاحف إلا حديثا، ومما يدل على الجواز رواية عنبسة الوراق قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أني رجل أبيع المصاحف، فإن نهيتني لم أبعها، قال: ألست تشتري ورقا وتكتب فيه، قلت: نعم وأعالجها قال: لا بأس بها وهي وإن كانت ظاهرة في الجواز إلا أن ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع في مقام الحاجة إلى البيان فلا تعارض ما تقدم من الأخبار المتضمنة للبيان {1}. و كيف كان فالأظهر في الأخبار ما تقدم من الأساطين المتقدم إليهم الإشارة.
1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 289
1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 13. 290 بقي الكلام في المراد من حرمة البيع والشراء {1} بعد فرض أن الكاتب للمصحف في الأوراق المملوكة مالك للأوراق، وما فيها من النقوش فإن النقوش إن لم تعد من الأعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش الذي تتفاوت قيمته بوجودها وعدمها فلا حاجة إلى النهي عن بيع الخط فإنه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتى يقع في حيز البيع وإن عدت من الأعيان المملوكة عرفا، فإن فرض بقائها على ملك البائع بعد بيع الورق والجلد فيلزم شركته مع المشتري وهو خلاف الاتفاق وإن انتقلت إلى المشتري فإن كان بجزء من العوض فهو البيع المنهي عنه. لأن بيع المصحف المركب من الخط وغيره ليس إلا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط وإن انتقلت إليه قهرا تبعا لغيره لا لجزء من العوض نظير بعض ما يدخل في المبيع فهو خلاف مقصود المتبايعين مع أن هذا كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه لا الورق والنقوش، فإن النقوش غير مملوكة بحكم الشارع مجرد تكليف صوري إذ لا أظن أن يعطل أحكام الملك فلا تجري على الخط المذكور إذا بنينا على أنه ملك عرفا قد نهى عن المعاوضة عليه، بل الظاهر أنه إذا لم يقصد بالشراء إلا الجلد والورق كان الخط باقيا علي ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة. فالظاهر أنه لا مناص عن التزام التكليف الصوري أو يقال إن الخط لا يدخل في الملك شرعا، وإن دخل فيه عرفا فتأمل. ولأجل ما ذكرنا التجأ بعض إلى الحكم بالكراهة وأولوية الاقتصار في المعاملة على ذكر الجلد والورق بترك إدخال الخط فيه احتراما، وقد تعارف إلى الآن تسمية ثمن القرآن هدية.
291 ثم إن المشهور بين العلامة قدس سره ومن تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر {1} على الوجه الذي يجوز بيعه من المسلم، ولعله لفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للمسلم {2} وأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه {3} فإن الشيخ قدس سره قد استدل به على عدم تملك الكافر للمسلم.
1) الوسائل، باب 28، من أبواب عقد البيع وشروطه. 2) الوسائل، باب 11 من أبواب موانع الإرث، حديث 11. 293 ومن المعلوم أن ملك الكافر للمسلم إن كان علوا على الاسلام فملكه للمصحف أشد علوا عليه ولذا لم يوجد هنا قول بتملكه واجباره على البيع كما قيل به في العبد المسلم، وحينئذ فلو كفر المسلم انتقل مصحفه إلى وارثه ولو كان الوارث هو الإمام هذا،، ولكن ذكر في المبسوط في باب الغنائم أن ما يوجد في دار الحرب من المصاحف والكتب التي ليست بكتب الزندقة والكفر داخل في الغنيمة و يجوز بيعها. وظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف وإلا لم يكن وجه لدخولها في الغنيمة بل كانت من مجهول المالك المسلم وإرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.
294 والظاهر أن أبعاض المصحف في حكم الكل {1} إذا كانت مستقلة. وأما المتفرقة في تضاعيف غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه أو معناه فلا يبعد عدم اللحوق لعدم تحقق الإهانة {2} وفي إلحاق الأدعية المشتملة على أسماء الله تعالى كالجوشن الكبير مطلقا، أو مع كون الكافر ملحدا بها دون المقر بالله المحترم {3} لأسمائه لعدم الإهانة والعلو وجوه.
296 وفي إلحاق الأحاديث النبوية بالقرآن وجهان: حكى الجزم به عن الكركي وفخر الدين (قدس سرهما) والتردد بينها عن التذكرة وعلى اللحوق فيلحق اسم النبي صلى الله عليه وآله بطريق أولى لأنه أعظم من كلامه {1} وحينئذ فيشكل أن يملك الكفار الدراهم والدنانير المضروبة في زماننا المكتوب عليها اسم النبي صلى الله عليه وآله إلا أن يقال إن المكتوب فيها غير مملوك عرفا ولا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث إنه اسمه صلى الله عليه وآله جزء من الثمن فهو كاسمه المبارك المكتوب على سيف أو على باب دار أو جدار إلا أن يقال إن مناط الحرمة التسليط لا المعاوضة، بل ولا التمليك و يشكل أيضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادي بمسه إياه خصوصا مع الرطوبة. الثانية: جوائز السلطان وعماله {2} بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا لا يخلو عن أحوال لأنه إما أن لا يعلم في جملة أموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال. وإما أن يعلم وعلى الثاني فإما أن لا يعلم أن ذلك المحرم أو شيئا منه هو داخل في المأخوذ. وإما أن يعلم ذلك وعلى الثاني فإما أن يعلم تفصيلا. وإما أن يعلم اجمالا فالصور أربع:
297 أما الأولى: فلا اشكال فيها في جواز الأخذ وحلية التصرف {1}.
298 للأصل والاجماع {1} والأخبار الآتية {2}.
1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 299 لكن ربما يوهم بعض الأخبار أنه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له {1} مثل ما عن الإحتجاج عن الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا (مستحل) لما في يده ولا يتورع (يرع) عن أخذ ماله ربما نزلت في قرية وهو فيها أو أدخل منزله، وقد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم أكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة وكم مقدار الصدقة وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فيدعوني إلى أن أنال منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شئ إن أنا نلت منه، الجواب إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فاقبل بره وإلا فلا بناء على أن الشرط في الحلية هو وجود مال آخر فإذا لم يعلم به لم يثبت الحل لكن هذه الصورة قليل التحقق.
1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15. 300 أما الثانية: فإن كانت الشبهة فيها غير محصورة {1} فحكمها كالصورة الأولى {2} وكذا إذا كانت محصورة بين ما لا يبتلي المكلف به وبين ما من شأنه الابتلاء به كما إذا علم أن الواحد المردد بين هذه الجائزة وبين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب وذلك لما تقرر في الشبهة المحصورة من اشتراط تنجز تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعي بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا، لو فرض كونه هو المحرم الواقعي لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه في أحدهما في المثال، فإن التكليف غير منجز بالحرام الواقعي على أي تقدير لاحتمال كون المحرم في المثال هي أم الولد وتوضيح المطلب في محله.
301 ثم إنه صرح جماعة بكراهة الأخذ {1}. وعن المنتهى الاستدلال له باحتمال الحرمة وبمثل قولهم عليهم السلام دع ما يريبك و قولهم عليهم السلام من ترك الشبهات نجى من المحرمات {2} الخ.
1) الوسائل، باب 12، من أبواب صفات القاضي. 2) نفس المصدر. 303 وربما يزاد على ذلك بأن أخذ المال منهم يوجب محبتهم فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ويترتب عليه من المفاسد مالا يخفى {1}. وفي الصحيح أن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله {2} وما عن الإمام الكاظم من قوله عليه السلام: لولا أني أرى من أزوجه بها من عزاب آل [بني] أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا {3}.
1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 2) الوسائل، باب 50، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11. 304 ثم إنهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور: منها أخبار المجيز بحليته بأن {1} يقول هذه الجائزة من تجارتي أو زراعتي أو نحو ذلك مما يحل للأخذ التصرف فيه، وظاهر المحكي عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق أنه مما لا خلاف فيه واعترف ولده في المناهل بأنه لم يجد له مستندا مع أنه لم يحك التصريح به إلا عن الأردبيلي، ثم عن العلامة الطباطبائي ويمكن أن يكون المستند ما دل على قبول قول ذي اليد فيعمل بقوله كما لو قامت البينة على تملكه {2} وشبهة الحرمة وإن لم ترتفع بذلك إلا أن الموجب للكراهة ليس مجرد
305 الاحتمال وإلا لعمت الكراهة أخذ المال من كل أحد، بل الموجب له كون الظالم مظنة الظلم والغصب {1} وغير متورع عن المحارم نظير كراهة سؤر من لا يتوقى النجاسة، وهذا المعنى يرتفع بأخباره إلا إذا كان خبره كيده مظنة للكذب لكونه ظالما غاصبا فيكون خبره حينئذ كيده وتصرفه غير مفيد إلا للإباحة الظاهرية الغير المنافية للكراهة فيخص (فيختص) الحكم برفع الكراهة بما إذا كان مأمونا في خبره، وقد صرح الأردبيلي قدس سره بهذا القيد في أخبار وكيله وبذلك يندفع ما يقال من أنه لا فرق بين يد الظالم وتصرفه وبين خبره في كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط، فلا وجه لوجود الكراهة الناشئة عن حسن الاحتياط مع اليد وارتفاعها مع الاخبار فتأمل. ومنها اخراج الخمس {2} منه حكي عن المنتهي والمحقق الأردبيلي قدس سره، و ظاهر الرياض هنا أيضا عدم الخلاف، ولعله لما ذكر في المنتهى في وجه استحباب اخراج الخمس من هذا المال من أن الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام فمحتمل الحرمة أولى بالتطهير {3} به، فإن مقتضى الطهارة بالخمس صيرورة
306 المال حلالا واقعيا فلا يبقى حكم الشبهة كما لا يبقى في المال المختلط يقينا بعد اخراج الخمس. نعم {لكن] يمكن الخدشة في أصل الاستدلال بأن الخمس إنما يطهر المختلط بالحرام حيث إن بعضه حرام وبعضه حلال فكأن الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام {1} فمعنى تطهيره تخليصه باخراج الخمس مما فيه من الحرام، فكان المقدار الحلال طاهرا في نفسه إلا أنه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام بحكم الحرام وهو وجوب الاجتناب، فإخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية. وأما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما، وقذرا ذاتيا فلا معنى لتطهيره باخراج خمسه بل المناسب لحكم الأصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين، ولازمه أن المال المحتمل الحرمة غير قابل للتطهير فلا بد من الاجتناب عنه.
307 نعم يمكن أن يستأنس أو يستدل على استحباب الخمس بعد فتوى النهاية التي هي كالرواية ففيها كفاية {1} في الحكم بالاستحباب وكذلك فتوى السرائر مع عدم العمل فيها إلا بالقطعيات.
308 بالموثقة المسؤول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا إلا أن لا يقدر على شئ يأكل ويشرب ولا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شئ، فليبعث بخمسه إلى أهل البيت {1} فإن موردها وإن كان ما يقع في يده بإزاء العمل إلا أن الظاهر عدم الفرق بينه وبين ما يقع في اليد على وجه الجائزة. ويمكن أن يستدل له أيضا بما دل على وجوب الخمس في الجائزة مطلقا {2} وهي عدة أخبار مذكورة في محلها، وحيث إن المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة حملوا تلك الأخبار على الاستحباب، ثم إن المستفاد مما تقدم من إعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم، ومن غيره أن الكراهة ترتفع بكل مصلحة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة {3}.
1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يجب فيه الخمس. 309 ويمكن أن يكون اعتذاره عليه السلام إشارة {1} إلى أنه لولا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها فيجب أو ينبغي أن يأخذها ثم يصرفها في مصارفها وهذه الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة أخذ الجائزة والمتفق عليه من صورها صورة عدم العلم بالحرام في ماله أصلا أو العلم بوجود الحرام مع كون الشبهة غير محصورة أو محصورة ملحقة بغير المحصورة على ما عرفت، وإن كانت الشبهة محصورة {2} بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم إجمالا فظاهر جماعة المصرح به في المسالك وغيره الحل وعدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا.
310 قال في الشرائع: جوائز السلطان الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام، ونحوه عن نهاية الأحكام والدروس وغيرهما، قال في المسالك التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها وإن علم أن في ماله مظالم كما هو مقتضى حال الظالم ولا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع للنص على ذلك، انتهى.
311 أقول: ليس في أخبار الباب ما يكون حاكما على قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة بل هي مطلقة أقصاها كونها من قبيل قولهم عليهم السلام كل شئ لك حلال أو كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال، وقد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك فلا بد حينئذ من حمل الأخبار على مورد لا يقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة الغير المحصورة أو المحصورة التي لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف أو على أن ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء يجوز أخذه حملا لتصرفه على الصحيح {1} أو لأن تردد الحرام بين ما ملكه الجائر وبين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلى به المكلف، وما لم يبتل به وهو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه وبين ما لم يعرضه لتمليكه {2}.
312
1) الوسائل، باب 17، من أبواب كيفية الحكم، حديث 1. 313 فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي غير منجز عليه كما أشرنا إليه سابقا فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة كما إذا أراد أخذ شئ من ماله مقاصة أو أذن له الجائر في أخذ شئ من أمواله على سبيل التخيير، أو علم أن المجيز قد أجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام بناء على أن اليد لا تؤثر في حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه كما لو علمنا أن الشخص أعارنا أحد الثوبين المشتبهين في نظره فإنه لا يحكم بطهارته. فالحكم في هذه الصور بجواز أخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه [عنه] وطرح قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة في غاية الاشكال بل الضعف فلنذكر النصوص الواردة في هذا المقام و
315 نتكلم في مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره حتى يعلم عدم نهوضها للحكومة على القاعدة. فمن الأخبار التي استدل بها في هذا المقام قوله عليه السلام كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه وقوله عليه السلام كل شئ لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه {1} ولا يخفى أن المستند في المسألة لو كان مثل هذا لكان الواجب. أما التزام أن القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين أو أن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الأصحاب.
1) الوسائل، باب 61، من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 2. 2) نفس المصدر، حديث 1. 3) الوسائل، باب 61، من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 7 وباب 4، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 316 وعلى أي تقدير، فهو على طرف النقيض مما تقدم عن المسالك {1}.
1) الوسائل، باب 5، من أبواب الربا حديث 3. 2) الوسائل، باب 4، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 317 ومنها صحيحة أبي ولاد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم، وأنا أمر به وأنزل عليه فيضيفني و يحسن إلى وربما أمر لي بالدراهم والكسوة، وقد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: كل وخذ منها فلك المهنأ [الحظ] وعليه الوزر، والاستدلال به على المدعى لا يخلو عن نظر {1} لأن الاستشهاد إن كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز للسائل فلا يخفى أن الظاهر من هذه الرواية ومن غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، وأن العمل للسلطان من المكاسب المحرمة فالحكم بالحل ليس إلا من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان بل مما اقترضه أو اشتراه في الذمة.
1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3. 2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 318 وأما من حيث إن ما يقع من العامل بيد السائل لكونه من مال السلطان حلال لمن وجده فيتم الاستشهاد لكن فيه مع أن الاحتمال الأول مسقط للاستدلال على حل المشتبه المحصور الذي تقضي القاعدة لزوم الاحتياط فيه لأن الاعتماد حينئذ على اليد كما فرض مثله في غير الظلمة أن الحكم بالحل على هذا الاحتمال غير وجيه إلا على تقدير كون المال المذكور من الخراج والمقاسمة المباحين للشيعة إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير المالك بغير رضاه لأن المفروض حرمته على العامل لعدم احترام عمله {1} وكيف كان. فالرواية أما من أدلة حل مال السلطان المحمول بحكم الغلبة إلى الخراج والمقاسمة. وأما من أدلة حل المال المأخوذ من المسلم لاحتمال كون المعطي مالكا له ولا اختصاص له بالسلطان أو عماله أو مطلق الظالم أو غيره. وأين هذا من هذا المطلب الذي هو حل ما في يد الجائر مع العلم إجمالا بحرمة بعضه المقتضي مع حصر الشبهة للاجتناب عن جميعه.
319 ومما ذكرنا يظهر الكلام في مصححة أبي المعزا أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم أخذها، قال: نعم وقلت: وأحج بها قال: وحج بها. ورواية محمد بن هشام أمر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها قال: نعم، قلت: و أحج بها. قال: نعم، وحج بها. ورواية محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام جوائز السلطان ليس بها بأس إلى غير ذلك من الاطلاقات {1} التي لا تشمل من صورة العلم الاجمالي
1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 3) نفس المصدر، حديث 5. 3) نفس المصدر، حديث 3. 320 بوجود الحرام إلا الشبهة الغير المحصورة {1} وعلى تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالي مع انحصار الشبهة فلا تجدي لأن الحل فيها مستند إلى تصرف الجائر بالإباحة والتمليك وهو محمول على الصحيح مع أنه لو أغمض النظر عن هذا أورد بشمول الأخبار لما إذا أجاز الجائر من المشتبهات في نظره بالشبهة المحصورة ولا يجري هنا أصالة الصحة في تصرفه يمكن استناد الحل فيها إلى ما ذكرنا سابقا من أن تردد الحرام بين ما أباحه الجائر أو ملكه وبين ما بقي تحت يده من الأموال التي لا دخل فيها للشخص المجاز تردد بين ما ابتلى به المكلف من المشتبهين، وبين ما لم يبتل به ولا يجب الاجتناب حينئذ عن شئ منهما من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها من موارد الاشتباه مع كون أحد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به. ثم لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين لم ينهض للحكومة على قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة {2} كما لا ينهض ما تقدم من قولهم عليهم السلام كل شئ حلال، الخ.
321 ومما ذكرنا يظهر أن اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا إن كان شاملا لصورة العلم الاجمالي بوجود حرام في الجائزة مردد بين هذا وبين غيره مع انحصار الشبهة فهو مستند إلى حمل تصرفه على الصحة أو إلى عدم الاعتناء بالعلم الاجمالي لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة. نعم قد يخدش في حمل تصرف الظالم على الصحيح من حيث إنه مقدم على التصرف فيما في يده من المال المشتمل على الحرام على وجه عدم المبالاة بالتصرف في الحرام فهو كمن أقدم على ما في يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام، ولم يقل أحد بحمل تصرفه حينئذ على الصحيح لكن الظاهر أن هذه الخدشة غير مسموعة عند الأصحاب، فإنهم لا يعتبرون في الحمل على الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام لكونه حراما بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه ولو لدواع أخر. وأما عدم الحمل فيما إذا أقدم المتصرف على الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده فلفساد تصرفه في ظاهر الشرع فلا يحمل على الصحيح الواقعي، فتأمل. فإن المقام لا يخلو عن اشكال وعلى أي تقدير، فلم يثبت من النص ولا الفتوى مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاجتناب في المقام، والغاء تلك القاعدة وأوضح ما في هذا الباب من عبارات الأصحاب ما في السرائر حيث قال إذا كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه، وقبول صلته لأنها صارت بمنزلة المستهلك لأنه غير قادر على ردها بعينها، انتهى. وقريب منها ظاهر عبارة النهاية بدون ذكر التعليل، ولا ريب أن الحلي لم يستند في تجويز أخذ المال المردد إلى النص بل إلى ما زعمه من القاعدة ولا يخفى عدم تماميتها إلا أن يريد به الشبهة الغير المحصورة بقرينة الاستهلاك، فتأمل {1}.
322
1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 323 وأما الصورة الثالثة: فهو أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه {1} فلا اشكال في حرمته حينئذ على الآخذ {2}.
324 إلا أن الكلام في حكمه إذا وقع في يده فنقول علمه بحرمته. أما أن يكون قبل وقوعه في يده. وأما أن يكون بعده فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نية الرد {1} إلى صاحبه سواء أخذه اختيارا أو تقية لأن أخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه به. والتقية تتنادى بقصد الرد فإن أخذه بغير هذه النية كان غاصبا ترتب عليه أحكامه {2}. وإن أخذه بنية الرد كان محسنا وكان في يده أمانة شرعية.
1) التوبة: 91. 325
1) الإحتجاج،، ص 267 عن الأسدي عن العمري عنه عليه السلام. 2) الوسائل، باب 3، من أبواب مكان المصلي، حديث 1. 326 وإن كان العلم به بعد وقوعه في يده كان كذلك أيضا، {1} ويحتمل قويا الضمان هنا لأنه أخذه بنية التملك لا بنية الحفظ والرد ومقتضى عموم على اليد الضمان.
327 وظاهر المسالك عدم الضمان رأسا مع القبض جاهلا. قال: لأنه يد أمانة فيستصحب وحكي موافقته عن العلامة الطباطبائي قدس سره في مصابيحه. لكن المعروف من المسالك وغيره في مسألة ترتب الأيدي على مال الغير ضمان كل منهم ولو مع الجهل، غاية الأمر رجوع الجاهل على العالم إذا لم يقدم على أخذه مضمونا ولا اشكال عندهم ظاهرا في أنه لو استمر جهل القابض المتهب إلى أن تلف في يده، كان للمالك الرجوع عليه ولا رافع يقينيا لهذا المعنى مع حصول العلم بكونه مال الغير فيستصحب الضمان لا عدمه. وذكر في المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا أنه لا يرده إليه مع الامكان ولو أخذه منه قهرا ففي الضمان نظر والذي يقتضيه قواعد الغصب أن للمالك الرجوع على أيهما شاء وإن كان قرار الضمان على الغاصب، انتهى. والظاهر أن مورد كلامه ما إذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلا بغصبه ثم تبين له وهو الذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط.
328
1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 329
1) سنن البيهقي، ج 6، ص 90 - كنز العمال، ج 5، ص 257 - عوالي اللئالي، ج 2، ص 345 ح 10. 2) سورة التوبة، آية: 91. 330 وعلى أي حال فيجب على المجاز رد الجائزة بعد العلم بغصبيتها إلى مالكها أو وليه {1} والظاهر أنه لا خلاف في كونه فوريا {2}.
1) النساء: 59. 331 نعم، يسقط بإعلام صاحبه به، وظاهر أدلة وجوب أداء الأمانة وجوب الاقباض وعدم كفاية التخلية {1} إلا أن يدعى أنها في مقام حرمة الحبس، و وجوب التمكين لا تكليف الأمين بالاقباض، ومن هنا ذكر غير واحد كما عن التذكرة والمسالك وجامع المقاصد أن المراد برد الأمانة رفع يده عنها والتخلية بينه وبينها.
332 وعلى هذا فيشكل حملها إليه لأنه تصرف لم يؤذن فيه إلا إذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه أو أحفظ {1} فإن الظاهر جواز نقل الأمانة الشرعية من مكان إلى ما لا يكون أدون من الأول في الحفظ، ولو جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان {2} لتوقف الأداء الواجب بمعنى التمكين وعدم الحبس على الفحص {3} مضافا إلى الأمر به في الدين المجهول المالك.
333
1) الوسائل، باب 22، من أبواب الدين والقرض، حديث 2. 334
1) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة. 2) الوسائل، باب 22، من أبواب الدين والقرض، حديث 3. 3) الوسائل، باب 18، من أبواب اللقطة، حديث 1. 335 ثم لو ادعاه مدع ففي سماع قول من يدعيه مطلقا لأنه لا معارض له أو مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة أو يعتبر الثبوت شرعا للأصل وجوه {1}، ويحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لاطلاق غير واحد من الأخبار. ثم إن المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه في تعريف اللقطة.
1) الوسائل، باب 17، من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، حديث 1. 2) الوسائل، باب 15، من أبواب اللقطة، حديث 1. 336
1) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة. 2) الوسائل، باب 6، من أبواب اللقطة. 337 ولو احتاج الفحص إلى بذل مال كأجرة دلال صائح عليه. فالظاهر عدم وجوبه على الآخذ {1} بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه ويخرج عن العين أجرة الدلال.. ثم يتصدق بالباقي إن لم يوجد صاحبه ويحتمل وجوبه عليه لتوقف الواجب عليه {2}، وذكر جماعة في اللقطة أن أجرة التعريف على الواجد لكن حكي عن التذكرة أنه إن قصد الحفظ دائما يرجع أمره إلى الحاكم ليبذل أجرته من بيت المال أو يستقرض على المالك أو يبيع بعضها إن رآه أصلح وأستوجه ذلك جامع المقاصد.
338 ثم إن الفحص لا يتقيد بالسنة على ما ذكره الأكثر هنا بل حده اليأس {1} و هو مقتضى الأصل إلا أن المشهور كما في جامع المقاصد على أنه إذا أودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد إليه بل يجب رده إلى مالكه فإن جهل عرف سنة، ثم يتصدق به عنه مع الضمان. وبه رواية حفص بن غياث لكن موردها فيمن أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم. فهل يرد عليه فقال: لا يرد فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، وإلا كان في يده منزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها وإلا تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ذلك خير بين الغرم والأجر. فإن اختار الأجر فالأجر له، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له، وقد تقدم تعدي الأصحاب من اللص إلى مطلق الغاصب. بل الظالم ولم يتعدوا من الوديعة المجهول مالكها إلى مطلق ما يعطيه الغاصب ولو بعنوان غير الوديعة كما فيما نحن فيه.
1) الوسائل، باب 1، من أبواب الغصب حديث 5. 340 نعم ذكر في السرائر فيما نحن فيه أنه روي أنه بمنزلة اللقطة ففهم التعدي من الرواية. وذكر في التحرير أن إجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد كما أنه عكس في النهاية والسرائر. فألحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك والانصاف أن الرواية يعمل بها في الوديعة أو مطلق ما أخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك لا مطلق ما أخذ منه حتى لمصلحة الآخذ فإن الأقوى فيه تحديد التعريف فيه باليأس للأصل بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه. مضافا إلى ما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول المالك {1} مع عدم معرفة المالك كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني أمية (لعنهم الله) من الأمر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع في يده من أموال الناس بغير حق.
1) الوسائل، باب 18، من أبواب اللقطة، حديث 1. 2) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة. 341 ثم الحكم بالصدقة {1} هو المشهور فيما نحن فيه أعني جوائز الظالم ونسبه في السرائر إلى رواية أصحابنا فهي مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة بأن التصدق أقرب طرق الايصال، وما ذكره الحلي. من ابقائها أمانة في يده والوصية به معرض للمال للتلف مع أنه لا يبعد دعوى شهادة حال المالك للقطع برضاه بانتفاعه بماله في الآخرة على تقدير عدم انتفاعه به في الدنيا هذا.
1) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 342 والعمدة ما أرسله في السرائر {1} مؤيدا بأخبار اللقطة {2} وما في منزلتها و ببعض الأخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني أمية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بني أمية {3} حيث قال له عليه السلام: أخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت ويؤيده أيضا الأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من أجزاء النقدين {4}.
1) الوسائل، باب 2، من اللقطة، حديث 2. 2) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 3) الوسائل، باب 16، من أبواب الصرف، حديث 1. 4) الوسائل، باب 16، من أبواب الصرف، حديث 2. 345 وما ورد من الأمر بالتصدق بغلة الوقف المجهول أربابه {1} وما ورد من الأمر بالتصدق بما يبقى في ذمة الشخص لأجير استأجره {2} ومثله مصححة يونس، فقلت (قال: سألت عبدا صالحا): جعلت فداك كنا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم. وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم. وقد بقي المتاع عندنا فما نصنع به قال: تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس، قلت له: لست أعرفهم ولا ندري كيف نسأل عنه قال: فقال عليه السلام: بعه واعط ثمنه أصحابك، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية، قال: فقال نعم {3}.
1) الوسائل، باب 17، من أبواب عقد البيع وشروطه، حديث 1. 2) الوسائل، باب 55، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1. 3) الوسائل، باب 6 من أبواب ميراث الخنثى، حديث 2. 346 نعم يظهر من بعض الروايات أن مجهول المالك مال الإمام عليه السلام كرواية داوود ابن أبي يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل إني قد أصبت مالا وإني قد خفت منه على نفسي فلو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه، قال: فقال له أبو عبد الله عليه السلام لو أصبته كنت تدفعه إليه، فقال: أي والله، فقال عليه السلام والله ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف قال فاذهب وقسمه بين إخوانك ولك الأمن مما خفته، قال فقسمه بين إخوانه هذا.
1) الوسائل، باب 7، من أبواب اللقطة، حديث 1. 347
1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 5. 348
1) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، حديث 3. 349
1) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه حديث 4. 2) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة. 3) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثى وشبهه، حديث 10. 4) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثى، حديث 1. 350 وأما باقي ما ذكرناه في وجه التصدق من أنه احسان وأنه أقرب طرق الايصال وأن الإذن فيه حاصل بشهادة الحال فلا يصلح شئ منها للتأييد فضلا عن الاستدلال لمنع جواز كل احسان في مال الغائب، ومنع كونه أقرب طرق الايصال بل الأقرب دفعه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب، وأما شهادة الحال فغير مطردة إذ بعض الناس لا يرضى بالتصدق لعدم يأسه عن وصوله إليه، خصوصا إذا كان المالك مخالفا أو ذميا يرضى بالتلف ولا يرضى بالتصدق على الشيعة فمقتضى القاعدة لولا ما تقدم من النص هو لزوم الدفع إلى الحاكم، ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك فإن شهدت برضاه بالصدقة أو بالامساك عمل عليهما وإلا يخير بينهما لأن كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك، ولا بد من أحدهما ولا ضمان فيهما. و يحتمل قويا تعين الامساك لأن الشك في جواز التصدق يوجب بطلانه لأصالة الفساد. وأما بملاحظة ورود النص بالتصدق فالظاهر عدم جواز الامساك أمانة لأنه تصرف لم يؤذن فيه من المالك ولا الشارع، ويبقى الدفع إلى الحاكم والتصدق، وقد يقال إن مقتضى الجمع بينه وبين دليل ولاية الحاكم هو التخيير بين الصدقة والدفع إلى الحاكم فلكل منهما الولاية ويشكل بظهور النص في تعيين التصدق، نعم يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقي الصدقة وكونه أعرف بمواقعها، ويمكن أن يقال إن أخبار التصدق واردة في مقام إذن الإمام بالصدقة، أو محمولة على بيان المصرف، فإنك إذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة على إذن الحاكم وجدتها واردة في النصوص على طريق الحكم العام كإقامة البينة والاحلاف والمقاصة.
353 وكيف كان فالأحوط خصوصا بملاحظة ما دل على أن مجهول المالك مال الإمام عليه السلام مراجعة الحاكم بالدفع إليه أو استئذانه {1} ويتأكد ذلك في الدين المجهول المالك إذا لكلي لا يتشخص للغريم إلا بقبض الحاكم الذي هو وليه. وإن كان ظاهر الأخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمديون، ثم إن حكم تعذر الايصال إلى المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك وتردده بين غير محصورين {2} في التصدق استقلالا أو بإذن الحاكم كما صرح به جماعة منهم المحقق في الشرائع وغيره.
354 ثم إن مستحق هذه الصدقة هو الفقير {1} لأنه المتبادر من اطلاق الأمر بالتصدق {2}.
1) التوبة: 61. 355 وفي جواز اعطائها للهاشمي قولان: {1} من أنها صدقة مندوبة على المالك. وإن وجب على من هي بيده إلا أنه نائب كالوكيل والوصي ومن أنها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بأمر المالك حتى تكون مندوبة مع أن كونها من المالك غير معلوم فلعلها ممن تجب عليه.
1) الوسائل، باب 31، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 3. 2) الوسائل، باب 32، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 5. 3) نفس المصدر، حديث 4. 356 ثم إن في الضمان لو ظهر المالك ولم يرض بالتصدق وعدمه مطلقا أو بشرط عدم ترتب يد الضمان كما إذا أخذه من الغاصب حسبة لا بقصد التملك وجوها {1} من أصالة براءة ذمة المتصدق وأصالة لزوم الصدقة بمعنى عدم انقلابها عن الوجه الذي وقعت عليه، ومن عموم ضمان من أتلف ولا ينافيه إذن الشارع لاحتمال أنه أذن في التصدق على هذا الوجه كإذنه في التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف، وبما استودع من الغاصب وليس هنا أمر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتى يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه.
357
1) التوبة: 91 359 ولكن يضعف هذا الوجه أن ظاهر دليل الاتلاف كونها علة تامة للضمان وليس كذلك ما نحن فيه {1}، وإيجابه للضمان مراعى بعدم إجازة المالك يحتاج إلى دليل آخر إلا أن يقال إنه ضامن بمجرد التصدق ويرتفع بإجازته فتأمل. هذا مع أن الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف على المالك لا الاتلاف له والاحسان إليه {2}. والمفروض أن الصدقة إنما قلنا بها لكونها احسانا وأقرب طرق الايصال بعد اليأس من وصوله إليه. وأما احتمال كون التصدق مراعى كالفضولي فمفروض الانتفاء إذ لم يقل أحد برجوع المالك على الفقير مع بقاء العين وانتقال الثواب من شخص إلى غيره حكم شرعي،
360 وكيف كان فلا مقتضى للضمان وإن كان مجرد الإذن في الصدقة غير مقتض لعدمه، فلا بد من الرجوع إلى الأصل لكن الرجوع إلى أصالة البراءة إنما يصح فيما لم يسبق يد الضمان وهو ما إذا أخذ المال من الغاصب حسبة. وأما إذا تملكه منه ثم علم بكونه مغصوبا فالأجود استصحاب الضمان في هذه الصورة لأن المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الذي يرضى به المالك بعد الاطلاع لا مطلقا فتبين أن التفصيل بين يد الضمان وغيرها أوفق بالقاعدة لكن الأوجه الضمان مطلقا. أما تحكيما للاستصحاب حيث يعارض البراءة، ولو بضميمة عدم القول بالفصل. وأما للمرسلة المتقدمة عن السرائر. وأما لاستفادة ذلك من خبر الوديعة إن لم نتعد عن مورده إلى ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة لكن يستفاد منه أن الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك.
362 ثم الضمان هل يثبت بمجرد التصدق وإجازته رافعة أو يثبت بالرد من حينه أو من حين التصدق وجوه {1} من دليل الاتلاف والاستصحاب {2} ومن أصالة عدم الضمان قبل الرد {3} ومن ظاهر الرواية المتقدمة في أنه بمنزلة اللقطة {4}.
363 ولو مات المالك ففي قيام وارثه مقامه في إجازة التصدق ورده {1} وجه قوي لأن ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بالأموال فيورث كغيره من الحقوق و يحتمل العدم لفرض لزوم التصدق بالنسبة إلى العين فلا حق لأحد فيه والمتيقن من الرجوع إلى القيمة هو المالك.
364 ولو مات المتصدق فرد المالك {1} فالظاهر خروج الغرامة من تركته لأنه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله هذا كله على تقدير مباشرة المتصدق له ولو دفعه إلى الحاكم فتصدق به بعد اليأس {2}، فالظاهر عدم الضمان لبراءة ذمة الشخص بالدفع إلى ولي الغائب وتصرف الولي كتصرف المولى عليه، ويحتمل الضمان لأن الغرامة هنا ليس لأجل ضمان المال وعدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق حتى يفرق بين تصرف الولي وغيره لثبوت الولاية للمتصدق في هذا التصرف لأن المفروض ثبوت الولاية له كالحاكم، ولذا لا يسترد العين من الفقير إذا رد المالك فالتصرف لازم والغرامة حكم شرعي تعلق بالمتصدق كائنا من كان فإذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع في يده لكونه هو المأيوس والحاكم وكيلا كان الغرم على الموكل وإن كان المكلف هو الحاكم لوقوع المال في يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص ثم التصدق كان الضمان عليه.
365 وأما الصورة الرابعة: وهو ما علم إجمالا اشتمال الجائزة على الحرام {1}. فأما أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الإشاعة. وأما أن لا يكون وعلى الأول فالقدر والمالك إما معلومان أو مجهولان أو مختلفان.
366 وعلى الأول: فلا اشكال {1} وعلى الثاني: فالمعروف اخراج الخمس {2} على تفصيل مذكور في باب الخمس، ولو علم القدر {3} فقد تقدم في القسم الثالث.
367 ولو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة {1} وعلى الثاني فيتعين القرعة أو البيع والاشتراك في الثمن {2} وتفصيل ذلك كله في كتاب الخمس. واعلم أن أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ إلى الأحكام الخمسة، وباعتبار نفس المال إلى المحرم والمكروه والواجب {3} فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ والمكروه المال المشتبه.
368 والواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس حتى أنه يجب على الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته من حقوق السادة والفقراء ولو بعنوان المقاصة {1} بل يجوز ذلك لآحاد الناس خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استئذان الحاكم.
369 وكيف كان فالظاهر أنه لا اشكال في كون ما في ذمته من قيم المتلفات غصبا من جملة ديونه {1} نظير ما تستقر في ذمته بقرض أو ثمن مبيع أو صداق أو غيرها، ومقتضى القاعدة كونها كذلك بعد موته فيقدم جميع ذلك على الإرث والوصية إلا أنه ذكر بعض الأساطين {2} أن ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون في التقديم على الوصايا والمواريث لعدم انصراف الدين إليه {3} وإن كان منه وبقاء عموم الوصية والميراث على حاله وللسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدأ الاسلام إلى يومنا {4} هذا، فعلى هذا لو أوصى بها بعد التلف أخرجت من الثلث، وفيه منع الانصراف (لعل الأولى بأن يقال ومنه منع عدم الانصراف) فإنا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقا بين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا وبين ما أتلفه نسيانا ولا بين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا وبين ما أتلفه شخص آخر من غير الظلمة مع أنه لا اشكال في جريان أحكام الدين عليه في حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص ولعدم تعلق الخمس والاستطاعة وغير ذلك.
370 فلو تم الانصراف، لزم إهمال الأحكام المنوطة بالدين وجودا وعدما من غير فرق بين حياته وموته. وما ادعاه من السيرة فهو ناشئ من قلة مبالاة الناس {1} كما هو ديدنهم في أكثر السير التي استمروا عليها، ولذا لا يفرقون في ذلك بين الظلمة وغيرهم ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة والفقراء أو من جهة العلم بفساد أكثر معاملاته، ولا في إنفاذ وصايا الظلمة و توريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات وأرش الجنايات وبين اشتغالها بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم وصدقاتهم الواجب عليهم ولا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا وبين ما لم يعلم، فإنك إذا تتبعت أحوال الظلمة وجدت ما استقر في ذممهم من جهة المعاوضات والمداينات مطلقا أو من جهة وجود أشخاص معلومين تفصيلا أو مشتبهين في محصور كافية في استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية أو الإرث. وبالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة أوهن من دعوى الانصراف السابقة، فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.
371 الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج والمقاسمة من الأراضي باسمها ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز أن يقبض منه مجانا أو بالمعاوضة {1}، وإن كان مقتضى القاعدة حرمته لأنه غير مستحق لأخذه فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة في تعيين شئ من ماله لأجلها فاسد، كما إذا تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع شئ إليه عوض الأجرة هذا مع التراضي. وأما إذا قهره على أخذ شئ بهذه العنوانات ففساده أوضح.
372 وكيف كان فما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه {1}.
1) الوسائل، باب 20، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 1. 2) الوسائل، باب 20، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 3. 3) الوسائل، باب 10، من أبواب زكاة الغلات، حديث 2. 373
1) الوسائل، باب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 6. 374 ومع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الأصحاب {1}. وعن بعض حكاية الاجماع عليه قال في محكي التنقيح لأن الدليل على جواز شراء الثلاثة من الجائر، وإن لم يكن مستحقا له النص الوارد عنهم عليهم السلام والإجماع وإن لم يعلم مستنده ويمكن أن يكون مستنده أن ذلك حق للأئمة، وقد أذنوا لشيعتهم في شراء ذلك فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولي إذا انضم إليه إذن المالك، انتهى. أقول: والأولى أن يقال إذا انضم إليه إذن متولي الملك كما لا يخفى. وفي جامع المقاصد أن عليه إجماع فقهاء الإمامية والأخبار المتواترة عن الأئمة الهداة عليهم السلام. وفي المسالك أطبق عليه علماؤنا ولا نعلم فيه مخالفا. وعن المفاتيح أنه لا خلاف فيه. وفي الرياض أنه استفاض نقل الاجماع عليه وقد تأيدت دعوى هؤلاء بالشهرة المحققة بين الشيخ ومن تأخر عنه ويدل عليه، قبل الاجماع مضافا إلى لزوم الحرج العظيم في الاجتناب عن هذه الأموال. بل اختلال النظام وإلى الروايات المتقدمة لأخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التي لا يحتمل عادة أن يكون من غير الخراج، وكان الإمام عليه السلام يأبى عن أخذها أحيانا معللا بأن فيها حقوق الأمة روايات {2}:
376 منها: صحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من عمال السلطان من إبل الصدقة وغنمها، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال: فقال ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه فيجتنب، قلت: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا. فنقول: بعناها فيبيعنا إياها فما ترى في شرائها منه، فقال: إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس. قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه، فقال: إن كان قد قبضه بكيل وأنتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل {1} دلت هذه الرواية على أن شراء الصدقات من الأنعام والغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل وإنما سئل أو لا عن الجواز مع العلم الاجمالي بحصول الحرام في أيدي العمال.
1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 377 وثانيا: من جهة توهم الحرمة أو الكراهة في شراء ما يخرج في الصدقة كما ذكر في باب الزكاة. وثالثا: من جهة كفاية الكيل الأول. وبالجملة ففي هذه الرواية سؤالا وجوابا إشعار بأن الجواز كان من الواضحات الغير المحتاجة إلى السؤال، وإلا لكان أصل الجواز أولى بالسؤال حيث إن ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا فلا فرق بين أخذ الحق الذي يجب عليهم وأخذ أكثر منه ويكفي قوله عليه السلام حتى يعرف الحرام منه في الدلالة على مفروغية حل ما يأخذونه من الحق. وأن الحرام هو الزائد والمراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلى ما ينتقل إليه وإن كان حراما بالنسبة إلى الجائر الأخذ له بمعنى معاقبته على أخذه وضمانه وحرمة التصرف في ثمنه وفي وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية دلالة على عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع أنواع الانتقال إلى الشخص فاندفع ما قيل من أن الرواية مختصة بالشراء فليقتصر في مخالفة القواعد عليه.
378 ثم الظاهر من الفقرة الثالثة السؤال والجواب عن حكم المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفي الذي صنف في الرد على رسالة المحقق الكركي المسماة بقاطعة اللجاج في حل الخراج رسالة زيف فيها جميع ما في الرسالة من أدلة الجواز بعدم دلالة الفقرة الثالثة على حكم المقاسمة واحتمال كون القاسم هو مزارع الأرض أو وكيله ضعيف جدا وتبعه على هذا الاعتراض المحقق الأردبيلي قدس سره وزاد عليه ما سكت هو عنه من عدم دلالة الفقرة الأولى على حل شراء الزكاة بدعوى أن قوله عليه السلام لا بأس حتى تعرف الحرام منه لا يدل إلا على جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها وعدم جواز شراء ما كان معروفا أنه حرام بعينه، ولا يدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل والنقل.
379 ويمكن أن يكون سبب الاجمال منه [فيه] التقية، ويؤيد عدم الحمل على الظاهر أنه غير مراد بالاتفاق إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر فتأمل، انتهى. وأنت خبير بأنه ليس في العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور وأي فارق بين هذا وبين ما أحلوه لشيعتهم مما فيه حقوقهم ولا في النقل إلا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح وغيره المشهور بين الأصحاب رواية وعملا مع نقل الاتفاق عن جماعة. وأما الحمل على التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات كما لا يخفى.
380 ومنها رواية إسحاق بن عمار، قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم، قال: يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا {1}. وجه الدلالة أن الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه وهو الذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان {2}. نعم لو بنى على المناقشة احتمل أن يريد السائل شراء أملاك العامل منه مع علمه بكونه ظالما غاصبا فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة لكنه خلاف الانصاف وإن ارتكبه صاحب الرسالة.
1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 381 ومنها رواية أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده ابنه إسماعيل، فقال: ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفي الناس ويعطيهم ما يعطي الناس، قال: ثم قال لي لم تركت عطاءك قلت: مخافة على ديني، قال: ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك أما علم أن لك في بيت المال نصيبا {1} فإن ظاهره حل ما يعطى من بيت المال عطاء أو أجرة للعمل فيما يتعلق به بل قال: المحقق الكركي أن هذا الخبر نص في الباب لأنه عليه السلام بين أن لا خوف على السائل في دينه لأنه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال، وقد ثبت في الأصول تعدي الحكم بتعدي العلة المنصوصة انتهى. وإن تعجب منه الأردبيلي قدس سره وقال: إنا ما فهمت منه دلالة ما وذلك لأن غايتها ما ذكر وذلك قد يكون من بيت مال يجوز أخذه واعطاؤه للمستحقين {2} بأن يكون منذورا أو وصية لهم بأن يعطيهم ابن أبي سماك وغير ذلك انتهى. وقد تبع في ذلك صاحب الرسالة حيث قال: إن الدليل لا اشعار فيه بالخراج. أقول: الانصاف أن الرواية ظاهرة في حل ما في بيت المال مما يأخذه الجائر.
1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6. 382 ومنها الأخبار الواردة في أحكام تقبل الخراج من السلطان على وجه يستفاد من بعضها كون أصل التقبل مسلم الجواز عندهم، فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في جملة حديث، قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان وعن مزارعة أهل الخراج بالنصف والثلث والربع. قال: نعم لا بأس به. و قد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبرا أعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخبر والخبر هو النصف. ومنها الصحيح عن إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير، وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أيشتريه. وفي أي زمان يشتريه ويتقبل، قال: إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبل به ونحوها الموثق المروي في الكافي والتهذيب عن إسماعيل بن الفضيل الهاشمي بأدنى تفاوت، ورواية الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان، ثم أواجرها من أكرتي على أن ما أخرج الله تعالى منها من شئ لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان، قال: لا بأس. كذلك أعامل أكرتي إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في باب قبالة الأرض واستئجار أرض الخراج من السلطان، ثم إجارتها للزارع بأزيد من ذلك، وقد يستدل بروايات أخر لا يخلو عن قصور في الدلالة، منها الصحيح عن جميل بن صالح، قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد وأردت أن أشتريه، فقلت: لا حتى استأمر أبا عبد الله عليه السلام فسألت معاذا أن يستأمره: فقال: قل له يشتره فإنه إن لم يشتره اشتراه غيره ودلالته مبنية على كون عين زياد من الأملاك الخراجية ولعله من الأملاك المغصوبة من الإمام أو غيره الموقوف اشتراء حاصلها على إذن الإمام عليه السلام ويظهر من بعض الأخبار أن عين زياد كان ملكا لأبي عبد الله عليه السلام.
383 ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام مالك لا تدخل مع علي في شراء الطعام أني أظنك ضيقا، قلت: نعم وإن شئت وسعت على قال اشتره. وبالجملة ففي الأخبار المتقدمة غني عن ذلك.
1) راجع التهذيب ج 7، ص 202 والوسائل، باب 22 من أبواب الجهاد، والوسائل باب 21، من أبواب عقد البيع، وجامع أحاديث الشيعة، باب 11 من أبواب المزارعة، والوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به. 384 وينبغي التنبيه على أمور: الأول: إن ظاهر عبارات الأكثر بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان، فقبل أخذه للخراج لا يجوز المعاملة عليه {1} بشراء ما في ذمة مستعمل الأرض أو الحوالة عليه ونحو ذلك، وبه صرح السيد العميد فيما حكي عن شرحه على النافع حيث قال: إنما يحل ذلك بعد قبض السلطان أو نائبه. ولذا قال المصنف يأخذه انتهى. لكن صريح جماعة عدم الفرق بل صرح المحقق الثاني بالاجماع على عدم الفرق بين القبض وعدمه.
385 وفي الرياض صرح بعدم الخلاف وهذا هو الظاهر من الأخبار المتقدمة الواردة في قبالة الأرض وجزية الرؤوس {1} حيث دلت على أنه يحل ما في ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمن تقبل الأرض من السلطان. والظاهر من الأصحاب في باب المساقاة حيث يذكرون أن خراج السلطان على مالك الأشجار إلا أن يشترط خلافه {2} اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل في براءة ذمة مستعمل الأرض الذي استقر عليه أجرتها بأداء غيره، بل ذكروا في المزارعة أيضا أن خراج الأرض كما في كلام الأكثر أو الأرض الخراجية كما في الغنية والسرائر على مالكها. وإن كان يشكل توجيهه من جهة عدم المالك للأراضي الخراجية وكيف كان فالأقوى أن المعاملة على الخراج جائزة ولو قبل قبضها. و أما تعبير الأكثر بما يأخذه فالمراد به. أما الأعم مما يبنى على أخذه ولو لم يأخذه فعلا. وأما المأخوذ فعلا لكن الوجه في تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثنى من جوائز السلطان التي حكموا بوجوب ردها على مالكها إذا علمت حراما بعينها فافهم. ويؤيد الثاني سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجوائز خصوصا عبارة القواعد حيث صرح بتعميم الحكم بقوله وإن عرفت أربابه. ويؤيد الأول إن المحكي عن الشهيد في حواشيه على القواعد أنه علق على قول العلامة إن الذي يأخذه الجائر إلى آخر قوله وإن لم يقبضها الجائر انتهى.
1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 386 الثاني: هل يختص حكم الخراج {1} من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلا فلم يمض الشارع من هذه المعاملة إلا حل ذلك للمنتقل إليه أو يكون الشارع قد أمضى سلطنة الجائر عليه فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوض عنه في العقد معه حراما صريح الشهيدين. والمحكي عن جماعة ذلك قال المحقق الكركي في رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرنا هم لا سيما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال قدس سره أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته ولا جحوده ولا منعه ولا شئ منه لأن ذلك حق واجب عليه انتهى. وفي المسالك في باب الأرضين، وذكر الأصحاب أنه لا يجوز لأحد جحدها ولا منعها ولا التصرف فيها بغير إذنه، بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه انتهى. و في آخر كلامه أيضا أن ظاهر الأصحاب أن الخراج والمقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه أو يتوقف على إذنه انتهى.
387 وعلى هذا عول بعض الأساطين في شرحه على القواعد حيث قال: ويقوى حرمة سرقة الحصة وخيانتها والامتناع عن تسليمها، وعن تسليم ثمنها بعد شرائها إلى الجائر وإن حرمت عليه ودخل تسليمها في الإعانة على الإثم بالبداية {1} أو الغاية لنص الأصحاب على ذلك ودعوى الاجماع عليه انتهى. أقول: إن أريد منع الحصة مطلقا فيتصرف في الأرض من دون أجرة فله وجه لأنها ملك المسلمين فلا بد لها من أجرة تصرف في مصالحهم وإن أريد منعها من خصوص الجائر فلا دليل على حرمته لأن اشتغال ذمة مستعمل الأرض بالأجرة لا يوجب دفعها إلى الجائر، بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن {2} لأنه غير مستحق {3} فيسلم إلى العادل أو نائبه الخاص أو العام.
389 ومع التعذر يتولي صرفه في المصالح حسبة مع أن في بعض الأخبار ظهورا في جواز الامتناع مثل صحيحة زرارة {1} اشترى ضريس بن عبد الملك وأخوه أرزا من هبيرة بثلاثمائة ألف درهم، قال: فقلت له ويلك أو ويحك أنظر إلى خمس هذا المال، فابعث به إليه عليه السلام واحتبس الباقي فأبى علي وأدى المال. وقدم هؤلاء فذهب أمر بني أمية، قال: فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال مبادرا للجواب هوله، فقلت له: إنه أداها فعض على إصبعه، فإن أوضح محامل هذا الخبر أن يكون الأرز من المقاسمة، وأما حمله على كونه مال الناصب أعني هبيرة أو بعض بني أمية فيكون دليلا على حل مال الناصب بعد اخراج خمسه كما استظهره في الحدائق فقد ضعف في محله بمنع هذا الحكم ومخالفته لاتفاق أصحابنا كما تحقق في باب الخمس وإن ورد به غير واحد من الأخبار. وأما الأمر باخراج الخمس في هذه الرواية {2} فلعله من جهة احتمال اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام فيجب تخميسه أو من جهة احتمال اختلاطه بالحرام، فيستحب تخميسه كما تقدم في جوائز الظلمة.
1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 390 {1} وما روى من أن علي بن يقطين، قال له الإمام عليه السلام إن كنت ولا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة وأنه كان يجبيها من الشيعة علانية ويرد عليهم سرا. قال ا لمحقق الكركي في قاطعة اللجاج أنه يمكن أن يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة {2} ويمكن أن يراد به وجوه الخراج والمقاسمات والزكوات لأنها وإن كانت حقا عليهم لكنها ليست حقا للجائر، فلا يجوز جمعها لأجله إلا عند الضرورة وما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم إلى آخر ما تقدم نقله عن مشايخه. أقول: ما ذكره من الحمل على وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام {3} في قول الإمام عليه السلام فاتق أموال الشيعة فالاحتمال الثاني أولى لكن بالنسبة إلى ما عدا الزكوات لأنها كسائر وجوه الظلم المحرمة خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها
1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8. 391 عن الزكاة الواجبة لقوله عليه السلام: إنما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم. وإنما الزكاة لأهلها وقوله عليه السلام: لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا ينبغي أن يزكي مرتين، وفيما ذكر المحقق من الوجه الثاني دلالة على أن مذهبه ليس وجوب دفع الخراج والمقاسمة إلى خصوص الجائر وجواز منعه عنه. وإن نقل بعد عن مشائخه في كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك لكن يمكن، بل لا يبعد أن يكون مراد مشائخه المنع عن سرقة الخراج أو جحوده رأسا حتى عن نائب العادل لا منعه عن خصوص الجائر مع دفعه إلى نائب العادل أو صرفه حسبة في وجوه بيت المال كما يشهد، لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه فإن وجوبه عليه إنما يقتضي حرمة منعه رأسا لا عن خصوص الجائر لأنه ليس حقا واجبا له، ولعل ما ذكرنا هو مراد المحقق حيث نقل هذا المذهب عن مشائخه قدس سره بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون إشعار بمخالفته لذلك الوجه، ومما يؤيد ذلك أن المحقق المذكور، بعد ما ذكر أن هذا يعني حل ما يأخذه الجائر من الخراج والمقاسمة مما وردت به النصوص، وأجمع عليه الأصحاب بل المسلمون قاطبة قال: فإن قلت فهل يجوز أن يتولى من له النيابة حال الغيبة ذلك أعني الفقيه الجامع للشرائط، قلنا: لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحا لكن من جوز للفقهاء حال الغيبة تولى استيفاء الحدود وغير ذلك من توابع منصب الإمامة ينبغي له تجويز ذلك بطريق أولى لا سيما والمستحقون لذلك موجودون في كل عصر ومن تأمل في أحوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدى وعلم المحققين نصير الملة والدين وبحر العلوم جمال الملة والدين العلامة قدس سرهم وغير هم نظر متأمل منصف لم يشك في أنهم كانوا يسلكون هذا المسلك، وما كانوا يودعون في كتبهم إلا ما يعتقدون صحته انتهى. وحمل ما ذكره من تولي الفقيه على صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر. وأما قوله ومن تأمل الخ. فهو استشهاد على أصل المطلب وهو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج على وجه الاتهاب ومن الأراضي على وجه الاقتطاع.
392 ولا دخل له بقوله {1} فإن قلت وقلته أصلا فإن علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال على أراضي الخراج بغير إذن السلطان وممن يتراءى منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد قدس سره في الدروس حيث قال قدس سره يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج والزكاة و المقاسمة، وإن لم يكن مستحقا له، ثم قال: ولا يجب رد المقاسمة وشبهها على المالك ولا يعتبر رضاه ولا يمنع تظلمه من الشراء وكذا لو علم أن العامل يظلم إلا أن يعلم الظلم بعينه، نعم يكره معاملة الظلمة ولا يحرم لقول الصادق عليه السلام كل شئ فيه حلال وحرام فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه، ولا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله وبين عدم القبض فلو أحاله بها وقبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو باعها و
393 هي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول ويحرم على المالك المنع. وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات والوقف والهبة والصدقة ولا يحل تناولها بغير ذلك انتهى. لكن الظاهر من قوله ويحرم على المالك المنع أنه عطف على قوله جاز التناول فيكون من أحكام الإحالة بها والتوكيل والبيع، فالمراد منع المالك المحال والمشتري عنها، وهذا لا اشكال فيه {1} لأن اللازم من فرض صحة الإحالة والشراء تملك المحال والمشتري فلا يجوز منعهما عن ملكهما. وأما قوله قدس سره ولا يحل تناولها بغير ذلك، فلعل المراد به ما تقدم في كلام مشائخ المحقق الكركي من إرادة تناولها بغير إذن أحد حتى الفقيه النائب عن السلطان العارف. وقد عرفت أن هذا مسلم فتوى ونصا وأن الخراج لا يسقط من مستعملي أراضي المسلمين، ثم إن ما ذكره من جواز الوقف لا يناسب ذكره في جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر وإن أراد وقف الأرض المأخوذة منه {2} إذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين، فلا يخلو عن اشكال. وأما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق على عدم جواز المنع عن الجائر والجحود. فالظاهر منه أيضا ما ذكرنا من جحود الخراج ومنعه رأسا لا عن خصوص الجائر مع تسليمه إلى الفقيه النائب عن العادل فإنه قدس سره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق قال بلا فصل: وهل يتوقف التصرف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إذا كان متمكنا في صرفها في وجهها بناء على كونه نائبا عن المستحق و مفوضا إليه ما هو أعظم من ذلك.
394
1) الوسائل، باب 4، من أبواب الأنفال، كتاب الخمس. 2) نفس المصدر. 395 الظاهر ذلك وحينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين ومع عدم التمكن أمرها إلى الجائر. وأما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا بل لم أقف على قائل به لأن المسلمين بين قائل بأولوية الجائر وتوقف التصرف على إذنه وبين مفوض الأمر إلى الإمام عليه السلام فمع غيبته يرجع الأمر إلى نائبه. فالتصرف بدونهما لا دليل عليه انتهى. وليس مراده قدس سره من التوقف، التوقف على إذن الحاكم بعد الأخذ من الجائر ولا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر على الأرض كما لا يخفى، وكيف كان فقد تحقق مما ذكرناه أن غاية ما دلت عليه النصوص والفتاوى كفاية إذن الجائر في حل الخراج وكون تصرفه بالاعطاء والمعاوضة والاسقاط وغير ذلك نافذا. أما انحصاره بذلك فلم يدل عليه دليل ولا أمارة بل لو نوقش في كفاية تصرفه في الحلية وعدم توقفها على إذن الحاكم الشرعي مع التمكن بناء على أن الأخبار الظاهرة في الكفاية منصرفة إلى الغالب من عدم تيسر استئذان الإمام عليه السلام أو نائبه. أمكن ذلك إلا أن المناقشة في غير محلها لأن المستفاد من الأخبار الإذن العام من الأئمة بحيث لا يحتاج بعد ذلك إلى إذن خاص في الموارد الخاصة منهم عليهم السلام ولا من نوابهم. هذا كله مع استيلاء الجائر على تلك الأرض، والتمكن من استئذانه. وأما مع عدم استيلائه على أرض خراجية لقصور يده عنها لعدم انقياد أهلها له ابتداء أو طغيانهم عليه، بعد السلطنة عليهم فالأقوى خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداء عدم جواز استئذانه وعدم مضي إذنه فيها كما صرح به بعض الأساطين، حيث قال: بعد بيان أن الحكم مع حضور الإمام مراجعته أو مراجعة الجائر مع التمكن. وأما مع فقد سلطان الجور أو ضعفه عن التسلط أو عدم التمكن من مراجعته فالواجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي إذ ولاية الجائر إنما ثبتت على من دخل في قسم رعيته حتى يكون في سلطانه ويكون مشمولا لحفظه من الأعداء وحمايته، فمن بعد عن سلطانهم أو كان على الحد فيما بينهم أو قوى عليهم، فخرج عن مأموريتهم فلا يجري عليه حكمهم اقتصارا على المقطوع به من الأخبار. وكلام الأصحاب في قطع الحكم بالأصول والقواعد وتخصيص ما دل على المنع عن الركون إليهم والانقياد لهم.
396 الثالث: إن ظاهر الأخبار وإطلاق الأصحاب حل الخراج والمقاسمة المأخوذين من الأراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية، وإن كانت عندنا من الأنفال {1}.
1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2. 397 وهو الذي يقتضيه نفي الحرج {1}. نعم مقتضى بعض أدلتهم وبعض كلماتهم هو الاختصاص، فإن العلامة قد استدل في كتبه على حل الخراج والمقاسمة بأن هذا ما لم يملكه الزارع ولا صاحب الأرض بل هو حق لله أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته وجاز شراؤه، وهذا الدليل وإن كان فيه ما لا يخفى من الخلل إلا أنه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الأراضي التي لها حق على الزارع وليس الأنفال كذلك لكونها مباحة للشيعة، نعم لو قلنا بأن غيرهم يجب عليه أجرة الأرض كما لا يبعد أمكن تحليل ما يأخذه منهم الجائر بالدليل المذكور لو تم، ومما يظهر منه الاختصاص ما تقدم من الشهيد ومشائخ المحقق الثاني من حرمة جحود الخراج والمقاسمة معللين ذلك بأن ذلك حق عليه فإن الأنفال لا حق ولا أجرة في التصرف فيها وكذا ما تقدم من التنقيح حيث ذكر بعد دعوى الاجماع على الحكم أن تصرف الجائر في الخراج والمقاسمة من قبيل تصرف الفضولي إذا جاز المالك والانصاف أن كلمات الأصحاب بعد التأمل في أطرافها ظاهرة في الاختصاص بأراضي المسلمين خلافا لما استظهره المحقق الكركي قدس سره من كلمات الأصحاب و اطلاق الأخبار مع أن الأخبار أكثرها لا عموم فيها ولا اطلاق، نعم بعض الأخبار الواردة في المعاملة على الأراضي الخراجية التي جمعها صاحب الكفاية شاملة لمطلق الأرض المضروب عليها الخراج من السلطان، نعم لو فرض أنه ضرب الخراج على ملك غير الإمام أو على ملك الإمام لا بالإمامة أو على الأراضي التي أسلم أهلها عليها طوعا لم يدخل في منصرف الأخبار قطعا، ولو أخذ الخراج من الأرض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه إياها ففيه وجهان:
398
1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 399 الرابع: ظاهر الأخبار ومنصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة {1} وعماله، فلا يشمل من تسلط على قرية أو بلدة خروجا على سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين. نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة شموله له لكنك عرفت أنه قاصر عن إفادة المدعى كما أن ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف المعتقد لاستحقاق أخذ الخراج و المؤمن والكافر، وإن اعترفا بعدم الاستحقاق إلا أن ظاهر الأخبار الاختصاص بالمخالف، والمسألة مشكلة من اختصاص موارد الأخبار بالمخالف المعتقد لاستحقاق أخذه ولا عموم فيها لغير المورد فيقتصر في مخالفة القاعدة عليه، ومن لزوم الحرج {2} ودعوى الاطلاق في بعض الأخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام {3} في صحيحة الحلبي لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان، وقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم كل أرض دفعها إليك سلطان فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه وغير ذلك، ويمكن أن يرد لزوم الحرج بلزومه على كل تقدير لأن المفروض أن السلطان المؤمن خصوصا في هذه الأزمنة يأخذ الخراج عن كل أرض ولو لم تكن خراجية وأنهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما إلى الخراج وليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور وسائر ما يظلمون به الناس كما لا يخفى على من لاحظ سيرة عماله
400 فلا بد أما من الحكم لحل ذلك كله لدفع الحرج. وأما من الحكم بكون ما في يد السلطان وعماله من الأموال المجهولة المالك. وأما الاطلاقات فهي مضافا إلى إمكان دعوى انصرافها إلى الغالب كما في المسالك مسوقة لبيان حكم آخر كجواز إدخال أهل الأرض الخراجية في تقبل الأرض في صحيحة الحلبي لدفع توهم حرمة ذلك كما يظهر من أخبار أخر وكجواز أخذ أكثر ما تقبل به الأرض من السلطان في رواية الفيض بن المختار وكغير ذلك من أحكام قبالة الأرض و استئجارها فيما عداها من الروايات. والحاصل أن الاستدلال بهذه الأخبار على عدم البأس بأخذ أموالهم مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل، ومما يدل على عدم شمول كلمات الأصحاب أن عنوان المسألة في كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة أو الزكاة كما في المنتهى، أو باسم الخراج أو المقاسمة كما في غيره، وما يأخذه الجائر المؤمن ليس لشبهة الخراج والمقاسمة لأن المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة في مذهب العامة نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون، لأن مذهب الشيعة أن الولاية في
1) الوسائل، باب 18، من أبواب المزارعة، حديث 3. 2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6. 401 الأراضي الخراجية إنما هي للإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام، فما يأخذه الجائر والمعتقد لذلك أنما هو شئ يظلم به في اعتقاده معترفا بعدم براءة ذمة زارع الأرض من أجرتها شرعا نظير ما يأخذه من الأملاك الخاصة التي لا خراج عليها أصلا ولو فرض حصول شبهة الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من بعض الوجوه لم يدخل بذلك في عناوين الأصحاب قطعا لأن مرادهم من الشبهة، الشبهة من حيث المذهب التي أمضاها الشارع للشيعة لا الشبهة في نظر شخص خاص لأن الشبهة الخاصة إن كانت عن سبب صحيح كاجتهاد أو تقليد، فلا اشكال في حليته له واستحقاقه للأخذ بالنسبة إليه وإلا كانت باطلة غير نافذة في حق أحد. والحاصل أن آخذ الخراج والمقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلا الجائر المخالف ومما يؤيده أيضا عطف الزكاة عليها مع أن الجائر الموافق لا يرى لنفسه ولاية جباية الصدقات.
1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به حديث 5. 402 وكيف كان فالذي أتخيل كلما ازداد المنصف التأمل في كلماتهم يزداد له هذا المعنى وضوحا، فما أطنب به بعض في دعوى عموم النص وكلمات الأصحاب مما لا ينبغي أن يغتر به. ولأجل ما ذكرنا وغيره فسر صاحب ايضاح النافع في ظاهر كلامه المحكي الجائر في عبارة النافع بمن تقدم على أمير المؤمنين عليه السلام واقتفى أثر الثلاثة. فالقول بالاختصاص كما استظهره في المسالك وجزم به في ايضاح النافع و جعله الأصح في الرياض لا يخلو عن قوة فينبغي في الأراضي التي بيد الجائر الموافق في المعاملة على عينها أو على ما يؤخذ عليها مراجعة الحاكم الشرعي، ولو فرض ظهور سلطان مخالف لا يرى نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، وإنما أخذ ما يأخذ نظير ما يأخذه على غير الأراضي الخراجية من الأملاك الخاصة فهو أيضا غير داخل في منصرف الأخبار، ولا في كلمات الأصحاب فحكمه حكم السلطان الموافق. وأما السلطان الكافر فلم أجد فيه نصا وينبغي لمن تمسك باطلاق النص والفتوى التزام دخوله فيهما، لكن الانصاف انصرافهما إلى غيره مضافا إلى ما تقدم في السلطان الموافق من اعتبار كون الأخذ بشبهة الاستحقاق وقد تمسك في ذلك بعض بنفي السبيل للكافر على المؤمن {1} فتأمل.
1) النساء، آية: 41. 403 الخامس: الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للأخذ {1} فلا فرق حينئذ بين المؤمن والمخالف والكافر لاطلاق بعض الأخبار المتقدمة واختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما في روايتي الحذاء وإسحاق بن عمار وبعض روايات قبالة الأراضي الخراجية، ولم يستبعد بعض اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الآخذ مع اعترافه بأن ظاهر الأصحاب التعميم وكأنه أدخل هذه المسألة يعني مسألة حل الخراج و المقاسمة في القاعدة المعروفة من إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم ووجوب المضي معهم في أحكامهم على ما يشهد به تشبيه بعضهم ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمي من ثمن ما باعه من الخمر والخنزير، والأقوى أن المسألة أعم من ذلك وإنما الممضى فيما نحن فيه تصرف الجائر في تلك الأراضي مطلقا.
404 السادس: ليس للخراج قدر معين {1} بل المناط فيه ما تراضى فيه السلطان ومستعمل الأرض لأن الخراج هي أجرة الأرض فيناط برضى المؤجر والمستأجر {2}. نعم لو استعمل أحد الأرض قبل تعيين الأجرة تعين عليه أجرة المثل وهي مضبوطة عند أهل الخبرة. وأما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه، ونسب ما ذكرناه إلى ظاهر الأصحاب ويدل عليه قول أبي الحسن عليه السلام في مرسلة حماد بن عيسى {3} والأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب فهي
1) الوسائل، باب 41، من أبواب جهاد العدو، حديث 2. 405 موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها على صلح ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثان على قدر ما يكون لهم صالحا [صلاحا] ولا يضر بهم [هم] الحديث، ويستفاد منه أنه إذا جعل عليهم من الخراج أو المقاسمة ما يضر بهم لم يجز ذلك كالذي يؤخذ من بعض مزارعي بعض بلادنا بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج فيجبرونه على الزراعة، و حينئذ ففي حرمة كل ما يؤخذ أو المقدار الزائد على ما يضر الزيادة عليه وجهان. وحكى عن بعض أنه يشترط أن لا يزيد على ما كان يأخذه المتولي له الإمام العادل إلا برضاه، والتحقيق أن مستعمل الأرض بالزرع والغرس إن كان مختارا في استعمالها فمقاطعة الخراج والمقاسمة باختياره واختيار الجائر، فإذا تراضيا علي شئ فهو الحق قليلا كان أو كثيرا وإن كان لا بد له من استعمال الأرض لأنها كانت مزرعة له مدة سنين، ويتضرر بالارتحال عن تلك القرية إلى غيرها، فالمناط ما ذكر في المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا بأن لا يبقى لهم بعد أداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا على الزرع من المال وبذلوا له من أبدانهم الأعمال.
1) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس. 406 السابع: ظاهر اطلاق الأصحاب أنه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان على وجه الهدية أو يقطعه الأرض الخراجية اقطاعا أن يكون مستحقا له {1} ونسبه الكركي قدس سره في رسالته إلى اطلاق الأخبار والأصحاب، و لعله أراد اطلاق ما دل على حل جوائز السلطان وعماله مع كونها غالبا من بيت المال، وإلا فما استدلوا به لأصل المسألة إنما هي الأخبار الواردة في جواز ابتياع الخراج والمقاسمة والزكاة والواردة في حل تقبيل الأرض الخراجية من السلطان، ولا ريب في عدم اشتراط كون المشتري والمتقبل مستحقا لشئ من بيت المال، ولم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من الخراج حتى يتمسك باطلاقه عدا أخبار جوائز السلطان مع أن تلك الأخبار واردة أيضا في أشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال {2} فالحكم بنفوذ تصرف الجائر على الاطلاق في الخراج من حيث البذل والتفريق كنفوذ تصرفه على الاطلاق فيه بالقبض والأخذ والمعاملة عليه مشكل.
407 وأما قوله عليه السلام في رواية الحضرمي السابقة ما يمنع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك أما علم أن لك نصيبا من بيت المال {1} فإنما يدل على أن كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ لا أن كل من لا نصيب له لا يجوز أخذه، وكذا تعليل العلامة قدس سره فيما تقدم من دليله بأن الخراج حق لله أخذه غير مستحقه {2} فإن هذا لا ينافي إمضاء الشارع لبذل الجائر إياه كيف شاء كما أن للإمام عليه السلام أن يتصرف في بيت المال كيف شاء، فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة والمذكور في كلام العلامة قدس سره على اعتبار استحقاق الأخذ بشئ من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر. ثم أشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل أحد كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة. وفي المسالك أنه يشترط أن يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم بحيث لا يعد عندهم عاصيا إذ يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا، ثم قال: ويحتمل الجواز مطلقا نظرا إلى اطلاق النص والفتوى، قال: ويجئ مثله في المقاسمة والخراج، فإن مصرفها بيت المال وله أرباب مخصوصون عندهم أيضا، انتهى.
1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5. 2) نفس المصدر، ح 6. 408 الثامن: إن كون الأرض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج والمقاسمة يتوقف على أمور ثلاثة {1}. الأول: كونها مفتوحة عنوة أو صلحا على أن يكون الأرض للمسلمين {2} إذ ما عداهما من الأرضين لا خراج عليها. نعم لو قلنا بأن حكم ما يأخذه الجائر من الأنفال حكم ما يأخذه من أرض الخراج دخل ما يثبت كونه من الأنفال في حكمها.
409 نقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم وبشهادة العدلين، وبالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم {1} بناء على كفايته في كل ما يعسر إقامة البينة عليه، كالنسب والوقف والملك المطلق {2}.
1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات،، حديث 4. 410
1) الوسائل، باب 6، من أبواب أحكام الوديعة، حديث 1. 2) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج، حديث 4. 411 وأما ثبوتها بغير ذلك من الأمارات الظنية حتى قول من يوثق به من المؤرخين فمحل اشكال لأن الأصل {1} عدم الفتح عنوة وعدم تملك المسلمين، نعم الأصل عدم تملك غيرهم أيضا {2} فإن فرض دخولها بذلك في الأنفال وألحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو وإلا فمقتضى القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها. وأما الزراع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع فيعمل فيها معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده من كونه مال الإمام عليه السلام أو مجهول المالك أو غير ذلك.
412 والمعروف بين الإمامية بلا خلاف ظاهر أن أرض العراق فتحت عنوة، و حكى ذلك عن التواريخ المعتبرة وحكى عن بعض العامة أنها فتحت صلحا، وما دل على كونها ملكا للمسلمين يحتمل الأمرين {1}: ففي صحيحة الحلبي أنه سأل أبو عبد الله عليه السلام عن أرض السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم ولمن يدخل في الاسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد، ورواية أبي الربيع الشامي لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هي في للمسلمين، وقريب منها صحيحة ابن الحجاج، وأما غير هذه الأرض مما ذكر واشتهر فتحها عنوة.
413 فإن أخبر به عدلان يحتمل حصول العلم لهما من السماع أو الظن المتاخم من الشياع أخذ به على تأمل في الأخير كما في العدل الواحد وإلا فقد عرفت الاشكال في الاعتماد على مطلق الظن. وأما العمل بقول المؤرخين بناء على أن قولهم في المقام نظير قول اللغوي في اللغة وقول الطبيب وشبههما فدون اثباته خرط القتاد وأشكل منه اثبات ذلك باستمرار السيرة {1}.
414 على أخذ الخراج من أرض لأن ذلك أما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الأول من غير نكير إذ لو كان شيئا حادثا لنقل في كتب التواريخ لاعتناء أربابها بالمبتدعات والحوادث. وأما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين وهو أخذهم الخراج على الصحيح، ويرد على الأول مع أن عدم التعرض يحتمل كونه لأجل عدم اطلاعهم الذي لا يدل على العدم أن هذه الأمارات ليست بأولى من تنصيص أهل التواريخ الذي عرفت حاله، وعلى الثاني أنه إن أريد بفعل المسلم تصرف السلطان بأخذ الخراج فلا ريب أن أخذه حرام و إن علم كون الأرض خراجية فكونها كذلك لا يصحح فعله ودعوى أن أخذه الخراج من أرض الخراج أقل فسادا من أخده من غيرها توهم لأن مناط الحرمة في المقامين واحد، وهو أخذ مال الغير من غير استحقاق واشتغال ذمة المأخوذ منه بأجرة الأرض الخراجية وعدمه في غيرها لا يهون الفساد. نعم بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان وهو من يقع في يده شئ من الخراج بمعاوضة أو تبرع فيحل في الأرض الخراجية دون غيرها مع أنه لا دليل على وجوب حمل الفاسد على الأقل فسادا إذا لم يتعدد عنوان الفساد كما لو دار الأمر بين الزنا مكرها للمرأة وبين الزنا برضائها حيث إن الظلم محرم آخر غير الزنا بخلاف ما نحن فيه مع أن أصالة الصحة لا تثبت الموضوع وهو كون الأرض خراجية إلا أن يقال: إن المقصود ترتب آثار الأخذ الذي هو أقل فسادا وهو حل تناوله من الأخذ، وإن لم يثبت كون الأرض خراجية بحيث يترتب عليه الآثار الأخر مثل وجوب دفع أجرة الأرض إلى حاكم الشرع ليصرفه في المصالح إذا فرض عدم السلطان الجائر، ومثل حرمة التصرف فيه من دون دفع أجرة أصلا لا إلى الجائر ولا إلى حاكم الشرع وإن أريد بفعل المسلم تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الأرض. ففيه أنه لا عبرة بفعلهم إذا علمنا بأنهم لا يعلمون حال هذه الأراضي كما هو الغالب في محل الكلام إذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم إحراز الموضوع، ولو احتمل تقليدهم لمن يرى تلك الأرض خراجية لم ينفع ولو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية كان اللازم من ذلك جواز التناول من أيديهم لا من يد السلطان كما لا يخفى.
415 الثاني: أن يكون الفتح بإذن الإمام عليه السلام {1} وإلا كان المفتوح مال الإمام عليه السلام بناء أصحابنا وهي مرسلة العباس الوراق {2} وفيها أنه إذا غزى قوم بغير إذن الإمام عليه السلام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، قال في المبسوط وعلى هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ما فتحت في زمان الوصي عليه السلام من مال الإمام، انتهى.
1) الوسائل، باب 1، من أبواب الأنفال، حديث 16. 416
1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 8. 2) الوسائل، باب 72، من أبواب جهاد العدو. 417 أقول: فيبتني حل المأخوذ منها خراجا على ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الأنفال. والظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دل على أنها للمسلمين. وأما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني. وهي أغلب ما فتحت فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضا بإذن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأمره. ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن الله تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن، عن أبيه وشيخه عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن جعفر بن محمد النوفلي عن يعقوب الرائد عن أبي عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن يعقوب بن عبد الله الكوفي عن موسى بن عبيد عن عمر بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام {1} أنه أتى يهودي أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن وفيه قوله عليه السلام.
1) الخصال أبواب السبعة، باب أن الله تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن وبعد وفاتهم في سبعة مواطن. 418 وأما الرابعة: يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلى الله عليه وآله فإن القائم بعد صاحبه يعني عمر بعد أبي بكر كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها فيصدرها عن أمري ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي لا يعلمه أحد ولا يعلمه أصحابي ولا يناظرني غيره الخبر. والظاهر أن عموم الأمور إضافي بالنسبة إلى ما لا يقدح في رئاسته مما يتعلق بالسياسة، ولا يخفى أن الخروج إلى الكفار ودعائهم إلى الاسلام من أعظم تلك الأمور بل لا أعظم منه. وفي سند الرواية جماعة تخرجها عن حد الاعتبار إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يثبتون [لا يودعون]، [لا يخرصون]، [لا يخرجون] في كتبهم رواية في راويها ضعف إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابر لضعفها في الجملة مضافا إلى ما اشتهر {1} من حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات ودخول بعض خواص أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة كعمار في أمرهم. وفي صحيحة {2} محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة الإمام عليه السلام في الأرض الذي فتحت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين، الخبر.
1) الوسائل، باب 69، من أبواب جهاد العدو. 419 وظاهرها أن سائر الأرضين المفتوحة بعد النبي صلى الله عليه وآله حكمها حكم أرض العراق مضافا إلى أنه يمكن الاكتفاء عن إذن الإمام المنصوص في مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضا أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام بالفتوحات الاسلامية الموجبة لتأيد هذا الدين {1}. وقد ورد أن الله تعالى يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه مع أنه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد على وجه الصحيح {2} وهو كونه بأمر الإمام عليه السلام مع أنه يمكن أن يقال إن عموم ما دل من الأخبار الكثيرة على تقيد الأرض المعدودة من الأنفال بكونها مما لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب وعلى أن ما أخذت بالسيف من الأرضين يصرفها (يصرف حاصلها) في مصالح المسلمين معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق.
420 فيرجع إلى عموم قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) الآية، فيكون الباقي للمسلمين إذ ليس لمن قابل [قاتل] شئ من الأرضين نصا وإجماعا. الثالث: أن يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام عليه السلام محياة حال الفتح {1} ليدخل في الغنائم ويخرج منها الخمس أولا على المشهور ويبقي ا لباقي للمسلمين.
1) الأنفال، آية: 42. 421
1) الوسائل، باب 1، من أبواب قسمة الخمس، حديث 3. 2) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 5. 422 فإن كانت حينئذ مواتا كانت للإمام عليه السلام {1} كما هو المشهور بل المتفق عليه على الظاهر المصرح به عن الكفاية، ومحكي التذكرة ويقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية على أن الموات من الأنفال لاطلاق {2} الأخبار الدالة على أن الموات بقول مطلق له عليه السلام ولا يعارضها اطلاق الاجماعات، والأخبار الدالة على أن المفتوحة عنوة للمسلمين لأن موارد الاجماعات هي الأرض المغنومة عن الكفار كسائر الغنائم التي يملكونها منهم، ويجب فيها الخمس وليس الموات من أموالهم وإنما هي مال الإمام ولو فرض جريان أيديهم عليه كان بحكم المغصوب لا يعد في الغنيمة، و ظاهر الأخبار خصوص المحياة مع أن الظاهر عدم الخلاف، نعم لو مات المحياة حال الفتح {3} فالظاهر بقائها على ملك المسلمين بل عن ظاهر
423 الرياض استفادة عدم الخلاف في ذلك من السرائر لاختصاص أدلة الموات بما إذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما عرف صاحبه {1}، ثم إنه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة {2} ومع الشك فيها فالأصل العدم وإن وجدناها الآن محياة لأصالة عدمها حال الفتح.
1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه. 2) الوسائل، باب 1، من أبواب احياء الموات. 3) الوسائل، باب 3، من أبواب احياء الموات، حديث 2. 424 فيشكل الأمر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة {1} نعم ما وجد منها في يد مدع للملكية حكم بها له. أما إذا كانت بيد السلطان أو من أخذها منه فلا يحكم لأجلها بكونها خراجية لأن يد السلطان عادية على الأراضي الخراجية أيضا وما لا يد لمدعي الملكية عليها كان مرددا بين المسلمين ومالك خاص مردد بين الإمام لكونها تركة من لا وارث له وبين غيره فيجب مراجعة حاكم الشرع في أمرها ووظيفة الحاكم في الأجرة المأخوذة منها أما القرعة وأما صرفها في مصرف مشترك بين الكل كفقير يستحق الانفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين.
425 ثم اعلم أن ظاهر الأخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق {1} المسمى بأرض السواد من غير تقييد بالعامر فينزل على أن كلها كانت عامرة حال الفتح، و يؤيده أنهم ضبطوا أرض الخراج كما في المنتهى وغيره بعد المساحة بستة أو اثنين وثلاثين ألف ألف جريب، وحينئذ فالظاهر أن البلاد الاسلامية المبنية في العراق هي وما يتبعها من القرى من المحياة حال الفتح التي تملكها المسلمون وذكر العلامة قدس سره في كتبه تبعا لبعض ما عن المبسوط والخلاف أن حد
1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع، حديث 4، كتاب التجارة. 426 سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب عرضا ومن تخوم الموصل إلى ساحل البحر ببلاد عبادان طولا وزاد العلامة قدس سره قوله من شرقي دجلة. فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو اسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص، وما والاها كانت [سباخا] مماتا فأحياها عثمان، و يظهر من هذا التقييد أن ما عدا ذلك كانت محياة كما يؤيده ما تقدم من تقدير الأرض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب فما قيل من أن البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد والكوفة والحلة، والمشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون ولم تفتح عنوة ولم يثبت أن أرضها يملكها المسلمون بالاستغنام والتي فتحت عنوة و أخذت من الكفار قهرا قد انهدمت، لا يخلو عن نظر لأن المفتوح عنوة لا يختص بالأبنية حتى يقال إنها انهدمت فإذا كانت البلاد المذكورة وما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فأين أرض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة وثلاثين ألف ألف جريب وأيضا من البعيد عادة أن يكون بلد المدائن على طرف العراق بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة مواتا غير معمورة وقت الفتح، والله العالم ولله الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع، حديث 5. 427