بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: منهاج الفقاهة المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني الجزء: 3 الوفاة: معاصر المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن تحقيق: الطبعة: الرابعة سنة الطبع: 1418 - 1376 ش المطبعة: العلمية الناشر: ردمك: ملاحظات: منهاج الفقاهة التعليق علي مكاسب الشيخ الأعظم منهاج الفقاهة التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم لآية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني الجزء الثالث
1 الكتاب: منهاج الفقاهة الجزء 3 المؤلف: آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني الطبعة: الرابعة تاريخ النشر: 1418 ه ق. 1376 ه ش المطبعة: العلمية
2 البيع
3 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما أولانا من التفقه في الدين والهداية إلى الحق، وأفضل صلواته وأكمل تسليماته على رسوله صاحب الشريعة الخالدة، وعلى آله العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه، سيما بقية الله في الأرضين أرواح من سواه فداه. وبعد فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا منهاج الفقاهة وقد وفقنا إلى طبعة، والمرجو من الله تعالى التوفيق لنشر بقية المجلدات فإنه ولي التوفيق.
4 كتاب البيع (1)
5 وهو في الأصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال {1}
(1) سورة البقرة: آية 9. (2) سورة النساء: آية 101. 6 والظاهر اختصاص المعوض بالعين، فلا يعم ابدال المنافع بغيرها، {1} و عليه استقر اصطلاح الفقهاء في البيع، نعم ربما يستعمل في كلمات بعضهم في نقل غيرها
8 بل يظهر من كثير من الأخبار {1} كالخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر، وبيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها، {2} وكأخبار بيع الأرض الخراجية وشرائها. {3} والظاهر أنها مسامحة في التعبير كما أن لفظ الإجارة يستعمل عرفا في نقل بعض الأعيان كالثمرة على الشجرة {4}
(1) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 5. (2) الوسائل باب 3 من أبواب التدبير من كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد حديث 4. (3) الوسايل باب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه من كتاب الجهاد. (4) الوسائل باب 2 من أبواب بيع الثمار حديث 4. 12 وأما العوض فلا اشكال في جواز كونها منفعة {1} كما في غير موضع من القواعد و عن التذكرة وجامع المقاصد ولا يبعد عدم الخلاف فيه، نعم نسب إلى بعض الأعيان (وهو البهبهاني) الخلاف فيه، ولعله لما اشتهر في كلامهم من أن البيع نقل الأعيان والظاهر إرادتهم بيان البيع نظير قولهم إن الإجارة لنقل المنافع.
13 وأما عمل الحر فإن قلنا: إنه قبل المعاوضة عليه من الأموال فلا اشكال {1} وإلا ففيه اشكال من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالا قبل المعاوضة كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح.
14 وأما الحقوق فإن لم يقبل المعاوضة بالمال {1}
16 كحق الحضانة والولاية فلا اشكال {1} وكذا لو لم يقبل النقل كحق الشفعة وحق الخيار {2}
(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 18 لأن البيع تمليك الغير {1}
19 ولا ينتقض ببيع الدين على من هو عليه لأنه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط ولذا جعل الشهيد في قواعده الابراء مرددا بين الاسقاط والتمليك. والحاصل أنه يعقل أن يكون أن يكون مالكا في ذمته فيؤثر تمليكه السقوط ولا يعقل أن يتسلط على نفسه {1}
20 والسر أن مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد {1} بخلاف الملك فإنها نسبة بين المالك والمملوك ولا يحتاج إلى من يملك عليه حتى يستحيل اتحاد المالك والمملوك عليه فافهم
21 وأما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير ونحوه فهي وإن قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح إلا أن في جواز وقوعها عوضا للبيع اشكالا {1} من أخذ المال في عوضي المبايعة لغة وعرفا {2} مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين، ولما يصح أن يكون أجرة في الإجارة في حصر الثمن في المال. {3}
22 ثم الظاهر أن لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية ولا متشرعية بل هو باق على معناه العرفي كما سنوضحه إن شاء الله. إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه، {1} ففي المبسوط والتذكرة وغيرهما، انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي و {2} وحيث إن في هذا التعريف مسامحة واضحة.
23 عدل آخرون إلى تعريفه بالايجاب والقبول الدالين على الانتقال {1} وحيث إن البيع من مقولة المعنى دون اللفظ مجردا أو بشرط قصد المعنى وإلا لم يعقل انشائه باللفظ {2} عدل جامع المقاصد إلى تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة {3}
24 ويرد عليه مع أن النقل ليس مرادفا للبيع، {1} ولذا صرح في التذكرة بأن ايجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت وجعله من الكنايات وأن المعاطاة عنده بيع مع حلوها عن الصيغة {2} أن النقل بالصيغة أيضا لا يعقل انشاءه بالصيغة {3} ولا يندفع هذا بأن المراد أن البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة فجعله مدلول الصيغة إشارة إلى تعيين ذلك الفرد من النقل لا أنه مأخوذ في مفهومه حتى يكون مدلول بعت نقلت بالصيغة لأنه إن أريد بالصيغة خصوص بعت لزم الدور لأن المقصود معرفة مادة بعت وإن أريد بها ما يشمل ملكت وجب الاقتصار على
25 مجرد التمليك والنقل. فالأولى تعريفه بأنه انشاء تمليك عين بمال {1} ولا يلزم عليه شئ مما تقدم. نعم يبقى عليه أمور:
26 منها: إنه موقوف على جواز الايجاب بلفظ ملكت وإلا لم يكن مرادفا له و يرده أنه الحق كما سيجئ ومنها: إنه لا يشمل بيع الدين على من هو عليه لأن الانسان لا يملك ما لا على نفسه، {1} وفيه مع ما عرفت وستعرف من تعقل تملك ما على نفسه (في ذمته) ورجوعه إلى سقوطه عنه {2} نظير تملك ما هو مساو لما في ذمته وسقوطه بالتهاتر أنه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع إذ ليس للبيع لغة وعرفا معنى غير المبادلة والنقل والتمليك وما يساويها من الألفاظ، ولذا قال فخر الدين أن معنى بعت في لغة العرب ملكت غيري فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه لم يعقل شئ مما يساويها فلا يعقل البيع. ومنها: أنه يشمل التمليك بالمعاطاة مع حكم المشهور بل دعوى الاجماع على أنها ليست بيعا، وفيه ما سيجئ من كون المعاطاة بيعا لأن مراد النافين نفي صحته.
27 ومنها: صدقه على الشراء، فإن المشتري بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع وفيه أن التمليك فيه ضمني {1}، وإنما حقيقته التملك بعوض، ولذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت تقدم على الايجاب أو تأخر، وبه يظهر اندفاع الايراد بانتقاضه بمستأجر العين {2} حيث إن الاستئجار يتضمن تمليك العين بمال أعني المنفعة ومنها انتقاض طرده بالصلح على العين بمال وبالهبة المعوضة. وفيه أن حقيقة الصلح ولو تعلق بالعين ليس هو التمليك على وجه المقابلة والمعاوضة بل معناه الأصلي هو التسالم. {3} ولذا لا يتعدى بنفسه إلى المال. نعم هو متضمن
28 للتمليك إذا تعلق بعين {1} لا أنه نفسه والذي يدلك على هذا أن الصلح قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة فيفيد التمليك وقد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية وهو مجرد التسليط، وقد يتعلق بالحقوق فيفيد الاسقاط أو الانتقال. وقد يتعلق بتقرير أمر بين المتصالحين، كما في قول أحد الشريكين لصاحبه صالحتك على أن يكون الربح لك والخسران عليك، فيفيد مجرد التقرير فلو كانت حقيقة الصلح هي عين كل من هذه المفادات الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا وهو واضح البطلان فلم يبق إلا أن يكون مفهومه معنى آخر وهو التسالم فيفيد في كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقه، فالصلح على العين بعوض تسالم عليه وهو يتضمن التمليك لا أن مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام وحقيقته هو انشاء التمليك ومن هنا لم يكن طلبه من الخصم اقرارا له بخلاف طلب التمليك. وأما الهبة المعوضة والمراد {2} بها هنا ما اشترط فيها العوض فليست انشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة {3} وإلا لم يعقل تملك أحدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر.
29 مع أن ظاهرهم عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب بالهبة بل غاية الأمر أن المتهب لو لم يؤد العوض، كان للواهب الرجوع في هبته. فالظاهر أن التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط فيها في كونه تمليكا مستقلا {1} يقصد به وقوعه عوضا لا أن حقيقة المعاوضة والمقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الأولى، فقد تحقق مما ذكرنا أن حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلا البيع فلو قال ملكتك كذا بكذا، كان بيعا ولا يصح صلحا ولا هبة معوضة وإن قصدهما إذ التمليك على جهة المقابلة الحقيقية ليس صلحا ولا هبة فلا يقعان به، نعم لو قلنا بوقوعها بغير الألفاظ الصريحة توجه تحققهما مع قصدهما فما قيل من أن البيع هو الأصل في تمليك الأعيان بالعوض فيقدم على الصلح والهبة المعوضة محل تأمل، بل منع لما عرفت من أن تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير. نعم لو أتى بلفظ التمليك بالعوض واحتمل إرادة غير حقيقته كان مقتضى الأصل اللفظي حمله على المعنى الحقيقي فيحكم بالبيع، لكن الظاهر أن الأصل بهذا المعنى ليس مراد القائل المتقدم وسيجئ توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء الله.
30 بقي القرض داخلا في ظاهر الحد ويمكن اخراجه بأن مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك على وجه ضمان المثل أو القيمة {1} لا معوضة للعين بهما ولذا لا يجري فيه ربا المعاوضة {2}
31 ولا الغرر المنفي فيهما {1} ولا ذكر العوض {2} ولا العلم به {3} فتأمل. ثم إن ما ذكرنا تعريف للبيع المأخوذ في صيغة بعت وغيره من المشتقات
32 ويظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله في معان أخر غير ما ذكر {1} أحدها: التمليك المذكور لكن بشرط تعقبه بتملك المشتري وإليه نظر بعض مشايخنا حيث أخذ قيد التعقب بالقبول في تعريف البيع المصطلح، ولعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ بل وصحة السلب عن المجرد، ولهذا لا يقال باع فلان ماله إلا بعد أن يكون قد اشتراه غيره، ويستفاد من قول القائل بعت مالي أنه اشتراه غيره، لا أنه أوجب البيع فقط الثاني: الأثر الحاصل من الايجاب والقبول وهو الانتقال كما يظهر من المبسوط وغيره الثالث: نفس العقد المركب من الايجاب والقبول وإليه ينظر من عرف البيع بالعقد،
33 قال: بل الظاهر اتفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين أبواب المعاملات {1} حتى الإجارة وشبهها التي ليست هي في الأصل اسما لأحد طرفي العقد. أقول: أما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول فالظاهر أنه ليس مقابلا للأول وإنما هو فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة على إرادة الايجاب المثمر إذ لا ثمرة في الايجاب المجرد فقول المخبر بعت إنما أراد الايجاب المقيد، فالقيد مستفاد من الخارج لا أن البيع مستعمل في الايجاب المتعقب للقبول، و كذلك لفظ النقل {2} وإلا بدال والتمليك وشبهها مع أنه لم يقل أحد بأن تعقب القبول له دخل في معناها. نعم تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج لا في نظر الناقل إذ التأثير لا ينفك عن الأثر فالبيع وما يساويه معنى من قبيل الايجاب و الوجوب لا الكسر والانكسار كما تخيله بعض فتأمل. ومنه يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معنى البيع المصطلح فضلا عن أن يجعل أحد معانيها.
(1) الوسائل باب 1 من أبواب الخيار. 34 وأما البيع بمعنى الأثر وهو الانتقال فلم يوجد في اللغة ولا في العرف وإنما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط وقد يوجه بأن المراد بالبيع المحدود المصدر من المبني للمفعول أعني المبيعية وهو تكلف حسن وأما البيع بمعنى العقد فقد صرح الشهيد الثاني بأن اطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية. {1} والظاهر أن المسبب هو الأثر الحاصل في نظر الشاعر لأنه المسبب عن العقد لا النقل الحاصل من فعل الموجب لما عرفت من أنه حاصل بنفس انشاء الموجب من دون توقف على شئ كحصول وجوب الضرب في نظر الأمر بمجرد الأمر وإن لم يصر واجبا في الخارج في نظر غيره وإلى هذا نظر جميع ما ورد في النصوص والفتاوى من قولهم لزم في الخارج في نظر غيره وإلى هذا نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوى من قولهم لزم البيع أو وجب أو لا بيع بينهما أو أقاله في البيع ونحو ذلك. والحاصل أن البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع اعتبار تحققه في نظر الشارع المتوقف على تحقق الايجاب والقبول، فإضافة العقد إلى البيع بهذا المعنى ليست بيانية، ولذا يقال انعقد البيع، ولا ينعقد البيع، ثم إن الشهيد الثاني نص في
35 كتاب اليمين من المسالك على أن عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح {1} مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة والمجاز كالتبادر وصحة السلب {2} قال: ومن ثم حمل الاقرار به عليه {3} حتى لو ادعى إرادة الفاسد لم يسمع اجماعا، ولو كان مشتركا بين الصحيح والفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة وانقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة، انتهى.
36 وقال الشهيد الأول في قواعده الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود لا يطلق على الفاسد {1} إلا الحج لوجوب المضي فيه، وظاهره إرادة الاطلاق الحقيقي ويشكل ما ذكراه بأن وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك باطلاق نحو أحل الله البيع واطلاقات أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شئ فيها مع أن سيرة علماء الاسلام التمسك بها في هذه المقامات. نعم يمكن أن يقال
(1) البقرة: 275. 37 إن البيع وشبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر {1} الذي يراد من قول القائل بعت عند الانشاء لا يستعمل حقيقة إلا فيما كان صحيحا مؤثرا ولو في نظرهم. ثم إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده وإلا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل بعت عند العرف والشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ومجاز في غيره، إلا أن الإفادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشرع. وأما وجه تمسك العلماء باطلاق أدلة البيع ونحوه.
38 فلأن الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع، وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف {1} أو على المصدر الذي يراد من لفظ بعت {2} فيستدل باطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثرا في نظر الشارع أيضا فتأمل. فإن للكلام محلا آخر.
39
(1) البقرة 275. 43 الكلام في المعاطاة: إعلم أن المعاطاة على ما فسره جماعة أن يعطى كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر {1} وهو يتصور على وجهين: أحدهما: أن يبيح كل منهما للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر إلى تمليكه. الثاني: أن يتعاطيا على وجه التمليك، وربما يذكر وجهان آخران:
44 أحدهما: أن يقع النقل من غير قصد البيع، ولا تصريح بالإباحة المزبورة بل يعطي شيئا ليتناول شيئا فدفعه الآخر إليه. {1} والثاني: أن يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع ويرد الأول بامتناع خلو الدافع [الواقع] عن قصد عنوان من عناوين البيع، أو الإباحة أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العنوانات الخاصة. {2}
45 والثاني: بما تقدم في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو {1} مفهوم البيع لا غير. نعم يظهر من غير واحد منهم في بعض العقود كبيع لبن الشاة مدة وغير ذلك كون التمليك المطلق أعم من البيع، ثم إن المعروف بين علمائنا في حكمها أنها مفيدة لإباحة التصرف ويحصل الملك بتلف إحدى العينين. وعن المفيد وبعض العامة القول بكونها لازمة كالبيع وعن العلامة رحمه الله في النهاية احتمال كونها بيعا فاسدا في عدم إفادتها لإباحة التصرف
46 ولا بد أولا من ملاحظة أن النزاع في المعاطاة المقصود بها الإباحة أو في المقصود بها التمليك {1} الظاهر من الخاصة والعامة هو المعنى الثاني، وحيث إن الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف وحصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين نزل المحقق الكركي الإباحة في كلامهم على الملك الجائز المتزلزل وأنه يلزم بذهاب إحدى العينين وحقق ذلك في شرحه على القواعد وتعليقه على الارشاد بما لا مزيد عليه.
47 لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ إلى جعل محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرد الإباحة {1} ورجح بقاء الإباحة في كلامهم على ظاهرها المقابل للملك. ونزل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة على هذا الوجه وطعن على من جعل محل النزاع في المعاطاة، بقصد التمليك قائلا إن القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب وكبرائهم والانصاف أن ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الإباحة بالملك المتزلزل بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب مثل الشيخ في المبسوط والخلاف والحلي في السرائر وابن زهرة في الغنية والحلبي في الكافي والعلامة في التذكرة وغيرها بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف إلا أن جعل محل النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك أبعد منه بل لا يكاد يوجد في كلام أحد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى، ولننقل أولا
48 كلمات جماعة ممن ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الإباحة على الملك المتزلزل كما صنعه المحقق الكركي وأبعدية جعل محل الكلام في كلمات قدمائنا الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون التمليك. فنقول: وبالله التوفيق قال في الخلاف: إذا دفع قطعة إلى البقلي أو الشارب فقال أعطني بها بقلا أو ماء فأعطاه، فإنه لا يكون بيعا وكذلك سائر المحقرات، و إنما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من دون أن يكون ملكه، وفائدة ذلك أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك لأن الملك لم يحصل لهما، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا وإن لم يوجد الايجاب والقبول وقال ذلك في المحقرات دون غيرها، دليلنا أن العقد حكم شرعي ولا دلالة في الشرع على وجوده هنا فيجب أن لا يثبت. وأما الإباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها انتهى. ولا يخفى صراحة هذا الكلام في عدم حصول الملك. وفي أن محل الخلاف بينه وبين أبي حنيفة ما لو قصد البيع، لا الإباحة المجردة كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنيفة حيث إنه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال، قال وينعقد بالايجاب والقبول و بالتعاطي وأيضا فتمسكه بأن العقد حكم شرعي يدل على عدم انتفاء قصد البيعية وإلا لكان الأولى بل المتعين التعليل به إذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة وعرفا لا معنى للتمسك بتوقيفية الأسباب الشرعية كما لا يخفى. وقال في السرائر بعد ذكر اعتبار الايجاب والقبول واعتبار تقدم الأول على الثاني ما لفظه فإذا دفع قطعة إلى البقلي أو إلى الشارب فقال: أعطني فإنه لا يكون بيعا ولا عقدا لأن الايجاب والقبول ما حصلا، وكذلك سائر المحقرات و سائر الأشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب والحيوان أو غير ذلك، وإنما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه ولكل منهما أن يرجع فيما بذله لأن الملك لم يحصل لهما وليس ذلك من العقود الفاسدة لأنه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار إلى كل واحد منهما، وإنما ذلك، على جهة الإباحة انتهى فإن تعليله عدم الملك بعدم حصول الايجاب والقبول يدل على أن ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك مع
49 أن ذكره في حيز شروط العقد يدل على ما ذكرنا ولا ينافي ذلك قوله وليس هذا من العقود الفاسدة الخ، كما لا يخفى. وقال ابن زهرة في الغنية بعد ذكر الايجاب والقبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضي ومعلومية العوضين، وبعد بيان الاحتراز بكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة له ما هذا لفظه واعتبرنا حصول الايجاب والقبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري والايجاب من البائع بأن يقول بعنيه بألف فيقول بعتك بألف فإنه لا ينعقد بذلك بل لا بد أن يقول المشتري، بعد ذلك اشتريت أو قبلت حتى ينعقد واحترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة ويقول أعطني بقلا فيعطيه، فإن ذلك ليس ببيع. وإنما هو إباحة للتصرف يدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه وأيضا، فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به وليس على صحته بما عداه دليل. ولما ذكرنا [من اعتبار الايجاب والقبول اللفظيين] نهى صلى الله عليه وآله عن بيع المنابذة والملامسة وعن بيع الحصاة على التأويل الآخر ومعنى ذلك أن يجعل اللمس بشئ والنبذ له والقاء الحصاة بيعا موجبا، انتهى. فإن دلالة هذا الكلام على أن المفروض قصد المتعاطين التمليك من وجوه متعددة منها ظهور أدلته الثلاثة في ذلك، ومنها احترازه عن المعاطاة والمعاملة بالاستدعاء بنحو واحد، وقال في الكافي بعد ذكر أنه يشترط في صحة البيع أمور ثمانية ما لفظه واشترط الايجاب والقبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع إلى أن قال: فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع، ولم يستحق التسليم وإن جاز التصرف مع اخلال بعضها للتراضي دون عقد البيع ويصح معه الرجوع انتهى. وهو في الظهور قريب من عبارة الغنية. وقال المحقق رحمه الله في الشرائع ولا يكفي التقابض من غير لفظ وإن حصل من الأمارات ما دل على إرادة البيع، انتهى. وذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة لما لم يقصد به البيع بل للتنبيه على أنه لا عبرة بقصد البيع من الفعل، وقال في التذكرة في حكم الصيغة الأشهر عندنا أنه لا بد منها فلا يكفي التعاطي في الجليل والحقير مثل أعطني بهذا الدينار ثوبا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه وبه قال الشافعي مطلقا
50 لأصالة بقاء الملك وقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد وعن بعض الحنفية وابن شريح في الجليل، وقال أحمد ينعقد مطلقا ونحوه قال مالك: فإنه قال: ينعقد بما يعتقده (كذا في التذكرة) الناس بيعا، انتهى. ودلالته على قصد المتعاطين للملك لا يخفى من وجوه أدونها جعل مالك موافقا لا حمد في الانعقاد من جهة أنه قال ينعقد بما يعتقده الناس بيعا وقال الشهيد في قواعده بعد قوله قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي وذكر أمثلة لذلك ما لفظه. وأما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الإباحة لا الملك وإن كان في الحقير عندنا انتهى ودلالتها على قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفى هذا كله مع أن الواقع في أيدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك ويبعد فرض الفقهاء من العامة والخاصة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس مع أنهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس. ثم إنك قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك بل صراحة بعضها فالخلاف والسرائر والتذكرة والقواعد ومع ذلك كله فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد أنهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل فقال المعروف بين الأصحاب أن المعاطاة بيع وإن لم يكن كالعقد في اللزوم خلافا لظاهر عبارة المفيد ولا يقول أحد من الأصحاب بأنها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية. وقد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها وقوله تعالى: أحل الله البيع يتناولها لأنها بيع، بالاتفاق حتى من القائلين بفسادها لأنهم يقولون هي بيع فاسد. وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فإنه عام إلا ما أخرجه الدليل وما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب من أنها تفيد الإباحة و تلزم بذهاب إحدى العينين يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر وبالذهاب يتحقق اللزوم لامتناع إرادة الإباحة المجردة من أصل الملك إذ المقصود للمتعاطين إنما هو الملك، فإذا لم يحصل كانت فاسدة، ولم يجز التصرف في العين وكافة الأصحاب على خلافه وأيضا فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده، وإنما الأفعال لما لم يكن دلالتها على المراد في الصراحة كالأقوال وإنما تدل بالقرائن منعوا من لزوم العقد بها فيجوز التراد ما دام ممكنا فمع تلف إحدى العينين يمتنع التراد ويتحقق اللزوم
51 لأن إحداهما في مقابل الآخر ويكفي تلف بعض إحدى العينين لامتناع التراد في الباقي إذ هو موجب لتبعض الصفقة والضرر، انتهى. ونحوه المحكي عنه في تعليقه على القواعد وزاد فيه أن مقصود المتعاطين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلنا وإلا لوجب أن لا تحصل إباحة بالكلية بل يتعين الحكم بالفساد، إذ المقصود غير واقع فلو وقع غيره لوقع بغير قصد وهو باطل وعليه يتفرع النماء وجواز وطي الجارية ومن منع فقد أغرب انتهى والذي يقوي في النفس ابقاء ظواهر كلماتهم على حالها، وأنهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك في المعاطاة مع فرض قصد المتعاطين التمليك وأن الإباحة لم تحصل بانشائها ابتداء بل إنما حصلت كما اعترف به في المسالك من استلزام اعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليها الأذن في التصرف فيه بوجوه التصرفات فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة. وحاصله أن المقصود هو الملك فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرف إذ الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنه لم يصدر منه إلا التمليك وإن كانت من الشارع فليس عليها دليل ولم يشعر كلامهم بالاستناد إلى نص في ذلك مع أن إلغاء الشارع للأثر المقصود وترتيب غيره بعيد جدا مع أن التأمل في كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكية لا الشرعية ويؤيد إرادة الملك أن ظاهر اطلاقهم إباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا تصح إلا من المالك كالوطي والعتق والبيع لنفسه والتزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات، كما إذا وقعت هذه التصرفات من ذي الخيار أو من الواهب الذي يجوز له الرجوع بعيد. وسيجئ ما ذكره بعض الأساطين من أن هذا القول مستلزم لتأسيس قواعد جديدة، لكن الانصاف أن القول بالتزامها لهذه الأمور أهون من توجيه كلماتهم، فإن هذه الأمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضى الأصل عدم الملكية ولم يساعد عليها دليل معتبر واقتضى الدليل صحة التصرفات المذكورة مع أن المحكي عن حواشي الشهيد على القواعد المنع عما يتوقف على الملك كاخراجه في خمس أو زكاة وكوطي الجارية، ومما يشهد على نفي البعد عما ذكرنا من إرادتهم الإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك أنه قد صرح الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر كظاهر العلامة في القواعد بعدم حصول الملك
52 باهداء الهدية بدون الايجاب والقبول ولو من الرسول. نعم يفيد ذلك إباحة التصرف لكن الشيخ استثنى وطي الجارية. ثم إن المعروف بين المتأخرين أن من قال بالإباحة المجردة في المعاطاة قال: بأنها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة ومعقد اجماع الغنية وما أبعد ما بينه وبين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم وكلاهما خلاف الظاهر ويدفع الثاني تصريح بعضهم بأن شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات وتصريح غير واحد بأن الايجاب والقبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة. وأما الأول فإن قلنا بأن البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح ولو بناء على ما قدمناه في آخر تعريف البيع، من أن البيع في العرف اسم للمؤثر منه في النقل. فإن كان في نظر الشارع أو المتشرعة من حيث إنهم متشرعة ومتدينون بالشرع صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيا، وإلا كان صوريا نظير بيع الهازل في نظر العرف فيصح على ذلك نفي البيعية على وجه الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة أو فسره بالعقد لأنهم في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر في النقل في نظر الشارع إذا عرفت ما ذكرنا
53 فالأقوال في المعاطاة على ما يساعده ظواهر كلماتهم {1} ستة اللزوم مطلقا كما هو ظاهر عن المفيد {2} ويكفي في وجود القائل به قول العلامة رحمه الله في التذكرة الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة واللزوم بشرط كون الدال على التراضي أو المعاملة لفظا حكى عن بعض معاصري الشهيد الثاني [هو السيد حسن (قده)] و بعض متأخري المحدثين (لكن في عد هذه الأقوال في المعاطاة تأمل)
55 والملك الغير اللازم ذهب إليه المحقق الثاني {1} ونسبه إلى كل من قال بالإباحة و في النسبة ما عرفت وعدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك كما هو ظاهر عبائر كثير بل ذكر في المسالك أن كل من قال بالإباحة يسوغ جميع التصرفات وإباحة ما لا يتوقف على الملك. وهو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشي الشهيد على القواعد وهو المناسب لما حكيناه عن الشيخ في اهداء الجارية من دون ايجاب وقبول. والقول بعدم إباحة التصرف مطلقا نسب إلى ظاهر النهاية. لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها والمشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة بل لم نجد قائلا به إلى زمان المحقق الثاني الذي قال به، ولم يقتصر على ذلك حتى نسبه إلى الأصحاب، نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير حيث قال فيه الأقوى أن المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية، فإن تلفت لزمت، انتهى. ولذا نسب ذلك إليه في المسالك لكن قوله بعد ذلك ولا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه بخلاف البيع الفاسد ظاهر في أن مراده مجرد الانتفاع إذ لا معنى لهذه العبارة بعد الحكم بالملك. وأما قوله والأقوى إلى آخره فهو إشارة إلى خلاف المفيد رحمه الله والعامة القائلين باللزوم واطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان واطلاق الفسخ على الرد بهذا الاعتبار أيضا، وكذا اللزوم ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه أن الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها على الايجاب والقبول، ثم قال: و هل يستغنى عن الايجاب والقبول في هدية الأطعمة الأقرب عدمه، نعم يباح التصرف بشاهد الحال، انتهى. وصرح بذلك أيضا في الهدية فإذا لم يقل في الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع،
56 وذهب جماعة تبعا للمحقق الثاني إلى حصول الملك ولا يخلو عن قوة للسيرة المستمرة على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه {1} بالعتق والبيع والوطي والايصاء وتوريثه وغير ذلك من آثار الملك.
57 ويدل عليه أيضا عموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) حيث إنه يدل على حلية جميع التصرفات المترتبة على البيع {1} بل قد يقال بأن الآية دالة عرفا بالمطابقة على صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفي لكنه محل تأمل {2}.
(1) البقرة: 275. 60 وأما منع صدق البيع، عليه عرفا فمكابرة {1} وأما دعوى الاجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية {2} فمرادهم بالبيع، المعاملة اللازمة التي هي أحد العقود، ولذا صرح في الغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع {3} ودعوى أن البيع الفاسد عندهم ليس بيعا قد عرفت الحال فيها.
62 ومما ذكر يظهر وجه التمسك بقوله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض) {1} وأما قوله (الناس مسلطون على أموالهم) {2} فلا دلالة فيه على المدعى لأن عمومه باعتبار أنواع السلطنة {3} فهو إنما يجدي فيما إذا شك في أن هذا النوع من السلطنة ثابتة المالك وماضية شرعا في حقه أم لا. أما إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة في حقه ماضية شرعا
(1) النساء آية 29. (2) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 63 لكن شك في أن هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطي مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه فلا يجوز الاستدلال على سببية المعاطاة في الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس على أموالهم.
64
(1) المائدة آية 2. 65 ومنه يظهر أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجئ من شروط الصيغة، و كيف كان ففي الآيتين مع السيرة كفاية، اللهم إلا يقال إنهما لا تدلان على الملك، {1} وإنما تدلان على إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك كالبيع والوطي والعتق والايصاء وإباحة هذه التصرفات إنما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات من الاجماع وعدم القول بالانفكاك دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات، وصرح في المسالك بأن من أجاز المعاطاة سوغ جميع التصرفات غاية الأمر أنه لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما فإن الجمع بين إباحة هذه التصرفات وبين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار ولا يتوقف على الالتزام بالملك من أول الأمر ليقال إن مرجع هذه الإباحة أيضا إلى التمليك. وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة وقلة المبالاة في الدين مما لا يحصى في عباداتهم ومعاملاتهم وسياساتهم {2} كما لا يخفى
66 ودعوى أنه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة على الملك {1} كما يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد على القواعد من منع اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي وعدم جواز وطي الجارية المأخوذة بها. وقد صرح الشيخ رحمه الله بالأخير في معاطاة الهدايا فيتوجه التمسك حينئذ بعموم الآية على جوازها فيثبت الملك مدفوعة بأنه وإن لم يثبت ذلك إلا أنه لم يثبت أن كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال: بالملك من أول الأمر فيجوز للفقيه حينئذ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف على الملك لا من أول الأمر فالأولى حينئذ التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا {2} هذا مع امكان اثبات صحة المعاطاة في الهبة والإجارة ببعض اطلاقاتها وتتميمه في البيع بالاجماع المركب هذا مع أن ما ذكر من أن للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه.
67
(1) الوسائل باب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 13. (2) الوسائل باب 8 من أبواب أحكام العقود حديث 4. 68
(1) الوسائل باب 30 من أبواب ما يكتسب به وباب 19 و 11 من أبواب عقد البيع وشروطه وباب 8 من أبواب كتاب المزارعة وغيرها. 69 ولذا ذكر بعض الأساطين في شرحه على القواعد في مقام الاستبعاد أن القول بالإباحة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك، والبيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة. منها أن العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود. ومنها أن يكون إرادة التصرف من المملكات فيملك العين أو المنفعة بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة وإن لم يخطر ببال المالك الأول الأذن في شئ من هذه التصرفات لأنه قاصد للنقل من حيث الدفع لأنه لا سلطان له بعد ذلك بخلاف من قال أعتق عبدك عني وتصدق بمالي عنك. ومنها أن الأخماس والزكوات والاستطاعة والديون والنفقات وحق المقاصة والشفعة والمواريث والربا والوصايا يتعلق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله وعدم التصرف فيه أو عدم العلم به فينفي بالأصل، فتكون متعلقة بغير الأملاك وأن صفة الغنى والفقر تترتب عليه كذلك فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك. و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر مضافا إلى غرابة استناد الملك إلى التصرف. ومنها جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الآخر والتلف من الجانبين مع التفريط معينا للمسمى من الطرفين ولا رجوع إلى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت، ومع حصوله في يد الغاصب أو تلفة فيها فالقول بأنه المطالب لأنه تملك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب والقول بعدم الملك بعيدا جدا مع أن في التلف القهري أن ملك التالف قبل التلف فعجيب ومعه بعيد لعدم قابليته، وبعده ملك معدم ومع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض ونفي الملك مخالف للسيرة وبناء المتعاطيين. ومنها أن التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على النية فهو بعيد وإن أوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطئا بالشبهة، والجاني عليه والمتلف له (1) جانيا على مال الغير ومتلفا له. ومنها أن النماء الحادث قبل التصرف إن جعلنا حدوثه مملكا له دون العين فبعيدا ومعها فكذلك وكلاهما مناف لظاهر الأكثر وشمول الإذن له خفي
(1) تذكير الضمير في عليه وله باعتبار المأخوذ بالمعاطاة. 70 ومنها قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه إلى إذن المالك فيه إذن في التمليك فيرجع إلى كون المتصرف في تمليكه نفسه موجبا قابلا، وذلك جار في القبض بل هو أولى منه لاقترانه بقصد التمليك دونه، انتهى. والمقصود من ذلك كله استبعاد هذا القول لا أن الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الأصول و العمومات إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء. أما حكاية تبعية العقود وما قام مقامها للقصود. {1} ففيها أولا أن المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود ولا من القائم مقامها شرعا فإن تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه، فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه. {2} أما المعاملات الفعلية التي لم يدل على صحتها دليل فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها، كما نبه عليه الشهيد في كلامه المتقدم من أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات. نعم إذا دل الدليل على ترتب أثر عليه حكم به وإن لم يكن مقصودا.
71 وثانيا إن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير، فإنهم أطبقوا على أن عقد المعاوضة إذا كان فاسدا يؤثر في ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الفاسد، الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه مع أنها لم يقصد إلا ضمان كل منهما بالآخر {1} وتوهم أن دليلهم على ذلك قاعدة اليد مدفوع بأنه لم يذكر هذا الوجه إلا بعضهم معطوفا على الوجه الأول وهو اقدامها على الضمان فلاحظ المسالك و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة إلا مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء {2}
72 وبيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكل {1} وبيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير {2} وترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه في المسالك وكشف اللثام إلى المشهور. {3} نعم الفرق بين العقود وما نحن فيه أن التخلف عن القصود يحتاج إلى الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود، وفيا نحن فيه عدم الترتب مطابق للأصل. وأما ما
73 ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملكا {1} فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل ودليل جواز التصرف المطلق وأدلة توقف بعض التصرفات على الملك {2} فيكون كتصرف ذي الخيار والواهب فيما انتقل عنهما بالوطي والبيع والعتق وشبهها.
74 وأما ما ذكره من تعلق الأخماس والزكوات إلى آخر ما ذكره فهو استبعاد محض ودفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها {1} مع أن تعلق الاستطاعة الموجبة للحج وتحقق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان على الملك.
75 وأما كون التصرف مملكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه. {1}
76 وأما كون التلف مملكا للجانبين، فإن ثبت باجماع أو سيرة {1} كما هو الظاهر كان كل من المالين مضمونا بعوضه فيكون تلفه في يد كل منهما من ماله مضمونا بعوضه نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع لأن هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الاجماع وبين عموم على اليد ما أخذت وبين أصالة عدم الملك إلا في الزمان المتيقن بوقوعه فيه توضيحه أن الاجماع لما دل على عدم ضمانه بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد رعاية لعموم على اليد ما أخذت فذلك الاجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه فإذا قدر التلف من مال ذي اليد، فلا بد من أن يقدر في آخر أزمنة امكان تقديره رعاية لأصالة عدم حدوث الملكية قبله كما يقدر ملكية المبيع للبائع وفسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد.
(1) سنن البيهقي، ج 16، ص 90، كنز العمال، ج 5، ص 257. 77 وأما ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة {1} فالظاهر على القول بالإباحة أن لكل منهما المطالبة ما دام باقيا {2} وإذا تلف فظاهر اطلاقهم التملك بالتلف تلفه من مال المغصوب منه {3} نعم لولا قام اجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله.
78 وأما ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي عن بعض أن القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء بالأخذ بل حكمه حكم أصله، ويحتمل أن يحدث النماء في ملكه بمجرد الإباحة {1}، ثم إنك مما ذكرنا تقدر على التخلص عن سائر ما ذكره مع أنه رحمه الله لم يذكرها للاعتماد والانصاف أنها استبعادات في محلها. وبالجملة فالخروج عن أصالة عدم الملك المعتضدة بالشهرة المحققة إلى زمان المحقق الثاني وبالاتفاق المدعى في الغنية والقواعد هنا وفي المسالك في مسألة توقف الهبة على الايجاب والقبول مشكل ورفع اليد عن عموم أدلة البيع، والهبة ونحوهما المعتضدة بالسيرة القطعية المستمرة وبدعوى الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني بناء على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة أشكل،
79 فالقول الثاني لا يخلو عن قوة وعليه فهل هي لازمة ابتداء مطلقا {1} كما حكى عن ظاهر المفيد رحمه الله أو بشرط كون الدال على التراضي لفظا كما حكى عن بعض معاصري الشهيد الثاني وقواه جماعة من متأخري المحدثين أو هي غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع في ماله كما عليه أكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت
80 وجوه أوفقها بالقواعد هو الأول بناء على أصالة اللزوم في الملك للشك في زواله {1} بمجرد رجوع مالكه الأصلي، ودعوى أن الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل والمستقر والمفروض انتفاء الفرد الأول بعد الرجوع، والفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أول الأمر فلا ينفع الاستصحاب {2} بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأول {3} مدفوعة مضافا إلى امكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب {4} فتأمل.
81 بأن انقسام الملك إلى المتزلزل والمستقر، ليس باعتبار اختلاف في حقيقته وإنما هو باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي، ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك فجواز الرجوع وعدمه من الأحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب {1} ويدل عليه مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك في أن اللزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملك ومع أن المحسوس بالوجدان. انشاء الملك في الهبة اللازمة وغيرها على نهج واحد {2} أن اللزوم والجواز لو كانا من خصوصيات الملك فإما أن يكون تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم الشارع فإن كان الأول كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع وقصد عدمه أو عدم قصده وهو بديهي البطلان إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع وعدمه وإن كان الثاني لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشئ وهو باطل في العقود {3} لما تقدم أن العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود
82 وإن أمكن القول بالتخلف هنا في مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا انتصارا للقائل بعدم الملك من منع وجوب امضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود المتعاطيين،
83 لكن الكلام في قاعدة اللزوم في الملك تشمل العقود أيضا.
84 وبالجملة فلا اشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعا، وكذا لو شك في أن الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز {1} كالصلح من دون عوض والهبة
88 نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة {1}
(1) الوسائل باب 1 من أبواب الخيار، حديث 4. 90 ويدل على اللزوم مضافا إلى ما ذكر عموم قولهم [قوله] الناس مسلطون على أموالهم {1} فإن مقتضى السلطنة أن لا يخرج عن ملكيته [ملكه] بغير اختياره فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة فاندفع ما ربما يتوهم أن غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه ولا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الأصلي. ولما ذكرنا تمسك المحقق رحمه الله في الشرائع على لزوم القرض بعد القبض بأن فائدة الملك السلطنة ونحوه العلامة رحمه الله في موضع آخر
(1) البحار، ج 2، ص 272، الطبع الحديث و ج 1، ص 154، الطبع القديم. 91 ومنه يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام لا يحل مال امرء إلا عن طيب نفسه {1} حيث دل على انحصار سبب حل مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك، فلا يحل بغير رضاه وتوهم تعلق الحل بمال الغير وكونه مال الغير بعد الرجوع أول الكلام مدفوع بما تقدم من أن تعلق الحل بالمال يفيد العموم بحيث يشمل التملك أيضا، فلا يحل التصرف فيه ولا تملكه إلا بطيب نفس المالك
(1) هذا المضمون في كثير من الأخبار راجع الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي والمستدرك ج 1، ص 222، وفروع الكافي ج 1، ص 426 والاحتجاج ص 267. 93 ويمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض). {1} ولا ريب أن الرجوع ليست تجارة ولا عن تراض، فلا يجوز أكل المال والتوهم المتقدم في السابق غير جار هنا لأن حصر مجوز أكل المال في التجارة إنما يراد به أكله على أن يكون ملكا للأكل لا لغيره {2} ويمكن التمسك أيضا بالجملة المستثنى منها حيث إن أكل المال ونقله عن مالكه بغير رضى المالك أكل وتصرف بالباطل عرفا {3} نعم بعد إذن المالك الحقيقي وهو الشارع وحكمه التسلط على فسخ المعاملة من دون رضى المالك يخرج عن البطلان.
(1) النساء: 29. 94 ولذا كان أكل المارة من الثمرة الممرور بها أكلا بالباطل لولا إذن المالك الحقيقي. وكذا الأخذ بالشفعة والفسخ بالخيار وغير ذلك من الأسباب القهرية هذا كله مضافا إلى ما دل على لزوم خصوص البيع، مثل قوله صلى الله عليه وآله البيعان بالخيار ما لم يفترقا. {1}
(1) الوسائل باب 1 من أبواب الخيار حديث 3 وبمضمونه أخبار أخر في ذلك الباب. 95 وقد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) {1} بناء على أن العقد
(1) المائدة، آية 2. (2) البقرة، 124. 96 هو مطلق العهد كما في صحيحه عبد الله بن سنان، أو العهد المشدد كما عن بعض أهل اللغة {1} وكيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة
97 وكذلك قوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم {1} فإن الشرط لغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ.
(1) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار. 98
(1) الوسائل باب 26 من أبواب أحكام العقود حديث 3. 99 والحاصل أن الحكم باللزوم في مطلق الملك وفي خصوص البيع، مما لا ينكر إلا أن الظاهر فيما نحن فيه قيام الاجماع على عدم لزوم المعاطاة {1} بل ادعاه صريحا بعض الأساطين في شرح القواعد ويعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به قائل إلى زمان بعض متأخري المتأخرين فإن العبارة المحكية عن المفيد رحمه الله في المقنعة لا تدل على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به فإن المحكي عنه أنه قال: ينعقد البيع، على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا وتراضيا بالبيع وتقابضا وافترقا بالأبدان، انتهى.
100 ويقوى إرادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين وتأثيره في اللزوم وكأنه لذلك حكى كاشف الرموز عن المفيد والشيخ رحمه الله أنه لا بد في البيع عندهما من لفظ مخصوص وقد تقدم دعوى الاجماع من الغنية على عدم كونها بيعا وهو نص في عدم اللزوم ولا يقدح كونه ظاهرا في عدم الملكية الذي لا نقول به وعن جامع المقاصد يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالاجماع. نعم قول العلامة رحمه الله في التذكرة أن الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة يدل على وجود الخلاف المعتد به في المسألة ولو كان المخالف شاذ العبر بالمشهور وكذلك نسبته في المختلف إلى الأكثر وفي التحرير أن الأقوى أن المعاطاة غير لازمة، ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلى أنها ليست مملكة، وإنما تفيد الإباحة لم يكن هذا الاتفاق كاشفا {1} إذ القول باللزوم فرع الملكية ولم يقل بها إلا بعض من تأخر عن المحقق الثاني تبعا له، وهذا مما يوهن حصول القطع بل الظن من الاتفاق المذكور
101 لأن قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع. نعم يمكن أن يقال بعد ثبوت الاتفاق المذكور أن أصحابنا بين قائل بالملك الجائز وبين قائل بعدم الملك رأسا. فالقول بالملك اللازم قول ثالث فتأمل. وكيف كان فتحصيل الاجماع على وجه استكشاف قول الإمام عن قول غيره من العلماء كما هو طريق المتأخرين مشكل لما ذكرنا وإن كان هذا لا يقدح في الاجماع على طريق القدماء كما بين في الأصول. وبالجملة فما ذكره في المسالك من قوله بعد ذكر قول من لم يعتبر مطلق اللفظ في اللزوم ما أحسنه وما أمتن دليله إن لم ينعقد الاجماع على خلافه في غاية الحسن والمتانة والاجماع، وإن لم يكن محققا على وجه يوجب القطع إلا أن المظنون قويا تحققه على عدم اللزوم مع عدم لفظ دال على انشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ أصلا أم وجد، ولكن لم ينشأ التمليك به بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض. وقد يظهر ذلك من غير واحد من الأخبار {1} بل يظهر منها أن ايجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين أهل السوق و التجار،
(1) الوسائل، باب 31 من أبواب ما يكتسب به. (2) الوسائل باب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه. 102 بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة التي يراد بها عدم الرجوع بمجرد التراضي {1}. نعم ربما يكتفون بالمصافقة فقول البائع بارك الله لك أو ما أدى هذا المعنى بالفارسية. نعم يكتفون بالتعاطي في المحقرات ولا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين. نعم الاكتفاء في اللزوم بمطلق الانشاء القولي غير بعيد للسيرة ولغير واحد من الأخبار كما سيجئ إن شاء الله تعالى في شروط الصيغة
103 بقي الكلام في الخبر الذي تمسك به في باب المعاطاة تارة على عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرف، وأخرى على عدم إفادتها اللزوم جمعا بينه وبين ما دل على صحة مطلق البيع، كما صنعه في الرياض وهو قوله عليه السلام إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام وتوضيح المراد منه يتوقف على بيان تمام الخبر، وهو ما رواه ثقة الاسلام في باب بيع ما ليس عنده والشيخ في باب النقد والنسيئة عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج أو ابن نحيج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجيئني ويقول اشتر لي هذا الثوب وأربحك كذا وكذا فقال: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك قلت: بلى، قال: لا بأس إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام. {1} وقد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أخر مجردة عن قوله عليه السلام إنما يحلل انتهى. كلها تدل على أنه لا بأس بهذه المواعدة والمقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه. ونقول إن هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها:
(1) الوسائل باب 8 من أبواب أحكام العقود حديث 4. 104 الأول: أن يراد من الكلام في المقامين اللفظ الدال على التحريم والتحليل {1} بمعنى أن تحريم شئ، وتحليله لا يكون إلا بالنطق بهما فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام ولا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال.
105 الثاني: أن يراد بالكلام: اللفظ مع مضمونه كما في قولك: هذا الكلام صحيح أو فاسد لا مجرد اللفظ أعني الصوت ويكون المراد أن المطلب الواحد يختلف الحكم الشرعي حلا وحرمة باختلاف المضامين المؤدات بالكلام مثلا: المقصود الواحد وهو التسليط على البضع مدة معينة يتأتى بقولها ملكتك بضعي أو سلطتك عليه أو أجرتك نفسي أو أحللتها لك وبقولها متعت نفسي بكذا، فما عدا الأخير موجب لتحريمه والأخير محلل {1} وعلى هذا المعنى ورد قوله عليه السلام إنما يحرم الكلام في عدة من روايات المزارعة. منها ما في التهذيب عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر، فقال لا ينبغي له أن يسمى بذرا ولا بقرا، ولكن يقول لصاحب الأرض ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط ولا يسمى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام.
106 الثالث: أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد ويكون تحريمه وتحليله باعتبار وجوده وعدمه فيكون وجوده محللا وعدمه محرما أو بالعكس أو باعتبار محله وغير محله، فيحل في محله ويحرم في غيره {1} ويحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة. الرابع: أن يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة والمواعدة ومن الكلام المحرم ايجاب البيع وايقاعه {2} ثم إن الظاهر عدم إرادة المعنى الأول لأنه مع لزوم تخصيص الأكثر حيث إن ظاهره حصر أسباب التحليل والتحريم في الشريعة، في اللفظ يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جوابا عن السؤال مع كونه كالتعليل له لأن ظاهر الحكم كما يستفاد من عدة روايات أخر تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء المتاع من مالكه ولا دخل لاشتراط النطق في التحليل والتحريم في هذا الحكم أصلا، فكيف يعلل به
107 وكذا المعنى الثاني، إذ ليس هنا مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محللا وبآخر محرما، فتعين المعنى الثالث وهو أن الكلام الدال على الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة إلا وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل لأنه بيع ما ليس عنده ولا يحلل إلا عدمه، إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع، لم يحصل إلا التواعد بالمبايعة هو غير مؤثر فحاصل الرواية أن سبب التحليل والتحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدما ووجودا والمعنى الرابع، وهو أن المقاولة والمراضاة مع المشتري الثاني، قبل اشتراء العين محلل للمعاملة وايجاب البيع معه محرم لها وعلى كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام في التحليل كما هو المقصود في مسألة المعاطاة. نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع بوجه آخر {1} بعد ما عرفت من أن المراد بالكلام هو ايجاب البيع: بأن يقال أن حصر المحلل والمحرم في الكلام لا يتأتى إلا مع انحصار ايجاب البيع في الكلام إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل والمحرم في الكلام إلا أن يقال إن وجه انحصار ايجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم امكان المعاطاة في خصوص المورد إذ المفروض أن المبيع عند مالكه الأول،
108 فتأمل {1} وكيف كان فلا يخلو الرواية عن اشعار أو ظهور كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية أخرى واردة في هذا الحكم أيضا، وهي رواية يحيى بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل، قال لي اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة وبعينها أرابحك فيها كذا وكذا. قال: لا بأس بذلك اشترها ولا تواجبه البيع قل إن تستوجبها أو تشريها، فإن الظاهر أن المراد من مواجبة البيع {2} ليس مجرد اعطاء العين للمشتري ويشعر به أيضا رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلى أصل المال، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يريد أن يبيع بيعا فيقول أبيعك بده دوازده أو ده يازده فقال: لا بأس إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة فإن ظاهره على ما فهمه بعض الشراح أنه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد، وإنما يكره حين العقد وفي صحيحة ابن سنان: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه. ثم تشتري له نحو الذي طلب، ثم توجبه على نفسك ثم تبيعه منه بعد.
(1) راجع الوسائل باب 8 من أبواب أحكام العقود. 109 وينبغي التنبيه على أمور: الأول: الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها الملك بيع {1} بل الظاهر من كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد أنه مما لا كلام فيه حتى عند القائلين بكونها فاسدة كالعلامة في النهاية ودل على ذلك تمسكهم له بقوله تعالى: (أحل الله البيع). وأما على القول بإفادتها للإباحة فالظاهر أنه بيع عرفي لم يؤثر شرعا إلا الإباحة فنفي البيع عنها في كلامهم ومعاقد اجماعهم هو البيع المفيد شرعا للزوم زيادة على الملك هذا على ما اخترناه سابقا من أن مقصود المتعاطيين في المعاطاة التملك والبيع. وأما على ما احتمله بعضهم بل استظهره من أن محل الكلام هو ما إذا قصدا مجرد الإباحة فلا اشكال في عدم كونها بيعا عرفا ولا شرعا وعلى هذا فلا بد عند الشك في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلى الأدلة الدالة على صحة هذه الإباحة العوضية من خصوص أو عموم وحيث إن المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته بعموم الناس مسلطون على أموالهم كان مقتضى القاعدة هو نفي شرطية غير ما ثبت شرطيته كما أنه لو تمسك لها بالسيرة كان مقتضى القاعدة العكس. والحاصل أن المرجع على هذا عند الشك في شروطها هي أدلة هذه المعاملة سواء اعتبرت في البيع أم لا. وأما على المختار من أن الكلام فيما قصد به البيع فهل يشترط فيه شروط البيع {2} مطلقا أم لا، كذلك أم يبتنى على القول بإفادتها للملك والقول بعدم إفادتها إلا الإباحة وجوه.
110 يشهد للأول: كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل على اشتراطه في البيع {1}
(1) المائدة، 2. 111 ويؤيده أن محل النزاع بين العامة والخاصة في المعاطاة هو أن الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشرائط أم لا، كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثير من العامة والخاصة فما انتفي فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان، وإن فرض مشاركا له في الحكم ولذا ادعى في الحدائق أن المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة إذا استكمل شروط البيع
112 غير الصيغة المخصوصة، وأنها تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض، ومقابل المشهور في كلامه قول العلامة رحمه الله في النهاية بفساد المعاطاة كما صرح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف في اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع.
113 ويشهد للثاني: إن البيع في النص والفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم {1} وثبت له الخيار في قولهم البيعان بالخيار ما لم يفترقا ونحوه. أما على القول بالإباحة فواضح لأن المعاطاة ليست على هذا القول بيعا في نظر الشارع والمتشرعة إذ لا نقل فيه عند الشارع فإذا ثبت اطلاق الشارع عليه في مقام فنحمله على الجرئ على ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله على النقل في نظرهم. وقد تقدم سابقا في تصحيح دعوى الاجماع على عدم كون المعاطاة بيعا، بيان ذلك: وأما على القول بالملك فلأن المطلق ينصرف إلى الفرد المحكوم باللزوم في قولهم البيعان بالخيار وقولهم إن الأصل في البيع اللزوم، والخيار إنما ثبت لدليل وأن البيع بقول مطلق من العقود اللازمة وقولهم البيع هو العقد الدال على كذا ونحو ذلك. وبالجملة فلا يبقى للمتأمل شك في أن اطلاق البيع في النص والفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه إلا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل،
114 ووجه الثالث ما تقدم للثاني على القول بالإباحة: من سلب البيع عنه، وللأول على القول بالملك من صدق البيع عليه، حينئذ وإن لم يكن لازما، ويمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص فيحمل على البيع العرفي وإن لم يفد عند الشارع إلا الإباحة وبين ما ثبت بالاجماع على اعتباره في البيع بناء على انصراف البيع في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم {1} والاحتمال الأول لا يخلو عن قوة لكونها بيعا ظاهرا على القول بالملك، كما عرفت من جامع المقاصد.
115 وأما على القول بالإباحة: فلأنها لم يثبت إلا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا {1} ثم إنه حكى عن الشهيد رحمه الله في حواشيه على القواعد أنه بعد ما منع من اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي إلا بعد تلف العين، يعني العين الأخرى ذكر أنه يجوز أن يكون الثمن والمثمن في المعاطاة مجهولين لأنها ليست عقدا، وكذا جهالة الأجل، وأنه لو اشترى أمة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن، انتهى. وحكى عنه في باب الصرف أيضا أنه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين. أقول: حكمه قدس سره بعدم جواز اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة وعدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح في عدم إفادتها للملك، إلا أن حكمه قدس سره بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع والصرف معللا بأن المعاطاة ليست عقدا، يحتمل أن يكون باعتبار عدم الملك
116 حيث إن المفيد للملك منحصر في العقد، وأن يكون باعتبار عدم اللزوم حيث إن الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم والأقوى: اعتبارها وإن قلنا بالإباحة لأنها بيع عرفي، وإن لم يفد شرعا إلا الإباحة ومورد الأدلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي، بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب، ولما عرفت من أن الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك: الفساد وعدم تأثيره شيئا خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم والعدم وهو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة وبقي الباقي، وبما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيه أيضا {1} وإن خصصنا الحكم بالبيع.
(1) البقرة، آية 275. (2) الوسائل باب 1 من أبواب الصرف حديث 1. (3) الوسائل باب 8 من أبواب الربا حديث 3. 117 بل الظاهر التحريم حتى عند من لا يراها مفيدة للملك {1} لأنها معاوضة عرفية وإن لم يفد الملك، بل معاوضة شرعية اعترف بها الشهيد رحمه الله في موضع من الحواشي حيث قال إن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة، انتهى. ولو قلنا بأن المقصود للمتعاطيين الإباحة لا الملك فلا يبعد أيضا جريان الربا {2} لكونها معاوضة عرفا، فتأمل.
118 وأما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم {1} فيمكن نفيه على المشهور لأنها إباحة عندهم فلا معنى للخيار، وإن قلنا بإفادة الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا، بناء على صيرورتها بيعا بعد اللزوم كما سيأتي عند تعرض الملزمات فالخيار موجود من زمان المعاطاة {2} إلا أن أثره يظهر بعد اللزوم وعلى هذا فيصح اسقاطه والمصالحة عليه قبل اللزوم، ويحتمل أن يفصل بين الخيارات المختصة بالبيع، فلا يجري لاختصاص أدلتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار وبين غيرها كخيار الغبن والعيب بالنسبة إلى الرد دون الأرش، فيجري لعموم أدلتها. وأما حكم الخيار بعد اللزوم فسيأتي بعد ذكر الملزمات.
119 الأمر الثاني: إن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين {1} فالملك أو الإباحة في كل منهما بالاعطاء
120 فلو حصل الاعطاء من جانب واحد لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيته فلا يتحقق المعاوضة ولا الإباحة رأسا لأن كلا منهما ملك أو مباح في مقابل ملكية الآخر أو إباحته. إلا أن الظاهر من جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للشهيد في الدروس جعله من المعاطاة {1} ولا ريب أنه لا يصدق معنى المعاطاة لكن هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه بناء على عموم الحكم لكل بيع فعلى فيكون اقباض أحد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض، أو مبيحا له به وأخذ الآخر له تملكا له بالعوض أو إباحة له بإزائه، فلو كان المعطى هو الثمن كان دفعه على القول بالملك والبيع اشتراء، وأخذه بيعا للمثمن به فيحصل الايجاب والقبول الفعليين بفعل واحد في زمان واحد ثم صحة هذا على القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة، إذ يدل عليها ما دل على صحة المعاطاة من الطرفين. وأما على القول بالإباحة فيشكل بأنه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل على تأثيرها في الإباحة. اللهم إلا أن يدعى قيام السيرة عليها كقيامها
121 على المعاطاة الحقيقية، وربما يدعى انعقاد المعاطاة بمجرد ايصال الثمن وأخذ المثمن من غير صدق اعطاء أصلا {1} فضلا عن التعاطي كما تعارف أخذ الماء مع غيبة السقاء ووضع الفلس في المكان المعد له إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك، وكذا غير الماء من المحقرات كالخضريات ونحوها، ومن هذا القبيل دخول الحمام ووضع الأجرة في كوز صاحب الحمام مع غيبته. فالمعيار في المعاطاة: وصول العوضين أو أحدهما مع الرضا بالتصرف. ويظهر ذلك من المحقق الأردبيلي رحمه الله أيضا في مسألة المعاطاة وسيأتي توضيح ذلك في مقامه إن شاء الله
122 ثم إنه لو قلنا بأن اللفظ الغير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة أمكن خلو المعاطاة من الاعطاء والايصال رأسا فيتقاولان على مبادلة شئ بشئ من غير ايصال {1} ولا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء على الملك. وأما على القول بالإباحة فالاشكال المتقدم هنا آكد.
123 الثالث: تمييز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم والدنانير والفلوس المسكوكة واضح {1} فإن صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف.
124 وأما مع كون العوضين من غيرها فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن في العوضية {1} فإذا أعطى الحنطة في مقابل اللحم قاصدا أن هذا المقدار من الحنطة يسوى درهما هو ثمن اللحم فيصدق عرفا أنه اشترى اللحم بالحنطة وإذا انعكس الصدق فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدرهم والدينار هو الثمن وصاحبه هو المشتري ولو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام أحدهما مقام الثمن في العوضية أو لو حظ القيمة في كليهما بأن لو حظ كون المقدار من اللحم بدرهم وذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق ومقاولة تدل على كون أحدهما بالخصوص بائعا، ففي كونه بيعا وشراء
(1) المائدة، آية 2. (2) النساء، آية 29. 125 بالنسبة إلى كل منهما، بناء على أن البيع لغة كما عرفت مبادلة مال بمال والاشتراء ترك شئ والأخذ بغيره {1} كما عن بعض أهل اللغة فيصدق على صاحب اللحم: أنه باعه بحنطة وأنه أشتري الحنطة فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم، وعدم شراء الحنطة. نعم لا يترتب عليهما أحكام البائع ولا المشتري لانصرافهما {2} في أدلة الأحكام إلى من اختص بصفة البيع أو الشراء، فلا يعم من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين أو كونه بيعا بالنسبة إلى من يعطي أولا لصدق الموجب عليه وشراء بالنسبة إلى الآخذ لكونه قابلا عرفا
126 أو كونها معاطاة مصالحة لأنها بمعنى التسالم على شئ ولذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي: على الصلح أو كونها معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة وجوه لا يخلو ثانيها عن قوة لصدق تعريف البائع لغة وعرفا على الدافع دون الآخر وصدق المشتري على الأخذ أولا دون الآخر فتدبر. الرابع: أن أصل المعاطاة وهي اعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور بحسب قصد المتعاطين على وجوه: {1}
127 أحدها: أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر {1} فيكون الآخر في أخذه قابلا ومتملكا بإزاء ما يدفعه فلا يكون في دفعه العوض انشاء تمليك بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الايجاب والقبول بدفع العين الأولى وقبضها فدفع العين الثاني خارج عن حقيقة المعاطاة فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة وبهذا الوجه صححنا سابقا عدم توقف المعاطاة على قبض كلا العوضين فيكون اطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول لا من حيث كونها متقومة بالعطاء من الطرفين. ومثله في هذا الاطلاق لفظ المصالحة والمساقات والمزارعة والمؤاجرة وغيرها وبهذا الاطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن والقرض والهبة وربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل ولو لم يكن عطاء وفي صحته تأمل.
128 ثانيها: أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إياه. فيكون تمليك بإزاء تمليك، فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين، والمعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين {1} فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة، وهذا بعيد عن معنى البيع وقريب إلى الهبة المعوضة لكون كل من المالين خاليا عن العوض، لكن اجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل، إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الأول لأنه إنما ملكه بإزاء تمليكه فما لم يتحقق تمليك الثاني لم يتحقق تملكه، إلا أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأول على نحو الداعي لا العوض فلا يقدح تخلفه فالأولى أن يقال إنها مصالحة وتسالم على أمر معين أو معاوضة مستقلة.
130 ثالثها: أن يقصد الأول إباحة ماله بعوض فيقبل الآخر بأخذه إياه {1} فيكون الصادر من الأول الإباحة بالعوض، ومن الثاني بقبوله لها التمليك كما لو صرح بقوله: أبحت لك كذا بدرهم. رابعها: أن يقصد كل منهما الإباحة بإزاء إباحة أخر [أخرى] {2} فيكون إباحة بإزاء إباحة أو إباحة لداعي إباحة على ما تقدم نظيره في الوجه الثاني من امكان تصوره على نحو الداعي، وعلى نحو العوضية وكيف كان فالاشكال في حكم القسمين الأخيرين على فرض قصد المتعاطين لهما،
132 ومنشأ الاشكال أولا الاشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية المتصرف {1} بأن يقول أبحت لك كل تصرف من دون أن يملكه العين
133
(1) الوسائل باب 46 من أبواب المستحقين للزكاة وباب 3 من أبواب الدين والقرض وباب 12 من أبواب مقدمات النكاح وباب 106 من أبواب أحكام الأولاد وغيرها. (2) الوسائل باب 2 و 3 و 8 من أبواب الذبح من كتاب الحج. (3) (4) الوسائل باب 35 من أبواب مقدمات النكاح وباب 41 من أبواب نكاح العبيد والإماء. (4) الوسائل باب 35 من أبواب مقدمات النكاح وباب 41 من أبواب نكاح العبيد والإماء. (5) الوسائل باب 5 من أبواب كتاب العتق حديث 4. 134 وثانيا الاشكال في صحته الإباحة بالعوض الراجعة إلى عقد مركب من إباحة و تمليك فنقول أما إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر أنها لا تجوز، إذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد إذن المالك، فإن أذن المالك ليس مشرعا وإنما يمضي فيما يجوز شرعا فإذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره، غير معقول كما صرح به العلامة في القواعد فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه {1} نعم يصح ذلك بأحد وجهين كلاهما في المقام مفقود.
135 أحدهما: أن يقصد المبيح بقوله أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك أن ينشأ [انشاء توكيل] توكيلا له في بيع ماله ثم نقل الثمن إلى نفسه بالهبة {1} أو في نقله أولا إلى نفسه ثم بيعه {2} أو تمليكا له بنفس هذه الإباحة، فيكون انشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله كما صرح في التذكرة بأن قول الرجل لمالك العبد أعتق عبدك عني بكذا، استدعاء لتمليكه واعتاق المولى عنه جواب لذلك الاستدعاء، {3} فيحصل النقل والانتقال بهذا الاستدعاء والجواب ويقدر وقوعه قبل العتق آنا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج إلى الشروط المقررة لعقد البيع،
137 ولا شك أن المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلى نفسه أولا ولا في نقل الثمن إليه ثانيا ولا قصد التمليك بالإباحة المذكورة ولا قصد المخاطب، التملك عند البيع حتى يتحقق تمليك ضمني مقصود للمتكلم والمخاطب كما كان مقصودا ولو اجمالا في مسألة أعتق عبدك عني، ولذا عد العامة والخاصة من الأصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك: من دلالة الاقتضاء التي عرفوها بأنها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا عليه فمثلوا للعقلي بقوله تعالى: واسأل القرية وللشرعي بهذا المثال ومن المعلوم بحكم الفرض أن المقصود فيما نحن فيه ليس إلا مجرد الإباحة. {1}
138 الثاني: أن يدل دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرد الإباحة فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع، آنا ما، فيقع البيع في ملكه أو يدل دليل شرعي على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع، فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل غير العتق، فإنه حينئذ يقال: بالملك المقدر آنا ما للجمع بين الأدلة {1}
(1) الوسائل باب 5 من أبواب كتاب العتق. (2) الوسائل باب 7 من أبواب كتاب العتق. 140 وهذا الوجه مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض أنه لم يدل دليل بالخصوص على صحة هذه الإباحة العامة واثبات صحته بعموم مثل الناس مسلطون على أموالهم يتوقف على عدم مخالفة مؤداها لقواعد أخر مثل توقف انتقال الثمن إلى الشخص على كون المثمن مالا له وتوقف صحة العتق على الملك وصحة الوطي على التحليل بصيغة خاصة لا بمجرد الإذن في مطلق التصرف ولأجل ما ذكرنا صرح المشهور بل قيل: لم يوجد خلاف في أنه لو دفع إلى غيره مالا. وقال اشتر به لنفسك طعاما من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء أو اقتراض الطعام أو استيفاء الدين منه بعد الشراء {1} لم يصح كما صرح به في مواضع من القواعد. و علله في بعضها بأنه لا يعقل شراء شئ لنفسه بمال الغير وهو كذلك، فإن مقتضى مفهوم المعاوضة والمبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه، {2} وإلا لم يكن عوضا وبدلا ولما ذكرنا حكم الشيخ وغيره بأن الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف لكن لا يجوز وطي الجارية {3} مع أن الإباحة المتحققة من الواهب يعم جميع التصرفات،
141 وعرفت أيضا أن الشهيد في الحواشي لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة. وثمن الهدي ولا وطي الجارية مع أن مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة ودعوى أن الملك التقديري هنا أيضا لا يتوقف على دلالة دليل خاص، بل يكفي الدلالة بمجرد الجمع بين عموم الناس مسلطون على أموالهم، الدال على جواز هذه الإباحة المطلقة. وبين أدلة توقف مثل العتق والبيع على الملك نظير الجمع بين الأدلة في الملك في الملك التقديري مدفوعة بأن عموم الناس مسلطون على أموالهم إنما يدل على تسلط الناس على أموالهم لا على أحكامهم فمقتضاه امضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا، فالإباحة وإن كانت مطلقة إلا أنه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلا ما هو جائز بذاته في الشريعة. ومن المعلوم أن بيع الانسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل و النقل الدال على لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض، فلا يشمله العموم في الناس مسلطون على أموالهم حتى يثبت التنافي بينه وبين الأدلة الدالة على توقف البيع على الملك فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما. وبالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم {1} على عموم الناس مسلطون على أموالهم
142 الدال على امضاء الإباحة المطلقة من المالك على اطلاقها نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر والعهد. إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه، فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر. نعم لو كان هناك تعارض وتزاحم من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آنا ما فتأمل. {1} وأما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع، أو العتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه، فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة إلى الميت {2}
(1) راجع الوسائل باب 24 من أبواب كتاب الدين والفرض. 143 أو شراء العبد المعتق عليه. بل هو ملك حقيقي حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتصل بناء على الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع {1} وليس كذلك فيما نحن فيه وبالجملة فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمني المذكور أولا في: أعتق عبدك عني لتوقفه على القصد ولا على الملك المذكور ثانيا في شراء من ينعتق عليه، لتوقفه على التنافي بين دليل التسلط ودليل توقف العتق على الملك، وعدم حكومة الثاني على الأول، ولا على التمليك الضمني المذكور ثالثا في بيع الواهب، وذي الخيار لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه فلم يبق إلا الحكم ببطلان الإذن في بيع ما له لغيره {2} سواء صرح بذلك كما لو قال بع مالي لنفسك أو اشتر بمالي لنفسك أم أدخله في عموم قوله أبحت لك كل تصرف. فإذا باع المباح له على هذا الوجه وقع البيع للمالك إما لازما بناء على أن قصد البائع البيع لنفسه غير مؤثر أو موقوفا على الإجازة بناء على أن المالك لم ينو تملك الثمن هذا
144 ولكن الذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين والشهيد رحمه الله في باب بيع الغاصب أن تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن والإذن في اتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا، وأنه يملك المثمن بدفعه إليه، فليس للمالك إجازة هذا الشراء و يظهر أيضا من محكي المختلف حيث استظهر من كلامه فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة: إن له وطي الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع، ومقتضى ذلك أن يكون تسليط الشخص لغيره على ماله وإن لم يكن على وجه الملكية، يوجب جواز التصرفات المتوقفة على الملك فتأمل {1} وسيأتي توضيحه في مسألة الفضولي إن شاء الله. وأما الكلام في صحة الإباحة بالعوض {2}
145 سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة على الملك أم خصصنا الإباحة بغيرها، فمحصله أن هذا النحو من الإباحة المعوضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر بل كلاهما ملك للمبيح إلا أن المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا وعرفا مع التأمل في صدق التجارة عليها، فضلا عن البيع {1}،
146 إلا أن يكون نوعا من الصلح لمناسبة له لغة لأنه في معنى التسالم على أمر {1} بناء على أنه لا يشترط فيه لفظ الصلح كما يستفاد من بعض الأخبار الدالة على صحته بقول المتصالحين لك ما عندك ولي ما عندي ونحوه ما ورد في مصالحة الزوجين ولو كانت معالمه مستقلة، كفي فيها عموم الناس مسلطون على أموالهم {2].
(1) الوسائل باب 5 من أبواب كتاب الصلح حديث 1. (2) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 147 والمؤمنون عند شروطهم {1}، وعلى تقدير الصحة ففي لزومها مطلقا لعموم {2} المؤمنون عند شروطهم أو من طرف المباح له حيث إنه يخرج ماله عن ملكه دون المبيح، حيث إن ماله باق على ملكه فهو مسلط عليه أو جوازها مطلقا وجوه أقواها أولها، ثم وسطها.
(1) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار - في الخبر المسلون بدل - المؤمنون. 148 أما حكم الإباحة، بالإباحة فالاشكال، فيه أيضا يظهر مما ذكرنا في سابقة والأقوى فيها أيضا الصحة واللزوم للعموم أو الجواز من الطرفين لأصالة التسلط
(1) المائدة: آية 2. (2) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم و ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 149 الخامس: في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود وعدمه. {1}
(1) راجع الوسائل باب 15 و 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه. 150 إعلم أنه ذكر المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد على ما حكى عنه أن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة {1} وكذا في الهبة وذلك لأنه إذا أمره بعمل على عوض معين فعمله استحق الأجرة، ولو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل،
153 ولم يستحق أجرة مع علمه بالفساد وظاهرهم الجواز بذلك. وكذا لو وهب بغير عقد. فإن ظاهر هم جواز الاتلاف ولو كانت هبة فاسدة لم يجز {1} بل منع من مطلق التصرف وهو ملحظ وجيه انتهى.
155 وفيه أن معنى جريان المعاطاة في الإجارة على مذهب المحقق الثاني الحكم بملك المأمور الأجر المعين على الأمر وملك الأمر، العمل المعين على المأمور به {1} ولم نجد من صرح به في المعاطاة. وأما قوله لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل، فموضع نظر لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل {2} سيما إذا لم يكن العمل تصرفا في عين من أموال المستأجر، وقوله لم يستحق أجرة مع علمه بالفساد ممنوع، لأن الظاهر ثبوت أجرة المثل {3} لأنه لم يقصد التبرع، وإنما قصد عوضا لم يسلم له. وأما مسألة الهبة فالحكم فيها بجواز اتلاف الموهوب لا يدل على جريان المعاطاة فيها، {4} إلا إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة. فإن جماعة كالشيخ والحلي والعلامة صرحوا بأن اعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الإباحة دون الملك. لكن المحقق الثاني رحمه الله ممن لا يرى بكون المعاطاة عند القائلين بها مفيدا للإباحة المجردة
156 وتوقف الملك في الهبة على الايجاب والقبول كاد أن يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك. ومما ذكرنا يظهر المنع في قوله بل مطلق التصرف. هذا ولكن الأظهر بناء جريان المعاطاة في البيع، جريانها في غيره من الإجارة والهبة لكون الفعل مفيدا للتمليك فيهما. وظاهر المحكي عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع وغيره، حيث قال في باب الرهن أن الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والايجاب عليه المذكور في البيع آت هنا، انتهى. لكن استشكله في محكي جامع المقاصد بأن البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع بخلاف ما هنا. ولعل وجه الاشكال عدم تأتي المعاطاة بالاجماع في الرهن على النحو الذي أجروها في البيع، {1} لأنها هناك إما مفيدة للإباحة أو الملكية الجائزة على الخلاف والأول غير متصور هنا. وأما الجواز فكذلك لأنه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن {2}
157 خصوصا بملاحظة أنه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها إلى اللزوم ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان، وإن جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا لما أطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة على اللفظ، وكان هذا هو الذي دعا المحقق الثاني إلى الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة والهبة والقرض والاستشكال في الرهن، نعم من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور. بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة على اللفظ أو حمل تلك العقود على اللازمة من الطرفين فلا يشمل الرهن. ولذا جوز بعضهم، الايجاب بلفظ الأمر كخذه، والجملة الخبرية أمكن أن يقول بإفادة المعاطاة في الرهن اللزوم، لاطلاق بعض أدلة الرهن، ولم يقم هنا اجماع على عدم اللزوم كما قام في المعاوضات. ولأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف {1} بأن يكتفي فيه بالاقباض لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم: من توقف اللزوم على اللفظ والجواز غير معروف في الوقف من الشارع {3} فتأمل. نعم احتمل الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من الذكرى تبعا للشيخ رحمه الله
158 ثم إن الملزم للمعاطاة فيما تجري فيه من العقود الأخر هو الملزم في باب البيع كما سننبه به بعد هذا الأمر.
(1) الوسائل باب 11 من أبواب الوقوف والصدقات. 159 السادس: في ملزمات المعاطاة على كل من القول بالملك والقول بالإباحة. {1} إعلم أن الأصل على القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة. {2}
160 وأما على القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم {1} لقاعدة تسلط الناس على أموالهم {2} وأصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة {3} وهي حاكمة على أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها.
162
(1) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار. 163 إذا عرفت هذا فاعلم أن تلف العوضين ملزم اجماعا {1} على الظاهر المصرح به في بعض العبائر، أما على القول بالإباحة فواضح لأن تلفه من مال مالكه، ولم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه {2] وتوهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفع بما سيجئ.
164 وأما على القول بالملك فلما عرفت من أصالة اللزوم {1} والمتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين، وحيث ارتفع مورد التراد امتنع، ولم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف لأن ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين، فلا مانع من بقائه بل لا دليل على ارتفاعه بعد تلفهما بخلاف ما نحن فيه، فإن الجواز فيه هنا بمعنى جواز الرجوع في العين نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة فلا يبقى بعد التلف متعلق الجواز، بل الجواز هنا يتعلق بموضوع التراد، لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة هذا
165 مع أن الشك في أن متعلق الجواز، هل هو أصل المعاملة أو الرجوع في العين، أو تراد العينين يمنع من استصحابه، فإن المتيقن تعلقه بالتراد {1} إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللزوم على ثبوت أزيد من جواز تراد العينين الذي لا يتحقق إلا مع بقائهما، ومنه يعلم حكم ما لو تلف إحدى العينين، أو بعضها على القول بالملك {2} وأما على القول بالإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك {3} أصالة عدم اللزوم لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة وملكه لها.
166 وفيه أنها معارضة بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده أو قيمته {1} و التمسك بعموم على اليد هنا في غير محله، بعد القطع بأن هذه اليد قبل تلف العين لم يكن يد ضمان، بل ولا بعده إذا بنى مالك العين الموجودة على امضاء المعاطاة ولم يرد الرجوع {2} إنما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع وليس هذا من مقتضى اليد قطعا هذا
(1) سنن بيهقي ج 6 ص 90. 167 ولكن يمكن أن يقال إن أصالة بقاء السلطنة حاكمة على أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة {1} مع أن ضمان التالف ببدله معلوم إلا أن الكلام في أن البدل هو البدل الحقيقي، أعني المثل أو القيمة أو البدل الجعلي أعني العين الموجودة فلا أصل. {2} هذا مضافا إلى ما قد يقال: من أن عموم الناس مسلطون على أموالهم يدل على السلطنة على المال الموجود بأخذه. وعلى المال التالف بأخذ بدله الحقيقي، وهو المثل أو القيمة {3} فتدبر.
(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 168 ولو كان أحد العوضين دينا في ذمة أحد المتعاطيين {1} فعلى القول بالملك يملكه من في ذمته فيسقط عنه.
169 والظاهر أنه في حكم التلف، لأن الساقط لا يعود ويحتمل العود وهو ضعيف {1} والظاهر أن الحكم كذلك على القول بالإباحة {2} فافهم،
170 ولو نقل العينان أو إحداهما بعقد لازم فهو كالتلف {1} على القول بالملك لامتناع التراد، وكذا على القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة
171 ولو عادت العين بفسخ ففي جواز التراد على القول بالملك لامكانه فيستصحب و عدمه لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه وجهان: {1} أجودهما ذلك إذا لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز التراد بقول المطلق. بل المتيقن منه غير ذلك. فالموضوع غير محرز في الاستصحاب، وكذا على القول بالإباحة لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق. الملك للمتصرف فيرجع بالفسخ
172 إلى ملك الثاني {1} فلا دليل على زواله بل الحكم هنا أولى منه على القول بالملك لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا حتى يستصحب. بل المحقق أصالة بقاء سلطنة المالك الأول، المقطوع بانتفائها. نعم لو قلنا: بأن الكاشف عن الملك هو العقد الناقل {2} فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلى المالك الأول وإن كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه، كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا على ملك مالكه الأول، أو عائدا إليه بفسخ. وكذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على سبق الملك {3}، بل يكفي فيه إباحة التصرف والاتلاف و يملك الثمن بالبيع، كما تقدم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع لكن الوجهين ضعيفان. بل الأقوى رجوعه بالفسخ إلى البائع، {4}
173 ولو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية إلزام الناقل فيه بالرجوع و لا رجوعه، بنفسه إلى عينه {1} فالتراد غير متحقق وتحصيله غير واجب، وكذا على القول بالإباحة لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك. نعم لو كان غير معاوضة كالهبة، وقلنا بأن التصرف في مثله لا يكشف عن سبق الملك إذ لا عوض فيه حتى لا يعقل كون العوض مالا لو أحد وانتقال المعوض إلى الآخر بل الهبة ناقلة للملك عن ملك المالك إلى المتهب، فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلى المالك لا الواهب، اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الأخرى، أو عودها إلى مالكها بهذا النحو من العود، إذ لو عادت بوجه آخر كان حكمه حكم التلف.
175 ولو باع العين ثالث فضولا فأجاز المالك الأول على القول بالملك لم يبعد كون إجازته رجوعا كبيعه وسائر تصرفاته الناقلة. ولو أجاز المالك الثاني نفذ بغير اشكال، وينعكس الحكم اشكالا ووضوحا على القول بالإباحة {1} ولكل منهما رده العين قبل إجازة الآخر ولو رجع الأول فأجاز الثاني، فإن جعلنا الإجازة كاشفة لغى الرجوع ويحتمل عدمه لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ و يلغوا الإجازة، وإن جعلنا ها ناقلة لغت الإجازة قطعا
177 ولو امتزجت العينان أو إحداهما سقط الرجوع على القول بالملك {1}، لامتناع التراد ويحتمل الشركة وهو ضعيف.
179 أما على القول بالإباحة فالأصل بقاء التسلط على ماله الممتزج بمال الغير فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به. {1} نعم لو كان المزج ملحقا له بالاتلاف جرى عليه حكم التلف.
180 ولو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة {1} كطحن الحنطة، وفصل الثوب فلا لزوم على القول بالإباحة وعلى القول بالملك. ففي اللزوم وجهان مبنيان على جريان استصحاب جواز التراد منشأ الاشكال أن الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي ثم إنك فد عرفت مما ذكرنا أنه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللازمة حتى يورث بالموت ويسقط بالاسقاط ابتداءا وفي ضمن المعاملة، بل هو على القول بالملك نظير الرجوع في الهبة وعلى القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام {2} بحيث يناط الحكم فيه بالرضا الباطني بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف.
181 فلو مات أحد المالكين لم يخبر لوارثه الرجوع على القول بالملك {1} للأصل لأن من له وإليه الرجوع هو المالك الأصلي ولا يجري الاستصحاب.
182 ولو جن أحدهما، فالظاهر قيام وليه مقامه في الرجوع على القولين {1}. السابع: إن الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة. قال يحتمل الأول: لأن المعاوضات محصورة وليست إحداها وكونها معاوضة برأسها يحتاج إلى دليل. و يحتمل الثاني: لاطباقهم على أنها ليست بيعا حال وقوعها فيكف يصير بيعا بعد التلف، وتظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن أو بعضه وعلى تقدير ثبوته فهل الثلاثة من حيث المعاطاة أو من حين اللزوم كل محتمل ويشكل الأول بقولهم أنها ليست بيعا، والثاني بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها، اللهم إلا أن يجعل المعاطاة جزء السبب والتلف تمامه. والأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا بناء على أنها ليست لازمة وإنما يتم على قول المفيد ومن تبعه وأما خيار العيب والغبن فيثبتان على التقديرين كما أن خيار المجلس منتف، انتهى. والظاهر أن هذا تفريع على القول بالإباحة في المعاطاة.
183 وأما على القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل فينبغي الكلام في كونها معاوضة مستقلة أو بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتى يتبعه حكمها بعد اللزوم. {1} إذ الظاهر أنه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا اشكال في ذلك عندهم على ما تقدم من المحقق الثاني. فإذا لزم صار بيعا لازما فيلحقه أحكام البيع، عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه على اللزوم لولا الخيار، وقد تقدم أن الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار وكيف كان فالأقوى أنها على القول بالإباحة بيع عرفي لم يصححه الشارع ولم يمضه إلا بعد تلف إحدى العينين أو ما في حكمه، وبعد التلف يترتب عليه أحكام البيع عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من أول الأمر، والمحكي عن حواشي الشهيد أن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة. والظاهر أنه أراد التفريع على مذهبه: من الإباحة وكونها معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الأخرى، لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفى فلا بد أن يقول بالإباحة اللازمة فافهم.
184 الثامن: لا اشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة والعامة بما إذا تحقق انشاء التمليك أو الإباحة بالفعل وهو قبض العينين. أما إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم. {1} فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشئ {2} زائد على الانشاء اللفظي، كما قويناه سابقا بناء على التخلص بذلك عن اتفاقهم على توقف العقود اللازمة على اللفظ فلا أشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما وإن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار أمور زائدة على اللفظ فهل يرجع ذلك الانشاء القولي إلى حكم المعاطاة مطلقا أو بشرط تحقق قبض العين معه، أو لا يتحقق به مطلقا. نعم إذا حصل انشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة فالانشاء القولي السابق كالعدم لا عبرة به ولا بوقوع القبض بعده خاليا عن قصد الانشاء بل بانيا على كونه حقا لازما، لكونه من آثار الانشاء القولي السابق نظير القبض في العقد الجامع للشرائط. ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الأول تبعا لما يستفاد من كلام المحقق والشهيد الثانيين. قال المحقق في صيغ عقوده، (على ما حكى عنه، بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة) أنه لو أوقع البيع بغير ما قلناه، وعلم التراضي منهما كان معاطاة انتهى.
186 وفي الروضة في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة على النطق أنها تفيد المعاطاة مع الافهام الصريح، انتهى. وظاهر الكلامين صورة وقوع الانشاء بغير القبض بل يكون القبض من آثاره وظاهر تصريح جماعة منهم المحقق والعلامة: بأنه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك، وكان مضمونا عليه: هو الوجه الأخير لأن مرادهم بالعقد الفاسد أما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط الصيغة، كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة وقبل شروط العوضين والمتعاقدين. وأما يشمل هذا وغيره كما هو الظاهر وكيف كان فالصورة الأولى داخلة قطعا ولا يخفى أن الحكم فيها بالضمان مناف لجريان حكم المعاطاة.
187 وربما يجمع بين هذا الكلام وما تقدم من المحقق والشهيد الثانيين، فيقال إن موضوع المسألة في عدم جواز التصرف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا إلا بزعم صحة المعاملة {1} فإذا انتفت الصحة انتفي الإذن، لترتبه على زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير إذن وأكلا للمال بالباطل، لانحصار وجه الحل في كون المعاملة بيعا، أو تجارة عن تراض أو هبة أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض. والأولان قد انتفيا بمقتضى الفرض، وكذا البواقي للقطع من جهة زعمها [أي المتعاطين] صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شئ في المقابل. فالرضاء المقدم كالعدم، فإن تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد واستمر رضا هما فلا كلام في صحة المعاملة ورجعت إلى المعاطاة كما إذا علم الرضا من أول الأمر بإباحتهما التصرف بأي وجه، اتفق سواء صحت المعاملة أو فسدت فإن ذلك ليس من البيع الفاسد في شئ. أقول المفروض أن الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا يتضمن إلا انشاء و و أحدا هو التمليك. ومن المعلوم أن هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعده إن كان انشاء آخر في ضمن التقابض خرج عن محل الكلام لأن المعاطاة حينئذ إنما تحصل به لا بالعقد الفاقد للشرائط، مع أنك عرفت أن ظاهر كلام الشهيد والمحقق الثانيين: حصول المعاوضة والمراضاة بنفس الإشارة المفهمة بقصد البيع، وبنفس الصيغة الخالية عن الشرائط لا بالتقابض الحاصل بعدهما، ومنه يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراض جديد بعد العقد غير مبني على صحة العقد.
188 ثم إن ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد دون غيره من الصور {1}، مع أن كلام الجميع مطلق يرد عليه أن هذا التراضي إن كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد، فإن كان لا على وجه المعاطاة بل كل منهما رضي بتصرف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضاء صاحبه بتصرفه في ماله فهذا ليس من المعاطاة {2} بل هي إباحة مجانية من الطرفين تبقى ما دام العلم بالرضا، ولا يكفي فيه عدم العلم به وبالرجوع، لأنه كالأذن الحاصل من شاهد الحال ولا يترتب عليه أثر المعاطاة من اللزوم بتلف إحدى العين أو جواز
189 التصرف إلى حين العلم بالرجوع، وإن كان على وجه المعاطاة فهذا ليس إلا التراضي السابق على ملكية كل منها لمال الآخر، وليس تراضيا جديدا بناء على أن المقصود بالمعاطاة التمليك، كما عرفته من كلام المشهور خصوصا المحقق الثاني، فلا يجوز له أن يريد بقوله المتقدم عن صيغ العقود أن الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي، يدخل في المعاطاة التراضي الجديد الحاصل بعد العقد لا على وجه المعاوضة. وتفصيل الكلام أن المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط. إما أن يقع تقابضهما بغير رضا من كل منهما في تصرف الآخر بل حصل قهرا عليهما، أو على أحدهما واجبارا على العمل بمقتضى العقد، فلا اشكال في حرمة التصرف في المقبوض على هذا الوجه، وكذا إن وقع على وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما على ملكية الآخر اعتقادا أو تشريعا كما في كل قبض وقع على هذا الوجه، لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع، كما في نظائره. وهذان الوجهان مما لا اشكال فيه في حرمة التصرف في العوضين كما أنه لا اشكال في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد وتقابضا بقصد انشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد. وأما إن وقع الرضا بالتصرف بعد العقد، من دون ابتنائه على استحقاقه بالعقد السابق ولا قصد لإنشاء التمليك بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة بحيث لولا ها كان الرضا أيضا موجودا وكان المقصود الأصلي من المعاملة التصرف وأوقعا العقد الفاسد وسيلة له ويكشف عنه أنه لو سئل كل منهما من رضاه بتصرف صاحبه على تقدير عدم التمليك أو بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضيا، فادخال هذا في المعاطاة يتوقف على أمرين: الأول: كفاية هذا الرضاء المركوز في النفس بل الرضاء الشأني لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا في نظره، وقد صرح بعد من قارب عصرنا بكفاية ذلك ولا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره إلى هذا، ولعله لصدق طيب النفس على هذا الأمر المركوز في النفس.
190 الثاني: أنه لا يشترط في المباحات انشاء الإباحة أو التمليك بالقبض بل و لا بمطلق الفعل بل يكفي وصول كل من العوضين إلى المالك الآخر والرضا بالتصرف قبله أو بعده على الوجه المذكور وفيه اشكال من أن ظاهر محل النزاع بين العامة والخاصة هو: العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلامة رحمه الله في رد كفاية المعاطاة في البيع: إن الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد، وكذا استدلال المحقق الثاني على عدم لزومها بأن الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة، وكذا ما تقدم من الشهيد رحمه الله في قواعده من أن الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول، وإنما يفيد الإباحة، وكذا كلمات العامة فقد ذكر بعضهم أن البيع ينعقد بالايجاب والقبول وبالتعاطي. ومن أن الظاهر أن عنوان التعاطي [التقابض] في كلماتهم لمجرد الدلالة على الرضا وأن عمدة الدليل على ذلك هي السيرة، ولذا تعدوا إلى ما إذا لم يحصل إلا قبض أحد العوضين والسيرة موجودة في المقام، فإن بناء الناس على أخذ الماء والبقل وغير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها مع عدم حضور هم ووضعهم الفلوس في الموضع المعد له و على دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه ووضع الفلوس في كوز الحمامي فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف، وهذا ليس ببعيد على القول بالإباحة.
191 مقدمة: في خصوص ألفاظ عقد البيع {1} قد عرفت أن اعتبار اللفظ في البيع، بل في جميع العقود مما نقل عليه الاجماع وتحقق فيه الشهرة العظيمة، مع الإشارة إليه في بعض النصوص لكن هذا يختص بصورة القدرة. أما مع العجز عنه كالأخرس فمع عدم القدرة على التوكيل لا اشكال ولا خلاف في عدم اعتبار اللفظ، وقيام الإشارة مقامه {2}
192 وكذا مع القدرة على التوكيل لا لأصالة عدم وجوبه {1} كما قيل، لأن الوجوب بمعنى الاشتراط كما فيما نحن فيه هو الأصل {2} بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس {3} فإن حمله على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر مع أن الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب، ثم لو قلنا بأن الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكية. فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ.
(1) الوسائل باب 19 من أبواب مقدمات الطلاق. 194 والظاهر أيضا كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة {1} لفحوى ما ورد من النص على جوازها في الطلاق مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه. وأما مع القدرة على الإشارة فقد رجح بعض الإشارة ولعله لأنها أصرح في الانشاء من الكتابة. وفي بعض روايات الطلاق ما يدل على العكس {2} وإليه ذهب الحلي رحمه الله هناك
195 ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ {1}، تارة يقع في مواد الألفاظ من حيث إفادة المعنى بالصراحة والظهور والحقيقة والمجاز والكناية و من حيث اللغة المستعملة في معنى المعاملة وأخرى في هيئة كل من الايجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية وكونه بالماضي. وثالثة في هيئة تركيب الايجاب والقبول من حيث الترتيب والموالاة. أما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات {2} قال في التذكرة الرابع من شروط الصيغة: التصريح فلا يقع بالكناية بيع مع النية مثل قوله أدخلته في ملكك أو جعلته لك أو خذه مني بكذا أو سلطتك عليه بكذا، عملا بأصالة بقاء الملك، ولأن المخاطب لا يدري بم خوطب، انتهى. وزاد في غاية المراد على الأمثلة مثل قولك أعطيتكه بكذا، أو تسلط عليه بكذا
196 وربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة فلا ينعقد بالمجازات حتى صرح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب والبعيد، والمراد بالصريح - كما يظهر من جماعة من الخاصة والعامة - في باب الطلاق وغيره، ما كان موضوعا لعنوان ذلك العقد لغة أو شرعا، ومن الكناية ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع {1} فيفيد إرادة نفسه بالقرائن وهي على قسمين عندهم جلية وخفية، والذي يظهر من النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللازمة والفتاوى المتعرضة لصيغها في البيع، بقول مطلق، وفي بعض أنواعه وفي غير البيع من العقود اللازمة هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتد به في المعنى المقصود فلا فرق بين قوله بعت وملكت وبين قوله نقلت إلى ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا، وهذا هو الذي. قواه جماعة
197 من متأخري المتأخرين، وحكى عن جماعة ممن تقدمهم كالمحقق على ما حكى عن تلميذه كاشف الرموز أنه حكى عن شيخه المحقق أن عقد البيع لا يلزم منه لفظ مخصوص. وأنه اختاره أيضا. وحكى عن الشهيد رحمه الله في حواشيه أنه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل أسلمت إليك وعاوضتك وحكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين بل هو ظاهر العلامة في التحرير حيث قال: إن الايجاب اللفظ الدال على النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما ونحوه المحكي عن التبصرة والارشاد و شرحه لفخر الاسلام فإذا كان الايجاب هو اللفظ الدال على النقل فكيف لا ينعقد بمثل نقلته إلى ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا، بل ربما يدعى أنه ظاهر كل من أطلق اعتبار الايجاب والقبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ وأتباعه فتأمل. وقد حكى عن الأكثر تجويز البيع حالا بلفظ السلم. وصرح جماعة أيضا في بيع التولية بانعقاده بقوله وليتك العقد أو وليتك السلعة والتشريك في المبيع بلفظ شركتك، وعن المسالك في المسألة تقبل أحد الشريكين في النخل حصة صاحبه بشئ معلوم من الثمرة أن ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبل مع أنه لا يخرج عن البيع أو الصلح أو معاملة ثالثة لازمة عند جماعة، هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع. وأما في غيره فظاهر جماعة في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه بقوله تصرف فيه أو انتفع به وعليك رد عوضه أو خذه بمثله وأسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله في البيع من الكنايات مع أن القرض من العقود اللازمة على حسب لزوم البيع والإجارة، وحكى عن جماعة في الرهن: إن ايجابه يؤدي بكل لفظ يدل عليه مثل قوله هذه وثيقة عندك وعن الدروس تجويزه بقوله خذه أو أمسكه بمالك، وحكى عن غير واحد تجويز ايجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ تعهدت المال، وتقلدته وشبه ذلك. وقد ذكر المحقق وجماعة ممن تأخر عنه جواز الإجارة بلفظ العارية معللين بتحقق القصد وتردد جماعة في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة. وقد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل على تسليم الأرض للمزارعة، وعن مجمع البرهان كما في غيره،
198 أنه لا خلاف في جوازها بكل لفظ بدل على المطلوب مع كونه ماضيا. وعن المشهور جوازها بلفظ أزرع، وقد جوز جماعة الوقف بلفظ حرمت وتصدقت مع القرينة الدالة على إرادة الوقف مثل أن لا يباع، ولا يورث، مع عدم الخلاف كما عن غير واحد على أنهما من الكنايات وجوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع أنه ليس صريحا فيه، ومع هذه الكلمات كيف يجوز أن يسند إلى العلماء أو أكثر هم وجوب ايقاع العقد باللفظ الموضوع له، وأنه لا يجوز بالألفاظ المجازية خصوصا مع تعميمها للقريبة والبعيدة كما تقدم عن بعض المحققين ولعله لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازية في العقود اللازمة، مع ما عرفت منهم من الاكتفاء في أكثرها بالألفاظ الغير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثاني على ما حكي عنه في باب السلم والنكاح بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة، وهو جمع حسن، و الأحسن
199 منه أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء كان اللفظ الدال على انشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر، ليرجع الإفادة بالآخرة إلى الوضع {1} إذ لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين إفادة لفظ للمطلب بحكم الوضع أو إفادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع على إرادة المطلب من ذلك اللفظ، وهذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد، فإن الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين، وإن كان من المجازات القريبة جدا رجوع عما بنى عليه: من عدم العبرة بغير الأقوال في انشاء المقاصد، ولذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة ولو مع سبق مقال أو اقتران حال تدل على إرادة البيع جزما، ومما ذكرنا يظهر الاشكال في الاقتصار على المشترك اللفظي اتكالا على القرينة الحالية المعينة، وكذا المشترك المعنوي ويمكن أن ينطبق على ما ذكرنا الاستدلال المتقدم في عبارة التذكرة بقوله قدس سره لأن المخاطب لا يدري بم خوطب إذ ليس المراد أن المخاطب لا يفهم منها المطلب ولو بالقرائن الخارجية، بل المراد أن الخطاب بالكناية لما لم يدل على المعنى المنشأ ما لم يقصد الملزوم لأن اللازم الأعم كما هو الغالب، بل المطرد في الكنايات لا يدل على الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد الجامع مع الملزوم الخاص
200 فالخطاب في نفسه محتمل لا يدري المخاطب بم خوطب، وإنما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم والمفروض على ما تقرر في مسألة المعاطاة أن النية بنفسها، أو مع انكشافها بغير الأقوال لا تؤثر في النقل والانتقال، فلم يحصل هنا عقد لفظي يقع التفاهم به، لكن هذا الوجه لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثلة الكناية، ثم إنه ربما يدعى أن العقود المؤثرة في النقل والانتقال أسباب شرعية توقيفية كما حكى عن الإيضاح من أن كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء فلا بد من الاقتصار على المتيقن، وهو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوى العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتية بعضها. وأما ما ذكره الفخر قدس سره فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها على العنوان المعبر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع. فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل والمرأة معبرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة، فلا بد من اشتمال عقدها على هذه العناوين، فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك، وهكذا الكلام في العقود المنشئة للمقاصد الأخر كالبيع، والإجارة ونحوهما، فخصوصية اللفظ من حيث اعتبار اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة في لسان الشارع أو ما يرادفها لغة أو عرفا لأنها بهذه العنوانات موارد للأحكام الشرعية التي لا تحصى، وعلى هذا فالضابط وجوب ايقاع العقد بانشاء العناوين كما لو لم تقصد المرأة إلا هبة نفسها أو إجارة نفسها مدة الاستمتاع، لم يترتب عليه الآثار المحمولة في الشريعة على الزوجية الدائمة أو المنقطعة، وإن كانت بقصد هذه العناوين دخلت في الكناية التي عرفت أن تجويزها رجوع إلى عدم اعتبار إفادة المقاصد بالأقوال، فما ذكره الفخر رحمه الله مؤيد لم ذكرناه واستفدناه من كلام والده قدس سره وإليه يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من أن العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه. وما عن المسالك من أنه يجب الاقتصار على العقود اللازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة ومراده بالمنقولة شرعا هي المأثورة في كلام الشارع، وعن كنز العرفان في باب النكاح أنه حكم شرعي حادث، فلا بد له من دليل يدل على حصوله وهو العقد اللفظي المتلقى من النص
201 ثم ذكر لايجاب النكاح ألفاظا ثلاثة وعللها بورودها في القرآن، ولا يخفى أن تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه من تفسير توقيفية العقود، وأنه متلقاة من الشارع ووجوب الاقتصار على المتيقن ومن هذا الضابط تقدر على تمييز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الألفاظ المتقدمة في أبواب العقود المذكورة من غيره من غيره وأن الإجارة بلفظ العارية غير جائزة وبلفظ بيع المنفعة أو السكنى مثلا لا يبعد جوازه وهكذا.
202 إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الايجاب والقبول: منها لفظ بعت في الايجاب ولا خلاف فيه فتوى ونصا، وهو وإن كان من الأضداد {1} بالنسبة إلى البيع والشراء لكن كثرة استعماله في وقوع البيع به تعينه، ومنها لفظ شريت فلا اشكال في وقوع البيع به لو ضعه له، كما يظهر من المحكي عن بعض أهل اللغة بل قيل لم يستعمل في القرآن الكريم إلا في البيع. وعن القاموس شراه يشريه ملكه بالبيع، وباعه كاشتراه فهما ضد وعنه أيضا كل من ترك شيئا وتمسك بغيره، فقد اشتراه وربما يستشكل فيه بقلة استعماله عرفا في البيع {2} وكونه محتاجا إلى القرينة المعينة، وعدم نقل الايجاب به في الأخبار وكلام القدماء ولا يخلو عن وجه.
203 ومنها لفظ ملكت بالتشديد والأكثر على وقوع البيع به، بل ظاهر نكت الارشاد الاتفاق حيث قال: إنه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت وملكت، ويدل عليه ما سبق في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض المنحل إلى مبادلة العين بالمال هو المرادف للبيع عرفا ولغة، {1} صرح به فخر الدين حيث قال: إن معنى بعت في لغة العرب ملكت غيري، وما قيل من أن التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الاطلاق غيرها فيه أن الهبة إنما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض لا من مادة التمليك، فهي مشتركة معنى بين ما يتضمن المقابلة وبين المجرد عنها، فإن اتصل بالكلام ذكر العوض أفاد المجموع المركب بمقتضى الوضع التركيبي البيع، وإن تجرد عن ذكر العوض أفاد المجموع المركب بمقتضى الوضع التركيبي البيع، وإن تجرد عن ذكر العوض اقتضى تجريده الملكية المجانية. وقد عرفت سابقا أن تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي فلو أراد منه الهبة المعوضة أو قصد المصالحة، بنى على صحة عقد بلفظ غيره مع النية، {2} ويشهد لما ذكرنا قول فخر الدين في شرح الإرشاد: إن معنى بعت في لغة العرب ملكت غيري.
204 وأما الايجاب باشتريت، ففي مفتاح الكرامة أنه قد يقال بصحته كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة، والمنقول عنها في نسختين من تعليق الإرشاد. أقول وقد يستظهر ذلك من عبارة كل من عطف على بعت وملكت شبههما أو ما يقوم مقامهما إذا إرادة ما يقوم مقامهما في اللغات الأخر للعاجز عن العربية أبعد، فيتعين إرادة ما يرادفهما لغة أو عرفا فيشمل شريت واشتريت لكن الاشكال المتقدم في شريت أولى بالجريان هنا لأن شريت استعمل في القرآن الكريم في البيع، بل لم يستعمل فيه إلا فيه {1} بخلاف اشتريت ودفع الاشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال على كونه ايجابا. أما بناء على لزوم تقديم الايجاب على القبول. وأما لغلبة ذلك غير صحيح لأن الاعتماد على القرينة الغير اللفظية، في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت ما فيه، {2} إلا أن يدعى أن ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد وتميزه عما عداه من العقود. وأما تميز ايجاب عقد معين عن قبوله الراجع إلى تميز البائع عن المشتري فلا يعتبر فيه الصراحة، بل يكفي استفادة المراد ولو بقرينة المقام أو غلبته ونحوهما، وفيه اشكال.
(1) سورة يوسف: آية 21 البقرة آية 102. 205 وأما القبول، فلا ينبغي الاشكال في وقوعه بلفظ قبلت ورضيت واشتريت و شريت وابتعت وتملكت وملكت مخففا {1} وأما بعت فلم ينقل إلا من الجامع (لابن سعيد) مع أن المحكي عن جماعة من أهل اللغة اشتراكه بين البيع والشراء، و لعل الاشكال فيه كاشكال اشتريت في الايجاب. واعلم أن المحكي عن نهاية الإحكام والمسالك أن الأصل في القبول قبلت وغيره بدل لأن القبول على الحقيقة مما لا يمكن به الابتداء والابتداء بنحو اشتريت وابتعت ممكن، وسيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الايجاب، ثم إن في انعقاد القبول بلفظ الامضاء والإجازة والانفاذ وشبهها وجهين. {2} فرع لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الايجاب والقبول ثم اختلفا في تعيين الموجب والقابل {3}، أما بناء على جواز تقديم القبول، وأما من جهة اختلافهما في المتقدم فلا يبعد الحكم بالتحالف، ثم عدم ترتيب الآثار المختصة بكل من البيع والاشتراء على واحد منهما.
206 مسألة: المحكي عن جماعة منهم: السيد عميد الدين والفاضل المقداد، والمحقق والشهيد الثانيان اعتبار العربية في العقد، {1} للتأسي {2} كما في جامع المقاصد، ولأن عدم صحته بالعربي الغير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق أولى {3} وفي الوجهين ما لا يخفى وأضعف منهما منع صدق العقد على غير العربي مع التمكن من العربي. فالأقوى صحته بغير العربي.
207 وهل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة والهيئة بناء على اشتراط العربي؟ الأقوى ذلك {1} بناء على أن دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقن من أسباب النقل، وكذا اللحن في الاعراب.
208 وحكى عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك بفتح الباء وبين ما لو قال: جوزتك بدل زوجتك، فصحح الأول دون الثاني {1} إلا مع العجز عن التعلم والتوكيل، ولعله لعدم معنى صحيح في الأول إلا البيع بخلاف التجويز {2}، فإن له معنى آخر فاستعماله في التزويج غير جائز. ومنه يظهر أن اللغات المحرفة لا بأس بها إذا لم يتغير بها المعنى. ثم هل المعتبر عربية جميع أجزاء الايجاب، والقبول، كالثمن والمثمن أم يكفي عربية الصيغة {3} الدالة على انشاء الايجاب والقبول حتى لو قال: بعتك: أين كتابرابده درهم، كفي والأقوى هو الأول لأن غير العربي كالمعدوم فكأنه لم يذكر في الكلام. نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب كما لا يجب في القبول، و اكتفي بانفهامها ولو من غير اللفظ صح الوجه الثاني، لكن الشهيد رحمه الله في غاية المراد في مسألة تقديم القبول نص على وجوب ذكر العوضين في الايجاب.
209 ثم إنه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا، بمعنى اللفظ {1} بأن يكون فارقا بين معنى بعت وأبيع وأنا بايع أو يكفي مجرد علمه بأن هذا اللفظ، يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع الظاهر هو الأول لأن عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام، بل يقصد المتكلم منه المعنى الذي وضع له عند العرب فلا يقال إنه تكلم و أدى المطلب على طبق لسان العرب، إلا إذا ميز بين معنى بعت وأبيع وأوجدت البيع وغيرها، بل على هذا لا يكفي معرفة أن بعت مرادف لقوله: فروختم حتى يعرف أن الميم في الفارسي عوض تاء المتكلم فيميز بين بعتك وبعت بالضم وبعت بفتح التاء، فلا ينبغي ترك الاحتياط وإن كان في تعينه نظر ولذا نص البعض على عدمه. مسألة: المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية، بل في التذكرة الاجماع على عدم وقوعه بلفظ أبيعك أو اشتر مني، ولعله لصراحته في الانشاء {2} إذ المستقبل أشبه بالوعد
210 والأمر استدعاء لا ايجاب، {1} مع أن قصد الانشاء في المستقبل خلاف المتعارف {2}
211 وعن القاضي في الكامل والمهذب عدم اعتبارها، ولعله لاطلاق البيع والتجارة وعموم العقود، {1} وما دل في بيع الآبق واللبن في الضرع من الايجاب بلفظ المضارع، {2} وفحوى ما دل عليه في النكاح ولا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحة المضارع في الانشاء على وجه لا يحتاج إلى قرينة المقام، فتأمل. مسألة: الأشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب على القبول، {3} وبه صرح في الخلاف والوسيلة والسرائر والتذكرة، كما عن الإيضاح وجامع المقاصد
(1) الوسائل باب 8 و 11 من أبواب عقد البيع وباب 31 من أبواب ما يكتسب به. وباب 18 من أبواب المتقه. 212 ولعله الأصل بعد حمل آية وجوب الوفاء على العقود المتعارفة {1} كاطلاق البيع والتجارة في الكتاب والسنة. وزاد بعضهم أن القبول فرع الايجاب فلا يتقدم عليه وأنه تابع له، فلا يصح تقدمه عليه وحكى في غاية المراد عن الخلاف الاجماع عليه وليس في الخلاف في هذه المسألة إلا أن البيع مع تقديم الايجاب متفق عليه فيؤخذ به فراجع، خلافا للشيخ في المبسوط في باب النكاح، وأن وافق الخلاف في البيع إلا أنه عدل عنه في باب النكاح، بل ظاهر كلامه عدم الخلاف في صحته بين الإمامية حيث أنه بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل زوجني فلانة جائز بلا خلاف، قال: أما البيع فإنه إذا قال بعنيها، فقال: بعتكها صح عندنا وعند قوم من المخالفين، وقال: قوم منهم لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى. وكيف كان فنسبة القول الأول إلى المبسوط مستند إلى كلامه في باب البيع وأما في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم كالمحقق في الشرائع والعلامة في التحرير والشهيدين في بعض كتبهما. و جماعة ممن تأخر عنهما للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها، وفحوى جوازه في النكاح الثابت بالأخبار {2} مثل خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة المشتمل على صحة تقديم القبول بقوله للمرأة أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قال: فإذا قالت: نعم، فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها ورواية سهل الساعدي المشهور في كتب الفريقين كما قيل: المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها.
213
(1) الوسائل باب 18 من أبواب المتعة حديث 1. (2) المستدرك باب 21 من أبواب مقدمات النكاح حديث 2. (3) الوسائل باب 2 من أبواب المهور حديث 1. 214 والتحقيق أن القبول أما أن يكون بلفظ قبلت ورضيت. وأما أن يكون بطريق الأمر والاستيجاب نحو بعني، فيقول المخاطب: بعتك. وأما أن يكون بلفظ اشتريت وملكت مخففا وابتعت، فإن كان بلفظ قبلت. فالظاهر عدم جواز تقديمه وفاقا لما عرفت في صدر المسألة، بل المحكي عن الميسية والمسالك ومجمع الفائدة أنه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ قبلت، وهو المحكي عن نهاية الأحكام وكشف اللثام في باب النكاح وقد اعترف به غير واحد من متأخري المتأخرين أيضا، بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه {1} ويدل عليه مضافا إلى ما ذكروا إلى كونه خلاف المتعارف من العقد: إن القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الايجاب، فلا يعقل تقدمه عليه. {2} وليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد، مجرد الرضا بالايجاب حتى يقال إن الرضا بشئ لا يستلزم تحققه قبله، فقد يرضى الانسان بالأمر المستقبل. بل المراد منه الرضا بالايجاب على وجه يتضمن انشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضية لأن المشتري ناقل كالبايع، وهذا لا يتحقق إلا مع تأخر الرضا عن الايجاب، إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال فإن من رضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل، لم ينقل في الحال ماله إلى الموجب بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا، فإنه يرفع بهذا الرضا يده من ماله وينقله إلى غيره على وجه العوضية. ومن هنا يتضح
215 فساد ما حكي عن بعض المحققين في رد الدليل المذكور، وهو كون القبول فرع الايجاب وتابعا له وهو أن تبعية القبول للإيجاب ليست تبعية اللفظ، للفظ ولا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه وإنما هو على سبيل الفرض والتنزيل، بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقى إليه من الموجب، والموجب مناولا كما يقول السائل في مقام الانشاء أنا راض بما تعطيني وقابل لما تمنحني، فهو متناول قدم انشاءه أو أخر فعلى هذا يصح تقديم القبول ولو بلفظ: قبلت ورضيت إن لم يقم اجماع على خلافه انتهى. ووجه الفساد ما عرفت سابقا من أن الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه، ليس فيه انشاء نقل من القابل في الحال، بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال، وليس المراد: إن أصل الرضا بشئ تابع لتحققه في الخارج أولا قبل الرضا به حتى يحتاج إلى توضيحه بما ذكره من المثال، بل المراد الرضا الذي يعد ركنا في - العقد
216 ومما ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم القبول بلفظ الأمر {1} كما لو قال بعني هذا بدرهم، فقال: بعتك لأن غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها، لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم إلى البائع كما لا يخفى، وأما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا على الصحة به فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر على خلافه. وأما فحوى جوازه في النكاح، ففيها بعد الاغماض عن حكم الأصل بناء على منع دلالة رواية سهل على كون لفظ الأمر هو القبول لاحتمال تحقق القبول بعد ايجاب النبي صلى الله عليه وآله ويؤيده أنه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الايجاب والقبول منع الفحوى وقصور دلالة رواية أبان من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة، نعم، في الايجاب.
217 ثم اعلم أن في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافا كثيرا بين كلمات الأصحاب، فقال في المبسوط: إن قال بعنيها بألف، فقال: بعتك صح والأقوى عندي أنه لا يصح حتى يقول المشتري بعد ذلك اشتريت واختار ذلك في الخلاف وصرح به في الغنية، فقال: واعتبرنا حصول الايجاب من البائع والقبول من المشتري حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري وهو أن يقول بعنيه بألف، فيقول: بعتك، فإنه لا ينعقد حتى يقول المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت، و صرح به أيضا في السرائر والوسيلة وعن جامع المقاصد أن ظاهرهم أن هذا الحكم اتفاقي، وحكى الاجماع عن ظاهر كل من اشترط الايجاب والقبول. ومع ذلك كله فقد صرح الشيخ في المبسوط في باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع، ونسبته إلينا مشعر بقرينة السياق إلى عدم الخلاف فيه بيننا، فقال: إذا تعاقدا فإن تقدم الايجاب على القبول، فقال: زوجتك، فقال: قبلت التزويج صح، وكذا إذا تقدم الايجاب على القبول في البيع صح بلا خلاف. وأما إن تأخر الايجاب وسبق القبول، فإن كان في النكاح، فقال الزوج: زوجنيها. فقال: زوجتكها، صح وإن لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر الساعدي قال الرجل: زوجنيها يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: زوجتكها بما معك من القرآن فتقدم القبول وتأخر الايجاب، وإن كان هذا في البيع، فقال: بعنيها، فقال: بعتكها، صح عندنا وعند قوم من المخالفين، وقال: قوم منهم لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى. وحكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم إلى كل من جوز تقديم القبول على الايجاب بقول مطلق، وتمسك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج، إلا أن المحقق رحمه الله مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب والايجاب صرح بجواز تقديم القبول على الايجاب، وذكر العلامة قدس سره الاستيجاب والايجاب، وجعله خارجا عن قيد اعتبار الايجاب والقبول كالمعاطاة، وجزم بعدم كفايته، مع أنه تردد في اعتبار تقديم القبول، وكيف كان فقد عرفت أن الأقوى المنع في البيع لما عرفت
218 بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ: قبلت يمكن المنع هنا بناء على اعتبار الماضوية فيما دل على القبول، ثم إن هذا كله بناء على المذهب المشهور بين الأصحاب، من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم، وعدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك. و أما على ما (اخترناه) قويناه سابقا في مسألة المعاطاة من أن البيع العرفي موجب للملك، {1} وأن الأصل في الملك اللزوم، فاللازم الحكم باللزوم في كل مورد لم يقم اجماع على عدم اللزوم وهو ما إذا خلت المعاملة عن الانشاء باللفظ رأسا، أو كان اللفظ المنشئ به المعاملة مما قام الاجماع على عدم إفادتها اللزوم. وأما في غير ذلك فالأصل اللزوم، وقد عرفت أن القبول على وجه طلب البيع قد صرح في المبسوط بصحته بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا وحكي عن الكامل أيضا، فتأمل. وإن كان التقديم بلفظ اشتريت وابتعت أو تملكت أو ملكت هذا بكذا، فالأقوى جوازه {2} لأنه انشاء ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا ففي الحقيقة انشاء المعاوضة كالبايع إلا أن البايع ينشأ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه، والمشتري ينشأ ملكية مال صاحبه
219 ففي الحقيقة كل منها يخرج ماله إلى صاحبه، ويدخل مال صاحبه في ملكه إلا أن الادخال في الايجاب مفهوم من ذكر العوض، وفي القبول مفهوم من نفس الفعل والاخراج بالعكس، وحينئذ فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو معنى القبول. لكنه لما كان الغالب وقوعه عقيب الايجاب وانشاء انتقال مال البايع إلى نفسه إذا وقع عقيب نقله إليه يوجب تحقق المطاوعة ومفهوم القبول أطلق عليه القبول و هذا المعنى مفقود في الايجاب المتأخر لأن المشتري إنما ينقل ماله إلى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضا، والبائع إنما ينشأ انتقال الثمن إليه كذلك، لا بمدلول الصيغة. وقد صرح في النهاية والمسالك على ما حكي: بأن اشتريت ليس قبولا حقيقة، وإنما هو بدل وأن الأصل في القبول قبلت، لأن القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به ولفظ اشتريت يجوز الابتداء به، ومرادهما أنه بنفسه لا يكون قبولا فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع، كما أن رضيت بالبيع ليس فيه انشاء لنقل ماله إلى البائع إلا إذا وقع متأخرا، ولذا منعنا عن تقديمه فكل من رضيت واشتريت بالنسبة إلى إفادة نقل المال ومطاوعة البيع عند التقدم والتأخر متعاكسان
220 فإن قلت إن الاجماع على اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتى يقع قبولا لأن انشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له، يتحقق فيه معنى الانتقال وقبول الأثر، فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالأثر عقيب انشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم فإن مجرد انشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول، كما لو نوى تملك المباحات أو اللقطة فإنه لا قبول فيه رأسا. قلت: المسلم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعنى الشامل للرضا بالايجاب. وأما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة وقبول الأثر، فلا، فقد تبين من جميع ذلك أن انشاء القبول لا بد أن يكون جامعا لتضمن انشاء النقل و للرضا بانشاء البائع تقدم أو تأخر ولا يعتبر انشاء انفعال نقل البائع، فقد تحصل مما ذكرناه صحة تقديم القبول إذا كان بلفظ: اشتريت وفاقا لمن عرفت، بل هو ظاهر اطلاق الشيخ في الخلاف حيث إنه لم يتعرض إلا للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب والايجاب. وقد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه والمنع عن تقديم مثل اشتريت: وكذا السيد في الغنية حيث أطلق اعتبار الايجاب والقبول واحترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة وبالاستيجاب والايجاب وكذا ظاهر إطلاق الحلبي [أبو الصلاح] في الكافي، حيث لم يذكر تقديم الايجاب من شروط الانعقاد. والحاصل أن المصرح بذلك فيما وجدت من القدماء: الحلي وابن حمزة، فمن التعجب بعد ذلك حكاية الاجماع عن الخلاف على تقديم الايجاب، مع أنه لم يزد على الاستدلال بعدم كفاية الاستيجاب والايجاب بأن ما عداه مجمع على صحته وليس على صحته دليل ولعمري أن مثل هذا مما يوهن الاعتماد على الاجماع المنقول. وقد نبهنا على أمثال ذلك في مواردها نعم يشكل الأمر بأن المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الايجاب {1} ولا فرق بين المتعارف هنا، وبينه في المسألة الآتية، وهو الوصل. بين الايجاب والقبول
221 فالحكم لا يخلو عن شوب الاشكال، ثم إن ما ذكرنا جار في كل قبول يؤدي بانشاء مستقل كالإجارة التي يؤدي قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا، أو ملكت والنكاح الذي يؤدي قبوله بلفظ نكحت وتزوجت. وأما ما لا انشاء في قبوله إلا قبلت أو ما يتضمنه كارتهنت. {1} فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه، إذ لا التزام في قبوله لشئ كما كان في قبول البيع التزام بنقل ماله إلى البائع، بل لا ينشئ به معنى غير الرضا بفعل الموجب. وقد تقدم أن الرضا يجوز تعلقه بأمر مترقب كما يجوز تعلقه بأمر محقق، فيجوز أن يقول رضيت برهنك هذا عندي، فيقول رهنت والتحقيق عدم الجواز لأن اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن ولا يخفى أنه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص إلا بعد تحقق الرهن لأن الايجاب انشاء للفعل [للنقل] والقبول انشاء للانفعال [للانتقال]، وكذا القول في الهبة والقرض فإنه لا يحصل من انشاء القبول فيهما التزام بشئ، وإنما يحصل به الرضا بفعل الموجب ونحوها قبول المصالحة المتضمنة للاسقاط أو التمليك بغير عوض،
222 أما المصالحة المشتملة على المعاوضة {1} فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين، وكان نسبتها إليهما على وجه سواء، وليس الالتزام الحاصل من أحدهما أمرا مغايرا للالتزام الحاصل من الآخر كان البادي منهما موجبا لصدق الموجب عليه لغة وعرفا،
223 ثم لما انعقد الاجماع على توقف العقد على القبول، لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول إذ لو قال أيضا صالحتك، كان إيجابا آخر فليزم تركيب العقد من إيجابين، وتحقق من جميع ذلك أن تقديم القبول في الصلح أيضا غير جائز إذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت ورضيت. وقد عرفت أن قبلت ورضيت مع التقديم لا يدل على انشاء لنقل العوض في الحال. فتلخص مما ذكرنا أن القبول في العقود على أقسام: لأنه أما أن يكون التزاما بشئ من القابل كنقل مال عنه أو زوجية. وأما أن لا يكون فيه سوى الرضا بالايجاب، والأول على قسمين، لأن الالتزام الحاصل من القابل إما أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة أو متغايرا كالاشتراء. والثاني: أيضا على قسمين، لأنه أما أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان والاتهاب والاقتراض. وأما أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالايجاب، كالوكالة والعارية وشبههما فتقديم القبول على الايجاب لا يكون إلا في القسم الثاني من كل من القسمين،
224 ثم إن مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام ايجابه اعتبار عرفي فكل من التزم بنقل ماله على وجه العوضية لمال آخر يسمى مشتريا وكل من نقل ماله على أن يكون عوضه مالا من آخر يسمى بائعا، وبعبارة أخرى كل من ملك ماله غيره بعوض، فهو البائع فكل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشتري، وإلا فكل منهما في الحقيقة يملك ماله غيره بإزاء مال غيره ويملك مال غيره بإزاء ماله. ومن جملة شروط العقد: الموالاة بين إيجابه وقبوله {1} ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع، ثم العلامة والشهيدان والمحقق الثاني والشيخ المقداد، قال الشهيد في القواعد الموالاة معتبرة في العقد ونحوه، وهي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثنى [الاستثناء] والمستثنى منه {2} وقال بعض العامة لا يضر قول الزوج بعد الايجاب الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها،
225 ومنه الفورية في استتابة المرتد {1} فيعتبر في الحال، وقيل: إلى ثلاثة أيام، ومنه السكوت في أثناء الأذان، فإن كان كثيرا أبطله، ومنه السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها (خلالها)، كذا التشهد ومنه تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع {2} فإن تعمدوا أو نسوا حتى ركع فلا جمعة، واعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة، ومنه الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى أنه تكرار والموالاة في سنة التعريف، فلو رجع في أثناء المدة استونفت ليتوالى، انتهى. أقول: حاصله أن الأمر المتدرج شيئا فشيئا إذا كان له صورة اتصالية في العرف فلا بد في ترتب الحكم المعلق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتصالية، فالعقد المركب من الايجاب والقبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئته الاتصالية {3} ولذا لا يصدق المعاقدة إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو أزيد، وانضباط ذلك أنما يكون بالعرف فهو في كل أمر بحسبه،
(1) الوسائل باب 2 من أبواب صلاة الجمعة. 226 فيجوز الفصل بين كل من الايجاب والقبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما، ويجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف كما في الأذان والقراءة، وما ذكره حسن لو كان حكم الملك واللزوم في المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا، كما هو مقتضى التمسك بأية الوفاء بالعقود وباطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم، بل الملك، أما لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد. {1} وأما جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء والمستثنى منه فلأنه منشأ. الانتقال إلى هذه القاعدة، فإن أكثر الكليات إنما يلتفت إليها من التأمل في مورد خاص، وقد صرح في القواعد مكررا بكون الأصل في هذه القاعدة كذا، ويحتمل بعيدا أن يكون الوجه فيه أن الاستثناء أشد ربطا بالمستثنى منه من سائر اللواحق لخروج المستثنى منه معه عن حد الكذب إلى الصدق فصدقه يتوقف عليه، فلذا كان طول الفصل هناك أقبح فصار أصلا في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام، ثم تعدى منه إلى سائر الأمور المرتبطة بالكلام لفظا، أو معنى، أو من حيث صدق عنوان خاص عليه لكونه عقدا أو قراءة أو أذانا ونحو ذلك،
227 ثم في تطبيق بعضها على ما ذكره خفاء كمسألة توبة المرتد. فإن غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه أن المطلوب في الاسلام الاستمرار فإذا انقطع فلا بد من إعادته في أقرب الأوقات. وأما مسألة الجمعة فلأن هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من القيام والركوع والسجود مطلوبة، فيقدح الاخلال بها وللتأمل في هذه الفروع وفي صحة تفريعها على الأصل المذكور مجال،
(1) المائدة، آية 2. 228 ثم إن المعيار في الموالاة موكول إلى العرف كما في الصلاة والقراءة والأذان ونحوه، ويظهر من رواية سهل الساعدي المتقدمة في مسألة تقديم القبول، جواز الفصل بين الايجاب والقبول بكلام طويل أجنبي، بناء على ما فهمه الجماعة من أن القبول فيها قول ذلك الصحابي زوجنيها والايجاب قوله بعد فصل طويل زوجتكها بما معك من القرآن، ولعل هذا موهن آخر للرواية، فافهم.
229 ومن جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد {1} بأن لا يكون معلقا على شئ بأداة الشرط، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشئ لا في غيرها، وممن صرح بذلك الشيخ والحلي والعلامة وجميع من تأخر عنه كالشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم قدس الله أرواحهم وعن فخر الدين في شرح الإرشاد في باب الوكالة أن تعليق الوكالة على الشرط لا يصح عند الإمامية وكذا غيره من العقود، لازمة كانت أو جائزة. وعن تمهيد القواعد دعوى الاجماع عليه وظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف الاتفاق عليه. والظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد {2} وإن لم يتعرض الأكثر في هذا المقام،
230 ويدل عليه فحوى فتاويهم ومعاقد الاجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كلما دل على الإذن، حتى أن العلامة ادعى الاجماع - على ما حكى عنه - على عدم صحة أن يقول الموكل: أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي، وعلى صحة قوله أنت وكيلي ولا تبع عبدي إلا في يوم الجمعة مع كون المقصود واحدا وفرق بينهما جماعة بعد الاعتراف بأن هذا في معنى التعليق بأن العقود لما كانت متلقاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط وبطلت فيما خرج عنها وإن أفادت فائدتها، فإذا كان الأمر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع. وبالجملة فلا شبهة في اتفاقهم على الحكم. وأما الكلام في وجه الاشتراط فالذي صرح به العلامة في التذكرة أنه مناف للجزم حال الانشاء بل جعل الشرط هو الجزم. ثم فرع عليه عدم جواز التعليق قال الخامس من الشروط الجزم فلو علق العقد على شرط لم يصح وإن كان الشرط المشية للجهل بثبوتها حال العقد، وبقائها مدته وهو أحد قولي الشافعي، وأظهرهما عندهم الصحة، لأن هذه صفة يقتضيها اطلاق العقد لأنه لو لم يشأ لم يشتر انتهى كلامه، وتبعه على ذلك الشهيد رحمه الله في قواعده قال: لأن الانتقال بحكم الرضا ولا رضا إلا مع الجزم والجزم ينافي التعليق، انتهى. ومقتضى ذلك أن المعتبر هو عدم التعليق على أمر مجهول الحصول، كما صرح به المحقق في باب الطلاق وذكر المحقق والشهيد الثانيان في الجامع والمسالك في مسألة إن كان لي فقد بعته أن التعليق إنما ينافي الانشاء في العقود والايقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول لكن الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم أن الجزم ينافي التعليق لأنه بعرضة عدم الحصول، ولو قدر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف لأن الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه فاعتبر المعنى العام دون خصوصيات الأفراد، ثم قال: فإن قلت فعلى هذا يبطل قوله في صورة انكار التوكيل: إن كان لي فقد بعته منك بكذا، قلت: هذا تعليق على واقع لا متوقع الحصول فهو علة للوقوع أو مصاحب له لا معلق عليه الوقوع، وكذا القول لو قال في صورة انكار وكالة التزويج وانكار التزويج حيث تدعيه المرأة إن كانت زوجتي فهي طالق، انتهى كلامه رحمه الله.
232 وعلل العلامة في القواعد صحة إن كان لي فقد بعته بأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا، وكذا كل شرط علم وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع ولا وقوفه، انتهى. وتفصيل الكلام أن المعلق عليه، أما أن يكون معلوم التحقق، وأما أن يكون محتمل التحقق وعلى الوجهين: إما أن يكون تحققه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل، وعلى التقادير، فإما أن يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد ككون الشئ مما يصح تملكه شرعا، أو مما يصح اخراجه عن الملك كغير أم الولد وغير الموقوف ونحوه، وكون المشتري ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا وممن يجوز العقد معه، بأن يكون بالغا، وأما أن لا يكون كذلك، ثم التعليق أما مصرح به وأما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة، وقوله في القرض والهبة خذ هذا، بعوضه أو خذه بلا عوض يوم الجمعة فإن التمليك معلق على تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال ولهذا احتمل العلامة في النهاية، وولده في الإيضاح بطلان بيع الوارث لمال مورثه بظن موته معللا بأن العقد وإن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق والتقدير إن مات مورثي فقد بعتك، فما كان منها معلوم الحصول حين العقد فالظاهر أنه غير قادح، وفاقا لمن عرفت كلامه كالمحقق والعلامة والشهيدين والمحقق الثاني والصيمري. وحكي أيضا عن المبسوط والايضاح في مسألة ما لو قال: إن كان لي فقد بعته بل لم يوجد في ذلك خلاف صريح، ولذا ادعى في الرياض في باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحا، وما كان منها معلوم الحصول في المستقبل وهو المعبر عنه بالصفة، فالظاهر أنه داخل في معقد اتفاقهم على عدم الجواز وإن كان تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه، كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه ونحوه الشهيد الثاني فيما حكى عنه، بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة فإنه قال إذا قال الواقف: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته لم يصح الوقف بلا خلاف لأنه مثل البيع والهبة وعندنا مثل العتق أيضا، انتهى. فإن ذيله يدل على أن مماثلة الوقف للبيع والهبة غير مختص
233 بالإمامية. نعم مماثلته للعتق مختص بهم، وما كان منها مشكوك الحصول وليس صحة العقد معلقة عليه في الواقع كقدوم الحاج، فهو المتيقن من معقد اتفاقهم، وما كان صحة العقد معلقة عليه كالأمثلة المتقدمة. فظاهر اطلاق كلامهم يشمله، إلا أن الشيخ في المبسوط حكى في مسألة إن كان لي فقد بعته، قولا من بعض الناس بالصحة وأن الشرط لا يضره مستدلا بأنه لم يشترط إلا ما يقتضيه اطلاق العقد، لأنه إنما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل إذا كان أذن له في الشراء، فإذا اقتضاه الاطلاق لم يضر إظهاره وشرطه كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك انتهى. وهذا الكلام وإن حكاه عن بعض الناس إلا أن الظاهر ارتضائه له. وحاصله أنه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه في الواقع فتعليقه ببعض مقدماته كالالزام ببعض غاياته فكما لا يضر الالزام بما يقتضي العقد التزامه، كذلك التعليق بما كان الاطلاق معلقا عليه ومقيدا به، وهذا الوجه وإن لم ينهض لدفع محذور التعليق في انشاء العقد، لأن المعلق على ذلك الشرط في الواقع هو ترتب الأثر الشرعي على العقد دون انشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلم، فالمعلق في كلام المتكلم غير معلق في الواقع على شئ، والمعلق على شئ ليس معلقا في كلام المتكلم على شئ بل ولا منجزا، بل هو شئ خارج عن مدلول الكلام إلا أن ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بتحقق الاجماع عليه، مع أن ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدل على أن محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه وعدمه فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم. ويؤيد ذلك أن الشهيد في قواعده جعل الأصح صحة تعليق البيع على ما هو شرط فيه، كقول البائع بعتك إن قبلت ويظهر منه ذلك أيضا في آخر القواعد، ثم إنك قد عرفت أن العمدة في المسألة هو الاجماع، وربما يتوهم أن الوجه في اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الانشاء للتعليق، وبطلانه واضح لأن المراد بالانشاء إن كان هو مدلول الكلام، فالتعليق غير متصور فيه إلا أن الكلام ليس فيه، وإن كان الكلام في أنه كما يصح انشاء الملكية المتحققة على كل تقدير
234 فهل يصح انشاء الملكية المتحققة على تقدير دون آخر، كقوله هذا لك إن جاء زيد غدا، وخذ المال قرضا أو قراضا إذا أخذته من فلان ونحو ذلك، فلا ريب في أنه أمر متصور واقع في العرف والشرع كثيرا في الأوامر والمعاملات من العقود والايقاعات {1}
235 ويتلو هذا الوجه في الضعف ما قيل من أن ظاهر ما دل على سببية العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك {1} وفيه بعد الغض عن عدم انحصار أدلة الصحة واللزوم في مثل قوله تعالى (أوفوا بالعقود) لأن دليل حلية البيع وتسلط الناس على أموالهم كاف في اثبات ذلك {2} إن العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله فليس مفاد (أوفوا بالعقود) إلا مفاد أوفوا بالعهد في أن العقد كالعهد إذا وقع على وجه التعليق فترقب تحقق المعلق عليه في تحقق المعلق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد.
(1) المائدة، 2. (2) البقرة، 275. 236 والحاصل أنه إن أريد بالمسبب هو مدلول العقد فعدم تخلفه عن انشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها، وإن أريد به الأثر الشرعي وهو ثبوت الملكية فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكية المنجزة، بل هو مطلق الملك فإن كان البيع غير معلق كان أثره الشرعي الملك الغير المعلق، وإن كان معلقا فأثره الملكية المعلقة مع أن تخلف الملك عن العقد كثير جدا {1}
237 مع أن ما ذكره لا يجري في مثل قوله: بعتك إن شئت، وإن قبلت فقال قبلت فإنه لا يلزم هنا تخلف أثر العقد عنه، مع أن هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال فإن العقد حينئذ يكون مراعى لا موقوفا، مع أن ما ذكره لا يجري في غيره من العقود التي قد يتأخر مقتضاها عنه كما لا يخفى، وليس الكلام في خصوص البيع، وليس على هذا الشرط في كل عقد دليل على حدة، ثم الأضعف من الوجه المتقدم التمسك في ذلك بتوقيفية الأسباب الشرعية، الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقن، وليس إلا العقد العاري عن التعليق {1} إذ فيه أن اطلاق الأدلة مثل حلية البيع وتسلط الناس على أموالهم وحل التجارة عن تراض، ووجوب الوفاء بالعقود وأدلة سائر العقود كاف في التوقيف. وبالجملة فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم أدلتها ووقوع كثير منها في العرف على وجه التعليق بغير الاجماع محققا أو منقولا مشكل، ثم إن القادح هو تعليق الانشاء.
238 وأما إذا أنشأ من غير تعليق صح العقد، وإن كان المنشئ مترددا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا {1} كمن ينشئ البيع وهو لا يعلم أن المال له، أو أن المبيع مما يتمول أو أن المشتري راض حين الايجاب أم لا أو غير ذلك مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا أو شرعا، بل الظاهر أنه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر عليه إذا تحقق القصد إلى التمليك العرفي، وقد صرح بما ذكرنا بعض المحققين، حيث قال: لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد، نعم ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة كعدم الزوجية أو الشك فيها في انشاء الطلاق، فإنه لا يتحقق القصد إليه منجزا من دون العلم بالزوجية
240 وكذا الرقية في العتق، وحينئذ فإذا مست الحاجة إلى شئ من ذلك للاحتياط وقلنا بعدم جواز تعليق الانشاء على ما هو شرط فيه، فلا بد من إبرازه بصورة التنجيز {1} وإن كان في الواقع معلقا، أو يوكل غيره الجاهل بالحال بايقاعه ولا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا على كون الموكل مالكا للفعل لأن فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن إلا أن ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان، فيما لو زوج امرأة يشك في أنها محرمة عليه فظهر حلها وعلل ذلك بعدم الجزم حال العقد، قال: وكذا الايقاعات كما لو خالع امرأة أو طلقها وهو شاك في زوجيتها أو ولي نائب الإمام عليه السلام قاضيا لا يعلم أهليته، وإن ظهر أهلا ثم قال: ويخرج من هذا بيع مال مورثه لظنه حياته، فبان ميتا لأن الجزم هنا حاصل، لكن خصوصية البائع غير معلومة وإن قيل بالبطلان أمكن لعدم القصد إلى نقل ملكه، وكذا لو زوج أمة أبيه فظهر ميتا، انتهى. والظاهر الفرق بين مثال الطلاق وطرفيه بامكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق، فافهم.
241 وقال في موضع آخر ولو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين، أمكن الصحة، وكذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا، ويشكلان في العالم بالحكم لعدم قصدهما إلى طلاق صحيح، انتهى. ومن جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب والقبول {1} فلو اختلفا في المضمون، بأن أوجب البائع البيع على وجه خاص من حيث خصوص المشتري، أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط،
242 فقبل المشتري على وجه أخر لم ينعقد {1} ووجه هذا الاشتراط واضح وهو مأخوذ من اعتبار القبول وهو الرضا بالايجاب، فحينئذ لو قال بعته من موكلك بكذا، فقال: اشتريته لنفسي لم ينعقد، ولو قال: بعت هذا من موكلك فقال الموكل: الغير المخاطب: قبلت صح، وكذا لو قال: بعتك فأمر المخاطب وكيله بالقبول فقبل،
243 ولو قال بعتك العبد بكذا، فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه لم ينعقد {1} وكذا لو قال: بعتك العبد بمائة درهم، فقال: اشتريته بعشرة دنانير، ولو قال للاثنين بعتكما العبد بألف فقال أحدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم يقع، ولو قال كل منهما ذلك لا يبعد الجواز، ونحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشتري اشتريت كل نصف منه بخمسين، وفيه اشكال.
244 ومن جملة الشروط في العقد أن يقع كل من ايجابه وقبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء {1} فلو كان المشتري في حال ايجاب البائع غير قابل للقبول أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الايجاب لم ينعقد {2} ثم إن عدم قابليتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت والجنون والاغماء، بل النوم فوجه الاعتبار عدم تحقق معنى المعاقدة والمعاهدة حينئذ. {3}
245 وأما صحة القبول من الموصى له بعد موت الموصي فهو {1} شرط حقيقة لا ركن، فإن حقيقة الوصية الايصاء، ولذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه ولو رد جاز له القبول بعد ذلك، وإن كان لعدم الاعتبار برضاهما، فلخروجه أيضا عن مفهوم التعاهد والتعاقد لأن المعتبر فيه عرفا، رضا كل منهما لما ينشأه الآخر حين أنشأه [انشائه] كمن يعرض له الحجر بفلس أو سفه أو رق، لو فرض أو مرض موت والأصل في جميع ذلك أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الايجاب السابق {2}.
247 وكذا لو كان المشتري في زمان الايجاب غير راض أو كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير، فصحة كل من الايجاب والقبول يكون معناه قائما في نفس المتكلم من أول العقد إلى أن يتحقق تمام السبب، وبه يتم معنى المعاقدة فإذا لم يكن هذا المعنى قائما في نفس أحدهما، أم قام، ولم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معنى المعاقدة {1} ثم إنهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره ومقتضاه عدم اعتباره من أحدهما حين العقد بل يكفي حصوله بعده فضلا عن حصوله بعد الايجاب وقبل القبول، اللهم إلا أن يلتزم بكون الحكم في المكره على خلاف القاعدة لأجل الاجماع.
248 فرع لو اختلف، المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه: {1} ثالثها: اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل، كما لو فرضنا أنه لا قائل بجواز تقديم القبول على الايجاب وجواز العقد بالفارسية أردؤها أخيرها
249 والأولان مبنيان على أن الأحكام الظاهرية المجتهد فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية {1} فالايجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا إشارة الأخرس وايجاب العاجز عن العربية وكصلاة المتيمم بالنسبة إلى واجد الماء أم هي أحكام عذرية لا يعذر فيها إلا من اجتهد أو قلد فيها؟ والمسألة محررة في الأصول، هذا كله إذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا إلى فعل الآخر كالصراحة والعربية والماضوية
250 والترتيب {1}. وأما الموالاة والتنجيز وبقاء المتعاقدين على صفات صحة الانشاء إلى آخر العقد. فالظاهر أن اختلافها يوجب فساد المجموع لأن بالاخلال بالموالاة أو التنجيز أو البقاء على صفات صحة الانشاء يفسد عبارة من يراها شروطا فإن الموجب إذا علق مثلا أو لم يبق على صفة صحة الانشاء إلى زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الايجاب بالقبول، وكذا القابل إذا لم يقبل إلا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك يجب على الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة، فتأمل {2}
251 مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد، لم يملكه وكان مضمونا عليه {1} أما عدم الملك فلأنه مقتضى فرض الفساد. وأما الضمان بمعنى كون تلفه عليه وهو أحد أمور متفرعة على القبض بالعقد الفاسد فهو المعروف، وادعى الشيخ في باب الرهن وفي موضع من البيع الاجماع عليه صريحا، وتبعه في ذلك فقيه عصره في شرح القواعد. وفي السرائر أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجرى الغصب في الضمان، وفي موضع آخر نسبه إلى أصحابنا ويدل عليه النبوي
(1) راجع الوسائل - باب 3 - من أبواب مكان المصلي والمستدرك ج 1 ص 212 وفروع الكافي ج 1 - ص 426 - والاحتجاج ص 267. 253 المشهور: على اليد ما أخذت حتى تؤدي. {1} والخدشة في دلالته بأن كلمة على ظاهرة في الحكم التكليفي، فلا يدل على الضمان {2} ضعيفة جدا، فإن هذا الظهور إنما هو إذا أسند الظرف إلى فعل من أفعال المكلفين، لا إلى مال من الأموال كما يقال عليه دين،
(1) سنن البيهقي ج 6 - ص 90 - وكنز العمال ج 5 - ص 257 الرقم 5197، تفسير أبو الفتوح رازي ج 1، ص 784، عوالي اللئالي، ج 2، ص 345، ج 10 - المستدرك كتاب الغصب باب 1، حديث 4، نقل عنهما. 254 فإن لفظة على حينئذ لمجرد الاستقرار في العهدة عينا كان أو دينا {1}.
(1) هود، 102. (2) الحاقة، 46. (3) القمر، 42. 255 ومن هنا كان المتجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير {1} بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة، لعدم التمييز والشعور،
(1) الأعراف، 199. (2) التوبة، 103. 256 ويدل على الحكم المذكور أيضا قوله عليه السلام في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري أنه: يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بالقيمة {1} فإن ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأصل بطريق أولى، فليس استيلادها من قبيل إتلاف النماء بل من قبيل أحداث نمائها غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف فافهم.
(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 3. 257 ثم إن هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة، كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده {1} وهذه القاعدة أصلا وعكسا وإن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدم على العلامة إلا أنها يظهر من كلمات الشيخ رحمه الله في المبسوط، فإنه علل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة بأنه دخل على أن يكون المال مضمونا عليه. وحاصله أن قبض المال مقدما على ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب للضمان، وهذا المعنى يشمل القبوض بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها. وذكر أيضا في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد: إن صحيحه لا يوجب الضمان، فكيف يضمن بفاسده، وهذا يدل على العكس المذكور، ولم أجد من تأمل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق، فهل يستحق السابق أجرة المثل أم لا، وكيف كان فالمهم بيان معنى القاعدة أصلا وعكسا، ثم بيان المدرك فيها.
258 فنقول ومن الله الاستعانة: إن المراد بالعقد أعم من الجائز واللازم، بل مما كان فيه شائبة الايقاع، أو كان أقرب إليه فيشمل الجعالة والخلع، والمراد بالضمان في الجملتين هو كون درك المضمون عليه بمعنى كون خسارته ودركه في ماله الأصلي، فإذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه معه. {1}
259 وأما مجرد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكا له كما يتوهم فليس هذا معنى للضمان أصلا، فلا بقال إن الانسان ضامن لأمواله، ثم تداركه من ماله تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضى هو والمالك على كونه عوضا وأمضاه الشارع كما في المضمون بسبب العقد الصحيح وأخرى بأداء عوضه الواقعي وهو المثل أو القيمة وإن لم يتراضيا عليه، وثالثة بأداء أقل الأمرين: {1} من العوض الواقعي والجعلي، كما ذكره بعضهم في بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض {2} فإذا ثبت هذا فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي، لأن هذا هو التدارك حقيقة. ولذا لو اشترط ضمان العارية
260 لزم غرامة مثلها أو قيمتها، ولم يرد في أخبار ضمان المضمونات من المغصوبات وغيرها عدا لفظ الضمان بقول مطلق. وأما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من طريق آخر مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع فاحتمال أن يكون المراد بالضمان في قولهم يضمن بفاسده هو وجوب أداء العوض المسمى، نظير الضمان في العقد الصحيح ضعيف في الغاية لا لأن ضمانه بالمسمى يخرجه من فرض الفساد، إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين على ملك مالكه وإن كان عند تلف أحدهما يتعين الآخر للعوضية، نظير المعاطاة {1} على القول بالإباحة بل لأجل ما عرفت من معنى الضمان وأن التدارك بالمسمى في الصحيح لامضاء الشارع ما تواطئا على عوضيته، لا لأن معنى الضمان في الصحيح مغاير لمعناه الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكا في العبارة فافهم.
261 ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع {1} ليكون أفراده مثل البيع، والصلح والإجارة ونحوها، لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، وإنما المقتضي له بعض أصنافه. فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به، دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان، لأنه قد لا يفيد إلا فائدة الهبة الغير المعوضة أو الابراء، فالموجب للضمان هو المشتمل على المعاوضة فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا، ولا يلتفت إلى أن نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضمانا، فلا يضمن بفاسده وكذا الكلام في الهبة المعوضة، وكذا عارية الذهب والفضة. نعم ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم، أن صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغي أن لا يضمن بفاسدها، ولعل المراد عارية غير الذهب والفضة وغير المشروط ضمانها
262 ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضائه له بنفسه {1} فلو اقتضاه الشرط المتحقق في ضمن العقد الصحيح، ففي الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة اشكال كما لو استأجر إجارة فاسدة، واشترط فيها ضمان العين. وقلنا بصحة هذا الشرط فهل يضمن بهذا الفاسد لأن صحيحه يضمن به ولو لأجل الشرط أم لا وكذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة. ويظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا تبعا لظاهر المسالك، ويمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل بناء على أنها هبة مشروطة لا معاوضة. وربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أن كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد، ورتب عليه عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا أجرة كما اختاره الشهيدان أو باع بلا ثمن كما هو أحد وجهي العلامة في القواعد، ويضعف بأن الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح وفاسد، لا ما يفرض تارة صحيحا وأخرى فاسدا، فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة الضمان في مسألة البيع، لأن البيع الصحيح يضمن به نعم ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة بأنه أقدم على العين مضمونة عليه لا يجري في هذا الفرع لكن الكلام في معنى القاعدة لا في مدركها.
263 ثم إن لفظة الباء في بصحيحه وبفاسده. أما بمعنى {1} في بأن يراد كلما تحقق الضمان في صحيحه تحقق في فاسده، وأما لمطلق السببية الشامل للناقصة لا العلة التامة فإن العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلا بعد القبض، كما في السلم والصرف بل مطلق البيع حيث إن المبيع قبل القبض مضمون على البائع بمعنى أن دركه عليه ويتداركه برد الثمن فتأمل. وكذا الإجارة والنكاح والخلع فإن المال في ذلك كله مضمون على من أنتقل عنه إلى أن يتسلمه من أنتقل إليه. وأما العقد الفاسد فلا يكون علة تامة أبدا بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض فقبله لا ضمان، فجعل الفاسد سببا. أما لأنه المنشأ للقبض على وجه الضمان الذي هو سبب للضمان {2}.
264 وأما لأنه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض {1} ولذا علل الضمان الشيخ وغيره، بدخوله على أن يكون العين مضمونة عليه ولا ريب أنه دخوله على الضمان إنما هو بإنشاء العقد الفاسد فهو سبب لضمان ما يقبضه والغرض من ذلك كله، دفع ما يتوهم أن سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد فكيف يقاس الفاسد على الصحيح في سببية الضمان ويقال: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وقد ظهر من ذلك أيضا فساد توهم أن ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد إلى القبض فلا بد من تخصيص القاعدة باجماع ونحوه، ثم إن المدرك لهذه الكلية {2} على ما ذكره في المسالك
(1) آل عمران، آية 119. (2) القمر، آية 35. 265 في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل، هو اقدام الأخذ على الضمان {1} ثم أضاف إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله على اليد ما أخذت حتى تؤدي. والظاهر أنه تبع في استدلاله بالاقدام الشيخ في المبسوط حيث علل الضمان في موارد كثيرة من البيع والإجارة الفاسدين بدخوله على أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمى فإذا لم يسلم له المسمى رجع إلى المثل أو القيمة، وهذا الوجه لا يخلو عن تأمل لأنهما إنما أقدما وتراضيا وتواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص {2} لا الضمان بالمثل والقيمة والمفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص، ومطلق الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية، حتى يتقوم بخصوصية أخرى، فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت، فحكم شرعي تابع لدليله
266 وليس مما أقدم عليه المتعاقدان. هذا كله مع أن مورد هذا التعليل أعم من وجه من المطلب إذ قد يكون الاقدام موجودا ولا ضمان كما قبل القبض {1} وقد لا يكون اقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان {2} كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري وكما إذا قال بعتك بلا ثمن، أو أجرتك بلا أجرة، نعم قوى الشهيدان في الأخير عدم الضمان واستشكل العلامة في مثال البيع في باب السلم. وبالجملة فدليل الاقدام مع أنه مطلب يحتاج إلى دليل لم نحصله منقوض طردا وعكسا.
267 وأما خبر اليد فدلالته وإن كانت ظاهرة وسنده منجبرا {1} إلا أن مورده مختص بالأعيان فلا يشمل المنافع والأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة. {2}
268 اللهم إلا أن يستدل على الضمان فيها بما دل على احترام مال المسلم {1} وأنه لا يحل إلا عن طيب نفسه، وأن حرمة ماله كحرمة دمه وأنه لا يصلح ذهاب حق أحد
(1) بمضمونه أخبار - في الوسائل باب 3 - من أبواب مكان المصلي - والمستدرك ج 1، ص 212 - وفروع الكافي ج 1 - ص 226 - والاحتجاج ص 267. (2) الوسائل - باب 3 - من أبواب القصاص في النفس حديث 3. (3) الوسائل - باب 40 - من أبواب كتاب الشهادات حديث 1 و 4. 269
(1) النساء، 33. (2) المائدة، 4. 270 مضافا إلى أدلة نفي الضرر فكل عمل وقع من عامل لأحد بحيث يقع بأمره وتحصيلا لغرضه، فلا بد من أداء عوضه لقاعدتي الاحترام ونفي الضرر. ثم إنه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ ومن تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام والدخول عليه بيان أن العين والمنفعة اللذين تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا وتبرعا حتى لا يقضي احترامهما بتداركهما بالعوض كما في العمل المتبرع به والعين المدفوعة مجانا أو أمانة، فليس دليل الاقدام دليلا مستقلا بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال واحترام الأعمال. نعم في المسالك ذكر كلا من الاقدام واليد دليلا مستقلا فيبقى عليه ما ذكر سابقا من النقض والاعتراض.
(1) الوسائل - باب 12 و 7 - من أبواب كتاب احياء الموات وباب 5 - من أبواب كتاب الشفعة وباب 1 من أبواب موانع الإرث وغيرها من كتب الحديث. 271 ويبقى الكلام حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلى الضامن ولم يقع بأمره كالسبق في المسابقة الفاسدة، حيث حكم الشيخ والمحقق وغيرهما بعدم استحقاق السابق أجرة المثل، خلافا لآخرين ووجهه أن عمل العامل لم يعد نفعه إلى الآخر ولم يقع بأمره أيضا، فاحترام الأموال التي منه الأعمال لا يقضي بضمان الشخص له ووجوب عوضه عليه لأنه ليس كالمستوفي له، ولذا كانت شرعيته على خلاف القاعدة حيث إنه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل وتمام الكلام في بابه. ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد بين جهل الدافع بالفساد وبين علمه مع جهل القابض {1} وتوهم أن الدافع في هذه الصورة هو الذي سلطه عليه والمفروض أن القابض جاهل مدفوع، باطلاق النص والفتوى، وليس الجاهل مغرورا لأنه أقدم على الضمان قاصدا وتسليط الدافع العالم لا يجعلها أمانة مالكية لأنه دفعه على أنه ملك المدفوع إليه لا أنه أمانة عنده أو عارية. ولذا لا يجوز له التصرف فيه والانتفاع به وسيأتي تتمة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري هذا كله في أصل الكلية المذكورة.
272 وأما عكسها: وهو أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده {1} فمعناه أن كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضمانا، كما في عقد الرهن والوكالة والمضاربة والعارية الغير المضمونة، بل المضمونة بناء على أن المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه لا بأمر خارج عنه، كالشرط الواقع في متنه وغير ذلك من العقود اللازمة والجائزة،
273
(1) الوسائل باب 4 من أبواب كتاب الوديعة. 274
(1) الوسائل باب 1 من أبواب العارية. 275 ثم إن مقتضى ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا، لأن صحيح الإجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به في القواعد والتحرير. وحكى عن التذكرة واطلاق الباقي إلا أن صريح الرياض الحكم بالضمان، وحكى فيها عن بعض نسبته إلى المفهوم من كلمات الأصحاب {1}.
276 والظاهر أن المحكي عنه هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، وما أبعد ما بينه وبين ما عن جامع المقاصد، حيث قال في باب الغصب: إن الذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة، والذي ينساق إليه النظر هو الضمان لأن التصرف فيه حرام لأنه غصب فيضمنه، ثم قال: إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها. مناف لذلك، فيقال إنه دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء وإن لم يكن مستحقا والأصل براءة الذمة من الضمان فلا يكون العين بذلك مضمونة ولولا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن لأن استيلائه بغير حق وهو باطل انتهى. ولعل الحكم بالضمان في المسألة أما لخروجها عن قاعدة ما لا يضمن، لأن المراد بالمضمون مورد العقد ومورد العقد في الإجارة المنفعة، فالعين يرجع في حكمها إلى القواعد. {1}
277 وحيث كانت في صحيح الإجارة أمانة مأذونا فيها شرعا، ومن طرف المالك لم يكن فيه ضمان. وأما في فاسدها فدفع المؤجر للعين إنما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها لحق الانتفاع فيه والمفروض عدم الاستحقاق فيده عليه يد عدوان موجبة للضمان. {1} وأما [لأن] قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد {2} والأقوى عدم الضمان فالقاعدة المذكورة غير مخصصة بالعين المستأجرة ولا متخصصة، ثم إنه يشكل اطراد القاعدة في موارد
278 منها الصيد الذي استعاره المحرم من المحل {1} بناء على فساد العارية فإنهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة مع أن صحيح العارية لا يضمن به، ولذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان على تقديري الصحة والفساد. إلا أن يقال إن وجه ضمانه بعد البناء على أنه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته.
279 إن المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين {1} فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الاتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التلف،
280 ويشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع فاسدا بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها، فإن هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح مع أنها مضمونة في العقد الفاسد {1} إلا أن يقال إن ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد.
281 وفيه: نظر لأن نفس المنفعة غير مضمونة بشئ في العقد الصحيح {1} لأن الثمن أنما هو بإزاء العين دون المنافع، ويمكن نقض القاعدة أيضا: بحمل المبيع فاسدا {2} على ما صرح به في المبسوط والشرائع والتذكرة والتحرير من كونه مضمونا على المشتري خلافا للشهيدين، والمحقق الثاني وبعض آخر، تبعا للعلامة في القواعد مع أن الحمل غير مضمون في البيع الصحيح بناء على أنه للبائع وعن الدروس توجيه كلام العلامة بما إذا اشترط الدخول في البيع وحينئذ لا نقض على القاعدة {3}،
282 ويمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة {1} بناء على أنه لا يجوز التصرف بها فأخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان. ثم إن مبني هذه القضية السالبة على ما تقدم من كلام الشيخ في المبسوط هي الأولوية. وحاصلها أن الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده. وتوضيحه أن الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان مع امضاء الشارع له، فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثر في الضمان لأن أثر الضمان. أما من الاقدام على الضمان والمفروض عدمه، وإلا لضمن بصحيحه. وأما من حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة، والمفروض أنها لا تؤثر شيئا. ووجه الأولوية أن الصحيح إذا كان مفيدا للضمان أمكن أن يقال إن الضمان من مقتضيات الصحيح فلا يجري في الفاسد، لكونه لغوا غير مؤثر على ما سبق تقريبه من أنه أقدم على ضمان خاص، والشارع لم يمضه، فيرتفع أصل الضمان لكن يخدشها أنه يجوز أن يكون صحة الرهن والإجارة المستلزمة لتسلط المرتهن والمستأجر على العين شرعا مؤثرة في رفع الضمان بخلاف الفاسد
283 الذي لا يوجب تسلطا لهما على العين، فلا أولوية. فإن قلت إن الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان، إلا أن مقتضى عموم على اليد هو الضمان خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة على القابض، وبقي الباقي. قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها، وهي عموم ما دل على أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض، أو سلطه على الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه أو العمل فيه بلا أجرة أو معها، أو غير ذلك فهو غير ضامن. أما في غير التمليك بلا عوض، أعني الهبة فالدليل المخصص لقاعدة الضمان عموم ما دل على أن من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه. أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم اليد، بفحوى ما دل على خروج مورد [صورة] الاستئمان. فإن استئمان المالك لغيره على ملكه إذا اقتضى عدم ضمانه له، اقتضى التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق أولى، والتقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض، كما في المعاوضات فإنه عين التضمين فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن أن من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعي أعني المثل والقيمة، ولا جعلي فليس عليه ضمان. الثاني: من الأمور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد: وجوب رده فورا إلى المالك. {1} والظاهر أنه مما لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرف فيه، كما يلوح من مجمع الفائدة بل صرح في التذكرة كما عن جامع المقاصد: إن مؤنة الرد
284 على المشتري لوجوب ما لا يتم الرد إلا به، واطلاقه يشمل ما لو كان في رده مؤنة كثيرة إلا أن يقيد بغيرها بأدلة نفي الضرر، ويدل عليه أن الامساك آنا ما تصرف في مال الغير بغير إذنه، فلا يجوز لقوله عجل الله تعالى فرجه لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه {1} ولو نوقش في كون الامساك تصرفا {2} كفي عموم قوله صلى الله عليه وآله لا يحل مال امرء مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه {3}،
(1) الإحتجاج ص 267 - عن الأسدي العمري عنه عليه السلام. (2) الوسائل - باب 3 - من أبواب مكان المصلي حديث 1. 285 حيث يدل على تحريم جميع الأفعال المتعلقة به التي منها كونه في يده
(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب كتاب اللقطة حديث 1. (2) النساء الآية، 58. 286 وأما توهم أن هذا بإذنه حيث إنه دفعه باختياره فمندفع بأنه إنما ملكه إياه عوضا، فإذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا انتفى الإذن {1} والمفروض أن كونه على وجه الملكية المجانية مما لم ينشأها المالك، وكونه مالا للمالك وأمانة في يده أيضا مما لم يؤذن فيه ولو أذن له فهو استيداع جديد كما أنه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة، هذا، ولكن الذي يظهر من المبسوط عدم الإثم في إمساكه معللا بأنه قبضه بإذن مالكه وكذا السرائر ناسبا له إلى الأصحاب وهو ضعيف والنسبة غير ثابتة ولا يبعد إرادة صورة الجهل لأنه لا يعاقب.
287 الثالث: أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد {1}
(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب كتاب احياء الموات - وغيره من الأبواب المتقدمة إليها الإشارة. 288 كان عليه عوضها على المشهور، بل ظاهر ما تقدم من السرائر من كونه بمنزلة المغصوب الاتفاق على الحكم
(1) سنن البيهقي ج 6 - ص 90 - وكنز العمال ج 5، ص 257. (2) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 3. (3) الوسائل - باب 7 - من أبواب كتاب الغصب - وباب 17 - من أبواب كتاب الإجارة حديث 1. (4) الوسائل - باب 1 - من أبواب كتاب المضاربة - وباب 7 - من أبواب كتاب الرهن. (5) الوسائل - باب 29 - من أبواب كتاب الإجارة. 289 ويدل عليه عموم قوله لا يحل مال امرء مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه بناء {1} على صدق المال على المنفعة. ولذا يجعل ثمنا في البيع وصداقا في النكاح، خلافا للوسيلة فنفي الضمان محتجا بأن الخراج بالضمان كما في النبوي المرسل {2} وتفسيره أن من ضمن شيئا وتقبله لنفسه فخراجه له، فالباء للسببية أو المقابلة فالمشتري لما أقدم على ضمان المبيع وتقبله على نفسه، بتقبيل البائع وتضمينه إياه على أن يكون الخراج له، مجانا، كان اللازم من ذلك أن خراجه له على تقدير الفساد كما أن الضمان عليه على هذا التقدير أيضا. والحاصل أن ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج ومرجعه إلى أن الغنيمة والفائدة بإزاء الغرامة. وهذا المعنى مستنبط من أخبار كثيرة متفرقة مثل قوله في مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري: ألا ترى أنها لو أحرقت كانت من مال المشتري؟ ونحوه في الرهن وغيره وفيه أن هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتى يكون الخراج بإزائه. وإنما هو أمر قهري حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم والمغصوب. فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج التزام الشئ على نفسه وتقبله له مع امضاء الشارع له،
(1) راجع صحيح الترمذي، ج 5، ص 285 - وسنن أبي داود، ج 2، ص 255، والمبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان. 290 وربما ينتقض ما ذكرنا في معنى الرواية بالعارية المضمونة {1} حيث إنه أقدم على ضمانها مع أن خراجها ليس له لعدم تملكه للمنفعة، وإنما تملك الانتفاع الذي عينه المالك، فتأمل.
292 والحاصل أن دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن، فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم واحترامه وعدم حله إلا عن طيب النفس، وربما يرد هذا القول بما ورد في شراء الجارية المسروقة من ضمان قيمة الولد، وعوض اللبن بل عوض كل ما انتفع. وفيه أن الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة أن مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن لا ما كان فساده من جهة التصرف في مال الغير، وأضعف من ذلك رده بصحيحة أبي ولاد المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة ردا على أبي حنيفة القائل بأنه إذا تحقق ضمان العين ولو بالغصب سقط كراها، كما يظهر من تلك الصحيحة. نعم لو كان القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في اطلاق القول بأن الخراج بالضمان، انتهضت الصحيحة وما قبلها ردا عليه. هذا كله في المنفعة المستوفاة. وأما المنفعة الفائتة بغير استيفاء {1} فالمشهور فيها أيضا الضمان.
293 ولعله لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين {1} فهي مقبوضة في يده ولذا يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين، فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر ويتحقق قبض الثمن في السلم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا، وكذا الدار المجعول سكناها ثمنا مضافا إلى أنه مقتضى احترام مال المسلم، إذ كونه في يد غير مالكه مدة طويلة من غير أجرة مناف للاحترام لكن يشكل الحكم بعد تسليم كون المنافع أموالا حقيقة: بأن مجرد ذلك لا يكفي في تحقق الضمان، إلا أن يندرج في عموم على اليد ما أخذت فلا اشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع، وحصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ، ودعوى أنه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان مشكلة. وأما احترام مال المسلم فإنما يقتضي عدم حل التصرف فيه واتلافه بلا عوض، وإنما يتحقق ذلك في الاستيفاء فالحكم بعدم الضمان مطلقا كما عن الإيضاح أو مع علم البائع بالفساد كما عن بعض آخر موافق للأصل السليم، مضافا: إلى أنه قد يدعي شمول قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.
294 ومن المعلوم أن صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة، لأنها له مجانا ولا يتقسط الثمن عليها، وضمانها مع الاستيفاء لأجل الاتلاف، فلا ينافي القاعدة المذكورة لأنها بالنسبة إلى التلف لا الاتلاف مضافا، إلى الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة الساكتة من ضمان غيرها في مقام البيان. {1}
(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 3. 295 وكذا صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه بغير إذنه، فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ الوليدة وابنها {1} وسكت عن المنافع الفائتة. فإن عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريق أولى. والانصاف أن للتوقف في المسألة كما في المسالك تبعا للدروس والتنقيح مجالا، وربما يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرض لأحكام البيع الفاسد اختصاص الاشكال والتوقف بصورة علم البائع على ما استظهره السيد العميد والمحقق الثاني من عبارة الكتاب، وعن الفخر حمل الأشكال في العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء
(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1. (2) الوسائل - باب 17 - من أبواب كتاب الإجارة حديث 1. 296 فيتحصل من ذلك كله: إن الأقوال في ضمان المنافع الغير المستوفاة خمسة: الأول الضمان وكأنه للأكثر الثاني عدم الضمان كما عن الإيضاح الثالث: الضمان إلا مع علم البائع كما عن بعض من كتب على الشرايع الرابع: التوقف في هذه الصورة، كما استظهره جامع المقاصد، والسيد العميد من عبارة القواعد الخامس: التوقف مطلقا كما عن الدروس والتنقيح والمسالك، و محتمل القواعد كما يظهر من فخر الدين، وقد عرفت أن التوقف أقرب إلى الانصاف، إلا أن المحكي من التذكرة ما لفظه: إن منافع الأموال من العبد والثياب والعقار وغيرها مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه، سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده لا يستعملها، عند علمائنا أجمع، ولا يبعد أن يراد باليد العادية مقابل اليد ألحقه، فيشمل يد المشتري فيما نحن فيه خصوصا مع علمه سيما مع جهل البائع به، وأظهر منه ما في السرائر في آخر باب الإجارة من الاتفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب الفائتة، مع قوله في باب البيع إن البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشئ المغصوب إلا في ارتفاع الإثم عن إمساكه، انتهى. وعلى هذا فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة {2} وأن المترائي من ظاهر صحيحة أبي ولاد اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلى غير محل الرخصة، إلا أنا لم نجد بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها.
297 الرابع: إذا تلف المبيع فإن كان مثليا وجب مثله بلا خلاف {1} إلا ما يحكى عن ظاهر الإسكافي وقد اختلف كلمات أصحابنا في تعريف المثلي، فالشيخ وابن زهرة وابن إدريس والمحقق وتلميذه والعلامة وغيرهم (قدس الله أرواحهم)، بل المشهور على ما حكى
298 أنه ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة {1} والمراد بأجزائه ما يصدق عليه اسم الحقيقة، والمراد بتساويها من حيث القيمة، تساويها بالنسبة بمعنى كون قيمة كل بعض بالنسبة إلى قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار. ولذا قيل في توضيحه أن المقدار منه إذا كان يساوي قيمة، فنصفه يستوي نصف تلك القيمة ومن هنا رجح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميا، قال: إذ لو انفصلت نقصت قيمتها. قلت: وهذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليا إذا لو انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع، إلا أن يقال: إن الدرهم مثلي بالنسبة إلى نوعه وهو الصحيح، ولذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة ولا الدقاقة مثلا للأرز.
299 ومن هنا يظهر أن كل نوع من أنواع الجنس الواحد بل كل صنف من أصناف نوع واحد مثلي بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع أو الصنف، فلا يرد ما قيل من أنه إن أريد التساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه على شئ من المعرف، إذ ما من مثلي إلا و اجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة فإن قفيزا من حنطة تساوي عشرة ومن أخرى تساوي عشرين، وإن أريد التساوي في الجملة فهو، في القيمي موجود كالثوب والأرض {1}، انتهى. وقد لوح هذا المورد في آخر كلامه إلى دفع ايراده بما ذكرنا من أن كون الحنطة مثلية، معناه أن كل صنف منها متماثل الأجزاء ومتساو في القيمة، لا بمعنى أن جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة. فإذا كان المضمون بعضا من صنف لواجب دفع مساويه من هذا الصنف لا القيمة، ولا بعض من صنف آخر لكن الانصاف أن هذا خلاف ظاهر كلماتهم فإنهم يطلقون المثلي على جنس الحنطة والشعير ونحوهما مع عدم صدق التعريف عليه، واطلاق المثلي على الجنس باعتبار مثلية أنواعه أو أصنافه وإن لم يكن بعيدا إلا أن انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا، إلا أن يهملوا خصوصيات الأصناف
300 الموجبة لزيادة القيمة ونقصانها، كما التزمه بعضهم غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيات عند أداء المثل عوضا عن التالف أو القرض وهذا أبعد، مضافا إلى أنه يشكل اطراد التعريف بناء على هذا: بأنه إن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيا، فقل ما يتفق ذلك من الصنف الواحد من النوع، لأن أشخاص ذلك الصنف لا يكاد يتساوى في القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة ونقصانها، كما لا يخفى، وإن أريد تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة وإن لم يتساو حقيقة، تحقق ذلك في أكثر القيميات {1} فإن لنوع الجارية أصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة، وبهذا الاعتبار يصح السلم فيها. ولذا اختار العلامة في باب القرض من التذكرة - على ما حكى عنه - على أن ما يصح فيه السلم من القيميات مضمون في القرض بمثله. وقد عد الشيخ في المبسوط الرطب والفواكه من القيميات مع أن كل نوع منها مشتمل على أصناف متقاربة في القيمة، بل متساوية عرفا، ثم لو فرض أن الصنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيمية عزيز الوجود بخلاف الأنواع المثلية، لم يوجب ذلك اصلاح طرد التعريف. نعم يوجب ذلك الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثلي، بالمثل والقيمي، بالقيمة ثم إنه قد عرف المثلي بتعاريف أخر أعم من التعريف المتقدم أو أخص
301 فعن التحرير أنه ما تماثلت أجزاءه و تقاربت صفاته. وعن الدروس والروضة أنه المتساوي الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات. وعن المسالك والكفاية: أنه أقرب التعريفات إلى السلامة وعن غاية المراد: ما تساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية. وعن بعض العامة أنه ما قدر بالكيل أو الوزن، وعن آخر منهم: زيادة جواز بيعه سلما. وعن ثالث منهم زيادة جواز بيع بعضه ببعض. إلى غير ذلك مما حكاه في التذكرة عن العامة، ثم لا يخفى أنه ليس للفظ المثلي حقيقة شرعية ولا متشرعية، وليس المراد معناه اللغوي إذ المراد بالمثل لغة المماثل. فإن أريد من جميع الجهات فغير منعكس وإن أريد من بعضها فغير مطرد، {1} وليس في النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتى يبحث عنه، نعم وقع هذا العنوان في معقد اجماعهم على أن المثلي يضمن بالمثل وغيره بالقيمة. ومن المعلوم أنه لا يجوز الاتكال في تعيين معقد الاجماع على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين، وحينئذ فينبغي أن يقال كلما كان مثليا باتفاق المجمعين فلا اشكال في ضمانه بالمثل، للاجماع ويبقى ما كان مختلفا فيه بينهم، كالذهب والفضة الغير المسكوكين، فإن صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميات وظاهر غيره كونهما مثليين، وكذا الحديد والنحاس والرصاص فإن ظواهر عبائر المبسوط والغنية والسرائر كونها قيمية وعبارة التحريز صريحة في كون أصولها مثلية وإن كان المصوغ منها قيميا. وقد صرح الشيخ في المبسوط
302 بكون الرطب والعنب قيميا والتمر والزبيب مثليا. وقال في محكي المختلف أن في الفرق اشكالا بل صرح بعض من قارب عصرنا بكون الرطب، والعنب مثليين، وقد حكى عن موضع من جامع المقاصد أن الثوب مثلي والمشهور خلافه وأيضا فقد مثلوا للمثلي بالحنطة والشعير، ولم يعلم أن المراد نوعهما أو كل صنف وما المعيار في الصنف، وكذا التمر. والحاصل أن موارد عدم تحقق الاجماع على المثلية فيها كثيرة، فلا بد من ملاحظة أن الأصل الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل أو بالقيمة، أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل والقيمة، ولا يبعد أن يقال إن الأصل هو تخيير الضامن لأصالة براءة ذمته عما زاد على ما يختاره {1} فإن فرض اجماع على خلافه، فالأصل تخيير المالك
303 لأصالة عدم براءة ذمته بدفع ما لا يرضى به المالك {1} مضافا إلى عموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي فإن مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين خرج ما إذا رضي المالك بشئ آخر {2} والأقوى تخيير المالك من أول الأمر لأصالة الاشتغال {3} والتمسك بأصالة البراءة لا يخلو من منع
305 نعم يمكن أن يقال بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال، والاجماع على عدم تخيير المالك التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين المحذورين أعني، تعين المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة، ولا للضامن الامتناع، وبين تعين القيمة، كذلك فلا متيقن في البين ولا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوى فتأمل
306
(1) الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى كتاب القضاء. 307 هذا ولكن يمكن أن يقال إن القاعدة المستفادة من اطلاقات الضمان في المغصوبات، و الأمانات المفرط فيها، وغير ذلك هو الضمان بالمثل لأنه أقرب إلى التالف من حيث المالية والصفات {1} ثم بعده قيمة التالف من النقدين وشبههما، لأنهما أقرب من حيث المالية لأن ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه إليهما، ولأجل الاتكال على هذا الظهور لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد على كثرتها. قد نص الشارع فيه على ذكر المضمون، به بل كلها إلا ما شذ و ندر قد أطلق فيها الضمان، فلولا الاعتماد على ما هو المتعارف
309 لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان، وقد استدل في المبسوط و المختلف على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة بقوله تعالى {1} (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
(1) البقرة الآية 194. 310 بتقريب أن مماثل ما اعتدى هو المثل في المثلي، والقيمة في غيره، و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا {1} لا يقدح بعد عدم القول بالفصل، وربما يناقش في الآية بأن مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء، لا المعتدى به. {2} وفيه نظر نعم الأنصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه، بالقول المشهور لأن
311 مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة والمالية، {1} وهذا يقتضي اعتبار المثل حتى في القيميات، سواء وجد المثل فيها أم لا. أما مع وجود المثل فيها، كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات. فإن مقتضى العرف والآية إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك، ولو بأضعاف قيمته ودفعه إلى مالك الذراع المتلف، مع أن القائل بقيمية الثوب لا يقول به، وكذا لو أتلف عليه عبدا وله في ذمة المالك بسبب القرض أو السلم عبد موصوف بصفات التالف، فإنهم لا يحكمون بالتهاتر القهري، كما يشهد به ملاحظة كلماتهم في بيع عبد من عبدين. نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان في الدروس والمسالك
(1) الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الطواف من كتاب الحج حديث 1. 312 إلى جواز رد العين المقترضة إذا كانت قيمية، لكن لعله من جهة صدق أداء القرض بأداء العين {1} لا من جهة ضمان القيمي بالمثل، ولذا اتفقوا على عدم وجوب قبول غيرها وإن كان مماثلا لها من جميع الجهات. وأما مع عدم وجود المثل للقيمي التالف، فمقتضى الدليلين عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر، كما لو تعذر المثل في المثلي فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي ولا يقولون به، وأيضا فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا، فمقتضى ذلك عدم وجوب إلزام المالك بالمثل، لاقتضائهما اعتبار المماثلة في الحقيقة والمالية مع أن المشهور كما يظهر من بعض إلزامه به.
313 وأن قوى خلافه بعض بل ربما احتمل جواز دفع المثل. ولو سقط من القيمة بالكلية وأن كان الحق خلافه فتبين أن النسبة بين مذهب المشهور ومقتضى العرف والآية عموم من وجه فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين ولا يضمن به عند المشهور، كما في أكثر الأمثلة، ثم إن الاجماع على ضمان القيمي بالقيمة على تقدير تحققه، لا يجدي بالنسبة إلى ما لم يجمعوا على كونه قيميا، ففي موارد الشك يجب الرجوع إلى المثل بمقتضى الدليل السابق وعموم الآية {1} بناء على ما هو الحق المحقق من أن العام المخصص بالمجمل مفهوما المتردد بين الأقل والأكثر، لا يخرج عن الحجية بالنسبة إلى موارد الشك فحاصل الكلام إن ما أجمع على كونه مثليا يضمن بالمثل مع مراعاة الصفات التي يختلف بها الرغبات وإن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه عن قيمة التألف بناء على تحقق الاجماع على إهمال هذا التفاوت مضافا إلى الخبر الوارد في أن اللازم على من عليه دراهم الثابت في ذمة من اقترض دراهم وأسقطها السلطان وروج غيرها هي الدراهم الأولى {2} وما أجمع على كونه قيميا يضمن بالقيمة، بناء على ما سيجئ من الاتفاق على ذلك وإن وجد مثله
(1) الوسائل باب 20 من أبواب الصرف حديث 4. 314 أو كان مثله في ذمة المالك وما شك في كونه قيميا أو مثليا يلحق بالمثلي مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع والتالف، ومع الاختلاف الحق بالقيمي {1} فتأمل. {2}
(1) نفس المصدر ح: 1. 315 الخامس: ذكر في القواعد أنه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشراء تردد - انتهى - {1} أقول كثرة الثمن أن كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بأن صار قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر أنه لا اشكال في وجوب الشراء ولا خلاف {2} كما صرح به في الخلاف حيث قال: إذا غصب ماله مثل كالحبوب [كاللحوم] و الأدهان فعليه مثل ما تلف في يده يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف. وفي المبسوط يشتريه بأي ثمن كان اجماعا، انتهى.
316 ووجهه عموم النص والفتوى بوجوب المثل في المثلي ويؤيده فحوى حكمهم بأن تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال إلى القيمة، بل، ربما احتمل بعضهم ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن المالية {1} كالماء على الشاطي، والثلج في الشتاء.
(1) الوسائل باب 20 من أبواب الصرف حديث 4. 317
(1) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب احياء الموات. 318 وأما إن كان لأجل تعذر المثل وعدم وجدانه إلا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس مع وصف الاعواز بحيث يعد بذل ما يريد مالكه بإزائه ضررا عرفا، والظاهر أن هذا هو المراد بعبارة القواعد لأن الثمن في الصورة الأولى ليس بأزيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل،
319 وإنما زاد على ثمن التالف يوم التلف. وحينئذ فيمكن التردد في الصورة الثانية كما قيل من أن الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة في الكفارة والهدي وأنه يمكن معاندة البائع وطلب أضعاف القيمة وهو ضرر، ولكن الأقوى مع ذلك وجوب الشراء {1} وفاقا للتحرير، كما عن الإيضاح والدروس وجامع المقاصد بل اطلاق السرائر ونفي الخلاف المتقدم عن الخلاف لعين ما ذكر في الصورة الأولى. {2}
(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب كتاب احياء الموات وغيره من الأبواب المتقدمة إليها الإشارة. 320 ثم إنه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره {1} ولا بين كون قيمته في مكان المطالبة أزيد من قيمة في مكان التلف أم لا، وفاقا لظاهر المحكي عن التحرير والتذكرة والايضاح والدروس وجامع المقاصد، و في السرائر أنه الذي يقتضيه عدل الاسلام والأدلة وأصول المذهب وهو كذلك لعموم الناس مسلطون على أموالهم، هذا مع وجود المثل في بلد المطالبة، وأما مع تعذره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة.
(1) البحار ج 2 - ص 272 الطبع الحديث. 322 السادس: لو تعذر المثل في المثلي {1} فمقتضى القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك، لأن منع المالك ظلم والزام الضامن بالمثل منفي بالتعذر {2} فوجب القيمة جمعا بين الحقين
323
(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب كتاب احياء الموات وغيره من الأبواب المتقدمة إليها الإشارة. 324 مضافا إلى قوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فإن الضامن إذا ألزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه أزيد مما اعتدى {1} وأما مع عدم مطالبة المالك {2} فلا دليل على إلزامه بقبول القيمة لأن المتيقن أن دفع القيمة علاج لمطالبة المالك، وجمع بين حق المالك بتسليطه على المطالبة. وحق الضامن بعدم تكليفه بالمعذور أو المعسور. وما مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقه عن المثل، وما ذكرنا يظهر من المحكي عن التذكرة والايضاح
(1) البقرة: 194. 325 حيث ذكرا في رد بعض الاحتمالات الآتية في حكم تعذر المثل ما لفظه أن المثل لا يسقط بالاعواز ألا ترى أن المغصوب منه لو صبر إلى زمان وجدان المثل ملك المطالبة به، وإنما المصير إلى القيمة وقت تغريمها، انتهى. لكن أطلق كثير منهم: الحكم بالقيمة عند تعذر المثل، ولعلهم يريدون صورة المطالبة وإلا فلا دليل على الاطلاق ويؤيد ما ذكرنا أن المحكي عن الأكثر في باب القرض أن المعتبر في المثلي المعتذر وقيمته يوم المطالبة. نعم عبر بعضهم بيوم الدفع، فليتأمل. و كيف كان فلنرجع إلى حكم المسألة فنقول أن المشهور أن العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمته يوم الدفع {1} لأن المثلي ثابت في الذمة إلى ذلك الزمان ولا دليل على سقوطه بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر أدائه. وقد صرح بما ذكرنا المحقق
326 الثاني، وقد عرفت من التذكرة والايضاح ما يدل عليه، ويحتمل اعتبار وقت تعذر المثل وهو للحلي في البيع الفاسد. وللتحرير في باب القرض، ومحكى عن المسالك لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ويضعفه أنه إن أريد بالانتقال انقلاب ما في الذمة إلى القيمة في ذلك الوقت: فلا دليل عليه وإن أريد عدم وجوب اسقاط ما في الذمة إلا بالقيمة فوجوب الاسقاط بها وإن حدث يوم التعذر مع المطالبة، إلا أنه لو أخر الاسقاط، بقي المثل في الذمة إلى تحقق الاسقاط واسقاطه في كل زمان بأداء قيمته في ذلك الزمان، وليس في الزمان الثاني مكلفا بما صدق عليه الاسقاط في الزمان الأول. هذا ولكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدم سابقا من الآية ومن أن المتبادر من اطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف بعد تعذر المثل، توجه القول بصيرورة التالف قيميا بمجرد تعذر المثل {1} إذ لا فرق في تعذر المثل بين تحققه ابتداء كما في القيميات وبين طروه بعد التمكن، كما في نحن فيه ودعوى اختصاص الآية واطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداء لا يخلو عن تحكم ثم إن في المسألة احتمالات أخر ذكر أكثرها في القواعد.
327 وقوى بعضها في الإيضاح وبعضها بعض الشافعية. وحاصل جميع الاحتمالات في المسألة مع مبانيها أنه أما نقول باستقرار المثل في الذمة إلى أوان الفراغ منه بدفع القيمة وهو الذي اخترناه تبعا للأكثر من اعتبار القيمة عند الاقباض، وذكره في القواعد خامس الاحتمالات. وأما أن نقول بصيرورته قيميا عند الاعواز، فإذا صار كذلك. فأما أن نقول: إن المثل المستقر في الذمة قيمي {1} فيكون القيمية صفة للمثل. بمعنى أنه لو تلف وجب قيميته. وأما أن نقول: إن المغصوب انقلب قيميا بعد أن كان مثليا. فإن قلنا بالأول فإن جعلنا الاعتبار في القيمي بيوم التلف كما هو أحد الأقوال كان المتعين قيمة يوم الاعواز، كما صرح به في السرائر في البيع الفاسد. و التحرير في باب القرض لأنه يوم تلف القيمي. وإن جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما هو القول الآخر في القيمي كان المتجه اعتبار زمان تلف العين لأنه أول أزمنة وجوب المثل في الذمة، المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه
328 وهذا مبني على القول بالاعتبار في القيمي بوقت الغصب كما عن الأكثر. وإن جعلنا الاعتبار فيه بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف، كما حكى عن جماعة من القدماء في الغصب، كان المتجه الاعتبار بأعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان الاعواز، وذكر هذا الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات. وإن قلنا: إن التالف انقلب قيميا، احتمل الاعتبار بيوم الغصب، كما في القيمي المغصوب، والاعتبار بالأعلى منه إلى يوم التلف. وذكر هذا أول الاحتمالات في القواعد. وإن قلنا: إن المشترك بين العين والمثل صار قيميا، جاء احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان إلى يوم تعذر المثل، لاستمرار الضمان في ما قبله من الزمان. أما للعين، وأما للمثل فهو مناسب لضمان الأعلى من حين الغصب إلى التلف. وهذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات، واحتمل الاعتبار بالأعلى من يوم الغصب إلى دفع المثل، ووجهه في محكي التذكرة والايضاح بأن المثل، لاستمرار الضمان في ما قبله من الزمان. أما للعين، وأما للمثل فهو مناسب لضمان الأعلى من حين الغصب إلى التلف. وهذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالأعلى من يوم الغصب إلى دفع المثل، ووجهه في محكي التذكرة والايضاح بأن المثل لا يسقط بالاعواز، قالا: ألا ترى أنه لو صبر المالك إلى وجدان المثل استحقه، فالمصير إلى القيمة عند تغريمها {1} والقيمة الواجبة على الغاصب أعلى القيم. وحاصله أن وجوب دفع قمية المثل يعتبر من زمن وجوبه إلى وجوب مبدله أعني العين فيجب أعلى القيم منها، فافهم.
329 إذا عرفت هذا، فاعلم أن المناسب لاطلاق كلامهم لضمان المثل في المثلي هو أنه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة، غاية الأمر يجب اسقاطه مع مطالبة المالك، فالعبرة بما هو اسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة إلا يوم الاسقاط وتفريغ الذمة. وأما بناء على ما ذكرنا من أن المتبادر من أدلة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف فالأقرب، كان المثل مقدما مع تيسره ومع تعذره ابتداء كما في القيمي، أو بعد التمكن كما فيما نحن فيه كان المتعين هو القيمة. فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، وهو حال الاعواز فحال الاعواز معتبر من حيث إنه أول أزمنة صيرورة التالف قيميا لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين. فعلى القول باعتبار يوم التلف في القيمي، توجه ما اختاره الحلي رحمه الله ولو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، كما عليه جماعة من القدماء توجه ضمانه فيما نحن فيه بأعلى القيم من حين الغصب إلى زمان الاعواز، إذ كما أن ارتفاع القمية مع بقاء العين مضمون بشرط تعذر أدائه المتدارك لارتفاع القيم كذلك بشرط تعذر المثل في المثلي، إذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية، و حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا كان أداء مثلها عند تلفها كرد عينها في إلغاء ارتفاع القيم، فاستقرار ارتفاع القيم إنما يحصل بتلف العين والمثل. فإن قلنا إن تعذر المثل يسقط المثل كما أن تلف العين يسقط العين توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلى زمان الاعواز، وهو أصح الاحتمالات في المسألة عند الشافعية على ما قيل. وإن قلنا: إن تعذر المثل لا يسقط المثل وليس كتلف العين، كان ارتفاع القيم فيما بعد تعذر المثل أيضا مضمونا فيتوجه ضمان القيمة من حين الغصب إلى حين دفع القمية، وهو المحكي عن الإيضاح، وهو أوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم رد العين أو المثل.
330 ثم اعلم أن العلامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات: أنه لو تلف المثلي والمثل موجود، ثم أعوز {1} وظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرأ تعذر المثل، بعد تيسره في بعض أزمنة التلف لا ما تعذر فيه المثل ابتداء. وعن جامع المقاصد أنه يتعين حينئذ قيمة يوم التلف، ولعله لعدم تنجز التكليف
331 بالمثل عليه في وقت من الأوقات {1} ويمكن أن يخدش فيه بأن التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه في الذمة ابتداء {2} كما لا يشترط في استقراره استدامتا على ما اعترف به مع طرو التعذر بعد التلف. ولذا لم يذكر أحد هذا التفضيل في باب القرض. وبالجملة فاشتغال الذمة بالمثل إن قيد بالتمكن، لزم الحكم بارتفاعه بطرو التعذر وإلا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من أول الأمر، إلا أن يقال إن أدلة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكن وإن لم يكن مشروطا به عقلا، فلا تعم صورة العجز، {3} نعم إذا طرأ العجز فلا دليل على سقوط المثل وانقلابه قيميا. وقد يقال على المحقق المذكور: إن اللازم مما ذكره أنه لو ظفر المالك بالمثل قبل أخذ القيمة لم يكن له المطالبة ولا أظن أحدا يلتزمه وفيه تأمل
332 ثم إن المحكي عن التذكرة أن المراد باعواز المثل أن لا يوجد في البلد وما حوله. {1} وزاد في المسالك قوله مما ينقل عادة منه إليه كما ذكروا في انقطاع المسلم فيه. وعن جامع المقاصد الرجوع فيه إلى العرف ويمكن أن يقال: إن مقتضى عموم وجوب أداء مال الناس وتسليطهم على أموالهم أعيانا كانت أم في الذمة، وجوب تحصيل المثل، كما كان يجب رد العين أينما كانت ولو كانت في تحصيله مؤنة كثيرة، ولذا كان يجب تحصيل المثل بأي ثمن كان، وليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة.
333 نعم لو انعقد الاجماع على ثبوت القيمة عند الاعواز، تعين {1} ما عن جامع المقاصد كما أن المجمعين إذا كانوا بين معبر بالاعواز ومعبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع إلى الأخص وهو المتعذر لأنه المجمع عليه، نعم ورد في بعض أخبار السلم أنه إذا لم يقدر المسلم إليه [عليه] على ايفاء المسلم فيه تخير المشتري. {2} ومن المعلوم أن المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلي المتوقف على استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة، وهذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه {3}
334 ثم إن في معرفة قيمة المثل {1} مع فرض عدمه اشكالا من حيث إن العبرة بفرض وجوده ولو في غاية العزة كالفاكهة في أول زمانها أو آخره أو وجود المتوسط، الظاهر هو الأول لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب في بيعه وشرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغني عن بيعه بحيث لا يبيعه إلا إذا بذل له عوض لا يبذله الراغبون في هذا الجنس بمقتضى رغبتهم. نعم لو ألجأ إلى شرائه لغرض آخر بذل ذلك كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه إلا أن يبذله بإزاء عتاق الخيل وشبهها فإن الراغب في الجمد في العراق من حيث أنه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه، وإنما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالاهداء إلى سلطان قادم إلى العراق مثلا، أو معالجة مشرف على الهلاك ونحو ذلك من الأغراض ولذا لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذر، كما ذكرنا في المسألة الخامسة فكل موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في
335 صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في التقويم عند عدمه ثم إنك قد عرفت أن للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه ولو كان في غير بلد الضمان وكان قيمة المثل هناك أزيد، أما مع تعذره وكون قيمة المثل في بلد التلف مخالفها في بلد المطالبة فهل له المطالبة بأعلى القيمتين أم يتعين قيمة بلد المطالبة أم بلد التلف وجوه {1} وفصل الشيخ في المبسوط في باب الغصب {2} بأنه أن لم يكن في نقله مؤنة كالنقدين فله المطالبة بالمثل سواء كانت القيمتان مختلفتين أم لا، وإن كان في نقله، مؤنة فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا، لأنه لا ضرر عليه في ذلك، وإلا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصير حتى يوفيه بذلك البلد، ثم قال أن الكلام في القرض كالكلام في الغصب، وحكي نحو هذا عن القاضي أيضا فتدبر، ويمكن أن يقال أن الحكم باعتبار بلد القرض أو السلم على القول به مع الاطلاق، لانصراف العقد إليه وليس في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف
336 بقي الكلام في أنه هل يعد من تعذر المثل، خروجه عن القمية {1} كالمال ء على الشاطئ إذا أتلفه في مفازة والجمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف، أم لا؟ الأقوى بل المتعين هو الأول، بل حكي عن بعض نسبته إلى الأصحاب وغيرهم والمصرح به في محكي التذكرة والايضاح والدروس قيمة المثل في تلك المفازة، ويحتمل آخر مكان أو زمان سقط المثل فيه عن المالية. فرع لو دفع القيمة في المثل المتعذر مثله، ثم تمكن من المثل {2} فالظاهر عدم عود المثل في ذمته وفاقا للعلامة رحمه الله. ومن تأخر عنه ممن تعرض للمسألة، لأن المثل كان دينا في الذمة سقط بأداء عوضه مع التراضي، فلا يعود كما لما لو تراضيا بعوضه مع وجوده، هذا على المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالاعواز. وأما على القول بسقوطه وانقلابه قيميا.
337 فإن قلنا بأن المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله فأولى بالسقوط لأن المدفوع نفس ما في الذمة. وإن قلنا إن المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا {1} احتمل وجوب المثل عند وجوده لأن القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل، وسيأتي أن حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة. السابع: لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا، فقد حكى الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة {2}.
338 ويدل عليه الأخبار المتفرقة في كثير من القيميات، فلا حاجة إلى التمسك بصحيحة أبي ولاد الآتية في ضمان البغل، ولا بقوله عليه السلام من أعتق شقصا من عبد قوم عليه، بل الأخبار كثيرة. بل قد عرفت أن مقتضى إطلاق أدلة الضمان في القيميات، هو ذلك بحسب المتعارف {1} إلا أن المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذرا، بل يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة في خصوص بعض القيميات كالبغل والعبد ونحوهما لصورة تعذر المثل، كما هو الغالب. فالمرجع في وجوب القيمة في القيمي وإن فرض تيسر المثل له كما في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه، وكما لو أتلف عليه ذرعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة لا تفاوت في أجزائه أصلا هو الاجماع كما يستظهر وعلى تقديره ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل. {2}
339 خصوصا مع الاستدلال عليه كما في الخلاف وغيره بقوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) {1} بناء على أن القيمة مماثل للتالف في المالية، فإن ظاهر ذلك جعلها من باب الأقرب إلى التالف بعد تعذر المثل، وكيف كان فقد حكى الخلاف في ذلك عن الإسكافي، وعن الشيخ والمحقق في الخلاف و الشرائع في باب القرض، فإن أرادوا ذلك مطلقا حتى مع تعذر المثل، فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل حتى يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالا في مسألة تعين القيمة، متفرعا على هذا [ذلك] القول فيرده اطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة {2} منها صحيحة أبي ولاد الآتية، ومنها رواية تقويم العبد ومنها ما دل على أنه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه {3} بحساب ذلك، فلولا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرد ضمان التالف. ومنها غير ذلك من الأخبار الكثيرة وإن أرادوا أنه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا، نظرا إلى ظاهر آية الاعتداء ونفي الضرر، لأن خصوصيات الحقائق قد تقصد اللهم إلا أن يحقق اجماع على خلافه ولو من جهة أن ظاهر كلمات هؤلاء اطلاق القول بضمان المثل، فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا في المسألة
340
(1) الوسائل - باب 23 - من أبواب كتاب اللقطة حديث 1. (2) الوسائل - باب 13 - من أبواب كتاب اللقطة حديث 7. (3) الوسائل - باب 2 - من أبواب كتاب اللقطة حديث 9. 341 ثم إنهم اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد {1} فالمحكي في غاية المراد عن الشيخين وأتباعهما تعين قيمة يوم التلف. وعن الدروس والروضة نسبته إلى الأكثر.
342 والوجه فيه على ما نبه عليه جماعة منهم: العلامة في التحرير أن الانتقال إلى البدل إنما هو يوم التلف إذ الواجب قبله هو رد العين. وربما يورد عليه أن يوم التلف يوم الانتقال إلى القيمة أما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا، ويدفع بأن معنى ضمان العين عند قبضه كونه في عهدته ومعنى ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف حتى يكون عند التلف كأنه لم يتلف و تداركه على هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه {1} ومما ذكرنا ظهر أن الأصل في ضمان التالف ضمانه بقيمة يوم التلف، فإن خرج المغصوب من ذلك مثلا فبدليل خارج.
344 نعم لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام من دعوى الاتفاق على كون البيع فاسدا بمنزلة المغصوب إلا في ارتفاع الإثم، ألحقناه بالمغصوب إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل، بل يمكن أن يقال إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب، كما هو ظاهر صحيحة أبي ولاد الآتية، كشف ذلك عن عدم اقتضاء اطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، إذ يلزم حينئذ أن يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك، عند التلف لما ذكرنا من أن معنى التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك {1} نعم لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب أعلى القيم، أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد على مقتضى التدارك مؤاخذة له بأشق الأحوال، فالمهم حينئذ صرف الكلام {1} ثانيهما: ما أفاده المصنف ره، وحاصله: إنه لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب أعلى القيم أمكن تخصيصها بالغاصب وعدم التعدي عنه، وأما لو كان ظاهرها أن الاعتبار بيوم الغصب وجب التعدي عنه، وذلك لأنه إذا كان قيمة المغصوب يوم التلف أو الدفع أكثر من قيمة يوم الغصب لزم من البناء على أن قاعدة الضمان والتدارك تقتضي كون العبرة بقيمة يوم التلف أو يوم الدفع الارفاق بالغاصب، والتخفيف عليه، وكون غيره أسوء حالا منه، وهذا مما يقطع بخلافه، فلا محالة يستكشف أن المجعول هو قيمة يوم الأخذ مطلقا. وبالجملة: التحفظ على ظهور الرواية في كون العبرة بقيمة يوم المخالفة يستلزم البناء على أنه المعيار مطلقا، وإلا لزم كون غير الغاصب أسوء حالا منه. ثم إن السيد قده أفاد في وجه مراد المصنف ره: إنه لو قلنا بأن معنى التدارك إقامة البدل مقام الشئ يوم التلف، فإذا دل الصحيح على أن العبرة في باب الغصب بيوم الغصب لزم أن لا يكون المغصوب واجب التدارك، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن معنى التدارك إقامة البدل مقام الشئ في زمان انقطاع يده عنه، وعليه فظهور الصحيح في كون المدار على يوم الأخذ كاشف عن كون معنى التدارك ذلك، وأن الذي فهمناه خطأ.
346 إلى معنى الصحيحة بعد ذكرها ليلحق به البيع الفاسد. أما لما ادعاه الحلي. وأما لكشف الصحيحة عن معنى التدارك والغرامة في المضمونات وكون العبرة في جميعها بيوم الضمان، كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد، وحيث إن الصحيحة مشتملة على أحكام كثيرة، وفوائد خطيرة فلا بأس بذكرها جميعا، وإن كان الغرض متعلقا ببعضها، فروى الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد، قال: اكتريت بغلا إلى قصر بني هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى نحو النيل، فتوجهت نحو النيل، فلما أتيت النيل خبرت أنه توجه إلى بغداد فاتبعته وظفرت به وفرغت مما بيني وبينه، ورجعت إلى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما، فأخبرت صاحب البغل بعذري، وأردت أن أتحلل منه فيما [مما] صنعت وأرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة وأخبرته بالقصة وأخبره الرجل، فقال لي: ما صنعت بالبغلة، قلت رجعته [فقلت قد دفعته] سليما، قال: [فقال] نعم، بعد خمسة عشر يوما، قال فما تريد من الرجل قال: أريد كراء بغلي، فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: إني ما أرى لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر بني هبيرة فخالف فركبه إلى النيل وإلى بغداد، فضمن قيمة البغل وسقط الكراء، فلما رد البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكراء، قال: فخرجنا من عنده وأخذ صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما أفتى به أبو حنيفة، وأعطيته شيئا وتحللت منه وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة، فقال في مثل هذا القضاء وشبهه تمنع السماء ماءها وتحبس الأرض بركاتها فقلت لأبي عبد الله عليه السلام فما ترى أنت جعلت فداك؟ قال عليه السلام: أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل وذاهبا من النيل إلى بغداد ومثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة وتوفيه إياه، قال: قلت جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه، قال: لا لأنك غاصب، قلت: أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني، قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن أصاب البغل عقر أو كسر أو دبر، قال: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه، قلت فمن يعرف ذلك؟ قال: أنت، وهو إما أن يحلف هو فيلزمك،
347 وإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك، فقلت إني كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحللني فقال عليه السلام إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم، ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن: جعلك في حل بعد معرفته، فلا شئ عليك بعد ذلك الخبر ومحل الاستشهاد فيه فقرتان: الأولى: قوله نعم قيمة بغل يوم خالفته {1} إلى ما بعد، فإن الظاهر أن اليوم قيد للقيمة أما بإضافة القيمة المضافة إلى البغل إليه ثانيا يعني قيمة يوم المخالفة للبغل {2} فيكون اسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة لا لأن ذا القيمة بغل غير معين حتى توهم الرواية مذهب من جعل القيمي مضمونا بالمثل، والقيمة إنما هي قيمة المثل.
(1) الوسائل باب 17 من أبواب كتاب الإجارة حديث 1. 348 وإما بجعل اليوم قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل. {1}
349 وما احتمله جماعة من تعلق الظرف بقوله نعم {1} القائم مقام قوله عليه السلام يلزمك يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فبعيد جدا، بل غير ممكن لأن السائل إنما سئل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم يكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان {2} كما يدل عليه أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني، فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته. وقد أطنب بعض من جعل الفقرة ظاهرة في تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه، ولم يأت بشئ يساعده التركيب اللغوي ولا المتفاهم العرفي.
350 الثانية: قوله أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل يوم اكترى كذا وكذا {1} فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه، لعدم الاعتبار به فلا بد أن يكون الغرض منه اثبات قيمة يوم المخالفة، بناء على أنه يوم الاكتراء، لأن الظاهر من صدر الرواية أنه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة. ومن المعلوم أن اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة، إنما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق، ومعلوم أيضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة. {2}
352 وأما قوله عليه السلام في جواب السؤال عن إصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده {1} فالظرف متعلق بعليك {2} لا قيد للقيمة، إذ لا عبرة في أرش العيب بيوم الرد إجماعا {3} لأن النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين، فالمعنى عليك أداء الأرش يوم رد البغلة
353 ويحتمل أن يكون قيدا للعيب {1} والمراد العيب الموجود في يوم الرد. لاحتمال ازدياد العيب إلى يوم الرد، فهو المضمون دون العيب القليل الحادث أولا لكن يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلى يوم الرد والعبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه لأن المعيب [العيب] لو رد إلى الصحة أو نقص لم يسقط ضمان ما حدث منه وارتفع على مقتضى الفتوى، فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعيف {2} أيضا، فتعين تعلقه بقوله عليك
354 والمراد بقيمة ما بين الصحة والعيب قيمة التفاوت بين الصحة والعيب ولا تعرض في الرواية ليوم هذه القيمة فيحتمل يوم الغصب، ويحتمل يوم حدوث العيب الذي هو يوم تلف وصف الصحة الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات والمعاوضات، وحيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه واللاحقة له في اعتبار يوم الغصب تعين حمل هذا أيضا على ذلك. نعم يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة، بأنه لا يبعد أن يكون مبنى الحكم في الرواية على ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما، ويكون السر في التعبير بيوم المخالفة، دفع ما ربما يتوهمه أمثال صاحب البغل من العوام، أن العبرة بقيمة ما اشترى به البغل وإن نقص بعد ذلك لأنه خسره المبلغ الذي اشترى به البغلة، ويؤيده التعبير عن يوم المخالفة في ذيل الرواية بيوم الاكتراء، فإن فيه اشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة، من حيث إنه يوم المخالفة إلا أن يقال إن الوجه في التعبير بيوم الاكتراء مع كون المناط يوم المخالفة هو التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء، لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس وجماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة من حيث إنه زمان المخالفة، فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين في مقابل قول السائل، ومن يعرف ذلك؟ فتأمل. ويؤيده أيضا قوله عليه السلام فيما بعد في جواب قول السائل ومن يعرف ذلك قال أنت وهو إما أن يحلف هو فيلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه. {1}
355 أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون على أن قيمة البغل يوم اكترى كذا وكذا، فيلزمك الخبر، فإن العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل، ثم لا وجه لقبول بينته، لأن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه {1} وحمل الحلف هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له ويصدقه فيه من دون محاكمة {2} والتعبير برده اليمين على الغاصب من جهة أن المالك أعرف بقيمة بغله، فكان الحلف حقا له ابتداء خلاف الظاهر وهذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف فإنه يمكن أن يحمل توجه اليمين على المالك
356 على ما إذا اختلفا في تنزل القيمة يوم التلف مع اتفاقهما، أو الاطلاع من الخارج على قيمته سابقا {1} ولا شك حينئذ أن القول قول المالك، فيكون سماع البينة في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا مع اتفاقهما على بقائه عليها إلى يوم التلف {2} فيكون الرواية قد تكفلت بحكم صورتين من صور تنازعهما، ويبقى بعض الصور، مثل دعوى المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة، ولعل حكمها أعني حلف الغاصب يعلم من حكم عكسها المذكور في الرواية. وأما على تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة، فلا بد من حمل الرواية على ما إذا اتفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة أو اللاحق له وادعى الغاصب نقصانه عن تلك يوم المخالفة ولا يخفى بعده وأبعد منه حمل النص على التعبد. {3}
357 وجعل حكم خصوص الدابة أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا وفتوى من كون البينة على المدعي واليمين على من أنكر كما حكى عن الشيخ في بابي الإجارة والغصب، وأضعف من ذلك: الاستشهاد بالرواية على اعتبار أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف، كما حكى عن الشهيد الثاني إذ لم يعلم لذلك وجه صحيح {1} ولم أظفر بمن وجه دلالتها على هذا المطلب،
358 نعم استدلوا على هذا القول: بأن العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته. وفيه أن ضمانها في تلك الحال إن أريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلم. إذ تداركه لا يكون إلا بذلك، لكن المفروض أنها لم تتلف فيه، وإن أريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلا، وإن تنزلت بعد ذلك، فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين وإن أريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعى بالتلف، فهو إن لم يخالف الاتفاق، إلا أنه مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل، على ما حكاه في الرياض عن خاله العلامة (قدس الله تعالى روحهما) من قاعدة نفي الضرر الحاصل على المالك، وفيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر، نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع الأزمنة: بأن العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان وصار ماليتها مقومة بتلك القيمة، فكما أنه إذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة، فكذا إذا حيل بينها وبين المالك حتى تلفت، إذ لا فرق مع عدم التمكن منها بين أن تتلف أو تبقى، نعم لو ردت. تدارك تلك المالية بنفس العين وارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه، لعدم كونه مالا، وإنما هو مقوم لمالية المال وبه تمايز الأموال وقلة.
359 والحاصل أن للعين في كل زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية أزيلت يد المالك، منها وانقطعت سلطنته عنها، فإن ردت العين، فلا مال سواها يضمن، وإن تلفت استقرت عليا تلك المراتب لدخول الأدنى تحت الأعلى، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادة، حيث إنه يضمن الأعلى منها، ولأجل ذلك استدل العلامة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله لأنه زمان إزالة يد المالك، ونقول في توضيحه إن كل زمان من أزمنة الغصب قد أزيلت فيه يد المالك من العين على حسب ماليته، ففي زمان أزيلت من مقدار درهم. وفي آخر عن درهمين، وفي ثالث عن ثلاثة، فإذا استمرت الإزالة إلى زمان التلف وجبت غرامة أكثرها، فتأمل. واستدل في السرائر وغيرها على هذا القول بأصالة الاشتغال لاشتغال ذمته بحق المالك، ولا يحصل البراءة إلا بالأعلى. وقد يجاب بأن الأصل في المقام البراءة حيث إن الشك في التكليف بالزائد، نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من حديث اليد، ثم إنه حكى عن المفيد والقاضي والحلبي الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض إلى حكم المشتري ولم يعلم له وجه، ولعلهم يريدون به يوم القبض، لغلبة اتحاد زمان البيع والقبض فافهم.
(1) الوسائل - باب 7 - من أبواب كتاب أحكام الرهن. (2) الوسائل - باب 18 - من أبواب كتاب العتق حديث 6. 360 ثم إنه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الأقوال {1} إلا أنه تردد فيه في الشرائع، ولعله كما قيل من جهة احتمال كون القيمي مضمونا بمثله، ودفع القيمة إنما هو لاسقاط المثل، وقد تقدم أنه مخالف لاطلاق النصوص والفتاوى، ثم إن ما ذكرنا من الخلاف إنما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة. وأما إذا كان بسبب الأمكنة، كما إذا كان في محل الضمان بعشرة وفي مكان التلف بعشرين، وفي مكان المطالبة بثلاثين. فالظاهر اعتبار محل التلف {2} لأن ماليته الشئ تختلف بحسب الأماكن، وتداركه بحسب ماليته.
361 ثم إن جميع ما ذكرنا من الخلاف إنما هو في ارتفاع القيمة السوقية الناشئة من تفاوت رغبة الناس. وأما إذا كان حاصلا من زيادة في العين، فالظاهر كما قيل عدم الخلاف في ضمان أعلى القيم، وفي الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة، وإنما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينية الحاصلة فيه النازلة منزلة الجزء الفائت، نعم يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة، فإن العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها، أو أعلى القيم، ثم إن في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة حكم تعذر الوصول إليه {1} وإن لم يهلك، كما لو سرق أو غرق أو ضاع أو أبق لما دل على الضمان بهذه الأمور في باب الأمانات المضمونة وهل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس من الوصول إليه أو بعدم رجاء وجدانه أو يشمل ما لو علم وجدانه في مدة طويلة يتضرر المالك من انتظارها أو ولو كانت قصيرة، وجوه. ظاهر أدلة ما ذكر من الأمور الاختصاص بأحد الأولين
362 لكن ظاهر اطلاق الفتاوى الأخير كما يظهر من اطلاقهم أن اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل إلى قيمته إلى أن يبلغ الساحل، ويؤيده أن فيه جمعا بين الحقين {1} بعد فرض رجوع القيمة إلى ملك الضامن عند التمكن من العين،
(1) راجع الوسائل باب 12 من أبواب كتاب احياء الموات. (2) سنن البيهقي ج 6 ص 90 - كنزل العمال ج 5 ص 257. 363 فإن تسلط الناس على مالهم الذي فرض كونه في عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه {1} نظير ما تقدم في تسلطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذر في المثلي، نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة والتدارك على أداء القيمة أشكل الحكم،
(1) البحار ج 1 - ص 154 الطبع القديم - ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 364 ثم الظاهر عد اعتبار التعذر المسقط للتكليف، بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعي في مقدماته، لم يسقط القيمة زمان السعي، لكن ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذر وهو الأوفق بأصالة عدم تسلط المالك على أزيد من إلزامه برد العين {1} فتأمل
366 ولعل المراد به التعذر في الحال وإن كان لتوقفه على مقدمات زمانية يتأخر لأجلها ذو المقدمة، ثم إن ثبوت القيمة مع تعذر العين، ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقا للضامن، فلا يجوز للمالك الامتناع، بل له أن يمتنع من أخذها، ويصبر إلى زوال العذر، كما صرح به الشيخ في المبسوط ويدل عليه قاعدة تسلط الناس على أموالهم {1} وكما أن تعذر رد العين في حكم التلف، فكذا خروجه عن التقويم،
(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث. 367 ثم إن المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما في المبسوط والخلاف والغنية والسرائر وظاهرهم إرادة نفي الخلاف بين المسلمين، ولعل الوجه فيه أن التدارك لا يتحقق إلا بذلك ولولا ظهور الاجماع، وأدلة الغرامة في الملكية لاحتملنا أن يكون مباحا له إباحة مطلقة وإن لم يدخل في ملكه {1} نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة على القول بها فيها، ويكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين، وحكى الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي رحمه الله في أجوبة مسائله،
368 وعلى أي حال فلا ينتقل العين إلى الضامن {1} فهي غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه ودخول العين في ملكه، وليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض والمعوض، فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له وقد استشكل في ذلك المحقق والشهيد الثانيان. قال: الأول في محكي جامعه أن هنا اشكالا، فإنه كيف يجب القيمة ويملكها الآخذ ويبقى العين على ملكه وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه، انتهى.
369 وقال الثاني إن هذا لا يخلو من اشكال من حيث اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من دون دليل واضح، ولو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا وتوقف تملك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين وإن أجاز له التصرف، كان وجها في المسألة انتهى. واستحسنه في محكي الكفاية أقول: الذي ينبغي أن يقال هنا: أن معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن، ولازم ذلك إقامة مقابله من ماله مقامه ليصدق ذهابه من كيسه ثم إن الذهاب إن كان على وجه التلف الحقيقي، أو العرفي المخرج للعين عن قابلية الملكية عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه في الملكية، وإن كان الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه وفوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكية، وجب قيام مقابله مقامه في السلطنة لا في الملكية ليكون مقابلا وتداركا للسلطنة الفائتة، فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك في هذه الصورة، نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقفة على الملك لتوقف بعض التصرفات عليها وجب ملكيته للمبذول تحقيقا لمعنى التدارك والخروج عن العهدة، وعلى أي تقدير، فلا ينبغي الاشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها {1} إنما الكلام في البدل المبذول، ولا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة وبالسلطنة عليها، وبعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ إلى أن إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، هل يستلزم الملك من حين الإباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التصرف. وقد تقدم في المعاطاة بيان ذلك،
370 ثم إنه قد تحصل مما ذكرنا أن تحقيق ملكية البدل، أو السلطنة المطلقة عليه، مع بقاء العين على ملك مالكها إنما هو مع فوات معظم الانتفاعات به بحيث يعد بذل البدل غرامة وتداركا، أما لو لم يفت إلا بعض ما ليس به قوام الملكية فالتدارك لا يقتضي ملكه ولا السلطنة المطلقة على البدل ولو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته، حينئذ لم يبعد انكشاف [كشف] ذلك عن انتقال العين إلى الغارم {1}
371 ولذا استظهر غير واحد أن الغارم، لقيمة الحيوان الذي وطئه يملكه، لأنه وإن وجب بالوطي نفيه عن البلد وبيعه في بلد آخر لكن هذا لا يعد فواتا لما به قوام المالية، هذا كله مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على مقدار ملكيتها السابقة. أما لو خرج عن التقويم مع بقائها على صفة الملكية فمقتضى قاعدة الضمان، وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك، لأن القيمة عوض الأوصاف والأجزاء التي خرجت العين لفواتها عن التقويم {1} لا عوض العين نفسها، كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب، فإن بقائها على ملك مالكها لا ينافي معنى الغرامة لفوات معظم الانتفاعات فيقوى عدم جواز المسح بها إلا بإذن المالك،
372 ولو بذل القيمة، قال في شرح القواعد فيما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب {1} ثم يضمن الغاصب النقص ولو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة، انتهى. {2} وعطف على ذلك قوله ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك، كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين، ولو استوعب القيمة أخذها ولم تدفع العين، انتهى. وعن المسالك في هذه المسألة أنه إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، ولا يخرج بذلك عن ملك مالكه، كما سبق فيجمع بين العين والقيمة لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: يمكن أن لا يجوز ويتعين القيمة، لكونه بمنزلة التلف، وحينئذ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط، إذ لا غصب فيه يجب رده، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد اكمال الغسل وقبل المسح انتهى.
373 واستجوده بعض المعاصرين، ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه، لصيرورته عوضا شرعا، وفيه أنه لا منشأ لهذا الاقتضاء وأدلة الضمان قد عرفت أن محصلها يرجع إلى وجوب تدارك ما ذهب من المالك سواء كان الذاهب نفس العين، كما في التلف الحقيقي أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليتها كغرق المال، أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيته ولا يخفى أن العين على التقدير الأول خارج عن الملكية عرفا، وعلى الثاني السلطنة المطلقة على البدل، بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين. وهذا معنى بدل الحيلولة، وعلى الثالث فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم لا عن نفس العين، فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة لا نفس العين الباقية، كيف ولم تتلف هي وليس له على تقدير التلف أيضا عهدة مالية. بل الأمر بردها مجرد تكليف لا يقابل بالمال {1} بل، لو استلزم رده ضررا ماليا على الغاصب أمكن سقوطه {2} فتأمل. ولعل ما عن المسالك من أن ظاهرهم عدم وجوب اخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالاخراج، فتعين القيمة فقط، محمول على صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء المستدخل فيه الخشبة كما لا يأبى عنه عنوان المسألة فلا حظ. وحينئذ فلا تنافي ما تقدم عنه سابقا {3} من بقاء الخيط على ملك مالكه وإن وجب بذل قيمته.
(1) الوسائل باب 1 من أبواب الغصب حديث 3. 374 ثم إن هنا قسما رابعا، وهو ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الأولوية فيه {1} كما لو صار الخل المغصوب خمرا فاستشكل في القواعد وجوب ردها مع القيمة.
375 ولعله من استصحاب وجوب ردها ومن أن الموضوع في المستصحب ملك المالك، إذ لم يجب إلا رده ولم يكن المالك إلا أولى به، إلا أن يقال: إن الموضوع في الاستصحاب عرفي. {1} ولذا كان الوجوب مذهب جماعة، منهم: الشهيدان والمحقق الثاني ويؤيده أنه لو عاد خلا ردت إلى المالك بلا خلاف ظاهر.
376 ثم إن مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين وضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع سواء كان للسوق أو للزيادة المتصلة بل المنفصلة كالثمرة، ولا يضمن منافعه {1} فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك. وعن التذكرة وبعض آخر ضمان المنافع، وقواه في المبسوط بعد أن جعل الأقوى خلافه. وفي موضع من جامع المقاصد أنه موضع توقف وفي موضع آخر رجح الوجوب.
377 ثم إن ظاهر عطف التعذر على التلف في كلام بعضهم عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر وقبل الدفع {1} كالحاصل بعد التلف لكن مقتضى القاعدة ضمانه له لأن مع التلف يتعين القيمة، ولذا ليس له الامتناع من أخذها بخلاف تعذر العين فإن القيمة غير متعينة فلو صبر المالك حتى يتمكن من العين كان له ذلك ويبقى العين في عهدة الضامن في هذه المدة، فلو تلف كان له قيمتها من حين التلف أو أعلى القيم إليه أو يوم الغصب على الخلاف، والحاصل أن قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن، فلا عبرة بيوم التعذر، والحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف، مع الحكم بضمان الأجرة والنماء إلى دفع البدل، وإن تراخى عن التعذر مما لا يجتمعان ظاهرا، فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع إلى يوم دفع البدل، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر في المثلي، ثم إنه لا اشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين وصار ممكنا وجب ردها إلى {2} مالكها، كما صرح به في جامع المقاصد فورا وإن كان في احضارها مؤنة كما كان قبل التعذر، لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي {3}
378 ودفع البدل لأجل الحيلولة. {1} إنما أفاد خروج الغاصب عن الضمان بمعنى أنه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك، واستلزم (ولازم) ذلك على ما اخترناه عدم ضمان المنافع والنماء المنفصل والمتصل بعد دفع الغرامة، وسقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلي، فلا يجوز استصحابه بل مقتضى الاستصحاب {2} والعموم هو الضمان المدلول عليه، بقوله عليه السلام على اليد ما أخذت المغيى بقوله حتى تؤدي. وهل الغرامة المدفوعة تعود ملكها إلى الغارم بمجرد طرو التمكن فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله، أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو أعلى القيم أو أنها باقية على ملك مالك العين، وكون العين مضمونة بها لا بشئ آخر في ذمة الغاصب فلو تلفت استقر ملك المالك على الغرامة فلم يحدث في العين إلا حكم تكليفي بوجوب رده.
379 وأما الضمان وعهدة جديدة فلا؟ وجهان، أظهرهما الثاني لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة وعدم طرو ما يزيل ملكيته عن الغرامة أو يحدث ضمانا جديدا {1} ومجرد عود التمكن لا يوجب عود سلطنة المالك حتى يلزم من بقاء مالكيته على الغرامة الجمع بين العوض، والمعوض، غاية ما في الباب قدرة الغاصب على إعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة ووجوبها عليه، وحينئذ فإن دفع العين فلا اشكال في زوال ملكية (مالكية) المالك للغرامة.
380 وتوهم: إن المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة في زمان التعذر، فلا يعود لعدم عود مبدله ضعيف في الغاية بل كان بدلا عن أصل السلطنة يرتفع بعودها، فيجب دفعه أو دفع بدله مع تلفه أو خروجه عن ملكه بناقل لازم بل جائز، ولا يجب رد نمائه المنفصل ولو لم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة أو لا، إذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك إلى الغارم فإن الغرامة عوض السلطنة {1} لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك فتأمل. نعم للمالك مطالبة عين ماله، لعموم: الناس مسلطون على أموالهم. وليس ما عنده من المال عوضا من مطلق السلطنة، حتى سلطنة المطالبة بل سلطنة الانتفاع بها على الوجه المقصود من الأملاك، ولذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة {2}
381 ومما ذكرنا يظهر أنه ليس للغاصب حبس العين {1} إلى أن يدفع المالك القيمة، كما اختاره في التذكرة والايضاح وجامع المقاصد، وعن التحرير الجزم بأن له ذلك. ولعله لأن القيمة عوض. أما عن العين، وأما عن السلطنة عليه وعلى أي تقدير، فيتحقق التراد، وحينئذ فلكل من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتى يتسلم ما بيد الآخر، وفيه أن العين بنفسها ليست عوضا ولا معوضا. ولذا تحقق للمالك الجمع بينها وبين الغرامة، فالمالك مسلط عليها والمعوض لغرامة السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالتراد، اللهم إلا أن يقال له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة وهي السلطنة الفائتة، والأقوى الأول، ثم لو قلنا بجواز الحبس لو حبسه فتلفت العين محبوسا فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب لأنه حبسه بحق، نعم يضمنه لأنه قبضه لمصلحة نفسه. والظاهر أنه بقيمة يوم التلف على ما هو الأصل في كل مضمون ومن قال بضمان المقبوض بأعلى القيم يقول به هنا من زمان الحبس إلى زمان التلف. وذكر العلامة في القواعد أنه لو حبس فتلف محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع القيمة الأولى. والظاهر أن مراده بقيمة الآن مقابل القيمة السابقة، بناء على زوال حكم الغصب عن العين لكونه محبوسا بغير عدوان، لا خصوص حين التلف وكلمات كثير منهم لا يخلو عن اضطراب.
382 ثم إن أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب، لكن الظاهر أن أكثرها بل جميعها حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا، إذ ليس في الغصب خصوصية زائدة. نعم ربما يفرق من جهة نص في المغصوب مخالف لقاعدة الضمان، كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولاد، أو أعلى القيم على ما تقدم من الشهيد الثاني دعوى دلالة الصحيحة عليه، وأما ما اشتهر من أن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا. {1} ولنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد وإن بقي منه أخر أكثر مما ذكرنا ولعل بعضها يجيئ في بيع الفضولي.
(1) باب 1 من أبواب الغصب حديث 5. 383 الكلام في شروط المتعاقدين {1} مسألة: المشهور كما عن الدروس والكفاية بطلان عقد الصبي {2} بل عن الغنية: الاجماع عليه وإن أجاز الولي. وفي كنز العرفان: نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا وظاهره إرادة التعميم لصورة إذن الولي. وعن التذكرة: إن الصغير محجور عليه بالنص والاجماع، سواء كان مميزا أم لا في جميع التصرفات إلا ما استثنى كعباداته واسلامه واحرامه وتدبيره ووصيته وايصال الهدية وإذنه في الدخول
384 على خلاف في ذلك انتهى. واستثناء ايصال الهدية وإذنه في دخول الدار يكشف بفحواه عن شمول المستثنى منه لمطلق أفعاله {1} لأن الايصال والإذن ليسا من التصرفات القولية والفعلية. وإنما الأول آلة في ايصال الملك، كما لو حمله على حيوان أو أرسلها. والثاني كاشف عن موضوع تعلق عليه إباحة الدخول وهو رضا المالك،
385
(1) النساء، آية 6. 386 واحتج على الحكم في الغنية بقوله صلى الله عليه وآله رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ. {1} وقد سبقه في ذلك الشيخ في المبسوط في مسألة الاقرار، وقال: أن مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم، ونحوه الحلي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا، وتبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة وغيره،
(1) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11. (2) الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس حديث 2. (3) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 12. 387 واستدلوا أيضا بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السلام أن الجارية إذا زوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة، الحديث. وفي رواية ابن سنان: متى يجوز أمر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ أشده، قال: ما أشده، قال: احتلامه. وفي معناهما روايات أخر لكن الانصاف أن جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرف لأن الجواز مرادف للمضي فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة، كما يقال بيع الفضولي غير ماض، بل موقوف
(1) الوسائل باب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه وباب 2 من أبواب كتاب الحجر. وباب 44 من أبواب الوصايا وغير تلكم من الأبواب المختلفة. 389 ويشهد له: الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله إلا أن يكون سفيها {1} فلا دلالة لها حينئذ على سلب عبارته. وأنه إذا ساوم وليه متاعا وعين له قيمته وأمر الصبي بمجرد ايقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا، وكذا لو أوقع ايجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليه.
390 وأما حديث رفع القلم ففيه: أولا: أن الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام {1} ولذا بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبي. وثانيا: أن المشهور على الألسنة أن الأحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين {2} فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ أو على الولي إذا وقع بإذنه وإجازته، كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، وحرمة تمكينه من مس المصحف
391 وثالثا: لو سلمنا اختصاص الأحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين {1} فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ. وبالجملة: فالتمسك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي، وما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين. فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظمية، وإلا فالمسألة محل اشكال، ولذا تردد المحقق في الشرائع في إجازة المميز بإذن الولي بعد ما جزم بالصحة في العارية واستشكل فيها في القواعد والتحرير، وقال في القواعد وفي صحة بيع المميز بإذن الولي نظر، بل عن الفخر في شرحه أن الأقوى الصحة مستدلا بأن العقد إذا وقع بإذن الولي، كان كما لو صدر عنه، ولكن لم أجده. فيه وقواه المحقق الأردبيلي على ما حكى عنه، ويظهر من التذكرة عدم ثبوت الاجماع عنده حيث قال: وهل يصح بيع المميز وشرائه؟ الوجه عندي أنه لا يصح واختار في التحرير صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده، وذكر المحقق الثاني أنه لا يبعد بناء المسألة على أن أفعال الصبي وأقواله شرعية أم لا، ثم حكم بأنها غير شرعية وأن الأصح بطلان العقد.
392 وعن المختلف إنه حكى في باب المزارعة عن القاضي كلاما يدل على صحة بيع الصبي. وبالجملة فالمسألة لا يخلو عن اشكال وإن أطنب بعض المعاصرين في توضيحه حتى ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه فالانصاف أن الحجة في المسألة هي الشهرة المحققة والاجماع المحكي عن التذكرة بناء على أن استثناء الاحرام الذي لا يجوز إلا بإذن الولي شاهد على أن مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة، لا نفي الاستقلال في التصرف وكذا اجماع الغنية بناء على أن استدلاله بعد الاجماع بحديث رفع القلم دليل على شمول معقده للبيع بإذن الولي، وليس المراد نفي صحة البيع المتعقب بالإجازة، حتى يقال أن الإجازة عند السيد (ابن زهرة) غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل. ولو كان غير مسلوب العبارة، كالبائع الفضولي، ويؤيد الاجماعين ما تقدم عن كنز العرفان، نعم لقائل أن يقول: إن ما عرفت من المحقق والعلامة وولده والقاضي وغيرهم خصوصا المحقق الثاني: الذي بنى المسألة على شرعية أفعال الصبي يدل على عدم تحقق الاجماع، وكيف كان. فالعمل على المشهور ويمكن أن يستأنس له أيضا بما ورد في الأخبار المستفيضة من أن عمد الصبي وخطأه واحد {1} كما في صحيحة ابن مسلم وغيرها، والأصحاب وإن ذكروها في باب الجنايات إلا أنه لا اشعار في نفس الصحيحة. بل وغيرها بالاختصاص بالجنايات.
(1) الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة من كتاب الديات حديث 2. 393 ولذا تمسك بها الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر على أن اخلال الصبي المحرم بمحظورات الاحرام التي يختص حرمتها الكفارة فيها بحال التعمد لا يوجب كفارة على الصبي، ولا على الولي لأن عمده خطأ. وحينئذ فكل حكم شرعي تعلق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد، فما يصدر منها عن الصبي قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبي وايقاعه مع القصد كعقد الهازل والغالط والخاطئ وايقاعاتهم بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم {1} وهو ما عن قرب الإسناد بسنده عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كأن يقول: المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ يحمله العاقلة. وقد رفع عنهما القلم، إلى آخره. فإن ذكر رفع القلم في الدليل ليس له وجه ارتباط، إلا بأن تكون علة لأصل الحكم وهو ثبوت الدية على العاقلة أو بأن تكون معلولة لقوله عمدهما خطأ، يعني أنه لما كان
(1) الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة حديث 3 و 5 وباب 36 من أبواب القصاص في النفس. (2) الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس حديث 2. 395 قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع، وفي الواقع رفع القلم عنهما، ولا يخفى أن ارتباطها بالكلام على وجه العلية والمعلولية للحكم المذكور في الرواية، أعني عدم مؤاخذة الصبي والمجنون بمقتضى جناية العمد وهو القصاص، ولا بمقتضى شبه العمد وهو الدية، في مالهما لا يستقيم إلا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا، من حيث العقوبة الأخروية والدنيوية المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية. {1} وعدم ترتب ذلك على أفعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما مع القصد والتعمد لترتب عليه غرامة أخروية أو دنيوية، وعلى هذا، فإذا التزم على نفسه مالا باقرار أو معاوضة ولو بإذن الولي فلا أثر له في إلزامه بالمال ومؤاخذته به ولو بعد البلوغ {2} فإذا لم يلزمه شئ بالتزاماته، ولو كانت بإذن الولي فليس ذلك إلا لسلب قصده وعدم العبرة بانشائه إذ لو كان ذلك لأجل عدم استقلاله وحجره عن الالتزامات على نفسه لم يكن عدم المؤاخذة شاملا لصورة إذن الولي، وقد فرضنا الحكم مطلقا فيدل بالالتزام على كون قصده في انشاءاته واخباراته مسلوب الأثر.
396
(1) النساء: آية 7. 398
(1) الوسائل باب 15 من أبواب كتاب الوقوف والصدقات - وباب 56 من أبواب كتاب العتق - وباب 44 - من أبواب كتاب الوصايا. (2) الوسائل باب 33 من أبواب ما يكتسب به. 399 ثم إن مقتضى عموم هذه الفقرة بناء على كونها علة للحكم عدم مؤاخذتهما بالاتلاف {1} الحاصل منهما كما هو ظاهر المحكي عن بعض، إلا أن يلتزم بخروج ذلك عن عموم رفع القلم، ولا يخلو من بعد ولكن هذا غير وارد على الاستدلال، لأنه ليس مبنيا على كون رفع القلم علة للحكم، لما عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبي والمجنون، فيختص رفع قلم المؤاخذة بالأفعال التي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل، فيخرج مثل الاتلاف، فافهم واغتنم.
401
(1) الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس حديث 2. 402 ثم إن القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير {1} والحاصل أن مقتضى ما تقدم من الاجماع المحكي في البيع وغيره من العقود والأخبار المتقدمة، بعد انضمام بعضهما إلى بعض: عدم الاعتبار بما يصدر من الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها كإنشاء العقود أصالة ووكالة، والقبض والاقباض {2} وكل التزام على نفسه من ضمان أو اقرار أو نذر أو ايجار.
403 وقال في التذكرة: وكما لا يصح تصرفاته اللفظية كذا لا يصح قبضه، ولا يفيد حصول الملك في الهبة، وإن اتهب له الولي ولا لغيره وإن أذن الموهوب له بالقبض، ولو قال مستحق الدين للمديون سلم حقي إلى هذا الصبي فسلم مقدار (قدر) حقه إليه لم يبرأ عن الدين وبقي المقبوض على ملكه ولا ضمان على الصبي لأن المالك ضيعه حيث دفعه إليه وبقي الدين لأنه في الذمة ولا يتعين إلا بقبض صحيح، كما لو قال ارم حقي في البحر فرمى مقدار حقه، بخلاف ما لو قال للمستودع سلم مالي إلى الصبي أو القه في البحر لأنه امتثل أمره في حقه المعين، ولو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ضمن وإن كان بإذن الولي
(1) الوسائل باب 17 من أبواب الكفارات من كتاب الايلاء والكفارات. (2) الوسائل باب 6 من أبواب المستحقين للزكاة ووقت التسليم والنية. 404 إذ ليس له تضييعها بإذن الولي {1} وقال أيضا لو عرض الصبي دينارا على الناقد لينقده، أو متاعا إلى مقوم ليقومه فأخذه لم يجز له رده إلى الصبي، بل إلى وليه إن كان. فلو أمره الولي بالدفع إليه فدفعه إليه برأ من ضمانه إن كان المال للولي، وإن كان للصبي فلا، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر، فإنه يلزمه ضمانه، وإذا تبايع الصبيان وتقابضا وأتلف كل واحد منهما ما قبضه فإن جرى بإذن الوليين فالضمان عليهما، وإلا فلا ضمان عليهما، بل على الصبيين. ويأتي في باب الحجر تمام الكلام، ولو فتح الصبي الباب وأذن في الدخول على أهل الدار، أو أدخل الهدية إلى انسان عن إذن المهدي، فالأقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه، انتهى كلامه رفع مقامه.
405 ثم إنه ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة {1} لما عرفت من عموم النص والفتوى، حتى أن العلامة في التذكرة لما ذكر حكاية أن أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبي فأرسله ردها: بعدم الثبوت، وعدم الحجية، وتوجيهه بما يخرجه عن محل الكلام. وبه يظهر ضعف ما عن المحدث الكاشاني من أن الأظهر جواز بيعه و شرائه، فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج، {2} انتهى. فإن الحرج ممنوع سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقرات، و التزام مباشرة البالغين لشرائها، أم أراد أنه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة، ثم لو أراد استقلاله في البيع والشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنه غير محجور عليه في الأشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا للاجماع.
406 وأما ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام، {1} قال: ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده معللا بأنه إن لم يجد سرق
(1) الوسائل باب 33 من أبواب ما يكتسب به. 407 فمحمول على عوض كسبه من التقاط أو أجرة عن إجارة أوقعها الولي أو الصبي بغير إذن الولي، أو عن عمل أمر به من دون إجارة، فأعطاه المستأجر أو الأمر أجرة المثل فإن هذه كلها مما يملكه الصبي {1} لكن يستحب للولي وغيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبي فيه، لاحتمال كونها من الوجوه المحرمة نظير رجحان الاجتناب عن أموال غيره ممن لا يبالي بالمحرمات. وكيف كان فالقول المذكور في غاية الضعف، نعم ربما صحح سيد مشائخنا في الرياض {2} هذه المعاملات إذا كان الصبي بمنزلة الآلة ممن له أهلية التصرف من جهة استقرار السيرة واستمرارها على ذلك. وفيه اشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين، كما في سيرهم الفاسدة. {3} ويؤيد ذلك ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميزين و غيرهم ولا بينهم وبين المجانين، ولا بين معاملتهم لا نفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولي أصلا ومعاملتهم لأوليائهم على سبيل الآلية، مع أن هذا مما لا ينبغي الشك في فساده خصوصا الأخير
408 مع أن الإحالة على ما جرت العادة به كالإحالة على المجهول {1}. فإن الذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلى كل صبي ما هو فطن فيه بحيث لا يغلب في المساومة عليه فيكلون إلى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل أو بيع بيضة دجاج بفلس وإلى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم والخبز ونحوهما، وإلى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب بل الحيوان بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق والبلدان ولا يفرقون بينه وبين من أكمل خمسة عشر سنة ولا يكلون إليه شراء مثل القرى والبساتين وبيعها إلا بعد أن يحصل له التجارب ولا أظن أن القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل. وكيف كان، فالظاهر أن هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم، وقد عرفت حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز رد المال إلى الصبي إذا دفعه إلى الناقد لينقده أو المتاع الذي دفعه المقوم ليقومه مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للولي، وكذا حكمه بالمنع من رد مال الطفل إليه بإذن الولي مع أنه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.
409 وقال كاشف الغطاء رحمه الله بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة ووكالة ما لفظه، نعم ثبت الإباحة في معاملة المميزين إذا جلسوا مقام أوليائهم أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد حتى يظن أن ذلك من إذن الأولياء خصوصا في المحقرات، ثم قال: ولو قيل بتملك الأخذ منهم، لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا انتهى {1} أما التصرف والمعاملة بإذن الأولياء سواء كان على وجه البيع، أو المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنه خلاف المشهور والمعروف، حتى لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة، لأنها تصرف لا محالة، وإن لم يكن بيعا، بل ولا معاوضة، وإن أراد بذلك أن أذن الولي ورضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة لا نفس المعاملة، كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعادة الصبي
410 فتوضيحه ما ذكره بعض المحققين من تلامذته {1} وهو أنه لما كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتفق، وكانت مفيدة لإباحة التصرف خاصة، كما هو المشهور وجرت عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة و الرضا باعتماد غيرهم في التصرف فيها على الأمارات المفيدة للظن بالرضا في المعاوضات، وكان الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبي تعين القيمة {2} والاختلاف الذي يتسامح به في العادة فلأجل ذلك صح القول بالاعتماد على ما يصدو من الصبي من صورة البيع والشراء، مع الشروط المذكورة كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار. وفي ايصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق، بل ما ذكرنا أولى بالجواز من الهدية من وجوه {3} وقد استند فيه في التذكرة إلى تسامح السلف.
411 وبالجملة فالاعتماد في الحقيقة على الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ وإلا عطاء مع البناء على ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا على قول الصبي ومعاملته من حيث إنه كذلك، وكثيرا ما يعتمد الناس على الإذن المستفاد من غير وجود ذي يد أصلا، مع شهادة الحال بذلك، كما في دخول الحمام ووضع الأجرة عوض الماء التالف في الصندوق، وكذا في أخذ الخضر الموضوعة للبيع و شرب ماء السقائين، ووضع القيمة المتعارفة في الموضع المعد لهما، وغير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها كما يعتمد على مثل ذلك في غير المعاوضات من أنواع التصرفات، فالتحقيق أن هذا ليس مستثنى من كلام الأصحاب ولا منافيا له ولا يعتمد على ذلك أيضا في مقام الدعوى ولا فيما إذا طالب المالك بحقه وأظهر عدم الرضا، انتهى. وحاصله أن مناط الإباحة ومدارها في المعاطاة ليس على وجود تعاط قائم بشخصين، أو بشخص منزل منزلة شخصين، بل على تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه في ماله حتى لو فرضنا أنه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق، كإطارة الريح ونحوها، فتراضيا على التصرف بأخبار صبي، أو بغيره من الأمارات كالكتابة ونحوها، كان هذه معاطاة أيضا، ولذا كان وصول الهدية إلى المهدي إليه على يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضى المهدي بالتصرف، بل التملك كافيا في إباحة الهدية بل في تملكها، وفيه أن ذلك حسن، إلا أنه موقوف أولا على ثبوت حكم المعاطاة من دون انشاء إباحة و تمليك، والاكتفاء فيها بمجرد الرضا ودعوى حصول الانشاء بدفع الولي المال إلى الصبي مدفوعة بأنه انشاء إباحة لشخص غير معلوم، ومثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجه عن موضوعها، وبه يفرق بين ما نحن فيه، ومسألة ايصال الهدية بيد الطفل فإنه يمكن فيه دعوى: كون دفعه إليه للايصال إباحة أو تمليكا، كما ذكر أن إذن الولي للصبي في الإعارة إذن في انتفاع المستعير. وأما دخول الحمام و شرب الماء ووضع الأجرة والقمية فلو حكم بصحتها بناء على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الانشاء انحصر صحة وساطة الصبي فيما يكفي فيه مجرد وصول العوضين دون ما لا يكفي فيه
412 والحاصل أن دفع الصبي وقبضه بحكم العدم، فكلما يكتفي فيه بوصول كل من العوضين إلى صاحب الآخر بأي وجه اتفق، فلا يضر مباشرة الصبي. لمقدمات الوصول، ثم إن ما ذكر مختص بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبي وليا كان أم غيره. وأما ما ذكره كاشف الغطاء أخيرا من صيرورة الشخص موجبا وقابلا. ففيه أولا: إن تولي وظيفة الغائب وهو: من أذن للصغير أن كان بإذن منه فالمفروض انتفاؤه {1} وإن كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل، بل ممنوع {2} وثانيا: إن المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة عمن أذن للصبي، ثم إنه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبي، ولا بالأشياء الحقيرة، بل هو جار في المجنون والسكران، بل البهائم في الأمور الخطيرة إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار وكان الصغير آلة فلا فرق في الآلية بينه وبين غيره، نعم من تمسك في ذلك بالسيرة من غير أن يتجشم لادخال ذلك تحت القاعدة فله تخصيص ذلك الصبي لأنه المتيقن من موردها كما أن ذلك مختص بالمحقرات.
413 مسألة ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدها لمدلول العقد الذي يتلفظان به {1} و اشتراط القصد بهذا المعنى في صحة العقد، بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه و لا اشكال فلا يقع من دون قصد إلى اللفظ، كما في الغالط أو إلى المعنى لا معنى عدم استعمال اللفظ فيه بل بمعنى عدم تعلق إرادته وإن أوجد ما لوله بالانشاء كما في الأمر الصوري فهو شبيه الكذب في الأخبار كما في {2} في الهازل أو قصد معنى يغاير مدلول العقد بأن قصد الاخبار أو الاستفهام أو انشاء معنى غير البيع مجازا أو غلطا فلا يقع البيع لعدم القصد إليه، ولا المقصود إذا اشترط فيه عبارة خاصة
414 ثم إنه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي والمكره، كما صرح به في المسالك {1} حيث قال: إنهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله، وفيه أنه لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقق في صدق مفهوم العقد، مضافا إلى ما سيجئ في أدلة الفضولي. وأما معنى ما في المسالك فسيأتي في اشتراط الاختيار.
415 واعلم أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه كلاما في هذا المقام في أنه هل يعتبر تعيين المالكين اللذين يتحقق النقل والانتقال بالنسبة إليهما أم لا {1} وذكر أن في المسألة أوجها وأقوالا وأن المسألة في غاية الاشكال، وأنه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب (قدس الله أرواحهم) في تضاعيف أبواب الفقه. ثم قال: و تحقيق المسألة أنه إن توقف تعين المالك على التعيين حال العقد لتعدد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر تعيينه في النية أو مع اللفظ به أيضا كبيع الوكيل والولي العاقد عن اثنين في بيع واحد والوكيل عنهما والولي عليهما في البيوع المتعددة، فيجب أن يعين من يقع له البيع أو الشراء من نفسه أو غيره، وأن يميز البائع من المشتري إذا أمكن الوصفان في كل منهما، فإذا عين جهة خاصة تعينت، وإن أطلق فإن كان هناك جهة ينصرف إليها الاطلاق كان كالتعيين كما لو دار الأمر بين نفسه [وبين] وغيره إذا لم يقصد الإبهام والتعيين بعد العقد وإلا وقع لا غيا، وهذا جار في سائر
416 العقود من النكاح وغيره، والدليل على اشتراط التعيين ولزوم متابعته في هذا القسم أنه لولا ذلك لزم بقاء الملك [المملوك] بلا مالك معين في نفس الأمر {1} وإن لا يحصل الجزم بشئ من العقود التي لم يتعين فيه العوضان {2} ولا بشئ من الأحكام والآثار المترتبة على ذلك، وفساد ذلك ظاهر ولا دليل على تأثير التعيين المتعقب ولا على صحة العقد المبهم {3} لانصراف الأدلة إلى ما هو الشائع المعروف من الشريعة والعادة فوجب الحكم بعدمه، وعلى هذا فلو اشترى الفضولي لغيره في الذمة فإن عين ذلك الغير تعين ووقف على إجازته سواء تلفظ [وقع التعيين في اللفظ والنية خاصة] بذلك أم نواه وإن أبهم مع قصد الغير بطل ولا لا يوقف إلى أن يوجد له مجيز.
417 إلى أن قال. إن لم يتوقف تعين المالك على التعيين حال العقد بأن يكون العوضان معينين، ولا يقع العقد فيهما على وجه يصح إلا لمالكيهما، ففي وجوب التعيين أو الاطلاق المنصرف إليه أو عدمه مطلقا، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل وعدمه فيصح أوجه أقواها الأخير، وأوسطها الوسط {1} وأشبهها للأصول الأولى {2} وفي حكم المعين إذا ما عين المال بكونه في ذمته زيد مثلا. وعلى الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه ولغى قصد كونه على الغير، ولو باع مال زيد عن عمرو، فإن كان وكيلا عن زيد صح عنه وإلا وقف عن إجازته ولو اشترى لنفسه بمال في ذمة زيد، فإن لم يكن وكيلا فالمقتضي لكل من العقدين منفردا موجود، والجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما، ولما لم يتعين احتمل البطلان للتدافع و صحته عن نفسه لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء وترجيح جانب الأصالة، و عن الموكل لتعين العوض في ذمة الموكل فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعين ولو اشترى عن زيد بشئ في ذمته فضولا، فلم يجز فأجاز عمرو لم يصح عن أحدهما وقس على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب ولا فرق على الأوسط في الأحكام المذكورة بين النية المخالفة والتسمية ويفرق بينهما على الأخير و يبطل الجميع على الأول، انتهى كلامه
418 أقول مقتضى المعاوضة والمبادلة دخول كل من العوضين في ملك الآخر، وإلا لم يكن كل منهما عوضا وبدلا وعلى هذا فالقصد إلى العوض وتعيينه يغني عن تعيين المالك إلا أن ملكية العوض وترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك، فإن من الأعواض ما يكون متشخصا بنفسه في الخارج كالأعيان، ومنها ما لا يتشخص إلا بإضافته إلى مالك كما في الذمم، لأن ملكية الكلي لا تكون إلا مضافا إلى ذمة {1} واجراء أحكام الملك على ما في ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا غير معهود، فتعين الشخص في الكلي إنما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم على تعيين صاحب الذمة فصح على ما ذكرنا أن تعيين المالك مطلقا غير معتبر سواء في العوض المعين أو في الكلي، وأن اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشق الأول من تفصيله إنما هو لتصحيح ملكية العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا، فإن من اشترى لغيره في الذمة إذا لم يعين الغير، لم يكن الثمن ملكا، لأن ما في الذمة ما لم يضف إلى شخص معين لم يترتب عليه أحكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا
419 وكذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين فإنه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال: بعت عبدا بألف، ثم قال: قبلت، فلا يصير العبد قابلا للبيع ولا الألف قابلا للاشتراء به حتى يسند كلا منهما إلى معين، أو إلى نفسه من حيث إنه نائب عن ذلك المعين فيقول: بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان فيمتاز البائع عن المشتري. وأما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما إذا كان العوضان معينين فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أن من لوازمها العقلية، دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية والبدلية، فلا حاجة إلى تعيين من ينقل عنهما وإليهما العوضان، وإذا لم يقصد المعاوضة الحقيقة فالبيع غير منعقد. فإن جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملكه المعوض، فقال: ملكتك فرسي هذا بحمار عمر، فقال المخاطب: قبلت، لم يقع البيع لخصوص المخاطب لعدم مفهوم المعاوضة معه، وفي وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام يأتي. وأما ما ذكره من مثال من باع مال نفسه عن غيره {1} فلا اشكال في عدم وقوعه عن غيره، والظاهر وقوعه عن البائع ولغوية قصده عن الغير لأنه أمر غير معقول لا يتحقق القصد إليه حقيقة، وهو معنى لغويته. ولذا لو باع مال غيره عن نفسه {2} وقع للغير مع إجازته كما سيجئ ولا يقع عن نفسه أبدا، نعم لو ملكه فأجاز قيل: بوقوعه له لكن لا من حيث ايقاعه أولا لنفسه فإن القائل به لا يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما ووجوده كعدمه
420 إلا أن يقال إن وقوع بيع مال نفسه لغيره إنما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية لم لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية أو على تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع، كما سيأتي أن المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصور إلا على هذا الوجه، وحينئذ يحكم ببطلان المعاملة لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي. ومن هنا ذكر العلامة وغيره في عكس المثال المذكور، أنه لو قال المالك للمرتهن بعه لنفسك بطل، وكذا لو دفع مالا إلى من يطلبه الطعام، وقال اشتر به لنفسك، طعاما هذا ولكن الأقوى صحة المعاملة المذكورة، ولغوية القصد المذكور، لأنه راجع إلى إرادة ارجاع فائدة البيع إلى الغير، لا جعله أحد ركني المعاوضة. وأما حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن واشتراء الطعام، فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب، لا أن المخاطب إذا قال: بعته لنفسي أو اشتريته لنفسي لم يقع لمالكه إذا أجازه. وبالجملة فحكمهم بصحة بيع الفضولي وشرائه لنفسه، ووقوعه للمالك، يدل على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك، ثم إن ما ذكرنا كله حكم: وجوب تعيين كل من البائع والمشتري، من يبيع له ويشتري له. وأما تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب والقابل لخصوص البائع {1} فيحتمل اعتباره، إلا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكل من المتخاطبين
421 كما في غالب البيوع والإجازات، فحينئذ يراد من ضمير المخاطب في قوله ملكتك كذا، أو منفعة كذا بكذا هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيا، أو جعليا كالمشتري الغاصب أو من هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية، و يحتمل عدم اعتباره إلا فيما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين كما في النكاح والوقف الخاص والهبة والوكالة والوصية، والأقوى هو الأول عملا بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية {1} وتبعية العقود للقصود، وعلى فرض القول الثاني فلو صرح - بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره. قال في التذكرة: لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر فإشكال ينشأ من أن الآخر إنما قصد تمليك العاقد، وهذا الاشكال وإن كان ضعيفا مخالفا للاجماع والسيرة إلا أنه مبنية (منبه) على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام. وقد يقال في الفرق بين البيع وشبهه، وبين النكاح، أن الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود، ويختلف الأغراض باختلافهما، فلا بد من التعيين و توارد الايجاب والقبول على أمر واحد ولأن معنى قوله بعتك كذا بكذا، رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع، والمشتري يطلق على المالك ووكيله، ومعنى قولها زوجتك نفسي، رضاها بكونه زوجا، والزوج لا يطلق على الوكيل، انتهى. ويرد على الوجه الأول من وجهي الفرق، أن كون الزوجين كالعوضين إنما يصلح وجها لوجوب التعيين في النكاح، لا لعدم وجوبه في البيع {2} مع أن الظاهر
422 أن ما ذكرناه من الوقف وإخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة، أو الفضولي فلا بد من وجه مطرد في الكل. وعلى الوجه الثاني أن معنى بعتك، في لغة العرب، كما نص عليه فخر المحققين وغيره هو ملكتك بعوض ومعناه جعل المخاطب مالكا، ومن المعلوم أن المالك لا يصدق على الولي والوكيل والفضولي فالأولى في الفرق: ما ذكرناه من أن الغالب في البيع والإجازة، هو قصد المخاطب لا من حيث هو بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير {1}
423 ولا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل فتأمل، بخلاف النكاح وما أشبهه. فإن الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد، بل ربما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الأصيل، كما لو قال زوجتك مريدا له باعتبار كونه وكيلا عن الزوج {1} وكذا قوله وقفت عليك وأوصيت لك ووكلتك ولعل الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها {2} فلا يقال للوكيل الزوج ولا الموقوف عليه ولا الموصى له ولا الموكل بخلاف البائع والمستأجر فتأمل، حتى لا يتوهم رجوعه إلى ما ذكرناه، سابقا واعترضنا عليه.
424 مسألة ومن شرائط المتعاقدين: الاختيار {1} والمراد به القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس لا الاختيار في مقابل الجبر. ويدل عليه
425 قبل الاجماع قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) وقوله عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه {1}
(1) النساء: آية 29. (2) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي والاحتجاج ص 267 وفروع الكافي ج 1 ص 426 والمستدرك ج 1 ص 212. 427 وقوله صلى الله عليه وآله في الخبر المتفق عليه بين المسلمين رفع أو وضع عن أمتي تسعة أشياء أو ستة. ومنها ما أكرهوا عليه {1} وظاهره وإن كان رفع المؤاخذة إلا أن استشهاد الإمام عليه السلام به في بعض الأحكام الوضعية يشهد لعموم المؤاخذة فيه لمطلق الالزام عليه بشئ. ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك. فقال عليه السلام لا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا والحلف بالطلاق والعتاق وإن لم يكن صحيحا عندنا من دون الاكراه أيضا إلا أن مجرد استشهاد الإمام عليه السلام في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما أكرهوا عليه يدل على أن المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة والعقاب الأخروي. هذا كله مضافا إلى الأخبار الواردة في طلاق المكره، بضميمة عدم الفرق.
(1) الوسائل باب 56 من أبواب جهاد النفس وباب 12 و 16 من أبواب كتاب الايمان. 428 ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان: إن المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة. وليس مرادهم أنه لا قصد له إلا إلى مجرد التكلم، كيف والهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصدا صوريا، والخالي عن القصد إلى غير التكلم هو من يتكلم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني. فالمراد بعدم قصد المكره عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج وأن الداعي له إلى الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج، لا أن كلامه الانشائي مجرد عن المدلول، كيف وهو معلول الكلام الانشائي إذا كان مستعملا غير مهمل. وهذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمل في معنى الاكراه لغة وعرفا وأدنى تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الاكراه التي لا يستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ وجعله مقابلا للقصد وحكمهم بعدم وجوب التورية في التفصي عن الاكراه وصحة بيعه بعد الرضا واستدلالهم له بالأخبار الواردة في طلاق المكره وأنه لا طلاق إلا مع إرادة الطلاق حيث إن المنفي صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة وعرفا وفيما ورد فيمن طلق مداراة بأهله إلى غير ذلك. وفي أن مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق اكراها لا ينبغي أن تحمل على الكلام المجرد عن قصد المفهوم الذي لا يسمى خبرا ولا انشاء، وغير ذلك مما يوجب القطع بأن المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد، ومضمونه في الواقع وعدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام، ويكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أن المكره والفضولي قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله. نعم ذكر في التحرير والمسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك قال في التحرير لو أكره على الطلاق فطلق ناويا، فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا اكراه على القصد، انتهى. وبعض المعاصرين [صاحب الجواهر] بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم فرد عليهم بفساد المبنى وعدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور لكن المتأمل يقطع بعدم إرادتهم لذلك وسيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به.
429 ثم إن حقيقة الاكراه لغة وعرفا حمل الغير على ما يكرهه {1} ويعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل مضر بحال الفاعل أو متعلقه نفسا أو عرضا أو مالا، فظهر من ذلك أن مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله في المكره عليه، كيف والأفعال الصادرة من العقلاء كلها أو جلها ناشئة عن دفع الضرر،
(1) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان حديث 10. (2) الوسائل باب 37 من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه حديث 1. 430 وليس دفع مطلق الضرر الحاصل من ايعاد شخص يوجب صدق المكره عليه، فإن من أكره على دفع مال وتوقف على بيع بعض أمواله. فالبيع الواقع منه لبعض أمواله وإن كان لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال. ولذا يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه لحلف أو شبهه إلا أنه ليس مكرها فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من أجل الاكراه المقترن بايعاد الضرر عن الاستقلال في التصرف بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه ولا يتعمد إليه عن رضا. {1} وإن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر أو ترجيحا لأقل الضررين إلا أن هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به فإن النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه مع الايعاد عليه بما يشق تحمله. والحاصل أن الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل في فعله، ومخلى وطبعه فيه بحيث تطيب نفسه بفعله، وإن كان من باب علاج الضرر، وقد يفعل لدفع ضرر ايعاد الغير على تركه، وهذا مما لا يطيب النفس به وذلك معلوم بالوجدان،
431 ثم إنه هل يعتبر في موضوع الاكراه، أو حكمه عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به ضررا آخر كما حكى عن جماعة أم لا؟ {1} الذي يظهر من النصوص والفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية، لأن حمل عموم رفع الاكراه وخصوص النصوص الواردة في طلاق المكره، وعتقه، ومعاقد الاجماعات والشهرات المدعاة في حكم المكره على صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد جدا، بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد كما لا يخفى على من راجعها مع أن القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا هذا
432 وربما يستظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية أيضا في صدق الاكراه، مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد الله، قال: لا يمين في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في اكراه، قلت أصلحك الله وما الفرق بين الجبر والاكراه، قال: الجبر من السلطان ويكون الاكراه من الزوجة والأم والأب وليس ذلك بشئ، الخبر {1}. ويؤيده أنه لو خرج عن الاكراه عرفا بالقدرة على التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها لأن المناط حينئذ انحصار التخلص عن الضرر المتوعد في فعل المكره عليه فلا فرق بين أن يتخلص عنه بكلام آخر أو فعل آخر. أو بهذا الكلام مع قصد معنى آخر. ودعوى أن جريان حكم الاكراه مع القدرة على التورية تعبدي لا من جهة صدق حقيقة الاكراه كما ترى،
(1) الوسائل باب 16 من أبواب كتاب الايمان حديث 1. 434 لكن الانصاف أن وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق إلا مع العجز عن التفصي بغير التورية، لأنه يعتبر فيه أن يكون الداعي، عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك ومع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه، بل على تركه وترك التفصي معا. فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين، من فعل المكره عليه، والتفصي، فهو مختار في كل منهما، ولا يصدر كل منهما إلا باختياره، فلا اكراه وليس التفصي من الضرر أحد فردي المكره عليه حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الاكراه عنهما كما لو أكره إلى أحد الأمرين، حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها عليه لأن الفعل المتفصي به مسقط عن المكره عليه لا بدل له. ولذا لا يجري عليه أحكام المكره عليه اجماعا فلا يفسد إذا كان عقدا
435 وما ذكرناه وإن كان جاريا في التورية، إلا أن الشارع رخص في ترك التورية، بعد عدم امكان التفصي بوجه آخر لما ذكرنا من ظهور النصوص والفتاوى وبعد حملها على صورة العجز عن التورية، مع أن العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف والاكراه، خصوصا في قضية عمار وأبويه حيث أكرهوا على الكفر، فأبى أبواه فقتلا، وأظهر لهم عمار ما أرادوا فجاء باكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فنزلت الآية: من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله إن عادوا عليك فعد ولم ينبهه على التورية. {1} فإن التنبيه في المقام وإن لم يكن واجبا إلا أنه لا شك في رجحانه خصوصا من النبي صلى الله عليه وآله باعتبار شفقته على عمار وعلمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية كما لا يخفى هذا،
(1) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان. (2) الوسائل باب 29 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما من كتاب الأمر بالمعروف. 436 هذا، ولكن الأولى أن يفرق بين امكان التفصي بالتورية وامكانه بغيره، بتحقق الموضوع في الأول دون الثاني لأن الأصحاب وفاقا للشيخ في المبسوط ذكروا من شروط تحقق الاكراه أن يعلم أو يظن المكره بالفتح أنه لو امتنع مما أكره عليه، وقع فيما توعد عليه ومعلوم أن المراد ليس امتناعه عنه في الواقع ولو مع اعتقاد المكره بالكسر عدم الامتناع بل المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره لامتناع المكره. وهذا المعنى يصدق مع إمكان التورية، ولا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها لأن المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه وعدم وقوع الضرر عليه. والحاصل أن التلازم بين امتناعه ووقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الاكراه موجود مع التمكن بالتورية، لا مع التمكن بغيرها، فافهم. ثم إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الاكراه المسوغ للمحرمات، ومناطه توقف دفع ضرر المكره على ارتكاب المكره عليه. وأما الاكراه الرافع لأثر المعاملات. فالظاهر أن المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة {1}
437 وقد يتحقق مع امكان التفصي مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير، متفرعا لعبادة أو مطالعة فجاءه من أكرهه على بيع شئ مما عنده، وهو في هذه الحال غير قادر على دفع ضرره وهو كاره للخروج عن ذلك المكان، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر المكره فالظاهر صدق الاكراه حينئذ بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشئ بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، وتوقف دفع ضرر اكراه الشخص على أمر خدمه بدفعه وطرده، فإن هذا لا يتحقق في حقه الاكراه، ويكذب لو ادعاه بخلاف الأول إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل، ولو فرض في ذلك المثال اكراهه على محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل. فقد تقدم الفرق بين الجبر والاكراه في رواية ابن سنان فالاكراه المعتبر في تسويغ المحظورات، هو الاكراه بمعنى الجبر المذكور، والرافع لأثر المعاملات هو الاكراه الذي ذكر فيها أنه قد يكون من الأب والولد والمرأة والمعيار فيه عدم طيب النفس {1} فيها لا الضرورة والالجاء، وإن كان هو المتبادر من لفظ الاكراه. ولذا يحمل الاكراه في حديث الرفع عليه فيكون الفرق بينه وبين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث: اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض لكن الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أن العبرة فيها بالقصد الحاصل من طيب النفس حيث استدلوا على ذلك
438 بقوله تعالى: (تجارة عن تراض) ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه وعموم اعتبار الإرادة في صحة الطلاق وخصوص ما ورد في فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله فقد تلخص مما ذكرنا أن الاكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخص من الرافع لأثر الحكم الوضعي، ولو لو حظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الاكراه، كانت النسبة بينهما العموم من وجه، لأن المناط في رفع الحكم التكليفي، هو دفع الضرر. وفي رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة وطيب النفس، ومن هنا لم يتأمل أحد في أنه إذا أكره الشخص على أحد الأمرين المحرمين لا بعينه {1} فكل منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم لأن المعيار في دفع الحرمة دفع الضرر المتوقف على فعل أحدهما. أما لو كانا عقدين، أو ايقاعين كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه، فقد
439 استشكل غير واحد في أن ما يختاره من الخصوصيتين بطيب نفسه. ويرجحه على الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الاكراه، مكره عليه باعتبار جنسه أم لا؟ بل أفتى في القواعد بوقوع الطلاق وعدم الاكراه وإن حمله بعضهم على ما إذا قنع المكره [بالكسر] بطلاق إحداهما مبهمة لكن المسألة عندهم غير صافية عن الاشكال من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية، وإن كان الأقوى وفاقا لكل من تعرض للمسألة تحقق الاكراه لغة وعرفا مع أنه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الاكراه أصلا إذ الموجود في الخارج دائما إحدى خصوصيات المكره عليه إذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات
440 نعم هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية وإن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك، بمعنى أن وجوده الخارجي ناشئ عن اكراه واختيار. ولذا لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل، ويستحقه باعتبار الخصوصية وتظهر الثمرة: فيما لو ترتب أثر على خصوصية المعاملة الموجودة، فإنه لا يرتفع بالاكراه على القدر المشترك. مثلا لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر لأنه مختار فيه وإن كان مكرها في أصل الشرب، وكذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد، فإنه لا يرتفع أثر الصحيح، لأنه مختار فيه وإن كان مكرها في جنس البيع لكنه لا يترتب على الجنس أثر يرتفع بالاكراه.
441 ومن هنا يعلم أنه لو أكره على بيع مال أو ايفاء مال مستحق، لم يكن اكراها لأن القدر المشترك بين الحق وغيره إذا أكره عليه، لم يقع باطلا وإلا لوقع الايفاء أيضا باطلا، فإذا اختار البيع صح لأن الخصوصية غير مكره عليها، والمكره عليه هو القدر المشترك غير مرتفع الأثر ولو أكرهه على بيع مال، أو أداء مال غير مستحق كان اكراها لأنه لا يفعل البيع إلا فرارا من بدله أو وعيده المضرين، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر، فإن ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأخروي، ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده، ثم إن اكراه أحد الشخصين على فعل واحد {1} بمعنى إلزامه عليهما كفاية، وايعادهما على تركه كاكراه شخص واحد على أحد الفعلين في كون كل منهما مكرها.
442 واعلم أن الاكراه قد يتعلق بالمالك والعاقد {1} كما تقدم، وقد يتعلق بالمالك دون العاقد كما لو أكره على التوكيل في بيع ماله، فإن العاقد قاصد مختار، والمالك مجبور، وهو داخل في العقد الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه {2}
444 وقد ينعكس كما لو قال بع مالي أو طلق زوجتي، وإلا قتلتك والأقوى هنا، الصحة لأن العقد هنا من حيث إنه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا، والرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض {1} فهذا أولى من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقا. واحتمل في المسالك عدم الصحة نظرا إلى أن الاكراه يسقط حكم اللفظ، كما لو أمر المجنون بالطلاق فطلقها، ثم قال: والفرق بينهما: إن عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره، فإن عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد، فإذا كان الأمر قاصدا لم يقدح اكراه المأمور، انتهى وهو حسن. وقال أيضا لو أكره الوكيل على الطلاق دون الموكل ففي صحته وجهان {2} أيضا من تحقق الاختيار في الموكل المالك، ومن سلب عبارة المباشر انتهى، وربما يستدل على فساد العقد في هذين الفرعين،
445 بما دل على رفع حكم الاكراه {1} وفيه ما سيجئ من أنه إنما يرفع حكما ثابتا على المكره لولا الاكراه ولا أثر للعقد هنا بالنسبة إلى المتكلم به لولا الاكراه {2} ومما يؤيد ما ذكرنا حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، ومن المعلوم أنه إنما يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر وهو النقل والانتقال. وأما التلفظ بالكلام الذي صدر مكرها عليه فلا معنى للحوق الرضا به لأن ما مضى وانقطع لا يتغير عما وقع عليه ولا ينقلب.
446 نعم ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور، بأن القصد إلى المعنى ولو على وجه الاكراه شرط في الاعتناء بعبارة العقد، ولا يعرف إلا من قبل العاقد، فإذا كان مختارا أمكن احرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها {1} اللهم إلا أن يقال إن الكلام بعد احراز القصد وعدم تكلم العاقد لاغيا، أو موريا ولو كان مكرها مع أنه يمكن اجراء أصالة القصد هنا أيضا، فتأمل.
447 فرع ولو أكرهه على بيع واحد غير معين من عبدين {1} فباعهما، أو باع نصف أحدهما ففي التذكرة اشكال. أقول أما بيع العبدين، فإن كان تدريجا، فالظاهر وقوع الأول مكرها، دون الثاني {2} مع احتمال الرجوع إليه في التعيين، سواء ادعى العكس أم لا،
448 ولو باعهما دفعة، احتمل صحة الجميع، لأنه خلاف المكره عليه، والظاهر أنه لم يقع شئ منهما عن اكراه {1} وبطلان الجميع لوقوع أحدهما مكرها عليه، ولا ترجيح، والأول أقوى،
449 ولو أكره على بيع معين فضم إليه غيره وباعهما دفعة، فالأقوى الصحة في غير ما أكره عليه. {1} وأما مسألة النصف، فإن باع النصف [بعد الاكراه على الكل] بقصد بيع النصف الآخر امتثالا للمكره بناء على شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين، فلا اشكال في وقوعه مكرها عليه {2}، وإن كان لرجاء أن يقنع المكره بالنصف كان أيضا اكراها {3}
(1) الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم. 450 وإن كان لرجاء أن يقنع المكره بالنصف كان أيضا اكراها، لكن في سماع دعوى البائع ذلك، مع عدم الأمارات نظر. {1}
451 بقي الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير قال في التحرير لو أكره على الطلاق فطلق ناويا، فالأقرب وقوع الطلاق {1} انتهى ونحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع لأن الاكراه أسقط أثر اللفظ، ومجرد النية لا حكم لها، وحكى عن سبطه في نهاية المرام أنه نقله قولا، واستدل عليه بعموم ما دل من النص والاجماع على بطلان عقد المكره، والاكراه يتحقق هنا إذ المفروض أنه لولاه لما فعله، ثم قال: والمسألة محل اشكال انتهى. وعن بعض الأجلة [كاشف اللثام] أنه لو علم أنه لا يلزمه إلا اللفظ وله تجريده عن القصد فلا شبهة في عدم الاكراه، وإنما يحتمل الاكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد وإن لم يرده المكره أم لا، انتهى.
452 ثم إن بعض المعاصرين [صاحب الجواهر] ذكر الفرع عن المسالك وبناه على أن المكره لا قصد له أصلا فرده بثبوت القصد للمكره وجزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه، وفيه ما عرفت سابقا من أنه لم يقل أحد بخلو المكره عن قصد معنى اللفظ، وليس هذا مرادا من قولهم إن المكره غير قاصد إلى مدلول اللفظ. ولذا شرك الشهيد الثاني بين المكره والفضولي في ذلك، كما عرفت سابقا، فبناء هذا الحكم في هذا الفرع على ما ذكر، ضعيف جدا، وكذا ما تقدم عن بعض الأجلة [كاشف اللثام] من أنه إن علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية، فنوى اختيارا صح لأن مرجع ذلك إلى وجوب التورية على العارف بها، المتفطن لها إذ لا فرق بين التخلص بالتورية وبين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلم به لاغيا وقد عرفت أن ظاهر الأدلة والأخبار الواردة في طلاق المكره وعتقه، عدم اعتبار العجز عن التورية. وتوضيح الأقسام المتصورة في الفرع المذكور: إن الاكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به. أما أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا، بأن يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الاكراه لبنائه على تحمل الضرر المتوعد به ولا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا {1} وعدم جواز حمل الفرع المذكور عليه،
453 فلا معنى لجعله في التحرير أقرب، وذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك، وجعله قولا في نهاية المرام واستشكاله فيه لعموم النص والاجماع، وكذا لا ينبغي التأمل في وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا في داعي الوقوع {1} بل هو بضميمة شئ اختياري للفاعل،
454 وإن كان الداعي هو الاكراه. فأما أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر {1} كمن قال له ولده: طلق زوجتك وإلا قتلتك أو قتلت نفسي، فطلق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه أو قتل الغير له إذا تعرض لقتل والده أو كان الداعي على الفعل شفقة دينية على المكره بالكسر أو على المطلقة أو على غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس في محرم، والحكم في الصورتين لا يخلو عن اشكال {2}
456 وإن كان الفعل لداعي التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكره أن الحذر لا يتحقق إلا بايقاع الطلاق حقيقة {1} لغفلته عن أن التخلص غير متوقف على القصد إلى وقوع أثر الطلاق وحصول البينونة، فيوطن نفسه على رفع اليد عن الزوجة والاعراض عنها فيوقع الطلاق قاصدا، وهذا كثيرا ما يتفق للعوام، وقد يكون هذا التوطين والاعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي أو كونه رأي مذهب بعض العامة، فزعم أن الطلاق يقع مع الاكراه فإذا أكره على الطلاق طلق قاصدا لوقوعه لأن القصد إلى اللفظ، المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا في وقوع البينونة يستلزم القصد إلى وقوعها، فيرضي نفسه بذلك ويوطنها عليه، وهذا أيضا كثيرا ما يتفق للعوام، والحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن اشكال، إلا أن تحقق الاكراه أقرب.
457 ثم إن المشهور بين المتأخرين، أنه لو رضي المكره بما فعله صح العقد {1} بل عن الرياض تبعا للحدائق أن عليه اتفاقهم، لأنه عقد حقيقي فيؤثر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع وهو طيب النفس. ودعوى اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد {2} خالية عن الشاهد مدفوعة، بالاطلاقات وأضعف منها دعوى اعتبارها في مفهوم العقد {3} اللازم، منه عدم كون عقد الفضولي عقدا حقيقة وأضعف من الكل، دعوى اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده {4} اللازم، منه عدم صحة بيع المكره بحق، وكون اكراهه على العقد تعبديا لا لتأثير فيه. ويؤيده فحوى صحة عقد الفضولي حيث إن المالك طيب النفس بوقوع أثر العقد، وغير منشئ للنقل بكلامه وامضاء انشاء الغير ليس إلا طيب النفس بمضمونه، وليس انشاء مستأنفا، مع أنه لو كان، فهو موجود هنا. فلم يصدر من المالك هنالك إلا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن انشاء العقد وهذا موجود فيما نحن فيه مع زائد، وهو انشائه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد لما عرفت من أن عقده انشاء حقيقي وتوهم أن عقد الفضولي واجد لما هو به مفقود
458 هنا وهو طيب نفس العاقد بما ينشئه مدفوع بالقطع بأن طيب النفس لا أثر له لا في صدق العقدية إذ يكفي فيه مجرد قصد الانشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه، ولا في النقل والانتقال لعدم مدخلية غير المالك فيه، نعم لو صح ما ذكر سابقا من توهم أن المكره لا قصد له إلى مدلول اللفظ أصلا وأنه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت، كما صرح به بعض صح أنه لا يجدي تعقب الرضا إذ لا عقد حينئذ، لكن عرفت سابقا أنه خلاف المقطوع من النصوص والفتاوى فراجع. فظهر مما ذكرنا: ضعف وجه التأمل في المسألة كما عن الكفاية ومجمع الفائدة تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد، وإن انتصر لهم بعض من تأخر عنهم بقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) الدال على اعتبار كون العقد عن التراضي {1} مضافا إلى النبوي المشهور الدال على رفع حكم الاكراه مؤيدا بالنقض بالهازل، مع أنهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا، والكل كما ترى لأن دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن التراضي أما بمفهوم الحصر وأما بمفهوم الوصف ولا حصر كما لا يخفى لأن الاستثناء منقطع غير مفرغ {2} ومفهوم الوصف، على القول به مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في (ربائبكم اللاتي في حجوركم) ودعوى وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة وسيجئ زيادة
(1) النساء، 29. 459 توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي في بيع الفضولي. وأما حديث الرفع ففيه: أولا إن المرفوع فيه هي المؤاخذة والأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره، والزامه بشئ {1} والحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أن له أن يرضى بذلك، وهذا حق له لا عليه. نعم قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتى يرضى المكره أو يفسخ، وهذا إلزام لغيره والحديث لا يرفع المؤاخذة والالزام عن غير المكره كما تقدم. وأما إلزامه بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو من توابع الحق الثابت له بالاكراه، لا من أحكام الفعل المتحقق على وجه الاكراه، ثم إن ما ذكرنا واضح
(1) الوسائل باب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه. 461 على القول بكون الرضا ناقلا، وكذلك على القول بالكشف بعد التأمل. وثانيا أنه يدل على أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه لولا الاكراه {1} يرتفع عنه إذا وقع مكرها عليه، كما هو معنى رفع الخطأ والنسيان أيضا، وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه لأن أثر العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه السببية المستقلة لنقل المال. ومن المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الاكراه وهذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه، حيث إنه جزء العلة التامة للملكية لم يكن ثابتا للفعل مع قطع النظر عن الاكراه ليرتفع به إذ المفروض أن الجزئية ثابتة له بوصف الاكراه فكيف يعقل ارتفاعه بالاكراه. وبعبارة أخرى اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه هو اللزوم المنفي بهذا الحديث، والمدعي ثبوته للعقد بوصف الاكراه هو وقوفه على رضا المالك. وهذا غير مرتفع بالاكراه لكن يرد {2} على هذا أن مقتضى حكومة الحديث على الاطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب النفس، فلا يجوز الاستناد إليها لصحة بيع المكره ووقوفه على الرضا اللاحق فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره فيرجع إلى أصالة الفساد، وبعبارة أخرى أدلة صحة البيع تدل على سببية مستقلة، فإذا قيدت بغير المكره لم يبق لها دلالة على حكم المكره بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الأعم من السببية المستقلة كان دليل الاكراه حاكما عليه
463 مقيدا له فلا ينفع اللهم إلا أن يقال إن الاطلاقات المقيدة للسببية مقيدة {1} بحكم الأدلة الأربعة المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل ومع عدم طيب النفس، بالبيع المرضي به سبقه الرضا أو لحقه ومع ذلك فلا حكومة للحديث عليها إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الاكراه له. وأما المرضي به بالرضا اللاحق فإنما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، وهو أصل البيع ولا نقول بتأثيره، بل مقتضى الأدلة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره ووجوب الوفاء به، فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه، والرضا به لاحقا ولازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام. وهذا لا يرتفع بالاكراه لأن الاكراه مأخوذ فيه بالفرض كما ترتفع السببية المستقلة. وهذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا إذ على الأول يكون تمام المؤثر نفسه. وعلى الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد وهو تعقبه للرضا، وكيف كان فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له لا يترتب عليه إلا كونه جزء المؤثر التام. وهذا أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه، ومن الرضا أو وصف تعقبه له فتأمل.
464 بقي الكلام في أن الرضا المتأخر ناقل أو كاشف مقتضى الأصل وعدم حدوث حل مال الغير إلا عن طيب نفسه هو الأول إلا أن الأقوى بحسب الأدلة النقلية هو الثاني كما سيجئ في مسألة الفضولي، وربما يدعي أن مقتضى الأصل هنا. وفي الفضولي هو الكشف لأن مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده من نقل الملك حين صدوره فامضاء الشارع للرضا بهذا المعنى وهو النقل من حين العقد وترتب الآثار عليه لا يكون إلا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل. وفيه أن مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل، إلا أن إنشاءه لما كان في زمان التكلم فإن كان ذلك الانشاء مؤثرا في نظر الشارع في زمان التكلم
465 حدث الأثر فيه وإن كان مؤثرا بعد حصول أمر حدث الأثر بعده، فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر في الحكم ولذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول، أو بعد القبض في الصرف والسلم والهبة أو بعد انقضاء زما الخيار على مذهب الشيخ، غير مناف لمقتضى الايجاب، ولم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة. {1} فإن قلت: حكم الشارع بثبوت الملك، وإن كان بعد الرضا إلا أن حكمه بذلك لما كان من جهة امضائه للرضا بما وقع، فكأنه حكم بعد الرضا بثبوت الملك قبله، قلت: المراد هو الملك شرعا، ولا معنى لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك، وسيأتي توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء الله تعالى وإن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضى فسخ العقد، فإنه وإن كان حلا للعقد السابق وجعله كأن لم يكن، إلا أنه لا يرتفع به الملكية السابقة على الفسخ، لأن العبرة بزمان حدوثه لا بزمان متعلقه. ثم على القول بالكشف هل للطرف الغير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي إن شاء الله.