شهادة بالولاية في الأذان نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شهادة بالولاية في الأذان - نسخه متنی

سید علی میلانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: الشهادة بالولاية في الأذان
المؤلف: السيد علي الميلاني
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1421
المطبعة:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية - قم - ايران
ردمك: 964-319-267-9
ملاحظات: سلسلة الندوات العقائدية
سلسلة الندوات العقائدية (28)
الشهادة بالولاية في الأذان
السيد علي الحسيني الميلاني
مركز الأبحاث العقائدية

1
الطبعة الأولى - سنة 1421 ه‍

2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المركز:
لا يخفى أننا لا زلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو
الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقة ومفاهيمنا الرفيعة،
مما يستدعي الالتزام الجاد بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد
حالة من المفاعلة الدائمة بين الأمة وقيمها الحقة، بشكل يتناسب
مع لغة العصر والتطور التقني الحديث.
وانطلاقا من ذلك، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع
لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني - مد ظله - إلى
اتخاذ منهج ينتظم على عدة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي
الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائدية المختصة، باستضافة
نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكريها المرموقين، التي تقوم
نوعا على الموضوعات الهامة، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

5
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها، ثم يخضع ذلك
الموضوع - بطبيعة الحال - للحوار المفتوح والمناقشات الحرة
لغرض الحصول على أفضل النتائج.
ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى
شبكة الإنترنت العالمية صوتا وكتابة.
كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها
على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى
أرجاء العالم.
وأخيرا، فإن الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على
شكل كراريس تحت عنوان سلسلة الندوات العقائدية بعد
إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنية اللازمة عليها.
وهذا الكراس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحد من
السلسلة المشار إليها.
سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الأبحاث العقائدية
فارس الحسون

6
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين
والآخرين.
بحثنا في الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان.
تارة نبحث عن هذه المسألة فيما بيننا نحن الشيعة الإمامية
الإثنى عشرية، وتارة نجيب عن سؤال يردنا من غيرنا وعن خارج
الطائفة، ويكون طرف البحث من غير أصحابنا.
فمنهج البحث حينئذ يختلف.
أما في أصحابنا، فلم أجد أحدا، لا من السابقين ولا من
اللاحقين، من كبار فقهائنا ومراجع التقليد، لم أجد أحدا يفتي بعدم
جواز الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، ومن يتتبع

7
ويستقصي أقوال العلماء منذ أكثر من ألف سنة وإلى يومنا هذا،
ويراجع كتبهم ورسائلهم العملية، لا يجد فتوى بعدم جواز هذه
الشهادة.
فلو ادعى أحد أنه من علماء هذه الطائفة، وتجرأ على الفتوى
بالحرمة، أو التزم بترك الشهادة هذه، فعليه إقامة الدليل العلمي
القطعي الذي يتمكن أن يستند إليه في فتواه أمام هذا القول، أي
القول بالجواز، الذي نتمكن من دعوى الإجماع عليه بين
أصحابنا.
وكلامنا مع من هو لائق للإفتاء، وله الحق في التصدي لهذا
المنصب، أي منصب المرجعية في الطائفة، وأما لو لم يكن أهلا
لذلك، فلا كلام لنا معه أبدا.
أما أصحابنا بعد الاتفاق على الجواز:
منهم من يقول باستحباب هذه الشهادة في الأذان، ويجعل هذه
الشهادة جزءا مستحبا مندوبا من أجزاء الأذان، كما هو الحال في
القنوت بالنسبة إلى الصلاة، وهؤلاء هم الأكثر الأغلب من
أصحابنا.
وهناك عدة من فقهائنا يقولون بالجزئية الواجبة، بحيث لو
تركت هذه الشهادة في الأذان عمدا، لم يثب هذا المؤذن على أذانه

8
أصلا ولم يطع الأمر بالأذان.
ومن الفقهاء من يقول بأن الشهادة الثالثة أصبحت منذ عهد
بعيد من شعائر هذا المذهب، ومن هذا الحيث يجب إتيانها في
الأذان.

9
معنى الأذان والشهادة وولاية علي (عليه السلام)
قبل الورود في البحث، عنوان بحثنا الشهادة بولاية أمير
المؤمنين في الأذان، فما هو الأذان؟ وما هي الشهادة؟ وما المراد
من ولاية علي (عليه السلام)؟
الأذان: هو في اللغة العربية وفي القرآن والسنة وفي
الاستعمالات الفصيحة: الإعلان، أي الإعلام، (وأذن في الناس
بالحج) (1) أي أعلمهم بوجوب الحج، وأعلن وجوب الحج (فأذن
مؤذن بينهم) (2) أي أعلن ونادى مناد بينهم، وهكذا في
الاستعمالات الأخرى.
فالأذان أي الإعلان.
الشهادة: هي القول عن علم حاصل عن طريق البصر أو



(1) سورة الحج: 27.
(2) سورة الأعراف: 44.
11
البصيرة، ولذا يعتبر في الشهادة أن تكون عن علم، فالشهادة عن
ظن وشك لا تعتبر، فلو قال أشهد بأن هذا الكتاب لزيد وسئل
أتعلم؟ فإن قال: لا، أظن، ترد شهادته.
وهذا العلم تارة يكون عن طريق البصر فالإنسان يرى بعينه أن
هذا الكتاب مثلا اشتراه زيد من السوق فكان ملكه، وتارة يشهد
الإنسان بشئ ولكن ذلك الشئ لا يرى وإنما يراه بعين البصيرة
فيشهد، كما هو الحال في الشهادة بوحدانية الله سبحانه وتعالى
وبالمعاد والقيامة وغير ذلك من الأمور التي يعلم الإنسان بها علما
قطعيا، فيشهد بتلك الأمور.
ولاية أمير المؤمنين: يعني القول بأولويته بالناس بعد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل.
فإذا ضممنا هذه الأمور الثلاثة، لاحظوا، إذن، نعلن في
الأذان، نعلن ونخبر الناس إخبارا عاما: بأنا نعتقد بأولوية علي
بالناس بعد رسول الله.
هذا معنى الشهادة بولاية علي في الأذان، أي نقول للناس،
نقول للعالم، بأنا نعتقد بولاية علي، بأولويته بالناس بعد رسول الله.
وهذا القول قول عام، نعلن عنه على المآذن وغير المآذن،
ونسمع العالمين بهذا الاعتقاد.

12
وهذا الاعتقاد الذي نحن عليه لم يكن اعتقادا جزافيا
اعتباطيا، وإنما هناك أدلة تعضد هذا الاعتقاد وتدعم هذا الاعتقاد،
فنعلن عن هذا الاعتقاد للعالم، ونتخذ الأذان وسيلة للإعلان عن
هذا الاعتقاد.

13
الإتيان بالشهادة بالولاية لا بقصد الجزئية
إذا لم يكن إعلاننا عن ولايتنا لأمير المؤمنين في الأذان
بقصد جزئية هذه الشهادة في الأذان، فأي مانع من ذلك؟
فإذن، أول سؤال يطرح هنا: إنه إذا لم يكن من قصد هذا
المؤذن أن تكون هذه الشهادة جزءا أصليا، وفصلا من فصول
الأذان، لم يكن من قصده هذا، وإنما يريد أن يعلن للعالم عن
اعتقاده بأولوية علي بالناس بعد رسول الله، ما المانع من هذا؟ هل
من مانع كتابا؟ هل من مانع سنة؟ هل من مانع عقلا؟
فعلى من يدعي المنع إقامة الدليل.
ولذا قرر علماؤنا، أن ذكر الله سبحانه بعد الشهادة الأولى بما
هو أهله، وذكر النبي بعد الشهادة الثانية بالصلاة والسلام عليه مثلا،
مستحب، وأن تكلم المؤذن بكلام عادي في أثناء الأذان جائز، ولا
يضر بأذانه، فكيف إذا كان كلامه ومقصده الإعلان عن ولاية أمير

15
المؤمنين، وهو يعتقد بأن الشهادة برسالة رسول الله إن لم تكن هذه
الشهادة ملحقة ومكملة بالشهادة بولاية علي، فتلك الشهادة
ناقصة؟
فهو يريد بهذا الإعلان أن يكمل شهادته برسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وبألوهية الباري سبحانه وتعالى، فإذا لم يثبت المنع، وحتى إذا لم
يكن عندنا دليل على الجواز، فمجرد أصالة عدم المنع، ومجرد
أصالة الإباحة تكفي، تكفي هذه الأصول العملية العقلية والنقلية
على جواز هذا الإعلان في الأذان.
فحينئذ، يطالب المانع والمدعي للمنع بإقامة دليل على عدم
الجواز، وحينئذ يعود المنكر والمستنكر لذكر الشهادة بالولاية في
الأذان مدعيا بعد أن كان منكرا، وتكون وظيفته إقامة البينة على
دعواه، من كتاب أو سنة أو غير ذلك.
لقائل أن يقول: إذا كان هذا المؤذن يرى نقصان الأذان حال
كونه فاقدا للشهادة الثالثة، ويريد أن يكمله بهذه الشهادة، لكون
الولاية من أصول اعتقاداته، ويريد الإعلان عن هذا الأصل
الاعتقادي في أذانه، فليعلن عن المعاد أيضا، لأن الاعتقاد بالمعاد
من الأصول، وليعلن أيضا عن إمامة سائر الأئمة، لأنه يرى إمامتهم
أيضا، لا إمامة علي فقط.

16
لكن هذا الاعتراض غير وارد:
إذ لا خلاف ولا نزاع في ضرورة الاعتقاد بالمعاد، كما أن من
الواضح أن إمامة سائر الأئمة فرع على إمامة علي (عليه السلام)، وإذا ثبت
الأصل ثبتت إمامة بقية الأئمة، وكما كان لمنكر ولاية علي دواع
كثيرة على إخفاء هذا المنصب لأمير المؤمنين، فلا بد وأن يكون
لمن يثبت هذا الأمر ويعتقد به، أن يكون له الداعي القوي الشديد
على الإعلان عنه.
ليس المقصود أن نبحث عن فصول الأذان، وأن أي شئ من
فصول الأذان، وأي شئ ليس من فصوله، لكي نأتي إلى البحث
عن المعاد ونقول لماذا لا يعلن عن المعاد في الأذان مثلا؟ وإنما كان
المقصود أن هذا المؤذن الشيعي الإمامي يرى بأن الشهادة برسالة
رسول الله بدون الشهادة بولاية علي ليست بشهادة، إنه يريد
الإعلان عن معتقده الكامل التام، والشهادة برسالة رسول الله بلا
شهادة بولاية علي تساوي عدم الشهادة برسالة رسول الله في نظر
الشيعي.
وإلى الآن ظهر أن مقتضى الأصل، مقتضى القاعدة الجواز
والإباحة مع عدم قصد الجزئية.
إنما الكلام فيما لو أتى بهذه الشهادة بقصد الجزئية، حينئذ

17
يأتي دور مانعية توقيفية الأذان، لأن الأذان ورد من الشارع
المقدس بهذه الكيفية الخاصة، بفصول معينة وبحدود مشخصة،
فإضافة فصل أو نقص فصل من الأذان، خلاف الشرع وخلاف ما
نزل به جبرئيل ونزل به الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حينئذ يحصل
المانع عن الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان بقصد الجزئية، وعلى
من يريد أن يأتي بها بقصد الجزئية أن يقيم الدليل المجوز، وإلا
لكان بدعة، لكان إتيانه
بالشهادة الثالثة إدخالا في الدين لما ليس
من الدين.

18
الإتيان بالشهادة بالولاية
بقصد الجزئية المستحبة
ونحن الآن نتكلم عن الإتيان بالشهادة الثالثة بقصد الجزئية
المستحبة، والاستحباب حكم من الأحكام الشرعية، لا بد وأن
يكون المفتي عنده دليل على الفتوى بالاستحباب، وإلا لكانت
فتواه بلا علم، وتكون افتراء على الله سبحانه وتعالى، مضافا إلى
خصوصية الأذان وكون الأذان توقيفيا.
ففي مسألتنا مشكلتان في الواقع:
المشكلة الأولى: إن المؤذن مع الشهادة الثالثة بقصد الجزئية
المستحبة، يحتاج إلى دليل قائم على الاستحباب، وإلا ففتواه
بالاستحباب أو عمله هذا يكون محرما، لأنها فتوى بلا دليل،
كسائر المستحبات في غير الأذان، لو أن المفتي يفتي باستحباب
شئ وبلا دليل، هذا لا يجوز، وهو افتراء على الله عز وجل.

19
المشكلة الثانية: في خصوص الأذان، لأن الأذان أمر توقيفي،
فإضافة شئ فيه أو نقص شئ منه، تصرف في الشريعة، وهذه
بدعة، فيلزم على القائل بالجزئية الاستحبابية أو المستحبة إقامة
الدليل.
الدليل المخرج عن كون هذه الشهادة بدعة، لا يخلو من ثلاثة
أمور، أو ثلاثة طرق:
الأول: أن يكون هناك نص خاص، يدل على استحباب إتيان
الشهادة الثالثة في الأذان.
الثاني: أن يكون هناك دليل عام أو دليل مطلق، يكون موردنا -
أي الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان - من مصاديق ذلك
العام، أو من مصاديق ذلك المطلق.
الثالث: أن يكون هناك دليل ثانوي، يجوز لنا الإتيان بالشهادة
الثالثة في الأذان.
أما النص، فواضح، مثلا: يقول الشارع المقدس: الخمر حرام،
يقول الشارع المقدس: الصلاة واجبة، هذا نص وارد في خصوص
الموضوع الذي نريد أن نبحث عنه، وهو الخمر مثلا، أو الصلاة
مثلا.
وأما الدليل العام أو المطلق، فإنه غير وارد في خصوص ذلك

20
الموضوع أو الشئ الذي نريد أن نبحث عن حكمه، وإنما ذلك
الشئ يكون مصداقا لهذا العام، يكون مصداقا لهذا المطلق، مثلا:
نحن عندنا إطلاقات أو عمومات فيها الأمر بتعظيم وتكريم
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا شك عندنا هذه الإطلاقات والعمومات، وحينئذ
فكل فعل يكون مصداقا لتعظيم رسول الله، يكون مصداقا لإظهار
الحب لرسول الله، يكون مصداقا لاحترام رسول الله، يكون ذلك
الفعل موضوعا لحكم التعظيم والاحترام والتكريم له، لانطباق هذا
العام أو المطلق عليه، وإن لم يكن لذلك الفعل بالخصوص نص
خاص، ولذا نزور قبر النبي، لذا نقبل ضريح النبي، لذا إذا ذكر اسمه
نحترم اسمه المبارك، وهكذا سائر الأمور، مع أن هذه الأمور
واحدا واحدا لم يرد فيها نص، لكن لما كانت مصاديق للعناوين
المتخذة موضوعات لتلك الأدلة العامة أو المطلقة، فلا ريب في
ترتب الحكم على كل فرد من الأمور المذكورة، وهذا مما لم يفهمه
الوهابيون، ولذا يرمون المسلمين عندما يحترمون رسول الله،
يرمونهم بما يرمون.
وأما الدليل الثانوي، وهو الطريق الثالث، الدليل الثانوي فيما
نحن فيه: قاعدة التسامح في أدلة السنن، هذه قاعدة استخرجها

21
علماؤنا وفقهاؤنا الكبار، من نصوص (1) مفادها أن من بلغه ثواب
على عمل فعمل ذلك العمل برجاء تحصيل ذلك الثواب، فإنه يعطى
ذلك الثواب وإن لم يكن ما بلغه صحيحا، وإن لم يكن رسول الله قال
ما بلغ هذا الشخص.
والنصوص الواردة في هذا المورد التي يستفاد منها هذه
القاعدة عند المشهور بين فقهائنا، فيها ما هو صحيح سندا وتام
دلالة، وعلى أساس هذه القاعدة أفتى الفقهاء باستحباب كثير من
الأشياء مع عدم ورود نص خاص فيها، ومع عدم انطباق عمومات
أو مطلقات على تلك الأشياء.
إذن بأحد هذه الطرق تنتهي الفتوى بالاستحباب إلى الشارع
المقدس، وإذا انتهى الشئ إلى الشارع المقدس أصبح من الدين،
ولم يكن مما ليس من الدين، ليكون إدخالا لما ليس من الدين في
الدين فيكون بدعة.
وبعد بيان هذه المقدمة، ومع الالتفات إلى أن القاعدة المذكورة
قاعدة ورد فيها النص من طرقنا ومن طرق أهل السنة أيضا، وهي
قاعدة مطروحة عندهم أيضا، والحديث عن رسول الله بهذا



(1) وسائل الشيعة ج 1 باب 18 في أبواب مقدمات العبادات.
22
المضمون وارد في كتبهم، كما في فيض القدير (1).
وبعد، على من يقول بجزئية الشهادة الثالثة في الأذان جزئية
استحبابية أن يقيم الدليل على مدعاه بأحد هذه الطرق أو بأكثر من
واحد منها، وسأذكر لكم أدلة القوم، وسأبين لكم أن كثيرا منها ورد
من طرق أهل السنة أيضا، مما ينتهي إلى اطمئنان الفقيه ووثوقه
باستحباب هذا العمل.



(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 6 / 95.
23
الاستدلال بالسنة على استحباب الشهادة
بالولاية في الأذان
في بعض كتب أصحابنا، عن كتاب السلافة في أمر الخلافة،
للشيخ عبد الله المراغي المصري: إن سلمان الفارسي ذكر في الأذان
والإقامة الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدخل رجل على رسول الله فقال: يا رسول الله،
سمعت أمرا لم أسمع به قبل هذا، فقال رسول الله: ما هو؟ قال:
سلمان شهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولاية لعلي،
فقال: سمعتم خيرا.
وعن كتاب السلافة أيضا: إن رجلا دخل على رسول الله
فقال: يا رسول الله، إن أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة
الشهادة بالولاية لعلي ويقول: أشهد أن عليا ولي الله، فقال:
كذلك، أو نسيتم قولي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي
مولاه؟ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه!!

25
. هذان خبران عن هذا الكتاب.
إن تسألوني عن رأيي في هذا الكتاب، وفي هذين الخبرين،
فإني لا يمكنني الجزم بصحة هذين الخبرين، لأني بعد لم أعرف
هذا الكتاب، ولم أطلع على سند هذين الخبرين، ولم أعرف بعد
مؤلف هذا الكتاب، إلا أني مع ذلك لا يجوز لي أن أكذب، لا أفتي
على طبق هذين الخبرين، ولكني أيضا لا أكذب هذين الخبرين.
وفي كتاب الاحتجاج، في احتجاجات أمير المؤمنين (عليه السلام)
على المهاجرين والأنصار، هذه الرواية يستشهد بها علماؤنا بل
يستدلون بها في كتبهم الفقهية، أقرأ لكم نص الرواية:
وروى القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هؤلاء -
أي السنة - يروون حديثا في أنه لما أسري برسول الله رأى على
العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق،
فقال (عليه السلام): سبحان الله، غيروا كل شئ حتى هذا؟ قلت: نعم،
قال (عليه السلام): إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه: لا إله إلا الله
محمد رسول الله علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الماء
كتب في مجراه: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين،
ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه: لا إله إلا الله
محمد رسول الله علي أمير المؤمنين، وهكذا لما خلق الله عز وجل

26
اللوح، ولما خلق الله عز وجل جبرئيل، ولما خلق الله عز وجل
الأرضين - إلى قضايا أخرى، فقال في الأخير: قال (عليه السلام): ولما خلق
الله عز وجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير
المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر، فإذا قال أحدكم: لا إله
إلا الله محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين.
هذه الرواية في كتاب الاحتجاج (1).
الخبران السابقان كانا نصين في المطلب، إلا أني توقفت عن
قبولهما.
هذا الخبر ليس بنص، وإنما يدل على استحباب ذكر أمير
المؤمنين بعد رسول الله في الأذان، بعمومه وإطلاقه، لأن الإمام (عليه السلام)
قال: فإذا قال أحدكم - في أي مكان، في أي مورد، قال أحدكم
على إطلاقه وعمومه - لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل: علي
أمير المؤمنين، والأذان أحد الموارد، فتكون الرواية هذه منطبقة
على الأذان.
وقد قلنا إن في كل مورد نحتاج إلى دليل، لا يلزم أن يكون
الدليل دليلا خاصا واردا في ذلك المورد بخصوصه، وهذا الدليل



(1) الاحتجاج للشيخ أبي منصور الطبرسي: 158.
27
ينطبق على موردنا، وهو الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان
بعمومه، فمن ناحية الدلالة لا إشكال.
يبقى البحث في ناحية السند، فروايات الاحتجاج مرسلة،
ليس لها أسانيد في الأعم الأغلب، صاحب الاحتجاج لا يذكر
أسانيد رواياته في هذا الكتاب، وحينئذ من الناحية العلمية لا
يتمكن الفقيه أن يعتمد على مثل هكذا رواية، حتى يفتي
بالاستحباب، لكن هنا أمران:
الأمر الأول: إن الطبرسي يذكر في مقدمة كتابه يقول: بأني وإن
لم أذكر أسانيد الروايات، وترونها في الظاهر مرسلة، لكن هذه
الروايات في الأكثر روايات مجمع عليها، روايات مشهورة بين
الأصحاب، معمول بها، ولذلك استغنيت عن ذكر أسانيدها، فيكون
هذا الكلام منه شهادة في اعتبار هذه الرواية.
الأمر الثاني: قد ذكرنا في بدء البحث، أنا لم نجد أحدا من
فقهائنا يقول بمنع الشهادة الثالثة في الأذان، حينئذ، يكون علماؤنا
قد أفتوا على طبق مفاد هذه الرواية، وإذا كانوا قد عملوا بهذه
الرواية حتى لو كانت مرسلة، فعمل المشهور برواية مرسلة أو
ضعيفة يكون جابرا لسند تلك الرواية، ويجعلها رواية معتبرة قابلة
للاستنباط والاستدلال في الحكم الشرعي، وهذا مسلك كثير من

28
علمائنا وفقهائنا، فإنهم إذا رأوا عمل المشهور برواية مرسلة أو
ضعيفة، يجعلون عملهم بها جابرا لسند تلك الرواية، وهذا ما يتعلق
بسند رواية الاحتجاج.
مضافا إلى هذا، فإنا نجد في روايات أهل السنة ما يدعم مفاد
هذه الرواية، وهذا مما يورث الاطمئنان بصدورها عن
المعصوم (عليه السلام).
لاحظوا، أقرأ لكم بعض الروايات:
الرواية الأولى:
عن أبي الحمراء، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لما أسري بي إلى
السماء، إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله
أيدته بعلي.
هذا على العرش مكتوب، وقد وجدنا في هذه الرواية أيضا أن
على العرش مكتوب اسم أمير المؤمنين.
هذه الرواية في الشفاء للقاضي عياض (1)، وفي المناقب لابن
المغازلي (2)، وفي الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة (3)،



(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 138 - ط الآستانة.
(2) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الواسطي: 39.
29
وفي نظم درر السمطين (4)، وفي مجمع الزوائد (5)، وفي الخصائص
الكبرى للسيوطي (6).
هذا الحديث موجود في هذه المصادر وغير هذه المصادر.
فإذا كانت الرواية مقبولة عند المسلمين، عند الطرفين
المتخاصمين، أعتقد أن الإنسان يحصل له وثوق بصدور هذه
الرواية.
الرواية الثانية:
ما أخرجه جماعة منهم الطبراني بالإسناد عن جابر بن عبد الله
الأنصاري، قال: قال رسول الله: مكتوب على باب الجنة: محمد
رسول الله علي بن أبي طالب أخو رسول الله، هذا قبل أن يخلق الله
السماوات والأرض بألفي عام.
هذه رواية الطبراني وغيره، بسند فيه بعض الأكابر وأئمة
الحفاظ، وهي موجودة في غير واحد من المصادر المهمة (7)



(3) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة 2 / 172.
(4) نظم درر السمطين: 120.
(5) مجمع الزوائد 9 / 121.
(6) الخصائص الكبرى 1 / 7، الدر المنثور 4 / 153.
(7) كنز العمال 11: 624، المناقب للخوارزمي: 87.
30
الرواية الثالثة:
عن ابن مسعود، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أتاني ملك فقال: يا
محمد (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) (1) على ما بعثوا،
قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي
طالب.
فالأنبياء السابقون بعثوا على ولاية رسول الله وأمير المؤمنين
من بعده، أي كلفوا بإبلاغ هذا الأمر إلى أممهم.
هذا الحديث تجدونه في كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم
النيسابوري (2) وقد وثق راويه، وأيضا هو في تفسير الثعلبي بتفسير
الآية المباركة، ورواه أيضا أبو نعيم الإصفهاني في كتاب منقبة
المطهرين، وغيرهم من الحفاظ.
الرواية الرابعة:
عن حذيفة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لو علم الناس متى سمي علي
أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين
الروح والجسد، قال الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من



(1) سورة الزخرف: 45.
(2) معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري صاحب المستدرك: 96.
31
ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) (1) قالت
الملائكة: بلى، فقال: أنا ربكم، محمد نبيكم، علي أميركم
فهذا ميثاق أخذه الله سبحانه وتعالى.
والرواية في فردوس الأخبار للديلمي (2).
ذكرت هذه الروايات من كتب السنة، لتكون مؤيدة لرواية
الاحتجاج، بعد البحث عن سندها ودلالتها.
نرجع إلى أصل المطلب:
قال الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب النهاية في الفتوى:
فأما ما روي في شواذ الأخبار من القول إن عليا ولي الله وآل محمد
خير البرية، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به
كان مخطئا.
هذه عبارته في النهاية (3).
وماذا نفهم من هذه العبارة؟ أن هناك بعض الروايات الشاذة
تقول بأن الشهادة بولاية أمير المؤمنين من الأذان، لكن الشيخ
يقول: هذا مما لا يعمل عليه، ثم يقول: فمن عمل به كان مخطئا.



(1) سورة الأعراف: 172.
(2) فردوس الأخبار للديلمي 3 / 399.
(3) النهاية في مجرد الفتوى: 69.
32
إذن، عندنا روايات أو رواية شاذة تدل على هذا المعنى، لكن
الشيخ يقول لا نعمل بها، الشاذ من الروايات في علم دراية
الحديث، لو تراجعون الكتب التي تعرف الشاذ من الأخبار
والشذوذ، يقولون الشاذ من الخبر هو الخبر الصحيح الذي جاء في
مقابل أخبار صحيحة وأخذ العلماء بتلك الأخبار، فهو صحيح
سندا لكن العلماء لم يعملوا بهذا الخبر، وعملوا بالخبر المقابل له،
وهذا نص عبارة الشيخ، مما لا يعمل عليه.
إذن، عندنا رواية معتبرة تدل على هذا، والشيخ الطوسي لا
يعمل، يقول: مما لا يعمل عليه، ثم يقول: فمن عمل به كان مخطئا
ومقصوده من هذا: أن الرواية تدل على الجزئية بمعنى وجوب
الإتيان، وهذا مما لا عمل عليه.
هذا صحيح، وبحثنا الآن في الجزئية المستحبة.
ولاحظوا عبارته في كتابه الآخر، أي في كتاب المبسوط،
يقول في المبسوط الذي ألفه بعد النهاية يقول هناك: فأما قول أشهد
أن عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية على ما ورد في شواذ
الأخبار، فليس بمعول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم
به (1).



(1) المبسوط في فقه الإمامية 1 / 99.
33
فلو كان الخبر ضعيفا أو مؤداه باطلا لم يقل الشيخ لم يأثم به.
معنى هذا الكلام أن السند معتبر، والعمل به بقصد الجزئية
الواجبة لا يجوز، وأما بقصد الجزئية المستحبة فلا إثم فيه، لم يأثم
به، غير أنه ليس من فصول الأذان.
فهذه إذن رواية صحيحة، غير أنهم لا يعملون بها بقصد الجزئية
الواجبة، هذا صحيح، وبحثنا في الجزئية المستحبة.
رواية أخرى في غاية المرام: عن علي بن بابويه الصدوق،
عن البرقي، عن فيض بن المختار - هذا ثقة والبرقي ثقة، وابن
بابويه معروف - عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده رسول
الله، في حديث طويل، قال: يا علي ما أكرمني بكرامة - أي الله
سبحانه وتعالى - إلا أكرمك بمثلها.
الروايات السابقة التي رويناها عن الشيخ الطوسي وغير
الشيخ الطوسي تكون نصا في المسألة، لكن هذه الرواية التي
قرأتها الآن تدل بالعموم والإطلاق، لأن ذكر رسول الله في الأذان
من إكرام الله سبحانه وتعالى لرسول الله، من جملة إكرام الله سبحانه
وتعالى لرسوله أن جعل الشهادة بالرسالة في الأذان وما أكرمني
بكرامة إلا أكرمك بمثلها، فتكون النتيجة: إكرام الله سبحانه
وتعالى عليا بذكره والشهادة بولايته في الأذان.

34
وسأذكر لكم بعض النصوص المؤيدة من كتب السنة أيضا.
رواية أخرى يرويها السيد نعمة الله الجزائري المحدث، عن
شيخه المجلسي، مرفوعا، هذه الرواية مرفوعة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
يا علي إني طلبت من الله أن يذكرك في كل مورد يذكرني
فأجابني واستجاب لي.
في كل مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه، والأذان من جملة
الموارد، ويمكن الاستدلال بهذه الرواية.
ومن شواهدها من كتب السنة:
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: ما سألت ربي شيئا في صلاتي إلا أعطاني،
وما سألت لنفسي شيئا إلا سألت لك.
هذا في الخصائص (1) للنسائي، وفي مجمع الزوائد (2)، وفي
الرياض النضرة (3)، وفي كنز العمال (4).
حديث آخر: أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره
لنفسي.



(1) خصائص علي: 262 ط المحمودي.
(2) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 / 110.
(3) الرياض النضرة في مناقب العشرة 2 / 213.
(4) كنز العمال 13 / 113.
35
هذا في صحيح الترمذي (1).
ومن الروايات: ما يرويه الشيخ الصدوق في أماليه، بسنده عن
الصادق (عليه السلام)، قال: إنا أول أهل بيت نوه الله بأسمائنا، إنه لما خلق الله
السماوات والأرض أمر مناديا فنادى: أشهد أن لا إله إلا الله - ثلاثا -
وأشهد أن محمدا رسول الله - ثلاثا - وأشهد أن عليا أمير المؤمنين
حقا حقا (2).
في الشهادة بولاية أمير المؤمنين توجد كلمة حقا حقا، وهذا
إنما هو لدفع المخالفين دفعا دفعا!!
وفي البحار، عن الكليني رحمه الله في كتاب الروضة، عن ابن
عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قال لا إله
إلا الله تفتحت له أبواب السماء، ومن تلاها بمحمد رسول الله تهلل وجه الحق
واستبشر بذلك، ومن تلاها بعلي ولي الله غفر الله له ذنوبه ولو كانت
بعدد قطر المطر (3).
وفي رواية - وهذه الرواية عجيبة إنصافا - إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بعد أن وضعوا فاطمة بنت أسد في القبر، لقنها بنفسه، فكان مما



(1) صحيح الترمذي 2 / 79 ط الصاوي بمصر.
(2) الأمالي للشيخ الصدوق: 701.
(3) بحار الأنوار 38 / 318.
36
لقنها به ولاية علي بن أبي طالب ولدها.
هذا في خصائص أمير المؤمنين (1) للشريف الرضي، وفي
الأمالي (2) للصدوق.
وأرى أن هذا الخبر هو قطعي، هذا باعتقادي، وحتى فاطمة
بنت أسد يجب أن تكون معتقدة بولاية أمير المؤمنين وشاهدة
بذلك وتسأل عن ذلك أيضا.
هذه بعض الروايات التي يستدل بها أصحابنا في هذه المسألة،
منها ما هو نص وارد في خصوص المسألة، ومنها ما هو عام
ومطلق، وهناك روايات كثيرة عن طرق أهل السنة في مصادرهم
المعتبرة تعضد هذه الروايات وتؤيدها وتقويها في سندها
ودلالاتها.
وحينئذ نقول بأن هذه الروايات إن كانت دالة على استحباب
الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان - إما بالنص، وإما بانطباق
الكبريات والإطلاقات على المورد، ونستدل عن هذا الطريق
ونفتي - فبها، ولو تأمل متأمل ولم يوافق، لا على ما ورد نصا، ولا
على ما ورد عاما ومطلقا، فحينئذ يأتي دور الطريق الآتي.



(1) خصائص أمير المؤمنين للشريف الرضي: 35.
(2) الأمالي للشيخ الصدوق: 391.
37
الاستدلال بقاعدة التسامح في أدلة السنن
ما روي من أن من بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلك
الثواب كتب له وإن لم يكن الأمر كما بلغه.
وهذا لا إشكال فيه قطعا على مبنى المشهور بين أصحابنا، لأن
أصحابنا وكبار فقهائنا منذ قديم الأيام يستخرجون من هذه
الروايات قاعدة التسامح في أدله السنن، ويفتون على أساس هذه
القاعدة باستحباب كثير من الأمور.
نعم نجد بعض مشايخنا وأساتذة مشايخنا كالسيد الخوئي
رحمة الله عليه، هؤلاء يستشكلون في هذا الاستدلال، أي
استخراج واستنباط القاعدة من هذه الروايات، ويقولون بأن هذه
الروايات لا تدل على قاعدة التسامح في أدلة السنن، وإنما تدل
هذه الروايات على أن الإنسان إذا أتى بذلك العمل برجاء حصول
الثواب الخاص يعطى ذلك الثواب، وإن لم يكن رسول الله قاله،

39
فحينئذ يأتي بهذا العمل برجاء المطلوبية.
فليكن، أيضا نفتي بحسن الشهادة الثالثة في الأذان من باب
رجاء المطلوبية.
إلا أن هذا القول قول مشايخنا وأساتذتنا وأساتذة أساتذتنا،
هؤلاء المحققين المتأخرين، وإلا فالمشهور بين الأصحاب هو
العمل بقاعدة التسامح بأدلة السنن، وعلى أساس هذه القاعدة
يفتون باستحباب كثير من الأمور.

40
خاتمة البحث
فائدة صغيرة:
وهنا فائدة صغيرة، أذكرها لكم، جاء في السيرة الحلبية ما
نصه: وعن أبي يوسف [أبو يوسف هذا تلميذ أبي حنيفة إمام
الحنفية]: لا أرى بأسا أن يقول المؤذن في أذانه: السلام عليك أيها
الأمير ورحمة الله وبركاته، يقصد خليفة الوقت أيا كان ذلك الخليفة.
لاحظوا بقية النص: لا أرى بأسا أن يقول المؤذن السلام عليك
أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة، حي على الفلاح،
الصلاة يرحمك الله.
ولذا كان مؤذن عمر بن عبد العزيز يفعله ويخاطب عمر بن
عبد العزيز في الأذان الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،
السلام عليكم يا أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة،
حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، لا أرى بأسا
في هذا.

41
فإذا لم يكن بأس في أن يخاطب المؤذن خليفة الوقت وأمير
مؤمنينهم في الأذان بهذا الخطاب، فالشهادة بولاية أمير المؤمنين
حقا لا أرى أن يكون فيها أي بأس، بل إنه من أحب الأمور إلى الله
سبحانه وتعالى، ولو تجرأنا وأفتينا بالجزئية الواجبة فنحن حينئذ
ربما نكون في سعة، لكن هذا القول أعرض عنه المشهور، وكان
مما لا يعمل به بين أصحابنا.
تصرفات أهل السنة في الأذان:
وأما أهل السنة، فعندهم تصرفان في الأذان:
التصرف الأول: حذف حي على خير العمل.
التصرف الثاني: إضافة الصلاة خير من النوم.
ولم يقم دليل عليهما.
هذا في شرح التجريد للقوشچي الأشعري (1)، وأرسله إرسال
المسلم، وجعل يدافع عنه، كما أنه يدافع عن المتعتين.
فمن هذا يظهر أن حي على خير العمل كان من صلب
الأذان في زمن رسول الله، وعمر منع عنه كالمتعتين.



(1) شرح التجريد للقوشچي، مبحث الإمامة.
42
ويدل على وجود حي على خير العمل في الأذان في زمن
رسول الله وبعد زمنه: الحديث في كنز العمال، كتاب الصلاة (1) عن
الطبراني: كان بلال يؤذن في الصبح فيقول: حي على خير العمل.
وكذا هو في السيرة الحلبية (2)، وذكر أن عبد الله بن عمر
والإمام السجاد (عليه السلام) كانا يقولان في أذانهما حي على خير العمل.
وأما الصلاة خير من النوم فعندهم روايات كثيرة على أنها
بدعة، فراجعوا (3).
الشهادة بالولاية شعار المذهب:
بعد أن أثبتنا الجزئية الاستحبابية للشهادة الثالثة في الأذان،
فلا يقولن أحد أن هذه الشهادة في الأذان إذا كانت مستحبة،
والمستحب يترك، ولا مانع من ترك المستحب، فحينئذ نترك هذا
الشئ.
هذا التوهم في غير محله.
لأن هذا الأمر والعمل الاستحبابي، أصبح شعارا للشيعة، ومن



(1) كنز العمال 8 / 342.
(2) السيرة الحلبية 2 / 305.
(3) كنز العمال 8 / 356 - 357.
43
هنا أفتى بعض كبار فقهائنا كالسيد الحكيم رحمة الله عليه في كتاب
المستمسك بوجوب الشهادة الثالثة في الأذان، بلحاظ أنه شعار
للمذهب، وتركه يضر بالمذهب، وهذا واضح، لأن كل شئ أصبح
شعارا للمذهب فلا بد وأن يحافظ عليه، لأن المحافظة عليه
محافظة على المذهب، وكل شئ أصبح شعارا لهذا المذهب فقد
حاربه المخالفون لهذا المذهب بالقول والفعل.
وكم من نظير لهذا الأمر، فكثير من الأمور يعترفون بكونها من
صلب الشريعة المقدسة، إلا أنهم في نفس الوقت يعترفون بأن هذا
الشئ لما أصبح شعارا للشيعة فلا بد وأن يترك، لأنه شعار للشيعة،
مع اعترافهم بكونه من الشريعة بالذات.
أقرأ لكم بعض الموارد بسرعة:
في كتاب الوجيز للغزالي في الفقه، وهكذا في شرح الوجيز
وهو فتح العزيز في شرح الوجيز في الفقه الشافعي، هناك ينصون
على أن تسطيح القبر أفضل من تسنيمه، إلا أن التسطيح لما أصبح
شعارا للشيعة فلا بد وأن يترك هذا العمل.
ونص العبارة: وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر: رأيت قبور
النبي وأبي بكر وعمر مسطحة، وقال ابن أبي هريرة: إن الأفضل
الآن العدول من التسطيح إلى التسنيم، لأن التسطيح صار شعارا

44
للروافض، فالأولى مخالفتهم (1).
وأيضا: عن الزمخشري في تفسيره، بتفسير قوله تعالى: (هو
الذي يصلي عليكم وملائكته) (2)، يقول: إن مقتضى الآية جواز
الصلاة على آحاد المسلمين، هذا تصريح الزمخشري في تفسيره،
لكن لما اتخذت الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه.
فنحن نقول: صلى الله عليك يا أمير المؤمنين، وكذا غير أمير
المؤمنين من الأئمة، حينما نقول هذا فهو شئ يدل عليه الكتاب
يقول: إلا أن الشيعة لما اتخذت هذا لأئمتهم منعناه.
في مسألة التختم باليمين، ينصون على أن السنة النبوية أن
يتختم الرجل باليمين، لكن الشيعة لما اتخذت التختم باليمين
شعارا لهم، أصبحوا يلتزمون بالتختم باليسار.
نص العبارة: أول من اتخذ التختم باليسار خلاف السنة هو
معاوية (3).
وبالنسبة إلى السلام على غير الأنبياء يقول ابن حجر في فتح
الباري - لاحظوا هذه العبارة -: تنبيه: اختلف في السلام على غير



(1) فتح العزيز في شرح الوجيز، ط مع المجموع للنووي 5 / 229.
(2) سورة الأحزاب: 43.
(3) ربيع الأبرار 4 / 24.
45
الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل يشرع
مطلقا، وقيل: بل تبعا ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة،
ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني (1).
في السنة في العمامة، في كيفية لف العمامة، السنة أن تلف
العمامة كما كان يلفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا تطبيق السنة، يقولون:
وصار اليوم شعارا لفقهاء الإمامية، فينبغي تجنبه لترك التشبه
بهم (2).
ثم إن الغرض من مخالفة السنة النبوية في جميع هذه المواضع
هو بغض أمير المؤمنين، المحافظ عليها والمروج لها، وقد جاء
التصريح بهذا في بعض تلك المواضع، كقضية ترك التلبية.
لاحظوا نص العبارة: فقد أخرج النسائي والبيهقي عن سعيد
بن جبير قال: كان ابن عباس بعرفة، فقال: يا سعيد مالي لا أسمع
الناس يلبون؟ فقلت: يخافون، فخرج ابن عباس من فسطاطه
فقال: لبيك اللهم لبيك وإن رغم أنف معاوية، اللهم العنهم فقد تركوا
السنة من بغض علي (2).



(1) فتح الباري في شرح البخاري 11 / 142.
(2) شرح المواهب اللدنية 5 / 13.
(3) سنن النسائي 5 / 253، سنن البيهقي 5 / 113.
46
قال السندي في تعليق النسائي: أي لأجل بغضه، أي وهو كان
يتقيد بالسنن، فهؤلاء تركوها بغضا له.
فإذا كان الشئ من السنة، ثم أصبح لكونه من السنة شعارا
للشيعة، يلتزمون بمخالفة ذلك الشعار لكونه شعارا للشيعة، مع
اعترافهم بكونه من السنة.
وهكذا يكون إنكار الشهادة الثالثة محاربة للشيعة والتشيع،
لأن الشهادة الثالثة شعار التشيع والشيعة، ويكون خدمة لغير
الشيعة، ويكون متابعة لما عليه غير الإمامية في محاربتهم
للشعائر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. ي

47
/ 1