بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: حديث " ذكر علي (ع) عبادة " المؤلف: السيد حسن آل المجدد الشيرازي الجزء: الوفاة: معاصر المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية تحقيق: الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: الناشر: ردمك: ملاحظات: الإبادة لحكم الوضع على حديث " ذكر علي عليه السلام عبادة " تأليف السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله تعالى وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وخيرة صحبه. أما بعد: فهذا جزء أفردته للكلام على حديث " ذكر علي عبادة " وبيان رتبته، والرد على من حكم بوضعه وعدم ثبوته، ووسمته ب " الإبادة لحكم الوضع على حديث: ذكر علي عبادة ". والله تعالى أسأل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
1 إعلم - هداك الله وأرشدك، وأيدك بتأييده وسددك - أن هذا الحديث رواه الحسن بن صابر الكسائي الكوفي، عن وكيع بن الجراح، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وقد روي عنه من طريقين: الأول: ما أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (1) قال: أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنبأنا أبو جابر يزيد بن عبد الله، أنبأنا محمد بن عمر الجعابي، أنبأنا عبد الله بن يزيد - أبو محمد - أنبأنا الحسن بن صابر الهاشمي، أنبأنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذكر علي عبادة. وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من هذا الطريق. والثاني: ما أخرجه أبو الحسن بن شاذان في المناقب (2) قال: حدثني القاضي المعافى بن زكريا من حفظه، قال: حدثني إبراهيم بن الفضل، قال: حدثني الفضل بن يوسف، قال: حدثني الحسن بن صابر، قال: حدثني وكيع، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذكر علي بن أبي طالب عبادة. انتهى. وقد اختلف الرادون لهذا الحديث في علته، فأعله قوم من جهة الإسناد، ورده آخرون من جهة المتن، ومنهم من أبطله من كلتا الجهتين، فيقع الكلام معهم في مقامين:
(1) تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) 7 2 / 408 ح 907. (2) المناقب: 128، المنقبة الثامنة والستون. 2 المقام الأول في الكلام على سنده فنقول، وبالله تعالى التوفيق: قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (1): إسناده ضعيف، وكذا قال العزيزي في السراج المنير وكأنهما قلدا في ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير (2) حيث رمز لضعف الحديث. وقال السندروسي في الكشف الإلهي (3): سنده واه، وأخذه الألباني وزاد عليه قوله: جدا (4). قلت: لم يتهموا من رجال الإسناد - في ما وقفت عليه من كلامهم - إلا الحسن بن صابر، وأعلوا الحديث به، وجعلوا الآفة فيه منه، ومعولهم في ذلك كلام ابن حبان فيه، فلنذكره ولنبين زيفه بحول الله وقوته. قال في كتاب المجروحين (5): الحسن بن صابر الكسائي من أهل الكوفة، يروي عن وكيع بن الجراح وأهل بلده، روى عنه العراقيون، منكر
(1) التيسير بشرح الجامع الصغير 2 / 20. (2) الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير 2 / 665 ح 4332. (3) الكشف الإلهي 1 / 358. (4) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 216. (5) كتاب المجروحين 1 / 239. 3 الرواية جدا عن الأثبات، ممن يأتي بالمتون الواهية عن الثقات بأسانيد متصلة. انتهى. ثم ساق له حديثا مرفوعا عن وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. وقال الذهبي بترجمته في ميزان الاعتدال (1): الحسن بن صابر الكسائي عن وكيع، قال ابن حبان: منكر الحديث. انتهى. ولم يتكلم فيه أحد من أئمة الجرح والتعديل سوى ابن حبان، ولم يترجم في غير كتابه، وأما الذهبي فإنه مقلد له في ذلك، فلا اعتداد بكلامه. ومع ذلك فإن جرح ابن حبان للكسائي مردود من وجوه: الأول: أن ابن حبان - هو نفسه - متهم مجروح، بل رمي بالعظائم، ومن قلة حيائه وعدم تعظيمه لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكلمه في علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام، وقوله: إنه يروي عن أبيه العجائب كأنه كان يهم ويخطئ - كما حكاه أبو سعد السمعاني في الأنساب - (2). وعلى من لا يحترم العترة الطاهرة من الله ما يستحقه (3). وحكى الذهبي بترجمته في (الميزان) و (التذكرة) (4) عن أبي عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعية أنه قال: غلط الغلط الفاحش في تصرفاته. قال الذهبي: صدق أبو عمرو، له أوهام يتبع بعضها بعضا. انتهى. قلت: وسيأتي - بعد هذا إن شاء الله - ذكر جملة من أوهامه في نقد الرجال.
(1) ميزان الاعتدال 1 / 496. (2) الأنساب 3 / 74 - الرضا -، تهذيب التهذيب 4 / 244. (3) فتح الملك العلي: 130 - 131. (4) ميزان الاعتدال 3 / 507، تذكرة الحفاظ 3 / 921. 4 ومن كان هذا حاله كيف يعول اللبيب على كلام انفرد به، ولا متابع له عليه إلا من اغتر به؟! فتنبه - يرحمك الله الثاني: أن الجهابذة النقاد، وأئمة الرجال والإسناد قد تكلموا في جرح ابن حبان للرواة، وبينوا غلطه في كثير من أحكامه، فلنسرد هنا نتفا من ذلك، لينجلي لك وهي كلامه، وينكشف خطؤه في حكمه وإبرامه، ولتذعن بصدق ما ادعيناه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فمنها: قوله في أفلح بن سعيد - أبي محمد المدني -: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال. انتهى. وأفلح هذا احتج به مسلم والنسائي، ووثقه ابن معين وابن سعد. وتنزل الذهبي في ميزان الاعتدال (1) للرد عليه، فقال: ربما قصب (2) الثقة حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه. انتهى. ومنها: قوله في سويد بن عمرو الكلبي: كان يقلب الأسانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية. انتهى. ورده الذهبي في (الميزان) (3) فقال: أسرف واجترأ. وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (4): أفحش ابن حبان القول فيه، ولم يأت بدليل. وقد احتج به مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، ووثقه ابن معين
(1) ميزان الاعتدال 1 / 274، تهذيب التهذيب 1 / 233. (2) أي: عاب وشتم، انظر: لسان العرب 11 / 178 مادة " قصب ". (3) ميزان الاعتدال 2 / 53. (4) تقريب التهذيب: 260. 5 والنسائي والعجلي. ومنها: طعنه في عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، وقد احتج به أبو داود والنسائي وابن ماجة، ووثقه ابن معين وابن شاهين. قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1): وأما ابن حبان فإنه يقعقع كعادته، فقال فيه: يروي عن قوم ضعفاء أشياء يدلسها عن الثقات، حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها، فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها بحال. انتهى. وتعقبه الذهبي بأنه لم يرو في ترجمته شيئا، ولو كان عنده له شئ موضوع لأسرع بإحضاره. قال: وما علمت أن أحدا قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا: إنه يدلس عن الهلكى، إنما قالوا: يأتي عنهم بمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع. انتهى. قلت: أمعن نظر الإنصاف والتحقيق في هذا الحرف الأخير من كلامه، وليته بادر للرد على ابن حبان - في ترجمة ابن صابر - بمثل هذا، بل بأقل منه، مع أن القدح فيه أخف وأيسر من جرح الطرائفي، لكن هيهات أن تطاوعه نفسه على ذلك، بل أقر ابن حبان على جرحه المجروح لكون الرجل روى حديث الباب، وتلك (شنشنة أعرفها من أخزم). بل ظني أن الكسائي لو كان يسلم من طعن ابن حبان لما كان يسلم
(1) ميزان الاعتدال 3 / 45 - 46. 6 من لسان ذلك الشامي الخبيث، الذي يغيظ ويستشيط ويأخذه الزمع إذا مر على منقبة من مناقب الإمام علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وأهل البيت الطيبين الطاهرين الكرام (قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) (1). ومن سرح نظره في تراجم رواة الفضائل من (الطبقات) و (الميزان) لشاهد بالعيان كيف يجن الذهبي ويأخذ في وصم الرجل وطعنه وسبه من غير ذنب، عدا روايته الفضائل والمناقب، نسأل الله السلامة من مخازي النواصب. ومنها: قوله في محمد بن الفضل السدوسي - المعروف بعارم - شيخ البخاري، وقد احتج به الستة ووثقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي، وروى عنه البخاري أكثر من مائة حديث، كما حكاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (2) عن (الزهرة) -: اختلط في آخر عمره وتغير حتى كان لا يدري ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه في ما رواه المتأخرون، فإن لم يعلم هذا من هذا ترك الكل، ولا يحتج بشئ منها. انتهى. وتعقبه الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكرا، فأين ما زعم؟! وقال أيضا - بعد ذكر توثيقه عن الدارقطني -: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخساف المتهور؟!
(1) سورة آل عمران 3: 119. (2) تهذيب التهذيب 5 / 269. 7 قلت: فعلم من هذا أن ابن حبان قد يطلق القول في الراوي من دون مستند، فكيف يقبل جرحه للرواة؟! وإذا تأملت ما سقناه لك هنا لا أراك تتوقف في رد كلامه في الحسن ابن صابر، لا سيما وأنه متهم في مثل هذا الكوفي، لأنه روى حديثا في فضل ذكر أمير المؤمنين الإمام علي عليه الصلاة والسلام، وابن حبان وأضرابه ممن لا يطيبون نفسا بسماع ذلك، ولا يطيقون السكوت عليه - كما ستعرف إن شاء الله تعالى -. الثالث: أن ابن حبان له أوهام كثيرة يتبع بعضها بعضا - كما قال الذهبي ، فيذكر الرجل في المجروحين ثم يذكره في الثقات، وهذا تناقض بين، وتسامح غير هين، فلذا أوجبت كثرة أوهامه سقوط كلامه! فمن ذلك: ذكره دهثم بن قران في الكتابين (1)، قال الذهبي في (الميزان) (2 فذكره في الثقات فأساء، وقد ذكره أيضا في الضعفاء فأجاد. ومن ذلك: ذكره زياد بن عبد الله النميري في المجروحين والثقات (3)، قال الذهبي (4): فهذا تناقض. ومن ذلك: ذكره عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت في كتابيه (5)،
(1) المجروحين 1 / 295، الثقات 6 / 293. (2) ميزان الاعتدال 2 / 29. (3) كتاب المجروحين 1 / 306، الثقات 4 / 255 - 256. (4) ميزان الاعتدال 2 / 91. (5) كتاب المجروحين 2 / 55، الثقات 5 / 95. 8 قال الذهبي (1): قال ابن حبان: فحش خلافه للإثبات فاستحق الترك، وذكره أيضا في الثقات، فتساقط قولاه. ومن غرائب أوهامه ما ذكره في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن حبان في كتاب الثقات: " كان متقنا " ثم غفل غفلة شديدة فذكره في الضعفاء، وروى عن البخاري أنه قال: تركناه. قال ابن حجر: وهذا خطأ من ابن حبان: نشأ عن حذف، وذلك أن البخاري إنما قال في تاريخه: " تركناه حيا سنة اثنتي عشرة " فسقط من نسخة ابن حبان لفظة " حيا " فتغير المعنى. انتهى (2). الرابع: أن ابن حبان من المتعنتين المشددين الذين يجرحون الراوي بأدنى جرح، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أولي الألباب، كأبي حاتم والنسائي وابن معين وابن القطان ويحيى القطان وغيرهم، فإنهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنت فيه. ومن كان من الجارحين هذا ديدنه فإن توثيقه معتبر، وجرحه مردود، إلا إذا وافقه غيره ممن ينصف ويعتبر - كما قال أبو الحسنات عبد الحي اللكنوي في الرفع والتكميل (3). قلت: ولم يوافق ابن حبان على جرحه الحسن بن صابر أحد - ولله الحمد
(1) ميزان الاعتدال 2 / 552. (2) التاريخ الكبير 2 / 76 رقم 1743، هدى الساري - مقدمة فتح الباري : 412. (3) الرفع والتكميل: 274. 9 ممن ينصف ويعتبر. وقال أيضا (1): لا يحل لك أن تأخذ بقول كل جارح في أي راو كان، وإن كان ذلك الجارح من الأئمة، أو من مشهوري علماء الأمة، فكثيرا ما يوجد أمر يكون مانعا من قبول جرحه، وحينئذ يحكم برد جرحه. انتهى. وقال في الأجوبة الفاضلة (2): ابن حبان له مبالغة في الجرح في بعض المواضع. قلت: حسبك شهادة هذا الخريت المتضلع والناقد المضطلع دليلا على رد جرح ابن حبان وأمثاله من المتعنتين المشددين، كيف لا (وشهد شاهد من أهلها) (3). الخامس: أن يقال: إن وصف ابن صابر بكونه " منكر الحديث " ماذا أراد به؟ فإن عنى أنه روى حديثا واحدا، فهذا غلط فاحش، لأن ابن حبان نفسه روى له في كتاب المجروحين حديثا آخر غير حديث الترجمة - كما مر - بل ظاهر قوله: " إنه يروي عن أهل بلده " يعني الكوفة، يقتضي تعدد أحاديثه، فتدبر. وإن قصد بقوله: " منكر الحديث " أنه لا تحل الرواية عنه - كما حكي عن البخاري - فإن ذلك جرح مبهم، يرد عليه، إذ لا يعرف للحسن بن
(1) الرفع والتكميل: 265. (2) الأجوبة الفاضلة: 179. (3) سورة يوسف 12: 26. 10 صابر ما يوجب رد حديثه جملة، بل لو صرح ابن حبان بذلك لم يؤخذ به، فقد رد عليه مثله - كما مر آنفا -. وإن أراد بذلك الفرد الذي لا متابع له - كما أطلقه أحمد بن حنبل - فإنه منقوض بمتابعة غيره له - كما سيأتي إن شاء الله تعالى -. على أنه لا يلزم من روايته المناكير - لو سلم - أن يكون ممن لا يحتج به، كما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من (الميزان) (1): ما كل من روى المناكير يضعف. وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (2): لو كان من روى شيئا منكرا استحق أن يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين أحد، لا سيما المكثر منهم. انتهى. وقال ابن دقيق العيد (3): قولهم: " روى مناكير " لا يقتضي بمجرده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته. انتهى. قلت: وأنى لابن حبان إثبات ذلك في حق الكسائي، ومنه تعرف أن رميه الرجل بنكارة الحديث فيه تساهل، بل هو منكر من القول وزور، فلا ينبغي أن يعرج عليه، ولا يركن إليه، والله المستعان. السادس: هب أن ابن حبان صادق في قوله، لكن رمي الراوي بنكارة الحديث لا يوجب بإطلاقه رد حديثه، والحكم عليه بالوضع - كما
(1) ميزان الاعتدال 1 / 118. (2) لسان الميزان 2 / 308. (3) فتح الملك العلي: 135. 11 توهم الخصوم - لأنه لم يتهم بالكذب، ولا بوضع الحديث. قال الشيخ الإمام تقي الدين السبكي: إن مما يجب أن يتنبه له أن حكم المحدثين بالإنكار والاستغراب قد يكون بحسب تلك الطريق، فلا يلزم من ذلك رد متن الحديث. انتهى (1). قلت: وكم من راو قيل فيه " منكر الحديث " أو ما في معناه، ومع ذلك احتج به الشيخان في الصحيحين، وغيرهما من أرباب السنن من دون تريث ولا مبالاة بما وصم به، وهاك منهم على سبيل الإجمال: 1 - أحمد بن شعيب بن سعيد الحبطي، روى له البخاري والنسائي وأبو داود. قال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث، غير مرضي. 2 - وأسيد بن زيد الجمال، روى عنه البخاري في الرقاق. قال ابن حبان: يروي عن الثقات المناكير، ويسرق الحديث، بل قال ابن معين: حدث بأحاديث كذب. 3 - وتوبة بن أبي الأسد العنبري، روى له الشيخان وأبو داود والنسائي. قال الأزدي: منكر الحديث. 4 - وحسان بن حسان - وهو حسان بن أبي عباد البصري - روى عنه البخاري. قال أبو حاتم: منكر الحديث.
(1) شفاء السقام في زيارة خير الأنام: 29. 12 5 - وحميد بن الأسود البصري، روى له البخاري وأصحاب السنن. قال أحمد بن حنبل: ما أنكر ما يجئ به! 6 - وخيثم بن عراك بن مالك الغفاري، روى له البخاري ومسلم والنسائي. قال الأزدي: منكر الحديث. 7 - وعبد الرحمن بن شريح بن عبد الله بن محمود المعافري، احتج به الجماعة. قال ابن سعد: منكر الحديث. 8 - والمفضل بن فضالة القتباني المصري، اتفق الجماعة على الاحتجاج به. قال ابن سعد: منكر الحديث. 9 - وموسى بن نافع الحناط، روى له الشيخان والنسائي وأبو داود. قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث. فلو كان قولهم: " منكر الحديث " موجبا لطرح حديث الراوي للزم إبطال جملة وافرة من أحاديث الكتب الستة وغيرها، ولا يلتزم به منهم أحد. ولما أعل ابن الجوزي حديث أنس - عند الترمذي -: " اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين "، بقوله: لا يصح، لأن فيه الحارث بن النعمان، منكر الحديث، تعقب بأن ذلك لا يقتضي الوضع - كما في تنزيه الشريعة المرفوعة (1) لابن عراق -.
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة 2 / 304. 13 فلو سلمنا قول ابن حبان في الحسن بن صابر وصدقناه، فإن حديثه هذا ليس منكرا، لوجود المتابع، فلا وجه لرد حديثه جملة. ولعل في إيراد ابن حبان حديثا آخر في ترجمته - شاهدا على مقالته - دون حديث الباب إشعارا بما ذكرنا، والله أعلم. وبالجملة: فقوله في الرجل " منكر الحديث " لا يدل على أن كل ما رواه منكر حتى هذا الحديث - كما مر عن الذهبي - بل جاز أن يراد به أن له مناكير وقعت في أحاديثه، كما قالوا ذلك في جماعة، كإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحكم بن عبد الله البصري، والفضل بن موسى السيناني، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي - الذي إليه المرجع في حديث " إنما الأعمال بالنيات " - ومحمد بن طلحة بن مصرف الكوفي. وهؤلاء احتج بهم البخاري وغيره، فتبين فساد رأي من رد الحديث من المتأخرين اغترارا بكلام ابن حبان، وانكشف وهن قول الألباني: إن الحسن هذا متهم، ووهى. وكذا تعقبه على المناوي - إذ أعل حديث الترجمة في فيض القدير (1) بقول ابن حبان -: بأن ذلك يقتضي أن إسناده ضعيف جدا، وأن قوله في التيسير: " إسناده ضعيف " غاية في التقصير (2). هذا مع جزمه سابقا بأن الحديث موضوع (3).
(1) فيض القدير 3 / 565. (2) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 217. (3) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 216. 14 ومن هنا تذعن بضعف هذا الألباني في هذا العلم الشريف وقصوره فيه، وعدم اتباعه للمتقرر عند أهله، إذ حكم على الحديث أولا بأنه موضوع - وهو شر الضعيف، لأنه لا درجة بعده مطلقا - ثم ذكر أن إسناده ضعيف جدا، وهذا تناقض عظيم، وجهل كبير يعلمه طلبة نخبة الفكر، لأن السند الضعيف لا يصل أن يكون به الحديث موضوعا، بل يحتمل أن يكون واهيا يرتفع إلى درجة الضعيف، بخلاف الحديث الموضوع، فإنه لا يرتفع إلى درجة الضعيف مطلقا، ولا تنفع فيه المتابعات والشواهد - كما أفاد شيخنا ابن الصديق أدام الله حراسته (1). السابع: أن مما يكاد أن يقطع به أن ابن حبان لم يقل في ابن صابر " منكر الحديث جدا " إلا لكونه كوفيا روى في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، وهذا عنده ذنب لا يغفر، وبمثله يرمى الرجل بالتشيع فيرد حديثه، وهذه عادة النواصب اللئام - قبحهم الله تعالى وأخزاهم - في أكثر ما روي من مناقب آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقلوبهم المنكرة تنكر ما ثبت في ذلك، حتى إن أحدهم إذا لم يجد مطعنا في الإسناد قال - متعنتا -: في النفس من هذا الحديث شئ، أو: إن القلب ليشهد ببطلانه، وما ذلك إلا من جفائهم للعترة الطاهرة المطهرة، وسعيهم في إطفاء نور الله تعالى - والعياذ بالله . ومن تتبع كلام الغوي الجوزجاني وابن قايماز التركماني وأضرابهما من ألداء النواصب أذعن لما قلنا، أما فضائل خصومهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا ترى فيها شيئا من ذلك التشدد المقيت، والتقول السخيف،
(1) بيان نكث الناكث: 34. 15 وهم أعلم الخلق بكذبها وبطلانها، لكن حب الشئ يعمي ويصم، وهوان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم على هؤلاء الأجلاف الجفاة حملهم على ذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأما قول السندروسي في كتابه الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي (1) - في حديث الباب -: إن سنده واه. فليس بشئ، لأنه فسر الواهي: بأنه ما يوجد في سنده كذابان أو أكثر، قال: يعني في كل طريق من طرقه (2). انتهى. وليت شعري، كيف وهى السند مع عدم اشتماله على كذاب واحد، فضلا عن كذابين، فضلا عن تحقق ذلك في كل طريق من طرقه؟! فناقض بذلك نفسه! وقد تحصل - مما مر - أن ابن صابر الكسائي غير مطعون فيه، وأن جرح ابن حبان إياه بنكارة الحديث - مع تفرده به واختلافهم في قبول الجارح الواحد مردود عليه، لما بينا من حاله في جرح الرواة، ومبلغ ذلك عند الأئمة النقاد. فإن قال قائل: يلزم مما قررت أن يكون الحسن بن صابر في عداد المجهولين. قلنا: لا يضره ذلك، لأن المراد إما جهالة العين أو جهالة الوصف.
(1) الكشف الإلهي 1 / 358. (2) الكشف الإلهي 1 / 65. 16 فإن أريد جهالة العين - وهو غالب اصطلاح أهل هذا الشأن في هذا الإطلاق - فذلك مرتفع عنه، لأنه قد روى عنه عبد الله بن يزيد والفضل بن يوسف القصباني، وبرواية اثنين تنتفي جهالة العين، فكيف برواية العراقيين عنه كما ذكر ابن حبان في ترجمته - مضافا إلى أنه عرفه فوصفه بما ذكره. وإن أريد جهالة الوصف، فغاية الأمر أنه مستور، لأن ظاهر أمره على العدالة، وقد قبل روايته - أعني المستور - جماعة بغير قيد (1) كأبي حنيفة - وتبعه ابن حبان - إذ العدل عنده من لا يعرف فيه الجرح. قال: والناس في أحوالهم على الصلاح والعدالة، حتى يظهر منهم ما يوجب الجرح - كما في شرح الشرح (2) للقاري -. قال أبو عمرو بن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتفردت الخبرة الباطنة بهم (3)، وصححه النووي في شرح المهذب كما في تدريب الراوي (4). وقال في علوم الحديث (5): حكى الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي (6): أنه تقبل رواية المستور وإن لم تقبل
(1) كما في نزهة النظر - شرح " نخبة الفكر " للحافظ ابن حجر -: 100، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2 / 146. (2) شرح الشرح - للقاري -: 154. (3) علوم الحديث: 112. (4) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1 / 268. (5) علوم الحديث: 33. (6) وهو سليم بن أيوب الرازي، كما يعلم من علوم الحديث: 112، جمع الجوامع - لابن السبكي - 2 / 150، المطبوع مع " حاشية البناني " و " تدريب الراوي " - للحافظ السيوطي - 1 / 268. وهو مذهب ابن فورك أيضا، كما في جمع الجوامع 2 / 150. 17 شهادته. قال ابن الصلاح: ولذلك وجه متجه. انتهى. وقال أيضا: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ في ما يرويه، ولا هو متهم بالكذب - أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث - ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد - وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا (1). قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل. انتهى. قلت: فجهالة حال ابن صابر - بل حتى التكلم فيه بنكارة الحديث - لا تضره في المقام، إذ قد توبع على حديثه من طريق حمدان بن المعافى فبان، أنه لم يتفرد به. وقد روى هذه المتابعة الإمام الحافظ الفقيه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب) (2)، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطار - الفقيه الشافعي - بقراءتي عليه فأقر به، قلت: أخبركم أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني - الملقب بابن السقا - الحافظ
(1) علوم الحديث: 31. (2) مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) - لابن المغازلي -: 195 196. 18 الواسطي، قال: حدثني محمد بن علي بن معمر الكوفي، حدثنا حمدان بن المعافى، حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذكر علي عبادة. وهذه متابعة تامة ثبت بها خروج الحسن بن صابر من عهدة الحديث، وزالت عنه التهمة، وظهر أنه لا يدور عليه - خلافا لما توهمه المبطلون -. أما أبو جعفر حمدان بن المعافى الصبيحي، مولى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، فقد روى عن موسى الكاظم عليه السلام وأبي الحسن الرضا عليه السلام، وقد دعوا له. وأما صاحبه أبو الحسين محمد بن علي بن معمر الكوفي، فقد ذكر الشيخ الإمام أبو جعفر الطوسي رحمه الله تعالى في (رجاله): أن التلعكبري سمع منه سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وله منه إجازة. فإن قال قائل: قد قرروا أن الداعية إذا روى ما يؤيد مذهبه فإن حديثه يرد بالإجماع. قلنا: إن هذه حيلة احتالها النواصب - أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم - لرد أحاديث الفضائل والمناقب الواردة في علي وعترته الزكية، فزعموا أن راويها إذا كان متشيعا فإن حديثه مردود، ولكن هذا كله - والله - باطل من رأسه، فلا تشيع الراوي يوجب رد حديثه، ولا روايته في فضل علي وآله. وهل يروي فضائلهم إلا شيعتهم ومحبوهم؟!
19 وهل يعقل أن يحدث بها - عن طوع - من عاداهم وناواهم، ممن أقام دهره على نصبهم وعداوتهم؟! اللهم لا. ولو كان تشيع الراوي قادحا لما أخرج الشيخان في الصحيحين عن جماعة من المتشيعين، وقد جمع الحافظ ابن حجر أسماء من روى لهم البخاري منهم، فسمى نحو السبعين، قال ابن الصديق: وما أراه استوعب (1). وأما صحيح مسلم، ففيه أكثر من ذلك بكثير، حتى قال الحاكم: إن كتابه ملآن من الشيعة. وقد روى الإمام أحمد في (مسنده) عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني ما لعله يبلغ نصف مسنده، وحكى الذهبي في تذكرة الحفاظ (2) عن أبي أحمد الحاكم، قال: سمعت أبا الحسين الغازي يقول: سألت البخاري عن أبي غسان. فقال: عم تسأل عنه؟ قلت: شأنه في التشيع. فقال: على مذهب أئمة أهل بلده الكوفيين، ولو رأيتم عبيد الله وأبا نعيم وجميع مشايخنا الكوفيين لما سألتموني عن أبي غسان - يعني لشدتهم في التشيع -. واعترف الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال (3) بترجمة أبان بن تغلب:
(1) فتح الملك العلي: 106. (2) تذكرة الحفاظ 3 / 978. (3) ميزان الاعتدال 1 / 5. 20 بأنه لو رد حديث المتشيعين مطلقا لذهبت جملة من الآثار النبوية، قال: وهذه مفسدة بينة. وقد قبل جماعة من الأئمة كالثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وابن أبي ليلى وآخرون رواية المبتدع مطلقا، سواء كان داعية أو لم يكن، بل نقل عن جماعة من أهل الحديث والكلام قبول رواية المبتدعة - ولو كان كافرا ببدعته -. واحتج الشيخان والجمهور بأحاديث الدعاة كحريز بن عثمان، وعمران بن حطان، وشبابة بن سوار، وعبد الحميد الحماني وأضرابهم. إذا تقرر هذا، تبين لك إغراب ابن حبان والحاكم في حكاية الإجماع على اشتراط عدم كون الراوي داعية في قبول رواية المبتدع، وهو باطل في نفسه، مخالف لما هم مجمعون عليه في تصرفهم، وإنما نشأ ذلك عن تهور وعدم تأمل كما قال الحافظ أبو الفيض بن الصديق -. وأما اشتراط كونه روى ما لا يؤيد بدعته فهو من دسائس النواصب التي دسوها بين أهل الحديث ليتوصلوا بها إلى إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه السلام، وذلك أنهم جعلوا آية تشيع الراوي وعلامة بدعته هو روايته فضائل علي عليه السلام، ثم قرروا أن كل ما يرويه المبتدع مما فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو كان من الثقات - والذي فيه تأييد التشيع - في نظرهم - هو فضل علي عليه السلام وتفضيله، فينتج من هذا أن لا يصح في فضله حديث - كما صرح به بعض من ألقى جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب كابن تيمية وأضرابه -. قال الإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن الصديق في فتح الملك
21 العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي عليه السلام (1): وقد راجت هذه الدسيسة على أكثر النقاد، فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل، ويجرحون راويها بفسق التشيع، ثم يردون من حديثه ما كان في الفضائل، ويقبلون منه ما سوى ذلك. ولعمري إنها دسيسة إبليسية، ومكيدة شيطانية، كاد ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية، لولا حكم الله النافذ (والله غالب على أمره) (2)، (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (3). قال: وأول من علمته صرح بهذا الشرط - وإن كان معمولا به في عصره إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وكان من غلاة النواصب، بل قالوا: إنه حريزي المذهب، على رأي حريز بن عثمان وطريقته في النصب. قال: وهذا الشرط لو اعتبر لأفضى إلى رد جميع السنة، إذ ما من راو إلا وله في الأصول والفروع مذهب يختاره، ورأي يستصوبه ويميل إليه، مما غالبه ليس متفقا عليه، فإذا روى ما فيه تأييد لمذهبه وجب أن يرد - ولو كان ثقة مأمونا - لأنه لا يؤمن عليه حينئذ غلبة الهوى في نصرة مذهبه، كما لا يؤمن على المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته. فكما لا يقبل من الشيعي شئ في فضل علي عليه السلام، كذلك لا يقبل من غيره شئ في فضل أبي بكر، ثم لا يقبل ما فيه دليل التأويل، ولا من السلفي ما فيه دليل التفويض، ثم لا يقبل من الشافعي ما فيه تأييد مذهبه،
(1) فتح الملك العلي: 109. (2) سورة يوسف 12: 21. (3) سورة التوبة 9: 32. 22 ولا من الحنفي كذلك، وهكذا بقية أصحاب الأئمة الذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن التعلق بمذهب واحد من مذاهبهم أو موافقته. وحينئذ فلا يقبل في باب من الأبواب حديث إلا إذا بلغ رواته حد التواتر، أو كان متفقا على العمل به، وذلك بالنسبة لخبر الآحاد وما هو مختلف فيه قليل. وبذلك ترد السنة أو ينعدم المقبول منها، وهذا في غاية الفساد، فالمبني عليه كذلك، إذ الكل يعتقد أن مذهبه ورأيه صواب، وكونه باطلا وبدعة في نفسه أمر خارج عن معتقد الراوي. ولهذا لم يعتبروا هذا الشرط ولا عرجوا عليه في تصرفاتهم أيضا، بل احتجوا بما رواه الشيعة الثقات مما فيه تأييد مذهبهم. وأخرج الشيخان فضائل علي عليه السلام من رواية الشيعة، كحديث: " أنت مني وأنا منك " أخرجه البخاري (1) من رواية عبيد الله بن موسى العبسي، الذي أخبر عنه البخاري أنه كان شديد التشيع، وحديث: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " أخرجه مسلم (2) من رواية عدي بن ثابت، وهو شيعي غال، داعية. وهكذا فعل بقية الأئمة، أصحاب الصحاح والسنن والمصنفات الذين لا يخرجون من الحديث إلا ما هو محتج به، وصرحوا بصحة كثير منها، وذلك كثير لمتتبعه، دال على بطلان هذا الشرط. انتهى.
(1) صحيح البخاري: كتاب الصلح - باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان بن فلان.. الخ - كتاب المغازي - باب عمرة القضاء. (2) صحيح مسلم: كتاب الإيمان - باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان. 23 وإنما سقت لك كلام هذا الإمام الخريت - بطوله - لنفاسته، وهو الحق الذي لا محيد عنه (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) (1)، ولم أر من سبقه إلى هذا التمحيص الأنيق، فاشدد عليه يديك، وعض عليه بناجذيك، والله الموفق والمستعان (2). فإن قلت: ومع ذلك فقد يقال: إن الحديث فرد مطلق، تفرد به وكيع بن الجراح في جميع طرقه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. قلت: وإن كنت ستعرف أن الأمر ليس كما قيل، لكن لو سلم فلا ضير في ذلك، فإن وكيعا متفق على ثقته، وقد احتج به الجماعة، ومن روى له الشيخان فقد جاز القنطرة - كما قاله الإمام أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي (3). فتفرد مثل وكيع ليس بقادح البتة، لأن الثقة إذا روى ما لم يروه غيره فمقبول إذا كان عدلا ضابطا حافظا، فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل - كما قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في اختصار علوم الحديث (4) -.
(1) سورة يونس 10: 32. (2) انظر في ذلك أيضا: دراسات في الجرح والتعديل: 2 153، لمحمد ضياء الرحمن الأعظمي - ط دار الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة سنة 1417 ه. (3) هدى الساري: 403، تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 18. (4) اختصار علوم الحديث: 50. 24 وقال شمس الدين ابن قيم الجوزية (1): إذا روى الثقة حديثا منفردا به، لم يرو الثقات خلافه، فإن ذلك لا يسمى شاذا، وإن اصطلح على تسميته شاذا بهذا المعنى لم يكن هذا الاصطلاح موجبا لرده ولا مسوغا له. انتهى. وقال الأمير الصنعاني في توضيح الأفكار (2): إذا تفرد الراوي بشئ نظر فيه، فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه. انتهى موضع الحاجة من كلامه. ووكيع: إمام مقدم في الحديث، متصف - عند القوم بجميع ما اشترطوه من الصفات بلا نكير، فلا ينبغي الطعن في حديث الباب من هذه الجهة، والله ولي التوفيق. هذا كله بالإضافة إلى حديث الحسن بن صابر ومتابعته، وقد روي الحديث أيضا من طريق محمد بن زكريا الغلابي، عن جعفر بن محمد بن عمار، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - في حديث - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة (3).
(1) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: 160. (2) توضيح الأفكار 2 / 4، بواسطة علوم الحديث لصبحي الصالح. (3) رواه ابن شاذان، في " المناقب " المنقبة المائة / 163، ومن طريقه الخوارزمي في المناقب: 2، والحمويني في فرائد السمطين 1 / 19، وكذا أخرجه الصدوق ابن بابويه، في الأمالي: 119. 25 فإن قيل: الحمل فيه على الغلابي، لأنه متهم، وقال الدارقطني: يضع الحديث. انتهى. قلت: هذا تعسف وإسراف من الدارقطني، ولم يتابعه عليه أحد، بل إن الذهبي على تعنته وتشدده - اقتصر في ميزان الاعتدال (1) على تضعيفه، وحكى عن ابن حبان أنه ذكره في الثقات وقال: يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة، وقال: في روايته عن المجاهيل بعض المناكير (2)، وقال ابن مندة: تكلم فيه. انتهى. ووجه طعنهم في الرجل غير خاف، فإنه كان من وجوه الشيعة بالبصرة، وروى مناقب الآل وصنف فيها، ولذا قال فيه ابن النديم في الفهرست: كان ثقة صادقا. وقال القضاعي في مسند الشهاب (3): محمد بن زكريا الغلابي رجل حديثه حسن. ولو جاز الأخذ بقول الدارقطني في الغلابي لجاز الأخذ بتضعيفه أبا حنيفة في الحديث (4)، ولا يجيزون الأخذ به البتة، بل يردونه عليه،
(1) ميزان الاعتدال 3 / 550. (2) ميزان الاعتدال 3 / 550، لسان الميزان 5 / 169. (3) مسند الشهاب 2 / 109. (4) كما في سنن الدارقطني 1 / 123 - باب ذكر قوله (صلى الله عليه و سلم): " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة "، واختلاف الروايات في ذلك. وقد تكلم النسائي في أبي حنيفة، كما في بعض نسخ " ميزان الاعتدال "، و ص 121 من " الرفع والتكميل "، وكذا الخطيب تكلم فيه البغدادي في تاريخه، وتبعه ابن الجوزي. 26 ويعدونه بغيا منه وإسرافا (1)، فكذا ينبغي طرح جرحه لمحمد بن زكريا، على أنه لو صدق لم يجر في ما نحن فيه، لعدم انفراد الرجل بحديث الباب - كما عرفت . ولو سلم قولهم بضعفه، فإن حديثه - بانفراده - يكون ضعيفا، وهو وإن كان حجة في المناقب إلا أنه يشتد ويعتضد بغيره من الأحاديث المتقدمة، فترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن - كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى .
(1) فواتح الرحموت 2 / 154، الرفع والتكميل: 70 وما بعدها. 27 تتمة وتنبيه يقوى في النفس - والله أعلم - اتحاد محمد بن زكريا الغلابي البصري مع محمد بن زكريا الأنصاري، لوجوه: الأول: اتحاد كنيتهما - كاسمهما - فقد كني كل منهما في كتب الرجال بأبي جعفر. الثاني: أن ابن مندة قال في الأنصاري: تكلم في سماعه، وقد مر أنه قال في الغلابي: تكلم فيه، ولعله يعني سماعه. الثالث: أنهما سمعا عبد الله بن رجاء الغداني. الرابع: أن أبا الشيخ الإصبهاني روى عن الأنصاري، وأبا القاسم الطبراني عن الغلابي - وأبو الشيخ والطبراني متعاصران -. فإن ثبت ذلك، فاعلم: أن أبا نعيم قال في محمد بن زكريا الأنصاري: صاحب أصول جياد صحاح (1). فإن كان هو الغلابي فقد برى بهذا أيضا من طعن الدارقطني، وإن كان طعنه باطلا مردودا في نفسه، والله المستعان.