رد الحموي على الوهابية نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رد الحموي على الوهابية - نسخه متنی

احمد بن محمد حموی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: رد الحموي على الوهابية
المؤلف: السيد أحمد الحموي
الجزء:
الوفاة: 1098
المجموعة: ردود علماء المسلمين على الوهابية والمخالفين
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: 1396 - 1976 م
المطبعة:
الناشر: مكتبة ايشيق - إستانبول - تركيه
ردمك:
ملاحظات:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرف أولياء بأنواع الكرامة ومتعهم بالنظر إلى وجهه في دار المقامة
فهم في روضات الجنات يحبرون ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
قد تركوا زخارف الدنيا ولجأوا من هجيرها إلى ظله فرحين بما آتاهم الله من فضله
فهم المميزون عن غيرهم في عالم الرفات ببقاء كراماتهم بعد الممات كما دل
على ذلك إطلاق الأئمة الذين هم هداة الأمة والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه
وأكرم أصفيائه محمد المؤيد بالمعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة وعلى



قال الشيخ قاسم في شرح الدرر إذا ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى
فذلك الاعتقاد كفر (قلت) إن الشخص لا يتصرف بنفسه بل بإيجاد الله قضاء
الحاجة على يديه كما ورد في حديث خرجه أبو نعيم في الحلية إن الله تعالى
يقول يا جبريل اقض حاجة عبدي وقال البغوي في تفسير قوله تعالى فالمدبرات
أمرا قال عبد الرحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك
الموت وإسرافيل عليهم الصلاة والسلام أما ميكائيل فوكل بالنبات وأما جبريل
فوكل بالرياح والجنود وأما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس وأما إسرافيل فهو ينزل
بالأمر عليهم انتهى فعليه تصرف العبد بمعنى إيجاد الله الأمر على يديه من غير أثر
للعبد فيه لأنه لا تأثير للأشياء إنما التأثير لله تعالى خاصة غايته إذا أجرى الله على
يديه خيرا يثيبه عليه فضلا منه وإذا أجرى على يده شرا يعذبه عليه عدلا منه فالحكم
لله العلي الكبير ا ه‍ منه
1
آله وأصحابه ذوي النفوس القدسية والأخلاق الأنسية ما سطعت أنواع
الكرامات لأوليائه بعد الممات (وبعد) فقد جرى في المجلس العالي مجمع
المفاخر والمعالي مجلس سيد الوزراء وأعظم الكبراء كافل الديار المصرية
والأقطار اليوسفية الوزير عبد الرحمن باشا بلغه الله من الخيرات ماشا الكلام
على كرامات الأولياء وأنها هل تنقطع بالموت وأن الأولياء هل لهم تصرف في
الحياة وبعد الممات في البرزخ وأن من اعتقد ظهور الكرامة لهم (1) بعد
الموت أو التصرف حال الحياة وبعد الموت هل يكفر وطلب مني حفظه الله بعد



(1) والكرامة أمر خارق للعادة على يد ولي غير مقارن لدعوى النبوة وفيها
تثبيت له ولهذا ربما وجدها أهل البدايات في بداياتهم وفقدها أهل النهاية في
نهاياتهم لأن ما هم عليه من الرسوخ والتمكن لا يحتاجون معه إلى تثبيت ولذلك
قل ظهورها على يد السلف الصالح من الصحابة والتابعين * واعلم أن الأمر الخارق
للعادة بالنسبة إلى النبي معجزة سواء ظهر من قبله أم من قبل آحاد أمته وبالنسبة
إلى الولي كرامة لخلوه عن دعوى نبوة من ظهر ذلك من قبله وبالنسبة إلى غيرهما
خذلان واستدراج والنبي لا بد من علمه بأنه نبي ومن قصده إظهار الخوارق ومن
حكمه قطعا بموجب المعجزات بخلاف الولي وصاحب الكرامة لا يستأنس بها بل
يشتد خوفه مخافة أن يكون ذلك استدراجا والمستدرج يستأنس بما ظهر عليه
وعند ذلك يستحقر غيره وينكر عليه ويحصل له الأمن من مكر الله وعقابه فإذا ظهر
شئ من هذه الأحوال على من ظهر عليه ذلك دل على أنه استدراج لا كرامة ولذلك
قال المحققون أكثر ما اتفق من الانقطاع عن حضرة الرب إنما وقع في مقام
الكرامات ولذلك يخافون كما يخافون من أشد البلاء ا ه‍ كذا في شرح المنفرجة
للعلامة زكريا الأنصاري انتهى منه
2
خزياته وكبت عداته تحرير الكلام في ذلك والتقصي عما هنالك فأقول وبالله
التوفيق وبيده الهداية إلى سواء الطريق
قال العلامة الثاني سعد الدين التفتازاني الولي هو العارف بالله وصفاته المواظب
على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات
والشهوات وكرامته ظهور أمر خارق للعادات من قبله فما لا يكون مقرونا
بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا وما يكون مقرونا بدعوى النبوة يكون
معجزة وهي أمر يظهر بخلاف العادة على يد مدعي النبوة عند تحدي المنكرين
على وجه يعجز المنكرين عن الإتيان بمثله والدليل على حقية الكرامة ما تواتر
عن كثير من الصحابة ومن بعدهم بحيث لا يمكن إنكاره خصوصا الأمر المشترك وإن
كانت التفاصيل آحاد وأيضا الكتاب ناطق بظهورها من مريم يعني على القول
بأنها ولية لا نبية وهو الصحيح (1) ومن صاحب سليمان صلوات الله وسلامه
عليه وبعد ثبوت الوقوع لا حاجة إلى إثبات الجواز يعني بدعوى أن الكرامة
أمر ممكن وكل ممكن جائز الوقوع ثم قال بعد كلام والحاصل أن الأمر الخارق
للعادة هو بالنسبة إلى النبي معجزة سواء ظهر من قبله أم من قبل آحاد أمته
وبالنسبة إلى الولي كرامة لخلوه عن دعوى نبوة من ظهر ذلك من قبله فالنبي
لا بد له من علمه بكونه نبيا ومن قصده إظهار خوارق العادات ومن حكمه قطعا
بموجب المعجزات بخلاف الولي انتهى كلامه مع زيادة تقرير له ومنه نظم أن



(1) قوله ومن صاحب سليمان هو آصف بن برخيا بفتح الموحدة وسكون الراء
وكسر الخاء المعجمة وقبل الألف ياء وكان كاتب سليمان عليه السلام وكان صديقا
وهو من الإنس من بني إسرائيل وقيل إنه الخضر وهو غريب جدا ومقام الصديقية
يلي مقام النبوة فكل صديق ولي وليس كل ولي صديقا نقل ذلك ابن الزملكان عن
الشيخ الأكبر في فتوحاته ا ه‍
3
الكرامة لا تختص بحال الحياة فلا تنقطع بالموت بخلاف المعجزة للنبي حيث
اعتبر في حقيقتها الاقتران بدعوى النبوة وقصد إظهارها عند تحدي المنكرين
وحينئذ فما يظهر من الخوارق بعد موت الأنبياء يكون كرامة لهم لا معجزة
فمن أطلق لفظ المعجزة فقد تسمح بخلاف كرامة الولي إذ لم تعتبر في حقيقتها
دعوى الولاية وقصد إظهار الكرامة بل الولي مظهر لها إذ هي كما تقدم الأمر
الخارق للعادة وهو الفعل الذي لا يدخل تحت كسب العبد واختياره بل هو
حاصل بفعل الله والولي مظهر له أي (1) محل لظهوره وفي هذا الأمر
لا فرق بين حياة الولي وموته هذا ما أفاده كلام المحقق التفتازاني في شرح العقائد
النسفية فإن قلت ما الدليل على جواز وقوع الكرامة بعد الموت وعدم اختصاصها
بحال الحياة قلت الدليل على ذلك أن الكرامة بعد الموت أمر ممكن وكل
ممكن جائز الوقوع فالكرامة بعد الموت جائزة الوقوع إذ لو لم نقل بجواز الوقوع
للزم ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح وهو محال وأيضا لو قلنا بعدم جواز الوقوع
مع كونها مخلوقة لله تعالى ومقدورة له إذ هي من جملة الممكنات (2) وقدرته تعالى



(1) قوله محل لظهوره لا يفهم منه إن قدرة الله تعالى تحل في شئ من الحوادث
بل الله يجريها على يديه انتهى منه.
(2) في لطائف المنن للشيخ تاج الدين بن عطاء الله أعلم أن قدرة الله التي لا يكثر
عليها شئ هي التي أظهرت الكرامة في هذا الولي فلا ينظر إلى ضعف العبد ولكن
ينظر إلى قدرة السيد فجحد الكرامة للولي جحد لقدرة الله سبحانه وتعالى وربما كان
سبب إنكارك الكرامات استكثارا على ذلك العبد الذي أضيفت الكرامة إليه
وذلك العبد ما ظهرت عليه الكرامة إلا وهي شاهدة بصدق متبوعه فهي بالنسبة
إلى من ظهرت ببركات متابعته معجزة فلذلك قالوا كل كرامة لولي فهو معجزة لذلك
النبي الذي هذا الولي تابع له فلا ينظر إلى التابع ولكن ينظر إلى عظم قدر المتبوع
وبالجملة فالملخص من هذا الكلام هو أن جميع خوارق العادات من المعجزات جائز
وقوع مثلها كرامات للأولياء مطلقا لأنها ناشئة عن الله تعالى بفعله وإرادته
ا ه‍ منه
4
متعلقه بجميع الممكنات بأسرها إيجادا وإعداما على وفق إرادته تعالى
(1) لزم تعجيز القدرة تنزهت قدرته تعالى عن ذلك فإن قلت لا يلزم من
جواز الوقوع الوقوع فهل ثم دليل على الوقوع قلت نعم وهو ما نقله الحافظ عبد
العظيم المنذري في كتاب الترغيب والترهيب حيث قال عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما قال ضرب بعض الصحابة خباءه على قبر ولا يحسب أنه قبر فإذا قبر
إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول
الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان قرأ سورة الملك
حتى ختمها فقال صلى الله عليه وسلم هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر رواه
الترمذي وقال (2) حديث غريب ا ه‍ قال شارحه الفاضل الفيومي
ورواه الحاكم ا ه‍ وهذا دليل على وقوع الكرامة بعد الموت بتقريره صلى الله
عليه وسلم حيث أقر قراءة الميت سورة الملك وقال هي المانعة هي المنجية من عذاب
القبر وتقريره صلى الله عليه وسلم دليل شرعي تثبت به الأحكام كما تقرر في محله
من كتب الأصول ولا يعارض ما حررناه وبالدليل أثبتناه قول قاضي القضاة (3)
الأوشي الحنفي في منظومته في العقائد المسماة بدء الأمالي
كرامات الولي بدار دنيا * لها كون فهم أهل النوال



(1) قوله لزم تعجيز الخ متعلق بقوله إذ لو لم نقل بجواز الوقوع لو قلنا بعدم جواز
الوقوع ا ه‍
(2) رأيت الحديث في مشكاة المصابيح ا ه‍ منه
(3) أوش بالضم والسكون قرية من بلاد فرغانة كما في اللب والله أعلم
5
إذ ليس بنص ولا ظاهر في انقطاع الكرامات بالموت واختصاصها بحال الحياة لأن
الدنيا عبارة (1) عن كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل
الدار الآخرة فالمراد بالدنيا في كلامه ما قابل الآخرة وهي ما بعد البعث من
القبو لا ما قبله حتى يشمل ما بعد الموت إلى البعث وإن احتمله الكلام احتمالا غير
مؤيد بدليل ومن ثم نقل ابن القيم عن أبي يعلى إن عذاب القبر من الدنيا
لانقطاعه قبل البعث بالفناء ولا يعرف أمد ذلك وأيده الجلال في شرح الصدور
ويؤيده ما أخرجه هناد بن السري في الزهد عن مجاهد قال للكفار هجعة يجدون
فيها طعم النوم حتى يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقول الكافر يا ويلنا
من بعثنا من مرقدنا فيقول المؤمن إلى جنبه هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون
وفي المواهب اللدنية بإسناد صحيح إلى عكرمة مولى ابن عباس أنه سئل عن يوم
القيامة أهو من الدنيا أم من الآخرة فأجاب بأن نصفه الأول الذي يقع فيه الفصل
والحساب من الدنيا ونصفه الآخر الذي يقع فيه الانصراف إلى النار والجنة من
الآخرة ا ه‍ فإذا كان يوم القيامة بعد فناء البرزخ (2) وما يتعلق به حكم في
نصفه الأول بأنه من الدنيا فبالأولى أن يحكم على البرزخ بأنه من الدنيا حقيقة فعلى
هذا يؤخذ جواز وقوع كرامات الأولياء بعد موتهم من قوله بدار دنيا ومن ثم لم



(1) في حقيقة الدنيا عند المتكلمين قولان أحدهما هو ما على الأرض من الجو
والهواء والثاني وهو أظهرهما كل المخلوقات من الجواهر والأعراض والأعيان
الموجودة قبل دار الآخرة والله أعلم ا ه‍ منه
(2) البرزخ ينسحب عليه حكم الدنيا ألا ترى لما قالوا إنه ينقطع فيه العذاب
حتى عن الكفار بين النفختين فيجدون لذة فإذا نفخ فيه أخرى يقول الكافر
يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيقول المؤمن هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون
كذا في كتاب الكشف لأحمد بن منصور الحنفي ا ه‍ منه
6
يتعرض أحد فيما رأيته من شروح النظم مع كثرتها إلى التصريح بانقطاع
الكرامات بالموت بل قال شارحه الجلال البخاري التقييد بدار دنيا لأن الاختلاف
يعني بين أهل السنة والمعتزلة وقع فيها لأن دار العقبى محل كرامة جميع المؤمنين
وقال شارحه السمهودي ينبغي أن يكون ظهور الكرامات لهم بعد موتهم أولى من
ظهورها حال حياتهم لأن النفس باقية صافية من الأكدار والمحن وغيرها وقد
شوهد ذلك من كثير منهم بعد موته وقد يدخل ذلك في كلام الناظم فإن قوله
بدار دنيا صادق بحياته وبعد موته انتهى وبهذا ظهر أن من احتج بهذا البيت
على انقطاع الكرامات بالموت حتى نسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بانقطاع
الكرامات بالموت واهم وعن طريق أهل الهدى ضال (1) إذ لم يثبت في شئ
من كتب مذهب أبي حنيفة أصولا وفروعا القول بانقطاع الكرامات بالموت
بل لم يثبت في شئ من كتب المذاهب الثلاثة فمن ادعى ذلك فعليه البيان وعند
الامتحان يكرم المرء أو يهان وفي (2) شرح مقدمة الإمام أبي الليث السمرقندي
الحنفي رحمه الله تعالى للفاضل القرماني ما نصه ومن كرامات الإمام أبي حنيفة
رضي الله تعالى عنه بعد الموت ما رواه الأئمة أنه لما غسل رضي الله تعالى عنه
ظهر على جنبه سطر يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى بك راضية مرضية
فادخلي في عبادي وادخلي جنتي وعلى يده اليمنى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
وعلى اليسرى إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وعلى بطنه يبشرهم ربهم برحمة منه
ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ولما وضعوه على الجنازة سمع صوت هاتف يقول



(1) ونقل ذلك الشيخ حسن بن حسن بن أحمد الطولوبي المعمار في كتابه نزهة الأبصار
في نبذ من معجزات النبي المختار ومناقب الأئمة الأخيار ولم يوجد هذا الكتاب 0 إلا في
خزانة قايتباي بمصر المحروسة ا ه‍ منه
(2) لعله في الكبير فإنه ليس في التوضيح ا ه‍
7
يا قائم الليل طويل القيام كثير التهجد كثير الصيام أباحك السيد دار السلام
ولما وضع في قبره سمع هاتف يقول فروح وريحان وجنة نعيم انتهى هذا ما يتعلق
بعدم انقطاع الكرامات بالموت وأما ما يتعلق بالتصرف فاعلم أن تصرف
الأولياء حال حياتهم (1) من جملة كراماتهم وهو كثير في كل زمان لا شك فيه ولا
ينكره إلا معاند قال التاج السبكي بعد أن ذكر (2) أن من أنواع الكرامة
مقام التصريف حكى أن بعضهم كان يبيع المطر وأما بعد مماتهم فقد تقدم أن
كراماتهم لا تنقطع بعد الموت ثم إن تصرف الأولياء في حياتهم وبعد مماتهم
إنما هو بإذن الله تعالى وإرادته لا شريك له في ذلك خلقا وإيجادا أكرمهم الله تعالى
به وأجراه على أيديهم وألسنتهم خرقا للعادة تارة بالإلهام وتارة بمنام وتارة بدعائهم
وتارة بفعلهم واختيارهم وتارة بغير اختيار ولا قصد ولا شعور منهم بل قد يحصل
من الصبي المميز وتارة بالتوسل إلى الله بهم في حياتهم وبعد مماتهم مما هو محكى
في القدرة الإلهية ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك قبل الموت وبعده نسبتهم إلى الخلق
والإيجاد والاستقلال بالأفعال فإن هذا لا يقصده مسلم بل ولا يخطر ببال أحد



(1) قال شيخنا حسن رحمه الله إن تصرف الولي هو إذا أراد حاجة يسأل الله قضاءها
فيقضيها الله وهذا مستحسن انتهى
(2) ذكر الإمام أبو القاسم القشيري أنه الكراهة لا بد أن يكون فضلا ناقضا للعادة
في أيام التكليف ظاهرا على موصوف بالولاية في معنى تصديقه قلت تقييده بأيام
التكليف فيه نظر فقد صرح الإمام اليافعي في روض الرياحين بوقوع كرامات
من لم يبلغوا سن التمييز فضلا عن التكليف ثم قال في آخر كلامه ومنهم الكبار والصغار
والعبيد وأحسن ما يجاب به عن القشيري هو إما أن يكون تصريحه بذلك جريا على
الغالب واختيارا لنفسه لأن له بعض اختيارات تخالف مذهب المجهور كاختياره
عدم حصول ولد إلا من أبوين وقلب جماد بهيمة انتهى منه رحمه الله تعالى
8
من العوام فضلا عن غيرهم فصرف الكلام إليه ومنعه من باب التلبيس في
الدين والتشويش على عوام الموحدين فلا يظن بمسلم بل ولا يعاقل توهم ذلك فضلا
عن اعتقاده (1) وكيف يحكم بالكفر على من اعتقد ثبوت التصرف لهم في
حياتهم وبعد مماتهم حيث كان مرجع ذلك إلى قدرة الله تعالى خلقا وإيجادا
كيف وكتب جمهور المسلمين طافحة به وأنه جائز وواقع لا مرية فيه بوجه البتة حتى
كاد أن يلحق بالضروريات بل بالبديهيات وذلك لأن كرامة جميع أولياء هذه
الأمة في حياتهم وبعد مماتهم تصرفا أو غيره من جملة معجزات النبي صلى الله عليه
وسلم الدالة على صدق نبوته وعموم رسالته الباقية بعد موته التي لا ينقطع دوامها
ولا تجددها بتجدد الكرامات في كل عصر من الأعصار إلى يوم القيامة * ثم المنكر
للكرامات بعد الموت والتصرف حال الحياة وبعد الموت إما أن يصدق بكرامة الأولياء
أو يكذب بها فإن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته
السنة بالدلائل الواضحة وإن كان ممن يصدق بها فالكرامة بعد الموت والتصف؟
في حال الحياة وبعد الممات من جملة الكرامات قال العلامة ابن حجر ليس العجب
من إنكار المعتزلة للكرامات فإنهم خاضوا فيما هو أقبح من ذلك وأنكروا النصوص
المتواترة المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) كسؤال الملكين وعذاب القبر



(1) في كتاب الفتح المبين في مقامات الصديقين لابن المعيزبي أن الشيخ الجليل
العارف بالله نجم الدين الإصبهاني خرج مع جنازة بعض الصالحين فلما جلس بعض
الناس من أهل العلم يلقن الميت ضحك الشيخ نجم الدين ولم يكن الضحك عادته فسئل
عن ذلك فقال سمعت صاحب القبر يقول ألا تعجبون من ميت يلقن حيا ا ه‍ منه
رحمه الله تعالى
(2) واعلم أن ملك الموت ومنكرا ونكيرا وغيرهم ومنازل الآخرة مما يتضمنه
الأحاديث من أمور الآخرة متشابهات وصفا لا طريق لأحد في درك شئ من
أوصافها بالعقل لأن كل ما يثبته العقل في حق وصفها مخالف للنص قال القاضي
أبو زيد رحمه الله في أصول الفقه المتشابه هو الذي تشابه معناه على السامع حيث
خالف موجب النص موجب العقل قطعا لا يحتمل التبدل فتشابه المراد بحكم
المعارضة بحيث لم يحتمل زواله بالبيان لأنه لا بيان له على أنه لو فرض بيانه عقلا
لعارضه الدليل الخارجي وقال أبو زيد وحكم المتشابه التوقف أبدا عن اعتقاد الحقيقة
للمراد به فيكون العبد به مبتلى بنفس الاعتقاد لا غير ا ه‍ ملخصا من شرح الفقه
الأكبر للأكمل رحمه الله ا ه‍ منه رحمه الله تعالى
9
والحوض والميزان وغير ذلك من عظيم كذبهم وافترائهم لتقليدهم لعقولهم الفاسدة
وتحكيمهم لها على الله وآياته وأسمائه وصفاته فما رأوه موافقا لتلك العقول السقيمة
الفاسدة اللئيمة قبلوه وما لا ردوه ولم يبالوا بتكذيب القرآن والسنة والإجماع
لأن كلمة الغضب حقت عليهم وقبائح المذام تسابقت إليهم وإنما العجب من قوم
تسموا باسم أهل السنة ومع ذلك يبالغون في الانكار لأن كلمة الحرمان حقت عليهم
حتى ألحقتهم بأهل البوار وأوجبت عليهم نوعا من الوبال والخسار وهؤلاء أقسام منهم
من ينكر على مشايخ الصوفية وتابعيهم ومنهم من يعتقدهم إجمالا وأن لهم كرامات
ومتى عين له واحدا ورأى كرامة أنكر ذلك لما خيل له الشيطان أنهم انقطعوا وأنه لم
يبق إلا متلبس مغرور احتوى عليه الشيطان ولبس عليه وهؤلاء من العناد والحرمان
بمكان انتهى وفي روض الرياحين الناس في الكرامات أقسام منهم من ينكرها
مطلقا وهم أهل مذهب معروفون وعن الهدى والتقى مصروفون ومنهم من يصدق
بكرامات من مضى دون أهل زمنه وهم كبني إسرائيل صدقوا بموسى حين لم
يروه وكذبوا بمحمد حين رأوه مع كونه أعظم ومنهم من يصدق الأولياء لكن لا يصدق
بأحد معين وهذا محروم من الامداد لأن من لم يسلم لأحد معين لا ينتفع بأحد أبدا
انتهى قلت وقد حدثت الآن بديار الروم طائفة تسمى القاضي زادلية تثبت

10
كرامات الأولياء حال حياتهم وتنكرها بعد وفاتهم وتنكر كرامات التصرف
حال حياتهم وبعد مماتهم وهؤلاء وإن لم يبالغوا كالمعتزلة في الانكار فهم على شفا
جرف هار قال العلامة ابن حجر ومطالعة كتاب الصفوة تحصل العلم بوقوعها ضرورة
وقد رأينا من كراماتهم أحياء وأمواتا ما يوجب ذلك فلا ينكرها إلا مخذول فاسد
الاعتقاد في أولياء الله تعالى وخواص عباده نفعنا الله بهم انتهى وقال العلامة الثاني
سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد بعد كلام وبالجملة فظهور كرامات الأولياء تكاد
تلحق بظهور معجزات الأنبياء وإنكارها من أهل البدع ليس بعجيب إذ لم يشاهدوا
ذلك في أنفسهم ولم يسمعوا به من رؤسائهم مع اجتهادهم في العبادات واجتناب
السيئات فوقعوا في أولياء الله أهل الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم
جاهلين كون هذا الأمر مبنيا على صفاء العقيدة ونقاء السريرة واقتفاء الطريقة
بل العجب من قول بعض فقهاء أهل السنة فيما يروى عن إبراهيم بن أدهم أنه رؤى
بالبصرة وبمكة يوم التروية إن من اعتقد جوازه فقد كفر والإنصاف ما قاله النسفي
وقد سئل عما قيل إن الكعبة كانت تزور أحد الأولياء هل يجوز القول به فقال نقض
العادة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة انتهى قال اليافعي ومعلوم أن الكعبة في
مكانها لم تفارقه وإن ما وراء العقل طور آخر انتهى وقال الإمام السبكي إني لأتعجب
كل العجب من منكر الكرامة ويزداد تعجبي عند نسبة إنكارها للأستاذ أبي إسحاق
الأسفراييني وهو من أساطين أهل السنة على أن نسبة إنكارها إليه كذب وإنما
الذي ذكره الرجل في كتبه أنها لا تبلع خرق العادة حيث قال ما كان معجزة لنبي
(2) لا يجوز مثله كرامة لولي وإنما غاية الكرامات إجابة دعوة أو شربة ماء في مفازة
أو كسرة في منقطعة أو ما يضاهي ذلك انتهى وجرى على نحوه الإمام الحليمي ثم



(2) قلت وجود عيسى بن مريم يدل على الامكان والحال أنها ليست نبية وإن
وجود عيسى من غير أب ونطفة على براءتها هو من جملة الخوارق إكراما لها
11
الأستاذ القشيري فقال الكرامة لا تنتهي إلى وجود ولد من غير أب وقلب جماد بهيمة
قال الحافظ ابن حجر وهذا أعدل المذاهب وجرى على مقالة القشيري التاج
السبكي في جمع الجوامع قال الزركشي ليس الأمر كما قال بل الذي قاله
القشيري مذهب ضعيف والجمهور على خلافه وقد أنكروا عليه حتى وولده أبو نصر في
كتابه المرشد وإمام الحرمين في الإرشاد وقال الإمام النووي في شرح مسلم في باب البر
والصلة إن الكرامات تجوز بخوارق العادات على اختلاف أنواعها ومنعه بعضهم
وادعى أنها تختص بمثل إجابة دعوة ونحوه وهذا غلط من قائله وإنكار للحس
والعيان بل الصواب جريانها بقلب الأعيان قال المحقق التفتازاني في شرح المقاصد
بعد كلام قال إمام الحرمين (1) والمرضى عندنا تجويز جملة خوارق العادات



(1) قوله والمرضى عندنا تجويز جملة الخوارق الخ منها اطلاع الولي على اللوح
المحفوظ على ما صرح به في تنوير الحقيقة شرح الطريقة في فضل عثمان رضي
الله تعالى عنه اختلف الصحابة في جمع عثمان للقرآن فقال عثمان إنكم
اختلفتم فمن بعدكم يكون أشد اختلافا فجلس عثمان وأخرج الذي جمعه أبو بكر
فأظهره على الصحابة فالنسبة إلى عثمان باعتبار أنه الذي أظهره قال بعض كنت
أعجب من عثمان في جمعه وترتيبه القرآن وتقسيمه على القراء السبع مع كمال
الصعوبة ثم اطلعت أنه كان يكتب ما يكتب بالنظر إلى اللوح المحفوظ ا ه‍ ويمنعه
البعض ولعل سنده الحديث الذي أخرجه أبو الشيخ فإن اللوح المحفوظ معلق
بالعرش فإذا أراد الله أن يوحي لنبي كتب في اللوح المحفوظ فيجئ اللوح حتى يقرع
جبهة إسرافيل فينظر فيه فإذا كان لأهل السماء دفعه إلى ميكائيل وإن كان
لأهل الأرض دفعه إلى جبريل فأول من يحاسب يوم القيامة اللوح الخ قلت هذا
الحديث يقبل التأويل لورود حديث إن أول من يحاسب جبريل لأنه كان أمين الله
في وحيه إلى رسله وأيضا ورد أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه فقال
أي رب ذكر أم أنثى شقي أم سعيد ما الأجل ما الأثر بأي أرض يموت فيقال انطلق
إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذه النطفة فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب تخلق
فتأكل رزقها وتطؤ أثرها فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها
وهذا دليل على اطلاع غير إسرافيل على اللوح المحفوظ والله أعلم بالصواب ا ه‍ منه
12
في معرض الكرامات وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة نعم قد
يرد في بعض المعجزات نص على أن أحدا لا يأتي بمثله أصلا كالقرآن وهو لا ينافي
الحكم بأن كل معجزة لنبي جاز أن تكون كرامة لولي لأن الامتناع هنا لعارض انتهى
ومثله الإسراء والعروج يقظة بالروح والجسد وعلم الخمس التي استأثر الله بحقيقتها
والروح * (تنبيه) * ذكر العارف بالله تعالى الشيخ عبد الوهاب الشعراني في
كتابه الجواهر والدرر أن بعض مشايخه ذكر له أن الله تعالى يوكل بقبر الولي ملكا
يقضي حوائج الناس كما وقع للإمام الشافعي والسيدة نفيسة وسيدي أحمد البدوي
رضي الله تعالى عنهم يعني في إنقاذ الأسير من يد من أسره من بلاد الفرنج وتارة
يخرج الولي من قبره بنفسه ويقضي حوائج الناس لأن للأولياء الانطلاق
في البرزخ والسراح لأرواحهم ا ه‍ تحقيق قوله وتارة يخرج الولي من قبره الخ
إن الذي عليه المحققون من الصوفية إن الأمر في عالم البرزخ والآخرة على
خلاف عالم الدنيا فينحصر الإنسان في صورة واحدة يعني في عالم الدنيا المسمى بعالم
الشهادة إلا الأولياء كما نقل عن قضيب البان أنه رؤى في صور مختلفة وسر ذلك أن
روحانيتهم غلبت جسمانيتهم فجاز أن يرى في صور كثيرة وحمل عليه قوله صلى الله
عليه وسلم لأبي بكر لما قال وهل يدخل أحد من تلك الأبواب كلها قال نعم
وأرجو أن تكون منهم وقالوا إن الروح إذا كانت كلية كروح نبينا صلى الله
عليه وسلم ربما تظهر في صورة سبعين ألف صورة ذكر ذلك المحقق ابن أبي
جمرة فإذا جاز لأرواح الأولياء عدم الانحصار في صورة واحدة في عالم الدنيا فترى

13
في صور مختلفة لغلبة روحانيتهم جسمانيتهم فأحرى أن لا تنحصر أرواحهم في صورة
واحده في عالم البرزخ الذي الروح فيه أغلب على الجسمانية وقالوا أيضا الولي إذا
تحقق في الولاية مكن من التصور في صور عديدة وتظهر روحانيته في وقت واحد في
جهات متعددة فالصورة التي ظهرت لمن رآها حتى والصورة التي رآها آخر في مكان
آخر في ذلك الوقت حق ولا يلزم من ذلك وجود شخص في مكانين في وقت واحد لأن
فيما هنا تعدد الصور الروحانية لا الجسمانية فإذا جاز للروح أن ترى في صور عديدة في
دار الدنيا لمن تحقق في الولاية فأحرى أن ترى في صور عديدة في عالم البرزخ الذي الغلبة
فيه للأرواح على الأجسام ويقوى ذلك ما ثبت في السنة وصح أن النبي صلى الله
عليه وسلم رأى موسى قائما يصلي في قبره ليلة الإسراء ورآه في السماء السادسة تلك
الليلة وقد أثبت السادة الصوفية عالما متوسطا بين الأجساد والأرواح سموه عالم
المثال وقالوا هو ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك
تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وقد يستأنس لذلك
من قوله تعالى فتمثل لها بشرا سويا فتكون الروح كروح جبريل عليه السلام
مثلا في وقت واحد مدبرة لشبحه ولهذا الشبح المثالي فإذا جاز تجسد الأرواح
وظهورها في صور مختلفة من العالم المثالي في عالم الدنيا ففي البرزخ أولى وعلى
هذا فالذي يخرج من القبر الشبح المثالي هذا تحقيق المقام وليس وراء عبادان مقام
هذا وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في طبقاته في ترجمة القطب سيدي شمس
الدين الحنفي أنه قال في مرض موته من كان له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجته
أقضيها له فإن ما بيني وبينه غير ذراع من تراب وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع
من تراب فليس برجل انتهى قال بعض الفضلاء علم من كونه قاله في مرض موته
أن ما قال قبل ذلك ونقله عنه أيضا الشيخ عبد الوهاب الشعراني من أن الولي إذا مات
انقطع تصرفه في الكون من الامداد وإن حصل مدد للزائر بعد الموت أو قضاء حاجة

14
فهو من الله تعالى على يد القطب صاحب الوقت يعطي الزائر من المدد على قدر
مقام المزور محمول على أنه قال ذلك قبل أن يعلمه الله بإلهام أن الولي يتصرف بعد
الموت وبهذا حصل التوفيق بين كلامه * (خاتمة) * من جملة الكرامات الإخبار ببعض
المغيبات والكشف وهو درجات تخرج عن حد الحصر وذلك موجود الآن بكثرة
ولا يعارضه قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول
لأنا لا نسلم عموم الغيب فيجوز أن يخص بحال القيامة بقرينة السياق والمراد
سلب العموم نحو لم يقسم كل إنسان لا عموم السلب نحو كل إنسان لم يقسم ولا يعارضه
أيضا قوله تعالى قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ووجه عدم
المعارضة أن علم الأولياء إنما هو بإعلام الله لهم وعلمنا بذلك إنما هو بإعلامهم لنا
وهذا غير علم الله الذي تفرد به وهو صفة من صفاته القديمة الأزلية الدائمة المنزهة
عن التغيير وسمات الحدوث والنقص والمشاركة والانقسام بل هو علم واحد علم
به جميع المعلومات كلياتها وجزئياتها كان أو ما يكون أو ما جاز أن يكون ليس
بضروري ولا كسبي ولا حادث بخلاف علم سائر الخلق فعلم الله الذي تمدح به
وأخبر في الآيتين المذكورتين أنه لا يشاركه فيه أحد واحد فلا يعلم الغيب إلا هو
ومن سواه إن علموا جزئيات منه فبإعلام الله واطلاعه لهم وحينئذ لا يطلق
أنهم يعلمون الغيب إذ لا صفة لهم يقتدرون بها على الاستقلال بعلمه وأيضا هم
ما علموا وإنما اعلموا وأيضا هم ما علموا غيبا مطلقا لأن من أعلم بشئ منه تشاركه فيه
الملائكة أو نظراؤه ممن اطلع ثم إعلام الله للأولياء ببعض المغيبات لا يستلزم
محالا بوجه فإنكار وقوعه عناد ومن البداهة أنه لا يؤدي إلى مشاركتهم له تعالى
فيما تفرد به من العلم الذي تمدح به واتصف به في الأزل وفيما لا يزال وإذا كان كذلك
فلا بدع في أن الله تعالى يطلع بعض أوليائه على بعض المغيبات فإن ذلك أمر ممكن
جائز عقلا وشرعا وواقع نقلا عن جمهور أهل السنة والجماعة من الفقهاء

15
والمحدثين والأصوليين فإنهم نصوا على ثبوت كرامات الأولياء وأنها جائزة وواقعة
بجميع أنواع خوارق العادات لا فارق بينها وبين المعجزة إلا التحدي ودعوى النبوة
فمن الإخبار بالمغيبات إخبار الصديق رضي الله تعالى عنه في مرض موته بولد يولد
بعده ثم أنثى إذا تقرر هذا فما وقع في الفتاوى البزازية من قوله قال علماؤنا من قال
أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر انتهى يعني تعلم الغيب بقرينة السياق
مشكل إذ لا يكفر بمجرد هذا القول مع احتمال التأويل لما في التتارخانية لا يكفر
بالمحتمل لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية ومع الاحتمال
لا نهاية ا ه‍ وفي شرح الهداية للمحقق كمال الدين بن الهمام بعد سرد كثير من
ألفاظ التكفير والذي تحرر أنه لا يفتي بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل
حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة انتهى وهو مأخوذ من الخلاصة
وغيرها إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد لا يوجبه فعلى
المفتي أن يميل لعدم التكفير ا ه‍ قال في النهر غير أنه يجوز أن يراد بالوجوه الأقوال
أو الاحتمالات لكن يؤيد الأول ما في الصغرى الكفر شئ عظيم فلا اجعل المؤمن
كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر ا ه‍ أقول هذا لا يقتضي أن يراد بالوجوه في كلام
الخلاصة الأقوال فقط بل الوجوه في كلامه مستعملة في كل منهما أخذا من قول ابن
الهمام أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف وفي جامع
الفصولين روى الطحاوي عن أصحابنا لا يخرج الرجل من الإيمان إلا بجحوده
ما أدخله فيه ثم ما يتبين أنه ردة حكم بها وما يشك أنه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت
لا يزول بشك مع أن الإسلام يعلو فينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير
أهل الإسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المكره ثم قال قدمت هذه المقدمة لتصير
ميزانا فيما نقلته من هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر في بعضه أنه يكفر مع أنه

16
لا يكفر على قياس هذه المقدمة فليتأمل انتهى نعم من اعتقد أنه يعلم ما استأثر الله
بعلمه فهو كافر لا محالة وقد وردت النصوص المتظافرة الدالة على علم الموتى وسؤالهم
في القبر ونعيمهم وعذابهم وتزاورهم وندب زيارتهم والسلام عليهم وخطابهم خطاب
الحاضرين العاقلين وعلمهم أحوال أهل الدنيا يسرون ببعضها ويساؤون ببعضها
وأنه يؤذيهم ما يؤذي الحي وغير ذلك مما يطول ذكره ولا يمكن استقصاؤه وفي هذا
القدر كفاية لمن أذعن وسلم والله بأحوال أوليائه أعلم قد برزت هذه المجلة من
العدم إلى الوجود بعون الله المحمود بعد أن نقلت أطوارها في مشيئة الأنظار
وتكامل ميلادها في مطارح الأفكار في أوائل جمادى الثانية من شهور
سنة 1091 إحدى وتسعين وألف أحسن الله تقضيها وبارك لنا في
التي تليها على يد مؤلفها ومقررها الفقير في فنون الفضلاء
الحقير في عيون النبلاء السيد أحمد بن السيد محمد
الحسيني الحنفي الحموي فسح الله في مدة من
كان سببا في كتابته ورحم الله
المؤلف والله أعلم
بالصواب وإليه
المرجع
والمآب
(تم)
الحموي - أحمد بن السيد محمد مكي الحسيني الحموي
شهاب الدين المصري الحنفي المدرس بالمدرسة السليمانية والحسنية
بمصر القاهرة توفي سنة 1098 ثمان وتسعين وألف

17
/ 1