بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: ثلاث رسائل ، العوائد والفوائد المؤلف: السيد مصطفى الخميني الجزء: الوفاة: 1398 المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني الطبعة: الأولى سنة الطبع: جمادي الثاني 1418 - آبان 1376 ش المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ردمك: ملاحظات: العوائد والفوائد
1 بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كان يخطر ببالي في بورسا في بعض الأحيان عند الفراغ من الناس
3 فائدة (1) في إرجاع أقسام الاستصحاب الكلي إلى قسم واحد ما يصلح لأن يكون منشأ للشك في الكلي بقاء أمور: منها: الشك في بقاء الفرد الأول المسمى بالقسم الأول من الاستصحابات الكلية. ومنها: الشك في أن الفرد الأول طويل العمر أو قصيره المسمى بالقسم الثاني منها. ومنها: احتمال دخول الفرد الثاني آن خروج الفرد الأول. ومنها: احتمال دخول الفرد الثاني قبل خروج الفرد الأول. ومنها: احتمال بقاء المرتبة الضعيفة من الفرد الأول. وتلك الثلاثة تسمى بالأقسام الثلاثة للقسم الثالث. وهنا منشأ آخر: وهو التردد من أول الأمر في أن الموجود في الدار قليل أو كثير - أي مردد بين الأقل والأكثر - فلو علمنا بخروج الأقل نشك في
5 ارتفاع الكلي. وهذا منشأ آخر للشك في بقاء الكلي غير ما سبق، فإن الفرد المحتمل دخوله في الدار، مسبوق باليقين على خلاف الأصل الجاري في الكلي، بخلافه فإنه من أول الأمر يحتمل الأكثر، ولا يقين سابق على خلافه، لانتقاضه بوجود الأقل قطعا، وهذا الأخير كثير المثال في المسائل. مثلا: لو تردد بقاؤه بالأكثر، ولا معنى لاستصحاب عدم اشتغال الذمة بالدين لانتقاضه بالأقل، ولا لاستصحاب عدم الاشتغال بالمقدار الأكثر إلا بنحو العام المجموعي، فيعلم من ذلك أنه غير الثلاثة من القسم الثالث بالضرورة. وتوهم: أنه من القسم الثالث للقسم الثالث، لأنه الأقل والأكثر، في غير محله، ضرورة أن الكم المنفصل والكيف غير قابلين لأن يجمعهما جهة واحدة، ولأجله يجري الأصل هناك لو كان أثر شرعي، ولا أصل حاكم عليه، بخلافه هنا، فإن البراءة حاكمة على مثل ذلك الاستصحاب نحو حكومة دافعة لا رافعة، بمعنى أن الأصل الحاكم والمحكوم: تارة يكون الشك فيهما فعليا، ويقدم أحدهما على الآخر، وأخرى يكون أحدهما تقديريا، فلا يزول الشك في المحكوم بالحاكم تعبدا، لعدم وجوده فعلا. نعم، بعدما يوجد لا يكون معتبرا، لانتفاء منشأ الشك قبلا بالحاكم، كما في الشك الاستصحابي في الأقل والأكثر والشك
6 البراءتي فيه، فإن الأصل في المسألة الكلية يرفع منشأ الشك الاستصحابي في المسألة الجزئية، فتدبر. فما اشتهر: من أن الاستصحاب الكلي على أقسام (1)، غير تام، بل هو نوع واحد، والاختلاف في الجهة الأخرى، وهي غير محصورة بما أفاده الشيخ الأعظم. نعم، قد يمكن أن يدعى: أن الاستصحاب الكلي يكون متكثرا، لأجل أن الكلي: تارة يكون من الكليات الحقيقية، فإنه في هذه الصورة يجري الأصل في القسم الأول بلا إشكال. وقد يكون من الكليات الانتزاعية، وهي الدائرة في الكتب ضمن المسائل المعنونة في الخلل وغيرها. مثلا: لو علم بوجوب قضاء الفوائت المردد بين الأقل والأكثر، فإنه أحكام متعددة حسب تعدد المقتضيات إلا أن استصحاب الكلي المنتزع وهو وجوب القضاء عليه إلى أن يعلم بسقوطه - في حد نفسه - جار، لما أنه لا يعتبر في المستصحب زائدا على أن يكون في التعبد ببقائه الأثر. وما قيل: لا بد من كونه إما موضوعا ذا حكم أو حكما شرعيا (2)، غير تام، لجريان استصحاب عدم الوجوب وعدم النسخ، فافهم جيدا.
1 - فرائد الأصول 2: 638 - 643، كفاية الأصول: 461 - 463، التنبيه الثالث، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 412، درر الفوائد، المحقق الحائري: 533. 2 - كفاية الأصول: 476، التنبيه العاشر، درر الفوائد، المحقق الحائري: 552 - 553. 7 عائدة (1) حول دلالة قبح العقاب بلا بيان على البراءة العرفية البراءة عن التكليف المشكوك: قد تكون شرعية، ودليلها حديث الرفع (1) ونحوه (2). والمخالف في المسألة
1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رفع عن أمتي تسعة: الخطأ والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق شفة. الخصال 2: 417 / 9، التوحيد: 353 / 24، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الباب 56، الحديث 1. 2 - عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما حجب الله علمه عن العباد، فهو موضوع عنهم. وسائل الشيعة 27: 163، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، وما يجوز أن يقضي عنه، الباب 12، الحديث 33. عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام):... فقال أي أمير المؤمنين (عليه السلام): هم في سعة حتى يعلموا. وسائل الشيعة 25: 468، كتاب اللقطة، الباب 23، الحديث 1. كل شئ لك حلال.... الكافي 5: 313 / 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4. كل شئ مطلق.... وسائل الشيعة 27: 173، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 6. الناس في سعة ما لا يعلمون. عوالي اللآلي 1: 424 / 109. 8 الأخباريون (1). وقد تكون عقلية، ودليلها امتناع الظلم على المولى، فإن العقاب على ما لا بيان من قبل الرب ظلم، وهو ممتنع عليه والمخالف الأشعريون المجوزون الظلم عليه (2)، فعقولهم لا بد أن تحكم بالاحتياط، لعدم الفرار من العقاب منه تعالى حينئذ. وقد تكون عرفية، ودليلها قبح العقاب بلا بيان، فإنه - في حد نفسه - مما يعلم من قبل العرف الحاكم في المسائل العقلائية أنه - تعالى - برئ منه وإن لم يمتنع عليه فرضا. والمخالف هم السابقون أيضا، لتجويز القبيح عليه - تعالى - خذلهم الله الملك الجبار.
1 - الفوائد المدنية: 47 / السطر 13 وما بعده، الحدائق الناضرة 1: 43 - 44. 2 - لاحظ شرح المواقف 8: 173 - 195، شرح المقاصد 4: 278 و 282 و 294، كشف المراد: 302 - 306. 9 فما اشتهر: من التمسك للبراءة العقلية بالقاعدة الأخيرة (1)، غير تام. كما أن توهم عدم كفايتها للبراءة الأخرى المسماة بالعرفية، فاسد، ضرورة قضاء العقول العرفية بذلك. فبالجملة: إذا علم من الخارج أن المولى برئ من المقبحات وليس دأبه ذلك فإنه حينئذ تجري تلك البراءة أيضا، فلاحظ.
1 - فرائد الأصول 1: 335، كفاية الأصول: 390، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 365. 10 فائدة (2) حول قوله (عليه السلام): ولكن انقضه بيقين آخر في معنى قوله (عليه السلام): ولكن انقضه بيقين آخر (1) وهذا بظاهره يستلزم جعل الحجية للقطع، الذي لا تناله يد الجعل والحجية، وفرغنا من ذلك في الأصول، وأن القطع كسائر الأمارات يحتاج إلى التنفيذ (2)، إلا أن من المحتمل كونها إرشادا إلى غاية الحجة السابقة، وأنها تنقض
1 - عن زرارة قال قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال: لا، حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر. تهذيب الأحكام 1: 8 / 11، الكافي 3: 352 / 3، وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1. في المصادر تنقض بدل انقضه. 2 - تحريرات في الأصول 6: 22 - 25، الجهة الثانية. 11 بالحجة الأخرى. ومن المحتمل كونها في مقام إفادة شرطية اعتبار اتصال الشك باليقين زمانا، وأن مجرد الاتحاد في القضيتين المتيقنة والمشكوكة غير كاف، وإلا يلزم حجية الاستصحاب مع تخلل اليقين المخالف، فإنه لو علمنا أن زيدا كان عادلا، ثم علمنا بأنه صار فاسقا، ثم احتملنا ثانيا عدالته، فيلزم صدق القضيتين مع وحدة الموضوع بالضرورة، فيعلم الشرط الآخر، وهو عدم تخلل اليقين المخالف، للزوم الاخلال بالشرط المزبور، كما لا يخفى. بل لو شك في حصول الشرط المذكور، فإنه لا يجري الاستصحاب، فليتأمل جدا.
12 عائدة (2) في بيان قسم آخر من أقسام الاستصحاب الكلي لو علمنا أن أحد الإنائين خمر، ثم احتملنا تبدلهما بالإناءين الآخرين المشابهين لهما، فإنه في هذه الصورة لا تجري الاستصحابات الشخصية الموضوعية والحكمية، لعدم إمكان أن يقال: هذا كان كذا. ثم هنا الاستصحاب الكلي، وهو استصحاب المبغوض في الدار، فإني كنت عالما في أن للمولى مبغوضا في الدار الذي يجب الاجتناب عنه، ولاحتمال التبدل في الموضوع شككنا في بقاء المبغوض فيها وهذا منشأ آخر للشك في الكلي غير المناشئ المعروفة في كلام الشيخ الأعظم (رحمه الله) (1)، ضرورة أن الاستصحاب الشخصي هنا ليس جاريا، فلا يكون من قبيل القسم الأول، وهكذا الاستصحاب الشخصي المخالف للكلي
1 - فرائد الأصول 2: 638. 13 أيضا ليس جاريا، فلا يكون من أقسام القسم الثالث، وليس من القسم الثاني بالضرورة، ولا من القسم الثالث من ثالث الأقسام، فهو قسم آخر، فعلى هذا تكون الأقسام أكثر مما مر في الفائدة الأولى أيضا. هذا حاله ثبوتا. وأما جواز الاتكال عليه ووجوب الاجتناب عن المرددين في الخارج، فهو غير بعيد، كما في القسم الأول، فتأمل جدا.
14 فائدة (3) حول آية وجوب الحج الذي يظهر لي من قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (1) بعد مراجعة السنة - وأن الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر، والعبد إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يعتق (2)، وأن الحج أفضل من الصلاة لاشتماله عليها دونها (3) وأن الحج
1 - آل عمران (3): 97. 2 - الفقيه 2: 267 / 1298، وسائل الشيعة 11: 49، كتاب الحج، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 16، الحديث 2. 3 - عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ويذكر الحج فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء ونحن الضعفاء أما أنه ليس شئ أفضل من الحج إلا الصلاة، وفي الحج ههنا صلاة، وليس في الصلاة قبلكم حج.... محمد بن علي بن الحسين قال: روى أن الحج أفضل من الصلاة والصيام. الحديث. قال الصدوق (في وجه أفضلية الحج عن الصلاة): وذلك أن الحج فيه صلاة، والصلاة ليس فيها حج، فالحج بهذا الوجه أفضل من الصلاة.... الكافي 4: 253 / 7، الفقيه 2: 143 / 626، علل الشرائع: 456 - 457 / 1 و 2 وسائل الشيعة 11: 110 - 112، كتاب الحج، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 41، الحديث 2 و 5. 15 كذا وكذا، وأن البيت لا يخلو من الزائر (1)، وعلى الوالي إلزام الناس بالحج (2)، وغير ذلك - هو أن الآية الشريفة تفيد المطلوبين: أحدهما على
1 - وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (صلوات الله عليه) يقول لولده: يا بني انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا. الكافي 4: 270 / 3، وسائل الشيعة 11: 21، كتاب الحج، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 4، الحديث 2. محمد بن الحسين الرضي في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته للحسن والحسين (عليهما السلام): أوصيكما بتقوى الله - إلى أن قال -: والله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا. نهج البلاغة 3: 86 / 47، وسائل الشيعة 11: 23، كتاب الحج، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 4، الحديث 10. 2 - محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو عطل الناس الحج (لوجب على الإمام) أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا وإن أبوا فإن هذا البيت إنما وضع للحج. الكافي 4: 272 / 2، علل الشرائع: 396 / 1، تهذيب الأحكام 5: 22 / 66، وسائل الشيعة 11: 23 - 24، كتاب الحج، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 5، الحديث 1. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده.... الكافي 4: 272 / 1، الفقيه 2: 259 / 1259، تهذيب الأحكام 5: 441 / 1532، وسائل الشيعة 11: 24، كتاب الحج، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 5، الحديث 2. 16 العموم، وثانيهما على المستطيع - أي البالغ الحر مثلا - وتكون هكذا: لله على الناس حج البيت، وليحج من استطاع إليه سبيلا، والأول بنحو الجعل في الذمة، والثاني إيجاب تفريغها على طائفة. ولعله لأجله أضاف المصدر إلى المفعول به مع وجود الفاعل في الكلام، مع أن أهل الأدب منعوا عن ذلك (1)، وأجابوا على ما ببالي بمثله، ولو كان الأمر كما ذكر فهو لايراث تلك النكتة المؤيدة بالسنة. والله العالم بحقائق كلماته.
1 - لاحظ البهجة المرضية 2: 3، شرح ابن عقيل 2: 102 - 103، شرح الكافية 2: 196. 17 عائدة (3) حول كلمة التوحيد الذي يظهر لي: هو أن كلمة التوحيد تورث الاقرار بالوحدانية في الذات، المستلزمة للوحدانية في الصفات والاقرار بالوحدانية في العبودية. وما اشتهر من: أنه إن كان المحذوف، الموجود فلا يثبت وجوب الوجود، وإن كان المعبود فلا يثبت الوجوب أيضا، وإن كان الوجوب فلا يثبت حصر المعبود (1)، في محله. وما قيل بتعين الأخير، لأن الكلمة] صدرت [في العصر الذي ] كان [يعبد] فيه [غيره، وكان عبدة الأوثان يعتقدونه تعالى، ويجعلونها للتقرب إليه - تعالى -، فهو - تعالى - كان مفروغا عنه وجوده ووجوبه
1 - لاحظ الروضة البهية 1: 7. 18 والاشراك في العبودية انتفى بها، فلا شبهة عليها (1). غير تام، لأنها لا تختص بتلك الأزمنة، وكان المشرك في الذات يقبل إسلامه بذلك، وبالإقرار بتلك الكلمة الربانية من غير حاجة إلى زائد عليها. بل الحق: أن المستثنى منه - المفرغ الكلام منه - متعدد، ولا منع من تعقب الجمل الكثيرة الاستثناء الواحد، كما تحرر في الأصول (2)، وهو يرجع إلى الكل، فيكون هكذا: لا إله واجب ولا معبود إلا الله تبارك وتعالى.
1 - نهاية الدراية 2: 442، نهاية الأصول: 313، مناهج الوصول 2: 226. 2 - تحريرات في الأصول 5: 352 - 356، في بحث حكم الجمل المتعددة المتعقبة بالاستثناء. 19 عائدة (4) في المعاد الجسماني الذي يظهر لي في المعاد: أن المعاد هو الجسماني لا المادي، وبينهما فرق واضح، وما تقتضيه الشرائع والعقول النظرية هو ذلك، دون المادية، بل الآثار البالغة عن الأئمة الطاهرين تنفي المعاد المادي، كما أن الآيات الكريمة والروايات الشريفة تدل على أن المعاد جسماني، فإن نفي أثر المادة يلازم نفيها وإثبات آثار الجسمانية يستلزم ذلك، والذي نفى المعاد الجسماني أراد المادي، ومن أثبت الروحاني والمادي لا يريد منه المادة السفلانية التي هي أرض الطبيعة، ومثل الشيخ المترأس الواقف عقلا في المسألة (1)، كأنه أراد إثبات المادي منه، وهو غير تام بضرورة العقول والمنقول من أوليات
1 - الشفاء، قسم الإلهيات: 423، النجاة: 291. 20 العقول وأرباب أصحابها. وعلى هذا لا إعضال في هذا الأمر، بعد ما نجد صدق الجسم بتعريفه وهو: ما يمكن أن يفرض فيه خطوط ثلاثة على زوايا قوائم، على ما نشاهد في الخيال المتصل، من الجبال الراسيات والأرضين والسماوات وما بينهما. وأما قضية القيامة الصغرى والكبرى - أي البرزخ والحشر - فهو أن النفس بعد ما فارقت الطبيعة، تكون باقية في وعاء من الأوعية حتى تجتمع سائر النفوس، ثم بعدما قاربت في تلك المدة للنقل إلى المحشر والقيامة تحشر يومها. والذي أجده قريبا أن الانسان يدخل في الدار الآخرة، ويجد من نفسه في نفسه المثل المختلفة - من الأشياء وذوي العقول - حسب استعدادات حصلت لها بارتياضات دينية في هذه النشأة الدنية، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما تحتاج الجامعة البشرية إلى الأنبياء والرسل - صلوات لله عليهم - لما نجد في زماننا تعيشهم على نظام متين وقوانين عرفية، وما كان من الممالك اليومية أبعد عن القوانين السماوية، فيكون أقوى تعيشا في النشأة الظاهرة. فبعثة الأنبياء لهداية الناس إلى ما لا فرار منه، ويحصل قهرا من تبعات الأفعال والصفات والاعتقادات بالذات، وترتيب النظم ومنع الهرج بالفرض، مما يكفي القوانين العرفية لذلك، كما نشاهده بالعيان.
21 وبعبارة أخرى: لو كان الحق في تلك المسألة مع أبناء الظاهر، لكانت بعثة الأنبياء شرا، لأجل استلزام العصيان، بعد ما علم الخلق بالأوامر والنواهي الإلهية، ومع فقدهم كانوا جاهلين، وما كان الله يعذبهم إلا أن يبعث رسولا، فبعث الرسول في هذه النشأة لا يستلزم خيرا كثيرا، بعد ما اقتضى الشر الكثير بالنسبة إلى الأكثر، لما نجد أن نسبة العاصين إلى المطيعين أضعاف مضاعفة، فيعلم منه أن السر في البعثة أمر آخر وراء ما تخيلناه. وهذا الذي نذكره ليس مما أعتقده، بل ربما نظن أن يكون الأمر كذلك. والله العالم بحقائق الأمور، فتدبر فيما أسمعناك، فإنه مزال أقدام الراسخين.
22 عائدة (4) حول العلم الاجمالي بالقليل في الكثير ربما يمكن دعوى العلم الاجمالي بنحو القليل في الكثير، بأن الأصول المرخصة الظاهرة - كأصالة الحل والطهارة - تكون في مواقف الحرمة والنجاسة، وهذه الدعوى لكل أحد فيما يأكله ويشربه ويصلي فيه مدة عمره، غير قابلة للانكار، بناء على حجية العلم الاجمالي في العرضيات الزمانية والطوليات، كما هو الحق على المعروف بينهم (1). فلو كان الأمر كما قلنا يشكل العمل، ويلزم الاحتياط إلى أن ينحل العلم، فلا يجوز المبادرة إلى إعمال القاعدتين، للعلم الاجمالي
1 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 108 - 112، تهذيب الأصول 2: 271، مصباح الأصول 2: 369 - 372، ولاحظ تحريرات في الأصول 7: 406. 23 بعدم جريانهما. وبعبارة أخرى: لا شبهة بدوية أصلا، بل الشبهات كلها مقرونة بالعلم الاجمالي، فإنه لو شككنا في طهارة ثوبنا، فإننا نعلم بأنه إما] هو [ نجس أو الثياب الأخر التي نبتلي بها بعد ذلك، أو ابتليت بها قبل هذا، فالأصول الجارية تتساقط، فعليه الاحتياط ما دام لم يستلزم العسر والحرج. وما قيل في الشبهة غير المحصورة لا يجري في القليل في الكثير، بل ربما كان الفرض من الكثير في الكثير، والناس مختلفون في ذلك. هذا، وتنحل الشبهة بأدنى تأمل. يوم الخامس من ربيع الأول
24 فائدة (5) في منجزية العلم الاجمالي بالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء المعروف عدم حجية العلم الاجمالي بالنسبة إلى الطرف الخارج عن محل الابتلاء، وعدم تنجيزه الواقع في سائر الأطراف (1). وخالفهم الوالد المحقق - مد ظله - بلزوم الاحتياط عقلا لتنجيزه، لأن الوجه توهم قبح الخطاب، وحيث إن الخطابات قانونية وليست شخصية، فلا قبح فيه، فليس عدم الخروج من شرائط التنجيز (2). ويمكن دعوى ذلك وإن لم نقل بها، للعلم الاجمالي بالمبغوض، وهو
1 - فرائد الأصول 2: 420 / السطر 11، كفاية الأصول: 410، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 50 - 51، درر الفوائد، المحقق الحائري: 464. 2 - تهذيب الأصول 2: 280 - 284، أنوار الهداية 2: 213 - 219. 25 يورث تنجز الواقع. وتقرر منا في مقام آخر: عدم الحاجة في تنجيز العلم إلى الخطاب والتكليف، بل المدار على العلم بالمبغوض للمولى والملاك والمناط (1). والذي يظهر لي الآن: هو أنه مع فرض تنجز الخارج من محل الابتلاء لا يجب الاحتياط، لأن قاعدة الحل الظاهرية لا تجري في الخارج، فلا معارض للجارية في الداخل، فإنها إما منصرفة عن جعل الحلية للخارج، لعدم الابتلاء به، أو لكونها لقوله (عليه السلام): كل شئ لك حلال (2) في حكم انحلال الخطاب، زائدا على انحلال الحكم، على تفصيل تحرر في محله (3). وبعبارة أخرى: ما قيل في الخطابات القانونية لا يجري في تلك القاعدة. نعم لو كان المجعول بنحو الحكم على العنوان الكلي فهي وغيرها سيان، كما لو كان كذلك المشكوك حلال، وأما بعد ما قال: المشكوك لك حلال فهو جعل للحلية الظاهرية في مورد الابتلاء، دون الخارج من أول الأمر، فإن قلنا بأن الأصول في أطراف العلم الاجمالي
1 - لعله في مختصره النافع في علم الأصول وهو مفقود. 2 - عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك.... الكافي 5: 313 / 40، تهذيب الأحكام 7: 226 / 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4. 3 - لاحظ تحريرات في الأصول 3: 541. 26 لا تجري - لقصور لسانها - فهو، وأما على القول بجريانها في الأطراف وتساقطها، فهي في الداخل جارية، دون الخارج، فلا معارض لها، وتكون النتيجة واحدة، فافهم وتدبر. كما أن الوالد المحقق في الدورة الأخيرة، لدعوى السيرة العملية، بنى على عدم الحجية بالنسبة إلى ما لا يكون مورد الابتلاء الفعلي، فليتدبر. وكان في بورسا أيضا بناؤه عليه لتلك الجهة، ويقول: إن العمل على خلاف ذلك.
27 عائدة (5) في لزوم تعيين يوم المقضي في قضاء الصلوات لا شبهة في وجوب قضاء الصلوات الفائتة المتحدة في الكيف والكم. مثلا: لو كان عليه صلوات الغداة فعليه الاتيان بها، والمشهور على عدم تعيين اليوم المقضي، فيكون اللازم الاتيان بها من غير قصد زائد على قضاء صلاة الغداة. وقد يشكل الأمر عقلا، لأجل أن الطبيعة الواحدة بخصوصياتها، غير قابلة لتعلق الأوامر المولوية المتعددة بها، فإنه قد تقرر في مقامه تداخل المسببات عقلا، وإن تعددت الأسباب (1)، فلا يعقل الأمر بقضاء صلاة الغداة على نعت المولوية مكررا، بل التكرار يورث التأكيد، كما كان
1 - تحريرات في الأصول 5: 112 - 117. 28 الأمر كذلك قبل أن تقضى، فلو ورد في عدة روايات الأمر بالغداة فهي تأكيدات، ولا تقتضي أزيد من فرد واحد لسقوط الكل بإتيانه، ورجوعها إلى التأكيد في مقام الثبوت. وقد أوضحنا المسألة وامتناعه في كثير من المقامات، بل لا يعقل بين المطلق والمقيد، ولأجله لا يجري موضوع البحث في اجتماع الأمر والنهي، إلا في العامين من وجه، أو ما هو بحكمه، وهكذا في مقدمات الترتب. والسر كله: أن الشئ الواحد المتعلق للأمر، لا يعقل تعدد الحب له مستقلا، إلا باللواحق الموجبة لتكثرها، ولا يدعو الأمر إلا إلى متعلقه، وإذا أتى به يسقط، فلا وجه لبقائه وإن أمكن تعدده حدوثا. فعلى هذا لا بد من اختيار اعتبار تعيين اليوم المقضي عنه، بعد لزوم التكرار بالضرورة. والالتزام به أيضا مشكل جدا. ومما ذكرناه يظهر لك: أن الجهة المبحوث عنها في الأسباب والمسببات، ترجع في الحقيقة: إلى أن تعدد الأمر المولوي إنشاء ممكن أم لا، مع وحدة المتعلق، وإن كان الحق أيضا سقوط الكل لو فرض إمكانه بإتيان الفرد، لتمامية داعويته بإتيانه حسب الموازين العقلية في تلك المسألة، لا العرفية، فراجع كتابنا في الأصول (1).
1 - لعل مراده (قدس سره) من كتابنا في الأصول المختصر النافع في علم الأصول الذي كتبه في قم المشرفة وهذا الكتاب مفقود، لاحظ تحريرات في الأصول 5: 86 و 116 - 117. 29 وتنحل الشبهة: بأن الأمر - على ما تقرر منا في صلاة القضاء (1) - ليس في المسألة مولويا، وقد حققناه في بعض الرسائل الأخر (2) أيضا، بل الأمر لإفادة إمكان التدارك، ولذلك لا يعاقب تارة على ترك الصلاة في الوقت، وأخرى على تركها خارج الوقت، بل مع عدم التدارك بالقضاء يعاقب على تركها، ومع الاتيان بها لا يعد تارك الصلاة، ويعاقب على ترك مصلحة الوقت، كمن يعاقب على ترك مصلحة الطهارة المائية لو أراق الماء وصلى بتيمم. وبعبارة أخرى: العقل يحكم بلزوم القضاء بعد كشف الشرع عن إمكان التدارك، ويحصل به تخفيف العقاب. وهذا من غير فرق بين العاصي في الوقت والمعذور، فإنه بعدما توجه بالدليل إلى إمكان تدارك ما فاته في الوقت ولم يتداركه، يصح عقابه على ترك الصلاة في الوقت. ولعمري إن ذلك هو مفاد أخبار القضاء الآمرة بالمماثلة، وليست مورثة لوجوبه، فإن قوله (عليه السلام): من فاتته الفريضة فليقضها كما فاتت (3)، أو قوله (عليه السلام): اقض ما فات كما فات (4)، ليس ناظرا إلى إيجاب القضاء، بل
1 - لم نعثر على هذه الرسالة. 2 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة: 23. 3 - وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من فاتته فريضة، فليقضها كما فاتته. عوالي اللآلي 2: 54 / 143، و 3: 107 / 150. 4 - زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: يقضي ما فاته كما فاته... الحديث. الكافي 3: 435 / 7، تهذيب الأحكام 3: 162 / 350، وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1. 30 النظر فيها إلى إيجاب المماثلة، وحينئذ يدرك إمكان التدارك، وهو موضوع وجوب الاتيان بها، فرارا عن العقاب المتوجه إلى تارك الصلاة، فافهم وتدبر. وقد يشكل ذلك: من حيث إن إمكان التدارك يكفي لوجوبه لو تركها في الوقت عمدا، وأما لو تركه جهلا ومع العذر فلا، لأنه مصون من العقاب، فيعلم إيجاب الشرع عليه مستقلا، فتعود الشبهة في هذه الصورة. ويمكن حلها: بأن يقال بالأمر المولوي في القضاء، إلا أنه لا يتعدد بتعدد المقضي، بل هو أمر بقضاء الفريضة، والتعدد في المتعلق بعد وجود الجامع، لا يورث تعدد الأمر، فيكون الواجب قضاء الفائت، سواء كان واحدا أو كثيرا. يوم الثالث والعشرين من ربيع المولود
31 فائدة (6) حول الثواب والعقاب لو كان حديث عقاب الأعمال وثوابها ما حدثت به الفلاسفة المشاؤون ببراهينهم الظنية (1)، والاشراقيون بوارداتهم القلبية (2)، وأصحاب الحكمة المتعالية بهما (3): من أنهما تبعات الأعمال والصفات والذات، وتنقسم إلى جحيم الأفعال والصفات والذات، وجنة الذات... وهكذا، على ما شرحه الراسخون فيها، ومنهم الوالد المحقق - مد ظله - في بعض كتبه القيمة (4) - حفظه الله تعالى ورده إلى وطنه سريعا عاجلا
1 - الشفاء: 427 - 432، شرح الإشارات 3: 328 - 333. 2 - حكمة الاشراق 2: 229 - 235، شرح حكمة الاشراق: 508 وما بعدها، فصل في بيان أحوال النفوس الانسانية بعد المفارقة. 3 - الحكمة المتعالية 9: 319 - 328، فصل 24. 4 - شرح چهل حديث: 13 وما بعدها و 361 - 363، أنوار الهداية 1: 89 - 90. 32 سا لما غانما على ملك لا ينبغي لأحد من بعده حتى يحيي به الاسلام بعد موته والروحانيين بعد فنائهم واضمحلالهم - من غير فرق بين القول بانحصارهما فيها، أو القول بالجمع بينها وبين ما يقول أصحاب الأخبار وأرباب الفتوى والاجتهاد ومتكلمي الشيعة حديثا وقديما (1)، من الجعالة كما اقتضته الآيات الكثيرة والروايات المتواترة، لما كان يبقى الخفاء في ذلك، للزوم إعلام الشريعة بمثل تلك التبعات على وجه لا يخفى على الأصاغر من العوام، فضلا عن الأعلام من العلماء، فإن القيام بإعلان مثل ذلك من أهم الوظائف الإلهية، لأن نتيجة ذلك أن العقاب أمر قهري لا فرار منه، والشفاعة لا تورث إلا التعجيل، وهذا أمر لا يجوز على النبي والهداة من بعده عقلا، الاتكال في إفهامه على بعض الظواهر من الآيات وبعض النصوص من الروايات، بل الواجب عقلا عليهم القيام بإعلامه في كل ليل ونهار، والتصريح بذلك في النصوص القرآنية والسنة النبوية والعلوية كرارا فوق التكرار، فالاتكال على مثل قوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) (2) أو قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (3)، وأمثال ذلك مما لا تتجاوز عدد الأصابع، غير تام، مع معارضتها بالآيات الكثيرة الظاهرة المنصوصة في الجعالة، وأنهما مجعولان على الأعمال الخيرة
1 - بحار الأنوار 7: 229 - 230، و 71: 292، كشف المراد: 407 - 409. 2 - آل عمران (3): 30. 3 - الزلزلة (99): 7 - 8. 33 والشرة، مع أن تلك الآيات لا تدل على أن العقاب والثواب كذلك، فإن حضور المعمول خيرا وشرا بنفسهما لا يورثان الثواب والعقاب بحصولهما، بل ذلك في حكم الشاهد، وأنه مما لا يخفى على العباد يوم المعاد، وأما تأذي العامل بتلك الصورة المؤذية التابعة للعمل السوء، وهي هو في تلك النشأة، وتنعم العامل بتلك الصورة الملذة التابعة للأعمال الحسنة، بل هي هي في تلك الدار، فلا دلالة لها عليهما. بل الغاية دلالتها على عدم خفاء شئ حتى ينكر الناس ما صنعوا من الشر، وهذا من الآثار الحاصلة، لأن تلك الدار مقام جمع الأشياء، بخلاف هذه الدار، ولكن كون العقاب والثواب من التبعات، حتى نحتاج إلى صرف الأدلة الأخرى عن مصيرها - على ما تقرر في الكتب التفسيرية (1) أحيانا، وبعض الكتب العقلية، مثل الأسفار (2) وسائر كتب هذا النحرير (3) - فهو في غاية البعد، لما مر ومضى. وإني كنت من القاطعين بتلك المقالة ومن الخائضين فيها وفي أدلتها، وقد أقمنا بعض الشواهد بل البراهين الخاصة، إلا أنه بعد ما تنبهت على اختفاء ذلك على أبناء الشريعة ورواة الحديث وفقهاء الاسلام والشيعة، عدلت عنها، ولو كان الأمر كما يقولون لما كان يخفى، بل تصير كالنار على المنار، بل كالشمس في رابعة النهار، ويزداد في الوضوح
1 - تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 3: 322، و 5: 187 - 188. 2 - الحكمة المتعالية 9: 369 - 372. 3 - الشواهد الربوبية: 329 - 332. 34 على عدد الصلوات وعلى وجوب الخمس والزكاة، لأهميتها منها عند العقل والشرع. فتحصل: أن الأظهر هو القول بالجعالة، حسب الآيات الباهرات والشواهد الظاهرات وسائر القرائن والدلالات، وليس الأمر كما زعمه الناس، إلا أنه مع احتمال ذلك، يجب عقلا المواظبة على ترك الأخلاق السيئة، والمراقبة الشديدة على تزكية النفس عن الرذائل، وتحليها بالمكارم والمحاسن، حذرا من الوقوع في تلك المها لك، ولأجل ذلك قيل بالاحتياط في الشبهات، لأن تبعات الخمر المشكوك تظهر - كسكرها - في اليوم الآخر. ولعمري هل يعقل أن يكتفي الشرع بما هو شأنه تنجيز العقل ذلك مع احتماله، على تلك الظواهر النادرة المذكورة في الهوامش والحواشي، أو كان عليه أن ينادي كل صباح ومساء بأعلى صوته، مع النصوص المقرونة بالأيمان والبينات، ويأمر الناس بنشر ذلك الحديث وتلك العواقب، والحكاية للآخرين والكتابة، لأن يطلع عليها من يأتي بعد ذلك؟! وكل ذلك لما نجد فيها من الأمر العظيم. ولكنه مع ذلك لم يعهد منه شئ، فيعلم عدمه جيدا، بل الترخيص في الشبهات، ومعذورية الجهال القاصرين، من الشواهد القطعية على أن الأمر ليس كما زعموا. فتحصل: أن مقالة هؤلاء الأعلام - قدس سرهم - وإن وافقتها بعض
35 الآيات والروايات، وتدل عليها البراهين غير التامة، ولكنه ينافيها كثير من الأدلة الأخرى والاعتبارات الأخر، مثل ما أشرنا إليه، فعليك بالتأمل في المسألة وفيما يرتبط بها، مثل حديث الشفاعة (1)، وغفران الذنوب كلها إلا الشرك بالله العظيم (2)، وسعة الرحمة الإلهية (3)، ونجاة أبناء
1 - منها: حمران بن أعين: قال الصادق (عليه السلام): والله لنشفعن لشيعتنا، والله لنشفعن لشيعتنا، والله لنشفعن لشيعتنا حتى يقول الناس: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم. لاحظ بحار الأنوار 8: 29 - 63. 2 - النساء (4): 48 و 116. قال أبو هاشم: سمعت أبا محمد يقول: إن الله ليعفو يوم القيامة عفوا يحيط على العباد، حتى يقول أهل الشرك: والله ربنا ما كنا مشركين فذكرت في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ إن الله لا يغفر الذنوب فقال الرجل: ومن أشرك؟ فأنكرت ذلك وتنمرت للرجل فأنا أقول في نفسي إذ أقبل علي فقال: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء بئسما قال هذا وبئسما روى. بحار الأنوار 6: 6 / 12. 3 - كما في قوله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شئ) الأعراف (7): 156، والأنعام (6): 147. (فلما أفاق موسى مما تغشاه) إلى أن قال، فقال تعالى: (عذابي أصيب به من أشاء، ورحمتي وسعت كل شئ...). بحار الأنوار 90: 21. عبدي أنا الله الواسع الكريم، الذي لا ينفد خزائني ولا ينقص رحمتي شئ بل وسعت رحمتي كل شئ.... بحار الأنوار 90: 389، و 92: 459 و 466. 36 الشيعة، وأنهم غير مسؤولين في النشأة الآخرة، دون المتوسطة وفي البرزخ (1)، فإن هذه المسائل كلها، شواهد قطعية على أن الأمر ليس كما تخيلوه، والعمدة ما ذكرناه. وإلا فقد فرغنا في بعض كتبنا من معنى الغفران والشفاعة (2) المناسب مع تلك المقالة أيضا، إلا أنه خلاف ما يفهمه الناس منها، وليس القرآن والسنة مشتملين على إغراء الناس وتغريرهم، بإرادة خلاف ما يفهم من ألفاظهما وإشاراتهما حسب ما يظنه بعض السلف. وما أفاده الشيخ المترأس: بأن العقاب إما للتشفي فهو جليل عنه، وإما لعدم حصول التكرار فتلك الدار دار الفراغ من التكاليف (3). غير محصور، فإن العقاب لتشفي المؤمنين العاملين، وأنهم يرون ما يصنع بالمخالفين حذاء ما صنعوا بهم في هذه الدار، من الاستهزاءات المختلفة في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية. وهذا هو المستفاد من
1 - وروى عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني سمعتك وأنت تقول: كل شيعتنا في الجنة على ما كان منهم. قال: صدقتك كلهم والله في الجنة قال: قلت جعلت فداك إن الذنوب كثيرة كبار. فقال: أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ. قلت: وما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة. الكافي 3: 242 / 3، بحار الأنوار 6: 267 / 116. 2 - لعله (قدس سره) أراد من بعض كتبنا القواعد الحكمية وهي مفقودة. 3 - رسالة في سر القدر، المطبوع ضمن رسائل الشيخ أبي علي سينا: 240. 37 الكتاب الإلهي الصريح في اطلاع أهل الجنة على أهل النار وأنهم هناك يجزون بما كانوا يعملون (1). ولعمري هو أهم الجهات المقتضية لعقاب العصاة والكفار. ومن عجيب ما يستدل على تلك المقالة قوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس) (2)، حيث قال في الأسفار - على ما ببالي من قديم الأيام -: إنها تقول فيه ما تشتهي، لا أن المشتهى موجود بدون الاشتهاء (3). وفيه: أنه لم يقرأ بعده قوله تعالى: (وتلذ الأعين)، وهذا النحو من الاستدلال كثير، مثل الاستدلال بقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (4) أنه هو القضاء التكويني، فتشهد الآية على أن العبادة لا تقع إلا لله - تعالى -، وهذا لعدم التوجه إلى ذيلها (وبالوالدين إحسانا). ولو صحت تلك المقالة - كما هو الحق على ما تقرر منا في محله (5) - لا تدل الكريمة عليها، دون بعض الكرايم الأخر، وهذه المسائل العلمية المخصوص إدراكها بالمتعمقين من آخر الزمان - كما
1 - الصافات (37): 50 - 61، الأعراف (7): 44، المدثر (74): 39 - 47، المطففين (83): 34. 2 - الزخرف (43): 71. 3 - الحكمة المتعالية 9: 378 - 379، لاحظ علم اليقين، الفيض الكاشاني 2: 1059 - 1062. 4 - الإسراء (17): 23. 5 - لاحظ تحريرات الأصول 3: 166 - 168. 38 في رواية الكافي لسورة التوحيد (1) - غير هذه المسألة المبتلى بها الناس في الآخرة، التي لا بد من اطلاعهم عليها حتى يحترزوا عن الشبهات، فضلا عن الصغائر والكبائر، فلا ينبغي الخلط بينهما، كما لا يخفى. فبالجملة: قلما يتفق الفرار من العصيان مع الجهل بكيفية العذاب، وبتلك الكيفية التي هي مقا لتهم، فلو أريد تركهم عصيانه - تعالى - لكان عليهم إفهامهم بها. والله العالم. ولعمري لو كانت المسألة ما حدث به هؤلاء الأعلام، لكان عليه - تعالى - إرسال الرسل في كل عصر وفي كل مصر بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات، وما كان يصح طي هذه المرحلة من المجازاة، مثل ما يصنعه الناس والولاة والسلاطين في عقوباتهم] ببث [القوانين على النهج العادي والمتعارف.
1 - سئل علي بن الحسين (عليه السلام) عن التوحيد فقال: إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى (قل هو الله أحد) والآيات من سورة الحديد إلى قوله: (وهو عليم بذات الصدور) فمن رام وراء ذلك فقد هلك. الكافي 1: 91 / 3، التوحيد: 283 / 2. 39 عائدة (6) حول الحسن والقبح كل عنوان من العناوين وحيثية من الحيثيات إذا لا حظه العقل: فإما يدرك حسنه لذاته أو لغيره الملحق به، أو يدرك قبحه كذلك، وليس شئ خارجا عنها بمعنى عدم إدراكه ذلك منه، لأنه ليس عنوان لا يكون كذلك، لما أنه إما من الأمور المستقلة في الخيرية والشرية والظلم والعدل، أو مما يرتبط بتلك الأمور أحيانا. نعم، عناوين الماهيات تكون خارجة عن ذلك بالذات، وتلحق بها تلك العناوين بلحوق الجهات المقتضية لها من الخيرات والشرور. والمقصود هنا ليس بيان أن كل العناوين الخيرية ترجع إلى خيرية الوجود، والشرية إلى شرية نقيضه، ولا المقصود ذكر أن العناوين المقبحة ترجع إلى قبح الظلم، والمحسنة إلى حسن العدل
40 والاحسان، بل المرام بيان أن كل عنوان بذاته إما كذا أو كذا، ولا يعقل أن يكون بذاته حسنا بالقياس إلى جهة وحيثية، وقبيحا بالقياس إلى الأخرى. مثلا: الكبر والتكبر: إما حسن بذاته وقبيح بالعرض، أو قبيح بذاته وحسن بالعرض، ولا معنى لأن يكون بذاته حسنا لله - تعالى - وقبيحا للخلق إلا للمتكبر. وقد أوضحنا ذلك في المكاسب المحرمة (1). والمختار هناك في المسألة: حسن الكبر بذاته، وقبحه] بالعرض [ لدخول المتكبر في حريم كبريائه تعالى، بمعنى أن العقل المدرك لحيثية الممكن ومقدار حاجته، لا يليق له التكبر. نعم، عقل منكر المبدأ الأعلى ربما يدرك قبحه لجهة أخرى أخلاقية. والآن حان وقت إفادة المرام وهو: أن العبودية من المقبحات العقلية، وپرستش وأمثال ذلك بنفس ذاتها قبيحة جدا، إلا أن العقل المدرك أن نيل الأهداف العالية الانسانية وما فوقها لا يتحقق إلا بها يوافقها ويأمر بها، ولا معنى للتفصيل بين عبوديته - تعالى - وغيره، فافهم وتدبر. ومن ذلك الخضوع والخشوع والسجدة والركوع والحمد
1 - الظاهر أن كتاب المكاسب المحرمة من تحريرات في الفقه كتبه (قدس سره) في قم المشرفة ومما يؤسف له فقدان هذا الكتاب وعدة أخرى من كتبه. 41 والشكر، فإن هذه العناوين كلها من المقبحات الواضحة، ولا سيما شكر المنعم بالانعام المادي، فإنه من أقبح المقبحات، ولكنها إذا أضيفت إلى الرب الودود والواجب الفرد الوتر - لجهات عرضية - تجب عقلا أحيانا، لتوقف إدراك المصالح العالية عليها، والوصول للغاية القصوى لا يتيسر إلا بها. تو خود حديث مفصل بخوان از أين مجمل، وهو العليم.
42 فائدة (7) في السؤال عن الله سألته عن الله؟ قال: من نظر فيه هلك. قلت: زدني بيانا. قال: كيف يصل إليه من هو بذاته دونه. قلت: زدني بيانا. قال: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) (1). قلت: زدني بيانا. قال: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) (2). قلت: زدني بيانا. قال: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير) (3). قلت: زدني بيانا، قال: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) (4) قلت: زدني بيانا، قال: (وهو معكم أين ما
1 - البقرة (2): 29. 2 - آل عمران (3): 6. 3 - الطلاق (65): 12. 4 - الحديد (57): 3. 43 كنتم) (1) (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) (2). قلت: هو (أينما تولوا فثم وجه الله) (3) و (هو معكم أينما كنتم) (4) قال: هما معا، والثاني مقام المقدمين. قلت: كيف هو معنا والناس في الاختلاف؟ قال: ما معكم غير محكوم، وما هو المحكوم ليس معكم، (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) (5). قلت: هل في الدار غيره ديار؟ قال: كلا. قلت: كيف؟ قال: أفما قرأت القرآن؟ قلت: بلى. قال: (الحمد لله رب العالمين) (6)، وإلا لو كان يشترك معه فيه أحد لكان كذبا. قلت: زدني بيانا. قال: (الله نور السماوات والأرض) (7)، وليست الأرض ذات نور، فإنها من الأجسام المظلمة. قلت: تلك الأجسام على الدوام تغيرت. قال: (نور على نور يهدي الله لنوره) (8) فهو لا يهتدي إلا للمضاف. قلت: هو على كل شئ قدير. قال: لا يقبل الهداية إلى نفسه. قلت: بيده كل شئ. قال: والله العالم.
1 - الحديد (57): 4. 2 - المجادلة (58): 7. 3 - البقرة (2): 115. 4 - الحديد (57): 4. 5 - الفرقان (25): 45. 6 - الفاتحة (1): 2. 7 - النور (24): 35. 8 - النور (24): 35. 44 عائدة (7) حول الحديث المعروف ما أوذي نبي... الذي يحتمل في معنى الحديث المعروف: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت (1) بعدما راجعت ما كنت فيه، وهو الاقصاء من بلدتي قم وإدامة الحياة في بورسا، فإني في جميع الأحيان كنت أرجو العود إليها، مع أن بلدة بورسا بالنسبة إلى بلدتي - من جهة المحاسن الطبيعية - كالفردوس الأعلى، وتلك البلدة تقرب من بعض غرف الجحيم، إلا أن ذلك] كأن [لم يكن، لأن شدة الأنس بها، والعلقة بالأصحاب والسنخية بيني وبين هؤلاء الكرام، يحرضني على ذلك، فملاك الراحة في هذه النشأة، ليس اجتماع أسباب المعيشة بالنحو الأعلى والأحسن، فكم من جماعة يعيشون في البوادي وهم لا يرجون الأمصار طرفة عين، وكم من أهل
1 - بحار الأنوار 39: 56. 45 البلاد والقرى، لا يقدرون على أن يبيتوا فيها ليلة بل وساعة، ويتأذون لبعدهم عن الوطن الأصلي، وفراقهم الأحباء والمسانخين، مع التئامهم بالأضداد، وتلك المصيبة من أعظم المصيبات، والعذاب هذا من أشد ما يعذب به الله - تعالى - خلقه، كما نحن الآن واقعون فيه، فإن الوالد المأنوس بالأخيار وأصحاب الكمال والأسرار، قد ابتلي في بورسا ببعض رجال الدولة الترك والإيرانيين، ويعيشون معه في الليل والنهار، ويصبر على ذلك. جزاه الله تعالى خير الجزاء. فبالجملة: بعد ما عرفت تلك المقدمة نجد معنى آخر له، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذاته ووجوده من عالم القدس والأسماء وهو ابتلي بتلك النشأة، ولما كان أعظم خلق الله علقة به - تعالى -، وأشدهم أنسا به - تبارك وتقدس -، فهو أعظمهم في المصيبة، وهو أبلاهم بالايذاء، فيقول مثلا: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت (1). ويحتمل أن يراد من الحديث المعروف: من ترك أكل اللحم أربعين يوما فليؤذن في أذنه (2) أن ذلك لأجل صيرورته بعد تلك الرياضة كيوم ولدته أمه، فيؤذن في أذنه.
1 - الجامع الصغير 2: 144. 2 - هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اللحم ينبت اللحم، ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه، ومن ساء خلقه فأذنوا في أذنه. الكافي 6: 309 / 1، المحاسن: 465 / 433، وسائل الشيعة 25: 40، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 12، الحديث 1، بحار الأنوار 63: 67 / 42. 46 ومن الحديث المعروف: من بلغ أربعين ولم يتعص فقد عصى (1)، أي لم يأخذ عصا الاحتياط في المشي على أرض الديانة. فبالجملة: ربما كانت المعاني المتفاوتة العالية والمتعالية، مرادة من تلك الأحاديث الشريفة على نعت جمع الجمع، وإليه تشير أيضا الأخبار الدالة على أن للكتاب (2) والسنة (3) بطنا وبطونا، وكثيرا ما يكون لكل حديث معنى آخر وراء ما يفهمه العوام والعلماء، ولا بد من الدقة فيها وبعض الأمور الأخر لنيلها. والله العالم. يوم السبت في بورسا الثالث والعشرين من ربيع الثاني سنة الخمس والثمانين.
1 - رسالة السير والسلوك، بحر العلوم: 33. 2 - جابر بن يزيد الجعفي، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شئ من التفسير فأجابني، ثم سألته عنه ثانية، فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: يا جابر إن للقرآن بطنا وللبطن بطنا وله ظهر وللظهر ظهر. المحاسن: 300 / 5، بحار الأنوار 89: 91 / 37، و: 94 / 45. 3 - إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قاعدا في المسجد وعنده جماعة من أصحابه، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال لهم: ويحكم إن كلامي صعب متصعب لا يعقله إلا العالمون. بحار الأنوار 42: 189. 47 فائدة (8) في السؤال عن الدعاء سألته عن الدعاء؟ قال: هو العبادة، لا الاستعجال والاعداد. قلت: زدني بيانا لكيفية استجابتها. قال: هو - تعالى - قريب يسمع، وسميع يقدر، فيستجيب. قلت: ليس الأمر كذلك، قال: كيف، وإذا دعاه أهلها يجيبهم؟! قلت: إن كان فيه الصلاح فيعطيه، وإلا فلا حاجة إليها. قال: هو يريد التماسه وخضوعه وخشوعه. قلت: هو غني عن ذلك. قال: فيه خير لنفسه كسائر عباداته. قلت: فكيف يجيب دعوة الداع إذا دعاه؟ قال: قدر دعاءه وقدر مدعوه حسب الصلاح. قلت: زدني بيانا. قال: لا تستجاب الدعوة بمعنى الجهل ثم التنبيه، وبمعنى الغفلة ثم التذكر، فإنه استجابة الموالي للعبيد. قلت: زدني بيانا. قال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (1)؟
1 - الملك (67): 14. 48 قلت: بلى. قال: فإذا يخلق يقدر أسبابه، ومنها دعاؤه. قلت: فهي الاعداد، قال: إعداد لكل متأخر. قلت: إني أجد من الناس من تستجاب دعوته إذا دعاه. قال: هو يعلم تقديره، فيدعوه فيجاب. قلت: قد لا يكون الأمر كذلك. قال: قدر استجابة دعوة الداع من عباده: (وإذا سألك عبادي عني...) (1) دون عبدة الأوهام والأصنام. قلت: الدعوة إلى الدعاء عامة، والاستجابة قليلة. قال: هي كثيرة. قلت: كيف؟ قال: ما من عبد يدعوه إلى أمر من الأمور الدنيوية، إلا ويدعوه الآخر إلى نقيضه، فهو أو أخوه مستجاب الدعوة، والله المجيب دعوة الداع. يوم الجمعة في بورسا.
1 - البقرة (2): 186. 49 عائدة (8) في شمولية حرمة الظلم لجميع المحرمات مقتضى الكتاب والسنة حرمة الظلم، وأن الظالمين يعاقبون، ومقتضى إطلاقهما أنه أعم من الظلم للنفس والغير، ومن الظلم للنفوس والأموال المحترمة، ومن الظلم بالنسبة إلى المناصب والمقامات، وبالنسبة إلى الجهات والعناوين، وعندئذ يلزم حرمة العناوين المحرمة الشرعية مرتين: حرمة لعناوينها الذاتية، كعنوان غصب المال والمقام، وعنوان التصرف في مال الغير من غير إذن منه، وعنوان الزنا والسرقة والقمار وشرب الخمر وغيرها. وحرمة لعنوان الظلم، لاتصاف جميع المحرمات الشرعية بذلك، وحيث لا يعقل ثبوتا تعدد الحرمة في المسألة، لأن العناوين الشرعية
50 المحرمة في الكتاب والسنة، لا تخلو من قابليتها لأن تعلل بأنها الظلم بالنفس أو الغير، بالفرد، أو المجتمع، وقد تعلل به من جهات متعددة، وتكون النسبة عموما مطلقا لا من وجه، وليس في المحرمات الشرعية ما هو خارج عن عنوانه، وتكون الجهة التعليلية عرفا ذلك وإن كانت الملاكات الأخر أيضا في البين، فحينئذ إما لا بد من حمل تلك النواهي على الارشاد إلى مصاديق الظلم، لأن مصاديقها مما تخفى على عقولنا، ولا يصل إلى إدراكها مدارك أبناء البشر، أو حمل نواهي الظلم على الارشاد، أو حمل المادة فيها على غصب المناصب الحقة وأمثالها. المعروف بينهم هو الثاني وربما كانوا معتقدين بالثاني من الحمل الثاني. والله العالم. والذي يناسب الحكم والموضوع وتقتضيه الصناعة هو الأول، ضرورة أن الجهة التعليلية إذا كانت محرمة، فالعناوين العرضية تكون حرمتها لأجل تلك الجهة الذاتية، المجتمع عليها الشرع والعقل، فإن شرب الخمر بما هو شرب الخمر ليس عند العقل ممنوعا، إلا أنه بما هو إخلال بالنظام الاجتماعي، وإضرار بالفرد في النشأة الظاهرة بالوجدان، وفي النشأة الآخرة باكتشاف الشريعة، وظلم للنفس روحا وبدنا، مثلا يكون ممنوعا فيما أنه ظلم ممنوع عقلا، والشرع لذلك نهى عنه، وليس يلزم من ذلك جواز شرب الخمر أحيانا، لأن إضراره بالنفس في النشأة الآخرة، من آثاره على الاطلاق بكشف الشرع وبمنعه، إلا أنه ليس
51 منعا مولويا عنه، بل هو منع مولوي عن الظلم، وبيان شرعي لمصداقه وموضوعه. وعلى هذا دعوى: أن المحرم في الشريعة عنوان واحد، وكل ما يصدق عليه ذلك عقلا وعرفا فهو ممنوع بالعقل، وكل ما لا يصدق عليه ذلك، ولكن اقتضى إطلاق دليل منعه، فهو في الحقيقة في حكم الكاشف الالتزامي عن الظلم للنفس، وفي حكم تخطئة العرف في فهمه وتنبيهه على المصداق المجهول عنده. غير ممنوعة ثبوتا، ولا تستلزم إشكالا لا يلتزم به الفقيه. ونتيجة ذلك: أن المؤاخذة في الدار الآخرة تدور مدار الظلم في مرتكب المحرمات، فلاحظ وتأمل جيدا. يوم الثالث من جمادى الأولى
52 فائدة (9) حول عدم جواز الافتاء متفردا الأعذار والحجج العقلائية - التي يحتج بها العباد ورب البلاد - ربما تختلف باختلاف الأعصار والأمصار، وما كان حجة للعبد يوم الميعاد في السنوات الماضية، لا يعد حجة فيه في هذه الأيام، ومن ذلك أن بناء العقلاء وعادة الأقوام والملل اليوم، بعد عثورهم على أن التوحد والتفرد في العلوم والفنون، يؤدي إلى خلاف الواقع، ويستلزم تبدل الآراء يوما فيوما، قد بنوا بعد ذلك على المراجعة فيها بعضهم مع بعض، بإرسال المكاتيب وإيجاد الجلسات لتبادل الأفكار حتى يظهر لهم الحق والحقيقة، ويذمون المتفردين في تحصيل الواقعيات، وربما يعدونهم من المجانين، لما رأوا فيه الأغلاط الكثيرة والخطأ غير اليسير. فعلى هذا لا يجوز لأحد من المجتهدين الكرام والمحققين العظام،
53 إظهار رأيه وإعلام مرامه في المسائل النظرية، خصوصا المسائل العملية الفرعية، التي لا مستند لها إلا المآثير المخلوطة بالأباطيل مع بعد العصر والمصر، ويجب عليهم تبادل أفكارهم والمباحثة حولها، وحول الجهات الموجبة لاختلاف أنظارهم في العصر الواحد، حتى يصح لهم الاحتجاج عندما ينكشف الخلاف، وإلا تكون حجة الرب عليهم قاطعة، ولا عذر لهم، لعدم الدليل اللفظي على صحة تلك الطريقة، وهي التفرد في كشف الواقعيات من الآيات والروايات. نعم، لو لم يحصل لهم الاتفاق في الرأي، فعلى كل واحد منهم إعلان رأيه وإظهار مرامه، وإليك اليوم المسائل الفنية والعلمية من الفنون المستحدثة، أو من قبيل علم الطب وغيره. ودعوى: أنها حرج وغير ميسور، خصوصا في المسائل الجزئية. مدفوعة: أولا بممنوعيته. وثانيا: كثير من الاختلافات في المسائل الفرعية نشأت من التشتت في الكبريات الكلية والقواعد العامة، ولو كان حرج فهو مقصور على الفرض الأول دون الثاني، مع أن التمسك بها في هذه المسألة مخدوش، كما لا يخفى. يوم السبت، الثاني والعشرين من جمادى الأولى في بلدة بورسا حينما يكون أبي نائما.
54 عائدة (9) حول التفصيل بين أمثلة الشبهة المصداقية للتمسك بالعام في مسألة التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية ربما تختلف الأمثلة: فإن ما كان من المخصص مخرجا عنها بعنوان غير حيثية العموم، كقوله: لا تكرم الفساق من العلماء، فإنه يأتي البحث المعروف في محله من الجواز وعدمه. وأما ما كان من المخصص مخرجا عن العام بالحيثية التي عليها ورد العموم، فربما لا يصح بلا اشكال، مثل قوله: لا تكرم النحاة، بعد قوله: أكرم العلماء، ضرورة أن حيثية العلم والفسق مختلفتان، فيكون الموضوع للعام محرزا دون الخاص، بخلاف حيثية العلم والنحو، فإنه لا معنى لاحراز الموضوع في العموم دون الخصوص، بل الشك في أنه نحوي أم لا، يرجع إلى الشك في أنه موضوع العام أم لا.
55 وبعبارة أخرى: المخصص في المثال الأول لا يورث تنويع العام عرفا، بخلافه في المثال الثاني، فإنه يورث تنويعه، أي يرجع العموم عرفا إلى إيجاب إكرام الفقهاء والأصوليين والصرفيين، ولو شك في أنه نحوي أم لا، يرجع إلى الشك في أنه فقيه أو أصولي أو صرفي أو نحوي، وحينئذ لا يصح التمسك بالعام بلا إشكال، فليتدبر. وأما المثال الثالث - وهو ما لو كان الشبهة في شمول دليل الحاكم - فإنه ربما يقال بصحة جواز التمسك بعموم المحكوم. ويمكن دعوى أن المسألة - صحة وفسادا - تدور مدار الوجه لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فعلى التحقيق - من أنه يرجع إلى تعنون العام بعنوان الخاص - يجوز التمسك، لعدم تعنون دليل المحكوم بعنوان الحاكم ولتناقض في الاعتبار، كما لا يخفى. وعلى مختار الوالد - مد ظله - من قصور أصالة التطابق بين الجد والاستعمال في مورد الشك المذكور (1)، فلا يجوز لجريان التعليل، فتأمل.
1 - مناهج الوصول 2: 248 - 249، تهذيب الأصول 1: 474 - 476. 56 فائدة (10) حول الاجماع والشهرة في كلمات السابقين (رحمهم الله) المعروف بين المتأخرين أن الاجماع يكون كاسرا وجابرا، فلو تخالف الحديث والاتفاق يضرب الأول على الجدار، ولو حكي الاتفاق وكان محصلا - خصوصا بين القدماء - يفتى على طبقه ويؤخذ به. وألحقنا به الشهرة المعتنى بها، خصوصا في كسرها الرواية دون جبرها، وخالفنا بعض أفاضل العصر مطلقا (1). والذي يظهر أحيانا عدم الثمرة في النزاع الكبروي، لعدم إمكان الاطلاع على صغرى المسألة، فإن دعوى أن الرجوع إلى كتب القدماء وما وصل منهم إلينا، يكفي لكشف حالهم ورأيهم ودعوى اتفاقهم، غير مسموعة فإنه كثيرا ما يتفق في عبارات القوم ما ينافيها ويكذبها، فمنها ما
1 - مصباح الأصول 2: 201 - 203، 240 - 241. 57 قاله العلامة في التذكرة: إن الأشهر عندنا في صحة البيع أنه لا بد من الصيغة (1)، وهكذا قوله في المختلف حيث نسبه إلى الأكثر (2)، فإنه يعلم منه وجود المخالف المعتد به، ولو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور والكثير، مع أنا إذا راجعنا الكتب الواصلة لا نجد فيها قولا واحد، فضلا عن الجماعة الكثيرين. فهذا دليل على أن الأصحاب السابقين، ربما كانوا أصحاب كتب وتأليف وإن لم يحفظ لنا وجودها ولا ذكرها في التراجم، فافهم.
1 - تذكرة الفقهاء 1: 462 / السطر 6. 2 - مختلف الشيعة 1: 348 / السطر 1. 58