أهل البيت (عليهم السلام) و المرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أهل البيت (عليهم السلام) و المرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية - نسخه متنی

عبدالحليم إبراهيم المنسي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أهل البيت (عليهم السلام)
والمرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية





عبد الحليم إبراهيم المنسي ( العزمي )
المشرف العام على مجلّة الإسلام ( وطن )


(250)


(251)


بسـم الله الرحمن الرحـيم


المقدمة:
ان الائمة من اهل البيت عليهم السلام ما كانوا مجتهدين ولا مستنبطين ولكن كانوا رواة سنة لذا فان كل ما صدر عنهم كان سنة وهم يروون ابناً عن اب عن جد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفى ذلك يقول: الامام جعفر الصادق (عليه السلام) (حديثى حديث ابى وحديث ابى حديث جدى، وحديث جدى حديث أبيه وحديث أبيه حديث على بن ابى طالب وحديث على حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل).
ولهذا اصبح أئمة اهل البيت عليهم السلام مصدراً للحديث والرواية وبيان أحكام الشريعة والكشف عن غوامضها.
ان حياتهم المباركة بما أنها حلقات متواصلة مترابطة متفاعلة، لا فاصلة فيها ولا غريب مجهول يخترق امتدادها حتى تتصل برسول الله (صلى الله عليه وآله) فهى تشكل مدرسة وتجربة حية يتجسد فيها الاسلام، وتطبق فيها أحكامه وتحفظ مبادئه وكل ذلك يؤكد لنا الثقة بصفاء المصدر، ونقاء العطاء وأصالة ما صدر عن آل البيت عليهم السلام.
واذا عرفنا كل ذلك استطعنا ان نعرف الاجواء والبيئة والمدرسة العلمية التى نشأ فيها وأخذ عنها اتباع اهل البيت عليهم السلام فنعرف أن مدرستهم فى الحديث والتفسير ومعارف العقيدة والتوحيد وسائر علوم الشريعة إنّما هي النقل
(252)
الأمين والامتداد النزيه لمعارف النبوة، ونقاء الشريعة وأصالة المصدر.
والاحاديث الكثيرة التى وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يحرض ويحفز على متابعة الامام على (عليه السلام) بل يامر المسلمين بذلك وينهى عن مخالفته ويصرح بأن الحق معه ولذلك فجعل ائمة اهل البيت هم المراجمعية العلمية للامة انما هو بأمر من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وليس الى الحق والجنة سبيل غير مذهب أهل البيت وهو مذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقد روى الشيخ سليمان الحنفى القندوزى فى كتابه ينابيع المودة الباب الرابع عن فرائد السمطين لشيخ الاسلام الحموينى بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (يا على انا مدينة العلم وانت بابها ولن توتى المدينة الا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبنى ويبغضك لانك منى وانا منك. لحمك لحمى، ودمك دمى، وروحك من روحى، وسريرتك من سريرتى، وعلانيتك من علانيتى، سعد من أطاعك، وشقى من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، فاز من لزمك، وهلك من فارقك، مثلك ومثل الائمة من ولدك بعدى، مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثلهم
مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم الى يوم القيامة).
ويصرح النبى (صلى الله عليه وآله) فى حديث الثقلين الذى اتفق علماء المسلمين على صحته انكم ما ان تمسكتم بالقرآن وبأهل بيته وعترته لن تضلوا بعده ابدا.
والثقل كل نفيس خطير مصون. وهذا كذلك اذ كل منهما معدن للعلوم الدينية والاسرار والحكم العلية والاحكام الشرعية ولذا حث (صلى الله عليه وآله) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم.
فكل هذه التاكيدات المتتالية من النبي (صلى الله عليه وآله) فى حق اهل البيت تبين ان سعادة الدنيا والآخرة منحصرة فى التمسك بالقرآن والعترة معا وان طريق الحق
(253)
واحد وهو الذى سار فيه اهل بيته.
فهم حماة الدين من تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
قد ذكر ابن حجر الهيتمى فى الصواعق المحرقة ص 90 قال: وأخرج الملا فى سيرته حديث: (فى كل خلف من امتى عدول من اهل بيتى ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).
وذكره المحب الطبري ايضا فى ذخائر العقبى ص 17 عن ابن عمر.

(254)

الفصل الاول
الامام على المرجعية العلمية للامة الاسلامية

الامام على (عليه السلام) هو باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصداقا للحديث الذى اخرجه البزار والطبرانى فى الاوسط والحاكم والعقيلى وابن عدى عن ابن عمر، والترمذى والحاكم عن الامام على قال: قال رسول الله: (انا مدينة العلم وعلى بابها).
وقال الامام على: علمنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الف باب من العلم واستنبطت من كل بالب الف باب (التفسير الكبير للفخر الرازى 8/21).
وقال ابن عباس رضى الله عنهما: والله لقد أعطى على بن ابى طالب (عليه السلام)تسعة اعشار العلم وايم الله قد شارككم فى العشر العاشر. (ابن الاثير فى اسد الغابة 4/100).
ولا يشك المحق البصير والمدقق الخبير بان احدا من اصحاب النبى (صلى الله عليه وآله)لا يقاس بالامام على (عليه السلام) فى العلم والمعرفة، فهو اعلمهم قاطبة وكلهم كانوا يحتاجون اليه فى علم الدين وكانوا يراجعونه في المسائل والأحكام وكان غنياً عنهم. روى العلامة القندوزي الحنفي في كتابه يناييع المودة الباب الرابع عشر فى غزارة علمه (عليه السلام) روايات كثيرة فى هذا المعنى وكلها من الكتب المعتبره لدى العامة فقال: وعن الكلبى قال ابن عباس: علم النبى (صلى الله عليه وآله) من علم الله سبحانه وعلم عليّ من علم النبى (صلى الله عليه وآله) وعلمى من علم عليّ وما علمى وعلم الصحابة فى علم عليّ الا كقطره فى سبعة ابحر.
(255)
وفى اواخر الباب روى عن المناقب عن عمار بن ياسر (رحمه الله) قال: كنت مع امير المؤمنين (عليه السلام) سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا فقلت: يا أميرالمومنين ترى أحداً من خلق الله تعالى يعلم عدد هذا النمل؟
قال: نعم يا عمار، أنا أعرف رجلا يعلم عدده ويعلم كم فيه ذكر وكم فيه أنثى.
فقلت: من ذلك الرجل ؟
فقال: يا عمار ما قرات فى سورة يس الاية 12: (وكل شيء احصيناه فى امام مبين)!.
فقلت: بلى يا مولاى، قال: انا ذلك الامام المبين.
وروى ايضا عن ابى ذر (رحمه الله) قال كنت سائراً مع على (عليه السلام) اذ مررنا بواد نمله كالسيل فقلت: الله اكبر جل محصيه قال (عليه السلام) : لا تقل ذلك ولكن قل : جل بارؤه. فوالذى صورنى وصورك، انى احصى عددهم واعلم الذكر منهم والانثى باذن الله عز وجل.

ابن أبى الحديد يصف علوم الامام على (عليه السلام):
قال ابن ابى الحديد فى مقدمته على شرح نهج البلاغة: وما اقول فى رجل تعزى اليه كل فضيلة، وتنتهى اليه كل فرقه وتتجاذبه كل طائفة فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلى حلبتها كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى.
وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الالهى لان شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه اشرف الموجودات..
ومن كلامه (عليه السلام) اقتبس وعنه نقل واليه انتهى ومنه ابتدأ.
(256)
ومن العلوم علم الفقه وهو عليه السلام أصله وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه.
ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرع واذا رجعت الى كتب التفسير علمت صحة ذلك..
ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة واحوال التصوف وقد عرفت ان ارباب هذا الفن فى جميع بلاد الاسلام اليه ينتهون وعنده يقفون.
ومن العلوم علم النحو العربية وقد علم الناس كافة انه هو الذى ابتدعه وأنشأه وأملى على ابى الاسود الدؤلى جوامعه وأصوله، من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة الى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الاعراب الى الرفع والنصب والجر والجزم.
وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لان قوة البشرية لا تفى بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط. أ هـ.

رجوع ابى بكر (رحمه الله) الى عليّ (عليه السلام):
عن محمد بن المنكدر ان خالد بن الوليد كتب الى ابى بكر انه وجد رجل فى بعض ضواحى العرب ينكح كما تنكح المرأة وأن أبا بكر جمع لذلك ناسا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان فيهم على بن ابى طالب (عليه السلام) اشدهم يومئذ قولا فقال: ان هذا ذنب لم تعمل به امة من الامم الا امة واحدة فصنع بها ما قد علمتم ارى أن تحرقوه بالنار، فكتب اليه ابو بكر أن يحرق بالنار (كنز العمال: 5/ 469 ح 13643).


(257)
رجوع عمر (رحمه الله) الى عليّ (عليه السلام):
عن ابن عباس (عليه السلام) قال أتى عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم; فمر بها على ابن ابي طالب (عليه السلام) فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بنى فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم قال: فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: يا عمر أما عملت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال لا شيء قال: فارسلها قال: فجعل يكبر.
ورواه فى الباب بطرق آخر قال فى بعضها فجعل عمر يكبر (سنن ابى داود: 4/140 ح 4399 صحيح البخارى 6/2499 باب 7 سنن الدارقطنى 3/139 ح 173).

حد شارب الخمر:
عن ثور بن زيد الديلى ان عمر بن الخطاب استشار فى الخمر يشربها الرجل فقال له على ابن طالب (عليه السلام) نرى أن يجلد ثمانين فإنّه اذا شرب سكر واذا سكر هذى، واذا هذى افترى (اوكما قال) فجلد عمر فى الخمر ثمانين، (موطّأ الامام مالك بن انس ص186).
ورواه الشافعى فى مستنده فى كتاب الاشربة ص 166 والحاكم فى مستدرك الصحيحين 4/357، وذكره السيوطى فى الدر المنثور فى ذيل تفسير قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر) (المائدة:90)، وروى الدارقطنى فى سننه ص 346 كتاب الحدود حديثا قال فى اخره قال على (عليه السلام) انه اذا شرب سكر واذا سكر هذى واذا هذى افترى وعلى المفترى ثمانون جلدة فامر به عمر فجلد ثمانين وذكره المتقى فى كنز العمال 3/101.
(258)

فقه الغنائم:
عن حارثة بن مضرب قال: جاء ناس من أهل الشام الى عمر فقالوا: انّا قد أصبنا أموالا وخيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور، قال ما فعله صاحباى قبلى فأفعله، فاستشار عمر عليّاً (عليه السلام) فى جماعة من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال على (عليه السلام): هو حسن ان لم يكن جزية يؤخذون بها راتبه. (مستدرك الصحيحين للحاكم 1/400).
ورواه الطحاوى فى شرح معانى الاثار فى كتاب الزكاة باب الخيل السائبة.

الحجر الاسود ينفع ويضر:
عن ابى سعيد الخدرى قال: حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: انى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلك ما قبلتك فقال له على (عليه السلام): بلى يا عمر انه يضر وينفع، قال: بم؟ قال: بكتاب الله ،تبارك وتعالى، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟، قال: قال الله عز وجل: (واذا أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى) (الاعراف: 172) خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنّه الرب وأنهم العبيد وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك فى رق وكان لهذا الحجر عينان ولسان فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه فالقمه ذلك الرق وقال: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم لقيامة وانّي اشهد لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول: (يؤتى يوم القيامة بالحجر الاسود له لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد) فهو يا عمر يضر وينفع. فقال عمر أعوذ بالله ان اعيش فى قوم لست فيهم يا ابا حسن.(مستدرك الصحيحين 1/628 ح1682).
(259)

التاريخ الاسلامى :
عن سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر الناس فسألهم من أى يوم يكتب التاريخ؟ فقال على بن ابى طالب (عليه السلام) من يوم هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترك ارض الشرك ففعله عمر (مستدرك الصحيجين: 3/14).
ورواه ابن جرير في تاريخه: 2 / 112 وذكره المتقي في كنز العمال: 5 / 244 مرتين قال في احداهما: أخرجه البخاري في تاريخه الصغير والحاكم في مستدركه وقال في ثانيهما: عن ابن المسيب قال: أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته فكتب لستّ عشرة من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب عليه السلام.

عليك الدية با عمر:
عن الحسن يقول: ان عمر بلغه ان امراة بغية يدخل عليها الرجال فبعث اليها رسولا فاتاها الرسول فقال: أحبيبى امير المومنين ففزعت فزعا فوقعت الفزعة فى رحمها فتحرك ولدها فخرجت فاخذها المخاض فالقت غلاما جنينا فاتى عمر بذلك فأرسل الى المهاجرين فقص عليهم أمرها، فقال: ما ترون؟ فقالوا : ما نرى عليك شيئا يا امير المومنين أنما أنت معلم ومؤدب. وفى القوم على (عليه السلام) وعلى ساكت قال: فما تقول أنت يا أبا الحسن؟ قال: أقول: ان كانوا قاربوك فى الهوى فقد اثموا وان كان هذا جهد رايهم فقد أخطأوا وأرى عليك الدية الى ان قال ـ يعنى عمر ـ صدقت. (سنن البيهقى 6/123) .


(260)
حبلك على غاربك:
عن ابى الحلال العتكى قال: جاء رجل الى عمر بن الخطاب فقال: انه قال لامراته: حبلك على غاربك، فقال عمر: واف معنا الموسم، فاتاه الرجل فى المسجد الحرام فقص عليه القصة، فقال: ترى ذلك الاصلع يطوف بالبيت اذهب اليه فسله ثم ارجع فاخبرنى بما رجع اليك فذهب اليه فاذا هو على (عليه السلام) فقال: من بعثك الى؟ فقال: امير المومنين، قال: انه قال لامراته: حبلك على غاربك، فقال: استقبل البيت واحلف بالله ما اردت طلاقا، فقال الرجل: وأنا أحلف بالله ما اردت الا الطلاق قال بانت منك امرأتك. (سنن البيهقى 7/343).

عدة المعتدة:
عن الشعبى قال: أُتي عمر بن الخطاب بامراة تزوجت فى عدتها فاخذ مهرها فجعله فى بيت المال وفرق بينهما وقال: لا يجتمعان وعاقبهما، فقال على (عليه السلام) ليس هكذا ولكن هذه الجهالة من الناس ولكن يفرق بينهما ثم تستكمل بقية العدة من الاول ثم تستقبل عدة اخرى لها على المهر بما استحل من فرجها قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا ايها الناس ردوا الجهالات الى السنّة (سنن الييهقى: 7/442). وذكره المحب الطبرى فى الرياض النضرة: 2/196.

ولدت لستّة أشهر:
عن ابى الاسود الدؤلى ان عمر أتى بامراة ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها فبلغ ذلك علياً (عليه السلام) فقال: ليس عليها رجم فبلغ ذلك عمر الى ان قال: فسأله فقال: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)(البقرة: 233)، قال: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) (الاحقاف: 15) فستّة
(261)
أشهر حمله وحولان تمام رضاعته، لا حدّ عليها أو قال: لا رجم عليها. قال فخلّى عنها. (سنن البيهقى: 7/442).
وذكره المحب الطبرى في الرياض النضرة 2/194 وقال فيه: فترك عمر رجمها وقال: لولا على لهلك عمر ، قال أخرجه العقيلى وأخرجه ابن السمان ، وذكره المتقى ايضا فى كنز العمال: 3/96، 228 وابن عبد البر فى استيعابه: 2/461.

أنت خيرهم فتوى:
عن سعيد بن السيب قال: خرج عمر بن الخطاب على أصحابه يوما فقال: افتونى فى شيء صنعته اليوم، فقالوا ما هو يا امير المومنين؟، قال مرت بى جارية لى فأعجبتنى فوقعت عليها وانا صائم قال: فعظم عليه القوم وعليّ (عليه السلام) ساكت فقال: ما تقول يا ابن ابى طالب؟ قال: جئت حلالا ويوما مكان يوم، فقال: انت خيرهم فتوى. (طبقات ابن سعد: 2/ القسم2/ 102).

غداء وعشاء:
عن ابى امامة بن سهل بن حنيف قال: مكث عمر زمانا لا ياكل من بيت المال شيئا حتى دخلت عليه فى ذلك خصاصة وارسل الى اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)فاستشارهم فقال: قد شغلت نفسى فى هذا الامر فما يصلح لى منه؟. فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، قال: وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وقال لعليّ (عليه السلام)ما تقول انت فى ذلك؟ قال: غداء عشاء.
قال فاخذ عمر بذلك. (طبقات ابن سعد: 3/ القسم 1/221).
عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها

(262)
ابو حسن.
وذكره ابن الاثير فى اسد الغابة 4/22 وابن حجر فى اصابته: 4/ القسم 1/270 وفى تهذيب التهذيب: 7/327 وذكره ابن عبد البر فى استيعابه: 2/461 والمتقى فى كنز العمال: 5/241.

شربوا الخمر وتأوّلوا:
عن ابى عبد الرحمن السلمى، عن على (عليه السلام) قال: شرب نفر من اهل الشام الخمر وعليهم يومئذ يزيد بن ابى سفيان وقالوا: هى حلال وتلوا: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا) (المائدة: 93) فكتب فيهم الى عمر فكتب عمر أن ابعث بهم الى قبل أن يفسدوا من قبلك فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس فقالوا: يا أمير المومنين نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا فى دينهم ما لم يأذن به الله فاضرب أعناقهم وعليّ (عليه السلام) ساكت فقال: ما تقول يا ابا الحسن فيهم؟ قال أرى أن تستتيبهم فان تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر وان لم يتوبوا ضربت أعناقهم فانهم قد كذبوا على الله وشرعوا فى دينهم ما لم يأذن به الله فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين.
وذكره العسقلانى فى فتح البارى: 15/73 وقال أخرجه ابن ابى شيبة وذكره السيوطى فى الدر المنثور فى ذيل تفسير قوله تعالى: (انما الخمر والميسر)(المائدة:90).

ائت عليا فاسأله:
عن عبد الرحمن بن أُذينه العبدى عن أبيه أُذينة بن سلمة العبدى، قال: أتيت عمر بن الخطاب فسالته من أين اعتمر؟، فقال: ائت عليا فاسأله، قال ابن عبد البر
(263)
(الى آخر الحديث) وفيه قال عمر: ما اجد لك الا ما قال عليّ. وذكره المحب الطبرى فى الرياض النضرة: 2/195.

ثلاث أسألك عنهن:
عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب لعلى بن ابى طالب (عليه السلام) يا ابا الحسن ربما شهدت وغبنا، ثلاث أسألك عنهن هل عندك منهن علم؟ قال عليّ (عليه السلام): وما هن؟ قال: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيرا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شراً، قال على (عليه السلام): نعم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الارواح فى الهواء جنود مجندة تلتقى فتشام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، قال: واحدة، والرجل يتحدث بالحديث نسيه وذكره، قال على (عليه السلام): سمعت رسول الله يقول: ما من القلوب قلب الا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر يضيء اذ علته سحابة فأظلم اذ تجلت، قال عمر: اثنتان، والرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب، قال نعم سمعت رسول الله يقول ما من عبد ولا امة ينام فيستثقل نوماً الا يعرج بروحه فى العرش فالتي لا تستيقظ الا عند العرش فتلك الرؤيا تصدق والتى تستيقط دون العرش فهى الرؤيا التى تكذب فقال عمر: ثلاث كنت فى طلبهن فالحمد لله الذى أصبتهن قبل الموت (كنز العمال 6/406).

مولاى ومولى كل مسلم:
عن عمر وقد نازعه رجل فى مسألة فقال: بينى وبينك هذا الجالس ـ واشار الى على بن ابى طالب (عليه السلام) فقال الرجل: هذا الابطن! فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلابيبه حتى شاله من الارض ثم قال: أتدرى من صغرت؟ مولاى ومولى كل مسلم الرياض النضرة: 2/170.
(264)
الزانية الحامل:
عن زيد بن على عن أبيه عن جده قال: أُتي عمر بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فامر برجمها فتلقاها على (عليه السلام) فقال: ما بال هذه فقالوا: أمر عمر برجمها فردها على (عليه السلام) وقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما فى بطنها؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها، قال: قد كان ذلك، قال: أوما سمعت رسول الله قال: لا حد على معترف بعد بلاء؟ انه من قيد أو حبس او تهدد فلا اقرار له. فخلى سبيلها (الرياض النضرة 2/195).

الزانية المضطرة:
عن عبد الرحمن السلمى، قال: أتى عمر بامراة أجهدها العطش فمرت على راع فاستقته فأبى ان يسقيها الا ان تمكنه من نفسها ففعلت فشاور الناس فى رجمها فقال له على (عليه السلام) هذه مضطرة الى ذلك فخل سبيلها، ففعل (الرياض النضرة 2/196).

لا ابقانى الله بعدك يا على:
عن ابى سعيد الخدرى سمع عمر يقول لعلى (عليه السلام) ـ وقد سأله عن شيء فاجابه ـ : أعوذ بالله ان أعيش فى قوم لست فيهم يا ابا الحسن. وفى رواية: لا أبقانى الله بعدك يا على. (الرياض النضرة 2/197).
عن يحيى بن عقيل قال: كان عمر يقول لعلى (عليه السلام) اذا سأله ففرج عنه: لا ابقانى الله بعدك يا على (الرياض النضرة 2/197).


(265)
الزناة الخمسة:
روى الحميدى فى كتاب الجمع بين الصحيحين قال: فى خلافة عمر بن الخطاب جاؤوا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك فأمر الخليفة برجمهم جميعا. فاخذهم لتنفيذ الحكم فلقيهم الامام على بن أبى طالب وأمر بردهم، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمرت برجمهم جميعا؟ فقال عمر: نعم فقد ثبت عليهم الزنا، فالذنب الواحد يقتضى حكما واحدا. فقال على: ولكن حكم كل واحد من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه. قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإنى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: عليّ اعلمكم وعليّ أقضاكم، فحكم الامام عليّ (عليه السلام) بضرب عنق أحدهم ورجم الاخر وحد الثالث وضرب الرابع نصف الحد وعزر الخامس. فتعجب عمر واستغرب فقال: كيف ذلك يا ابا الحسن؟! فقال الامام على: اما الاول فكان ذميا زنى بمسلمة فخرج عن ذمته والثانى محصن فرجمناه واما الثالث: فغير محصن فضربناه الحد والرابع عبد مملوك فحده نصف واما الخامس فمغلوب على عقله فعزرناه. فقال عمر: لولا على لهلك عمر، لا عشت فى أُمة لست فيها يا ابا الحسن!

عجز عمر عن حل المعضلات وخضوعه لعلى :
ذكر العلامة نور الدين المالكى فى كتابه الفصول المهمة/18، فى القسم الثالث من الفصل الاول / ونسب الكلام المرموز الى رجل مجهول ولكن العلامة الكنجى الشافعى روى باسناده فى كتابه كفاية الطالب الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان انه لقى عمر بن الخطاب فقال له عمر: كيف اصبحت يابن اليمان؟ فقال: كيف تريدنى اصبح؟! اصبحت والله اكره الحق واحب الفتنة واشهد بما لم اره واحفظ غير المخلوق واصلى على غير وضوء، ولى فى الارض ما ليس
(266)
لله فى السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد اعجله امر وعزم على اذى حذيفة لقوله ذلك.
فبينا هو فى الطريق اذ مر بعلى بن ابى طالب فرأى الغضب فى وجهه فقال: ما اغضبك يا عمر؟!
فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت اكره الحق فقال (عليه السلام): صدق يكره الموت وهو حق.
فقال: يقول: واحب الفتنة قال (عليه السلام): صدق يحب المال والولد وقد قال الله تعالى: (انما اموالكم واولادكم فتنة) (الانفال :28)، فقال: يا على يقول: واشهد بما لم اره فقال (عليه السلام): صدق يشهد لله بالوحدانية والموت والبعث يوم القيامة والجنّة والنار والصراط ولم ير ذلك كله فقال: يا على وقد قال: اننى أحفظ غير المخلوق قال (عليه السلام): صدق يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق قال: ويقول اصلى على غير وضوء فقال (عليه السلام): صدق يصلى على ابن عمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على غير وضوء وهى جائزة.
فقال: يا ابا الحسن قد قال: اكبر من ذلك فقال (عليه السلام): وما هو؟ قال: قال: ان لى فى الارض ما ليس لله فى السماء قال (عليه السلام): صدق له زوجا وتعالى الله عن الزوجة والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا على بن ابى طالب.

رجوع عثمان الى عليّ (عليه السلام):
عن محمد بن يحيى بن حبان قال: كانت عند جدى حبان امراتان هاشمية وانصارية فطلق الانصارية وهى ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت: انا ارثه لم احض، فاختصمتا الى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث
(267)
فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو اشار علينا بهذا ـ يعنى على بن ابى طالب (عليه السلام) (الموطأ ص 36).
ورواه الشافعى فى مسنده فى كتاب العدد 171 وذكره ابن حجر فى اصابته: 8 القسم 1/204 وابن عبد البر فى استيعابه 2/764 والمحب الطبرى فى الرياض النضرة 2/197.
قال الامام مالك فى الموطأ ص 176: ان عثمان بن عفان أُتي بامراة قد ولدت فى ستة اشهر فامر بها ان ترجم فقال له على ابن ابي طالب (عليه السلام) ليس ذلك عليها ان الله تبارك وتعالى يقول فى كتابه: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)(الاحقاف: 15) وقال: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة) (البقرة: 233) فالحمل يكون ستة اشهر فلا رجم عليها فبعث عثمان فى اثرها فوجدت قد رجمت.

الولد للفرش وللعاهر الحجر:
عن الحسن بن سعد عن ابيه ان يحنس وصفية كانا من سبى الخمس فزنت صفية برجل من الخمس فولدت غلاما فادعاه الزانى ويحنس فاختصما الى عثمان فرفعها الى على بن ابى طالب (عليه السلام) فقال على: اقضى فيهما بقضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وجلدهما خمسين خمسين (مسند الامام احمد 1/104).
وذكره المتقي الهندى فى كنز العمال: 3/227 قال اخرجه الدورقي.

رجوع معاوية الى الامام عليّ (عليه السلام) :
عن سعيد بن المسيب; أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد مع
(268)
امرأته رجلا فقتله أو قتلهما معاً، فاشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه; فكتب إلى أبي موسى الأشعري يسأل له عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عن ذلك، فسأل أبو موسى عن ذلك عليّ بن أبي طالب، فقال له عليّ (عليه السلام): إنّ هذا الشيء ما هو بأرضي، عزمت عليك لتخبرني، فقال له أبو موسى: كتب إليّ معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك، فقال عليّ (عليه السلام): أنا أبو حسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. (الموطّأ ص 126).
ورواه البيقي في سننه بطرق متعدّدة: 8/237، 10/147، والشافعي في مسنده ـ كتاب الجائز والحدود ـ ص 204، وذكره المتقي في كنز العمال: 7/300.
قال: وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)عن ذلك، فلمّا بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال به: دعني عنك. (الاستيعاب: 2/463).

رجوع عائشة وابن عمر الى الامام علي (عليه السلام) في المسائل المشكلة:
قد ثبت من الصحاح وغيرها من الكتب المعتبرة رجوع عائشة وابن عمر الى على (عليه السلام) فى الوقائع المشكلة، وفيما يلى جملة منها:
1 ـ عن شريح بن هانى، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبى طالب فاسأله. (صحيح مسلم فى كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين).
2 ـ عن شريح بن هانى، قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت عليا فانه أعلم بذلك منى.
وفى فتح البارى فى شرح البخارى: 16/168 قال: وأخرج ابن أبى شيبة بسند جيد، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: انتهى عبدالله بن بديل بن ورقاء
(269)
الخزاعى الى عائشة يوم الجمل وهى فى الهودج، فقال: يا أم المؤمنين أتعملين أنى أتيتك عندما قتل عثمان فقلت: ما تأمرينى، فقلت: الزم عليا (عليه السلام) فسكتت، فقال: اعقروا الجمل، فعقروه، فنزلت أنا وأخوها محمد فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدى على (عليه السلام)، فأمر بها فأدخلت بيتا.
ورواه النسائى فى سننه: 1/32، وابن ماجة فى سننه: ص 42 وأحمد بن حنبل فى مسنده: 1/96، 100، 113، 117، 210، 133، 146، 149، 6/110، والطحاوى فى شرح معانى الآثار فى كتاب الطهارة: 49 ـ 50، وأبو حنيفة فى مسنده: ص 129، وذكره المتقى فى كنز العمال: 5/147.
3 ـ عن أبى مجلز، أن رجلا سأل ابن عمر فقال: انى رميت الجمرة ولم أدري رميت ستا أو سبعا؟، قال: ائت ذلك الرجل ـ يريد علياً (عليه السلام) ـ فذهب فسأله. (سنن البيهقى: 5/149).

توريث الخنثى:
عن الشعبي، عن عليّ (عليه السلام) أنه قال: الحمد لله الذى جعل عدونا يسألنا عمّا نزل به من أمر دينه، إنّ معاوية كتب إليّ يسألني عن الخنثى، فكتبت إليه أن ورثه من قبل مباله. (كنز العمال: 6/21).
وقال المناوي في فيض القدير في الشرح ما هذا لفظه: وفي شرح الهمزية إنّ معاوية كان يرسل يسأل عليّاً (عليه السلام) عن المشكلات فيجيبه، فقال أحد بنيه: تجيب عدوك، قال: أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا.
عن أبي حازم، قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً بن أبي طالب فهو أعلم، قال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ، قال: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغزره العلم غزراً،
(270)
ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه منه. (الرياض النضرة: 2/195).
وذكره ابن حجر في صواعقه ص 107، وفي فتح الباري في شرح البخاري: 17/105 قال: عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً (عليه السلام)، قال ـ يعني معاوية ـ: ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال: ها هنا عليّ (عليه السلام).


الفصل الثانى
أئمة أهل البيت المرجعية العلمية للأُمّة

علم الحسنين عليهما السلام وما حدثا به عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) :
روى صاحب تاريخ بغداد 9/366: بسنده عن مجاهد قال: جاء رجل الى الحسن والحسين عليهما السلام فسألهما فقالا: ان المسألة لا تصلح الا لثلاثة، لحاجة مجحفة، أو لحمالة مثقلة، أو دين فادح، فأعطياه، ثم أتى ابن عباس فأعطاه ولم يسأله، فقال له الرجل: أتيت ابنى عمك فسألانى ولم تسألنى فقال ابن عباس: أنبأنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنهما كانا يغران العلم غرا، أقول: يغران العلم غرا، أى: يزقان العلم زقا، وغر الطير فرخه أى زقه الطعام. (مجمع الزوائد: 3/100، المعجم الصغير للطبرانى: 1/184ـ185، ترجمة الامام الحسين (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ص 138 ح 176).
الامام علي بن الحسين (زين العابدين) (عليه السلام):
(271)
وصف ابن حجر فى كتابه الصواعق المحرقة، الامام على بن الحسين بقوله: (زين العابدين هو الذى خلف أباه علما وزهداً وعبادة). (أهل البيت، توفيق أبو علم).
وعن أبى حازم وسفيان بن عيينة كان كل منهما يقول: (ما رأيت هاشميا أفضل من على بن الحسين، ولا أفقه منه)(ابن الجوزى، تذكرة الخواص).
ان مثل هذه الشخصية الفذة المرموقة التى كانت تحتل موقع الامام والأستاذية والأعلمية، لحرية أن يصفها العلماء بمثل هذه الأوصاف، ويركن اليها المسلمون فى اخذ الحديث والفقه والتفسير والعقيدة، وسائر علوم الشريعة المقدسة.
وقد قلد الامام السبط الشهيد الحسين بن على (عليهما السلام) الوسام وشهادة الاعتراف بالامامة والزعامة الدينية لولده (على زين العابدين)، وفى ذلك أوضح دليل على مقام هذاالامام والأخذ بما صدر عنه من علوم ومعارف ورواية...الخ.
فقد ورد عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (ان الحسين (عليه السلام) لما سار الى العراق استودع أم سلمة رضى الله عنها الكتب والوصية فلما رجع على بن الحسين (عليه السلام) دفعتها اليه) (الطبرسى، اعلام الورى باعلام الهدى ص 252).
ومن المحقق أن أول من ألف ودون فى دنيا الاسلام هم أئمة أهل البيت، فهم الرواد الأوائل الذين خططوا مسيرة الأمة الثقافية وفجروا ينابيع العلم والحكمة فى الارض، وممن ألف من الأئمة الطاهرين الامام زين العابدين فقد كانت مؤلفاته نموذجا رائعا لتطور الفكر الاسلامى وتقدم الحركة الثقافية والعلمية، فقد انشغل المسلمون فى عصر الامام بالحروب والثورات ضد حكام الجور مما سبب تفكك المجتمع، ولكن وجود الامام فتح أفاقا مشرقة من العلم لم يعرفها الناس من ذى قبل، فقد تعرض لعلوم الشريعة الاسلامية من الحديث والفقه والتفسير وعلم
(272)
الكلام والفلسفة.
ومن هذه الكتب التى ألفها (الصحيفة السجّادية) فهى من ذخائر التراث الاسلامى، ومن مناجم كتب البلاغة والتربية والأخلاق والأدب فى الاسلام.
ومن المؤلفات القيمة للامام زين العابدين (المناجاة الخمس عشرة)، وهى من القيم الروحية فى الاسلام فقد عالج بها الامام كثيرا من القضايا النفسية كما فتح بها آفاقا مشرقة للاتصال بالله تعالى.
ومنها (رسالة الحقوق) وهى من المؤلفات المهمة فى الاسلام التى وضعت المناهج الحية لسلوك الانسان وتطوير حياته وبناء حضارته على أسس تتوفر فيها جميع عوامل الاستقرار النفسى، ووقايته من الاصابة بأى لون من ألوان القلق والاضطراب، بعد أن نظر أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه وأسرته ومجتمعه وحكومته ومعلمه وغير ذلك. ليتم بذلك انشاء مجتمع اسلامى تسوده العدالة الاجتماعية والعلاقات الوثيقة بين أبنائه من الثقة والمحبة.
يقول الامام زين العابدين مبينا سعة علومه وأنواره:
يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لى أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال صالحون دمى يرون أقبح ما يأتونه حسنا

(راجع كتاب الاسلام وطن ـ للامام السيد محمد ماضى أبى العزائم ص 70).
وروى سفيان بن عيينة عن الزهرى قال: دخلت على علي بن الحسين فقال: يا زهرى، فيم كنتم؟ قلت: كنا نتذاكر الصوم، فأجمع رأيى ورأى أصحابى على أنه ليس من الصوم شىء واجب، الا شهر رمضان، فقال: يا زهرى، ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها: عشرة منها واجب كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها
(273)
حرام، وأربع عشرة منها صاحبها بالخيار، ان شاء صام، وان شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب. قال الزهرى: قلت: فسرهن يا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله).
قال: أما الواجب: فصوم شهر رمضان، وصوم شهرين متتابعين فى قتل الخطأ لمن لم يجد العتق، وصيام ثلاثة أيام كفارة اليمين لمن لم يجد الاطعام، وصيام حلق الرأس، وصوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي، وصوم جزاء الصيد، يقوم الصيد قيمته ثم يقسم ذلك الثمن على الحنطة.
وأما الذى صاحبه بالخيار: فصوم الاثنين والخميس، وستة أيام من شوال بعد رمضان، وصوم عرفة، ويوم عاشوراء، كل ذلك صاحبه بالخيار.
وأما صوم الاذن: فالمرأة لا تصوم تطوعا الا باذن زوجها، وكذلك العبد والأمَة. وأما صوم الحرام: فصوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق، ويوم الشك، نهينا أن نصومه لرمضان، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر، وصوم الضيف لا يصوم تطوعا الا باذن صاحبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا الا باذنهم». ويؤمر الصبى بالصوم اذا لم يراهق تأنيساً وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة فى بدنه امر بالامساك وذلك تأديب الله عز وجل وليس بفرض. وكذلك المسافر اذا اكل من اول النهار ثم قدم أمر بالامساك.
وأما صوم الاباحة: فمن أكل أوشرب ناسياً أجزأه صومه وأما صوم المريض والمسافر فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم وقال قوم: ان شاء صام وان شاء أفطر، وأما نحن فنقول: يفطر فى الحالين، فان صام فى السفر والمرض فعليه القضاء. (البداية والنهاية، ج 5 ص 153 ـ 154).
الامام محمد بن على الباقر (عليه السلام):
(274)
أما ولده محمد بن على الذى لقب بالباقر لتوسعه فى العلوم والمعارف فهو كأبيه اشهر من عرف المسلمون فى الورع والزهد والعلم والمعرفة وبذلك يشهد العلماء والرواة والمحدثون، ويروى الصحابى الجليل جابر بن عبدالله الانصارى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره بأنه سيدرك ولده محمد الباقر (عليه السلام) وامره أن يقرئه السلام.
فقد روى هذا الصحابى الجليل: (قال لى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لى من الحسين يقال له: محمد، يبقر العلم بقرا، فاذا لقيته فاقرئه منى السلام) (ابن الصباغ فى الفصول المهمة واليعقوبى فى تاريخه والشبلنجى فى نور الابصار وابن الجوزى فى تذكرة الخواص).
وقد ادرك هذا الصحابى الامام الباقر (عليه السلام) وهو صبى وأبلغه تحية جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ان فى هذه الشهادة النبوية وفى التعريف الكفاية للاعتراف بمقام هذا الامام والاعتماد عليه، والرجوع اليه، والاخذ عنه وتشكل حياته وحياة ولده جعفر الصادق أغنى فترة من فترات التاريخ الاسلامى فى الحديث والرواية والتعريف بعلوم الاسلام.
وقد كان العلماء والرواة والمفسرون وطلاب المعرفة الاسلامية فى تلك الفترة يرون فى الامام الباقر قمة لا تدانيها قمة، وعلما لا يرتفع الى جانبه علم.
فقد وصفه ابن العماد الحنبلى بقوله: (ابو جعفر محمد الباقر كان من فقهاء اهل المدينة، وقيل له: الباقر; لانه بقر العلم اى شقه وعرف أصله وتوسع فيه). (شذرات الذهب ج 1 ص 149).
ونقل ابن الجوزى عن احد اعلام التابعين عطاء قوله فى الامام محمد الباقر (عليه السلام): ما رايت العلماء عند احد أصغر علما منهم فى مجلس أبى جعفر
(275)
الباقر.

الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام):
أما ولده جعفر الصادق (عليه السلام) فقد أسهب العلماء فى الثناء عليه وعلى آبائه واعظام مقامهم، نذكر من هذه الأقوال ما نصه:
نقل العلامة المحقق السيد محسن الأمين: أن الحافظ ابن عقدة الزيدى جمع فى كتاب رجاله أربعة آلاف رجل من الثقات الذين رووا عن جعفر بن محمّد فضلا عن غيرهم وذكر مصنفاتهم.
ونقل ابن شهرآشوب فى كتابه مناقب آل أبي طالب عن كتاب الحلية لأبى نعيم ما نصه:
إن جعفراً الصادق حدث عنه من الأئمة والأعلام: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثورى، وابن جريج، وعبدالله بن عمرو، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، واسماعيل بن جعفر، وحاتم بن اسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وابراهيم بن طحان، وآخرون غيرهم، قال: أخرج عنه مسلم فى صحيحه محتجا بحديثه، وقال غيره: وروى عنه مالك، والشافعى، والحسن بن صالح، وأبو أيوب السختيانى، وعمر بن دينار، وأحمد بن حنبل، وقال أنس بن مالك: ما رأت عين ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا.
وتحدث الأستاذ الشيخ محمود أبو زهرة من علماء الأزهر الشريف عن الامام الصادق فى مقدمة كتابه (الامام الصادق) ص3 فقال: أما بعد فاننا قد اعتزمنا بعون الله وتوفيقه أن نكتب عن الامام جعفر الصادق، وقد كتبنا فى سبعة من الائمة الكرام، وما أخرنا الكتابة عنه لأنه دون أحدهم، بل ان له فضل السبق على أكثرهم،
(276)
وله على الأكابر منهم فضل خاص، فقد كان أبو حنيفة يروى عنه ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء احاطة، وكان الامام مالك يختلف اليه دارسا راويا، وكان له فضل الأستاذيه على أبى حنيفة ومالك، فحسبه ذلك فضلا، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدم غيره عليه عن فضل، وهو فوق هذا حفيد على زين العابدين الذى كان سيد أهل المدينة فى عصره، فضلا وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهرى، وكثيرون من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذى بقر العلم ووصل الى لبابه، فهو ممن جمع الله تعالى له الشرف الذاتى والشرف الاضافى بكريم النسب، والقرابة الهاشمية والعترة المحمدية.
وكان عمرو بن المقدام يقول: اذا نظرت الى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.
ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبى بقوله: وكان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه اذا رووا عنه قالوا أخبرنا العالم. (تاريخ اليعقوبى ج 2 ص381).
وهذا قبس من تعريف العلماء والرواة والمحدثين وشهاداتهم تكشف عن مقام أهل البيت (عليهم السلام) وموقعهم العلمى والايمانى الفريد.
كان الامام جعفر الصادق من رجال التصوف، وكان واحداً من رجال السلسلة الذهبية.. وهى السلسلة المتصلة من مدينة العلم (صلى الله عليه وآله)، إلى بابها الأعظم سيدنا على كرم الله وجهه..الى سيد شباب أهل الجنة..وسيد الشهداء الامام الحسين.. الى الامام على زين العابدين الى ولده الامام محمد الباقر الى الامام جعفر الصادق، الى أن تلتقى مع السلاسل الأخرى.
فالامام الصادق سلطان دولة العارفين، وكعبة يقصدها أقطاب المرشدين والمسترشدين.. وبحراً لكنه ما حوى غير الدرر.. وشمساً ولكن لم يستفد من
(277)
نورها الا كل قمر، هو فرع من فروع الدوحة المحمدية.. وغصن من أغصان شجرة الأصل النورانية.
فى مجلسه تتلمذ ـ كما يقول أرباب الاحصاءات ـ أربعة آلاف من الرواة وكتب عنه أربعمائة كاتب كلهم يقول: قال جعفر بن محمد.
فأى مجلس كان ذلك المجلس؟ تتراءى فيه أشياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله)بعضه مادى يجرى فى أصلاب رجل بعد رجل، وبعضها معنوى يتراءى فى معانيه وفحوى مقولاته لكل هؤلاء.. وليس بالمجلس لجاجة ولا حجاج عقيم.. يقول لتلاميذه: من عرف شيئاً قل كلامه فيه.. وانما سمى البليغ بليغاً لأنه يبلغ حاجته بأدنى سعيه.

سفيان الثورى:
دخل عليه سفيان الثورى وقال: علمنى يا ابن رسول الله مما علمك الله. قال: يا ثورى خذ عنى ثلاثاً:
1 ـ اذا أردت النعمة فأدم شكرها لأن الله تعالى يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم) (ابراهيم: 7).
2 ـ اذا استبطأت رزقك فأكثر من الاستغفار لأن الله تعالى يقول : (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) (نوح: 10 ـ 12).
3 ـ واذا حزبك أمر.. أى شغلك فأكثر من قول: (لا حول ولا قوة الا بالله) فانها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.
قال الثورى: هذه ثلاث.. وأى ثلاث؟
والثورى هو مضرب الأمثال فى عصره فى الورع والسنن والفقه، للعراق
(278)
كافة، وكانت له فى مجابهة الخليفة مواقف لا يمل الحديث عنها.

مالك بن أنس:
وكان من تلاميذ الامام الصادق امام المدينة مالك بن أنس الذى وصف مجلس الامام الصادق بقوله: كنت أرى جعفر بن محمد، وكان كثير الدعابة والتبسم، فاذا ذكر عنده النبى اخضر واصفر. ولقد اختلفت اليه زمانا فما كنت أراه الا على الطهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه. وكان من العلماء والعباد والزهاد الذين يخشون الله. وما رأيته قط الا ويخرج وسادة من تحته ويجعلها تحتى.
لقد كان الامام مالك يجد ريح الرسول فى مجلس ابن ابنته.. ويحس، أو يكاد يلمس، شيئا ماديا، يتسلسل من الجد لحفيده، وأشياء غير مادية تملك اللب والقلب، فالرؤية متعة والسماع نعمة، والجوار ـ مجرد الجوار ـ تأديب وتربية.. وفى كل أولئك طرائق قاصدة الى الجنة.
وكان من تلاميذ الامام الصادق المحدثون العظماء.. يحيى بن سعيد محدث المدينة، وابن جريج وابن عيينة محدثا مكة.. وابن عيينة هو المعلم الأول للشافعى فى الحديث.

عمرو بن عبيد:
ويجيء للمناظرة عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة، الذى لم يضحك أبو حنيفة طول حياته بعد أن قال له عمرو ـ اذ ضحك مرة فى ابان مناظرته ـ: يا فتى تتكلم فى مسألة من مسائل العلم وتضحك ؟ ! والذى يبلغ من وقاره أن يراه الرائى فيحسبه أقبل من دفن والديه. فاذا انتهى الكلام قال عمرو للامام: هلك من سلبكم تراثكم ونازعكم فى الفضل والعلم.
(279)

عبدالله بن المبارك:
ويجىء امام خراسان عبدالله بن المبارك وهو امام فقه، وبطل معارك، تتلمذ للامام الصادق زمانا ولأبى حنيفة، فتعلم ما جعله يخفى بطولاته فى الفتوح وهو القائل فى حق الامام الصادق:
أنت يا جعفر فوق الـ مدح والمدح عناء
انما الأشراف أرض ولهم أنت سماء
جاز حد المدح من قد ولدته الأنبياء

لولا العامان لهلك النعمان:
أما أبو حنيفة النعمان امام الفقه فكان له حال عجيب ومواقف غريبة مع الامام، حيث يقول أبو حنيفة: قال لى الخليفة أبو جعفر المنصور: يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من المسائل الشداد، فهيأ له أربعين مسألة، والتقى الامامان بالحيرة فى حضرة المنصور، ويقول أبو حنيفة فى اللقاء: أتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلتنى الهيبة لجعفر الصادق بن محمد ما لم يدخلنى لأبى جعفر المنصور، فسلمت عليه، وأومأ فجلست، ثم التفت اليه، وقال: هذا أبو حنيفة، قال: نعم، ثم التفت الى وقال: يا أبا حنيفة ألق على أبى عبدالله من مسائلك، فجعلت ألقى عليه فيجيبنى، فيقول أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على الأربعين مسألة. ثم قال أبو حنيفة، ان أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
ويقول أبو حنيفة جئت الى المدينة واستأذنت عليه فحجبنى. وجاء قوم من
(280)
أهل الكوفة استأذنوا لهم فدخلت معهم. فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أرسلت الى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانى تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم! فقال: لا يقبلون منى، فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله؟ فقال الصادق: أنت أول من لا يقبل منى. دخلت بغير اذنى. وجلست بغير أمرى. وتكلمت بغير رأيى. وقد بلغنى أنك تقول بالقياس. فقلت: نعم أقول به.. فقال: ويحك يا نعمان أول من قاس ابليس حين أمر بالسجود لآدم فأبى وقال: خلقتنى من نار وخلقته من طين.
هل قست رأسك يا نعمان؟ فقلت: كيف؟ فقال: لماذا كان ماء العين ملحا؟ وماء الأذن والأنف مرا؟ ولم كانت الحرارة فى المنخرين؟ وفيهما شعيرات كالغربال؟ ولم كانت العذوبة فى الشفتين؟ فقلت: لا أدرى !
قال: أليست هذه الحواس فى رأسك؟ فقلت: علمنى يا ابن رسول الله ! فقال: أما العينان فهما شحمتان.. ولولا الملح فيهما لذابتا. والماء المر فى الأذنين حجاب من الحشرات والهوام كالنمل والبرغوث، ولو دخلت لأتلفت المخ والأعصاب، والحرارة فى المنخرين.. ومرارة الماء فيهما تحفظ الدماغ من النتن.. أما الشعيرات فانها تدخل الهواء على الرئتين فتدفئه ان كان باردا وترطبه ان كان هواء حارا حتى لا تتأثر الرئتان.. أما عذوبة الشفتين فلكى تستطعم بهما الطعام والشراب وتميز بهما الحلو من الحامض، وليعرف الناس حلاوة منطقك.
يا أبا حنيفة أى الذنبين أعظم.. قتل النفس أم الزنا؟ فقلت: القتل، قال: فلم قبل الله شاهدين فى قتل النفس، ولم يقبل فى الزنا الا أربعة شهود؟ أيقاس هذا؟ قلت: لا.
قال: فأيهما أكبر البول أم المنى؟ قلت: البول. قال: فلماذا أمر فى البول بالوضوء، وأمر فى المنى بالغسل؟ أيقاس هذا؟ قلت: لا.
(281)
قال: أيهما أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضى الصوم، ولا تقضى الصلاة؟ أيقاس ذلك؟ قلت: لا.
قال: فأيهما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله للرجل سهمين فى الميراث وللمرأة سهما؟ أيقاس ذلك؟ قلت: لا.
قال: وقد بلغنى أنك تقرأ آية من كتاب الله: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم).. أنه الطعام الطيب والماء البارد فى اليوم الصائف. قلت: نعم. قال: لو دعاك رجل وأطعمك وسقاك ماء باردا، ثم امتن عليك. ما كنت تنسبه اليه؟ قلت: البخل. قال: أفبخل علينا؟ قلت: فما هو؟ قال: حبنا أهل البيت.
ثم تناول أبو حنيفة الطعام مع الامام الصادق، فرفع الامام يده حمداً لله، ثم قال: اللهم هذا منك ومن رسولك.. قال أبو حنيفة: يا أبا عبدالله أجعلت مع الله شريكا؟ قال الامام: ان الله يقول فى كتابه: (وما نقموا الا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)، فقال أبو حنيفة: لكأنى ما قرأتها قط فى كتاب ولا سمعتها الا فى هذا الموقف.
وانقطع أبو حنيفة الى مجالس الامام طول عامين قضاهما بالمدينة، وفيهما يقول: (لولا العامان لهلك النعمان) وكان لا يخاطب الامام الصادق الا بقوله: جعلت فداك يا ابن بنت رسول الله.

جابر بن حيان:
وتتلمذ على يد الامام الصادق العالم الكيميائى جابر بن حيان والمؤرخون متفقون على تلمذته للامام، وعلى صلته أو تأثره به فى العلم والعقيدة.. وينقل ابن النديم قوله: (ألفت ثلاثمائة كتاب فى الفلسفة وألفا وثلاثمائة رسالة فى صنائع مجموعة، وآلات الحرب، ثم ألفت فى الطب كتابا عظيما.. ثم ألفت كتبا صغارا
(282)
وكبارا.. وألفت فى الطب نحو خمسمائة كتاب أخرى.. ثم ألفت فى المنطق على رأى أرستطاليس، ثم ألفت كتاب الزيج أيضا نحو ثلاثمائة ورقة.. ثم ألفت كتابا فى الزهد والمواعظ.. وألفت كتبا فى العزائم كثيرة حسنة، وألفت فى الأشياء التى يعمل بخواصها كتبا كثيرة.. ثم ألفت بعد ذلك نحو خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة ثم ألفت كتابا فى الصنعة يعرف بكتاب الملك. وكتابا يعرف بالرياض).
وجابر بن حيان يعتبر الامام الصادق هو صاحب المدد والالهام له فى كل هذه العلوم فيقول: (وحق سيدى ـ الامام الصادق ـ لولا أن هذه الكتب باسم سيدى لما وصلت الى حرف من ذلك الى الأبد).

الامام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام):
أما الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) فهو ابن الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، تربى فى كنف أبيه فاكتسب منه العلم والورع ومكارم الأخلاق، لذا شهد له أبوه بجلالة قدره وعظيم مكانته، انه ولده موسى، هو سيد أهل البيت (عليه السلام)، والامام الذى يرجع اليه فى أخذ العلوم والمعارف.
فقد ورد عنه (عليه السلام) أنه قال لأحد أصحابه: (ان ابنى هذا الذى رأيت لو سألته عما بين دفتى المصحف لأجابك فيه بعلم).
ووصفه علماء الرجال والسير بأنه العالم الصادق، والمتعبد المشهور بالورع والتقوى، وعظمة الشأن، وسمو الخلق، نذكر من هذه الشهادات ما قاله الحافظ الرازى فى موسوعته الرجالية بقوله: (موسى بن جعفر بن محمد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب روى عن أبيه، روى عنه ابنه على بن موسى وأخوه على بن جعفر، سمعت أبى يقول ذلك عبدالرحمن، قال: سئل أبى عنه فقال: ثقة صدوق، امام من أئمة المسلمين). (الحافظ الرازى، الجرح والتعديل، ج
(283)
8، ص 139).
وقال فيه محمد بن أحمد الذهبى: كان موسى من أجود الحكماء ومن عباد الله الأتقياء. (ميزان الاعتدال ج 3 ص 209).
وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعى: هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجاد فى الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعة، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدقا، وصائما، ولفرط حلمه، وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما. (مطالب السؤول ص 18).
وقال مؤمن الشبلنجى: كان موسى الكاظم (رضي الله عنه) أعبد أهل زمانه، وأعلمهم. (نور الأبصار ص 218).

الامام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام):
أما ولده على بن موسى الرضا (عليه السلام) فقد كان كآبائه فى العلم والورع وكمال الأخلاق، وقد تولى الزعامة الدينية ومهمة الامامة من بعد أبيه، وقد بلغ من المجد والمكانة ما أرغم الخليفة العباسى المأمون أن يعهد له بالخلافة من بعده، رغم الصراع والعداء المستحكم بين العلويين والعباسيين.
وقد شهد العلماء والفقهاء والفلاسفة فى مجالس العلم والحوار، وفى كتب الرجال والسير بمكانة الامام على الرضا (عليه السلام) العلمية، ومقامه الكريم، وما اتسم به من الورع والتقوى.
ننقل من هذه الأقوال: قال الواقدى: كان ثقة، يفتى بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)وهو ابن نيف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة. (ابن الجوزى، تذكرة الخواص، ص 198).
(284)
أما أبوه موسى بن جعفر الذى عرفنا مكانته العلمية، وورعه وتقواه، فانه يشهد له بالعلم، ويرشد الى الأخذ عنه بقوله لأبنائه: هذا أخوكم على بن موسى، عالم آل محمد، فسلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم.

الامام محمد بن على الجواد(عليه السلام):
أما الامام الجواد(عليه السلام) فهو كآبائه وأسلافه الأطهار فى العلم والزهد والتقى.
قال سبط ابن الجوزى: محمد الجواد، وهو محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وكنيته: أبو عبدالله، وقيل أبو جعفر، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، وتوفى سنة مائتين وعشرين، وكان على منهاج أبيه فى العلم والتقى والزهد والجود. (تذكرة الخواص، ص 202).
وروى محمد بن عمار قال: كنت عند على بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعنى موسى بن جعفر الكاظم ـ اذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن على الرضا المسجد، مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوثب على بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبل يده، وعظمه. فقال له أبو جعفر: يا عم اجلس رحمك الله. فقال: يا سيدى كيف أجلس وأنت قائم؟ فلما رجع على بن جعفر الى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون له: أنت عم أبيه، تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا، اذا كان الله عز وجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، أأنكر فضله؟! نعوذ بالله عما تقولون، بل أنا عبد له. (مدينة المعاجز ص 454).
وقال محمود بن وهيب البغدادى الحنفى: محمد الجواد بن على الرضا، كنيته أبو جعفر، ثم قال: وهو الوارث لأبيه علما وفضلا، وأجل اخوته قدرا وكمالا. (جوهر الكلام ص 147).
(285)

الامام عليّ بن محمد الهادي (عليه السلام):
أما الامام على الهادى (عليه السلام) بن الامام محمد الجواد (عليه السلام) فكان له من عظيم الفضل ورفيع الشأن، علما وورعا، ما كان لآبائه الكرام، ويكنى بأبى الحسن العسكرى.
قال مؤمن الشبلنجى: ومناجاته (رضي الله عنه) كثيرة، قال فى الصواعق: كان أبو الحسن العسكرى وارث أبيه علما وسخاء. (نور الأبصار ص 155).
قال عبد الحى بن العماد الحنبلى: أبو الحسن على بن محمد بن على الرضا ابن الكاظم موسى بن جعفر الصادق، العلوى، الحسينى، المعروف بالهادى، كان فقيها اماما متعبدا. (شذرات الذهب ج 2 ص 129).
قال الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير: وأما أبو الحسن على الهادى فهو ابن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين الشهيد بن على ابن أبى طالب أحد الأئمة الاثنى عشر، وهو والد الحسن بن على العسكرى، وقد كان عابدا زاهدا، نقله المتوكل الى سامراء، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر، ومات بها هذه السنة ـ أربع وخمسين ومائتين. (البداية والنهاية ج 11 ص 15).
وروى عن يحيى بن هرثمة الذى أرسله المتوكل العباسى لجلب الامام على الهادى من المدينة الى سامراء: فذهبت الى المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما، ما سمع الناس بمثله، خوفا على عليّ، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا اليهم، ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل الى الدنيا، فجعلت أسكنهم، وأحلف لهم أنى لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله، فلم أجد الا مصاحف وأدعية، وكتب العلم، فعظم فى عينى. (ابن الجوزى، تذكرة
(286)
الخواص، ص 202).

الامام الحسن بن على العسكرى (عليهما السلام):
أما الامام الحسن العسكرى بن على الهادى (عليهما السلام) فهو أيضا كآبائه الكرام فى العلم والمعرفة والورع والجهاد. وقد شهد العلماء وأصحاب السير له بذلك، نذكر من هذه الأقوال:
1 ـ قال شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلى سبط ابن الجوزى: كان عالما ثقة، روى الحديث عن أبيه عن جده. (تذكرة الخواص ص 203)
2 ـ قال على بن الصباغ المالكى: مناقب سيدنا أبى محمد الحسن العسكرى دالة على أنه السرى ابن السرى، فلا يشك فى امامته أحد ولا يمترى، واعلم أنه ان بيعت مكرمة فسواه بايعها وهو المشترى، واحد زمانه من غير مدافع، ونسيج وحده من غير منازع، وسيد أهل عصره، وامام أهل دهره، أقواله سديدة، وأفعاله حميدة. (الفصول المهمة ص 290).

الامام محمد بن الحسن (عليهما السلام):
ان الأحاديث التى وردت عن طريق أئمة الحديث والرواية من مختلف مذاهب المسلمين كثيرة جداً، وتجمع على أن اسم المهدى هو محمد، وأنه من أهل بيت النبوة، واختلفوا فى تحديد شخصه، والذى ثبت عند اتباع أهل البيت أنه الامام محمد بن الحسن العسكرى بن على الهادى بن محمد الجواد بن على الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد بن على بن أبى طالب، وأنه ولد فى النصف من شعبان سنة 255 هـ فى سر من رأى، وأنه بقدر الهى ما زال موجوداً وغائباً، وأن ظهوره
(287)
سيكون فى وقت كما ورد فى الحديث الشريف، تملأ فيه الأرض ظلماً وجوراً ليملأها قسطا وعدلا، وأن عيسى (عليه السلام) يصلى خلفه.
هذا تعريف مختصر بأئمة أهل البيت عليهم السلام ومقامهم ومكانتهم، وهم المرجعية العلمية للأمة، فعنهم أخذ الفقه والحديث والتفسير وعلوم العقيدة والشريعة وغيرها.

* * *
/ 1