مرجعية العلمية الإسلامية لأهل البيت (عليهم السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مرجعية العلمية الإسلامية لأهل البيت (عليهم السلام) - نسخه متنی

عبـدالكريم عمارة الجزائري

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المرجعية العلمية الإسلامية
لأهل البيت (عليهم السلام)






عبـد الكريم عمارة الجزائري


(154)


(155)


بسـم الله الرحمن الرحـيم


المقـدمة:
ان الحديث عن اهل البيت (عليهم السلام) حديث شيق وممتع، ترتاح له القلوب المؤمنة وتسكن به النفوس، وتحضره الملائكة ويبارك الله فيه وفي اهله، ويرضي سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، لانه انما يعبر عن حبهم وولائهم، الذي حث عليه القرآن الكريم وطالب به أمة محمد (صلى الله عليه وآله) (قل لا اسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربى).
كما ان الحديث عنهم ونشر فضائلهم وإلفات الامة اليهم يعد إحياء لامرهم عليهم السلام، والامام الصادق (عليه السلام) يقول: أحيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا.
اما مسألة المرجعية العلمية لاهل البيت فحسب اعتقادي انّها لا تحتاج الى البحث والتنقيب وجمع الادلة والشواهد لاثباتها، بل انها امر يمكن ان يستنتجه الانسان ويسلّم به بفطرته، فهم لحمة النبي (صلى الله عليه وآله) وامتداده المقدس في الامة، وهيهات أن تشذ عن رسول الله لحمته، وفي ابياتهم نزل جبرئيل بالوحي المقدس، واهل البيت اعلم بما فيه، فلا يمكن ان يجاريهم احد فيما جاء به ابوهم محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة وانه كان يوصي بحبهم وولائهم واتباعهم واذا كانت الامة في ذلك الزمان ولاسباب عديدة منها الجهل والعصبية والحسد واسباب اخرى صنعها الحكام الظالمون، اضافة الى سعة المساحة الجغرافية بين الامة واهل البيت خاصة بعد الفتوحات بحيث لم تتوفر لأغلب الناس فرصة الاتصال بهم (عليهم السلام)
(156)
والتعرف عليهم، كل تلك الاسباب وقفت حاجزاً بين الأمة ومعرفة ابناء نبيّها حقّ معرفتهم، فنحن في هذا الزمان قد تخلصنا والحمد لله من اكثر تلك الاسباب واتسعت معارفنا ومطالعاتنا وبات من أسهل الأمور أن تحصل على المعلومة التي تريد وفي أي وقت كان خاصة بعد ثورة الانترنيت.
لذا علينا أن نتوجّه بكل ارادة وصدق للتعرف عليهم اولاً - فان الناس اعداء ما جهلوا - ولا شك باننا سوف يأسرنا صفاؤهم وعلمهم وسموهم.
وقد جمعت في هذا الجهد المتواضع بعض الشواهد للاستشهاد بها على مرجعيتهم الاسلامية للامة وهو كالاتي:

الدليل القرآني على اعلميّتهم:
لعل من أظهر الآيات القرآنية التي نزلت في أهل بيت النبوة (عليهم السلام) هي آية التطهير (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)، اذ بيّنت المكانة السامية والمنزلة الرفيعة لأهل هذا البيت عند الله، حيث تعلقت إرادته سبحانه بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً، والذي يعني انه سبحانه قد تعهدهم بعنايته ورعايته بصورة خاصة غير العناية العامة التي يتعهد بها جميع خلقه.
ومن الواضح أن التطهير وإذهاب الرجس عنهم يعني امتلاكهم حصانة ذاتية تمنع عن وقوعهم في الذنوب أو ارتكاب ما يخالف الشريعة نتيجة الخطأ والاشتباه، حيث إن المخالفة وإن كانت غير متعمّدة لا يمكن معها أن يصل الانسان الى كماله ناهيك عن وصوله الى اعلى درجات التطهير التي أشارت لها الاية المباركة، نعم ان الله سبحانه يسامح العبد على اخطائه واشتباهاته وجهله ويتجاوز عنه، ولكن هناك شروط تدخل في معذريّته منها ان يكون قاصراً عن معرفة الحق.
(157)
وعليه فان الحصانة الذاتية وبهذه المرتبة الرفيعة الشاملة لكل مفردات التعامل وعلى كافّة الأصعدة لا يمكن لها أن تتوفر لشخص ما ما لم يحيط بالعلوم الالهية والحياتية بحيث يصل الى درجة يرى فيها الأمور على حقائقها وعواقبها وآثارها المترتبة عليها، عند ذاك يستطيع ان ينأى بنفسه عن كل ما يمس طهارته بكدر أو غبار.
ومن هنا نستنتج ان الله سبحانه قد اعطى ومنح اهل البيت (عليهم السلام) كل مقومات التطهير التي من أوّلياتها العلم بكل صغيرة وكبيرة سواء على مستوى التعاليم الدينية او المعارف الدنيوية.
ومن هنا، فان هناك ملازمة بين الوصول الى اعلى درجات التطهير وبين الحصول على اعلى مراتب العلم والمعرفة والاحاطة بكل شاردة وواردة.
وربما يرد اعتراض على هذه الملازمة مفاده: انه يمكن ان يحصل هذا دون الحصول على اعلى مراتب العلم حيث يتعهدهم الله ويقف مانعاً بينهم وبين الاخطاء والمعاصي وبالتالي تصدق عملية التطهير.
ورداً على هذا الاعتراض المفترض نقول: ان هكذا تدخّل من قبله تعالى يجعلهم مسيّرين لا مختارين ومجبورين على افعالهم مثلهم مثل المخلوقات المسيرة كالكواكب مثلاً التي تتحرك ضمن نظام دقيق يحفظ الكون من الفساد والخلل، وبذلك فلا يستحقون المدح - حاشاهم من ذلك - بينما نجد ان الوحي المقدس قد جعل مودتهم وحبهم الاجر والشكر والعرفان الذي يجب ان تؤديه الامة لنبيّها الاكرم (صلى الله عليه وآله) على ما جاء لهم به من رسالة الهيّة عظيمة وهداهم بها الى الحق وانقذهم من ظلم الجاهلية والتيه الذي كانوا يعيشونه على كافة المستويات: (قل لا اسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربى)، بل ان هذا لا يمكن تفسيره - بحيث اصبحت مودتهم مقابل كل جهود النبي (صلى الله عليه وآله) التي قدّمها للأمّة - الاّ بأنهم
(158)
هم حملة الرسالة من بعده وامناؤها وحفّاظها من التغيّر والاختلاف من بعده (صلى الله عليه وآله)، والوعاء الطاهر الذي يضمن استمرارها خالصة صافية الى ما شاء الله.
بالاضافة الى ذلك نسوق شاهداً قرآنياً يدل على مرادنا وهو: (وتعيها أُذن واعية) حيث نزلت هذه الاية الكريمة بحق علي بن ابى طالب عليه الصلاة والسلام، ومن الواضح انها تبيّن وبشكل جلىّ الى ان الرسالة المحمدية العظيمة قد هيأ الله لها اذن تعيها وتتلقّاها بفهم حقيقي لكل تفاصيلها ومفرداتها فتكون مستودعها الامين من بعد سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء في مناقب الخوارزمي ص 199 ما نصه: عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال: ضمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لي: انّ الله امرني ان ادنيك ولا اقصيك وان تسمع وتعي وحقاً على الله ان تسمع وتعي. فنزلت هذه الاية (وتعيها اذن واعية).
وعن ابن عباس انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني فما علمت شيئاً الاّ علمته علياً فهو باب علمي (ينابيع المودة ص 79).
وفي طبقات بن سعد ص 338 انه قيل لعلي (عليه السلام): ما لك اكثر اصحاب رسول الله حديثاً قال اني كنت اذا سألته أنبأني واذا سكتُّ ابتدأني.
تبقى مسألة مهمة هنا وهي هل ان اية التطهير تخص علياً وفاطمة والحسن والحسين ام تشمل جميع اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بما فيهم نساؤه.
والجواب على ذلك على نحوين:
الاول - وهو ما يخص مناسبة نزول اية التطهير نفسها، فقد ورد عن عائشة زوج النبي انها قالت: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرحّل من شعر اسود فجاء الحسن بن على فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) (صحيح مسلم ج 4 ص 1883).
(159)
وعن عمر بن ابي سلمة ربيب النبي (صلى الله عليه وآله) قال: نزلت هذه الاية على النبي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا). في بيت ام سلمة فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعليُّ خلف ظهره ثم قال: هؤلاء اهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهّرهم تطهيرا، قالت ام سلمة: وانا معهم يا رسول الله؟ قال: انت على مكانك الى خير. (اسد الغابة ج2، ص 12).
الثاني: من خلال ما نقلته كتب التاريخ وذكره الرواة بشكل مستفيض بخصوص الذين اخرجهم النبي (صلى الله عليه وآله) معه لمباهلة نصارى نجران بعد نزول الاية الكريمة (تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم)، حيث جاء في المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 150 نقلاً عن عامر بن سعد عن ابيه قال: لما نزلت هذه الاية (تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم)دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة والحسن والحسين «رضى الله عنهم» قال: اللهم هؤلاء اهل بيتي.

أعلمية اهل البيت في الحديث النبوي:
لقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) المرجع العلمي الاعلى في الامة في جميع الامور السياسية والاجتماعية والعقائدية والفقهية والاخلاقية والثقافية وغيرها مما يحتاج اليه المسلمون خلال حياتهم العامة، حيث كان القرآن الكريم يغطي مساحة واسعة من تلك الاحتياجات، بآياته الكريمة المبيّنة للتعاليم والقوانين الالهية التي سنّها الشارع المقدس لتسير الامة على هداها وهي تلك الموجودة بين دفتي الكتاب المقدس، بالاضافة الى ما يتلقاه (صلى الله عليه وآله) من قبل الوحي من تعاليم غير القرآن فيوصله بدوره للمسلمين، وقد اشار القرآن الكريم الى تلك الحقيقة (وما
(160)
ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى علّمه شديد القوى).
ولمّا كانت رسالة الاسلام هي الرسالة الخاتمة التي ستظل الدين الذي تدين به البشرية حتى اخر يوم في حياتها، والنظام الذي اراد لها الله سبحانه وتعالى السير وفق تعاليمه وقوانينه وارشاداته، كان لابد ان يودع النبي (صلى الله عليه وآله)علمه الالهي عند من هو اهل لذلك من حيث القدرات الذهنية والعقلية والبيانية وكذلك من حيث الطهارة والاخلاص ليكون خلفاً لمرجعيته العلمية، يقوم مقامها ويؤدي دورها.
وقد ذكر القرآن الكريم ما يثبت انخفاض مستوى الوعي والاستعداد عند ذلك المجتمع الذي عاصر النبي (صلى الله عليه وآله) بصورة عامة وخاصة ما اشار به الى اعتراضاتهم المتكررة على النبي (صلى الله عليه وآله) ورفع اصواتهم بحضرته المقدسة ومناداته من وراء الحجرات، حتى ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يخشى اتّهاماتهم له عند ما كان يريد تنفيذ ما امره به الله سبحانه (وتخشى الناس والله احق ان تخشاه)، (والله يعصمك من الناس) هذا بالإضافة الى انهم كانوا يسمعون من النبي (صلى الله عليه وآله)الآيات والتعاليم ولكن بمجرد خروجهم من مجلسه يقول بعضهم لبعض ماذا قال آنفاً.
ولذلك فقد اختار رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ليكونوا اوعية علمه وأمناء رسالته من بعده، ولا شكّ ان اختيارهم بامر من الله سبحانه الذي خصهم بعنايته خاصة وان القرآن يقول (وما ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى)، واذا كان كل قوله وحي فلا شك ان هكذا أمر خطير يتوقف عليه حفظ الرسالة واستمرارها خالصة لا يمكن ان يفسّر أو يعلل بدوافع اخرى شخصية. فقد اختار علياً (عليه السلام) لهذه المهمة فلم يترك شيئاً الاّ وعلمه إياه وأمره بكتابته وإليك بعض الادلة:
(161)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني فما علمت شيئاً الاّ علمته علياً فهو باب علمي (ينابيع المودة ص 79).
قال علي (عليه السلام): وقد علمتم منزلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وانا ولد يضمني الى صدره ويكنفني في فراشه ويمسّني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشىء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن ان كان (فطيماً) أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن الاخلاق ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر امه، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحرّاء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد آيس من عبادته انّك تسمع ما اسمع وترى ما أرى إلاّ انك لست بنبي، لكنك وزير وإنك لعلى خير. (نهج البلاغة، خطبة 187).
وقال علي (عليه السلام) (في حديث) وقد كنت ادخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها، أدور معه حيث دار وقد علم اصحاب محمد انه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي، يأتيني رسول الله اكثر ذلك في بيتي وكنت اذا دخلت عليه بعض منازله اخلاني واقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري، واذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا احد من بنىَّ، وكنت اذا سألته اجابني واذا سكتُّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله اية من القرآن الا اقرأنيها واملاها عليّ فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ودعا الله ان
(162)
يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت اية من كتاب الله وعلماً املاه علىّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام ولا امر ولا نهي كائن او يكون ولا كتاب منزل على احد قبله من طاعة او معصية الا علّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي ان يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبى الله بأبي انت وامي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شىء لم اكتبه أفتخاف عليّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست اتخوف عليك النسيان والجهل (الكافي ج 1 ص 64).
ومن خلال ما تقدم يتضح ان سيد المرسلين قد اعطى لعلي من الاهتمام والوقت والعلم ما لم يعطه لاحد غيره، وتعهده بعناية خاصة واعداد مكثّف، من اجل الوصول به الى المرحلة التى يكون فيها خازن علم الرسول وعيبته والمؤهل للاضطلاع بدور المرجعية العلمية من بعده، هذا من ناحية الاعداد والتدريس والتبين.
اما بالنسبة لقدرة علي على التلقي والفهم والحفظ، فقد كانت في ارقى درجاتها، حتى اعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة التخرج واعلنها بين المسلمين واشهدهم عليها مراراً وتكراراً، ليكون اليه مرجعهم ومآل امور دينهم ودنياهم، وربما من اوضح واشهر اقواله (صلى الله عليه وآله) في علىّ بهذا الخصوص حديث: انا مدينة العلم وعلىٌّ بابها فمن اراد العلم فليأت الباب (المناقب للخوارزمي ص 40).
احاديث تبيّن مدى علمية علي فى:
سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن علي (عليه السلام) فقال: قسمت الحكمة عشرة اجزاء فأعطي علي تسعة اجزاء والناس جزءاً واحداً (فرائد السمطين ج 1 ص 94).
عن انس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي انت تبيّن لامتي ما اختلفوا فيه من بعدي (المستدرك ج 3 ص 122).
(163)
عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انّ اقضى امتي علي بن ابي طالب (المناقب للخوارزمي ص 309).
عن سلمان الفارسي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: اعلم امتي من بعدي علي بن ابي طالب (مناقب الخوارزمي ص 40).
ذكرت الامارة - او الخلافة - عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:... ان وليتموها علياً وجدتموه هادياً مهدياً يسلك بكم على الطريق المستقيم (تاريخ ابن عساكر ج 3 ص 69).
قال رسول الله: علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي ولن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض (ابن عساكر ج 3 ص 125).
هذا بالنسبة الى علىٌّ (عليه السلام) الذي لا يختلف في علمه اثنان اما ما يعمّ اهل البيت (عليهم السلام) فنسوق مجموعة من الاحاديث النبويّة الشريفة التي تدل على مرجعيتهم العلمية:
اولاً: يروي احمد بن حنبل عن ابي سعيد قائلاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اني تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلّوا بعدي، الثقلين احدهما اكبر من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي اهل بيتي الا وانهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض (مسند الامام احمد بن حنبل ج 3 ص 59).
نقل الحاكم النيشابوري عن زيد بن الارقم قائلاً: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)من حجة الوداع ونزل غديرخم امر بدوحات فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، اني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر منه الاخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ثم قال ان الله عز وجل مولاي وانا مولى كلِّ مؤمن ثم اخذ بيد علي(رضي الله عنه)فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (المستدرك على الصحيحين ج 3
(164)
ص 109).
لقد روي حديث الثقلين المتقدم بعبارات مختلفة وطرق متعددة من قبل عدد من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) الكبار منهم: ابو ذر الغفاري، ابو سعيد الخدري، علي بن ابي طالب، حذيفة بن اليمان، جابر بن عبدالله الانصارى، فاطمة الزهراء، ام هاني بنت ابي طالب، ام سلمة، ويذكر احمد بن حجر الهيثمي ان اكثر من عشرين نفراً من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رووا حديث الثقلين (الصواعق الحرقة ص 150).
واليك بعض الكتب المشهورة والمعتمدة لدى اهل السنة التي ذكرت حديث الثقلين: صحيح مسلم ج 4 ص 1874، ابن الاثير في اسد الغابة ج 2 ص 12، الامام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج 8 ص 163، ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 322، السيرة الحلبية ج 3 ص 308.
ومن خلال حديث الثقلين المتقدم يعرف الباحث عن الحقيقة مدى علميّة اهل البيت (عليهم السلام) وعصمتهم عن الخطأ، اذ قرنهم الحديث الشريف بالقرآن وجعلهم عدل له وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويحتوي على تبيان كل شىء، ومن هذا القرن نفهم انهم تبيان لكل شىء ولا يأتيهم الباطل منه بين ايديهم ولا من خلفهم، اضافة الى هذا فان الحديث قد اشار الى مسألة مهمة وهي ان القرآن من دون اهل البيت (عليهم السلام) - العالمين به - لا يمكن ان تنتفع به الامة الانتفاع المطلوب، بل انّها ستظللها الاهواء والآراء المختلفة في تفسير آياته، وكذلك فان اتباع اهل البيت (عليهم السلام) من دون التمسك بالقرآن لا يؤدي بالانسان الى الطريق الصحيح والنجاة في الدنيا والاخرة، فالقرآن كتاب الله الصامت واهل البيت هم القرآن الناطق.
ثانياً: قوله (صلى الله عليه وآله): انما مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن
(165)
تخلّف عنها غرق (فضائل الخمسة للفيروزآبادى ج 2 ص 65)، ولمّا كانت سفينة نوح قد وصلت بمن ركبها الى شاطئ الامان، فان اهل البيت (عليهم السلام) هم القادرون على ايصال الامة الى شواطئ الامان والابتعاد عن بحار الظلمات والجهل والاختلاف والوقوع في المآثم، ولا يتم لاهل البيت ذلك الاّ اذا كانوا يمتلكون اعلى درجات العلم، ولمّا وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله) بتلك الصفة (سفينة نوح) فان ذلك يعني ولا ريب مرجعيتهم العلمية العليا التي تستطيع الامة بالرجوع اليها فيما يعترضها من امور ومسائل الوصول الى شواطئ النجاة الابدية.
ثالثاً: قوله (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان ولأهل الارض من الغرق، واهل بيتي امان لاهل الارض من الاختلاف (اخرجه الحاكم في مستدرك الصحيحين ج 3 ص 149).
رابعاً: قوله (صلى الله عليه وآله): أنزلوا آل محمد منزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس، فان الجسد لا يهتدي الاّ بالرأس، وانّ الرأس لا يهتدي الاّ بالعينين. (الاتحاف بحبّ الاشراف ص 26).
خامساً: قوله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في بعض احاديث الثقلين: فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم (مستدرك الصحيحين ج 3 ص 146).

هل ان اهل البيت هم علي (عليه السلام) وولداه فقط ؟
تقدم ان النبي (صلى الله عليه وآله) اراد ان يكون اهل بيته - وقد تعهد علياً والحسنين بالتعليم - المرجعية الاسلامية العليا التي تخلفه في الامة وتؤدي دوره فيها، واذا كان المقصود بأهل البيت (عليهم السلام) هم علي والحسنان فقط فسيحصل فراغ زمني شاسع تظل الامة فيه دون مرجع اعلى محيط بعلوم الدين والدين ترجع اليه لدى الحاجة - والحاجة متزايدة كلما تقدم الزمن لانهم (عليهم السلام) لم يلبثوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله)
(166)
الاّ فترة قصيرة قياساً بعمر الرسالة ومدى بقائها المرسوم حيث ان آخرهم وهو الحسين بن علي (عليه السلام) قد استشهد عام 61 هـ اي بعد خمسين سنة من رحلة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا يدلل على ان المرجعية المطلوبة يجب ان لا تقتصر عليهم (على وولداه) «صلوات الله عليهم».
وقد نقل ابراهيم بن محمد الجوينى ما يثبت ذلك قائلاً: عن ابن عباس قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون. (فرائد السمطين ج 2 ص 133.
اما اسماء هؤلاء التسعة من ولد الحسين (عليه السلام) المطهرين المعصومين الذين جاء ذكرهم في الحديث المتقدم فقد وردت في احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) واليك هذا الحديث الذي ورد في تفسير نور الثقلين عن ابن بابويه باسناده عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: لما انزل الله عز وجل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) قلت يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن اولوا الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال (صلى الله عليه وآله): هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي اولهم علي بن ابي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن على المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن على، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي وكنيّي حجة الله في ارضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته واوليائه غيبة لا يثبت فيها القول بامامته الاّ من امتحن الله قلبه للايمان (تفسير الثقلين ج 1 ص 499).

(167)
انتقال علم الرسول الى الائمة:
بعد ان انتهينا من اثبات مرجعية آل البيت العلمية من خلال القرآن والحديث وعرفنا من هم، نتعرض الى السبيل الذي انتقل فيه علم سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) الى غير معاصريه منهم، اذ ان معاصريه (علي والحسن والحسين) قد أخذوا عنه، وقد بيّنا ذلك واذا كان هناك اعتراض بخصوص الحسنين لانهما كانا صغيرين، فان الحديث الذي تقدم ايضا بالنص على امامتهما ان قاما وان قعدا يرد ذلك الاعتراض، يضاف الى انهما تعلما من ابيهما علي (عليه السلام).
لقد تقدم ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد تعهد علياً (عليه السلام) بالتعليم وكان الاذن الواعية للرسالة وكان يكتب ما يمليه عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد ورث بنوه كتابه لاحقاً عن سابق حتى وصل الى آخرهم، فهم يأخذون منه علوم الرسول (صلى الله عليه وآله) بالاضافة الى ما يتعلمه كل منهم عن ابيه، هذا اذا اغمضنا عن عناية الله بهم والهامه لهم ما يحتاجون اليه، وقد ورد في الحديث الشريف إن من اخلص لله اربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، فكيف بهم وهم خيرة الله المطهرون تطهيراً.
وقد ورد عن عذافير الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عيينه عند ابي جعفر - يعني الباقر (عليه السلام) - فجعل يسأل وكان ابو جعفر (عليه السلام) له مكرماً فاختلفا في شيء فقال ابو جعفر: يا بنىَّ قم فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ففتحه وجعل ينظر حتى اخرج المسألة فقال ابو جعفر: هذا خط علي واملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) واقبل على الحكم وقال: يا ابا محمد إذهب انت وسلمة وابو المقداد حيث شئتم يميناً وشمالاً فو الله لا تجدون العلم اوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل. (جامع احاديث الشيعة ج 1).
وهذا دليل على انتقال كتاب علي (عليه السلام) الذي كان يمليه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)الى الائمة واحد عن واحد، وبه وبغيره حصل اهل البيت (عليهم السلام) على علوم
(168)
النبي(صلى الله عليه وآله) في جميع الامور، فكانوا اعلم اهل الدنيا قاطبة، فهم أئمة أمة الاسلام ومراجعها الذين ما اعجزهم سؤال ابداً، ولهذا فالاخذ عنهم يعني الاخذ عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن الله، وعليه فلابد من معرفتهم والانتهال من معينهم العذب الاصيل خاصة وان الحديث الشريف يقول: من مات بغير امام مات ميتة جاهلية (كنز العمال ج 1 ص 103) والاحاديث الشريفة المتقدمة قد بيّنت من هم الأئمة الحقيقيون.

اهل البيت يمارسون دور المرجعية العليا:
لقد مارس اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) دور المرجعية الاسلامية العليا منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) والى تاريخ غيبة الامام الحجة (عج)، ولكن بتفاوت من حيث السعة والتصدي العلني نتيجة الظروف المختلفة والضغوطات المتفاوتة التي كان يعيشها كل واحد منهم.
ولعل اوضح مصاديق ممارسة هذا الدور تتمثل في مرحلة ما بعد وفاة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) حيث كان المسلمون يرجعون الى علي (عليه السلام) في مسائلهم واحتياجاتهم بما فيهم الخلفاء أنفسهم ويعتمدون رأيه في الفتوى والقضاء والامور العسكرية التي تخص الفتوحات الاسلامية آنذاك وإليك بعض الامثلة:
1 ـ عندما فكّر ابو بكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا وأخروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار علياً (عليه السلام) في الامر، فقال: إن فعلت ظفرت، فقال: ابو بكر: بشرت بخير، وامر ابو بكر الناس بالخروج (تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 111).
2 ـ عندما اراد ابو بكر ان يقيم الحد على شارب خمر، فقال الرجل إني شربتها ولا علم لي بتحريمها، فأرسل الى الامام يسأله عن ذلك فقال (عليه السلام): (مُر
(169)
نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والانصار وينشدانهم هل فيهم احد تلا عليه آية التحريم او اخبره بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)فان شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد احد بذلك، فاستتبه وخلِّ سبيله) وكان الرجل صادقاً في مقاله فخلّى سبيله. (ابن شهرآشوب مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 356).
3 ـ عندما قدم جاثليق النصارى يصحبه مائة من قومه، فسأل ابا بكر مسئلة، فدعا علياً فأجابه عنها، وكان من ضمن هذه الأسئلة، سؤاله عن وجه الرب تبارك وتعالى، حيث دعا علي (عليه السلام) بنار وحطب واخدمه، فلما اشتعلت قال: اين وجه هذه النار؟ قال الجاثليق: هي وجه من جميع حدودها، فقال علي (عليه السلام): (هذه النار مدبّرة مصنوعة، لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله لا تخفى على ربنا خافية). (علي والخلفاء ص 60).
4 ـ حين اراد عمر بن الخطاب ان يغزو الروم راجع الامام (عليه السلام) في الامر فنصحه الامام بان لا يقود الجيش بنفسه مبيناً علّة ذلك قائلاً (فابعث اليهم رجلاً مجرباً واحفز معه اهل البلاء والنصيحة فان اظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الاخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين) (نهج البلاغة، الخطبة 134).
5 ـ وورد ان عمر بن الخطاب رأى ليلة رجلاً وامرأة على فاحشة، فلما اصبح قال للناس: أرأيتم ان اماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين؟ قالوا انما انت امام فقال علي بن ابي طالب (عليه السلام) (ليس ذلك لك، اذن يقام عليك الحد، ان الله تعالى لم يأمن على هذا الامر أقل من اربعة شهداء) ثم ان عمر ترك الناس ما شاء الله، ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الاولى وقال علي (عليه السلام) مثل مقالته فأخذ عمر بقول الامام (كنز العمال ج 3 ص 96).
6 ـ عن الطبري في تاريخه عن سعيد بن المسيب قال: جمع عمر بن
(170)
الخطاب الناس فسألهم، من اي يوم نكتب التاريخ؟ فقال على (عليه السلام): من يوم هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك، ففعله عمر (تاريخ الطبرى ج 2 ص 253).
7 ـ وعندما أُتى الى عثمان بأمرأة ولدت لستة اشهر، فهمّ برجمها، فقال على (عليه السلام): (ان خاصمتك بكتاب الله خصمتك، ان الله تعالى يقول (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) ثم قال: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة)، فحولين مدة الرضاع، وستة اشهر مدة الحمل)، فقال عثمان ردّوها - اي لا ترجموها - (ابن كثير في تفسيره ج 4 ص 57).
8 ـ قال ابن عباس: اذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها (طبقات ابن سعد ج 2 ص 338).
9 ـ عن عائشة «رضى الله عنها» وقد سئلت عن المسح على الخفين فقالت: إئت علياً فاسأله (ذخرى العقائب ص 79).
ومن خلال ما تقدم فان علياً (عليه السلام) كان يمثل المرجع الاوحد في الامة الذي ترجع عليه كلما اشتبه عليها امر او لم تجد حلاً لمسألة ما مهما كانت حتى ان عمر ابن الخطاب كان يتعوّذ بالله من معضلة ليس فيها ابو الحسن (طبقات ابن سعد ج 2 ص 349).
ولو قلّبنا التاريخ لما وجدنا شخصية علمية اوصلتها ثقتها بعلمها الى ان تقول "سلوني قبل ان تفقدوني" غير علي (عليه السلام).
اما بالنسبة للحسنين (عليهما السلام) فأمرهما واضح كأبيهما والامة تعرفت مكانتهما العلمية والقيادية وقدراتهما الفذة التي شهد بها لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنها:
انتما الامامان ولامكما الشفاعة (نزهة المجالس ج 2 ص 184).
ومنها: انه (صلى الله عليه وآله) قال للحسين (عليه السلام): انت سيد ابن سيد اخو سيد، وانت امام
(171)
بن امام اخو امام وانت حجة ابن حجة اخو حجة ابو حجج تسعة تاسعهم قائمهم (منهاج السنه لابن تميمة ج 4 ص 209).
ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله) في الامام الحسن (عليه السلام): هو سيد شباب اهل الجنة وحجة الله على الامة، أمره امري، وقوله قولي، من تبعه فانه مني ومن عصاه فانه ليس مني. (اثبات الهداة ج 5 ص 129).
ونعتقد ان هذا كاف لعكس مقامهما العلمي الفذ الذي كانا يتمتعان به، حيث وصفتهما الاحاديث على انهما امامان وحجتان، وقولهما قول الرسول (صلى الله عليه وآله)، واتباعهما اتباع له وعصيانهما عصيان له (صلى الله عليه وآله) هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فقد تصديا لقيادة الامة السياسية ايضاً، اذ بويع الإمام الحسن (عليه السلام) - بعد ان خلّفه ابوه في المسلمين - حيث بايعه اهل الكوفة والبصرة والحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي تدين بالولاء والبيعة لابيه.
كما نصّت المادة الثانية من صلح الامام الحسن مع معاوية على ان يكون الامام للحسن من بعده، فان حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية ان يعهد به الى احد (بحار الانوار ج 10 ص 115).
الامر الذي يثبت ان معاوية نفسه كان يعرف مقامهما الشريف ومنزلتهما الفريدة في الامة على رغم جحوده لحقهما وسعيه لابعادهما عن مراتبهما، حيث انه كان يسعى للصلح مع الامام السبط ليعطي لنفسه الشرعيّة التي يفتقدها حتى تستتب له الامور وتجتمع اليه الناس، ومن ثم ينفذ مخططاته ومؤامراته لاستئصالهما «عليهماالسلام» والتخلص من وجودهما المبارك.
وبعد وفاة الامام الحسن (عليه السلام) اثر دس السم اليه من قبل معاوية كانت الامة تتطلع الى الامام الحسين (عليه السلام) وترجو قيادته لها، حيث ان معاوية واصحابه كانوا يدركون تلك الحقيقة، فعن موسى بن عقبة انه قال: لقد قيل لمعاوية إن الناس قد
(172)
رموا ابصارهم الى الحسين (عليه السلام) فلو امرته يصعد المنبر ويخطب فان فيه حصراً وفي لسانه كلالة فقال لهم معاوية: قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتى عظم في اعين الناس وفضحنا، فلم يزالوا به حتى قال للحسين (عليه السلام): يا ابا عبدالله لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد المنبر، فحمدالله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب؟ فقال له الحسين (عليه السلام): نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله الاقربون، واهل بيته الطيبون واحد الثقلين الذي جعلنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعول علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتبع حقايقه فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة إن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة..) (الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 298).
وبالفعل فقد كانت الامة تحن للرجوع الى آل محمد (صلى الله عليه وآله)) وقيادتهم، وقد بايع الحسين الالاف من اهل الكوفة وغيرها من الامصار بعد ان وجهوا اليه كتبهم ورسلهم يطلبون تصديه للقيام بالامر، الاّ ان بطش الامويين وقساوتهم وتجبرهم اضعف رأي الامة وارجعها عن مرادها مرغمة حتى قتل سيدالشهداء بيد شر خلق الله مظلوماً عطشاناً غريباً.
اما بالنسبة لأئمة اهل البيت (عليهم السلام) من غير المعاصرين للنبي (صلى الله عليه وآله)، فبالاضافة الى الاحاديث النبوية التي وردت لتعريف الامة بهم وللتأكيد على علميتهم ومكانتهم في الامة، نسوق هنا بعض الادلة التي تؤكد وتثبت مرجعيتهم العلمية في الامة:
اولاً: تصرفهم في الامة بما يتناسب ومرجعيتهم العليا، وهذا التصرف يتفرع وفق المسؤولية الملقاة عليهم الى عدة فروع منها:
الف - الارشاد والدرس: حيث تبنوا (عليهم السلام) مهمّة تعليم الناس - وخاصة
(173)
طلبة العلم والمعرفة منهم - تعاليم الاسلام المختلفة من القرآن والحديث واجابة الاسئلة المتعلقة بأمور الدين، ونذكر هنا بعض الشواهد على ذلك وبما يخص كل واحد منهم (عليهم السلام) :
الامام علي بن الحسين (عليه السلام): يعتبر الامام السجاد المؤسس الثاني للمدرسة الاسلامية بعد جده اميرالمؤمنين (عليه السلام)، حيث اتخذ منزله والمسجد النبوي مدرسة يزدحم فيها طلاب شتى العلوم والمعارف الاسلامية وذلك منذ عام 61 هـ بعد استشهاد والده الحسين (عليه السلام) حتى اخر ايام حياته سنة 95 هـ، اذا انشغل (عليه السلام)- مستغلاً انشغال الدولة باستبدادها واخماد الثورات التي تعاقبت بعد شهادة الحسين - بنشر العلم وبعث الثقافة والوعي وتهذيب الاخلاق، فكثر تلامذته والاخذون عنه حتى اصبح تلامذته فيما بعد بناة الحضارة الاسلامية.
لقد اخذ عنه علماء الحجاز ومن يأتي من البلاد ابان بن تغلب الكوفي، اسحق بن عبدالله المدني اسحق بن الفضل الشامي، اسرائيل بن غياث المكي، ايوب بن بكر الموصلي، ايوب بن تميمة البصري، بشر بن عقبة المدائني، ثابت بن دينار الثمالي (ابو حمزة)، جابر بن عبدالله الانصاري الصحابي المعروف، جعفر بن محمد الحضرمي، الحسن بن السري الكرخي، داود بن ابي هند السرخسي، زرارة ابن اعين، سلام بن ابي عمره الخراساني، سلمان بن خالد القمي، صالح بن سهل الهمداني، عمرو بن خالد الواسطي، يحيى بن ابي العلاء المرازي، يزيد بن محمد النيشابوري، احمد بن حنبل، وغيرهم كثير لا يمكن حصرهم في هذه العجالة ومن اراد المزيد فليراجع كتب السير والتاريخ يجد العجب العجاب، خاصة وان مطالعة الاسماء والمدن التي ينتمون اليها تجعل الانسان المنصف امام حقيقة لا تقبل الشك وهي ان علميته الفذة والمعروفة عند الامة جعلت طلاب العلوم والعلماء يتهافتون اليه من كل حدب وصوب ومن اقصى الديار الاسلامية.
(174)
ومن الطريق ما نقله باقر شريف القرشي في كتابه: الامام محمد الباقر: ان الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) كانا ينفقان على اصحابهما والدارسين عندهما مما يصل الى ايديهما من اموال ويتعهدان شؤونهم ليتفرغوا للعلم، وهذا ما يدل على سعة الجامعة الاسلامية التي كانا قد أنشاها وطول المدة التي يقضيها الطلبة عندهما للتعليم.
جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ان المدرسة التي انشأها الامام زين العابدين توسعت اكثر واكثر في زمان الامام الصادق (عليه السلام) بعد ابيه الباقر، حيث التحق بها جمع غفير من رواد العلم على اختلاف مشاربهم وميولهم وانتماءاتهم، حتى وصل عددهم الى اربعة الاف شخص فيهم كبار العلماء والمحدثين الذين اصبح قسم منهم رؤساء لبعض المذاهب الاسلامية، وقد اقبل اصحاب الامام على تدوين العلوم التي تلقوها واخذوها عن الامام (عليه السلام) فالّفوا في جميع الفنون والمعارف، اذا ألّف ابان بن تغلب (معاني القرآن) وكتاب (القرآن) والّف المفضل بن عمر كتاب (التوحيد) وألّف جابر بن حيان كتابين في علم الكيمياء ولم يقتصر الامام الصادق في ابحاثه ودروسه على بعض العلوم بل توسعت دروسه ومحاضراته حتى شملت كل اصول الادب والقيم الاجتماعية ومكارم الاخلاق والاصلاح الشامل في جميع المجالات.
ونتيجة لهذا التوسع في جامعة الصادق ورغبة الناس في التعلم وكثرة المتعلمين على يديه، فقد فتحت في كثير من الاقاليم فروع لمدرسة الامام (عليه السلام)واعظم تلك الفروع المعهد الذي اقيم في جامع الكوفة حيث التحق بهذا المعهد الكبير تسعمائة عالماً من كبار تلامذة الامام للتدريس فيه: (راجع كتاب المجالس السنية للسيد محسن الامين العاملي، الجلد الثاني - مدرسة الامام الصادق (عليه السلام)).
الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): على الرغم من الظروف الخانقة التي
(175)
فرضتها عليه حكومة المنصور، تابع (عليه السلام) رسالة آبائه في نشر العلم والحديث والاخلاق والدفاع عن الاسلام، وقد روى عنه اصحابه الاف الاحاديث في مختلف العلوم والمواضع وكان من بين اصحابه يونس بن عبدالرحمن الذي الّف ثلاثين كتاباً في مختلف المواضيع كما يقول الشيخ الطوسي في كتابه الفهرست، ومحمد بن عمير الذي الّف في الفقه، وصفوان بن يحيى الذي ألّف اكثر من ثلاثين مؤلفاً كما نص على ذلك الكشي والطوسي وابن النديم وغيرهم من المؤلفين في احوال الرواة، ومنهم عبدالله بن المغيرة البجلى واحمد بن عمرو المعروف بالبزنطي والحسن بن محبوب السراد.
وقد اشتهر غير هؤلاء جماعة من تلامذة الامام الكاظم (عليه السلام) ولكنهم لم يبلغوا مرتبة هؤلاء منهم صفوان الجمال وعبدالرحمن البجلي.
الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): جلس الامام (عليه السلام) للفتيا في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وعمره الشريف نيف وعشرون سنه، ونقل عن اليقطيني انه قال: لمّا اختلف الناس في امر ابي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه عشرة آلاف مسألة (بحار الانوار ج 49 ص 97).
وقد كان لوجود التيارات الغريبة عن الامة كانت تهدف الى افساد وتشويه ثقافة المجتمع وضرب الاسلام باسمه من الداخل والتي كانت تغذيها وتتعهدها حركات سياسية متصلة باعداء الاسلام في الخارج، كان لها الاثر الكبير في اظهار علوم الامام نتيجة حواراته ومناظراته مع سائر الملل والمذاهب وتصديه لاهل الافكار المنحرفة بالحجة والبرهان، ولكثرة ما روي عنه (عليه السلام) أفرد له علماؤنا كتباً مثل ما فعل الشيخ الصدوق(رحمه الله)في كتاب عيون اخبار الرضا، ومن اراد فليراجع.
وهنا التفاتة يجب الانتباه اليها وهي انه (عليه السلام) قد تصدى بنفسه لمناظرة اصحاب الملل والمذاهب والمنحرفين شعوراً منه بواجبه في حفظ الرسالة
(176)
باعتباره اعلم الامة في زمانه.
اما تلامذته ورواته فكثير نذكر بعضاً منهم على سبيل المثال: ابو الصلت الهروي، ابو هاشم الجعفري، صفوان بن يحيى، احمد بن ابي نصر البزنطي، ياسر مولى الامام، محمد بن ابي عباد، يزيد بن سليط، علي بن شعيب، عمران الصابي وغيرهم.
الامام محمد بن علي الجواد (عليه السلام): لقد وصل صلوات الله عليه الى مقام الامامة السامي بعد وفاة ابيه الرضا وعمره الشريف لا يتعدى التاسعة الامر الذي جعله اعجوبة الزمان لعلمه العجيب الذي تحيّرت به الالباب وسكتت امامه العلماء، بينما كان البعض اطمعه صغر سن الامام لتسخيف رأي الشيعة في الامامة من خلال تعجيزه بالاسئلة واظهار جهله الذي كانوا يتوهمونه - حاشاه عن ذلك ـ.
ومن جملة ذلك محاولة يحيى بن اكثم افحامه بعد ان اشغل ذهنه في اختيار مسألة يصعب على الامام الاجابة عليها - كما كان يتوقع - حيث سأله في حضرة المأمون العباسي وجمع فيه العلماء: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟ فقال ابو جعفر (الجواد): قتله في حلِّ او حرم، عالماً كان المحرم او جاهلاً قتله عمداً او خطأً، حراً كان المحرم او عبداً، صغيراً كان او كبيراً، مبتدءاً بالقتل او معيداً، من ذوات الطير كان ام من غيرها، من صغار الطير ام من كبارها، مصرّاً على ما فعل او نادماً، في الليل كان قتله للصيد ام في النهار، محرماً كان بالعمرة اذ قتله او بالحج كان محرماً؟
فتحير يحيى بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس أمره، ثم اجاب (عليه السلام) على تلك الفروع وسأل يحيى سؤالاً فلم يستطيع جوابه (راجع حياة الامام لتجد التفاصيل).
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي كان يعيشها الامام الجواد تحت انظار
(177)
السلطة ومراقبتها الا انه بذل اقصى الجهود لتربية وتعليم الناس حتى وصل الحميري، ابو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكان هؤلاء من جملة كبار رجال الله ومن ابرز العلماء المتقين.
الامام الحجة بن الحسن المهدى (عليه السلام): - وهو الامام المنتظر الذي سيخرج آخر الزمان فيملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً، وقد عاش سنيه الخمس في حياة ابيه مختفياً عن الانظار، ظهر بعد وفاة ابيه وصلى عليه ثم غاب غيبته الاولى وكانت اربعة وسبعين سنة، كان خلالها يلتقي بسفرائه الذين نصبهم الواحد تلو الاخر، يلتقي بهم ويجيب على مسائلهم وما يحتاجون اليه وكانوا يرونه رأي العين وربما رآه غيرهم، وكانوا ويصلون الى خدمته وتخرج على ايديهم توقيعات منه الى شيعته في اجوبة مسائل وامور شتى، وكان سفراؤه اربعة اولهم: ابو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ثم ابو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ثم القاسم بن روح بن ابي بحر النوبختي، واخيراً ابو الحسن علي بن محمد السمري، وبعد وفاة الاخير غاب الامام المهدي (عليه السلام) غيبته الكبرى، والسبب في غيبته سعي الحكام آنذاك لقتله، حيث كانوا يراقبون نساء أبيه - بواسطة نساء يعملن بامرهم - ليتعرفون على وجوده وهو جنين، الاّ ان الله اخفاه عنهم وافشل مساعيهم ليتم نوره ويكمل مسار شريعته.
اما علمه الشريف فيمكن اخذ صورة عن سعته وشموليته منه خلال الاحاديث التالية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ابشروا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي ويخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا (كنز العمال ح 38654).
وعنه (صلى الله عليه وآله) ايضاً: لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الارض ظلماً وعدواناً ثم يخرج رجل من عترتي فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدوانا (كنز
(178)
العمال، ح 38691).
وعنه (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من اهل بيتي يوطئ اسمه اسمي (كنز العمال، ح 38692).
ولا شك ان مسألة ملء الارض قسطاً وعدلاً ليست امراً متيسراً للبشر العاديين وبالمعرفة الميسرة لهم، بل لابد ان تكون هذه الشخصية الالهية تمتلك علوم كل شىء يحتاجه هذا الامر العظيم، وبذلك يكون هو المرجعية العليا لسكان الارض في امور دينهم ودنياهم.
ب - الطريقة والاسناد الذي يعتمدونه في تعاليمهم وفتاواهم وآرائهم، حيث كانوا عندما يتحدث ايُّ منهم يقول: عن ابي عن جدي عن ابيه... حتى يصل الاسناد الى الرسول (صلى الله عليه وآله) دون ان يدخلوا احداً غيرهم في طريق الاسناد وهذا ما يسمى بالسلسلة الذهبية، ولو كانوا (عليهم السلام) يأخذون علومهم عن احد غيرهم لادخلوه في الاسناد وهذا دليل على انهم كانوا لا يرون مرجعية للامة غيرهم، واليك بعض الامثلة المنقولة عنهم عليهم الصلاة والسلام:
1 - قال الباقر (عليه السلام): يا جابر انّا لو كنّا نحدثكم برأينا لكنّا من الهالكين. ولكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (جامع احاديث الشيعه ج 1 ص 14).
2 - عن داود بن يزيد الاحول عن ابي عبدالله (الصادق) (عليه السلام) قال: سمعته بقول: إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين لكنها آثار من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اصل علم نتوارثه كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم (نفس المصدر السابق).
3 - عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما قالوا: سمعنا ابا عبدالله (الصادق) يقول: حديثي حديث ابي، وحديث ابي حديث جدي، وحديث جدي
(179)
حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث امير المؤمنين (على) وحديث اميرالمؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عز وجل (نفس المصدر ج 1 ص 12).
حـ - توصية بعضهم المتقدم الى البعض المتأخر وتعريف الشيعة بامامهم اللاحق من قبل الامام السابق ومن يريد التأكد يراجع ذلك في كتب السيرة، وهذا يدل على انهم الاعلم دون غيرهم، اما اذا اراد البعض ان لا يعتبر ذلك دليلاً ويبرر وصاياهم لبعضهم بمبررات اخرى، فنقول له ان ما تبرر به مهما كان لا ينسجم مع اذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من قبل الله تطهيراً.
ثانياً: نظرة الامة وعلمائها ورجالها لهم: سنقتصر هنا على ذكر مثال او مثالين لكل امام طلباً للاختصار:
روى المفيد بسنده عن ابي حازم وسفيان بن عيينه والزهري قال كل واحد منهما: ما رأيت هاشمياً افضل من علي بن الحسين ولا افقه منه.
ما رواه السبكي في طبقات الشافعية، من خبر عجز هشام بن عبدالملك من الوصول الى الحجر الاسود خلال طوافه حول البيت في بعض السنين، فجلس في ناحية ينتظر ان يخف الزحام وبينما هو كذلك اقبل الامام زين العابدين فانفرج له الناس سماطين ووقفوا له اجلالاً وتعظيماً حتى استلم الحجر وقبله والناس وقوف فلما مضى عادوا الى طوافهم، هذا وهشام واصحابه ينظرون، فالتفت احدهم متعجباً إلى هشام وسأله: من هذا؟ فقال لا أعرفه! مخافة ان يرغب فيه اهل الشام وكان الفرزدق الشاعر حاضراً فقال: انا أعرفه، هذا علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب، ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم انشد على البديهة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلُّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
(180)
الى اخر ابياته.
* ما رواه المفيد بسنده عن عطاء المكي قال: ما رأيت العلماء عند احد قط اصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين ـ يعني الباقر ـ ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كانه صبي بين يدي معلّمه.
* عن ابن سعد في الطبقات قال: قال ابو يوسف قلت لابي حنيفة: لقيت محمد بن علي الباقر؟ فقال: نعم، وسألته يوماً فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: افيعصى قهراً، قال ابو حنيفة فما رأيت جوابا افحم منه.
* قال الحسن بن زياد: سمعت ابا حنيفة وقد سئل عن افقه من رأيت قال: جعفر بن محمد (الصادق).
* قال ابن شهرآشوب في المناقب، قال مالك بن أنس ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر افضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة.
* عن احمد بن حنبل انه لمّا روى عنه - اي الامام موسى الكاظم (عليه السلام) - قال: حدثني موسى بن جعفر قال حدثني ابي جعفر بن محمد وهكذا الى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال احمد: وهذا اسناد لو قرئ على المجنون أفاق.
* ما رواه الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس انه قال: ما رأيت الرضا (عليه السلام) سئل عن شىء قط الاّ علمه ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الى وقته وعصره.
* يقول محمد بن الحسن بن عمار:
كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنين اكتب عنه ما يسمع من اخيه - يعنى ابا الحسن الكاظم (عليه السلام) - اذ دخل عليه ابو جعفر محمد بن علي الرضا - يعني الجواد - عليه المسجد - مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)- فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه فقال له
(181)
ابو جعفر (عليه السلام)يا عم اجلس رحمك الله فقال: يا سيّدي كيف اجلس وانت قائم، فلما رجع علي بن جعفر الى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون: انت عم ابيه وانت تفعل به هذا الفعل؟ فقال اسكتوا اذا كان الله عز وجل - وقبض على لحيته - لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أأنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل انا له عبد (الكافي ج 1 ص 322).
* قال ابن الجوزي: (فبلّغه - المتوكل - مقام علي - بن محمد الهادي (عليه السلام)- بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه (سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص ص 359.)
* قال عبدالحي بن العماد الحنبلي عن صفات الامام الهادي: ابو الحسن علي بن محمد بن الرضا بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق، العلوي الحسيني، المعروف الهادي، كان فقيها اماماً، متعبدا (شذرات الذهب ج 3 ص 129).
* روى الحسن بن محمد الاشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان احمد بن عبيدالله بن الخاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن اهل البيت (عليهم السلام) فقال: ما رأيت ولا عرفت بسر من رآى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا -أي الامام العسكري - في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند اهل بيته وبني هاشم كافة وتقديمهم اياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك كان حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس.. (الارشاد للمفيد ص 318).
* اما الامام الحجة فلم يعش بين الامة لتعطي فيه رأيها ولكن احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) عنه - التي ذكرناها سالفاً - تدل على علميته ومرجعيته وسموّ مقامه.
ثالثاً: رجوع حكام الجور اليهم في المهمات والمسائل المستعصية رغم عداء اولئك الحكام لهم «عليهم السلام»:
(182)
لقد ابتليت الامة الاسلامية بحكام جائرين وسلاطين سوء وانحراف في العصرين الاموي والعباسي، حوّلوا الخلافة الاسلامية الى ملك يرثه بعضهم عن بعض، الامر الذي جعل اهدافهم تنحصر بالامساك بالرئاسة وحفظ سلطانهم بأي ثمن، وان كانت النتيجة ان تحرم الامة من المعين العلمي الصافي الاصيل، الذي كان يمثله اهل بيت النبوة (عليهم السلام)، فبرز اناس لا يملكون مقومات الافتاء الشرعي هيأتهم تلك الحكومات لسد الفراغ الحاصل من تغيب الأئمة (عليهم السلام) ومضايقتهم وتحجيم دورهم الذي اراده الله لهم، وبذلك فقد فقدت الامة اهم عناصر صلاحها وضمان صحة وجهتها في الامور الافتائية والعقائدية، والفلسفية والتفسير والعلوم الاخرى.
ولكن بالرغم من كل الاجراءات التعسفية التي ووجه بها اهل البيت (عليهم السلام)بحيث تعرضوا للتشريد والسجن والقتل والمحاصرة والاقامات الجبرية سواء في بيوتهم او قرب مركز السلطة كما حدث بالنسبة للامام الرضا والجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) - فقد ظهر من علومهم ما حافظ على الرسالة واستمرار بقائها.
اما اسباب هذا الحقد والعداء لاهل البيت (عليهم السلام) من قبل اولئك الحكام الظلمة فيرجع الى سببين رئيسيين. الاول: ان نشر الاحكام الصحيحة من قبل اهل البيت (عليهم السلام) واطلاع عامة الناس عليها يهدد مصالح الحكام ويحدد حريتهم في التلاعب بمقدرات الامة ويضيق عليهم ممارساتهم لرغباتهم ونزواتهم المحرّمة، في حين يريدون ان يطلقوا لانفسهم العناق ويمارسون لذائذهم بالشكل الذي يحلو لهم دون ان يعترض عليهم احد.
اما الثاني: فان شيوع المرجعية العلمية لاهل البيت (عليه السلام) وحفظها لهم يؤدي بالطبع الى تزايد شعبيتهم وانقياد الامة لهم، الامر الذي يشعر الحكام بالرعب والخطر على سلطانهم، لانهم كانوا يرون فيهم اقوى المنافسين لهم في السلطان.
(183)
وبالرغم من كلّ هذا العداء والحذر الذي كان يطبع مواقف وتعامل اولئك الحكام مع الأئمة الاّ انهم كانوا يرجعون اليهم عندما يفتقدون الحيلة وتضطرب عليهم الامور ويعجز فقهاؤهم عن ايجاد مخرج او حل لمسألة ما، وهذا دليل وشاهد قوي على رضوخ الحكام امام علميتهم الفذّة ولا ابلغ من شهادة عدوواقراره لخصمه. وعلى سبيل المثال نذكر بعض الامثلة والادلّة على رجوع الحكام اليهم:
1 - عندما تحيّر عبدالملك بن مروان اثر تهديد قيصر الروم في ذلك الوقت، بان يضرب السكة الذهبية والفضيّة - التي تتداول في الدولة البيزنطية والاسلامية على حد سواء بشتم نبي الاسلام، قال عبدالملك: احسب انني اسوأ مولود حظاً في الاسلام حيث كنت السبب في ذلك - لانه امر بنقش شعار التوحيد (شهد الله انه لا اله الاّ هو) على الورق الذي يأتي من روما منقوشاً عليه شعار (الاب، الابن، الروح)، الامر الذي ازعج قيصر الروم ودعا عبدالملك الى ترك العلامة النصرانية على حالها والاّ سوف ينفذ تهديده المتقدم - واخذ - عبدالملك يشاور المسلمين فلم يجد عند احد منهم حيلة، فقال له احد الحاضرين: انك لتعرف المخرج من ذلك ولكنك تتعمد الاعراض عنه، فقال عبدالملك: ويحك ما هي الطريقة التي اعرضها؟ فاجابه الرجل: لابد لك ان تطلب حل هذه المشكلة عند باقر اهل البيت فصدّق عبد الملك قوله، وكتب الى والي المدينة ان اشخص الباقر الى الشام محترماً مكرماً، واستبقى مبعوث قيصر حتى وصل الامام وحدثوه بالموضوع فقال (عليه السلام): ان تهديد قيصر لن ينفّذ والله سبحانه لن يتركه يفعل هذا الفعل، وطريق الحل سهل يسير ايضاً: اجمع اصحاب الصناعات وأمرهم بضرب السكك وليخطوا على احد وجهي العملة سورة التوحيد وعلى الوجه الاخر اسم النبي (صلى الله عليه وآله) وبهذا نستغني عن مسكوكات الروم.
(184)
ثم شرح الامام (عليه السلام) ما يتعلق بوزن السكك بحيث يكون وزن كل عشرة دراهم من الانواع الثلاثة للسكك (الذهبية والفضة والبرونزية) سبعة مثاقيل وامرهم بذكر اسم البلد - وتاريخ عام ضربها في تلك المسكوكات.
وبذلك انفرجت اسارير عبدالملك وفشلت تهديدات قيصر الروم. (المحاسن والمساوي، للبيهقي ج 2 ص 232).
2 - يقول زرقان: رجع ابن ابي رؤاد (احد قضاة بغداد في عهد المأمون والواثق والمعتصم) ذات يوم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم اني قد متّ منذ عشرين سنة، قلت له: ولم ذاك؟... قال: ان سارقاً اقرَّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة (المعتصم) تطهيره باقامة الحد، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن على (الجواد)، فسألنا عن القطع في اي موضع يجب ان يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع (اي طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتي وعند الرسغ).
قال: وما الحجة في ذلك؟ قلت: لان اليد هي الاصابع والكف الى الكرسوع لقول الله تعالى في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي في ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لان الله لمّا قال: (فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق) في الوضوء دل ذلك على ان حد اليد هو المرفق.
قال: فالتفت الى محمد بن على (الجواد) فقال: ما تقول في هذا يا ابا جعفر؟ فقال قد تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين، قال: دعني مما تكلّموا به! اي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا امير المؤمنين، قال: اقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك.
(185)
فقال :اما اذا أقسمت علىِّ بالله اني اقول انهم أخطأوا فيه السنّة، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصابع فيترك الكف (والمقصود قطع الاصابع الاربعة دون الابهام).
قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): السجود على سبعة اعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين واذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق يد له يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا) فأعجب المعتصم ذلك وامر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف (تفسير العياشي ج 1 ص 319).
ومن الجدير بالذكر ان هذه الحادثة كانت السبب في دس السم للامام بعد ان خوّف ابن دؤاد المعتصم من بقاء الامام وقد شاع هذا الخبر في الناس وغدا برهاناً للشيعة، وان نصف المسلمين يعتقدون بامامته، فدس اليه السم فقتله.
3 - لمّا سُمَّ المتوكل، نذر لله إنْ يزرقه الله العافية ان يتصدق بمال كثير، فلمّا عوفي اختلف العلماء في مقداره، فقال له حاجبه، انا آتيك بالصواب، فما لي عندك؟ قال المتوكل: عشرة الاف درهم، والاّ ضربتك مائة مقرعة، قال رضيت، فأتى ابا الحسن الهادي فسأله ذلك فقال: قل له: تتصدق بثمانين درهما.
ولمّا طلب المتوكل الدليل على ذلك، رجع الحاجب فسأل الامام فقال: ان الله قال لنبيّه (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددنا مواطن رسول الله فبلغت ثمانين موطنا. (ابن الاثير ج 7 ص
162 - 163).
وبهذا نكتفي هنا بهذه الاخبار الثلاثة ومن اراد المزيد عليه المراجعة في كتب التاريخ يجد مرامه وبغيته.

(186)
حكام الجور المعاصرين والعلماء:
لقد دأب حكام الجور المعاصرين دأب اسلافهم، فكرروا افعالهم اللئيمة وجرائمهم البشعه التي ارتكبوها ضد اكرم اهل بيت على الارض وهم اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله).
ولنفس الاسباب التي دعت الطغاة الاولين الى محاربة اهل البيت وتقتيلهم الواحد بعد الاخر والتي ذكرناها سابقاً، وقف طغاة اليوم وقفة لئيمة حاقدة ضد مراجع الامة اليوم ولضرب قواعد الاسلام الاساسية وقياداته العلمائية، تنفيذاً منهم لمخططات اعداء الاسلام من الشرق والغرب.
وقد كان العراق البلد الذي نفّذت فيه تلك المخططات والمؤامرات ضد الاسلام واهله باجلى صورها وابشع فصولها، ولو راجعنا مذكرات المسز بل المرأة التي رافقت الاحتلال البريطاني للعراق، لوجدنا ان حكومة البعث في هذا البلد وعلى رأسها المجرم صدام قد تلقت الاوامر بضرب الحوزة العلمية في النجف الاشرف من الدوائر الغربية وصارت يدها التي تنفذ لها ما تريد، حيث تقول المسز بل ما مضمونه ان اي نظام او حكومة تريد السيطرة على العراق لابد لها ان تفصل بين المرجعية والشعب ولما وجد النظام نفسه عاجزاً عن هذا الفصل الذي حاول تحقيقه بشتّى الوسائل عمد الى محاصرة المراجع والتضييق عليهم امثال السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد يوسف الحكيم قدس الله اسرارهم الطاهرة حتى ماتوا كمداً وحسرة وهم يشتكون ظلامتهم الى الله والآن كما يعيش السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم حالة الحصار ايضاً كما عمد الى قتل بعض المراجع كالمفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر (قده)والسيد محمّد محمد صادق الصدر (قده)، ومجموعة من العلماء والمجتهدين منهم اولاد سماحة المرجع السيد محسن الحكيم والسيد
(187)
حسن الشيرازي وغيرهم كثير.
كل ذلك من اجل السيطرة على الشعب العراقي الرافضي والذي يعيش الآن حالة غليان ثوري واسعة وشاملة ضد نظام صدام الذي اهلك الحرث والنسل واهدر طاقات الامة في حربين مدمرتين مع اخوة الدين والقومية.
فالشعب العراقي اليوم يستصرخ جميع اخوته في العروبة والاسلام من اجل الوقوف معه واسناده في حركته وثورته وتطلعاته وانقاذه من الوضع المأساوي الذي يعيشه بحيث عطّله عن القيام بمسؤولياته تجاه قضية الامة الاسلامية الكبرى فلسطين.

اهل البيت (عليهم السلام) المحور الامثل للوحدة الاسلامية:
بعدما بيّنا فيما تقدم وبشكل موجز المرجعية الاسلامية العليا لاهل البيت (عليهم السلام) والتي اثبتت حضورها الفاعل في الامة رغم كل الظروف الصعبة التي كانت تواجهها، وكما ذكرنا اراء علماء الامة بهم ومكانتهم السامية والمديح الذي كان يسمع مهم في كل مكان، بحيث تفردوا في وجاهتهم وحبهم في الامة، اذ أجمع الخاصة والعامة على تصدرهم في جميع العلوم والسلوك والكرم والشجاعة والبيان، فان الامة الاسلامية اليوم اذا ما ارادت ان تتوحد مذاهبها وافكارها وعقائدها بكلياتها وجزئياتها فسوف لن تجد محوراً مناسباً يجمعها غير حب اهل البيت واعتماد ارشاداتهم وتعاليمهم.
ولو عدنا الى حديث الثقلين الذي تقدم ذكره لتأكد لنا ذلك اكثر حيث قرنهم سيد المرسلين بالقرآن مبيناً انهم والقرآن المنجيان من الاختلاف والفرقة والضلال.
وما زالت كل الامة تعتمد القرآن فعليها ان تضيف الى معتمدها اهل
(188)
البيت (عليهم السلام) لتكتمل الهداية والصلاح والوحدة التي ارادها الله سبحانه لخلقه. وقد ذكرت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الامر المهم خلال خطبتها في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قالت: (وجعل اطاعتنا نظاماً للملّة وامامتنا اماناً من الفرقة).
فمعاً معاً الى اهل البيت النبوي الشريف لنلم بهم شملنا ونوحد بهم أمتنا ونجمع بهم فرقتنا ونربط بهم اجزاءنا، وكفى بنا فرقة واختلافاً وتجافيا، خاصة ونحن نعيش تحديات خطيرة ومؤامرات كبرى تستهدف ديننا ووجودنا ومقدراتنا وكرامتنا وها هي اللقيطة اسرائيل تنتهك مقدساتنا واعراضنا وتستبيح دماء اهلنا واشقائنا في فلسطين، حيث يتعرض هذا الشعب المكافح الى حملة ابادة شاملة يسقط خلالها يومياً اخوةً لنا مضرجين بدمائهم، وهم يستصرخوننا ويطالبوننا بالنهوض بمسؤولياتنا تجاههم لاجتثاث هذه الغدة السرطانية من جسد الوطن الاسلامي، وهذا ما لا نستطيع تحقيقة دون ان نتوحد فتتظافر الجهود ونكون كالجسد الواحد لنقول كلمتنا بقوة، عسى ان يوفقنا الله للقضاء على الصهاينة وقطع الايادي التي تقف من ورائها.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا وقائد مسيرتنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين.

* * *

/ 1