بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر عليه السلام من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك.(1)
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت عليهم السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّى لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتّى يظهر.
وكيف وأنّى يتخلّف وعد الله عز وجل في إظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون؟ وكيف لا يحقّق _ تعالى _ وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدونه _ تعالى _ لا يشركون به شيئاً.
وقد أجمع المسلمون على أنّ المهديّ المنتظر عليه السلام من أهل البيت عليهم السلام، وأنّه من ولد فاطمة عليها السلام. وأجمع الإماميّة _ ومعهم عدد كبير من علماء السنّة _ أنّه من ولد الإمام الحسين عليه السلام ، وأجمعوا _ ومعهم عدد من علماء السنة _ أنّه عليه السلام من ولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، فأثبتوا اسمه ونعته وهويته الكاملة.
هكذا فقد اعتقد الإمامية _ ومعهم بعض علماء السنّة _ أنّ المهديّ المنتظر قد ولد فعلاً، وأنّه حيّ يرزق، لكنّه غائب مستور، وماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر الله عز وجل حجّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أن يفعل الله تعالى بحجّته كما فعل بيوسف عليه السلام ، أن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله عز وجل له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف (قالُوا أَإِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي).(2)
أو لم يخلّف رسول الله صلى الله عليه وآله في أمتّه الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض؟ أو لم يخبر صلى الله عليه وآله أنّه سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى عليه السلام؟ وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتّى أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.(3) وحقّاً (لا تَعْمَى الأَْبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).(4)
ولا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر عليه السلام _ وهي عقيدة قائمة على الأدلّة القويمة العقليّة والنقليّة _ رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنّ المهدي المنتظر لم يولد بعد، يقرّ بذلك كلّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى قول الصادق المصدّق صلى الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّة.(5)
ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفى على من له تأمّل وبصيرة.(6)
ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيين لظهور مهديّ آل محمد عليه وعليهم السلام، خاصّة وأنّه يعلم أنّ اليمن بلقاء الإمام لن يتأخرّ عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلاّ ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يؤثره منهم.(7)
ولا يماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب _ غيبة العنوان لا غيبة المعنون _ في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة حراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإن سترها السحاب. كيف، ولولا مراعاته ودعائه عليه السلام لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء، لا يشكل أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.(8)
وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر عليه السلام ، وجاء في بعضها أنه عليه السلام يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه،(9) وأنّه عليه السلام يدخل عليهم ويطأ بسطهم،(10) كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.
وقد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ عجل الله فرجه بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام عليه السلام ، سواءً بطباعة ونشر الكتب المختصّة به عليه السلام، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام عجل الله فرجه ونشرها في كتيبات أو من خلال شبكة الانترنيت ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويّ، ويتضمّن تحقيق ونشر الكتب التراثية المؤلّفة في الإمام المهديّ عجل الله فرجه، من أجل إغناء الثقافة المهدويّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة.
والكتاب الذي بين يديك _ عزيزي القارئ _ هو واحد من هذه السلسلة التراثية قام بترجمته وتحقيقه سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة السيد ياسين الموسوي دامت بركاته والمركز إذ يتقدم بالشكر الجزيل لسماحته لقيامه بتحقيق هذا السفر القيم والمصدر الهام من مصادر المعرفة المهدوية ورافداً مهماً من روافد عقيدة الانتظار يسره أن يقدم للمكتبة الإسلامية الإنتاج السادس من سلسلة التراث المهدوي.
السيد محمد القبانچي
مركز الدراسات التخصّصية
في الإمام المهدي عليه السلام
النجف الأشرف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقّق:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمَّد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
سجَّل المهتمون في القضايا المهدوية كتاب: كشف الحقّ (أربعون الخاتون آبادي) على رأس المصادر الأساسية في دراساتهم الاختصاصيَّة منذ تأليف الكتاب وليومنا الحاضر، وقد يكون السبب الذي عمَّق هذه الأهمية تفرّده بقدم الروايات التي نقلها من مصادرها الصحيحة والمعتبرة والتي عاث بوجودها المفسدون فأتلفوا نسخها، أو أخفوها؛ وتقع على رأس القائمة كتب الشيخ الأقدم الفضل بن شاذان، والطرابلسي وغيرهما.
وكانت بعض نسخ تلك الكتب موجودة إلى عصر العلامة المجلسي حيث نقل منها معاصره السيِّد الميردامادي في كتابه كفاية المهتدي، ولخص بعضها العلامة الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة، والنسخة المخطوطة بخط يده موجودة في مكتبة مشهد الإمام الرضا عليه السلام في إيران.
وقد تحدَّثنا في مقدمة كتاب مختصر كفاية المهتدي عن أهمية كتب الفضل بن شاذان، ولا أحب التكرار في هذا المقام.
ولكننا عند تتبعنا بتتبع كتاب (أربعون الخاتون آبادي) لفتتْ انتباهنا حالة التشابه الكبيرة باتحاد الروايات المنقولة في الكتابين، مع تطابق عبارات الترجمة إلى حدٍّ كبير قد توحي للمتتبع أنَّ الثاني قد نقل من الأوَّل بأسلوب الاختصار، ولكننا لم نجد في طيَّات الأربعين ولا إشارة واحدة لذلك، ولعله نتيجة التسامح العادي الذي كان مقبولاً في تلك العصور.
ومهما يكن الحال فسوف لا ينقص من فضل كتاب الأربعون وأهميِّته شيئاً، فهو الكتاب الذي ساهم إلى حدٍّ كبير بحفظ أحاديث الفضل المهمة، بالإضافة إلى احتوائه على زيادات البرهنة والاستدلال، وجمعه متفرقات الروايات من المصادر المهمة الشيعية والسنية، وتخصيصه تحت عنوان (المنهج الثاني) منهجاً ثانياً في موضوع الرجعة، وهو المنهج الثاني؛ وكل واحدٍ من هذه الأمور يكشف جانباً إبداعياً من عبقرية التأليف والمؤلف.
سطور من أحوال الخاتون آبادي:
هو السيِّد المير محمَّد صادق بن السيِّد محمَّد رضا الحسيني الخاتون آبادي.
قال في حقِّه الشيخ عبَّاس القمي في منتهى الآمال في أحوال أولاد الإمام السجَّاد عليه السلام ما تعريبه:
السيِّد المير محمَّد صادق: عالمٌ، فاضلٌ، كاملٌ، ورعٌ، تقيٌّ، نقيٌّ، جامعٌ للمعقول والمنقول، وكان مدرساً في أغلب العلوم، وكان أكثر علماء البلاد من تلامذته، وكان إمام مسجد عبَّاس الجامع في أصفهان مدَّة اثنتين وثلاثين سنةً.
وكان أزهد أهل زمانه، وصام أربعين سنة، وكان يكتفي في عيشه على أدنى الأشياء.
ولم يدخل طول عمره في مجلس الحكَّام والسلاطين إلاّ في ليلة واحدةٍ حينما أراد أن يتباحث مع ميرزا علي محمَّد الباب في منزل معتمد الدولة منوچهر خان فحضر السيِّد مع فحول علماء أصفهان.
وبعد انتصار هذا المرحوم، ودحر الميرزا علي محمَّد ألَّف كتاب الأربعون هذا مع رسالة الرجعة ليستفيد الخواصُّ وعوام الناس لئلا يسقط العميان في حفر الضلالة والغواية، وليعرفوا وليَّ العصر وحجة وقته أرواحنا فداه، ولا يصغوا إلى الدعاوى الباطلة.
وقد أخذ الفقه والأصول من المحقق القمِّي، والشيخ محمَّد تقي صاحب حاشية المعالم؛ والكلام من المولى علي النوري، والملا محراب، والآخوند الملا إسماعيل الخواجوئي.
وكانت ولادته في سنة 1207؛ ووفاته في ليلة الرابع عشر من شهر رجب 1272.
عملنا في الكتاب:
1 _ ترجمنا الكتاب إلى اللغة العربية عن النسخة الفارسية المنشورة عن مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام _ بنياد بعثت، في خريف (پاييز) 1361 هجري شمسي، بتصحيح السيد داود الميرصابري.
وقد حاولنا أن نحتفظ بالمعنى واللفظ المقابل للغة أصل الكتاب.
2 _ أرجعنا الروايات والنقولات العربية إلى مصادرها، ولذلك لم نحتفظ بترجمة أصل الكتاب لأننا اعتبرنا تلك الترجمة كانت بالمعنى وليست ترجمة حرفية بعد أن رأينا وضوح ذلك بالتتبع والاستقراء.
نعم! فإننا قد أشرنا في الهامش إلى ذلك في الموارد التي احتملنا فيها أنها نسخة بدل.
3 _ حاولنا أن نحقق روايات الفضل بما هو موجود في كفاية المهتدي، والمصادر الأخرى التي نقلتها، وعلّمنا هذه الروايات باللون الأسود لتتميز عن غيرها نظراً لأهميتها التي أشرنا إليها سابقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
السيد ياسين الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المؤلّف:
الحمد لله الذي جعل بيده مقاليد الثواب والعقاب، وإليه مرجع الأمور في المبدأ والمآب، وصيَّرنا من المنتظرين لفرج آل محمدٍ صلّى الله عليهم أجمعين، والصلاة والسلام على مَنْ اختاره الله مِنْ بريته، وعلى الأصفياء مِنْ أولاده الأنجبين الذين نطق بفضلهم الكتاب؛ صلاةً دائمةً إلى يوم الحساب، خصوصاً ابن عمِّه أمير المؤمنين مبيِّن الخطاب.
أمَّا بعد: فيقول تراب أقدام أرباب الحق؛ ابن محمد رضا، محمد صادق الحسيني الخاتون آبادي حشرهما مع أجدادهما الأطيبين:
من غير الخفي على طلاب مناهج الحق واليقين، وسالكي طريق المعرفة بالتحقيق أنَّ من جملة المسائل الضرورية في مذهب الإمامية الإثني عشرية: معرفة أحوال الإمام الثاني عشر، خاتم الأوصياء الطاهرين من حين ولادته إلى وقت ظهوره، والأمور التي تتعلق برجعته عليه السلام ورجعة خامس آل العباء سيِّد الشهداء، ورجعة خاتم الأوصياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، وكذلك باقي أئمّة الهدى سلام الله عليهم أجمعين.
وانَّ فهم ذلك هو من أهم الأمور، وأوجب المهمّات على كل إنسان من العوام والخواص.
كما أنَّ الإطلاع على الأحاديث المتعلقة برجعة الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين مثمرٌ للفيوضات الربّانية، ومنتجٌ لبدائع الخلقة للحضرة السبحانية.
فيجب على كل إنسان أن يبذل جدَّه، وجُهْدَه بمقدار ما تسعه الطاقة البشريّة لتحصيلها، ولا يهبط همته بفهمها.
فانقدح في ذهني القاصر أن أؤلف بتوفيق الله سبحانه رسالةً مختصرةً في هذا الباب، وأجمع في الأثناء أربعين حديثاً من الأحاديث المعتبرة المأثورة عن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين بحيث يمكن أن يستفيد منها كل شريف ودنيٍ، وينتفع من فوائدها؛ وأن تحتوي على سبب غيبته ببيان واضحٍ، يتناسب وفهم الطالبين.
وكان ذلك من بركات عهد، وأوان، وثمرات الأمن والأمان، لأيام الدولة العظمى الخوالي السعيدة، وسلطنة سلطان سلاطين العالم، وباسط مهاد الأمن والأمان، مظهر الجود الربّاني، وارث الملك السليماني، ملجأ سلاطين كامكار، ملاذ الخوانين، مجمع القدرة والاقتدار على الجور والظلم، ممهد أساس العدل والتمكين، مشيِّد بناء الشرع الرفيع (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (11) السلطان بن السلطان، والخاقان بن الخاقان، سمي خاتم الأنبياء، السلطان محمد شاه قاجار خلَّد الله مُلكه، ومدَّ الله ظِلال جلاله على روؤس الأنام، ومتَّع الله المؤمنين ببقائه إلى ظهور دولة خاتم الأوصياء صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين؛ وقد وصل إلى نظره الشريف، آملاً أن يحظ بقبول طبعه الأقدس، وأن يعود ثوابه لهذا العهد ذي الآثار المباركة.
وسميتُه بـ كشف الحق.
وقد دعا هذا الحقير إلى تحرير هذه الرسالة المختصرة وتسجيل فضائل وخصائص ومعجزات وأحوال خاتم الأوصياء وصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه وغرائب زمان الغيبة وأحوال و علائم ظهوره وكيفية رجعته ورجعة خاتم الأنبياء محمد المصطفى، وخامس آل العباء سيد الشهداء، وباقي أئمّة الهدى سلام الله عليهم أجمعين، ليكون له ذخيرةً يوم المعاد، وراجياً من الله تعالى أن يصل الشيعة بقراءة، وسماع هذه الرسالة إلى معرفة أحواله عليه السلام ، ويقفوا على علوِّ مرتبة هذا الإمام، وسموِّ درجته حتى لا يكونوا من مصداق هذا الحديث الذي هو من الأحاديث المتواترة، والذي يقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً).
وفي الحقيقة: أنَّه بحكم من أدرك زمان الإسلام ولم يسلم، وسوف يكون بعداد الكفار.
ولأن هناك بعض الناس مِنَ الخاصّة مَنْ حشر نفسه في مقام التحقيق في أحوال الغيبة، والرجعة، والإمامة وليست له معرفة برجعة نبيّ آخر الزمان محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وسائر أئمّة الهدى بالخصوص الإمام الحسين عليهم السلام.
وأنَّ أكثر الناس لا يدرون، بل قد لم يسمعوا بها، مع أنَّ هذه المسألة من جملة العقائد الدينية، ومن ضروريات مذهب الشيعة الإثني عشرية.
وقد تذكر في أفواه بعض الجهّال الذي يعتبر نفسه من العلماء بعض الأقوال في أحواله عليه السلام والتي توجب تشويش العقائد؛ فما أصنع، فعيون العالم عمياء؟! فخدعوا بعضهم، فحرفوهم عن الإعتقادات الحقّة، وابتلوا بالعقائد الفاسدة.
فقام هذا الحقير بتنضيد سمط تحرير هذه الرسالة، وسعى بالقدر المقدور في هداية المتشوشين، والمنحرفين في العقائد؛ وأن لا أكون مهملاً في نشر أحاديث أهل البيت.
والله الموفِّق والمعين
المنهج الأوّل: في أحوال الإمام الثاني عشر صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه
من يوم ولادته وغيبته الصغرى وغيبته الكبرى وظهوره وعلامات ظهوره، وأحواله عليه السلام في عصر الظهور، وأحوال باقي الخلائق في عصر الظهور.
وسوف تجيء كل هذه الأحوال في ضمن أربعين حديثاً لأجل أن ندرج في منطوق الحديث الذي رواه مجموعة من علماء الشيعة والسنة بطرقٍ مختلفة، وأسانيد متفرقة من المؤالف والمخالف في مَنْ وصَفَ، وسجَّل، وحفظ أربعين حديثاً.
ومن جملة ذلك ما رواه السيّد العظيم الشأن الحسن بن الحمزة العلوي الطبري عليه الرحمة الملقَّب بالمرعشي في كتاب الغيبة بسندٍ صحيحٍ عن الإمام العسكري عليه السلام انَّه قال:
(مَنْ حَفَظَ أربعينَ حَدِيثاً في أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).
وفي بعض الروايات: (فيما ينفعهم في أمر دينهم).
وفي بعضها الآخر: (أربعين حديثاً ينتفعون بها)، من دون تقييد بأمر الدين.
وروي في بعضها في تتمة الحديث: (مَنْ روى على أمَّتي أربعين حديثاً كُنْتُ شَفِيعاً له يوم القيامة).
وقال الشيخ سعيد بن إبراهيم بن علي الأردبيلي _ وهو من فضلاء المخالفين _:
سمعتُ من كثيرٍ من مشايخ الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله قال: (مَنْ حَفَظَ أربعين حديثاً فيما ينتفعون بها كنتُ شفيعاً له يوم القيامة).
يعني: الأحاديث الواردة في حقِّ أهل البيت عليهم السلام.
وقال الشافعي، وأحمد _ وهما من أئمّة النواصب الأربعة _:
إنَّ مقصود الرسول هو: أنّ من حفظ أربعين حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله في مناقب الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين يبعثه الله يوم القيامة ويحشره من الفقهاء والعلماء.
وقال أحمد بن حنبل بعد ذلك: رأيت رسول الله في المنام أنَّه قال: يا أحمد! لا تشك في هذا القول.
فإذا كان أحمد بن حنبل قائلاً _ أحياناً _ إنَّ مَنْ حَفَظَ أربعين حديثاً في مناقب الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين يبعث من الفقهاء، والعلماء؛ فإنَّ أولياء، ومحبِّي، وشيعة أهل البيت ليس عندهم شك أبداً.
وأوضح حُجَّة عند البرايا إذا كان الشهود هم الخصوم
الحديث الأوّل: في بيان ولادته، ووالدته عليه السلام:
قال أبو محمد بن شاذان عليه الرحمة:
حدَّثنا محمد بن عبد الجبار قال: (قلت لسيدي الحسن بن علي عليهما السلام: يا بن رسول الله! جعلني الله فداك؛ أحبُّ أن اعلم أنَّ الإمام، وحجة الله على عباده مَنْ بعدك؟
قال عليه السلام: انَّ الإمام مِنْ بَعْدِي ابني؛ سمِيُّ رسول الله، وكنيِّه صلى الله عليه وآله وسلم؛ الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه.
فقلت: ممَّنْ يتولد هو يا بن رسول الله؟
قال: من ابنة قيصر ملك الروم؛ ألا انَّه سيولد، فيغيب عن الناس غيبةً طويلةً، ثمَّ يظهر، ويقتل الدَّجال؛ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؛ فلا يحلّ لِأحَدٍ أن يسمِّيه، أو يكنِّيه قبل خروجه صلوات الله عليه). وروى الشيخان الجليلان؛ الشيخ محمد بن بابويه القمي، والشيخ الطوسي رحمة الله عليهما في كتابيهما الغيبة(12) بسندٍ معتبر عن بشر بن سليمان النخاس الذي كان من ولد أبي أيوب الأنصاري ومن خاصَّة شيعة الإمام علي النقي عليه السلام، وجاره في سرَّ من رأى؛ قال:
(... بينما أنا ذات ليلةٍ في منزلي بسرَّ من رأى، وقد مضى هويٍّ من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليِّ بن محمد عليهما السلام يدعوني إليه، فلبست ثيابي، ودخلت عليه، فرأيته يحدِّث ابنه أبا محمّد وأخته حكيمة من وراء الستر؛ فلمّا جلست قال: يا بشر! انك من ولد الأنصار، وهذه ولاية لم تدل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، واني مزكيكم ومشرفكم بفضيلة تسبق بها شاؤ الشيعة في الموالاة بها؛ بسر أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمّة، فكتب كتابة ملصقاً بخط رومي، ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا، فقال: خذها، وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواّد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين علّي بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت فيك رغبة فاشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي (إليه و) إلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخّط روميّ ووصف فيه كرمه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل من أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك . قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرّجة المغلّظة إنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمتُ منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفتُ بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت: تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيَّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدِّي: أيُّها الملك! أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدَّالة على زوال الدين المسيحي، والمذهب الملكاني.
فتطيَّر جدِّي من ذلك تطيِّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوِّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلمَّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل؛ وتفرَّق الناس، وقام جدِّي مغتمّاً، ودخل قصره وأرخيت الستور.
فأريت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون، وعدَّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدِّي، ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً، وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدِّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم مع فتية، وعدَّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، فيقول: يا روح الله! إنِّي جئتك خاطباً من وصيِّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا؛ وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: قد فعلت.
فصعد ذلك المنبر، وخطب محمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم، وزوَّجني، وشهد المسيح عليه السلام، وشهد بنو محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، والحواريون.
فلمَّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصَّ هذه الرؤيا على أبي وجدِّي مخافة القتل، فكنت أسرَّها في نفسي، و لا أبديها لهم.
وضرب صدري بمحبة أبي محمَّد حتَّى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقَّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدِّي، وسأله عن دوائي؛ فلمَّا برَّح به اليأس قال: يا قرَّة عيني؛ فهل تخطر ببالك شهوة فأزوِّدكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدِّي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقةً، فلو كشفت العذاب عمَّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككتَ عنهم الأغلال، وتصدَّقت عليهم، ومننتهم بالخلاص؛ لرجوتُ أن يهب المسيحُ، وأمُّه لي عافيةً، وشفاءاً.
فلمَّا فعل ذلك جدِّي تجلَّدتُ في إظهار الصحة في بدني، وتناولتُ يسيراً من الطعام، فسرَّ بذلك جدِّي، وأقبل على إكرام الأسارى، وإعزازهم.
فرأيت أيضاً بعد أربع ليالٍ كأنَّ سيِّدة النساء قد زارتني، ومعها مريم بنت عمران، وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيِّدة النِّساء أمُّ زوجك أبي محمَّد عليه السلام، فأتعلَّق بها، وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمَّد من زيارتي.
فقالت لي سيِّدة النِّساء عليها السلام: إنَّ ابني أبا محمَّد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضا الله عز وجل، ورضا المسيح، ومريم عنك، وزيارة أبي محمَّد إيِّاكِ، فتقولي: (أشهد أن لا اله إلاّ الله، وأشهد أنَّ أبي محمَّداً رسول الله).
فلمَّا تكلَّمتُ بهذه الكلمة ضمَّتني سيَّدة النساء إلى صدرها، فطيبت لي نفسي، وقالت: الآن توَّقعي زيارة أبي محمَّد إيِّاكِ، فإنِّي منفذته إليك.
فانتبهتُ، وأنا أقول: وا شوقاه! إلى لقاء أبي محمَّد.
فلمَّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمَّد عليه السلام في منامي، فرأيته كأنِّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبِّك.
قال: ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك، وإذ قد أسلمت فإنِّي زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنِّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر؟
فقالت: أخبرني أبو محمَّد ليلةً من الليالي أنَّ جدِّي سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمَّ يتبعهم، فعليكِ باللحاق بهم متنكرة في زيِّ الخدم مع عدَّة من الوصائف من طريق كذا؛ ففعلتُ، فوقعت علينا طلائع المسلمين حتَّى كان من أمري ما رأيت، وما شاهدت، وما شعر أحدٌ بي بأنِّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيِّاك عليه، وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
فقلت: العجب إنَّك رومية ولسانك عربيّ؟
قالت: بلغ من ولوع جدِّي، حمله إيِّاي على تعلِّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً مساءً، وتفيدني العربية حتَّى استمرَّ عليها لساني واستقام.
قال بشر: فلمَّا انكفأتُ بها إلى سرَّ من رأى دخلتُ على مولانا أبي الحسن العسكريِّ عليه السلام فقال لها: كيف أراك الله عزَّ الإسلام، وذلَّ النصرانيَّة، وشرف أهل بيت محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم؟
قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منِّي؟!
قال: فإنِّي أريد أن أكرمك؛ فأيَّما أحبُّ إليك: عشرة آلاف درهم، أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟
قالت: بل البشرى.
قال عليه السلام: فابشري بولدٍ يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت: ممَّن؟
قال عليه السلام: ممَّن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له من ليلة كذا، من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.
قالت: مِن المسيح، ووصيِّه.
قال: فممَّن زوَّجك المسيح، ووصيُّه؟
قالت: من ابنك أبي محمَّد.
قال: فهل تعرفينه؟
قالت: وهل خلوت ليلةً من زيارته إيِّاي منذ الليلة التِّي أسلمت فيها على يد سيِّدة النِّساء أمّه.
فقال أبو الحسن عليه السلام: يا كافور! ادع لي أختي حكيمة.
فلمَّا دخلت عليه قال عليه السلام لها: ها هية.
فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت بها كثيراً؛ فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله! أخرجيها إلى منزلك، وعلمِّيها الفرائض والسنن، فإنَّها زوجة أبي محمَّد، وأمّ القائم عليه السلام).(13)
وروى المشايخ العظام أولو الاحترام: محمَّد بن يعقوب الكليني، ومحمَّد بن بابويه القمي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، والسيِّد المرتضى، وغيرهم من المحدِّثين بأسانيد معتبرة عن السيِّدة حكيمة رضي الله عنها:
(... زارني ابن أخي، فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له: يا سيدي! لعلك هويتها، فأرسلها إليك؟
فقال لها: لا؛ يا عمَّة، ولكني أتعجَّب منها.
فقلت: وما أعجبك منها؟
فقال عليه السلام: سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلاً، وقسطاً؛ كما ملئت جوراً، وظلماً.
فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟
فقال: استأذن في ذلك أبي عليه السلام.
قالت: فلبستُ ثيابي، وأتيت منزل أبي الحسن عليه السلام فسلَّمتُ، وجلستُ؛ فبدأني عليه السلام، وقال: يا حكيمة؛ ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمَّد.
قالت: فقلت: يا سيدي؛ على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك.
فقال لي: يا مباركة؛ إنَّ الله تبارك وتعالى أحبَّ أن يشركك في الأجر، ويجعل لك في الخير نصيباً.
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعتُ إلى منزلي، وزيَّنتُها، ووهبتها لأبي محمَّد عليه السلام، وجمعتُ بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياماً ثمَّ مضى إلى والده عليه السلام، ووجَّهت بها معه.
قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن عليه السلام، وجلس أبو محمَّد عليه السلام مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفِّي، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفَّك.
فقلت: بل أنت سيِّدتي، ومولاتي؛ والله لا أدفع إليك خفِّي لتخلعيه، ولا لتخدميني؛ بل أنا أخدمك على بصري.
فسمع أبو محمَّد عليه السلام ذلك، فقال: جزاك الله يا عمَّة خيراً.
فجلستُ عنده إلى وقت غروب الشمس، فصحتُ بالجارية، وقلتُ: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال عليه السلام: لا، يا عمَّة بيتي الليلة عندنا، فإنَّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها.
فقلت: ممَّنْ يا سيدي؛ ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحمل؟!
فقال: من نرجس، لا من غيرها.
قالت: فوثبتُ إليها، فقلَّبتُها ظهراً لبطن، فلم أر بها أثر حمل؛ فعدتُ إليه عليه السلام فأخبرتُه بما فعلتُ، فتبسَّم، ثمَّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل لأنَّ مثَلَها مثل أمّ موسى عليه السلام لم يظهر بها الحمل، ولم يعلم بها أحدٌ إلى وقت ولادتها؛ لأنَّ فرعون كان يشقُّ بطون الحبالى في طلب موسى عليه السلام، وهذا نظير موسى عليه السلام.
وفي رواية أخرى إنَّه عليه السلام قال: (إنَّا معاشر الأوصياء ليس نحمل في البطون، وإنَّما نحمل في الجنوب، ولا نخرج من الأرحام وإنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأنَّنا نور الله الذي لا تناله الدناسات).
قالت حكيمة: فعدت إليها وأخبرتُها بما قال، وسألتُها عن حالها؛ فقالت: يا مولاتي، ما أرى بي شيئاً من هذا.
قالت حكيمة: فلمَّا أن صلَّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسوسن، وبايَّتُها في بيت واحد، فغفوتُ غفوةً ثمَّ استيقظتُ، فلم أزل مفكرةً فيما وعدني أبو محمَّد عليه السلام من أمر وليِّ الله عليه السلام، فقمتُ قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصلَّيتُ صلاة الليل حتَّى بلغتّ إلى الوتر، فوَثَبَتْ سوسن فَزِعَةً، وخَرَجَتْ، وأَسْبَغَتْ الوضوء، ثمَّ عادت، فصلَّتْ صلاة الليل، وبَلَغَتْ إلى الوتر، فوقع في قلبي أنَّ الفجر قد قرب؛ فقمتُ لأنظر، فإذا بالفجر الأوّل قد طلع، فتداخل قلبي الشكُّ من وعد أبي محمَّد عليه السلام، فناداني من حجرته: لا تشكِّي، وكأنَّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى.(14)
قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يَدَيَ لا تقلب جنباً إلى جنب؛ حتَّى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر، وثَبَتْ فَزِعَةً، فضممتُها إلى صدري، وسمَّيتُ عليها، فصاح أبو محمَّد عليه السلام، وقال: اقرئي عليها (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).
فأقبلتُ أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالك؟
قالت: ظهر (بي) الأمر الذي أخبرك به مولاي.
فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ، وسلَّم عليَّ.
قالت حكيمة: ففزعتُ، فصاح بي أبو محمَّد عليه السلام: لا تعجبي من أمر الله عز وجل، إنَّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجَّةً في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتَّى غيِّبَتْ عنِّي نرجسٌ، فلم أرها كأنَّه ضُرِبَ بيني وبينها حجابٌ، فعدوتُ نحو أبي محمَّد عليه السلام وأنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمَّة، فإنَّك ستجدينها في مكانها.
قالت: فرجعتُ فلم ألبث أن كُشِفَ الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري، وإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبَّابتيه، وهو يقول: (أشهد أن لا اله إلاّ الله (وحده لا شريك له)، وأنَّ جدِّي محمَّداً رسول الله، وأنَّ أبي أمير المؤمنين، ثمَّ عدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه).
ثمَّ قال: اللهمَّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبِّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً. فصاح بي أبو محمَّد عليه السلام، فقال: يا عمَّة، تناوليه، وهاتيه.
الهوامش
(1) روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: من أنكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل على محمّد. انظر عقد الدرر: 230؛ عرف المهدي 2: 83؛ الفتاوى الحديثيّة: 27؛ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 175/ ف 12.
(2) يوسف: 9؛ والاستدلال منتزع من الكافي 1: 337.
(3) انظر محاججة مؤمن الطاق مع عمرو بن عبيد؛ كمال الدين 1: 207 - 209/ ح 23.
(4) الحجّ: 46.
(5) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثية بتعابير تتّفق في مضمونها - انظر - على سبيل المثال - مسند أحمد 3: 446 و4: 96؛ المعجم الكبير للطبراني 12: 337، و19: 335 و338، و20: 86؛ طبقات ابن سعد 5: 144؛ مصنّف ابن أبي شيبة 8: 598/ ح 42. وانظر تفاسير الطرفين، في تفسير آية (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي بإمام زمانهم. انظر الفردوس للديلمي 5: 528/ ح 8982.
(6) انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلاّمة الطباطبائي في كتاب (الشمس الساطعة).
(7) انظر: الاحتجاج للطبرسي 2: 325؛ بحار الأنوار 53: 177.
(8) قال صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. انظر علل الشرايع 1: 123؛ كمال الدين 1: 205/ ح 17 - 19.
(9) وسائل الشيعة 11: 135؛ بحار الأنوار 52: 152.
(10) الكافي للكليني 1: 337/ ح 4.
(11) الأنعام: 83.
(12) الظاهر أنّ مقصوده من الغيبة للشيخ الصدوق انَّه كتاب كمال الدين.
(13) كمال الدين/ الصدوق: ص 418 - 423/ باب 41/ حديث 1.
ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة: ص 208 - 214.
وله مصادر كثيرة ذكرناها في كتابنا: (مولد الإمام القائم المهدي عجل الله فرجه).
(14) جاء هذا المقطع في رواية الشيخ الطوسي في غيبته.