الشهادة في القرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

الشهادة في القرآن - نسخه متنی

الشيخ محمد المقداد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الشهادة في القرآن

الشيخ محمد المقدَاد

المقدمة

عندما يعتنق الإنسان مذهباً معيناً ليكون الأساس الفكري والعقائدي الذي ينطلق منه على مستوى الحركة في الحياة من شتى نواحيها، فإنه يطمح كذلك لأن يصل إلى أعلى ما يستطيع أن يحققه في سلّم الشرف أو الرتبة حسب ما هو مقرر بمقتضى ذلك المذهب الاعتقادي الذي آمن به الإنسان وذاك الطموح الذي يشكل حقيقة واقعية عند كل فرد من البشر على اختلاف انتماءاتهم الفكرية، الإلهية منها أو الوضعية، فهو الذي يدفع بالفرد الذي يملك المؤهلات للوصول إلى تلك المراتب العالية أو يدفع به لأن يحصل على القابليات التي تؤهله للوصول إلى تلك المراتب.

إلاّ أنّ اختلاف مصادر الاعتقاد والأهداف المحددة لها هو الذي يحدد الفوارق والفواصل بين المؤهلات التي توصل إلى الأهداف المنشودة من كل عقيدة. فالعقائد الوضعية مثلا التي لا تتجاوز أهدافها حدود هذا العالم المادي، فلا شك أن هدف المؤمنين بمثل هذه المذاهب الفكرية سوف يختلف عن هدف الإسلام مثلا الذي يتناقض مع تلك المذاهب مصدراً وهدفاً، لأن الإسلام مذهب إلهي المصدر وأهدافه تتعدى الدنيا لتشمل حياة ما بعد الموت أي "الآخرة". ومن هنا فإنَّ سلوك كل من هذين الفريقين يكون مختلفاً بمقدار ما يكون كل منهما ملتزماً بالمذهب الذي يعتنقه ويعمل من خلال قوانينه وأحكامه.

انطلاقاً من هنا علينا أن ننظر إلى مسألة الشهادة بمعنى "القتل في سبيل الله سبحانه وتعالى" التي تعتبر كأرفع وأسمى ما يسعى الإنسان المؤمن بالإسلام لتحقيقه من خلال وجوده في هذه الحياة، ولهذا كانت الشهادة هدفاً للأنبياء (ع) والأولياء والصالحين على مرّ العصور، لأنها تمثل قمة العطاء الإنساني للرساليين الذين وعوا معنى الحياة وتعاملوا معها على أنها هبة إلهية المصدر والمرتجع وعليهم أن يتعاملوا معها على هذا الأساس، فكان وجودهم كله خيراً وعطاء للإنسانية كلها بدون استثناء ونقيضاً لكل ما يعيق حركة الإنسان للإرتباط بالحق المطلق الذي وهبنا الحياة لنحياها خيراً وبركة وعطاءً دائماً متجدداً.

من هنا كانت الشهادة في سبيل الله على الدوام هدفاً رئيساً لكل السائرين على طريق الأنبياء (ع) والأوصياء (ع) لأنها الطريق التي تحقق للحياة معناها من خلال التعب والألم والمعاناة التي يتكبدها أولئك في سبيل تحقيق هدف الله على أرضه، ولأنها هي السبيل لصقل النفس وتدريبها على عصيان الهوى وملذات الحياة.

القرآن والشهادة

إن مسيرة القرآن في حديثه عن الشهادة تبدأ من خلال تذكر الله للإنسان بنعمة الخلق والايجاد وانتهاء بيان أجر الشهيد ومقام الشهداء في تسلسل مترابط الحلقات، ولهذا يبدأ الله عزّ وجلّ بتذكير الإنسان بالنعم التي أنعمها عليه من خلال قوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم}، أو من خلال الآيات التي تنفي العبثية واللغوية من وراء خلق الإنسان كقوله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون}.

ففي الآيات الأولى يوضح الله أعظم نعمة قد منحها هي "نعمة الخلق والتكوين" وأنه لولا تلك الهبة الإلهية لما تحقق للإنسان أن يوجد أصلاً لعدم قدرة غير المصدر الرباني على إعطاء تلك المنحة العظيمة والنعمة الكبرى، ثم يعقب ذلك بيان النعمة الثانية في سلسلة النعم وهي نعمة العلم والمعرفة التي بواسطتها يستطيع الإنسان أن يدرك مصدر الوجود ومفيضه وأن يستوعب وجوده في الدنيا ليتعامل مع ذلك الوجود على أساس أهداف الله في الحياة. وبعد الحياة فعلى الإنسان إذن أن يدرك تماماً أن وجوده هنا إنما هو منحة أفاضها عليه مفيض الوجود الذي لا يبخل بمدنا بذلك الفيض الرباني المتواصل حتى اللحظة الأخيرة لوجودنا الذي قدره في علمه وحكمته لكي ننتقل بعدها إلى النوع الثاني للحياة وهي حياة الآخرة التي فيها البقاء والخلود إما في النعيم الدائم أو الشقاء الدائم.

ثم يشرع القرآن الكريم بذكر الأهداف التي وهب الله الإنسان الحياة من أجلها وهي تبدأ من الإيمان بالله والالتزام بشريعته لتحقيق الأهداف السماوية المطلوب إيجادها في أرض الله: وهي أن تكون شريعة الله هي التي تحكم الحياة وحركة الإنسان وذلك من خلال قوله تعلى {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} وبقوله تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمَّا جاءك من الحق}.

هذه الأهداف التي من أجلها وهب الله الحياة للبشر ليستغلوا وجودهم كما أراد عزّ وجلّ ، ومن أجل هذه الأهداف أرسل الله أنبياءه عبر العصور والأجيال ليذكروا الناس على الدوام ليكون التبليغ والانذار حجة على الخلق يوم يقوم الناس لرب العالمين ليحاسبوا على ما فعلوه في الحياة الدنيا، لأن البشر من دون ذلك التبليغ الدائم قد يتيهون عن الأهداف التي من أجلها خلقوا وينحرفون عن الصراط وجادة الحق. ثم بعد بيان الأهداف يشرع الله ببيان الوسائل التي تمهد للوصول اليها وهي الدعوة للبشر إلى اتباع سبيل الله في الحياة ليفوزوا الفوز المبين في الدنيا والآخرة، إلا أن تلك الدعوة إلى الخير التي حملها الأنبياء (ع) عبر التاريخ كانت تصدم على الدوام بالقوى المسيطرة التي تتحكم بحركة المجتمع وتمسك بزمام الأمور فيه، تلك القوى التي غالباً ما تكون بعيدة عن التعامل العقلاني الواقعي لأن أطماعها ومصالحها هذه ببقاء النمط الجاهلي وعدم الرضوخ لإرادة التغيير التي حملها الأنبياء والمصلحون والأولياء، ولهذا نرى القرآن يصرح أن أمثال هؤلاء كانوا يقفون دائما كالسد المنيع في وجه الاصلاح على مستوى الفرد أو المجتمع كما في الآية الشريفة {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكنّ الظالمين}.

والوسائل التي بيّنها الله لنا للوصول إلى الأهداف المرجوة تبدأ من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بادئ الأمر لأن الحجة والاقناع هما السبيلان الطبيعيان لايصال الفكرة إلى الآخرين وكما قال الله عزّ وجلّ {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} أو قوله تعالى {وجادلهم بالتي هي أحسن}.

إلا أن هذه الوسيلة لم تكن تجد الآذان الصاغية عند الفئات المستكبرة التي تملك زمام الأمور في مجتمعاتها، ولهذا أمر الله سبحانه بوسيلة أخرى وهي الجهاد والقتال ضد أولئك الذي يقفون في طريق هداية الناس وارشادهم لكسر حواجز الخوف والقلق التي تسيطر على المستضعفين من عباد الله الرازحين تحت سلطة القوى الظالمة المستكبرة. هذه القضية "الجهاد في سبيل الله" قد خصها الله تعالى بحيز كبير في كتابه الكريم لما فيها من مظاهر القوة لخطه تعالى في الحياة، وما تحققه من ابراز لهيبة المؤمنين لالقاء الرعب في قلوب الذين كفروا والمنافقين الذين لا يستسلمون لارادة المؤمنين المرتبطين بالله عزّ وجلّ طوعاً.

وآيات القرآن الكريم تتعرض لقضية الجهاد مبثوثة في سوره بكثرة والتي تبدأ بالحث عليها بكل الوسائل الممكنة وصولاً إلى تحريم تركها والعقوبة على عدم العمل بها عندما تكون ظروف العمل الرسالي متوقفة عليها. ومن نماذج آيات الجهاد قوله عزّ وجلّ {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}، وقوله تعالى {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}، وقوله تعالى {وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}.

ثم يبدأ الله سبحانه بالتحذير من ترك الجهاد الذي يعني الخوف من الموت والركون إلى الدنيا الفانية والالتصاق بها، حتى يصل التحذير إلى حدَّ إبادة أولئك الذين يتمنعون عنه واستبدالهم بقوم آخرين يعشقون الجهاد والموت في سبيل الله عزّ وجلّ كما في قوله تعالى {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير}، وقوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.

وقد ورد في الروايات عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) ما يوضح دلالة هذه الآيات أكثر من خلال شرح مضامين هذه الآيات المباركة بالحديث الشريف، كما قوله النبي (ص): "إن فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فاذا قتل في سبيل الله فلا برّ فوقه"، وقول أمير المؤمنين (ع): "أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو درع الله الحصينة وجنته الوثيقة"، أو كما ورد عن النبي (ص): "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق". وكذلك ورد في الروايات ما يكشف عن مساوئ ترك الجهاد وأثر ذلك على الأمة كلها من قبيل ما ورد عن رسول الله (ص): "فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه، إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها"، وما ورد عن الإمام الصادق (ع) بقوله "فإن مجاهدة العدو فرض على جميع الأمة ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب وهذا هو من عذاب الأمة".

ولهذا نرى أن الله عزّ وجلّ لم يجعل المجاهدين في نفس المنزلة مع غيرهم بل جعل المجاهدين يمتازون عن غيرهم في المرتبة والمكانة عنده وعند الناس، لأنهم هم الذين انبروا ليدافعوا عن شرف الأمة وقد صمدوا أمام أعدائها وأخذوا على عاتقهم رد كيد المعتدين والظالمين الذين يريدون اذلال العباد واستعمار البلاد، ولهذا نطق القرآن الكريم بفضلهم على غيرهم كما في الآية الكريمة {فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما}، و{فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة}.

إلى هنا ندرك إذن أهمية الجهاد والقتال في سبيل الله سبحانه وتعالى، وهو أنه من أهم وأعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو السبيل الذي يقطع دابر الفتنة والفساد من العالم، وندرك أيضاً من خلال ذوق الشريعة في التعامل مع قضية الجهاد على أن تركه محرم لما فيه من تسليط لأعداء الله والإنسانية على البشر ليضطهدوهم ويذلوهم ويستغلوا خيرات بلاد الله، مضافاً لما في تركه من الذل العار فيفقد الإنسان بذلك حريته وكرامته وفوق كل ذلك عزّته التي يأبى الله للمؤمن المسلم أن يفرط فيها، ولما في ترك الجهاد من موات للدين وللشرائع، وإحياء للبدع الضالة وتقوية للشيطان وحزبه.

ثم ينتقل الله سبحانه وتعالى ليعبر عن الجهاد بأنه تجارة مربحة مع الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل {هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم}، أو كما في الآية الأخرى التي يعبر فيها عن الجهاد بأن الله يشتري من المؤمنين حياتهم بدفع الجنان لهم في الآخرة كما قال سبحانه {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون}.

وتكريم الله لفريضة الجهاد والحثّ عليها بهذا المقدار يرجع إلى أن الشهادة أي القتل في سبيل الله، هي ثمرة من ثمرات هذا الجهاد وأثر ومن آثاره، ولهذا نرى أن الله سبحانه وتعالى قد رفع من قيمة الشهادة والشهداء إلى الحدّ الذي يجعل فيه الشهيد هو قمة الأفراد من بين البشر باعتبار أن حياته قد أعطاها لربه من خلال قيامه بخدمة نفسه وأمته بعمله وجهاده وسعيه من أجل خير الآخرين. ومن هنا نرى أن القرآن الكريم يعبر عن الشهداء بأنهم لا يموتون بل هم الأحياء حقاً وصدقاً كما قال سبحانه {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عن ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}. أو من خلال قوله تعالى {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}. ولها نرى أن الروايات الكثيرة التي تعرضت لقضية الشهادة قد بيّنت أن أفضل الموت هو القتل في سبيل الله عزّ وجلّ مثل الحديث التالي "أشرف الموت قتل الشهادة"، و "ما من قطرة أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها عبد إلاّ الله عزّ وجلّ"، وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) عندما كان يتهيأ إلى صفين قال (ع): "اللهم ربّ السقف المرفوع، إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق، وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة".

أما حبّ الشهداء للشهادة فهو فوق كل حدّ ووصف لما ادّخر الله للشهداء من المكانة العظيمة والمرموقة مع النبيين والأولياء والصالحين من عباد الله عزّ وجلّ، وهذا أيضاً ما أشارت اليه الأحاديث مثل "والذي نفسي بيده لوددت أني أُقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أُقتل ثم أحيا ثم أُقتل"، أو كما قال أمير المؤمنين (ع): "فو الله لولا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة وتوطيني نفسي عند ذلك لأحببت ألاّ أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً".

ولهذا العشق من الشهداء للحصول على مرتبة الشهادة مزايا وعطايا إلهية كثيرة قد منحها الله لهم لأنهم قد استطاعوا أن يصلوا من خلال إيمانهم بالله وتقوية ارتباطهم به إلى أن يعيشوا الحياة بالشكل الذي يريده الله سبحانه وتعالى، فهم عندما يتحركون ويعملون أو يقولون ويتكلمون لا يكون هدفهم من ذلك إلا أن يرضى الله عن قولهم وفعلهم، ولهذا فليس من الكثير على الشهداء أن يحصلوا على كل تلك النعم والعطايا الإلهية العظيمة التي تبدأ من أول اللحظات التي يدخلون فيها جنان الخلد، وقد بيّنت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تلك العطايا السخية وهي:

أولاً: غفران الذنوب كلها: أــ "الشهادة تكفر كل شيء إلا الدين" ــ ب ــ "أول ما يهرق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كله إلا الدين" ــ ج: "يغفر للشهيد كل ذنب الا الدين".

ثانيا: عدم الفتنة في القبر: أــ "من لقي العدو فصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره" ــ ب: "سئل النبي (ص) ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة".

ثالثاً: تمنى الرجوع إلى الدنيا: أــ "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولا ان لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل في الدنيا لما يرى من فضل الشهادة" ــ ب: "ما من أحد يدخل الجنة يجب أن يرجع إلى الدنيا وان له ما على الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرّات لما يرى من الكرامة".

رابعاً: عدم انحلال أجسادهم، وهذه الحقيقة تؤكدها المشاهدات العينية لأجساد الكثير من الشهداء الذين سقطوا في سبيل الله عزّ وجلّ ، فكرامة لهم من الله أن تبقى أجسادهم كما هي من دون أن يصيبها الانحلال والفناء، وقد روى لنا خادم مقام الشهيد حجر بن عدي أنه عندما أعيد ترميم القبر الشريف وصلوا إلى أساس الضريح، فخرجت إليهم يد الشهيد وكأنه قد مات الآن.

وكذلك من كراماتهم بقاء أجسادهم طرية نضرة كأن الموت لم يصبها ولم يقع عليها، هذا ما رأينا بأم أعيننا وما رواه لنا أخوتنا الذين كانوا ينقلون جثمان الشهداء من أماكن استشهادهم بعد أيام أو أسابيع، ومن أمثلة هؤلاء الشهداء: الشهيد معين الدار الذي أحضروا جثمانه بعد استشهاده بثلاثة أسابيع وكان مازال طرياً كأنه مات في ساعته، والشهيد حسن كسرواني الذي أحضرت جثته بعد تسعة أيام، وكذلك الشهيد الشيخ ياسر كوراني الذي أحضر جسده الشريف بعد خمسة أيام. هذه النماذج إن دلت على شيء فإنما تدل على أن لشهيد حيّ عند الله لا يموت ويفتخر على كل العالمين بأنه القدوة لهم والحجة البالغة لله عليهم أيضاً.

خامساً: إن الشهداء يدخلون الجنة بدون حساب أو تأخير، وذلك لأن الذي يحاسب هو الإنسان الذي يكون له وعليه فيحتاج إلى عملية المحاسبة ليوازن بين ما له وما عليه، بينما الشهيد الذي استغل كل وجوده في سبيل الله وأعطى كل ما وهبه الله له وحرم نفسه من استغلال نعم الله عزّ وجلّ لنفسه، مثل هذا الإنسان ليس بحاجة للحساب، ولهذا فهو يرتع في جنان الخلد كما وعده الله سبحانه وتعالى آمناً مطمئناً إلى وعد الله ورحمته كما ورد في الحديث عن النبي (ص) ان للشهيد سبعة أشياء أولها غفران الذنوب عند أول قطرة تسقط من دمه، وسابعها أن ينظر إلى وجه الله أي إلى عظمة الله ورحمته ليتجاوز كل بلاءات ما بعد الموت وحتى دخوله الجنة ليسرح فيها ويمرح آمناً مطمئناً فرحاً بما أنعم الله عليه من العطاء السخي الذي لا يتبدل ولا يتحول.

وأما مواصفات الشهيد في الدنيا فلابدّ أن تكون متناسبة مع ما يسعون إليه، لأن الشهادة وسام إلهي لا يعطى لأي إنسان كان، بل تحتاج إلى قابليات خاصة ومؤهلات من نوع معين حتى يصبح الإنسان مشروع شهيد في هذه الحياة الدنيا. ومواصفات الشهداء تبدأ من الإيمان بالله إيماناً قوياً راسخاً لا يتزلزل ولا يهتز أمام المغريات والمصاعب بل يزداد إيمانهم كلما ازدادت عليهم المصاعب والعقبات التي تحول بينهم وبين ما يمنعهم من ما يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى.

ومن مواصفاتهم عدم الارتباط بالدنيا إلى الحدود التي تمنعهم من الارتباط بالحق المطلق سبحانه، فهم يدركون أن علاقتهم بالدنيا لن تكون إلا على حساب علاقتهم بالله والعمل في سبيله، فهم مراقبون لأنفسهم دائماً من أن يقعوا في أسر حبّ الدنيا وحبّ شهواتها وملذاتها بل يسعون من خلال قولهم وفعلهم إلى التحرر من عبودية الدنيا وشهواتها ليكونوا عبيداً لله عزّ وجلّ فقط، ولهذا فهم لا ينظرون إلى الحياة الدنيا على أنها ذات قيمة إلا من حيث كونها طريقاً إلى الله سبحانه، ولهذا فهم لا يأخذون منها إلا النذر اليسير ليعينهم على أن يبقوا مع الله في سلوكهم وتوجهاتهم.

ولهذا لا يكون كل من حمل السلاح مثلاً شهيداً أو مشروع شهيد بل هي قبل كل ذلك عملية تربية للنفس، وتصحيح لتوجهاتها وتهذيب لشهواتها ونزواتها لأن التعلق بهذه الأمور يمنع الإنسان من أن يصل إلى مرتبة الشهادة التي يتمناها، فبمجرد التمني لا يحقق واقع الشهادة لأن الفارق بين الأمنية والواقع قد يكون عميقاً جداً، لأن الشهيد لا يدخل الجنة طالما هو متعلق بحب الدنيا بل لا يمكن أن يختار الله إنساناً ما للشهادة طالما أن ذلك الإنسان ما زال ينظر إلى الدنيا نظرة ذات قيمة وثمن لأن الشهيد عندما يصل إلى درجة الشهادة فهذا يعني أن نفسه صارت نظيفة من كل أدران الدنيا وأوساخها وأن الشهيد لا يمكن أن يدخل الجنة طالما ما زال في قلبه بعض من حبّ الدنيا ونحو ارتباط وتعلق بها لأن الجنة بما، تمثله من صفاء ونقاء وقدسية وطهارة لا يمكن أن تقبل بوجود النفوس المتسخة المتلطخة بأوساخ الدنيا.

ختام المحاضرة

إن حبّ الشهادة عندما يملأ قلب إنسان ما وفكره سوف لن يرى من الدنيا إلا جانب الوسيلة فيها لا الهدف، وسوف ينظر إلى الدنيا على أنها ممر إلى حياة الخلود والبقاء والنعيم الدائم في ظلال رحمة الله ورضوانه، ومن هذا المنظار سوف لن يندم أو يتألم أو يتحسر على ما يفوته من نعمها وزخرفها لأنه قصر نظره على ما عند الله من العطايا السخية والمكانة المحسودة عند الله للشهداء الذين أعطوا الله كل ما عندهم فلم يبخل الله عليهم بأعظم ما عنده، ولهذا ورد في الأحاديث عن المعصومين (ع): بأنه ما من ميت يتمنى الرجوع إلى الحياة الدنيا سوى الشهداء لعظمة ما يرونه من التكريم لهم في دار الآخرة، وسبب تمنيهم للرجوع إنما هو لكي يعيدوا سيرة ما كانوا يعملون، ليذوقوا نعمة الشهادة مرة ثانية وثالثة ورابعة، بل وأكثر من ذلك. وبهذا يمكننا أن نفسر سر الانتصارات العظيمة للمسلمين في الماضي والحاضر وأنه لولا حبّ الشهادة لما قام لهذا الدين قائمة ولما اخضر له عود، بل إن حبّ الشهادة وعشقها هو الذي حقق كل ذلك لأن ذلك الحبّ يعطي للإنسان قوة معنوية هائلة تفوق حدود المعقول حسب مقاييس الأرض وموازينها، لأن محبي الشهادة يقاتلون بقوة الله ويتحركون بارادة الله وينظرون بعين الله عزّ وجلّ، ولهذا لا يبالي من يصبح شهيداً بالمعادلات التي تحكم حركة الآخرين وتجعلهم أسرى مقاييس معينة لا يستطيعون تجاوزها، لأن المبادئ التي ينطلقون منها لتحديد النصر أو الهزيمة تختلف عن موازين الشهداء الذين ينظرون إلى ان النصر يتحقق إما بقتل الأعداء والفوز عليهم وهذا هو النصر الدنيوي، وإما بالقتل على يد الأعداء وهذا هو النصر الأكبر، وبهذا يتحقق لهم الوصول إلى الشهادة الحقة في سبيل الله عزّ وجلّ. فسيرة الشهداء إذن تقوم على أساس الإيمان بالله والثقة المطلقة به من خلال الارتباط بالغيب والمدد الإلهي، وهذا النحو من الإيمان هو الذي يجعل من الذين لا يؤمنون بمنطق الشهادة والشهداء أن يقفوا حائرين مندهشين لا يقدرون على تفسير حركة الشهداء خاصة عندما تكون حركة الواقع ومجريات الأمور كلها بيد الفريق الذي يناقض منطقه منطق الشهداء ولا يتوافق معهم في الرؤية والهدف وأسلوب العمل.

/ 1