بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الشفاعه فی المنظور القرآنینهلة الغروی النائینی مقدمةالانحرافات الفکریة والعقائدیة علی امتداد تاریخ البشر قد صورت تصویراً غلطاً مسائل ومبادیء مهمة، وقد نفذت أقوالهم وآراؤهم بین السذّج والجهلة، حتی اتخذت بمرور الزمان شکل العقیدة الراسخة.والشفاعة من تلک المسائل المهمة الواردة فی القرآن الکریم والتی کان مصیرها ذاک المصیر. وعلی الرغم من أن الأدیان الإلآهیة قد ذکّروا بها، وتقبلتها الفرق والمذاهب المختلفة، کل بشکل من الأشکال، إلاّ أن التشتت والتباین فی هذه العقائد علی درجة بحیث أن کل طرف یخطیء عقیدة الطرف الآخر، بل إن بعضهم قد تجاوز ذالک إلی اتهام الآخرین بالکفر والشرک. لذلک کانت ضرورة دراسة هذا الأمر الدینی المهم وإعادة النظر فیه جلیة للجمیع، لکی یمکن بنشر الکلام الحق ازالة غبار الانحرافات، وتتخذ العقائد والمفاهیم الاسلامیة الطاهرة مکان الاعوجاجات، والرد علی الاسئلة والاعتراضات الواردة بحق الشفاعة.ماالشفاعةالشفاعة فی العرف هی توسط شخصیة مرموقة وذات مقام لدی شخص ذی قدرة لمصلحة شخص ثالث أقدم علی ما یستوجب المؤخذة، لکی یغفر له ذنبه أو تقصیره، أو لمصلحة شخص له حاجة لکی تقضی له حاجته.وجذرالکلمة هو (شَفَعَ) أی جعله زوجاً بإضافة مثله إلیه، ویقابله (الوَتْر) وهو الفرد.لذلک فان اللجوء إلی الشفیع یعنی أن طالب الشفاعة لایری الکفایة فی قدرته وحده للوصول الی هدفه، فیعمد الی دعم قدرته بقدرة الشفیع فیضاعفها ویبلغ مرامه، أی انه اذا لم یتوسل بشفیع وحاول قضاء حاجته اعتماداً علی قدرته وحده لما استطاع نیل مبتغاه، لأن قدرته ضعیفة وناقصة. یقول البیضاوی: الشفاعة من الشفع، أی الزوج. فالشیء منفرد فینضم الشفیع إلیه1.وقد قال الامام علی « علیهالسلام »: «الشفیع جناح الطالب2» أی إن الشفاعة أشبه بالجناح للطالب.انواع الشفاعةللشفاعة انواع بعضها صحیح ومطابق للتعالیم الاسلامیة، وبعضها غیر صحیح وباطل ولا وجود له فی تلک التعالیم. الشفاعة الباطلة غیر الصحیحة هی أن یسعی امرؤ إلی التذرع بالمحسوبیة أو المنسوبیة لمنع القانون من أن یأخذ مجراه. وهذا الضرب من الشفاعة ظلم فیهذه الحیاة الدنیا، ولامکان له فی الآخرة، ویرفضه القرآن الکریم. والظاهر أن الاعتراضات الموجهة الی الشفاعة إنما تقصد هذا النوع من الشفاعة. أما الشفاعة الصحیحة الحقة فهی التی لیس فیها استثناء ولامحاباة، و لا تنقض القوانین. إن القرأن الکریم یؤید هذا النوع من الشفاعة تأییداً صریحاً.إن الاختلاف الرئیس بین الشفاعة الصحیحة والباطلة فی جهاز الخلیقة هو أن الشفاعة الحقة تبدأ من الله تعالی وتنتهی بالمذنبِ. أما فی الشفاعة الباطلة، فان الشفیع یقع المشفع له تحت تأثیر المذنب، ویقع لدیه تحت تأثیر الشفیع. یقول القرآن الکریم: «مَنْ ذَا الَّذیِ یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإذْنِهِ....» (البقرة / 255).تقسم الشفاعة الصحیحة إلی قسمین اثنین: الشفاعة التکوینیة، والشفاعة التشریعیة.1. الشفاعة التکوینیةبما أن الله تعالی هو المبدأ الاول لکل علة ومعلول، وأن کل علة ترجع فی النهایة إلیه، فإن جمیع العلل والاسباب أمور وسیطة بینه وبین غیره الذی یوصل رحمته الواسعة إلی الکائنات. وبناء علی ذلک یکون الله، من الناحیة التکوینیة، مبدأ کل خیر ورحمة. ثمة آیات من القرآن الکریم تحکی عن هذا القسم من الشفاعة: «إنّ رَبَّکُمُ اللّهُ الّذِی خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فی سِتَّةِ أیّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلی الَعرْشِ یُدَبِّرُ الأَمرَ. مامِنْ شَفِیعٍ إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ» (یونس / 3).الحقیقة هی أن کل تدبیر ینتهی إلی الله، من دون أی عون من الآخرین. لذلک فما من أحد بقادر علی التوسط والتشفع إلا بإجازة من الله، وما من سبب إلاّ وکان هو مسببها، والشفعاء إنما یشفعون بإذنه. إن المقصود بالشفیع فی الآیة هو العلل والاسباب الطبیعیة. فما من علة أو سبب یمکن أن یکون مؤثراً من دون ارادة الله الحکیمة ومن دون الاستعانة بقدرته غیرالمتناهیة3.«اللّه الَّذی خَلَقَ السَّمواتِ وَالاَءرْضَ وَمابَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أیّام ثُمَّ اسْتَوی عَلی الَعْرشِ مالَکُمْ مِنْ دْونِهِ مِنْ وَلِیّ وَلا شَفِیعٍ أفَلا تَتَذُکَّرُونَ (السجدة / 4).وهذا یعنی أن المقصود هو مالک تدبیر الشیء، وأن الأمور تقع تحت تدبیر نظام، مهما یکن، من الخصائص الموجودة فی خلق کل شیء، والخلق، مهما یکن، یستند الی الله تعالی. فاذا کان خالق الاسباب واجزائها والرابط فیما بینها هو الله، فإذن یکون هو الشفیع الحقیقی الذی یکمل نقص کل علة، فلا شفیع سوی الله شفاعة تکوینیة. کمایمکن ان یقال ایضاً إن الله یشفع ببعض اسمائه لدی بعض من اسمائه الأخری. أی احدی صفاته الکریمة تتوسط بین الشخص المحتاج وصفة اخری من صفاته تعالی، مثلما هو دیدننا کل یوم فی اللجوء إلی رحمته من غضبه. أما القول بان اللّه یتشفع لشخص عند غیره فأمر لا وجه له من الصحة إطلاقاً:«قُلْ للِّه الشَّفاعَةُ جَمیعاً لَهُ مُلْکُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ثُمَ إلَیْهِ تُرْجَعُونَ» (الزمر / 44)؛ «اللّه لاَ اِلآهَ إلاّ هُوَ الْحَیُّ القَیّومُ...مَنْ دَا الّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإِذْنَِهِ یَعْلَمُ مابَیْنَ أیْدِیهِمْ...» (البقرة / 255).هذه الآیات التی تتحدث عن خلق السموات والأرض والقدرة الإلآهیة تدل علی الشفاعة التکوینیة، وهی العلل والاسباب بین الله والمعلولات،والتی یدبر الله امورها وینظم بقاءها. 2. الشفاعة التشریعیةءان الله تعالی، علی علو مقامه، قد تفضل علینا بتشریع الدین لنا وارسال الأنبیاء والرسل مبشرین ومنذرین فی ابلاغ دینه لیتم الحجة علینا. لذلک فهذه الأسباب والوسطاء هی وسائل للشفاعة، کما جاء فی الآیات التالیات:«یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الَّرحْمنُ وَرَضِی لَهُ قَوْلاً» (طه / 109).«وِلا یَمْلِکُ الّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ» (الزخرف/ 86).«لا تنفع الشفاعة عنده إلاّ لِمَنْ أذِنَ لَهُ حَتّی إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ...» (سبأ / 23). «وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمواتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئاً إلاّ مِنْ بَعْدِ أنْ یأْذَنَ اللّهُ لِمَنْ یَشاءُ وَیَرْضَی» (النجم / 26). هذه الآیات تشیر الی موضوع الشفاعة و تشفع عدد من عباد الله بشرط أن یأذن الله لهم. وهذا النوع من الشفاعة علی قسمین اثنین: الأول تلک الشفاعة التی یحصل أثرها فی هذه الدنیا، کقولهم لأبیهم: «یا أبانا اسْتَغْفِرْ لَنا ذَنُوبَنا....قالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی...» (یوسف 97 و 98). مما یستتبع غفران الله تعالی، او التقرب من أعتابه. الثانی تلک الشفاعة التی تتحقق فی الآخرة.إن الاعمال التی یرتکبها الانسان فی الدنیا، والعلائق المعنویة التی تربط بین الناس فی هذه الدنیا، تظهر ضهوراً عینیاً فی الدار الآخرة. إذا ما قام امرؤ بهدایة شخص ما أو بتضلیله، تظهر هذه العلاقة ظهوراً عیانیاً یوم القیامة.«یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» (الاسراء / 71).لقد کان الأنبیاء، والأئمة، والقرآن، والاولیاء والعلماء، شفعاءَ هم، وهی شفاعة الهدایة التی تتحقق فی هذه الدنیا. بدیهی أنه لما کانت آیات القران تختص بالشفاعة یوم القیامة،فهی علی الظاهر لا تشیر الی هذا النوع من الشفاعة.إن القرآن الکریم یعد من الشفعاء فی الدنیا، لأن شفاعته تؤدی الی هدایة الشخص والتوسط له فی بلوغ مراتب أعلی: «إن ّ هَذا القُرْآنَ یَهْدِی لِّلتِی هِیَ أَقْوَمُ...» (الاسراء / 9).إن الرحمة الإلآهیة من السعة بحیث أنها تشمل جمیع الکائنات، وکل کائن ینال منها علی قدر لیاقته واستعداده.إن حملة العرش یعلمون أن رحمة الله واسعة، فیسألونه ان یسبغ بعض رحمته، التی تشمل غفران الذنوب والوقایة من النار، علی من یستحقونها من عباده:«الّذیَن یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُوُنَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ کُلَّ شیءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا وَاتّبَعُوا سَبِیلَکَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحیمِ» (المؤمن / 7)، وهذا النوع من الشفاعة التشریعیة.من الناحیة العقلیة لیس ثمة ما یمنع المولی من أن یقبل شفاعة شافع بحق عبده لإ عفائه من عقاب أو منع الرحمة به ما دام کلا الأمرین من حق المولی. لذلک فإن قبول المولی شفاعة الشافع هو تنازله عن حقه، لا عن حق الآخرین.آیات الشفاعةترد مشتقات (شَفَعَ) فی القرآن الکریم کمایلی:(یشفع) ترد ثلاث مرات.(یشفعوا) مرة واحدة. (یشفعون) مرة واحدة.(شافعین) مرتین.(شفیعٌ) خمس مرات.(شفیعٍ) مرة واحدة.(شفعاء) ثلاث مرات. (شفعاءکم) مرة واحدة.(شفعاؤنا) مرة واحدة.(شفاعةٌ) احدی عشرة مرة.(شفاعتهم) مرتین. (الشفعِ) مرة واحدة.ویمکن تصنیف ایات الشفاعة الی ثلاثة أصناف: آیات إنکار الشفاعة، آیات إنکار شفاعة غیر الله وآیات إثبات الشفاعة. 1.آیات إنکار الشفاعة والشفیع کلیافی القرآن الکریم آیة واحدة تنفی الشفاعة کلیا یوم القیامة، إذ یقول: «یا أیُّها الَّذِینَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناکُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ یَأتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ وَلا خُلّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالکافِرُونَ هُمُالظّالِمُونَ» (البقرة / 254).تشیر هذه الآیة إلی عدم وجود تجارة ولا صداقة ولا شفاعة فی یوم القیامة، و ذلک لأن جمیع المذنبین الآثمین أعداء بعضهم بعضا، و قیل إن کل فرد فی ذلک الیوم یکون مشغولاً بنفسه وبمصیره. وهناک آیات أخری تؤکد عدم و جود الناصر والمعین یومئذ. «یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلیً عَنْ مَولیً شَیْئاً» (الدخان / 41).«یَوْمَ لا تَمْلِکُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَیئاً» (الانفطار / 19).«وَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادی کَما خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَکْتُمْ ما خَوَّلْناکُمْ وَرَاء ظُهُورِکُمْ وَما نَرَی مَعَکُمْ شُفَعاءَکُمْ الّذِینَ زَعَمْتُمْ أنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکاءٌ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَیْنَکُمْ وَضَلّ عَنْکُمْ ماکنْتُمْ تَزْعُمُونْ» (الأنعام / 94).تبین هذه الآیة أن لا یتعلق بمتاع الدنیا ولا بالروابط الدیة ولا بالأصدقاء والشفعاء، إذ إن الانسان إذا ما فارقت روحه بدنه انفصمت کل عراه المادیة بجسمه، وعندئذ ینتبه إلی أن الاستقلالیة التی قال بها للعلل المادیة کانت باطلة، ویدرک أن لیس معه من شفعائه أحد وییأس منهم. «یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ یُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکائِهِمْ شُفَعاءُ وَکانُوا بِشُرکائِهِمْ کافِرِینَ» (الروم / 12ـ13). هؤلاء یائسون بما ارتکبوا من أعمال،وقانطون من شفاعة الآلهة التی اشرکوها مع الله... «وَاتَّقُوا یَوْماً لا تُجْزی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئاً وَلا یُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلاهُمْ یُنْصَروُنَ» (البقرة / 48).یقول المفسرون إن حکم هذه الآیة یخص الیهود الذین کانوا یقولون إنهم ابناء أنبیائهم، وإن آباءهم سوف یشفعون لهم.«وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصاری نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤهُ قُلْ فَلِم یُعَذِّبَکُمْ بِذُنُوبِکُمْ» (المائدة / 18).إنکار شفاعة غیر اللهثمة آیات فی القرآن الکریم تنکر کل شفیع سوی الله:«و َ ذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَذَکّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما کَسَبَتْ لَیَسَ لَها مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِیٌ وَلا شَفِیع ٌ، وَأَنْ تَعْدِلَ کُلَّ عَدْلٍ لا یُؤْخَذْ مِنْها» (الانعام / 70).فی مواجه المشرکین عبدة الأصنام الذین کانوا یزعمون أن الله قد أو کل تدبیر أمور هذا العالم إلی الأصنام، لذلک فإننا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله. یقول القرآن:«وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُم وَیَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدُ اللِّه...» (یونس / 18). یقول القرآن إن قول هؤلا یکون صحیحاً لو أن الاصنام کانت قادرة علی أن تنفع أو تضر وهی لیست کذلک بالطبع. «...أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ شُفَعاءَ. قُلْ أَوَ لَوْ کانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئاً وَلا یَعْقِلُونَ.» (الزمر / 43). «أأتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلهة إنْ یُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍ لاتُغْنِ عَنّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئاً وَلا یُنْقِذُونَ» (یس / 23). هذه الآیة تشیر إلی أن أحداً لا یقدر علی أن یقف فی وجه ارادة الله، وأن لیس لأحد أن یشفع لأحد بدون إذن من الله. ثم لکی یحیی الأمل فی قلوب المؤمنین وتذکیرهم بأن لیس لهم ولی ولا شفیع غیر الله، یقول: «و َأنْذِرْ بِهِ الّذِینَ یَخافُونَ أنْ یُحْشَرُوا إلی رَبِّهِمُ لَیْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ لَعَلَّهُمْ یَتّقُونَ» (الانعام / 51) «اللّهُ الّذِی... مالَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا شَفِیعٍ أفَلا تَتَذَکَّرُونَ» (السجدة / 4). فالشفاعة لله جمیعاً ولیس المالک الحقیقی لکل شیء سوی الله، له القدرة الکاملة والملک والسلطان علی جمیع السموات والارض.3. آیات إثبات الشفاعةبالاضافة الی الشفاعة الالآهیة، یشیر القرآن الکریم الی شفاعة غیره، فهو یقول: «إنّ رَبَّکُمُ اللّهُ... مامِنْ شَفِیعٍ إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ» (یونس / 3) و «مَنْ ذَا الّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بإذْنِهِ» (البقرة / 255). یقول الطبرسی تعلیقا علی هذه الآیة: «هذا استفهام استنکاری، أی إن احداً لا یشفع لأحد یوم القیامة إلاّبإذن من الله4.«فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ وَلا صَدِیقٍ حمیمٍ» (الشعراء / 101). یقول العلامة الطباطبائی:إن قوله: «فما لنا من شافعین»، إشارة إلی أن هناک شافعین فی ذلک الیوم، وإلاّ فلیس ثمة ما یقتضی ذکر الشافع وبلفظ الجمع، وکان الأولی أن یقول: لا شافع لنا، بمثلما قال:«فماتَنْفَعُهُمْشَفاعَةُ الشّافِعِینَ» أی إن هناک شفعاء وشفاعة، و یقول ایضا: «وَلا یَمْلِکُ الّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشفاعة إلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ یَعْلَموُنَ» (الزخرف / 86) «ولا یمَْلِکُونَ الشَّفاعَةَ إلاّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الّرحْمنِ عَهْداً» (مریم / 78) و «یَوْمئِذٍ لا تَنْفَعُ الشّفاعَةُ إلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلاً» (طه / 109) و «وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إلاّ لِمَنْ أذِنَ لَهُ» (سبأ / 23) و «کَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمواتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئاً إلاّ مِنْبَعْدِ أنْ یَأْذَنَ اللّهُ لِمَنْ یَشاء وَیَرْضَی» (النجم / 26).النتیجة هی أن شفاعة غیر الله موجودة یوم القیامة، ولکنها لا تکون إلاّ بعد أن یأذن الله بذلک.یلاحظ أنه کلما ورد الکلام علی الشفاعة، ترد أیضا صفات للشفیع وللمشفع له. فالشفاعة مرتبطة بالصفات الباطنیة والظاهریة للشافع، وکذلک بنیّاته وأعماله. ینبغی أن تکون أقواله وأعماله مما یرضی الله تعالی حتی یتقبل شفاعته. «وَلا یَشْفَعُون إلاّ لِمَنْ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ» (الانبیاء / 28). وفی آیات اخری یذکّر النبی« صلیاللهعلیهوآلهوسلم » صراحة بالتشفع والتوسط، فیقول «واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَلْلمُؤْمِنینَ وَالْمُؤْمِناتِ» (محمد / 19) و «وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللّهَ» (النور / 62) أو یقول ذلک علی لسان نبی: «سَوْفَ اسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی» (یوسف / 98). أو یقول: «الّذِینَ اتَّخذُوا دِینَهُمْ لَهْواً وَ لَعِبَاً وَغَّرتْهُمُ الحَیاةُ الدُّنْیا... یقول... فَهَلْ لَنا شُفَعَاءُ فَیَشْفَعُوا لَنا» (الاعراف / 51ـ52).یقول العلامة الطباطبائی «اللهو هو ما یحول بین المرء وقیامه بما هو لازم و ضروری، واللعب هو ما یتم تخیلا، ولا حقیقة له إلا فی الخیال5». والآیة تشیر الی حال الکافرین الذین یجعلون الدین وسیلة للهوو اللعب، ویغترون بالحیاة الدنیا. وتلک هی حال أهل النار الذین «قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلّینَ وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسکِینَ وَکُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِینَ وَکُنّا نُکَذِّب بِیَوْمِ الدَّیِنَ حَتّی أَتانا الْیَقِینَ، فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِینَ» (المدثر/ 40ـ48).إن الانغماس فی اللهو واللعب فی الحیاة یمنع المرء من التفکیر فی الآخرة، والضالین یقولون: «وَما أَضَلَّنا إلاّ الْمُجُرِمُونَ، فَمالَنا مِنْ شافِعِینَ وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ» (الشعراء /99ـ 101) وفی توکید هذا یقول: ما لِلظّالِمِینَ مِنْ حَمِیمٍ وَلا شَفِیعٍ یُطاعُ» (المؤمن/ 18)، ولکنه ایضا یقول: «إنّ اللّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشاءُ» (النساء / 116). وتلاحظ أن الجزة الاول من الآیة مطلق"أما جزؤها الآخر فمشروط بمشیئة الله. ورب مذنب تناله اشاءة الله وتقبل شفاعة شافعه. الشبهات التی تؤخذ علی الشفاعةالشفاعة من المسائل التی احاطت بها الشبهات علی امتداد التاریخ بسبب النظرة السطحیة وعدم التعمق فی الآیات وفلسفتها. من تلک الشبهات مایلی: 1. الشفاعة تناقض التوحید فی العبادة، وإن الاعتقاد بها ضرب من الشرک. کما أنها لا تنسجم مع التوحید فی الذات أیضا، وذلک لأنها تعنی أن رحمة الشفیع وشفقته أوسع من رحمة الله6.رد الشبهةإن رحمة الشفیع لیست سوی قبس من رحمة الله یصل عن هذا الطریق الی المشفع له، وما شفقه الشفیع إلاّ جزء من شفقة الله، ولیس فی هذا أی تناقض مع التوحید فی العبادة أو فی الذات. إن قدرة الشافع تقع فی طول قدرة الله لا فی عرضها حتی یمکن أن یقال إنها تناقض التوحید فی العبادة.2. الاعتقاد وبالشفاعة یدعو بعض الناس إلی الجرأة علی المیل نحو الإثم، بل قد یکون شوقاً لهم علی ارتکاب الإثم.رد الشبهةالاعتقاد بالشفاعة یخلق الأمل فی نفوس الآثمین ویدعوهم الی الرجوع من منتصف طریق الحیاة إلی الله، ولا یکون هذا مدعاة إلی التجرؤ والمعاندة، بل یحمل بعضهم علی الأمل بأن طریق العودة إلی الله مفتوح أمامهم وأنهم بترک العصیان والمعاندة یستطیعون العودة إلی الله، بینما الیأس والقنوط من النجاة یجعلان اضبارة حیاتهم تزداد سواداً ویزداد ثقل آثامهم. یظهر من الآیات المذکورة أن للشفاعة شروطها، علی الرغم من أنها لم تشرح شرحاًجلیاً، ولکن بما أنها ترتبط بأفعال الانسان الظاهریة والباطنیة، لذلک ما من أحد یمکن أن یکون واثقاً من أنه ممن تشملهم الشفاعة.ان الفرد المسلم یکون دائماً عرضة للقلق لئلا یفقد أثمن رأس مال ٍ له فی النجاة، وهو فی الوقت نفسه، یحدوه الأمل بأنه بالتوبة وجبر مافات قد ینجو بنفسه من العذاب. إنه، بهذا یکون فی حالة من الخوف والرجاء، ویقضی حیاته بین الیأس، الذی یسبب الخمود، والثقة بالشفاعة. التی تسبب التقصیر والکسل7.3. تتنافی الشفاعة مع قول القرآن بأن «لَیْسَ لِلإِنْسانِ إلاّ ما سَعَی» (النجم / 39).رد الشبهةمن الضروری الانتباه إلی أن العمل لا یتنافی مع الشفاعة، لأن العمل یکون بمثابة العلة القابلة، والرحمة الالآهیة بمنزلة العلة الفاعلة8. إن من لم یقطع صلته بالله وأولیائه کلیاً یبقی فیه الأمل بالشفاعة، وهذا من نتائج عمله هو.4. الشفاعة تستلزمنا أن نعتقد بأن الله تعالی یقع تحت تأثیر الشفیع، وأن غضبه یتحول إلی رحمة، مع أن الله لا ینتابه الانفعال، ولا یتأثر بأی عامل کان.رد الشبهةقلنا إن الشفاعة الصحیحة تبدأمن الله، وأن الشفاعة تکون بإذن الله وأمره، ولهذا فلا تأثیر للشفیع فی الله، بل الله هو المؤثر فی الشفیع. 5. الشفاعة نوع من الاستثناء ومخالف للعدالة، مع أنه لیس فی حضرة الله أی خلاف للعدالة، وبعبارة اخری، الشفاعة استثنا فی القانون الإلآهی، فی حین أن قوانین الله کلیة وغیر قابلة للتغییر «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِیلاً» (الفتح / 23).رد الشبهةلیس فی الشفاعة والمغفرة استثناء ولا مخالفة للعدالة، فرحمة الله لا حدود. لها، وکل حرمان منها سببه فقدان القابلیة الفردیة واللیاقة الشخصیة. وبناء علی ذلک فان مقولة محمد بن عبدالوهاب «الشفاعة شفاعتان: منفیة ومثبتة، فالمنفیة ما کانت تطلب من غیر الله فیما لا یقدر علیه إلاّ الله9» إن تعریف الشفاعة الذی تحدث عنه یدحضه ما أوردناه من قبل، وکذلک الآیات: «وَلا یَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضی» (الانبیاء / 28) و «مَنْ ذَا الّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإِذْنِهِ» (البقرة / 255). فمن حیث وجوب حمل العام علی الخاص والمطلق علی المقید، یصح القول بأن الشفاعة لیست إلاّ للذی أذن له الله، ولا یعنی هذا أنه لیس لأحد أن یشفع أساساً غیر الله. النتیجة الشفاعة حقیقة قرآنیة لا یمکن إنکارها، علی الرغم من أن نظرة سطحیة الی آیات القرآن الکریم فی هذا الشأن قد تظهرها متعارضة، وبعضها ینفی الشفاعة. ولکن بتمحیص أدق نلاحظ أن جمیعها تدل علی أمر واحد هو أن الشفاعة ممکنة بإذن من الله، وأن وجودها یبعث علی فتح باب الأمل للذین أثموا وزلت أقدامهم.إلاّ أن بعض المذاهب سعت إلی التشکک فی مفهومها من جهة، وایجاد الشبهة فی أصلها، وحتی فی حدها و حدودها، من جهة اخری الهوامش* ترجم هذا المقال من الفارسیة.1. القرآن الکریم تفسیر البیضاوی، القاضی البیضاوی، 2 ج، 1303، فی غیر موضع، ج 1 ص 79. 2. نهج البلاغة، السید الرضی، ترجمة فیض الاسلام وشرحه، طهران، قصار الحکم، ش 60. 3. المیزان فی تفسیر القرآن، محمد حسین الطباطبائی، ط3 بیروت، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات. 1391ـ1971، ج 10 ص 10.4. الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، قم، ایران، 1403، ج 1 ص 362.5. تفسیر المیزان، ج 8 ص 134.6. کشف الارتیاب، ص 193 و 198.7. المیزان فی تفسیر القرآن، ج 1 ص 186.8. مطهری، مرتضی، العدل الالهی، طهران، 1349، ص 190.9. رسالة اربع القواعد، محمد بن عبدالوهاب، ص 25. کشف الارتیاب فی اتباع محمد بن عبدالوهاب، السید محسن الامین، بیروت 1411ـ1991، ص 194.