وندى به وجه البسيط تبلجـتْ*أرجـاؤه وتأرجــت أجـواؤهُ
وبسالة موروثـة من حيــدر*فكأن موقف زحفـه هيجــاؤهُ
وضرائب قدسية ما إن تلــحْ*إلاّ أطل على الوجـوه ذكـاؤهُ
وشذيُّ نجر من ذوأبة غالــب*تسري على مر الصبـا فيحاؤهُ
ومآثر شعّت سنا تمتـد مــن*نسب قصير يستطـيـل سناؤهُ
وأمير مصر لم يخنه وإن يكـن*خانته عند الملتقـى أمــراؤهُ
يزهو به دست الخلافة مثلـمـا*يزدان من صرح الهدى أبهاؤهُ
لله صفقة رابـح لمـا يبــنْ*يوم التغابــن بيعـه وشراؤهُ
هو مسلم الفضل الجميـع ومعقد*الشرف الرفيع تقدسـت أسماؤهُ
طابت أواصره فجـم مديحــه*وزكت عناصره فجـل ثنـاؤهُ
قرت به عينا « عقيل » مثلمـا*سرت بموقف مجـده آبــاؤهُ
واحتلّ من كوفان صقع قداسـة*فيه تقدس أرضـه وسمــاؤهُ
كثرت مناقبه النجوم وكاثـرتْ*قطر الغمــام بعــدّهِ أرزاؤهُ
سيف لهاشم صاغهُ كـف القضا*فلنصرة الدين الحنيـف مضاؤهُ
شهدت له الهيجاء أن بيمينــه*أمر المنايا حكمـه وقضــاؤهُ
إذ غاص في أوساطهـا وأليفـه*ماضى الشبا وسميـره سمراؤهُ
في يوم حرب بالقتـام مجلــل*أو ليل حرب قـد جـلاه رواؤهُ
وبمأزق فيه النفـوس تدكدكـتْ*من بعدما التقم الرؤوس فضاؤهُ
إن سل عضبا فالجبـال مهيلـة*أو هز رمحـا فالسمـا جرباؤهُ
وانصاع يزحف فيهم مستقصيـا*فأتى على بهم الوفى استقصاؤهُ
يحصي مصاليت الكماة بصارم*لم يبق منهـم مقبلا إحصــاؤهُ
وارتجّ كوفان عليه بعاصــف*من شره وتغلغلـت أرجــاؤهُ
فرأوا هنا لك محمدا ضوضاءهمْ*بكميــن بأس هدهــمْ بأساؤهُ
ومبيدُ شوكتهم إذا حم الوغــى*أضحى يدير الأمر كيـف يشاؤهُ
من فاتق رتق الصفوف وخارق*جمع الألوف غــداة عز رفاؤهُ
لولا القضا عرفوه مطفأ عزمهمْ*بمهنـد لاينطفــي إيــراؤهُ
لكنهم عرفوا الضبارهم خاضعاً*لولي أمر لايــرد قضــاؤهُ
( 178 )
أمنوا الشقــا فتواثبــوا لقتاله*فارتثّ من بطـل الهدى أعضاؤهُ
حتى إذا غيــل الهزبرُ بمستوىً*لابد أن تــرد الـردى أسراؤهُ
بالأمس كان أميرهــم واليـومَ*تسحبه إلى ابن سميـة زمـلاؤهُ
وهناك إد من مقالــة فاجــر*قد كان يسمعه التقــيُّ رغـاؤهُ
إن كان أسمعه سبابـاً مقذْعــا*فالنضحُ مما قد حــواه إنـاؤهُ
ولدين أحمـد مدمــع لفــوأده*المفطور من ظمـأ ترقرق ماؤهُ
ولقد بكيتُ مقطّعا منهُ الحشــا*قد وزّعت بشبا الظبــا أشلاؤهُ
ومناولاً قدحــا ليروي غلــة*قد أجهدتـه فغيّرتــه دمــاؤهُ
طلاع كــل ثنية طاحـت ثنـا*ياه فأجـج بالصـديّ ظمــاؤهُ
وأشد ماعانــاه من أرزائــهِ*إفك الدعـي عليــه أو أرزاؤهُ
لم يصعــدوهُ له وإن يك قــدْ*إلا وثمّـت حلّقــت عليــاؤهُ
قوس الصعــود لـه وإن يك قد*هـوى متنــازلا حوبـــاؤهُ
يا هـل درى القصر المشيد بان*من ينقض عنــه جماله وبهاؤهُ
هو للإمارة وهو مفخــر دسته*والمكـرمـات إهابــه ورداؤهُ
ألقوه من صعد فكــان محطّمـاً*جثمانـه ومعظمــا برحــاؤهُ
ويُجَر في الأسواق منه أخو هدىً*من حادثــات الدهر طال عناؤهُ
فكأنه وســريَّ مذحــج خدنهُ*في السحب من افق العلا جوزاؤُهُ
لفضيلة العلامة السيد محمد نجل حجة الإسلام آية الله السيد جمال الهاشمي أدام الله ظله :
سار يطوي القفار سهلا ونجــدا*ويحث الركــاب رملا ووخــدا
بعثتــه رسالــة الحـق وحياً*فيه ركب الحياة يحــدى ويُهـدى
يتحدّى التاريـخ فــردا بعــزم*فار غيظــا على الزمـان وحقدا
أيزيد يقــود قافلــة الديــن*إلى أين أيهــا الركـب تُحدى ؟!
أترى يترك الحميّــا ، وقد شبّ*عليها وشـاب حبــا ووجــدا ؟
عاشـر القــرد في صباه إلى أنْ*عاد في الطبع والشمائـل قــردا
وأراد « ابن هند » أن يمحق الدين*ويعـلــى بــه يعوقــا وودا
( 179 )
فارتضـاه للمسلميــن إمــامــا*مستجـاراً وحاكمــا مستبــــدا
وهنــا ثارت العقيــدة بركانــا*وفارت حقـدا يصلصــل وقــدا
صهرتهــا روح الحسيــن نشيدا*ردّدتــه القــورن فخـرا ومجدا
وتحلى بلحنــه « ابن عقيــل »*وتحدّى النظــام هدمــا ونقــدا
وسرى في القفار يهتـف : عــاش الديـن فـي موكــب الحسيــن لنفدى
نثر اُلح فـي الرمــال ففاضــت*ربوات الصحــراء وردا ورنــدا
كوفة الجنــد قابلتــه بــروح*تــتــنــدى لـــه ولاء وودا
وهي مهـد الهــوى لآل علــي*فجديــر بــأن تجــدد عهــدا
أرسول الحبيـب يأتــي بشيــرا*باللقــا فلتـذب هنــاء وسعــدا
ولتبايـع يـد الحسيــن وتُعلــي*ذكره في الجموع مدحــا وحمــدا
ولتعش جمـرة العقيــدة والـروح*لتـصـفــو لهـا المــوارد وردا
ومشت في القلوب موجـة إيمــان*غدت تغمــر الجماهيــر بمــدا
رفعـت للجهــاد ألويـة المـوت*وسارت بهـا المواكــب حشــدا
قررت أن تلفّها الحــرب أو تنشر*مـن حكمـهـا علـى الدهــر بندا
واغتـدى « مسلم » يعبّئ جيشــا*علويّـا يفيــض بأســا ونجــدا
وأثارت « يزيد » احداث « كوفان »*وماجــت « دمشـق » برقا ورعدا
وأشار الخنـا إلــى « ابن زياد »*أن يديــر الأمــور حـلا وعقـدا
فسعى مفــردا لكوفــان لكــن*كــان من خبثــه يسايــر جندا
أنكرتْـه العيــون لمــا تـرآى*سيدا ، وهي فيـه تبصــر عبــدا
وكما رامــه « يزيــد » أدار الوضــع في حزمــه وعيــدا ووعــدا
وتلاشى التيار ، فا « لمسجـد الأعظــمُ » قد بات فيــه « مسلــم » فردا
خانه الدهر ، فالجماهيـر راحــت*تتنائــى عنـه شيـوخــا ومُـردا
ومشى يقطــع الشـوارع حتــى*كـل من سيــره مراحــا ومغـدى
وتسامت أمجاد « طوعـة » لمــا*ضافهـا « مسلـم » عيــاء وجهـدا
وأتته أنصــاره وهـي أعــداء*تـردّت مــن الخـزايــة بــردا
تبتغي منــه أن يبـايـع نغــلاً*أنكرتْـه الأصــلاب رسمـا وحـدا
فطوى جيشهـا الكثيـف بسيــف*يتلقـى الالــوف نثــرا وحصـدا
( 180 )
ذكرت فيه « عمه » ورأت في*يومه حلم أمسها قـد تبــدّى
غدرت فيه « بالأمان » ولولاهُ*لما أطفأت له الحــرب زندا
أدخلتْهُ « قصر الإمارة » ظمآناً*ولما يذق من المــاء بـردا
حاول النغلُ عجمُـهُ فــرآهُ*خشنا في فم الحـوادث صلدا
قطع البغي رأسه ورمـى الطغيــان جثمانــه انتقامــا وحقدا
رام إطفاء نــوره ، وهو نور الله هيهــات خـاب فألا وقصدا
ها هي الذكريـات تطفح منها*ظلمات القـرون نورا ورشدا
الخطيب الفاضل السيد صالح الحلي ـ رحمه الله ـ :
لو كان ينقـع للعليـل غليــل*فاض الفرات بمدمعي والنيــل
كيف السلـو وليس بعد مصيبة*ابن عقيل لي جلــد ولا معقول
خطب أصاب محمدا ووصيــه*لله خطب قـد أطــلّ جليــل
أفديه من قــاد شريعـة أحمد*بالنفس حيث الناصرون قليــل
حكم الإله بما جرى في مسلــمٍ*والله ليـس لحكمــه تبديــلُ
خذلوه وانقلبــوا إلى ابن سميةٍ*وعن ابن فاطمة يزيـد بديــل
آوتْه طوعـة مذ أتــاه والعدى*من حولــه عدوا عليـه تجول
فأحس منهـا إبنهـا بدخولهــا*في البيت أن البيت فيه دخيـل
فمضى إلى ابن زياد يسرع قائلا*بشرى الأمير فتى نماه عقيــلُ
فدعا الدعي جيوشه فتحزّبــتْ*يقفو على أثر القبيــل قبيــلُ
وأتت اليه فغاص في أوساطهـا*حتى تفلّت عرضُها والطــول
فكأنّه أسـد لجــوع شبولــه*في الغيــل أفلته عليهـا الغيلُ
يسطو بصارمه الصقيـل كأنـهُ*بطَلى الأعادي حدُّهُ مصقــول
حتى هوى بحفيرة صنعت لــه*أهوتْ عليه أسنّـةٌ ونصــولُ
فاستخرجوهُ مثخنـاً بجراحــهِ*والجسم من نزف الدمـاء نحيلُ
سلْ ما جرى جملاً من أعلا البنا*فقليله لم يحصــهِ التفصيــلُ
قتلوه ثم رموه من أعلا البنــا*وعلى الثرى سحبوه وهو قتيـلُ
ربطوا برجليه الحبال ومثّلــوا*فيه فليت أصابنــي التمثيــلُ
( 181 )
مذ فاجأ الناعي الحسين علتْ على*فقدان مسلـم رنّــةٌ وعويــلُ
وله ابنةٌ مسح الحسيــن برأسها*اليتمُ مسح الرأس فيــه دليـلُ
لما أحسّتْ يتمها صرخت الايــا*والدي حزنــي عليــك طويلُ
قال الحسين : أنـا زعيم بعــده*لا تحزنــي وأب لك وكفيــل
قد مات والدهــا فأملت البقــا*في العم لكـن فاتها المأمولُ (12)
للطبيب الحاذق الأديب الشيخ محد الخليلي :
إن كنت تحـزن لادكــار قتيــل*فاحزن لذكرى « مسلــم بن عقيل »
واجزع لنازلـة بخـيــر مفضـل*أبكى عيــون الفضـل والتنزيــل
واندب قتيلا ما انجلى ليل الوغــى*أبدا لـه عــن مشبــه وبديــلِ
هو ليث غالب « مسلم » من أسلمت*مهج العـدى لفرنــده المصقــولِ
شهم تحـدّر من سلالــة هاشــم*خيــر البيوت علا وخيــر قبيـل
متفرّعا عـن دوحــة مضريــةٍ*تُنمى لأصلٍ في الفخــار أصيــلِ
***
أم العــراق مبلغــا برسالــة*أكـرم بمرسلــه وبالمرســول
وأتى إلـى كوفــان ينقذ أمــة*طلبت اغاثتهــم على تعجيــل
فاكتضّ مسجدها بهم وعلت بــه*أصـواتهــم بالحمد والتهليــل
وتقاطروا مثل الفـراش تهافتــاً*طلبا لبيعتــه علـى التنزيــلِ
يفدونه بنفيسهــم والنفــس لا*يبغون دون رضــاه أي بديــل
باتوا وبـات مؤمّلا للنصــر من*أشباحهم يـا خيبــة المأمــولِ
لكنهم ما أصبحــوا حتى غــدا*في مصرهم لا يهتـدي لسبيــلِ
خذلوه إذ عدلوا إلى « ابن سمية »*واستبدلــوا الإرشــاد بالتضليلِ
وتجمّعــوا لقتالــه من بعد ما*عرفوه للإرشــاد خيــر دليـل
وأتوه منفردا بمنزل « طوعـة »*وقلوبهم تغلـى بنــاد ذحــول
فغدا يفــرق جمعهـم ويجنـدلُ*الأبطال في عــزم له مسلــولِ
____________
12) من مجموعة الخطيب الأستاذ الشيخ مسلم الشيخ محمد علي الجابريّ.
( 182 )
ورأوا به بطلا إذا نكل العــدى*عنه فرارا فهو غيـر نكــولِ
يلقى الكمـيّ بعزمــةٍ مضريّةٍ*إجمالهــا يغني عـن التفصيل
إن صال أرجعهم على أعقابهـم*في بطش ليث في الرخام صئول
فغدت فلول الهاربين لخوفهــا*تطأ الشريد بأرجـل وخيــولِ
***
حتى إذا كضّ الظما أحشــاءهُ*و بدد دماء تسيل أي مسيــلِ
وافوه غدرا بالأمان وخدعــة*منهم فلم يخضع خضوع ذليـلِ
لكنهم حفروا الحفيـرة غيلــةً*فهوى بها كالليث جنب الغيـلِ
وتكاثروا فيها عليـه فأفقــدوا*يمناه خيــر مهنّد وصقيــلِ
وأتوا به قصــر الإمارة مثخناً*بجراحـه ومقيــدا بكبــولِ
فغدا يقارعـه الزنيــم عداوةً*ويغيضــه سبّا بأقبح قيــل
ودعا ابن حمران به ولسانــهُ*لهـج بذكــر الله والتهليــلِ
ما بان رأسا كان يرفعه الابــا*عن جسم خير مزمل مقتــولِ
ورماه من أعلا البناء إلى الثرى*كالطود إذ يهوى لبطن رمـولِ
فقضى شهيدا في مواطن غربةٍ*متضرّجاً بنجيعـهِ المطلــولِ
***
وأتى الحسين السبط مؤلم لغيه*فدهاه في خطــب هناك جليل
فبكاه مفجــوع الفـؤاد بفقده*حزنا سليل المصطفـى المرسلِ
وغدتْ تزيدُ النوح صفوةُ أحمد*لمصابــهِ في رنّةٍ وعويــلِ
للخطيب التقي السيد مهدي الأعرجيّ النجفيّ (13) :
هذى مرابعهــم فحي وسلم*واعقـل وقف فيها وقوف متيّمِ
وانشد فؤادا ضاع مني عندها*بين الدكاك فالربـى فالعليــمِ
أيام كان العيش حلـو طعمه*والعيش في اللذات حلو المطعمِ
والراح يجلوها الهـلال كأنها*شمل لندمان كمثـلِ الأنجــمِ
____________
13) نقلتها من كتاب « سوانح الأفكار في منتخب الأشعار » للخطيب الأستاذ السيد محمد جواد شبر.
( 183 )
والشمل ملتئــم بكــل مهفهف*غنج غرير الطـرف حلو المبسمِ
والدهر بايعنا وأعطانـا علــى*أن لا يخون بنـا يد المستسلــم
واليوم خــان بنا فشتّتنــا كما*خانت بنو صخر ببيعة « مسلم »
لم أنسه بين العـدى وجبينــه*كالبدر في ليل العجــاجِ المظلمِ
أفديهِ من بطلٍ مهيب إن سطــا*لفّ الجموع مؤخــرا بمقــدّمِ
شهم نمته إلى البسالـة هاشــمٌ*والشبل للأسدِ المجــرب ينتمي
ولدتــه آبــاء مياميــن ولا*تلدُ الأراقم قط غيــر الأرقــمِ
حتى إذا ما أثخنــوه بالضبــا*ضربا وفي وسط الحفيرة قد رُمي
جاؤا إلى ابن زياد فيه فمـذْ رأى*للقصر قد وافــه غير مسلــم
قال اصعدوا للقصر وارموا جسمهُ*ومن الوريدين اخضبوه بالــدم
صعدوا به للقصـر وهـو مكبّل*تجري دماه من الجـوارح والفـمِ
قتلــوه ظام لم يبــلّ فــؤادَهُ*أفديه من ظام الحشـا متضــرّمِ
دفعوه من أعلا الطمار إلى الثرى*فتكسرت منه حنايــا الأعظـم