بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار (علیهم السلام) جلد 061

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار (علیهم السلام) - جلد 061

محمد باقر المجلسی؛ مصححین: یحیی عابدی الزنجانی، عبدالرحیم الریانی الشیرازی، السید ابراهیم المیانجی، محمد باقر البهبودی، عبدالزهراء العلوی، سید کاظم الموسوی المیاموی، محمد تقی المصباح الیزدی، علی اکبر الغفاری، محمد مهدی السید حسن الموسوی الخرسان

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ص: 61
جَمِيعاً وَ كُلُّهَا لَا يُرَى مِنْهَا إِذَا مَاتَتْ‏ «1» إِلَّا الْوَاحِدُ بَعْدَ الْوَاحِدِ يَصِيدُهُ قَانِصٌ وَ يَفْتَرِسُهُ سَبُعٌ فَإِذَا أَحَسُّوا بِالْمَوْتِ كَمَنُوا «2» فِي مَوَاضِعَ خَفِيَّةٍ فَيَمُوتُونَ فِيهَا وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَامْتَلَأَتِ الصَّحَارِي مِنْهَا حَتَّى تَفْسُدَ رَائِحَةُ الْهَوَاءِ وَ يُحْدَثَ الْأَمْرَاضُ وَ الْوَبَاءُ فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي يَخْلُصُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَ عَمِلُوهُ بِالتَّمْثِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي مُثِّلَ لَهُمْ كَيْفَ جُعِلَ طَبْعاً وَ فِي الْبَهَائِمِ وَ غَيْرِهَا ادِّكَاراً لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ مَعَرَّةِ مَا «3» يُحْدَثُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَ الْفَسَادِ فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِي الْفَطَنِ الَّتِي جُعِلَتْ فِي الْبَهَائِمِ لِمَصْلَحَتِهَا بِالطَّبْعِ وَ الْخِلْقَةِ لُطْفاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمْ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ نِعَمِهِ جَلَّ وَ عَزَّ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا بِعَقْلٍ وَ رَوِيَّةٍ فَإِنَّ الْأُيَّلَ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ فَيَعْطَشُ عَطَشاً شَدِيداً فَيَمْتَنِعُ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَدِبَّ السَّمُّ فِي جِسْمِهِ فَيَقْتُلَهُ وَ يَقِفُ عَلَى الْغَدِيرِ وَ هُوَ مَجْهُودٌ عَطَشاً فَيَعِجُّ عَجِيجاً عَالِياً وَ لَا يَشْرَبُ مِنْهُ وَ لَوْ شَرِبَ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فَانْظُرْ إِلَى مَا جُعِلَ مِنْ طِبَاعِ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ مِنْ تَحَمُّلِ الظَّمَاءِ الْغَالِبِ خَوْفاً مِنَ الْمَضَرَّةِ فِي الشُّرْبِ وَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكَادُ الْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ يَضْبِطُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَ الثَّعْلَبَ إِذَا أَعْوَزَهُ الطُّعْمُ تَمَاوَتَ وَ نَفَخَ بَطْنَهُ حَتَّى يَحْسَبَهُ الطَّيْرُ مَيِّتاً فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِتَنْهَشَهُ وَثَبَ عَلَيْهَا فَأَخَذَهَا فَمَنْ أَعَانَ الثَّعْلَبَ الْعَدِيمَ النُّطْقِ وَ الرَّوِيَّةِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إِلَّا مَنْ تَوَكَّلَ بِتَوْجِيهِ الرِّزْقِ لَهُ مِنْ هَذَا وَ شِبْهِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الثَّعْلَبُ يَضْعُفُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَقْوَى عَلَيْهِ السِّبَاعُ مِنْ مُسَاوَرَةِ الصَّيْدِ أُعِينَ بِالدَّهَاءِ «4» وَ الْفِطْنَةِ وَ الِاحْتِيَالِ لِمَعَاشِهِ وَ الدُّلْفِينَ يَلْتَمِسُ صَيْدَ الطَّيْرِ فَيَكُونُ حِيلَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ السَّمَكَ فَيَقْتُلَهُ وَ يَشْرَحَهُ‏ «5» حَتَّى يَطْفُوَ عَلَى‏
______________________________
(1) في كتاب التوحيد: و كلها لا يرى منها شي‏ء إذا ماتت.
(2) أي تواروا و اختفوا.
(3) المعرة: الاذى.
(4) الدهاء: جودة الرأى و الحذق. المكر و الاحتيال.
(5) شرح اللحم: قطعه قطعا طوالا.

ص: 62
الْمَاءِ ثُمَّ يَكْمُنُ تَحْتَهُ وَ يُثَوِّرُ الْمَاءَ الَّذِي عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ شَخْصُهُ فَإِذَا وَقَعَ الطَّيْرُ عَلَى السَّمَكِ الطَّافِي وَثَبَ إِلَيْهَا فَاصْطَادَهَا فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ كَيْفَ جُعِلَتْ طَبْعاً فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ لِبَعْضِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ خَبِّرْنِي يَا مَوْلَايَ عَنِ التِّنِّينِ وَ السَّحَابِ فَقَالَ ع إِنَّ السَّحَابَ كَالْمُوَكَّلِ بِهِ يَخْتَطِفُهُ حَيْثُمَا ثَقِفَهُ كَمَا يَخْتَطِفُ حَجَرُ الْمِغْنَاطِيسِ الْحَدِيدَ فَهُوَ لَا يَطْلُعُ رَأْسَهُ فِي الْأَرْضِ خَوْفاً مِنَ السَّحَابِ وَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي الْقَيْظِ مَرَّةً إِذَا سحت [صَحَتِ‏] السَّمَاءُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا نُكْتَةٌ مِنْ غَيْمَةٍ قُلْتُ فَلِمَ وَكَّلَ السَّحَابَ بِالتِّنِّينِ يَرْصُدُهُ وَ يَخْتَطِفُهُ إِذَا وَجَدَهُ قَالَ لِيَدْفَعَ عَنِ النَّاسِ مَضَرَّتَهُ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ قَدْ وَصَفْتَ لِي يَا مَوْلَايَ مِنْ أَمْرِ الْبَهَائِمِ مَا فِيهِ مُعْتَبَرٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ فَصِفْ لِيَ الذَّرَّةَ «1» وَ النَّمْلَ وَ الطَّيْرَ فَقَالَ ع يَا مُفَضَّلُ تَأَمَّلْ وَجْهَ الذَّرَّةِ الْحَقِيرَةِ الصَّغِيرَةِ هَلْ تَجِدُ فِيهَا نَقْصاً عَمَّا فِيهِ صَلَاحُهَا فَمِنْ أَيْنَ هَذَا التَّقْدِيرُ وَ الصَّوَابُ فِي خَلْقِ الذَّرَّةِ إِلَّا مِنَ التَّدْبِيرِ الْقَائِمِ فِي صَغِيرِ الْخَلْقِ وَ كَبِيرِهِ انْظُرْ إِلَى النَّمْلِ وَ احْتِشَادِهَا فِي جَمْعِ الْقُوتِ وَ إِعْدَادِهِ فَإِنَّكَ تَرَى الْجَمَاعَةَ مِنْهَا إِذَا نَقَلَتِ الْحَبَّ إِلَى زُبْيَتِهَا بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ يَنْقُلُونَ الطَّعَامَ أَوْ غَيْرَهُ بَلْ لِلنَّمْلِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْجِدِّ وَ التَّشْمِيرِ مَا لَيْسَ لِلنَّاسِ مِثْلُهُ أَ مَا تَرَاهُمْ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى النَّقْلِ كَمَا يَتَعَاوَنُ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ ثُمَّ يَعْمِدُونَ إِلَى الْحَبِّ فَيُقَطِّعُونَهُ قِطَعاً لِكَيْلَا يَنْبُتَ فَيَفْسُدَ عَلَيْهِمْ‏ «2» فَإِنْ أَصَابَهُ نَدًى أَخْرَجُوهُ فَنَشَرُوهُ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ لَا يَتَّخِذُ النَّمْلُ الزُّبْيَةَ «3» إِلَّا فِي نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ كَيْ لَا يُفِيضَ السَّيْلُ فَيُغْرِقَهَا «4» فَكُلُّ هَذَا مِنْهُ بِلَا عَقْلٍ‏
______________________________
(1) الذرة: النملة الصغيرة الحمراء.
(2) و يقطع الكسفرة و يقسمها ارباعا لما الهم من ان نصفها أيضا ينبت.
(3) الزبية بالضم: الحفرة.
(4) قال الدميرى: يحفر قريته بقوائمه و هي ست، فإذا حفرها جعل فيها تعاريج لئلا يجرى إليها ماء المطر، و ربما اتخذ قرية فوق قرية بسبب ذلك، و انما يفعل ذلك خوفا على ما يدخره من البلل، و من عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض و فيها منازل و دهاليز و غرف و طبقات معلقة يملؤها حبوبا و ذخائر للشتاء.

ص: 63
وَ لَا رَوِيَّةٍ بَلْ خِلْقَةٌ خُلِقَ عَلَيْهَا لِمَصْلَحَةٍ لُطْفاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ اللَّيْثُ وَ تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ أَسَدَ الذُّبَابِ وَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْحِيلَةِ وَ الرِّفْقِ فِي مَعَاشِهِ فَإِنَّكَ تَرَاهُ حِينَ يُحِسُّ بِالذُّبَابِ قَدْ وَقَعَ قَرِيباً مِنْهُ تَرَكَهُ مَلِيّاً حَتَّى كَأَنَّهُ مَوَاتٌ لَا حَرَاكَ بِهِ فَإِذَا رَأَى الذُّبَابَ قَدِ اطْمَأَنَّ وَ غَفَلَ عَنْهُ دَبَّ دَبِيباً دَقِيقاً «1» حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَنَالُهُ وَثْبُهُ ثُمَّ يَثِبُ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ فَإِذَا أَخَذَهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ بِجِسْمِهِ كُلِّهِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهُ فَلَا يَزَالُ قَابِضاً عَلَيْهِ حَتَّى يُحِسَّ بِأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ وَ اسْتَرْخَى ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِ فَيَفْتَرِسُهُ وَ يَحْيَا بِذَلِكَ مِنْهُ فَأَمَّا الْعَنْكَبُوتُ فَإِنَّهُ يَنْسِجُ ذَلِكَ النَّسْجَ فَيَتَّخِذُهُ شَرَكاً وَ مَصْيَدَةً لِلذُّبَابِ ثُمَّ يَكْمُنُ فِي جَوْفِهِ فَإِذَا نَشِبَ‏ «2» فِيهِ الذُّبَابُ أَحَالَ‏ «3» عَلَيْهِ يَلْدَغُهُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَيَعِيشُ بِذَلِكَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ يُحْكَى صَيْدُ الْكِلَابِ وَ النُّهُودِ وَ هَكَذَا يُحْكَى صَيْدُ الْأَشْرَاكِ وَ الْحَبَائِلِ فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الدُّوَيْبَةِ الضَّعِيفَةِ كَيْفَ جَعَلَ طَبْعَهَا مَا لَا يَبْلُغُهُ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِالْحِيلَةِ وَ اسْتِعْمَالِ آلَاتٍ فِيهَا فَلَا تَزْدَرِ «4» بِالشَّيْ‏ءِ إِذَا كَانَتِ الْعِبْرَةُ فِيهِ وَاضِحَةً كَالذَّرَّةِ وَ النَّمْلَةِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْنَى النَّفِيسَ قَدْ يُمَثَّلُ بِالشَّيْ‏ءِ الْحَقِيرِ فَلَا يَضَعُ مِنْهُ‏ «5» ذَلِكَ كَمَا لَا يَضَعُ مِنَ الدِّينَارِ وَ هُوَ مِنْ ذَهَبٍ أَنْ يُوزَنَ بِمِثْقَالٍ مِنْ حَدِيدٍ تَأَمَّلْ يَا مُفَضَّلُ جِسْمَ الطَّائِرِ وَ خِلْقَتَهُ فَإِنَّهُ حِينَ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ طَائِراً فِي‏
______________________________
(1) في المخطوطة: دب دبيبا رقيقا.
(2) نشب فيه: وقع فيما لا مخلص منه.
(3) احال عليه: اقبل، و في كتاب التوحيد «اجال عليه» أي اداره، و يحتمل أن يكون مصحفا.
(4) هكذا في النسخ و الظاهر أنّه مصحف «فلا تزدرأ» حيث قال المصنّف في تفسير الحديث في كتاب التوحيد الازدراء: الاحتقار.
(5) أي لا ينقص من قدر المعنى النفيس تمثيله بالشي‏ء الحقير، قال الفيروزآبادي:
وضع عنه: حط من قدره.

ص: 64
الْجَوِّ خُفِّفَ جِسْمُهُ وَ أُدْمِجَ خَلْقُهُ فَاقْتَصَرَ بِهِ مِنَ الْقَوَائِمِ الْأَرْبَعِ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَ مِنَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ عَلَى أَرْبَعٍ وَ مِنْ مَنْفَذَيْنِ لِلزِّبْلِ وَ الْبَوْلِ عَلَى وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمَا ثُمَّ خُلِقَ ذَا جُؤْجُؤٍ مُحَدَّدٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرِقَ الْهَوَاءَ كَيْفَ مَا أَخَذَ فِيهِ كَمَا جُعِلَ السَّفِينَةُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ لِتَشُقَّ الْمَاءَ وَ تَنْفُذَ فِيهِ وَ جُعِلَ فِي جَنَاحَيْهِ وَ ذَنَبِهِ رِيشَاتٌ طِوَالٌ مِتَانٌ لِيَنْهَضَ بِهَا لِلطَّيَرَانِ وَ كُسِيَ كُلُّهُ الرِّيشَ لِيُدَاخِلَهُ الْهَوَاءُ فَيُقِلَّهُ وَ لَمَّا قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ طُعْمُهُ الْحَبَّ وَ اللَّحْمَ يَبْلَعُهُ بَلْعاً بِلَا مَضْغٍ نُقِصَ مِنْ خَلْقِهِ الْأَسْنَانُ وَ خُلِقَ لَهُ مِنْقَارٌ صُلْبٌ جَاسٍ يَتَنَاوَلُ بِهِ طُعْمَهُ فَلَا ينسجح [يَنْسَحِجُ‏] مِنْ لَقْطِ الْحَبِّ وَ لَا يَتَقَصَّفُ مِنْ نَهْشِ اللَّحْمِ وَ لَمَّا عَدِمَ الْأَسْنَانَ وَ صَارَ يَزْدَرِدُ الْحَبَ‏ «1» صَحِيحاً وَ اللَّحْمَ غَرِيضاً أُعِينَ بِفَضْلِ حَرَارَةٍ فِي الْجَوْفِ تَطْحَنُ لَهُ الطُّعْمَ طَحْناً يَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ الْمَضْغِ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَجَمَ الْعِنَبِ وَ غَيْرِهِ يَخْرُجُ مِنْ أَجْوَافِ الْإِنْسِ صَحِيحاً وَ يُطْحَنُ فِي أَجْوَافِ الطَّيْرِ لَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ ثُمَّ جُعِلَ مِمَّا يَبِيضُ بَيْضاً وَ لَا يَلِدُ وِلَادَةً لِكَيْلَا يَثْقُلَ عَنِ الطَّيَرَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْفِرَاخُ فِي جَوْفِهِ تَمْكُثُ حَتَّى تَسْتَحْكِمَ لَأَثْقَلَتْهُ وَ عَاقَتْهُ عَنِ النُّهُوضِ وَ الطَّيَرَانِ فَجُعِلَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ مُشَاكِلًا لِلْأَمْرِ الَّذِي قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ صَارَ الطَّائِرُ السَّائِحُ فِي هَذَا الْجَوِّ يَقْعُدُ عَلَى بَيْضِهِ فَيَحْضُنُهُ أُسْبُوعاً وَ بَعْضُهَا أُسْبُوعَيْنِ وَ بَعْضُهَا ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ حَتَّى يَخْرُجَ الْفَرْخُ مِنَ الْبَيْضَةِ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِ فَيَزُقُّهُ الرِّيحَ لِتَتَّسِعَ حَوْصَلَتُهُ لِلْغِذَاءِ ثُمَّ يُرَبِّيهِ وَ يُغَذِّيهِ بِمَا يَعِيشُ بِهِ فَمَنْ كَلَّفَهُ أَنْ يَلْقُطَ الطُّعْمَ وَ يَسْتَخْرِجَهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي حَوْصَلَتِهِ وَ يَغْذُوَ بِهِ فِرَاخَهُ وَ لِأَيِّ مَعْنًى يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَشَقَّةَ وَ لَيْسَ بِذِي رَوِيَّةٍ وَ لَا تَفَكُّرٍ وَ لَا يَأْمُلُ فِي فِرَاخِهِ مَا يَأْمُلُ الْإِنْسَانُ فِي وَلَدِهِ مِنَ الْعِزِّ وَ الرِّفْدِ «2» وَ بَقَاءِ الذِّكْرِ فَهَذَا مِنْ فِعْلٍ يَشْهَدُ «3» بِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى فِرَاخِهِ لَعَلَّهُ لَا يَعْرِفُهَا وَ لَا يُفَكِّرُ فِيهَا وَ هِيَ دَوَامُ النَّسْلِ وَ بَقَاؤُهُ لُطْفاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏
______________________________
(1) أي يبتلعه.
(2) في كتاب التوحيد من البحار: «فهذا هو فعل يشهد» و في نسخة: فهذا من فعله يشهد.
(3) الرفد: النصيب. المعاونة.

ص: 65
انْظُرْ إِلَى الدَّجَاجَةِ كَيْفَ تُهَيَّجُ لِحِضْنِ الْبَيْضِ وَ التَّفْرِيخِ وَ لَيْسَ لَهَا بَيْضٌ مُجْتَمَعٌ وَ لَا وَكْرٌ «1» مُوَطَّأٌ بَلْ تَنْبَعِثُ وَ تَنْتَفِخُ وَ تُقَوْقِي وَ تَمْتَنِعُ مِنَ الطُّعْمِ حَتَّى يُجْمَعَ لَهَا الْبَيْضُ فَتَحْضُنُهُ فَتُفَرِّخُ فَلِمَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَّا لِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَ مَنْ أَخَذَهَا بِإِقَامَةِ النَّسْلِ وَ لَا رَوِيَّةَ وَ لَا تَفَكُّرَ لَوْ لَا أَنَّهَا مَجْبُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ اعْتَبِرْ بِخَلْقِ الْبَيْضَةِ وَ مَا فِيهَا مِنَ الْمُحِ‏ «2» الْأَصْفَرِ الْخَاثِرِ وَ الْمَاءِ الْأَبْيَضِ الرَّقِيقِ فَبَعْضُهُ لِيُنْشَرَ مِنْهُ الْفَرْخُ وَ بَعْضُهُ لِيُغَذَّى‏ «3» بِهِ إِلَى أَنْ تَنْقَابَ عَنْهُ الْبَيْضَةُ وَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ نَشْوُ الْفَرْخِ فِي تِلْكَ الْقِشْرَةِ الْمُسْتَحْصَنَةِ «4» الَّتِي لَا مَسَاغَ لِشَيْ‏ءٍ إِلَيْهَا لَجُعِلَ مَعَهُ فِي جَوْفِهَا مِنَ الْغِذَاءِ مَا يَكْتَفِي بِهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهَا كَمَنْ يُحْبَسُ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ‏ «5» لَا يُوصَلُ إِلَى مَنْ فِيهِ فَيُجْعَلُ مَعَهُ مِنَ الْقُوتِ مَا يَكْتَفِي بِهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَكِّرْ فِي حَوْصَلَةِ الطَّائِرِ وَ مَا قُدِّرَ لَهُ فَإِنَّ مَسْلَكَ الطُّعْمِ إِلَى الْقَانِصَةِ «6» ضَيِّقٌ لَا يَنْفُذُ فِيهِ الطَّعَامُ إِلَّا قَلِيلًا قَلِيلًا فَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ لَا يَلْقُطُ حَبَّةً ثَانِيَةً حَتَّى تَصِلَ الْأُولَى الْقَانِصَةَ لَطَالَ عَلَيْهِ وَ مَتَى كَانَ يَسْتَوْفِي طُعْمَهُ فَإِنَّمَا يَخْتَلِسُهُ اخْتِلَاساً لِشِدَّةِ الْحَذَرِ فَجُعِلَتِ الْحَوْصَلَةُ كَالْمِخْلَاةِ الْمُعَلَّقَةِ أَمَامَهُ لِيُوعِيَ‏ «7» فِيهَا مَا أَدْرَكَ مِنَ الطُّعْمِ بِسُرْعَةٍ ثُمَّ تُنْفِذُهُ إِلَى الْقَانِصَةِ عَلَى مَهْلٍ وَ فِي الْحَوْصَلَةِ أَيْضاً خَلَّةٌ أُخْرَى فَإِنَّ مِنَ الطَّائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَزُقَّ فِرَاخَهُ فَيَكُونُ رَدُّهُ لِلطُّعْمِ مِنْ قُرْبٍ أَسْهَلَ عَلَيْهِ‏
______________________________
(1) الوكر بفتح الواو و سكون الكاف: عش الطائر.
(2) في نسخه: «المخ» بالخاء المعجمة. و قال الأصمعى: اخثرت الزبد: تركته خاثرا، و ذلك إذا لم تذبه.
(3) في نسخة: ليغتذى.
(4) في نسخة: المستحسفة.
(5) في النسخة المخطوطة و في كتاب التوحيد من البحار: فى حبس حصين.
(6) القانصة للطير: كالمعدة للإنسان.
(7) اوعى الزاد: جعله في الوعاء.

ص: 66
قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ إِنَّ قَوْماً مِنَ الْمُعَطِّلَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَشْكَالِ فِي الطَّيْرِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ قِبَلِ امْتِزَاجِ أَخْلَاطٍ وَ اخْتِلَافِ مَقَادِيرِهَا بِالْمَرَجِ‏ «1» وَ الْإِهْمَالِ فَقَالَ يَا مُفَضَّلُ هَذَا الْوَشْيُ‏ «2» الَّذِي تَرَاهُ فِي الطَّوَاوِيسِ وَ الدُّرَّاجِ وَ التَّدَارِجِ‏ «3» عَلَى اسْتِوَاءٍ وَ مُقَابَلَةٍ كَنَحْوِ مَا يُخَطُّ بِالْأَقْدَامِ كَيْفَ يَأْتِي بِهِ الِامْتِزَاجُ‏ «4» الْمُهْمَلُ عَلَى شَكْلٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ وَ لَوْ كَانَ بِالْإِهْمَالِ لَعَدِمَ الِاسْتِوَاءَ وَ لَكَانَ مُخْتَلِفاً تَأَمَّلْ رِيشَ الطَّيْرِ كَيْفَ هُوَ فَإِنَّكَ تَرَاهُ مَنْسُوجاً كَنَسْجِ الثَّوْبِ مِنْ سُلُوكٍ‏ «5» دِقَاقٍ قَدْ أُلِّفَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ كَتَأْلِيفِ الْخَيْطِ إِلَى الْخَيْطِ وَ الشَّعْرَةِ إِلَى الشَّعْرَةِ ثُمَّ تَرَى ذَلِكَ النَّسْجَ إِذَا مَدَدْتَهُ يَنْفَتِحُ قَلِيلًا وَ لَا يَنْشَقُّ لِتُدَاخِلَهُ الرِّيحُ فَيَقِلَّ الطَّائِرُ إِذَا طَارَ وَ تَرَى فِي وَسَطِ الرِّيشَةِ عَمُوداً غَلِيظاً مَتِيناً قَدْ نُسِجَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الشَّعْرِ لِيُمْسِكَهُ بِصَلَابَتِهِ وَ هُوَ الْقَصَبَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ الرِّيشَةِ وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ أَجْوَفُ لِيَخِفَّ عَلَى الطَّائِرِ وَ لَا يَعُوقَهُ عَنِ الطَّيَرَانِ هَلْ رَأَيْتَ يَا مُفَضَّلُ هَذَا الطَّائِرَ الطَّوِيلَ السَّاقَيْنِ وَ عَرَفْتَ مَا لَهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ فِي طُولِ سَاقَيْهِ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ ذَلِكَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ الْمَاءِ فَتَرَاهُ بِسَاقَيْنِ طَوِيلَيْنِ كَأَنَّهُ رَبِيئَةٌ فَوْقَ مَرْقَبٍ وَ هُوَ يَتَأَمَّلُ مَا يَدِبُّ فِي الْمَاءِ فَإِذَا رَأَى شَيْئاً مِمَّا يَتَقَوَّتُ بِهِ خَطَا خُطُوَاتٍ‏
______________________________
(1) قال المصنّف: المرج بالتحريك: الفساد و الاضطراب و الاختلاط، و في بعض النسخ بالزاى المعجمة، و الأول أظهر.
(2) الوشى: نقش الثوب و يكون من كل لون.
(3) التدرج و التذرج: طائر حسن الصورة ارقش طويل الذنب، و الجمع تدارج، و أوردنا كلام الدميرى في كتاب التوحيد راجع ج 3: 105.
(4) أراد عليه السلام بالامتزاج الطبيعة التي يقولها القائلون باستناد الموجودات إليها في زماننا هذا.
(5) السلوك جمع السلك و هو جمع السلكة بالكسر: الخيط يخاط بها.

ص: 67
رَقِيقاً «1» حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ وَ لَوْ كَانَ قَصِيرَ السَّاقَيْنِ وَ كَانَ يَخْطُو نَحْوَ الصَّيْدِ لِيَأْخُذَهُ يُصِيبُ بَطْنُهُ الْمَاءَ فَيَثُورُ وَ يُذْعَرُ «2» مِنْهُ فَيَتَفَرَّقُ عَنْهُ فَخُلِقَ لَهُ ذَلِكَ الْعَمُودَانِ لِيُدْرِكَ بِهِمَا حَاجَتَهُ وَ لَا يَفْسُدَ عَلَيْهِ مَطْلَبُهُ تَأَمَّلْ ضُرُوبَ التَّدْبِيرِ فِي خَلْقِ الطَّائِرِ فَإِنَّكَ تَجِدُ كُلَّ طَائِرٍ طَوِيلِ السَّاقَيْنِ طَوِيلَ الْعُنُقِ وَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَنَاوُلِ طُعْمِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَ لَوْ كَانَ طَوِيلَ السَّاقَيْنِ قَصِيرَ الْعُنُقِ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَ رُبَّمَا أُعِينَ مَعَ طُولِ الْعُنُقِ بِطُولِ الْمَنَاقِيرِ لِيَزْدَادَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ سُهُولَةً لَهُ وَ إِمْكَاناً أَ فَلَا تَرَى أَنَّكَ لَا تُفَتِّشُ شَيْئاً مِنَ الْخِلْقَةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ عَلَى غَايَةِ الصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ انْظُرْ إِلَى الْعَصَافِيرِ كَيْفَ تَطْلُبُ أُكُلَهَا بِالنَّهَارِ فَهِيَ لَا تَفْقِدُهُ وَ لَا هِيَ تَجِدُهُ مَجْمُوعاً مُعَدّاً بَلْ تَنَالُهُ بِالْحَرَكَةِ وَ الطَّلَبِ وَ كَذَلِكَ الْخَلْقُ كُلُّهُ فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ الرِّزْقَ كَيْفَ قَوَّتَهُ‏ «3» فَلَمْ يَجْعَلْ مِمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ إِذْ جَعَلَ لِلْخَلْقِ حَاجَةً إِلَيْهِ وَ لَمْ يَجْعَلْهُ مَبْذُولًا يَنَالُهُ‏ «4» بِالْهُوَيْنَا إِذَا كَانَ لَا صَلَاحَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ يُوجَدُ مَجْمُوعاً مُعَدّاً كَانَتِ الْبَهَائِمُ تَتَقَلَّبُ عَلَيْهِ وَ لَا تَتَقَلَّعُ عَنْهُ حَتَّى تَبْشَمَ فَتَهْلِكَ وَ كَانَ النَّاسُ أَيْضاً يَصِيرُونَ بِالْفَرَاغِ إِلَى غَايَةِ الْأَشَرِ وَ الْبَطَرِ حَتَّى يَكْثُرَ الْفَسَادُ وَ يَظْهَرَ الْفَوَاحِشُ أَ عَلِمْتَ مَا طُعْمُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنَ الطَّيْرِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ إِلَّا بِاللَّيْلِ كَمِثْلِ الْبُومِ وَ الْهَامِ‏ «5» وَ الْخُفَّاشِ قُلْتُ لَا يَا مَوْلَايَ‏
______________________________
(1) في نسخة: خطوات رقيقات.
(2) أي و يخاف منه.
(3) في نسخة: «كيف قدره» و في النسخة المخطوطة: كيف قدر.
(4) في نسخة: «ينال بالهوينا» أقول: الهوينا: التؤدة و الرفق و هي تصغير الهونى، و الهونى تأنيث الاهون.
(5) الهام جمع الهامة نوع من البوم الصغير تألف القبور و الاماكن الخربة و تنظر من كل مكان، اينما درت ادارت رأسها، و تسمى أيضا الصدى.

ص: 68
قَالَ إِنَّ مَعَاشَهَا مِنْ ضُرُوبٍ تَنْتَشِرُ فِي هَذَا الْجَوِّ مِنَ الْبَعُوضِ وَ الْفَرَاشِ وَ أَشْبَاهِ الْجَرَادِ وَ الْيَعَاسِيبِ وَ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الضُّرُوبَ مَبْثُوثَةٌ فِي الْجَوِّ لَا يَخْلُو مِنْهَا مَوْضِعٌ وَ اعْتَبِرْ ذَلِكَ بِأَنَّكَ إِذَا وَضَعْتَ سِرَاجاً بِاللَّيْلِ فِي سَطْحٍ أَوْ عَرْصَةِ دَارٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا شَيْ‏ءٌ كَثِيرٌ فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا مِنَ الْقُرْبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ يَأْتِي مِنَ الصَّحَارِي وَ الْبَرَارِي قِيلَ لَهُ كَيْفَ يُوَافِي تِلْكَ السَّاعَةَ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَ كَيْفَ يُبْصِرُ مِنْ ذَلِكَ الْبُعْدِ سِرَاجاً فِي دَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِالدُّورِ فَيَقْصِدُ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ عِيَاناً تَتَهَافَتُ عَلَى السِّرَاجِ‏ «1» مِنْ قُرْبٍ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مُنْتَشِرَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْجَوِّ فَهَذِهِ الْأَصْنَافُ مِنَ الطَّيْرِ تَلْتَمِسُهَا إِذَا خَرَجَتْ فَتَتَقَوَّتُ بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ وُجِّهَ الرِّزْقُ لِهَذِهِ الطُّيُورِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ إِلَّا بِاللَّيْلِ مِنْ هَذِهِ الضُّرُوبِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي الْجَوِّ وَ اعْرِفْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي خَلْقِ هَذِهِ الضُّرُوبِ الْمُنْتَشِرَةِ الَّتِي عَسَى أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهَا فَضْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ خُلِقَ الْخُفَّاشُ خِلْقَةً عَجِيبَةً بَيْنَ خِلْقَةِ الطَّيْرِ وَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ بَلْ هُوَ إِلَى ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَقْرَبُ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ ذُو أُذُنَيْنِ نَاشِزَتَيْنِ وَ أَسْنَانٍ وَ وَبَرٍ وَ هُوَ يَلِدُ وِلَاداً وَ يَرْضِعُ وَ يَبُولُ وَ يَمْشِي إِذَا مَشَى عَلَى أَرْبَعٍ‏ «2» وَ كُلُّ هَذَا خِلَافُ صِفَةِ الطَّيْرِ ثُمَّ هُوَ أَيْضاً مِمَّا يَخْرُجُ بِاللَّيْلِ وَ يَتَقَوَّتُ مِمَّا يَسْرِي فِي الْجَوِّ مِنَ الْفَرَاشِ وَ مَا أَشْبَهَهُ وَ قَدْ قَالَ الْقَائِلُونَ إِنَّهُ لَا طُعْمَ لِلْخُفَّاشِ وَ إِنَّ غِذَاءَهُ مِنَ النَّسِيمِ وَحْدَهُ وَ ذَلِكَ يَفْسُدُ وَ يَبْطُلُ مِنْ جِهَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا خُرُوجُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الثُّفْلِ وَ الْبَوْلِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ طُعْمٍ وَ الْأُخْرَى أَنَّهُ ذُو أَسْنَانٍ وَ لَوْ كَانَ لَا يَطْعَمُ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ لِلْأَسْنَانِ فِيهِ مَعْنًى وَ لَيْسَ فِي الْخِلْقَةِ شَيْ‏ءٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَ أَمَّا الْمَآرِبُ فِيهِ فَمَعْرُوفَةٌ حَتَّى أَنَّ زِبْلَهُ يَدْخُلُ فِي‏
______________________________
(1) أي تتساقط عليه و تتابع.
(2) و قال الدميرى: يحيض و يطهر و يضحك كما يضحك الإنسان.

ص: 69
بَعْضِ الْأَعْمَالِ‏ «1» وَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَرْبِ فِيهِ خِلْقَتُهُ الْعَجِيبَةُ الدَّالَّةُ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَ تَصَرُّفِهِ فِيمَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ لِضَرْبٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَأَمَّا الطَّائِرُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ تُمَّرَةَ فَقَدْ عَشَّشَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فِي بَعْضِ الشَّجَرِ فَنَظَرَ إِلَى حَيَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَ عُشِّهِ فَاغِرَةً «2» فَاهَا لِتَبْلَعَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتَقَلَّبُ وَ يَضْطَرِبُ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ مِنْهَا إِذْ وَجَدَ حَسَكَةً «3» فَحَمَلَهَا فَأَلْقَاهَا فِي فَمِ الْحَيَّةِ فَلَمْ تَزَلِ الْحَيَّةُ تَلْتَوِي وَ تَتَقَلَّبُ حَتَّى مَاتَتْ أَ فَرَأَيْتَ لَوْ لَمْ أُخْبِرْكَ بِذَلِكَ كَانَ يَخْطُرُ بِبَالِكَ أَوْ بِبَالِ غَيْرِكَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ حَسَكَةٍ مِثْلُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ الْعَظِيمَةِ أَوْ يَكُونُ مِنْ طَائِرٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةِ اعْتَبِرْ بِهَذَا وَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ تَكُونُ فِيهَا مَنَافِعُ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِحَادِثٍ يُحْدَثُ بِهِ وَ الْخَبَرِ يُسْمَعُ بِهِ‏ «4» انْظُرْ إِلَى النَّحْلِ وَ احْتِشَادِهِ فِي صَنْعَةِ الْعَسَلِ وَ تَهْيِئَةِ الْبُيُوتِ الْمُسَدَّسَةِ وَ مَا تَرَى فِي ذَلِكَ اجْتِمَاعَهُ مِنْ دَقَائِقِ الْفِطْنَةِ «5» فَإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْعَمَلَ رَأَيْتَهُ عَجِيباً لَطِيفاً وَ إِذَا رَأَيْتَ الْمَعْمُولَ وَجَدْتَهُ عَظِيماً شَرِيفاً مَوْقِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْفَاعِلِ أَلْفَيْتَهُ غَبِيّاً جَاهِلًا بِنَفْسِهِ فَضْلًا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ فَفِي هَذَا أَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ وَ الْحِكْمَةَ فِي هَذِهِ الصَّنْعَةِ لَيْسَتْ لِلنَّحْلِ بَلْ هِيَ لِلَّذِي طَبَعَهُ عَلَيْهَا وَ سَخَّرَهُ فِيهَا لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ انْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْجَرَادِ مَا أَضْعَفَهُ وَ أَقْوَاهُ فَإِنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ خَلْقَهُ رَأَيْتَهُ كَأَضْعَفِ‏
______________________________
(1) قال الدميرى: ان زبله إذا طلى به على القوابى قلعها، و ذكر لاجزائه الأخرى خواصا كثيرة. منها ان طبخ رأسه في اناء او حديد بدهن زنبق و يغمر فيه مرارا حتّى يتهرى و يصفى ذاك الدهن عنه و يدهن به صاحب النقرس و الفالج القديم و الارتعاش و التورم في الجسد فانه ينفعه ذلك و يبرئه.
(2) فغرفاه: فتحه.
(3) الحسك: نبات شائك.
(4) في التوحيد من البحار: او خبر يسمع به.
(5) في نسخة: و ما ترى في اجتماعه من دقائق الفطنة.

ص: 70
الْأَشْيَاءِ وَ إِنْ دَلَفَتْ‏ «1» عَسَاكِرُهُ نَحْوَ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَحْمِيَهُ مِنْهُ أَ لَا تَرَى أَنَّ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ لَوْ جَمَعَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ لِيَحْمِيَ بِلَادَهُ مِنَ الْجَرَادِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَ فَلَيْسَ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ أَنْ يَبْعَثَ أَضْعَفَ خَلْقِهِ إِلَى أَقْوَى خَلْقِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ انْظُرْ إِلَيْهِ كَيْفَ يَنْسَابُ‏ «2» عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلَ السَّيْلِ فَيُغْشِي السَّهْلَ وَ الْجَبَلَ وَ الْبَدْوَ وَ الْحَضَرَ حَتَّى يَسْتُرَ نُورَ الشَّمْسِ بِكَثْرَتِهِ فَلَوْ كَانَ مِمَّا يُصْنَعُ بِالْأَيْدِي مَتَى كَانَ يَجْتَمِعُ مِنْهُ هَذِهِ الْكَثْرَةُ وَ فِي كَمْ مِنْ سَنَةٍ كَانَ يَرْتَفِعُ فَاسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى الْقُدْرَةِ الَّتِي لَا «3» يَئُودُهَا شَيْ‏ءٌ وَ لَا يُكْثِرُ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ خَلْقَ السَّمَكِ وَ مُشَاكَلَتَهُ لِلْأَمْرِ الَّذِي قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ خُلِقَ غَيْرَ ذِي قَوَائِمَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمَشْيِ إِذَا كَانَ مَسْكَنُهُ الْمَاءَ وَ خُلِقَ غَيْرَ ذِي رِئَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَنَفَّسَ وَ هُوَ مُنْغَمِسٌ فِي اللُّجَّةِ «4» وَ جُعِلَتْ لَهُ مَكَانَ الْقَوَائِمِ أَجْنِحَةٌ شِدَادٌ يَضْرِبُ بِهَا فِي جَانِبَيْهِ كَمَا يَضْرِبُ الْمَلَّاحُ بِالْمَجَاذِيفِ‏ «5» جَانِبَيِ السَّفِينَةِ وَ كُسِيَ جِسْمُهُ قُشُوراً مِتَاناً مُتَدَاخِلَةً كَتَدَاخُلِ الدُّرُوعِ وَ الْجَوَاشِنِ لِتَقِيَهُ مِنَ الْآفَاتِ فَأُعِينَ بِفَضْلِ حِسٍّ فِي الشَّمِّ لِأَنَّ بَصَرَهُ ضَعِيفٌ وَ الْمَاءُ يَحْجُبُهُ فَصَارَ يَشَمُّ الطُّعْمَ مِنَ الْبُعْدِ الْبَعِيدِ فَيَنْتَجِعُهُ‏ «6» وَ إِلَّا فَكَيْفَ يَعْلَمُ بِهِ بِمَوْضِعِهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ فِيهِ إِلَى صِمَاخَيْهِ مَنَافِذَ فَهُوَ يَعُبُ‏ «7» الْمَاءَ بِفِيهِ وَ يُرْسِلُهُ مِنْ صِمَاخَيْهِ‏ «8» فَيَتَرَوَّحُ إِلَى ذَلِكَ كَمَا يَتَرَوَّحُ غَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَى أَنْ تَنَسَّمَ هَذَا النَّسِيمَ فَكِّرِ الْآنَ فِي كَثْرَةِ نَسْلِهِ وَ مَا خُصَّ بِهِ‏
______________________________
(1) دلفت الكتيبة في الحرب: تقدمت.
(2) انساب: جرى و مشى مسرعا.
(3) لا يئودها اي لا يثقلها.
(4) لجة الماء: معظمه.
(5) المجذاف: ما تجرى به السفينة.
(6) انتجع: طلب الكلا في موضعه.
(7) أي يشرب او يكرع بلا تنفس.
(8) الصمخ: خرق الاذن الباطن الماضى الى الرأس.

ص: 71
مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تَرَى فِي جَوْفِ السَّمَكَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْبَيْضِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَّسِعَ لِمَا يَغْتَذِي بِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا يَأْكُلُ السَّمَكَ حَتَّى أَنَّ السِّبَاعَ أَيْضاً فِي حَافَاتِ الْآجَامِ‏ «1» عَاكِفَةٌ عَلَى الْمَاءِ «2» أَيْضاً كَيْ تُرْصِدَ السَّمَكَ فَإِذَا مَرَّ بِهَا خَطِفَتْهُ فَلَمَّا كَانَتِ السِّبَاعُ تَأْكُلُ السَّمَكَ وَ الطَّيْرُ يَأْكُلُ السَّمَكَ وَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ السَّمَكَ وَ السَّمَكُ يَأْكُلُ السَّمَكَ كَانَ مِنَ التَّدْبِيرِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَثْرَةِ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ سَعَةَ حِكْمَةِ الْخَالِقِ وَ قِصَرَ عِلْمِ الْمَخْلُوقِينَ فَانْظُرْ إِلَى مَا فِي الْبِحَارِ مِنْ ضُرُوبِ السَّمَكِ وَ دَوَابِّ الْمَاءِ وَ الْأَصْدَافِ وَ الْأَصْنَافِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَ لَا تُعْرَفُ مَنَافِعُهَا إِلَّا الشَّيْ‏ءُ بَعْدَ الشَّيْ‏ءِ يُدْرِكُهُ النَّاسُ بِأَسْبَابٍ تُحْدَثُ مِثْلُ الْقِرْمِزِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَرَفَ النَّاسُ صِبْغَهُ بِأَنَّ كَلْبَةً تَجُولُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَوَجَدَتْ شَيْئاً مِنَ الصِّنْفِ الَّذِي يُسَمَّى الْحَلَزُونَ فَأَكَلَتْهُ فَاخْتَضَبَ خَطْمُهَا بِدَمِهِ فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَى حُسْنِهِ فَاتَّخَذُوهُ صِبْغاً وَ أَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا يَقِفُ النَّاسُ عَلَيْهِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ وَ زَمَاناً بَعْدَ زَمَانٍ‏ «3».
توضيح و أوكدها أي أوكد الأشياء و أحوجها إلى هذا النوع من الخلق هذه الصناعات و يمكن أن يكون فعلا و الضمير راجعا إلى جنس البشر أي ألزمها و ألهمها هذه الصناعات و لا يبعد إرجاعه إلى الكف أيضا و الململم بفتح اللامين المجتمع المدور المصموم و اليمام حمام الوحش و في حياة الحيوان قال الأصمعي إنه الحمام الوحشي الواحدة يمامة و قال الكسائي هي التي تألف البيوت‏ «4» و قال الحمر بضم الحاء المهملة و تشديد الميم و بالراء المهملة ضرب من الطير كالعصفور و روى أبو داود الطيالسي و الحاكم و قال صحيح الإسناد عن ابن مسعود قال كنا عند النبي ص فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت‏
______________________________
(1) أي جوانبها.
(2) عكف على الشي‏ء: اقبل عليه مواظبا.
(3) رواه المصنّف بتفصيله في كتاب التوحيد راجع ج 3: 92- 110.
(4) حياة الحيوان 2: 296 باب الياء.
ص: 72
الحمرة تزف على رسول الله ص‏ «1» و أصحابه فقال لأصحابه أيكم فجع هذه فقال رجل يا رسول الله أخذت بيضها و في رواية الحاكم فريخها «2» فقال ص رده رده رحمة لها انتهى‏ «3».
و في القاموس الحمر كصرد طائر و تشدد الميم و المودع بفتح الدال المستريح و نير الفدان الخشبة المعترضة في عنق الثورين و الدببة كعنبة جمع الدب و العين بالفتح الغلظ في الجسم و الخشونة و الخطم بالفتح من كل دابة مقدم أنفه و فمه و الجحفلة بمنزلة الشفة للبغال و الحمير و الخيل و الحياء الفرج و المراد بمراقي البطن ما ارتفع منه من وسطه أو قرب منه و الوضر الدرن.
و قال الدميري ذكر القزويني أن فرج الفيلة تحت إبطها فإذا كان وقت الضراب ارتفع و برز للفحل حتى يتمكن من إتيانها فسبحان من لا يعجزه شي‏ء «4».
أقول سيأتي أحوال الفيل في باب المسوخ إن شاء الله و قال الدميري الزرافة بفتح الزاي و ضمها مخففة الراء و هي حسنة الخلق طويلة اليدين قصيرة الرجلين مجموع يديها و رجليها نحو عشرة أذرع رأسها كرأس الإبل و قرنها كقرن البقر و جلدها كجلد النمر و قوائمها و أظلافها كالبقر و ذنبها كذنب الظبي ليس لها ركب في رجليها إنما ركبتاها في يديها و إذا مشت قدمت الرجل اليسرى و اليد اليمنى بخلاف ذوات الأربع كلها فإنها تقدم اليد اليسرى و الرجل اليمنى‏ «5» و في طبعها التودد و التأنس و تجتر و تبعر و لما علم الله تعالى أن قوتها في الشجر «6»
______________________________
(1) في المصدر: تزف على رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
(2) في المصدر: فرخها.
(3) حياة الحيوان 191 و 192 باب الحاء.
(4) حياة الحيوان 2: 160.
(5) في المصدر: فانها تقدم اليد اليمنى و الرجل اليسرى و من طبعها.
(6) في المصدر: من الشجر.
ص: 73
جعل يديها أطول من رجليها و تستعين‏ «1» بذلك على الرعي منها و في تاريخ ابن خلكان في ترجمة محمد بن عبد الله العتبي البصري الأخباري الشاعر أنه كان يقول الزرافة بفتح الزاي و ضمها الحيوان المعروف و هي متولدة بين ثلاثة حيوانات الناقة الوحشية «2» و البقر الوحشية و الضبعان و هو الذكر من الضباع فيقع الضبعان على الناقة فيأتي بولد بين الناقة و الضبع فإن كان الولد ذكرا وقع على البقرة فتأتي بالزرافة و ذلك في بلاد الحبشة و لذلك قيل لها الزرافة و هي في الأصل الجماعة فلما تولدت من جماعة قيل لها ذلك و العجم يسمونها أشتر گاو پلنگ‏ «3» و قال قوم إنها متولدة من حيوانات‏ «4» و سبب ذلك اجتماع الدواب و الوحوش في القيظ عند المياه فتتسافد فيلقح منها ما يلقح و يمتنع ما يمتنع و ربما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة فتختلط مياهها فيأتي منها خلق مختلف الصور و الأشكال و الألوان و الجاحظ لا يرتضي هذا القول و يقول إنه جهل شديد لا يصدر إلا عمن لا تحصيل لديه لأن الله تعالى‏ يَخْلُقُ ما يَشاءُ و هو نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل و الحمير و مما يحقق ذلك أنه يلد مثله و قد شوهد ذلك‏ «5». و قال السمع بكسر السين ولد الذئب من الضبع و هو سبع مركب فيه شدة الضبع و قوتها و جرأة الذئب و خفته و يزعمون أنه كالحية لا يعرف العلل و لا يموت حتف أنفه و أنه أسرع عدوا من الريح‏ «6» و قال القرد حيوان معروف و جمعه قرود و قد يجمع على قردة بكسر القاف‏
______________________________
(1) في المصدر: لتستعين بذلك على الرعى منها بسهولة قاله القزوينى في عجائب المخلوقات.
(2) في المصدر: بين الناقة الوحشية.
(3) في المصدر: لان اشتر: الجمل، و گاو: البقرة، و پلنگ: الضبع.
(4) في المصدر: من حيوانات مختلفة.
(5) حياة الحيوان 2: 4.
(6) حياة الحيوان 2: 19.
ص: 74
و فتح الراء المهملة و الأنثى قردة بكسر القاف و إسكان الراء و جمعها قرد بكسر القاف و فتح الراء و بالدال في آخره مثل قربة و قرب و كنيته أبو خالد و أبو حبيب و أبو زنة و أبو قشة «1» و هو حيوان قبيح مليح ذكي سريع الفهم يتعلم الصنعة أهدى ملك النوبة إلى المتوكل قردا خياطا و آخر صائغا و أهل اليمن يعلمون القردة القيام بحوائجهم حتى أن البقال و القصاب يعلم القردة حفظ الدكان حتى يعود صاحبه و يعلم السرقة فيسرق نقل الشيخان عن القاضي حسين أنه قال لو علم قرد النزول إلى الدار و إخراج المتاع ثم نقب و أرسل القرد فأخرج المتاع ينبغي أن لا يقطع لأن للحيوان اختيارا و روي عن أحمد بن طاهر أنه قال شهدت بالرملة قردا صائغا فإذا أراد أن ينفخ أشار إلى رجل حتى ينفخ له انتهى‏ «2».
و سيأتي سائر أحواله في باب المسوخ.
و شحيج البغل و الحمار صوتهما و الأسراب جمع السرب و هو القطيع من الظبا و القطا و الخيل و نحوها و المها جمع المهاة و هي البقر الوحشية.
قال الدميري و قيل المها نوع من البقر الوحشي و الأنثى من المها إذا حملت هربت من البقر و من طبعها الشبق و الذكر لفرط شهوته يركب ذكرا آخرا و المها أشبه شي‏ء بالمعز الأهلية و قرونها صلاب جدا و مخها يطعم صاحب القولنج ينفعه نفعا و من استصحب معه شعبة من قرن المها نفرت منه السباع و إذا بخر بقرنه أو جلده أو ظفره في بيت نفرت منه الحيات و رماد قرنه يذر على السن المتأكلة يسكن وجعها و شعره إذا بخر به بيت هربت منه الفأر و الخنافس و إذا أحرق قرنه و جعل في طعام صاحب حمى الربع‏ «3» فإنها تزول عنه و إذا شرب في شي‏ء من الأشربة زاد في الباه و قوي العصب و زاد في الإنعاظ و إذا نفخ في أنف الراعف قطع‏
______________________________
(1) في المصدر: و أبو حبيب و أبو خلف و أبو ربّه و أبو قشة.
(2) حياة الحيوان 2: 171 و 172.
(3) في المصدر: صاحب الحمى الربع.
ص: 75
دمه و إذا أحرق قرناه حتى يصيرا رمادا و أديفا «1» بخل و طلي به موضع البرص مستقبل الشمس فإنه يزول و إذا استف‏ «2» منه مقدار مثقال فإنه لا يخاصم أحدا إلا غلب عليه‏ «3» و الوعل بالفتح و ككتف تيس الجبل و الجمع أوعال و وعول قال الدميري الوعل بفتح الواو و كسر العين المهملة الأروى و هو التيس الجبلي و في طبعه أنه يأوي إلى الأماكن الوعر الخشنة و لا يزال مجتمعا فإذا كان وقت الولادة تفرق و إذا اجتمع في ضرع أنثى لبن امتصته و الذكر إذا عجز عن النزو أكل البلوط فتقوى شهوته و إذا لم يجد الأنثى انتزع المني بالامتصاص من فيه‏ «4» و ذلك إذا جذبه الشبق و في طبعه أنه إذا أصابه جرح طلب الخضرة التي في الحجارة فيمصها و يجعلها في الجرح‏ «5» فيبرأ و إذا أحس بقناص و هو في مكان مرتفع استلقى على ظهره ثم يزج نفسه فينحدر و يكون قرناه و هما في رأسه إلى عجزه يقيانه ما يخشى من الحجارة و يسرعان به لملوستهما على الصفا انتهى‏ «6».
و الأيل بضم الهمزة و كسرها و فتح الياء المشددة و كسيد الذكر من الأوعال و يقال هو الذي يسمى بالفارسية گوزن و الجمع أياييل قال الدميري و أكثر أحواله شبيهة ببقر الوحش و إذا خاف من الصيد يرمي نفسه من رأس الجبل و لا يتضرر بذلك و عدد سني عمره العقد التي في قرنه و إذا لسعته الحية أكل السرطان و يصادق السمك فهو يمشي إلى الساحل ليرى السمك و السمك يقرب من البر ليراه و الصيادون يعرفون هذا فيلبسون جلده ليقصدهم السمك فيصطادون‏
______________________________
(1) داف و أداف الدواء: خلطه.
(2) سف الدواء و السويق و نحوهما: اخذه غير ملتوت.
(3) حياة الحيوان 2: 236 و 237.
(4) في المصدر: بفيه.
(5) في المصدر: فيمتصها و يجعلها على الجرح.
(6) حياة الحيوان 2: 290 و 291.
ص: 76
منه و هو مولع بأكل الحيات يطلبها حيث وجدها و ربما لسعته فتسيل دموعه إلى نقرتين تحت محاجر عينيه يدخل الإصبع فيها فتجمد تلك الدموع فتصير كالشمع فيتخذ درياقا لسم الحيات و هو البادزهر الحيواني و أجوده الأصفر و أماكنه بلاد السند و الهند و فارس و إذا وضع على لسع الحيات و العقارب نفعها و إن أمسكه شارب السم في فيه نفعه و له في دفع السموم خاصية عجيبة و هذا الحيوان لا تنبت له قرون إلا بعد مضي سنتين من عمره فإذا نبت قرناه نبتا مستقيمين كالوتدين و في الثالثة يتشعب‏ «1» و لا تزال التشعب في زيادة إلى تمام ست سنين فحينئذ يكونان كشجرتين في رأسه ثم بعد ذلك يلقي قرنيه في كل سنة مرة ثم ينبتان فإذا نبتا تعرض بهما للشمس ليصلبا و الأيل في نفسه جبان دائم الرعب و هو يأكل الحيات أكلا ذريعا و إذا أكل الحيات بدأ بأكل ذنبها إلى رأسها و هو يلقي قرونه في كل سنة و ذلك إلهام من الله تعالى لما للناس فيها من المنفعة لأن الناس يطردون بقرنه كل دابة سوء و ييسر عسر الولادة و ينفع الحوامل و يخرج الدود من البطن إذا أحرق جزء منه و لعق بالعسل.
و قال أرسطو إن هذا النوع يصاد بالصفير و الغناء و لا ينام ما دام يسمع ذلك فالصيادون يشغلونه بذلك و يأتونه من ورائه فإذا رأوه قد استرخت أذناه أخذوه و ذكر من عصب لا لحم و لا عظم و قرنه مصمت لا تجويف فيه و يسمن هذا الحيوان سمنا كثيرا فإذا اتفق له ذلك هرب خوفا من أن يصاد و إن الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى و تلتهب لحرارتها فتطلب الماء فإذا رأته امتنعت من شربه و حامت عليه تتنسمه‏ «2» لأنها لو شربته في تلك الحالة فصادف الماء السم الذي في أجوافها هلكت فلا تزال تمتنع من شرب الماء حتى يطول بها الزمان فيذهب ثوران السم ثم تشربه فلا يضرها و إذا بخر بقرنه طرد الهوام و كل ذي سم و إذا أحرق‏
______________________________
(1) في المصدر: و في الثالثة يتشعبان.
(2) أي تشمه و وجد نسيمه.
ص: 77
قرنه و استيك به قلع الصفرة و الحفر من الأسنان و شد أصولها و من علق عليه شيئا من أجزائه لم ينم ما دام عليه و إذا جفف قضيبه و سفي هيج الباه و إذا شرب دمه فتتت الحصاة التي في المثانة انتهى‏ «1».
و القانص الصائد و المراد بالتمثيل ما ذكر الله تعالى في قصة هابيل المعرة الأذى قوله ع لا يعقل لعل المراد أن هذه الأمور بمحض لطفه سبحانه حيث يلهمهم ذلك لا بعقل و روية.
و قال الفيروزآبادي الدلفين بالضم دابة بحرية تنجي الغريق و قال الدميري الدلفين‏ «2» ضبطه الجوهري في باب السين بضم الدال فقال الدخس مثل الصرد دابة في البحر تنجي الغريق تمكنه من ظهرها تستعين‏ «3» على السباحة و تسمى الدلفين و قال بعضهم إنه خنزير البحر و هو دابة تنجي الغريق و هو كثير بأواخر نيل مصر من جهة البحر المالح لأنه يقذف به البحر إلى النيل و صفته كصفة الزق المنفوخ و له رأس صغير جدا و ليس في دواب البحر دابة لها رئة سواه و لذا يسمع منه النفخ و النفس و هو إذا ظفر بالغريق كان أقوى الأسباب في نجاته لأنه لا يزال يدفعه إلى البر حتى ينجيه و لا يؤذي أحدا و لا يأكل إلا السمك و ربما ظهر على وجه الماء كأنه ميت‏ «4» و هو يلد و يرضع و أولاده تتبعه حيث ذهب و لا يلد إلا في الصيف و في طبعه الأنس‏ «5» و خاصة بالصبيان و إذا صيد جاءت دلافين كثيرة لقتال صائده و إذا لبث في العمق حينا حبس نفسه و صعد بعد ذلك مسرعا مثل السهم لطلب النفس فإن كانت بين يديه سفينة وثب وثبة و ارتفع بها عن‏
______________________________
(1) حياة الحيوان 1: 76 و 77.
(2) في المصدر: الدلفين: الدخس.
(3) في المصدر: لتستعين به على السباحة.
(4) في المصدر: كانه ميت.
(5) في المصدر: و من طبعه الانس بالناس.
ص: 78
السفينة و لا يرى منها ذكر إلا مع أنثى انتهى‏ «1».
و قال الفيروزآبادي التنين كسكين حية عظيمة و قال الدميري ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها «2» و قال القزويني في عجائب المخلوقات إنه شر من الكوسج في فمه أنياب مثل أسنة الرماح و هو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم و الجوف براق العينين يبتلع كثيرا من الحيوانات يخافه حيوان البر و البحر إذا تحرك يموج البحر لشدة قوته و أول أمره تكون حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى فإذا كثر فسادها احتملها ملك و ألقاها في البحر فتفعل في دواب البحر ما كانت تفعل‏ «3» بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله تعالى إليها ملكا يحملها و يلقيها إلى يأجوج و مأجوج‏ «4» و روى بعضهم أنه رأى تنينا طوله نحو فرسخين و لونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس السمك بجناحين عظيمين على هيئة جناحي السمك و رأسه كرأس الإنسان لكنه كالتل العظيم و أذناه طويلتان و عيناه مدورتان كبيرتان جدا انتهى‏ «5».
و أقول لم أر في كلامهم اختطاف السحاب للتنين و قال الفيروزآبادي القيظ صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع السهيل و الزبية بالضم الحفرة و النشز بالفتح و بالتحريك المكان المرتفع و قال الجوهري الليث الأسد و ضرب من العناكب يصطاد الذباب بالوثب و يقال أحال عليه بالسوط يضربه أي أقبل قوله فكذلك أي كفعل الليث و قوله هكذا أي كفعل العنكبوت قال الدميري العنكبوت دويبة تنسج في الهواء و جمعها عناكب و الذكر عنكب و
______________________________
(1) حياة الحيوان 1: 245.
(2) زاد في المصدر: و كنيته أبو مرداس و هو أيضا نوع من السمك.
(3) في المصدر: بدواب البحر ما كانت تفعله.
(4) فيه غرابة شديدة و هو بالقصة اشبه.
(5) حياة الحيوان 1: 120.
ص: 79
وزنه فعللوت و هي قصار الأرجل كبار العيون للواحد ثمانية أرجل و ست أعين‏ «1» فإذا أراد صيد الذباب لطأ بالأرض و سكن إلى أطرافه و جمع نفسه ثم وثب على الذباب فلا يخطئه. قال أفلاطون أحرص الأشياء الذباب و أقنع الأشياء العنكبوت فجعل الله رزق أقنع الأشياء أحرص الأشياء فسبحان اللطيف الخبير و هذا النوع يسمى الذباب و منها نوع يضرب بالحمرة له زغب و له في رأسه أربع إبر ينهش بها و هو لا ينسج بل يحفر بيته في الأرض و يخرج بالليل كسائر الهوام منها الرتيلا قال الجاحظ الرتيل نوع من العناكب و تسمى عقرب الحيات‏ «2» لأنها تقتل الحيات و الأفاعي و قيل إنها ستة أنواع و قيل ثمانية و كلها من أصناف العنكبوت و قال الجاحظ ولد العنكبوت أعجب من الفروخ الذي يخرج إلى الدنيا كاسبا كاسيا لأن ولد العنكبوت يقوى على النسج ساعة يولد من غير تلقين و لا تعليم و يبيض و يحضن و أول ما يولد يكون دودا صغارا ثم يتغير و يصير عنكبوتا و تكمل صورته عند ثلاثة أيام و هو يطاول للفساد فإذا أراد الذكر الأنثى جذب بعض خيوط نسجها من الوسط فإذا فعل ذلك فعلت الأنثى مثله فلا يزالان يتدانيان حتى يتشابكا فيصير بطن الذكر قبالة بطن الأنثى و هذا النوع من العناكب حكيم و من حكمته أنه يمد السدى ثم يعمل اللحمة و يبتدئ من الوسط و يهيئ موضعا لما يصيده من مكان آخر كالخزانة فإذا وقع شي‏ء فيما نسجه و تحرك عمد إليه و شبك عليه شيئا يضعفه‏ «3» فإذا علم ضعفه حمله و ذهب به إلى خزانته فإذا خرق الصيد من النسج شيئا عاد إليه و رمه و الذي تنسجه لا يخرجه من جوفها بل من خارج جلدها و فمها مشقوق بالطول‏ «4» و هذا النوع ينسج بيته دائما مثلث الشكل و تكون سعة بيتها بحيث‏
______________________________
(1) في المصدر: و ست عيون.
(2) في المصدر: عقرب الحيات و الافاعى.
(3) في المصدر: و شبك عليه حتّى يضعفه.
(4) في المصدر ذكر الافعال و الضمائر بلفظ المذكر.
ص: 80
يغيب فيه شخصها انتهى‏ «1». و يقال وضع عنه أي حط من قدره و أقله أي حمله و رفعه و جسا كدعا صلب و يبس و سحجت جلده فانسحج أي قشرته فانقشر و التقصف التكسر و الغريض الطري أي غير مطبوخ و العجم بالتحريك النوى و تقوقي أي تصيح و المح بضم الميم و الحاء المهملة صفرة البيض و في بعض النسخ بالخاء المعجمة و تنقاب أي تنفلق و ماء ضحضاح قريب القعر و الربيئة بالهمز العين و الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو و المرقب الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب و البشم محركة التخمة بشم كفرح و الفراش هي التي تقع في السراج و اليعسوب أمير النحل و طائر أصغر من الجرادة أو أعظم و في القاموس التمرة كقبرة أو ابن تمرة طائر أصغر من العصفور و قال القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود في آجامهم و قال الحلزون محركة دابة تكون في الرمث أي بعض مراعي الإبل أقول و يظهر من الخبر اتحادهما و يحتمل أن يكون المراد أن من صبغ الحلزون تفطنوا بأعمال القرمز للصبغ لتشابههما.
قال الدميري الحلزون دود في جوف أنبوبة حجرية يوجد في سواحل البحار و شطوط الأنهار و هذه الدود تخرج بنصف بدنها من جوف تلك الأنبوبة الصدفية و تمشي يمنة و يسرة تطلب مادة تغتدي بها فإذا أحست برطوبة و لين انبسطت إليها و إذا أحست بخشونة أو صلابة انقبضت و غاصت في جوف الأنبوبة الصدفية حذرا من المؤذي لجسمها و إذا انسابت جرت بيتها معها انتهى‏ «2».
أقول قد أوردنا الخبر بتمامه و شرحناه على وجه آخر في كتاب التوحيد تذييل نفعه جليل اعلم أنه قد ظهر من سياق هذا الخبر في مواضع أن الأعمال الصادرة عن الحيوانات العجم ليست على جهة الفهم و الشعور و إنما هي طبائع طبعت عليها و قد لاح من ظواهر كثير من الآيات و الأخبار أن لها شعورا
______________________________
(1) حياة الحيوان 1: 266 و 2: 114.
(2) حياة الحيوان 1: 171.

/ 19