تطوع و النهوض العلمی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تطوع و النهوض العلمی - نسخه متنی

صالح محمد آل إبراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
التطوع والنهوض العلمي
التطوع والنهوض العلمي
دراسة عن أثر العمل التطوعي في ازدهار
الحياة العلمية الإسلامية
صالح محمد آل إبراهيم
دار الوفاق العربي
بيروت - لبنان
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1420هـ / 2000م
المـقـدمـة
تزداد الحاجة يوماً بعد آخر إلى المشاركة الأهلية التطوعية في رسم مسار المجتمع وتحديد أهدافه وإشباع احتياجاته وعلاج مشكلاته، خصوصاً في الآونة الأخيرة، حيث بدأ مسار الدولة الحديثة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في التراجع والانحدار، وأخذ مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع في مجالات أساسية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية في التدني والضعف، فلم تعد الخدمات المقدمة تفي بالحاجات الآخذة في الازدياد والتعاظم والتنوع في المجتمع، ولم تعد الجهود المبذولة - في ظل ضعف الإمكانيات وقلة الموارد وتقصير بعض المسؤولين - قادرة على مواجهة أعباء ومتطلبات ومشاكل التنمية الشاملة .
فلابد - والحال هذه - من مشاركة أفراد المجتمع وفئاته المختلفة جنباً إلى جنب الدولة لتلافي آثار التقصير الحاصل من قبل البعض، وسد جوانب النقص في الخدمات الأساسية، وإكمال مشوار التنمية الشاملة لأجل تحقيق حياة أفضل للجميع .
وإدراكاً منها لأهمية المشاركة الأهلية، ووعياً منها لقيمة الجهود والأنشطة والخدمات التطوعية وأثرها في حياة الأفراد والمجتمعات، وانطلاقاً من أن تنمية المجتمع وتقدمه ليس من اختصاص الدولة وحدها، وإنما هو مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، فقد أولت بعض المجتمعات الغربية هذا الموضوع اهتماماً كبيراً، ونشطت في تقديم الخدمات التطوعية بشكل كبير وواسع في مختلف المجالات، فكان نتيجة ذلك مئات الألوف من المتطوعين، وآلاف المؤسسات والجمعيات والمنظمات التطوعية التي تعمل بلا أجر في حقول مختلفة من المجتمع، كالصحة والتعليم والثقافة والبيئة والرعاية الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والتنمية وغير ذلك .
فقد ذكرت جريدة (الشرق الأوسط- العدد 6733 -5/5/1997م) أن حوالي 93 مليوناً أميركياً يكرِّسون وقتاً للعمل التطوعي كل سنة، وهم يقضون ما يزيد على 20 بليوناً ساعة عمل لصالح الأطفال، والفقراء، والتعليم، وقضايا أخرى.
ونقلت مجلة (ولدي - العدد الرابع - مارس 1999م) أن في بريطانيا أكثر من 20 مليوناً شخصاً من البالغين يمارسون نشاطاً تطوعياً منظّماً.
وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء، وبحثنا بتأنٍ ورويّة في تاريخنا الإسلامي، فسنجد أن الحضارة الإسلامية في هذا الشأن سبقت وفاقت كل الحضارات، وأنها عرفت ألواناً من النشاط التطوعي الخيري لم تعرفه سائر الحضارات، وأن المسلمين أفراداً وجماعات، خلفاء ووزراء، وتجاراً وحرفيين، وعلماء وعامة، وزُرَّاعاً وأهل بادية، شاركوا جميعاً بنشاطهم التطوعي، وذلك بنسب متفاوتة، وفق ما تسمح به ظروف كل جماعة وحالة كل فرد .
فقد لقي الأيتام والفقراء والضعفاء رعاية اجتماعية كبيرة من قبل الأثرياء الخيِّرِين حيث أعطيت لهم الصدقات وأنشئت لهم المكاتب، وأوقفت عليهم الأوقاف .
وحظي المرضى أيضاً بقدر كبير من الرعاية الاجتماعية، فأقيمت لهم مؤسسات أطلق عليها اسم (بيمارستانات) لمداواتهم وعلاجهم .
وأقيمت أيضاً مؤسسات لرعاية المقعدين والعميان والعجزة فيها كل ما يحتاجون من سكن ولباس وغذاء .
واعتنى المسلمون الخيِّرون بالمسافرين وعابري السبيل فبنوا الخانات والفنادق، وأقاموا الأسبلة لشرب الماء .
ونشط المسلمون في مساعدة الشباب العزَّاب على الزواج، وتقديم القروض للمحتاجين.
وامتدَّ نشاط الخيِّرين إلى كل جانب من جوانب الحياة، يكون ذا نفع وفائدة لعموم الناس، من بناء الحمامات والمقابر والجسور والقناطر، ورصف الطرق وإقامة الأسواق، وبناء المساجد والربط والثغور وأماكن العبادة، وغير ذلك من أعمال وخدمات تستهدف الخير والبر والمعروف .
وهـذه الدراسة تهدف - فيما تهدف - إلى تسليط الضوء على حقل من أهـم الحقـول في الحضارة الإسلامية، حرص كثير من المسلمين على العناية به وفعـل الخير فيه، وهو الحقل العلمي والثقافي، وإبراز أهم الأعمال التي قام به أولئك الخيِّرون ، وكان لها الأثر الكبير في النهوض العلمي والازدهار الثقافي في الحضارة الإسلامية .
آمل أن أكون قد وُفِّقت إلى هذا الهدف . وأسأل الله التوفيق والسداد إنه حسبي ونعم الوكيل .
صالح محمد آل إبراهيم
3/شعبان/1420هـ
الـفصـل الأول
مراكز الحركة العلمية في الحضارة الإسلامية
مـدخـل
1_ مركز المدينة المنورة .
2_ مركز الكوفة .
3_ مركز خراسان .
4_ مركز قم والري .
5_ مركز بغداد .
6_ مركز النجف .
7- مركز القاهرة .
مـدخـل
من المُتَسَالم عليه تاريخياً لدى المفكرين والباحثين المسلمين والمستشرقين على حد سواء أن المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام، وتشبَّعت بقيمه وتعاليمه وآدابه، وتمسكت بنظمه وقوانينه وتقاليده، شهدت قيام حضارة إسلامية تُعَدُّ من أكبر الحضارات وأكثرها تميزاً في تاريخ البشرية ؛ بما قدّمته من إنجازات وعطاءات في مختلف جوانب ومجالات الحياة.
ولعل السّمة الرئيسة والطابع الأساس الذي تتميَّز به هذه الحضارة عن غيرها من الحضارات الإنسانية في العصور الماضية، اهتمامها الكبير وعنايتها الفائقة بالعلم والثقافة، بشكل لا نجد له نظيراً أو شبيهاً في سائر الحضارات التي سبقتها أو ترافقت معها في عصر واحد .
فالحضارة الإسلامية أفضل ما يمكن وصفها به أنها حضارة علمية، لأنها تقوم على أساس المعرفة، وتقدس العلم وتجعله قائداً في الحياة، ومعيار التفاضل بين البشر .
ولقد كان من ثمرات الاهتمام الجاد بالعلم والعناية المركّزة بتحصيله ونشره، أن ظهرت وانتشرت آلاف المدارس الدينية والطبيّة والفلكية، كما كثرت المكتبات ودور العلم والحكمة ومجالس الدرس والمناظرة العلمية في طول وعرض البلاد الإسلامية، إضافة إلى ظهوركمٍّ هائلٍ يُعَدُّ بعشرات الألوف من المؤلفات للعلماء المسلمين في كافة حقول العلم والمعرفة الإنسـانية، فازدهـرت بذلك الحيـاة العلميـة، ونشطت الحركة الفكرية وراجت الثقافة، وزخرت المساجد والمدارس والمجالس العامة بالعلماء والفلاسفة والأدباء وغيرهم .
وقد تكوَّنت على أثر ذلك مراكز عدّة للعلم والثقافة الإسلامية في العديد من بلدان العالم الإسلامي، فأصبحت تعرف كمراكز مهمة ورئيسة للحركة العلمية، وتستقطب الألوف من العلماء وطلاب العلم .
فقد أعطى تواجد زعامات وشخصيات دينية وعلمية كبيرة في مناطق معينة من العالم الإسلامي، وقيامها بممارسة دورها العلمي المتمثل في التدريس والإفتاء والتأليف وبناء المؤسسات الدينية والعلمية، أعطى لتلك المناطق التي تقطنها، قيمة معنوية ومكانة حضارية مرموقة، تجلب الأضواء نحوها، وتستقطب العلماء والطلاب للاتصال بالزعامات الدينية والعلمية والنهل من معينها الفكري.
وأصبحت تلك المناطق بعدئذٍ محط الحركة العلمية وكعبة يؤمُّها طلاب العلم والعلماء ورجال الفكر من مختلف الأمصار والأقطار الإسلامية .
ونتيجة لذلك تحوَّلت تلك المناطق إلى مراكز علمية كبرى ورئيسة للحركة العلمية، فيها يتم تدريس العلم ونشره، ومنها تشع أنوار المعرفة وتزدحم بالعلماء والفقهاء وطلاب العلم الذين وفدوا إليها من كل صوبٍ وحدب لارتشاف العلم من مناهله، والتزود من الثقافة الإسلامية .
وأهم المراكز التي ازدهرت فيها الحياة العلمية، وكان أكثر النتاج العلمي والثقافي منبعثاً منها في تاريخ الحضارة الإسلامية هي كما يلي:
مركز المدينة المنورة
بدأت الحركة العلمية الإسلامية في المدينة المنورة في المسجد النبوي الشريف، وذلك على يد الرسول الأعظم (ص)، فقد كان هو المعلم الأول والأب الروحي الذي بذر بذرة العلم في هذا المكان المقدَّس .
وبعد وفاة الرسول (ص) استلم زمام التعليم وقيادة الحركة الفكرية والنهوض بها أئمة أهل البيت (ع)، فازدهرت الحياة العلمية في المدينة المنورة في عهدهم، خصوصاً في عهد الإمامين الباقر والصادق(ع)، فقد توافد العلماء وطلاب العلم عليهما من مختلف البلاد الإسلامية لكسب المعارف واغتراف العلوم من ينابيعهما العذبة الصافية، حتى اجتمع عند الإمام الصادق (ع) في مجلس درسه قرابة أربعة آلاف طالب.
قال الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد :((ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقَل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نُقِلَ عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله (ع)، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقاة على اختلافهم في الآراء والمقالات
فكانوا أربعة آلاف رجل))(1).
وقال السيد محمد صادق نشأت:((كان بيت جعفر الصادق كالجامعة يزدان على الدوام بالعلماء الكبار في الحديث والتفسير والحكمة والكلام، فكان يحضر مجلس درسه في أغلب الأوقات ألفان وبعض الأحيان أربعة آلاف من العلماء المشهورين)) (2).
وبذلك نشطت الحركة العلمية في المدينة المنورة، وأصبحت مركزاً علمياً كبيراً يشار إليه بالبَنَان.
مركز الكوفة
برزت الكوفة كمركز علمي مهم وعامر بالفقهاء والمحدثين، بعد انتقال الإمام الصادق (ع) إليها في أخريات حياته، وقيامه فيها بالتعليم مدة سنتين تقريباً . فشكَّل وجوده فيها مصدر جذب واستقطاب للعلماء وطلاب العلم من كل جانب ومكان، فالتفَّ حوله وفي حلقة درسه في مسجد الكوفة مئات من المجتهدين والمحدثين .
يقول الحسن بن علي الوشاء :((أدركت في هذا المسجد _ يعني مسجد الكوفة_ تسعمائة شيخ كُلُُّ يقول حدثني جعفر بن محمد))(3).
وامتازت الكوفة بالإنتاج العلمي الغزير والضخم، فقد أنتجت الكوفة في عهد الأئمة (ع) آلاف الكتب . وهذا ما أشار إليه الحر العاملي في كتابه الوسائل بقوله : ((لقد ألَّفَ فقهاء الشيعة ومحدثوهم في هذه الظروف في الكوفة 6600كتاب، ولقد امتاز من بينها 400 كتاب اشتهرت بالأصول))(4) .
وتخرَّج من هذا المركز لفيف من الفقهاء الكبار نظراء: أبان بن تغلب بن رباح الكوفي، ومحمد بن مسلم الطائفي، و زرارة بن أعين .
مركز خراسان
تُعَدُّ خراسان في التاريخ الإسلامي من المعاهد المزدهرة بالعلماء والطلاب، ولها الأسبقية في إنشاء المدارس الدينية قبل سائر بلاد الإسلام .
فقد كانت نيسابور عاصمة خراسان مأوى لألوف العلماء والفقهاء والطلاب منذ أيام الإمام الرضا (ع).
فقد ذكر صاحب أعيان الشيعة في شأن حديث سلسلة الذهب الذي رواه الإمام الرضا (ع) ما يلي :((استملاه منه أهل الدوي والمحابر ما يزيد على عشرين ألفاً . وفي رواية عُدَّ من المحابر أربعة وعشرون ألفاً سوى الدوي .
والمحبرة: هي الدواة الكبيرة، وصاحبها لا يكون إلا عالماً كبيراً.
والدوي : جمع دواة، وصاحبها أقل درجة من صاحب المحبرة . وذلك حينما مَرَّ بنيسابور في سفره إلى المأمون))(5).
وفي بدايات القرن الخامس للهجرة كانـت توجـد في
نيسابور عدة مدارس دينية وعلمية أنشأها المسلمون، منها مدرسة ابن فورك المتوفى سنة 406هـ، والمدرسة البيهقية نسبة إلى البيهقي المتوفى سنة 450هـ(6).
وأما مرو أشهر مدن خراسان فكان بها عدد من المكتبات المهمة الغنية بالكتب المختلفة مع بدايات القرن السابع للهجرة.
فقد ذكر ياقوت الحموي في معجمه أنه ترك مرو الشاهجان أشهر مدن خراسان يومئذٍ سنة 618هـ وفيها عشر خزائن للوقف لم يرَ في الدنيا مثلها كثرة وجودة، وقد فصَّل أخبارها وأخبار واقفيها وذكر أنَّ واحدة منها كان فيها (000ر12) مجلّد، وأنه أخذ علمه منها (7).
وطوس إحدى أهم مدن خراسان والتي تحتضن تربتها مرقد الإمام الرضا (ع) كانت مهبطاً لروَّاد العلم، وتخرج منها المئات من العلماء والمفكرين، كالشيخ الطوسي، وخواجه نصير الدين الطوسي . وتأسسّت فيها مكتبة عظيمة، وهي مكتبة الإمام الرضا (ع) الذي يبلغ عدد كتبها خمسين ألف مجلد، وقسم منها مخطوط قلَّ نظيره في سائر المكتبات(8). ويبدو من تاريخ وقف بعض المصاحف أن نشوء المكتبة كان في العصر الديليمـي . وفي عام 681هـ كانت حافلة بالكتب كما يدل عليه ما ذُكر على ظهر كتاب روض الجنان الموقوف على المكتبة(9) .
مركز قم والري
ومدينة قم هي الأخرى كانت من قديم الزمان مركزاً علمياً وثقافياً بارزاً، يحتضن كبار مشايخ الحديث والفقهاء .
فقد كانت قم منذ القرن الرابع الهجري موئلاً للفقهاء والمحدثين كما أشار إلى ذلك العلامة الحلّي في شرحه على كتاب من لا يحضره الفقيه بقوله :((إنَّ في زمان علي بن الحسين بن موسى بن بابويه المتوفى سنة (329هـ) كان في قم من المحدثين مائتا ألف رجل))(10).
وكانت الري في هذا التاريخ -كما ينقل صاحب كتاب مجالس المؤمنين- بلدة عامرة بالمدارس والمكاتب وحافلة بالعلماء والفقهاء والمحدثين(11) .
وقد حفلت قم والري في هذه الفترة بعلماء كبار في الفقه والحديث، أمثال الشيخ الكليني المتوفى سنة (329 هـ)، وابن بابويه والد الصدوق المتوفى سنة (329هـ) ،وابن قولويه المتوفى سنة (369هـ) ، وابن الجنيد المتوفى سنة (381هـ) بالري، والشيخ الصدوق المتوفى سنة (381هـ) وغيرهم من كبار العلماء .
ولا تزال قم مُشِعّة بالعلم زاهرة بالثقافة الإسلامية، فهي تُعَدُّ اليوم من أكبر الحواضر العلمية في العالم الإسلامي، لما فيها من ألوف العلماء والطلاب، ومئات المدارس والمكتبات ومجالس الدرس والمؤسسات العلمية والمراكز الثقافية .
مركز بغداد
اشتهرت بغداد في إبان التمدن الإسلامي كمدينة من أهم وأقدم المدن الإسلامية . وفي عهد الحكام العباسيين ومن بعدهم حكام آل بويه وبالأخص منهم عضد الدولة البويهي، تحوّلت بغداد إلى حاضرة من أهم الحواضر العلمية، ومركز من أفضل المراكز الثقافية في العالم الإسلامي، فقد زهت فيها العلوم والمعارف، وترجمت الكتب من اللغات الأجنبية وخاصة من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية، ونشطت حركة التأليف والتصنيف، وحظيت بوجود طائفة كبيرة من العلماء والفقهاء الأفذاذ أمثال الشيخ المفيد والشريف المرتضى والشريف الرضي، كما كثرت فيها المكتبات التي تزخر بعشرات الألوف من الكتب العلمية والدينية والأدبية وغيرها، مثل مكتبة الصاحب بن إسماعيل بن عباد، ومكتبة نوح بن نصر الساماني، ومكتبة أبو نصر بن أردشير، ومكتبة الشريف المرتضى وغيرها، وأنشئت فيها أيضاً عشرات المدارس الدينية، كمدرسة بيت الحكمة، والمدرسة النظامية، ومدرسة الشريف المرتضى، ومدرسة الشريف الرضي.
مركز النجف
تشير الروايات التاريخية إلى أن النجف الأشرف كانت توجد بها حركة علمية دينية منذ القرن الرابع الهجري على أقل تقدير.
فقد ((روى السيد عبد الكريم بن طـاووس في كتابه (فرحة الغري): (أن عضد الدولة البويهي زار النجف الأشرف سنة 371 هـ، وقام أثناء زيارته هذه بتوزيع المال على الفقهاء))(12)
ثم عظمت منزلتها العلمية في عهد الشيخ أبي جعفر الطوسي (385_460هـ)، ففي هذا العصر أصبحت النجف الأشرف مركزاً علمياً وثقافياً، لم يسبق له نظير في تاريخها .
فبعد أن انتقل الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف عام (449هـ) واستقرَّ فيها، وبدأ يمارس مهام الزعامة الدينية والعلمية تدريساً وافتاءً وتربية، التفَّ حوله من فيها من الطلبة والعلماء، وأخذ يؤمُّ النجف عدد كبير من روَّاد العلم والفضيلة من مختلف الأقطار الإسلامية، للتزود بزاد العلم والمعرفة. فكان أن تربىَّ على يديه وتخرّج من مدرسته العلمية الفقهية والأصولية والكلامية ما يزيد على ثلاثمائة مجتهد .
((قال الوحيد (ره) في (التعليقة) : قال جدي (ره) : كان الطوسي مرجع فضلاء الزمان .. وسمعنا من المشايخ، وحصل لنا أيضاً من التتبع أن فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين، يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة، ومن العامة ما لا يحصى)) (13).
ومنذ ذلك الحين أضحت النجف مركزاً للعلم وجامعة كبرى ومهبط رجال العلم ومهوى أفئدتهم، وتخرّج منها أساطين الدين وأعاظم الفقهاء، وكبار الفلاسفة، ونوابغ المتكلمين، وأفاضل المفسِّرين، وأنتجت الآلاف من الكتب والموسوعات في مختلف الحقول العلمية.
مركز القاهرة
كان للجهود الجبارة التي بذلها الخلفاء الفاطميون، والخدمات الجليلة التي قدموها للقاهرة عاصمة دولتهم، أكبر الأثر في النهوض بالعلم والثقافة، وتنشيط الحياة العلمية وازدهارها، وتحويل القاهرة إلى معهد علمي كبير، تتبلور فيه الحركة العلمية ويضاهي سائر المراكز العلمية الشهيرة في العالم الإسلامي في ذلك العصر .
فقد قام الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ببناء الجامع الأزهر في عام (361 هـ)، وعقدت فيه حلقات الدرس والبحث، وأنشئت فيه مكتبة ضخمة تضم مليون وستمائة ألف كتاب، فأصبح الأزهر فيما بعد من أهم وأعظم مراكز الدراسات الإسلامية المنظَّمة والشاملة .
وأنشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة سنة (395 هـ) بجوار القصر الغربي لتكون جامعة مستقلة، ومركزاً أكاديمياً للبحث والدرس والمناظرة، وألحق بها مكتبة تحتوي على مائتي ألف مجلد في مختلف العلوم والفنون .
يقول السيد مير علي عن مآثر الفاطميين في القاهرة (كان الفاطميون يشجّعون على العلم، ويكرمون العلماء، فشيّدوا الكليّات والمكاتب العامة، ودار الحكمة، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون، والآلات الرياضية، لتكون رهن البحث والمراجعة، وعيّنوا لها أشهر الأساتذة، وكان التعليم فيها حرّاً على نفقة الدولة ،كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجّاناً، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتى فروع العلم، كالمنطق والرياضيات والفقه والطب، وكان الأساتذة يتشحَّون بلباس خاص عرف بالخلعة، أو العباءة الجامعية - كما هي الحال اليوم - وأرصدت للإنفاق على تلك المؤسسات وعلى أساتذتها، وطلابها وموظّفيها أملاك بلغ إيرادها السنوي 43 مليون درهم، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لإلقاء المحاضرات في دار الحكمة فازدادت بهم روعةً وبهاء)(14).
وبذا غدت القاهرة كعبة الأساتذة والطلاب من سائر أنحاء العالم الإسلامي، وغدا الجامع الأزهر أعظم معاهد التعليم والثقافة الإسلامية .
الـفـصل الثاني
دور العمل التطوعي في ازدهار الحياة العلمية
(مدخل
أولاً : التعليم .
ثـانياً : التأليف .
ثـالثاً : بناء المدارس .
رابـعاً : إنشاء المكتبات .
خامساً : عقد مجالس المناظرة .
سادساً : الإنفاق على طلبة العلم والمشتغلين به .
مـدخـل
تشير القراءة المتأنية للتاريخ الإسلامي في عصوره المختلفة، وبالأخص منها عصور التقدم والازدهار الحضاري، إلى أن العمل التطوعي - الذي يعني التبرع بالفعل وابتغاء وجه الله تعالى - قد لعب دوراً فعّالاً وأساسياً في تنمية وتطوير الحياة العلمية والثقافية في المجتمعات الإسلامية، وتحويل بعضٍ منها إلى مراكز كبرى لحركات علمية ودينية سبق الحديث عن بعض معالمها، فقد امتدت تأثيراته الإيجابية لتشمل معظم أوكل ما يتصل بالنشاط العلمي والثقافي من قريب أو بعيد، بما في ذلك تشجيع العلم والعلماء، وتشييد المدارس لسكن ودراسة الطلاب، وإنشاء المكتبات ودور العلم المختلفة، و الإنفاق على الأساتذة وطلبة العلم، وإمدادهم بالإمكانات التي يحتاجون إليها للدراسة والبحث والتأليف، وعقد مجالس العلم والإفتاء والمناظرة، والتأليف، وتبليغ الإسلام ونشر أحكامه وقيمه وآدابه.
فما حدث في المجتمعات الإسلامية من نهضة علمية شاملة، وحركة ثقافية واسعة، وازدهار فكري كبير، إنما كان - غالباً - بفعل الأعمال والأنشطة التطوعية التي كان يقوم بها أهل الخير والبر، وأصحاب الفضل والإحسان من وزراء وعلماء وأغنياء وحرفيون وغيرهم .
نعم كان هناك دور للدولة في التاريخ الإسلامي في رفد النهضة العلمية، ودعم مسيرتها، كما حدث في أيام حكم الخلفاء العباسين، والخلفاء الفاطميين في مصر، و البويهيين في العراق، وآل عمار في طرابلس الشام، والصفويين في إيران . لكن هذا الدور ظل محدوداً في نطاق سيطرة الدولة وبسط نفوذها، وغير ثابت على الدوام .
أما العنصر الأساس والعامل الرئيس الذي كان يغذِّي هذه النهضة العلمية المباركة ويمدُّها بعناصر النمو والاستمرار والتوسع، وإليه يعود الفضل في انطلاقتها وقيادة زمامها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من رقي وتقدم وازدهار، عمَّت آثاره وخيراته و بركاته جميع البلاد الإسلامية بنسب متفاوتة، فيتمثَّل في العمل التطوعي الصادر من الأمة الإسلامية على اختلاف طبقاتها وتنوع فئاتها.
إذ الغالب على الأعمال والأنشطة التي يقوم بها أفراد الأمة وفي مقدمتهم العلماء والأثرياء في المجال العلمي، في تلك الأزمان السِّمة التطوعية والروح التبرعية التي لا يؤخذ عليها أجر، وإنما هي خالصة لوجه الله تعالى.
ومن المناسب الإشارة إلى أنه لم يكن في المجتمعات الإسلامية في تلك الفترة من الزمن جهاز رسمي معين من قبل الدولة يتولى الاهتمام بالشأن العلمي والثقافي، ويتقاضى أجراً في مقابل ما يقوم به من أعمال ونشاطات، كما هو الحال في الدولة الحديثة من تشكيل وزارات تقوم بهذه المهمة، كوزارة التعلم والتربية، ووزارة الثقافة والإعلام، ووزارة الدعوة والإرشاد.
وعدم وجود هذا الجهاز الرسمي، ترك بدوره المجال مفتوحاً أمام مشاركة أوسع لفئات وأفراد الأمة، وسمح بوجود مساحة أكبر لممارسة النشاط التطوعي الخيري في المجال الثقافي، مما كان له أكبر الأثر فيه، الأمر الذي جعل بصمات العمل التطوعي على الحركة العلمية، والنهضة الثقافية في المجتمعات الإسلامية، واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار.
ولكي نتبيَّن دور العمل التطوعي في انطلاقة الحركة العلمية وازدهارها، في الحضارة الإسلامية، نشير إلى الأعمال التالية :
أولاً : التعليم
يحتل التعليم مكان الصدارة في الأعمال التي كان يمارسها العلماء منذ صدر الإسلام، والتي كان لها الأثر المهم في خلق الوعي الثقافي، ونشر العلم والمعرفة، وتطوير الحياة العلمية في البلاد الإسلامية .
فقد مارس العلماء دورهم في إعداد الطلبة وتعليمهم وتربيتهم بإخلاص وجدِّية، إذ أنهم فتحوا أبوابهم أمام الجميع ، وأخذوا يعقدون حلقات التدريس ومجالس التعليم في منازلهم تارة، وفي المساجد والمدارس تارة أخرى . وأنفقوا في سبيل ذلك زهرة حياتهم، من دون أن يلتمسوا على ذلك أجراً، بل كان دافعهم ابتغاء وجه الله والرغبة في ثوابه .
وتشير كتب التاريخ إلى هذا الدور بإجلال وإكبار، فتتحدث عن حلقات التدريس التي كان يعقدها أئمة أهل البيت (ع)، حيث كان لكل إمام منهم رواقه في المسجد النبوي الشريف، كما كان لكل منهم في بيته مجلس عامر بالرواة وطلبة العلم .
فعن (حلية الأولياء) لأبي نعيم الأصفهاني : ((قال عبد الله بن عطاء المكي: (ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر - يعني الباقر(ع) -، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة، مع جلالته وسنه، عنده ،كأنه صبي بين يدي معلم يتعلم منه))(15) .
وعن المحقق أبو القاسم جعفر قال :((روى عن الصادق (ع) من الرجال مايقارب أربعة آلاف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جمٌّ غفير كزرارة بن أعين، وأخوته بكر وحمران، وجميل ابن صالح، وجميل بن دراج، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، والهشامين، و أبي بصير وعبد الله، ومحمد وعمران الحلبيين، وعبد الله بن سنان، وأبي الصباح الكناني، وغيرهم من أعيان الفضلاء حتى كتبت من أجوبة مسائله أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّفّ سمَّوها أصولاً))(16).
وعن الحاكم النيسابوري أنه قال في كتابه (تاريخ نيسابور) : ((إن الإمام الرضا (ع) كان يفتي في مسجد رسول الله (ص) وهو ابن نيف وعشرين سنة))(17) .
وتتحدث كتب التاريخ أيضاً عن حلقات التدريس ومجالس التعليم عند العلماء، فتُشيد بدورهم العظيم في خدمة العلم والثقافة الإسلامية، وتبيّن منازلهم العلمية، وتعرّف أعمالهم ومآثرهم، وتكشف عن عدد وأسماء الطلاب الذين تخرّجوا على أيديهم .
(من العلماء) البارزين الذين تتحدث عنهم كتب الفهارس والتراجم الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بـ(المفيد) البغدادي (336 -413هـ) ،فقد كان يحضر مجلس درسه آلاف الطلاب من الشيعة والسنة، على ما قيل(18).
وتخرَّج من مدرسته أعاظم العلماء أمثال الشريفين الرضي والمرتضى، وأبي جعفر الطوسي، والنجاشي، ولذلك لُقِّب بمعلِّم الأعاظم وابن المعلِّم لقيامه كأبيه بتعليم وتربية العلماء والفضلاء .
(ومنهم) السيد المرتضى علي بن الحسين (335- 436هـ)، فقد مارس التعليم والتربية، وكان يحضر مجلس تدريسه أمة كبيرة من مشايخ الحديث، وفطاحل علم الكلام والفقه والأدب وغيرها، فتخرَّج من مدرسته أساتذة في فنون مختلفة، وجهابذة في علوم كثيرة(19) . وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، وحمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقَّب بـ(سلاَّر)، والقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، ونظام الدين سليمان بن الحسن الصهرستي الديلمي، ومحمد بن علي أبو الفتح القاضي الكراجكي .
و(من العلماء) الذين اشتغلوا بالتعليم، وازدحمت مجالس دروسهم بالطلاب، الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460هـ)، مارس التدريس والتربية - قبل وبعد أن جعل له خليفة الوقت القائم بالله كرسي الكلام والإفادة، الذي ماكان يعطى يوم ذاك إلا لمن برز في علومه، وتفوَّق على أقرانه - مدةً تزيد على أربعة وعشرين عاماً.
وذكر أن عدد الفقهاء المجتهدين الذين تخرَّجوا من مجلس درسه تجاوز الثلاثمائة مجتهد .
((قال الوحيد (ر ه) في (التعليقة) : قال جدي (ر ه) كان (الطوسي) مرجع فضلاء الزمان ... وسمعنا من المشايخ، وحصل لنا أيضاً من التتبع أن فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين، يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة، ومن العامة مالا يحصى))(20).
من بين تلامذة الشيخ الطوسي الذين تذكرهم كتب الفهارس، الحسن بن مهدي السليقي، والشيخ أبو محمد الحسن بن عبد الواحد العين زربي، والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي.
و(من العلماء) المشهورين بالتعليم الشيخ نجم الدين أبو القاسم المشتهر بـ(المحقق الحلي) - (602 - 676هـ). قال فيه السيد حسن الصدر: ((وبرز من عالي مجلس تدريسه أكثر من أربعمائة مجتهد جهابذة، وهذا لم يتفق لأحد قبله))(21).
ومن أعظم تلامذته ابن أخته العلامة الحلي، والسيد عبد الكريم بن طاووس، ومحمد بن علي بن طاووس، وصفي الدين الحلي، وابن داود.
و(من العلماء) الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن الحلي، الملقب بـ(العلامة الحلي) (648 -726هـ)، أشار السيد حسن الصدر إلى تدريسه وتلامذته فقال: ((خرج من عالي مجلس تدريسه خمسمائة مجتهد))(22) .
وذكرت كتب الفهارس بعضاً من تلامذته كولده فخر المحققين أبو طالب محمد، ومجد الدين أبو الفوارس محمد، وعميد الدين عبد المطلب بن مجد الدين، وضياء الدين بن مجد الدين .
و(من العلماء) البارزين في التدريس الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي(1027 - 1110هـ) قال الشيخ عباس القمي: ((قال شيخنا صاحب المستدرك - في فضائل المجلسي- : (خرج من مجلسه جماعة كثيرة من الفضلاء . وصرَّح تلميذه الأجل ميرزا عبد الله الأصبهاني في (رياض العلماء) أنهم بلغوا إلى ألف نفس))(23) . ذُكِر بعض منهم ضمن ترجمة الشيخ في المجلد (0) من كتابه المعروف بحار الأنوار .
و(منهم) السيد أبو الحسن موسى بن حيدر الحسيني (1138 - 1194هـ)، فقد نقل السيد الأمين عن الشيخ علي السبيتي قوله في شأن تدريس السيد الحسيني : (بأنه انقطع إلى الدرس والتدريس ولازم العلم مدة عمره، فوفد عليه الطالبون للعلم من سائر الأقطار، وكثرت تلامذته حتى بلغت ثلاثمائة رجل . وتخرَّج على يده عالَمٌ كثير : منهم السيد جواد الحافظ صاحب مفتاح الكرامة، والسيد حسين، والشيخ إبراهيم بن يحيى، والسيد نصر الله الحسيني)(24).
و(منهم) شريف العلماء محمد شريف بن حسن علي المازندراني (ت 1245هـ).
قال فيه علي الفاضل القائيني : ((كان كثير الاهتمام بتعليم الطلبة وتدريسهم، ولأجل ذلك لم يحصل له وقت وفراغ للتأليف، وكان له مجلسين : أحدهما للطلبة المبتدئين، والآخر لمن وصل إلى مرتبة سامية من الاجتهاد))(25) .
وقال الشيخ القمي:((قال سيدنا الأجل الخبير الكامل أبو محمد الحسن صاحب (تكملة أمل الآمل) : حدثني شيخنا الفقيه الشيخ محمد حسن آل يـس، وكان أحد تلامذة شريف العلماء قال : كان يدرِّسنا في علم الأصول في الحائر المقدَّس في المدرسة المعروفة بمدرسة حسن خان، وكان يحضر تحت منبره ألف من المشتغلين وفيهم المئات من العلماء الفاضلين))(26) .
وتخرَّج من مدرسته وتربَّى على يديه تلامذة أجلاَّء أصبحوا من أكابر المحققين، كالمحقق الشيخ مرتضى الأنصاري، وسعيد العلماء المازندراني، والسيد إبراهيم صاحب الضوابط، وملاَّ آغا الدر بندي، وملاَّ إسماعيل اليزدي .
و(منهم) الشيـخ محمد حسن النجفي (ت 1266هـ)، ركَّـز اهتمامه بالتعليم، وألقى بثقله فيه، ورحل إليه الطلاب من كل فج، وتخرَّج به كل فقهاء المذهب من بعده عرباً وفرساً. لا يكاد يحصى عدد من أخذ عنه وتخرَّج به . ويمكن أن يقال أن الأئمة المجتهدين منهم يبلغون الستين عدّاً من عرب وفرس . وفي نظم اللآلئ كانت مدرسته أعظم المدارس تجتمع فيها الأفاضل من أهل كل ناحية(27) .
و(منهم) الشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري (1214- 1281هـ)، فقد اشتغل بالتدريس والتربية، فاجتمع حوله المئات من الطلاب .
قال الشيخ القمي في ترجمة السيد الكوهكمري : ((وكان
يقرر بحث الشيخ - مرتضى الأنصاري - لتلامذته، فتهافتت الأفاضل، للحضور تحت منبره وكانت تقدَّر بأربعمائة فاضل))(28). وبرز من تلامذته السيد المجدِّد الشيرازي، والميرزا حبيب الله الرشتي، ومحمد حسن الآشتياني، وملاَّ محمد كاظم الخراساني .
و(من العلماء) السيد المجدِّد مرزا حسن الشيرازي (1230 - 1312هـ)، كان أكثر اشتغاله العلمي بتدريس الطلاب وتربية التلاميذ، وحضر في معهد درسه جمٌّ غفير للتتلمذ على يديه والاستفادة من درسه، فقد قال الشيخ آقا بزرك الطهراني: ((أنهيت المشاهير الأفاضل من تلاميذ آية الله سيدنا المجدِّد الشيرازي في كتابي ((هدية الرازي)) إلى نيف وخمسمائة))(29). من أعظمهم الميرزا حسين النوري، والشيخ فضل الله النوري، والسيد محمد كاظم اليزدي، والمحقق الآخوند الخراساني، و الميرزا محمد تقي الشيرازي، والحاج آغا رضا الهمداني .
و(من العلماء) المحقق ملاَّ محمد كاظم الخراساني (1255 - 1329هـ)، اشتغل بالتدريس بعد وفاة أستاذه المجدد الشيرازي، فاجتمع حوله جماعة كثيرة من أهل الفضل والعلم، حتى أنه بلغ عدد تلامذته أكثر من ألف طالب .
قال الشيخ آقا بزرك الطهراني :((وقد سمعت ممن أحصى
تلاميذ شيخنا الأستاذ الأعظم المولى محمد كاظم الخراساني في الدورة الأخيرة في بعض الليالي بعد الفراغ من الدرس أنه زادت عدَّتهم على الألف والمائتين))(30) .
و(من العلماء) الذين اشتغلوا بتعليم وتربية طلاب العلم، الشيخ آغا ضياء الدين بن محمد العراقي (1278 - 1361هـ)، فقد ذكر السيد محسن الأمين في كتابه (أنه رقى منبر التدريس مدة خمسين سنة متواصلة، لم ينقطع عن التدريس إلا حين اضطرته صحته إلى ذلك في أواخر أيامه)(31). وتخرَّج عليه خلالها طائفة كبيرة من العلماء المجتهدين .
وقد تعدَّدَت مجالس التعليم في البلاد الإسلامية، وبلغت من الكثرة مبلغاً عظيماً، بحيث إن عدد مجالس التعليم في أحد المساجد بالقاهرة قد زادت على المائة، فقد (أحصى المقدسي في المسجد الجامع بالقاهرة وقت العشاء مائة وعشرة مجالس من مجالس العلم)(32).
ثانياً: التأليف
إن ميدان الكتابة والتأليف هو الآخر حظي بنصيب وافر من جهود ونشاطات أهل الفكر والعلم، فقد عني العلماء والمفكرون عناية فائقة بالتأليف والتصنيف في شتى مجالات العلم والمعرفة الإنسانية . فألّفوا في الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام والمنطق والنحو والبلاغة والتاريخ والطب والفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلسفة وغير ذلك من فنون العلم .
وقد دّونت كتب الفهارس آلاف المؤلفين المسلمين الذين كتبوا في علوم مختلفة، وبرزت من هؤلاء أسماء لامعة ومشهورة ألفَّت ليس في العلوم اللغوية والشرعية فحسب، بل وفي الفلك والطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات والجغرافية والهندسة والجبر وسائر العلوم الطبيعية أيضاً، فكان منهم العالم الخواجة نصير الدين الطوسي ،وأبو الوفا، والبتّاني والبيروني، وجابر بن حيان، وأبو بكر الرازي، و ابن النفيس، وابن الهيثم، والخوارزمي، وغيرهم .
وقد أكثر العلماء المسلمون من التأليف والتصنيف، فمنهم
من بلغت مؤلفاته بضع مئات، ومنهم من دون ذلك، فأبو بكر الرازي ألَّف أكثر من مائتي مصنف منها كتاب من لا يحضره الطبيب(33)، ومحمد بن بحر الرهني له نحو من خمسمائة مصنف ورسالة(34)، وهشام بن محمد الكلبي (ت 205هـ) ألَّف أكثر من مائتي كتاب(35) ،والفضل بن شاذان النيسابوري (ت260 هـ) صنَّف مائة وثمانين كتاباً(36)، وأبو النضر محمد بن مسعود العياشي (توفي نحو 320 هـ) له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنف(37) ،وعلي بن الحسين بن بابويه القمي (ت329هـ) ألَّف 200 كتاب(38)، وابن دول أحمد بن محمد القمي (ت350هـ) صَّنف 100 كتاب(39)،ومحمد بن علي بن بابويه القمّي المشتهر بـ(الصدوق)(ت381هـ) بلغت مؤلفاته ثلاثمائة كتاب(40)، ومحمد بن النعمان الملقب بـ(المفيد)(ت413هـ) له من المؤلفات ما يقرب من مائتي مصنف كبار وصغار(41)، والعلامة جمال الدين أبو منصور الحلي (ت726هـ) ألّف في كل فنون العلوم، المعقول والمنقول ما يزيد على خمسمائة مجلد(42)، وقد عدت مؤلفات العلامة الكثيرة من يوم ولادته إلى حين وفاته، فكانت كل يوم كراسا(43)، و محمد الفيض الكاشاني (ت1091هـ) له ما يقرب من مائة مصنف(44)، وقيل مائتا كتاب في مختلف الفروع والفنون، ومحمد باقر المجلسي (ت1110هـ) له تصانيف كثيرة تقع في مجلدات كثيرة وضخمة، قال فيها صهره الأمير محمد صالح الخاتون آبادي في حدائق المقربين في ترجمته: (وكل مؤلفاته الشريفة على ما وقع عليها التخمين تبلغ ألف ألف بيت وأربعة آلاف بيت وكسراً، ولما حاسبناه بتمام عمره المكرم جعل قسط كل يوم ثلاث وخمسون وكسر)(45)، والسيد عبد الله بن السيد محمد رضا الشبر (ت1242هـ) له مؤلفات ضخمة تبلغ السبعين كتاباً، هذا عدا الكثير من المجلدات المطولة التي يشتمل عليها كل كتاب منها، وقد كانت كل هذه المجلدات من الإفاضة والإسهاب، بحيث لو قُسِّمت أجزاؤها على سني حياته التي لم تتجاوز أربعة وخمسين عاماً، لكانت تبلغ نحو كراسة عن كل يوم، ولذلك لقبه أهل عصره بـ(المجلسي الثاني) (46) .
وقد بلغت مؤلفات العلماء المسلمين من الكثرة بحيث أصبحت تُعَدُّ بمئات الألوف ،كما يدل على ذلك عدد الكتب التي تحويها مكتبات المسلمين، والتي يصل عدد محتويات إحداها - وهي مكتبة بني عمار في طرابلس - إلى ثلاثة مليون كتاب، حسب بعض المصادر التاريخية(47) .
وفي الفترة الزمنية الواقعة بين عهد الإمام علي (ع) وعهد الإمام الحسن العسكري (ع) صنَّف أصحابهم في مجال الروايات فقط ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطه الحر العاملي صاحب الوسائل (2) .
وقد أحصيت ما دوَّنه الشيخ آقا بزرك الطهراني من مصنفات ومؤلفات الشيعة في كتابه (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) المكون من (28) مجلد، والذي كتبه في الفترة ما بين (1329)و(1355هـ)، فوجدتها تبلغ (52604) مصنف في مختلف العلوم والفنون وهذا الرقم إنما هو من غير أخذ في الاعتبار حساب مجلدات تلك المؤلفات و إلا فمع ذلك فإنَّ العدد يفوق ذلك بكثير، ذلك أن بعض تلك المؤلفات يتألف من عشرات المجلدات، فكتاب بحار الأنوار للعلامة محمد باقر المجلسـي (110مجلد)، والعوالم الموسوم (جامع العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار) للشيخ عبد الله بن نور الله البحراني يبلغ نحو (300 مجلد) ، وجواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي (40مجلد)، ووسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي (20مجلد) ومستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري (18 مجلد). وكذلك الأمر في سائر المؤلفات.
ثالثاً: بناء المدارس
لقد كانت المساجد في صدر الإسلام هي المعاهد العامة للتعليم، حيث كانت تقام فيها - إلى جانب العبادة - حلقات دروس القرآن والحديث وأصول العقيدة والفقه واللغة.
ومن أشهر المساجد في التعليم في العالم الإسلامي المسجد النبوي في المدينة المنورة، وجامع الكوفة، والجامع الأزهر في القاهرة، ومسجد القرويين بفاس، ومسجد قرطبة، والجامع الأموي .
على أن التعليم لم يكن خاصاً بالمساجد ؛ فكثيراً ما كان العلماء يقيمون حلقات التدريس ومجالس التعليم في منازلهم، ويضعون ما لديهم من كتب تحت تصرف طلاب العلم الذين يحضرون عندهم .
ثم لما نضج العلم وأثمر، ونبغ العلماء والفقهاء، وأخذت الحركة العلمية في التوسع والانتشار، وتوافد العلماء وطلاب العلم من أقاصي البلاد الإسلامية على المراكز والحواضر العلمية في العالم الإسلامي، عني الخيّرون من علماء وأغنياء ووزراء بإيجاد أماكن خاصة لتعليم الطلاب، فأنشئوا العديد من المدارس ودور العلم، وفتحوها لطلبة العلوم . ولم تكن تلك المدارس حصراً في التعليم فقط، بل كان بعضها مُعدَّاً لسكن وإقامة الطلاب مجاناً، وتتوفر فيها جميع ما يحتاج إليه الطلاب من طعام وشراب وكساء وكتب وأدوات كتابة .
ويلاحظ على المدارس التي أنشئت في البلاد الإسلامية في العصور الماضية أنها على نوعين : نوع يشبه المدارس الابتدائية في عصرنا الحاضر، حيث يتم فيها تعليم الأطفال من الأيتام والفقراء وغيرهم القراءة والكتابة والقرآن وأصول الحساب، ويطلق عليها الكُتَّاب أو المكاتب أو المحاضر .
وتعتبر أول مدرسة علمية في الإسلام من هذا النوع "دار القرآن " فقد أُسِّسَت لتعليم القرآن الكريم، وكان بعض القّراء يسكنون فيها لأجل التعليم .
يقول المستشرق "دييس ": (ويظهر أنه قد وجدت منذ فجر الإسلام أمكنة كانوا يجتمعون فيها لاستظهار القرآن وتدارسه، ولا شك في أن هذه المواضع كانت كالمدارس الأولية يتعلمون فيها مبادئ القراءة وأصول الكتابة العربية، كما يحدثنا الواحدي، ويذكر أن عبد الله بن أم مكتوم كان يسكن دار القرآن بالمدينة) (1).
وبفضل العناية الخاصة التي أولاها المسلمون الخيّرون بالأطفال الأيتام والفقراء، فقد انتشرت ظاهرة إنشاء مكاتب خاصة لتعليم هذا الفريق من الصبيان وغيرهم، وحبس الأوقاف العظيمة عليها، في العديد من المدن الإسلامية . وكانت (من الكثرة بحيث عدّ ابن حوقل ثلاثمائة كتّاب في مدينة واحدة من مدن صقلية) (1).
وأما النوع الآخر فيشبه المدارس الثانوية والجامعات في عصرنا الحاضر، إذ يتم فيها تعليم الكبار أنواع مختلفة من العلوم اللغوية والشرعية والطبيعية، وبنحو أكثر شمولية وسعة وتفصيلاً .
وهذا النوع من المدارس مع سابقه منه من أنشأه الحكام والسلاطين والأمراء والوزراء، كـ"دار الحكمة" أو "دار العلم" التي أنشأها الحاكم بأمر الله الفاطمي في القاهرة سنة (395هـ)، لتكون جامعة مستقلة، تضم عدة حلقات وكليات دينية وعلمية وأدبية(2). والمدارس التي أنشأها نظام الملك الطوسي وزير ملك شاه السلطان السلجوقي في بغداد واصبهان ونيسابور وهراة وغيرها، في أواسط القرن الخامس للهجرة، وكل منها تنعت بالنظامية نسبة إليه، أشهرها المدرسة النظامية في بغداد تولى بناءها سعيد الصوفي سنة (457هـ)(3).
ومنه من أسسه العلماء وبعض الوجهاء، وهو كثير.
فقد أنشأ أبو النضر محمد بن مسعود العياشي المتوفى نحو سنة (320هـ) مدرسة في داره بسمرقند وأنفق عليها مبالغ طائلة .
يقول النجاشي في داره ((أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد، بين ناسخ، أو مقابل، أو قارئ، أو معلق، مملوءة من الناس))(1).
وأقام هـارون الرشيد بن موسى بن أحمـد التلعكبري (ت385هـ) مدرسة في داره، أشار إليها النجاشي بقوله: ((كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر والناس يقرؤون عليه)) (2).
وأسَّـس الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسـوي (ت406هـ) مدرسة أسماها (دار العلم) وفتحها لطلبة العلوم.
يقول كوركيس عواد :((أنشأ الشريف الرضي مؤسسة ثقافية أسماها "دار العلم".وكان ينفق على تلامذتها من ماله الخاص، ويلقي فيها المحاضرات العلمية . ولم تكن دار العلم مدرسة فحسب، بل كان يتبعها "مخزن " فيه جميع ما يحتاجه الطالب من الأمور المادية .
وإلى جانب ذلك "خزانة كتب" حافلة عرفت بـ"خزانة
دار العلم"، وقد كانت هذه الخزانة في مصاف الخزائن الكبرى
ببغداد، منظمة تنظيماً حسناً)) (1).
وكان الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت436هـ) قد (اتخذ من داره الواسعة مدرسة عظيمة، تضم بين جدرانها ثلة من طلاب الفقه والكلام والتفسير واللغة والشعر والعلوم الأخرى كعلم الفلك والحساب وغيره، حتى سميت أو سماها "دار العلم"، وأعد له مجلساً للمناظرات فيها)(2).
وعمل القاضي ابن حبّان في مدينة نيسابور داراً للعلم وخزانة كتب ومساكن للغرباء الذين يطلبون العلم وأجرى لهم الأرزاق(3) .
وأقام أبو الوفاء عبد الجبار بن عبد الله الرازي مدرسة في الري سنة (503هـ)، وتخرج منها لفيف من العلماء(4).
وقام نصير الدين الطوسي (597-672هـ) ببناء مرصد فلكي في مراغة في غرب إيران عام (657هـ/1258م)، وجعل منه دار علم عظيمة، تضُّم بين جوانبها حلقات دروس متنوعة في الحديث والفقه والفلسفة والطب، هي أقرب ما تكون إلى الجامعة بالمعنى الحديث . ويقال إن حوالي مائة تلميذ للطوسي قد تلقوا فيه علم الفلك والعلوم الطبيعية، وأن الاحتياطات المالية للحاكم المحلي كانت مخصصة لذلك(1).
واحتوى المرصد إلى جانب ذلك مكتبة ضخمة قيل إنها بلغت أربعمائة ألف كتاب(2) .
ذكر ابن حبيب الحلبي أن الطوسي : ((اجتهد في بنائه وعمارته وأقامه شاهداً على تمكنه في وزارته، وهو مشتمل على دار لطلبة الحديث ومدرسة للفقهاء ومقر حكمه للفلاسفة ومجلس للأطباء، ورفع قواعده وشيّد معالمه ومعاهده وثابر على تحسين عقده المنظوم ورتَّب لأهله وخدامه ما يكفيهم من العلوم - يعني الجامكية - ونقل إليه كثيراً من الكتب الموجودة ببغداد وجعله وقفاً على مستحقيه إلى أن يرث الله البلاد والعباد))(3).
ونوَّه الدكتور مصطفى جواد بالعمل الذي قام به الطوسي فقال (التحق نصير الدين الطوسي بهولاكو لينجي نفسه من الهلاك وليأتي بمعجزة القرن السابع وهي نشر العلوم في الشرق، وتأسيس أول أكاديمية علمية فنّية بالمعنى العلمي الحديث الذي
1 - فجر العلم الحديث ، ج1 ص251 .
2-دائرة المعارف الشيعية ، ج3 ص377 .
3- مسائل الخلاف بين فخر الدين الرازي ونصير الدين الطوسي،ص44 نقلاً عن كتاب درة الأسلاك في دولة الأتراك ، نسخة دار الكتب الوطنية بباريس ، الورقة 16 .
تدل عليه كلمة "أكاديمي" "Academie" وإقامة أعظم رصد عرف في الشرق، وإنشاء أول جامعة حقيقة من النوع المعروف اليوم "بالأونيفير سيتيه " "Universite")(1) .
وبنى العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (ت726هـ) مدرسة كبرى في "السلطانية" بمدينة قزوين الإيرانية . تحدث عنها المؤرخ السيد حسن الأمين في ترجمته فقال : ((ويبدو أن القاعة التي قلنا إنها كانت مكان تدريس العلامة الحلي، كانت مخصصة لطبقة المتقدمين من الطلبة الذين يتولىّ تدريسهم بنفسه، فإن إلى الشرق صفاً من الغرف، وإلى الغرب صفّاً آخر، وبين الصفّين باحة مملوءة ببقايا الأحجار، وإلى الجنوب حجرة كبيرة متهدّم سقفها وأرضها مملوءة بالرُّكام، وملتصق بها بقايا مسجد صغير مهدّم السقف، وإلى الغرب حجرة أخرى كبيرة تشبهها، قيل لنا إن الغرف التي يبلغ عددها 12 غرفة كانت غرفاً للطلبة، وهي غرف صغيرة مربعة، وإن الحجرتين الكبيرتين كانتا مكاناً للتدريس))(2) .
كما أن العلامة الحلي أنشأ مدرسة أخرى، كانت تسمى بـ"المدرسة السيّارة"، قال الشيخ حسين الأعلمي في تقديمه لكتاب "التبصرة " : ((لقد اقترح - العلامة الحلي -على السلطان محمد خـدا بنده، سلطان عصره، بأن يؤسس مدرسة لتربية وإعداد طلاب العلوم الدينية بالعدة الكافية، فأجاب السلطان له، ولما كانت رغبة السلطان في مجالسة الشيخ ابن المطهر، والاستيناس به وبتلاميذه حتى في الطريق والسفر، لذلك أمر ببناء المدرسة السيارة . وألِّفت المدرسة من أربعة أواوين، وعدة غرف ومدارس، كلها مكونة من الخيام الكرباسية . وكانوا يرحلون برحيل السلطان، وينزلون بنزوله . وكان العضد الإيجي، وبدر الدين الشوشتري من مدرِّسي هذه المدرسة السيارة .وكان يقيم فيها مائة طالب علم، مكفولي الملبس والمأكل والدواب وجميع ما يحتاجون إليه)) (1) .
وأنشأ السيد الأمير غياث الدين منصور الشـيرازي (ت948هـ) مدرسة في شيراز، وكانت تنعت بالمنصورية نسبة إليه (2) .
وبنى الميرزا صالح الرضـوي (توفي في حدود 1090هـ) نقيب الاشراف الرضوية، مدرسة في المشهد الرضوي، أشار إليها الشيخ عباس القمي في ترجمته، فقال : (كان ـ الميرزا صالح ـ مصدر خيرات ومبرَّات ومن آثاره الخيرية المدرسة الصالحية المعروفة بمدرسة النـواب في المشـهد الرضوي بناها سنة (1086 هـ)، ووقف عليهـا أملاكـاً
1 - تاريخ التشريع الإسلامي ، ص 363 - 364 .
2 - تاريخ العلماء عبر العصور المختلفة ، ص 587 .
كثيرة، ووقف كتباً كثيرة على طلاب المدرسة المزبورة)(1).
وبنى السيد أبو الحسن مـوسى بن حيدر الحسيني (1138-1194هـ) مدرسة بالقرب من داره، تحدث عنها السـيد محسن الأمين فقال : (بنى - السيد موسى - في قرية شقراء في أنزه بقعة منها قريباً من داره الجميلة الباقية آثارها لليوم مدرسة فسيحة تحتوي على نحو من ثلاثين
وبجهود العلماء والأغنياء الخيِّرون، وتسابقهم في إنشاء المدارس والوقف عليها بما يضمن استمرارها، كثرت المدارس ودور العلم، وانتشرت في جميع أنحاء البلاد الإسلامية . ففي عام (965م) كان في مدينة قرطبة (107)مدرسة وعدد من الجامعات(3).وفي أواسط القرن التاسع للهجرة بلغ عدد المدارس التي أنشئت بمصر (70) مدرسة(4).
وجاء في رحلة ابن جبير الذي طاف الشرق الإسلامي في القرن السادس أنه شاهد عشرين مدرسة في دمشق و(30) في بغداد.
أما الأندلس فقد نقل الأمير علي صاحب تاريخ الإسلام في الإنجـليزية أن العرب أنشئوا المدارس في قرطبة وإشبيلية و طليطلة وغرناطة ومالقة وغيرها، وأن مملكة غرناطة وحدها بلغ عدد مدارسها (17) مدرسة كبرى و(120) مدرسة صغرى(1) .
رابعاً : إنشاء المكتبات
ومن جملة الأنشطة والأعمال التطوعية، التي قام بها المسلمون الخيّرون، والتي غدت مراكز لنشاط علمي وثقافي لا يستهان به، وأدت دوراً مهماً في النهضة العلمية في المجتمعات الإسلامية، إنشاء المكتبات بقسميها الخاص والعام .
فقد كانت ثمَّة حاجة ماسة إلى أماكن خاصة، تجمع فيها الكتب وتحفظ من الضياع، وتكون أيضاً مراكز علمية عامة يتيسر لمحبي العلم وطلاب المعرفة الرجوع إليها عند الحاجة، والاستفادة منها في المطالعة والبحث والدرس والتأليف، خصوصاً في ذلك الزمن الذي كان يتعذر على غير الأغنياء اقتناء الكتب الكثيرة نظراً لغلائها . فما كان من العلماء وأهل الخير ممن أحب العلم والعلماء واهتم بالكتب وجمعها، إلا أن بادروا إلى سدِّ تلك الحاجة، فأنشئوا لأجل ذلك المكتبات وخزائن الكتب، وقد شيَّدوا للبعض منها أبنية خاصة، وألحقوا البعض الآخر بالمساجد والمدارس الكبرى، وأمدّوها بمختلف الكتب والمصنفات، ورصدوا للإنفاق عليها وعلى موظفيها وخدمها أموالاً ضخمة، كما أوقفوا عليها الأوقاف الكثيرة لضمان استمرارها، وفتحوا أبوابها - بعد ذلك - لسائر الناس على اختلاف طبقاتهم من قرَّاء ومتعلمين وباحثين ومؤلفين ونسَّاخ وغيرهم .
وقد نشأ عن ذلك (انتشار المكتبات في شتى أنحاء العالم الإسلامي، فقلَّما كانت مدرسة ليس بجانبها مكتبة، وقلََّّ أن تجد قرية صغيرة ليس فيها مكتبة، أما في العواصم والمدن فقد كانت تغصّ بدور الكتب بشكل لا مثيل له في تاريخ العصور الوسطى)(49).
فقد كان في مدينة بغداد سنة (891م) مائة مكتبة عامة، وفي كل واحدة أكثر من عشرة آلاف كتاب إسلامي، وكان في مدينة النجف في أوائل القرن العاشر الميلادي مكتبة عامة تحتوي على (40) ألف كتاب(50) .
وفي مدينة مرو في شرق إيران يشير المؤرخ ياقوت الحموي إلى وجود عشر خزائن للكتب، في سنة (618هـ)، وتحتوي واحدة منها على (000ر12 مجلد)(51).
وفي مدينة شيراز في إيران كانت توجد بها مكتبة تعد من أشهر المكتبات في القرن العاشر الميلادي، يقال إنه كان بها 360غرفة محاطة بالبحيرات والحدائق، فيها كانت الكتب موضوعة في غرف لها قباب بها خزائن صُمِّمت خصيصاً للكتب(52).
وفي غرناطة من بلاد الأندلس ،كان فيها (70)مكتبة من المكتبات العامة(53) .
وتفيد تقارير من دمشق عام (1500م) عن وجود (150)مكتبة عامة(54) .
وإليك - عزيزي القارئ -بعض الأمثلة عن المكتبات العامة والخاصة، التي يعود الفضل في تأسيسها إلى العلماء وذوي الخير والإحسان، وكان لها شأن عظيم في التاريخ الإسلامي، بما قدّمته من خدمات جليلة للعلم والثقافة الإسلامية، لاحتوائها وضمِّها لكتب التراث الإسلامي وحفاظها عليها من الضياع و الاندثار، وبما قدّمته أيضاً من منافع كثيرة إلى طلاب العلم من قبيل تسهيل مهمة البحث والدرس والتأليف لهم، وتوفير مادة علمية غنية تتمثل في المصادر والمراجع المهمة الكثيرة، التي يصعب على الأفراد العادييِّن الحصول عليها في ظل ظروف الفقر المحيطة بهم في ذلك الزمان .
من أشهر تلك المكتبات : مكتبة أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي (130-207هـ)،تحدَّث عنها ابن النديم فقال:
((قال محمد بن اسحق : قرأت بخط عتيق: قال : خلَّف الواقدي بعد وفاته ستمائة قمطر(55) كتباً، كل قمطر منها حمل رجلين . وكان له غلامان مملوكان يكتبان الليل والنهار، وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار))(56).
وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده : لما انتقل الواقدي من الجانب الغربي يقال أنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر(57).
ومنها مكتبة الصاحب إسماعيل بن عباد (326_385هـ)، جمع فيها من الكتب النفيسة ما لا يوصف، بحيث كانت تحملها في سفر له أربعمائة بعير(58).
ووصف المؤرخ "آرثر بوب" مكتبة الصاحب بن عباد قائلاً : ((إنها تعادل جميع ما كان موجوداً في القارة الأوروبية برمَّتها في القرون الوسطى، إذ كانت تحتوي على أكثر من (200,000)كتاب))(59) .
ومنها مكتبة (دار العلم) التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي، ببغداد سنة 381هـ . قال عنها الأستاذ كوركيس عواد : ((إن أشهر ما اشتهر به _سابور بن أردشير _كان خزانة الكتب التي أنشأها ببغداد في محلة الكرخ سنة (381هـ-991 م)، ووقف عليها الوقوف، فإنه في هذه السنة، ابتاع داراً في الكرخ بين السورين، وعمَّرها وبيَّضَها وسمَّاها دار العلم، ووقفها على أهله ونقل إليها كتباً كثيرة إبتاعها وجمعها، وعمل لها فهرستاً، وردّ النظر في أمورها ومراعاتها والاحتياط عليها، إلى الشريفين أبي الحسين محمد بن أبي شيبة، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الحسيني، والقاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكلّف الشيخ أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي فضل عناية بها).
وأشار بعض المؤرخين، إلى أن عدد ما اشتملت عليه هذه الخزانة، كان أكثر من عشرة آلاف مجلد، بل كان عددها بوجه التدقيق (عشرة آلاف مجلد وأربعمائة مجلد من أصناف العلوم، منها مائة مصحف بخطوط بني مقلة).
وكانت هذه الدار موئلاً للعلماء والباحثين، يترددون إليها للدرس والمناظرة والمباحثة . ومن أشهر روادها، الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري، المتوفى سنة (446هـ- 1057م) فقد طالما ذكرها وذكر بعض القائمين عليها، وآثر الإقامة بها يوم كان ببغداد) (60).
ووصفهـا ياقوت الحموي، فقال : ((لم يكن في الدنيـا
أحسن كتباً منها ،كانت كلَّها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهما المحررة))(61).
لم تعش هذه الخزانة طويلاً . بل لم يتجاوز عمرها سبعين سنة، لأن الأحداث الجسام التي حلت ببغداد وشعَّثت مجدها، كان لها أسوأ الأثر في هذه الخزانة . قال أبو الفرج بن الجوزي في جملة حوادث سنة 451هـ(1059م) : ((احترقت بغداد، الكرخ وغيره وبين السورين واحترقت فيه خزانة الكتب التي وقفها أردشير الوزير، ونهبت بعض كتبها))(62).
ومنها مكتبة (خزانة) الشريف المرتضى (355_ 436هـ) التي أسسها في منزله ببغداد.نقل عن القاضي أبي القاسم التنوخي صاحب الشريف المرتضى وتلميذه، أنه قال عن عدد محتويات ومقتنيات مكتبة أستاذه الشريف المرتضى: ((حصرنا كتبه، فوجدناها ثمانين ألف مجلد من مصنفاته ومحفوظاته ومقروءاته))(63) .
وقد أشار الشريف المرتضى إلى ضخامة مكتبته، حينما استدعاه فخر الدولة بن بويه للوزارة، فكتب إليه الشريف يتعذر بأعذار منها أن قال : (إني رجل طويل الذيل وإنَّ كتبي تحتاج إلى سبعمائة بعير لحملها)(64) .
وقال الثعالبي في كتابه (يتيمة الدهر) منوهاً بقيمة خزانة الشريف : (إنها قومت بثلاثين ألف دينار، بعد أن أهدى إلى الرؤساء والوزراء منها شطراً عظيماً)(65).
كانت هذه الخزانة من أهم الدور العلمية التي يرتادها ويرجع إليها العلماء والأدباء من زملاء وتلامذة الشريف المرتضى وحُضّار مجلسه العلمي الذي كان يعقده على مدار السنة في منزله ببغداد(66).
ومنها مكتبة (خزانة) الشريف الرضي (ت406هـ) التي أنشأها في دار العلم. يقول كوركيس عواد : ((و إلى جانب ذلك (خزانة كتب) حافلة عرفت بـ(خزانة دار العلم) وقد كانت هذه الخزانة في مصاف الخزائن الكبرى ببغداد، منظمة تنظيماً حسناً))(67).
ومنها مكتبة "دار العلم" التي أنشأها أبو طالب الحسن بن عمار المعروف بأمين الدولة في طرابلس لبنان عام (462 هجري) . وقد جمع فيها ما يزيد عن مائة ألف كتاب وقفاً.
وكان يرسل المراسلات إلى أقطار البلاد ويبذل الأثمان الباهظة، ويجلب الكتب النادرة لهذه الدار، ويهتم بالعلم ويحنو على العلماء. ثم ارتفع هذا العدد على مر الأيام إلى ثلاثة ملايين مجلد في عهد فخر الدين بن عمار، حيث كان النساخة يدأبون على نسخ المصنفات ليل نهار، وبلغ عددهم 180ناسخاً .
وقيل أن المكتبة حوت جميع أنواع و فروع المعرفة من طب وفلك وتنجيم و هندسة وفلسفة وأدب وتاريخ وحديث وفقه وشعر ،إلى جانب وجود عدد كبير من المصاحف الشريفة .
وقد تولّى النظر على دار العلم بطرابلس عدة أشخاص أولهم الحسين بن بشر الطرابلسي المعروف بالقاضي، وثانيهم القاضي أبو الفضل أسعد بن أبي روح ،وآخرهم العالم الأندلسي أحمد بن محمد أبو عبد الله الطليطلي (68) .
ومنها مكتبة مراغة التي أسسّها المحقق نصير الدين الطوسي (597_672هـ) بمراغة في غرب إيران . فإنه قد جمع فيها كتباً كثيرة من مختلف العلوم و الفنون ،كان قد جلبها من أنحاء البلاد، فبلغت أربعمائة ألف مجلد . وقد أوقفت عليها الأوقاف الكثيرة، وجعل منها معهداً علمياً يدرس فيه العلوم الرياضية والفلكية و العقلية. ويقال إن حوالي مائة تلميذ للطوسي قد تلقوا فيه علم الفلك و العلوم الطبيعية(69) .
قال صاحب الوفيات :((وابتنى ـ نصير الدين الطوسي ـ
بمراغة قبة ومرصداً عظيماً ،واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء ،وملأها من الكتب التي -جُلبت- من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد، ،وقرر بالمرصد المنجمين والفلاسفة))(70).
وقال الشيخ القمي (حكي أنه (قدس سره) قد عمل الرصد العظيم بمدينة مراغة واتخذ في ذلك خزانة عظيمة ملأها من الكتب، وكانت تزيد على أربعمائة ألف مجلد، وكان من أعوانه على الرصد من العلماء جماعة أرسل إليهم الملك هلا كوخان، منهم : العلامة قطب الدين الشيرازي، ومؤيد الدين العروضي الدمشقي) (71).
ومنها مكتبة الوزير أبو طالب محمد بن أحمد العلقمي (ت656هـ) ذكرها القمي في الكنى فقال : ((قال ابن الطقطقي في الفخرى : (حدثني ولده شريف الدين أبو القاسم (ره) قال : اشتملت خزانة والده على عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب، وصنف الناس له الكتب)) (72) .
خامساً : عقد مجالس المناظرة
من المعروف أن نشأة مجالس المناظرة وتطورها وتنامي أعدادها في البلاد الإسلامية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بظاهرة التعدد الديني والمذهبي والفكري في المجتمع الإسلامي، وبظهور التباين والاختلاف الكبير في الآراء والأفكار والمعتقدات بين أهل الملل والنحل والمذاهب والطوائف الإسلامية. فكلما دعت الحاجة إلى إثبات رأي أو دين أو مذهب، أو الدفاع عن معتقد ورد الشبهات التي تثار حوله، أو مواجهة أهل الضلال والبدع من الزنادقة والملاحدة وغيرهم، أخذ أرباب السياسة وأئمة الدين وأهل العلم وذوي الجاه يعقدون المجالس
وظهور كمٍ هائل من المناظرات والاحتجاجات العلمية والعقائدية والفلسفية بين زعماء الأديان والمذاهب الإسلامية وغيرها، يمكن العثور عليها في تراجم الرجال وكتب الاحتجاج. كما برز جمٌّ غفير من العلماء - فضلاً عن أئمة أهل البيت(ع)- الذين عرفتهم مجالس المناظرة، بقوة الحجة، وعمق البرهان، والحذق بصناعة الكلام، أمثال هشام بن الحكم، وفضال بن الحسن الكوفي، ومؤمن الطاق، وقيس الماصر، وعلي بن إسماعيل التمار، والشيخ المفيد، والعلامة الحلي، وإسماعلي بن علي بن نوبخت وغيرهم .
ولمعرفة قيمة مجالس المناظرة، التي كان يعقدها الملوك والوزراء وأئمة أهل البيت(ع) والعلماء، وأثرها في التشريع و الثقافة الإسلامية، وفي الحركة العلمية الدينية في ذلك الوقت فإنه يكفينا أن نعرف ما يدور في تلك المجالس من أبحاث ومسائل كثيرة لاحصر لها في شتى أنواع العلوم والمعارف الإلهية والطبيعية، وبالأخص منها في الفلسفة والكلام والفقه والتفسير، تكون محور المناظرة ومحل البحث والنقاش والأخذ والرد، من قبل الأطراف والجهات المختلفة، وكذلك ما تسفر عنها ـ تلك المناظرات ـ من بيان وعرض الآراء والأفكار والمعتقدات، وإقامة كل طرف أو جهة الحجج والبراهين والأدلة التي تستند عليها لإثبات صحة وصدق معتقداتها وآرائها .
إن معرفة ذلك تقودنا إلى نتيجة مؤداها أن تطور الفكر الإسلامي وغنى التشريع الإسلامي، يعود في أحد عوامله إلى المناظرات العلمية التي كان يجريها أئمة أهل البيت(ع) وأصحابهم مع زعماء الأديان والمذاهب الإسلامية في تلك المجالس. إذ أن قسماً لابأس به من الأحكام الشرعية والعقائد الإسلامية قد أُستنبط من تلك المناظرات، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى، فقد لعبت مجالس المناظرة دوراً كبيراً في خلق الأجواء العلمية، وبعث النشاط والحيوية، في مجالس العلماء وأروقة الملوك، وساحات الجوامع بما ولّدته في النفوس من روح البحث العلمي،والتقصي عن الحقائق والمعتقدات الصحيحة، والدفاع عن ما يُتبنّى من آراء وأفكار بالتماس الأدلة والبراهين التي تؤيدها وتقوِّيها، وابطال الآراء والأفكار التي يتبّناها الخصم، وبيان زيفها .
وحريّ بنا ونحن نتحدث عن قيمة مجالس المناظرة وأثرها في الحياة العلمية الإسلامية، أن نشير إلى جملة من تلك المجالس التي عقدها أصحابها لغرض من الأغراض العلمية أو الدينية أو المذهبية أو غير ذلك، وكان لها صيت وشهرة في التاريخ الإسلامي .
من أُولى تلك المجالس، مجلس يحيى بن خالد البرمكي وزير هارون الرشيد العباسي، يجتمع فيه أهل الكلام من أهل الإسلام وغيرهم من أهل الآراء والنحل، ويتباحثون في الكمون والظهور، والقدم والحدوث، والإثبات والنفي، والحركة والسكون ، والوجود والعدم، وغيرها من الأبحاث الفلسفية والكلامية (73).
وكان ممن ضمَّهم هذا المجلس من المتكلمين، علي بن هيثم من مشاهير متكلِّمي الشيعة، وأبو مالك الحضرمي الخارجي المذهب، ومحمد بن الهزيل العلاّف المعتزلي، وهشام بن الحكم أحد أبرز المتكلمين الشيعة، والقيِّم بمجلس يحيى بن خالد، والنظّام إبراهيم بن يسار المعتزلي .
وجاء من بعد ذلك المأمون العباسي، فاهتم بعقد مجالس المناظرة بين زعماء الأديان والمذاهب الاسلامية، وأعدّ‍ لذلك مكاناً خاصاً، ووقتاً معيناً.
ينقل المسعودي عن يحيى بن أكثم قوله : ((كان المأمون يجلس للمناظرة في الفقه يوم الثلاثاء، فإذا حضر الفقهاء ومن يناظرهم من سائر أهل المقالات أُدخِلوا حجرة مفروشة، وقيل لهم : أنزعوا أخفافكم، ثم أحضرت الموائد وقيل لهم : أصيبوا من الطعام والشراب وجدِّدوا الوضوء، ومن كان خفه ضيقاً فلينزعه، ومن ثقلت عليه قلنسوته فليضعها . فإذا فرغوا أُتوا بالمجامر فتبخروا وتطيبوا ثم خرجوا، فاستدناهم الخليفة حتى يدنوا منه ويناظرهم أحسن مناظرة وألطفها وأبعدها من مناظرة المتجبرين. فلا يزالون كذلك إلى أن تزول الشمس ثم تُنصب الموائد ثانية فيطعمون وينصرفون)) (74) .
وكان على رأس المتناظرين في مجلس المأمون الإمام علي بن موسى الرضا(ع). وقد دارت بينه وبين كبار علماء النصارى واليهود والصابئة والهنود وسائر الفرق والمذاهب الأُخرى مناظرات كثيرة(75)، سُئِلَ فيها عن أعمق المسائل العلمية والفلسفية، وأكثرها تعقيداً وغموضاً، فأجاب عنها جواب العالم المتمرِّس، الذي لا يدع لأحد سبيل إلا الإقرار له بالغلبة والمعرفة والإمامة . ويقول الرواة : أنه سئل عن أكثر من عشرين ألف مسألة في نُوَب مُفَرَّقة(76).
وعن أبي الصلت الهروي، قال: ((ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من عُلماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلا أَقَرَّ له بالفضل، وأقرَّ على نفسه بالقصور)) (77).
ولما استقرت الدولة الفاطمية، فعل وزيرها يعقوب بن كلس مثل ما فعل يحيى البرمكي وزير العباسيين ، فأنشأ مجالس
للمناظرة في الفقه والأدب والشعر وعلم الكلام وغيره(78).
وبعد أن أنشأ الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله الفاطمي دار الحكمة سنة (395هـ)، أخذ يستحضر بعض علماء الدار المذكورة بين يديه، ويأمرهم بالمناظرة كما كان يفعل المأمون، ويخلع عليهم الخُلَع . وقد أباح المناظرة بين المتردِدين إلى دار الحكمة، فكانوا يعقدون المجتمعات هناك وتقوم المناظرات، وقد يفضي الجدال إلى الخصام(79).
ولم يقتصر عقد مجالس المناظرة على الملوك والوزراء، بل إن أئمة أهل البيت(ع) والعلماء كانوا يفعلون ذلك أيضاً .
ومن أشهر تلك المجالس مجلس كان يعقده الإمام جعفر الصادق(ع) في بيته، وفي المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، فيحضره العلماء على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم، من نصارى ويهود ومعتزلة ومرجئة وأشعرية وشيعة وغيرهم . كما كان يختلف إليه كبار الملاحدة والزنادقة وأهل الضلال والبدع، أمثال أبو شاكر الديصاني، وابن أبي العوجاء، والجعد بن درهم . وكانت تدور المناظرات بينهم في كثير من الأبحاث الكلامية من قبيل الوجود والتوحيد، والنبوة، والإمامة، وغير ذلك(80).
وسار تلميذه هشام بن الحكم على خطواته في هذا السبيل، فاتخذ له مجلساً يجتمع فيه مع المتكلمين من أهل الفرق المختلفة للمناظرة معهم .
قال أبو عبد الله المفيد فيما رواه المرتضى في فصوله عنه: ((حتى لم يبق أحد من أهل الفرق والمقالات بالكوفة والبصرة وبغداد إلا ناظره هشام وأفحمه، وله مجالس مع أهل المقالات مروية في المطوّلات وكتب المناظرات والاحتجاجات)) (81) .
وقام أيضاً أبو سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت بعقد مجلس له للمناظرة، يحضره جماعة من علماء الكلام .
قال فيه ابن النديم :((من كبار الشيعة ... وكان فاضلاً عالماً متكلماً، وله مجلس يحضره جماعة من المتكلمين)) (82) .
ولسابور بن أردشير مجلس أنشأه للمناظرة والكلام إلى جانب كونه محلاً للدرس والبحث في داره المسمَّاة (دار العلم)(83).
كذلك فعل الشيخ المفيد، فعقد في داره مجلساً للمناظرات، يحضره العلماء والمتكلمون من مختلف الفرق والطوائف .
ذكر ابن الجوزي أنه ((كان لابن المعلم مجلس نظرٍ بداره
بدرب رباح يحضره كافة العلماء)) (84) .
وزاد ابن كثير الدمشقي في وصف هذا المجلس بقوله : ((كان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف)) (85) .
وفي شأن الشيخ المفيد وعلوِّ مقامه في المناظرة قال اليافعي: ((توفي سنة ثلاث عشر وأربعمائة عالم الشيعة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم، البارع في الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر كل عقيدة بالجلالة والعظمة ومقدماً في الدولة البويهية)) (86) .
ومثل سائر العلماء فعل الشريف المرتضى، فأعدَّ له مجلساً للمناظرات في داره المعروفة بـ(دار العلم) .
يقول ابن أبي طي عن الشريف المرتضى: ((هو أوَّل من جعل داره دار العلم وقدَّرها للمناظرة)) (87) .
سادساً:الإنفاق على طلبة العلم والمشتغلين به
من جملة الأمور المعينة على طلب العلم والاشتغال به، فراغ البال من أمر المعيشة. فحين تتيسَّر الأمور المعيشية لطالب العلم، وتتوفّر له الحياة الآمنة الكريمة ؛ فيجد من الطعام ما يَسُدُّ جوعته، ومن اللباس ما يستر عورته، ومن المسكن ما يأوي إليه، ومن المال ما يُؤمِّن به سائر احتياجاته الضرورية، ولا يواجه بعد ذلك ما يعكِّر صفوَ عيشه ويشغل تفكيره ويصرف ذهنه عن النظر في العلم والبحث في مسائله، تكون النتيجة الطبيعية حينئذٍ أن يتحصَّل الطالب على الوقت الكافي الذي يسمح له لأن يتفرَّغ لطلب العلم، ويُرزق براحة البال التي تُؤهله للإقبال على العلم بعقله وقلبه وفكره، وتنشط لديه أيضاً القُدرة الذهنية التي بواسطتها يَجِّدُ في دراسة العلم ويجتهد في سبر أغواره وبلوغ أعماقه .
و على العكس من ذلك طالب العلم الذي تضيق به الحال، وتقسو عليه الحياة، ويفتقد إلى وسائل العيش الهانئ، ومصادر الرزق الكريم، مثل هذا تنعدم عنده أسباب الراحة، فيصبح مشغول البال، شارد الذهن ،كثير التفكير سريع النسيان، ضعيف الهمّة، تحيط به الهموم، وتتقاذفه الهواجس، لا يجد في نفسه رغبةً في علم، ولا نظراً في مسألة، ولا حواراً في موضوع، ولا إقبالاً على كتاب، ولا سعياً نحو درس، بل غاية مناه ومنتهى أمله وشغله الشاغل التفكير في تدبير أمور المعاش، وتحصيل مصادر الرزق، والعثور على أسباب الراحة .
وبسبب ضيق الحال، وتحت ضغط الحاجة والفقر الذي يعاني منه غالبية طلاب العلم في كل زمان ومكان، وللخروج من الواقع المؤلم المرير الذي يعيشونه، قد يضطر البعض إلى بيع أعز وأغلى شيء عنده وهو الكتاب الذي يدرسه أو يقرأه كما حدث لأبي الحسن علي القالي .
حكى الخطيب أبو زكريا يحي بن علي التبريزي اللغوي: أن أبا الحسن علي بن أحمد بن علي القالي الأديب، كان له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها،فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا،وتصفحها،فوجد فيها أبياتا بخط بائعها:
لقد طال وجدي بعدها وحنيني
أنِستُ بها عشرين حولا وبعُتها
0
ولو خلَّدتني في السجون ديوني
وما كان ظني أنني سأبيعهـا
صغار عليهم تستهلُّ شؤوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية
مقالة مكويِّ الفؤاد حزيـن
فقلت ولم أملك سوابق عبرة
كرائِمَ من رب بهن ضنين
وقد تخرِج الحاجات يا أم مالكٍ
فأرجع النسخة إليه وترك الدنانير (88).
وأكثر من ذلك قد يضطر البعض إلى ترك طلب العلم والانقطاع عن تحصيله لأجل طلب الرزق وتدبير المعاش كما حدث لكثير من العلماء .
فقد ذكر السيد محسن الأمين في ترجمة الشيخ محمد بن الشيخ سليمان آل سليمان أنه: ((قرأ على المرحوم ابن عمي السيد علي في مدرسة شقراء ونظم فأجاد ثم عاقه عن طلب العلم طلب المعاش))(89).
ونقل السيد الأمين عن السيد محمد حسين الطبطبائي (صاحب تفسير الميزان) كلامه في شأن تركه للدراسة في النجف ورجوعه إلى بلده حيث قال: ((ثم اضطررت إلى العودة إلى الوطن إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية ونزلت بمدينة "تبريز" مسقط رأسي وأقمت بها مدة أكثر من عشر سني
عن الدراسة والتفكير ثم أغمضت العين عن أمر المعاش وتركت المدينة عائداً إلى قم المشرفة، وحين نزلتها أحسست بنجاتي من السجن المؤلم))(90).
وإذا كان هذا أثر الوضع المعيشي ـ إيجابا وسلبا ـ في حياة طالب العلم،فلا غرو إذا ما كُفيت حاجة الطالب إلى الطعام والشراب والمسكن،وأُمنِّت له مصادر الرزق،وهيئت له الظروف،ووفِّرت له الإمكانات والوسائل اللازمة للدراسة والتحصيل والبحث والتأليف،أن نراه مُكِبَّاً على طلب العلم،منقطعاً إليه،مشتغلا به،باذلا جهده ووقته في سبيل تعليمه ونشره .
ولا عجب أيضاً أن نرى - بسبب ذلك - البلاد الإسلامية تمتلئ بطلاب العلم والمشتغلين به،وتزدحم بحلقات التدريس ومجالس العلم والمناظرة،وتزدهر بالعطاء العلمي والإنتاج الفكري والإنجاز العملي للعلماء المسلمين .
ولأجل هذا الغرض - أي كفاية حاجة الطالب وتأمين معيشته - نَشِطَ القادرون و الموسرون الخيِّرون من الحكَّام والوزراء والعَلماء والأعيان في القيام بمهمة الإنفاق على طلبة العلم والأساتذة و المشتغلين بالتعليم والتأليف والنسخ وما إلى ذلك،وإمدادهم بالمأكل والمشرب والملبس والمأوى. هذا مع ملاحظة أن الأمر لم يقف عند حد توفير الطعام والكساء والمسكن فضلا عن راتب يومي أو معلوم شهري للطلبة والأساتذة،وإنما تعدَّى ذلك إلى توفير جميع ما يحتاجون إليه في الدرس والتدريس والمطالعة والكتابة والنسخ، من الكتب والورق والأقلام والحبر والمحابر . وثمَّة ملاحظة أخرى أن نفقات إعاشة وتعليم الطلاب،وكذا نفقات الأساتذة والمدارس والمكتبات ودور العلم وما يلزمها من أدوات ووسائل، التي كان يتحمَّلها أولئك الموسرون،مصدرها كان إما من الدخل الخاص بهم،أو من الأوقاف والهبات،أو من الخمس والزكاة .
والآن لنذكر بعض الأمثلة والنماذج من أولئك الخِّيرين الذين تعاهدوا أمور الطلبة وأهل العلم ؛بما كانوا يقدِّمونه لهم من نفقات مالية ومواد تعليمية تفي بجميع احتياجاتهم وتقوم بكافة شؤونهم،وكان لها دور كبير في تشجيع العلم والعلماء،وانطلاقة الحركة العلمية وازدهارها في العالم الإسلامي .
من أشهر أولئك: الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ولد العزيز بالله، فإنه بعد أن أنشأ دار الحكمة المعروفة ((جعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والأقلام والورق. وقد رصد الحاكم للإنفاق عليها وعلى أساتذتها وموظفيها وخدمها أموالاً ضخمة،وخصص قسما من أمواله الخاصة - من دور وحوانيت ومخازن - التي وقفها لدار الحكمة هذه)) (91) .
ويذكر بأن والده العزيز بالله كان قد عيَّن بالأزهر في سنة
(378هـ) جماعة من الفقهاء للقراءة في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر ،وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيها،ورتَّب لهم أرزاقا وجرايات شهرية حسنة،وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر،وخلع عليهم في يوم عيد الفطر وحملهم على بغلات تشريفا لهم وتكريما، وأجرى عليهم وزيره ابن كلس أيضاً أرزاقاً من ماله الخاص (وقفا).(92)
ومن أولئك أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن فرات (ت 312هـ) وزير المقتدر بالله،ذكر من جملة مآثره أنه ((كان يجري الرزق على خمسة آلاف من أهل العلم والدين والبيوت والفقراء أكثرهم مائة دينار في الشهر وأقلهم خمسة دراهم وما بين ذلك))(93)
ومن أولئك نظام الملك أبو علي الحسن بن علي الطوسي،كان من أهم مساعيه أنه أجرى الجرايات والنفقات لطلبة العلم وغيرهم. وعم بذلك سائر أقطار مملكته في الشام وديار بكر والعراقين وخراسان إلى سمرقند،فلم يكن فيها حامل علم أو طالبه أو متعبد أو زاهد إلا وكرامة نظام الملك شاملة له سابغة عليه،وقدَّروا ما كان ينفقه في هذا السبيل فبلغ (000ر900) دينار في السنة.(94)
وتحدث الأمين في كتابه (الأعيان) عن نظام الملك واهتمامه
بأهل العلم فذكر من ذلك انه: ((من وجد في بلاده قد تميز في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفاً وجعل فيها دار كتب،..ومن رأى الانتفاع بعلمه رتَّب له ما يكفيه حتى ينقطع إلى إفادة العلم وربما سيَّره إلى إقليم خال من العلم))(95) .
ومن أولئك الصاحب إسماعيل بن عباد، الذي عرف بتقديره وإكرامه لأهل العلم والأدب،وبسخائه عليهم .
فقد ذكر السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) ما يلي: ((وفي معجم الأدباء قرأت في كتاب هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي قال: كان الصاحب يراعي من ببغداد والحرمين من أهل الشرف وشيوخ الكتاب والشعراء وأولاد الأدباء والزهاد والفقهاء بما يحمله إليهم كل سنة مع الحاج على مقاديرهم ومنازلهم . فكان ينفذ إلى بغداد من ذلك خمسة آلاف دينار في سنة تُفرَّق على الفقهاء والأدباء،وكان يحمل إلى أبي إسحاق الصابي خمسمائة دينار وإليَّ ألف درهم جبلية .
وفي معجم الأدباء عن الوزير أبي سعد منصور بن الحسين الآجي في تاريخه أنه : كان ما يخرج لكافي الكفاة في السنة في وجوه البر والصدقات والمبرَّات وصلات الأشراف وأهل العلم والغرباء الزوار ومن يجري مجرى ذلك مما يتكلفه ويريد به صيت الدنيا وأجر الآخرة يزيد على مئة ألف دينار))(96) .
وقـال الشيخ عباس القمي : ((وكـانت أيامه رحمه الله
للعلوية والعلماء والأدباء والشعراء وحضرته محط رحالهم وموسم فضلائهم،أمواله مصروفة إليهم ،وصنائعه مقصورة عليهم))(97).
ومن أولئك الشريف الرضي،الذي تكفَّل بجميع نفقات تلاميذه،وتأمين كافة احتياجاتهم المعيشية والدراسية.فقد سبق منّا الحديث عن إنشائه لمدرسة دار العلم، وأنه كان ينفق على تلامذتها من ماله الخاص،وأنه أيضا ألحق بها مخزناً فيه جميع ما يحتاجه الطلاب من الأمور المادية، بالإضافة إلى توفيره الكتب لهم مجانا .
ينقل المؤرخون: ((أن الوزير أبي محمد المهدي بلغه أن الشريف الرضي وُلِدَ له غلام،فأرسل إليه بطبق فيه ألف دينار فردَّه الشريف الرضي ،وقال: قد علم الوزير أني لا أقبل من أحدٍ شيئا . فردَّه الوزير إليه وقال: إني إنما أرسلته للقوابل . فردّه الشريف ثانية وقال: قد علم الوزير أنه لا تقبل نساؤنا غريبة . فردَّه الوزير إليه وقال: يُفرّقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم . فلما جاءه الطبق وحوله طلاب العلم قال: هاهم حضور فليأخذ كل أحد ما يُريد فقام رجل وأخذ دينارا فقرض من جانبه قطعة وأمسكها وردّ الدينار إلى الطبق،فسأله الشريف عن ذلك.فقال: احتجت إلى دهن للسراج ليلة ولم يكن الخازن حاضراً فاقترضت من فلان البقال دهنا فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه،وكان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضي في دار قد اتخذها لهم سمّاها (دار العلم) وعين لهم جميع ما يحتاجون إليه، فلما سمع الرضي ذلك أمر في الحال بأن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة ويدفع إلى كل منهم مفتاح ليأخذ ما يحتاج إليه ولا ينتظر خازنا يعطيه،وردّ الطبق على هذه الصورة))(98).
ومن أولئك الشريف المرتضى، الذي عني بأمور طلبة العلم عناية فائقة،فأجرى على تلاميذه مرتَّبات منظمة،ووفر لهم أدوات البحث من كتب وأوراق ومداد .
يقول المحامي رشيد الصفار في هذا الشأن: ((وقد استفاض عنه إنفاقه على مدرسته العلمية التي تعهد بكفاية طلابها مؤونة ومعاشاً،حتى أنه وقف قرية من قراه تصرف مواردها على قراطيس الفقهاء والتلاميذ، وأنه كان يجري الجرايات والمشاهرات الكافية على تلامذته وملازمي درسه،مثل الشيخ الطوسي فقد كان يعطيه اثني عشر دينارا في الشهر ،ويعطي للقاضي عبد العزيز بن البراج ثمانية دنانير،وغيرهما،وذلك بفضل ما يرد عليه من دخل أملاكه الخاصة،الذي قدر بأربعة وعشرين ألف دينار بالسنة،ولما يمتلكه من قرى وضياع،قيل إنها ثمانون قريةبين بغداد وكربلاء))(99)
ومن أولئك الخواجة نصير الدين الطوسي،مؤسس وباني مرصد مراغة الشهير الذي مر بنا الحديث عنه،فإنه بعد أن جعل منه مؤسسة علمية كبرى وأقام فيه المدارس والمعاهد الدينية والعلمية،قرَّر إجراء وتعيين رواتب دائمة لطلاب تلك المدارس والمعاهد كلاً بحسب أهميتها والحاجة إليها في نظره في ذلك الزمان.
ينقل الدكتور هاني فرحات عن ابن كثير قوله: ((نقل الطوسي للمرصد كثيرا من كتب الأوقاف التي كانت ببغداد وعمل دار حكمة ورتَّب فيها فلاسفة ورتب لكل واحد في اليوم والليلة ثلاثة دراهم،ودار طب فيها للطبيب في اليوم درهمان،ومدرسة فقه لكل فقيه في اليوم درهم،ودار حديث لكل محدث نصف درهم في اليوم))(100).
وقد أدى هذا العمل من الطوسي _ كما يقول السيد الأمين _ إلى إقبال الناس على معاهد الفلسفة والطب أكثر من إقبالهم على معاهد الطب والحديث،بينما كانت تلك العلوم من قبل تدرس سراً دون أجر (101).
ونتيجة لتلك النفقات فقد (اجتمع حوله العدد الوافر من الطلاب، وأقبل العلماء من كل ناحية إلى تلك الديار،وطافوا حوله كالفراشات على النور،واشتغلوا بكشف دقائق العلوم)(102).
ومن أولئك الخِّيرين الشيخ نجيب الدين محمد بن جعفر بن نما الحلي (ت649هـ)،فإنه-كما يذكر الشيخ علي بن فضل الله في حوادث سنة (636هـ) قام الشيخ المذكور بتعمير بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب العصر والزمان(ع) بالحلّة السيفية واسكنها جماعة من الفقهاء (103).
ومن الذين عنوا بأمور طلبة العلم والإنفاق عليهم، العلامة الحسن بن المطهر الحلي (ت726هـ) فقد ذكرنا فيما مضى بأنه كان يقيم في مدرسته السيارة مائة طالب علم،مكفولي الملبس والمأكل وجميع ما يحتاجون إليه.(104)
ومنهم حسن خان من أعيان أذربيجان، قام ببناء مدرسة علمية في كربلاء تعرف بمدرسة (حسن خان) وأوقف عليها الدكاكين الواقعة خلف المدرسة في سوق البقالين بين الحرمين،وأوقف عليها خانات وحوانيت أخرى في كربلاء المشرفة وفي إيران،وكانت المدرسة مؤثثة الغرف لجميع ما يحتاج إليها طالب العلم من كتب وفرش وأواني وغيرها(105).
ومنهم الأميرزا محمد تقي النوري الطبرسي،كان عنده من
الطلاب ما يزيد على ثلاثمائة، وقد كفاهم أمر معاشهم وقدمهم على عياله (106).
ومنهم الشيخ محمد علي بن الشيخ يوسف خاتون العاملي،كان ينفق من ماله الخاص على تلامذته،وكان لهم مُرتَّب دائم من مأكل وملبس لأنه كان مثريا له عدة قرى (107).
ومنهم السيد ميرزا محمد علي الوكيل الرضوى،وقف مائتي مجلد من الفقه والتفسير والأخبار على الطلاب (108).
ومنهم قطب الدين الرازي،أشهر من شجع التعليم والتأليف وأجزل الصلات للمؤلفين،وقد أُلفِّت باسمه الكثير من الكتب(109).
ومنهم الشيخ عبد الكريم محمد جعفر اليزدي،كان في مدرسته في قم نحو 900 طالب يجري على أكثرهم الأرزاق(110).
وبعد ، فإن الباحث في تاريخ العلماء والأعيان وأهل الخير والبر يجد نماذج كثيرة مشابهة لتلك التي أوردناها،تبعث على العجب والدهشة، وتستحق الفخر والاعتزاز بما قدمته من عطاء ودعم، وما أولته من عناية واهتمام بطلاب العلم وحامليه، كان لهما أكبر الأثر في دفع عجلة العلم وإحرازه التقدم المذهل والانتشار الواسع في العالم الإسلامي .
ثبت المصادر والمراجع
1- الأمين(السيد محسن): أعيان الشيعة،تحقيق حسن الأمين،دار التعارف للمطبوعات، بيروت،1406هـ/1986م .
2- الأمين(حسن): دائرة المعارف الإسلامية الشيعية،المؤسسة الإسلامية ،
طالب،ط2،الحيدرية، النجف،1380هـ/1961م .
6- ابن خلكان: وفيات الأعيان،النهضة المصرية،1948م .
7- بن طاووس(السيد علي بن موسى): مهج الدعوات، البلاغة، بيروت، 1412هـ .
8- حيدر (أسد): الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ط 2،1390 هـ/ 1969م .
9- الحكيمي(الشيخ محمد رضا): تاريخ العلماء عبر العصور المختلفة، ط1، مؤسسة الأعلمي ، بيروت،1403هـ/1983م .
10- الحلي(الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن): كشف الفوائد في شرح العقائد،تحقيق الشيخ حسن مكي العاملي،دار الصفوة،بيروت.
11- الحلي (الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن): تبصرة المتعلمين ،تحقيق السيد أحمد الحسيني و الشيخ هادي اليوسفي، ط3، مؤسسة الأعلمي بيروت، 1404هـ/1984م.
12- الحموي(ياقوت بن عبد الله) : معجم البلدان، دار صادر، بيروت،1374هـ/1955م.
13- حمادة(محمد ماهر) : المكتبات في الإسلام،ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت،1398هـ/ 1978م.
14- الخوئي(السيد أبو القاسم) : معجم رجال الحديث،ط4، مركز نشر آثار الشيعة، قم.
15- زيدان(جرجي) : تاريخ التمدن الإسلامي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
16- السباعي(الدكتور مصطفى) : من روائع حضارتنا، المكتب الإسلامي، بيروت.
17- شبر(السيد عبد الله) : تفسير القرآن الكريم، تعليق السيد مرتضى الرضوي، ط9، الدار الإسلامية، بيروت،1412هـ/1992م.
18- الصدر(السيد حسن): تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، مؤسسة النعمان، بيروت،1411هـ/1991م.
19- الصفار(المحامي رشيد) : ديوان الشريف المرتضى، مطبعة عيسى البابي، القاهرة، 1958م.
20- الطبرسي(أبو علي الفضل بن الحسن) : إعلام الورى بأعلام الهدى، دار المعرفة، بيروت،1399هـ/1979م.
21- الطهراني(الشيخ آقابزرك) : الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط3، دار الأضواء، بيروت،1403هـ/1983م.
22- الطوسي(أبو جعفر محمد بن الحسن) : الفهرست، تحقيق و تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، ط3، مكتبة الزواد،سيهات،1403هـ/1983م.
23- العاملي(الشيخ محمد بن الحسن الحر) : وسائل الشيعة، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني، ط5، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403هـ/1983م.
24- العاملي(الشهيد زين الدين الجبعي) : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، تعليق السيد محمد كلانتر، مؤسسة الأعلمي، بيروت.
25- علي(السيد مير) : مختصر تاريخ العرب،مصر، 1938م.
26- آل علي(الدكتور نور الدين) : الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب،ط1، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1408هـ/ 1988م.
27- عواد(كوركيس) : خزائن الكتب القديمة في العراق، ط2، دار الرائد العربي، بيروت، 1406هـ/1986م.
28- فرحات(د. هاني نعمان) : مسائل الخلاف بين فخر الدين الرازي و نصير الدين الطوسي، ط1، إصدار مركز الغدير للدراسات الإسلامية، م. الغدير، بيروت،1418هـ/1997م.
29- الفضلي(الدكتور عبد الهادي) : تاريخ التشريع الإسلامي، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، ط1، 1414هـ/1993م.
30- الفضلي(الدكتور عبد الهادي) : دليل النجف الأشرف، نشر مكتبة التربية، النجف الأشرف، 1385م.
31- القائيني(علي الفاضل) : علم الأصول تاريخاً و تطوراً،ط1، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.
32- القرشي(باقر شريف) : النظام التربوي في الإسلام، دار التعارف، بيروت،1404هـ/1983م.
33- القرشي(باقر شريف) : حياة الإمام علي بن موسى الرضا، دار المرتضى،1412هـ/1992م.
34- القمي(الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه) : من لا يحضره الفقيه، تقديم السيد حسن الخرسان.
35- القمي(الشيخ عباس) : الكنى و الألقاب، ط5، مكتبة الصدر، طهران،1359هـ.
36- المجلسي(الشيخ محمد باقر) : بحار الأنوار،ط3، مؤسسة الوفاء،بيروت،1403هـ/1983م.
37- المسعودي(أبو الحسن علي بن الحسين) : مروج الذهب، ط5، دار الأندلس، بيروت، 1983م.
38- المفيد(الشيخ محمد بن محمد بن النعمان) : الإرشاد،ط5، مؤسسة الأعلمي ، بيروت،1399هـ/1979م.
39- النجاشي(الشيخ أحمد بن علي) : الرجال، بيروت،1409هـ.
40- هاف (توبي.أ.) : فجر العلم الحديث، ترجمة د. أحمد محمود صبحي، سلسلة عالم المعرفة، العدد(220)،1417هـ/1997م، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت .
المحتـويات
الموضوع رقم الصفحة
المقدمة .................................................................................. 7
الفصل الأول : مراكز الحركة العلمية في الحضارة الإسلامية . 11
مدخل ................................................................................... 13
1- مركز المدينة المنورة ......................................................... 16
2- مركز الكوفة ................................................................. 18
3- مركز خراسان .............................................................. 20
4- مركز قم والري ............................................................ 23
5- مركز بغداد ................................................................... 25
6- مركز النجف ................................................................ 26
7- مركز القاهرة ................................................................ 28
الفصل الثاني : دور العمل التطوعي في ازدهار الحياة العلمية 31
مدخل ................................................................................. 33
أولاً : التعليم ........................................................................ 36
ثانياً : التأليف ...................................................................... 45
ثالثاً : بناء المدارس .............................................................. 50
رابعاً : إنشاء المكتبات ......................................................... 60
خامساً : عقد مجالس المناظرة ............................................... 69
سادساً : الإنفاق على طلبة العلم والمشتغلين به .................... 77
ثبت المصادر والمراجع ........................................................ 91
(المؤلف في سطور)
صالح محمد أحمد آل إبراهيم، من مواليد سنة 1388هـ/1968م، مدينة صفوى شرق المملكة العربية السعودية.
- من علماء الدين ومن الكُتّاب والباحثين .
من مؤلفاته المنشورة:
- صفوى تاريخ و رجال، صدر في بيروت سنة 1992م.
- المرجع و الأمة - دراسة في طبيعة العلاقات و المهمّات، صدر في بيروت سنة 1993م.
- التغيرات الأسرية في المنطقة الشرقية، صدر في الدمام سنة 1997م.
- التطوع و النهوض العلمي - بين يديك - .
إلى جانب العديد من المقالات و الدراسات التي نشرها المؤلف في بعض المجلاّت والدوريات الفكرية والثقافية .
ــــــــــــــــــــــــ
1- الإرشاد ، ص270-271.
2- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، ج1 ص62.
1- الرجال، ج1 ص137 رقم 79 . للنجاشي .
4- وسائل الشيعة ، ج20 ، الفائدة الرابعة ، ص49 .
5- أعيان الشيعة ،ج1 ص101 .
6- تاريخ التمدن الإسلامي ، ج2 ص220.
7- تاريخ التمدن الإسلامي ، ج2 ص231 نقلاً عن معجم البلدان ج4 ص509 .
8- علم الأصول تاريخاً وتطوراً ، ص164.
9- دائرة المعارف الشيعية ج3 ص390 .
10- مقدمة من لا يحضره الفقيه ، ص (د) تقديم السيد حسن الخرسان .
11- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ، ج1 ، ص42 .
12- دليل النجف الأشرف ، ص39 .
13- معجم الرجال الحديث ، ج15 ص247 .
14- مختصر تاريخ العرب ، ص510 .
15- الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب ، ص39 .
16- وسائل الشيعة ، ج20 ، الفائدة السادسة ، ص72 - 73 .
17- أعيان الشيعة ، ج1 ص101 .
18- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ، ص54 .
19- بحار الأنوار ، ج5 ص163 .
20- معجم رجال الحديث ، ج15 ص247 - والكنى والألقاب ج2 ص395 .
21- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، ص306 .
22- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، ص270 .
23- الكنى والألقاب ، ج3 ص147 .
24- أعيان الشيعة ، ج10 ص183 .
25- علم الأصول تاريخاً وتطوراً ، ص175 .
26-الكنى والألقاب ، ج2 ص361 .
27- أعيان الشيعة ، ج9 ص149 .
28- الكنى والألقاب ، ج3 ص126 .
29- الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج4 ص 367 .
30- الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج4 ص367 .
31- أعيان الشيعة ، ج7 ص392-393 .
32- النظام التربوي في الإسلام ، ص192 ، نقلاً عن المقدسي ، ص205 .
33- الكنى والألقاب ، ج1 ص24 .
34 -الفهرست للطوسي ،ص162 .
35 -الفهرست للطوسي ،ص290
36 -الفهرست للطوسي ،ص154 .
37 -الفهرست للطوسي ، ص167 .
38 -الفهرست لابن النديم ، ص242 .
39 -تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، ص332 .
40 -الكنى والألقاب ، ج1 ص221 .
41 -الفهرست للطوسي ، ص190
42- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، ص290 .
43 -مقدمة تفسير القرآن الكريم ، للسيد عبد الله شبر ، بقلم السيد محمد معصوم ، (يق) .
44 -الكنى والألقاب ، ج3 ص40 .
45 -الكنى والألقاب ، ج3 ص149 .
5 -تفسير القرآن الكريم ، السيد عبد الله شبر ، مقدمة الدكتور حامد حفني داود (هـ) .
1-دائرة المعارف الشيعية ج3 ص239 .
2- أعيان الشيعة ج1 ص140 .
1- النظام التربوي في الإسلام ، ص193 نقلا عن دائرة المعارف الإسلامية ، ج3 ص401.
1- روائع حضارتنا ، ص129.
2- دائرة المعارف الشيعية ، ج1 الجزء الرابع ،ص65.
3 - تاريخ التمدن الإسلامي ، ج2 ص222.
1- الرجال ،ج2 ص247-248.
2- أعيان الشيعة ، ج 10 ص 237 .
1 - خزائن الكتب القديمة في العراق ، ص 213 .
2- ديوان الشريف المرتضى ، المقدمة ج 1 ص 61 .
3 -النظام التربوي في الإسلام، ص193 نقلاً عن كتاب الحضارة الإسلامية لآدم متز، ج1ص311 .
4 -مهج الدعوات ، ص335 .
1 - أعيان الشيعة ، ج9 ص419 .
2- كشف الفوائد في شرح العقائد ، ص26 .
1 - الكنى والألقاب ، ج 2 ص 415 - 416 .
2 - أعيان الشيعة ، ج10 ص182 .
3 - التفوق العلمي في الإسلام ، ص187 .
4 - تاريخ التمدن الإسلامي ،ج2 ص223 .
1-تاريخ التمدن الإسلامي ،ج2 ص223 .
49- من روائع حضارتنا ، ص155 .
50- التفوق العلمي في الإسلام ، ص187-188 .
51- معجم البلدان ، ج4 ص509 .
52- فجر العلم الحديث ، الجزء الأول ، ص97 .
53 -تاريخ التمدن الإسلامي ، ج2 ص227 .
54 -فجر العلم الحديث ، الجزء الأول ، ص98 .
55- القمطر : ما يصان فيه الكتب .
56- الفهرست ، ص128 .
57 -أعيان الشيعة ، ج10ص33 .
58 -تاريخ العلماء عبر العصور المختلفة ، ص79 .
59 -التفوق العلمي في الإسلام ، ص188 .
60 -تاريخ التشريع الإسلامي ، ص318-319 نقلاً عن كتاب خزائن الكتب القديمة في العراق لكوركيس عواد .
61 -معجم البلدان ، ج2 ص342 .
62 -تاريخ التشريع الإسلامي ،ص321 .
63 -المصدر السابق ، ص321 .
64-عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، ص235 .
65 -تاريخ التشريع الإسلامي ، ص322 ، نقلا عن كتاب خزائن الكتب القديمة في العراق .
66- المصدر السابق، ص322 .
67- المصدر السابق ، ص323 ، نقلاً عن خزائن الكتب القديمة في العراق .
68 -دائرة المعارف الشيعية ، ج3ص239 .
69 -فجر العلم الحديث ، ج1ص250 .
70 -المكتبات في الإسلام ، ص107 .
71- الكنى والألقاب ، ج3 ص251 .
72- الكنى والألقاب ، ج3 ص284-285 .
73 -مروج الذهب ج3 ص371 .
74 - مروج الذهب ، ج3 ص432 .
75- للوقوف على تلك المناظرات ، راجع الكتب التالية : (عيون أخبار الرضا) للشيخ الصدوق ، و(بحار الأنوار) للعلامة المجلسي ، و(الاحتجاج) للشيخ الطبرسي .
3- حياة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ، ج1 ص102 .
77- إعلام الورى ، ص315 .
78 - تاريخ التمدن الإسلامي ، ج2 ص679 .
79 - المصدر السابق ، ج2 ص230 .
80- للوقوف على تلك المناظرات راجع الكتب التالية:(الاحتجاج) للشيخ الطبرسي ،و(التوحيد) للشيخ الصدوق ، و(الكافي) للشيخ الكليني ،و(بحار الأنوار) للعلامة المجلسي .
81- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، ص360 .
82- الفهرست ، ص219 .
83- تاريخ التشريع الإسلامي ، ص319 .
84- أعيان الشيعة ، ج9 ص422 .
85 -المصدر السابق ، ج9 ص422 .
86- المصدر السابق ، ج9 ص422 .
87- بحار الأنوار ، ج0 ص157.
88- وفيات الأعيان ج3 ص6
94 - تاريخ التمدن الإسلامي ،ج2 ص221
95 - أعيان الشيعة، ج5 ص165 .
96 - المصدر السابق ، ج3 ص347-348 .
97 - الكنى والألقاب،ج2 ص408.
98 - عمدة الطالب في أنساب أل أبي طالب،ص238-239 ، و أعيان الشيعة ج9 ص217.
99 -ديوان الشريف المرتضى-المقدمة ص51.
100 -مسائل الخلاف بين فخر الدين الرازي ونصير الدين الطوسي،ص43 نقلا عن كتاب البداية والنهاية لابن كثيرص215.
101 - أعيان الشيعة، ج9 ص417، وفلاسفة الشيعة ،ص546 .
102 -أعيان الشيعة ،ج9 ص417 .
103 - المصدر نفسه، ج9 ص203 .
104 - تبصرة المتعلمين،تقديم الشيخ حسين الأعلمي .
105 -أعيان الشيعة، ج 9 ص 187 .
106 - أعيان الشيعة ،ج 9 ص 198 .
107 -المصدر السابق، ج 10 ص 19 .
108 -المصدر السابق،ج 10 ص 18 .
109 -المصدر السابق، ج 8 ص 8 .
110 -المصدر السابق،ج 8 ص 42 .
/ 1