نجم الثاقب الجزء الثاني نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نجم الثاقب الجزء الثاني - نسخه متنی

محمد حسن شیرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
النجم الثاقب الجزء الثاني
تقريظ آية الله العظمى الإمام المجدد السيد محمد حسن الشيرازي قدس سره الشريف المتوفى سنة 1212 هـ. ق
تالموضوعات
1الباب السادس في إثبات إمامته عليه السلام بمعجزاته الباهرات التي ظهرت منه أيام الغيبة الصغرى
2الأحاديث (أربعون حديثاً)
3الباب السابع في ذكر حكايات وقصص الذين وصلوا إلى خدمة إمام الزمان عليه السلام في الغيبة الكبرى
4الحكايات (مئة حكاية)
5فصل: في ذكر جملة من المعمرين:
6الخضر عليه السلام
7عيسى عليه السلام
8اللعين الكافر الدجال
9الياس النبي عليه السلام
10سلمان الفارسي المحمدي رضي الله عنه
11الشيخ صاحب حديث القلاقل
12عبيد بن شريد الجرهمي
13الربيع بن الضبع الفزاري
14قس بن ساعدة الأيادي
15أوس بن ربيعة الألسلمي
16سطيح الكاهن
17عبد الله اليمني
18عبد المسيح بن مقيلة
19شق الكاهن المعروف
20أوس بن ربيعة بن كعب
21ثوب بن صداق العبدي
22مروانة [رواعد] بن كعب
23عبيد بن الأبرص
24زهير هبل بن عبد الله
25عمر بن عامر ماء السماء
26هبل بن عبد الله بن كنانة
27المستوغر بن ربيعة
28دريد بن نهد
29تيم (الله) عكاية
30معدي كرب
31شربة بن عبد الله الجبعي
32ذو الاصبع العدواني
33جعفر بن قبط
34مهن بن عنان
35صيفي بن رياح
36أكثم بن صيفي
37عاصم بن الطرب العدواني
38مربع بن ضبع
39عمرو بن حميمة الدوسي
40معمر المشرقي
41الحارث بن مضاض
42أبو بكر عثمان بن خطاب بن عبد الله بن العوام
43ابن أبي الدنيا
44الباب الثامن في الجمع بين الحكايات المتقدمة وبين ما جاء في تكذيب مدعي المشاهدة له عليه السلام في الغيبة الكبرى
45الأجوبة (ستة أجوبة)
46الباب التاسع في عذر دخول بعض حكايات المستغيثين في الصحاري وغيرها
47الباب العاشر في ذكر شمة من تكاليف العباد لإمام العصر عليه السلام
48التكاليف (ثمانية تكاليف)
49الباب الحادي عشر في ذكر بعض الأزمنة والأوقات المختصة بإمام العصر عليه السلام
50الأول: ليلة القدر
51الثاني: يوم الجمعة
52الثالث: يوم عاشوراء
53الرابع: حين اصفرار الشمس إلى غروبها في كل يوم
54الخامس: عصر يوم الاثنين
55السادس: عصر يوم الخميس
56السابع: ليلة ويوم النصف من شعبان
57الثامن: يوم النوروز
58تنبيه نبيه
59الباب الثاني عشر في ذكر العمال والآداب التي قد يتمكن الإنسان ببركتها أن يصل لشرف اللقاء بالإمام الحجة صلوات الله عليه
60فصل: في الأعمال المخصوصة
61فصل: في الأعمال المختصرة
******************
الباب السّادس
في إثبات إمامته عليه السلام بمعجزاته الباهرات التي ظهرت منه أيام الغيبة الصغرى
في اثبات امامته عليه السلام عن طريق المعجزات الباهرات وخوارق العادات التي ظهرت منه في أيام غيبته الصغرى وزمان تردد خواصّه ونوّابه عليه عليه السلام، وبه ثبتت حياته ومهدويّته عليه السلام.
فليس في المسلمين من يعترف بوجوده في زمانه وامامته ويرى غيره هو المهدي الموعود.
وان كل من يعترف بأنّه الامام المفترض الطاعة من الله تعالى بالنصوص والمعجزات فانه يعترف بان الامامة تختم به وانّه هو المهدي الموعود.
ومعجزاته عليه السلام كثيرة وقد نقلها أكابر العلماء الأتقياء المعروفين بالصلاح والصدق والفضل عند الخاصة والعامة.
وبما انّ مبنانا على الاختصار فلهذا ننقل أربعين معجزة من الكتب التي لم تكن عند العلامة المجلسي رحمه الله أو كانت عنده وقد غفل عن النقل عنها; وهي تؤيّد ما نقله سنداً ومضموناً.
روى الشيخ الجليل الفضل بن شاذان في غيبته عن أحمد بن محمد بن ابي نصر عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن ابي يعفور قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام: "ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء الّا يُظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا لاتمام الحجة على الأعداء".(1)
أربعون حديثاً
الحديث الأول:
نقل في كفاية المهتدي عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن هبة الله الطرابلسي في كتابه (الفرج الكبير) بسنده عن أبي الأديان وكان أحد خدّام الامام العسكري عليه السلام، انّه قال(2): كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت إليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه(3)، فكتب معي كتباً وقال: تمضي بها إلى المدائن(4) فانّك ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر(5)، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فاذا كان ذلك فمن؟(6) قال: من طالبك بجوابات كتبي (فهو القائم بعدي)(7) فقلت: زدني(8) فقال: من يصلّي عليّ(9) فهو القائم بعدي فقلت: زدني(10) فقال: من أخبر بما في الهميان (فهو القائم بعدي)(11) ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان، وخرجت بالكتب(12) إلى المدائن وأخذات جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السلام فاذا أنا بالواعية في داره(13) واذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة(14) حوله يعزّونه، (ويهنّئونه)(15) فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام، فقد بطلت الامامة لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطّنبور.
فتقدّمت فعزّيت (وهنّيت)(16) فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفّن أخوك فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة ( من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة ).(17)
فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، (بأسنانه تفليج)(18) ، فجذب رداء جعفر بن عليّ وقال: تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي، فتأخّر جعفر وقد اربدَّ وجهه، فتقدّم الصبي فصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام.(19)
ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها اليه(20)، وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان ثمّ خرجت الى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له:(21) حاجز الوشّاء: يا سيدي من الصبيّ؟ ـ ليقيم عليه الحجة(22) فقال: والله ما رأيته قطّ ولا عرفته.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي صلوات الله عليه(23) فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزّي؟(24) فأشار الناس(25) إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه وعزّوه (وهنّأوه)(26) وقالوا: معنا كتب ومال(27) فتقول ممّن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه، ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب(28) قال: فخرج الخادم(29) فقال:(30) معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلّسة فدفعوا الكتب والمال(31) وقالوا: الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الامام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد(32) وكشف له ذلك فوجّه المعتمد(33) خدمه فقبضوا على (صقيل الجارية وطالبوها بالصبيّ فأنكرته وادّعت حملا بها لتغطّي على حال الصّبي فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي)(34) وبغتهم موت عبيد الله (بن يحيى)(35) بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشُغلوا بذلك عن (الجارية)(36) فخرجت(37) عن أيديهم.(38)
الحديث الثاني:
روى الحسين بن حمدان في الهداية وفي كتابه الآخر عن عبد الحميد البزاز وأبي الحسن محمد بن يحيى، ومحمد بن ميمون الخراساني، وحسن بن مسعود الفزاري(39) جميعاً وقد سألتهم في مشهد سيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكربلاء عن جعفر(40) وما جرى في أمره بعد غيبة سيدنا أبي الحسن علي وأبي محمد الحسن الرض(41) عليهم السلام وما ادّعاه له جعفر وما فعل فحدّثوني بجملة أخباره ان سيدنا أبا الحسن عليه السلام(42) كان يقول لهم تجنّبوا ابني جعفر اما انّه بني مثل حام(43) من نوح الذي قال الله جلّ من قائل فيه: (قَالَ نُوح رَبّ اِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى) الآية، فقال له الله يا نوح: (اِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ اِنَّهُ عمل غَير صَالِح) وان أبا محمد عليه السلام كان يقول لنا بعد أبي الحسن عليه السلام الله الله ان يظهر لكم أخي جعفر على سرّ فوالله ما مثلي ومثله الّا مثل هابيل وقابيل ابني آدم حيث حسد قابيل لهابيل على ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل، ولكن الله غالب على أمره، فلقد عهدنا بجعفر وكل من في البلد وكل من في العسكر من الحاشية الرجال والنساء (والخدم)(44) يشكون اذ أوردنا الدار أمر جعفر، يقولون انّه يلبس المصنعات من ثياب النساء ويضرب له بالعيدان(45) فيأخذون منه ولا يكتمون عليه، وان الشيعة بعد أبي محمد عليه السلام زادوا في هجره وتركوا رمي السلام عليه وقالوا: لا تقيّة بيننا وبينه نتجمل به وان نحن لقيناه وسلّمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فنضل الناس فيه وعملوا على ما يرونا نفعله فنكون بذلك من أهل النار، وان جعفر كان في ليلة أبي محمد عليه السلام ختم الخزائن وكلما في الدار ومضى إلى منزله، فلما أصبح أتى الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه فلما فتح الخواتم ودخل نظر فلم يبق في الدار ولا في الخزائن الّا قدراً يسيراً فضرب جماعة من الخدم ومن الاماء فقالوا له: لا تضربنا فوالله لقد رأينا الأمتعة والرجال توقر الجمال في الشارع ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت الجمال وغلقت الأبواب كما كانت، فولول جعفر وضرب على رأسه اسفاً على ما خرج من الدار وانه بقي يأكل ما كان له ويبيع حتى ما بقي له قوت يوم وكان له في الدار أربعة وعشرون ولداً بنون وبنات وامهات اولاد وحشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر إلى أن أمرت الجدة وهي جدة أبي محمد عليه السلام ان يجرى عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لداوبه وكسوة لأولاده وامهاتهم وحشمه وغلمانه(46) ونفقاتهم.(47)
الحديث الثالث:
روى المسعودي في اثبات الوصية والحضيني في الهداية عن جعفر بن محمد بن مالك (الفزاري الكوفي)(48) قال: حدّثني محمد بن جعفر بن عبد الله عن أبي نعيم محمد بن احمد الأنصاري قال: وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن ابراهيم المدايني (المعروف بصناعة)(49) إلى أبي محمد عليه السلام ليناظره في أمرهم، قال كامل: فقلت في نفسي اسأله وأنا أعتقد انه لا يدخل الجنة الّا من عرف معرفتي وقال بمقالتي؟! قال: فلما دخلت عليه نظرت إلى ثياب بيض ناعمة(50) عليه فقلت في نفسي: وليّ الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله، فقال متبسماً: يا كامل وحسر عن ذراعيه فاذا مسح أسود خشن رقيق على جلده; فقال: هذا لله عزّ وجلّ وهذا لكم، فخجلت وجلست إلى باب عليه ستر مسبل فجاءت الريح فرفعت طرفه فاذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من ابناء اربع سنين أو مثلها فقال لي: يا كامل بن ابراهيم فاقشعررت من ذلك، فألهمني الله أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله وحجته (وبابه)(51) تسأله هل يدخل الجنة الّا من عرف معرفتك وقال بمقالتك، قلت: اي والله، قال: اذن والله يقلّ داخلها، والله انّه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية، قلت: يا سيدي من هم؟ قال: قوم من حبهم (لعلي صلى الله عليه) أمير المؤمنين(52) يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله ثم سكت (صلى الله عليه)(53) عني ساعة، ثم قال: وجئت تسأله عن مقالة المفوضة كذبوا، بل قلوبنا أوعية الله فاذا شاء الله شئنا وهو قوله: (وما تشاؤن الّا أن يشاء الله) ثم رجع الستر إلى حالته فلم استطع كشفه، فنظر اليّ أبو محمد عليه السلام متبسماً فقال: يا كامل بن ابراهيم ما جلوسك وقد انبأك (المهدي)(54) والحجة بعدي ( بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه. قال: فنهضت وأخذت الجواب الذي أسررته في نفسي من الامام المهدي عليه السلام، ولم ألقه بعد ذلك).(55)
قال أبو نعيم: فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث، فحدّثني به (عن آخره بلا زيادة ولا نقصان)(56).(57)
الرابع:
وروى في كتابه الآخر غير الهداية عن محمد بن جمهور عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار قال: شككت بعد مضي ابي محمد عليه السلام; واجتمع عند أبي مال كثير فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيعاً فوعك وعكاً شديداً.
فقال: يا بني ردّني فهذا الموت، وقال: اتق الله في هذا المال، وأوصاني ومات. فقلت في نفسي: لم يكن أبي أوصاني في شيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق وأستكري داراً على الشط ولا اخبر احداً بشيء، فإنْ وضح لي شيء كوضوح أيام أبي محمد عليه السلام انفذته، أو رجعت به.
وقدمت بغداد، واستكريت داراً على الشط، وبقيت اياماً، فاذا انا برسول معه رقعة فيها: يا محمد معك كذا في جوف كذا، حتى قصّ عليّ جميع ما عملته وما لم أعمله، فسلّمته للرسول. وبقيت اياماً لا يراجع بي رسول، فاغتممت، فخرج الأمر قد اقمناك في مال لنا مقام أبيك فاحمد الله واشكره.(58)
الخامس:
وروى ايضاً عن سعد بن ابي خلف قال: كان الحسن بن النصر وأبو صدام وجماعة تكلّموا معي بعد مضي أبي محمد عليه السلام(59)... إلى آخر ما تقدّم برواية الكليني في الباب الثاني في اللقب الأول باختلاف قليل لا يستدعي التكرار.
السادس:
وروى ايضاً عن (جعفر بن محمد الكوفي عن رجاء المصري)(60) محمد بن جعفر الكوفي، عن أبي خالد البصري وكان يسمى عبد ربه، قال: خرجت في طريق مكة بعد مضي أبي محمد عليه السلام بثلاث سنين فوردت المدينة وأتيت صاريا فجلست في ظلة كانت لأبي محمد عليه السلام وكان سيدي أبو محمد رام أن أتعشى عنده، وأنا أفكر في نفسي فلو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فاذا بهاتف يقول لي: اسمع صوته ولا أرى شخصه يا عبد ربه (ابن نصير)(61) قل لأهل مصر هل رأيتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حيث آمنتم به قال: ولم أكن أعرف اسم أبي وذلك انّي خرجت من مصر وأنا طفل صغير فقلت: ان صاحب الزمان بعد أبيه حق وان غيبته حق وانّه الهاتف بي فزال عنّي الشك وثبت اليقين.(62)
ونقل القطب الراوندي هذه المعجزة باختصار في الخرائج، ولكنّه هناك أبو رجاء المصري، وفي النداء قال له (يا نصر بن عبد ربه)، وقال هو: " اني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها".(63)
الهوامش
(1) الأربعين ـ كشف الحق ـ (الخاتون آبادي): ص 67.
(2) اقول نقله المير لوحي في كتاب كفاية المهتدي: ص 124 ـ مخطوط، عن الشيخ المذكور في كتابه المذكور ولكنّه ترجمه إلى الفارسية ولم ينقل اصله العربي، ولعدم وجود الأصل لدينا حالياً فاكتفينا بنقل ما نقله الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه الشريف (كمال الدين): ج 2، ص 475 ـ وقد قال المير لوحي في كتابه كفاية المهتدي: ص 126 من المخطوط ما تعريبه: " هذا الحديث الذي تقدمت ترجمته ذكره ابن بابويه رحمة الله عليه بأقل اختلاف في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ".
(3) في الترجمة ما معناه: اسرعت إليه عليه السلام فوجدته عليلا وضعيفاً فأعطاني عدّة كتب.
(4) في الترجمة ما معناه: " وتوصلها إلى موالينا فلان وفلان ".
(5) في الترجمة ما معناه: " واعلم انك تصل إلى هذه البلدة بعد خمسة عشر يوم ".
(6) في الترجمة زيادة ما معناه: " فمن هو حجة الله وهادينا ".
(7) هذه الزيادة ليست في الترجمة.
(8) في الترجمة ما معناه: " زدني علامة ".
(9) في الترجمة ما معناه بدل (فهو القائم بعدي) (فهو حجة الله والهادي والامام والقائم بالأمر بعدي).
(10) في الترجمة زيادة ما معناه: " فطلبت من سيدي زيادة علامة ".
(11) سقطت هذه الزيادة من الترجمة.
(12) في الترجمة بعد ما في الهميان:"وأي هميان، وما هو الشيء الذي في الهميان. فخرجت من سامراء ووصلت إلى المدائن".
(13) في الترجمة زيادة ما معناه: "ورأيت نعشه على المغتسل".
(14) بدل الشيعة في الترجمة (الناس).
(15) سقطت من الترجمة.
(16) سقطت من الترجمة.
(17) سقطت من الترجمة.
(18) سقطت من الترجمة.
(19) في الترجمة زيادة (الامام علي النقي عليه السلام).
(20) في الترجمة (فدفعت الكتب اليه).
(21) في الترجمة (فقال له أحد الحضار يقال له حاجز الاشاء).
(22) في الترجمة (ليقيم الحجة على جعفر).
(23) في الترجمة بدل اسمه الشريف عليه السلام (عن الامام).
(24) في الترجمة (فمن مكانه).
(25) في الترجمة (فأشاروا) بدون (الناس).
(26) سقطت من الترجمة.
(27) في الترجمة (قالوا لنا أوصلوها إليه عليه السلام فما نفعل الآن؟ فقال جعفر: سلّموها إلى خدّامي. فقالوا: قل لنا من هم الذين كتبوا الكتب، وكم هو المال؟).
(28) في الترجمة زيادة ما معناه: " فتحيّرت تلك الجماعة ".
(29) في الترجمة (فخرج خادم).
(30) في الترجمة ما معناه: " فقال: يا أهل قم وذكر اسم واحد واحد ".
(31) في الترجمة بدل (والمال) (والهميان إلى ذلك الخادم).
(32) في الترجمة ما معناه: "فذهب جعفر إلى المعتمد بالله العباسي أحد خلفاء بني العباس وسعى".
(33) في الترجمة ما معناه: " فوجّه المعتمد جماعة وجاؤوا إلى تلك الدار فلم يجدوا طفلا ولم تكن السيدة نرجس في ذلك الوقت في الحياة فأخذوا جارية باسم مارية لتدلهم على الطفل فانكرت مارية وجود طفل في تلك الدار وحينها وصل موت عبيد الله... ".
(34) سقطت من الترجمة.
(35) سقطت من الترجمة.
(36) سقطت من الترجمة.
(37) في الترجمة ما معناه: " ونجت تلك المجللة ولم يفكر بها أحد فيما بعد ".
(38) نقلنا النص ـ كما نبهنا سابقاً ـ من كمال الدين، ولا يخفى ان هناك فروقاً كثيرة بين النصّين، ذكرنا بعضها وأغفلنا عن بعضها الآخر الذي قد يكون ناشئاً من الترجمة الأولى من العربي إلى الفارسي.
وعلى كل حال حاولنا أن نرجع النص إلى أصله ولو بنحو تقريبي.
(39) السند في المصدر المطبوع هكذا: " عن محمد بن عبد الحميد البزاز وأبي الحسين بن مسعود الفراتي قالا... ".
(40) في الترجمة زيادة (الكذاب).
(41) في الترجمة بدل (الرضا) (العسكريين).
(42) في الترجمة زيادة (علي بن محمد الهادي عليهما السلام).
(43) في الترجمة (نمرود) بدل (حام).
(44) سقطت من الترجمة.
(45) في الترجمة زيادة ما معناه: " ويشرب الخمر ويبذل الدرهم والدينار والخلع على أهل الدار ".
(46) في الترجمة زيادة ما معناه: " وحشمه وخدمه وغلمانه وجواريه ".
(47) الهداية الكبرى (الخصيبي): ص 382 ـ 383.
(48) (الفزاري الكوفي) سقطت من (الاثبات).
(49) سقطت من اثبات الوصية.
(50) هكذا في المصدرين المطبوعين، وأما في الترجمة (برمكية).
(51) سقطت من الهداية.
(52) في الهداية (أمير المؤمنين) وحدها، وفي اثبات الوصية (لعلي صلى الله عليه) وحدها.
(53) سقطت من الهداية.
(54) سقطت من اثبات الوصية.
(55) سقطت هذه الجملة من اثبات الوصية.
(56) سقطت من اثبات الوصية.
(57) الهداية الكبرى: ص 358 و359 ـ اثبات الوصية: ص 222.
(58) الهداية: ص 367.
(59) الهداية: ص 368.
(60) هكذا في الترجمة، وقد اثبتنا الاثنين لاحتمالهما.
(61) ثبتت هذه العبارة في الترجمة. وأما في كمال الدين: ص 492 (يا نصر بن عبد ربه) ـ وكذا في الخرائج: ص 699، ج 2.
(62) الهداية: ص 369.
(63) الخرائج (القطب الراوندي): ج 2، ص 698 و699 ـ وقريب منه في كمال الدين مع اختلاف يسير.
******************
السابع:
وروى ايضاً عن أبي (احمد)(1) حامد المراغي ان القاسم بن علاء(2) الهمداني كتب يشكو قلّة الولد وكان من وقت كتب إلى أن رزق ولداً ذكراً تسعة أشهر، ثم كتب يسأل بالدعاء باطالة الحياة لولده فورد الدعاء له في نفسه ولم يجب في ولده شيئاً فمات الولد فمنّ الله فرزق ابنين.(3)
الثامن:
وروى عن محمد بن يحيى الفارسي، قال: حدّثني الفضل الخراز(4) المدني، مولى خديجة ابنة أبي جعفر عليه السلام، ان قوماً من أهل المدينة الطالبيين كانوا يقولون الحق فكانت الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم، فلما مضى أبو محمد عليه السلام رجع قوم منهم عن القول بالخلف عليه السلام فوردت الوظائف على من ثبت على الاقرار به بعد أبيه عليهما السلام وقطع عن الباقين فلم يعد اليهم.(5)
التاسع:
وروى ايضاً عن أبي الحسن احمد بن عثمان العمري، عن أخيه أبي جعفر بن عثمان، قال حمل رجل من أهل السواد(6) مالا كثيراً إلى صاحب الزمان عليه السلام فرد عليه وقيل له اخرج حق أولاد عمك منه اربعمائة درهم، وكان في يده قرية لولد عمّه دفع اليهم بعضاً وزوى عنهم بعضاً، فبقي باهتاً متعجباً ونظر في حساب المال فاذا الذي لولد عمّه اربعمائة درهم كما قال عليه السلام.(7)
العاشر:
وروى ايضاً عن أبي الحسن العمري قال حمل رجل من القائلين (بالحق)(8) مالا إلى صاحب الزمان عليه السلام مفصلا بأسماء قوم مؤمنين، وجعل بين كل اسمين فصلا، وحمل عشرة دنانير باسم امرأة لم تكن مؤمنة فقبل مال الجميع ووقع في فصوله وردت العشرة دنانير على الامرأة ووقع تحت اسمها (انّما يتقبّل الله من المتقين)(9).(10)
الحادي عشر:
وروى ايضاً عن عبد الله الشيباني(11) قال: أوصلت مالا وحلياً للمرزباني كان فيه سوار ذهب فقبل الجميع ورد السوار وأمرني بكسره، فجئت إلى المرزباني فعرفته ما رد به صاحب الأمر فكسرناه فوجدنا فيه مثقال حديد ونحاس وغيره فأخرجنا ورددناه إليه فقبله.(12)
الثاني عشر:
وروى عن أبي الحسن (الحسين قال: كان لي على أخ مال)(13) فأعطاني بعضه في حياته ومات فطمعت في تمامه بعد موته في سنة احدى وسبعين(14) واستأذنت في الخروج إلى ورثته إلى واسط فلم يؤذن لي فاغتممت فلما مضت لذلك مدّة كتب الي مبتدياً بالاذن والخروج(15) وأنا آيس فقلت(16) لم يؤذن لي في قرب موته واذن لي بهذا الوقت، فلما وصلت الى القوم اعطيت حقي عن آخره، قال: وسرت إلى العسكر فمرضت مرضاً شديداً حتى آيست من نفسي فظننت ان الموت بعث إليّ فاذا أتاني من الناحية قارورة فيها بنفسج مربى من غير السؤال، فكنت آكل منها على غير مقدار فكان سروري عند فراغي منها وفيما كان فيها.(17)
الثالث عشر:
وروى عن عبد الله بن المرزبان، عن احمد بن الخصيب عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار، قال: أنفذت مالا إلى الناحية فقيل: انك غلطت على نفسك في الصرف بثمانية وعشرين ديناراً فرجعت إلى الحساب فوجدت الأمر كما وقع به.(18)
الرابع عشر:
وروى عن محمد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني قال: شك الحسن بن عبد الحميد في أمر حاجز(19) الوشا فجمع مال(20) وخرج إليه الأمر في سنة(21) ستين ليس فينا شك ولا في من يقوم بأمرنا فاردد ما معك إلى حاجز ابن يزيد.(22)
الخامس عشر:
وروى ايضاً محمد بن عباس القصيري قال: كتبت في سنة ثلاثة وسبعين إلى الناحية اسأل الدعاء بالحج ولم يكن عندي ما يحملني، وان أرزق السلامة، وان اكفى أمر بناتي. فوقع تحت المسألة: سألت بالدعاء عليها. فرزقت الحج والسلامة ومات لي ثلاث بنات من الستة(23).(24)
السادس عشر:
وروى ايضاً عن أبي العباس الخالدي: قال كتب رجلان من اخواننا بمصر إلى الناحية يسألان صاحب الزمان عليه السلام في جملين(25) فخرج الدعاء لأحدهما بالبقاء، وخرج الآخر: وأمّا انت يا حمدان فآجرك الله بجملك فمات الجمل الذي له.(26)
السابع عشر:
وروى ايضاً عن أبي الحسن علي بن الحسن اليماني: قال: كنت ببغداد(27) فتهيأت قافلة لليمانيين فأردت الخروج معهم، وكتبت ألتمس الأمر من صاحب الزمان فخرج إليّ الأمر لا تخرج مع هذه القافلة فليس لك بالخروج معهم خير، وأقم بالكوفة، قال فأقمت كما أمرني، وخرجت القافلة فخرجت عليهم حنظلة فأباحتهم(28) قال: وكتبت استأذن في ركوب الماء من البصرة فلم يؤذن لي وسارت المراكب، فسألت عنها فخبرت ان جيلا من الهند يقال لهم البوارج خرجوا فقطعوا عليهم فما سلم أحد منهم فخرجت إلى سامراء فدخلتها غروب الشمس ولم أكلم أحداً ولم أتعرف إلى أحد حتى وصلت إلى المسجد الذي بأزاء الدار قلت أصلي فيه بعد فراغي من الزيارة، فاذا أنا بالخادم الذي كان يقف على رأس السيدة نرجس عليها السلام فجاءني وقال: قم. فقلت: إلى أين، ومن أنا، قال:(29) أنت أبو الحسن علي بن الحسن اليماني رسول جعفر بن ابراهيم حاطه(30) الله فمر بي حتى أنزلني في بيت الحسين بن حمدان بن ساره فلم أدرِ ما أقول حتى أتاني بجميع ما أحتاج إليه، فجلست عنده ثلاثة أيام، ثم استأذنت في الزيارة من داخل فأذن لي فزرت ليلا، وورد كتاب احمد بن اسحاق ـ في السنة التي مات فيها بحلوان ـ في حاجتين فقُضيت له واحدة، وقيل له في الثانية: إذا وافيت قم كتبنا اليك فيما سألت. وكانت الحاجة انه كتب يستعفي من العمل فانه قد شاخ ولا يتهيّأ له القيام به فمات بحلوان.(31)
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في دلائله:
" وكان أحمد بن اسحاق القمي الأشعري شيخ الصدوق وكيل أبي محمد فلما مضى أبو محمد إلى كرامة الله عزّ وجلّ وأقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان تخرج إليه توقيعاته ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا فتسلمها، إلى أن استأذن في المسير إلى قم، فخرج الاذن بالمضي، وذكر انه لا يبلغ إلى قم وانه يمرض ويموت في الطريق فمرض بحلوان ومات ودفن بها رضي الله عنه، وأقام مولانا عليه السلام بعد مضي أحمد بن اسحاق الأشعري بسر من رأى مدة ثم غاب".(32)
يقول المؤلف:
احمد بن اسحاق من اعاظم اصحاب الائمة عليهم السلام وكان صاحب المراتب العالية عندهم ومن وكلائهم المعروفين، وقد ذكرت وفاته بنحو آخر ايضاً، وانها كانت في حياة الامام العسكري عليه السلام، وقد أرسل مع خادمه كافور كفناً له بحلوان وكان غسله وكفنه بيد كافور أو من هو مثله بدون علم أحد ممن معه كما هو في خبر سعد بن عبد الله القمي الطويل الذي كان معه، وكانت وفاته في ذلك السفر.
ولكن النجاشي نقل عن بعض تضعيف هذا الخبر.
و(حلوان) هي (ذهاب) المعروفة التي تقع في طريق كرمنشاه ـ بغداد.
ويقع قبر هذا المعظم قرب نهر تلك القرية ببعد ألف قدم تقريباً من جانب الجنوب، وعلى القبر بناء متواضع خرب وذلك لعدم همة وعدم معرفة اغنياء بل سكان تلك المنطقة بل سكان كرمانشاه والمارة، لذلك بقي هكذا بلا اسم ولا علامة; ولا يذهب من كل ألف زائر ولا زائرٌ واحد لزيارته مع انّه ذلك الانسان الذي بعث الامام عليه السلام خادمه بطي الأرض لتكفينه وتجهيزه، وهو الذي بنى المسجد المعروف بقم بأمره عليه السلام، وكان سنيناً وكيله عليه السلام في تلك المناطق.
فكان من المناسب أن يُتعامَل معه بشكل أفضل وأحسن من هذا، ولابدّ أن يكون قبره مزاراً مهمّاً ليُحصَل ببركة صاحب القبر وبواسطته على الفيوضات الالهية.
الثامن عشر:
وروى ايضاً عنه عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمانية وستين ومائتين إلى الحج وكان قصدي المدينة وصاريا حيث صح عندنا ان صاحب الزمان عليه السلام رحل من العراق إلى المدينة فجلست بالقصر بصاريا في ظلة(33) أبي محمد عليه السلام ودخل عليه قوم من خاصة شيعته فخرجت بعد أن حجيت ثلاثين حجة في تلك السنة ـ حاجاً مشتاقاً الى لقائه عليه السلام بصاريا فاعتللت وقد خرجنا من فيد(34) فتعلقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر، فلما وردت المدينة وافيت فيها اخواننا فبشروني بظهوره عليه السلام بصاريا فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً تدخل القصر، فوقفت ارتقب الأمر الى أن صليت العشاءين وأنا أدعو وأتضرّع واسأل، واذا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني ادخل. فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عزّ وجلّ والثناء عليه، فلما صرت في صحن دار القصر فرأيت مائدة منصوبة فمر بي الخادم واجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت بعلتك وأنت خارج من فيد، فقلت في نفسي: حسبي بهذا برهاناً، فكيف آكل ولم أرَ سيدي ومولاي. فصاح: يا عيسى كُل من طعامي فانك تراني. فجلست على المائدة ونظرت فاذا عليها سمك حار يفور وتمر الى جانبه أشبه التمر بتمرنا بجنبلان وجانب التمر لبن فقلت في نفسي: عليل وسمك ولبن وتمر، فصاح: يا عيسى! لا تشك في أمرنا، أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك؟ فبكيت واستغفرت الله واكلت من الجميع، وكلما رفعت يدي لم يبن فيه موضع، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيراً حتى استحييت، فصاح: يا عيسى! لا تستحي فانه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق، فأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي من أكله، فقلت: يا مولاي! حسبي، فصاح بي: أقبل إليّ. فقلت في نفسي: ألقى مولاي ولم أغسل يدي، فصاح بي: يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي فاذا هي أعطر من المسك والكافور! فدنوت منه عليه السلام، فبدا لي شخص، اغشي بصري ورهبت حتى ظننت ان عقلي قد اختلط، فقال لي: يا عيسى ما كان لكم أن تروني، ولو لا المكذبون القائلون أين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج اليكم منه؟ وبأي شيء انبأكم؟ وأي معجزة أراكم؟
أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رأوه وقدّموا عليه وكادوه وقتلوه وكذلك فعلوا بآبائي عليهم السلام ولم يصدّقوهم ونسبوهم إلى السحر والكهانة وخدمة الجن لما رأيتني؟(35) يا عيسى اخبر اولياءنا بما رأيت واياك أن تخبر عدواً لنا فتسلبه(36)، فقلت: يا مولاي! ادعُ لنا بالثبات، فقال لي: لو لم يثبتك الله لما رأيتني فامضِ لحجّك راشداً، فخرجت من اكثر الناس حمداً وشكراً.
التاسع عشر:
روى الشيخ المحدّث الفقيه عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن محمد الطوسي المشهدي المعاصر لابن شهر آشوب، في كتاب (الثاقب في المناقب) عن جعفر بن احمد بن متيل قال: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرّة فيها دراهم، فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته اليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط.
قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح(37)!
قال: فخرجت إلى واسط، وصعدت المركب، فأول رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟ فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع اليّ هذين الثوبين وهذه الصرّة لأسلّمها اليك، فقال: الحمد لله، فانّ محمد بن عبد الله الحائري قد مات وخرجت لاصلاح كفنه، فحلّ الثياب فاذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرّة كرى الحمالين والحفّار.
قال: فشيّعنا جنازته وانصرفت.(38)
العشرون:
وروى ايضاً عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: أهديت مالا ولم أفسر لمن هو، فورد الجواب: " وصل كذا، وكذا منه لفلان بن فلان، ولفلان كذا".(39)
الحادي والعشرون:
وروى ايضاً عن أبي العباس الكوفي، قال: حمل رجل مالا ليوصله، وأحب أن يقف على الدلالة(40)، فوقع عليه السلام: " ان استرشتدت أرشدت، وان طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك".
قال الرجل: فأخرجت ممّا معي ستة دنانير بلا وزن وحملت الباقي، فخرج التوقيع: " يا فلان رد الستة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، ووزنها ستة مثاقيل وخمسة دوانق وحبة ونصف".
قال الرجل: فوزنت الدنانير، فاذا هي كما قال عليه السلام.(41)
الثاني والعشرون:
وروى ايضاً عن اسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن، وله شريك مرجئ(42)، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي. فقال شريك؟ لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحب بالثوب.
فلما وصل الثوب شقّه عليه السلام نصفين طولا فأخذ نصفه وردّ النصف وقال: "لا حاجة لنا في مال المرجئ".(43)
الثالث والعشرون:
وروى ايضاً عن محمد بن الحسن الصيرفي، قال: أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من الفضة نقراً. وكان قد دُفع ذلك المال إليه ليسلّمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه.
قال: فلمّا نزلت بسرخس ضربتُ خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي، وغاصت في الرمل، وأنا لا أعلم.
قال: فلمّا دخلت همدان ميّزت تلك السبائك والنقر مرّة اُخرى اهتماماً منّي بحفظها، ففقدت منها سبيكة ووزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل. أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالا.
قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح فسلّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدّ يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلا ممّا ضاع منّي، فرمى بها اليّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فانك ستجدها وستعود الي هاهنا فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة (تحت الرمل، فنبت عليها الحشيش، وأخذت السبيكة)(44) وانصرفت إلى بلدي، فلمّا كان من السنة القابلة توجهت إلى مدينة السلام ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه قد مضى، ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فسلّمت السبيكة اليه.(45)
الرابع والعشرون:
وروى ايضاً عن الحسين بن علي بن محمد القمي، المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع اليّ المعروف بابن جاشير عشر سبائك وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله سرّه فحملتها معي.
فلمّا وصلت مفازة أمويّة ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتى دخلت مدينة السلام فأخرجت السبائك لأسلمها إليه، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع سبائك، ثم دخلت على الشيخ أبي القاسم الروحي، ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها قد وصلت الينا وهي ذا هي. ثم أخرج تلك السبيكة التي ضاعت منّي بأمويّة(46) فنظرت اليها وعرفتها.
(قال الحسين بن علي المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السبيكة بمدينة السلام)(47).(48)
الهوامش
(1) سقطت من المصدر المطبوع.
(2) في المصدر المطبووع بدل (علاء) (المعلى).
(3) الهداية الكبرى: ص 369.
(4) في الترجمة (الحرّان).
(5) الهداية الكبرى: ص 370.
(6) في الترجمة زيادة ما معناه: " نواحي الكوفة ".
(7) الهداية الكبرى: ص 370.
(8) سقطت من المصدر المطبوع.
(9) من الآية 27 من سورة المائدة.
(10) الهداية الكبرى: ص 370.
(11) في الترجمة (عبد الله السفياني).
(12) الهداية: ص 370 ـ 371.
(13) هذه الجملة معنى ما في الترجمة وأما ما في المصدر المطبوع: " أبو الحسن الجلتيتي كان لي أخ على الفرح مالا.. ".
(14) قال المؤلف رحمه الله: " يعني بعد المائتين ".
(15) في الترجمة زيادة (إلى الورثة).
(16) في الترجمة زيادة (في نفسي).
(17) الهداية الكبرى: ص 371.
(18) الهداية الكبرى: ص 371.
(19) في المصدر المطبوع (حجر). وقال المؤلف رحمه الله: " وكان احد الوكلاء ".
(20) في الترجمة زيادة (وذهب به إلى سامراء).
(21) في الترجمة (خمس وستين).
(22) الهداية الكبرى: ص 369.
(23) في الترجمة وماتت لي أربع بنات وبقيت لي بنت واحدة. والظاهر ان العبارة فيها سقط في المصدر والترجمة.
(24) الهداية الكبرى: ص 371.
(25) في الترجمة (حملين) بدل (جملين).
(26) الهداية الكبرى: ص 371.
(27) في المصدر المطبوع (بالكوفة) ولكن في الترجمة وكذلك في (مدينة المعاجز): ص 601، الطبعة الحجرية، والكافي وغيرها (بغداد).
(28) عن الكافي (فاحتاجتهم) ـ وفي مدينة المعاجز: ص 601 (فاجتاحتهم).
(29) في مدينة المعاجز: ص 601 عن الهداية " إلى المنزل. فقلت: لعلك أرسلت إلى غيري، فقال: لا ما أرسلت الّا اليك، فقلت: من أنا، فقال: أنت علي بن... الخ ".
(30) في مدينة المعاجز: ص 601 (خاطباً لله).
(31) الهداية الكبرى: ص 372.
(32) دلائل الامامة (الطبري): ص 272.
(33) في الترجمة ما معناه: " في ظلة له عليه السلام بجنب ظلة أبيه أبي محمد عليه السلام).
(34) قال المؤلف رحمه الله: " قلعة في مكة ".
(35) قال المؤلف رحمه الله بعد أن حذف هذه الكلمة (لما رأيتني) (إلى أن يقول) ولعل الكلمة لم تكن واضحة في نسخته.
(36) قال المؤلف رحمه الله: " يعني الايمان ".
(37) الوتح: القليل من كل شيء، التافه.
(38) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 598.
(39) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 599.
(40) قال المؤلف رحمه الله: " يعني المعجزة ".
(41) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 600.
(42) قال المؤلف رحمه الله: " يعني من أهل السنة، أو طائفة منهم ".
(43) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 600.
(44) سقطت هذه الجملة من الترجمة.
(45) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 600 ـ 601.
(46) أموية: مدينة مشهورة في غربي جيحون على طريق القاصد إلى بخارى من مرو، ويطلق عليها عدة اسماء منها: آمل الشط، وآمل المفازة، معجم البلدان: ج 1، ص 58 ـ وص 255.
(47) سقطت من الترجمة.
(48) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 601 ـ 602.
******************
الخامس والعشرون:
وروى ايضاً عن الحسين بن علي قال: وسألتني امرأة عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فقال لها بعض القميين: انّه أبو القاسم بن روح. وأشار لها إليه.
فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: ايها الشيخ، أي شيء معي؟ فقال: ما معك فالقيه في دجلة، فألقته، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه وأنا عنده، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليّ الحقّة، فأخرجت إليه حقّة، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في دجلة؟ قالت: نعم، قال: أخبرك بما فيها، أم تخبريني؟ فقالت: بل أخبرني أنت.
فقال: في هذه الحقّة زوج سوار من ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهر، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان، أحدهما فيروزج والآخر عقيق. وكان الأمر كما ذكر، لم يغادر منه شيئاً، ثمّ فتح الحقة فعرض عليّ ما فيها، ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة! فغشي عليّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدنا من صدق الدلالة.
ثم قال(1) الحسين لي بعدما حدّثنا بهذا الحديث: اشهد عند الله يوم القيامة بما حدّثت به انّه كما ذكرته، لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالائمة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيه، وما زاد ولا أنقص.(2)
السادس والعشرون:
وروى ايضاً عن أبي محمد الحسن بن احمد المكتب، قال: كنت بالمدينة(3) في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدّس سرّه، فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجرك وأجر اخوانك فيك، فانّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصي إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة(4)، ولا ظهور الّا باذن الله تعالى، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي(5)، من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ولا حول ولا قوّة الّا بالله العلي العظيم".
قال: فنسخنا ذلك التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، قيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمرٌ هو بالغه. وقضى رحمه الله. وهذا آخر كلام سُمع منه قدس سره.(6)
السابع والعشرون:
وروى ايضاً عن احمد بن محمد بن فارس الأديب، قال: سمعت حكاية بهمذان(7) حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أكتبها له بخطي، ولم أجد إلى مخالفته سبيلا، وقد كتبتها، وعهدتها على من حكاها.
وذلك انّ بهمذان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلهم يتشيعون، ومذهبهم مذهب أهل الامامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحاً وسمتاً حسناً: انّ سبب ذلك انّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّاً فقال انّه لمّا فرغ من الحج وساروا منازل في البادية.
قال فنشطتُ للنزول والمشي، فمشيت طويلا حتى أعييت وتعبت، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فاذا جاءت القافلة قمت.
قال: فما انتبهت الّا بحر الشمس، ولم أر أحداً، فتوحشت ولم أر طريقاً، ولا أثراً، فتوكلت على الله تعالى وقلت: أتوجه حيث وجهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضِرة كأنها قريبة عهد بغيث، فاذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت في نفسي: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟! فقصدته، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين(8)، فسلّمت عليهما فردّا رداً جميلا وقالا: اجلس، فقد أراد الله بك خيراً. وقام أحدهما فدخل، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج، فقال: قم فادخل. فقمت ودخلت قصراً لم أر شيئاً احسن ولا أضوأ منه، وتقدّم الخادم الى ستر على بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل، فدخلت البيت وقد علّق فوق رأسه من السقف سيفاً طويلا تكاد ظُبَتُهُ تمس رأسه، وكان الفتى يلوح في ظلام، فسلّمت، فردّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثمّ قال: " أتدري من أنا؟ " فقلت: لا والله. فقال: " أنا القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، أنا الذي أخرج آخر الزمان بهذا السيف ـ وأشار إليه ـ فأملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً".
قال: فسقطت على وجهي وتعفرت، فقال: " لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان " قلت: صدقت يا سيدي ومولاي.
قال: " أفتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ " قلت: نعم يا مولاي، وأبشرهم بما يسرّ الله تعالى. فأومأ إلى خادم وأخذ بيدي وناولني صرّة، وخرج بي ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة ومسجد، فقال: أتعرف هذا البلد؟
قلت: ان بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها. فقال: أتعرف أسد آباد؟ فامضِ راشداً. فالتفتّ ولم أره.
ودخلت أسد آباد، ونظرت فاذا في الصرّة أربعون ـ أو خمسون ـ ديناراً فوردت همدان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما يسرّ الله تعالى لي، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.(9)
الثامن والعشرون:
وروى ايضاً عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه، قال: لمّا قبض أبو محمد عليه السلام وقدم وفد من قم والجبل وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاة أبي محمد الحسن عليه السلام، فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عنه، فقيل لهم: انّه قد فقد: فقالوا: ومن وارثه؟ فقالوا: جعفر أخوه فسألوا عنه فقيل: خرج متنزهاً، وركب زورقاً في الدجلة يشرب الخمر ومعه المغنّون.
قال: فتشاور القوم وقالوا: ليس هذه صفة الامام. وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نردّ هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره على الصحة.
قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه وسلّموا عليه وقالوا: يا سيدنا، نحن من أهل قم، فينا جماعة من الشيعة وغيرهم، وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمد عليه السلام الأموال.
فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا.
قال: احملوها إليّ. قالوا: إنّ لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟
قالوا: انّ هذه الأموال تجمع، ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنّا اذا وردنا بالمال إلى سيدنا ابي محمد عليه السلام يقول جملة المال كذا دينار، من فلان كذا، ومن عند فلان كذا، حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، يقول ما على نقش الخواتيم، فقال جعفر: كذبتم تقولون على أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب.
قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال اليّ. فقالوا: انّا قوم مستأجرون، لا يُسلّم المال الّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن عليه السلام، فإن كنت الامام فبرهن لنا، والّا رددناها على أصحابها، يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر بن علي على الخليفة، وكان بسر من رأى، فاستعدى عليهم، فلمّا اُحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر. فقالوا: أصلح الله الخليفة، نحن قوم مستأجرون، ولسنا أرباب هذه الأموال، وهي لجماعة، وأمرونا أن لا نسلّمها الّا بالعلامة والدلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد عليه السلام.
فقال الخليفة: وما كانت الدلالة التي كانت مع أبي محمد؟
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، وأصحابها، والأموال، وكم هي، فاذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا عليه مراراً، وكانت هذه علامتنا معه، وقد مات. فإنْ يكن هذا الرجل صاحب الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، والّا رددناها الى أصحابها الذين بعثوها بصحبتنا.
قال جعفر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، وما على الرسول الّا البلاغ المبين.
قال: فَبَهُتَ جعفر، ولم يرد جواباً، فقال القوم: يا أمير المؤمنين، تطول باخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى نخرج من هذا البلد.
قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج اليهم غلام أحسن الناس وجهاً كأنه خادم، فصاح: يا فلان ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم، فقالوا له: أنت مولانا؟ فقال: معاذ الله، أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه. قالوا:
فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، فاذا ولده القائم سيدنا عليه السلام قاعد على سرير، كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام، ثمّ قال: " جملة المال كذا وكذا، ديناراً وحمل فلان كذا " ولم يزل يصف حتى وصف الجميع، ووصف ثيابنا ورواحلنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجّداً لله تعالى، وقبّلنا الأرض بين يديه، ثم سألناه عمّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال وأمرنا عليه السلام أن لا نحمل إلى سرّ من رأى شيئاً من المال، وانّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر الحميري القمّي شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: " أعظم الله أجرك في نفسك".
قال:(10) فلمّا بلغ أبو العباس عقبة همدان حمّ وتوفي رحمه الله.
وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى نوّابه المنصوبين، وتخرج من عندهم التوقيعات.(11)
التاسع والعشرون:
وروى ايضاً عن محمد بن صالح: كتبت أسأله الدعاء لبادا شاله وقد حبسه عبد العزيز، واستأذنت في جارية استولدها، فورد: " ستولد الجارية، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلّصه الله " فاستولدت الجارية فولدت وماتت، وخلّي عن المحبوس يوم خرج اليّ التوقيع.(12)
الثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن صالح وهو من الوكلاء قال: وحدّثني أبو جعفر، قال: ولد لي مولود وكتبت، أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فكتب يخبر بموته، وكتب: " سيخلف عليك غيره، فسمّه احمد، ومن بعد احمد جعفراً " فجاء كما قال عليه السلام.(13)
الحادي والثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن صالح عن أبي جعفر قال: وتزوجت امرأة سراً، فلمّا وطأتها علقت وجاءت ببنت، فاغتممت وضاق صدري، وكتبت أشكو ذلك، فورد: " ستكفاها " فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت فورد: "الله ذو أناة، وأنتم تستعجلون".(14)
الثاني والثلاثون:
وروى ايضاً عن أبي محمد الحسن بن وجناء، قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العمرة وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرك، فقال لي: قم يا حسن بن وجناء فرعشت.
قال: فقمت، فاذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول انّها من بنات أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي، وأنا لا أسألها عن شيء، حتى أتت دار خديجة عليها السلام، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقى إليه، فصعدت الجارية، وجاءني النداء: " اصعد يا حسن " فصعدت، فوقفت بالباب، فقال لي صاحب الزمان عليه السلام: " يا حسن، أتراك خفيت عليَّ! والله ما من وقت في حجّك الّا وأنا معك فيه". ثم جعل يعدّ علي أوقاتي فوقعت على وجهي.
فحسست بيد قد وقعت عليَّ، فقمت، فقال لي: " يا حسن، إلزم بالمدينة دار جعفر بن محمد عليه السلام، ولا يهمنّك طعامك ولا شرابك، ولا ما تستر به عورتك". ثمّ دفع إليّ دفتراً فيه دعاء الفرج، وصلاة عليه، وقال: " بهذا فادعُ، وهكذا فصلّ عليّ، ولا تعطِهِ الّا أوليائي، فانّ الله عزّ وجلّ يوفقك".
فقلت: يا مولاي، لا أراك بعدها؟ فقال: " يا حسن إذا شاء الله تعالى".
قال: فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر عليه السلام، وأنا لا أخرج منها ولا أعود اليها الّا لثلاث خصال: الّا لتجديد الوضوء أو النوم، أو لوقت الافطار، فاذا دخلت بيتي وقت الافطار فأصيب وعائي مملوءاً دقيقاً على رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وانّي لا أدخل الماء بالنهار وأرش به البيت، وادع الكوز فارغاً، وآتي بالطعام ولا حاجة لي إليه، فأتصدّق لئلاّ يعلم به من معي.(15)
الثالث والثلاثون:
روى علم الهدى السيد المرتضى (رحمه الله تعالى) في كتاب (عيون المعجزات) ـ كما ان بعضاً نسبوه إلى الشيخ الجليل الحسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيد كما صرح بذلك وذكر له شواهد الفاضل الخبير الميرزا عبد الله الاصفهاني في الرياض ـ عن الحسن بن جعفر القزويني قال: مات بعض اخواننا من أهل (فانيم) من غير وصية، وعنده مال دفين لا يعلم به احد من ورثته، فكتب إلى الناحية يسأله عن ذلك، فورد التوقيع: " المال في البيت في الطاق في موضع كذا وكذا، وهو كذا وكذا".
فقلع المكان، واخرج المال.(16)
الرابع والثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن جعفر قال: خرج بعض اخواننا يريد العسكر(17) في أمر من الأمور.
قال: فوافيت (عكبرا)، فبينما أنا قائم أصلّي إذْ أتاني رجل بصرّة مختومة فوضعها بين يدي وأنا أصلّي.
فلما انصرفت من صلاتي، فضضت خاتم الصرّة، واذا فيها رقعة بشرح ما خرجت له، فانصرفت من عكبر(18).(19)
الخامس والثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن احمد قال: شكوت بعض جيراني ممن كنت أتأذّى منه(20)، وأخاف شرّه، فورد التوقيع: " ستكفى أمره قريباً".
فمنّ الله بموته في اليوم الثاني.(21)
السادس والثلاثون:
وروى ايضاً عن أبي محمد (الثمالي) قال: كتبت في معنيين، وأردت أن أكتب في معنىً ثالث; فقلت في نفسي: لعلّه صلوات الله عليه يكره ذلك.
فخرج التوقيع في المعنيين وفي المعنى الثالث الذي أسررته في نفسي ولم أكتب به.(22)
السابع والثلاثون:
وروى عن الحسن بن عفيف عن أبيه قال: حملت حرماً من المدينة إلى الناحية ومعهم خادمان، فلما وصلنا إلى الكوفة شرب أحد الخدم مسكراً في السرّ ولم نقف عليه.
فورد التوقيع بردّ الخادم الذي شرب المسكر، فرددناه من الكوفة ولم نستخدم به(23).(24)
الثامن والثلاثون:
وروى ايضاً قال: خرج في احمد بن عبد العزيز توقيع انه قد ارتدّ، فتبيّن ارتداده بعد التوقيع بأحد عشر يوماً.(25)
التاسع والثلاثون:
وروى ايضاً عن علي بن محمد الصيمري: كتب يسأل كفناً، فكتب إليه صلوات الله عليه: " انّك تحتاج إليه في سنة ثمانين " وبعث إليه ثوبين، ومات رحمه الله في سنة ثمانين.(26)
الأربعون:
روى حسين بن حمدان الحضيني في كتابه عن أبي علي، وأبي عبد الله بن علي المهدي، عن محمد بن عبد السلام عن محمد بن النيسابوري، عن أبي الحسن احمد بن الحسن الفلاني، عن عبد الله بن يزيد غلام احمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالامامة وأحبهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبد الله وكان من موالي أبي محمد عليه السلام من جبل اذكوتكين، فأوصى اليّ أن أدفع شهري(27) كان معه وسيف ومنطقة إلى مولاي صاحب الزمان، قال يزيد: فخفت أن أفعل ذلك فيلحقني سوء من سودان اذكوتكين، فقوّمت الشهريّ والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار على نفسي أن أحمله وأسلمه إلى أذكوتكين، فورد اليّ التوقيع من العراق: "احمل الينا السبعمائة دينار قيمة الشهري والسيف والمنطقة" وما كنت والله اُعلِم به أحداً فحملته من مالي مسلماً.(28)
يقول المؤلف:
نقل هذه الحكاية الكليني والشيخ المفيد في الارشاد، والشيخ الطوسي في الغيبة بهذا المضمون، وقالوا ان اسم الغلام (بدر)، ولكن نقل في دلائل الطبري، وفرج المهموم للسيد علي بن طاوس في خبر طويل، وكذلك في اماكن اُخرى في خبر مختصر: ان صاحب هذه القضية هو أحمد بن الحسن بن أبي الحسن المادراني سيد هذا الغلام، وكان (اذكوتكين) ذاك من امراء الترك على مدينة الري من قبل بني العباس.
وكان يزيد بن عبد الله من الموالي مستقلا بـ (شهر زور) من بلاد الجبل، وغزا (اذكوتكين) ولايته وتحارب معه وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه وولي هذا المادراني تسجيل وحفظ تلك الأموال، وعندما لم يتمكن من اخفاء ذلك الفرس والسيف فجعل الف دينار على ذمّته، ووصل إلى بري التوقيع المبارك بيد أبي الحسن الأسدي، ولهذا المادراني حكاية لطيفة اُخرى تدل على جلالته وعظمته الدنيويّة والأخروية.
ونقلها آية الله العلامة في كتاب (منهاج الصلاح) عن احمد بن محمد بن خالد البرقي، ونحن نقلنا الاثنين في أواخر الباب التاسع من كتاب (الكلمة الطيّبة)، وان الرجوع اليه لا يخلو من فائدة، فانّ أغلب المعاجز المذكورة في الكتب الأخرى بأسانيد اُخرى موجودة هناك.
وتقدّمت في الباب الأول والثاني بل والرابع والخامس جملة من معجزاته عليه السلام، وسوف يأتي في الأبواب الآتية كثير منها، بل انّه بعد اثبات وجوده وبقاء ذاته المقدّسة فليست هناك حاجة إلى ذكر المعجزة، فان نفس بقائه وطول عمره من أعظم الآيات الالهيّة والبراهين القطعيّة، وهو معجزة باهرة متواترة لا يعوّض عنها سائر المعاجز التي لا نحظى بها.
وعدم الاكتفاء الناشئ من قلّة الاطلاع وتتبع المطالب سببه الاحتياج إلى قليل من الحركة والتعب، وهذا ما يفر منه طلاّب الراحة، تمَّ.
* * *
الباب السّابع
في ذكر حكايات وقصص الذين وصلوا إلى خدمة إمام الزمان عليه السلام في الغيبة الكبرى
في ذكر حكايات وقصص الذين وصلوا إلى خدمة امام الزمان عليه السلام سواءاً عرفوه حين تشرّفهم بلقائه عليه السلام أو عرفوه بعد ذلك بالقرائن القطعية بأنّه كان هو عليه السلام، والذين وقفوا على معجزة له عليه السلام في اليقظة أو في المنام، أو بأثر من الآثار الدالة على وجوده المقدّس عليه السلام.
وكل تلك الحكايات تشترك باثبات هذا المطلب، وهو المقصود الأصلي لهذا الباب، حتى تلك التي رؤيت في المنام.
وفي البداية قد يُرى ان المعجزة في النوم لا تدل على البقاء والحياة الحالية كباقي المعاجز التي ظهرت لسائر الائمة عليهم السلام بعد وفاتهم، ولكن هنا ان ظهور المعجزة منه عليه السلام لا ينفكّ عن دلالة المعجزة على بقاء وجوده المقدّس، لأنه لا يوجد بين المسلمين من يقول بأن للامام العسكري عليه السلام ولداً له مقام الامامة والكرامة ثم توفي; فانك علمت ان المنكرين وخصماء الاماميّة امّا أن ينكروا اصل وجود ولد للامام العسكري عليه السلام، ويقولوا بانّه مات في حال طفولته، الّا ذلك الشخص السمناني الذي قال بانه عليه السلام كان تسعة عشر سنة قطباً ثم توفي.
ونحن اثبتنا ـ ولله الحمد ـ كذبه، بل احتمال الاشتباه في أصل الاسم، وان هذا الذي قاله واعترف به مردود عند الطرفين.
وبالجملة فهذا القول شاذ وضعيف ولا يستحق الذكر بين أقوال المسلمين، وكل من يقول من المسلمين بأصل وجوده عليه السلام وان له مقام الكرامة والمعجزة فانه يقول ببقائه عليه السلام.
ولو انه لم يكن لدينا التصميم في هذا الكتاب على استقصاء جميع أحواله عليه السلام ولذلك نعتني بذكر جميع المعجزات ومن تشرّف بشرف لقائه عليه السلام في الغيبة الصغرى; ولكننا نشير بالاجمال إلى ذكر اسمائهم هنا ثم نعرج إلى المقصود الأصلي.
الهوامش
(1) قال المؤلف رحمه الله: " قال ابن البغدادي: ثم قال الحسين المذكور لي بعدما حدّثنا بهذا الحديث... ".
(2) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 602 ـ 603.
(3) قال المؤلف رحمه الله: " الظاهر ان المراد منها مدينة السلام يعني بغداد ".
(4) في الترجمة (الغيبة التامة).
(5) في الترجمة (وسيأتي سبعون ممن يدّعي...).
(6) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 603 ـ 604.
(7) في الترجمة (ببغداد).
(8) في الترجمة (خادمين عليهما ثياب بيض).
(9) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 605 ـ 606.
(10) في الترجمة (قال الراوي).
(11) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 608 ـ 611.
(12) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 611.
(13) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 611 ـ 612.
(14) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 612.
(15) الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 612 ـ 613.
(16) مدينة المعاجز (السيد هاشم البحراني): ص 611، عن كتاب (عيون المعجزات) للسيد المرتضى.
(17) قال المؤلف رحمه الله: " يعني سرّ من رأى ".
(18) في الترجمة (العسكر).
(19) مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
(20) في مدينة المعاجز (به) ولكن ثبتنا ما في الترجمة لأنها أبلغ.
(21) مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
(22) مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
(23) في الترجمة (ولم نرجع عن خدمته).
(24) مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
(25) مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
(26) مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
(27) راجع الهداية الكبرى: ص 9، الطبعة القديمة.
(28) راجع الهداية الكبرى: ص 9، الطبعة القديمة.
******************
ونبتدئ أولا بذكر خبر نقله الصدوق في كمال الدين في تسجيل اسماء اولئك، وبعد ذلك نلحقه بما وصل إليه النظر من الزيادة عليه.
روى الشيخ المذكور في كتابه المتقدّم عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي انّه ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطّار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الأهواز: محمد بن ابراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: احمد بن اسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن صالح. ومن أهل الرّي: البسّامي، والأسدي ـ يعني نفسه(1) ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان النعيمي.
ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن حابس(2)، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي(3)، وهارون القزّاز، والنيلي(4)، وأبو القاسم بن وبيس(5)، وأبو عبد الله بن فرّوخ، ومسرور الطبّاخ مولى أبي الحسن عليه السلام، واحمد ومحمد ابنا الحسن، واسحاق الكاتب من بني نوبخت(6)، وصاحب الفراء(7)، وصاحب الصرّة المختومة. ومن(8) همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران. ومن الدّينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخيه(9) وأبو الحسن. ومن اصفهان ابن بادشالة.(10) ومن الصيمرة: زيدان. ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب. ومن أهل الرّي، القاسم بن موسى وابنه(11)، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفَّاء. ومن قزوين:(12) مرداس، وعلي بن احمد. ومن قابس:(13) رجلان. ومن شهر زور: ابن الخال. ومن فارس: المجروح.(14) ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرّقعة البيضاء، وأبو ثابت. ومن نيسابور: محمد بن شعيب ابن صالح. ومن اليمن الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي والشمشاطي. ومن مصر: صاحب المولودين(15)، وصاحب المال بمكة(16) وأبو رجاء. ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء. ومن الأهواز:(17) الحصيني.(18)
يقول المؤلف:
والمراد بالعمري طبق المتعارف هو أبو عمر عثمان بن سعيد العمري الاسدي العسكري السمّان ـ يعني كان يتاجر بالدّهن ـ وكان وكيل الامام العسكري والنائب الأول للحجة عليهما السلام.
وابنه: هو أبو جعفر محمد بن عثمان العمري.
ويظهر من رجال الكشي ورجال الشيخ الطوسي ان المراد بالعمري الوكيل هو حفص بن عمرو المعروف بالجمال، وابنه محمد.(19)
واحتمال ان هذين الشخصين غير اولئك بعيد. واحتمال الخطأ من النساخ في هذين الكتابين بعيد ايضاً.
وتحقيق الحال في علم الرجال.
والظاهر ان عدم ذكره لهذين البابين المعظمين الآخرين(20) وذلك لعدم ادراكه زمانهما، فانّ الأسدي المذكور يروي عنه احمد بن محمد بن عيسى.
وبالجملة: فغير اولئك المذكورين في الخبر الشريف: الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي التميمي، وأبو الحسن علي بن محمد السمري، وحكيمة بنت ابي جعفر الامام محمد التقي عليه السلام، ونسيم خادم أبي محمد عليه السلام، وأبو نصر طريف خادمه عليه السلام، وكامل بن ابراهيم المدني، وبدر الخادم، والعجوز القابلة مربية احمد بن بلال بن داود (داور. خ) الكاتب العامي، ومارية خادمته عليه السلام، وجارية أبي علي الخيزراني، وأبو غانم خادمه عليه السلام، وجماعة من الأصحاب، وأبو هارون، ومعاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح، وعمر الأهوازي، ورجل فارسي، ومحمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام، وأبو علي بن المطهر، وابراهيم بن عبده النيسابوري، وخادمته، وصاحب المازندراني مع نفرين، وأبو عبد الله بن صالح، وأبو علي احمد بن ابراهيم بن ادريس، وجعفر بن علي الهادي عليه السلام، ورجل من الجلاوزة، وأبو الحسين محمد بن محمد بن خلف، ويعقوب بن منفوس، وأبو سعيد غانم الهندي، ومحمد بن شاذان الكابلي، وعبد الله السوري، والحاج الهمداني، وسعد بن عبد الله القمي الأشعري، وابراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري، وعلي بن ابراهيم بن مهزيار (كما نقل ذلك الشيخ الصدوق، ولكن يظن الحقير انه وقع اشتباه في الاسم فحكاية علي تنسب تارة إليه واُخرى إلى ابراهيم، وتنقل بواقعتين والظاهر انهما واقعة واحدة والله العالم). وأبو نعيم الأنباري الأنصاري الزيدي الهرندي، وأبو علي محمد بن احمد المحمودي، وعلان الكليني، وأبو الهشيم الديناري، وسليمان بن أبي نعيم، وأبو جعفر الأحول الهمداني، ومحمد بن ابي القاسم العلوي العقيقي مع جماعة يقدرون بثلاثين نفر في المسجد الحرام، وجد أبي الحسن بن وجناء، وأبو الأديان خادم الامام العسكري عليه السلام، وأبو الحسن محمد بن جعفر الحميري وجماعة من أهل قم، وابراهيم بن محمد بن احمد الأنصاري، ومحمد بن عبد الله القمي، ويوسف بن احمد الجعفري، واحمد بن عبد الله الهاشمي العباسي، وابراهيم بن محمد التبريزي الباسي وتسعة اشخاص، وحسن بن عبد الله التميمي الرندي، والزهري، وأبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي، وعقيد الأسود التوبي خادم الامام الهادي عليه السلام ومربي الامام العسكري عليه السلام، ويعقوب بن يوسف الضراب الغساني أو الاصفهاني راوي الصلوات الكبيرة، والعجوز خادمة الامام العسكري عليه السلام التي كان لها منزل في مكة، ومحمد بن الحسن بن عبد الحميد، وبدر أو يزيد مولى احمد بن حسن المادراني، وأبو الحسن العمري، اخ محمد بن عثمان النائب الثاني، وعبد الله السفيناني، وأبو الحسن الحسني، ومحمد بن عباس القصري، وأبو الحسن علي بن حسن اليماني، والرجلان المصريان اللّذان أراد كل واحد منهما دعاءاً للحمل، وسرور العابد المتهجد الأهوازي، وأم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، ورسول القمي، وسنان الموصلي، واحمد بن حسن بن احمد الكاتب، وحسين بن علي بن محمد المعروف بابن البغدادي، ومحمد بن حسن الصيرفي، والرجل البزاز القمي، وجعفر بن احمد، وحسن بن وطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط، واحمد بن أبي روح، وأبو الحسن خضر بن محمد، وأبو جعفر محمد بن احمد، وضعيفة الدينوري، وحسن بن حسين الأسباب آبادي، ورجل استرابادي، ومحمد بن حصين الكاتب المروي، والشخص المدائني مع صاحبه، وعلي بن حسين بن موسى بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق، وأبو محمد الدعلجي، وأبو غالب احمد بن محمد بن سليمان الزراري، والحسين بن حمدان ناصر الدولة، واحمد بن سورة، ومحمد بن حسن بن عبيد الله التميمي، وأبو طاهر علي بن يحيى الرازي (الزراري. خ)، واحمد بن ابراهيم المخلد، ومحمد بن علي الأسود الداودي، وعفيف حامل حرم الامام عليه السلام من المدينة إلى سامراء، وابو محمد الثمالي، ومحمد بن احمد، ورجل وصل إليه التوقيع بعكبرا، وعليان، وحسين بن جعفر القزويني، ورجل فائيمي، وأبو القاسم الجليسي، ونصر بن الصباح، واحمد بن محمد السراج الدينوري أبو العباس الملقّب بالاستاذ، ولعلّ احمد هو ابن أخ لحسن بن هارون المتقدّم في خبر الأسدي، ومحمد بن احمد بن جعفر القطان الوكيل، وحسين بن محمد الأشعري، ومحمد بن جعفر الوكيل، ورجل آبي (يعني من أهل آبة)، وأبو طالب خادم الرجل المصري، ومرادس بن علي، ورجل من أهل ربض، وحميد، وأبو الحسن بن كثير النوبختي، ومحمد بن علي الشلمغاني، وصاحب ابي غالب الزراري، وابن الرئيس، وهارون بن موسى بن الفرات، ومحمد بن يزداد، وأبو علي النيلي، وجعفر بن عمرو، وابراهيم بن محمد الفرج الزحجي، وأبو محمد السروي، وغزال أو زلال جارية موسى بن عيسى الهاشمي، والضعيفة صاحبة الحُقّة، وأبو الحسن احمد بن محمد بن جابر البلاذري من علماء أهل السنة صاحب (تاريخ الأشراف)، وأبو الطيب احمد بن محمد بن بطة، واحمد بن حسن بن أبي صالح الخجندي، وابن اخت أبي بكر بن نخالي العطار الصوفي الذي وصل بخدمته عليه السلام بالاسكندرية.
وروى في (تاريخ قم) عن محمد بن علي ماجيلويه بسند صحيح عن محمد بن عثمان العمري انه قال: عرض علينا أبو محمد الحسن العسكري يوماً من الأيام ابنه (محم د) المهدي عليه السلام ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلا فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوا ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا، أما انكم لا ترون (م ح م د) المهدي عليه السلام بعد يومكم هذا.
قال محمد بن عثمان: فخرجنا من عند الامام أبي محمد الحسن العسكري، فما مضت الّا أيام قلائل حتى مضى الامام من دار الدنيا إلى دار البقاء، واختفى من هذا العالم، وظهر في ذلك العالم.(21)
وهؤلاء جماعة شاهدوه عليه السلام، أو وقفوا على معجزة له عليه السلام، وبعضهم حصل على الفيضين، ولعل اكثرهم هم من الصنف الثاني، وقضاياهم وحكاياتهم موجودة وشائعة ـ بحمد الله ـ في كتب الأصحاب بأسانيد مختلفة، ولا يشك أي منصف مطلع على احوال اصحاب تلك الكتب وتقواهم وفضلهم ووثاقتهم واحتياطهم، بل ان جملة منهم معروفين بالصدق والتديّن والعلم عند أهل السنة في حصول التواتر المعنوي، وصدور المعجزة منه، ولا يحتمل الكذب في جميع تلك الوقائع وان احتمل في كل واحد منها، وبمثل هذا الطريق ثبت صدور المعجزة من جميع آبائه الطاهرين عليهم السلام، بل ان ما نذكره في هذا الباب من معاجزه كافية وشافية وكثير منها بحسب السند فهي اتقن وأصح وأعلى سنداً.
وبالتأمل الصادق فيها فلا تبقى حاجة إلى مراجعة المعاجز السابقة والكتب القديمة; ولكن لوصول تلك الحكايات والمعاجز المذكورة في هذا المقام إلى حدّ القطع واليقين، ولأجل عدم ابقاء ما يخطر ويوسوس في القلب ليصير وجوده المبارك بين الخلق وجداني(22)، فهو يحتاج في الجملة(23) إلى الفحص عن أحوال أرباب الكتب التي أخذنا منها جملة من القصص.
وأمّا أولئك الذين نقلنا عنهم مباشرة أو بواسطة فإنّ أغلبهم من العلماء والأبرار والصلحاء الأخيار، وأقل ما نلاحظه فيمن ننقل عنهم هنا الصدق والتديّن; فلم ننقل هنا كل ما سمعناه عن أي كان، بل انهم جميعاً يشتركون ـ بعون الله تعالى ـ بالصدق، والوثاقة، وان كثيراً منهم أصحاب مقامات عالية، وكرامات باهرة.
وبما انّ اُولئك الأشخاص الذين حصلوا على تلك اللقاءات كانوا احياءاً فيستخبر ويستعلم عن حالهم; فاذا كان ريب وشك في سويداء قلب أحد ـ والعياذ بالله ـ فذلك يكون بمجالسة الأشقياء والمغفلين بالدين والمذهب فيلزم اولئك أن يفحصوا ويفتشوا، وسوف يظهر لهم ويتّضح ـ بعون الله تعالى ـ بأقل حركة وجهد; فانّ وجود تلك الذات المقدّسة مثل الشمس إذا ظللها السحاب ويعلم ويرى، فهو عالم وعارف بحاله وحال جميع رعاياه، ويغيث المضطرين عندما يرى المصلحة في ذلك، وينجي من المهالك والمزالق، وكلّما يريده فهو تحت يده المباركة، وقدرته الالهية ومعدة في خزينة امره.
وكل ما لم يوصل إليه فهو ناشئ من عدم استحقاقنا وابتعادنا واعراضنا عن مائدة النعم الالهية المنوعة التي وضعها لعباده كالكلاب الجائعة تركض في بيت عدوّها تستجدي لقمة خبز; مع انّه رضي بالعوض عن تلك المائدة السماوية بكل خسيس ووضيع داخل في زمرة (فَذَرْهُمْ فِى غَمرَتهمْ يَعْمَهُون).
ولا يخفى ان هذه الحكايات التي سوف تذكر على قسمين:
الأول: الذي في حكايته قرينة تسبقها أو تقارنها أو تلحقها تدل على ان صاحب تلك الحكاية هو امام العصر صاحب الزمان صلوات الله عليه الذي هو الهدف الأصلي من ذكر تلك الحكايات.
الثاني: الذي ليس في اصل الحكاية قرينة على هذا المطلب ولكنها متضمّنة ذلك كالعاجز والمتخلّف عن الركب فأصابه العجز والاضطرار فاستغاث أو لم يستغث وأنجاه شخص بطريق المعجز ـ خارق العادة ـ مثل الحكاية الثامنة، والسادسة والثلاثين والسابعة والأربعين والثامنة والخمسين والسّادسة والستين والسّابعة والسّتين والسبعين والسادسة والسبعين، والرابعة والتسعين، واثنين أو ثلاثة حكايات أخر قريبة إلى هذه الحكاية.
وكثيراً ما يتوهّم في ذلك، فقد يكون ذلك الشخص أحد الأبدال والأولياء وليس هو امام الزمان عليه السلام، وان صدور الكرامات وخوارق العادات ممكنة من غير الحجج، وقد نقلت على الدوام كل طائفة لعلمائها الصلحاء والأتقياء والزهاد.
فذكر ذلك في هذا الباب غير مناسب. ولكننا; أولا: تبعنا أجلّة اصحابنا حيث نقلوا أمثال تلك القضايا في باب من تشرّف بلقائه عليه السلام في الغيبة الكبرى.
وثانياً: سوف نثبت في الباب الثامن ان شاء الله تعالى ان اجابة المضطرين واغاثة الملهوفين من مناصبه الالهية، فهو يغيث المظلوم المستغيث، ويعين الملهوف المضطر.
وثالثاً: على فرض انه لم يكن هو ذلك الشخص المغيث، فبالضرورة انه يكون احد خواصّه ومواليه المخصوصين به.
فاذا لم ير المضطر شخصه عليه السلام فهو قد رأى من رآه عليه السلام، وهذا كاف لاثبات المطلوب.
ورابعاً: على فرض التسليم انه لم يكن من اُولئك ايضاً فهو يدل على أحقيّة الامامية، فلابدّ أن يكون ذلك الشخص من المسلمين، وإذا لم يكن امامياً فهو يرى ان الامامية كفار ويجب قتلهم على الفور، وانهم لا تؤخذ منهم الجزية كما تؤخذ من أهل الكتاب; فكيف ينجّي هذا الشخص من المهالك وبطريق خرق العادة.
وسوف تأتي تتمة الكلام في ذلك الباب الموعود ان شاء الله تعالى.
ولنشرع الآن بالمقصود بعون الملك الودود:
الحكاية الأولى:
نقل الشيخ الفاضل حسن بن محمد بن حسن القمي المعاصر للصدوق في (تاريخ قم) عن كتاب (مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين) من مصنّفات الشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربيّة:(24) باب ذكر بناء مسجد جمكران، بأمر الامام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة، سبب بناء المسجد المقدّس في جمكران بأمر الامام عليه السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي فلمّا مضى نصف من الليل فاذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الامام المهدي صاحب الزمان فانّه يدعوك.
قال: فقمت وتعبّأت وتهيّأت، فقلت: دعوني حتّى ألبس قميصي، فاذا بنداء من جانب الباب: " هو ما كان قميصك " فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: " ليس ذلك منك، فخذ سراويلك " فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: " الباب مفتوح".
فلمّا جئت إلى الباب، رأيت قوماً من الأكابر، فسلّمت عليهم، فردّوا ورحّبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن، فلمّا أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زيّ ابن ثلاثين متكأً عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستّين رجلا يصلّون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض، وعلى بعضهم ثياب خضر.
وكان ذلك الشيخ هو الخضر عليه السلام فأجلسني ذلك الشيخ عليه السلام، ودعاني الامام عليه السلام باسمي، وقال: اذهب الى حسن بن مسلم، وقل له: انّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها، ونحن نخرّبها، زرعت خمس سنين، والعام ايضاً أنت على حالك من الزراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها وعليك ردّ ما انتفعت به من غلاّت هذه الأرض ليبنى فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم انّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرّفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابّين، فلم تنتبه عن غفلتك، فإنْ لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.
قال حسن بن مثلة: (قلت:) يا سيدي لابدّ لي في ذلك من علامة، فانّ القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجّة عليه، ولا يصدّقون قولي، قال: انّا سنعلم هناك فاذهب وبلّغ رسالتنا، واذهب إلى السيّد أبي الحسن وقل له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد، ويتمّ ما نقص منه من غلّة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتمّ المسجد، وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد، ليجلب غلّته كلّ عام ويصرف إلى عمارته.
وقل للناس: ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزّروه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحيّة في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرّة، وسورة الاخلاص سبع مرّات ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات، وركعتان للامام صاحب الزمان عليه السلام هكذا: يقرأ الفاتحة، فاذا وصل إلى " اياك نعبد واياك نستعين " كرّره مائة مرّة ثم يقرؤها إلى آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات، فاذا أتمّ الصلاة يهلّل ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام، فاذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي وآله مائة مرّة، ثم قال عليه السلام: ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاّها فكأنّما صلّى في البيت العتيق.
قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأنّ هذا موضع أنت تزعم انّما هذا المسجد للامام صاحب الزمان مشيراً الى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد فأشار ذلك الفتى إليّ أن اذهب.
فرجعت، فلمّا سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: انّ في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزاً يجب أن تشتريه، فانْ أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه والّا فتعطي من مالك، وتجيء به إلى هذا الموضع، وتذبحه الليلة الآتية، ثمّ تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى، ومن به علّة شديدة فانّ الله يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق، كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض: ثلاث على جانب وأربع على جانب، سود وبيض كالدراهم.
فذهبت فأرجعوني ثالثة: وقال عليه السلام: تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً، فان حملت على السبع انطبق على ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون، وان حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة، وكلاهما يوم مبارك.
قال حسن بن مثلة: فعُدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكّراً حتى أسفرّ الصبح، فأدّيت الفريضة، وجئت إلى عليّ بن المنذر، فقصصت عليه الحال، فجاء معي حتّى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة، فقال: والله انّ العلامة التي قال لي الامام واحد منها انّ هذه السلاسل والأوتاد ههنا.
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرّضا فلمّا وصلنا إلى باب داره رأينا خدّامه وغلمانه يقولون انّ السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة، وسلّمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكّن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن احدّثه وقال: يا حسن بن مثلة انّي كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: انّ رجلا من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدوّ، ولتصدّقنّ ما يقول، واعتمد على قوله، فانّ قوله قولنا، فلا تردنّ عليه قوله، فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.
فقصّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً، فأمر بالخيول لتسرج، وتخرّجوا فركبوا فلمّا قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عادياً إلى الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي انّي ما رأيت هذا المعز قطّ، ولم يكن في قطيعي الّا انّي رأيته وكلّما اُريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء اليكم، فأتَوْا بالمعز كما أمر به السيّد إلى ذلك الموضع وذبحوه.
وجاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردّوا منه الغلاّت وجاؤوا بغلاّت رهق، وسقّفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والأعلاّء ويمسّون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحّون.
قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة انّ السيد أبا الحسن الرضا في المحلّة المدعوّة بموسويان من بلدة قم، فمرض بعد وفاته ولد له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد، فلم يجدها.
يقول المؤلف:
في النسخة الفارسية لـ (تاريخ قم) وفي نسخته العربيّة الذي اختصر العالم الجليل آقا محمد علي الكرمنشاهي، ونقل عنه في حواشي رجال المير مصطفى في باب (حسن) ان تاريخ القصة في ثلاث وتسعين بعد المائتين; والظاهر انّه اشتباه من الناسخ، وكان أصله (سبعين)، لأنّ وفاة الشيخ الصدوق كان قبل التسعين.
وأما ركعتا الصلاة المنسوبة إليه صلوات الله عليه فهي من الصلوات المعروفة، وقد رواها جماعة من العلماء.
الأول: روى الشيخ الطبرسي صاحب التفسير في كتاب (كنوز النجاح) عن احمد بن الدّربي عن خزامة عن أبي عبد الله الحسين بن محمد البزوفري قال: خرج عن النّاحية المقدّسة: من كان له إلى الله حاجة فليغسل ليلة الجمعة بعد نصف الليل ويأتي مصلاه ويصلّي ركعتين يقرأ في الركعة الأولى الحمد، فاذا بلغ (اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعِين) يكرّرها مائة مرّة ويتمّم في المائة إلى آخرها ويقرأ سورة التوحيد مرّة واحدة ثم يركع ويسجد ويسبّح فيها سبعة سبعة ويصلّي الركعة الثانية على هيئته ويدعوا بهذا الدعاء فان الله تعالى يقضي حاجته البتّة، كائنا ما كان، الّا ان يكون في قطيعة الرحم.
والدّعاء: اللهم ان اطعتك فالمحمدة لك وان عصيتك فالحجة لك، منك الروح ومنك الفرج، سبحان من أنعم وشكر سبحان من قدر وغفر، اللهم إن كنت قد عصيتك فانّي قد أطعتك في أحبّ الأشياء اليك وهو الايمان بك لم أتّخذ لك ولداً ولم ادع لك شريكاً منّاً منك به عليّ لا منّاً منّي به عليك، وقد عصيتك يا الهي على غير وجه المكابرة ولا الخروج عن عبوديّتك ولا الجحود لربوبيّتك ولكن اطعت هواي وأزلّني الشيطان فلك الحجة علي والبيان، فإنْ تعذّبني فبذنوبي غير ظالم، وانْ تغفر لي وترحمني فانّك جواد كريم، يا كريم يا كريم ـ حتى يقطع النفس ـ ثم يقول: يا آمناً من كل شيء وكل شيء منك خائف حذر أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كل شيء منك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي وولدي وسائر ما أنعمت به عليّ حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً انّك على كل شيء قدير وحسبنا الله ونعم الوكيل. يا كافي ابراهيم نمرود، يا كافي موسى فرعون، أسئلك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تكفيني شرّ فلان بن فلان(25) فيستكفى شرّ من يخاف شرّه ان شاء الله تعالى ثم يسجد ويسأل حاجته ويتضرّع، فانّه ما من مؤمن ولا مؤمنة صلّى هذه الصلوة ودعا بهذا الدعاء خالصاً الّا فتحت له أبواب السماء للاجابة، ويجاب في وقته وليلته، كائنا ما كان، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس.(26)
الهوامش
(1) قال المؤلف رحمه الله: " يعني نفسه الراوي محمد بن أبي عبد الله الكوفي ".
(2) وفي نسخة (حليس) وفي بعضها (أبي عابس) وفي بعضها (دبيس).
(3) وفي نسخة ذكرها المؤلف رحمه الله (بن جنيد).
(4) وفي نسخة ذكرها المؤلف رحمه الله (النبيل).
(5) وفي نسخة ذكرها المؤلف (رئيس) ـ وفي المصدر المطبوع (دبيس)، وفي بعض النسخ (بن دميس) وفي بعضها (رميس)، وفي بعضها الآخر (دبيش).
(6) وفي المصدر المطبوع (نيبخت).
(7) وفي المصدر المطبوع (وصاحب النواء).
(8) في الترجمة (ومن أهل همدان).
(9) وفي المصدر المطبوع (وابن اخيّة) بالتصغير.
(10) وفي المصدر المطبوع (باذشالة) بالذال المعجمة.
(11) وفي نسخة ذكرها المؤلف رحمه الله (وأبوه).
(12) في الترجمة (ومن أهل قزوين).
(13) وفي المصدر المطبوع (فاقتر)، وفي بعض النسخ (قائن).
(14) وفي المصدر المطبوع (المحروج) ولعلّه خطأ مطبعي، وفي بعض النسخ (المحووج).
(15) وفي بعض النسخ (صاحبا المولودين).
(16) وفي الترجمة (بمنى) بدل (بمكة).
(17) وفي الترجمة (ومن أهل الأهواز).
(18) هكذا في المصدر المطبوع، وفي الترجمة (الحضيني) وفي نسخة (حصين). وفي نسخة (الخصيبي) وفي بعضها (الحضيني).
(19) أقول: روى الكشي في رجاله، ص 531 ـ عن احمد بن علي بن كلثوم السرخسي وكان من القوم وكان مأموناً على الحديث، حدّثني اسحاق بن محمد البصري، قال: حدّثني محمد بن ابراهيم بن مهزيار، قال: ان ابي لما حضرته الوفاة دفع اليّ مالا، واعطاني علامة، ولم يعلم بتلك العلامة احد الّا الله عزوجل، وقال: من أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال.
قال: فخرجت إلى بغداد ونزلت في خان، فلمّا كان اليوم الثاني إذ جاء شيخ ودقّ الباب، فقلت للغلام: انظر من هذا. فقال: شيخ بالباب. فقلت: ادخل. فدخل وجلس، فقال: انا العمري، هات المال الذي عندك وهو كذا وكذا ومعه العلامة، قال: فدفعت إليه المال.
وحفص بن عمرو كان وكيل ابي محمد عليه السلام، وأما أبو جعفر محمد بن حفص بن عمرو فهو ابن العمري وكان وكيل الناحية وكان الأمر يدور عليه. انتهى.
وقال الشيخ الطوسي في رجاله: " حفص بن عمرو العمري المعروف ويدعي حفص بالجمال وله قصة في ذلك " انتهى.
ولعل المؤلف رحمه الله فهم من قوله " وله قصة في ذلك " إلى القصة المتقدّمة التي ذكرها الشيخ الكشي رحمه الله.
(20) يعني بهما عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله تعالى عنهما.
(21) راجع تاريخ قم (حسن بن محمد بن حسن القمي) سنة 378 هـ ـ وأصل الكتاب بالعربيّة ولكنه مفقود، والموجود منه الترجمة بالفارسية ترجمه حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك القمي في سنة 805 أو 806 هـ. ق، ص 205.
وحاولنا ان نعرب النص بارجاعه إلى الأصل، ولا يخفى ان الرواية ذكرها الصدوق عليه الرحمة في (كمال الدين)، ص 435 قال: " حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال: حدّثني معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه قالوا: عرض علينا ابو محمد الحسن بن علي عليهما السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلا، فقال: هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في اديانكم فتهلكوا (أقول وفي البحار: ج52، ص 26: ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في اديانكم) اما انكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت الّا أيّام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام ".
أقول: الظاهر الرواية واحدة والاختلاف الموجود بين ما في تاريخ قم وما في كمال الدين لعله ناشئ من الترجمة من العربيّة إلى الفارسيّة والله أعلم.
(22) الوجداني وهو البديهي والضروري، ويحصل عندما يكون العلم بالشيء بحدّ لا يحتاج إلى برهان ودليل، ومقابله غير الوجداني وهو النظري الذي يحتاج للتصديق به إلى برهان ودليل.
(23) يعني بشكل عام بلحاظ: وان خلت بعض افراده عن تلك الحاجة.
وأما (بالجملة) فتعطي معنى (بشكل عام) أي ولكن بشرط عدم لحاظ اللحاظ السابق.
(24) هذا التعريب للنص الفارسي من المؤلف (ره) في كتابه (جنّة المأوى) فرأينا الأنسب نقل تعريبه.
(25) قال المؤلف رحمه الله: " ويذكر بدل (فلان بن فلان) اسم من يريد أن يضرّه واسم أبيه ".
(26) مهج الدعوات (السيد ابن طاووس): ص 294 ـ 295.
******************
الثاني: قال السيد عظيم القدر السيد فضل الله الراوندي في كتاب الدعوات في ضمن صلوات المعصومين عليهم السلام:
" صلاة المهدي (صلوات الله وسلامه عليه)(1) ركعتان، في كل ركعة الحمد مرّة، ومائة مرّة (اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعِين) ويصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مائة مرّة بعد (كل)(2) صلاة ( من هذه الصلوات ثم يسأل الله حاجته)(3) ".(4)
الثالث: ونسب السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (جمال الأسبوع) هذه الصلاة بهذا النحو المذكور إليه عليه السلام وقال:
"... وتدعو عقيبها فتقول: اللهم عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وضاقت الأرض ومنعت السماء(5) واليك يا ربّ المشتكى، وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد الذين أمرتنا بطاعتهم، وعجّل اللهم فرجهم بقائمهم وأظهِر اعزازه، يا محمد يا علي، يا علي يا محمد اكفياني فانّكما كافياي، يا محمد يا علي، يا علي يا محمد انصراني فانّكما ناصراي، يا محمد يا علي، يا علي يا محمد احفظاني فانّكما حافظاي، يا مولاي يا صاحب الزمان (ثلاث مرّات) أدركني أدركني أدركني، الأمان الأمان الأمان".(6)
ومسجد جمكران الشريف موجود لحدّ الآن ويقع بفرسخ عن قم تقريباً من جهة باب كاشان.
وروى في تاريخ قم عن البرقي وغيره انه كان اسم بلدة قم (مان امهان)(7) يعني منازل كبار وأشراف جمكران; هكذا قال رواة العجم بأن أول قرية بنيت في هذه الأطراف هي (جمكران) وبناها جم ملك، وأول موضع بناه بجمكران كان "شحة"(8) يعني الشيء القليل.
ويقال: انه عندما مرّ صاحب جمكران على العمّال والبنائين قال لهم: ماذا فعلتم؟ فقالوا: (شحة)(9) ، وتعني بلسانهم شيئاً قليلا.
فسمّي هذا الموضع بهذا الاسم.
ولهذا السبب سميت بـ (ويدستان)(10) وبجمكران، بناها (جلين بن آذر نوح)(11) (آزادن). وتلك قصة سوف أذكرها ان شاء الله في باب العجم.(12)
وبجمكران جبل مشرف عليها يقال له (ويشويه) وعليه قلعة مرتفعة قديمة، ولا يعرف صاحبها ويقال ان الاسكندر هو الذي بناها، وأحاطها بالماء الجاري.
وروي(13) عن البرقي: ان الذي بنى جمكران هو سليمان بن داود عليهما السلام.
ولا تخلو هذه الرواية من خلاف، لأنه لا يوجد في تلك الأطراف بناية تنسب إلى سليمان بن داود.
وكذلك فلا يتناسب مع الاثنين، والعلم عند الله.
وكانت جمكران من (ماكين) ذلك، وأعطاه الله عزوجل ولداً اسمه (جلين) وبنى في جمكران حصناً وهو باق للآن. وكذلك فقد بنى عشر محلات وطريقاً، ثم أضاف إليها محلّتين وطريقاً فصار مجموعها اثني عشرة.
وكان على باب كل محلة وطريق معبد نار، وبنى بستاناً، وأسكن جواريه وعبيده فيها، وما زال أبناؤهم وأحفادهم إلى يومنا هذا يسكنون هناك ويفتخرون على الآخرين، انتهى.(14)
و (رهق) من القرى المعروفة العامرة إلى الآن وهي أقرب إلى كاشان منها إلى قم، ولكنّها من توابع قم تبعد عنها بمسافة عشرة فراسخ تقريباً.
الحكاية الثانية:
روى الشريف الزاهد أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسيني في آخر كتاب (التعازي)(15):
عن الأجل العالم الحافظ حجة الاسلام سعيد بن احمد بن الرضي عن الشيخ الأجل المقرئ خطير الدين حمزة بن المسيّب بن الحارث انّه حكى في داري بالظفريّة بمدينة السلام في ثامن عشر شهر شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة قال: حدّثني شيخي العالم ابن أبي القاسم(16) عثمان بن عبد الباقي بن احمد الدمشقي في سابع عشر جمادى الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة قال: حدّثني الأجل العالم الحجة كمال الدين احمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.
قال: كنّا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدّم ذكرها، ونحن على طبقة، وعنده جماعة، فلمّا أفطر من كان حاضراً وتقوّض(17) اكثر من حضر خاصر(18)، أردنا الانصراف، فأمرنا بالتمسّي عنده، فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه، ولم أكن رأيته من قبل، ورأيت الوزير يكثر اكرامه، ويقرّب مجلسه، ويصغي إليه، ويسمع قوله، دون الحاضرين.
فتجارينا الحديث والمذاكرة، حتى أمسينا وأردنا الانصراف، فعرّفنا بعض أصحاب الوزير ان الغيث ينزل، وانّه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير أن نمسي عنده فأخذنا نتحادث، فأفضى الحديث حتى تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلى دين الاسلام، وتفرّق المذاهب فيه.
فقال الوزير: أقلُّ طائفة مذهب الشيعة، وما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطّتنا هذه، وهم الأقل من أهلها، وأخذ يذمّ أحوالهم، ويحمد الله على قتلهم في أقاصي الأرض.
فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه، مصغياً إليه؟ فقال له: أدام الله ايّامك اُحدِّث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه، فصمَتَ الوزير، ثمّ قال: قل ما عندك.
فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية، ولها الرّستاق الذي يعرفه التّجار، وعدّة ضياعها ألف ومائتا ضيعة، في كلّ ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم الّا الله، وهم قوم نصارى، وجميع الجزائر التي كانت حولهم، على دينهم ومذهبهم، ومسير بلادهم وجزائرهم مدّة شهرين، وبينهم وبين البرّ مسير عشرين يوماً وكلّ من في البرّ من الأعراب وغيرهم نصارى وتتّصل بالحبشة والنوبة، وكلّهم نصارى، ويتّصل بالبربر، وهم على دينهم فانّ حدّ هذا كان بقدر كل من في الأرض، ولم نضف اليهم الافرنج والروم.
وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصارى، واتّفق اننا سرنا في البحر، وأوغلنا، وتعدّينا الجهات التي كنّا نصل إليها، ورغبنا في المكاسب ولم نزل على ذلك حتى صرنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار، مليحة الجدران فيها المدن الملدودة(19) والرساتيق.
وأول مدينة وصلنا إليها واُرسي المراكب بها، وقد سألنا الناخداه(20) أيّ شيء هذه الجزيرة؟ قال: والله انّ هذه جزيرة لم أصل إليها ولا أعرفها، وأنا وأنتم في معرفتها سواء.
فلمّا أرسينا به(21)، وصعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة، وسألنا ما اسمها؟
فقيل هي المباركة، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه؟ فقالوا: اسمه الطاهر، فقلنا وأين سرير مملكته؟ فقيل: بالزاهرة، فقلنا: وأين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم وبينها مسيرة عشر ليال في البحر، وخمسة وعشرين ليلة في البرّ، وهم قوم مسلمون.
فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟ فقالوا: تحضرون عند نائب السّلطان، فقلنا: وأين أعوانه؟ فقالوا: لا أعوان له، بل هو في داره وكلّ من عليه حقّ يحضر عنده، فيسلّمه إليه.
فتعجّبنا من ذلك، وقلنا: ألا تدلّونا عليه؟ فقالوا: بلى، وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأيناه رجلا صالحاً علبه عباءة، وتحته عباءة وهو مفترشها، وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام وحيّانا وقال: من أين أقبلتم؟ فقلنا: من أرض كذا وكذا؟ فقال: كلّكم مسلمون؟ فقلنا: لا; بل فينا المسلم واليهودي والنصراني، فقال: يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته، ويناظر المسلم عن مذهبه.
فوزن والدي عن خمس نفر نصارى: عنه وعنّي وعن ثلاثة كانوا معنا ثمّ وزن تسعة نفر كانوا يهوداً وقال: للباقين: هاتوا مذاهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم.
فقال: لستم مسلمين وانما أنتم خوارج وأموالكم تحلّ للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريّته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم.
فضاقت بهم الأرض ولم يبقَ الّا أخذ أموالهم.
ثمّ قال لنا: يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم، حيث اُخذت الجزية منكم، فلمّا عرف اُولئك انّ اموالهم معرضة للنهب، سألوه أن يحملهم إلى سلطانهم فأجاب سؤالهم، وتلا: (ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة).(22)
فقلنا للناخداه والرُّبان وهو الدّليل: هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا رفقة، وما يحسن لنا أن نتخلّف عنهم أينما يكونوا نكون معهم، حتى نعلم ما يستقرّ حالهم عليه؟ فقال الرّبان: والله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه، فأستاجرنا رُبّاناً ورجالا، وقلعنا القلع(23) وسرنا ثلاثة عشر يوماً بلياليها حتى كان قبل طلوع الفجر، فكبّر الرّبان فقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرها انّها قد بانت، فسرنا حتى تضاحى النهار.
فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أخفّ على القلب، ولا أرقّ من نسيمها ولا أطيب من هوائها، ولا أعذب من مائه(24)، وهي راكبة البحر، على جبل من صخر أبيض، كأنّه لون الفضّة، وعليها سور إلى ما يلي البحر، والبحر يحوط الذي يليه منها، والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدّور والأسواق وتأخذ منها الحمّامات وفواضل الأنهار ترمى في البحر، ومدى الأنهار فرسخ ونصف، وفي تحت ذلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها، ومزارعها عند العيون وأثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها ولا أعذب; ويرعى الذئب والنعجة عياناً ولو قصد قاصد لتخلية دابة في زرع غيره لما رعته، ولا قطعت قطعة حمله ولقد شاهدت السباع والهوامّ رابضة في غيض تلك المدينة، وبنو آدم يمرّون عليها فلا تؤذيهم.
فلمّا قدمنا المدينة وأرسى المركب فيها، وما كان صحبنا من الشوابي والذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء كثيرة الخلق، وسيعة الربقة، وفيها الأسواق الكثيرة، والمعاش العظيم، ويرد إليها الخلق من البرّ والبحر، وأهلها على أحسن قاعدة، لا يكون على وجه الأرض من الاُمم والأديان مثلهم وأمانتهم، حتى انّ المتعيّش بسوق يرده إليه من يبتاع منه حاجة امّا بالوزن أو بالذراع فيبايعه عليها ثمّ يقول: يا هذا زن لنفسك واذرع لنفسك.
فهذه صورة مبايعاتهم، ولا يسمع بينهم لغو المقال، ولا السفه ولا النميمة، ولا يسبُّ بعضهم بعضاً، وإذا نادى المؤذن الأذان، لا يتخلّف منهم متخلّف ذكراً كان أو أنثى الّا ويسعى إلى الصلاة، حتى إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض، رجع كلّ منهم الى بيته حتى يكون وقت الصلاة الأخرى فيكون الحال كما كانت.
فلمّا وصلنا المدينة، وارسينا بمشرعتها، أمرونا بالحضور إلى عند السلطان فحضرنا داره، ودخلنا إليه إلى بستان صور(25) في وسطه قبّة من قصب، والسلطان في تلك القبّة، وعنده جماعة وفي باب القبّة ساقية تجري.
فوافينا القبّة، وقد أقام المؤذن الصلاة، فلم يكن أسرع من أن امتلأ البستان بالناس، واُقيمت الصلاة، فصلّى بهم جماعة، فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله، ولا ألين جانباً لرعيّته، فصلّى من صلّى مأموماً.
فلمّا قضيت الصلاة التفت الينا وقال: هؤلاء القادمون؟ قلنا: نعم، وكانت تحيّة الناس له أو مخاطبتهم له: " يا ابن صاحب الأمر " فقال: على خير مقدم.
ثم قال: أنتم تجّار أو ضياف؟ فقلنا: تجّار، فقال: من منكم المسلم، ومن منكم أهل الكتاب؟ فعرَّفناه ذلك، فقال: انّ الاسلام تفرّق شعباً فمن أيّ قبيل أنتم؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقري ابن دربهان بن احمد(26) الأهوازي، يزعم انّه على مذهب الشافعي، فقال له: أنا رجل شافعي، قال: فمن على مذهبك من الجماعة؟
قال: كلّنا الّا هذا حسّان بن غيث فانّه رجل مالكي.
فقال: أنت تقول بالاجماع؟ قال: نعم، قال: اذن تعمل بالقياس، ثم قال: بالله يا شافعي تلوت ما أنزل الله يوم المباهلة؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوا نَدع أبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِين).(27)
فقال: بالله عليك مَنْ أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يابن دربهان؟ فأمسك، فقال: بالله هل بلغك انّ غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال: لا، فقال: والله لم تنزل هذه الآية الّا فيهم، ولا خصّ بها سواهم.
ثمّ قال: بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهّره الله بالدّليل القاطع، هل ينجّسه المختلفون؟ قال: لا، قال: بالله عليك هل تلوت: (اِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً)(28) قال: نعم، قال: بالله عليك مَنْ يعني بذلك؟ فأمسك، فقال: والله ما عنى بها الّا أهلها.
ثم بسط لسانه وتحدّث بحديث أمضى من السهام، وأقطع من الحسام فقطع الشافعي ووافقه، فقام عند ذلك فقال: عفواً يا ابن صاحب الأمر انسب إليّ نسبك، فقال: أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي الذي أنزل الله فيه: (وَكُلّ شَىْء أَحْصَيْنَاهُ فِى اِمَام مُبِين)(29) هو والله الامام المبين، ونحن الذين أنزل الله في حقّنا: (ذُرِيَّة بَعْضهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).(30)
يا شافعيّ نحن أهل البيت نحن ذريّة الرسول، ونحن اُولوا الأمر، فخرّ الشافعي مغشيّاً عليه، لما سمع منه، ثم أفاق من غشيته، وآمن به، وقال: الحمد لله الذي منحني بالاسلام، ونقلني من التقليد إلى اليقين.
ثمّ أمر لنا باقامة الضيافة، فبقينا على ذلك ثمانية أيام، ولم يبق في المدينة الّا من جاء الين(31)، وحادثنا، فلمّا انقضت الأيام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة، ففتح لهم في ذلك، فكثرت علينا الأطعمة والفواكه، وعملت لنا الولائم، ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة.
فعلمنا وتحقّقنا انّ تلك المدينة مسيرة شهرين كاملة برّاً وبحراً، وبعدها مدينة اسمها الرائقة، سلطانها القاسم بن صاحب الأمر عليه السلام مسيرة ملكها شهرين وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة اسمها الصافية، سلطانها ابراهيم بن صاحب الأمر عليه السلام بالحكام وبعدها مدينة اُخرى اسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمن بن صاحب الأمر عليه السلام، مسيرة رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة اُخرى اسمها عناطيس، سلطانها هاشم بن صاحب الأمر عليه السلام وهي أعظم المدن كلّها وأكبرها وأعظم دخل(32)، ومسيرة ملكها أربعة أشهر.
الهوامش
(1) سقطت من الترجمة.
(2) سقطت من الترجمة.
(3) سقطت من الترجمة.
(4) الدعوات (القطب الراوندي): ص 89 ـ الطبعة الحديثة.
(5) في المصدر المطبوع بدل (ومنعت السماء) (بما وَسِعَتَِ السماءُ).
(6) جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 280 و281 ـ الطبعة الحجرية.
(7) في الكتاب (بان) بدل (مان)، ولكن في المصدر المطبوع (مان)، وقال المصحح ما معناه: "مان في الفارسي بمعنى البيت ومهان تعنى الكبار فـ (مان مهان) يعني بيت الكبار".
(8) هكذا في الكتاب، ولكن في المصدر المطبوع: (شمه) وفي خ. ل: جشمجة... الخ.
(9) في المصدر المطبوع (شمة).
(10) وفي المصدر المطبوع زيادة.
(11) وفي المصدر المطبوع (جلين بن آذر توح).
(12) الكلام لمؤلف تاريخ قم.
(13) في المصدر المطبوع (وحكي عن البرقي).
(14) تاريخ قم ـ تأليف حسن بن محمد بن حسن القمي (378 هـ. ق) ـ ترجمة حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك القمي (86 هـ. ق): ص 60 و61.
(15) قال المؤلف رحمه الله: " التعازي جمع تعزية لأنه جمع فيه تعزية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعلي عليه السلام للعاصين ومواساتهم لهم لذا سمّي بالتعازي ".
أقول: لعل هناك اشتباه مطبعي في (للعاصين) بدل (للمصابين) والله أعلم.
(16) في الكتاب (الترجمة): (بن أبي القمر)، ولكن المؤلف رحمه الله قال في حاشية كتابه (جنة المأوى) تعليقاً على اسم المحدّث (ابن أبي القاسم): " كذا في نسخة كشكول المحدّث البحراني ".
(17) يقال: تقوض الحلق والصفوف: انتقضت وتفرّقت.
(18) قال في حاشية جنة المأوى: " في الأصل المطبوع: (من حضر حاضراً) وهو تصحيف، والصحيح ما في الصلب ومعناه انّه: قام اكثر أهل المجلس وكل منهم وضع يده على خاصرته، من طول الجلوس وكسالته ".
(19) في كشكول الشيخ البحراني (المدورة) وهي أصحّ.
(20) (الناخدا) كلمة فارسية بمعنى ربان السفينة.
(21) في الترجمة زيادة وحذف وزيادة أبيات شعر بالفارسية.
در جهان هيچكس نديده چنان منزلى دلفروز و جان افزا
عرصه خرمش جهان افروز ساحت فرخش جهان آرا
(22) الآية 42 من سورة الأنفال.
(23) قال الجوهري في الصحاح: ج 3، ص 1271: " والقِلْعُ بالكسر: الشراع، والجمع قلاع... وسفن مقلعات ".
(24) هنا ذكر المؤلف رحمه الله بيت شعر بالفارسية:
چشم فلك نديد ونه گوش ملك شنيد زين خوبتر بلاد و پسنديده تر مقر
ومعناه بالعربية:
لم تر عين القلب ولم تسمع اذن الملك أحسن من هذي البلاد وأرضى منها مقرّاً
(25) قال الجوهري في الصحاح: ج 2، ص 716: "والصَّوْرُ بالتسكين: النخل المجتمع الصغار، لا واحد له...".
(26) قال المؤلف رحمه الله: " اسمه دربهان بن احمد، كذا في كشكول الشيخ يوسف البحراني ".
(27) الآية 61 من سورة آل عمران.
(28) الآية 33 من سورة الأحزاب.
(29) من الآية 12 من سورة يس.
(30) الآية 34 من سورة آل عمران.
(31) ذكر المؤلف رحمه الله هنا بيت شعر بالفارسية:
مردم او جمله فرشته سرشت* * * خوش دل و وخوش خوى چو اهل بهشت
اهلها من طبيعة الملائكة* * * طيبي القلب وحسني الخلق مثل أهل الجنة
(32) ذكر المؤلف رحمه الله هنا بيت شعر بالفارسية:
ميكند هر دم ندا از آسمان روح الامين * * * هذه جنات عدن فادخلوها خالدين
يعني:
ينادي كل نفس من السماء روح الأمين * * * هذه جنات عدن فادخلوها خالدين
******************
فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الموحّد القائل بالبراءة والولاية الذي يقيم الصّلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سلاطينهم أولاد امامهم، يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس على وجه الأرض مثلهم، ولو جمع أهل الدّنيا، لكانوا اكثر عدداً منهم على اختلاف الأديان والمذاهب.
ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقّب ورود صاحب الأمر اليهم، لأنّهم زعموا انّها سنة وروده، فلم يوفّقنا الله تعالى للنظر اليه، فأمّا ابن دربهان وحسّان فانهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته، وقد كنّا لمّا استكثرنا هذه المدن وأهلها، سألنا عنها فقيل، انها عمارة صاحب الأمر عليه السلام واستخراجه.
فلمّا سمع عون الدّين ذلك، نهض ودخل حجرة لطيفة، وقد تقضّى الليل فأمر باحضارنا واحداً واحداً، وقال: ايّاكم اعادة ما سمعتم أو اجراءه على ألفاظكم وشدّده وتأكّد علينا، فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منّا ممّا سمعه حرفاً واحداً حتى هلك.
وكنّا إذا حضرنا موضعاً واجتمع واحدنا بصاحبه، قال: أتذكر شهر رمضان، فيقول: نعم، ستراً لحال الشرط.(1)
فهذا ما سمعته ورويته، والحمد لله وحده، وصلواته على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، والحمد لله ربّ العالمين.(2)
يقول المؤلف:
نقل هذه القصة جماعة من العلماء فبعضهم بنحو ما ذكر، والبعض الآخر باختصار وآخرون أشاروا إليها كالسيد الجليل علي بن طاووس في أواخر كتاب (جمال الأسبوع) قال: "ووجدت رواية متّصلة الأسناد بأنّ للمهدي صلوات الله عليه (أولاد جماعة) ولاة في أطراف بلاد البحار على غاية عظيمة من صفات الأبرار".(3)
ونقل الشيخ الجليل عظيم الشأن الشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي من علماء المائة التاسعة في الفصل الخامس عشر من الباب الحادي عشر من كتاب (الصراط المستقيم) وهو من كتب الامامية النفيسة القصة المذكورة باختصار عن كمال الدين الأنباري.
ونقلها السيد الجليل النبيل السيد علي بن عبد الحميد النيلي صاحب التصانيف الرائقة، من علماء المائة الثامنة، في كتاب (السلطان المفرج عن أهل الايمان) عن الشيخ الأجل الأمجد الحافظ حجة الاسلام الرضي البغدادي عن الشيخ الأجل خطير الدين حمزة بن الحارث بمدينة السلام... إلى آخر ما تقدّم.
وقال المدقق الأردبيلي في كتاب حديقة الشيعة:
"حكاية غريبة ورواية عجيبة قلمّا طرقت اذناً، وهي في كتاب الأربعين تصنيف أحد كبار المصنّفين وأعاظم المجتهدين من علماء أمة سيد المرسلين وخدمة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما; ولأنها لم تصل الّا إلى قليل، فمع طولها نزيّن هذه الأوراق بنقلها، فبها تقر عيون سائر المؤمنين; روى العالم العامل المتّقي الفاضل محمد بن علي العلوي الحسيني بسنده المتّصل إلى احمد بن محمد بن يحيى الأنباري".(4)
ونقلها السيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية عن كتاب الفاضل الملقب بالرضا علي بن فتح الله الكاشاني رحمه الله قال: " روى الشريف الزاهد... الخ".(5)
وعند الحقير نسخة (أربعين) لبعض العلماء ساقطة الأول وبعد أن يذكر متنها بالعربيّة يترجمها إلى الفارسية، ونحن قد اقتنعنا بتلك الترجمة.
ومع كثرة هؤلاء الناقلين فالعجيب عدم انتباه العلامة المجلسي فلم يذكرها في البحار.
وفي القصة شبهتان منشأ احداهما قلّة الاطّلاع، وثانيتهما ضعف الايمان.
الشبهة الأولى:
انه لم يعهد للحجة عليه السلام الأولاد والعيال (والزوجات) كما هو مذكور في هذه القصة، ولم ير ذلك في الأخبار، ولم يسمع ذلك من الأخبار; ولذلك أنكر بعض أصل وجودها.
وجوابها غير خفي على الناقد البصير، وقد أشير إليه في كثير من الأخبار، مع ان نفس عدم الوصول وعدم الاطلاع عليها ليس دليلا على عدمه، وكيف يترك مثل هذه السنة العظيمة لجدّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم التي حثّ عليها بذلك الشكل من الترغيب والحثّ في فعلها والتهديد والتخويف من تركها؟ وأجدر من يأخذ بسنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم هو امام العصر.
ولم يعدّ لحد الآن احدٌ ترك ذلك(6) من خصائصه ونحن نقتنع بذكر اثني عشر خبراً:
الأول: روى الشيخ النعماني تلميذ ثقة الاسلام الكليني في كتاب الغيبة، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسندين معتبرين عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
انّ لصاحب هذا الأمر غيبتين احداهما تطول حتى يقول بعضهم مات ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من اصحابه الّا نفر يسير لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره الّا المولى الذي يلي أمره.(7)
الثاني: روى الشيخ الطوسي وجماعة بأسانيد متعددة عن يعقوب بن يوسف الضراب الاصفهاني انّه حج في سنة احدى وثمانين ومائتين فنزل بمكة في سوق الليل بدار تسمى دار خديجة، وفيها عجوز كانت واسطة بين الشيعة وامام العصر عليه السلام، والقصة طويلة، وذكر في آخرها انّه عليه السلام ارسل إليه دفتراً وكان مكتوب فيه صلوات على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وباقي الأئمة وعليه صلوات الله عليه، وأمره إذا أردت أن تصلّي عليهم فصلّي عليهم هكذا وهو طويل، وفي موضع منه:
"اللهم أعْطِهِ في نفسه وذريّته وشيعته ورعيّته وخاصّته وعامّته وعدوّه وجميع أهل الدنيا ما تقرّ به عينه...".
وفي آخره هكذا:
"اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى(8) وجميع الأوصياء مصابيح الدّجى(9) واعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصلِّ على وليّك وولاة عهده(10) والائمة من ولده، ومدّ(11) في أعمارهم، وزد(12) في آجالهم، وبلّغهم أقصى آمالهم ديناً ودني(13) وآخرة انّك على كلّ شيء قدير".(14)
الثالث: في زيارته المخصوصة التي تقرأ في يوم الجمعة، ونقل السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (جمال الأسبوع):
" صلّى الله عليك وعلى آل بيتك الطيّبين الطاهرين".
وفي موضع آخر منها: " صلوات الله عليك وعلى آل بيتك هذا يوم الجمعة".
وفي آخرها قال: " صلوات الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين".
الرابع: نقل في آخر كتاب (مزار) بحار الأنوار عن كتاب (مجموع الدعوات) لهارون بن موسى التلعكبري سلاماً وصلاة طويلة لرسول الله وواحد واحد من الائمة صلوات الله عليهم، وبعد ذكر سلام وصلاة على الحجة عليه السلام ذكر سلاماً وصلاةً على ولاة عهد الحجة عليه السلام وعلى الائمة من ولده ودعا لهم:
" السلام على ولاة عهده، والائمة من ولده، اللهم صلّ عليهم وبلّغهم آمالهم وزد في آجالهم وأعزّ نصرهم وتمم لهم ما أسندت من أمرك، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً فانّهم معادن كلماتك وخزائن علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة أمرك، وخلصائك من عبادك، وصفوتك من خلقك، واوليائك وسلائل أوليائك وصفوة أولاد أصفيائك وبلّغهم منّا التحيّة والسلام، واردد علينا منهم السلام والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته".
الخامس: نقل السيد ابن طاووس رحمه الله وغيره زيارة له عليه السلام وإحدى فقراتها هذا الدعاء بعد صلاة تلك الزيارة وهو:
"اللهم أعطِهِ في نفسه وذريّته وشيعته ورعيّته وخاصّته وعامّته و(من)(15) جميع أهل الدنيا ما تقرّ به عينه، وتسرّ به نفسه".(16)
السادس: قصة الجزيرة الخضراء التي ستأتي فيما بعد.
السابع: نقل الشيخ الكفعمي في مصباحه ان زوجته عليه السلام هي احدى بنات أبي لهب.
الثامن: روى السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (عمل شهر رمضان) عن ابن أبي قرة دعاءاً لابدّ أن يقرأ في جميع الأيام لحفظ وجود الامام الحجة عليه السلام وسوف يأتي في الباب التاسع ان شاء الله.
ومن فقرات هذا الدعاء: " وتجعله وذريّته من الائمة الوارثين".
التاسع: روى الشيخ الطوسي بسند معتبر عن الامام الصادق عليه السلام خبراً ذكرت فيه بعض وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السلام في الليلة التي كانت فيها وفاته ومن فقراتها انه قال: " فاذا حضرته(17) الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرّبين(18)... إلى آخره".(19)
العاشر: قال الشيخ الكفعمي في مصباحه: " روى يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليه السلام انه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام بهذا الدعاء: اللهم ادفع عن وليّك... إلى آخره".(20)
وانه ذكر في آخره: " اللهم صلّ على ولاة عهده والائمة من بعده..."(21) إلى آخر ما تقدّم قريب منه.
وقال في الحاشية: " اي صلّ عليه اولا، ثم عليهم ثانياً من بعد أن تصلّي عليه، ويريد بالائمة من بعده أولاده عليه السلام لأنهم علماء أشراف، والعالم امام مَنْ اقتدى به، ويدل على ذلك قوله: (والائمة من ولده) في الدعاء المروي عن المهدي".(22)
الحادي عشر: والمروي في مزار محمد بن المشهدي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال لأبي بصير: كأنّي أرى نزول القائم عليه السلام في مسجد السهلة بأهله وعياله...(23).
الثاني عشر: نقل العلامة المجلسي في مجلّد الصلاة من البحار في أعمال صبح يوم الجمعة عن أصل قديم من مؤلفات قدمائنا دعاءاً طويلا يقرأ بعد صلاة الفجر، ومن فقرات الدعاء للحجة عليه السلام هناك هو:
"اللهم كن لوليّك في خلقك وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه منها طولا، وتجعله وذريّته فيها الائمة الوارثين... الدعاء".(24)
ولم يصل خبر يعارض هذه الأخبار الّا حديث رواه الشيخ الثقة الجليل الفضل بن شاذان النيسابوري في غيبته بسند صحيح عن الحسن بن علي الخراز قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له: أنت امام؟
قال: نعم.
فقال له: انّي سمعت جدّك جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: لا يكون الامام الّا وله عقب.
فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟! ليس هكذا قال جعفر عليه السلام، انما قال جعفر عليه السلام: لا يكون الامام الّا وله عقب الّا الامام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام فانّه لا عقب له.
فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول.(25)
وقال السيد محمد الحسيني الملقّب بـ (مير لوحي) تلميذ المحقق الداماد في كفاية المهتدي بعد أن ذكر هذا الخبر: " قد وفق في رياض المؤمنين بأنّ هذا خبر مدينة الشيعة والجزيرة الخضراء والبحر الأبيض الذي ذكر فيه ان لصاحب الزمان عليه السلام عدّة أولاد هذا أقل اعتبار بالنسبة إلى هذا الحديث الصحيح، ومن أراد أن يطّلع على ذلك فليرجع إلى الكتاب المذكور".
وقد نقل هذا الخبر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ان مقصود الامام عليه السلام من انه لا ولد له، أي أن لا يكون له ولد يكون إماماً يعني انّه عليه السلام خاتم الأوصياء وليس له ولد امام.
أو ان الذي يرجع عليه الحسين بن علي عليهما السلام ليس له ولد.
فلا يعارض الأخبار المذكورة والله العالم.
الشبهة الثانية:
ان السواح والبحارة المسيحيين وغيرهم اشتغلوا ولسنين مع كامل اعدادهم في السفر والسياحة وتحديد طول وعرض البر والبحر، وذهبوا لمرّات إلى القطب الشمالي وساروا برحلات كاملة من الشرق إلى الغرب، ولم يجدوا لحدّ الآن مثل هذه الجزائر والبلاد، ولا يمكن بحسب المعتاد أن يعبروا اكثر درجات خطوط الطول والعرض ولا يشاهدون هذه البلاد العظيمة؟
وإذا كانت هذه الشبهة من اُولئك الذين ينكرون وجود الصانع الحكيم المختار القادر فلا يتصوّر ولا يمكن أن يجابوا قبل اثبات وجوده القدسي جلت عظمته.
وأما إذا كان الاستبعاد من اُولئك الذين جاءوا تحت وطأة الأمة واعترفوا بوجود حكيم وقادر على الاطلاق يقدر أن يفعل كلّما يريد، وقد أجرى ذلك مراراً على يد الأنبياء والأوصياء (سلام الله عليهم) والأولياء بلا واسطة أحد مما لا يصدر عادة ويعجز البشر عن الاتيان بمثله.
فنقول: انّ الله تعالى يقول: (وَاِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً).(26)
ونقل المفسّرون الخاصة والعامّة ان الآية الشريفة نزلت في حق أبي سفيان والنضر بن الحارث وأبي جهل وأم جميل زوجة أبي لهب، فانّ الله عزوجل أخفى نبيّه عن أعينهم عندما يقرأ القرآن فيأتون إليه ويذهبون ولا يرونه.
وروى القطب الراوندي في الخرائج: " انّه صلى الله عليه وآله وسلّم كان يصلّي مقابل الحجر الأسود ويستقبل الكعبة، ويستقبل بيت المقدّس، فلا يُرى حتى يفرغ من صلاته".(27)
وروى ايضاً ان أبا بكر كان جالساً عنده صلى الله عليه وآله وسلّم فجاءت أم جميل أخت أبي سفيان وأرادت أن تؤذيه صلى الله عليه وآله وسلّم فقال أبو بكر: لو تنحيت.
فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: انّها لن تراني.
فجاءت حتى قامت عليه، فقالت: يا أبا بكر أرأيت محمداً؟ قال: لا، فمضت راجعة.(28)
وقد نقل ابن شهر آشوب وآخرون حكايات كثيرة من هذا النوع له صلى الله عليه وآله وسلّم وللائمة عليهم الصلاة والسلام خارجة عن حدّ التواتر.
فمع امكان وجود انسان بين جماعة قائماً أو جالساً يقرأ أو يذكر ويسبّح ويمجّد ويراهم جميعاً ولا يرونه; فلماذا يستبعد وجود مثل هذه البلاد العظيمة في البراري أو البحار وقد حجبها الله عزوجل عن عيون الجميع؟ وإذا عبروا من هناك فلا يرون الّا صحراء قفراء وبحراً عجيباً، ولعلّ تلك البلاد تنتقل من مكان إلى آخر.
وعندما اضطرب أبو بكر في الغار اضطراباً شديداً ولم يطمئن قلبه بمواعظه ونصائحه وبشاراته صلى الله عليه وآله وسلّم رفس صلى الله عليه وآله وسلّم ظهر الغار فانفتح منه باب إلى بحر وسفينة فقال له: اسكن الآن، فانهم ان دخلوا من باب الغار خرجنا من هذا الباب وركبنا السفينة فسكن عند ذلك.(29)
ومن هذا النوع من المعجزات كثيراً ما ظهرت في مدينة أو بيت أو بحر أو جالسين في السفينة، وقد سيّروا الخواص من مواليهم في مثل هذه البلاد الموجودة في هذه الدنيا، وقد نقل الشيخ الصدوق ومجموعة من مفسري الخاصّة والعامّة ومؤرخيهم قصّة لبستان إرم وقصر شداد مع انها مخفية عن أعين الخلق وسوف تبقى كذلك ولم يرها أحد الّا واحد في عهد معاوية مع انها تقع في صحراء اليمن.
ومن خصائص وجود الامام الحجة عليه السلام المبارك انّه ينزل مع أصحابه في أي مكان بلا ماء ولا نبات ويستقر موكبه الشريف هناك فانّه ينبت الزرع فوراً ويجري الماء، وإذا تحرّك من هناك فانه يرجع إلى حاله الأول.
وبالجملة، فانّ أصل وجوده المبارك وطول عمره الشريف وكونه محجوباً عن أنظار الأغيار من آيات الله تبارك وتعالى العجيبة، ولا فرق بينه وبين أضعف الموجودات في مقام القدرة والأمر الالهي، والكل متساوون بالنسبة إلى ذلك المتعلّق والمنسوب اليه.
ومن لوازم سلطته الخفيّة الالهيّة أن يكون له خدم وحشم ومقر وغيرها، وكلّها من الآيات العجيبة التي تجيزها عقولهم ولا طريق لتكذيب المخبر ببعضها.
فاستبعاد ذلك لم يكن الّا من ضعف الايمان، ومثل هذا الانسان له شبهة في أصل وجود الامام الحجة عليه السلام ويستبعده مثل غير العقلاء من المعاندين (ذلك هو الخسران المبين).
وسوف يأتي تمام الكلام في ذيل الحكاية السابعة والثلاثين قصة الجزيرة الخضراء.
الحكاية الثالثة:
نقل السيد محمد الحسيني المتقدّم ذكره في كتاب الأربعين الذي سمّاه بكفاية المهتدي، عن كتاب الغيبة للحسن بن حمزة العلوي الطبري المرعشي، وهو الحديث السادس والثلاثون من ذلك الكتاب قال: حدّثنا رجل صالح من أصحابنا قال: خرجت سنة من السّنين حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحرّ كثيرة السّموم فانقطعت عن القافلة، وضللت الطريق فغلب عليّ العطش حتى سقطت وأشرفت على الموت، فسمعتُ صهيلا ففتحت عينيّ فاذا بشاب حسَنِ الوجه حسنِ الرائحة، راكب على دابّة شهباء، فسقاني ماء أبرد من الثّلج وأحلى من العسل ونجاني من الهلاك، فقلت: يا سيدي من أنت؟
قال: أنا حجة الله على عباده، وبقيّة الله في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، أنا ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ثم قال: اخفض عينيك، فخفضتهما. ثم قال: افتحهما ففتحتهما فرأيت نفسي في قدام القافلة ثمّ غاب عن نظري صلوات الله عليه.(30)
ولا يخفى ان الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام هو من أجلاء فقهاء طائفة الشيعة ومن علماء المائة الرابعة.
وذكر ابن شهر آشوب في كتاب معالم العلماء من جملة تصانيفه كتاب الغيبة.(31)
وقال الشيخ الطوسي: كان فاضلا اديباً عارفاً فقيهاً زاهداً ورعاً كثير المحاسن... الخ.(32)
الحكاية الرابعة:
وقال السيد الفاضل المتقدّم ذكره في الأربعين:
" ويقول كاتب هذا الأربعين: بيني وبين الله أعرف عليلا رآه عليه السلام مراراً وكان في زمان من الأزمنة مبتلىً بمرض مهلك فتكرّم عليه السلام فشافاه شفاءاً كاملا".(33)
واسم هذا الأربعين: " كفاية المهتدي في معرفة المهدي".
وتاريخ نسخة الحقير سنة 1185.(34)
الحكاية الخامسة:
يقول العالم الفاضل علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة:
وحدّثني بهما جماعة من ثقات اخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل، مات في زماني وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدين قال: حكى لي والدي انّه خرج فيه ـ وهو شباب ـ على فخذه الأيسر توثة(35) مقدار قبضة الانسان، وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألَمها عن كثير من أشغاله; وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رحمه الله وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت، فقال له السعيد رضي الدين قدّس الله روحه: أنا متوجّه إلى بغداد وربّما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فاصعد معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال اُولئك فضاق صدره، فقال له السعيد: ان الشرع قد فسح لك في الصلوة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام، ثم أنحدر إلى أهلي فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجّه، قال: فلمّا دخلت المشهد وزرت الائمة عليهم السلام ونزلت في السّرداب واستغثت بالله تعالى وبالامام عليه السلام وقضيت بعض الليل في السّرداب وبتّ في المشهد الى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت ابريقاً كان معي، وصعدت أريد المشهد، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابّين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخاً منقباً بيده رمح والآخر متقلّد بسيف، وعليه فرجية(36) ملوّنة فوق السيف وهو متحنّك بعذبته; فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعبه في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق; وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثمّ سلّموا عليه فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: أنت غداً تروح إلى أهلك؟ فقال: نعم، فقال له تقدم حتى أبصر ما يوجعك؟ قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة: وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثمّ انّي بعد ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده ومدّني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده، فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا اسماعيل، فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله; قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الامام، قال: فتقدّمت إليه فاحتضنته وقبّلت فخذه.
ثمّ إنّه ساق وأنا أمشي معه محتضنة، فقال: ارجع، فقلت: لا أفارقك أبداً، فقال: المصلحة رجوعك، فأعدت عليه مثل القول الأوّل; فقال الشيخ: يا اسماعيل ما تستحيي، يقول لك الامام مرّتين ارجع وتخالفه؟ فجبهني(37) بهذا القول، فوقفت فتقدّم خطوات والتفت إليّ وقال: إذا وصلت بغداد فلابدّ أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر رحمه الله، فاذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض، فإنّني أوصيه يعطيك الذي تريد، ثمّ سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابوا عنّي، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد، فاجتمع القوّام حولي وقالوا نرى وجهك متغيّراً أوجعك شيء؟ قلت: لا، قالوا: أخاصمك أحد؟ قلت: لا، ليس عندي ممّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم، فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم، فقلت: لا، بل هو الامام عليه السلام، فقالوا: الامام هو الشيخ أو صاحب الفرجية، فقلت: هو صاحب الفرجية، فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني; ثم كشفت رجلي فلم أَر لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً، فانطبق الناس عليّ ومزّقوا قميصي فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا الناس عنّي، وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرّفوه، فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد فعرّفته إنّي خرجت في أوّل الأسبوع، فمشى عنّي، وبتُّ في المشهد وصلّيت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد، ورجعوا عنّي ووصلت إلى اوان(38) فبتّ بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان; فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ ومزّقوا ثيابي ولم يبقَ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرّفهم الحال ثمّ حملوني إلى بغداد وازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي رحمه الله تعالى قد طلب السعيد رضي الدين رحمه الله، وتقدّم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.
قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبى، فردّ أصحابه الناس عنّي، فلمّا رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابّته وكشف عن فخذي فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا: ما دوائها الّا القطع بالحديد ومتى قطعها مات، فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متى رأيتموه، قالوا: منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.
ثم انّه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه الله تعالى، فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جرى، فتقدّم له بألف دينار، فلمّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها، فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة، فقال الخليفة: ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا، قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً؟ فبكى الخليفة وتكدر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.
الهوامش
(1) في الترجمة: " فيقول: نعم وعليك بالاخفاء والكتمان ولا تظهر سرّ صاحب الزمان صلوات الله عليه ".
(2) أقول ترجمها المؤلف رحمه الله مختصراً، ونقلها كاملة في كتاب جنة المأوى.
وارتأينا نقلها عن جنّة المأوى أنسب خصوصاً انها نقلت بالنص في مصادر اُخرى كما أشار إليها المؤلف رحمه الله في المتن، ونحن سنشير إليها في الحاشية ان شاء الله تعالى، وهذه القصة قريبة إلى قصة الجزيرة الخضراء.
(3) جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 512 ـ الطبعة الحجرية.
(4) اقول ذكرها المقدس الأردبيلي المتوفى سنة 993 هـ. ق في كتابه (حديقة الشيعة): ص 765، ولأنه بالفارسية فقمنا بنقل قوله الى العربيّة.
(5) الأنوار النعمانية (السيد نعمة الله الجزائري): ج 2، ص 58 ـ 65.
(6) أي لا يكون له أولاد وزوجات.
(7) الغيبة (الطوسي): ص 162 ـ البحار: ج 52، ص 152، ح 5 ـ اثبات الهداة (الحر العاملي): مج 3، ص 500، ح 280 ـ الغيبة (النعماني): ص 171: ح 5 وغير ذلك من المصادر.
(8) في الترجمة (المصطفى).
(9) في الترجمة (ومصابيح الدجى) بزيادة واو العاطفة.
(10) في الترجمة (وولاة عهدك).
(11) في الترجمة (وزد) بدل (ومدّ).
(12) في المصدر المطبوع (وأزد) وفي نسخ (وزد).
(13) في المطبوع بحذف واو العطف.
(14) الغيبة (الطوسي): ص 280 ـ البحار: ج 52، ص 17، ح 14 ـ دلائل الامامة (الطبري): ص 300 إلى 304 ـ مدينة المعاجز (السيد هاشم البحراني): ص 608، الطبعة الحجرية ـ تبصرة الولي: ح 70، وغيرها من المصادر الأخرى.
(15) سقطت من الترجمة.
(16) البحار: ج 102، ص 100 ـ 101.
(17) في الترجمة (فاذا حضرت القائم عليه السلام).
(18) في الترجمة (اول المهديين) ولكن في المصادر الأخرى (المقرّبين) أو (المقرين). نعم قبل المقطع: " يا أبا الحسن انه يكون بعدي اثنا عشر اماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً.
فأنت يا علي أول الاثنى عشر اماماً... إلى أن يقول يعدّ الائمة عليهم السلام اماماً اماماً حتى يأتي على آخرهم خاتمهم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ثم يقول: فذلك اثنا عشر اماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً، فاذا حضرته الوفاة... الخ".
(19) الغيبة (الطوسي): ص 150 و151 ـ الايقاظ من الهجعة (الحر العاملي): ص 393 ـ البحار: ج 36، ص 260، ح 81 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 1، ص 549، ح 376 وغير ذلك.
(20) المصباح (الكفعمي): ص 548 ـ الطبعة الحجرية.
(21) المصباح (الكفعمي): ص 550 ـ الطبعة الحجرية.
(22) المصباح (الكفعمي): ص 550 ـ الطبعة الحجرية.
(23) راجع البحار: ج100، ص436، ح7 ـ ورواه عن قصص الأنبياء: ج100، ص435، ح3.
(24) راجع بحار الأنوار: ج 89، ص 340.
(25) الغيبة (الطوسي): ص 224 ـ بحار الأنوار: ج 53، ص 75، ح 77 ـ الايقاظ من الهجعة (الحر العاملي): ص 354، ح 96 وغيرها.
(26) الآية 45 من سورة الاسراء.
(27) الخرائج (القطب الراوندي): ج 1، ص 87.
(28) راجع النص في الخرائج: ج 2، ص 775 ـ 776.
(29) راجع الرواية في بحار الأنوار: ج 19، ص 74 ـ الخرائج (للقطب الراوندي): ج 1، ص 145، ح 242.
(30) راجع كفاية المهتدي: الحديث السادس والثلاثون، ص 140 ـ المخطوط ـ وفي أربعين الخاتون آبادي (كشف الحق): ص 65.
(31) معالم العلماء (ابن شهر آشوب): ص 36، تحت رقم (215).
(32) الفهرست (الشيخ الطوسي): ص 52، تحت رقم (184).
أقول: وقال النجاشي في رجاله، ص 48، الطبعة الحجرية: " كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة ست وخمسين وثلاث مائة ومات في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، له كتب منها... كتاب في الغيبة... ".
وقال الشيخ في رجاله، ص 465 في (باب من لم يرو عن الائمة عليهم السلام) تحت رقم (24): " زاهد عالم أديب فاضل روى عنه التلعكبري... الخ ".
(33) راجع كفاية المهتدي في معرفة المهدي عليه السلام (السيد مير لوحي): ص 189 ـ مخطوط.
(34) في المطبوع سنة (185) ومن المقطوع به السقط فاحتملنا سقوط رقم (1) من بداية التاريخ والله تعالى العالم ; علماً ان تاريخ النسخة التي اعتمدنا عليها قد كتب هكذا في آخر النسخة: " قد فرغ كتابته في يوم السبت من عشر الثالث من شهر الحادي عشر في سنة الاحدى من عشر الثاني من مائة الثانية بعد الألف الأول من الهجرة النبويّة المصطفويّة صلوات الله عليه وعلى آله... " نقلناه كما هو بدون تصحيح مع كثرة الأخطاء.
فيكون التاريخ: يوم السبت، العشر الثالث / 11 / 1111 هـ.
(35) التوثة: بثرة متقرحة.
(36) الفرجية نوع من أنواع الملابس.
(37) فجبهني: نكس رأسه.
(38) اوانا: بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
******************
يقول المؤلف:
كان هذا السيد عظيم الشأن وجليل القدر من أعيان علماء الاماميّة وصاحب كرامات جلية، وقبة عالية تقع مقابل قبّة شيخ الفقهاء صاحب جواهر الكلام في النجف الأشرف.
وحدّثني جناب السيد مهدي أعلى الله مقامه: انّه أخبرنا قبل سنتين من مجيء الطاعون إلى العراق والمشاهد المشرفة في سنة ألف ومائتين وستة وأربعين أخبرنا بمجيء الطاعون وكتب لكلّ واحد منّا من اقربائه دعاءاً، وقال: انّي آخر من يموت بالطاعون، ولا يموت أحد بعدي، وأخبر انّه رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام وأخبره، وقال هذا الكلام: " وبك يختم يا ولدي".
وكانت له خدمات في ذلك الطاعون للاسلام والمسلمين مما تحيّر العقول، فكان متكفّلا بتجهيز جميع أموات البلد وخارجها، وكانوا أكثر من أربعين ألف، وكان يصلّي عليهم جميعاً، وكان يصلّي على ثلاثين وعشرين وأكثر وأقل صلاة واحدة، وصلّى في يوم على ألف جنازة بصلاة واحدة.
وقد فصّلنا هذه الخدمة وجملة من كراماته ومقاماته في المجلّد الأول من كتاب دار السلام(1). وكان من مقام اخلاصه بحيث كان يحتاط من أن يقبل يده أحد، فكان الناس يترقّبون مجيئه إلى الحرم المطهّر، فيكون هناك بحالة إذا قبلوا يده لا ينتبه لذلك (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).
الحكاية الثالثة والتسعون:
حدّثني جماعة من الأفاضل والصلحاء والعلماء القاطنين في النجف الأشرف والحلّة منهم السيّد السند والحبر المعتمد، زبدة العلماء (الأعلام، وعمدة الفقهاء العظام، حاوي فنون الفضل والأدب، وحائز معالي الحسب والنسب) وقدوة الألباء الآميرزا صالح دام علاه ابن سيّد المحقّقين ونور مصباح المجاهدين، وحيد عصره (وفريد دهره سيّدنا المعظّم) السيد مهدي المتقدّم ذكره أعلى الله مقامه، ورفع في الخلد اعلامه وقد كنت طلبت منه سلّمه الله أن يكتب لي تلك الحكايات الثلاث الآتية المنسوبة إلى والده المعظّم أعلى الله مقامه التي سمعت بعضها منه بلا واسطة، ولكن بما اني سمعتها في وقت لم أكن بصدد تسجيلها فطلبت من جناب الميرزا صالح أن يكتبها لي بما سمعه من المرحوم، فانّ أهل البيت أدرى بما فيه، اضافة إلى ما هو عليه من الاتقان والحفظ والضبط والصّلاح والسّداد والاطلاع، وقد صاحبته في طريق مكّة المعظمة ذهاباً وإياباً فوجدته ـ أيّده الله ـ بحراً لا ينزح وكنزاً لا ينفد، فكتب إليّ مطابقاً لما سمعته من تلك الجماعة.
وكتب أخوه العالم النحرير، وصاحب الفضل المنير، السيّد الأمجد السيّد محمّد سلّمه الله تعالى في آخر ما كتبه: سمعت هذه الكرامات الثلاثة سماعاً من لفظ الوالد المرحوم المبرور عطّر الله مرقده. صورة ما كتبه:
بسم الله الرحمن الرحيم، حدّثني بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلّة قال: خرجت غدوة من داري قاصداً داركم لأجل زيارة السيّد أعلى الله مقامه فصار ممرّي في الطريق على المقام المعروف بقبر السيّد محمد ذي الدّمعة فرأيت على شباكه الخارج الى الطّريق شخصاً بهيّ المنظر يقرأ فاتحة الكتاب، فتأمّلته فاذا هو غريب الشكل، وليس من أهل الحلّة.
فقلت في نفسي: هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد، ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب، ونحن أهل البلد نمرّ ولا نفعل ذلك، فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد، فلمّا فرغت سلّمت عليه، فردّ السلام، وقال لي: يا عليّ أنت ذاهب لزيارة السيّد مهديّ؟ قلت: نعم، قال: فانّي معك.
فلمّا صرنا ببعض الطريق قال لي: يا عليّ لا تحزن على ما أصابك من الخسران وذهاب المال في هذه السنة، فانّك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤدّياً للحقّ وقد قضيت ما فرض الله عليك، وأمّا المال فانّه عرض زائل يجيء ويذهب.
وكان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطّلع عليه أحد مخافة الكسر، فاغتممت في نفسي وقلت: سبحان الله كسري قد شاع وبلغ حتّى إلى الأجانب، الّا انّي قلت له في الجواب: الحمد لله على كلّ حال، فقال: انّ ما ذهب من مالك سيعود اليك بعد مدّة، وترجع كحالك الأوّل، وتقضي ما عليك من الدّيون.
قال: فسكتّ وأنا مفكّر في كلامه حتّى انتهينا إلى باب داركم، فوقفت ووقف، فقلت: ادخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال لي: أدخل أنت أنا صاحب الدّار، فامتنعت فأخذ بيدي وأدخلني أمامه فلمّا صرنا إلى المسجد وجدنا جماعة من الطّلبة جلوساً ينتظرون خروج السيّد قدّس سرّه من داخل الدار لأجل البحث، ومكانه من المجلس خال لم يجلس فيه أحد احتراماً له، وفيه كتاب مطروح.
فذهب الرجل، وجلس في الموضع الذي كان السيّد قدّس سرّه يعتاد الجلوس فيه ثمّ أخذ الكتاب وفتحه، وكان الكتاب شرائع المحقّق قدّس سرّه ثمّ استخرج من الكتاب كراريس مسوّدة بخطّ السيّد قدّس سرّه، وكان خطّه في غاية الضعف لا يقدر كلّ أحد على قراءته، فأخذ يقرأ في تلك الكراريس ويقول: للطلبة: ألا تعجبون من هذه الفروع وهذه الكراريس؟ هي بعض من جملة كتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الاسلام وهو كتاب عجيب في فنّه لم يبرز منه ا لّا ستّ مجلّدات من أوّل الطهارة إلى أحكام الأموات.
قال الوالد أعلى الله درجته: لمّا خرجت من داخل الدّار رأيت الرجل جالساً في موضعي فلمّا رآني قام وتنحّى عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه، ورأيته رجلا بهيّ المنظر، وسيم الشّكل في زيّ غريب، فلمّا جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة، وسؤال عن حاله واستحييت أن أسأله من هو وأين وطنه؟ ثمّ شرعت في البحث فجعل الرّجل يتكلّم في المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنّه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة: اسكت ما أنت وهذا، فتبسّم وسكت.
قال رحمه الله: فلمّا انقضى البحث قلت له: من أين كان مجيؤك إلى الحلّة؟ فقال: من بلد السليمانيّة، فقلت: متى خرجت؟ فقال: بالأمس خرجت منها، وما خرجت منها حتّى دخلها نجيب باشا فاتحاً لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلّب عليها، وأقام مقامه أخاه عبد الله باشا، وقد كان أحمد باشا المتقدّم قد خلع طاعة الدولة العثمانية وادّعى السلطنة لنفسه في السليمانيّة.
قال الوالد قدّس سرّه: فبقيت متفكّراً في حديثه وانّ هذا الفتح وخبره لم يبلغ إلى حكّام الحلّة، ولم يخطر لي أن أسأله كيف وصلت إلى الحلّة وبالأمس خرجت من السليمانيّة، وبين الحلّة والسليمانيّة ما تزيد على عشرة أيام للراكب المجدّ.
ثمّ انّ الرجل أمر بعض خدمة الدّار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الإناء ليغترف به ماء من الحبّ فناداه: لا تفعل! فانّ في الإناء حيواناً ميّتاً فنظر فيه، فاذا فيه سامّ أبرص ميّت فأخذ غيره وجاء بالماء إليه فلمّا شرب قام للخروج.
قال الوالد قدّس سرّه فقمت لقيامه فودّعني وخرج فلمّا صار خارج الدّار قلت للجماعة هلاّ أنكرتم على الرّجل خبره في فتح السليمانيّة؟ فقالوا: هلاّ أنكرت عليه؟
قال: فحدّثني الحاج عليّ المتقدّم بما وقع له في الطريق وحدّثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسوّدة، واظهار العجب من الفروع التي فيها.
قال الوالد أعلى الله مقامه: فقلت: اطلبوا الرجل وما أظنّكم تجدونه هو والله صاحب الأمر روحي فداه، فتفرّق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عيناً ولا أثراً فكأنّما صعد في السماء أو نزل في الأرض.
قال: فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانيّة فورد الخبر ببشارة الفتح إلى الحلّة بعد عشرة أيّام من ذلك اليوم، وأعلن ذلك عند حكّامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر، عند ذوي الدولة العثمانية.(2)
يقول المؤلف:
الموجود فيما عندنا من كتب الأنساب أنّ اسم (ذا الدّمعة) حسين ويلقّب أيضاً بذي العبرة، وهو ابن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين عليهما السلام ويكنّى بأبي عاتقة، وانما لقّب بذي الدمعة لبكائه في تهجّده في صلاة الليل، وربّاه الصادق عليه السلام فورّثه علماً جمّاً وكان زاهداً عابداً وتوفّي سنة خمس وثلاثين ومائة وزوج ابنته للمهدي الخليفة العباسي، وله أعقاب كثيرة، ولكنّه سلّمه الله أعرف بما كتب.(3)
الحكاية الرابعة والتسعون:
وبالسند والتفصيل المذكور قال سلّمه الله: وحدّثني الوالد أعلى الله مقامه قال: لازمت الخروج إلى الجزيرة مدّة مديدة لأجل ارشاد عشائر بني زبيد إلى مذهب الحقّ، وكانوا كلّهم على رأي أهل التسنّن، وببركة هداية الوالد قدّس سرّه وارشاده، رجعوا إلى مذهب الاماميّة كما هم عليه الآن، وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم، يزوره الناس ويذكرون له كرامات كثيرة، وحوله قرية تحتوي على مائة دار تقريباً.
قال قدّس سرّه: فكنت أستطرق الجزيرة وأمرّ عليه ولا أزوره لما صحّ عندي انّ الحمزة بن الكاظم مقبور في الرّي مع عبد العظيم الحسني، فخرجت مرّة على عادتي ونزلت ضيفاً عند أهل تلك القرية، فتوقّعوا منّي أن أزور المرقد المذكور فأبيت وقلت لهم: لا أزور من لا أعرف، وكان المزار المذكور قلّت رغبة الناس فيه لإعراضي عنه.
ثمّ ركبت من عندهم وبتُّ تلك الليلة في قرية المزيديّة، عند بعض ساداتها، فلمّا كان وقت السحر جلست لنافلة الليل وتهيّأت للصلاة، فلمّا صلّيت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر، وأنا على هيئة التعقيب إذ دخل عليّ سيد أعرفه بالصلاح والتقوى، من سادة تلك القرية، فسلّم وجلس.
ثمّ قال: يا مولانا بالأمس تضّيفت أهل قرية الحمزة، وما زرته؟ قلت: نعم، قال: ولم ذلك؟ قلت: لأنّي لا أزور من لا أعرف، والحمزة بن الكاظم مدفون بالريّ، فقال: ربّ مشهور لا أصل له، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وإن اشتهر انّه كذلك، بل هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الاجازة وأهل الحديث، وقد ذكره أهل الرّجال في كتبهم، وأثنوا عليه بالعلم والورع.
فقلت في نفسي: هذا السيّد من عوام السادة، وليس من أهل الاطّلاع على الرّجال والحديث، فلعلّه أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء، ثمّ قمت لأرتقب طلوع الفجر، فقام ذلك السيد وخرج واُغفلت أن أسأله عمّن أخذ هذا لأن الفجر قد طلع، وتشاغلت بالصلاة.
فلمّا صلّيت جلست للتعقيب حتّى طلعت الشمس، وكان معي جملة من كتب الرجال فنظرت فيها وإذا الحال كما ذكر، فجاءني أهل القرية مسلّمين عليّ وفي جملتهم ذلك السيد، فقلت: جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة انّه أبو يعلى حمزة بن القاسم العلوي، فمن أين لك هذا وعمّن أخذته؟ فقال: والله ما جئتك قبل الفجر ولا رأيتك قبل هذه السّاعة، ولقد كنت ليلة أمس بائتاً خارج القرية ـ في مكان سمّاه ـ وسمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك.
فقلت لأهل القرية: الآن ألزمني الرجوع إلى زيارة الحمزة فانّي لا أشك في انّ الشخص الذي رأيته هو صاحب الأمر عليه السلام، قال: فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته، ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهوراً تامّاً على وجه صار بحيث تشدّ الرحال إليه من الأماكن البعيدة.
قلت: في رجال النجاشي: حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن ابن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام أبو يعلى ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث له كتاب " من روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام من الرّجال".(4)
ويظهر من كلمات العلماء والأساتذة انّه من علماء الغيبة الصغرى وكان معاصراً للصدوق علي بن بابويه.
الحكاية الخامسة والتسعون:
وبالسند المذكور عن السيد المؤيد المتقدّم ذكره، وسمعت ايضاً مشافهة عن نفس المرحوم قدّس سرّه انّه قال: خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلّة اُريد زيارة الحسين عليه السلام ليلة النصف منه، فلمّا وصلت إلى شطّ الهنديّة، وعبرت إلى الجانب الغربيّ منه، وجدت الزوّار الذاهبين من الحلّة وأطرافها، والواردين من النجف ونواحيه، جميعاً محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهنديّة، ولا طريق لهم إلى كربلاء لأنّ عشيرة عنزة قد نزلوا على الطريق، وقطعوه عن المارّة، ولا يدَعون أحداً يخرج من كربلاء ولا أحداً يلج إلّا انتهبوه.
قال: فنزلت على رجل من العرب وصلّيت صلاة الظهر والعصر، وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوّار، وقد تغيّمت السماء ومطرت مطراً يسيراً.
فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوار بأسرها من البيوت متوجّهين نحو طريق كربلاء، فقلت لبعض من معي: اخرج واسأل ما الخبر؟ فخرج ورجع إليّ وقال لي: إنّ عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية، وتجمّعوا لايصال الزوّار إلى كربلاء، ولو آل الأمر إلى المحاربة مع عنزة.
فلمّا سمعت قلت لمن معي: هذا الكلام لا أصل له، لأنّ بني طرف لا قابليّة لهم على مقابلة عنزة في البرّ، واظنُّ هذه مكيدة منهم لإخراج الزوّار عن بيوتهم لأنهم استثقلوا بقاءهم عندهم، وفي ضيافتهم.
فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوار إلى البيوت، فتبيّن الحال كما قلت فلم تدخل الزوّار إلى البيوت وجلسوا في ظلالها والسماء متغيّمة، فأخذتني لهم رقّة شديدة، وأصابني انكسار عظيم، وتوجّهت إلى الله بالدعاء والتوسّل بالنبي وآله، وطلبت اغاثة الزوّار مما هم فيه.
فبينما أنا على هذا الحال إذ أقبل فارس على فرس رابع كريم لم أرَ مثله وبيده رمح طويل وهو مشمّر عن ذراعيه، فأقبل يخبُّ به جواده حتى وقف على البيت الذي أنا فيه، وكان بيتاً من شعر مرفوع الجوانب، فسلّم فرددنا عليه السلام ثم قال: يا مولانا ـ يسمّيني باسمي ـ بعثني من يسلّم عليك، وهم كنج محمّد آغا وصفر آغا، وكانا من قوّاد العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوّار، فإنّا قد طردنا عنزة عن الطريق، ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانيّة على الجادّة.
فقلت له: وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية؟ قال: نعم، فأخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريباً، فقلت: بخيلنا، فقُدِّمت إلينا، فتعلّق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال: يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوار وأقم الليلة حتى يتّضح الأمر، فقلت له: لابدّ من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة.
فلمّا رأتنا الزوّار قد ركبنا، تبعوا أثرنا بين حاشر وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنّه الأسد الخادر، ونحن خلفه، حتى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود، ثمّ نزل وارتقينا على أعلى العرقوب فنظرنا ولم نَرَ له عيناً ولا أثراً، فكأنّما صعد في السماء أو نزل في الأرض ولم نَرَ قائداً ولا عسكراً.
فقلت لمن معي: أبقي شك في انّه صاحب الأمر؟ فقالوا: لا والله، وكنت ـ وهو بين أيدينا ـ أطيل النظر إليه كأنّي رأيته قبل ذلك، لكنّني لا أذكر أين رأيته فلمّا فارقنا تذكّرت انّه هو الشخص الذي زارني بالحلة، وأخبرني بواقعة السليمانيّة.
وأمّا عشيرة عنزة، فلم نَرَ لهم أثراً في منازلهم، ولم نَرَ أحداً نسأله عنهم سوى انّا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البرّ، فوردنا كربلاء تخبّ بنا خيولنا فوصلنا إلى باب البلاد، وإذا بعسكر على سور البلد فنادوا من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثمّ نظروا إلى سواد الزوّار ثمّ قالوا سبحان الله هذه البرية قد امتلأت من الزوّار أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم: اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكّة ربّ يرعاها.
ثم دخلنا البلد فاذا أنا بكنج محمد آغا جالساً على تخت قريب من الباب فسلّمت عليه فقام في وجهي، فقلت له: يكفيك فخراً انّك ذكرت باللسان، فقال: ما الخبر؟ فأخبرته بالقصّة، فقال لي: يا مولاي من أين لي علم بانّك زائر حتّى أرسل لك رسولا وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوماً محاصرين في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفاً من عنزة، ثمّ قال: فأين صارت عنزة؟ قلت: لا علم لي سوى أنّي رأيت غبرة شديدة في كبد البرّ كأنّها غبرة الظعائن ثمّ أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف، فكان مسيرنا كلّه في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات ثمّ بتنا تلك الليلة في كربلاء.
فلمّا أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلّاحين الذين في بساتين كربلاء قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهّم، وبيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلى صوته يا معاشر عنزة قد جاء الموت الزُّؤام عساكر الدّولة العثمانية تجبّهت عليكم بخيلها ورجلها، وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنّكم تنجون منهم.
فألقى الله عليهم الخوف والذّل حتّى أنّ الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل، فلم تمضِ ساعة حتّى ارتحلوا بأجمعهم وتوجّهوا نحو البرّ، فقلت له: صف لي الفارس فوصف لي وإذا هو صاحبنا بعينه، وهو الفارس الذي جاءنا والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على محمد وآله الطاهرين.(5)
قلت: ولم تكن هذه الكرامات منه ببعيدة، فانّه ورث العلم والعمل من عمّه الأجلّ الأكمل السيد باقر القزويني صاحب سرّ خاله (السيد الأعظم، والطود الأشيم)، بحر العلوم أعلى الله تعالى درجتهم، وكان عمّه أدّبه وربّاه وأطلعه على الخفايا والأسرار، حتّى بلغ مقاماً لا يحوم حوله الأفكار، وحاز من الفضائل والخصائص ما لم يجتمع في غيره من العلماء الأبرار:
الأول: انّه بعد ما هاجر من النجف الأشرف إلى الحلّة واستقرّ فيها وشرع في هداية الناس وايضاح الحقّ وابطال الباطل، صار ببركة دعوته من داخل الحلّة وأطرافها من الأعراب قريباً من مائة ألف نفس شيعياً إمامياً مخلصاً موالياً لأولياء الله، ومعادياً لأعداء الله.
بل حدّثني طاب ثراه انّه لمّا ورد الحلّة لم يكن في الذين يدّعون التشيّع من علائم الامامية وشعائرهم إلّا حمل موتاهم إلى النجف الأشرف، ولا يعرفون من أحكامهم شيئاً حتّى البراءة من أعداء الله، وصاروا بهدايته صلحاء أبرار أتقياء وهذه منقبة عظيمة اختصّ بها (من بين من تقدّم عليه وتأخّر).
الثاني: الكمالات النفسانية من الصبر والتقوى، وتحمل أعباء العبادة، وسكون النفس، ودوام الاشتغال بذكر الله تعالى، وكان رحمه الله لا يسأل في بيته عن أحد من أهله وأولاده ما يحتاج إليه من الغداء والعشاء والقهوة والشاي والغليان وغيرها عند وقتها، ولا يأمر عبيده وإماءه بشيء منها، ولولا التفاتهم ومواظبتهم لكان يمرّ عليه اليوم والليلة من غير أن يتناول شيئاً منها مع ما كان عليه من التمكّن والثروة والسلطنة الظاهرة، وكان يجيب الدعوة، ويحضر الولائم والضيافات، لكن يحمل معه كتباً ويقعد في ناحية، ويشتغل بالتأليف، ولا خبر له عمّا فيه القوم، ولا يخوض معهم في حديثهم الّا أن يسأل عن أمر دينيّ فيجيبهم.
وكان دأبه في شهر الصيام أن يصلّي المغرب في المسجد ويجتمع الناس، ويصلّي بعده النوافل المرتّبة في شهر رمضان وهي الألف ركعة المقسمة على أيامه، ثمّ يأتي منزله ويفطر ويرجع ويصلّي العشاء بالناس، ثمّ يصلّي نوافلها المرتّبة، ثمّ يأتي منزله والناس معه على كثرتهم فلمّا اجتمعوا واستقرّوا، شرع واحد من القرّاء فيتلو بصوت حسن رفيع آيات من كتاب الله في التحذير والترغيب والموعظة، ممّا يذوب منه الصخر الأصمّ ويرقّ القلوب القاسية، ثمّ يقرأ آخر خطبة من مواعظ نهج البلاغة، ثمّ يقرأ آخر تعزية أبي عبد الله عليه السلام ثمّ يشرع أحد من الصلحاء في قراءة أدعية شهر رمضان ويتابعه الآخرون إلى أن يجيء وقت السحور، فيتفرّقون ويذهب كلّ إلى مستقرّه.
وبالجملة فقد كان في المراقبة، ومواظبة الأوقات والنوافل والسنن والقراءة معه كونه طاعناً في السنّ آية في عصره، وقد كنّا معه في طريق الحجّ ذهاباً وإياباً وصلّينا معه في مسجد الغدير، والجحفة، وتوفي حين العودة رحمه الله (في) الثاني عشر من ربيع الأول سنة (1300 هـ) قبل الوصول إلى السماوة بخمس فراسخ تقريباً، ودفن في النجف الأشرف في جنب مرقد عمّه الأكرم وبني على قبره قبّة عالية، وقد ظهر منه حين وفاته من قوّة الايمان والطمأنينة والإقبال وصدق اليقين ما يقضي منه العجب، وظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر من جماعة، من الموافق والمخالف ليس هنا مقام ذكرها.
الثالث: التصانيف الرائقة الكثيرة، في الفقه والأصول والتوحيد والامامة والكلام وغيرها، ومنها كتاب في إثبات كون الفرقة الناجية فرقة الامامية أحسن ما كتب في هذا الباب، طوبى له وحسن مآب.(6)
الحكاية السادسة والتسعون:
نقل المحدّث النبيل والعالم الجليل الشيخ يوسف البحريني في اللؤلؤة في ترجمة العالم المحقّق الخبير الشيخ ابراهيم القطيفي المعاصر للمحقّق الثاني، عن بعض أهل البحرين أنّ هذا الشيخ دخل عليه الامام الحجة عليه السلام في صورة رجل يعرفه الشيخ فسأله أيّ الآيات من القرآن في المواعظ أعظم؟ فقال الشيخ: (اِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى آيَاتِنَا لاَ يخْفُونَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يلْقى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَاْتِى آمِناً يَوْم الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ اِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(7) فقال: صدقت يا شيخ، ثمّ خرج منه، فسأل أهل البيت: خرج فلان؟ فقالوا: ما رأينا أحداً داخلا ولا خارجاً.(8)
الحكاية السابعة والتسعون:
نقل مشافهةً الصالح الورع التقي المتتبع المرحوم الحاج الملاّ باقر البهبهاني المجاور بالنجف الأشرف.
وكذلك كتبه في الدمعة الساكبة في معجزات الحجة عليه السلام:
قال: فالأولى أن يختم الكلام بذكر ما شاهدته في سالف الأيام، وهو انّه أصاب ثمرة فؤادي ومن انحصرت فيه ذكور أولادي، قرّة عيني علي محمد حفظه الله الفرد الصمد، مرضٌ يزداد آناً فآناً ويشتدّ فيورثني أحزاناً وأشجاناً إلى أن حصل للناس من برئه اليأس وكانت العلماء الطلاب والسادات والأنجاب يدعون له بالشفاء في مظانّ استجابة الدعوات، كمجالس التعزية وعقيب الصلوات.
فلمّا كانت الليلة الحادية عشرة من مرضه، اشتدّت حاله وثقلت أحواله وزاد اضطرابه، وكثر التهابه، فانقطعت بي الوسيلة، ولم يكن لنا في ذلك حيلة فالتجأت بسيّدنا القائم عجّل الله ظهوره وأرانا نوره، فخرجت من عنده وأنا في غاية الاضطراب ونهاية الالتهاب، وصعدت سطح الدار، وليس لي قرار، وتوسّلت به عليه السلام خاشعاً، وانتدبت خاضعاً، وناديته متواضعاً، وأقول: يا صاحب الزّمان أغثني يا صاحب الزمان أدركني، متمرّغاً في الأرض، ومتدحرجاً في الطول والعرض، ثمّ نزلت ودخلت عليه، وجلست بين يديه، فرأيته مستقرّ الأنفاس مطمئنّ الحواسّ قد بلّه العرق لا بل أصابه الغرق، فحمدت الله وشكرت نعماءه التي تتوالى فألبسه الله تعالى لباس العافية ببركته عليه السلام.(9)
الحكاية الثامنة والتسعون:
قصة الشيخ حسن العراقي كما سوف تأتي في الحكاية المائة إن شاء الله تعالى.
الحكاية التاسعة والتسعون:
قال العالم الفاضل المتبحّر النبيل الصمدانيّ الحاجّ المولى رضا الهمدانيّ في المفتاح الأوّل من الباب الثالث من كتاب مفتاح النبوّة في جملة كلام له في انّ الحجة عليه السلام قد يظهر نفسه المقدّسة لبعض خواصّ الشيعة: انّه عليه السلام قد أظهر نفسه الشريفة قبل هذا بخمسين سنة لواحد من العلماء المتّقين المولى عبد الرحيم الدّماوندي الذي ليس لأحد كلام في صلاحه وسداده.
قال: وقال هذا العالم في كتابه: انّي رأيته عليه السلام في داري في ليلة مظلمة جداً بحيث لا تبصر العين شيئاً واقفاً في جهة القبلة وكان النور يسطع من وجهه المبارك حتى انّي كنت أرى نقوش الفراش بهذا النور.(10)
الحكاية المائة:
حدّث السيد الجليل والمحدّث العليم النبيل، السيّد نعمة الله الجزائري في ( مقدّمات ) شرح عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الاحسائي قال: حدّثني وأجازني السيّد الثقة هاشم بن الحسين الأحسائي في دار العلم شيراز في المدرسة المقابلة للبقعة المباركة، مزار السيد محمد العابد عليه الرحمة والرضوان، في حجرة من الطبقة الثانية، على يمين الداخل قال: حكى لي اُستاذي الثقة المعدّل الشيخ محمد الحرفوشي قدّس الله تربته قال: لمّا كنت بالشام، عمدت يوماً إلى مسجد مهجور، بعيد من العمران، فرأيت شيخاً أزهر الوجه، عليه ثياب بيض، وهيئة جميلة، فتجارينا في الحديث، وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصف، ثمّ تحقّقت منه الاسم والنسبة، ثمّ بعد جهد طويل قال: أنا معمّر بن أبي الدّنيا صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، وحضرت معه حروب صفّين وهذه الشجّة في رأسي وفي وجهي من زجّة فرسه.
ثمّ ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحقّقت معه صدقه في كلّ ما قال، ثمّ استجزته كتب الأخبار، فأجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع الائمة عليهم السلام حتى انتهى في الاجازة إلى صاحب الدّار عجّل الله فرجه وكذلك أجازني كتب العربيّة من مصنّفيها كالشيخ عبد القاهر والسّكاكي وسعد التفتازانيّ وكتب النحو عن أهلها وذكر العلوم المتعارفة.
ثمّ قال السيّد رحمه الله: انّ الشيخ محمد الحرفوشي(11) أجازني كتب الأحاديث الأصول الأربعة، وغيرها من كتب الأخبار بتلك الاجازة، وكذلك أجازني الكتب المصنّفة في فنون العلوم، ثمّ انّ السيد رضوان الله عليه أجازني بتلك الاجازة كلّما أجازه الشيخ الحرفوشي، عن معمّر أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأمّا أنا فأضمن ثقة المشايخ السيّد والشيخ، وتعديلهما وورعهما ولكنّي لا أضمن وقوع الأمر في الواقع على ما حكيت، وهذه الاجازة العالية لم تتّفق لأحد من علمائنا، ولا محدّثينا، لا في الصدر السّالف، ولا في الأعصار المتأخّرة، انتهى.
وقال سبطه العالم الجليل السيّد عبد الله صاحب شرح النخبة، وغيره في اجازته الكبيرة، لأربعة من علماء حويزة، بعد نقل كلام جدّه وكأنّه رضي الله عنه استنكر هذه القصّة أو خاف أن تنكر عليه فتبرّأ من عهدتها في آخر كلامه وليست بذلك، فانّ معمّر بن أبي الدّنيا المغربي له ذكر متكرّر في الكتب، وقصّة طويلة في خروجه مع أبيه في طلب ماء الحياة، وعثوره عليه دون أصحابه، مذكورة في كتب التواريخ وغيرها، وقد نقل منها نبذاً صاحب البحار في أحوال صاحب الدار عليه السلام وذكر الصّدوق في كتاب إكمال الدين انّ اسمه عليّ بن عثمان ابن خطّاب بن مرّة بن مؤيد الهمدانيّ، الّا انّه قال: معمّر أبي الدّنيا باسقاط (بن) والظاهر انّه هو الصواب كما لا يخفى، وذكر انّه من حضر موت والبلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وروى عنه أحاديث مسندة بأسانيد مختلفة.(12)
الهوامش
(1) راجع كتاب دار السلام: ج 2، ص 201 ـ 203.
(2) جنة المأوى: ص 282 ـ 285.
(3) جنة المأوى: ص 286.
(4) جنة المأوى: ص 286 ـ 287.
(5) راجع جنة المأوى: ص 288 ـ 292.
(6) راجع جنة المأوى: ص 291 ـ 292.
(7) الآية 40 من سورة فصلت.
(8) راجع جنة المأوى: ص 255.
(9) راجع جنّة المأوى: ص 298 ـ وقد ترجمها المؤلف رحمه الله باختصار ورأينا الأنسب نقلها بالنص كما نقلها المؤلف رحمه الله في الجنة.
(10) راجع جنة المأوى: ص 306.
(11) قال المؤلف رحمه الله: " قال الشيخ الحر في أمل الآمل: الشيخ محمد بن علي بن احمد الحرفوشي الحريري العاملي التركي الشامي. كان عالماً فاضلا أديباً ماهراً محققاً مدققاً منشئاً حافظاً، أعرف أهل عصره بعلوم العربية ".
وذكر له مؤلفات.. وشرح قواعد الشهيد وغيرها.. وذكره السيد عليخان في السلافة وأثنى عليه ثناءاً بليغاً، وذكر انّه توفي في سنة 1059.
راجع أمل الآمل: ج 1، ص 162 - 164 ـ وسلافة العصر: ص 315 - 323.
(12) راجع جنة المأوى: ص 278 ـ 280.
******************
يقول المؤلف:
يطعن علينا مخالفونا ويستبعدون بقاء شخص في طول هذه المدّة، واضافة إلى استبعادهم فهم ينسبون كذباً إلى الاماميّة انهم يعتقدون انّه عليه السلام غاب في السرداب وما زال هناك، وانّه يظهر من هناك، وانّهم ينتظرون ظهوره عليه السلام من السرداب.
وقد جهد علماؤنا بدفع استبعادهم في كتب الغيبة، وجمعوا كثيراً من المعمّرين، وذكروا اخبارهم وقصصهم وأشعارهم.
والظاهر عدم وجود الحاجة إلى كلّ تلك المشقات لدفع ذلك الاستبعاد، فان بقاء شخص واحد عدّة آلاف من السنين مسلّم عند جميع الأمة، وهو كاف في رفع الاستبعاد، وهو الخضر عليه السلام، ولم يخالف أحد في وجوده.
ولكننا لمجرّد الاتباع ننقل بعض كلمات تلك الجماعة، ونعدّ اجمالا اسماء المعمّرين: قال الذهبى في تاريخ الاسلام في ضمن احوال أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام:
"وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين ( ومائتين ) وقيل ست وخمسين ومائتين عاش بعد أبيه سنتين ثمّ عدم ولم يعلم كيف مات.. وهم يدعون بقاءه في السرداب من اربعمائة وخمسين سنة وانّه صاحب الزمان وانّه حي يعلم علم الأولين والآخرين ويعترفون انّ أحداً لم يَرَه أبداً، وبالجملة جهل الرافضة عليه مزيد(1) فنسأل الله أن يثبت علينا عقولنا وايماننا".(2)
"والذي يعتقده الرافضة في هذا المنتظر لو اعتقده المسلم في علي بل في النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لما جاز له ذلك، ولا اقرّ عليه، (قال النبي: لا تطردوني كما اطردت النصارى عيسى انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله صلوات الله عليه وسلامه)(3) فانهم يعتقدون فيه وفي آبائه انّ كلّ واحد منهم يعلم علم الأولين والآخرين، وما كان وما يكون ولا يقع منه خطأ قط، وانّه معصوم من الخطأ والسهو " ثم قال: " نسأل الله العفو والعافية ونعوذ بالله من الاحتجاج بالكذب وردّ الصدق كما هو دأب الشيعة..".(4)
وقال ابن خلگان في ترجمته: " وهو الذي تزعم الشيعة انّه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم.. وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسرّ مَن رأى".(5)
وقال ابن حجر المتأخر المكي في الصواعق بعد جملة من الكلمات: " إذ تغيب شخص هذه المدة المديدة من خوارق العادات، فلو كان هو لكان وصفه صلى الله عليه (وآله ) وسلّم بذلك أظهر من وصفه بغير ذلك مما مرّ.. الخ".(6)
ومن هذا النوع من الكلمات كثيرة في كتبهم وبعضها مأخوذ من البعض الآخر، ونقل هذا المقدار كاف للمثال والتنبيه.
والجواب:
أما أولا:
إنّ ما نسبوه إلى الاماميّة من انّه عليه السلام كان في السرداب من أول غيبته وإلى الآن انما هو مجرّد كذب وبهتان وافتراء.
فمع كثرة الفرق وتشتت الآراء وتدخل الجهلة في العلوم لم يَرَ في كتاب ولحدّ الآن ولم يذكر في شعر أو نثر، ولم يحتمل جاهل في مكان انّه عليه السلام سوف يبقى في السرداب من البداية إلى النهاية.
بل مبيّن ومفصّل في أحاديثهم وأخبارهم وحكاياتهم في كلّ كتاب تذكر فيه الامامة انّه كان له عليه السلام في الغيبة الصغرى وكلاء ونواب مخصوصون تُجبى لهم الأموال ويتصرّفون بها حسب الأوامر التي تصدر منه عليه السلام، وانّه يأمرهم وينهاهم، ويبعث التواقيع اليهم، ويصلون إليه عليه السلام هم وغيرهم في أماكن معيّنة.
وأما في الغيبة الكبرى فان محل استقراره مخفي على كلّ انسان ولكنّه يحضر في موسم الحج، وينقذ مواليه عند الشدائد والمحن، كما ذكرت شمة منها.
فكيف يقال انّه عليه السلام في السرداب؟
وانّهم يقرؤون في دعاء الندبة المعروف في كل عيد ويوم الجمعة: " ليت شعري أين استقرّت بك النوى بل أي أرض تقلك أو ثرى أبِرَضوى(7) أم غيرها أم ذي طوى".(8)
ويقرؤون في خطبهم وفي ذكر القابه عليه السلام: " الغائب عن الأبصار، والحاضر في الأمصار الذي يظهر في بيت الله ذي الأستار، ويطهر الأرض من لوث الكفار".
وروي في غيبة النعماني عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: " يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ـ وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ... الخ".(9)
وروي عنه عليه السلام انّه قال: " إنّ في صاحب هذا الأمر لشبهاً من يوسف... إلى أن يقول: فما تنكر هذه الأمة ان يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف، وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه..".(10)
وروي في غيبة الشيخ الطوسي عن محمد بن عثمان العمري قدّس الله روحه انّه قال: " والله انّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه".(11)
وروى الشيخ النعماني والصدوق عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: "يفقد الناس امامهم يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه".(12)
وروي عن عبد الأعلى انّه قال: " خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلمّا نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاًّ عليها فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبّنا فنقله الله الينا، أما انّ فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرتين.
أما انّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين، واحدة قصيرة، والأخرى طويلة".(13)
وقد تقدّم انّه يخرج عليه السلام من قرية يقال لها (كرعة).
وجاء في احدى الزيارات بالسلام عليه: " السلام على الامام الغائب عن الأبصار، الحاضر في الأمصار، والموجود في الأفكار، بقية الأخيار، وارث ذي الفقار، المنتظر، والحسام الذكر، والشمس الطالعة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، نور الأنوار الذي تشرق به الأرض عمّا قليل، بدر التمام، وحجة الله على الأنام، برج البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود... الخ".
والخلاصة: فياليت الذهبي مع كل ما ادّعاه من المعرفة والديانة، انّه دلّ على مكان من كتب الامامية، انّ فلان عالم كتب في الكتاب الفلاني، كما هي عادة الاماميّة عندما يُشكلون عليهم فانّهم يذكرون المؤلف والكتاب والباب والفصل.
ومع هذا الافتراء والبهتان فانّه نسب الشيعة إلى الكذب، ويتخيّل انه طاهر الذيل(14)، ولا يستحي ولا يخجل أبداً.
وأما ثانياً:
وعلى فرض التسليم بأنه عليه السلام كان هناك في كل هذه المدّة، فما هو وجه الاستبعاد من ذلك؟ هل طول عمره، أم خفاؤه على الزوّار، أم حياته بلا وجود ما يعيش به؟
أما الأول: فيأتي ان شاء الله تعالى.
وأما اختفاؤه عن نظر الناظرين، فتقدّم جوابه في ذيل الحكاية السابعة والثلاثين، وذلك انّ أهل السنة ينقلون عن عجائب قدرة الباري تعالى بما يضيع امثال هذه الصورة عندها وتكون لا شيء إلى جنبها، فانّهم يقولون: انّه من الجائز أن يسير الانسان في صحراء مملوءة بالعساكر يتحاربون ويتنازعون فيما بينهم، ويتحرّكون يميناً وشمالا فلا يراهم، ولا يسمع صوتهم.
ومن الممكن أن يرى انسان جوع غيره وشبعه ويدرك لذّته وألمه وغمّه وسروره، وعلمه وظنّه ووهمه، ومع ذلك فهو لا يرى لون بشرته، وهل هو أسود أم أبيض، مع عدم وجود حاجب، ومع وجود الضوء.
ومن الممكن أن يرى شيئاً بينه وبين ذلك الشيء حجاب عرضه ألف ذراع في ليلة ظلماء، وانّه لا يرى شيئاً إلى جنبه مع عدم الحاجب، بل وانّ نور الشمس مشرقة.
ومن الممكن أن لا يرى خرزة في المشرق أو في المغرب، ولا يرى جبلا عظيماً إلى جنبه مع عدم الحاجب.
وامثال هذه الكلمات التي تقدّمت شمّة منها، ويعرف الباقي على هذا النسق.
وأما طول الحياة; فيعرف من تلك الكلمات امكان الحياة بدون تلك الأشياء فانّهم لا يرون ان شيئاً يكون سبباً لشيء، فلا يرون ان الخبز سبب للشبع، وانّ الماء سبب لرفع العطش (للإرتواء)، وانّ السمّ سبب للموت، وانما هي عادة جرت من الله تعالى أن يكون مثل الخبز يشبع والماء يروي، فليس هناك سبباً للحياة الّا فعل الحق، فالأكل وعدم الأكل بمستوى واحد.
ومن طرائف حكايات المخالفين ما نقله الفيروز آبادي في القاموس في باب العين، قال: "عبود كتنور رجل نوّام نام في محتطبه سبع سنين".
وفي حديث معضل: " انّ اوّل الناس دخولا الجنّة عبد أسود يقال له عبّود وذلك انّ الله عزوجلّ بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به أحدٌ إلّا ذلك الأسود، وانّ قومه احتفروا له بئراً فصيّروه فيها، وأطبقوا عليه صخرة فكان ذلك الأسود يخرج فيحتطب فيبيع الحطب ويشتري به طعاماً وشراباً ثمّ يأتي تلك الحفرة فيعينه الله تعالى على تك الصخرة فيرفعها ويدلّي له ذلك الطعام والشراب.
وانّ الأسود احتطب يوماً ثمّ جلس ليستريح فضرب بنفسه الأرض شقّه الأيسر فنام سبع سنين، ثمّ هبّ من نومته وهو لا يرى الّا انّه نام ساعة من نهار، فاحتمل حزمته فأتى القرية فباع حطبه، ثمّ أتى الحفرة فلم يجد النبي فيها، وقد كان بدا لقومه فيه، فأخرجوه، فكان يسأل عن الأسود فيقولون لا ندري أين هو.
فَضُرِب به المثل لمن نام طويلا".(15)
وقد أشار الزمخشري إلى هذه الحكاية في (ربيع الأبرار).(16)
وفي هذه الحكاية جواب لكلّ استبعاداتهم، فبقاء أسود سبع سنوات حي وسالم بدون ماء ولا طعام تحت الشمس والرياح والمطر وفي طريق الحيوانات والوحوش لهو أعجب بكثير من بقاء شخص يأكل ويشرب ويتحرّك، كما يقول الاماميّة.
وأعجب من ذلك خفاء ذلك الأسود عن أهل تلك القرية سبع سنوات، مع انّه كان نائماً في مكان معيّن.
وهل يمكن أن يحتمل عدم مرور أحد في طول هذه المدّة من هناك؟
أو انّهم استغنوا عن الحطب؟
أو انّه لم يبقَ هنا ما يحتطب؟
اضافة إلى خفاء الحكمة في انّ الله تعالى أنامه سبع سنوات، ولا طريق لمعرفتها للعباد الّا أن يرى نومه أو يسمع بالحس، ويعلم بأنه لا لغو ولا عبث بأفعال الله تعالى، ويعتقد ولو اجمالا بأنّ وجوده يتّفق مع المصلحة وإن لم يعرفها، ولا يرفع اليد عن احساسه لعدم معرفة الحكمة، كما أوضحه وبرهن عليه الاماميّة طبق الأخبار المتواترة النبويّة والعلوية; انّ التاسع من ذريّة الامام الحسين عليه السلام هو الامام والخليفة والحجة والمهدي الموعود. ووصلوا بالحسّ والوجدان إلى مقام عين اليقين من خلال مشاهدة آياته ومعجزاته وكراماته ورؤيتهم أثر الاجابة في رقاع الاستغاثة والتوسل به عليه السلام في الملمّات. فعدم معرفة حكمة الغيبة، وسبب الاختفاء لا يضرّ ولا ينقص علمهم واعتقادهم، ولا يوجد ريباً أو تردداً في وجوده المبارك عليه السلام.
وقد كتب علماء السنة في أحوال كثير من مشايخهم وعرفائهم انّهم كانوا مدّة طويلة في المحل الفلاني مشغولين بالذكر والعبادة ويأتيهم غذاؤهم من الغيب.
فمع انّه لا حسن في ذكرهم لكنّهم يستبعدون هذا المقدار في مقام احد أبناء نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلّم ولا يحتملونه في حقّه، ويرضون ذلك في كلّ مَنْ هبّ ودب.
وأما ثالثاً:
فما قاله الذهبي بأنهم (يعترفون (أن) أحداً لم يره أبداً)(17) انما كذب وافتراء.
وقد رآه الكثيرون في الغيبة الصغرى، ووصلوا بخدمته، وثبتت اسماؤهم في الكتب، وأما في الغيبة الكبرى فالكل يعترفون بامكان المشاهدة بحيث لا يعرف حين الرؤية، ولكنّه يعرف بعد ذلك، بل سوف نثبت في الباب القادم امكانها حتى مع معرفته للخواص، وقليل ممن ذكر أحواله عليه السلام ولم يذكر شيء من هذا النوع من الحكايات، بل انّ بعض اهل السنة ادّعوا رؤيته عليه السلام في الغيبة الصغرى والكبرى وعلى الذهبي وابن حجر انّ يطأطئ رأسه حياءاً من ذكرها، ويعض اصبع الندامة.
قال الشيخ عبد الوهاب بن احمد بن علي الشعراني في آخر كتاب (لواقح الأنوار في طبقات السادات الأخيار) الذي اسماه (لواقح الأنوار القدسيّة في مناقب العلماء والصوفية)(18):
" ومنهم: الشيخ الصالح العابد الزاهد ذو الكشف الصحيح والحال العظيم الشيخ حسن العراقي المدفون فوق الكوم المطل على بركة الرطلي، كان رضي الله عنه قد عمّر نحو مائة سنة وثلاثين سنة".
وفي النسخة المطبوعة: " ترددت إليه مع سيدي أبي العباس الحريثي وقال: أريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري الى وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر، فقلت له: نعم، فقال: كنت شاباً من دمشق وكنت صانعاً، وكنّا نجتمع يوماً في الجمعة على اللهو واللعب والخمر فجاء لي التنبيه من الله تعالى يوماً: ألهذا خلقت؟ فتركت ما هم فيه وهربت منهم فتبعوني ورائي فلم يدركوني، فدخلت جامع بني أمية فوجدت شخصاً يتكلّم على الكرسي في شأن المهدي عليه السلام فاشتقت إلى لقائه فصرت لا أسجد سجدة الّا وسألت الله تعالى أن يجمعني به فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلّي صلاة السنة إذا بشخص جلس خلفي وحسّ على كتفي وقال لي: قد استجاب الله دعاءك يا ولدي، ما لك؟ أنا المهدي، فقلت: تذهب معي إلى الدار، فقال: نعم، وذهب معي فقال لي: أَخلِ لي مكاناً أنفرد فيه، فأخليت له مكاناً، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها ولقنني الذكر، وقال أعلمك وردي تدوم عليه إن شاء الله تعالى تصوم يوماً وتفطر يوماً وتصلّي كلّ ليلة خمسمائة ركعة، فقلت: نعم، فكنت أصلّي خلفه كل ليلة خمسمائة ركعة وكنت شاباً أمرداً حسن الصورة، فكان يقول: لا تجلس قط الّا ورائي، فكنت أفعل، وكان عمامته كعمامة العجم وعليه جبة من وبر الجمال، فلمّا انقضت السبعة أيام خرج، فودّعته، وقال لي: يا حسن! ما وقع لي قط مع أحد ما وقع معك فدم على وردك حتى تعجز فانّك ستعمّر عمراً طويلا، وفي النسخة الأخرى العتيقة بعد قوله: خمسمائة ركعة في كلّ ليلة، وأنا لا أضع جنبي على الأرض للنوم الّا غلبته ثم طلب الخروج، وقال لي: يا حسن لا تجتمع بأحد بعدي، ويكفيك ما حصل لك منّي فما ثم الّا دون ما وصل اليك منّي فلا تتحمّل منه أحد بلا فائدة، فقلت: سمعاً وطاعة وخرجت أودّعه فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال: من هنا، فأقمت على ذلك سنين ـ إلى أن قال الشعراني بعد ذكر حكاية سياحة حسن العراقي ـ وسألت المهدي عن عمره، فقال: يا ولدي عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة ولي عنه الآن مائة سنة، فقلت ذلك لسيدي علي الخواص فوافقه على عمر المهدي رضي الله عنهما".(19)
وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستين من كتاب (يواقيت الجواهر في بيان العقائد) بعد الكلمات التي تقدّمت في الباب الرابع:
"فيكون عمره(20) إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وست سنين هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي... عن الامام المهدي عليه السلام حين اجتمع به.
ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص".(21)
وقال علي أكبر بن أسد الله المؤودي وهو من متأخّري علماء السنة، في حاشية نفحات الجامي، بعد عدّة كلمات كما نقله عنه في المبحث الخامس والأربعين من اليواقيت:
" قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: انّ للقطب خمسة عشر علامة: أن يمدد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ويكشف له عن حقيقة الذات واحاطة الصفات... إلى آخره.
فبهذا صحّ مذهب من ذهب إلى كون غير النبي صلى الله عليه وآله وسلّم معصوماً، ومن قيد العصمة في زمرة معدودة ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه، فانّ الحكم بكون المهدي الموعود رضي الله عنه موجوداً وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكري عليهما السلام كما كان هو قطباً بعد أبيه إلى الامام علي بن أبي طالب كرّمنا الله بوجوههم يشير إلى صحّة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبيّة في وجود جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أن تتم فيه لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام والخواص لا عن أعين أخص الخواص. وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي الله عنه وعنهم فلابد أن يكون لكلّ امام من الائمة الاثنى عشر عصمة. خُذ هذه الفائدة".(22)
وجناب سيف الشريعة وبرهان الشيعة، حامي الدين وقامع بدع الملحدين، العالم المؤيد، المسدّد المولوي المير حامد حسين ساكن لكنهو من بلاد الهند أيّده الله تعالى الذي لم ير مثله ولحدّ الآن بتتبعه واطلاعه على كتب المخالفين وردّ شبهاتهم، ودفع هفواتهم وبالخصوص في مبحث الاماميّة، واكثر الكلمات التي نقلتها هنا انقلها من كتاب استقصاء الافحام له; قال في حاشية ذلك الكتاب: " وليعلم انّ أكابر علماء أهل السنة من الحنفيّة والشافعيّة وحنبلية من معاصري الشعراني قد مدحوا وأثنوا غاية الثناء على كتاب يواقيت الجواهر "، وصرّح شهاب الدين بن شبلي الحنفي: " اني رأيت خلقاً كثيراً من أهل الطريق ولكن لا يوجد أحد أحاط بمعاني هذا المؤلف، ويجب على كل مسلم حسن الاعتقاد وترك التعصّب واللداد".
وقال شهاب الدين الرملي الشافعي: " وبالجملة فهو كتاب لا ينكر فضله، ولايختلف اثنان بأنه ما صنف مثله".
وقال شهاب الدين عميرة الشافعي بعد أن مدح الكتاب: " وما كنّا نظن انّ الله تعالى يُبرز في هذا الزمان مثل هذا المؤلف العظيم الشأن... الخ".
وقال شيخ الاسلام الفتوحي الحنبلي: " لا يقدح في معاني هذا الكتاب الّا معاند مرتاب، أو جاحد كذّاب".
وبالغ الشيخ محمد البرهمتوشي الحنفي في مدح هذا الكتاب بعبارات بليغة، وقال بعد الحمد والصلاة: " وبعد فقد وقف العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي على اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لسيّدنا ومولانا الامام العالم العامل العلامة المحقق المدقق الفهامة خاتمة المحققين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، شيخ الحقيقة، والشريعة، معدن السلوك والطريقة، من توّجه الله تاج العرفان، ورفعه على أهل الزمان، مولانا الشيخ عبد الوهاب أدام الله النفع به على الأنام، وأبقاه الله تعالى لنفع العباد مدّ الأيام، فاذا هو كتاب جلّ مقداره، ولمحت أسراره، وسمحت من سحب الفضل امطاره، وفاحت في رياض التحقيق أزهاره".(23)
وقال العارف عبد الرحمن الصوفي في المرآة المدارية في أحوال المدار:
"وبعد صفاء باطنه يسر له الحضور التام إلى روحانيّة حضرة خاتم الرسل، وأخذ صلى الله عليه وآله وسلّم من كمال رحمته وكرم عفوه يد قطب المدار بيد معبوده الحق، ولقّنه الاسلام الحقيقي، وكان في ذلك الوقت حضرة المرتضى علي كرم الله وجهه حاضراً، فسلمه إلى حضرة علي المرتضى، وقال: هذا الشاب طالب الحق، فربِّهِ مثل اولادك، وأوصله إلى المطلوب، وليكون هذا الشاب قريباً من الحق تعالى وعزيزاً جداً فيكون قطب مدار الوقت.
فتولى (شاه مدار) حسب كلمتهِ صلى الله عليه وآله وسلّم، حضرة علي كرم الله وجهه وذهب إلى مرقده بالنجف الأشرف، وارتاض في حرمه المبارك بأنواع التربية، وحصل من الروحانية الطاهرة لحضرة المرتضى علي كرم الله وجهه على طريق الصراط المستقيم.
وغنم بسبب وسيلة الدين محمد صلى الله عليه وآله وسلّم على مشاهدة حق الحق.
وطوى جميع مقامات الصوفية الصافية، وحصل على العرفان الحقيقي.
وحينئذ عرفه أسد الله الغالب على ولده الأرشد وارث الولاية المطلقة المسمى في عالم الظاهر محمد المهدي بن الحسن العسكري، وقال من كمال رحمته: ربي قطب المدار بديع الدين باشارة حضرة خاتم الرسل، وأوصل إلى المقامات العالية، وقبلت نبوّته، وأنت علمه ايضاً جميع الكتب السماوية شفقة بهذا الشاب مقدم الدهر.
فعلم صاحب الزمان المهدي عليه السلام من كمال الألطاف (شاه مدار) في مدة اثني عشر كتاباً والصحف السماوية:
الأول: علّمه اربعة كتب نزلت على الأنبياء أولاد أبي البشر آدم، يعني الفرقان والتوراة والانجيل والزبور والتي نزلت بعد اربعة كتب على سادة وائمة قوم الجن.
واسماء هذه الكتب هي: راكوي، وحاجزي، وسياري، واليان.
وعلّمهُ بعد ذلك أربعة كتب نزلت على الملائك المؤمنين للحضرة السبحانية، واسماء هذه الكتب هي: ميراث، وعلى الرب، وسرماجن، ومطهر الف، من علوم الاولين والآخرين والتي كانت مختصّة بائمة أهل البيت، وقد أعطاها بكرم عفوه الذاتي ولإشارة جدّه الأكبر حضرة المرتضى علي لـ (قطب المدار)، فجعله كاملا مكمّلا، وجاء به إلى أسد الله الغالب وعرضه عليه عندما تمّ الحال من الارشاد بأمل الخلافة".
وروى الفاضل العارف عبد الرحمن بن احمد الدشتي الجامي المعروف بالملاّ الجامي في (شواهد النبوّة) تفصيل ولادته عليه السلام من حين ظهور أثر الحمل في والدته وسجوده بعد الولادة ونطقه بالآية الشريفة: (وَنُرِيدُ اَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا...) في ذلك الحال، ونزول جبرئيل وملائكة الرحمة وأخذهم ذلك الامام عليه السلام، وكان حين ولادته مقطوع السرة، مختوناً، مكتوباً على ذراعه الأيمن (جاء الحق وزهق الباطل...) وانّه الخليفة بعد الامام الحسن العسكري، وبعث خليفة ذلك الزمان عدّة أشخاص بعد وفاة الامام الحسن العسكري ليتصرّفوا بالبيت وقتل مَنْ فيه، وظهور معجزة صاحب الأمر عليه السلام بغرق اثنين منهما في الماء، ورؤيته في أحسن صورة واقفاً على الماء يصلّي.
ونقل أيضاً خبر السيّدة حكيمة في ولادته وصرّح بأنّه عليه السلام الخليفة والامام الثاني عشر.
ونقل هناك ايضاً حكاية وصول اسماعيل الهرقلي بخدمة الامام عليه السلام بسرّ من رأى في المائة السابعة وشفاء رجله، وهي الحكاية الخامسة، ونقل أيضاً الحكاية التاسعة، وكلّ منهما تصديق لدعوانا.
وروى هناك أيضاً عن آخر قال: بعثني المعتضد مع رجلين، وقال: إنّ الحسن بن علي توفي في سرّ من رأى، فأسرعوا في المسير واهجموا على داره وائتوني برأس كلّ من رأيتموه في بيته.
فذهبنا، ودخلنا داره فرأينا داراً نضرة طيبة كأن البنّاء فرغ من عمارتها الساعة، ورأينا ستراً فيها، فرفعناه، فرأينا سرداباً فنزلنا فيه فرأينا بحراً في أقصاه حصيراً مفروشاً على وجه الماء ورجلا في أحسن صورة واقفاً على ذلك الحصير يصلّي، ولم يلتفت الينا أبداً، فسبقني أحد الرجلين وأراد أن يذهب إليه فغرق في الماء واضطرب فأخذت بيده وخلّصته، وبعده أراد الرجل الآخر أن يذهب إليه أيضاً فغرق وخلّصته، فوقفت حيراناً، وقلت: يا صاحب الدار أطلب المعذرة من الله تعالى ومنك، والله ما عرفت الحال، وإلى أين جئنا، وأتوب إلى الله تعالى مما فعلت، فلم يلتفت إلى ما قلته، فرجعنا وذهبنا إلى المعتضد ونقلنا القصة له، فقال: اكتموا هذا السرّ والّا أمرت بضرب أعناقكم.(24)
وقال محمد بن محمد بن محمود الحافظي البخاري المعروف بخواجة محمد پارسا وقد اثنى عليه ثناءاً بليغاً الملاّ الجامي في (نفحات الانساب) في كتاب فصل الخطاب:
"ولمّا زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي رضي الله عنه انّه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري رضي الله عنه وادّعى انّ أخاه الحسن العسكري رضي الله عنه جعل الامامة فيه سمّي الكذاب، وهو معروف بذلك.
والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر، وعقب علي هذا في ثلاثة عبد الله وجعفر واسماعيل.
وأبو محمد الحسن العسكري عليه السلام ولده م ح م د رضي الله عنهما معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله".(25)
ثم نقل مختصراً من حديث السيدة حكيمة، وقال في آخره:
"ثمّ قال:(26) يا عمّة اذهبي به إلى امّه، فرددته إلى امّه.
قالت حكيمة: ثم جئت (من بيتي)(27) إلى أبي محمد الحسن العسكري رضي الله عنه، فاذا المولود بين يديه في ثياب صفر، وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي، فقلت: يا سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فتلقيه إليّ؟
فقال: يا عمّة هذا المنتظر الذي بشرنا به، فخررت لله تعالى ساجدة شكراً على ذلك.
ثمّ كنت أتردّد إلى أبي محمد الحسن العسكري رضي الله عنه، فلم أره، فقلت له يوماً: يا مولاي ما فعلت(28) بسيّدنا ومنتظرنا؟
قال: استودعناه(29) الذي استودعته أم موسى (عليهما السلام) ابنها".(30)
و (ابن عربي) المالكي مع كل ما لديه من نصب وعداوة ضد الاماميّة حتى انّه يقول في مسامرته(31) الرجبيون جمع من أهل الرياضة اكثر كشفهم في شهر رجب يرون الرفضة بصورة الخنزير(32)، فانّه يقول في الباب السادس والستين وثلاثمائة: " واعلموا انّه لابدّ من خروج المهدي عليه السلام، لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلا، ولو لم يبق من ا لدنيا الّا يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من ولد فاطمة رضي الله عنها، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام; ووالده الحسن العسكري ابن الامام علي النقي بالنون، ابن الامام محمد التقي بالتاء ابن الامام علي الرضا ابن الامام موسى الكاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين علي بن الامام الحسين ابن الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه..."(33)
إلى آخر الكلام وهو مفصل في أوصافه وأحواله وخروجه عليه السلام وقد تقدّم في الباب الرابع مع ذكر جماعة آخرين من أهل السنّة يتفقون في هذا الرأي والطريقة مع معاشر الاماميّة.
الهوامش
(1) قال المؤلف رحمه الله: " يعني ما يقولونه في حقه ويعتقدونه، وهو خلاف الواقع كثير ".
(2) تاريخ الاسلام (الذهبي): ص 113، حوادث ووفيات سنة 251 ـ 260، الطبعة الحديثة بتحقيق أنور عبد السلام الطرابلسي.
(3) سقط هذا المقطع من الترجمة.
(4) تاريخ الاسلام (الذهبي): ص 160، حوادث ووفيات سنة 261 ـ 270.
(5) وفيات الأعيان (ابن خلگان): ج 4، ص 176، تحقيق د. احسان عباس.
(6) الصواعق المحرقة: ص 168.
(7) قال المؤلف رحمه الله: " ورضوى جبل في المدينة، وذو طوى موضع قرب مكة ".
(8) راجع مفاتيح الجنان (المحدّث القمي): ص 536.
(9) راجع النعماني (الغيبة): ص 182، باب 10، ح 30.
(10) راجع النعماني (الغيبة): ص 164، باب 10، ح 4.
(11) راجع الطوسي (الغيبة): ص 364، الطبعة المحققة ـ وص 221، ح 329، الطبعة الأولى.
(12) راجع النعماني (الغيبة): ص 175، باب 10، ح 14 ـ وراجع الصدوق (كمال الدين): ج 2، ص 346، باب 33، ح 33.
(13) راجع الطوسي (الغيبة): ص 163، الطبعة المحققة ـ وص 103، الطبعة الأولى، ح 123 ـ ورواه عنه الحر العاملي في (اثبات الهداة): ج 3، ص 500، ح 281 ـ والمجلسي في البحار: ج 51، ص 161، ح 10.
(14) طاهر الذيل: اصطلاح مجازي بمعنى طاهر النفس وطيب العمل.
(15) راجع الفيروز آبادي (القاموس المحيط): ج 1، ص 311، باب الدال، فصل العين.
(16) راجع الزمخشري (ربيع الأبرار): ج 4، ص 338 قال: " نام عبود، وكان عبداً أسوداً حطاباً في محتطبه اسبوعاً، فضرب به المثل، فقيل قد نام نومة عبود ".
(17) تاريخ الاسلام (الذهبي): ص 113، حوادث ووفيات سنة 251 ـ 260.
(18) يبدو انّ ما ترجمه المؤلف هنا قد لاحظ فيه الاختصار فلذلك رأينا الأنسب نقل النص حسب ما نقله المؤلف رحمه الله في كتابه كشف الأستار.
(19) راجع كشف الأستار: ص 51 ـ 52.
(20) قال المؤلف رحمه الله: " يعني المهدي عليه السلام ".
(21) اليواقيت والجواهر (الشعراني): ج 2، ص 145، ط الثانية، جامع الأزهر سنة 1307هـ.ق.
(22) راجع كشف الأستار: ص 80 ـ 81.
(23) راجع كشف الأستار: ص 47 ـ 48.
(24) راجع كشف الأستار: ص 55 ـ 56.
(25) راجع كشف الأستار: ص 57 و58 ـ وراجع كذلك ينابيع المودّة: ص 386 و387 باختلاف يسير عن الخواجه پارسا.
(26) في الترجمة (ثم قال الامام العسكري عليه السلام).
(27) سقطت من الترجمة، واثبتت في الينابيع.
(28) في الينابيع (ما فعل سيّدنا المنتظر).
(29) في الينابيع (استودعناه الله الذي... الخ).
(30) راجع كشف الأستار: ص 58 ـ وينابيع المودّة: ص 387 ـ ملحقات احقاق الحق (للسيد المرعشي): ج 13، ص 96 و97.
(31) الظاهر من مسامرته كتاب (محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار) المنسوب إلى ابن عربي.
(32) راجع تعليقنا المتقدّم حول هذا الموضوع.
(33) راجع كشف الأستار: ص 49 - 50 ـ وكتاب اليواقيت والجواهر: ج 2، ص 145.
******************
وأما رابعاً:
فما قاله ابن حجر: " تغيّب شخص هذه المدّة المديدة من خوارق العادات فلو كان هو لكان وصفه صلى الله عليه ( وآله )وسلّم بذلك أظهر من وصفه بغير ذلك مما مرّ".(1)
فهو واضح البطلان، فالسكوت عن ذكر وصف لحكمة وان كان اولى لا يضرّ بسائر الصفات التي ذكرها وهي تنطبق عليه عليه السلام.
ومن أين يعلم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لم يخبر عن هذه الصفة، فبمجرّد عدم عثوره لا يصح دليلا، فلعلّه صلى الله عليه وآله وسلّم قال ولم ينقل عنه، ومثله كثير من الأشياء التي نتيقّن بأنه صلى الله عليه وآله وسلّم قالها ولم تصل الينا، أو نقلت عنه صلى الله عليه وآله وسلّم ولم تصل إليه. فليس هناك من وقف على كلّ ما نقل عنه صلى الله عليه وآله وسلّم وذلك لكثرة الناقلين، وتفرّق البلاد، واختلاف الميول، أو انّها نقلت عنه صلى الله عليه وآله وسلّم واُخفيت من قبل نفس الأشخاص الذين وضعوا الأخبار عليه صلى الله عليه وآله وسلّم، فكان هدفهم من وضع الأخبار هو حبّهم لشخص، أو بغضهم لآخر، أو لكسب دنيا، أو عداوة دين، أو غير ذلك ممّا يحصل من الأمرين.(2)
والحق في الجواب:
انّه أخبر صراحة عن غيبته وقال في ضمن صفات المهدي عليه السلام:
"فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك...".(3)
وقد صرّح في بعض الأخبار انّ له غيبتين احداهما أطول من الأخرى.
وقد أخبر تضمّناً في جملة أخبار متواترة انّ المهدي عليه السلام هو التاسع من ولد الامام الحسين عليه السلام; فمع ملاحظة ما ورد في كتب الفريقين من انّه عليه السلام يخرج في آخر الزمان; اضافة إلى انّه لا يراه أحد في الظاهر; فبعد تعيين النسب والخروج في آخر الزمان يكون قد بيّن بشكل واف عن غيبته.
وأمّا ما قاله هو(4) وغيره، انّ غيبته عليه السلام في هذه المدّة المديدة تعدّ من خوارق العادات، فقد وضح الجواب عنه.
وأمّا ما وعدنا به بذكر بعض أسماء المعمّرين بلا اطالة لرفع استبعاد عوام العامّة، فايفاءاً نقول:
لا يشك احدٌ من أهل الاسلام في وجود الخضر النبي عليه السلام وبقائه من قبل عدّة آلاف من السنين إلى الآن، وقد تكرّر نقله في كتب أهل السنة في أحوال مشايخهم وعرفائهم، انّ فلان التقى بالخضر عليه السلام في المكان الفلاني وأخذ وتعلّم منه، كما قال محيي الدين في الباب الخامس والستين من الفتوحات: "انّ شيخنا أبا العباس العريبي(5) جرت بيني وبينه مسألة... ولم آخذ بالقبول، أعني قوله... فانصرفت عنه... فلقيني شخص... قال لي:... صدق الشيخ أبو العباس فيما ذكره لك عن فلان... ورجعت من حيني إلى الشيخ... قال:... إذا ذكرت لك مسألة يقف خاطرك عن قبولها إلى الخضر يتعرّض اليك...".(6)
ونظير هذا كثير في كتب أهل السنة، وأمّا ما نقله الميبدي عن عبد الرزاق الكاشاني انّه قال في الاصطلاحات:
" الخضر: كناية عن البسط.
وإلياس: كناية عن القبض.
وإما كون الخضر عليه السلام شخصاً انسانياً باقياً من زمان موسى عليه السلام إلى هذا العهد، أو روحانياً يتمثل بصورته لمن يرشده فغير محقق عندي".(7)
فهو خلاف الضرورة عند المسلمين.
وروى الشيخ الصدوق بسند معتبر عن الامام الصادق عليه السلام في خبر طويل انّه قال في آخره:
" وأما العبد الصالح ـ أعني الخضر عليه السلام ـ فانّ الله تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوّة قدرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة مَنْ كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عبادة الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له; بل انّ الله تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه ان يقدّر من عمر القائم عليه السلام في أيام غيبته ما يقدّر، وعلم ما يكون من انكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوّل عمر العبد الصالح في غير سبب (يوجب ذلك الّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام)(8) وليقطع بذلك حجة المعاندين...".(9)
وروى عن الامام الرضا عليه السلام انّه قال: " انّ الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور.
وانّه ليأتين(10) فيسلّم فنسمع صوته ولا نرى شخصه.
وانّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه.
وانّه ليحضر الموسم كلّ سنة، فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين.
وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته".(11)
فصل: في ذكر جملة من المعمرين ولا يخفى انّه طبق جملة من الأخبار وكلام المفسّرين والمؤرخين انّه كان سبب طول عمره عليه السلام انّه شرب ماء الحياة، ولكن العلامة الكراچكي قال في كنز الفوائد في مقام ذكر المعمّرين:
الخضر عليه السلام:
" ومن المعمّرين الخضر المتصّل بقاؤه إلى آخر الزمان وما جاء من حديثه: انّ آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال: يا بني انّ الله تبارك وتعالى منزل على أهل الأرض عذاباً فليكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوا بي فادفنوني بأرض الشام فكان جسده معهم فلمّا بعث الله نوحاً ضمّ ذلك الجسد وأرسل الله الطوفان على الأرض فغرقت الأرض زماناً فجاء نوح عليه السلام حتى نزل ببابل وأوصى بنيه الثلاثة وهم سام ويافث وحام أن يذهبوا بجسده إلى المكان الذي أمرهم أن يدفنوه فيه، فقالوا الأرض وحشة لا أنيس بها ولا يهتدي الطريق، ولكن تكف متى يأمن الناس ويكثروا وتأنس البلاد وتجف، فقال لهم: ان آدم قد دعا لله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة فظل جسد آدم حتى كان الخضر وهو الذي تولى دفنه فأنجز الله تعالى وعده إلى ما شاء الله أن يحيى. وهذا حديث قد رواه مشايخ الدين وثقات المسلمين".(12)
عيسى عليه السلام:
المشهور بين علماء الخاصة والعامة بقاؤه عليه السلام في السماء حيّاً بحياة الأرض، وقد رفع حيّاً إلى السماء، ولم يمت ولا يموت الى آخر الزمان فينزل ويصلّي خلف المهدي صلوات الله عليه، ويكون وزيره.
والأخبار في ذلك كثيرة، وذكرها يوجب الإطناب، وتقدمت بعضها في الباب الثالث في ذكر خصائص الامام المهدي عليه السلام.
اللعين الكافر الدجال:
المشهور بين علماء أهل السنة انّه ابن صياد الذي رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وحلف عمر، وقال: والله انّك الدجال، كما صرّح بذلك صاحب الكشف المخفي في مناقب المهدي.(13)
ولكن المحدّث المعروف الگنجي الشافعي عدّه من أغلاط المحدّثين في الباب الخامس والعشرين من كتاب البيان في اخبار صاحب الزمان عليه السلام; وان الذي اختاره هو ما يطابق الحديث الذي ادّعى اتفاق العلماء على صحته، وهو الخبر المسند الذي رواه هناك عن عامر بن شراحيل الشعبي ـ شعب همدان ـ انّه سأل فاطمة بنت قيس اخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثاً سمعتِهِ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لا لسند إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل حدثيني، فقالت: نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فلمّا تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وخطبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على وليه اسامة بن زيد، وكنت قد حدّثتُ انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: من أحبّني فليحب اسامة فلمّا كلمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت، فقال: انتقلي إلى أم شريك ـ وأم شريك امرأة غنيّة من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله تنزل عليها الضيفان ـ فقلت: سأفعل، قال: لا تفعلي، ان أم شريك كثيرة الضيفان، فانّي أكره أن يسقط عنك خمارك وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم ـ وهورجل من بني فهر من قريش وهو من البطن الذي هي منه ـ فانتقلت إليه فلمّا انقضت عدّتي سمعت نداء المنادي ـ منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ـ ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فلمّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل انسان مصلاه، ثمّ قال: هل تدرون لِمَ جمعتكم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: انّي والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلا نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدّثني حديثاً وافق الذي كنت أحدّثكم عن المسيح الدجال، حدّثني انّه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثمّ أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرون ما قُبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فانّه إلى خبركم بالأشواق قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: انطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فاذا فيه أعظم انسان رأيناه خلقاً وأشدّه وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قلنا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم(14) فلعب بنا الموج شهراً، ثمّ أرفينا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: ما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فانّه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا اليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: اخبروني عن نخل ببستان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ فقلنا له: نعم، قال: أما انّه يوشك أن لا يثمر، قال: اخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما ان ماءها يوشك أن يذهب، قال: اخبروني عن عين زغر(15) قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ هل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: هاجر من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه انّه ظهر على من يليه من العرب فأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: اما ان ذاك خير لهم أن يطيعوه وانّي مخبركم عنّي أنا المسيح الدجال، وانّي أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلّا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة هما محرّمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدّني عنها وانّ على كلّ نقب(16) منها ملائكة يحرسونها، قال:(17) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت احدّثكم ذلك؟
فقال الناس: نعم، قال: فانّه أعجبني حديث تميم انّه وافق الذي كنت أحدّثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا انّه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو، وأومى بيده إلى المشرق، قال: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.(18)
ونقل البغوي في مصباحه هذا الخبر عن فاطمة بحذف أوّل الخبر وعدّه في الصحاح.(19)
ورواه عن فاطمة في اخبار الحسان(20) في حديث تميم الداري، قال: فاذا بامرأة تجرّ شعرها، قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر، فأتيته، فاذا رجل يجرّ شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: مَنْ أنت؟ قال: أنا الدجال.
ولا يخفى انّ بقاء الدجال من ذلك التاريخ وحتى ظهور الامام المهدي عليه السلام فانّه أغرب من بقائه عليه السلام من عدّة جهات.
الأولى: انّ حياة شخص مغلول وبتلك الصعوبة في جزيرة لا يعرفها أحد، ولم يطّلع على حاله أحد، بالاضافة إلى انّه لا يتمكّن من أن ينفع أو يضرّ، فهو أعجب من بقاء شخص مختار يسير في الأمصار قادر على ما يريده من أسباب الحياة، وقادر على دفع كلّ ضرر.
الثانية: انّ عمره بحسب هذا الخبر وباقي الأخبار هو أزيد من عمره عليه السلام، بل ان ظاهر الخبر يدل على انّه كان قبل مدّة من بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلّم.
الثالثة: انّ الدجال كافر مشرك بل يدعي الربوبية ويضلّ العباد، بل انّه جاء في كثير من أخبار الفريقين انّه ما بعث نبي الّا خوّف أمّته من فتنة الدجال، فبقاء مثل هذا الشخص وانّه يرزق بطرق غير عادية أغرب بكثير من بقاء شخص بشّر بوجوده جميع الأنبياء، وكانوا ينتظرون ظهوره ليملأ الدنيا قسطاً وعدلا، ويقلع جذور وأساس الكفر والشرك والنفاق، ويدعوا الخلق للاقرار بوحدانية الله عزوجل وهو ما لم يتهيّأ لكلّ نبي ووصي... فهو أولى بالتغذية من خزانة الغيب ـ على فرض صحة نسبة أهل السنة إلى الاماميّة بأنه عليه السلام مستقر في السرداب في سرّ من رأى، كما صرّح بذلك الگنجي الشافعي فهو مع انصافه قد خدع بخدع سلفه لعدم اطلاعه على كتب الاماميّة ـ.
انّه ثبت انّ بقاء عيسى عليه السلام والدجال انما هو تبعاً لبقائه عليه السلام، وبقاء الاثنين فرع لوجوده المبارك، فانّ الحكمة من بقاء عيسى لايمان أهل الكتاب بخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلّم والتصديق به كما اُشير إليه في الآية الشريفة: (وَاِنْ مِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ اِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(21) ، وللتصديق بدعوى الحجة عليه السلام، وتبيانه للطاغين باتباعه، والصلاة خلفه; فمن غير الجائز وجود عيسى وبقائه بدون أن ينصر الاسلام ويصدق الامام ويتّبعه، والّا فسوف يكون مستقلا بنفسه إلى الدعوة والدولة، وهذا ما ينافي دعوة الاسلام، فلزم أن لا يكون لعيسى إلّا النصرة والاعانة والتصديق ولا أثر من بقائه إلّا ذلك، وهذا عين فرعية وجوده وتبعيّته للامام المهدي عليه السلام.
وكيف يصح بقاء الفرع بدون بقاء الأصل، والتابع بدون المتبوع؟!
والحكمة من بقاء الدجال ـ الذي ليس في وجوده إلّا الفتنة والفساد ـ ابتلاء وامتحان الله عزّوجلّ الخلائق ليميز مطيعهم من عاصيهم، ومحسنهم من مسيئهم، ومصلحهم من مفسدهم، وهذا هو فرع وجود مَنْ تتعلّق الطاعة والعصيان والصلاح بأمره ونهيه وفعله وتركه، وليس هو إلّا المهدي عليه السلام الذي لا يكون أحد غيره آية لنبوّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلّم.
فكيف يمكن بقاء هذين الفرعين والتصديق بهما، ويستبعد بقاء الأصل الذي تمام وجوده رحمة ولطف وخير وبركة؟!
الياس النبي عليه السلام:
روى الثعالبي في عرائس التيجان(22) باسناده عن رجل من أهل عسقلان: انّه كان يمشي بالأردن عند نصف النهار فرأى رجلا، فقال: يا عبد الله من أنت؟ فقال: أنا الياس، قال: فوقعت عليّ رعدة شديدة، فقلت له: ادع الله أن يرفع عنّي ما أجد حتى أفهم حديثك وأعقل عنك.
قال: فدعا لي بثمان دعوات وهنّ: يا برّ يا رحيم، يا حنان يا منان، يا حيّ يا قيوم، ودعوتين بالسريانيّة لم أفهمهما، وقيل هما: باهيا شراهيا، فرفع الله عني ما كنت أجد، ووضع كفّه بين كتفي، فوجدت بردها بين يديّ، وقلت له: أيوحى اليك اليوم؟ فقال: منذُ بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلّم رسولا فانه لا يوحى إليّ. قال: فقلت له: فكم من الأنبياء اليوم أحياء؟ قال: أربعة: اثنان في الأرض واثنان في السماء، أما اللذان في السماء فعيسى وادريس عليهما السلام. وأما اللذان في الأرض فالياس والخضر عليهما السلام، قلت: كم الأبدال؟ قال: ستون رجلا: خمسون منهم من لدن عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالصيصة ورجل بعسقلان وسبعة في سائر البلدان، كلما أذهب الله واحداً منهم جاء بآخر مكانه، وبهم يدفع الله عن الناس البلاء وبهم يُمطرون، قلت: فالخضر أين يكون؟ قال في جزائر البحر. فقلت: هل تلقاه؟ قال: نعم، قلت: أين؟ قال: بالموسم، قلت: فما يكون حديثكما؟ قال: يأخذ من شَعْري وآخذ من شعره. قال: وكان ذلك حين جرى بين مروان بن الحكم وبين أهل الشام القتال، قلت: فما تقول في مروان بن الحكم؟ قال: رجل جبار عات على الله تعالى، والقاتل والمقتول والشاهد في النار. قلت: فانّي قد شهدت ولم أطعن برمح ولا رميت بسهم ولم أضرب بسيف وأنا أستغفر الله من ذلك المقام أن أعود إلى مثله أبداً، قال: أحسنت فهكذا فكن. قال: فبينما أنا وإياه قاعدان إذ وضع بين يديه رغيفان أشد بياضاً من الثلج، فأكلت أنا وهو رغيفاً وبعض الآخر، ثم رفعت رأسي وقد رُفع باقي الرغيف الآخر، فما رأيت أحداً وضعه ولا رأيت أحداً رفعه، قال: وله ناقة ترعَى في وادي الاُردن فرفع رأسه إليها، فلمّا دعاها جاءت وبركت بين يديه فركبها، فقلت له: انّي أريد أن أصحبك، قال: انّك لا تقدر على صحبتي، قال: فقلت له: انّي خلو لا زوجة لي ولا عيال، قال: تزوّج، وإياك والنساء الأربع، الناشزة، والمختلعة، والملاعنة، والبَرْزة، وتزوج ما بدا لك من النساء، قال: فقلت: انّي أحبّ أن ألقاك، قال: فاذا رأيتني فقد لقيتني انّي اعتكف في بيت المقدّس في شهر رمضان، ثم حالت بيني وبينه شجرة، فو الله ما أدري كيف ذهب.(23)
وقد نقلنا هذا الخبر مع عدم اطمئناننا بصدقه ليظهر عدم انصاف اهل السنة حيث ينقلون هذا النوع من الأخبار، ولا يستبعدونه ولا يطعنون في راويه، مع انّ ما ندّعيه نحن في حقّ امام العصر عليه السلام من بقائه واختفائه واغاثته وسيره في البراري والبحار وغير ذلك مما يقولونه هم في حق الخضر وإلياس، ولكنّهم يستبعدونه ويستغربونه وينفون الحكمة فيه، وقد يعبرون عنه احياناً بالامام المعدوم، نعوذ بالله من الخذلان والشقاء.
سلمان الفارسي المحمدي رضي الله تعالى عنه:
قال السيد المرتضى في الشافي: وروى اصحاب الأخبار انّ سلمان الفارسي عاش ثلاثمائة وخمسين سنة.
وقال بعضهم: بل عاش اكثر من اربعمائة سنة.
وقيل: انّه أدرك عيسى عليه السلام.(24)
وقال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة:
"وروى اصحاب الأخبار انّ سلمان رضي الله عنه لقي عيسى بن مريم عليه السلام، وبقي إلى زمان نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلّم و (وهو) خبر مشهور".(25)
وعليه يكون قد تجاوز الخمسمائة.
وروى الحضيني انّه عندما أسلم سلمان أقبل المسلمون يهنّون النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: أتهنّون سلماناً بالاسلام وهو يدعو بني اسرائيل بالله منذ اربعمائة سنة وخمسين سنة...(26) وفي خبر آخر انّه قال صلى الله عليه وآله وسلّم لزوجاته: سلمان عيني الناظرة، ولا تظنّون انّه كمن ترون من الرجال، انّ سلمان كان يدعو إلى الله تعالى وإليّ قبل مبعثي بأربعمائة وخمسين سنة...(27)
الشيخ صاحب حديث القلاقل:
وروى العالم الجليل السيد علي ابن عبد الحميد النيلي في (الأنوار المضيئة) عن جدّه باسناده(28) إلى الرئيس ابي الحسن الكاتب البصري وكان من الأدباء قال: في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أسنت البر سنين عدّة، وبعثت السماء درّها، وخص الحيا أكناف البصرة وتسامع العرب بذلك فوردوها من الأقطار البعيدة والبلاد الشاسعة(29) على اختلاف لغاتهم وتبائن فطرهم، فخرجت مع جماعة من الكتّاب ووجوه التجار نتصفّح أحوالهم ولغاتهم ونلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخاً جالساً قد سقط حاجباه على عينيه (كبراً وحوله جماعة من عبيده وأصحابه) وسلّمنا عليه فردّ التحيّة وأحسن التلقية، فقال له رجل منّا: هذا السيد ـ وأشار إلي ـ هو الناظر في معاملة الدرب وهو من الفصحاء وأولاد العرب، وكذلك الجماعة ما منهم الّا من ينسب إلى قبيلة ويختص بسداد وفصاحة، وقد خرج وخرجنا معه حتى(30) وردتم ملتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم، وحين شاهدنا رجونا ما نبغيه عندك لعلوّ سنك.
فقال الشيخ: والله يا بني أخي حياكم الله انّ الدنيا شغلتنا عمّا تبتغونه منّي، فان أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي وها بيته وأشار إلى خباء كبير بازائه.
(فقلنا النظر إلى مثل والد هذا الشيخ الهم(31) فائدة نتعجل) فقصدنا ذلك البيت فوجدنا في كسره شيخاً متضجعاً وحوله من الخدم والأمر أوفى مما شاهدناه أولا (ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز له أن يكون والد ذلك الشيخ، فدنونا منه)(32) وسلّمنا عليه (فأحسن الرد وأكرم الجواب، فقلنا له مثل ما قلنا لابنه، وما كان من جوابه وانّه دلّنا عليك فخرجنا بالقصد اليك)(33) فقال: يا بني أخي حياكم الله انّ الذي شغل ابني عمّا التمستموه منه هو الذي شغلني عمّا هذه سبيله، ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته وأشار إلى بيت منيف(34) بنحوه منه، فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فان كانت منه فائدة فهي ربح لم يحتسب.
وقصدنا ذلك الخباء، فوجدنا حوله عدداً كثيراً من الاماء والعبيد، فحين رأونا تسرعوا إلينا وبدأوا بالسلام علينا وقالوا: ما تبغون حياكم الله؟ فقلنا: نبغي السلام على سيدكم وطلب الفائدة من عنده ببركتكم. فقالوا: الفوائد كلّها عند سيّدنا، ودخل منهم من يستأذن ثم خرج بالاذن لنا، فدخلنا فاذا سرير في صدر البيت وعليه مخاد(35) من جانبيه ووسادة في أوّله وعلى الوسادة رأس شيخ قد بلى وطار شعره ( والازار على المخاد التي من جانبي السرير ليستره ولا يثقل منه عليه)(36) فجهرنا بالاسلام، فأحسن الرد وقال قائلنا مثل ما قال لولده وأعلمناه أنه أرشدنا ( إلى أبيه(37)، فحججنا بما احتج به وانّ أباه أرشدنا) اليك وبشرنا بالفائدة منك.
ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أم رأسه وقال للخدم: أَجلسوني، فلم تزل أيديهم تتهاداه(38) بلطف إلى أن أُجلس ( وستر بالازر التي طرحت على المخاد )، ثم قال لنا: يا بني أخي لأحدثنكم بخبر تحفظونه عنّي وتفيدون منه ما يكون فيه ثواب لي، كان والدي لا يعيش له ولد ويحب أن يكون له عاقبة، فولدت له على كبر، ففرح بي وابتهج بموردي، ثم قضى ولي سبع سنين، فكفلني عمّي بعده وكان مثله في الحذر(39) علي، فدخل بي يوماً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال له: يا رسول الله انّ هذا ابن أخي وقد مضى أبوه لسبيله وأنا كفيل بتربيته وانني أنفس به على الموت فعلّمني عوذة أعوّذه بها ليسلم ببركتها، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: أين أنت عن ذات القلاقل. فقال: يا رسول الله وما ذات القلاقل؟ قال: أن تعوّذه فتقرأ عليه سورة الجحد وهي (قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون) إلى آخرها وسورة الاخلاص (قل هو الله احد. الله الصمد) إلى آخرها وسورة الفلق (قل أعوذ بربّ الفلق. من شرّ ما خلق) إلى آخرها وسورة الناس (قل أعوذ بربّ الناس. ملك الناس) إلى آخرها، وأنا إلى اليوم أتعوّذ بها كلّ غداة فما أصبت بولد ولا أصيب لي مال ولا مرضت ولا افتقرت، وقد انتهى بي السن إلى ما ترون، فحافظوا عليها واستكثروا من التعوّذ بها ( فسمعنا ذلك منه) ثم انصرفنا من عنده.(40)
عبيد بن شريد الجرهمي:
عمّر ثلاثمائة وخمسين سنة، وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وأسلم، وبقي حيّاً إلى عهد معاوية فقال له: وأدركت من قد عاش الف سنة، فحدّثني عمّن كان قبله قد عاش ألفي سنة.(41)
الربيع بن الضبع الفزاري:
قال لعبد الملك: عشت مائتي سنة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلّم وعشرين ومائة سنة في الجاهلية، وستين سنة في الاسلام.(42)
قس بن ساعدة الأيادي:
وعاش ستمائة سنة.(43)
ونوادر حكاياته كثيرة.(44)
أوس بن ربيعة الأسلمي:
وعاش مائتين وأربع عشرة سنة.(45)
سطيح الكاهن:
عمّر ثلاثمائة سنة، وخبره مشهور.
أبو الرضا بابا رتن بن كربال بن رتن البترندي الهندي:
قال في القاموس: "ليس بصحابي(46) وانما هو كذّاب ظهر بالهند بعد الستمائة فادّعى الصحبة وصدّق، وروى أحاديث سمعناها من أصحاب أصحابه".(47)
ونقل السيد الفاضل المتبحّر الجليل السيد عليخان المدني في كتاب (سلوة الغريب وأسوة الأريب) عن الجزء الثامن لتذكرة صلاح الدين الصفدي انّه قال:
نقلتُ من خطّ علاء الدين علي بن مظفّر الكندي: حدثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن ابراهيم الكاتب من لفظه في يوم الأحد خامس عشر ذي الحجة سنة احدى عشرة وسبع مائة بدار السعادة بدمشق المحروسة قال: أخبرنا الشريف قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن عليّ بن الشريف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين الحسيني الأثري الحنفي من لفظه في العشر الاخر من جُمادى الأولى عام إحدى وسبع مائة بالقاهرة قال: أخبرني جدّي الحسين بن محمد قال:
كنتُ في زمن الصّبا وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة سافرتُ مع أبي محمد وعمّي عمر من خراسان إلى بلد الهند في تجارة.
الهوامش
(1) راجع الصواعق المحرقة (ابن حجر): ص 168.
(2) وهما وضع ; واخفاء الأخبار وسترها وعدم اظهارها.
(3) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 394، باب 38، ح 4.
(4) يقصد به ابن حجر.
(5) هكذا في المصدر المطبوع بالطبعة الحديثة... ولكن في الترجمة (العريني) بالنون بدل (العريبي) بالباء.
(6) يظهر انّ المؤلف رحمه الله اختصر هذا المقطع اختصاراً شديداً فلزمنا أن ننبه عليه بوضع النقاط لأن ظاهر عبارته انّه ينقل نصّاً، راجع النص بكامله في الفتوحات المكيّة: ط 1، ج 1، ص 186 ـ والفتوحات المكية: ط المجلس الأعلى للثقافة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، تحقيق وتقديم د. عثمان يحيى، السفر الثالث، ص 180، رقم الفقرة (149).
(7) راجع كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني في (اصطلاحات الصوفية): تحقيق وتعليق د. محمد كمال ابراهيم جعفر، ط مركز تحقيق التراث، ص 160.
(8) سقط هذا المقطع من الترجمة.
(9) كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 356، ح 53.
(10) في نسخة بدل (ليلقانا).
(11) راجع الصدوق (كمال الدين): ج 2، ص 39، ح 4.
(12) راجع كنز الفوائد (الكراچكي): ص 248، الطبعة الحجرية.
(13) الحديث موجود في البيان للگنجي: ص 526، قال: " وأمّا صاحب الكشف المخفي في مناقب المهدي فقد استدلّ على وجود الدجال بحديث ابن الصياد وانّه رآه الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ثمّ نقل تمام الخبر وناقشه، وأمّا الكتاب ومؤلفه فغير معروف حالياً، ولكنّه كان معروفاً عند السيد ابن طاووس ; راجع الذريعة: ج 18، ص 59.
(14) الغلمة: شهوة الضراب، وغلم البعير: هاج من شدة ذلك واستعماله في البحر من باب الاستعارة أي هاج وجاوز حدّه المعتاد.
(15) عين زغر: بزاي وغين وراء معجمتين مهملة، بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام.
(16) النقب: الطريق.
(17) في الترجمة (قال الراوي).
(18) راجع الگنجي الشافعي في (البيان المطبوع مع كفاية الطالب): ص 523 ـ 526.
(19) مصابيح السنة (البغوي): ج 3، ص 504، ح 4238 ـ ورواه مسلم في صحيحه: ج 4، ص 2261، ح 2942.
(20) مصابيح السنة (البغوي): ج 3، ص 507، ح 4240 ـ ورواه أبو داود في (السنن): ج 4، ص 118، ح 4325.
(21) الآية 159 من سورة النساء.
(22) المطبوع تحت عنوان (عرائس المجالس).
(23) عرائس المجالس (الثعلبي): ص 260 ـ 261.
(24) راجع نفس الرحمن (للمؤلف رحمه الله) ص 164، الطبعة الحجرية.
(25) راجع الطوسي (الغيبة): ص 113، الطبعة المحققة.
(26) راجع نفس الرحمن (المؤلف رحمه الله): ص 22، الطبعة الحجرية.
(27) نفس الرحمن (المؤلف رحمه الله): ص 164، الطبعة الحجرية ـ وذكره في نفس الرحمن: ص 142، الطبعة الحجرية.
(28) ولكن في المصدر المطبوع (روى الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلى الرئيس أبي الحسن الكاتب المصري).
(29) الشاسعة: البعيدة.
(30) في (ب) والبحار: حين وردتم نلتمس. وحين شاهدناك. في البحار: تبغونه.
(31) الهم بكسر الهاء: الشيخ الفاني والانثى همة، وما بين القوسين ليس في البحار.
(32) ليس ما بين القوسين في البحار.
(33) ليس ما بين القوسين في البحار، وعوضه: وأخبرناه بخبر ابنه.
(34) المنيف: المرتفع يقال: جبل منيف أي مرتفع مشرف.
(35) المخاد جمع المخدة بكسر الميم وفتح الخاء والدال وتشديده: ما يجعل عليه الخد عند النوم. والوسادة ايضاً المخدة، طار شعره: أي طال شعره. الازار: الملحفة.
(36) ما بين القوسين ليس في (ب) والبحار.
(37) ما بين القوسين ليس في (أ) والبحار.
(38) تهادى القوم تهادياً: اهدى بعضهم إلى بعض، ومعنى: أيديهم تهاداه بلطف أي تهديه يد هذا بهذا برفق ولين. وما بين القوسين ليس في (ب) وليس في البحار من بعد (اجلسوني) إلى (على المخاد)، وايضاً ليس فيه من (وتفيدون) إلى (ثواب لي).
(39) الحذر: الخوف والحزم.
(40) ليس ما بين القوسين في البحار و (ب). البحار: ج 51، ص 258 ـ راجع منتخب الأنوار المضيئة (السيد علي بن عبد الكريم النيلي النجفي ـ تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري): ص 98 إلى 101، ط الخيام قم سنة 1401 هـ.ق.
(41) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 548، باب 51 ـ وكتاب: المعمّرون (أبو حاتم السجستاني): ص 50 ـ البحار: ج 51، ص 233.
(42) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 550، باب 52 ـ وعنه البحار: ج 51، ص 235.
(43) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 575 ـ وعنه البحار: ج 51، ص 252.
(44) راجع مقتضب الأثر (لابن عياش): ص 32 إلى 39 ـ والبحار: ج 9، ص 127 ـ منتخب الأنوار المضيئة (السيد علي النيلي): ص 107 ـ الشيعة والرجعة (الطبسي): ج 1، ص 284 إلى 287 ـ مروج الذهب (المسعودي): ج 1، ص 82 إلى 84 ـ المستطرف في كلّ فنّ مستظرف: ج 2، ص 75، الباب 48، الفصل 4 ـ كنز الفوائد (الكراجكي): ص 254 و256 وغير ذلك.
(45) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 555 ـ والبحار: ج 51، ص 237 ـ كنز الفوائد (الكراجكي): ص 253 ـ الشيعة والرجعة: ج 1، ص 260.
(46) في الترجمة (يقول بعض انّه ليس بصحابي).
(47) القاموس المحيط (الفيروزآبادي): ج 4، ص 226.
******************
فلمّا بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند، فعرّج أهل القفل نحو الضيعة ونزلوا بها وضجّ أهل القافلة. فسألناهم عن الشأن، فقالوا: هذه ضيعة الشيخ رتن اسمه بالهنديّة وعرّبه الناس وسمّوه بالمعمّر لكونه عمّر عمراً خارجاً عن العادة. فلمّا نزلنا خارج الضيعة رأينا بفنائها شجرةً عظيمةً تُظلّ خلقاً عظيماً وتحتها جمعٌ عظيمٌ من أهل الضيعة، فتبادر الكلّ نحو الشجرة ونحن معهم. فلمّا رآنا أهل الضيعة سلّمنا عليهم وسلّموا علينا. ورأينا زنبيلا كبيراً معلّقاً في بعض أغصان الشجرة، فسألنا عن ذاك فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مرّتين ودعا له بطول العمر ستّ مرّات. فسألنا جميع أهل الضيعة أن ينزل الشيخ ونسمع كلامه وكيف رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وما يروي عنه. فتقدّم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل وكان ببكرة فأنزله فاذا هو مملوء بالقطن والشيخ في وسط القطن. ففتح رأس الزنبيل وإذا الشيخ فيه كالفرخ فحسر عن وجهه ووضع فمه على أذنه وقال: يا جدّاه، هؤلاء قوم قد قدموا من خراسان وفيهم شرفاء أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقد سألوا أن تحدّثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وماذا قال لك. فعند ذلك تنفّس الشيخ وتكلّم بصوت كصوت النحل بالفارسيّة ونحن نسمع ونفهم كلامه. فقال: سافرت مع أبي وأنا شابّ من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلمّا بلغنا بعض أودية مكّة وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل فرأيتُ غلاماً أسمر اللون مليح الكون حسن الشمائل وهو يرعى ابلا في تلك الأودية وقد حال السيل بينه وبين إبله وهو يخشى من خَوْض السيل لقوّته.
فعلمتُ حاله فأتيت إليه وحملته وخُضتُ السيل إلى عند إبله من غير معرفة سابقة. فلمّا وضعتُه عند إبله نظر إليّ وقال لي بالعربيّة: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك. فتركتُه ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكّة وقضينا ما كنّا أتينا له من أمر التجارة وعُدنا إلى الوطن. فلمّا تطاولت المدّة على ذلك كنّا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مُقمِرة ( و ) رأينا ليلة البدر ( والبدر ) في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشقّ نصفين فغرب نصفٌ في المشرق ونصفٌ في المغرب ساعةً زمانيةً، وأظلم الليل ثم طلع النصف من المشرق والنصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أوّل مرّة! فعجبنا من ذلك غايةَ العجب ولم نعرف لذلك سبباً. وسألنا الركبان عن خبر ذلك وسببهِ (ف) أخبرونا أن رجلا هاشمياً ظهر بمكّة وادّعى انّه رسول من الله إلى كافّة العالم وانّ أهل مكة سألوه معجزةً كمعجزة سائر الأنبياء وانّهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشقّ في السماء ويغرب نصفه في الغرب ونصفه في الشرق ثم يعود إلى ما كان عليه. ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى. فلمّا سمعنا ذلك من السّفار اشتقْتُ أن أرى المذكور فتجهّزتُ في تجارة وسافرتُ إلى أن دخلت مكّة وسألت عن الرجل الموصوف.
فدلّوني على موضعه فأتيت إلى منزله واستأذنتُ عليه، فأذن لي، ودخلت عليه فوجدته جالساً في صدر المنزل والأنوار تتلألأ في وجهه وقد استنارت محاسنه وتغيّرت صفاته التي كنت أعهُدها في السفرة الأولى فلم أعرفه. فلمّا سلّمت عليه نظر إليّ وتبسّم وعرفني وقال: وعليك السلام، ادْنُ منّي. وكان بين يديه طبقٌ فيه رطبٌ وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم يعظّمونه ويبجّلونه، فتوقّفت لهيبته، فقال ثانياً: ادنُ منّي وكلْ، الموافقة من المروءة والمنافقة من الزندقة. فتقدّمت وجلستُ وأكلت معهم من الرطب، وصار يناولني الرطب بيده المباركة إلى أن ناولني ستّ رطبات من سوى ما أكلت بيدي. ثمّ نظر إليّ وتبسّم وقال لي: ألم تعرفني؟ قلت: كأنّي، غير انّي ما أتحقّق. فقال: ألم تحملني في عام كذا وجاوزتَ بي السيل حين حال السيل بيني وبين إبلي؟
فعند ذلك عرفته بالعلامة وقلت له: بَلَى والله يا صبيح الوجه، فقال لي: امدُد إليّ يدك. فمددتُ يدي اليمنى إليه فصافحني بيده اليمنى وقال لي: قُل أشهد أن لا إلـه الّا الله وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. فقلت ذلك كما علّمني فسُرَّ بذلك. وقال لي عند خروجي من عنده: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك. فودّعتهُ وأنا مستبشر بلقائه وبالاسلام. فاستجاب الله دُعاء نبيّه صلى الله عليه وآله وسلّم وبارك في عمري بكلّ دعوة مائةَ سنة، وها عمري اليوم نيّف وست مائة سنة، لسنة أزداد في عمري بكلّ دعوة مائة سنة، وجميع من في هذه الضيعة العظيمة أولاد أولاد أولادي وفتح الله عليّ وعليهم بكلّ خير وبكلّ نعمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، انتهى(1) والحمد لله.
قال الصفدي بعد أن ذكر هذه الحكاية: قد رأيت بعض من توقّف في حديث هذا المعمّر وأدخل الشك فيه بطول عمره بهذا المقدار وتردّد في صدقه.
ثم ذكر انّ سبب شكّه من التجربة وكلام الطبيعيين وسوف يأتي بعد ذلك.
ثم ردّ ذلك الكلام بكلام أبي مشعر وابي الريحان وغيرهما من المنجّمين وسوف نذكرهم.
وقال: بقاء رتن هذا العمر الذي حكي عنه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم دعا لجماعة من اصحابه بكثرة الولد وطول العمر.. إلى أن قال: فليس جديداً أن يدعو له ست مرّات فيعيش ستمائة سنة مع امكان هذا الأمر، غاية ما في الباب اننا لم نر أحداً وصل إلى هذا الحد، وعدم الدليل لا يدلّ على عدم المدلول.(2)
وقال محمد بن عبد الرحمن بن علي الزمردي أخبرني القاضي معين الدين عبد المحسن بن القاضي جلال الدين عبد الله بن هشام بالحديث السابق سماعاً عليه قال: أخبرني بهذا قاضي القضاة المذكور في الخامس عشر من جُمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، ثمّ نقل عن الذهبي انّه يكذب هذه الدعوى ولم يذكر مستنداً، ونقل عن المجلّد الأول من كشكول الشيخ رضي الدين علي لألاء الغزنوي: انّ الشيخ المذكور توفّي في سنة اثنين وأربعين وستمائة، ونقل عن آخر الثلث الأخير للنفحات انّ هذا الشيخ يعني علي الغزنوي سافر إلى الهند وصاحب أبا الرضا رتن، واعطاه رتن مشطاً كان يعتقد انّه مشط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وذكر للمشط شأناً ليس هنا محلّ ذكره.(3)
وعلي اللألاء المذكور هو أخ (حكيم سنائي) الشاعر المشهور.
وقال في دوائر العلوم: أبو الرضا رتن بن أبي النصر معمّر الهندي قال بعض: انّه كان من الصحابة، له كتب، توفّي في الثالث من جمادى الأولى سنة اثنين وأربعين وستمائة.(4)
وروى الشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الاحسائي في أوّل كتاب عوالي اللئالي بأسانيده عن العلامة جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر قال: رويت عن مولانا شرف الدين، اسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم، عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي عن الشيخ صدر الدين الساوي، قال: دخلت على الشيخ بابا رتن وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فرفعهما عن عينيه فنظر إليّ وقال: ترى عيني هاتين؟ طالما نظرتا إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقد رأيته يوم حفر الخندق، وكان يحمل على ظهره التراب مع الناس، وسمعته يقول في ذلك اليوم: "اللهم انّي أسألك عيشة هنيئة، وميتة سوية، ومردّاً غير مخز ولا فاضح".(5)
وقال العالم الرباني مولانا محمد صالح المازندراني في شرح اصول الكافي:
"وقد رأيت خطّ العلامة الحلّي كتبه بيده، رابع عشر من شهر رجب سنة سبع عشرة وسبعمائة، رويت عن مولانا شرف الملة والدين(6)... إلى آخر ما نقلناه عن الغوالي.
والظاهر من ذلك انّه من امثاله ولو لم يكن مطمئناً لما نقل مثل هذا الخبر العجيب بحسب السند.
ويظهر ان لا مستند لتضعيف الشيخ البهائي وتكذيبه(7) الّا كلام الذهبي صاحب رسالة (كسر وثن بابا رتن) ولم يكن له مستند غير الاستبعاد والله العالم.
عبد الله اليمني:
قال صالح بن عبد الله كان من المعمّرين ورأيته سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فقال: رأيت سلمان الفارسي رضي الله عنه وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: " حبّ الدنيا رأس كل خطيئة ورأس العبادة حسن الظنّ بالله".(8)
عبد المسيح بن مقيلة:
قال في المستطرف: عاش ثلاثمائة وعشرين سنة وأدرك الاسلام.(9)
شق الكاهن المعروف:
عاش ثلاثمائة سنة.(10)
اوس بن ربيعة بن كعب:
عاش مائتي وأربع عشرة سنة.(11)
ثوب بن صداق العبدي:
مائتي سنة.(12)
مروانة (رواعد) بن كعب:
ثلاثمائة سنة.(13)
عبيد بن الأبرص:
ثلاثمائة سنة.(14)
زهير بن هبل بن عبد الله:
ثلاثمائة سنة.(15)
عمر بن عامر ماء السماء:
ثمانمائة سنة.(16)
هبل بن عبد الله بن كنانة:
ستمائة سنة.(17)
المستوغر بن ربيعة:
ثلاثمائة وثلاثين سنة.(18)
دريد ابن نهد:
اربعمائة وخمسون سنة.(19)
تيم (الله) عكاية:
مائتي سنة.(20)
معدي كرب:
مائتي وخمسون سنة.(21)
شرية بن عبد الله الجبعي:
ثلاثمائة سنة.(22)
ذو الأصبع العدواني:
ثلاثمائة سنة.(23)
جعفر بن قبط:
ثلاثمائة سنة.(24)
مهن بن عنان:
مائتي وخمسون سنة.(25)
صيفي بن رياح:
أبو اكثم المعروف بذي الحلم: مائتي وسبعون سنة.(26)
اكثم بن صيفي:
ثلاثمائة سنة.(27)
عامر بن الطرب العدواني:
ثلاثمائة سنة.(28)
مربع بن ضبع:
مائتي وأربعون سنة.(29)
عمرو بن حميمة الدوسي:
اربعمائة سنة.(30)
معمّر المشرقي:
الساكن سهرورد وقد أدرك أمير المؤمنين عليه السلام، ونقل العلامة الكراجكي في كنز الفوائد عن جماعة من أهل السنة وأهل ذلك البلد انّهم رأوه حدود سنة أربعمائة وخمسين وصدّقوا طول عمره ولقاءه أمير المؤمنين عليه السلام.(31)
الحارث بن مضاض:
عمّر أربعمائة سنة.(32)
وقد ذكرت أخبار وأشعار هذه الجماعة مفصّلة في كمال الدين(33)، وغرر السيد المرتضى(34)، وكنز الكراچكي(35)، وغيبة الشيخ الطوسي(36)، وليست هناك مهمة في نقلها.
أبو بكر عثمان بن خطاب بن عبد الله بن العوام:
روى الشيخ الطوسي في مجالسه(37) عن ابراهيم بن الحسن بن جمهور قال: حدّثني أبو بكر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ستّ وسبعين وثلاثمائة قال: اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن العوّام بمصر في سنة ستّ عشر وثلاث مائة وقد ازدحم الناس عليه حتى رقي به إلى سطح دار كبيرة كان فيها، ومضيت إلى مكة ولم أزل أتبعه إلى مكّة إلى أن كتبت عنه خمسة عشر حديثاً وذكر انّه ولد في خلافة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة وانّه لما كان في زمن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام خرجت ووالدي معي اُريد لقاءه فلمّا صرنا قريباً من الكوفة أو الأرض التي كان بها عطشنا عشطاً شديداً في طريقنا وأشرفنا على التلف وكان والدي شيخاً كبيراً فقلت له: اجلس حتى أدور الصحراء أو البريّة فلعلّي أقدر على ماء أو من يدلّني عليه أو ماء مطر.
فقصدت أطلب ذلك فلم ألبث عنه غير بعيد إذ لاح لي ماء فصرت إليه فاذا أنا ببئر شبه الركيّة أو الوادي فنزعت ثيابي واغتسلت من ذلك الماء وشربت حتى رويت وقلت: أمضي وأجيء بأبي فانّه قريب منّي فجئت إليه فقلت: قم فقد فرّج الله عزّ وجلّ عنّا وهذه عين ماء قريب منّا فقام فلم نر شيئاً ولم نقف على الماء وجلس وجلست معه ولم يضطرب إلى أن مات، واجتهدت إلى أن واريته وجئت إلى مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولقيته وهو خارج إلى صفّين وقد اُخرجت له البغلة فجئت وأمسكت له الركاب فالتفت إليّ فانكببت أقبّل الركاب فشجّني في وجهي شجّة.
قال أبو بكر المفيد: ورأيت الشجّة في وجهه واضحة. ثمّ سألني عن خبري فأخبرته بقصّتي وقصّة والدي وقصّة العين فقال: عين لم يشرب منها أحد إلّا وعمّر عمراً طويلا فأبشر فانّك تعمّر وما كنت لتجدها بعد شربك منها وسمّاني بالمعتمر.
قال أبو بكر المفيد: فحدّثنا عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالأحاديث وجمعتها ولم تجتمع لغيري منه وكان معه جماعة مشايخ من بلده وهي طنجة.
فسألتهم عنه فذكروا انّهم من بلده وانّهم يعرفونه بطول العمر وآباؤهم وأجدادهم بمثل ذلك واجتماعه مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وانّه توفّي في سنة سبع عشر وثلاث مائة.(38)
ومن المحتمل انّ العبارة الأخيرة ليست جزءاً من الخبر لأن العلامة الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد يقول في كنز الفوائد:
" وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال معمّر بن أبي الدنيا المغربي المعروف بالأشج وانّه باقي من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الآن، وانّه مقيم في ديار المغرب في أرض طنجة، وروى الناس له في هذه الديار وقد عبر متوجهاً إلى الحج والزيارة، وروايتهم عنه حديثه وقصّته وأحاديث سمعها من أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه وقوله انّه كان ركابياً بين يديه، ورواية الشيعة انّه يبقى إلى أن يظهر صاحب الزمان صلوات الله عليه، وكذلك حال المعمّر الآخر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها سهرورد إلى الآن، ورأينا جماعة رأوه وحدّثوا حديثه وانّه كان ايضاً خادماً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، والشيعة تقول انّهما يجتمعان عند ظهور الامام المهدي عليه وعلى آبائه السلام".(39)
وطبق ذيل هذا الحديث، فلا أصل في انّه توفي; والكراجكي الذي كان ساكن مصر أعرف به من المفيد الجرجرائي وأمثاله.
علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مزيد معمّر المغربي المعروف بأبي الدنيا، أو ابن أبي الدنيا:
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن ابي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري(40) عن(41) محمد بن القاسم(42) وعلي بن الحسن(43) قالا:(44) " لقينا بمكة رجلا من اهل المغرب، فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاثمائة، فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنّه شنٌّ بال(45) وحوله جماعة من أولاده، وأولاد أولاده، ومشايخ من أهل بلده ذكروا انّهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا وشهد هؤلاء المشايخ انّهم(46) سمعوا آباءَهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم انّهم(47) عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمّر واسمه علي بن عثمان ابن خطّاب بن مرّة بن مؤيّد، وذكر انّه همداني وانّ أصله من صعد اليمن، فقلنا له: أنت رأيت عليّ بن أبي طالب؟ فقال: ففتح عينيه بيده وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنّهما سراجان فقال: رأيته بعينيّ هاتين وكنت خادماً له، وكنت معه في وقعة صفّين، وهذه الشجّة من دابّة علي عليه السلام وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن، وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر وانّهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا.
الهوامش
(1) راجع صلاح الدين الصفدي في (الوافي بالوفيات): ج 14، ص 99 إلى 102 ـ وقد نقلت الحكاية في فوات الوفيات: ج 1، ص، 324، تحت رقم 128 ـ وكذلك في الاصابة (لابن حجر العسقلاني) مع تفصيل كثير: ج 1، ص 532 إلى 538 ـ وكذلك نقله ابن حجر في (لسان الميزان): ج 2، ص 556 ـ 562.
(2) أقول في الوافي بالوفيات: ج 14، ص 102، بعد أن نقل تلك الحكاية قال: وذكر عبد الوهاب القارئ الصوفي انّه توفّي في حدود سنة اثنتين وثلاثين وست مائة. وذكر النجيب عبد الوهاب ايضاً انّه سمع من الشيخ محمود ( بن ) بابا رتن، وانّه بقي إلى سنة تسع وسبع مائة، وانّه قدم عليهم شيراز، وذكر انّه ابن مائة وست وسبعين عاماً، وانّه تأهّل ورُزق أولاداً.
قال الشيخ شمس الدين: مَنْ صدّق هذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن فما لنا فيه طِبٌّ، فليعلم انني أوّل من كذّب بذلك وانني عاجز منقطعٌ معه في المناظرة. وما أبعدَ أن يكون جنّيٌ تبدّى بأرض الهند وادّعى ما ادّعى فصدّقوه! لا بل هذا شيخ معثَّر دجّال كذب كذبةً ضخمةً لكي تنصلح خائبة الضياع، وأتى بفضيحة كثيرة والذي يُحلَف به انّه رتن لكذّاب قاتله الله انّى يؤفك. وقد أفردتُ جزءً فيه أخبار هذا الضالّ سمّيته (كسر وثن رتن).
وقال لي الشيخ علم الدين البرزالي وقد سألته عن هذا الحديث فقال لي: هو من أحاديث الطُرُقيّة.
(3) لعدم وجود المصدر لدينا حالياً فقد ترجمنا النص.
(4) لعدم وجود المصدر لدينا حالياً فقد ترجمنا النص.
(5) راجع غوالي اللئالي (لابن أبي جمهور): ج 1، ص 28 و29 ـ وراجع بحار الأنوار: ج 51، ص 258، عنه.
(6) راجع شرح أصول الكافي (المولى محمد صالح المازندراني): ج 2، ص 380.
(7) راجع الأربعين (الشيخ البهائي): ص 146 - 147، قال: " وقد ظهر في الهند بعد الستمائة من الهجرة شخص اسمه باب رتن ادّعى انّه من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انّه عمّر إلى ذلك الوقت، وصدّقه جماعة، واختلق احاديث كثيرة زعم انّه سمعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، قال صاحب القاموس سمعنا تلك الأحاديث من اصحاب أصحابه وقد صنف الذهبي كتاباً في تبيين كذب ذلك اللعين سمّاه كسر وثن بابا رتن " انتهى.
(8) راجع غوالي اللئالي (ابن ابي جمهور الاحسائي): ج 1، ص 27 وعنه باسناده قال ابو العباس: حدّثني السيد السعيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد قال: روى لي الخطيب الواعظ الاستاذ الشاعر يحيى بن النحل الكوفي الزيدي مذهباً عن صالح بن عبد الله اليمني، كان قدم الكوفة، قال يحيى: ورأيته بها سنة أربع وثلاثين وسبعمائة عن أبيه عبد الله اليمني وانّه كان من المعمّرين وأدرك سلمان الفارسي رضي الله عنه وانّه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: " حبّ الدنيا رأس كل خطيئة، ورأس العبادة حسن الظنّ بالله ".
ورواه عنه في البحار: ج 51، ص 258 ـ ورواه المؤلف رحمه الله في المستدرك: ج 2، ص 331، الطبعة الحجرية.
(9) المستطرف في كلّ فنّ مستظرف (شهاب الدين محمد بن احمد بن أبي الفتح الابشيهي): ج 2، ص 75.
(10) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 551 ـ وعنه في البحار: ج 51، ص 236.
(11) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 555 ـ وعنه في البحار: ج 51، ص 237.
(12) هكذا في الترجمة ولعلّه في الغيبة (الطوسي): ص 116 " ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو عاش مائتي سنة وعشرين " أو " سيف بن وهب الطائي عاش مائتي سنة " كما في كنز الفوائد (الكراچكي): ص 262.
(13) في كنز الفوائد للكراجكي: ربيعة بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وأدرك الاسلام فأسلم وكان شاعراً.
ولعلّه (رداءة بن كعب)، قال الصدوق (كمال الدين): ج 2، ص 556 " وعاش رداءة بن كعب بن ذهل بن قيس النخعي ثلاثمائة سنة " ونقل له شعراً.
(14) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 558 " وعاش عبيد بن الأبرص ثلاثمائة سنة " فقال:
فنيت وافناني الزمان واصبحت * * * لداتي بنو نعش وزهر الفراقد
(15) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 560 " وعاش زهير بن حباب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي ثلاثمائة سنة ".
(16) قال الشيخ الطوسي في (الغيبة): ص 124 " عمرو بن عامر فريقيا روى الاصفهاني عن عبد المجيد بن أبي عيسى الأنصاري والشرقي بن قطامي انّه عاش ثمانمائة سنة... الخ " ـ والصدوق في (كمال الدين): ج 2، ص 560 ـ وفي البحار: ج 51، ص 290.
(17) قال الكراجكي في كنز الفوائد: ص 261 " هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي عاش ستمائة وسبعين سنة ".
(18) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 249، الطبعة الحجرية، وقال: " المستوغر بن ربيعة بن كعب عاش ثلاثمائة وثلاثاً وثلاثين سنة... وذكر بعض أشعاره " ـ وراجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 561، وفيه ثلاثمائة وثلاثين.
(19) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 561 " وعاش دويد بن زيد بن نهد أربعمائة سنة وخمسين سنة وذكر شعراً له ووصية لبنيه ـ وكنز الفوائد (الكراجكي): ص 250 وفيه " دريد بن زيد بن فهد القضاعي " ـ الغيبة (الطوسي): ص 120 وفيه " دويد بن نهد بن زيد ".
(20) قال الكراجكي في كنز الفوائد: ص261 " تيم ابن ثعلبة بن عكاية الربعي عاش مائتي سنة " ـ وفي كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 561 " تيم الله بن ثعلبة بن عكاية ".
(21) قال الكراجكي في كنز الفوائد: ص 261 " معدي كرب الحميري من آل رعين عاش مائتين وخمسين سنة " ـ وراجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 562.
(22) قال الكراجكي في كنز الفوائد: ص 261 " شرية بن عبد الله الجعفي من سعد العشيرة عاش ثلاثمائة سنة " ـ وراجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 562.
(23) راجع المستطرف: ج 2، ص 75 " ومن المعمّرين ذو الأصابع العذري عاش مائتين وعشرين سنة، وهو أحد حكماء العرب في الجاهليّة " ـ وفي كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 567 " وعاش ذو الأصبع العدواني واسمه حرثان بن الحارث بن محرّث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن الضراب بن عثمان ثلاثمائة سنة " ـ وفي كنز الفوائد (الكراجكي): ص 251.
(24) قال الكراجكي في كنز الفوائد: ص 261 " جعفر بن قرط الجهني عاش ثلاثمائة سنة وأدرك الاسلام وأسلم " ـ وفي كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 567 " وعاش جعفر بن قبط ثلاثمائة سنة وأدرك الاسلام " والأصوب (قرط) كما في كتب الأنساب.
(25) في كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 567 " وعاش محصن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي مائتين وخمسين سنة ".
(26) قال الكراجكي في (كنز الفوائد): ص 250 " صيفي بن رياح بن اكثم عاش مائتي سنة وسبعين سنة ولا ينكر من عقله شيء وزعم بعض الرواة انّه ذو الحلم الذي قال له الملتمس اليشكري: لذي الحلم من قبل ما تقرع العصا وما علم الانسان الّا ليحلما ".
(27) قال الكراجكي في (كنز الفوائد): ص 249 " اكثم بن صيفي الأسدي التميمي وكان حكيماً مقدماً ولم تكن العرب تفضل عليه أحداً عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين " ونقل بعض أشعاره وأحواله.
(28) قال الصدوق في (كمال الدين): ج 2، ص 567 " وعاش عامر بن الظرب العدواني ثلاثمائة سنة " ـ وفي كنز الفوائد (الكراجكي): ص 251 " عامر بن الطرب العدواني ".
(29) قال الكراجكي في (كنز الفوائد): ص 249 " ربيع بن ضبع بن وهب بن بعيض بن مالك بن سعد بن عدي بن قرادة عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ولم يسلم.. ثم نقل بعض أشعاره.
(30) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 250 " عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة " ونقل بعض أشعاره وأحواله.
(31) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 262، قال رحمه الله: " وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال المعمّر ابي الدنيا المغربي... وكذلك حال المعمّر الآخر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها سهرورد إلى الآن ورأينا جماعة رأوه وحدّثوا حديثه وانّه ايضاً كان خادماً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه والشيعة تقول انهما يجتمعان عند ظهور الامام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام ".
(32) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 251.
(33) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 524، باب ما جاء في التعمير، إلى ص 576.
(34) راجع الأمالي (السيد المرتضى): ج 1، ص 167 (باب ذكر شيء من اخبار المعمّرين وأشعارهم ومستحسن كلامهم)، ص 197، ط 1325 هـ 1907م، القاهرة.
(35) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 244، ص 267، الطبعة الحجرية.
(36) راجع الغيبة (الطوسي): ص 113 إلى 126، الطبعة المحققة.
(37) لا يوجد في مجالس الشيخ الطوسي المطبوع ولعلّ المؤلف نقله عن البحار للمجلسي رحمه الله حيث قال: " مجالس الشيخ: عن المفيد... الخ ".
(38) البحار: ج 51، ص 260 ـ 261، عن مجالس الشيخ الطوسي.
(39) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 262.
(40) في المصدر المطبوع (السجزي)، ولكن في الترجمة وفي البحار ما اثبتناه.
(41) في المصدر المطبوع (قال حدّثنا).
(42) في المصدر المطبوع (أبو بكر محمد بن الفتح الرقي).
(43) في المصدر المطبوع (وأبو الحسن علي بن الحسن بن الاشكي) ـ وفي البحار (علي بن الحسن بن جنكاء اللائكي ختن أبي بكر).
(44) في البحار (قال).
(45) شنّ بال: قال الجوهري في الصحاح: ج 5، ص 2146 " الشنُّ: القربة الخَلَق، وهي الشنّة ايضاً، وكأنّها صغيرة " انتهى ـ والبالي: الخَلِق.
(46) في المصدر المطبوع (أنا) بدل (انّهم).
(47) في المصدر المطبوع (أنا) بدل (انّهم).
******************
ثمّ انّا فاتحناه وسألناه عن قصّته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له، ويجيب عنه بلبّ وعقل، فذكر انّه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وانّها تجري في الظلمات وانّه من شرب منها طال عمره، فحمله الحرص على دخول الظّلمات فتزوّد وحمل حسب ما قدّر انّه يكتفي به في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدّة جمال لبون وروايا وزاداً وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظّلمات ثمّ دخلنا الظّلمات، فسرنا فيها نحو ستّة أيام بلياليها وكنّا نميّز بين الليل والنهار بأنّ النهار كان أضوء قليلا وأقلّ ظلمة من الليل.
فنزلنا بين جبال وأودية وركوات وقد كان والدي رحمه الله يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنّه وجد في الكتب التي قرأها انّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياماً حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولو لا انّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشاً وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد ناراً ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع الينا.
فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الأياس عزم على الانصراف حذراً من التلف لفناء الزاد والماء، والخدم الذين كانوا معنا أوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحّوا على والدي بالخروج من الظلّمات فقمت يوماً من الرّحل لحاجتي فتباعدت من الرّحل قدر رمية سهم، فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير يجري جرياً ليّناً فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثاً فوجدته عذباً بارداً لذيذاً، فبادرت مسرعاً إلى الرّحل فبشّرت الخدم بأنّي قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب والأداوي لنملأها، ولم أعلم انّ والدي في طلب ذلك النهر، وكان سروري بوجود الماء، لما كنّا فيه من عدم الماء وكان والدي في ذلك الوقت غائباً عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هويّة في طلب النهر فلم نهتد إليه حتّى انّ الخدم كذّبوني وقالوا لي: لم تصدّق.
فلمّا انصرفت إلى الرّحل وانصرف والدي أخبرته بالقصّة فقال لي: يا بنيّ! الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمّل الخطر كان لذلك النهر، ولم اُرزق أنا وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتى تملّ الحياة، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سنيّات ثمّ مات رحمه الله.
فلمّا بلغ سنّي قريباً من ثلاثين سنة وكان قد اتّصل بنا وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ووفاة الخليفتين بعده خرجت حاجّاً فلحقت آخر أيّام عثمان.
فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائع، وفي وقعة صفّين أصابتني هذه الشجة من دابّته، فما زلت مقيماً معه إلى أن مضى لسبيله عليه السلام فألحّ عليّ أولاده وحرمه أن اُقيم عندهم فلم اُقم، وانصرفت إلى بلدي وخرجت ايام بني مروان حاجّاً وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية، ما خرجت في سفر إلّا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخّصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعمّا شاهدت، وكنت أتمنّى وأشتهي أن أحجّ حجّة اُخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي، وذكر انّه قد سقطت أسنانه مرّتين أو ثلاثة.
فسألناه أن يحدّثنا بما سمع من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فذكر انّه لم يكن له حرص ولا همّة في طلب العلم وقت صحبته لعليّ بن أبي طالب عليه السلام والصحابة أيضاً كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى علي عليه السلام ومحبّتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته والذي كنت اتذكّره ممّا كنت سمعته منه قد سمعه منّي عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دوّنوه، فأخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملي علينا من خطّه:
حدّثنا أبو الحسن عليّ بن عثمان بن خطّاب بن مرّة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا معمّر المغربي رضي الله عنه حيّاً وميّتاً قال: حدّثنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني.(1)
ونقل ايضاً عدّة أحاديث اُخرى.
ونقل الصدوق عنهما: انّ السلطان بمكّة لمّا بلغه خبر أبي الدنيا تعرّض له، وقال: لابدّ أن اُخرجك إلى بغداد إلى حضرة امير المؤمنين المقتدر فانّي أخشى أن يعتب عليّ إن لم اُخرجك معي، فسأله الحاجّ من أهل المغرب وأهل مصر والشام أن يعفيه من ذلك ولا يشخصه فانّه شيخ ضعيف ولا يؤمن ما يحدث عليه، فأعفاه. قال أبو سعيد:(2) ولو انّي أحضر الموسم تلك السنة لشاهدته وخبره كان شائعاً مستفيضاً في الأمصار وكتب عنه هذه الأحاديث المصريّون والشاميّون والبغداديّون، ومن سائر الأمصار من حضر الموسم وبلغه خبر هذا الشيخ.(3)
قصة الشيخ بنحو آخر:
وهو أصحّ وأتقن من الخبر السابق وقد اعتمد عليه الشيخ الصدوق، فروى عن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فيما أجازه لي ممّا صحّ عندي من حديثه، وصحّ عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن بن اسحاق بن الحسين بن اسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام عنه انّه قال: حججت في سنة ثلاث عشر وثلاث مائة وفيها حجّ نصر القشوري صاحب المقتدر بالله ومعه عبد الرحمن بن عمران(4) المكنّي بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في ذي القعدة فأصبت قافلة المصريّين وبه(5) أبو بكر محمد بن علي المادرائي ومعه رجل من أهل المغرب، وذكر انّه رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فاجتمع عليه الناس وازدحموا وجعلوا يتمسحون به وكادوا يأتون على نفسه فأمر عمّي أبو القاسم طاهر بن يحيى(6) فتيانه وغلمانه فقال: افرجوا عنه الناس ففعلوا وأخذوه وأدخلوه دار أبي سهل الطفّي وكان عمّي نازلها فاُدخل، وأذن للناس فدخلوا، وكان معه خمسة نفر ذكر انّهم أولاد أولاده فيهم شيخ له نيّف وثمانون سنة فسألناه عنه فقال: هذا ابن ابني وآخر له سبعون سنة فقال: هذا ابن ابني واثنان لهما ستّون سنة أو خمسون أو نحوها وآخر له سبعة عشر سنة فقال: هذا ابن ابن ابني ولم يكن معه فيهم أصغر منه وكان إذا رأيته قلتَ: ابن ثلاثين أو أربعين سنة، أسود الرأس واللحية ضعيف الجسم(7) آدم ربع من الرجال خفيف العارضين إلى القصر أقرب.
قال أبو محمد العلويّ: فحدّثنا هذا الرجل واسمه علي بن عثمان بن الخطّاب ابن مرّة بن مؤيد بجميع ما كتبناه عنه وسمعناه من لفظه وما رأينا من بياض عنفقته(8) بعد اسودادها ورجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.
قال أبو محمد العلوي: ولو لا انّه حدّث جماعة من أهل المدينة من الأشراف والحاجّ من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الآفاق ما حدّثت عنه بما سمعت، وسماعي منه بالمدينة ومكّة في دار السهميّين في الدار المعروفة بالمكتوبة(9) وهي دار عليّ بن عيسى الجرّاح وسمعت منه في مضرب القشوريّ ومضرب المادرائي (ومضرب أبي الهيجاء وسمعت منه بمنى وبعد منصرفه من الحجّ بمكّة في دار المادرائي)(10) عند باب الصفا.
وأراد القشوريّ حمله وولده إلى بغداد إلى المقتدر فجاءه فقهاء أهل مكّة فقالوا: أيّد الله الأستاذ، إنّا روينا في الأخبار المأثورة عن السلف انّ المعمّر المغربي إذا دخل مدينة السلام افتتنت(11) وخربت وزال الملك فلا تحمله وردّه إلى المغرب، فسألنا مشايخ أهل المغرب ومصر فقالوا: لم نزل نسمع من آبائنا ومشايخنا يذكرون اسم هذا الرجل واسم البلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وذكروا انّه كان يحدّثهم بأحاديث قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا.
قال أبو محمد العلوي: فحدّثنا هذا الشيخ أعني عليّ بن عثمان المغربي بدو خروجه من بلده من حضرموت، وذكر انّ أباه خرج هو وعمّه وأخرجا به معهما يريدون الحجّ وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فخرجوا من بلادهم من حضرموت وساروا أياماً ثمّ أخطأوا الطريق وتاهوا عن المحجّة فأقاموا تائهين ثلاثة أيّام وثلاث ليال على غير محجّة، فبينا هم كذلك إذ وقعوا في جبال رمل يقال له: رمل عالج، يتّصل برمل إرم ذات العماد فبينا نحن كذلك إذ نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها فأشرفنا على واد وإذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين.
قال: فلمّا نظرا الينا قام أحدهما فأخذ دلواً فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر واستقبلنا فجاء إلى أبي فناوله الدلو، فقال أبي: قد أمسينا ننيخ على هذا الماء ونفطر ان شاء الله فصار إلى عمّي فقال: اشرب فردّ عليه كما ردّ عليه أبي فناولني فقال لي: اشرب فشربت، فقال لي: هنيئاً لك فانّك ستلقى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخبره ايّها الغلام بخبرنا وقل له الخضر والياس يقرآنك السلام، وستعمّر حتّى تلقى المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام فاذا لقيتهما فاقرأهما السلام، ثمّ قالا: ما يكون هذان منك فقلت: أبي وعمّي، فقالا: أمّا عمّك فلا يبلغ مكّة، وأمّا أنت وأبوك فستبلغان ويموت أبوك فتعمّر أنت، ولستم تلحقون النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأنه قد قرب أجله ثمّ مرّ(12)، فو الله ما أدري أين مرّا أفي السماء أو في الأرض، فنظرنا وإذا لا أثر ولا عين ولا ماء، فسرنا متعجّبين من ذلك إلى أن رجعنا الى نجران فاعتلّ عمّي ومات بها، وأتممت أنا وأبي حجّنا ووصلنا إلى المدينة فاعتلّ بها أبي ومات، وأوصى إلى عليّ ابن أبي طالب عليه السلام فأخذني وكنت معه أيّام أبي بكر وعمر وعثمان وخلافته حتّى قتله ابن ملجم لعنه الله. وذكر انّه لمّا حوصر عثمان بن عفّان في داره دعاني فدفع إليّ كتاباً ( ونجيباً وأمرني بالخروج إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكان غائباً بينبع في ماله وضياعه فأخذت الكتاب وصرت إلى موضع يقال له جدار أبي عباية. سمعت قرآناً فاذا علي بن أبي طالب عليه السلام يسير مقبلا من ينبع وهو يقول: (أَفَحَسِبْتُمْ اِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَانَّكُمْ اِلَيْنَا لاَ ترْجَعُون).
فلمّا نظر إليّ قال: أبا الدّنيا ما وراك؟ قلت: هذا كتاب أمير المؤمنين فأخذه فقرأه فاذا فيه:
فإن كنتُ مأكولا فكن أنت آكلي * * * وإلّا فأدركني ولمّا اُمزَّق
فلمّا قرأه قال: سر، فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفّان فمال إلى حديقة بني النجار وعلم النّاس بمكانه فجاؤا إليه ركضاً وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله، فلمّا نظروا إليه ارفضّوا إليه ارفضاض الغنم شدّ عليها السبع فبايعه طلحة ثمّ الزبير ثمّ بايع المهاجرون والأنصار.
فأقمت معه أخدمه)(13) فحضرت معه الجمل وصفّين وكنت بين الصفّين واقفاً عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه وأرفعه إليه وكان لجام دابّته حديداً مزجّجاً فرفع الفرس رأسه فشجّني هذه الشجّة التي في صدغي فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب فتركه عليها فو الله ما وجدت لها ألماً ولا وجعاً، ثمّ أقمت معه حتّى قتل صلوات الله عليه وصحبت الحسن بن عليّ عليه السلام حتّى ضرب بساباط المدائن، ثمّ بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسين عليه السلام حتّى مات الحسن عليه السلام مسموماً (سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ لعنها الله دسّاً من معاوية)(14) ثمّ خرجت مع الحسين بن عليّ عليه السلام حتى حتى حضر كربلاء وقتل عليه السلام وخرجت هارباً من بني أميّة، وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام.
قال أبو محمد العلويّ رضي الله عنه: ومن عجيب ما رأيت من هذا الشيخ عليّ بن عثمان وهو في دار عمّي طاهر بن يحيى رضي الله عنه وهو يحدّث بهذه الأعاجيب وبدو خروجه فنظرت إلى عنفقته وقد احمرّت ثمّ ابيضّت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنّه لم يكن في لحيته ولا في رأسه ولا في عنفقته بياض (البتّة).(15)
قال: فنظر إلى نظري إلى لحيته وعنفقته فقال: ما ترون؟ انّ هذا يصيبني إذا جعت فاذا شبعت رجعت إلى سوادها، فدعا عمّي بطعام وأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ وكنت أنا أحد من جلس عليها فأكلت معه ووضعت المائدتان في وسط الدار وقال عمّي للجماعة: بحقّي عليكم الّا أكلتم وتحرّمتم بطعامنا فأكل قوم وامتنع قوم، وجلس عمّي على يمين الشيخ يأكل ويلقي بين يديه فأكل أكل شابّ وعمّي يخلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته وهي تسودّ حتى(16) عادت إلى سوادها حين شبع!
فحدّثنا علي بن عثمان بن خطّاب قال: حدّثني عليّ بن أبي طالب عليه السلام وذكر الخبر المتقدّم في مدح أهل اليمن.(17)
قصة الشيخ المذكور بنحو ثالث:
قال العلامة الكراجكي في كنز الفوائد:
"حدّثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني بمصر في شوال سنة سبع وأربعمائة، قال: أخبرنا الشريف ابو القاسم ميمون بن حمزة الحسيني قال: رأيت المعمّر المغربي وقد اُتي به إلى الشريف ابي عبد الله محمد بن اسماعيل سنة عشر وثلاثمائة واُدخل إلى داره ومن معه وهم خمسة رجال واُغلقت الدار وازدحم الناس، وحرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت لكثرة الزّحام فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد الله محمد بن اسماعيل وهما قنبر وفرج فعرفتهما انّي اشتهي انظره فقالا لي: دُرْ إلى باب الحمّام بحيث لا يدرى بك فصرت إليه ففتحا لي سرّاً ودخلت واُغلق الباب، وحصلت في مسلخ الحمّام وإذا قد فُرش له ليدخل الحمام فجلست يسيراً فاذا به قد دخل رجل نحيف الجسم ربع من الرّجال خفيف العارضين ادم اللون إلى القصير أقرب ما هو أسود الشّعر يقدّر الانسان انّ له نحواً من أربعين سنة وفي صدغة اثر كأنّه ضربة فلمّا تمكّن من الجلوس والنفر معه وأراد خلع ثيابه قلت ما هذه الضربة؟ فقال: أردت أناول مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام السّوط يوم النهروان فنفض الفرس رأسه فضربني اللجام وكان مدمج(18) فشجّني فقلت له أَدَخَلْتَ هذه البلدة قديماً، قال: نعم، وكان موضع جامعكم السّفلاني مبقلة وفيها بئر فقلت: هؤلاء أصحابك، فقال: ولدي وولد ولدي، ثمّ دخل الحمام فجلست حتى خرج ولبس ثيابه فرأيت عنفقته قد ابيضّت فقلت له كان بها صباغ، قال: لا ولكن إذا جعت ابيضّت وإذا شبعت اسودّت، فقلت: قم ادخل الدّار حتى تأكل فدخل الباب.(19)
ثم نقل أبي محمد العلوي المذكور سابقاً قال: " فما سمعت(20) من حديثه الذي حدّث الناس به انّه قال: خرجت من بلدي أنا وأبي وعمّي نريد الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وكنّا مشاة في قافلة فانقطعنا عن الناس واشتدّ بنا العطش وعدمنا الماء وزاد بأبي وعمّي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة ومضيت التمس لهما ماءً فوجدت عيناً حسنة وفيها ماء صاف في غاية البرد والطيبة فشربت حتى ارتويت ثمّ نهضت لآتي بأبي وعمّي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات وتركته بحاله، وأخذت الآخر ومضيت به في طلب العين فاجتهدت أن أراها فلم أرها ولا عرفت موضعها، وزاد العطش به فمات، فحرصت في أمره حتى واريته وعدت الى الآخر فواريته ايضاً، وسرت وحدي إلى أن انتهيت الطريق ولحقت بالناس ودخلنا المدينة، وكان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فرأيت الناس منصرفين من دفنه، فكانت أعظم الحسرات دخلت بقلبي، ورآني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحدّثته حديثي فأخذني...(21) إلى آخر ما تقدّم برواية الصدوق. ثمّ قال الكراجكي:
"حدّثني القاضي أبو الحسن أسد بن ابراهيم السلمي الحرّاني، وأبو عبد الله الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي، قالا جميعاً: أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد المعروف بالمفيد لقراءتي عليه بجرجرايا.
وقال الصيرفي: سمعت منه املاءاً سنة خمس وستين وثلاثمائة.
قال: حدّثنا علي بن عثمان بن الخطّاب بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها: مزيدة يعرف بأبي الدنيا الأشجّ المعمّر، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم (يقول)(22): كلمة الحق ضالّة المؤمن حيث وجدها فهو أحقّ بها...".(23)
وقد نقل اثني عشر خبراً بهذا السند، ثم قال:
" قال أبو بكر المعروف بالمفيد: رأيت أثر الشجّة في وجهه، وقال: أخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي وقصّتي في سفري وموت أبي وعمّي والعين التي شربت منها وحدي، فقال: هذه عين لم يشرب منها أحد الّا عمّر عمراً طويلا، فأبشر فانّك تعمّر ما كنت لتجدها بعد شربك منها".(24)
وقال الكراجكي:
"فأما الأحاديث التي رواها عن الأشج أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني مما لم يروه أبو بكر محمد بن احمد الجرجرائي فهي:
قال الشريف أبو محمد: حدّثني علي بن عثمان المعمر الأشج..."(25) ثمّ نقل الخبر الذي في مدح اليمن، ونقل الشريف خبراً آخر.
يقول المؤلف:
انّ الهدف من هذه الاطالة هو دفع وهم تعدد هذا المغربي مع ذلك المغربي الذي نقلناه عن مجالس الشيخ، فانّه قد يبدو تعدّده في البداية، وقد عنونّاه نحن بعناوين، بل قال المحدّث الجليل السيد عبد الله سبط المحدّث الجزائري في اجازته الكبيرة بعد العبارة التي نقلناها في صدر هذه الحكاية:
"وأما ما نقله الشيخ في مجالسه عن أبي بكر الجرجاني: انّ المعمّر المقيم ببلدة طنجة توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة، فليس بمناف شيئاً لأنّ الظاهر انّ احدهما غير الآخر لتغاير اسميهما وقصتيهما وأحوالهما المنقولة".(26)
ولكن الحق اتّحادهما; أما تغاير الاسم فقد علمت انّ الكراجكي نقل عن نفس هذا المفيد الجرجرائي انّ اسمه (علي بن عثمان بن خطاب); وعليه فيعرف إنّه سقط من مجالس الشيخ اوّل نسب علي، والاختلاف في بعض الأجداد في مثل هذه الحكايات كثير.
وإذا كان اختلاف القصّة سبباً لتعدّدها وذلك لأنهم كانوا أربعة أشخاص; فان اتحادهما بالاسم والأب والبلد ـ وهي المغرب، ولعلّ مزيدة من توابع طنجة ـ وشرب ماء الحياة، وشجّ رأسه من دابة أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفين أو النهروان، وقرب عصر ملاقاته، وموت أبيه في الطريق وغير ذلك، فانها لا يمكنها أن تعطي احتمال تعدّدهما.
ويظهر من العلامة الكراجكي القطع باتحادهما كما هو الظاهر من كلامه المنقول. ونقل خبر وفاته عن الجرجراني أيضاً، ويعلم انّه اشتباه من الجرجرائي ايضاً أو من رواة مجالس الشيخ. وما ذكرناه غير خاف على المتأمل ان شاء الله تعالى.
وكذلك فانّ (الجرجاني) في كلام السيد اشتباه ايضاً، والصواب (الجرجراني) كما ضبط في محلّه.
توضيح جواب الاشكال وتلخيص المقال المقتدّم:
ان استبعاد طول عمر الامام المهدي صلوات الله عليه لا يخلو من هذه الجهات:
الاولى: الاستحالة العقلية.
فلم يدّعِ ذلك صاحب عقل، ولا منطق بإمكانه حسب منطق أصحاب الشرائع، وان وقوع طول العمر موجود في الأمم السالفة كما في كتب اليهود والنصارى، ووقوعه في هذه الأمة باتفاق المسلمين كاف في رفع هذه الدعوى ان وجدت.
الثانية: الحديث المعروف المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: " أعمار أمتي بين الستين والسبعين".
وهو محمول على الأغلب، والّا يلزم تكذيبه صلى الله عليه وآله وسلّم والعياذ بالله.
ويؤيد هذا الحمل انّه ورد هذا الحديث في بعض النسخ (اكثر أعمار أمتي)، ولذلك عرفت ما بين الستين والسبعين بالعشرة المشؤومة، ولو انّ عمر الانسان لا يتعدى في هذه الأزمنة المائة والعشرين ولا دليل عليه الّا الاستقراء والتجربة.
الثالثة: القاعدة الطبيعيّة التي يقول بها الأطباء انّ سنّ الكمال إلى أربعين سنة، وسن النقصان ضعف ذلك أي ثمانين سنة، فيكون المجموع مائة وعشرون سنة.
وذكروا وجهين معتبرين في تعليل ذلك; احدهما: من جهة المادة، والأخرى: من جهة الغاية.
أما من جهة المادة; وذلك انّ العادة في سن الشيخوخة اليبوسة فتمسك الصورة وتحفظها.
وأما من جهة الغاية; وذلك انّ الطبيعة تبادر إلى الأفضل وهو بقاء العمر وحفظه وإن يبعد الفساد عن الأنقص، وتبقى تلك الرطوبة الغريزية في سنّ الشيخوخة، ولذلك يكون سنّ النقصان مضاعف سنّ الكمال. وهذان الوجهان لا يفيان لإثبات المدّعى المذكور، كما نقل التصريح بضعف هذا الدليل في شرح القطب الشيرازي على كليات القانون.
وأما ما ذكروه وأقاموا له الحجة بأن لهذه الحياة نهاية ولا مناص من تجرّع شربة الأجل فلا يفي لتحديد مقدار معين للعمر، وتعيين سنّ في مقدار معلوم.
وحاصل هذا البرهان انّ الموت حتمي، ولا ينكر احدٌ ذلك، وبقوله تعالى: (كُلُّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت)(27) فلا حاجة إلى ذلك البرهان المزعوم.
الرابعة: قواعد أصحاب النجوم.
وعلى حسب قواعدهم فلا يرون اثر في هذا العالم الّا النفوس الفلكية، أو انّهم يعدونها مؤثرة مستقلة بنفسها، وينسبون لها جميع الكون والفساد والتغيير والتبديل لهذا العالم، ويقولون: قوام هذا العالم بالشمس وعطاؤه الأكبر في السن المائة والعشرين سنة.
والجواب انّه من الجائز أن ينظم ذلك عند أرباب النجوم بعطاء الشمس ولعل هناك أسباب اُخرى يضاعف تلك العطية.
وتوضيح هذا الاجمال:
انّ لهم اصطلاحات في هذا المقام; احدهما: (هيلاج) والثاني: (كد خداه)(28) ، والاثنان يكونان في صورة زايجة طالع المولود دليلين لعمره، وعليهما يحكمون بالنقيصة والزيادة للعمر. وأحد هذين الاثنين يتعلّق بالجسم، والآخر بالروح، وفي تعيين ذلك خلاف، وفي بعض رسائلهم هكذا: دليل العمر على نوعين; احدهما: دليل الجسم يقال له الهيلاج، والثاني: دليل الروح ويسمّونه (كد خداه)، والاثنان بمنزلة الهيولى والصورة لأسباب العمر.
ولكن المعروف عكس هذا، فللهيلاج في صورة الطالع دلائل تدل على نفس المولود، والكدخداه يدل على بدن المولود.
وكثرة الهيلاج يدل عندهم على طول العمر.
وكثرة الكدخداه يدل على سعادة الحياة.
والهيلاج عندهم خمسة أشياء: الشمس، والقمر، وسهم السعادة، وجزء مقدم الاجتماع أو الاستقبال، ودرجة الطالع.
والكدخداه كوكب صاحب خط ناظر إلى الهيلاج.
وشرط بعضهم في الكدخداه استيلاءه على موضع الهيلاج. واكتفى بعضهم في هذا المقام بالنظر إلى البرج، وقد يكون النظر الى الدرجة أقوى، فاذا كانت الشمس أو القمر في شرفه فسوف يكون سعيداً بـ (كدخداه).
وقال قطب الدين الاشكوري في محبوب القلوب:
يبطل صلاح الهيلاج بالكسوف والخسوف والمحاق وتحت الشعاع، ويكون الكدخداه صاحب خط في موضع الهيلاج، وإذا لم ينظر اليهما أو إلى الدرجة فيجوز النظر إلى البرج بشرط أن يكون بحد الاتصال أو مساوياً لها عند موضع التناظر في درجات المطالع أو في طول النهار، وعندما يكون كدخداه الشمس أقل من ست درجات فلا يكون الكدخداه في حدّ الاحتراق، ولكن كدخداه ثلاثة اعطيات; أحدها: الكبرى، وهي إذا كان الكدخداه في درجة الوتد، وثانيها: الوسطى، إذا كان مائلا إلى المركز، وثالثها: الصغرى، إذا زاد على المركز.
وعندما عرفت هذه المقدّمة فمن الجائز أن يتّفق في طالع كثرة هيلاجات وكدخداهات ويكون جميعها في أوتاد الطالع. وينظر إلى تلك البيوتات فينظر بنظر التثليث والتسديس نظر السعادة ويسقط منها النحوسات، وفي نفس الوقت يحكمون على صاحب الطالع بطول العمر وتأخير الأجل حتى يكون أحد المعمّرين السابقين.
ونقل الفاضل المذكور عن أبي ريحان البيروني انّه قال في كتابه المسمّى بالآثار الباقية عن القرون الخالية انّه انكر بعض الحشوية ما وصفناه من طول الأعمار وبالخصوص ما ذكر بعد زمان ابراهيم عليه السلام ولم يعتمدوا على هذا الكلام الّا ما أخذوه من اصحاب الأحكام من أكثر عطايات الكواكب في المواليد بما كانت عليه الشمس في ذلك الهيلاج والكداخدائي، يعني بما كان عليه في بيته أو شرفه في الوتد والربح والمركز الموافق فيعطي سنينه الكبرى وهي مائة وعشرين سنة. ويزيد القمر عليه خمسة وعشرين سنة، وعطارد عشرين سنة، والزهرة ثمانين سنة، والمشتري اثني عشرة سنة، وهذه السنين هي صغرى كل واحد منها، لأنه لا اكثر منها.
وإذا نظر نظر موافقة وتحسين فيسقط منها ما نقص منها، ويكون الرأس في البرج معها وبعيداً عن الحدود الكسوفية، وكلّما كان كذلك يزيد عليه ربع عطيته وهي ثلاثون سنة، فيجتمع من ذلك مائتان وخمسة وعشرون سنة، وقالوا: هذا اقصى العمر الذي يصل إليه الانسان.
الهوامش
(1) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 538 - 541 ـ البحار: ج 51، ص 225 - 228.
(2) في الترجمة (أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب).
(3) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 542 - 543 ـ وعنه البحار: ج 51، ص 229.
(4) هكذا في الترجمة وفي البحار، وأما في المصدر المطبوع (عبد الله بن حمدان).
(5) في المصدر (وفيها).
(6) قال المؤلف رحمه الله: " ابن يحيى النسابة صاحب كتاب نسب آل أبي طالب ومن الرواة المعروفين، وهو جدّ العالم الجليل السيد حسن بن شدقم المدني، وهو اوّل من جمع نسب آل أبي طالب، وهو ايضاً جدّ السيد العميدي ابن أخت العلامة شارح التهذيب. وكان السيد عبيد الله بن طاهر المذكور نقيب المدينة المشرّفة " انتهى.
(7) في المصدر (شاب نحيف الجسم).
(8) العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل الذي بينها وبين الذقن.
(9) في المصدر (المكبرية).
(10) سقطت من المصدر المطبوع.
(11) في المصدر (فنيت).
(12) في البحار (مثلا).
(13) سقط هذا المقطع كلّه من الترجمة.
(14) سقط هذا المقطع من الترجمة.
(15) هذه الزيادة في البحار.
(16) في البحار زيادة (اذا).
(17) راجع كمال الدين (الصدوق): ج2، ص544 - 547 ـ والبحار: ج 51، ص 229 - 233.
(18) مدمجاً: أي مستحكماً.
(19) كنز الفوائد (الكراجكي): ص 262 ـ 263.
(20) في الترجمة (سمعت من الشيخ الذي كان في بيت عمّي طاهر بن يحيى من حديثه الذي حدّث به الناس... الخ).
(21) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 264.
(22) سقطت من المصدر، واُثبتت في الترجمة.
(23) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 265.
(24) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 266.
(25) كنز الفوائد (الكراجكي): ص 266.
(26) الاجازة الكبيرة (السيد عبد الله الجزائري): ص 109 ـ 110.
(27) الآية 185 من سورة آل عمران.
(28) انّ هذه الاصطلاحات في علم الفلك، وما زالوا يستخدمونها بدون تعريب.
******************
ثمّ ردّ عليهم الاستاذ أبو ريحان وحكى عن ما شاء الله المصري انّه قال في أول كتاب مواليده: يمكن للانسان أن يعيش بسنة القران الأوسط إذا اتّفقت ولادته في وقت تحويل القران من المثلثة إلى المثلثة والطالع في أحد بيتي زحل أو المشتري ويكون هيلاج الشمس في النهار، وهيلاج القمر في الليل في غاية القوة.
ومن الممكن أن يتّفق مثل هذا في وقت تحويل القران إلى الحمل ومثلثاته، ويدل على نحو ما ذكرناه أن المولود يبقى سنين القران الأعظم وهي تسعمائة وستين سنة بالتقريب حتى يرجع القران إلى موضعه.
وحكى ايضاً عن أبي سعيد بن شاذان انّه ذكر في كتاب مذاكراته مع ابي معشر في (الأسرار)(1) التي أرسلت عند أبي معشر انّه كان مولد ابن ملك سرانديب وطالعه الجوزاء وزحل في السرطان، والشمس في الجدي، فحكم أبو معشر انّه يعيش في زحل الأوسط وقال انّ أهل ذلك الاقليم حكموا عنده بطول الأعمار له وإن صاحبه زحل، ثم قال أبو معشر: وقد وصلني ان أي انسان منهم مات قبل أن يصل إلى الدور الأوسط لزحل فانّه يتعجب من سرعة موته.
قال أبو ريحان فدلّت هذه الأقوال على اعتراف هؤلاء المنجّمين بإمكان وجود هذه الأعمار.
ونقل الشيخ الكراچكي في كنز الفوائد عن (ماشاء الله المصري) معلم هذه الطائفة المقدّم واستاذهم المفضل، قريباً من العبارة السابقة: انّ النظر إلى هيلاج المولود يمكن أن يصل عمره إلى تسعمائة وخمسين سنة.(2)
وقال السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (فرج المهموم):
"ذكر بعض اصحابنا (3) في كتاب الأوصياء وهو كتاب معتمد عند الأولياء... رواه الحسن بن جعفر الصيمري، ومؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري وكانت له مكاتبات إلى الهادي والعسكري عليهما السلام وجوابهما إليه، وهو ثقة معتمد عليه، فقال ما هذا لفظه: حدّثني أبو جعفر القمي ابن أخي احمد ابن اسحاق بن مصقلة، انّه كان بقم منجم يهودي موصوفاً بالحذق في الحساب، فأحضره احمد بن اسحاق وقال له: قد ولد مولود في وقت كذا وكذا فخذ الطالع واعمل له ميلاداً، فأخذ الطالع ونظر فيه وعمل عملا له، فقال لأحمد: لستُ أرى النجوم تدلني على شيء لك من هذا المولود بوجه الحساب، انّ هذا المولود ليس لك ولا يكون مثل هذا المولود إلّا لنبي، أو وصي نبي، وان النظر فيه يدلني على انّه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً وسهلا وجبلا حتى لا يبقى على وجه الأرض أحدٌ إلّا دان له وقال بولايته.(4)
ونقل الشيخ الجليل زين الدين علي بن يونس العاملي في الصراط المستقيم عن العلماء المنجّمين:
"ان دور الشمس ألف وأربعمائة واحدى وخمسون سنة، وهو عمر عوج بن عنق، عاش من نوح إلى موسى.
ودور القمر الأعظم ستمائة واثنان وخمسون، وهو عمر شعيب بعث إلى خمس أمم.
ودور زحل الأعظم مائتان وخمسة وخمسون، قيل وهو عمر السامري من بني اسرائيل.
ودور المشتري الأعظم اربعمائة وأربعة وعشرون، قيل وهو عمر سلمان الفارسي.
ودور الزهرة الأعظم ألف ومائة واحدى وخمسون، قيل: وهو عمر نوح.
ودور عطارد الأعظم اربعمائة وثمانون، قيل: وهو عمر فرعون.
وقد كان في اليونان مثل بطليموس.
وفي الفرس مثل الضحاك عاش الف سنة وأقل وأكثر.
وقد حكي عن سام إذا مضى من ألف السمكة سبعمائة سنة يكون العدل ببابل.
وعن سابور البابلي نحو ذلك".(5)
وقال الخواجة ملا نصر الله الكابلي المتعصب العنيد في المطلب الرابع عشر من المقصد الرابع من كتاب الصواعق في الرد على الاماميّة وهو مملوء بالأكاذيب والمزخرفات:
" اختلفوا فيه، فقال بعض انّه ولد صبح ليلة البراءة يعني النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بعد مضي عدّة أشهر من القران الأصغر الرابع من القران الأكبر الواقع في قوس وطالع الدرجة الخامسة والعشرين من السرطان، وقد رجع زحل في الدقيقة الثانية من السرطان، ورجع المشتري فيها أيضاً، والمريخ في الدقيقة الرابعة والثلاثين من درجة الجوزاء العشرين، وكانت الشمس في الدقيقة الثامنة والعشرين من درجة الأسد الرابعة، والقمر في الدقيقة الثالثة عشرة من الدرجة التاسعة والعشرين من الدلو، وعلى رأس الدقيقة الثالثة عشرة من الدرجة الثامنة والعشرين من الحمل، وكان الذنب في الدقيقة التاسعة والخمسين من الدرجة الثامنة والعشرين من الميزان.
وقال بعض: ولد صبح الثالث والعشرين من شعبان من السنة المذكورة، وكان الطالع في الدقيقة السابعة والثلاثين من الدرجة الخامسة والعشرين من السرطان، وكانت الشمس في الدقيقة الثامنة والعشرين من الدرجة العاشرة من الأسد، وكان عطارد في الدقيقة الثامنة والثلاثين من الدرجة الحادية والعشرين من الأسد، وزحل في الدقيقة الثامنة عشرة من الدرجة الثامنة من العقرب، وهكذا المشتري. والقمر في الدقيقة الثالثة عشرة من الدرجة الثلاثين من الدلو.
والمريخ في الدقيقة الرابعة والثلاثين من الدرجة العشرين من الحمل. والزهرة في الدقيقة السابعة عشرة من الدرجة الخامسة والعشرين من الجوزاء.
وهذه الاختلافات نص على ان ما يزعمونه(6) افتراء بدون ريبة " انتهى.
وقال قبل أن ينقل هذه الكلمات:
"وأمّا ما ذكره أهل النجوم مثل أبي معشر البلخي، وأبي الريحان البيروني، وما شاء الله المصري، وابن شاذان، والمسيحي وغيرهم من المنجّمين: إذا اتّفق ميلاد من المواليد عند تحويل القران الأكبر وكان الطالع في أحد بيوت زحل أو المشتري، وكان هيلاج الشمس في النهار، والقمر في الليل، والخمسة المتحيّرة قوى الحال وفي الأوتاد، وكان الناظر إلى الهيلاج أو الكد خداه نظر موده، فمن الممكن أن يعيش المولود مدّة سنة القران الأكبر وهو ثمانون وتسعمائة سنة شمسيّة تقريباً.
وإذا دلّت الأسباب الفلكية على غير ذلك، فيمكن أن يعيش أقلّ من ذلك أو أكثر.
فاذا كان ذلك صحيحاً فلا يفيد ذلك لأنّه لم تكن ولادة م ح م د بن الحسن عليه السلام في أحد هذه القرانات الأربعة: الأعظم، والأكبر، والأوسط، والأصغر كما هو مذكور في كتب مواليد الائمة عليهم السلام مثل كتاب أعلام الورى وغيره، واختلفوا... إلى آخر ما تقدّم".
ولم ير لحدّ الآن في كتب مواليد الائمة عليهم السلام وبالخصوص أعلام الورى بل في كتب الغيبة صورة طالع ولادته عليه السلام، ولا أدري من أين أخذه هذا الكابلي، بالاضافة إلى نسبته إلى جماعة، وإلى جماعة اُخرى بنحو آخر، فيتخيّل الناظر انّ هذا الرجل متتبع خبير، والظاهر انّه من جعلياته نفسه الذي هو مبنى الكتاب عليه.
وعلى فرض صحة النسبة فلا يضرّ ذلك شيئاً لأن المقصود من نقل كلمات هذه الطائفة وجود أسباب سماوية وأوضاع نجومية لطول العمر بزعمهم حسب ما اطلعوا عليه. ويحتمل كثير منها لم يطلعوا عليها ولا يمكن أن يدّعوا انحصارها فيما علموه.
* * *
ولا يبقى مخفياً أو مستوراً بأننا اقتصرنا في نقل الحكايات على ما رأيناه في الكتب المعتبرة أو سمعناه من الثقات، والعلماء، وتركنا نقل كثير من الوقائع التي لم تصل الينا بسند معتبر، أو انها موجودة في كتب جماعة يتسامحون في نقل مثل هذه القصص، أو جمعوها من كلّ شخص في أي مكان رأوه أو سمعوا منه، ولظهور علائم الكذب ببعضها سقط الباقي عن درجة الاعتبار.
ومن المناسب أن نختم هذا الباب بذكر كلام الفاضل المتتبع الميرزا محمد النيسابوري في كتاب ذخيرة الألباب المعروف بدوائر العلوم في الفائدة الحادية عشرة من الباب الرابع عشر، وهذه الفائدة في ذكر اسماء من رأى الامام القائم عليه السلام في حياة أبيه عليه السلام وفي الغيبة الصغرى والكبرى، ونحن نذكرها في هذا الباب مع زيادات كثيرة الّا ما في آخر تلك الفائدة ذكر اسمائهم ولم نقف على حكاياتهم:
الأول: الحاج عبد الهادي الطبيب الهمداني.
الثاني: شيخنا موسى بن علي المعجراني.
الثالث: السيد الكريم العين الذي نهاه عن شرب القليان.
الرابع: العالم الذي كان مصاحباً له.
الخامس: الشيخ حسن بن محمد الحلّي.
السادس: سعيد بن عبد الغني الاحسائي.
السابع: الملاّ عبد الله الشيرازي.
الثامن: استاذنا المولى محمد باقر بن محمد أكمل الاصفهاني، ونقل قصة لي، وقد ذكرت القصة كلّها في مظانّها، انتهى.
وقال في الفائدة الثانية عشرة من الفصل الخامس من الباب الثامن عشر بعد ذكر شطر من أحواله عليه السلام:
عاصر أوّل امامته عليه السلام المعتمد (العباسي)، ولد عليه السلام في سامراء ليلة الجمعة من شعبان، وقيل: ومن (وياكح) من شهر رمضان في (رنه يارنو) وكان مع والده.
وكانت الغيبة الصغرى بعد والده عليه السلام وكان بدوها من سنة (رس) إلى (شل) وهو بداية الغيبة الكبرى وإلى سنتنا التي هي (غريواست ضفر ( ضفور خ.ل )).
وخروجه عليه السلام في يوم الجمعة محرم (طاق) من السنة.
وقد وردت روايات عن آبائه علهيم السلام في مدّة غيبته وسنة ظهوره بطريق الرمز والابهام لا يفهمه إلّا الآحاد من الناس.
والشيء المعتمد بصحة ما جاء عنهم انّه لم يُعيَّن وقت لذلك كما فسّر بقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ عِلْم السَّاعَة)، وفي خبر كذب الموقتون.
ونسب إلى بعض مشايخ الشهود:
إذا دار الزمان على حروف * * * ببسم الله فالمهدي قاما
فادوار الحروف عقيب صوم * * * فاقر الفاطمي منّا السلاما
ويؤيده ما جرى على لسان دعبل الخزاعي عندما أنشد قصيدته التائية على الامام الرضا عليه السلام:
خروج امام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركات
فقال له عليه السلام: نطق روح القدس على لسانك.
ونسب إلى الحكيم المحقق الطوسي رحمه الله:
در دور زحل خروج مهدى* * * جرم دجل و دجاليان است
يخرج المهدي في دور زحل* * * جرم الدجل والدجالين
در آخر واو واول زا * * * چون نيك نظر كنى همان است
في آخر الواو وأوّل الزاي* * * كما تنظر النظرة فانها كذلك
وفي مدّة دولته اختلاف عظيم سببه (ز) بحساب سنيهم، و (ع) بحسابنا.
واستخرج العارفون زمان دولته من قول الله: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْر انَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُون).
ويؤيد ما فهموه روايات معصوميّة أيضاً لا تناسب الكتاب.
وله أولاد كثيرون منهم الطاهر والقاسم وهاشم وابراهيم وعبد الرحمن.
ومسكنه الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض من الجزائر الخالدات المغربية المعروفة بالخرابات على جبل في فرسخين منه هذه البلدة المباركة، وباقي الجزائر مثل العلقمية والناعمة والمباركة والصالحيّة والخضرية والبيضاوية، والنوريّة، التي يحكمها امراؤه عليه السلام هم من ابنائه: (وَاِذَا رَأَيْتَ ثُمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً).
* * *
الباب الثّامن
في الجمع بين الحكايات المتقدّمة ما جاء بتكذيب مدعي المشاهدة في الغيبة الكبرى
كما روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين، والشيخ الطوسي رحمة الله عليه(7) في الاحتجاج انّه خرج التوقيع إلى ابي الحسن السمري:
"يا علي بن محمد السمري اعظم الله أجر اخوانك فيك، فانّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصى إلى أحد يقوم(8) مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة(9)، فلا ظهور الّا بعد اذن الله (تعالى ذكره)(10) ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي (إلى)(11) شيعتي من يدّعي المشاهدة، أَلاَ فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذّاب(12) مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم".(13)
وقد أشير إلى هذا المطلب بعدة أخبار اخرى.(14)
والجواب على هذا الخبر(15) بعدّة وجوه:
الجواب الأول:
انّ هذا الخبر ضعيف(16)، بل انّه خبر واحد ولا يفيد الّا الظنّ ولا يورث الجزم واليقين، فلا يقدر أن يعارض الوجدان القطعي الذي حصل من مجموع تلك القصص والحكايات، ولو انّه لم يحصل من كلّ واحدة بوحدها، بل انّ في جملة منها كرامات ومعاجز لا يمكن صدورها من غيره عليه السلام، فكيف يصحّ الإعراض عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله وهو الشيخ الطوسي في نفس الكتاب، كما يأتي كلامه في هذا المقام، فكيف بغيره.
وقد قبل العلماء الأعلام من القديم إلى الآن هذه الوقائع واثبتوها في الكتب، واستدلّوا بها، وأخذوها بعضهم عن البعض الآخر، واعتنوا بها، ونقلوا أمثالها عن كلّ ثقة مأمون اطمئنوا بصدق كلامه، وصدقوه وتعاملوا معه كما في القضايا الأخرى.
الجواب الثاني:
لعلّ المقصود من هذا الخبر تكذيب من يدّعي المشاهدة مع النيابة، وايصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال سفرائه الخاصّين الذين كانوا له في الغيبة الصغرى.
وهذا الجواب للعلامة المجلسي في كتاب البحار.(17)
الجواب الثالث:
ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء وتقدّم ان زين الدين علي بن فاضل المازندراني، قال للسيد شمس الدين: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا احاديث رويت عن صاحب الأمر عليه السلام انّه قال; لما أمر بالغيبة الكبرى: مَنْ رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم مَنْ يراه؟
فقال: صدقت انّه عليه السلام انما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة اعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى انّ الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدّث بذكره; وفي هذا الزمان تطاولت المدّة وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم، وعن ظلمهم وعنائهم... الخ.
وهذا الوجه يجري في اكثر البلاد وأوليائه عليه السلام.
الجواب الرابع:
ما ذكره العلامة الطباطبائي بحر العلوم (رحمه الله) قال في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد تلك التوقيعات الشريفة التي ذكرناها سابقاً بقوله:
" وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلغ ودعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى.
ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والأخبار عن الغيب الذي لا يطّلع عليه الّا الله وأولياؤه بإظهاره لهم.
وانّ المشاهدة المنفية أن يشاهد الامام ويعلم انّه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له.
ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك".(18)
وتقدّم ذكر أسباب اعتبار تلك التوقيعات بما لا يحتاج إلى استظهار هذه الاحتمالات.
وقال العلامة المذكور في فوائده في مسألة الاجماع:
" وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الامام عليه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدّة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الاجماع، جمعاً بين الأمر باظهار الحق والنهي عن اذاعة مثله بقول مطلق".
ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي.(19)
الجواب الخامس:
ما قاله العلامة المذكور في الرجال بعد الكلام السابق: " وقد يمنع أيضاً امتناعه في شأن الخواصّ، وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار".
ولعلّ مراده بالآثار هنا الوقائع السابقة والتي من جملتها وقائعه، أو الخبر الذي رواه الحضيني في كتابه عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال:
يظهر صاحب الأمر وليست في عنقه بيعة لأحد ولا عهد ولا عقد ولا ذمّة.
يغيب عن الخلق إلى وقت ظهوره.
قال الراوي: يا أمير المؤمنين! لا يرى قبل ظهوره؟
قال: بل يرى وقت مولده، وتظهر براهين ودلائل، وتراه عيون العارفين بفضله الشاكرين الكاملين، ويبشر به من يشكّ فيه.(20)
أو انّ المقصود مثل الخبر الذي رواه الشيخ الكليني والنعماني والشيخ الطوسي بأسانيد معتبرة عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: " لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابدّ له في غيبة من عزلة، وما بثلاثين من وحشة".(21)
يعني يستأنس عليه السلام في غيبته بثلاثين نفر من اوليائه وشيعته، فلا يستوحش من الخلق في عزلته، كما فهمه شارحو الأحاديث من هذه العبارة.
وقال بعضهم: انّه عليه السلام في سن الثلاثين سنة دائماً، وصاحب هذا السن لا يستوحش أبداً.(22)
وهذا المعنى بعيد للغاية.
والظاهر انّ هؤلاء الثلاثين نفر هم الذين يستأنس بهم الامام عليه السلام أيام غيبته ولابدّ أن يبدلوا في القرون والأعصار فانّه لم يثبت لهم من العمر ما ثبت لسيّدهم، فلابدّ أن يوجد في كلّ عصر ثلاثون نفر من الخواص الذي يفوزون بشرف الحضور.
الهوامش
(1) (الأسرار) من مؤلفات أبي معشر الفلكي.
(2) راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 246 ـ 247.
قال: " اني وجدت في كتاب أحد علمائهم وهو الكتاب المعروف (بابا) لابن هبلي حكاية ذكرها عن معلمهم المقدّم واستاذهم المفضل الذي يعوّلون عليه في الأحكام ويستندون إلى كلامه، وما يدعيه وهو المعروف بما شاء الله، انا موردها ففيها اكبر حجة عليهم في هذه المسألة التي خالفونا فيها.
قال ما شاء الله: " الباب الأعظم من الهيلاج الذي يدل على العمر الكثير فانّه يكون المولود في مثلثة إلى مثلثة وطالعه بيوت أحد الكوكبين العلويين زحل والمشتري وصاحب الطالع الكدخداه فان كان المولود ليليا والهيلاج القمر فان كان فوق الشمس في برج اُنثى وان كان نهارياً فيكون الشمس في برج ذكر فانّه حينئذ يدل على بقاء المولود باذن الله تعالى حتى يتحوّل القران عن مثلثة إلى أخرى وذلك مائتان وأربعون سنة. قال: فأمّا في الزمن الاوّل فان مثل هذه الدلالة كان تدل على بقائه حتى يعود القران إلى مكانه، وذلك بعد ستمائة وخمسين سنة والله اعلم ".
(3) في المصدر المطبوع (فصل فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي ابن الحسن صلوات الله عليهما ذكرها بعض أصحابنا... الخ).
(4) راجع السيد ابن طاووس (فرج المهموم): ص 36 ـ 37.
(5) راجع الصراط المستقيم: ج 2، ص 245.
(6) قال المؤلف رحمه الله: " يعني الاماميّة ".
(7) في العبارة سقط والصحيح هو ما في جنة (روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الحسن بن أحمد المكتب والطبرسي في الاحتجاج مرسلا...).
(8) في كمال الدين (يقوم) وفي الغيبة للطوسي والاحتجاج للطبرسي (فيقوم).
(9) في بعض نسخ كمال الدين (الثانية).
(10) في بعض نسخ كمال الدين (عز وجل).
(11) هذه الزيادة في الاحتجاج، وهي غير موجودة في الغيبة وكمال الدين.
(12) هكذا في الغيبة والاحتجاج وفي كمال الدين (كاذب).
وقد ابتدأ التوقيع بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) وقد سقطت من الترجمة.
(13) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 516، ح 44 ـ الغيبة (الطوسي): ص 395، الطبعة المحققة ـ الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 297 ـ جنة المأوى (النوري): ص 318 ـ البحار: ج 51، ص 260، ح 3 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 693، ح 112 ـ الخرائج (الراوندي): ج 3، ص 1128، الطبعة المحققة ـ منتخب الأنوار المضيئة (السيد عبد الكريم النيلي): ص 130 ـ الصراط المستقيم (البياضي): ج 2، ص 236 ـ كشف الغمة (الأربلي): ج 2، ص 230 ـ اعلام الورى (الطبرسي): ص 417 ـ ثاقب المناقب (لابن حمزة): ص464، الطبعة المحققة. وغير ذلك من المصادر الأخرى.
(14) راجع البحار: ج 52، ص 151 وما بعدها.
(15) ولعلّ حصر الجواب على هذا الخبر دون غيره لأن في هذا تصريح وأما في غيره تلميح والله العالم.
(16) وضعف الخبر ناشيء من جهالة الراوي (أبو محمد الحسن بن احمد المكتب)، ولو انّه أجيب عليه بوجوه ليس هنا محلّ ذكرها.
(17) راجع البحار: ج 52، ص 151، قال رحمه الله بعد أن نقل هذا التوقيع الشريف عن الاحتجاج وكمال الدين: " لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وايصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة على مثال السفراء لئلاّ ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه عليه السلام والله يعلم ".
(18) راجع الفوائد الرجالية (السيد بحر العلوم): ج 3، ص 320 ـ 321.
(19) راجع جنة المأوى: ص 320.
(20) لم نعثر على هذه الرواية فقمنا بترجمتها.
(21) راجع الغيبة (الطوسي): ص 162، ح 121 ـ الكافي (الأصول): ج 1، ص 340، ح 16 ـ البحار: ج 52، ص 153، ح 6 ـ الغيبة (النعماني): ص 188، باب 10، ح 41 ـ البحار: ج 52، ص 157، ح 20 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 445، باب 32، ح 27 ـ جنة المأوى: ص 320 ـ وفي المصادر اختلافات يسيرة.
(22) راجع الملا محمد صالح المازندراني المتوفى سنة 1081 أو 1086 هـ.ق (شرح أصول الكافي): ج 6، ص 244 قال:
" كان يستأنس بثلاثين من أوليائه... وقيل: يحتمل أن يكون المراد انّه عليه السلام على هيئة مَنْ سنّه ثلاثون سنة أبداً وما في هذا السن من وحشة ".
******************
وروى ايضاً الشيخ الطوسي(1) والشيخ الصدوق وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري بأسانيد معتبرة قصة علي بن ابراهيم بن مهزيار وكيفية سفره من الأهواز إلى الكوفة ومنها إلى مكة، وفحصه هناك عن امام العصر عليه السلام والتقائه في الطواف بفتى فأخذه معه إلى قرب الطائف ـ بقعة نزهة كثيرة العشب والكلأ ـ وفي اعلاها التقى بالامام عليه السلام.
وبرواية الطبري انّه عندما التقى بذلك الفتى الذي هو أحد خواصّه بل أحد اقربائه المختصين به قال له ذلك الفتى: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟
قال: الامام المحجوب عن العالم.
قال: ما هو محجوب عنكم، ولكن حجبه سوء أعمالكم... الخ.(2)
وفي هذا الكلام اشارة إلى ان من ليس له عمل سوء وكان عمله وقوله طاهراً ومطهراً من الأرجاس وما ينافي سيرة أصحابه، فليس هناك ما يحجبه عن لقائه عليه السلام.
وقد صرّح العلماء الأعلام ومهرة فن الأخبار والكلام بامكان الرؤية في الغيبة الكبرى.
وقال السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء في جواب من قال: " فاذا كان الامام عليه السلام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق، ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه...".(3)
" قلنا: الجواب: اوّل ما نقوله: انّا غير قاطعين على انّ الامام لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع عليه... الخ".(4)
وقال ايضاً في جواب من قال: إذا كانت العلّة في استتار الامام خوفه من الظالمين، واتّقائه من المعاندين، فهذه العلّة زائلة في أوليائه وشيعته، فيجب أن يكون ظاهراً لهم.(5)
وقال بعد كلام له: " وقلنا ايضاً انّه غير ممتنع أن يكون الامام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، فانّ هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وانما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل له الى العلم بحال غيره".(6)
وقال في كتاب المقنع وهو مختصر في الغيبة قريباً من هذا المضمون.
وقال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في الجواب عن هذا السؤال بعد كلام له:
"والذي ينبغي أن يجاب عن هذا السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إنّا أولا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ولا يعلم كلّ انسان الّا حال نفسه، فان كان ظاهراً له فعلّته مُزاحة، وان لم يكن ظاهراً علم انّه انّما لم يظهر له لأمر يرجع اليه(7)، وان لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته... الخ".(8)
وتقدّم كلام الشيخ منتجب الدين في الحكاية الرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين، والرابعة والخمسين، وعدّة ثلاثة من العلماء ممن شاهده ومن سفرائه.
وتقدّم ايضاً عن العلامة في الحكاية السابعة والخمسين مثل ذلك.
وادّعى السيد رضي الدين علي بن طاووس في عدّة مواضع من كتاب كشف المحجة كناية وتصريحاً بما يناسب هذا المقام وقال في موضع منها:
" واعلم يا ولدي محمد ـ ألهمك الله ما يريده منك ويرضى به عنك ـ انّ غيبة مولانا (المهدي) صلوات الله عليه التي حيرت المخالف والمؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت امامته وامامة آبائه الطاهرين صلوات الله على جدّه محمد وعليهم أجمعين، لأنك اذا وقفت على كتب الشيعة أو غيرهم مثل كتاب الغيبة لابن بابويه، وكتاب الغيبة للنعماني، ومثل كتاب الشفاء والجلاء، ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ في أخبار المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته، والكتب التي أشرت إليها في كتاب (الطرائف) وجدتها أو اكثرها تضمّنت قبل ولادته انّه يغيب عليه السلام غيبة طويلة حتى يرجع عن امامته بعض من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة كان طعناً في امامة آبائه وفيه فصارت الغيبة حجة لهم عليهم السلام وحجة على مخالفيه في ثبوت امامته وصحة غيبته مع انّه عليه السلام حاضر مع الله جلّ جلاله على اليقين وانّما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عمن حضره للمتابعة له ولربّ العالمين".(9)
وقال في موضع آخر: " فان أدركتُ يا ولدي موافقة توفيقك لكشف الأسرار عليك عَرَّفْتُكَ مِنْ حديثِ المهدي صلوات الله عليه ما لا يشتبه عليك وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات، فانّه صلى الله عليه حي موجود على التحقيق ومعذور عن كشف أمره إلى أن يؤذن له تدبير الله الرحيم الشفيق، كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء، فاعلم ذلك يقيناً واجعله عقيدة وديناً، فانّ أباك معرفته أبلغ من معرفة ضياء شمس النهار".(10)
وقال في موضع آخر بعد تعليم ولده كيفية عرض حاجاته عليه عليه السلام:
" واذكر له انّ أباك قد ذكر لك انّه أوصى بك إليه وجعلك بإذن الله جلّ جلاله عبده وانني علقتك عليه فانّه يأتيك جوابه صلوات الله وسلامه عليه.
ومما أقول لك يا ولدي محمد ـ ملأ الله جلّ جلاله عقلك وقلبك من التصديق لأهل الصدق والتوفيق في معرفة الحق ـ ان طريق تعريف الله جلّ جلاله لك بجواب مولانا (المهدي) صلوات الله وسلامه على قدرته جلّ جلاله ورحمته، فمن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الوسايل) عمّن سمّاه، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام انّ الرجل يجب أن يفضي إلى امامه ما يجب أن يفضي به إلى ربّه، قال: فكتب ان كانت لك حاجة فحرك شفتيك فانّ الجواب يأتيك، ومن ذلك ما رواه هبة الله بن سعيد الراوندي في كتاب (الخرائج) عن محمد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمد عليهما السلام: إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاك ودعه ساعة ثم اخرجه وانظر فيه.
قال: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه، موقعاً فيه.
وقد اقتصرت لك على هذا التنبيه والطريق مفتوحة إلى إمامك عليه السلام لمن يريد الله جلّ شأنه عنايته به وتمام احسانه اليه".(11)
وقال الشيخ المحقق الجليل الشيخ أسد الله الشوشتري الكاظميني في كتاب كشف القناع في ضمن أقسام الاجماع غير الاجماع المصطلح عليه:
وثالثها أن يحصل لأحد من سفراء الامام الغائب عجّل الله فرجه وصلّى عليه العلم بقوله امّا بنقل مثله له سرّاً، أو بتوقيع أو مكاتبة، أو بالسماع منه شفاهاً، على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة، ويحصل ذلك لبعض حملة أسرارهم، ولا يمكنهم التصريح بما اطّلع عليه، والاعلان بنسبة القول إليه، والاتّكال في ابراز المدّعى على غير الاجماع من الأدلّة الشرعيّة، لفقدها.
وحينئذ فيجوز له إذا لم يكن مأموراً بالإخفاء، أو كان مأموراً بالإظهار لا على وجه الافشاء أن يبرزه لغيره في مقام الاحتجاج، بصورة الاجماع، خوفاً من الضياع وجمعاً بين امتثال الأمر بإظهار الحق بقدر الامكان، وامتثال النهي عن اذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان، ولا ريب في كونه حجّة امّا لنفسه فلعلمه بقول الامام عليه السلام، وأمّا لغيره فلكشفه عن قول الامام عليه السلام ايضاً غاية ما هناك انّه يستكشف قول الامام عليه السلام بطريق غير ثابت، ولا ضير فيه، بعد حصول الوصول إلى ما أُنيط به حجّيّة الاجماع، ولصحّة هذا الوجه وامكانه شواهد تدلّ عليه:
منها كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الامامية ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم، ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الائمة عليهم السلام وأسرارهم، ولا امارة تشهد بأنّ منشأها أخبار مطلقة، أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلى إنشائها وترتيبها، والاعتناء لجمعها وتدوينها كما هو الظاهر في جملة منها، نعم لا نضائق في ورود الأخبار في بعضها.
ومنها ما رواه والد العلامة وابن طاووس عن السيد الكبير العابد رضيّ الدين محمد بن محمد الآوي، إلى آخر ما مرّ في الحكاية الحادية والعشرين.
ومنها قصّة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار، وتفسير الائمة عليهم السلام وغيرها.
ومنها ما سمعه منه عليّ بن طاووس في السّرداب الشريف.
ومنها ما علّم محمد بن علي العلويّ الحسيني المصري في الحائر الحسيني في الحكاية الثالثة والعشرين وغير ذلك.
ولعلّ هذا هو الأصل ايضاً في كثير من الأقوال المجهولة القائل، فيكون المطّلع على قول الامام عليه السلام لمّا وجده مخالفاً لما عليه الاماميّة أو معظمهم، ولم يتمكّن من اظهاره على وجهه، وخشي أن يضيع الحقّ ويذهب عن أهله، جعله قولا من أقوالهم، وربّما اعتمد عليه وأفتى به من غير تصريح بدليله لعدم قيام الأدلّة الظاهرة باثباته، ولعلّه الوجه ايضاً فيما عن بعض المشايخ من اعتبار تلك الأقوال أو تقويتها بحسب الامكان، نظراً إلى احتمال كونها قول الامام عليه السلام ألقاها بين العلماء، كيلا يجمعوا على الخطأ، ولا طريق لالقائها حينئذ الّا بالوجه المذكور"(12) انتهى.
وفي هذه الكلمات مناقشات ليس هنا محل ذكرها ولا تضرّ بأصل المقصود بنسبة امكان الرؤية في الغيبة الكبرى بجميع اقسامها إلى بعض العلماء الأعلام، كما يظهر من الكلمات المذكورة وغيرها ممّا يوجب نقلها التطويل.
الجواب السادس:
انّ المخفي والمستور عن الأنام انّما هو مكانه ومستقرّه عليه السلام، فلا طريق لأحد إليه ولا يصل إليه بشر، ولا يعرفه أحد حتى خواصه وأولاده; فلا ينافي لقائه ومشاهدته عليه السلام في الأماكن والمقامات التي مرّ ذكر بعضها، مع ظهوره عليه السلام عند المضطر المستغيث به الملتجئ إليه الذي انقطعت عنه الأسباب والواله في وادي الشبهات، والحيران في مهالك الفلوات، كما سوف يأتي بأن اجابة الملهوف واغاثة المضطر احدى مناصبه عليه السلام.
ويؤيد هذا الاحتمال الخبر المروي في الكافي عن اسحاق بن عمّار انّه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان احداهما قصيرة والأخرى طويلة.
الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها الّا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها الّا خاصة مواليه.(13)
وروى الشيخ الطوسي(14) والشيخ النعماني(15) في كتاب الغيبة بسند معتبر عن المفضّل بن عمر انّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: انّ لصاحب هذا الأمر غيبتين احداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه الّا نفر يسير، لا يطّلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره الّا (المولى)(16) الذي يلي أمره.(17)
وروى الشيخ النعماني عن اسحاق بن عمّار انّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
"للقائم غيبتان احداهما طويلة، والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه في دينه".(18)
ولا يخفى انّ خبر اسحاق هذا هو نفس خبر اسحاق المروي في الكافي، وفي بعض النسخ كما ذكرناه، وفي بعضها يطابق نسخة الكافي، وفي النسختين جواب لأصل المقصود، فعلى خبر الكافي ففيه دلالة على انّ خاصة مواليه يعلمون بمستقرّه ومكانه عليه السلام في الغيبة الكبرى، وهو يؤيد الجواب الخامس.
وعلى بعض نسخ النعماني فيكون المقصود منها انّ خاصته في ذلك الوقت لا يعلمون بمحل اقامته عليه السلام فهي لا تنفي المشاهدة والرؤية في الأماكن الأخرى، وليس في القصص المتقدّمة دلالة على ملاقات أحد له عليه السلام في ذلك المحل، والله تعالى هو العالم.
* * *
الباب التّاسع
في عذر دخول بعض حكايات المستغيثين في الصحاري وغيرها
في عذر دخول بعض حكايات المستغيثين في الصحاري وغيرها بوجود انسان عظيم أنجاهم من تلك الورطات مع عدم دلالة شيء في تلك القضايا على انّ المنجي هو امام العصر عليه السلام في ضمن الحكايات السابقة فكما عمل علماؤنا الأعلام رضوان الله عليهم فقد اتبعناهم في ذلك.
والظاهر انّهم فهموا ذلك من انّ اغاثة الملهوف واجابة المضطر في مثل تلك الحال وصدور مثل هذه الكرامة الباهرة والمعجزة الظاهرة لا يمكن إلّا من جنابه المقدّس، بل هي من المناصب المختصّة به، كما روى السيد فضل الله الراوندي في كتاب الدعوات ونقل في البحار عن كتاب مجموع الدعوات للتلعكبري ونقل في الكلم الطيّب عن قبس المصباح قال:
حدث أبو الوفاء الشيرازي قال: كنت مأسوراً في يد أبي علي الياس صاحب كرمان مقيداً مغلولا فوقعت منه على انّه هَمَّ بقتلي فاستشفعت إلى الله تعالى بمولانا أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، فرأيت في المنام ـ وبرواية القبس وقال الموكّلون بي انّه قد همّ فيك بمكروه فقلقت من ذلك وجعلت أناجي الله تعالى بالنبي والائمة عليهم السلام ـ ولمّا كانت ليلة الجمعة فرغت من صلاتي ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في نومي وهو يقول: لا تتوسّل بي، ولا بابنتي ولا بابني لشيء من عروض الدنيا، بل للآخرة، ولما تؤمل من فضل الله تعالى فيها.
وأما أخي أبو الحسن فانّه ينتقم ممن ظلمك.
وبرواية: ينتقم لك من عدوّك.(19)
فقلت: يا رسول الله أليس ظُلِمَت فاطمة عليها السلام، فصبر; وغصب على ارثك فصبر، فكيف ينتقم لي ممّن ظلمني؟
قال: فنظر إليّ صلى الله عليه وآله وسلّم كالمتعجّب قال: وذلك عهد عهدته إليه، وامرٌ أمرته به فلم يجز له الّا القيام به، وقد ادّى الحق فيه، والآن فالويل لمن يتعرّض لمواليه.
وأما علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين، ومن معرة الشياطين.
وأما محمد بن علي وجعفر بن محمد فللآخرة.
وبرواية: " وما تبتغيه من طاعة الله عزوجل".
وأما موسى بن جعفر فالتمس به العافية.
وأما علي بن موسى فللنجاة.
وبرواية: " فاطلب به السلامة في البراري والبحار".
وأما محمد بن علي فاستنزل به الرزق من الله تعالى.
وأما علي بن محمد فلقضاء النوافل وبرّ الإخوان، وما تبتغيه من طاعة الله عزّوجل.
وأما الحسن بن علي فللآخرة.
وأما الحجة فاذا بلغ منك السيف المذبح ـ وأومأ بيده إلى الحلق ـ فاستغث به، فانّه يغيثك، وهو غياث وكهف لمن استغاث به.
فقل: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بك.
وبرواية اُخرى قال: " وأما صاحب الزمان فاذا بلغ منك السيف ـ ووضع يده على حلقه ـ فاستعن به فانّه يعينك، فقل يا صاحب الزمان أدركني.
وفي الرواية الأولى: " قال: فناديت في نومي: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بك".
وفي رواية اُخرى: " فناديت في نومي: يا صاحب الزمان أغثني يا صاحب الزمان أدركني".
وبرواية قبس المصباح للصهرشتي: " فناديت في نومي: يا مولاي يا صاحب الزمان أدركني فقد بلغ مجهودي".
وبالرواية الأولى: فاذا أنا بشخص قد نزل من السماء تحته فرس، وبيده حربة من نور، فقلت: يا مولاي أكفني شرّ مَن يؤذيني.
فقال: قد كفيتك.
فأصبحت فاستدعاني إلياس، وقال: بِمَن استغثت؟
فقلت: بمن هو غياث المستغيثين".(20)
يقول المؤلف:
نقل في البحار عن مجموع الدعوات دعاءاً طويلا للتوسّل بكلّ امام من الائمة عليهم السلام للمطالب المذكورة وبهذا الترتيب.(21)
ونقل في قبس المصباح دعاءاً مختصراً بهذا الطريق.(22)
ودعاء التوسّل بامام العصر عليه السلام في الثاني هو: " اللهم انّي اسئلك بحقّ وليك وحجتك صاحب الزمان الّا اعنتني به على جميع أموري، وكفيتني به مؤنة كلّ مؤذ، وطاغ، وباغ، واعنتني به، فقد بلغ مجهودي، وكفيتني كلّ عدو، وهم، (وغمّ)(23) ، ودين، وولدي، وجميع أهلي، واخواني، ومن يعنيني أمره، وخاصّتي، آمين ربّ العالمين".(24)
والظاهر انّ مراد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم من هذا الكلام عدم انحصار التوسّل بامام العصر عليه السلام فيما إذا وقع في قبضة العدو وكان قاصداً لقتله، بل انّه كناية عن الوصول إلى نهاية شدّة الأمور وانقطاع الأسباب وقطع الأمل عن المخلوقين، ونفاد الصبر والتحمّل سواءاً كان بلاءاً دينياً، أو دنيوياً، وسواءاً كان من شرّ عدو انسي أو جنّي، كما يظهر من الدعاء المتقدّم.
فتكليف المضطر والعاجز الاستغاثة به عليه السلام.
واغاثة واجابة المستغيثين من مناصبه الالهية عليه السلام.
وان لم يتمكّن المضطر لشدّة قلقه واضطراره من الاستغاثة به بلسان المقال والدعاء بالمأثور فيكفيه للاستغاثة به عليه السلام أن يسأله بلسان الحال والقدرة مع انّه متوليه ومقرّ بولايته وامامته ومعرفة انحصار المربّي ووساطة الفيض الالهي في وجوده المقدّس في ظلمات تيه الغيبة.
فيعرف انّ المستغيثين في الحكايات السابقة وبالخصوص اولئك الذين كانوا في سفر الطاعة مثل الحج والزيارة، فانّهم لم ينجهم أحد الّا غوث الزمان عليه السلام، ومن جملة الشواهد على هذا المطلب انّ (الغوث) من ألقابه الخاصة به عليه السلام التي وردت في الزيارات المعتبرة، ومعناها المغيث، وليس معنى هذا اللقب الالهي مجرّد الاسم فانّه لا يتحقّق الّا إذا كان لصاحبه قوّة أن يسمع كلّ واحد في أي مكان كان، وبأي لسان استغاث، بل يعلم علم احاطة بحالات المستغيثين فهو عالم بحالاتهم حتى بدون استغاثة وتوسّل (كما صرّح بذلك في توقيعه للشيخ المفيد).(25)
وله قدرة ـ إذا رأى من المصلحة ـ على نجاة المستغيث الذي استغاث به بلسان الحال أو المقال من دوامة بحر البلاء، ولا يليق بهذا المقام الّا مَنْ له مقام الامامة ووضع قدمه على بساط الولاية.
ويؤيد هذا المقال ما اشتهر بين العرب الحضر وأهل البادية بالتعبير عن ذاته المقدّسة بأبي صالح، ولا يتوسّلون ولا يستغيثون ولا يندبون ولا يشتكون إليه الّا بهذا الاسم. وقد ذكره الشعراء المعروفون مراراً بهذه الكنية في قصائد المديح والمراثي والاستنهاض. ولم نجد مصدراً لذلك في الأخبار الخاصة الّا ما رواه احمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن عن أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
"يا صالح! ويا أبا صالح! ارشدانا(26) إلى الطريق وحكمكما الله".
قال عبيد الله:(27) فأصابنا ذلك، فأمرنا بعض مَنْ معنا أن يتنحّى وينادي كذلك، قال: فتنحّى فنادى، ثمّ أتانا فأخبرنا انّه سمع صوتاً يردّ دقيقاً يقول: الطريق يمنة أو قال يسرة، فوجدناه كما قال(28) والترديد في: يا صالح ويا أبا صالح وكذلك الترديد في اليمنة واليسرة من راوي الخبر فانّه سهى، كما صرّح بذلك السيد علي بن طاووس في كتاب أمان الأخطار بعد أن نقل الخبر عن المحاسن.
ونقل الشيخ البرقي في كتابه المذكور عن أبيه محمد بن خالد البرقي انّه كان في سفر مع جماعة فحادوا عن الطريق: "ففعلنا ذلك، فأرشدونا.
الهوامش
(1) راجع الغيبة (الطوسي): ص 263، ح 228 ـ وكمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 465 ـ ودلائل الامامة (الطبري): ص 296.
(2) راجع دلائل الامامة (الطبري): ص 296 ـ وفي المطبوع (ولكن جنّه سوء أعمالكم).
(3) تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 182.
(4) راجع تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 182.
(5) تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 184.
(6) تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 184.
(7) قال المؤلف رحمه الله: " يعني لمانع فيه ".
(8) راجع الغيبة (الطوسي): ص 99، الطبعة المحققة ـ وص 68 - 69، الطبعة غير المحققة.
(9) كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 53.
(10) كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 53 ـ 54.
(11) راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 153 ـ 154.
(12) راجع جنة المأوى: ص 321 ـ 322.
ولكن في المصدر المطبوع بالطبعة الحجرية اختلافات كثيرة فارتأينا نقل الأصل للجمع بينهما وهو أولى من التهميش بموارد الاختلاف لكثرتها:
قال في كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع (الشيخ أسد الله التستري الكاظمي): ص 230 و231، الطبعة الحجرية:
الثاني عشر: من وجوه الاجماع وهو ملحق بها صورة أن يحصل لبعض حملة اسرار الائمة عليهم السلام العلم بقول الامام الغائب بعينه بنقل أحد سفرائه وخدمته سرّاً على وجه يفيد اليقين، أو بتوقيعه ومكاتبته كذلك، أو بسماعه منه مشافهةً على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة فلا يسعه التصريح بما اطلع عليه والاعلان بنسبة القول إليه ولا يجد في سائر الادلّة الموجودة العلميّة ما ينهض اثبات ذلك بناءً على امكان فقد ولاها في غيرها أيضاً من الادلّة ما يقتضيه بناءً على الاكتفاء بها والاستغناء بها عمّا عداها والّا لم يجد من عداه اعلامه بما بدا له مع عدم ايجابه العلم وله لو وجد غيره ممّا ذكر لم يحتج إليه الّا من باب التأييد والتقوية، فاذا كان الحال كما ذكر وكان غير مأمور بإخفاء ما وقف عليه وكتمانه عن سائر الناس على الاطلاق أو مأموراً بإظهاره بحيث لا ينكشف حقيقة الحال فيبرزه لغيره في مقام الاحتجاج بصورة الاجماع خوفاً من الضياع وجمعاً بين الامثال لما ورد من الأمر باظهار الحق وتشييده بحسب الامكان، وما ورد من النهي عن اذاعة مثله لغير اهله ولا سيّما إذا ادّى اظهاره على وجهه إلى تكذيبه وعدم الاعتماد على نقله، فيفوت الغرض من ابرازه المأمور به عموماً أو خصوصاً فلابد حينئذ من وقوع اتّفاق مع ذلك بحيث يوجب صحّة ما يختاره من الكلام لتزويج الكلام أو التعبير بما يقتضي التباس المقصود منه على الافهام، ولا ريب انّ حصول العلم لبعض الخواص بقول الامام عليه السلام على نحو ما ذكر أمر يمكن في نفسه، ولوقوعه شواهد من الأخبار والآثار ويجوز له التوسّل في اظهاره بما قلنا حيث لم يكن مأموراً بستره مطلقاً ولا يمنع منه الأمر بستره عن الأعداء أو عمّن لا يحمل ذلك، كما لا يخفى، فيكون حجّة على نفسه لكونه من السنّة وعلى غيره بعد ابرازه على نحو ما ذكر لكونه من الاجماع وربّما يكون هذا هو الأصل في كثير من الزّيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الاماميّة ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الائمة وأسرارهم ولا امارة تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة أو وجوه اعتبارية مستحسنة هي التي دعتهم إلى انشائها وترتيبها والاعتناء بجمعها وتدوينها، كما هو الظاهر في جملة منها، فتكون كما روى والد العلامة وابن طاووس طاب ثراهما عن السيد الكبير العابد رضيّ الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدّس الغروي قدّس الله روحه عن صاحب الزّمان صلوات الله عليه في طريق الاستخارة بالسّبحة وغيره ايضاً على ما يظهر من كلام الشهيد وكما هو مروي عنه في قصة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار وتفسير الائمة عليهم السلام وغيرهما وكما سمعه منه ابن طاووس في السّرداب الشريف وكما علمه عليه السلام محمد بن علي العلوي الحسني المصري في حائر الحسين عليه السلام وهو بين اليقظان والنّائم وقد أتاه الامام عليه السلام مكرراً وعلمه، إلى أن تعلّمه في خمس ليال وحفظه ثمّ دعا به واستجيب دعاءه وهو دعاء العلوي المصري المعروف وكغير ذلك ممّا يقف عليه المتتبع ويحتمل أن يكون هو الأصل ايضاً في كثير من الأقوال المجهولة القائل فيكون المطّلع على قول الامام عليه السلام لمّا وجده مخالفاً لما عليه الاماميّة ومعظمهم ولم يتمكّن من اظهاره على وجهه وخشي أن يضيع الحق ويذهب عن أهله جعله قولا من أقوالهم وربّما اعتمد عليهم وافتى به من غير تصريح بدليله لعدم قيام الأدلّة الظاهرة باثباته بناء على امكان ذلك كما مرّ ولعلّ هذا الوجه فيما تقدّم في الوجه الثاني عن بعض المشايخ من الاعتبار لتلك الأقوال والميل إليها وتقويتها بحسب الامكان لاحتمال كونها أقوال الامام ألقاها بين العلماء لئلاّ يجمعوا على الخطأ فيكون طريق القائها وهو ما ذكرنا إذ لا يتصوّر غيره ظاهراً وقد مرّ الكلام.
(13) راجع الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 1، ص 340، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح 19.
(14) راجع الغيبة (الطوسي): ص 162، الطبعة المحققة ـ وص 102، الطبعة غير المحققة.
(15) راجع الغيبة (النعماني): ص 171، الباب العاشر، فصل، ح 5.
(16) سقطت من الترجمة.
(17) راجع الغيبة (الطوسي): ص 102، الطبعة الأولى ـ الغيبة (الطوسي). ص 162، الطبعة المحققة ـ الغيبة (النعماني): ص 171 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 500، ح 280 ـ البحار (المجلسي): ج 52، ص 152 ـ منتخب الأنوار المضيئة (السيد عبد الكريم النيلي): ص 81 ـ منتخب الأثر (الشيخ لطف الله الصافي): ص 253، ح 9 وغير ذلك.
(18) راجع الغيبة (النعماني): ص 170، ح 1 ـ وقد وقع اشتباه من الرواة في التقديم والتأخير، ويدل عليه ما رواه النعماني في الغيبة: ص 170، الحديث الثاني بعد هذا الحديث عن اسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " للقائم غيبتان احداهما قصيرة، والأخرى طويلة ( الغيبة ) الأولى لا يعلم بمكانه ( فيها ) إلّا خاصّة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه ( فيها ) إلّا خاصة مواليه في دينه ".
(19) في البحار (من أعدائي).
(20) راجع الدعوات (الراوندي): ص 191 - 192، رقم الحديث 530 ـ الكلم الطيب (السيد عليخان): ص 40 - 42 ـ البحار: ج 94، ص 32 - 36.
(21) راجع البحار: ج 102، ص 251 ـ 253.
(22) راجع البحار: ج 94، ص 34 ـ 35.
(23) سقطت من الترجمة.
(24) راجع البحار: ج 94، ص 35.
(25) راجع التوقيع الشريف وقد تقدّم.
(26) في الترجمة (ارشدونا).
(27) هكذا في المصدر المطبوع، وأما في الترجمة: " قال عبيد بن الحسين الزرندي وهو راوي الخبر عن علي بن ابي حمزة ".
(28) راجع المحاسن (البرقي): ص 362 - 363، كتاب السفر من المحاسن، باب 27 ـ ارشاد الضال عن الطريق: ح 98 ـ وراجع الامان من الأخطار (السيد ابن طاووس): ص 121 - 122.
وفيه: " يا صالح ويا أبا صالح ارشدونا... الخ " وفيه: " عبيد بن الحسين الزرندي... الخ " ثم قال: " كذا وجدنا الحديث يا صالح أو يا أبا صالح ويكون السهو من الراوي، وكذا قوله (يمنة أو يسرة) ويكون الشّك ممّن رواه " انتهى.
******************
وقال صاحبنا:(1) سمعت صوتاً دقيقاً يقول: الطريق إلى يمنة.
فأخبرني، ولم يخبر الجماعة.
فقلت: خذوا يمنة، فأخذنا يمنة...".(2)
ولعلّ ذلك فُهِم أو وجد بأن صالح أو أبا صالح اسم أو كنية امام العصر كما تقدّم في الباب الثاني حيث عدّ بعض الأول من اسمائه، والثاني من كناه عليه السلام. ويظهر من الحكاية التاسعة والستين انّ هذا المطلب كان معهوداً بين الشيعة وفهموا منه انّه المرشد عند ضياع الطريق، وبذلك الحال ينادون الامام أو وليّه بهذا الاسم، ولضعف يقين وقصور عقيدة الراوي أو أهل المجلس لم يبين المراد.
واسماء النبي وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما مختلفة ومتعددة بحسب طبقات السماوات والعرش والكرسي والجنات واللوح والقلم وسائر المقامات العلوية والدركات الجهنميّة والطبقات الأرضية، وسائر العوالم وأصناف المخلوقات العلوية والسفلية، وفي كلٍّ مذكور ومكتوب ومعروف باسم يدعونه به، كما أقرّ كثير منها في محلّها.
ولعلّ جميع الائمة عليهم السلام مشتركون في تمام هذه المنقبة أو بعضها.(3)
فظهر انّ الدليل في الصحاري ومرشد التائهين أبو صالح وهو الغوث الأعظم ولي العصر صاحب الزمان صلوات الله عليه.
وإذا يشبه لأحد انّه بلحاظ كرامات جملة من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم مثل سلمان، وسائر خاصة باقي الائمة عليهم السلام مثل ميثم واُويس، وجابر الجعفي ونظائرهم، وكرامات بعض العبّاد، والزهاد، والعلماء، والصالحين، فيحتمل انّ هذه الكرامة منهم ايضاً وانّ صدورها شيء ممكن.. أو انّ صالح اسم جني يسير في البلاد لارشاد الضائعين، وحبس الحيوان الفارّ، كما هو مروي في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام.(4)
فنقول في الجواب: ومع ثبوت هذا الاحتمال ففيه دلالة على المقصود ايضاً، فانّ الهدف الأصلي من ذكر هذه القصص هو اثبات وجوده المبارك عليه السلام، وانّه موجود بين الخلق، وانّ وجوده نافع لهم.
ومن المعلوم فانّه لا ينجي شيعته عليه السلام الّا من يشاركهم في عقيدتهم ولا يخالفهم في المذهب والطريقة، فانّ اكثرهم(5) يحلل دماءَهم ومالهم وعرضهم، بل يقول بعض الشافعية: إذا أوصى أحد بمال ان يعطى لأجهل الناس، فلابدّ أن يعطى للذين ينتظرون القائم المهدي.
فلا يكون ذلك الشخص الذي تظهر منه مثل هذه الكرامة الّا أن يكون كامل العقيدة ومهذباً في الأعمال والأقوال ومزكّى في الأخلاق والأفعال والحركات والخطرات، فيكون داخلا ـ بملاحظة الباب المتقدّم ـ في سلسلة الخواص الذين شربوا أحياناً من قدح الوصال.
فالمضطر المستغيث إما انّه قد رأى نفس الامام عليه السلام، أو رأى من رأى الامام عليه السلام; وليس المطلوب الّا هذا.
ويقول الشيخ ابراهيم الكفعمي في حاشية (الجنّة الواقية) في دعاء أم داود بعد الصلوات هناك على الأوصياء والسعداء والشهداء وائمة الهدى عليهم السلام: " اللهم صلّ على الأبدال والأوتاد السيّاح، والعباد، والمخلصين، والزّهاد، وأهل الجدّ والاجتهاد".
قال: " انّ الأرض لا تخلو من القطب، وأربعة أوتاد، وأربعين بدلا، وسبعين نجيباً، وثلاثمائة وستين صالحاً.
فالقطب هو المهدي عليه السلام.
ولا تكون الأوتاد اقلّ من أربعة لأن الدنيا كالخيمة، والمهدي صلوات الله عليه كالعمود، وتلك الأربعة أطنابها، وقد تكون الأوتاد اكثر من أربعة.
والأبدال اكثر من أربعين.
والنجباء اكثر من سبعين.
والصالحون أكثر من ثلاثمائة وستين.
والظاهر انّ الخضر، والياس عليهما السلام من الأوتاد، فهما ملاصقان لدائرة القطب.
وأما صفة الأوتاد فهم قوم لا يغفلون عن ربّهم طرفة عين، ولا يجمعون من الدنيا الّا البلاغ(6) ولا تصدر منهم هفوات البشر، ولا يشترط فيهم العصمة. وشرط ذلك في القطب.
وأما الأبدال فدون هؤلاء في المرتبة، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر، ولا يتعمّدون ذنباً.
وأما النجباء دون الأبدال.
وأما الصالحون فهم المتّقون الموصفون بالعدالة، وقد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم، قال الله تعالى: (اِنَّ الَّذِينَ اتَّقوا اِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَاِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).(7)
ثمّ قال الشيخ الكفعمي: "جعلنا الله من القسم الأخير، لأنا لسنا من القسم الأول، لكن دين الله بحبهم وولايتهم، ومن أحبّ قوم حشر معهم.
وقيل: إذا نقص أحدٌ من الأوتاد الأربعة وضع بدله من الأربعين، وإذا نقص احدٌ من الأربعين وضع بدله من السبعين، واذا نقص احدٌ من السبعين، وضع بدله من الثلاثمائة والستين، وإذا نقص أحد من الثلاثمائة والستين وضع بدله من سائر الناس".(8)
تمّ كلام الشيخ المذكور.
ولم اعثر لحدّ الآن على خبر بهذا الترتيب المذكور; ولكن الشيخ المذكور كان متقدّم عصره في الاطلاع والتتبّع وكانت عنده كثير من كتب القدماء التي لا أثر لها في هذا العصر. وبالطبع فاني لم أره في محلّ معتبر ولا يوجد في مثل هذا الكتاب الشريف، ويوجد قريب من هذه العبارة في كتب جماعة الصوفية السنة، ولكن ليس هناك ذكر لإمام العصر عليه السلام فيها، ولا أساس لكلماتهم.
* * *
الباب العاشر
في ذكر شمّة من تكاليف العباد لإمام العصر عليه السلام
في ذكر شمّة من تكاليف العباد بالنسبة إلى امام العصر صلوات الله عليه، وآداب العبودية ومراسم امتثال اوامره وكيفية اطاعته ومعرفة انّه عبد طاعته وأكل فتات مائدة احسان وجوده العام، وانّه الامام المعظّم، وانّه واسطة وصول الفيوضات الالهية والنِعَم غير المتناهية الدنيوية والأخروية; فانّ تلك التكاليف هي من آداب مراسم العبودية، ولوازم الاحترام والتوقير لازمة له عليه السلام، ولا غاية من القيام بها الّا ذلك، وإن كانت سبباً للخيرات العاجلة والآجلة، ودخول العامل لها في زمرة المحبين المطيعين، أو تظهر من المقدّمات ما يكون وسيلة إليه عليه السلام لكسب المنافع الدنيوية والأخروية ودفع الشرور الأرضية والسماوية، فلا طريق لذلك الكسب والدفع الّا بالتشبث بأذياله عليه السلام والالتماس منه ولي النعم بلسان القوّة(9) والحال أو بلسان التضرّع والمقال.
ويبين منه(10) عدّة أشياء بعضها قلبية، وبعضها جوارحيه، وبعضها لسانية، وبعضها مالية:
الأول:(11)
أن يكون مهموماً له عليه السلام في أيام الغيبة والفراق، وسببه متعدّد:
الأول: لمستوريّته ومحجوبيّته وعدم الوصول إلى أذيال وصاله، والعيون لم تقرّ بالنظر إلى نور جماله، مع وجوده بين الأنام، واطّلاعه عليه السلام على خفايا اعمال العباد في آناء الليل والأيام، فلا يكون الانسان صادقاً بادّعائه بالوصول إلى درجة الايمان هذه بمجرّد القول باللسان الّا أن تكون محبّته لمواليه عليهم السلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ـ على ما نقله الشيخ الصدوق في الأمالي، والشيخ الطوسي في الأمالي، وابن شيرويه في الفردوس ـ:
" لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته.
قال: فقال رجل من القوم: يا أبا عبد الرحمن! ما تزال تجيء بالحديث يحيي الله به القلوب".(12)
ولعلّ هذا المقام هو أوّل درجة الايمان عندما تكون محبّته لمواليه عليهم السلام مثل محبّته لأخصّ أولاده وأقربهم وأكملهم عنده.
فالعارف بخصائصهم الذاتية وكمالاتهم النفسانية ونعمهم واحسانهم اللامتناهي للعباد يصل ـ بمقدار علمه ومعرفته ـ انّه لا يستحق أحد الحبّ في الخلق إلّا اُولئك المعظمين عليهم السلام، وإذا كانت رؤيته لانتسابه وعلاقته ـ وإن كانت جزئية ـ بآل بيت الرحمة والعظمة.. وإذا شرب الانسان في الواقع جرعة من شراب المحبّة السائغ لإمامه، وتعلّق قلبه بالفطرة والرياضة بوجوده المقدّس، فطبيعتاً سوف يكون مهموماً لفراقه بحيث يسلب النوم من عينه،وتسلب لذّة الطعام والشراب من فمه،وقد روي في (الخصال) و(من لا يحضره الفقيه) عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
"خمسة لا ينامون ـ إلى انّ عدّ منها ـ والمحبّ حبيباً يتوقّع فراقه".(13)
وبالطبع فانّ مثل هذا الشخص إذا ابتلي بالفراق فسوف يزداد همّه، ويكون قلقه غير محدود، ويزداد اضطرابه، وينسى لذّة النوم بالمرّة لفراق ذلك الشخص الذي هو بهذه العظمة والجلالة والكثير الرأفة، والاحسان، والعطف، والذي هو أرحم من ألف أب حاضر وناظر، ولكنّه أخفي في ستر وحجاب من الحجب الالهية بحيث لا تصل إلى أذياله يد، ولا تقع على جماله عين، ولا يأتي خبر من مقر سلطنته، ولا أثر عن محلّ اقامته ورحله، ويُرى كلّ دان ورذيل الّا ذلك الذي لولاه لا يُرى احدٌ، ويسمع كلّ لغو غير لائق وكلّ منكر الّا ذلك الكلام الذي لولاه ما سُمِع كلام.
وروي في عيون أخبار الرضا عليه السلام في خبر متعلّق به عليه السلام; انّه قال عليه السلام: " كم من حرى مؤمنة وكم من مؤمن متأسّف حيران(14) حزين عند فقدان الماء المعين"(15) يعني الحجة عليه السلام.(16)
وقد أشير إلى هذا المقام في فقرات شريفة من دعاء الندبة المعروف الذي يقرأ في الأعياد الأربعة ويوم الجمعة وليلته(17)، ومحصل مضمون بعضها بعد أن ذكر بعض أوصافه ومناقبه أرواحنا فداه:
" ليت شعري أين استقرّت بك النوى، بل أيُّ أرض تقلّك أو ثرى، أبِرَضوَى أو غيرها أم ذي طوى..
عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى.
عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى، ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى.
بنفسي أنت من مغيّب لم يخل منّا.
بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا.
بنفسي أنت أمنيّة شائق يتمنّى من مؤمن ومؤمنة ذكر فحنّا...
عزيز عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى..
عزيز عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى..
هل من معين فاُطيل معه العويل والبكاء..
هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا..
هل قذيت(18) عين فساعدتها عيني على القذى..
هل إليك يا ابن احمد سبيل فتلقى..
هل يتصل يومنا منك بغده فنحظى..
متى نرد مناهِلك الروية فنروى..
متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصدى..
متى نغاديك ونراوحك فنقر عيناً..
متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر.... إلى آخر الدعاء(19) وهو نموذج لشكوى ألَم القلب الذي شرب كأساً من عين محبّته عليه السلام، وينبغي أن يُشتكى بأمثال هذه الكلمات، ويُصبُّ على نار هجرانه كفّ من ماء الوجد.
الثاني: لمنعه ذلك السلطان العظيم الشأن عن لباس الخلافة والسلطة الظاهرية على جميع العالم التي ما خيطت لأحد إلّا له بقامته المعتدلة، فله الرتق والفتق واجراء الأحكام والحدود وتبليغ الأوامر الالهية ومنع الاعتداء والجوار، واعانة الضعيف، واغاثة المظلوم، وأخذ الحقوق، واظهار واعلان الحق، وإبطال وإزهاق الباطل، وهو عليه السلام الذي لا يأتيه الظلم والعدوان.
وبالاضافة إلى سلبه جميع مظاهر السلطنة الظاهرية، وحكم البلاد والعباد والأموال; فهو غير متمكّن من اظهار نفسه المعظمة خوفاً من الظالمين، وفي طول هذا الزمان يسيح وحده أو مع بعض مواليه الخاصّين في البراري والقفار، ويرى حقّه بيد غيره، ويدعه ويصبر للأمر الالهي.
وبالطبع فانّه عليه السلام على أقل غيرة يكون مهموماً وحزيناً، ويكون حاله مثل حال ابن السلطان العادل جميع احكامه طبق قانون العدل والقسط رحيماً على رعاياه، فيغلبه عدو، ويضعه في زاوية سجن، ويأخذ على يده فلا تصل إلى شيء، ولا يفعل شيئاً غير الجور والعدوان.
وروي في الكافي والتهذيب والفقيه عن الامام الباقر عليه السلام انّه قال لعبد الله بن ظبيان: " ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلّا وهو يجدد الله لآل محمد عليهم السلام فيه حزناً.
قال: قلت: ولِمَ؟
قال: انّهم يرون حقهم في أيدي غيرهم".(20)
وقال السيد الجليل علي بن طاووس رحمه الله في كشف المحجة:
" واوصيك يا ولدي محمد وأخاك ومن يقف على كتابي هذا بالصدق في معاملة الله جلّ جلاله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم وحفظ وصيّتهما بما بشرا به من ظهور مولانا المهدي عليه السلام فانني وجدت القول والفعل من كثير من الناس في حديثه عليه السلام مخالفاً للعقيدة من وجوه كثيرة.
منها: انّني وجدت انّه لو ذهب من الذي يعتقد امامته عبد أو فرس أو درهم أو دينار تعلّق خاطره وظاهره بطلب ذلك الشيء المفقود وبذل في تحصيله غاية المجهود، وما رأيت لتأخر هذا المحتشم عظيم الشأن عن اصلاح الاسلام والايمان وقطع دابر الكفّار وأهل العدوان مثل تعلّق الخاطر بتلك الأشياء المحقّرات! فكيف يعتقد من يكون بهذه الصفات انّه عارف بحقّ الله جلّ جلاله، وحقّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ومعتقداً امامته على الوجه الذي يدّعي المغالاة والموالاة لشريف معاليه.
ومنها: انّني وجدت من يذكر انّه يعتقد وجوب رياسته والضرورة إلى ظهوره وانفاذ احكام امامته لو واصله بعض من يدّعي انّه عدو لإمامته من سلطان وشمله بأنعامه كان قد تعلّق خاطره ببقاء هذا السلطان المشار إليه وشغله ذلك عن طلب (المهدي) عليه السلام وعمّا يجب عليه من التمني لعزل الوالي المنعم عليه.
ومنها: انّني وجدت من يدّعي وجوب السرور بسروره والتكدّر بتكدّره صلوات الله عليه يقول: انّه يعتقد انّ كلّ ما في الدنيا قد أخذ من يد (المهدي) عليه السلام وغصبه الناس والملوك من يديه ومع هذا لا أراه يتأثر بذلك النهب والسلب كتأثره لو أخذ ذلك السلطان منه درهماً أو ديناراً أو ملكاً أو عقاراً، فأين هذا من الوقار ومعرفة الله جلّ جلاله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ومعرفة الأوصياء!".(21)
إلى آخر كلامه الشريف من هذا القبيل، وقد وُصِفَ عليه السلام مراراً في الأخبار بالغريب الطريد الوحيد الشريد المظلوم المنكَر حقّه.
الثالث: ولعدم الحصول على الطريق الواسع المستقيم الواضح للشريعة المطهرة وانحصار الطريق للوصول إليه بطرق ضيقة ظلماء في كلّ مضيق منها كمن مجموعة من اللصوص الداخليين للدين المبين، يدخلون دائماً الشكوك والشبهات في قلوب العامة بل الخاصة حتى يكذب ويلعن ويشتم أصحاب هذه الفرقة القليلة والعصابة المهتدية الامامية بعضهم البعض الآخر، ويتسلّط عليهم اعداؤهم، ويخرجون من الدين أفواجاً أفواجاً، ويعجز العلماء الصالحون عن اظهار علمهم، ويصدق وعد الصادقين عليهم السلام، وسيأتي زمان على المؤمن حفظ دينه أشد من القبض على جمرة نار في اليد.
روى الشيخ النعماني عن عميرة بنت نفيل قالت: سمعت الحسين بن علي عليهما السلام يقول: لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً.
فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير.
فقال الحسين عليه السلام الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا، ويدفع ذلك كلّه.(22)
وروى ايضاً عن الامام الصادق عليه السلام خبراً بهذا المضمون.(23)
وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال إلى مالك بن ضمرة:
يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبّك اصابعه وادخل بعضها في بعض.
فقلت: يا أمير المؤمنين! ما عند ذلك من خير.
قال: الخير كلّه عند ذلك، يا مالك! عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلا يكذبون على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، فيقتلهم، ثمّ يجمعهم الله على أمر واحد.(24)
وروى ايضاً عن الامام الباقر عليه السلام انّه قال:
" لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وانّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها. وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها".(25)
وروى عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
" والله لتكسرنّ تكسر الزجاج، وانّ الزجاج ليعاد فيعود (كما كان)، والله لتكسرنّ تكسّر الفخار، فانّ الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان.
( و ) والله لتغربلنّ، ( و ) والله لتميزن، ( و ) والله لتمحصنّ حتى لا يبقى منكم الّا الأقل، وصعر كفّه".(26)
وروى بهذا المضمون أخباراً كثيرة.(27)
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في كمال الدين عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال:
"كأنّي بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى فلاتجدونه يا معشر الشيعة".(28)
وروى عنه عليه السلام انّه قال لعبد الرحمن بن سيابة:
"كيف أنتم إذا بقيتم بلا امام هدى، ولا عَلَم، يتبرأ بعضكم من بعض فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون...".(29)
وروى عن سدير الصيرفي انّه قال:
دخلت أنا والمفضل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبريّ(30) مطوّق بلا جيب، مقصّر الكمّين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدّموع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتُكَ نفتْ رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد، فما اُحسّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرّزايا وسوالف البلايا الّا مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدّها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننّا انّه سمت لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدّهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك، من أيّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟
قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتدّ عنها خوفه، وقال: ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرّزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خصّ الله به محمداً والائمة من بعده عليهم السلام، وتأمّلت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الاسلام من اعناقهم التي قال الله تقدّس ذكره: (وَكُلّ اِنْسَان اَلْزَمْنَاهُ طَائِرهُ فِى عُنُقِهِ)(31) ـ يعني الولاية ـ فأخذتني الرقة، واستولت عليّ الأحزان...(32).
ويكفي هذا الخبر الشريف في هذا المقام فان تحيّر وتفرّق وابتلاء الشيعة في أيام الغيبة وتولّد الشكوك والشبهات في قلوبهم كان سبباً لبكاء الامام الصادق عليه السلام بسنين كثيرة قبل وقوعه، وكان سبباً لسلب النوم من عينيه المباركتين.
فابتلاء المؤمن بذلك حادث عظيم، وغرق في الدوامة المظلمة الكثيرة والشديدة الموج، فينبغي عليه أن يكون دائماً ببكاء وألم وأنين، واضطراب وحزن وهمّ، وتضرّع إلى الباري جلّ وعلا.
الثاني:
من التكاليف القلبية انتظار فرج آل محمد عليهم السلام في كلّ آن، وترقّب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد عليهم السلام، وامتلاء الأرض قسطاً وعدلا، وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيّه الأكرم ووعده بذلك، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم، انّه يأتي يوم مثل هذا اليوم الذي لا يعبد به غير الله تعالى، ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد، ويزول العباد والشدّة من عبدة الحق، كما في زيارة مهدي آل محمد عليهم السلام:
" السلام على المهدي الذي وعد الله به الأمم أن يجمع به الكلم، ويلمّ به الشعث، ويملأ به الأرض عدلا وقسطاً، وينجز به وعد المؤمنين".
وكان هذا الوعد بالفرج العظيم في سنة سبعين للهجرة، كما رواه الشيخ الراوندي في الخرائج عن أبي اسحاق السبيعي، وقد رواه عن عمرو بن الحمق ـ وكان أحد الأربعة اصحاب أسرار أمير المؤمنين عليه السلام ـ قال:
" دخلت على علي عليه السلام حين ضرب الضربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس، وانما هو خدش.
قال: لعمري إني لمفارقكم، ثم قال لي: إلى السبعين بلاءاً، قالها ثلاثاً.
قلت: فهل بعد البلاء رخاء.
فلم يجبني وأغمي عليه".. إلى أن قال:
" فقلت: يا أمير المؤمنين انك قلت: إلى السبعين بلاء، فهل بعد السبعين رخاء؟
قال: نعم، وان بعد البلاء رخاء: (يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثبت وَعِنْدَهُ اُمُّ الْكِتَابِ)(33)...".(34)
وروى الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة)، والكليني في (الكافي) عن أبي حمزة الثمالي انّه قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: انّ علياً عليه السلام كان يقول: " إلى السبعين بلاء " وكان يقول: " بعد البلاء رخاء " وقد مضت السبعون ولم نَرَ رخاءً!
فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ثابت انّ الله تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلمّا قتل الحسين عليه السلام اشتدّ غضب الله على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السر، فأخّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً و (يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثبت وَعِنْدَهُ اُمُّ الْكِتَابِ).(35)
قال أبو حمزة: وقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: قد كان ذاك.(36)
الهوامش
(1) قال المؤلف رحمه الله: " يعني ذلك الذي تنحّى ونادى بذلك ".
(2) راجع المحاسن (البرقي): ص 363 ـ وفي أمان الأخطار (السيد ابن طاووس): ص 122 وفي القضية زيادة: " فأخذنا يمنة فما سرنا الّا قليلا حتى عارضنا الطريق ".
(3) أقول: ويصلح كشاهد على ذلك ما رواه الصدوق عليه الرحمة في الخصال: ص 626، باب حديث الاربعمائة، عن أمير المؤمنين عليه السلام (ونحن باب الغوث إذا اتقوا...).
(4) أقول: راجع الخصال (الصدوق): ص 628، باب حديث الاربعمائة:
"ومن ضلّ منكم في سفر، أو خاف على نفسه فليناد: (يا صالح أغثني) فانّ في اخوانكم من الجنّ جنيّاً يسمّى صالحاً يسيح في البلاد لمكانكم، محتسباً نفسه لكم، فاذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال وحبس عليه دابته ".
وعقد السيد ابن طاووس في كتابه (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) فصلا تحت عنوان (الفصل التاسع: فيما نذكره من تصديق صاحب الرسالة انّ في الأرض من الجنّ من يدلّ على الطريق عند الضلالة): ص 123، الطبعة المحققة ـ وروى عن المحاسن (للبرقي): ص 379 وغيره ـ وراجع البحار: ج 76، ص 242 وما بعدها، باب 48، وفي هذا الباب عدّة أحاديث تناسب هذا المقام، اعرضنا عن ذكرها خشية الاطالة راجعها ان شئت.
(5) أي من يخالفهم في العقيدة.
(6) البلاغ: الكفاية، راجع مختار الصحاح (الرازي): ص 63.
(7) الآية 201 من سورة الأعراف ـ قال المؤلف في ترجمة الآية الشريفة: " (انّ الذين اتقّوا إذا مسّهم طائف) في قلبهم (من الشيطان) وسوس لهم، أو يكون عذاب من جنس مرض الماليخوليا (الهذيان) والجنون (تذكروا) وهو أحد أركان التوبة الأربعة ".
(8) راجع الجنة الواقية: ص 534 ـ 535.
(9) القوة: مقابل الفعل، وتأتي بمعنى القابلية والاستعداد.
(10) أي التكاليف.
(11) أي التكليف الأول.
(12) راجع الصدوق (الأمالي): ص 274 ـ 275، المجلس 54، ح 9.
(13) الخصال (الصدوق): ص296، باب الخمسة، ح64 ـ من لا يحضره الفقيه (الصدوق): ج1، ص 503، الباب 78، رقم الحديث 1446.
(14) في العيون المطبوع (حيران) كما في الترجمة وكذلك في (مكيال المكارم) ولكن في (كمال الدين) حرّان بدل حيران.
(15) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 370 - 371 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام (الصدوق): ج 2، ص 7 ـ مكيال المكارم (السيد محمد تقي الموسوي الاصفهاني): ج 2، ص 166.
(16) هذا التفسير من المؤلف رحمه الله وقد تقدّمت عدّة روايات في تفسير الماء المعين بأحاديث اُخرى بالامام عموماً عليه السلام وبالحجة عليه السلام.
(17) يوم الجمعة هو رابع الأعياد الأربعة، وذكر المجلسي في البحار: ج 102، ص 104 عن السيد ابن طاووس في مصباح الزائر انّه يدعى بدعاء الندبة في الأعياد الأربعة، ولكن المؤلف النوري قدّس سرّه زاد في كتابه تحيّة الزائر استحبابه في ليلة الجمعة كاستحبابه في الأعياد الأربعة، والله العالم ـ راجع مكيال المكارم: ج 2، ص 93.
(18) قال المؤلف رحمه الله: " هي كناية عن كثرة البكاء ".
(19) راجع دعاء الغيبة في (البحار): ج 102، ص 104 ـ مفاتيح الجنان (الشيخ عباس القمي): ص 536 و537 ـ مكيال المكارم: ج 2، ص 93 ـ زاد المعاد (المجلسي): ص 491 ـ تحفة الزائر (المجلسي): ص 414 ـ جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 553، وغير ذلك من المصادر.
(20) رواه الكليني في (الكافي) ـ الفروع ـ: ج 4، ص 170، كتاب الصيام، باب النوادر، ح 2، وفيه عن حنان بن سدير، عن عبد الله بن دينار عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: يا عبد الله ما من عيد... الخ.
ورواه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه): ج1، ص324، باب 79 (باب صلاة العيدين)، ح 28، رقم الحديث العام 1484، تحقيق المرحوم آية الله السيد حسن الخرسان رحمه الله، ورواه مرسلا عن الامام الباقر عليه السلام.
ورواه الصدوق في (علل الشرايع): ص 389 باسناده عن حنان بن سدير عن عبد الله بن دينار عن أبي جعفر عليه السلام، باب 126، العلة التي من أجلها يتجدد لآل محمد صلوات الله عليهم في كلّ عيد حزن جديد.
ورواه الطوسي في (تهذيب الأحكام): ج 3، ص 289، (باب صلاة العيد)، ح 26، رقم الحديث العام (870) ـ وفيه حنان بن سدير عن عبد الله بن ذبيان.
وراجع وسائل الشيعة (الحرّ العاملي): ج 5، ص 136، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، باب 31، ح 1 ـ وراجع جامع أحاديث الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، باب 31، ح 1.
(21) راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 148 ـ 149.
(22) راجع الغيبة (النعماني): ص 205 ـ 206، باب 12، ح 9.
(23) راجع الغيبة (النعماني): ص 206 ـ باب 12، ح 10، باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام انّه قال: " لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يسمّي بعضكم بعضاً كذابين ".
(24) راجع الغيبة (النعماني): ص 206، باب 12، ح 11.
(25) راجع الغيبة (النعماني): ص 206 ـ 207، باب 12، ح 12.
(26) راجع الغيبة (النعماني): ص 207، باب 12، ح 13.
(27) راجع الغيبة (النعماني): باب 12، ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرّق والتشتت عند الغيبة حتى لا يبقى على حقيقة الأمر الّا الأقل الذي وصفه الائمة عليهم السلام.
(28) راجع الصدوق (كمال الدين): ج 1، ص 203، ح 17 ـ ح 18.
(29) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 348، باب 33، ح 36، وفيه عن الامام الصادق عليه السلام، ولعله من سهو القلم الشريف للمؤلف النوري رحمه الله.
(30) المسح: الكساء من الشعر.
(31) الآية 13 من سورة الاسراء.
(32) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 352 ـ 354، والظاهر انّ المؤلف رحمه الله قد ترجمها مختصراً لها، والرواية لها تتمة طويلة.
(33) من الآية 39 من سورة الرعد.
(34) راجع الخرائج والجرائح: ج 1، ص 178، ح 11.
(35) الآية 39 من سورة الرعد.
(36) راجع الغيبة (الطوسي): ص 428، المحققة ـ البحار: ج 4، ص 114، ح 39 ـ البحار: ج 52، ص 105، ح 11 ـ مستدرك الوسائل: ج 12، ص 300، ح 34، الطبعة المحققة ـ الغيبة (النعماني): ص 293، ح 10 ـ الكافي (الكليني): ج 1، ص 368، ح 1 ـ الخرائج (الراوندي): ج 1، ص 178، ذيل حديث 11.
******************
وروى الشيخ النعماني في كتاب (الغيبة) عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام انّه قال:
"من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم عليه السلام".(1)
وروى أيضاً عن أبي بصير عنه عليه السلام انّه قال ذات يوم:
" ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملا إلّا به؟
فقلت: بلى.
فقال: شهادة أن لا إلـه الّا الله، وانّ محمداً عبده ورسوله، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا ـ يعني الائمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم عليه السلام.
ثمّ قال: انّ لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء.
ثمّ قال: مَنْ سرّه أن يكون من اصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه. فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم ايّتها العصابة المرحومة".(2)
وروى الشيخ الصدوق في كمال الدين عنه عليه السلام انّه قال: " من دين الائمة; الورع والعفة والصلاح وانتظار الفرج".(3)
وروى ايضاً عن الامام الرضا عليه السلام: "انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: أفضل أعمال امتي انتظار الفرج من الله عز وجل".(4)
وروى ايضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال: "المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله".(5)
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج انّه خرج توقيع عن صاحب الأمر عليه السلام بيد محمد بن عثمان، وكان في آخره:
"واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فان ذلك فرجكم".(6)
وروى الشيخ الطوسي في الغيبة عن المفضل قال: ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال: لنا أبو عبد الله عليه السلام:
إذا قام أتى المؤمن في قبره، فيقال له: يا هذا! انّه قد ظهر صاحبك، فان تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.(7)
وروى الشيخ البرقي في المحاسن عنه عليه السلام انّه قال لرجل من أصحابه:
"من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام".(8)
وفي رواية اُخرى: " هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم".(9)
وفي رواية اُخرى:
"كان كمن استُشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم".(10)
وروى عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن الفرج؟
فقال: أوليس تعلم ان انتظار الفرج من الفرج ان الله يقول: (انْتَظِرُوا اِنِّى مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين)(11).(12)
وروي عنه عليه السلام انّه قال:
"ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول الله عزوجل (وَارْتَقِبُوا اِنِّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(13) ( وقوله عز وجل)(14) و (انْتَظِرُوا اِنِّى مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين).(15)
فعليكم بالصبر فانّه انما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم".(16)
وروي ايضاً عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
"المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يذبّ عنه".(17)
وروى البرقي عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال:
"أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله".(18)
وروى السيد ابن طاووس في كتاب المضمار عن محمد بن علي الطبرازي روى بسند معتبر عن حماد بن عثمان قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان، فقال لي: يا حماد! اغتسلت؟
قلت: نعم، جعلت فداك.
فدعا بحصير، ثم قال لي: الى لزقي(19) فصلّ، فلم يزل يصلّي وأنا أصلي إلى لزقه حتى فرغنا من جميع صلاتنا، ثم أخذ يدعو، وأنا أؤمّن على دعائه إلى أن اعترض الفجر، فأذّن وأقام ودعا بعض غلمانه، فقمنا خلفه، فتقدّم فصلّى بنا الغداة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وإنا انرلناه في ليلة القدر في الأولى; وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد.
فلمّا فرغنا من التسبيح، والتحميد، والتقديس، والثناء على الله تعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم(20)، والدعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين، والمسلمات، الأولين، والآخرين; خرَّ ساجداً لا أسمع منه الّا النفس ساعة طويلة، ثم سمعته يقول: " لا إلـه الّا أنت مقلب القلوب والأبصار "إلى آخر الدعاء وهو طويل، وقال في آخره:(21) "أن تصلّي على محمد وأهل بيته، وأن تأذن لفرج مَنْ بفرجه فَرَج اوليائك، واصفيائك مِنْ خلقك، وبه تبيد الظالمين وتهلكهم، عجل ذلك يا ربّ العالمين... الخ".(22)
فلمّا فرغ، رفع رأسه.
قلت: جعلت فداك، سمعتك وأنت تدعو بفرج مَنْ بفرجه فرج اصفياء الله واوليائه، أوَلَسْتَ أنت هو؟
قال: لا، ذاك قائم آل محمد عليهم السلام.
قلت: فهل لخروجه علامة؟
قال: نعم، كسوف الشمس عند طلوعها ثلثي ساعة من النهار، وخسوف القمر ثلاث وعشرين، وفتنة تظل(23) أهل مصر البلاء، وقطع السبيل(24)، اكتف بما بينت لك، وتوقع(25) أمر صاحبك ليلك ونهارك، فانّ الله كلّ يوم هو في شأن لا يشغله شأن من شأن ذلك (الله)(26) ربّ العالمين، وبه تحصين اوليائه، وهم له خائفون.(27)
وبهذا المضمون اخبار كثيرة، واكتفينا بهذا المقدار لأنّه لم يكن غرضنا استيفاء جميعها.
ولا يخفى ان الشيخ الطوسي قال بعد أن ذكر خبر ابي حمزة عن الامام الباقر عليه السلام والخبر الذي قبله عن أبي بصير: قال: قلت له: ألهذا الأمر(28) أمد(29) نريح إليه ابداننا، وننتهي إليه؟(30) قال: بلى، ولكنّكم أذعتم فزاد الله فيه.(31)
قال الشيخ:
الوجه في هذه الأخبار أن نقول إن صحّت: انّه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت فلمّا تجدّد ما تجدّد تغيّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوّل وكلّ وقت يجوز أن يؤخّر مشروطاً بأن لا يتجدّد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيّره شيء فيكون محتوماً، وعلى هذا يتأوّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزّيارة فيها عند الدّعاء وصلة الأرحام وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك. وهو تعالى وإن كان عالماً بالأمرين فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوماً بشرط والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل.(32)
ثم نقل جملة من الأخبار التي وردت في البداء، وقال بعد ذلك:
والوجه في هذه الأخبار ما قدّمنا ذكره من تغيّر المصلحة فيه واقتضائها تأخير الأمر إلى وقت آخر على ما بيّنّاه دون ظهور الأمر له تعالى فانّا لا نقول به ولا نجوّزه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً".(33)
ثم ذكر اشكالا: " هذا يؤدي إلى أن لا نثق بشيء من أخبار الله تعالى". وأجاب عنه: الأخبار على ضربين ضرب لا يجوز فيه التغيّر في مخبراته فانّا نقطع عليها لعلمنا بأنّه لا يجوز أن يتغيّر المخبر في نفسه، كالإخبار عن صفات الله، وعن الكائنات فيما مضى، وكالإخبار بأنّه يثيب المؤمنين، والضرب الآخر هو ما يجوز تغيرّه في نفسه لتغيّر المصلحة عند تغيّر شروطه فانّا نجوّز جميع ذلك كالإخبار عن الحوادث في المستقبل الّا أن يرد الخبر على وجه يعلم أنّ مخبره لا يتغيّر فحينئذ نقطع بكونه، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات(34) فأعلمنا انّه مما لا يتغيّر أصلا فعند ذلك نقطع به.(35)
الثالث:
من التكاليف الدعاء لحفظ وجود امام العصر عليه السلام المبارك من شرّ شياطين الانس والجن، والدعاء بطلب التعجيل لنصرته وظفره وغلبته على الكفار والملحدين والمنافقين; وهذا ايضاً نوع من اظهار العبودية والرضا بما وعد الله تعالى ان هذا الجوهر الثمين يصنع في خزانة قدرته ورحمته وأسدل على وجهه حجاب العظمة والجلالة إلى اليوم الذي يرى المصلحة باظهار ذلك الجوهر الثمين وإضاءة الدنيا من شعاع نوره، ولا يظهر أثر من الدعاء في مثل هذا الوعد المنجز الحتمي إلّا أداء مراسم العبودية واظهار الشوق وزيادة المحبة والثواب، والرضا بمواهب الله تعالى الكبرى. ولو انّهم عليهم السلام اكدوا بالغاية وحرصوا بالشدة على الدعاء له صلوات الله عليه في أغلب الأوقات.
قال السيد الجليل علي بن طاووس في الفصل الثامن من كتاب فلاح السائل بعد أن ذكر الترغيب في الدعاء للاخوان:
"إذا كان هذا كلّه فضل الدعاء لاخوانك فكيف فضل الدعاء لسلطانك الذي كان سبب امكانك وأنت تعتقدان لولاه ما خلق الله نفسك ولا أحداً من المكلفين في زمانه وزمانك، وان اللطف بوجوده صلوات الله عليه سبب لكل ما أنت وغيرك فيه وسبب لكل خير تبلغون إليه، فإيّاك ثم إيّاك أن تقدّم نفسك أو أحداً من الخلايق في الولاء، والدعاء له بأبلغ الامكان، وأحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن، واياك أن تعتقد انني قلت هذا لأنّه محتاج إلى دعائك هيهات هيهات إن اعتقدت هذا فأنت مريض في اعتقادك وولائك، بل انما قلت هذا لما عرّفتك من حقّه العظيم عليك واحسانه الجسيم اليك، ولأنّك إذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولمن يعزّ عليك كان أقرب إلى أن يفتح الله جلّ جلاله أبواب الاجابة بين يديك لأن أبواب قبول الدعوات قد غلقتها أيها العبد بأغلاق الجنايات، فاذا دعوت لهذا المولى الخاص عند مالك الأحياء والأموات يوشك أن يفتح أبواب الاجابة لأجله فتدخل أنت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمرة فضله وتتّسع رحمة الله جلّ جلاله لك وكرمه وعنايته بك لتعلّقك في الدعاء بحبله.
ولا تقل فما رأيت فلاناً وفلاناً من الذين تقتدي بهم من شيوخك بما أقول يعملون، وما وجدتهم الّا وهم عن مولانا الذي أشرت إليه صلوات الله عليه غافلون وله مهملون، فأقول لك أعمل بما قلت لك فهو الحق الواضح ومن أهمل مولانا وغفل عمّا ذكرت عنه فهو والله الغلط الفاضح".(36)
وفي كتاب المضمار في عمل شهر رمضان المبارك بعد ذكره ادعية السحر:
"ومن وظائف كل ليلة أن يبدأ العبد في كلّ دعاء مبرور، ويختم في كلّ عمل مشكور بذكر من يعتقد انّه نائب الله جلّ جلاله في عباده وبلاده، وانّه القيّم بما يحتاج إليه هذا القائم من طعامه وشرابه وغير ذلك من مراده من سائر الأسباب التي هي متعلّقة بالنائب عن ربّ الأرباب، وان يدعو له هذا الصائم بما يليق أن يدعى به لمثله، ويعتقد ان المنّة لله جلّ جلاله ولنائبه، كيف أهّلاه لذلك، ورفعاه به في منزلته ومحله".(37)
ويظهر من هذه الكلمات الشريفة ان أحد أسباب الدعاء له عليه السلام هو أداء مراسم العبودية والتبعية ووفاء الحق العظيم والجليل، وهو أيضاً لرفع موانع القول وموانع الاجابة، وموانع فتح أبواب اللطف والعناية.
وأمّا تفصيل الأدعية المأثورة المختصّة به عليه السلام، فبعضها مطلق، وبعضها مخصوص بزمان، فنذكر هنا بعضاً منها:
الأول: قال السيد رضي الدين علي بن طاووس رحمه الله في الكتاب المذكور بعد الكلام السابق:
فمن الرواية في الدعاء لمن أشرنا إليه صلوات الله عليه ما ذكره جماعة من أصحابنا، وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال: بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناده عن الصالحين عليهم السلام قال:
كرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً، وعلى كل حال، والشهر كلّه، وكيف امكنك ومتى حضرك في دهرك تقول بعد تمجيد الله تعالى، والصلاة على النبي وآله عليهم السلام:
"اللهم كن لوليك القائم بأمرك الحجة بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلوة والسلام في هذه الساعة وفي كل ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلا ومؤيداً (ومريداً)(38) حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طولا وعرضاً وتجعله وذريّته من الائمة الوارثين، اللهمّ انصره وانتصر به واجعل النصر منك له وعلى يده واجعل النصر(39) له والفتح على وجهه ولا توجه الأمر إلى غيره اللهم اظهر به دينك وسنّة نبيّك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، اللهم انّي أرغب اليك في دولة كريمة تعزّ بها الاسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدّعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار واجمع لنا خير الدارين واقض عنّا جميع ما تحب فيهما واجعل لنا في ذلك الخيرة برحمتك ومنك في عافية آمين ربّ العالمين وزدنا من فضلك ويدك الملاْى فان كل معط ينقص من ملكه، وعطائك يزيد في ملكك".(40)
وروى ثقة الاسلام في الكافي عن محمد بن عيسى باسناده إلى بعض الصالحين عليهم السلام انّه قال بعد أن ذكر التفصيل المتقدّم باختلاف يسير:
"تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وفي كل ساعة وليّاً وحافظاً، وناصراً، ودليلا، وقائداً وعين(41) حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلا".(42)
ونقل الشيخ ابراهيم الكفعمي في المصباح بعد التفصيل المذكور، الدعاء بهذا الشكل: "اللهم كن لوليك محمد بن الحسن المهدي في هذه الساعة وفي كلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلا وعيناً حتى تسكنه ارضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلا".(43)
الثاني: روى جماعة كثيرة من العلماء منهم الشيخ الطوسي في المصباح، والسيد ابن طاووس في جمال الأسبوع بأسانيد معتبرة صحيحة وغيرها عن يونس بن عبد الرحمن: ان الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام بهذا:
اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك (على خلقك)(44) ولسانك المُعبّر عنك بإذنك الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة في(45) بريّتك وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك عندك، وأعذه من شرّ جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه و (من)(46) تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به واحفظ فيه رسولك وآباءَه ائمتك ودعائم دينك واجعله في وديعتك التي لا تضيع وفي جوارك الذي لا يخفر وفي منعك وعزّك الذي لا يقهر وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه وأيّده (وانصره)(47) بنصرك العزيز وأيّده بجندك الغالب وقوّه بقوّتك واردفه بملائكتك، ووالِ من والاه وعادِ من عاداه وألبسه درعك الحصينة وحفّه بالملائكة حفّاً، اللهمّ وبلّغه أفضل ما بلّغت القائمين بقسطك من اتباع النبيين اللهم اشعب به الصدع وارتق به الفتق وأمِتْ به الجور وأظهر به العدل وزيّن بطول بقائه الأرض وأيّده بالنصر وانصره بالرعب وقوّ ناصريه واخذل خاذليه ودمدم على من نصب له ودمّر من غشّه(48) واقتل به الجبابرة الكفرة وعمّده ودعائمه واقصم به رؤوس الضلالة وشارعة البدع ومميتة السنة ومقوية الباطل وذلل به الجبارين وأبر به الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبرّها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم ديّاراً ولا تُبقي لهم آثاراً اللهم طهّر منهم بلادك واشف منهم عبادك واعز به المؤمنين وأحي به سنن المرسلين ودارس حكمة النبيين وجدّد به ما امتحى من دينك وبُدّل من حكمك حتى تعيد دينك به وعلى يديه جديداً غضاً محضاً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه وحتى تبير(49) بعدله ظلم الجور وتطفئ نيران الكفرة وتوضح به معاقد الحق ومجهول العدل فانّه عبدك الذي استخلصته لنفسك واصطفيته على عبادك وائتمنته على غيبك وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب وطهّرته من الرجس وصرفته من الدنس وسلمته من الريب فإنّا نشهد له يوم القيامة ويوم حلول الطامّة انّه لم يذنب ذنباً ولا أتى حوباً ولم يرتكب معصية ولم يضيع لك طاعة ولم يهتك لك حرمة ولم يبدل لك فريضة ولم يغير لك شريعة وانّه الهادي المهدي الطاهر التقي النقي الرضي الزكي، اللهمّ أعطه في نفسه وأهله وولده وذريّته وأمّته وجميع رعيّته ما تقرّ به عينه وتسرّ به نفسه وتجمع (له)(50) ملك المملكات كلّها قريبها وبعيدها وعزيزها وذليلها حتى يجري حكمه على كلّ حكم ويغلب بحقّه كلّ باطل، اللهم أسلك بنا على يديه منهاج الهدى والمحجة العظمى والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي ويلحق بها التالي وقوّنا على طاعته وثبّتنا على مشايعته وامنن علينا بمتابعته واجعلنا في حزبه القوّامين بأمره الصابرين معه الطالبين رضاك بمناصحته حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه ومقوية سلطانه، اللهم واجعل ذلك لنا خالصاً من كلّ شك وشبهة ورياء وسمعة حتى لا نعتمد به غيرك ولا نطلب به إلّا وجهك وحتى تحلنا محلّه وتجعلنا في الجنّة معه واعذنا من السأمة والكسل والفترة واجعلنا ممن تنتصر به لدينك وتعزّ به نصر وليّك ولا تستبدل بنا غيرنا فان استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا كبير، اللهم صلّ على ولاة عهدك والائمة من بعده وبلّغهم آمالهم وزد في آجالهم وأعزّ نصرهم وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم وثبّت دعاءَهم واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً فانّهم معادن كلماتك وأركان توحيدك ودعائم دينك وولاة أمرك وخالصتك من عبادك وصفوتك من خلقك وأوليائك وسلايل اوليائك وصفوة أولاد رسلك والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.(51)
الهوامش
(1) راجع الغيبة (النعماني): ص 200، باب 11، ح 15 ـ كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 644، باب 55، ح 1.
(2) راجع الغيبة (النعماني): ص 200، باب 11، ح 16 ـ البحار: ج 52، ص 140، باب 22، ح 50.
(3) راجع البحار: ج 52، ص 122، باب 22، ح 1 ـ نقله عن الخصال للصدوق رحمه الله وفي الترجمة (وانتظار فرج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: لا يوجد هذا النص في الخصال ولا في الكمال، وانما في الكتابين رواية رواها عبد الله بن أبي الهذيل: " وسألته عن الامامة فيمن تجب، وما علامة من تجب له الامامة؟ " ثمّ نقل كلاماً طويلا عن الامام الصادق عليه السلام إلى أن قال: " وانّ فيهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، وطول السجود، وقيام الليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة... الخ " راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 337 ـ الخصال (الصدوق): ص 478 و479، ابواب الاثني عشر، ح 36.
والظاهر انّ المؤلف رحمه الله نقل الخبر عن البحار، والله العالم.
(4) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 644، باب 55، ح 3.
(5) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 645، باب 55، ح 6.
(6) راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 284.
(7) راجع الغيبة (الطوسي): ص 459، الطبعة المحققة ـ البحار: ج 53، ص 91، ح 98 ـ الايقاظ من الهجعة (الحر العاملي): ص 271 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 515، ح 358 ـ منتخب الأنوار المضيئة (السيد عبد الكريم النيلي): ص 36 ـ الخرائج (الراوندي): ج 3، ص 1166.
(8) راجع المحاسن (البرقي): ص 173، كتاب الصفوة، باب 38، ح 147 ـ وعنه في البحار: ج 52، ص 125، ح 15.
(9) راجع المحاسن (البرقي): ص 173، كتاب الصفوة، باب 38، ح 146 ـ وعنه في البحار: ج 52، ص 125، ح 14.
(10) راجع المحاسن (البرقي): ص 172 - 173، كتاب الصفوة، باب 38، ح 144 ـ والمحاسن (البرقي): ص 174 " بدون كلمة (كان) "، كتاب الصفوة، باب 38، ح 151 ـ وعنه البحار: ج 52، ص 126، ح 18.
(11) من الآية 71 من سورة الأعراف.
(12) راجع تفسير العياشي (العياشي): ج 2، ص 138، ح 50 ـ كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 645، ولكن بحذف (أو ليس تعلم ان انتظار الفرج من الفرج) ولعله سقط في الطبع فان هذا المقطع قد اثبت في البحار: ج 52، ص 128، ح 22، عن كمال الدين ايضاً ـ ورواه الحويزي في (نور الثقلين): ج 2، ص 333، ح 149 ـ والسيد هاشم البحراني في (البرهان في تفسير القرآن): ج 2، ص 181، ح 3 ـ والفيض الكاشاني في (الصافي): ج 2، ص 428 وفي مصادر اُخرى.
(13) من الآية 94 من سورة هود.
(14) سقطت من المصدر المطبوع واثبتت في البحار عن المصدر.
(15) من الآية 71 من سورة الأعراف.
(16) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 645، ح 5 ـ تفسير العياشي (العياشي): ج 2، ص 20، ح 52 ـ البرهان (السيد هاشم البحراني): ج 2، ص 23، ح 1 ـ البحار: ج 52، ص 129، ح 23 عن كمال الدين وتفسير العياشي وغيرهما من المصادر.
(17) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 647، ح 8 ـ وعنه البحار: ج 52، ص 129، ح 24.
(18) راجع البحار: ج 52، ص 131، ح 33 ـ وقريب منه في الخصال (الصدوق): ج 2، ص 610، باب الأربعمائة (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فانّ أحبّ الأعمال إلى الله عزوجل انتظار الفرج مادام عليه العبد المؤمن...).
ومثله في تحف العقول (لابن شعبة): ص 106، ص 115، وفيه (فان أحبّ الأمور) بدل (الأعمال) (ومادام) بواو زائدة.
(19) هكذا في المصدر المطبوع، وفي هامشه (يقال فلان لزقي، وبلزقي، ولزيقي، أي بجنبي، قاله الحريري).
(20) في الترجمة زيادة (وعلى آله).
(21) تمام الدعاء مثبت في المصدر; وعبارة (إلى آخر الدعاء...) للمؤلف رحمه الله.
(22) وتكملة الدعاء مثبتة في المصدر.
(23) وفي نسخة بدل (تصل).
(24) وفي نسخة بدل (النيل).
(25) ترجمها المؤلف رحمه الله (وانتظر) والمعنى واحد.
(26) سقطت من الترجمة، وهي نسخة بدل.
(27) راجع اقبال الاعمال (السيد ابن طاووس): ص 200 ـ 201، الطبعة الحجرية.
(28) قال المؤلف رحمه الله: " يعني فرج آل محمد عليهم السلام ".
(29) يظهر انّه في نسخة المؤلف رحمه الله (أمر).
(30) قال المؤلف رحمه الله: " يعني قد وقت وقتاً معيناً فنتخلص من القلق والاضطراب وتطمئن نفوسنا ".
(31) راجع الغيبة (الطوسي): ص 427 و428 ـ وعنه البحار: ج 52، ص 105، ح 10 ـ والبحار: ج 4، ص 113، ح 38 ـ ومستدرك الوسائل (النوري): ج 12، ص 300، ح 33، الطبعة المحققة.
(32) راجع الغيبة (الطوسي): ص 429، الطبعة المحققة ـ وص 263 - 264، الطبعة غير المحققة.
(33) راجع الغيبة (الطوسي): ص 431 - 432، الطبعة المحققة ـ وص 265 الطبعة غير المحققة.
(34) قال المؤلف رحمه الله: " يعني انّ الأمر الفلاني سوف يحدث وهو من الحتميات ".
(35) راجع الغيبة (الطوسي): ص 431 - 432، الطبعة المحققة ـ وص 265، الطبعة غير المحققة.
(36) راجع فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 44 ـ 45.
(37) راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 80، الطبعة الحجرية.
(38) سقطت من المصدر المطبوع.
(39) في المصدر المطبوع زيادة (منك).
(40) راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 85 ـ 86، الطبعة الحجرية.
(41) في المصدر، نسخة بدل (وعوناً).
(42) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 4، ص 162، كتاب الصيام، باب الدعاء في العشر الأواخر من شهر رمضان: ح 4.
(43) راجع المصباح (الكفعمي): ص 586.
(44) سقطت من الترجمة.
(45) في المصدر (على) بدل (في).
(46) سقطت من الترجمة.
(47) سقطت من الترجمة.
(48) في الترجمة (عثر) بدل (غشه).
(49) في الجمال نسخة بدل (تنير).
(50) سقطت من الترجمة.
(51) راجع جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 507 ـ 511.
******************
الدعاء الثالث: وقال السيد الجليل علي بن طاووس رحمه الله في كتاب (فلاح السائل):
"ومن المهمّات عقيب صلاة الظهر الاقتداء بالصادق عليه السلام في الدعاء للمهدي عليه السلام الذي بشّر به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أمّته في صحيح الروايات، ووعدهم انّه يظهر في آخر الأوقات كما رواه محمد بن رهبان الدبيلي قال: حدّثنا أبو علي محمد بن الحسن بن محمد بن جمهور القمي، قال: حدّثنا أبي عن أبيه محمد بن جمهور، عن احمد بن الحسين السكري، عن عباد بن محمد المدائني، قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر، وقد رفع يديه إلى السماء ويقول:
أي سامع كل صوت.
أي جامع كل فوت.
أي بارئ كل نفس(1) بعد الموت.
أي باعث، أي وارث، أي سيد السادات(2)، أي إلـه الآلهة، أي جبّار الجبابرة، أي ملك الدنيا والآخرة، أي ربّ الأرباب، أي ملك الملوك، أي بطاش، أي ذا البطش الشديد، أي فعالا لما يريد، أي محصي عدد الأنفاس ونقل الأقدام، أي من السرّ عنده علانية أي مبدئ أي معيد، أسألك بحقك على خيرتك من خلقك وبحقّهم الذي أوجبت لهم على نفسك أن تصلّي على محمد وأهل بيته وأن تمنّ عليَّ الساعة بفكاك رقبتي من النار، وأنجز لوليّك وابن نبيّك الداعي إليك بإذنك وأمينك في خلقك وعينك في عبادك وحجتك على خلقك عليه صلواتك وبركاتك وعده، اللهم أيّده بنصرك وانصر عبدك وقوِّ أصحابه وصَبّرْهم وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً وعجّل فرجه وأمكنه من اعدائك واعداء رسولك يا أرحم الراحمين.
قلت: أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟
قال: دعوت لنور آل محمد (عليهم السلام)(3) وسائقهم(4)، والمنتقم بأمر الله من اعدائهم.
قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟
قال: إذا شاء من له الخلق والأمر.
قلت: فله علامة قبل ذلك.
قال: نعم، علامات شتّى.
قلت: مثل ماذا؟
قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت (ويفعل الله ما يشاء)(5) ".(6)
ونقل الشيخ الطوسي(7) والكفعمي(8) هذا الدعاء وثبّتا في كل المواضع بدل (أي) (يا).
الدعاء الرابع: وروى السيد المعظّم في ذلك الكتاب الشريف:
"ومن المهمات بعد صلاة العصر الاقتداء بمولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في الدعاء لمولانا المهدي (صلوات الله وسلامه وبركاته على محمد جده، وبلغ ذلك إليه)(9) كما رواه محمد بن بشير الأزدي، قال: حدّثنا احمد بن عمر (بن موسى)(10) الكاتب، قال:
حدّثنا الحسن بن محمد بن جمهور القمي، عن أبيه محمد بن جمهور، عن يحيى بن الفضل النوفلي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ببغداد حين فرغ من صلاة العصر، فرفع يديه إلى السماء وسمعته يقول:
أنت الله لا إلـه إلّا أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت الله لا إلـه الّا أنت إليك زيادة الأشياء ونقصانها وأنت الله لا إلـه الّا أنت خلقت خلقك بغير معونة من غيرك ولا حاجة إليهم وأنت الله لا إلـه الّا أنت منك المشية وإليك البداء أنت الله لا إلـه إلّا أنت قبل القبل وخالق القبل أنت الله لا إلـه الّا أنت بعد البعد وخالق البعد أنت الله لا إلـه الّا أنت تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، أنت الله لا إلـه الّا أنت غاية كلّ شيء ووارثه، أنت الله لا إلـه الّا أنت لا يعزب عنك الدقيق ولا الجليل، أنت الله لا إلـه الّا أنت لا يخفى عليك اللغات ولا تتشابه عليك الأصوات كل يوم أنت في شأن لا يشغلك شأن عن شأن عالم الغيب وأخفى ديان (يوم)(11) الدين مدبّر الأمور باعث من في القبور، محيي العظام وهي رميم، أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم الذي لا يخيب من سألك به (اسألك)(12) أن تصلّي على محمد وآله وأن تعجّل فرج المنتقم لك من اعدائك وأنجز له ما وعدته يا ذا الجلال والاكرام.
قال:(13) قلت: من المدعوّ له؟
قال: ذلك المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم.
قال: بأبي المنبدح (المنفدح) البطن، المقرون الحاجبين، احمش الساقين، بعيد ما بين المنكبين، اسمر اللون، يعتاده مع سمرته صفرة من سهر الليل.
بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً، وراكعاً، بأبي مَنْ لا يأخذه في الله لومة لائم، مصباح الدجى.
بأبي القائم بأمر الله.
قلت: متى خروجه؟
قال: إذا رأيت العساكر بالانبار على شاطئ الفرات، والصراة ودجلة، وهدم قنطرة الكوفة، واحراق بعض بيوتات الكوفة، فإذا رأيت ذلك، فانّ الله يفعل ما يشاء لا غالب لأمر الله ولا معقّب لحكمه".(14)
الدعاء الخامس: نقل السيد علي بن طاووس رحمه الله في كتاب المضمار، هذا الدعاء في أدعية الثالث عشر من شهر رمضان:
اللهم انّي أدينك بطاعتك وولايتك وولاية محمد نبيّك وولاية أمير المؤمنين حبيب نبيّك وولاية الحسن والحسين سبطي نبيّك وسيدي شباب أهل جنّتك وأدينك يا رب بولاية علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي وسيدي ومولاي صاحب الزمان ادينك يا ربّ بطاعتهم وولايتهم وبالتسليم بما فضلتهم راضياً غير منكر ولا متكبّر(15) على (معنى)(16) ما أنزلت في كتابك، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد وادفع(17) عن وليّك وخليفتك ولسانك والقائم بقسطك والمعظم لحرمتك والمعبر عنك والناطق بحكمك وعينك الناظرة واذنك السامعة وشاهد عبادك وحجتك على خلقك والمجاهد في سبيلك والمجتهد في طاعتك واجعله في وديعتك التي لا تضيع وأيّده بجندك الغالب وأعِنْهُ وأعن عنه واجعلني ووالدي وما ولدا وولدي من الذين ينصرونه وينتصرون به في الدنيا والآخرة، اشعب به صدعنا وارتق به فتقنا، اللّهمّ أمِتْ به الجور ودمدم بمن نصب له واقصم به رؤوس الضلالة حتى لا تدع على الأرض منهم دياراً.(18)
الدعاء السادس: روى الشيخ الطوسي في الغيبة عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري قال: حدّثني يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني في منصرفه من اصفهان قال: حججت في سنة احدى وثمانين ومائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلادنا فلمّا أن قدمنا مكّة تقدّم بعضهم فاكترى لنا داراً في زقاق بين سوق الليل وهي دار خديجة عليها السلام، تسمّى دار الرّضا عليه السلام، وفيها عجوز سمراء فسألتها لمّا وقفت على أنّها دار الرضا عليه السلام: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سمّيت دار الرضا؟ فقالت: أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى عليه السلام أسكننيها الحسن بن علي عليهما السلام، فانّي كنت في خدمته، فلمّا سمعت ذلك منها أنست بها، وأسررت الأمر عن رفقائي المخالفين فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل، أنام معهم في رواق الدار، ونغلق الباب، ونلقي خلف الباب حجراً كبيراً كنّا نديره خلف الباب.
فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه، شبيهاً بضوء المشعل ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، في وجهه سجادة، عليه قميصان، وازار رقيق قد تقنّع به، وفي رجليه نعل طاق، فصعد إلى غرفة في الدار، حيث كانت العجوز تسكن وكانت تقول لنا: انّ في الغرفة إبنةٌ لا تدع أحداً يصعد إليها فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرّواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها ثمّ أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى فتوهّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز، وأن يكون قد تمتّع بها فقالوا: هؤلاء العلويّة يرون المتعة، وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا، وكنّا نراه يدخل ويخرج ويجيء إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه، وكنّا نغلق هذا الباب خوفاً على متاعنا وكنّا لا نرى أحداً يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج، والحجر خلف الباب إلى وقت ننحّيه إذا خرجنا.
فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي، ووقعت في نفسي فتنة(19) فتلطّفت العجوز، وأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت لها: يا فلانة انّي أحبّ أن أسألك واُفاوضك من غير حضور من معي، فلا أقدر عليه، فأنا أحبّ إذا رأيتني في الدّار وحدي، أن تنزلي إليّ لأسألك عن أمر، فقالت لي مسرعة: وأنا اُريد أن أسرّ اليك شيئاً فلم يتهيّأ لي ذلك من أجل من معك(20) فقلت ما أردت أن تقولي؟ فقالت: يقول لك ـ ولم تذكر أحداً ـ لا تحاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فانّهم أعداؤك ودارِهم، فقلت لها: من يقول؟ فقالت: أنا أقول، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن اُراجعها.
فقلت: أيّ أصحابي تعنين؟ وظننت انّها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجاً معي، فقالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدّار عتب في الدين، فسعوا بي حتى هربت واستترت بذلك السبب فوقفت على انّها عنت اولئك، فقلت لها: ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت: أنا كنت خادمة للحسن ابن علي صلوات الله عليه.
فلمّا استيقنت ذلك، قلت: لأسألنّها عن الغائب، فقلت لها: بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت: يا أخي لم أره بعيني فانّي خرجت واُختي حُبلى، وبشّرني الحسن بن علي عليه السلام بأنّي سوف أراه في آخر عمري، وقال لي: تكونين له كما كنت لي، وأنا اليوم منذ كذا بمصر، وانما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجّه بها إليّ على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربيّة وهي ثلاثون ديناراً وأمرني أن أحجّ سنتي هذه فخرجت رغبة منّي في أن أراه، فوقع في قلبي انّ الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم صحاح فيها سكّة رضويّة من ضرب الرضا عليه السلام قد كنت خبّأتها لألقيها في مقام ابراهيم عليه السلام وكنت نذرت ونويت ذلك، فدفعتها إليها وقلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة عليها السلام أفضل من أن اُلقيها في المقام وأعظم ثواباً فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة عليها السلام وكان في نيّتي انّ الذي رأيته هو الرجل، وانّها تدفعها إليه، فأخذت الدراهم، وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت فقالت: يقول لك: ليس لنا فيها حقّ اجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضويّة خذ منّا بدلها، وألقها في الموضع الذي نويت، ففعلت وقلت في نفسي: الذي أمرت به من الرجل.
ثمّ كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بآذربيجان فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على انسان قد رأى توقيعات الغائب فقالت: ناولني فانّي أعرفه فأريتها النسخة، وظننت انّ المرأة تحسن أن تقرأها، فقالت: لا يمكنني أن أقرأها في هذا المكان، فصعدت الغرفة ثمّ أنزلته، فقالت: صحيح وفي التوقيع: أبشّركم ببشرى ما بشّرت به غيره.
ثمّ قالت: يقول لك: إذا صلّيت على نبيّك كيف تصلّي عليه؟ فقلت أقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على ابراهيم وآل ابراهيم انّك حميد مجيد، فقالت: لا إذا صلّيت فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم، فقلت: نعم، فلمّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير فقالت: يقول لك: إذا صلّيت على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فصلّ عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة فأخذتها، وكنت أعمل بها، ورأيت عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم، وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء، وأنا أراه أعني الضوء ولا أرى أحداً حتّي يدخل المسجد، وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتّى يأتون باب هذه الدار، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعاً معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع، فيكلّمونها وتكلّمهم ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد.
نسخة الدفتر الذي خرج:
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلّ على محمد سيّد المرسلين، وخاتم النبيين وحجة ربّ العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهّر من كلّ آفة، البريء من كلّ عيب المؤمّل للنجاة، المُرتجى للشّفاعة، المفوّض إليه دين الله، اللهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجّته، وارفع درجته، وأضئ نوره وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة(21)، والدّرجة والوسيلة الرّفيعة، وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأوّلون والآخرون.
وصلّ على أمير المؤمنين، ووارث المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الوصيّين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ على الحسن بن علي امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين.
وصلّ على الحسين بن علي(22) امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على محمد بن علي امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على جعفر بن محمد امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على موسى بن جعفر امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على محمد بن علي امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على علي بن محمد امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على الحسن بن علي امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على الخلف الصالح، الهادي المهدي امام الهدى امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
اللهمّ صلّ على محمد و(23) أهل بيته الائمة الهادين، العلماء الصادقين الأبرار المتّقين، دعائم دينك، وأركان توحيدك، وتراجمة وحيك، وحججك على خلقك وخُلفائك في أرضك الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم(24) بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربّيتهم بنعمتك، وغذّيتهم بحكمتك وألبستهم نورك، ورفعتهم في ملكوتك، وحففتهم بملائكتك، وشرّفتهم بنبيّك صلواتك عليه وآله.
اللهمّ صلّ على محمد وعليهم صلاةً كثيرةً دائمةً (طيّبة)(25) لا يحيط بها إلّا أنت ولا يسعها إلّا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك.
اللهمّ وصلّ على وليّك المحيي سنّتك، القائم بأمرك، الدّاعي إليك الدليل عليك، وحجّتك على خلقك، وخليفتك في أرضك، وشاهدك على عبادك.
اللهمّ أعزّ نصره ومُدَّ في عمره، وزيّن الأرض بطول بقائه، اللهمّ اكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شرّ الكائدين(26)، وازجر عنه ارادة الظالمين، وخلّصه من أيدي الجبّارين.
اللهمّ أعطه في نفسه وذرّيّته، وشيعته ورعيّته وخاصّته وعامّته وعدوّه وجميع أهل الدّنيا ما تقرّ به عينه، وتسرّ به نفسه، وبلّغه أفضل ما أمّله في الدّنيا والآخرة انّك على كلّ شيء قدير.
اللهمّ جدّد به ما محي من دينك، وأحيِ به ما بدّل من كتابك، وأظهر به ما غيّر من حكمك،حتّى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شكّ فيه (ولا شبهة معه)(27) ولا باطل عنده، ولا بدعة لديه.
اللهمّ نوّر بنوره كلّ ظلمة، وهدّ بركنه كلّ بدعة، واهدم بعزّته كلّ ضلالة، واقصم به كلّ جبّار، واخمد بسيفه كلّ نار، وأهلك بعدله كلّ جبّار(28) وأجر حكمه على كلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كلّ سلطان.
اللهمّ اذلّ كلّ من ناواه، وأهلك كلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقّه، واستهان بأمره، وسعى في اطفاء نوره، وأراد اخماد ذكره.
اللهمّ صلّ على محمّد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفّى، وجميع الأوصياء مصابيح الدّجى، وأعلام الهدى ومنار التّقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصلّ على وليّك وولاة عهده(29)، والائمة من ولده، ومدّ(30) في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلّغهم أفضل آمالهم ديناً ودنياً وآخرةً انّك على كلّ شيء قدير.(31)
وقد روي هذا الخبر الشريف في عدّة كتب معتبرة للقدماء بأسانيد متعددة، وقد ثبت في بعضها في جميع المواضع (اللهمّ صلّ على... الخ).(32)
ولم يعين وقت لقراءة هذه الصلوات والدعاء في خبر من الأخبار إلّا ما قاله السيد رضي الدين علي بن طاووس في جمال الاسبوع بعد ذكره التعقيبات المأثورة لصلاة العصر من يوم الجمعة، قال:".. إذا تركت تعقيب عصر يوم الجمعة لعذر فلا تتركها أبداً لأمر اطّلعنا الله جلّ جلاله عليه".(33)
ويستفاد من هذا الكلام الشريف انّه حصل له من صاحب الأمر صلوات الله عليه شيء في هذا الباب، ولا يستبعد منه ذلك،كما صرّح هو انّ الباب إليه عليه السلام مفتوح، وقد تقدّم في الباب السابق.
الدعاء السابع: قال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد: "ويستحب أن يدعو عقيب هاتين الركعتين".(34)
ونقل الكفعمي وغيره هذا الدعاء بعد كلّ ركعتين من صلاة الليل.(35)
اللهمّ انّي أسألك ولم يُسئل مثلك أنت موضع مسألة السائلين ومنتهى رغبة الراغبين أدعوك ولم يُدع مثلك وأرغبُ إليك ولم يُرغب إلى مثلك أنت مجيب دعوة المضطرّين وارحم الراحمين، اسألك بأفضل المسائل وأنجحها وأعظمها يا الله يا رحمن يا رحيم وبأسمائك الحسنى وأمثالك العليا ونعمك التي لا تُحصى وبأكرم اسمائك عليك وأحبّها اليك وأقربها منك وسيلة وأشرفها عندك منزلة وأجزلها لديك ثواباً وأسرعها في الأمور اجابة وباسمك المكنون الأكبر الأعزّ الأجلّ الأعظم الأكرم الذي تحبّه وتهواه وترضى عمّن دعاك به فاستجبت له دعاءه وحقٌّ عليك أن لا تحرم سائلك ولا تردّه وبكلّ اسم هو لك في التورية والانجيل والزبور والقرآن العظيم، وبكلّ اسم دعاك به حملة عرشك وملائكتك وأنبياؤك ورسلك وأهل طاعتك من خلقك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تُعجّل فرج وليّك وابن وليّك وتعجّل خزي أعدائه.
الرابع:
التصّدق بما يتيسر في كلّ وقت لحفظ الوجود المبارك لإمام العصر عليه السلام.
وقد وضحنا هذا المطلب في كتاب الكلمة الطيّبة بأن الصدقة التي يعطيها الانسان لأيّ كان ابتغاءاً لفائدة أو غاية أو عن نفسه، أو عن محبوب عزيز له مكانة عنده.
وان اصلاح كثير من أمور معاشه ومعاده متوقّف بحسب على وجوده وسلامته، مثل المعلم الصالح والوالدين والولد والعيال والاخوان وامثالهم; فان كان واحد منهم ـ مثلا ـ في مرض أو سفر فيتصدّق أحدهم لصحته وسلامته وخيره فانّه بالنتيجة يرجع اليه(36)، فسلامة العالم تكون سبباً لسلامة دينه(37)، وسلامة الولد تكون سبباً لقلّة أو ازالة المشقة والعذاب عنه، وبقاء ذكر خبره واستمرار طلب المغفرة له.. وهكذا.
وبما انّه ثبت ببراهين العقل والنقل انّه لا شيء أعزّ وأغلى من وجود امام العصر المقدّس عليه السلام، بل انّه أحبّ إليه من نفسه; وان لم يكن كذلك فهو ضعف ونقص في الايمان وضعف وخلل في الاعتقاد. كما روى بأسانيد معتبرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: "لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله..".(38)
وكيف لا يكون كذلك وجميع الوجوه والحياة والدين والعقل والصحة والعافية وكل النعم الالهية الظاهرية والباطنيّة لكلّ الموجودات انما هي فيض ذلك الوجود المقدّس واوصيائه صلوات الله عليهم.
وبما انّ ناموس العصر، ومدار الدهر، ومنير الشمس والقمر، وصاحب هذا القصر والحرم، وسبب سكون الأرض، وحركة الأفلاك، ورونق الدنيا من الأسفل إلى الأعلى، الحاضر في قلوب الأخيار، والغائب عن الانس الاغيار في هذه الأعصار، هو الحجة بن الحسن صلوات الله عليهما ولباس الصحة والعافية مقدّرة بتناسق قامته المقدّسة، ومتناسبة للقد المعتدل لذاته المقدّسة.
بينما كلّ همّه واهتمام الذين يعبدون ذواتهم هي في حفظ وحراسة وسلامة أنفسهم.
فكيف بأولئك الذين لا يرون أحداً يستحق الوجود والعافية والصحة غير ذلك الوجود المقدّس; فمن اللازم عليهم والمحتم أن يكون هدفهم الأولي وغايتهم الاولى التشبّث بكلّ وسيلة وسبب لبقاء صحته وتحصيل عافيته وقضاء حاجته ودفع البلاء الذي نزل به، مثل الدعاء، والتضرّع والتصدق والتوسّل ليكون وجوده المقدّس سالماً ومحفوظاً.
ويظهر من مضامين الأدعية السابقة والتي لم نذكرها شدّة الاهتمام والتأكيد على طلب حفظه وسلامة وجوده المعظم أرواحنا فداه من شرّ الجن والانس; وطلب طول العمر له، وكذلك باقي النعم الالهية الدنيوية والأخروية; بل تقدّم انهم عليهم السلام كانوا يعملون بالصورة المتقدّمة وقبل ولادة ذلك المولود المبارك بسنين; ولا فرق في الوسيلة بين الدعاء والصدقة، ولذلك قال السيد الجليل علي بن طاووس رحمه الله وهو مقبول الأقوال والأفعال في مثل هذا المقام، بل هي برهان وحجة، في كتاب (كشف المحجة) بعد عدّة وصايا إلى ولده، وأمره بالتمسك والصدق بموالاته عليه السلام:
"وقدم حوائجه على حوائجك عند صلاة الحاجات... والصدقة عنه قبل الصدقة عنك وعمّن يعزّ عليك، والدعاء له قبل الدعاء لك، وقدمه في كلّ خير يكون وفاءاً له(39)، ومقتضياً لإقباله عليك، واحسانه اليك... إلى آخره".(40)
وقال في كتاب (أمان الأخطار) في ضمن دعاء للتصدّق حين السفر، ذكره هكذا:
" اللهمّ انّ هذه لك ومنك، وهي صدقة عن مولانا م ح م د عجّل الله فرجه وصلّى عليه بين اسفاره وحركاته وسكناته في ساعات ليله ونهاره. وصدقة عمّا يعنيه أمره وما لا يعنيه وما يضمنه(41) وما يخلفه".(42)
ولا يخفى انّه كان رسول الله والائمة الطاهرون صلوات الله عليهم يتصدّقون صباحاً ومساءاً ونصف الليل وأوّل السفر وغير ذلك من الحالات والأوقات للسلامة وحفظ وجودهم المقدّس من الشر الأرضي والسماوي والجن والانس، ولكسب المنافع الدنيوية والأخروية، وكانوا يهتمون بذلك كما استوفينا تلك الأخبار في (الكلمة الطيّبة); مع علمهم بالمنايا والبلايا والآجال وسائر الحوادث، ويتصدّقون بها منها.
ولا فرق في ذلك بين أن يتصدّق بنفسه لدفع البلاء، أو يكون المتصدّق أحد الرعايا لدفع تلك البليّة عن وجوده المقدّس; الّا في شيء واحد وهو ان الأولى اجمعت فيها جميع الشروط التي تجعل الصدقة مؤثرة; وعدم توافر اكثر تلك الشروط في كثير من صدقات غيرهم، ولا يكون هذا مانعاً من رجحان هذا الفعل وأداء التكليف، فلا يتوهّم ان الامام الحجة عليه السلام مستغنياً وغير محتاج، بل انّه مبرّأ ومنزّه من صدقة الرعايا; لأنه تكليف من شؤون العبودية وأداء لحقّ الجلالة وأداء لحق تربيته عليه السلام، فكلّما كان مقام ولي النعم أعلى، ومرتبة الرعيّة ادنى فسوف تزداد اهميّة هذا التكليف وباقي آداب العبودية، كما هو غير خفي على صاحب المعرفة.
الخامس:
الحج عن امام العصر عليه السلام والاستنابة بالحج عنه، كما هو معروف بين الشيعة في القديم، وأقرّه عليه السلام، فقد روى القطب الراوندي رحمه الله في كتاب الخرائج: ان أبا محمد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا، وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، ودفع إلى أبي محمد حجة يحج بها عن صاحب الزمان عليه السلام وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذ.
فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد، وخرج إلى الحج.
فلمّا عاد حكى انّه كان واقفاً بالموقف(43)، فرأى إلى جانبه شاباً حسن الوجه، اسمر اللون، بذؤابتين، مقبلا على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرّع، وحسن العمل، فلمّا قرب نفر الناس التفت إليّ وقال: يا شيخ ما تستحي؟
قلت: من أيّ شيء يا سيدي؟
قال: يدفع اليك حجة عمّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، ويوشك أن تذهب عينك هذه.
وأومأ إلى عيني ( وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة.
وسمع منه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك، قال:)(44) فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة، فذهبت.(45)
السادس:
القيام تعظيماً لسماع اسمه المبارك عليه السلام، وبالأخص إذا كان باسمه المبارك (القائم) عليه السلام، كما استقرّت عليه سيرة الاماميّة كثّرهم الله تعالى في جميع بلاد العرب والعجم والترك والهند والديلم، وهذا كاشف عن وجود مصدر وأصل لهذا العمل ولو انّي لم اعثر لحدّ الآن عليه، ولكن المسموع من عدّة من العلماء وأهل الصلاح انّهم رأوا خبراً في هذا الباب، ونقل بعض العلماء انّه سأل عن هذا الموضوع العالم المتبحّر الجليل السيد عبد الله سبط المحدّث الجزائري، وقد أجاب هذا المرحوم في بعض تصانيفه انّه رأى خبراً مضمونه انّه ذكر يوماً اسمه المبارك عليه السلام في مجلس الامام الصادق عليه السلام، فقام عليه السلام تعظيماً واحتراماً له.
وهذه العادة متعارفة عند أهل السنة عند ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم المبارك.
وقال سيد أحمد المفتي الشافعي المكي المعاصر في سيرته: جرت العادة انّه إذا سمع الناس ذكر وصفه صلى الله عليه وآله وسلّم يقومون تعظيماً له، وهذا القيام مستحسن، لأن بهذا القيام تعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكثير من علماء السنة يعملون ذلك.
الهوامش
(1) وذكر في الترجمة نسخة بدل (النفوس). وفي الترجمة ايضاً (بادئ) ولعلّها اشتباه مطبعي.
(2) في فلاح السائل (السادة) بدل (السادات).
(3) سقطت من الفلاح.
(4) في الترجمة (سابقهم) بدل (سائقهم).
(5) سقط هذا المقطع من الفلاح.
(6) راجع فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 170 ـ 171.
(7) مصباح المتهجد (الشيخ الطوسي): ص 54، الطبعة الحجرية.
(8) المصباح (الكفعمي): ص 32.
(9) سقط هذا المقطع من الترجمة.
(10) سقط من الترجمة.
(11) سقطت هذه الكلمة من المصدر المطبوع.
(12) سقطت هذه الكلمة من المصدر المطبوع.
(13) فزاد المؤلف رحمه الله في الترجمة اسم الراوي ( النوفلي ).
(14) راجع فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 199 ـ 200.
(15) في نسخة بدل (مستكبر).
(16) حذفت هذه الكلمة في بعض نسخ المصدر.
(17) في المطبوع (وارفع) وهو اشتباه مطبعي، وكذلك بعض الموارد التي صححناها على المصدر فانها واضحة الاشتباه من الطبع.
(18) راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 144، الطبعة الحجرية.
(19) في نسخة بدل (هيبة) وقد أثبتنا النسخة التي توافق الترجمة.
(20) في نسخة بدل (أصحابك) وقد أثبتنا النسخة التي توافق الترجمة.
(21) في الترجمة زيادة (والمنزلة والوصيلة).
(22) في نسخة (جمال الاسبوع) زيادة (سيد العابدين).
(23) في نسخة جمال الاسبوع: زيادة (وعلى).
(24) في الترجمة بدل (وخصصتهم) (واختصصتهم).
(25) سقطت من الترجمة.
(26) في نسخة جمال الاسبوع (الكافرين).
(27) سقطت من الترجمة.
(28) في نسخة جمال الاسبوع (جائر).
(29) في الترجمة (ولاة عهدك).
(30) في الترجمة (وزد).
(31) راجع الغيبة (الطوسي): المحققة، ص 273 - 280 ـ وص 165 - 170 الطبعة غير المحققة ـ البحار: ج 52، ص 17، ح 14 ـ البحار: ج 94، ص 78، ح 2 ـ مدينة المعاجز (السيد هاشم البحراني): ص608، ح69، الطبعة الحجرية ـ مستدرك الوسائل (النوري): ج16، ص89، ح 1، الطبعة المحققة ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 685، ح 96، الطبعة غير المترجمة ـ تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي (السيد هاشم البحراني): الحكاية السبعون ـ دلائل الامامة (الطبري): ص 300 - 304 ـ جمال الاسبوع (السيد ابن طاووس): ص 494 وغيرها من المصادر والمراجع.
(32) أي زيادة كلمة (اللهمّ) قبل الصلاة على كلّ امام.
(33) جمال الاسبوع (السيد ابن طاووس): ص 494.
أقول: وأنت خبير بأن عبارته (رض) غير ظاهرة في التخصيص، وانما هي زيادة تأكيد على الالتزام بهذا الدعاء وهذه الصلوات ولو بالاسبوع مرّة والتّأكيد على الاتيان بها في ذلك الوقت، مع بقاء الأمر بها في غيره، ولعلّ الأخير هو المقصود من كلام المؤلف رحمه الله.
(34) راجع (مصباح المتهجد): ص 121، وكان كلامه (رض) عن الركعتين الأوليَيْن من صلاة الليل، ولذا ترجمه المؤلف رحمه الله (عقيب الركعتين الأوليَيْن من صلاة الليل).
(35) راجع المصباح (الكفعمي): ص 51، قال: " ويستحب أن يدعو بعد كلّ ركعتين فيقول:... " ـ وكذلك قال الشيخ البهائي (مفتاح الفلاح): ص 313 فقال: " وتدعو بين كل ركعتين من الركعات الثمان بهذا الدعاء... ".
(36) أي إلى نفس المتصدّق.
(37) أي دين المتصدّق.
(38) راجع الأمالي (الصدوق): ص 201.
(39) قال المؤلف رحمه الله: " يعني وفاءاً لعقد البيعة وعهد العبوديّة الذي عقدته معه ".
(40) راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 152.
(41) في نسخة بدل (وما يصحبه).
(42) راجع امان الأخطار (السيد ابن طاووس): ص 39، الطبعة المحققة.
(43) قال المؤلف رحمه الله: " يعني عرفات ".
(44) سقط هذا المقطع من الترجمة.
(45) راجع الخرائج: ج 1، ص 481.
******************
وقال في السيرة: حكى بعضٌ انّ الامام السبكي جمع عنده كثير من علماء عصره فعندما قرأ المنشد في مدحه صلى الله عليه وآله وسلّم:
قيل لمدح المصطفى الخطّ بالذهب* * * على ورق من خط أحسن من كتب
وان تتهف الاشراف عند سماعه * * * قياماً صفوفاً أو جثياً على الركب
قام في الحال الامام السبكي وجميع من كان في المجلس، فصار وجداً عظيماً في المجلس، انتهى.
السابع:
من التكاليف في ظلمات أيام الغيبة التضرّع والمسألة من الله تبارك وتعالى لحفظ الايمان والدين من تطرق شبهات الشياطين وزنادقة المسلمين فان زندقتهم متخفية بلباس ببعض الكلمات الحقّة مثل الحبة الحسنة الهيئة واللون التي يخفي الصياد تحتها الفخّ ويصيد بها الضعاف دائماً، ويدخل أباطيله في القلوب بتلك الكلمات الحقة، وبمثل هذا الفعل يشكل على أهل الديانة ويشتبه عليهم هل صح الوعد الذي واعد به الصادقون عليهم السلام؟
كما روى النعماني في غيبته عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
" انّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتسمك فيها بدينه كالخارط لشوك القتاد بيده، ثمّ اطرق مليّاً، ثم قال: انّ لصاحب هذا الأمر غيبة فليتّق الله عبد، وليتمسّك بدينه".(1)
ولذلك أمروا بقراءة بعض الأدعية، ونحن ننقل جملة منها:
الأول:
روى الشيخ النعماني في الغيبة، والكليني في الكافي بأسانيد متعددة عن زرارة انّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: انّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثمّ قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشكّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: انّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير انّ الله عزوجل يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: " اللهمّ عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فانّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني " ثمّ قال: يا زرارة لابدّ من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان يجيء حتّى يدخل المدينة ولا يدري الناس في أي شيء دخل فيأخذ الغلام فيقتله، فاذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقّع الفرج إن شاء الله.(2)
الدعاء الثاني:
روى الشيخ الطوسي في الغيبة(3)، والصدوق في كمال الدين بأسانيد معتبرة صحيحة(4); انّ الشيخ العمريّ قدّس الله روحه النائب الأول لصاحب الأمر عليه السلام املاه على أبي علي محمد بن همام وأمره أن يدعو به وهو الدّعاء في غيبة القائم عليه السلام.
"اللهمّ عرّفني نفسك، فانّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك(5)، اللهمّ عرّفني رسولك(6)، فانك إن لم تعرّفني رسولك(7)، لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فانّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني، اللهمّ لا تمتني ميتة جاهليّة، ولا تُزِغْ قلبي بعد إذ هديتني، اللهمّ(8) فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته عليّ من(9) ولاة أمرك بعد رسولك صلواتك عليه وآله حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين(10) والحسن والحسين وعليّاً ومحمّداً وجعفراً وموسى، وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة القائم المهديّ صلوات الله عليهم أجمعين، اللهمّ فثبّتني على دينك واستعملني بطاعتك، وليّن قلبي لوليّ أمرك، وعافني ممّا امتحنت به خلقك، وثبّتني على طاعة وليّ أمرك الذي سترته عن خلقك، فباذنك غاب عن بريّتك،وأمرك ينتظر، وأنت العالم غير معلّم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليّك في الإذن له بإظهار أمره وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتّى لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت، ولا أكشف عمّا سترته، ولا أبحث عمّا كتمته، ولا اُنازعك في تدبيرك، ولا أقول: لِمَ وكيف؟ وما بال وليّ الأمر لا يظهر؟ وقد امتلأت الأرض من الجور؟ وأفوّض اُموري كلّها اليك.
اللهمّ انّي أسألك أن تُريني وليّ أمرك ظاهراً نافذاً لأمرك(11) مع علمي بأنّ لك السلطان والقدرة والبرهان والحجّة والمشيئة والارادة والحول والقوّة، فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتّى ننظر إلى وليّك صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة، واضح الدّلالة، هادياً من الضلالة، شافياً من الجهالة، أبرز يا ربّ مشاهده(12)، وثبّت قواعده، واجعلنا ممّن تقرّ عينه برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفّنا على ملّته، واحشرنا في زمرته.
اللهمّ أعذه من شرّ جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصوّرت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصيّ رسولك، اللهمّ ومدّ في عمره، وزد في أجله وأعنه على ما أوليته واسترعيته، وزد في كرامتك (له)(13) عليه السلام فانّه الهادي المهدي(14) والقائم المهتدي(15)، الطاهر التقيّ النقيّ الزكيّ(16) الرضي المرضيّ، الصابر المجتهد الشكور.(17)
اللهمّ ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنّا، ولا تُنسنا ذكره وانتظاره والايمان وقوّة اليقين في ظهوره والدّعاء له والصلاة عليه حتى لا يقنّطنا طول غيبته من (ظهوره)(18) وقيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسولك(19) صلواتك عليه وآله، وما جاء به من وحيك وتنزيلك، وقوّ قلوبنا على الايمان به حتّى تسلك بنا (على يده)(20) منهاج الهدى والمحجّة العظمى، والطريقة الوسطى، وقوّنا على طاعته، وثبّتنا على مشايعته(21) واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره، والرّاضين بفعله ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا حتّى تتوفّانا ونحن على ذلك لا (22) شاكّين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذّبين.
اللهمّ عجّل فرجه وأيّده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، ودمدم(23) على من نصب له وكذّب به، وأظهر به الحقّ، وأمت به الجور(24)، واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذّل، وأنعش به البلاد، واقتل به جبابرة الكفر، واقصم به رؤوس الضلالة، وذلّل به الجبّارين والكافرين، وأبر به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين والملحدين في مشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها حتّى لا تدع منهم ديّاراً ولا تبقي لهم آثاراً، وطهّر(25) منهم بلادك، واشف منهم صدور عبادك،وجدّد به ما امتحى من دينك، وأصلح به ما بُدّل من حُكمك، وغُيّر من سنّتك حتّى يعود دينك به وعلى يديه غضّاً جديداً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه حتى تُطفئ بعدله نيران الكافرين، فانّه عبدك الذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنُصرة نبيّك، واصطفيته بعلمك، وعصمته من الذّنوب وبرأته من العيوب، وأطلعته على الغيوب، وأنعمت عليه وطهّرته من الرّجس ونقّيته من الدّنس.
اللهم فصلّ عليه وعلى آبائه الائمة الطاهرين، وعلى شيعتهم المنتجبين، وبلّغهم من آمالهم أفضل ما يأملون، واجعل ذلك منّا خالصاً من كلّ شكّ وشبهة ورياء وسمعة حتّى لا نريد به غيرك ولا نطلب به الّا وجهك.
اللهمّ إنّا نشكو اليك فقد نبيّنا، وغيبة وليّنا، وشدّة الزّمان علينا، ووقوع الفتن (بن)، وتظاهر الأعداء (علين)(26) ، وكثرة عدوّنا، وقلّة عددنا.
اللهمّ فافرج ذلك(27) بفتح منك تعجّله، ونصر منك تعزّه، وامام عدل تُظهره اله الحقّ (آمين)(28) ربّ العالمين.
اللهمّ إنّا نسألك أن تأذن لوليّك في اظهار عدلك في عبادك، وقتل أعدائك في بلادك حتّى لا تدع للجور يا ربّ دعامة الّا قصمتها ولا بنيّة الّا أفنيتها، ولا قوّة الّا أوهنتها، ولا ركناً الّا هددته، ولا حداً الّا فللته، ولا سلاحاً الّا أكللته، ولا راية الّا نكستها، ولا شجاعاً الّا قتلته، ولا جيشاً الّا خذلته، وارمهم يا ربّ بحجرك الدّامغ، واضربهم بسيفك القاطع، وببأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين، وعذّب أعداءك وأعداء دينك وأعداء رسولك بيد وليّك وأيدي عبادك المؤمنين.
اللهمّ اكف وليّك وحجّتك في أرضك هول عدوّه وكِد من كاده، وامكر بمن مكر به، واجعل دائرة السّوء على من أراد به سوءاً، واقطع عنه مادّتهم، وارعب له قلوبهم، وزلزل (له)(29) اقدامهم، وخذهم جهرة وبغتة، وشدّد عليهم عذابك(30)، واخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك، وأسكنهم أسفل نارك، وأحط بهم أشدّ عذابك، وأصلهم ناراً واحش قبور موتاهم ناراً، وأصلهم حرّ نارك، فانّهم أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات وأضلّوا (31) عبادك، (وأخربوا بلادك).(32)
اللهمّ وأحي بوليّك القرآن، وأرنا نوره سرمداً لا ظلمة(33) فيه، وأحي به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة، واجمع به الأهواء المختلفة على الحقّ، وأقم به الحدود المعطّلة والأحكام المهملة، حتّى لا يبقى حقّ الّا ظهر، ولا عدل الّا زهر، واجعلنا يا ربّ من أعوانه، ومقوّي سلطانه، والمؤتمرين لأمره، والرّاضين بفعله، والمسلّمين لأحكامه، وممّن لا حاجة (له)(34) به إلى التقيّة من خلقك، أنت يا ربّ الذي تكشف الضرّ(35) وتجيب المضطرّ إذا دعاك، وتنجي من الكرب (العظيم)(36) ، فاكشف (يا ربّ)(37) الضرّ عن وليّك، واجعله خليفة في أرضك كما ضمنت له.
اللهمّ ولا تجعلني من خصماء آل محمد عليهم السلام(38)، ولا تجعلني من أعداء آل محمد عليهم السلام، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على آل محمد عليهم السلام، فانّي أعوذ بك من ذلك فأعذني، وأستجير بك فأجرني.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمد، واجعلني بهم فائزاً عندك في الدّنيا، والآخرة ومن المقرّبين " (آمين ربّ العالمين).(39)
وقال السيد رضي الدين علي بن طاووس في جمال الاسبوع بعد ذكره للأدعية المأثورة بعد صلاة العصر يوم الجمعة والصلوات الكبيرة:
"ذكر دعاء آخر يدعى له (صلوات الله عليه به، وأوله يشبه الدعاء المتقدم عليه)(40) وهو مما ينبغي إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة، فإيّاك أن تهمل الدعاء به، فاننّا عرفنا ذلك من فضل الله جلّ جلاله الذي خصّنا به، فاعتمد عليه".(41)
الدعاء الثالث:
وروى السيد الجليل ابن طاووس رحمه الله في كتاب مهج الدعوات باسناده إلى محمد بن احمد بن ابراهيم الجعفي المعروف بالصابوني من جملة حديث باسناده، وذكر فيه غيبة المهدي صلوات الله عليه.
قلت:(42) " كيف تصنع شيعتك؟
قال: عليكم بالدعاء، وانتظار الفرج; فانّه سيبدو لكم علمٌ، فاذا بدى لكم فاحمدوا الله وتمسكوا بما بدى لكم.
قلت: فما ندعو به؟
قال: تقول: اللهمّ أنت عرّفتني نفسك وعرّفتني رسولك، وعرّفتني ملائكتك، وعرّفتني نبيّك، وعرّفتني ولاة أمرك.
اللهمّ لا آخذ الّا ما أعطيت، ولا واقي(43) الّا ما وقيت.
اللهمّ لا تغيبني عن منازل اوليائك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني.
اللهمّ اهدني لولاية من افترضت طاعته".(44)
الدعاء الرابع:
وقال السيد هناك:
" ورأيت في المنام من يعلمني دعاءاً يصلح لأيام الغيبة، وهذه الفاظه:
يا من فضّل ابراهيم وآل اسرائيل على العالمين باختياره، وأظهر في ملكوت السماوات والأرض عزّة اقتداره(45)، وأودع محمداً صلى الله عليه وآله وأهلَ بيته غرائب اسراره، صلّ على محمد وآله، واجعلني من اعوان حجّتك على عبادك وانصاره".(46)
الدعاء الخامس:
ونقل السيد المعظّم في ذلك الكتاب عن كتاب محمد بن محمد بن عبد الله بن فاطر انّه قال:
حدّثنا محمد بن علي بن دقاق القمي أبو جعفر قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي(47) بن الحسن بن شاذان القمي قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن العبّاس بن معروف، عن عبد السّلام بن سالم قال: حدّثنا محمد بن سنان، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من دعا بهذا الدّعاء مرّة واحدة في دهره كتب في رقّ (العبوديّة)(48) ، ورفع في ديوان القائم عليه السلام. فاذا قام قائمنا ناداه (49) باسمه واسم أبيه، ثمّ يدفع إليه هذا الكتاب ويقال له: خذ! هذا كتاب العهد الذي عاهدتنا في الدنيا، وذلك قوله عزّ وجل: (اِلاَّ مَن اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً)(50) وادع به وأنت طاهر تقول:
" اللهمّ يا اله الآلهة، يا واحد، يا أحد، يا آخر الآخرين، يا قاهر القاهرين يا عليّ يا عظيم، أنت العليّ الأعلى، علوت فوق كلّ علوّ، هذا يا سيّدي عهدي وأنت منجز وعدي فصلْ يا مولاي عهدي، وأنجز وعدي، آمنت بك، وأسألك بحجابك العربيّ، وبحجابك العجمي، وبحجابك العبراني، وبحجابك السرياني، وبحجابك الرومي، وبحجابك الهندي، وأثبت معرفتك بالعناية الاُولى فانّك أنت الله لا ترى وأنت بالمنظر الأعلى.
وأتقرّب اليك برسولك المنذر صلى الله عليه وآله وسلّم، وبعليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه الهادي، وبالحسن السيّد وبالحسين الشهيد سبطي نبيّك، وبفاطمة البتول، وبعليّ بن الحسين زين العابدين ذي الثفنات، ومحمد بن عليّ الباقر عن علمك، وبجعفر بن محمد الصادق الذي صدّق بميثاقك وبميعادك، وبموسى بن جعفر (الحصور)(51) القائم بعهدك، وبعلي بن موسى الرّضا الراضي بحكمك، وبمحمد بن عليّ الحبر الفاضل المُرتضى في المؤمنين، وبعليّ بن محمد الأمين المؤتمن هادي المُسترشدين، وبالحسن بن علي الطاهر الزكي خزانة الوصيّين.
وأتقرّب إليك بالامام القائم العدل المنتظر المهدي إمامنا وابن إمامنا صلوات الله عليهم أجمعين.
يا من جلّ فعظُم وأهل (52) ذلك فعفى ورحم، يا من قدر فلطف، أشكو اليك ضعفي، وما قصر عنه أملي (53) من توحيدك، وكنه معرفتك، وأتوجّه اليك بالتسمية البيضاء، وبالوحدانيّة الكبرى التي قصر عنها من أدبر وتولّى، وآمنت بحجابك الأعظم، وبكلماتك التّامة العليا، التي خلقت منها دار البلاء، وأحللت من أحببت جنّة المأوى، آمنتُ بالسّابقين والصّديقين أصحاب اليمين من المؤمنين الذين(54) خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ألاّ تولّيني غيرهم، ولا تفرّق بيني وبينهم غداً إذا قدّمت الرّضا بفصل القضاء.
آمنتُ بسرّهم وعلانيتهم وخواتيم أعمالهم فانّك تختم عليها إذا شئت، يا من أتحفني بالاقرار بالوحدانيّة، وحباني بمعرفة الربوبيّة، وخلّصني من الشك والعمى، رضيت بك ربّاً وبالأصفياء حججاً، وبالمحجوبين أنبياء، وبالرّسل أدلاّء، وبالمتّقين أمراء، وسامعاً لك مطيعاً".
هذا آخر العهد المذكور.(55)
الدعاء السادس:
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
" ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا عَلَم يرى، ولا امام هدى، ولا ينجو منها الّا مَنْ دعا بدعاء الغريق.
قلت: كيف دعاء الغريق؟
قال: يقول: (يا الله! يا رحمن! يا رحيم! يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك).
فقلت: (يا الله! يا رحمن! يا رحيم! يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك).
قال: انّ الله عز وجل مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)".(56)
الهوامش
(1) راجع الغيبة (النعماني): ص 169، الباب 10، ح 11.
(2) راجع الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 1، ص 337 ـ الغيبة (النعماني): ص 166 - 167، باب 10، ح 6 ـ البحار: ج 52، ص 146، ح 70 ـ كمال الدين (الصدوق): ص 342، ح 24 ـ حلية الأبرار (السيد هاشم البحراني): ج 2، ص 443 ـ اعلام الورى (الطبري): ص 405 وغيرها.
(3) أقول لم يرو الشيخ الطوسي هذا الدعاء في (الغيبة) وانما رواه في (مصباح المتهجد)، ولعل الاشتباه من النساخ أو غير ذلك والله اعلم.
(4) فصلنا الحديث عن أسانيد هذا الدعاء وتصحيحها في كتابنا (أوراد السالكين).
(5) في بعض نسخ كمال الدين (نبيّك) بدل (رسولك) وأما في الترجمة وفي المصباح فقد ثبت (رسولك).
(6) في بعض نسخ كمال الدين (نبيّك) بدل (رسولك) وأما في الترجمة وفي المصباح فقد ثبت (رسولك).
(7) في بعض نسخ كمال الدين (نبيّك) بدل (رسولك) وأما في الترجمة وفي المصباح فقد ثبت (رسولك).
(8) هكذا في كمال الدين والمصباح، وأما في الترجمة: " ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني لولاية مَنْ فرضت طاعته علي..".
(9) في الترجمة زيادة (ولاية ولاة... الخ) وثبتنا ما في كمال الدين والمصباح.
(10) هكذا في كمال الدين والمصباح، وأما في الترجمة ففيها زيادة (علي بن أبي طالب).
(11) هكذا في كمال الدين المطبوع، وأما في المصباح والترجمة (نافذاً لأمر).
(12) هكذا في كمال الدين، وأما في المصباح والترجمة (مشاهدته) بدل (مشاهده).
(13) هذه الزيادة في كمال الدين.
(14) في الكمال (المهتدي).
(15) في الكمال (مهدي).
(16) في الترجمة والمصباح (التقي الزكي النقي).
(17) في الترجمة والمصباح (الصابر الشكور المجتهد).
(18) هذه الزيادة في كمال الدين.
(19) في الترجمة (في قيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم).
(20) هذه الزيادة في الكمال.
(21) في الكمال بدل (مشايعته) (متابعته).
(22) في الكمال بدل (لا) (غير).
(23) في بعض نسخ الكمال (ودمر).
(24) في الكمال (الباطل) بدل (الجور).
(25) في الكمال (وتطهر).
(26) هذه الزيادة في الكمال.
(27) في الترجمة زيادة (عنّا).
(28) سقطت من الكمال.
(29) هذه الزيادة في الكمال.
(30) في الكمال (عقابك).
(31) في الكمال (وأذلّوا) بدل (وأضلوا).
(32) هذه الزيادة في الترجمة.
(33) في المصباح (ليل) بدل (ظلمة).
(34) هذه الزيادة في الكمال.
(35) في الكمال (السوء).
(36) هذه الزيادة في الكمال.
(37) هذه الزيادة في الكمال.
(38) هذه الزيادة في الترجمة والمصباح.
(39) هذه الزيادة في الترجمة.
(40) سقطت هذه الجملة من الترجمة.
(41) راجع جمال الاسبوع (السيد ابن طاووس): ص 521.
(42) في الترجمة (قال الراوي).
(43) في الترجمة (ولا أوقى).
(44) مهج الدعوات (السيد ابن طاووس): ص 323 ـ البحار: ج 95، ص 336.
(45) في الترجمة (عزّه واقتداره).
(46) مهج الدعوات (السيد ابن طاووس): ص 333 ـ البحار: ج 95، ص 336.
(47) في الترجمة (أبو الحسن بن محمد بن علي... الخ).
(48) هذه الزيادة في البحار ولا توجد في المصدر المطبوع ولا في الترجمة.
(49) في البحار (نادى).
(50) الآية 87 من سورة مريم.
(51) سقطت من الترجمة.
(52) في نسخة بدل البحار زيادة (وهو أهل).
(53) في البحار المطبوع (عملي).
(54) في نسخة بدل البحار زيادة (والذين).
(55) راجع مهج الدعوات (السيد ابن طاووس): ص 335 - 336 ـ البحار: ج 95، ص 337 - 338.
(56) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 352 ـ مهج الدعوات (السيد ابن طاووس): ص 415 ـ البحار: ج 95، ص 326 ـ البحار: ج 52، ص 148 - 149، ح 73 ـ أعلام الورى (الطبرسي): ص 406.
******************
السابع:
روى الشيخ النعماني رحمه الله باسناده عن عبد الله بن سنان قال:
دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله عليه السلام فقال: كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدىً، ولا عَلَماً يرى، فلا ينجو من تلك الحيرة الّا مَنْ دعا بدعاء الغريق.(1)
فقال أبي: هذا والله البلاء، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ؟
قال: إذا كان ذلك ـ ولن تدركه ـ فتمسّكوا بما في أيديكم حتى يتّضح لكم الأمر.(2)
يعني: أن لا تتزلزلوا في دينكم بذلك الزمان ولا تتحيّروا ولا تنقلبوا، وتمسّكوا بما جاءكم من الائمة السابقين في الأصول والفروع، ولا تتركوا العمل بها، ولا ترتدّوا، ولا تؤمنوا بمن يدّعي الامامة والقائمية ما لم تتّضح لكم امامته بتحقق المعجزات البيّنات.
ويتّضح من عدم سؤال سنان والد عبد الله عن دعاء الحريق (3) ما هو؟ بأن هذا الدعاء كان معهوداً ومعروفاً عند الأصحاب.(4)
والذي يخطر بالبال انّه الدعاء المعروف الذي نقله جماعة من العلماء في أدعية الصباح والمساء، وقال الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في كتاب عدّة السفر: ومن الأدعية التي جلالتها وفضيلتها كثيرة وقد جمعت فيها شروط الكمال بشكل جيّد للغاية وقراءتها مختصّة بالصباح والمساء; الدعاء المشهور بدعاء الحريق المروي عن الامام زين العابدين عليه السلام، والدعاء هو: (5) اللهمّ انّي أصبحت أشهدك وكفى بك شهيداً... الى آخر الدعاء وهو طويل، وقال في آخره: ومما خرج عن صاحب الأمر عليه السلام التوقيع الى محمد بن الصلت القمي عليه الرحمة بهذا الدعاء وفيه زيادة وتتمة وهي: " اللهمّ ربّ النور العظيم... الى آخره، وهو معروف".
وبالجملة فلعدم اطمئناني أنّ المقصود منه هو هذا الدعاء، ولأنه طويل أيضاً، وموجود في كثير من كتب الأدعية مثل مصباح الشيخ والكفعمي والمقباس والبحار ـ فلهذا ـ لم ننقله.
الثامن:
من تكاليف العامة رعايا الامام صاحب الأمر عليه السلام الاستمداد والاستعانة والاستنجاد والاستغاثة به عليه السلام حين الشدائد والأهوال والبلايا والأمراض وعند تقادم الشبهات والفتن من الجهات والجوانب، ومن الأقارب والأجانب، وعند عدم مشاهدة طريق الخلاص، وانتهاء الطرق في مضائق ضيقة; فحينها يطلب منه عليه السلام حلّ الشبهات ورفع الكربات ودفع البليّات وسدّ الخلاّت والارشاد على الطريق إلى المقصود بما يراه صلاحاً، ويوصل المتوسل المستغيث إليه بحسب القدرة الالهية والعلوم اللدنية الربانيّة التي لديه وكلّ حسب حاله وبمقدار ما يعلم، وقادر على اجابة مسؤوله، بل انّ فضله وصل ويصل دائماً الى كل أحد بمقدار اهليّته واستعداده، بملاحظة مصلحة نظام العباد والبلاد، ولم يغفل ولن يغفل عن النظر بأمور رعاياه; المطيع منهم والعاصي، والعالم والجاهل، والشريف والدنيّ، والقوي والضعيف، وقد قرّر نفسه عليه السلام ذلك في التوقيع الذي بعثه إلى الشيخ المفيد:
"نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فانّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذلّ الذي أصابكم".(6)
وروى الشيخ الكليني والنعماني وغيرهما بأسانيدهم عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال في خطبة طويلة خطبها بالكوفة:
" اللهمّ لابدّ لك من حجج في أرضك حجّة بعد حجّة على خلقك، يهدونهم إلى دينك، ويعلّمونهم علمك لكيلا يتفرّق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم خائف يترقب، ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، وهم بها عاملون، يأنسون بما يستوحش منه المكذّبون، ويأباه المسرفون، باللهِ كلام يكال بلا ثمن لو كان من يسمعه بعقله فيعرفه، ويؤمن به ويتّبعه، وينهج نهجه فيفلح به.. إلى آخره".(7)
وروى الشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي في كتاب (اثبات الوصيّة) عن الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام انّه قال: "لما ولد الصاحب عليه السلام بعث الله عزوجل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله، فقال له: مرحباً بك، وبك أعطي، وبك أعفو، وبك أعذب".(8)
وروى الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) بسند معتبر عن أبي القاسم الحسين بن روح النائب الثالث انّه قال: " اختلف أصحابنا في التفويض وغيره، فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال في أيام استقامته، فعرّفته الخلاف، فقال: أخرني، فأخرته أياماً فعدت إليه، فأخرج إليّ حديثاً باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الله أمراً عرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الائمة واحداً بعد واحد إلى أنْ ينتهي إلى صاحب الزمان عليه السلام، ثم يخرج إلى الدنيا.
وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز وجل عملا عرض على صاحب الزمان عليه السلام ثمّ على واحد بعد واحد إلى أن يعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ يعرض على الله عز وجل، فما نزل من الله فعلى أيديهم وما عرج الى الله فعلى أيديهم، وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين".(9)
ونقل السيد حسين المفتي الكركي سبط المحقق الثاني في كتاب (دفع المناوات) عن كتاب (البراهين) انّه روى عن أبي حمزة عن الامام الكاظم عليه السلام; قال: سمعته عليه السلام يقول: لا يرسل الله عز وجل ملكاً إلى الأرض بأمر الّا ابتدأ بالامام عليه السلام فيعرضه عليه، وأن تنزل الملائكة من الله عزوجل على صاحب هذا الأمر.(10)
وقد تقدم في الباب السابق في حديث أبي الوفاء الشيرازي انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال له: "وأما الحجة فاذا بلغ منك السيف المذبح ـ وأومأ بيده إلى الحلق ـ فاستغث به فانّه يغيثك، وهو غياث وكهف لمن استغاث به".(11)
وروى الشيخ الكشي والشيخ الصفار في البصائر عن رميلة قال: وعكت وعكاً شديداً في زمان أمير المؤمنين عليه السلام فوجدت من نفسي خفّة (12) يوم الجمعة، فقلت لا أصيب (13) شيئاً أفضل من أن أفيض عليّ (14) من الماء واُصلّي خلف أمير المؤمنين عليه السلام ففعلت، ثمّ جئت (15) المسجد، فلمّا صعد امير المؤمنين عليه السلام عاد عليّ ذلك الوعك، فلمّا انصرف أمير المؤمنين عليه السلام دخل القصر ودخلت معه فقال: يا رميلة (ما لي) (16) رأيتك وأنت متشبك بعضك في بعض؟!(17) (فقلت: نعم) (18) وقصصت عليه القصّة التي كنت فيها، والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه، فقال (لي) (19) يا رميلة ليس من مؤمن يمرض الّا مرضنا لمرضه، ولا يحزن الّا حزنّا لحزنه، ولا يدعو الّا أمنّا له، ولا يسكت الّا دعونا له، فقلت (له)(20): يا أمير المؤمنين جعلت (21) فداك هذا لمن معك في المصر (22) أرأيت من كان في أطراف الأرض؟ قال يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها.(23)
وروى الشيخ الصدوق، والصفّار، والشيخ المفيد وغيرهم بأسانيد كثيرة عن الامام الباقر وعن الامام الصادق عليهما السلام انّه قال:
"انّ الله لا يدع الأرض الّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان فاذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم...".(24)
وفي رواية: " رمى الزيادة، وإذا جاؤا بالنقصان اتمّه لهم، ولو لا ذلك لاختلط على المسلمين أمرهم".(25)
وفي رواية: " لم يفرّق بين الحق والباطل".(26)
وروي في تحفة الزائر للمجلسي، ومفاتيح النجاة للسبزواري: لكلّ حاجة تكتب ما سنذكره في رقعة وتطرحها على قبر من قبور الائمة عليهم السلام، أو فشدّها، واختمها، واعجن طيناً نظيفاً، واجعلها فيه، واطرحها في نهر، أو بئر عميقة، أو غدير ماء، فانّها تصل إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه وهو يتولى قضاء حاجتك بنفسه، تكتب: (27) بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت يا مولاي صلوات الله عليك مستغيثاً، وشكوت ما نزل بي مستجيراً بالله عزوجل ثمّ بك، من أمر قد دهمني، وأشغل قلبي، وأطال فكري، وسلبني بعض لبّي، وغيّر خطير نعمة الله عندي، أسلمني عند تخيّل وروده الخليل، وتبرّأ منّي عند ترائي اقباله إليّ الحميم، وعجزت عن دفاعه حيلتي، وخانني في تحمّله صبري وقوّتي، فلجأت فيه اليك، وتوكّلت في المسألة لله جلّ ثناؤه عليه وعليك، في دفاعه عنّي، علماً بمكانك من الله ربّ العالمين، وليّ التّدبير، ومالك الاُمور، واثقاً بك في المسارعة في الشّفاعة إليه جلّ ثناؤه في أمري، متيقّناً لاجابته تبارك وتعالى ايّاك باعطاء سؤلي، وأنت يا مولاي جدير بتحقيق ظنّي، وتصديق أملي فيك في أمر ـ كذا وكذا (28) ـ فيما لا طاقة لي ( بحمله، ولا صبر لي) (29) عليه، وإن كنت مستحقّاً له ولأضعافه، بقبيح أفعالي، وتفريطي في الواجبات التي لله عز وجل، فأغثني يا مولاي ـ صلوات الله عليك ـ عند اللهف وقدّم المسألة لله عز وجل في أمري قبل حلول التّلف، وشماتة الأعداء، فبك بسطت النّعمة عليّ.
وأسأل الله جلّ جلاله لي نصراً عزيزاً، وفتحاً قريباً، فيه بلوغ الآمال وخير المبادي وخواتيم الأعمال، والأمن من المخاوف كلّها في كلّ حال، انّه جلّ ثناؤه لما يشاء فعّال، وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدأ والمآل.
ثمّ تصعد النّهر أو الغدير وتعمد بعض الأبواب، امّا عثمان بن سعيد العمري أو ولده محمد بن عثمان، أو الحسين بن روح، أو عليّ بن محمد السّمري، (فهؤلاء كانوا أبواب المهدي عليه السلام) (30) فتنادي بأحدهم: يا فلان بن فلان، سلام عليك أشهد انّ وفاتك في سبيل الله، وانّك حيٌّ عند الله مرزوق، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله عزوجل، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه السلام فسلّمها إليه، فأنت الثقة الأمين، ثمّ أرمِها في النّهر أو البئر أو الغدير، تُقضى حاجتك إن شاء الله.(31)
ويستفاد من هذا الخبر الشريف انّ هؤلاء الأجلاّء الأربعة الذين كانوا واسطة بينه عليه السلام وبين رعاياه في الغيبة الصغرى بعرض الحوائج والرقاع وأخذ الأجوبة وتبليغ التوقيعات انّهم كذلك في ركابه المبجّل في الغيبة الكبرى، ولهم هذا المنصب المعظّم.
ومنه يعرف ان مائدة احسان وجود وكرم وفضل ونعم امام الزمان عليه السلام مبسوطة في كلّ قطر من أقطار الأرض لكل مضطرب عاجز، وتائه ضال، ومتحيّر جاهل، وعاص حيران، وذلك الباب مفتوح، والهداية عامّة مع وجود الصدق والاضطرار والحاجة والعزم ومع صفاء الطوية واخلاص السريرة. وإذا التمس الجاهل شراب علمه وإذا تاه فانّه يوصله الى طريقه، وإذا كان مريضاً فانّه يلبسه ثوب العافية كما يظهر ويتّضح من خلال الحكايات والقصص المتقدّمة.
النتيجة المقصودة في هذا المقام وهي ان الامام صاحب الأمر عليه السلام حاضر بين العباد وناظر الى رعاياه، وقادر على كشف البلايا، وعالم بالأسرار والخفايا، ولم ينعزل عن منصب خلافته لغيبته واستتاره عن الناس، ولم يرفع يده عن لوازم وآداب رئاسته الالهيّة، وما أصاب العجز قدرته الربانيّة، وإذا أراد حلّ مشكلة فانّه يحلّها بما يلقيه في القلب بما لا تراه عين ولا تسمع به أذن.
وإذا أراد أن يميل ويشوق قلبه إلى كتاب أو عالم دواؤه فيه أو عنده فانّه يعلمه أحياناً دعاءه، واُخرى يعلمه دواء مرضه في المنام.
وما رؤي وسمع كثيراً من انّه يشكو المضطرّون والمحتاجون وبحال العاجز وبالتضرّع ثمّ لا يرون أثر الاجابة وكشف البليّة، فانّه بالاضافة إلى وجود موانع الدعاء والقبول عند هذا المضطر غالباً، قد يكون ذلك للاشتباه في الاضطرار، فانّه يرى نفسه مضطراً وهو ليس كذلك، ويرى نفسه ضائعاً ومتحيّراً وطريقه واضح له، مثل الجاهل بالأحكام العمليّة حيث ارجعه إلى العالم بها كما قرّره في التوقيع المبارك في جواب مسائل اسحاق بن يعقوب: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله".(32)
فانّ الجاهل غير مضطر في أحكامه مادام قادراً على الوصول إلى العالم ولو بالهجرة والسفر أو بالرجوع إلى كتابه.
وكذلك العالم لا يكون عاجزاً ومضطراً ما زال قادراً على حلّ الاشكال ودفع شبهته وحيرته من ظواهر نصوص الكتاب والسنّة والاجماع.
وانّ اولئك الذين تجاوزوا الحدود الالهيّة والموازين الشرعيّة في وسائل حياتهم ومعاشهم ولم يقنعوا ويقتصروا على المقدار الممدوح في الشرع فهم غير مضطرّين لعدم وجود بعض الأشياء التي لا يتعلّق عليها قوام الحياة.
وهكذا يرى الانسان نفسه مضطراً ولكنّه بعد التأمّل الصادق يظهر له انّه ليس مضطراً، وإن كان يصدق عليه الاضطرار فلعلّ صالحه أو الصالح العام هو في عدم اجابته.
ثمّ انّهم لم يوعدوا كلّ مضطر بالاجابة، نعم انّه لا يجيب المضطر الّا الله تعالى أو خلفاؤه، وليس انّهم يجيبون كلّ مضطر.
وقد كان في عصر الحضور والظهور أغلب أنواع المضطرين والعاجزين في المدينة ومكّة والكوفة وغيرها من الموالين والمحبّين، وكثير منهم كانوا يسألون فلا يجابون; فلم يكن أي عاجز وفي أي زمان كان يجاب في كلّ ما يطلب، ويرفع اضطراره، فان ذلك يورث اختلال النظام وما يسلب الأجر والثواب العظيم الجزيل، فانّ اصحاب البلايا والمصائب بعدما يشاهدون ذلك الأجر والثواب يوم القيامة يتمنّون أن تكون لحوم أبدانهم قد قرّضت بالمقاريض في الدنيا.
ولم يفعل الله تعالى ذلك (33) بعباده مع قدرته الكاملة وغناه المطلق، وعلمه المحيط بذرّات وجزئيات الموجودات.
* * *
وبالجملة فتكليف رعيّته عليه السلام في أيام الغيبة بعد الاضطرار والحاجة وعدم الحصول على ما عينوه عليهم السلام واقرّوه هو التوسّل والاستغاثة به عليه السلام لرفع الحيرة وقضاء الحاجة، وطلب قضاء حاجته منه عليه السلام; والمعرفة والاعتقاد بانّه عليه السلام عالم وقادر على انجاح مرامه مع عدم وجود الموانع فيها، بل معرفة انّه عليه السلام السبب والوسيلة لتحقّق كلّ خير ورفع ودفع كلّ شر وبلاء كما في مضامين كثير من الأخبار، والتي أشير إلى بعضها، روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انّه ذكر اسماء كلّ واحد واحد من الائمة عليهم السلام إلى أن قال:
" ثمّ سميّي، وكنيّي، حجة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بامامته الّا مَنْ امتحن الله قلبه للايمان.
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال عليه السلام: اي والذي بعثني بالنبوّة انّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وان تجللها سحاب... الخ".(34)
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج توقيعاً خرج عنه عليه السلام بيد محمد بن عثمان، وذكر فيه:
"وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وانّي لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء...".(35)
وذكر في رواية اُخرى قال سليمان، فقلت للصادق عليه السلام: "فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب".(36)
ولا يخفى انّ للشمس علوّاً وارتفاعاً وانفراداً ونوراً وشعاعاً يهتدي به الناس في أمور دنياهم وله تأثير ودخالة في العناصر والمركّبات والقهر والغلبة، بل على باقي الكواكب النيّرة ايضاً، بل يدّعي البعض انّ جميع نور الكواكب من الشمس، وأقاموا لذلك البرهان، وأتم وأكمل جميع هذه الصفات والخصائص وزيادتها بوجود امام العصر عليه السلام بتربية العقول والأرواح والنفوس والدين والايمان والصفات الحسنة، وانّه السبب للحياة الخالدة والوصول إلى المقام الانساني.
ووجه تشبيه وجوده المقدّس بالشمس إذا جللها السحاب، قيل فيه عدّة وجوه:
الأول:
انّ نور الوجود والعلم والهداية وسائر الفيوضات والكمالات والخيرات تصل إلى الخلق ببركته عليه السلام، وببركة الشفاعة وبالتوسّل به عليه السلام تظهر الحقائق والمعارف لأوليائه، وتنكشف البلايا والفتن عنهم، كما يقول الله تعالى في الحجة بكل عصر (وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبهمْ وَأَنْتَ فِيهم).(37)
فقانون الله تعالى أن لا يعذّب الخلق وأنت الرحمة للعالمين فيهم، وقد جاء متواتراً عنه صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال:
" أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء".(38)
وكلّ من تنوّر قلبه ولو بقليل من نور الايمان يعلّم انّه إذا انسدّت أبواب الفرج على أحد ولا يعرف طريقاً له، أو اشتبه عليه مطلب دقيق أو مسألة غامضة، فانّه عندما يتوسّل به عليه السلام وبأدنى توسّل تنفتح أبواب الرحمة والهداية.
الثاني:
كما انّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بضوئها فهم ينتظرون في كلّ آن رفع السحاب وانكشاف الحجاب، فكذلك المخلصون والمؤمنون الموقنون ينتظرون الفرج دائماً في أيام غيبته، ولا ييأسون، ويحصلون بذلك الانتظار على ثواب عظيم.
الثالث:
انّ منكر وجوده عليه السلام مع انّ أنوار امامته ساطعة وظهور آثار ولايته كالمنكر لوجود الشمس إذا حجبت بالسحاب.
الرابع:
قد تكون غيبة الشمس بالسحاب أحياناً أصلح للعباد وانفع، فكذلك قد تكون غيبته عليه السلام مع الانتفاع بالآثار، أو قد تكون أصلح لكثير من ظهوره عليه السلام.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن عمّار الساباطي انّه قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العبادة مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الامام الظاهر منكم؟ فقال: يا عمّار الصدقة والله في السّر (في دولة الباطل) (39) أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السّر مع امامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممّن يعبد الله عز وجل في ظهور الحقّ مع الامام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق، اعلموا انّ من صلّى منكم صلاة فريضة واحداناً مستتراً بها من عدوّ في وقتها فأتمّها كتب الله عز وجل له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب الله عز وجل له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان الله عز وجل بالتقيّة على دينه وعلى امامه وعلى نفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة، انّ الله عز وجل كريم.
الهوامش
(1) في الترجمة (الحريق) بدل (الغريق).
(2) راجع الغيبة (النعماني): ص 159، باب 10، فصل، ح 4 ـ وكمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 348، باب 33، ح 40 ـ البحار: ج 52، ص 133، باب 22، ح 37 ـ اثبات الهداة (الحر العاملي): ج 3، ص 533، باب 32، ح 470.
(3) هكذا في الترجمة كما سبق، وكذلك في البحار المطبوع، ج 52، ص 133 عن غيبة النعماني، ولكن في المصدر المطبوع وكذلك في الكمال المطبوع والبحار: ج 95، ص 326، وفي غيرهما (الغريق).
(4) ولكن عدم السؤال بنفسه لا يدلّ صراحة على معروفية ومعهودية ذلك الدعاء عند السائل، فكثيراً ما يقع الانسان في معاني متداعية بذهنه فيذهل عن المسألة، وقد يخطر بذهنه معنى ويتصوّر انّه فهم المقصود فلا يسأل، وعندما يخرج من المجلس ويتوجّه للموضوع يعرف اشتباهه، وقد يكون أخذته هيبة الامام فلم يتطاول بالأسئلة، وقد يكون ـ والله أعلم ـ انّه فهم من الغريق انّه ينجو من يكون حاله بالدعاء وطريقة الدعاء والتعلّق بالدعاء كحال وطريقة وتعلّق الغريق فانّه ينقطع إلى الله عزوجلّ انقطاعاً كليّاً ويتوجه بكلّ وجوده بالدعاء فتخرج الكلمات من أعماقه، وغير ذلك من حالات الغريق، والله تعالى أعلم.
(5) لعدم توفّر المصدر لدينا حالياً فقد قمنا بترجمة النص، والدعاء مروي في مصادر متعددة، منها: مفتاح الفلاح للشيخ البهائي، والمصباح للشيخ الكفعمي: ص 72 - 78 ـ ومصباح المتهجد للطوسي: ص 153 - 159 ـ والبحار: ج 86، ص 165 ـ والبلد الأمين (الكفعمي): ص 55 - 60 وغيرها.
(6) راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 322 ـ 323.
(7) الغيبة (النعماني): ص 137 ـ الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 1، ص 178 و335 و339.
(8) اثبات الوصيّة (المسعودي): ص 221.
(9) راجع الغيبة (الطوسي): ص 387، الطبعة المحققة ـ وعنه المستدرك (النوري): ج 12، ص 164، ح 10، الطبعة الحديثة.
(10) لعدم وجود المصدر بأيدينا فقمنا بترجمة النص.
(11) يبدو انّ المؤلف رحمه الله نقلها هنا بتصرّف، وقد تقدّمت الرواية ومصادرها ـ راجع دعوات الراوندي: ص 192.
(12) في البصائر (في يوم).
(13) في البصائر (لا أعرف).
(14) في البصائر (على نفسي).
(15) في البصائر (إلى المسجد).
(16) هذه الزيادة في رجال الكشي.
(17) قال المؤلف رحمه الله: وفي رواية (فالتفت اليّ أمير المؤمنين عليه السلام وقال)، ويقصد بالرواية، رواية رجال الكشي.
(18) سقطت من رجال الكشي.
(19) سقطت من البصائر.
(20) سقطت من رجال الكشي.
(21) في البصائر (جعلني الله فداك).
(22) في البصائر (القصر) بدل (المصر).
(23) راجع بصائر الدرجات (الشيخ الصفار رحمه الله): ص 259 و260، ج 5، باب 16، ح 1 ـ رجال الكشي: ص 102.
(24) راجع علل الشرائع (الشيخ الصدوق): ص 195 و196 ـ وقريب منه في بصائر الدرجات (الشيخ الصفار): ص 486، ج 10، باب 10، ح 10 - 12 ـ البحار: ج 23، ص 21، ح 19.
(25) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ج 10، باب 10، ح 12، ص 486.
(26) راجع علل الشرائع (الصدوق): ص 196 ـ وراجع العلل: ص 199، ح 22.
(27) راجع المصباح (للكفعمي): ص 405 ـ البلد الامين: ص 157.
(28) في الترجمة (وتذكر حاجتك بدل كذا وكذا).
(29) سقطت من الترجمة، واثبتت في التحفة وباقي المصادر.
(30) سقطت من الترجمة، واثبتت في التحفة وباقي المصادر.
(31) راجع المصباح (الكفعمي): ص 405 ـ البلد الأمين (الكفعمي): ص 157 ـ البحار: ج 102، ص 234 - 235 ـ تحفة الزائر (العلامة المجلسي): ص 480 - 482.
(32) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 12، ص 484 ـ الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 283.
(33) أي لم يفعل ما يورث اختلال النظام وما يسلب الأجر والثواب.
(34) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 253.
(35) راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 284.
(36) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 207، ح 22.
(37) الآية 33 من سورة الأنفال.
(38) راجع التوقيع الشريف الذي خرج من الناحية المقدّسة عليه السلام ـ الاحتجاج: ج 2، ص 284 بقوله: " وانّي لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء ".
(39) سقطت من الترجمة.
******************
قال: فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكنّي اُحبّ أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الامام منكم الظاهر في دولة الحق، ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله عز وجل؟
فقال: انكم سبقتموهم إلى الدّخول في دين الله عز وجل وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كلّ فقه وخير وإلى عبادة الله سرّاً مع عدوّكم مع الامام المستتر مطيعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحق، خائفون على امامكم وأنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقّ امامكم وحقّكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطرّوكم إلى حرث الدّنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة امامكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً.
قال: فقلت له: جعلت فداك فما نتمنّى إذن أن نكون من أصحاب الامام القائم في ظهور الحق ونحن اليوم في امامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أعمال أصحاب دولة الحقّ؟ فقال سبحان الله: أما تحبّون أن يظهر الله عز وجل الحقّ والعدل في البلاد، ويحسن حال عامّة العباد، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله عز وجل في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويردّ الله الحقّ إلى أهله فيظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمّار! لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها الّا كان أفضل عند الله عز وجل من كثير ممّن شهد بدراً واُحداً فأبشروا.(1)
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج عن أبي خالد الكابلي انّه قال الامام زين العابدين عليه السلام:
" ثمّ تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والائمة بعده.
يا أبا خالد! انّ أهل زمان غيبته القائلين بامامته، والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كلّ زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، اولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً.
وقال عليه السلام: انتظار الفرج أعظم من الفرج".(2)
وبهذا المضمون أخبار كثيرة أثنت على المبتلين بظلمات الغيبة وحافظوا على دينهم وهم المقصودون من الآية الشريفة (يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(3) وسماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم اخوته وأوعدهم بأجر كبير لتحمّلهم الأذى والمشقّات في حفظ وحراسة دينه.
الخامس من وجوه التشبيه:
انّه لا يمكن النظر إلى قرص الشمس لأكثر العيون وقد يكون سبباً لعمى عين الناظر إليها، أو ظلمتها وعتمتها، فكذلك النظر إلى شمس جماله الذي لا نظير له قد يكون سبباً إلى عمى بصيرة الناظر، كما هو حال كثير من الناس فانّهم كانوا يؤمنون بالأنبياء عليهم السلام قبل بعثتهم، ولكنّهم ينكرون عليهم بعد البعثة لبعض الأسباب والأهداف الفاسدة مثل قلّة الجاه والاعتبار، ورفع اليد عن الرئاسة الظاهريّة التي كانت لهم ككثير من يهود المدينة.
وليس بعيداً أن يكون كذلك الكثير من أتباع الدنيا من الشيعة، بل نُقِلَ عن بعض العلماء انّه كان يتمنى أن يموت قبل الظهور خوف الامتحان والاختبار الذي في ذلك الزمان والسقوط في حبال الشيطان نعوذ بالله منه.
السادس:
انّه في النهار الغائم قد يرى بعض الناس الشمس من فرجات السحاب ولا يراها البعض الآخر، فكذلك هو عليه السلام في أيّام الغيبة فمن الممكن أن يصل بعض شيعته إلى خدمته عليه السلام، ولا يصل إليه البعض الآخر كما تقدم ذلك مفصلا في الأبواب السابقة.
السابع:
انّه عليه السلام مثل الشمس في وصول عموم النفع إلى كلّ شيء بحسب قابليّته وتقبل ذلك الشيء وسؤاله بلسان الحال أو المقال، وعدم ارادة الأجر والجزاء حتى بمعرفة نسبة ذلك الخير إليه، بل يجحده وينكره، وينسبه ا لى الغير.
ولا تتضرّر عصمته وجلاله من هذا الانكار ولا يصدّ عن السيرة المرضيّة وافاضة الخير كالمنكر الذي ينكر وجود نفع من الشمس المحجوبة بالسحاب، فانّ ذلك لا يضرّها ولا تترك رعايته.
الثامن:
انّه مثل شعاع الشمس يدخل في البيوت بقدر ما فيها من الفجوات والفرجات، وينتفع صاحب البيت من هذا الشعاع بمقدار ما يعده من الطرق لهذا الشعاع ورفعه لموانعه، وكذلك الخلق انّما ينتفعون بأنوار هدايته عليه السلام وعلمه بقدر ما يرفعونه من أنفسهم من الحجب والأستار والأقفال التي على قلوبهم من الشهوات والشبهات والمعاصي التي بها تعمى البصيرة ويصمّ أذن القلب، فلو انّ العالم امتلأ نوراً فانّه لا يرى شيئاً، ولو تكلّم جميع المقدّسين فانّه لا يسمع شيئاً.
وقد أشار إلى هذه الوجوه جميعها العلامة المجلسي رحمه الله في البحار.
ولا يخفى: انّه قد تقدّم في الباب الثاني انّ المقصود من الماء المعين في الآية الشريفة (اِن أصْبَحَ مَاؤُكُمْ غوراً فَمَنْ يَأتِيكُمْ بِمَاء معِين)(4) هو عليه السلام.
وكما انّ السبب الظاهري لحياة كلّ شيء من الانسان والحيوان والنبات والجماد والأجسام العلويّة والسفليّة بنصّ الآية المباركة (5) والتصاق بعض الأجزاء بالبعض الآخر، وبقاء تركيبها ومزاجها هو الماء، والسبب الباطني لحياة كلّ شيء لابدّ وأن يكون بنحو أعلى وأتمّ وأكمل وأشرف الوجود وهو الامام عليه السلام.
ولا يمكن للشمس بدون ماء أن تنمّي شيئاً، فهي محتاجة إليه، ووجوده المقدّس غير محتاج إلى الغير في التربية والتكميل وافاضة الخير، وانّه يفعل بالعقول والنفوس والأرواح ما يفعله الاثنان بالجسمانيّات.
وبالجملة: فلا نجاة ولا مفزع ولا ملاذ ولا كهف للعباد الّا وجوده المعظّم عليه السلام وآباؤه الأكرمون، كما قال هو عليه السلام في زيارة وجوده الأقدس التي أمرنا بقراءتها (فلا نجاة ولا مفزغ الّا أنتم).
ويجب على كلّ انسان أن يوصل نفسه بالوسيلة التي توصله إلى هناك، وهذه الوسيلة هي البكاء والنحيب، والأنين، والاضطراب، وقراءة ما في الزيارة، والتضرّع، والمسألة، بل العمدة هو الخروج من الحالة والصفات والأفعال المكروهة عند طبعه الشريف، ومعرفة واطاعة الأشياء المحبوبة والمرضيّة عنده، وهي ليست الّا مكروهات ومحبوبات الله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وأكثرها مفصلة ومبيّنة في الكتاب والسنّة، بل انّ جملة منها من الوضوح بمقدار بحيث وصلت إلى حدّ الضرورة.
ومن بعد ذلك حمل همّه عليه السلام فانّ الأصل من هدف بعثته كباقي الحجج عليهم السلام هو تكميل الدين، وتعليم الشرائع، وارجاع العاصين والمتمرّدين إلى مولاهم الحقيقي، وتوضيح الطريق للتائهين في وادي الضلالة، فانّ اكثر همهم في ذلك وقد تحمّلوا بسببه كلّ المصائب والمحن لذلك.
وروي في تفسير العسكري عليه السلام:
" أوحى الله تعالى إلى موسى... فلئن تردّ آبقاً عن بابي، أو ضالا عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها، وقيام ليلها.
قال موسى عليه السلام: ومن هذا العبد الآبق منك؟
قال: العاصي المتمرّد.
قال: فمن الضال عن فنائك؟
قال: الجاهل بامام زمانه تعرفه، والغائب عنه بعدما عرفه، الجاهل بشريعة دينه تعرفه شريعته، وما يعبد به ربّه، ويتوصّل به إلى مرضاته".(6)
فكلّ مذنب يندم على معصيته ويتوب فهو يتحمّل صعوبة عنه عليه السلام ويزيل همّاً منه عليه السلام، وهكذا لو تعلّم منكر الصانع أو الرسالة أو الامامة; التوحيد أو الايمان، أو الاسلام.
وهكذا لو تعلّم الجاهل بالأحكام الدينيّة مسائل ولو كانت قليلة، أو أنقذ شخصاً من ظلمات الرياء، والنفاق، والشبهة، والحرص، والطمع، والحقد، والحسد، وحبّ الدنيا والجاه والرئاسة، ونوّره بالاخلاص، واليقين، والزهد، والقناعة، والألفة، والمحبّة، وبغض الدنيا، فكل جزء منها رفع همّ عنه عليه السلام، ووسيلة عظمى.
وبعد ذلك، رفع همّ من هموم أوليائه ومحبّيه عليهم السلام الذي هو سبب همّه عليه السلام، كما تقدّم في خبر رميلة; فرفع هم جائع، أو عطشان، أو عريان، أو مريض، أو مدين، أو مقروض، أو مظلوم، أو ضائع، أو أعزب، أو من ليس عنده مسكن، أو مشتاق للزيارة والحج، فانّه يكون سبباً لرفع همّ ولسرور امام الزمان عليه السلام، ويكون واسطة عنده عليه السلام لقضاء حوائجه وإنجاح مآربه; ونظير ذلك نشر فضائله ومناقبه عليه السلام وآبائه الكرام عليهم السلام بالقول والكتابة، وبالشعر.
قال السيد الأجل علي بن عبد الحميد النيلي في كتاب الأنوار المضيئة بعد أن ذكر بعض معجزات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: وأنا أقول أقسم بالله ربي لقد كنت في أثناء كتابة هذه الفضائل العظيمة وجمعي لهذه المعجزات الكريمة عرض لي عارض لم أطق معه حمل رأسي فكنت إذا رفعته صرعني، وإذا قمت أقعدني، وضاق صدري وخفت أن أُغلب على اتمام ما أنا بصدده فألهمت أن قلت: اللهمّ بحقّ محمد عبدك ونبيّك صاحب هذه الفضائل وبحقّ آله المعصومين صلّ عليهم أجمعين واصرف عنّي ما بي من هذه العلّة، فو الله العظيم لم يستتمّ كلامي حتى ذهب ذلك العارض كأنّه لم يكن، وقمت وكأنّما نشطت من عقال.(7)
وقال السيد ابن طاووس عليه الرحمة في كشف المحجة في ضمن وصاياه إلى ولده محمد:
"... لمّا بلغتني ولادتك بمشهد الحسين عليه السلام... فقمت بين يدي الله جلّ جلاله مقام الذلّ والانكسار والشكر لما شرفني به من ولادتك من المسار والمبار، وجعلتك بأمر الله جلّ جلاله عبد مولانا المهدي صلوات الله عليه، ومتعلّقاً عليه، وقد احتجناكم مرّة عند حوادث حدثت لك، إليه، ورأيناه في عدّة مقامات في منامات وقد تولّى قضاء حوائجك بانعام عظيم في حقّنا وحقّك لا يبلغ وصفي إليه، فكن في موالاته والوفاء له وتعلق الخاطر به على قدر مراد الله جلّ جلاله، ومراد رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، ومراد آبائه عليهم السلام، ومراده منك صلوات الله عليه".(8)
ومن المناسب أن نختم هذا المقام بذكر احدى التوسّلات المأثورة المجرّبة.
ذكر الشيخ المقدم ابو عبد الله سلمان بن الحسن الصهرشتي تلميذ الشيخ الطوسي رحمه الله في (قبس المصباح) على ما نقله في البحار:
"سمعت الشيخ أبا عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه رضي الله عنه بالري سنة أربعين وأربعمائة يروي عن عمّه أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه رحمه الله، قال: حدّثني بعض مشايخي القميين قال: كربني أمر ضقت به ذرعاً ولم يسهل في نفسي أن أفشيه لأحد من أهلي واخواني، فنمت وأنا به مغموم فرأيت في النوم رجلا جميل الوجه حسن اللباس طيّب الرائحة، خلته بعض مشايخنا القميين الذين كنت أقرأ عليهم، فقلت في نفسي إلى متى أكابد همّي وغمّي ولا أفشيه لأحد من اخواني، وهذا شيخ من مشايخنا العلماء أذكر له ذلك، فلعلّي أجد لي عنده فرجاً، فابتدأني وقال: ارجع فيما أنت بسبيله إلى الله تعالى، واستعن بصاحب الزّمان عليه السلام واتّخذه له مفزعاً، فانّه نعم المعين، وهو عصمة أوليائه المؤمنين، ثمّ أخذ بيدي اليمنى وقال: زره وسلّم عليه، وسله أن يشفع لك إلى الله تعالى في حاجتك.
فقلت له: علّمني كيف أقول فقد أنساني همّي بما أنا فيه كلّ زيارة ودعاء، فتنفّس الصّعداء وقال: لا حول ولا قوّة الّا بالله، ومسح صدري بيده وقال: حسبك الله لا بأس عليك تطهّر وصلّ ركعتين ثمّ قم وأنت مستقبل القبلة تحت السّماء وقل:
سلام الله الكامل التّام، الشامل العامّ، وصلواته الدائمة، وبركاته القائمة على حجّة الله ووليّه في أرضه وبلاده، وخليفته على خلقه وعباده، وسلالة النبوّة، وبقيّة العترة والصّفوة، صاحب الزّمان، ومظهر الايمان، ومعلن أحكام القرآن، مطهّر الأرض، وناشر العدل في الطّول والعرض، الحجّة القائم المهدي، والامام المنتظر المرضيّ، الطّاهر ابن الائمة الطاهرين، الوصيّ ابن الأوصياء المرضيّين، الهادي المعصوم ابن الهداة المعصومين، السلام عليك يا امام المسلمين والمؤمنين، السلام عليك يا وارث علم النبيّين، ومستودع حكمة الوصيّين، السلام عليك يا عصمة الدين، السلام عليك يا معزّ المؤمنين المستضعفين، السلام عليك يا مذلّ الكافرين المتكبّرين الظّالمين، السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان، يا ابن أمير المؤمنين، وابن فاطمة الزّهراء سيّدة نساء العالمين، السلام عليك يا ابن الائمة الحجج على الخلق أجمعين، السلام عليك يا مولاي، سلام مخلص لك في الولاء، أشهد انّك الامام المهديّ قولا وفعلا، وانّك الذي تملأ الأرض قسطاً وعدلا، فعجّل الله فرجك، وسهّل الله مخرجك، وقرّب زمانك، وكثّر أنصارك وأعوانك، وأنجز لك موعدك، وهو أصدق القائلين (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الاَْرْضِ، وَنَجْعَلهمْ اَئِمَّةً وَنَجْعَلهُمُ الْوَارِثِين) يا مولاي حاجتي ـ كذا وكذا ـ فاشفع لي في نجاحها، وتدعو بما أحببت.
قال: فانتبهت وأنا موقن بالرّوح والفرج، وكان عليّ بقيّة من ليلي واسعة فبادرت وكتبت ما علّمنيه خوفاً أن أنساه، ثمّ تطهّرت وبرزت تحت السماء وصلّيت ركعتين قرأت في الاُولى بعد الحمد كما عيّن لي انّا فتحنا لك فتحاً مبيناً وفي الثانية بعد الحمد إذا جاء نصر الله والفتح، فلمّا سلّمت قمت وأنا مستقبل القبلة وزرت، ثمّ دعوت حاجتي واستغثت بمولاي صاحب الزّمان، ثمّ سجدت سجدة الشكر وأطلت فيها الدّعاء حتّى خفت فوات صلاة الليل، ثمّ قمت وصلّيت وردي، وعقّبت بعد صلاة الفجر، وجلست في محرابي أدعو.
فلا والله ما طلعت الشمس حتّى جاءني الفرج مما كنت فيه، ولم يعد إليّ مثل ذلك بقيّة عمري، ولم يعلم أحد من الناس ما كان ذلك الأمر الذي أهمّني إلى يوم هذا، والمنّة لله وله الحمد كثيراً.(9)
ونقل السيد ابن طاووس هذه الزيارة في مصباح الزائر باختلاف قليل وبدون تعيين السورة(10)، ونقلها الشيخ الكفعمي في البلد الأمين مع السورة وذكر الغسل أيضاً قبل الصلاة والزيارة.(11)
* * *
الباب الحادي عشر
في ذكر بعض الأزمنة والأوقات المختصّة بامام العصر صلوات الله عليه
في ذكر بعض الأزمنة والأوقات المختصّة بامام العصر صلوات الله عليه وتكليف الرعايا فيها بالنسبة إليه عليه السلام، وعددها ثمانية:
الأول: ليلة القدر، بل الليالي الثلاثة المرددة بينها.
الثاني: يوم الجمعة.
الثالث: يوم عاشوراء.
الرابع: حين اصفرار الشمس إلى غروبها في كلّ يوم.
الخامس: عصر الاثنين.
السادس: عصر الخميس.
السابع: ليلة ويوم النصف من شعبان.
الثامن: يوم النوروز.
الأول: " ليلة القدر "
وهي ليلة تجلي وظهور القدر، ومنزلة ويمن وسلطة وعظمة وجلال امام العصر عليه السلام لنزول الروح والملائكة عليه عليه السلام بما تضيق عليه الأرض لتقدير أمور سنة العباد، كما جاء في أخبار كثيرة.
وروي في تفسير علي بن ابراهيم بعدّة أسانيد معتبرة عن الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام انّهم قالوا في تفسير الآية المباركة: (فِيهَا يفرق كُلُّ أَمْر حَكِيم).(12)
"يقدر الله كلّ أمر; من الحق، ومن الباطل، وما يكون في تلك السنة وله فيها البداء والمشيّة، يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من الآجال، والأرزاق، والبلايا، والأعراض، والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء، وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويلقيه امير المؤمنين عليه السلام إلى الائمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه السلام، ويشترط له ما فيه البداء والمشية، والتقديم والتأخير".(13)
وروى ايضاً:
"إنّ الله يقدّر فيها الآجال والأرزاق وكلّ أمر يحدث من موت وحياة أو خصب أو جدب أو خير أو شرّ... إلى أن قال: تنزل الملائكة وروح القدس على امام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور".(14)
وروى ايضاً عن الامام الباقر عليه السلام انّه قال لأبي المهاجر: " لا تخفى علينا ليلة القدر انّ الملائكة يطوفون بنا فيها...".(15)
وروى الشيخ الصفار في بصائر الدرجات عن داود بن فرقد انّه قال: سألته (16) عن قول الله عز وجل (اِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْريكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ).(17)
قال: نزل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من موت أو مولود.
قلت له: إلى مَنْ؟
فقال: إلى من عسى أن يكون؟ انّ الناس في تلك الليلة في صلاة، ودعاء، ومسألة، وصاحب هذا الأمر في شغل تنزل الملائكة إليه بأمور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها.(18)
وروى أيضاً عن عبد الله بن سنان قال: سألته عن النصف من شعبان.
فقال: ما عندي فيه شيء، ولكن إذا كانت ليلة تاسع عشر من شهر رمضان قسم فيها الأرزاق، وكتب فيها الآجال، وخرج فيها صكاك الحاج، واطلع الله إلى عباده، فغفر الله لهم الّا شارب الخمر.
فاذا كانت ليلة ثلاثة وعشرين فيها يفرق كلّ أمر حكيم، ثمّ ينهى ذلك ويمضي.
قال: قلت: إلى مَنْ؟
قال: إلى صاحبكم(19).(20)
وفي خبر آخر قال:
" يكتب فيها وفد الحاج، وما يكون فيها من طاعة، أو معصية، أو موت، أو حياة، ويحدث الله في الليل والنهار ما يشاء، ثمّ يلقيه إلى صاحب الأرض.
قال الحارث بن المغيرة البصري: قلت: ومَنْ صاحب الأرض؟
قال: صاحبكم".(21)
وفي خبر آخر قال:
"انّ الله يقضي فيها مقادير تلك السنة، ثمّ يقذف به إلى الأرض.
فقلت:(22) إلى مَنْ؟
فقال: إلى مَنْ ترى يا عاجز أو (23) يا ضعيف".(24)
وفي خبر آخر قال:
"إذا كان ليلة القدر، كتب الله فيها ما يكون، قال: ثمّ يرمي (25) به.
قال: (26) قلت: إلى مَنْ؟
قال: إلى مَنْ ترى يا أحمق".(27)
وقال العلامة المجلسي في (زاد المعاد): (28) "يظهر من بعض الأحاديث انّ الليالي الثلاث هي ليالي قدر، وتقدّر الأمور في الليلة الاُولى، وقد تغيّر بعضها في الليلة الثانية بكثرة الدعاء والعبادة، وتختم في الليلة الثالثة ولا تغيّر أو تغيّر تغييراً قليلا جدّاً.
وبلا تشبيه فانّها مثل أوامر الملوك، ففي البداية تكون معلّقة ومن السهل تغييرها، وبعد أن تسجّل في السجلات فسوف يكون تغييرها أصعب، وما لم تختم بختم الآثار فمن الممكن أن يطرأ عليها التغيير، ولكن عندما تختم بالختم الأشرف فهو بمنزلة الختم، ويكون تغييره صعباً جداً".(29)
وقال أيضاً في ذكر الترغيب للعبادة في ليلة القدر:
"وبما انّ صاحب الأمر عليه السلام محشور في جميع هذه الليلة مع الملائكة المقرّبين، وتأتيه فوج فوج، وتسلّم عليه، ويعرضون عليه ما قدر عليه وعلى باقي الخلق; أَلاَ ينبغي التأسي بإمامه، ويجتنب الغفلة".(30)
وعدّ من قواعد عبادة هذه الليلة:
"بما انّه في هذه الليلة تقدّر جميع الأمور من العمر والمال والولد والعزّة والصحة والتوفيق لأعمال الخير وسائر الأمور، فسوف يكون اصلاح جميع احوال سنته في هذه الليلة، وقد يكون اسمه قد كتب في ديوان الأشقياء، فيغيّر ويكتب في زمرة السعداء، كما ورد هذا المضمون في أكثر الأدعية والأحاديث المعتبرة"(31) انتهى.
وعلى ما ذكر في الباب السابق انّ الدعاء له عليه السلام مقدّم على الدعاء لنفس الانسان، وهو مشغول في هذه الليلة بهذا الأمر الالهي العظيم الذي أشير إليه في الأخبار المتقدّمة وغيرها، فأحسن دعاء هو طلب النصرة له، والاعانة، والحفظ الالهي، كما تقدّم في دعاء الليلة الثالثة والعشرين أن تقرأ على جميع الحالات في الركوع وفي السجود وقائماً وقاعداً، بل في كلّ الأوقات هذا الدعاء الذي مضمونه بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله وآله صلوات الله عليهم: " اللهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن المهدي عجل الله فرجه الشريف في هذه الساعة وفي كلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلا وعيناً.. إلى آخره " وهو على هذا النحو.
ثمّ تتوسّل وتستغيث به عليه السلام وتطلب الاعانة والشفاعة لأداء ما يريده وما يجري على يديه وتنتهي إلى نظره الأنور.
والتضرّع والانابة أن لا يرفع نظر لطفه ورأفته عنه; وأن يذكر عنده عليه السلام بالحسنى، فيتعامل معه بما يليق بالعظمة فزمام الأمور في هذه الليلة بيد قدرته الالهيّة; وفي خبر معتبر (32): " لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان انّا أنزلناه في ليلة القدر ألف مرّة لأصبح وهو شديد اليقين بالاعتراف بما يخصّ به فينا (33) وما ذاك الّا لشيء عاينه في نومه".(34)
وقال العالم الرباني السيد علي بن عبد الحميد النيلي في شرح المصباح للشيخ الطوسي رحمه الله بعد أن نقل هذا الخبر:
كنّا في ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة ثمانية وثمانين وسبعمائة معتكفين في مسجد الكوفة مع جماعة فشرعنا بعد الصلاة بقراءة سورة إنّا أنزلناه ألف مرّة، فلمّا فرغنا نام كلّ منّا في مكانه، فرأيت في المنام ـ ولم يكن النوم غالباً عليّ وانّما شبه الاغفاءة ـ كأن أبواباً قد فتحت ولا أدري انّها في السماء أو في الأرض، وخرج منها جماعة على هيئات حسنة، ووقفوا أمامي وقالوا: الزم أئمتك المعصومين فهم الاعلام الهداة الأكارم الثقات السادات البررة، الأتقياء السفرة، الأنجم الزهر، والأوّابين الغرر، وغير ذلك من المكارم... إلى آخره.(35)
ولا يسع المقام لأكثر من هذا.
الثاني: " يوم الجمعة "
وهو مختص ومتعلّق بامام العصر عليه السلام من عدّة وجوه:
احدها: انّه كان مولده السعيد عليه السلام في هذا اليوم، كما ذكر في الباب الأول.
والآخر: انّ ظهوره عليه السلام سوف يكون في ذلك اليوم ايضاً، والترقّب والانتظار للفرج في هذا اليوم اكثر من باقي الأيام، كما صرّح بذلك في جملة من الأخبار، وفي زيارته عليه السلام المخصوصة بهذا اليوم:
"يا مولاي يا صاحب الزمان صلوات الله عليك وعلى آل بيتك، هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقّع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك.. إلى آخر ما يأتي".(36)
بل انّ اعتبار يوم الجمعة عيداً من الأعياد الأربعة الحقيقية بسبب ذلك اليوم الشريف، الذي يستضيء به ويتنوّر ويسترّ ويفرح فيه خاصّة المؤمنين ـ عيونهم، وقلوبهم ـ لأنهم يرون الأرض قد نظفت وطهرت من رجس الشرك والكفر ودنس المعاصي ووجود الجبارين والملحدين والكافرين والمنافقين، ويرون ظهور كلمة الحق واعلاء الدين وشرائع الايمان وشعائر المسلمين بلا منافس ومعارض من اعداء الله وأعداء أوليائه.
الهوامش
(1) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 646 ـ 647.
(2) راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 50.
(3) الآية 4 من سورة البقرة ـ راجع البرهان (السيد هاشم البحراني): ج 1 ـ ونور الثقلين (الحويزاوي): ج 1، ص 31 وما بعدها.
(4) الآية 30 من سورة الملك.
(5) وهي قوله تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلّ شَىْء حَىّ " ـ من الآية 30 من سورة الأنبياء.
(6) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري: ص 342 ـ البحار: ج 2، ص 4، ح 6.
(7) راجع المستدرك (النوري): ج 3، ص 436، الطبعة الحجرية.
(8) راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 151 ـ 152.
(9) راجع بحار الأنوار: ج 102، ص 245 ـ 247.
(10) عن مصباح الزائر: ص 225 ـ 226.
(11) راجع البلد الأمين (الكفعمي): ص 158 ـ 159.
(12) الآية 5 من سورة الدّخان.
وقد أدمجت عبارة في المتن أنسب بها بالحاشية منسوبة إلى المؤلف رحمه الله وهي:
"هو الله تعالى، أشير في هذه العبارة إلى ثلاثة وجوه من الوجوه التي بيّنت سبب تسمية هذه الليالي بليلة القدر".
(13) راجع تفسير علي بن ابراهيم: ج 2، ص 290.
(14) راجع تفسير علي بن ابراهيم: ج 2، ص 431.
(15) راجع تفسير علي بن ابراهيم: ج 2، ص 290.
(16) قال المؤلف رحمه الله: " يعني الصادق عليه السلام ".
(17) الآيات 2 و3 من سورة القدر.
(18) بصائر الدرجات (الصفار): ص 220، ج 5، باب 3، ح 2.
(19) قال المؤلف رحمه الله: " يعني امامكم ".
(20) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ص 220، ج 5، باب 3، ح 3.
(21) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ص 221، ج 5، باب 3، ح 4.
(22) في الترجمة (فسأل المعلّى بن خنيس) والظاهر انّه من شرح المؤلف رحمه الله لأن المعلّى بن خنيس هو راوي هذا الخبر.
(23) في الترجمة (أو قال يا ضعيف).
(24) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ص 221، ج 5، باب 3، ح 7.
(25) هكذا في الترجمة والبحار، وفي المصدر (ثمّ يريني) وهو ظاهر التصحيف، والظاهر انّ الصحيح ما في الترجمة والبحار ليناسب سؤال الراوي.
(26) في الترجمة (فسأل الراوي).
(27) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ص 221 و222، ج 5، باب 3، ح 8.
(28) بما انّ الكتاب باللغة الفارسيّة فقد ترجمنا المقطع.
(29) راجع زاد المعاد (المجلسي): ص 181.
(30) راجع زاد المعاد (المجلسي): ص 182.
(31) راجع زاد المعاد (المجلسي): ص 182 ـ وفي المصدر انّ هذا المقطع قبل المقطع السابق.
(32) رواه الشيخ المفيد والشيخ الطوسي باسنادهما إلى أبي يحيى الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام.
(33) هكذا في التهذيب والمقنعة.. ولكن في الوسائل (بما تختص فينا) وفي المصباح (بما يختص به فينا) وفي نسخة من المصباح (بما يختص فينا).
(34) راجع المقنعة (المفيد): ص 313، الطبعة المحققة ـ والتهذيب (الطوسي): ج 3، ص 100، رقم الحديث العام (262) ورقم الحديث الخاص 34 ـ مصباح المتهجد (الشيخ الطوسي): ص 520، الطبعة الحجرية ـ وسائل الشيعة (الحرّ العاملي): ج 7، ص 264، كتاب الصوم، أبواب احكام شهر رمضان، باب 33، ح 2 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 9، ص 40، كتاب الصوم، أبواب فضل شهر رمضان، باب 3، ح 12، ورقم الحديث العام (71).
(35) لعدم وجود المصدر فقمنا بترجمة القضيّة.
(36) ترجم المؤلف رحمه الله هذا المقطع إلى الفارسيّة وأضاف إليه مقطعاً آخر لم يذكر أصله العربي، وبما انّه أحال رحمه الله الزيارة إلى ما سوف يأتي فلذلك اكتفينا بنقل الأصل العربي بما اكتفى به رحمه الله، ووضعنا الزيارة في الهامش وهي:
"وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام ومأمور بالضيافة والاجارة فأضفني وأجرني... الخ ".
******************
وقد أشير إلى هذا المطلب في الدعاء الذي يقرأ بعد طلوع شمس يوم الجمعة كما رواه السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع عن الامام الكاظم عليه السلام انّه قال لمحمد بن سنان: هل دعوت في هذا اليوم بالواجب من الدعاء، وكان يوم الجمعة، فقلت: وما هو يا مولاي؟
قال: تقول:
"السلام عليك أيها اليوم الجديد المبارك الذي جعله الله عيداً لأوليائه المطهرين من الدنس، الخارجين من البلوى، المكرورين مع اوليائه، المصفّين من العكر، الباذلين أنفسهم في محبّة اولياء الرحمن تسليماً (دائماً أبد).(1)
وتلتفت إلى الشمس وتقول:
"السلام عليك أيّتها الشمس الطالعة... الخ".(2)
بل انّ الجمعة من الأسماء المباركة لإمام العصر عليه السلام، أو انّها كناية عن شخصه الشريف، أو انّه السبب في تسمية الجمعة بالجمعة، كما روى الصدوق في الخصال عن الصقر بن أبي دلف: انّ الامام علي النقي عليه السلام قال في شرح الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، قال: " لا تعادوا الأيام فتعاديكم".
فقال: الأيام نحن.. إلى أن قال: " والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحق".(3)
وقال الصدوق: " الأيام ليست بأئمة ولكن كنّى بها عليه السلام عن الائمة لئلاّ يدرك معناه غير أهل الحق، كما كنّى الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين، وهذا البلد الأمين، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وعلي والحسن والحسين عليهم السلام (4) وذكر أمثلة اُخرى من هذا النوع.(5)
وروى الحسين بن حمدان في كتابه عن الحسن بن مسعود، ومحمد بن الخليل(6)، قال: دخلنا على سيّدنا أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام (7) بسامراء وعنده جماعة من شيعتة، فسألناه عن أسعد الأيام، وأنحسها.
فقال: لا تعادوا الأيام فتعاديكم.
وسألناه عن معنى هذا الحديث.
فقال: معناه بين ظاهر وباطن، انّ السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لبني أميّة، والثلاثاء لشيعتهم، والأربعاء لبني العباس، والخميس لشيعتهم، والجمعة (عيد للمسلمين).(8)
والباطن: انّ السبت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، والأحد أمير المؤمنين عليه السلام، والاثنين الحسن والحسين عليهما السلام، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام، والأربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وأنا.
والخميس: ابني الحسن.
والجمعة: ابنه الذي تجتمع فيه الكلمة، وتتمّ به النعمة، ويحقّ الله الحق، ويزهق الباطل، فهو مهديّكم المنتظر، ثمّ قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) (بَقِيَّة الله خَير لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين).(9)
ثمّ قال (لن)(10): والله هو بقيّة الله.(11)
وروى الصدوق أيضاً (عليه الرحمة) في الخصال عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
" السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني اميّة، والأربعاء يوم شرب الدواء، والخميس تقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظّف والتطيّب، وهو عيد المسلمين، وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم الغدير أفضل الأعياد، وهو ثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة، وتقوم(12) القيامة يوم الجمعة، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمّد وآله(13)".(14)
ونقل العلامة المجلسي في البحار عن أصل قديم من مؤلّفات قدماء علمائنا: فاذا صلّيت الفجر يوم الجمعة فابتدئ بهذه الشهادة ثمّ بالصلاة على محمد وآله، (والدعاء طويل وبعض فقراته متعلّقة بإمام العصر عليه السلام وهي): "اللهمّ وكن (15) لوليّك في خلقك وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً حتّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه منها طولا، وتجعله وذريّته فيها الائمة الوارثين، واجمع له شمله وأكمل له أمره، وأصلح له رعيّته، وثبّت ركنه، وافرغ الصّبر (16) منك عليه حتّى ينتقم فيشتفي ويشفي حزازات(17) قلوب نغلة، وحرارات صدور وغرة، وحسرات أنفس ترحة، من دماء مسفوكة، وأرحام مقطوعة وطاعة مجهولة، قد أحسنت إليه البلاء، ووسّعت عليه الآلاء، وأتممت عليه النّعماء، في حسن الحفظ منك له.
اللهمّ أكفه هول عدوّه، وأنسهم ذكره، وأرد من أراده، وكد من كاده، وامكر بمن مكر به، واجعل دائرة السّوء عليهم، اللهمّ فضّ جمعهم، وفلّ حدّهم، وأرعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم، واصدع شعبهم، وشتت أمرهم، فانّهم أضاعوا الصلوات، واتّبعوا الشهوات، وعملوا السيئات، واجتنبوا الحسنات، فخذهم بالمثلات وأرهم الحسرات (18) انّك على كلّ شيء قدير".(19)
ونقل السيد الجليل علي بن طاووس في جمال الأسبوع هذه الزيارة للحجة عليه السلام في يوم الجمعة:
" السلام عليك يا حجّة الله في أرضه، السلام عليك يا عين الله في خلقه، السلام عليك يا نور الله الذي به يهتدي المهتدون، ويُفرَّج به عن المؤمنين، السلام عليك أيها المهذّب الخائف، السلام عليك أيّها الوليّ النّاصح، السلام عليك يا سفينة النجاة، السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلّى الله عليك وعلى آل بيتك الطيّبين الطّاهرين.
السلام عليك عجّل الله لك ما وعدك من النّصر وظهور الأمر، السلام عليك يا مولاي، أنا مولاك، عارف باُولاك واُخراك، أتقرّب إلى الله تعالى بك وبآل بيتك وأنتظر ظهورك وظهور الحقّ على يديك، وأسأل الله أن يصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن يجعلني من المنتظرين لك، والتابعين والنّاصرين لك على أعدائك، والمستشهدين بين يديك في جملة أوليائك.
يا مولاي يا صاحب الزّمان صلوات الله عليك وعلى آل بيتك، هذا يوم الجمعة، وهو يومك المتوقّع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك، وقتل الكافرين بسيفك، وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك، وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام، ومأمور بالاجارة فأضفني وأجرني، صلوات الله عليك، وعلى أهل بيتك الطّاهرين".(20)
وقال السيد ابن طاووس عليه الرحمة بعد نقل هذه الزيارة:
" وها أنا أتمثل بعد هذه الزيارة وأقول بالاشارة:
نزيلك حيث ما اتجهت ركابي * * * وضيفك حيث كنت من البلاد "(21)
وتقدّم انّ السيد المعظم قد ذكر الصلاة الكبيرة المروية عنه عليه السلام له عليه السلام مع دعاء آخر متعلّق به عليه السلام ايضاً في تعقيب صلاة العصر يوم الجمعة وبالغ في التأكيد على قرائته.(22)
ويستحب ايضاً دعاء الندبة المعروف وهو متعلّق به عليه السلام، وفي الحقيقة انّ مضامين هذا الدعاء تحرق قلوب وتقّطع اكباد وتجري الدماء من آماق الذين شربوا قليلا من شراب محبّته عليه السلام ووصلت مرارة سمّ فراقه إلى حلوقهم.
ويستحب ذلك في يوم الجمعة بل في ليلته كذلك، كما هو مروي في احدى المزارات القديمة الذي عاصر مؤلّفه الشيخ الطبرسي صاحب الاحتجاج، في انّه لابدّ أن يقرأ، وبما انّ الدعاء طويل ونسخه شائعة فانّنا لم نذكره.
وقال ايضاً: أفضل الأعمال في يوم الجمعة قول (اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد وعجّل فرجهم) مائة مرّة بعد صلاة العصر يوم الجمعة.
وقد جاء في كثير من أدعية يوم الجمعة طلب النصرة وتعجيل الفرج والظهور.
وفي أوّل دعاء تعقيب ظهر يوم الجمعة: الهي اشترِ منّي روحي التي أوقفت لك وحبست على أمرك بالجنّة مع معصوم من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم المحزون لمظلوميّته، وما نسب لولايته بأنّه يملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت من الظلم والجور، اللهمّ عجّل فرجه.(23)
الثالث: " يوم عاشوراء "
وهو يوم تشريف الامام الحجة عليه السلام من الله عزوجل بلقب القائم، كما رواه الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة عن محمد بن حمران، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لمّا كان من أمر الحسين بن علي ما كان ضجّت الملائكة إلى الله تعالى، وقالت: يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيك، وابن نبيّك؟
قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه السلام، وقال: بهذا أنتقم له من ظالميه.(24)
وروى الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن أبي حمزة الثمالي انّه قال: فقلت يا ابن رسول الله فلستم كلّكم قائمين بالحق؟
قال: بلى.
قلت: فلم سمّي القائم قائماً؟
قال: لما قتل جدّي الحسين عليه السلام ضجّت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا: الهنا وسيّدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك، وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك؟
فأوحى الله عز وجل اليهم: قروا ملائكتي، فو عزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين. ثمّ كشف الله عز وجل عن الائمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرّت الملائكة بذلك، فاذا أحدهم قائم يصلّي فقال الله عز وجل: بذلك القائم أنتقم منهم.(25)
وهو يوم (26) خروجه وظهوره عليه السلام.
كما روى الشيخ المفيد رحمه الله في الارشاد عن أبي بصير انّه قال:
"ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين(27)، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام".(28)
ويستفاد من مجموعة من الأخبار انّ من الأهداف العظيمة والفوائد الجليلة لظهوره عليه السلام هو الثأر والانتقام من قاتلي جدّه عليه السلام، بل من ذريّتهم، ويشفي قلوب المؤمنين، بل انّ حزن الملائكة لا ينقطع الّا في ذلك اليوم.
روى الشيخ العياشي عن الامام الباقر عليه السلام انّه قال: "نزلت هذه الآية في الحسين عليه السلام (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يسْرِف فِى الْقَتْلِ) قاتل الحسين (اِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً)(29) هو الحسين بن علي عليهما السلام قتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين فيقتل حتّى يقال قد أسرف في القتل.
وقال: المقتول الحسين عليه السلام، ووليّه القائم، والاسراف في القتل أن يقتل غير قاتله (انّه كان منصوراً) انّه لا يذهب من الدّنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً".(30)
وروي في تفسير علي بن ابراهيم انّه قال:
"(اذن للَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا وَاِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِير)(31)... نزلت في القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام..".(32)
وروي في غيبة الفضل بن شاذان انّ شعار اصحابه عليه السلام: " يا لثارات الحسين".(33)
وقد ذكر في احدى الزيارات الجامعة في السلام عليه عليه السلام.
" السلام على الامام العالم الغائب عن الأبصار، والحاضر في الأمصار، والغائب عن العيون، والحاضر في الأفكار، بقيّة الأخيار، وارث ذي الفقار، الذي يظهر في بيت الله الحرام ذي الأستار، وينادي بشعار يا لثارات الحسين، أنا الطالب بالأوتار، وأنا قاصم كلّ جبار".
وروى الشيخ البرقي رحمه الله في كتاب (المحاسن) وابن قولويه عليه الرحمة في كامل الزيارة عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
"وكّل الله تعالى بالحسين عليه السلام سبعين ألف ملك يصلون عليه كلّ يوم، شعثاً غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله، يعني (34) بذلك قيام القائم عليه السلام".(35)
وروى الشيخ الصدوق في الأمالي عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
" لمّا ضرب الحسين بن علي عليه السلام بالسيف، ثمّ ابتدر ليقطع رأسه، نادى مناد من قبل ربّ العزّة تبارك وتعالى من بطنان العرش، فقال: ألا أيّتها الأمة المتحيّرة الظالمة بعد نبيّها لا وفّقكم الله لأضحى، ولا فطر، قال: ثم قال أبو عبد الله: لا جرم والله ما وفقوا، ولا يوفقون أبداً حتى يقوم ثائر الحسين عليه السلام(36)".(37)
وروى أيضاً عن أبي الصلت الهروي انّه قال:
قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصّادق عليه السلام انّه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟ فقال عليه السلام: هو كذلك، فقلت: وقول الله عزّ وجل (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةَ وِزْرَ اُخْرى)(38) ما معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو انّ رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريك القاتل، وانّما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.(39)
وفي زيارة عاشوراء تكرّر الطلب من الله تعالى للثأر لسيد الشهداء عليه السلام مع امام ظاهر ناطق مهديّ منصور من آل محمد عليهم السلام.
وتكرّر من الائمة وأصحابهم التعزية بالنثر والنظم لتلك المصيبة العظيمة والرزيّة الجليلة بظهور قائم آل محمّد عليهم السلام.
فيوم عاشوراء كما انّه يوم ظهوره عليه السلام، وهو يوم الغاية العظمى بزوال الكرب والغم الذي جاء في ذلك اليوم فهو مختص كلّه بالامام عليه السلام، ولابدّ أن يهتم فيه باللعن والبرائة وطلب هلاك أعداء آل محمّد عليهم السلام بمراسم العزاء والتأسي به عليه السلام بالبكاء والنحيب، وطلب نصره وانتصاره وطهوره والتعجيل له عليه السلام، كما أشير إليها في أعمال وآداب ذلك اليوم.
ومن الأعمال الجليلة لذلك اليوم اللعن ألف مرّة على قاتل سيد الشهداء عليه السلام وطلب الهلاك لمحاربي الحجج عليهم السلام وطلب الفرج لآل محمّد عليهم السلام وهو من فقرات دعاء يقرأ في القنوت:
" اللهمّ انّ سبلك ضائعة، وأحكامك معطّلة، وأهل نبيّك في الأرض هائمة، كالوحش السائمة.
اللهمّ أعلِ الحقّ، واستنقذ الخلق، وامنن علينا بالنجاة، واهدنا للايمان، وعجّل فرجنا بالقائم عليه السلام، واجعله لنا رداً، واجعلنا له رفداً " إلى أن يقول:
" اللهمّ ارحم العترة الضائعة المقتولة الذليلة من الشجرة الطيّبة المباركة.
اللهمّ أعلِ كلمتهم، وافلح حجّتهم وثبّت قلوبهم، وقلوب شيعتهم على موالاتهم، وانصرهم، وأعنهم، وصبرهم على الأذى في جنبك، واجعل لهم اياماً مشهودة، وأياماً معلومة كما ضمنت لأوليائك في كتابك المنزل، فانّك قلت: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ليَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاَْرْضِ كَمَا اسْتخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينهمُ الَّذِى ارْتَضى.. )".(40)
الرابع: " حين اصفرار الشمس إلى غروبها في كلّ يوم "
على حسب التقسيم الذي قسّمه العلماء لكلّ يوم من مطلع الفجر إلى غروب الشمس فانّهم قسموه إلى اثني عشر قسماً ولا فرق في ذلك بجميع الفصول، وقد نسبوا كلّ قسم إلى امام، قال السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب (أمان الأخطار):
"فقد ذكرنا في كتاب (الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار) انّ كلّ ساعة من النهار يختصّ بها واحد من الائمة الأطهار، ولها دعاءان: احدهما نقلناه من خطّ جدّي أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه، والآخر من خطّ ابن مقلة (المنسوب اليه(41)، وكلّ واحد منهم عليهم أفضل الصلوات كالخفير والحامي لساعته بمقتضى الروايات.
فالساعة الأولى لمولانا علي صلوات الله عليه... وعدّهم إلى أن قال:
"والساعة الثانية عشرة لمولانا المهدي صلوات الله عليهم.
وهذه الساعات يدعو الانسان في كلّ ساعة منها بما يخصّها من الدعوات، سواء كان نهار الصيف الكامل الساعات، أو نهار الشتاء القصير الأوقات، لأنّ الدعوات تنقسم اثني عشر قسماً، كيف كان مقدار ذلك النهار، بمقتضى الأخبار.
الهوامش
(1) سقطت من الترجمة.
(2) راجع جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 229 ـ 230.
(3) راجع الخصال (الصدوق): ص 396، باب السبعة، ح 102.
(4) راجع الخصال (الصدوق): ص 396، باب السبعة، ذيل الحديث 102.
(5) راجع الخصال (الصدوق): ص 396، باب السبعة، في ذيل الحديث 102 أيضاً.
(6) في المصدر المطبوع (الجليل).
(7) في المصدر المطبوع (على سيّدنا علي العسكري عليه السلام).
(8) في المصدر (والجمعة للمؤمنين).
(9) من الآية 86 من سورة هود.
(10) سقطت من الترجمة.
(11) راجع الهداية الكبرى (الحضيني): ص 363، الطبعة الحديثة.
(12) في المصدر المطبوع (يقوم) ولعلّه خطأ مطبعي.
(13) في الترجمة زيادة عليهم السلام.
(14) راجع الخصال (الصدوق): ص 394، باب السبعة، ح 101.
(15) في البحار (كن) بلا (و).
(16) في الترجمة (النصر).
(17) في الترجمة (حرارات).
(18) في الترجمة (وامرهم الخيرات).
(19) البحار: ج 89، ص 340.
(20) راجع جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 37 - 38 ـ البحار: ج 102، ص 215 - 216.
(21) راجع جمال الاسبوع (السيد ابن طاووس): ص 38 ـ 39.
(22) راجع جمال الاسبوع (السيد ابن طاووس): ص 494 ـ وما بعدها.
(23) لعدم وجود المصدر فقد ترجمنا المقطع.
(24) لم نجده في كامل الزيارة المطبوع، فأما هو من سهو قلمه الشريف أو يوجد الخبر في نسخته، وقد سقط من النسخة التي طبع عليها الكتاب، نعم، الرواية رواها ابن الشيخ الطوسي في (الأمالي): ص 431 ـ ورواها عنه المجلسي في البحار: ج 45، ص 221، ح 3.
(25) راجع علل الشرائع (الصدوق): ص 160، باب 129، ح 1.
(26) أي يوم عاشوراء.
(27) قال المؤلف رحمه الله: " يعني من شهر رمضان ".
(28) راجع الارشاد (الشيخ المفيد): ج 2، ص 379.
(29) الآية 33 من سورة الاسراء، وينتهي المقطع الذي نقله المؤلف رحمه الله من الرواية الأولى وهي في تفسير العياشي: ج 2، ص 290، ح 65 ـ ونصّ الرواية ما يلي:
" عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية في الحسين عليه السلام: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل " قاتل الحسين " انّه كان منصوراً " قال الحسين عليه السلام ".
(30) يبدو انّ المؤلف رحمه الله قد جمع بين صدر الرواية الأولى، وتتمّة الرواية الثانية وهي تفسير العياشي: ج 2، ص 290، ح 67:
" عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل انّه كان منصوراً " قال: هو الحسين بن علي عليه السلام قتل مظلوماً ونحن اولياؤه... إلى آخر الحديث المنقول في المتن.
(31) الآية 39 من سورة الحج.
(32) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر والمراجع التي نقلت عنه الرواية هكذا: " علي بن ابراهيم حدّثني ابن أبي عمير عن أبن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (اذن للذين يقاتلوا بأنهم ظلموا وانّ الله على نصرهم لقدير) قال: انّ العامة يقولون: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لما أخرجته قريش من مكّة، وانما هو القائم عليه السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام... الخ ".
راجع البرهان (السيد هاشم البحراني): ج 3، ص 94، ح 10 ـ البحار (المجلسي): ج 51، ص 47، ح 7 ـ تفسير علي ابن ابراهيم: ج 1، ص 84.
(33) في البحار:، 52، ص 308 عن السيد علي بن عبد الحميد باسناده إلى كتاب الفضل بن شاذان عن الامام الصادق عليه السلام في حديث طويل، وفيه صفة اصحاب المهدي عليه السلام، قال عليه السلام: "... ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا سار الرعب امامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى ارسالا، بهم ينصر الله امام الحق ".
(34) قال المؤلف رحمه الله: " قال الراوي: يعني بذلك.. الحديث ".
(35) راجع كامل الزيارات (ابن قولويه): ص 84، باب 27، ح 5 ـ البحار: ج 45، ص 222، ح 9 ـ وذكر المصحح انّه نقله عن المحاسن ولكنّه صححه بالرواية عن كامل الزيارات.
أقول: وقد راجعنا المحاسن المطبوع فلم نجد الرواية فيه، ولعلّ الاشتباه الذي وقع في نقل المؤلف رحمه الله كان لاعتماده على ما في البحار، والله العالم.
أقول: وفي امالي الشيخ الصدوق رحمه الله: ص 112، المجلس 27، ح 5 عن الامام الرضا عليه السلام في خبر طويل وفيه: " ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره وشعارهم: يا لثارات الحسين... الحديث ".
(36) قال المؤلف رحمه الله: " يعني الامام القائم عليه السلام ".
(37) الأمالي (الصدوق): ص 142، المجلس 31، ح 5.
(38) من الآية 164 من سورة الأنعام.
(39) راجع علل الشرائع (الصدوق): ص 229، باب 164، ح 1 ـ وعيون أخبار الرضا (الصدوق): ج 1، ص 273، باب 28، ح5، البحار: ج 45، ص 295، باب 45، ح 1.
(40) من الآية 55 من سورة النور.
(41) سقطت من الترجمة.
******************
فاذا اتّفق خروجك للسفر في ساعة يختصّ بها أحد الائمة الحماة، الذين جعلهم الله ـ جلّ جلاله ـ سبباً للنجاة، فقل ما معناه: اللهمّ بلّغ مولانا ـ فلاناً صلوات الله عليه ـ انّني اُسلّم عليه، وانّني أتوجّه إليه باقبالك عليه، في أن يكون خفارتي وحمايتي وسلامتي وكمال سعادتي ضمانها بك عليه، حيث قد توجّهت في الساعة التي جعلته كالخفير فيها وحديثها في ذلك إليه.
وتقول إذا نزلت منزلا في ساعة تختصّ بواحد منهم أو رحلت منه، فتسلّم على ذلك الامام بما يقرّبك منه، وتخاطبه في ضمان ما يتجدّد في ساعته، فلولا أنّ الله ـ جلّ جلاله ـ أراد ذلك منك ما دلّك عليه، وإذا عملت بهذا هداك الله ـ جلّ جلاله ـ إليه صارت حركاتك وسكناتك في أسفارك، عبادة وسعادة لدار قرارك".(1)
وبما انّ موضوع كتاب الأمان كان مختصّاً بآداب السّفر لهذا اقتصر على ما هو متعلّق به، وما قاله يجري في كلّ شغل وعمل دنيوي وأخروي يريد الانسان أن يبتدئ فيه.
وأما الدعاءان المختصّان بامام العصر عليه السلام اللذان يقرآن في الساعة الثانية عشرة، فأوّله هو:
"يا من توحّد بنفسه عن خلقه يا من غني عن خلقه بصنعه، يا من عرّف نفسه خلقه بلطفه، يا من سلك بأهل طاعته مرضاته، يا من أعان أهل محبّته على شكره، يا من منّ عليهم بدينه ولطف لهم بنائله، اسألك بحقّ وليّك الخلف الصالح بقيّتك في أرضك المنتقم لك من اعدائك وأعداء رسولك وبقيّة آبائه الصالحين محمّد بن الحسن، وأتضرّع إليك به وأقدّمه بين يدي حوائجي ورغبتي اليك أن تصلّي على محمّد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، وأن تدركني (2) وتنجيني ممّا أخاف وأحذر (3) وألبسني به عافيتك وعفوك في الدنيا والآخرة وكن له وليّاً وحافظاً وناصراً وقائداً وكالئاً وساتراً حتّى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلا يا أرحم الراحمين ولا حول ولا قوّة الّا بالله العليّ العظيم فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد أولي الأمر الذين أمرت بطاعتهم وأولي الأرحام الذين أمرت بصلتهم وذوي القربى الذي أمرت بمودّتهم والموالي الذين أمرت بعرفان حقّهم وأهل البيت الذين أذهبت عنهم الرجس وطهّرتهم تطهيراً أن تصلّي على محمّد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا".(4)
وأمّا الدعاء الثاني فهو:
"اللهمّ يا خالق السّقف المرفوع والمهاد الموضوع ورازق العاصي والمطيع، الذي ليس من دونه ولي ولا شفيع أسألك بأسمائك التي إذا سمّيت على طوارق العسر عادت يسراً وإذا وضعت على الجبال كانت هباءاً منثوراً وإذا رفعت إلى السماء تفتّحت لها المغالق وإذا هبطت إلى ظلمات الأرض اتّسعت بها المضايق وإذا دعيت بها الموتى انتشرت من اللحود وإذا نوديت بها المعد ومات خرجت إلى الوجود وإذا ذكرت على القلوب وجلت خشوعاً، وإذا قرعت الأسماع فاضت العيون دموعاً، اسألك بمحمّد رسولك المؤيد بالمعجزات المبعوث بمحكم الآيات، وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي اخترته لمؤاخاته ووصيته واصطفيته لمصافاته ومصاهرته، وبصاحب الزمان المهدي الذي تجتمع على طاعته الآراء المتفرّقة وتؤلف له الأهواء المختلفة وتستخلص به حقوق اوليائك وتنتقم به من شرّ أعدائك وتملأ به الأرض عدلا واحساناً وتوسع على العباد بظهوره فضلا وامتناناً وتعيد الحقّ من مكانه عزيزاً حميداً وترجع (5) الدين على يديه غضّاً جديداً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد فقد استشفعت بهم اليك وقدّمتهم أمامي وبين يدي حوائجي وأن توزعني شكر نعمتك في التوفيق لمعرفته والهداية إلى طاعته وأن (6) تزيدني قوّة في التمسّك بعصمته والاقتداء بسنّته والكون في زمرته وشيعته انّك سميع الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين".(7)
وقال الشيخ ابراهيم الكفعمي بعد نقل هذه الأدعية:
"هذه الأدعية (8) ليست في متهجّد الطوسي رحمه الله، ورأيتها في كتاب بعض أصحابنا (9) وهي مكتوبة بماء الذهب".(10)
ولا يخفى انّ الدعاء الأوّل الذي نقلناه يطابق ما نقله السيد ابن باقي في اختياره والعلامة في منهاج الصلاح، ولكن الشيخ الطوسي نقله في المصباح إلى: " أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا".(11)
وليست فيه الزيادة الموجودة في الدعاء لكلّ امام. واستظهر الكفعمي ان هذه الزيادة من السيّد ابن باقي أخذها من خبر أبي الوفاء الشيرازي المتقدّم في الباب التاسع، ولهذا أمر في ذلك الخبر انّه لكلّ امام يطلب منه شيء فندعو ونتوسّل إلى ذلك الامام بذلك المطلب، وقد حسّن ذلك.(12)
ولم يبقَ خافياً: انّ مع شياع وتكرّر هذين النوعين من الأدعية للساعات الّا انّه لم يعرف لحدّ الآن انتهاء سندها إلى أي امام، وقد فهم الفاضل الألمعي الميرزا عبد الله الاصفهاني في الصحيفة السجادية الثالثة انّ كلّ دعاء صادر من الامام الذي نسب الدعاء إليه، ونحن قد تابعناه في الصحيفة السجادية الرابعة والصحيفة العلوية الثانية، ولكن مع عدم الوثوق والاطمئنان فلا دليل على هذا الرأي، بل يظهر من صياغة وسياق تلك الأدعية وبالأخص الأخيرة منها انّها لم تكن صادرة عن امام واحد، وانّها تشابه الى حدّ كبير كلمات امام العصر عليه السلام، والله العالم.
الخامس: " عصر يوم الاثنين "
السادس: " عصر يوم الخميس "
وفي هذا الوقت تعرض أعمال العباد على امام العصر عليه السلام، كما انّها في عصر كلّ امام كانت تعرض عليه عليه السلام، وكذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
والأخبار في هذا الباب كثيرة، وفي أغلبها لم يصرّح بالعصر، ولكن يوافق ما اشير إليه بالبعض الآخر، مع انّ الشيخ الطبرسي قال في تفسير مجمع البيان في ذيل الآية الشريفة:
(وَقُل اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤمِنُون).(13)
"وروى أصحابنا ان أعمال الأمة تعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في كلّ اثنين وخميس فيعرفها، وكذلك تعرض على ائمة الهدى عليهم السلام فيعرفونها، وهم المعنيّون بقوله (وَالْمُؤمِنُون)".(14)
ومن الغريب ما قاله الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره انّه جاء في الأخبار انّ أعمال الأمة تعرض في ليلة كلّ اثنين وخميس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والائمة عليهم السلام، والمراد من المؤمنين هم الائمة المعصومين.
وروي في أمالي الشيخ الطوسي والبصائر عن داود الرقي قال:
كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام، إذ قال مبتدئاً من قبل نفسه:
"يا داود! لقد عرضت اعمالكم يوم الخميس فرأيت منها عرض عليّ مِنْ عملك صلتك لابن عمك فلان، فسرّني ذلك، انّي علمت صلتك له اسرع لفناء عمره، وقطع أجله.
قال داود: وكان لي ابن عمّ معانداً ناصباً، خبيثاً، بلغني عنه وعن عياله سوء حال، فصككت له نفقة قبل خروجي إلى مكّة، فلمّا صرت في المدينة أخبرني أبو عبد الله عليه السلام بذلك".(15)
وروى الصفار أيضاً في بصائر الدرجات عنه عليه السلام انّه قال:
"تعرض الأعمال يوم الخميس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعلى الائمة عليهم السلام".(16)
وفي خبر آخر قال عليه السلام:
"انّ أعمال العباد تعرض على نبيّكم كلّ عشية الخميس فليستحي أحدكم أن تعرض على نبيّه العمل القبيح".(17)
وروى أيضاً عن يونس، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول في الامام (18) حين ذكر يوم الخميس، فقال: "هو يوم تعرض فيه الأعمال على الله وعلى رسوله، وعلى الائمة".(19)
وروى ايضاً عن عبد الله بن أبان انّه قال: " قلت للرضا عليه السلام، وكان بيني وبينه شيء: ادع الله لي ولمواليك.
فقال: والله انّ أعمالكم لتعرض عليّ في كلّ خميس".(20)
ويقول السيد الجليل علي بن طاووس في رسالة (محاسبة النفس):
" انّي رأيت ورويت في روايات متفقات عن الثقات انّ يوم الاثنين ويوم الخميس تعرض فيها الأعمال على الله جلّ جلاله.
وروي عن أهل البيت عليهم السلام: انّ في يوم الاثنين (والخميس)(21) تعرض الأعمال على الله جلّ جلاله، وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم وعلى الائمة عليهم السلام".(22)
ثمّ نقل عن جدّه الشيخ الطوسي رحمه الله انّه قال في تفسيره التبيان:
"روى (اصحابنا)(23) انّ أعمال (الأمّة)(24) تعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في كلّ اثنين وخميس فيعرفها، وكذلك تعرض على الائمة عليهم السلام".(25)
وبعد نقله بعض الأخبار التي بهذا المضمون من طريق أهل السنّة، نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال:
"تعرض أعمال أمتي في كلّ جمعة (26) مرّتين:
يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكلّ عبد مؤمن (27) إلّا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا أو اداركوا (28) هذين حتى يفيئا".(29)
وروي: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يصوم الاثنين والخميس، فقيل له: لم ذلك؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: انّ الأعمال ترفع في كلّ اثنين وخميس وأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم".(30)
فقال السيد: " فينبغي أن يكون الانسان في يوم الاثنين والخميس متحفظاً بكلّ طريق في طلب التوفيق، وايّاه أن يكون في هذين اليومين مهملا للاستظهار في الطاعة بغاية الامكان، فانّ العقل والنقل يقتضيان انّ زمان عرض العبد على السلطان يكون مستعداً ومستحفظاً بخلاف غيره من الأزمان".(31)
وقال أيضاً في الفصل السابع من كتاب (جمال الأسبوع):
" ومن مهمّات يوم الاثنين انّه يوم عرض الأعمال على الله وعلى رسوله وخاصّته صلوات الله عليهم".(32)
ثمّ نقل جملة من أخبار الخاصّة والعامّة، وقال:
" وروي من طريق الخاصّة انّ وقت عرض الأعمال في هذين اليومين عند انقضاء نهارهما، فينبغي للعبد العارف بحرمة مَنْ تعرض أعماله عليه أن يتفقّدها ويصلحها بغاية ما ينتهي جهده إليه، ويتذكّر انّها تعرض على الله جلّ جلاله أولا العالم بالسرائر، ثمّ على خواصّه أهل المقام الباهر، وتحضر تلك الصحف بين يدي الله جلّ جلاله وبين أيديهم، وفيها فضائح الذنوب الكبائر والصغائر، فكيف يهون هذا عند عبد مصدّق بالله الملك (33) الأعظم العزيز القاهر، وباليوم الآخر".(34)
وأوصى في (كشف المحجة) ولده:
فأعرض حاجاتك عليه (35) كلّ يوم الاثنين ويوم الخميس من كلّ اسبوع لما يجب له من أدب الخضوع، وقل عند خطابه بعد السلام عليه بما ذكرناه.....(36) من الزيارة التي أوّلها:
سلام الله الكامل (التام) (37)...(38).. إلى آخر ما تقدّم في الباب السابق، وقل:
"يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضّر، وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا انّ الله يجزي المتصدّقين... " إلى آخر الكلمات الشريفة، وانّنا لم نقلها لأنّها لم تكن مروية، وهي مختصّة بالسادة.(39)
وقال في آخره:
"واذكر له انّ أباك قد ذكر لك انّه أوصى بك اليك، وجعلك بإذن الله جلّ جلاله عبده، وانّني علّقتك عليه، فانّه يأتيك جوابه صلوات الله وسلامه عليه".(40)
وبالجملة فآخر هذين اليومين ـ وبمقتضى الأخبار المستفيضة ـ يوم عرض الأعمال.
وعلى رواية الشيخ الطوسي في الغيبة:
يعرض أولا على الحجة عليه السلام ثمّ على واحد واحد من الائمة ثمّ على رسول الله صلوات الله عليهم ثمّ يعرض على الله تعالى.(41)
وهو (42) بحسب تقسيم ساعات اليوم مختص به عليه السلام.
وهو وقت تبدّل الملائكة فتعرج الملائكة الحفظة الموكّلون بالنهار، ويهبط الموكّلون بالليل.
فلابدّ أن يراقب وينتبه جدّاً في اصلاح الأعمال وتدارك ما فات ورفع ما يشغل ويمنع من التوجه والتضرّع والانابة، وأن يقوم من مجالس أهل الغفلة، وأن يتوسّل بإمام العصر عليه السلام بما أشرنا إليه سابقاً، وطلب الشفاعة منه عليه السلام لاصلاح صحائف أعماله وتبديل سيّئاته حسنات، واتمام حسناته وتوقيرها وتجليلها بفاضل حسناته، حسب الدعاء المشهور عنه عليه السلام الذي دعا به لشيعته وقد طلب من الله تعالى أن يفعل لهم ذلك.
واسعَ أن تعمل عملا خالصاً في ليلة ونهار الاثنين والخميس فلعلّ ببركة ذلك أن يعفى عن المفاسد الباقية.
وخصّ هذين اليومين ببعض الأعمال، كما جاء في الأخبار، مثل استحباب قراءة ألف مرّة سورة (انّا أنزلناه) في احداهما. وقراءة سورة (هل أتى) في صلاة الصبح باليومين، والسورتان مختصّتان الآن بامام العصر عليه السلام.. وكنس المسجد فيهما، وقراءة الاستغفار المأثور في آخر يوم الخميس، وغير ذلك من الأعمال المذكورة في محلّها.
السابع: " ليلة ويوم النصف من شعبان "
وكان فيها مولده السعيد عليه السلام، وقد أعطى الله عزوجل فيها هذه النعمة العظيمة لعباده ويكفي في مقام بيان تعظيم واحترام هذا الوقت الشريف ما قاله لسان أهل البيت عليهم السلام العالم الرّباني السيّد علي بن طاووس رحمه الله في الاقبال:
"انّ مولانا المهدي عليه السلام (43) ممّن أطبق أهل الصدق ممّن يعتمد على قوله بأنّ النبي جدّه صلى الله عليه وآله وسلّم بشّر الأمة بولادته، وعظيم انتفاع الاسلام برئاسته ودولته، وذكر شرح كمالها، وما يبلغ إليه حال جلالهما إلى ما لم يظفر (44) نبي سابق، ولا وصي لاحق، ولا بلغ إليه مُلك سليمان عليه السلام لما قال: (هَبْ لِى مُلْكاً لاَ يَنْبَغِى لاَِحَد مِنْ بَعْدِى اِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب).
ما قيل له قد أجبنا سؤالك في انّنا لا نُعطي أحداً من بعدك اكثر منه في سبب من الأسباب، انّما قال الله جلّ جلاله: فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رُخاء حيث أصاب والشياطين كلّ بناء وغوّاص وآخرين مقرّنين في الأصفاد.. والمسلمون مجمعون على انّ محمّداً صلى الله عليه وآله سيّد المرسلين وخاتم النبيين اُعطي من الفضل العظيم والمكان الجسيم ما لم يعط أحد من الأنبياء في الأزمان ولا سليمان، ومن البيان على تفصيل منطق اللسان والبيان انّ المهدي عليه السلام يأتي في أواخر الزّمان وقد تهدّمت أركان أديان الأنبياء ودرست معالم مراسم الأوصياء وطمست آثار أنوار الأولياء فيملأ الأرض قسطاً وعدلا وحكماً كما مُلئت جوراً وجهلا وظلماً فبعث الله جلّ جلاله رسوله محمّداً صلى الله عليه وآله ليجدّد ساير مراسم الأنبياء والمرسلين ويحيي به معالم الصّادقين من الأوّلين والآخرين ولم يبلغ احداً منهم صلوات الله عليهم وعليه إلى انّه قام أحد منهم بجميع أمرهم بعدد رؤوسه ويبلغ به ما يبلغ هو عليه السلام اليه.
وقد ذكره أبو نعيم الحافظ وغيره من رجال المحافظ وغيره من رجال المخالفين وذكر ابن المنادي في كتاب الملاحم، وهو عندهم ثقة أمين، وذكره أبو العليّ الهمداني وله المقام المكين، وذكرت شيعته من آيات ظهوره وانتظام أموره عن سيّد المُرسلين صلى الله عليه وآله ما لم يبلغ إليه أحداً من العالمين، وذلك من جملة آيات خاتم النبيّين وتصديق ما خصّه الله جلّ جلاله إليه انّه من فضله في قوله جلّ جلاله: (ليُظْهِرُه عَلَى الدِّينِ كُلّه) فينبغي أن يكون تعظيم هذه الليلة لأجل ولادته عند المُسلمين والمُعترفين بحقوق اقامته على قدر ما ذكره جدّه محمّد صلى الله عليه وآله وبشّر به المسعودين من أمّته، كما لو كان المسلمون قد أظلمت عليهم أيّام حياتهم وأشرقت عليهم جيوش أهل عداواتهم وأحاطت بهم نحوس خطيئاتهم فان شاء الله تعالى مولوداً يعتق رقابهم من رقّها ويمكّن كلّ يد مغلولة من حقّها ويُعطي كلّ نفس ما تستحقّه من سبقها ويبسُط للخلائق في المشارق والمغارب بساطاً متساوي الأطراف مكمّل الألطاف مُحْمَد الأوصاف، ويجلس الجميع عليه اجلاس الوالد الشّفيق لأولاده العزيزين عليه، أو اجلاس الملك الرّحيم الكريم لمن تحت يديه، ويريهم من مقدّمات آيات المسرّات وبشارات المبرّات في دار السّعادات الباقيات ما يشهد حاضرها لغايبها وتقود القلوب والأعناق إلى طاعة واهبها، وليقم كلّ انسان لله جلّ جلاله في هذه الليلة بقدر شكر ما منّ الله عزوجل عليه بهذا السّلطان، وانّه جعله من رعاياه والمذكورين في ديوان جنده، والمسمّين بالأعوان على تمهيد الاسلام والايمان، واستيصال الكفر والطّغيان والعدوان، ومدّ سرادقات السّعادات على سائر الجهات من حيث تطلع شموس السّموات وإلى حيث تغترب إلى أقصى الغايات والنّهايات، ويجعل من خدمته لله جلّ جلاله الذي لا يقوم الأجساد بمعاينها خدمةً لرسوله صلّى الله عليه وآله الذي كان سبب هذه الولادة والسّعادة وشرف رياستها، وخدمةً لآبائه الطّاهرين الذين كانوا أصلا لها وأعواناً على اقامة حُرمتها وخدمةً له صلوات الله عليه كما يجب على الرّعية لمالك أزمّتها والقيّم لها باستقامتها وادراك سعادتها، ولست أجد القوّة البشريّة قادرة على القيام بهذه الحقوق المعظّمة الرّضيّة الّا بقوّة من القدرة الرّبانيّة، فليقم كلّ عبد مسعود من العباد بما يبلغ إليه ما أنعم به عليه الله جلّ جلاله من القوّة والاجتهاد".
ثمّ قال: " فيما نذكره من الدّعاء والقسم على الله جلّ جلاله بهذا المولود العظيم المكان ليلة النّصف من شعبان وهو: اللهمّ بحقّ ليليتنا هذه ومولودها وحجّتك وموعودها التي قرنت إلى فضلها فضلا فتمّت كلمتُك صدقاً وعدلا لا مبدّل لكلماتك ولا معقّب لآياتك نورك المتالق وضيآؤك المشرق والعلم النّور في طخياء الدّيجور الغائب المستور جلّ مولده وكرم محتده والملائكة شُهَّده والله ناصره ومؤيّده إذا آن ميعاده والملائكة أمداده سيف الله الذي لا ينبو ونوره الذي لا يخبو وذو الحلم الذي لا يصبوا مدار الدّهر ونواميس العصر وولاة الأمر والمنزّل عليهم الذّكر وما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر تراجمة وحيِهِ وولاة أمره ونهيه، اللهمّ فصلّ على خاتمهم وقآئمهم المستور عن عواملهم وأدرك بنا أيّامه وظهوره وقيامه، واجعلنا من أنصاره وأقرن ثارنا بثاره واكتبنا في أعوانه وخلصآئه واحينا في دولته ناعمين وبصُحبته غانمين وبحقّه قائمين ومن السّوء سالمين يا أرحم الرّاحمين والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد خاتم النبيّين والمرسلين وعلى أهل بيته الصّادقين وعترته النّاطقين، والعن جميع الظّالمين واحكُم بيننا وبينهم يا أحكم الحاكمين.(45)
الثامن: " يوم النوروز "
وهو يوم انتصار وظفر امام العصر عليه السلام بالدجال كما قال جمال السالكين احمد بن فهد الحلّي في (المهذب البارع):
"حدّثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسّابة دامت فضائله، ما رواه باسناده إلى المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام:
انّ يوم النوروز، هو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السلام العهد بغدير خم، فأقرّوا له بالولاية فطوبى لمن ثبت عليها، والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجّه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام إلى وادي الجنّ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق.
وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان، وقتل ذا الثدية.
وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت، وولاة الأمر، ويظفره الله تعالى بالدجّال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نوروز الّا ونحن نتوقّع فيه الفرج لأنّه من أيّامنا حفظه الفُرس وضيعتموه... إلى آخره".(46)
ونقل العلامة المجلسي في البحار هذا الخبر مفصلا عن السيّد فضل الله الراوندي(47)، وليس هنا محلّ ذكره وذكر الاشكالات في ذلك الخبر والأجوبة عنها وتحقيق يوم النوروز.
ولكن لا يخفى انّ كون يوم خروج امام الزمان عليه السلام في يوم الجمعة والنوروز وعاشوراء فانّه لا يتفّق في اكثر السنين فلا يمكن أن ينتظر فيها الفرج، ولا يكون فرج بغير ظهور وخروج الامام الحجّة بن الحسن بن علي المهدي صلوات الله عليهم.
وقد انقضى من عمره الشريف إلى الآن ألف وأربعون وعدّة سنين، ولا تبديل ولا تغيير فيه ما بقي شيء مما جاء عن أهل بيت العصمة عليهم السلام من الآيات والعلامات التي تكون قبل ظهوره ومع ظهوره; وهي جميعها قابلة للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والتأويل بشيء آخر، حتّى تلك التي عدّت في الحتميّات، فانّ المقصود من المحتوم في تلك الأخبار ـ على الظاهر ـ ليس انّها غير قابل للتغيير أبداً، بل الظاهر منه ما قالوه عليهم السلام بما يأتي ـ والله العالم ـ بأنّه مرتبة من التأكيد بما لا تنافي التغير في مرحلة من مراحل وجودها. ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ النعماني في غيبته عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:
" كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرّضا عليهما السلام، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من انّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السلام: هل يبدو لله في المحتوم؟
قال: نعم.
قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم؟
فقال: انّ القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد".(48)
ويحتمل انّ كلّ واحد من تلك الأيّام (49) هو يوم من أيّامه عليه السلام مثل خروجه من قرية كرعة، أو ظهوره في مكّة المعظّمة، أو زمان نصره وانتصاره على الأعداء وقتل العصاة أو استقراره في الكوفة التي هي عاصمة حكومته.
الهوامش
(1) راجع الأمان من الأخطار (السيد ابن طاووس): ص 102، الطبعة المحققة.
(2) في المصباح للكفعمي والبلد الأمين (وأن تداركني به).
(3) في المصباح للكفعمي والبلد الأمين (ممّا أخافه وأحذره).
(4) راجع المصباح للكفعمي: ص 146 ـ البلد الأمين (الكفعمي): ص 145 ـ البحار: ج 86، ص 354 - 355 ـ مصباح المتهجّد: ص 465.
(5) في مصباح الكفعمي (ويرجع).
(6) سقط (أن) في مصباح الكفعمي.
(7) راجع المصباح (الكفعمي): ص 147 ـ فلاح السائل (الشيخ البهائي): ص 226 - 229 ـ البحار (المجلسي): ج 86، ص 355 - 356.
(8) في المصدر زيادة كلمة (الساعات) هكذا، ولعلّها (للساعات) أو (هذه أدعية الساعات) والله العالم، ولكن هذه الكلمة ساقطة في الترجمة.
(9) في الترجمة فسّر العبارة بما تعريبه (ولكنّي رأيتها في بعض كتب أصحابنا) والله العالم.
(10) راجع المصباح (الكفعمي): ص 147، في الحاشية.
(11) راجع مصباح المتهجّد (الطوسي): ص 465 ـ وقد حذف من الدعاء " وأن تداركني... إلى اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد أولي الأمر.. الدعاء ".
(12) قال الشيخ الكفعمي في المصباح: ص 133 " وأما الزيادة التي ذكرناها في آخر أدعية الساعات ولم يذكرها الشيخ الطوسي رحمه الله وذكرها السيّد ابن باقي رحمه الله في اختياره، ولقد أحسن في وضعه لهذه الزيادة في أدعية الساعات لأنها مناسبة بحديث إذا توسلت لأمور الدنيا والآخرة فتوسّل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وسبطيه عليهما السلام، وأما علي عليه السلام فهو ينتقم لك ممن ظلمك، وأما علي بن الحسين عليهما السلام فللنجاة من السلاطين ونفث الشياطين، ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد عليهما السلام فللآخرة وما يتّبعها من طاعة الله، وموسى بن جعفر عليه السلام فالتمس به العافية من الله، وعلي بن موسى عليه السلام فاطلب به السلامة في البراري والبحار، ومحمّد بن علي عليه السلام فالتمس به الرزق من الله تعالى، وعلي بن محمّد عليه السلام فللموالي والأخوان وما يكون من طاعة الله والحسن بن علي عليه السلام فالتمس به الآخرة، وصاحب الزمان صلوات الله عليه وعليهم إذا بلغ السيف منك المذبح فاستعن به يعينك إن شاء الله تعالى " انتهى.
(13) من الآية 105 من سورة التوبة.
(14) راجع مجمع البيان: ج 6، ص 135.
(15) الأمالي (الطوسي): ص 426، الجزء 14 ـ وفي بصائر الدرجات (الصفار): ج 9، ص 429، باب 26، ح 4.
(16) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ص 426، ج 9، باب 4، ح 16.
(17) راجع بصائر الدرجات (الصفار): ص 426، الطبعة الحديثة، ج 9، باب 4، ح 14 ـ والظاهر انّ الأفصح (يعرض) بدل (تعرض) ولكن في النسخة الحجريّة (تعرض) كذلك، ولعلّه من اشتباه النسّاخ ـ وفي البحار: ج 23، ص 344 (يعرض) ـ والرواية رواها الصفّار في البصائر عن الامام الباقر عليه السلام.
(18) في الترجمة (الأيام) بدل (الامام) ولعلّه اشتباه مطبعي أو من النساخ، والّا ففي البصائر المطبوع بالطبعة الحديثة، وكذلك بالطبعة الحجرية (الامام)، ولكن في البحار: ج 23، ص 346 (الأيام) أيضاً.
(19) راجع بصائر الدرجات: ص 428، ج 9، باب 5، ح 9.
(20) راجع بصائر الدرجات: ج 9، ص 430، باب 6، ح 8.
(21) سقطت من المصدر المطبوع.
(22) راجع محاسبة النفس (السيد ابن طاووس): ص 16.
(23) سقطت هذه العبارة من الترجمة.
(24) سقطت هذه العبارة من الترجمة.
(25) في الترجمة زيادة (فيعرفونها) وفي المصدر (القائمين مقامه وهم المعنيّون بقوله والمؤمنون).
(26) أي اسبوع.
(27) في الترجمة (لكلّ عبد من عبيده).
(28) قال السيد ابن طاووس رحمه الله في جمال الاسبوع (اتركوا، أو ارجئوا..).
(29) راجع محاسبة النفس: ص 19 ونقل الرواية عن صحيح مسلم ـ وكذلك نقلها السيد ابن طاووس في كتابه جمال الأسبوع: ص 173 وفي صحيح مسلم عدّة روايات أما هذه الرواية فهي في: ج 8، ص 12.
وأنت خبير انّه ليس في نصّ الرواية تصريح بأن الأعمال تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وانما فيها (تعرض) بدون ذكر على مَنْ تعرض الأعمال نعم بالاستفادة من الروايات السابقة يتّضح ذلك، ولكن تلك الروايات شيعيّة وهم لا يقبلون تخصيص رواياتهم وشرحها بالروايات الشيعية الّا اللهمّ ما يمكن أن يقال انّنا يمكننا أن نستفيد من الروايات العامية لتأييد رواياتنا.
(30) راجع محاسبة النفس (السيد ابن طاووس): ص 20.
(31) راجع محاسبة النفس (السيد ابن طاووس): ص 20.
(32) راجع جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 172.
(33) ذكر المؤلف رحمه الله نسخة بدل (المالك).
(34) راجع جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 172 ـ 174.
(35) في الترجمة (على الامام المهدي صلوات الله عليه).
(36) حذف المؤلف رحمه الله ترجمة هذه الجملة (في أواخر الأجزاء من كتاب (المهمّات) الخ.
(37) سقطت من المصدر.
(38) راجع كشف المحجّة (السيد ابن طاووس): ص 152.
(39) راجع كشف المحجّة (السيد ابن طاووس): ص 152.
(40) راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 153.
(41) راجع الغيبة (الطوسي): ص 387 ـ (صورة بعض توقيعات الحجة عجّل الله فرجه)، ح 351 ـ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: " إذا أراد ( الله ) أمراً عرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أمير المؤمنين عليه السلام (وسائر الائمة) واحداً بعد واحد إلى (أن)ينتهي إلى صاحب الزمان عليه السلام، ثمّ يخرج إلى الدنيا، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز وجل عملا عرض على صاحب الزمان عليه السلام، ثم (يخرج) على واحد (بعد) واحد إلى أن يعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ يعرض على الله عز وجل، فما نزل من الله فعلى أيديهم، وما عرج إلى الله فعلى أيديهم، وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين " وراجع المستدرك: ج 12، ص 164، ح 10، الطبعة الحديثة.
(42) أي آخر يومي الاثنين والخميس.
(43) في الترجمة (اعلم انّ مولانا المهدي صلوات الله عليه... الخ).
(44) هكذا في المصدر، ولعلّ هنا (به) ساقطة.
(45) راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 703 ـ 706، الطبعة الحجرية.
(46) راجع المهذب البارع (جمال السالكين احمد بن فهد الحلّي): ج 1، ص 194 - 195 ـ وراجع بحار الأنوار: ج 59، ص 119 - 120.
(47) راجع بحار الأنوار: ج 59، ص 91 ـ وما بعدها.
(48) راجع الغيبة (النعماني): ص 302 - 303، باب 18، ح 10 ـ وعنه في البحار: ج 52، باب 25، ح 138، ص 250 ـ وعنه اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 544.
(49) أي من الأيّام التي جاءت في الروايات انّها يظهر فيها كيوم النوروز والجمعة وعاشوراء.
******************
تنبيه نبيه:
يلزم أرباب البصيرة ـ كما هو معلوم ـ التوجّه والاستغاثة به والعمل بتقاليد العبوديّة له عليه السلام في تلك الأوقات المذكورة المختصّة بالامام الحجّة عليه السلام اكثر من باقي الأوقات وهكذا بعض الأمكنة ـ بملاحظة بعض أخبار العامّة والخاصّة ـ التي يحتمل قريباً انّه عليه السلام يكون فيها في بعض الأوقات، فينبغي الحضور في ذلك المكان وإن لم يره عليه السلام أو لم يعرفه عليه السلام; فإن وجوده عليه السلام في مكان يكون سبباً لنزول الرحمة والبركة والألطاف الالهيّة الخاصّة، ولعلّ ببركة مجاورته عليه السلام والكون معه عليه السلام أن يكون بذلك مشمولا بمعدن خيره وبركته ولطفه العام ورحمته، وإن لم يكن مستحقاً لها.
كما انّ وجوده مع من غضب الله تعالى عليه ولعلّه يخاف من شمول اللعنة له والإبعاد من الرحمة الالهيّة إذا نزلت بذلك الشّخص الملعون.
قال الشيخ الصدوق في كمال الدين:
"وروي في الأخبار الصحيحة عن أئمتنا عليهم السلام: انّ مَن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أو واحداً من الائمة (صلوات الله عليهم) قد دخل مدينة، أو قرية في منامه، فانّه أمن لأهل تلك المدينة، أو القرية ممّا يخافون ويحذرون، وبلوغ لما يأملون ويرجون".(1)
وروى الشيخ الكليني والشيخ الطوسي عن محمّد بن مسلم انّه قال:
"مرّ بي أبو جعفر عليه السلام، أو أبو عبد الله عليه السلام وأنا جالس عند قاض بالمدينة، فدخلت عليه من الغد، فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟
قال: قلت: جعلت فداك انّ هذا القاضي لي مكرم، فربّما جلست إليه.
فقال لي: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّ مَنْ في المجلس".(2)
والشواهد على هـذين المطلبين كثيرة في الأخبار، والغاية من هذا التنبيه لاغتنام معرفة حضوره عليه السلام في تلك الأمكنة التي منها عرفات في موسم الحج، وباقي البقاع المقدّسة في الأوقات الشريفة التي رغّب وأكّد على الحضور فيها هناك بالشرع كأوقات ومكان التشييع والصلاة على جنازة المؤمن، كما روى جماعة من العلماء مثل ابن شهر آشوب والقطب الراوندي، ومحمّد بن علي الطوسي في ثاقب المناقب في حديث مفصّل واجماله برواية الأخير هو:
" اجتمعت العصابة بنيسابور في أيام أبي عبد الله عليه السلام... فاختاروا رجلا يعرف بأبي جعفر محمّد بن ابراهيم النيسابوري ودفعوا إليه... وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار، والدراهم خمسين ألف درهم، والثياب ألفي شقّة وأثواب مقاربات ومرتفعات.
وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها شطيطة ومعها درهم صحيح وشقّة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم، وقالت: انّ الله لا يستحيي من الحق، ما يستحقّ عليّ في مالي غير هذا، فادفعه إلى مولاي.
فقال: يا امرأة، استحيي من أبي عبد الله عليه السلام أن أحمل إليه درهماً، وشقّة بطانة.
فقالت: ألا تفعل، انّ الله لا يستحيي من الحق، هذا الذي يستحق، فاحمل يا فلان، فلئن ألقى الله عزوجل وما له قبلي حقّ قلّ أم كثر، أحبّ إليّ من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمّد حق.
وسار ذلك الرجل بالأموال وكانت معه دواة فيها الرسائل التي أرسلوها وقد ختم عليها وفيها المسائل وقالوا: تحمل هذا الجزء معك، وتمضي إلى الامام فتدفع الجزء إليه، وتبيته عنده ليلة، وعد عليه وخذه منه، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعّب فاكسر منها ختمة وانظر الجواب، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الامام، فادفعه إليه، والّا فردّ أموالنا علينا.
فلمّا جاء الكوفة وصل خبر وفاة الامام عليه السلام، فذهب إلى المدينة وسأل عن وصيّه عليه السلام فدلّوه على عبد الله الأفطح، فقصده، وامتحنه، ولم ير عليه آثار الامامة، فجاء إلى ضريح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وبكى وشكى لحيرته: إلى من أمضي الى اليهود، إلى النصارى، إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب؟ فحرّكه (3) الامام الكاظم عليه السلام وقال له:
لا إلى اليهود، ولا إلى النصارى.. ولا إلى أعدائنا فأنا حجّة الله ووليّه، قد اجبتك عمّا في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس.
فجاء بدرهم شطيطة الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلؤي، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين، إلى الامام عليه السلام وطلب الصرّة التي فيها قطعة القماش وفتحها وأخرج منها شقة قطن مقصورة طولها خمسة عشر ذراع (4) وقال: " أقرأ عليها السلام كثيراً، وقل لها: قد جعلت شقتك في أكفاني، وبعثت لك بهذه من أكفاننا من قطن قريتنا صريا، قرية فاطمة عليها السلام، وبذر قطن كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها، وغزل أختي خديجة (5) بنت أبي عبد الله عليه السلام، وقصارة يده لكفنه فاجعليها في كفنك".
وطلب كيس نفقة مؤمنتهم فطرح ذلك الدرهم فيه، وأخرج منه أربعين درهماً وقال: اقرأها منّي السلام، وقل لها: ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر، ووصول هذا الكفن، وهذه الدراهم، فانفقي منها ستة عشر درهماً، واجعلي اربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عليك، وأنا أتولّى الصلاة عليك، وقال لذلك الرجل: فاذا رأيتني فاكتم.
إلى أن رجع ذلك الرجل وأعطى شطيطة تلك الشقة والدراهم فكادت تنشق مرارتها من الفرح، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة الّا حاسد أو متأسّف على منزلتها، وأقامت شطيطة تسعة عشر يوماً، وماتت رحمها الله، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها.
قال ذلك الرجل: فرأيت الامام الكاظم عليه السلام على نجيب، فنزل عنه، وأخذ بخطامه، ووقف يصلّي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلى قبرها، وطرح في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فلمّا فرغ من أمرها ركب البعير، وألوى برأسه نحو البريّة، وقال:
عرّف أصحابك، واقرأهم عنّي السلام، وقل لهم: انّني ومن جرى مجراي من أهل البيت (6) لابدّ لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتّقوا الله في أنفسكم واحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم، وفك رقابكم من النار".(7)
انتهى ملخّص ذلك الخبر الشريف الطويل المليء بالفوائد والتي منها انّه أوعد بحضور امام العصر عليه السلام في جنازة المؤمنين من أهل الخير والصلاح والتقوى، ولعلّ المتتبّع يعثر على أخبار اُخرى لأهل البيت عليهم السلام في بعض الموارد، والمجالات الأخرى نظير ما ذكر بالشرف.
* * *
الباب الثاني عشر
في ذكر الأعمال والآداب التي يمكن أن يحصل على شرف اللقاء بالامام الحجة صلوات الله عليه
في ذكر الأعمال والآداب التي قد يتمكّن الانسان ببركتها على أن يصل لشرف اللقاء بالامام الحجة صلوات الله عليه، سواءاً عرفه أم لم يعرفه، في المنام أو في اليقظة، والاستفادة والاستفاضة من فيضه عليه السلام، وإن لم يكن الّا زيادة نور اليقين والمعرفة الوجدانيّة بوجوده المقدّس فهو ايضاً من أهمّ الغايات.
وقد عرف من خلال الكلمات السابقة في الباب الثامن انّ نيل هذا المقصود، وبلوغ هذا المرام ممكن في الغيبة الكبرى، وميسّر، بل انكشف انّه من الممكن بالعلم والتقوى التامّة والمعرفة والتضرّع والانابة وتهذيب النفس من كلّ غلّ وغشّ وريبة وشك وشبهة والصفات القبيحة أن يكون محلاّ لتلقي الأسرار والدخول في سلك خاصّته وخواصه.
وذكرت شواهد من كلمات العلماء الأعلام.
والمقصود هنا بيان معرفة طريق ذلك.
فبالاضافة إلى أداء جميع الفرائض والسنن والآداب، وترك جميع المحرّمات والمكروهات والمبغوضات بما طلب منه، فان جميع مقدّمات ذلك مستورة ومخفيّة وغير مكشوفة وغير مبيّنة الّا لأهلها، بل الهدف معرفة الطريق الذي قد يصل به الدور في عمره إلى هذه النعمة ولو كان ذلك في المنام.
* * *
ولا يخفى من التأمّل في القصص والحكايات المتقدّمة يظهر ان المداومة على عمل حسن وعبادة مشروعة والجهد بالانابة والتضرّع في مدّة أربعين يوماً يكون من الأسباب المقرّبة لهذا المقصد ومن وسائله الكبيرة. كما يظهر ايضاً انّ الذهاب أربعين ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة، أو الذهاب أربعين ليلة جمعة إلى الكوفة والاشتغال بالعبادة هناك انّها من الأعمال المتداولة المعروفة التي ادّعى تجربتها كثير من العلماء والصّلحاء، وكذلك زيارة سيّد الشهداء في أربعين ليلة جمعة، وأمثال ذلك.
والظاهر انّ بذكر الأعمال والآداب يمكن أن يصل ببركتها إلى سعد لقاء الامام الحجة، ولا يوجد مستند مخصوص في أيديهم على ذلك العدد المذكور ولا لذلك العمل الّا ما يظهر من مطاوي الكتاب والسنّة انّ المداومة على الدعاء أربعين يوماً يؤثّر في الاجابة والقبول، بل المداومة على الطعام والشراب الحلال أو الحرام في تلك الأيام المذكورة يسبب تغيير الحال والانتقال من صفة إلى صفة اُخرى سواء كان من الحسن إلى السيّىء، أو من السيّيء إلى الحسن.
وهكذا سائر ما يمارسه الانسان من لباس ومسكن، وكذلك العشرة.
ونحن لأجل تأييد وتقوية هذا المطلب المذكور نتبرّك بذكر عدّة أخبار.
روى الشيخ العياشي عن الفضل بن أبي القرة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أومى الله إلى ابراهيم انّه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت: ءألد وأنا عجوز؟! فأوحى الله إليه: انّها ستلد ويعذب أولادها أربع مائة سنة بردّها الكلام عليّ، قال: فلمّا طال على بني اسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً فأوحى الله إلى موسى وهارون أن يخلّصهم من فرعون فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة، قال: وقال أبو عبد الله: هكذا أنتم لو فعلتم لفرّج الله عنّا، فأمّا إذا لم تكونوا فانّ الأمر ينتهي إلى منتهاه.(8)
ونقل الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب عن كتاب الجواهر: انّ عيسى عليه السلام أوصى الحواريين بالجوع، وقال لهم: كونوا كالحيّة، فلمّا رفع عيسى عليه السلام، قالوا: لا نبرح حتّى نعلم تأويل كلامه عليه السلام، فقال أحدهم: كونوا كالحيّة اذا تطوّقت والتفّت جعلت رأسها في جسدها; لأنّها تعلم انّ ما أصابها من الألم في جسدها لا يضرّها إذا سلم رأسها فيقول لكم روح الله: احفظوا الدين، فانّه رأس مال الدنيا والآخرة، ومهما أصابكم من الفقر والضرّاء لم يضرّكم مع سلامة دينكم.
وقال آخر: انّ روح الله قال لكم: كونوا كالحيّة; لأنّ الحيّة لا تأكل الّا التراب، حتّى لا يخرج السمّ من جوفها، فكذلك لا تنتفعون بما تسمعون من الحكمة لطلب الآخرة ما دام حبّ الدنيا في قلوبكم.
وقال آخر: قال لكم روح الله: كونوا كالحيّة; لأنّ الحيّة إذا حسّت من نفسها الوهن جوّعت نفسها أربعين يوماً، ثمّ دخلت حجراً ضيّقاً ورجعت شابّة أربعين سنة، فيقول لكم روح الله: جوّعوا أنفسكم في الدّنيا اليسيرة لبقاء المدّة الطويلة، كما جوّعت الحيّة نفسها أربعين يوماً لبقاء أربعين سنة، فأجمعوا على قوله انّه (9) أراد هذا.(10)
وروي في الكافي عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت: انّا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحقّ فهل ينفعه ذلك شيئاً؟ فقال:
يا أبا محمّد انّما مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني اسرائيل كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة الّا دعا فاُجيب، وانّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثمّ دعا فلم يستجب له، فأتى عيسى ابن مريم عليه السلام يشكو اليه ما هو فيه ويسأله الدّعاء، قال: فتطهّر عيسى وصلّى ثمّ دعا الله عز وجل، فأوحى الله عز وجل إليه: يا عيسى! انّ عبدي أتاني من غير الباب الذي أؤتى منه، انّه دعاني وفي قلبه شكّ منك، فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له، قال: فالتفت اليه عيسى عليه السلام فقال: تدعو ربّك وأنت في شكّ من نبيّه؟! فقال: يا روح الله وكلمته قد كان والله ما قلت، فادع الله ( لي ) أن يذهب به عنّي قال: فدعا له عيسى عليه السلام فتاب الله عليه وقبل منه وصار في حدّ أهل بيته.(11)
وروي في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
"ما أخلص عبد الايمان بالله عزّ وجلّ أربعين يوماً ـ أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله عزّ وجل أربعين يوماً ـ الّا زهده الله عزّ وجل في الدّنيا، وبصّره داءَها، ودواءها، فأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه...".(12)
وروى القطب الراوندي في لبّ اللباب:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: من أخلص العبادة لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.(13)
وروي في أمالي الصدوق في خبر البهلول النّباش الذي كان يسرق الأكفان، وقد آل عمله أن يرتكب العمل القبيح مع جنازة فتاة من الأنصار، وندم على عمله وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فطرده صلى الله عليه وآله وسلّم والتجأ إلى بعض جبال المدينة وبكى وتضرّع وأناب ودعا أربعين يوماً فقبلت توبته، ونزلت آية شريفة في قبول توبته وعفي عن جرمه ونزل الوعد باثابته، فذهب صلى الله عليه وآله وسلّم وبشّره، وتلا الآية، ثمّ قال لأصحابه: " هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول"...(14).
وروي انّ داود عليه السلام بكى على تركه الأولى أربعين يوماً.
ونقل في البحار عن كتاب العدد القويّة لعلي ابن يوسف أخ العلامة الحلّي رحمه الله: " بينا النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب.
فناداه: يا محمّد العلي الأعلى يقرأ عليك السّلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً، فشقّ ذلك على النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وكان لها محبّاً وبها وامقاً.
قال: فأقام النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم أربعين يوماً، يصوم النّهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيّامه تلك، بعث إلى خديجة بعمّار بن ياسر، وقال قل لها: يا خديجة لا تظنّي ان انقطاعي عنك هجرةً ولا قِلىً، ولكن ربّي عزوجل أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظنّي يا خديجة الّا خيراً، فانّ الله عزوجل لَيباهي بك كرام ملائكته كلّ يوم مراراً، فاذا جنّك الليل فأجيفي الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فانّي في منزل فاطمة بنت أسد، فجعلت خديجة تحزن في كلّ يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
فلمّا كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد العلي الأعلى يقرؤك السلام، وهو يأمرك أن تتأهّب لتحيّته وتحفته " إلى أن نقل هبوط ميكائيل مع طبق من العنب، والرطب فأفطر صلى الله عليه وآله وسلّم في تلك الليلة بذلك، وذهب الى خديجة بأمر الله عزوجل قبل الصّلاة، وقد انعقدت نطفة الصديقة الطاهرة عليها السلام في تلك الليلة.(15)
وورد انّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أمر أن يعتزل خديجة عليها السلام أربعين يوماً قبل بعثته.
وكان ميقات موسى عليه السلام أربعين يوماً، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: " انّه ما أكل وما شرب ولا نام ولا اشتهى شيئاً من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً شوقاً إلى ربّه".(16)
وروي في تفسير الامام العسكري عليه السلام:
" كان موسى بن عمران عليه السلام يقول لبني اسرائيل: إذا فرّج الله عنكم وأهلك أعداءَكم آتيكم بكتاب من ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وامثاله.
فلمّا فرّج الله تعالى عنهم أمره (17) الله عزّ وجل أن يأتي للميعاد، ويصوم ثلاثين يوماً عن أصل الجبل، وظنّ موسى انّه بعد ذلك يعطيه الكتاب.
فصام موسى ثلاثين يوماً... (إلى أن قال) فأوحى الله عزوجل إليه... صم عشراً أُخر، ولا تستاك عند الافطار، ففعل ذلك موسى عليه السلام، وكان وعد الله عزوجل أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة فأعطاه ايّاه".(18)
وجاء في عدّة أخبار معتبرة أن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً، فمن أراد أن يدعو للحبلى أن يجعل الله ما في بطنها ذكراً سوياً يدعو ما بينه وبين الأربعة أشهر تلك.
ويظهر من هذه الأخبار تهيّؤ الجنين لافاضة الصورة الجسمانيّة أو النفسانيّة في أربعين يوماً.
ويؤيد ذلك الحديث القدسي المعروف: " خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً".
وروي في الكافي عن الامام الكاظم عليه السلام انّه سئل: انّا روينا عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: من شرب الخمر لم تحتسب صلاته أربعين يوماً.
فقال عليه السلام بعد عدّة كلمات: فهو إذا شرب الخمر بقيت في مشاشه (19) أربعين يوماً على قدر انتقال خلقته.(20)
ثمّ قال عليه السلام: "وكذلك جميع غذائه أكله وشربه يبقى في مشاشه أربعين يوماً".(21)
وروي عنهم عليهم السلام انّهم قالوا: "من لم يأكل اللحم أربعين يوماً تغيّر خلقه وبدنه وذلك لانتقال النطفة في مقدار أربعين يوماً".(22)
وروي عنهم عليهم السلام انّهم قالوا:
"مَنْ أكل اللحم أربعين صباح (23) قسى قلبه".(24)
وروي عنهم عليهم السلام:
"مَن أكل الزيت (25) وادّهن به لم يقربه الشيطان أربعين يوماً".(26)
وروي عنهم عليهم السلام:
"من أكل الحلال أربعين يوماً نوّر الله قلبه".(27)
وروي عنهم عليهم السلام:
"من شرب السويق أربعين صباحاً امتلأت كتفاه قوّة".(28)
وروي عنهم عليهم السلام:
"عليكم بالهريسة فانّها تنشّط للعبادة أربعين يوماً...".(29)
وروي عنهم عليهم السلام:
"من أكل رمانة نوّر الله قلبه، وطرد عنه شيطان الوسوسة أربعين صباحاً".(30)
وروي عنهم عليهم السلام:
"انّ الأرض تنجس من بول الاغلف أربعين صباحاً".(31)
وروي عنهم عليهم السلام:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يترك عانته فوق أربعين يوماً".(32)
ومن هذا النوع أخبار كثيرة، بل في عدد الأربعين آثار كثيرة في الشّرع المطهّر كما جاء:
"من قدم في دعائه أربعين مؤمناً ثمّ دعا لنفسه استجيب له".(33)
وهكذا إذا اجتمع أربعون نفراً فدعوا، أو عشرة انفار بأربع مرّات، أو أربعة أنفار عشر مرّات.(34)
ويعطى عند الظّهور لكلّ مؤمن قوّة أربعين رجل.(35)
وكذلك في حفظ أربعين حديثاً والعمل به (36) واستقام عليها أعطاه عليه أجراً جزيلا.
وإذا حضر جنازة مؤمن أربعون نفراً وشهدوا انّنا لم نر منه الّا خيراً، قبل الله عز وجل شهادتهم، وغفر لذلك المؤمن.(37)
الهوامش
(1) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 210.
(2) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 7، ص 410، باب كراهية الجلوس إلى قضاة الجور، ح 1 ـ التهذيب (الطوسي): ج 6، ص 220، كتاب القضايا والأحكام، باب مَنْ إليه الحكم وأقسام القضاة والمفتين، ح 12 ـ الوسائل (الحرّ العاملي): ج 18، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب 1، ح 10.
(3) في النص انّ الذي حرّكه هو عبد أسود أرسله إليه الامام الكاظم عليه السلام.
(4) في المصدر (طولها خمسة وعشرون ذراعاً).
(5) في المصدر (حكيمة) وفي الآخر (حليمة).
(6) قال المؤلف رحمه الله: " يعني كلّ امام من الائمة ".
(7) راجع: الثاقب في المناقب (محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة): ص 439 - 446 ـ مناقب آل أبي طالب (ابن شهر آشوب): ج 4، ص 291، باب امامة أبي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، فصل في انبائه عليه السلام بالمغيّبات ـ الخرائج والجرائح (القطب الراوندي): ج 1، ص 328 - 331، الباب الثامن معجزات الامام موسى بن جعفر عليهما السلام: ح 22 ـ مدينة المعاجز (السيّد هاشم البحراني): ص 460، ح 99 ـ وص 460، ص 106، الطبعة الحجرية ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 5، ص 575، ح 144، الطبعة المترجمة ـ البحار: ج 47، ص 251، ح 23، ج 48، ص 73، ح 100 ـ وغيرها.
وقد كنّا ارتأينا نقل النصّ أنسب ولكنّنا احتفظنا برأي المؤلّف رحمه الله بالاجمال احتراماً لرأيه الشريف، وخوف الإطالة.
(8) تفسير العياشي: ج 2، ص 154 ـ البحار: ج 52، ص 131، ح 34.
(9) ذكر المؤلف رحمه الله بدل انّه (ان روح الله).
(10) راجع مجموع الغرائب (الشيخ الكفعمي): ص 228 ـ 229.
(11) الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 2، ص 400 ـ تأويل الآيات الظاهرة (السيد شرف الدين النجفي: ج 1، ص 87 ـ الأمالي (الشيخ المفيد): ص 302 ـ عدّة الداعي (الشيخ ابن فهد الحلّي): ص 57 ـ البحار: ج 27، ص 192، حديث 48 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 1، ص 443 ـ الجواهر السنية (الحرّ العاملي): ص 111.
(12) راجع الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 2، ص 16، كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص، ح 6 ـ والرواية عن الامام الباقر عليه السلام وليست عن الامام الصادق عليه السلام.
(13) راجع جنّة المأوى: ص 326.
(14) راجع القصة الكاملة في الأمالي (الصدوق): ص 45، المجلس 11، ح 3.
(15) راجع العدد القويّة (رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر الحلّي): ص 220 - 222 ـ البحار: ج 16، ص 78 - 80.
(16) راجع جنة المأوى (النوري): ص 327.
(17) قال المؤلف رحمه الله: " أمر الله عز وجل موسى ".
(18) تفسير الامام الحسن العسكري: ص 248 ـ 250.
(19) قال المؤلف رحمه الله: " يعني في جميع اعضائه ".
(20) قال المؤلف رحمه الله: " يعني تطوّرات نطفته، وعلقته، ومضغته ".
(21) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 6، ص 402 ـ وكتاب الأشربة (باب شارب الخمر، باب آخر منه): ح 12.
(22) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 6، ص 309 ـ والرواية مرويّة عن الامام الرّضا عليه السلام.
(23) قال المؤلف رحمه الله: " يعني كلّ يوم ".
(24) راجع المستدرك: ج 16، ص 347 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 23، ص 301، ح 51. والرواية مرويّة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم.
(25) في الترجمة (زيت الزيتون).
(26) راجع جامع أحاديث الشيعة: ج 23، ص 343 ـ والرواية عن الامام موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: كان فيمن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم علياً عليه السلام... " المحاسن (البرقي): ص 485.
(27) راجع جنّة المأوى: ص 326.
(28) الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 6، ص 306، كتاب الأطعمة، باب الأسوقة وفضل سويق الحنطة، ح 12 ـ والرواية مرويّة عن الامام الصادق عليه السلام.
(29) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 6، ص 319، باب الهريسة، ح 1 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 23، ص 324 ـ الرواية مرويّة عن الامام الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام...
وفي الترجمة: " من أكل الهريسة... الخ " ولم نجد رواية بهذا اللفظ والله العالم.
(30) راجع المحاسن (البرقي): ص 544 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 23، ص 402، والرواية مرويّة عن الامام الصادق عليه السلام.
(31) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 6، ص 35، باب التطهير، ح 2 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 23، ص 379، ح 2، وفي الترجمة (تضجّ) ولا يوجد هذا اللّفظ في هذا النّص، وانّما هو في روايات اُخرى منها ما رواه الكليني: ج 6، الفروع، ص 35، ح 3 وفيه " وانّ الأرض تضجّ إلى الله من بول الأغلف " والرواية الأولى مرويّة عن الامام الصادق عليه السلام، والثانية رويت عن الصادقين عليهما السلام.
(32) راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 6، ص 506، كتاب الزي والتجمّل، باب النورة، ح 11.
(33) راجع الأمالي (الصدوق): ص 369 ـ الكافي / الأصول (الكليني): ج 2، ص 369.
(34) روى الكليني في الكافي (الأصول): ج 2، ص 487، كتاب الدعاء، باب الاجتماع في الدعاء، ح 1، عن الامام الصادق عليه السلام قال: " ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا الله عز وجل في أمر الّا استجاب الله لهم، فان لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عز وجل عشر مرّات الّا استجاب الله لهم، فان لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله عزوجل أربعين مرّة فيستجيب الله العزيز الجبّار له " ـ راجع أيضاً جامع أحاديث الشيعة: ج 15، ص 298 (باب ما ورد في انّ المؤمنين إذا اجتمعوا فدعوا الله تعالى في أمر استجاب لهم...).
(35) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 673، ح 26 عن الامام الصادق عليه السلام في وصف شدّة أصحاب القائم عليه السلام قال: " وانّ الرجل منهم ليعطى قوّة أربعين رجلا، وانّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد، ولو مرّوا بجبال الحديد لقلعوها... ".
(36) راجع بحار الأنوار (المجلسي): ج 2، ص 153 (باب 20 ـ من حفظ أربعين حديثاً) وروى فيه عشرة أحاديث منها عن الصّدوق في الخصال باسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: " مَنْ حفظ عنّي من أمّتي أربعين حديثاً في أمر دينه يريد بها وجه الله عز وجل والدار الآخرة بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ".
(37) أقول روى الصدوق في الفقيه: ج 1، ص 165، باب 26، ح 472 عن الصادق عليه السلام انّه قال:
" إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين، فقالوا: اللهمّ انّا لا نعلم منه الّا خيراً وأنت أعلم به منّا، قال الله تبارك وتعالى: قد أجزت شهادتكم، وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون ".
الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 3، ص 254، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح 14، عن الصادق عليه السلام قال: " إذا حضر الميّت أربعون رجلا فقالوا: اللهمّ انّا لا نعلم منه الّا خيراً، قال الله عز وجل: قد قبلت شهادتكم، وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون ".
وراجع الوسائل (الحرّ العاملي): ج 2، ص 925، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، باب 90، ح 1.
******************
ومن الأخبار التي تناسب هذا المقام وتؤيد هذا المرام الخبر المتقدّم في الباب الأوّل في اخبار ولادة الامام الحجة عليه السلام انّ الامام الحسن العسكري عليه السلام وأودعه عليه السلام إلى طير يقال له روح القدس وأمره أن يردّه إليه عليه السلام في كلّ أربعين يوماً.
قالت السيّدة حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصّبي كلّ أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمّد عليه السلام.(1)
* * *
ولا يخفى انّ الشواهد من الأخبار على الدعوى المذكورة أكثر من أن تحصى، قال العلامة المجلسي رحمه الله في رسالة الأجوبة على سؤال الفرق بين الاماميّة والحكماء والمجتهدين والاخباريين والمتشرّعة والصوفية، بعد أن قسّم الجماعة الأخيرة الى ممدوحين ومذمومين، وبعد عدّة كلمات قال:
"كان الوالد المرحوم الفقير قد تعلّم الذكر منه ـ أي الشيخ بهاء الدين محمد ـ وكل يأخذ يلتزم أربعين(2)، وقد ارتاض جماعة كثيرة من أتباع الشريعة المقدّسة بما يتّفق مع قانون الشريعة.
وقد التزمت أنا الفقير مراراً الأربعينات.
وقد ورد في الأحاديث المعتبرة: " من أخلص أعماله لله أربعين صباحاً أجرى الله تعالى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".
وعندما عرف ولو بشكل مجمل مصدر العمل المعروف للعلماء والصلحاء والأخيار في المداومة على أربعين ليلة أو يوم أربعاء، أو جمعة في الكوفة، أو السهلة، أو كربلاء للحصول على هذا المقصد العظيم، وعدم وجود خصوصيّة في كلّ واحد منها فيظهر انّ اللازم أن ينظر واحد بحسب مقامه وحالته ومكانه وزمانه وقدرته بالدّقة والتأمّل، أو يكون عارفاً نقّاداً بصيراً باحثاً عن أي الأعمال الحسنة الشرعيّة وآداب السنن الأحمديّة بالنسبة إليه أولى وأرجح ليدوام عليها، وقد يكون عمل من الأقوال أو الأفعال بالنسبة إلى شخص مرجوح، ويكون بالنسبة إلى شخص ثان راجح، وعلى فرض الرجحان فانّ تفاوت المراتب ودرجات الأعمال كثيراً. فقد يكون المطلوب من شخص البذل والانفاق للمال في محلّه، وقد يكون المطلوب من شخص آخر التعليم، ومن ثالث الصّلاة، ومن رابع الصوم ومن خامس الزيارة، وهكذا، ولكن أن يراعى في الجميع الشروط المشتركة مثل أداء الفرائض واجتناب المحرّمات، وطهارة المأكول والمشروب والملبوس، وحلّيتها، بالأضافة إلى ما يمكن أن يفعله بظاهر الشّرع، واخلاص النيّة، وغير ذلك ممّا ليس هنا مقام بيانه.
فصل
وأما الأعمال المخصوصة لأجل الحاجة المذكورة سواءاً كانت مختصّة بامام الزمان عليه السلام أو بالاشتراك مع باقي الائمة، بل الانبياء عليهم السلام، فيذكر منها عدّة أشياء:
الأول: روى السيّد الجليل ابن باقي في اختيار المصباح عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: من قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدّعاء فانّه يرى الامام م ح م د بن الحسن عليه وعلى آبائه السّلام في اليقظة أو في المنام.
"بسم الله الرحمن الرحيم اللّهم بلّغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان من مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها، عنّي وعن والديّ وعن ولدي واخواني التحيّة والسلام، عدد خلق الله، وزنة عرش الله، وما أحصاه كتابه وأحاط (به)(3) علمه اللهمّ انّي اُجدّد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت فيه من أيّام حياتي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول (أبداً)(4) اللهمّ اجعلني من أنصاره ونصّاره (5) الذابّين عنه، والممتثلين لأوامره ونواهيه في أيّامه، والمستشهدين بين يديه، اللهمّ فان حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضيّاً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، مجرّداً قناتي، ملبّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي.
اللهمّ أرني الطلعة الرّشيدة، والغرّة الحميدة، واكحل بصري بنظرة منّي إليه، وعجّل فرجه، وسهّل مخرجه، اللهمّ اشدد أزره، وقوّ ظهره، وطوّل عمره، اللهمّ اعمر (6) به بلادك، وأحي به عبادك، فانّك قلت وقولك الحقّ (ظَهَرَ الْفَسَاد فِى الْبرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاس) فأظهر اللهمّ لنا وليّك، وابن بنت نبيّك، المسمّى باسم رسولك، صلواتك عليه وآله، حتّى لا يظفر (7) بشيء من الباطل الّا مزّقه، ويحقّ الله الحقّ بكلماته ويحقّقه، اللهمّ اكشف هذه الغمّة عن هذه الاُمّة بظهوره، انّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، وصلّى الله على محمّد وآله".(8)
يقول المؤلف:
لهذا الدّعاء نسخ مختلفة، وأسانيد معتددة، وفي بعضها زيادة، ولا يوجد فيها جملة من فقراته، وروى السيّد ابن طاووس انّ من قرأه أربعين صباحاً، ولكن لم ير هذه الّثمرة المخصوصة في جميعها الّا في هذا الخبر الشريف، لهذا لم نتعرّض لتلك الاختلافات.
الثّاني: قال الشّيخ ابراهيم الكفعمي في الجنّة الواقية:
" ورأيت في بعض كتب أصحابنا انّه مَنْ أراد رؤية أحد من الأنبياء والائمة عليهم السلام، أو الناس، أو الوالدين في نومه، فليقرأ والشّمس، والليل، والقدر، والجحد، والاخلاص، والمعوّذتين، ثمّ يقرأ الاخلاص مائة مرّة، ويصلّي على النبي وآله مائة، وينام على الجانب الأيمن على وضوئه فانّه يرى من يريده ان شاء الله، ويكلّمهم بما يريد من سؤال وجواب.
ورأيت في نسخة اُخرى هذا بعينه غير انّه يفعل ذلك سبع ليال بعد الدّعاء الذي أوّله (اللهمّ أنت الحيّ الذي لا يوصف)...".(9)
ولا يخفى انّ هذا الدعاء رواه السيّد علي بن طاووس في كتاب فلاح السائل باسناده إلى بعض الائمة عليهم السلام، قال: " اذا أردت أن ترى قتيلا، فبت على طهر، واضطجع (10) على يمينك وسبّح تسبيح فاطمة عليها السلام ثمّ قل: " اللهمّ أنت الحيّ (11)... الخ".(12)
وقال الشّيخ الطوسي في مصباحه:
ومن أراد رؤية ميّت في منامه فليقل:
"اللهمّ أنت الحي الذي لا يوصف، والايمان يعرف منه، منك بدأت الأشياء، واليك تعود، فما أقبل منها كنت ملجأه ومنجاه، وما أدبر منها لم يكن له ملجأ ولا منجى منك الّا اليك، فأسألك بلا إلـه الّا أنت، وأسألك ببسم الله الرحمن الرحيم، وبحقّ حبيبك محمّد صلّى الله عليه وآله سيّد النبيّين، وبحقّ علي خير الوصيين، وبحقّ فاطمة سيّدة نساء العالمين، وبحقّ الحسن والحسين الذين جعلتهما سيّدي شباب أهل الجنة، عليهم أجمعين السلام أن تصلّي على محمّد وآله (13) وأن تريني ميّتي في الحال التي هو فيها".(14)
فانك تراه ان شاء الله تعالى.(15)
ومقتضى عموم صدر الخبر فانّ الدعاء يقرأ لرؤية كلّ ميّت حتى الأنبياء والائمة عليهم السلام حيّاً أو ميّت (16)، فعلى مَنْ يقرأ هذه النّسخة أن يبدل آخر الدعاء بما يناسب مقام الامام الحيّ والنبيّ الحيّ، بل الظاهر أن يغيّر فيه سواء كان النبي أو الامام حيّاً أو ميّتاً، ويؤيده ما في كتاب تسهيل الدواء انّه قال بعد ذكر الدعاء المتقدّم:
" وذكر مشايخنا رضوان الله عليهم انّ من أراد أن يرى أحداً من الأنبياء أو ائمة الهدى صلوات الله عليهم فليقرأ الدعاء المذكور إلى قوله: أن تصلّي على محمّد وآل محمد، ثمّ يقول: أن تريني فلاناً، ويقرأ بعده سورة والشمس والليل والقدر والجحد والاخلاص والمعوذتين، ثمّ يقرأ مائة مرّة سورة التّوحيد، فكلّ من أراده يراه ويسأل عنه ما أراده، ويجيبه ان شاء الله تعالى".(17)
الثّالث: روى الشيخ المفيد رحمه الله في الاختصاص عن ابي المغر (18) عن الامام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سمعته يقول: " من كانت له إلى الله حاجة، وأراد أن يرانا، وأن يعرف موضعه من الله فليغتسل ثلاث ليال يناجي بن (19) فانّه يرانا، ويغفر له بنا، ولا يخفى عليه موضعه".(20)
وانّ هذا الغسل المذكور في هذا الخبر هو من الأغسال المستحبّة التي ذكرها الفقهاء رضوان الله عليهم كما ذكره العلامة الطباطبائي بحر العلوم رحمه الله في منظومته في ضمن غايات الغسل:
ورؤية الامام في المنام* * * لدرك ما يقصد من مرام
والظاهر بل المقطوع به انّ نظر السيّد إلى هذا الخبر كما صرّح به صاحب المواهب وغيره.
ولكن المحقّق الجليل والعالم النبيل جناب الآقا الآخوند الملا زين العابدين الگلبيگاني رحمه الله قال في شرح المنظومة بعد أن ذكر البيت المذكور: يدل عليه الحديث النبوي المروي في الاقبال في أعمال النصف من شعبان انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: مَنْ تطهّر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر... إلى أن يقول: ثمّ أن سأل أن يراني من ليلته رآني.(21)
وان كان ظاهر هذا الخبر انّه مختص به صلى الله عليه وآله وسلّم ولكنّه يجري في باقي الائمة عليهم السلام لما في بعض الأخبار انّ منزلتهم عليهم السلام بمنزلته صلى الله عليه وآله وسلّم فيجري بحقّهم ما يجري بحقّه.
وهذا كلام متين فان عمومات المنزلة تفي فتشمل هذه الموارد. أما انّ هذا الخبر ليس هو مراد السيّد رحمه الله بهذا البيت ليتكلّف بدخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في موارده، ولو انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم امام أيضاً حقيقة، ولكنّه غير متعارف في ألْسِنة الفقهاء والمحدّثين بل جميع المتشرّعين اطلاقه عليه صلى الله عليه وآله وسلّم، وبناءاً على عموم المنزلة الذي ذكره فلا يستبعد ذلك.
* * *
فصل
ومن المناسب ذكر عدّة أعمال مختصرة لهذا المقصد المعهود:
الأوّل: روى السيد علي بن طاووس في فلاح السائل لرؤية أمير المؤمنين عليه السلام في المنام قراءة هذا الدعاء في وقت النوم:
" اللهمّ انّي أسألك يا من له لطف خفي، وأياديه باسطة لا تنقضي، أسألك بلطفك الخفي الذي ما لطفت به لعبد الّا كُفي أن تريني مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في منامي".(22)
الثّاني: في تفسير البرهان ومصباح الكفعمي عن كتاب خواص القرآن، روي عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: "مَنْ أدمن في قرائته (23) رأى النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وسأله ما يريده أعطاه الله كلّما يريده الخير...".(24)
الثالث: روى الكفعمي:
"من قرأه (25) عند زوال الشّمس (26) مائة (27) رأى النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم في نومه".(28)
الرّابع: روى المحدّث الجليل السيّد هبة الله بن أبي محمّد الموسوي المعاصر للعلامة في الملجد الأوّل من كتاب (المجموع الرائق):
"انّ من أدمن تلاوة سورة الجنّ رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وسأله ما يريد".(29)
الخامس: وروي فيه أيضاً:
"انّ من قرأ سورة الكافرون نصف الليل من ليلة الجمعة رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في منامه".(30)
السّادس: قراءة دعاء المجير على طهارة سبعاً عند النوم، بعد صوم سبعة أيّام.(31)
السّابع: قراءة الدعاء المعروف بالصحيفة المروي في مهج الدعوات وغيره على طهارة خمس مرّات.(32)
نقل الاثنين الشيخ الكفعمي.
الثامن: وروى الكفعمي عن الامام الصادق عليه السلام: "من قرأه (33) بعد صلاة الزوال وقبل الظهر احدى وعشرين مرّة لم يمت حتى يرى النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم".(34)
التّاسع: نقل عن خواص القرآن:
"من قرأ في ليلة الجمعة بعد صلاة يصلّيها من الليل، الكوثر ألف مرّة، وصلّى على النّبي وآله وسلّم ألف مرّة رأى النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم في نومه".(35)
العاشر: ورأيت في بعض المجاميع المعتبرة:
انّ من أراد أن يرى سيّد البريات صلى الله عليه وآله وسلّم في المنام، فليصلّ ركعتين بعد صلاة العشاء بأيّ سورة أراد، ثمّ يقرأ هذا الدّعاء مائة مرّة: "بسم الله الرحمن الرحيم، يا نور النور، يا مدبّر الأمور، بلّغ منّي روح محمّد وأرواح آل محمّد تحيّة وسلاماً".(36)
والأدعية والصّلوات والأوراد لهذه الحاجة كثيرة، وقد استقصينا اكثرها في الفصل الأول من المجلّد الثاني من كتاب دار السلام (37) وفيه ما تشتهي الأنفس القدسيّة وتقر به عيونهم، والحمد لله وله المنّة والشكر أن وفّق هذا العبد الضعيف العاجز لهذه الخدمة مع تشتت البال، وقد انتهيت منه بمدّة تقرب من ثلاثة أشهر، فالمرجو من عناية الكريم الوهاب الذي لا منتهى لعنايته، والرحمن الذي لا حدّ لرحمته ولا عدّ أن يجعل هذه الهديّة المتواضعة تحضى برضا وليّه صلوات الله عليه ويرضيه عن هذا الجاني ذي الصحيفة السوداء ليكون مسجلا في عداد أصحابه ومواليه وأن لا يكون محروماً في يوم البعث من شفاعته.
* * *
فرغ من تسويده العبد المذنب المسيء حسين بن محمّد تقي بن علي محمّد النوري الطبرسي في الرابع عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وألف (1302) في الناحية المقدّسة سرّ مَنْ رأى حامداً مصليّاً مستغفراً.
وانتهى من ترجمته وتحقيق نصوصه واخراجه وتعريبه ياسين الموسوي غفر الله تعالى له ولوالديه ولأخوته ولجميع المؤمنين والمؤمنات في اليوم التاسع والعشرين من ربيع الأول السنة الخامسة عشرة بعد الأربعمائة والألف (1415) للهجرة النبويّة في مدينة قم المقدّسة عش آل محمّد (صلوات الله عليهم) في دولة الاسلام وحصنه، حماها الله تعالى من عوادي الزمن وأبقاها إلى ظهور بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشّريف، ودفع عنها كيد الكائدين وردّ كيدهم إلى نحورهم بمحمّد وآله الطاهرين، ووفقنا لنصرة هذه الدولة الكريمة الممهّدة والموطئة لظهوره، ورزقنا نصرته "اللهمّ اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابّين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى ارادته والمستشهدين بين يديه".
الهوامش
(1) راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 429 ـ البحار: ج 51، ص 14، ح 14.
(2) التزام الأربعين من طرق السير والسلوك يأخذها العارف طبق شروط ومواصفات مختلفة لطريقة عن طريقة اُخرى، وقد ألّف آية الله العظمى المرحوم السيّد محمّد مهدي بحر العلوم قدّس سره الشريف كتاب السير والسلوك المنسوب إليه على طريقة الأربعين.
(3) سقطت من البحار.
(4) سقطت من البحار.
(5) في الترجمة (من أنصاره وأنصاره...).
(6) في الترجمة (واعمر اللهمّ به بلادك).
(7) في الترجمة (لا يظفر).
(8) راجع البحار: ج 86، ص 61.
(9) راجع الجنة الواقية (الكفعمي): ص 48 ـ 49.
(10) في المصدر المطبوع (وانضجع).
(11) في المصدر المطبوع (الحد).
(12) فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 286.
(13) في الترجمة (وأهل بيته).
(14) مصباح المتهجد (الشيخ الطوسي): ص 108 ـ وعنه البحار (المجلسي): ج 87، ص 177.
(15) لا توجد هذه الجملة أو معناها في المصدر، وانّما هي في فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 286 ـ وفي البحار: ج 76، ص 215 عن السيّد ابن طاووس.
(16) أقول: انّ قول الشيخ رحمه الله: " ومن أراد رؤية ميّت... " فهو واضح في اختصاصه بالميّت سواء كان نبيّاً أو وصيّاً أو من باقي الناس، فحينئذ سوف لا يشمل الأحياء من الائمة عليهم السلام لخروجه تخصصاً.
(17) راجع جنّة المأوى: ص 329 و330 ـ دار السّلام: ج 3، ص 19.
(18) أبو المغرا حميد بن المثنى الصيرفي; قال النجاشي: " حميد بن المثنى أبو المغرا العجلي مولاهم روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام كوفي ثقة ثقة "، وقال الشّيخ الطوسي في الفهرست: " حميد بن المثنى العجلي الكوفي يكنّى أبا المغرا الصيرفي ثقة له أصل ".
وقد وقع الاشتباه في الترجمة حينما سمّاه (أبو المعزا) بالزاي، وكذلك في كتابه (دار السّلام): ج 3، ص 9 ولعلّه من تصحيف النسّاخ والله اعلم.
(19) قال المؤلف رحمه الله: " يعني ـ والله العالم ـ أن يناجي الله تعالى بنا، ويعزم عليه بنا، ويتوسّل إليه بنا أن يرينا ايّاه، ويرى موضعه عندنا.
وقال بعض: انّ المراد بالمناجاة يعني يهتم برؤيتنا، ويحدّث نفسه بنا ورؤيتنا ومحبّتنا، فانّه يراهم".
(20) راجع الاختصاص (الشيخ المفيد): ص 90، الطّبعة المحققة.
(21) راجع تمام الخبر في اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ص 702 ـ 703، الطبعة الحجرية.
(22) راجع فلاح السائل (السيّد ابن طاووس): ص 285 ـ 286.
(23) في الترجمة (في قراءة سورة المزمل).
(24) راجع تفسير البرهان (السيد هاشم البحراني): ج 4، ص 396 ـ المصباح (الكفعمي): ص 459.
(25) في الترجمة (من قرأ سورة القدر).
(26) في الترجمة (عند الزوال).
(27) في الترجمة (مائة مرّة).
(28) راجع المصباح (الكفعمي): ص 460.
(29) راجع جنّة المأوى: ص 330 ـ دار السّلام: ج 3، ص 17.
(30) راجع جنّة المأوى: ص 330 ـ دار السّلام: ج 3، ص 17.
(31) المصباح (الكفعمي): ص 268 ـ 269، الطبعة الحجرية، وفيه " ومن صام ثلاثاً وقرأ سبعاً ونام على ظهره رآك في نومه ".
(32) المصباح (الكفعمي): ص 271، الطبعة الحجرية، وفيه " ومن قرأه عند نومه خمساً رآك يا محمّد في نومه ".
(33) في الترجمة (من قرأ سورة القدر).
(34) المصباح (الكفعمي): ص 460.
(35) المصباح (الكفعمي): ص 48، في الحاشية، الطبعة الحجرية ـ دار السلام: ج 3، ص 10.
(36) راجع جنّة المأوى: ص 331 ـ دار السّلام: ج 3، ص 12.
(37) راجع دار السلام، الطبعة الحديثة: ج 3، ص 2 ـ وما بعدها.
/ 1