بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكمالات الروحية عن طريق اللقاء بالإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف تأليف: السيد حسن الأبطحي ترجمة: إبراهيم رفاعة تالموضوعات 1المقدمة 2خصائص هذا الكتاب 3لماذا أدوّن هذه الوقائع؟ 4حافظ القرآن 5بالسعي الجاد أدركت غايتها 6الخلوص والانقطاع 7أرحم الراحمين 8محبة الإمام (عليه السلام) والفوز بلقائه 9محبة الإمام محبة لله 10المعارف الأصيلة من منبع الولاية 11شكر النعمة 12تلاوة الزيارة الجامعة بمحضر الإمام (عليه السلام) 13في مدينة دمشق 14إمام الزمان (عليه السلام) يغسل الدم 15المحاسبة والمراقبة 16أهمية الاعتكاف 17الغل والثأر للنفس 18خشية الله 19مقام الخلوص 20لقاء الحاج محمد علي الفشندي 21لا أؤذي أحداً 22ليسوا جميعاً من محبّي إمام الزمان (عليه السلام) 23نموذج للتذكير 24قيمة العمل الخالص 25تربية التلاميذ، وخواص العدد (40) 26الشيخ محمد تقي المازندراني يفوز باللقاء 27كل الأهمية.. لأمراض الروحية 28أريد أن أرى الإمام (عليه السلام) في المنام 29النوم على وضوء وطهارة 30سبعة أيام في رفقة إمام الزمان (عليه السلام) 31الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وتشرف الشيخ البافقي 32شاب عاشق يحظى باللقاء 33اللقاء ممكن.. مع توفر المؤهلات 34إدعاء النيابة الخاصة 35سيد عوالم الوجود 36دعاء للفرج والظهور 37اطلب حاجتك من إمام الزمان (عليه السلام) 38كل يوم يصلي الفجر مؤتماً بإمام الزمان (عليه السلام) 39قوا أبنائكم نار البيئة الفاسدة 40وقائع من التشرف بلقاء إمام الزمان (عليه السلام) 41إمام الزمان (عج) في موكب العزاء الحسيني 42إمام الزمان (عليه السلام) يغيث المضطر 43خواص أواخر سورة الحشر ****************** بسم الله الرحمن الرحيم إهداء... إلى سكنة الجزيرة الخضراء... الأبناء الأطهار والأنصار الأوفياء للإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء). مقدمة ما كنت أريد، وما زلت حتى هذه اللحظة، أن أبدأ بكتابة هذا الكتاب – أعني الجزء الثاني من كتاب (اللقاء بإمام الزمان عليه السلام)- على أنه كتاب لبلوغ الكمالات الروحية، لأن أملي قبل البدء بهذه الكتابة (وكما ذكرت في الجزء الأول) أن يقع الظهور الباهر النور الوجود المقدس للامام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء).. فيفوز كل الناس في العالم بلقاء إمام زمانهم. وعندئذٍ.. لا تبقى من حاجة إلى توطين نفسي على المكابدة والمعاناة، كأن احترق عشقاً وشوقاً إلى الامام (عليه السلام)، وأن أبكي واهناً على فراقه، وأن أتشوق إلى سماع حكايات الفائزين بلقياه... وأن أرى فئة من المنكرين الذين يكذبون وقائع اللقاء به، ولا يعرفون مقامه السامي الرفيع. ومنذ أن كتبت كتاب (معراج الروح) وكتاب (المصلح الغيبي) وكتاب (اللقاء بامام الزمان (عليه السلام)، وعرف محبو المولى أني ممن يشتري جمال يوسف فاطمة الزهراء (عليها السلام) بخيط زهيد(1).. يشهد الله أنه قلما يمر يوم لا يلتقي بي فيه شخص أو أشخاص من محبي الإمام (عليه السلام)، فيذكرون لي وقائع من لقاءاتهم بالإمام بقية الله (أروحنا فداه) إما في المنام، أو في المكاشفة، أو في اليقظة.. فيزيدون قلبي المضطرم على فراق هذا العزيز أشجاناً فوق الأشجان. لو كنت في مكاني.. أما كنت تغص بالحسرة؟! أما يهجس في داخلك أن: لماذا أنا محروم من هذا الفيض العظيم؟! لم يكن لي من هذه اللقاءات نصيب؟! و لم لا ينتفع أناس العالم بهذا الوجود المقدس؟! ألا يوجد موضع ما في زواية من هذه الدنيا، بعيداً عن الناس جميعاً.. أسند فيه رأسي على ركبتي من فرط الكرب والأسى، وأظل أبكي وأبكي.. حتى أُسلم الروح؟! آه... ما أشق آلام الفراق، وما أصعب أحتمالها! يا مانعي طيب المنام، ومانحي عطفاً على رمقي، وما أبقيت لي فالوجد باق والوصاف مماطلي إن لم يكن وصلٌ لديك، فعد به فالمطل منك لدي إن عز الوفا يا أهل وُدي أنتم أملي، ومن قل للعذول: أطلت لومي طامعاً دع عنك تعنيفي وذ ُق طعم الهوى بَرٍح الخفاء بحب من لو في الدجى غلب الهوى فأطعت ُ أمر صبابتي لو اسمعوا يعقوب ذكر ملاحةٍ أو لو رآه عائداً أيوب في كل البدور إذا تجلى مقبلاً كملت محاسنُه، فلو أهدى السنا وعلى تفننِ ِ واصفيه بحُسنهِ إن زار يوماً: ياحشأي تقطعي ثوب السقام به، ووجدي المُتلف من جسمي المضنى وقلبي المدنف والصبر فان ٍ واللقاء مُسوفي أملي، وماطل إن وعدت ولا تفي يحلو، كوصلٍ من حبيب ٍ مسعف ناداكم: (يا أهل وُدي) قد كفي إن الملام عن الهوى مُستوقفي فإذا عشقت.. فبعد ذلك عنفِ! سفر اللثام.. لقلت: يا بدر اختف ِ! من حيث فيه عصيتُ نهي معنفي في وجهه.. نسي الجمال اليوسفي سنةِ الكرى، من البلوى شفي! تصبو إليه، وكل قد أهيفِ! للبدر عند تمامه لم يُخسف ِ! يفنى الزمان ُ، وفيه ما لم يُوصفِ كلفاً به، أو سارً: يا عين أذرُفي(2) أما أنت.. يا من تنكر الوجود المقدس للامام (صلوات الله عليه)، أو أنت يا من لست ماكثاً في إنتظاره، أو أنت يا من تتضرر مصلحتك بظهوره.. فاقنع نفسك كما تشاء أنه لن يجيئ، وعد اللقاء به في زمن الغيبة محالاً من المحال. واقبع في إنكارك وجحودك.. فهو أهنأ بالاً لك! السر فيما أنت فيه.. هو أنك لم تفهم معنى (الإنسانية)، ولم تدرك الهدف من وراء الخلقة، ولم تعرف الحقيقة والواقعية، ولا تنشقت عطر المحبة الحقيقية ولا عاينتها.. فرحة ترميها بأنها ضرب من الأساطير! وإني لأعلم أنك حتى لو سمعت عُشر هذه الوقائع (لأنك أوحيت إلى نفسك أن هذه الوقائع ينبغي ألا تحكى) فإنك تراها من هذا الذي لا ينبغي أن يذكر ولا يقال، وتصِِمها بأنها أخبار آحاد لا حُجية لها، وتروح تنكرها.. وتود لو تبقى على عمى قلبك وتظل ماكثاً في الجهل المركب إلى أبد الدهر. من أجل هذا، وبمدد من الإمام (عليه السلام) فقد دونت هذه الوقائع في هذا الكتاب.. لتعلم – إضافة إلى أن لهذه الوقائع تواتراً إجمالياً، وهي مشهودة من الأكثرية القريبة من الاتفاق لشيعة هذا الامام الخُلص – إنك أنت وحد، أيها المُنكِر، الذي لم يصل إلى هذا الفيض الأعظم، ولم ينتفع بوجوده. ولا بأس.. فلربما يحدث أن تهتدي أنت، وتضطر إلى الاعتقاد بهذا الوجود المقدس، فلا تغدو تحول بين الناس وبين الوصول إلى عين الحياة المقدسة هذه. تمت كتابة هذا القسم من الكتاب، في ليلة الخامس عشر من شهر شعبان عام (1404ه) المباركة.. ليلة ولادة الإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء)، مساوقة لوقت نشر القسم الأول من الكتاب (الطبعة الأولى).. عسى أن يكون موضع عناية وقبول. خصائص هذا الكتاب أولاً: لم يكتف في هذا الكتاب برواية حوادث الذين فازوا بلقاء امام الزمان (أرواحنا فداه).. وانما تم – بايجاز – توضيع مراحل السير والسلوك وتزكية النفس ووسائل الارتباط بالامام بقية الله (عليه السلام) ومعرفته والتقرب إلى الله (تعالى)، من خلال الحديث عن وقائع اللقاء، وعلى هذا فإن هذا الكتاب نافع كثيراً – باذن الله (تعالى) – لأولئك الذي يرغبون في تزكية النفس. ثانياً: من الممكن أن يكون قد جرى – لدى نقل وقائع هذا الكتاب – شيء من التصرف والاختصار، أو أن بعضها قد جيئ به على سبيل المثال، فكان السياق الذي ذكرت فيه يقتضي هذا التصرف أو الأختصار.. اللهم إلا في حالة التي ينص فيها على أن الواقعة نذكرها كما هي بدون تصرف أو إختصار. ثالثاً: أخذ بنظر الاعتبار – في هذا الكتاب – أن تكون الموضوعات المطروحة – وهي موضوعات مؤيدة بالقرآن الكريم ومسندة بالأخبار الإسلامية المعتبرة – مما يعين في بلوغ آخر أهداف الانسانية. والأمل أن يكون ما دون في الكتاب موضع رضى أمام العصر (ارواحنا فداه) رابعاً: قصد أن يكون أسلوب كتابة هذا الكتاب أسلوباً سهلاً غير مملّ. فهو يعلم مراحل الكمال الروحي خطوة بعد خطوة ويذكر بوقائع المتشرفين باللقاء. ويثير في النفس حالة من الرغبة والتحرك لبلوغ كمال الروح. ويجعل الروح في حالة من العروج والتحليق. ويلفت اهتمام الانسان إلى العالم العلوي. ويوجد ارتباطاً روحياً بين من يعمل بمضامين الكتاب وبين امام الزمان (عليه السلام) ويتضح هذا كله للقارئ بعد إكماله قراءة الكتاب. خامساً: أغلب الوقائع التي دونت في هذا الكتاب هي من وقائع الذي رأوا الامام (عليه السلام) وعرفوه. ومن النافع أن نذكر هنا هذه الملاحظة، وهي: لماذا يصر بعض الناس على القاول أنه إذا كان يمكن أن يرى الإمام بقية الله (عليه السلام) فانه لا يمكن في وقتها أن يعرف! ولا أدري من أين جاء بعض الناس بهذا القول الجازم المحدث أخيراً.. مما لا يعضده برهان. ذلك أننا كنا قد سمعنا من يقول: ان الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) لا يمكن أن يرى في عصر الغيبة، استناداً إلى التوقيع الذي صدر للنائب الرابع علي بن محمد السمري (رضوان الله عليه) الذي جاء فيه: ان من أدعى الرؤية فهو كذاب. وقد أوضحنا معنى هذا التوقيع الشريف في كتاب (المصلح الغيبي) وفي القسم الأول من كتاب (اللقاء بامام الزمان (عليه السلام)، إذا بان هناك خطأ هذا الذي يفهمه بعضهم من التوقيع.. ولكننا لم نسمع بمن يقول أن الامام (عليه السلام) يمكن أن يرى في عصر الغيبة ولكن لا يمكن أن يتعرف عليه. ترى.. لماذا لا يمكن التعرف عليه؟ وما الدليل الذي يعتمدون عليه في هذا الصدر؟ إذا كان منطلق بعضهم في هذا الرأي هو وقائع لقاء الأشخاص الذين تشرفوا بمشاهدة الامام دون أن يتعرفوا عليه.. فمن الحسن أذن أن يطلعوا على الوقائع التي نص فيها على لقاء طائفة من كبار العلماء بامام الزمان (عليه السلام) وتعرفوا فيها عليه.. من أمثال العلامة الحلي، والسيد أبن طاووس، والمقدس الأردبيلي، والسيد مهدي بحر العلوم، والشيخ مرتضى الأنصاري (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين). ان هذا القول الجازم المذكور قول عجول جداً يفتقد إلى الصواب، ولا يلقى أي قبول من العلماء الذين لهم صلة حب تامة بالمقام المقدس للامام بقية الله (أرواحنا فداه). وفي خاتمة الكلام نورد قائمة بارقام الوقائع التي جاءت في القسم الأول من هذا الكتاب، وتم فيها التعرف على الامام (عليه السلام) خلال اللقاء به، وذلك دفعاً لما يمكن أن يصاب به بعض الكتاب أو بعض العلماء من غفلة في هذا الشأن. أسأل الله (تبارك وتعالى) أن يحفظنا جميعاً من الخطأ ويصوننا من الاشتباه. وهذا هي أرقام الوقائع التي رأى أصحابها امام الزمان (عليه السلام) وتعرفوا خلالها عليه: (1، 3، - 5، 9 – 10، 12، 17 -22، 27 – 49، 52- 57، 60 – 68، 70.. وفي هذا القسم من الكتاب يجد القارئ أن جمعاً كبيراً قد فازوا كذلك بهذا الفيض العظيم). لماذا أدون هذه الوقائع؟ بمودة يسألني أحياناً بعض الأصدقاء: لماذا تكتب وقائع المتشرفين بلقيا الامام ولي العصر (عليه السلام) وتنشرها؟ الذي يبدو لي أن هذا العمل هو أفضل أسلوب لمجابهة من ينكو وجود الامام (عليه السلام)، وخير دليل على أثبات الوجود المقدس للامام، وأجود وسيلة يتوجه بها المرء إلى هذا المقام المقدس. وإلى جوار هذا.. فإنه طالما فاز أشخاص قرأوا هذا اللون من الكتابات بفيوضات عالية، وقفت أنا نفسي على كثير منها، وشهدت كيف حدث لدى قراءة هذه الكتابات أن نال العديد من المصابين بأمراض مستعصية عجر عنها الأطباء ما يبغون من العافية والشفاء..بعد ضراعتهم وتوسلهم إلى الله (تعالى) بامام الزمان (عليه السلام). في المدة الواقعة بين عامي (1351- 1355ه ش) استلفتت نظري هذه المسألة، وهي أني – مع ثلة من الأصدقاء – كنا نذهب أسبوعيا ًإلى المستشفيات ونوزع باليد كراساً يحوي على بضع سطور. الهدف من وراء هذا أني كنتد أن هؤلاء المرضى سوف يستمدون طاقة معنوية – من خلال قراءة هذه الوقائع – ويتماثلون للشفاء. واذا كانت المصلحة في وفاتهم فانهم يموتون عندئذ على ذكر أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليهم جميعاً) وعلى أعتقاد بهم متين.. فيكون لي ولأصدقائي أولئك أجر كبير. وعلى مدار بضع سنين كنت أكتب كراسات بعنوان (رسالة الأمل) وأوزعها في المستشفيات. وبعد مدة وجيزة شاهدت بعيني مئات المصابين بأمراض شتى ممن قرأوا هذه الكراسات وفازوا بالشفاء. ثم جاءوني وهم يقولون أن شفاءهم ما كان بسبب المعالجة الطبية وانما هو منوط بقراءة تلكم الكراسات. في أحد الأيام ذهبت لعيادة شاب مسلول راقد في مستشفى التدرن الرئوي.. كان في وضع صحي سيئ للغاية. وعندما جلست عنده فتح عينيه وقال لي: ادع لي ؛ فالأطباء قد يئسوا من حالتي.. قالوا لي: انك لن تتحسن، وعليك أن تظل تعاني من هذه المرض وتكابد حتى آخر حياتك. قلت له: ما يقوله الأطباء فإنما يقولونه وفق النظرة العلمية. لكني أتيت لك ب (رسالة أمل) فلا تيأس بعدها. اقرأ هذا الكراس تتحسن بإذن الله. وبعد عدة أشهر حدث أن رأيت ذلك الشاب في أحد شوارع مشهد سليماً معافى. لم أعرفه في أول الأمر، لكنه تقدم إلى وسلم علي، وهم أن يقبل يدي ورجلي. قال وهو يبكي: يا سيد.. كنت وسيلة لشفائي. فهمت – على نحو الاجمال – أن هذا الشاب أحد الذين قرأوا في المستشفى إحدى الكراسات، وفاز بوساطتها بالشفاء. قلت له: أيمكن أن تخبرني يا أخي أين كنت قد رأيتك؟ قال: في مستشفى التدرن، عندما قلت لي في ذلك اليوم: لا تيأس، فقد أحضرت لك (رسالة أمل). عندها تذكرت – على حين غرة – ذلك المشهد ؛ فقد كان ذلك الشاب يومها في حالة من المرض بحيث ظلت صورته عالقة بخاطري عدة أيام. على أي حال.. قلت له: حبذا لو ترى لي قصة شفائك من مرضك. قال: إذا لم تكن قد نسيت فان الوقت كان بعد الظهر يوم الخميس لما جئت لعيادتي في المستشفى وأعطيتني كراس (رسالة الأمل). وفي اللحظة نفسها فتحت الكراس وقرأت بعضه. قلت في نفسي: لا ينبغي أن أقرا هذا الكراس الآن، بسبب كثرة الغادين والرائحين، مما لا يسمح لحالة التوجه في القراءة أن تستمر لهذا أجلت قراءته إلى آخر الليل، فرحت أقرأ فيه وأنا أتوسل بالامام بقية الله (ارواحنا فداه) قائلاً له: مولاي.. ما الفرق بيني وبين من ذكر اسمه في هذا الكراس ونال منك سلامته؟! رحب أبكي وأبكي.. حتى أخذني النوم، أو أني وقعت في أغماء رأيت فيه مناماً، لكني نسيته. وفي الصباح استبان لي أن معاناتي المرضية الصعبة التي رأيتني فيها لما عدتني كلها قد انجلت وأني قد عوفيت. الطبيب قال لي: عولجت روحك بقوة الإيمان التي جاءتك على أثر قراءة هذا الكراس، لكني أن نفسي أعتقد أن قوة أخرى موصولة بأهل بيت العصمة (عليهم السلام) هي التي عالجتني. أجل.. لقد حدث كثير من نظائر هذا، خاصة بعد تدويني كتاب (معراج الروح) وكتاب (اللقاء بامام الزمان عليه السلام، بحيث لو أردت ذكرها لغدت كتاباً قائماً بنفسه. من أجل هذا – واستخلاصاً من هذه التجربة التي عاينت فوائدها – بدا لي أن أروي ما يمكن ذكره من هذه القضايا، خاصة ما يرتبط منها بالامام بقية الله (أرواحنا فداه).. لئلا يمسي محبوا الإمام – في الأقل – في حالة يأس أزاء مصاعب الحياة. وفي هذا السياق أذكر حادثة كانت معروفة في قم عن الشيخ محمد تقي الهمداني. ولأن روايات الأصدقاء لهذه الحادثة كانت متفاوته.. فأني أنقلها – بقليل من التصرف- عن كتاب (القصص العجيبة) الذي أورد أصل الحادثة يقول هذا الرجل الجليل: يوم الاثنين الثامن عشر من شهر صفر عام (1397 ه) أصيبت زوجتي بسكتة جزئيّة قعدت بها، وذلك على اثر وفاة ولديها بعد سقوطهما من جبال شميران (فى طهران). و لم تجدها نفعا مراجعاتها الاطبّاء. حتى اذا كانت ليلة الجمعة (22) صفر (اى بعد اربعة ايام على مرض زوجتى).. ذهبت فى الساعة الحادية عشرة الى غرفتى للاستراحة. فعنّ لى ان اتلو قبل الاستراحة آيات من القرآن الكريم، وادعية ليلة الجمعة، واتوسّل بالامام بقيّة اللّه (عليه السلام)، لشفاء زوجتى من دائها.. فلعلّ اللّه (تعالى) ياءذن للامام (عليه السلام) فى إغاثتنا. وسبب توجّهى مباشرة الى الامام (عليه السلام) دون ان اطلب حاجتى من اللّه (تعالى) انّ ابنتى الصغيرة فاطمة كانت قد ارادت قبل مرض زوجتى بشهر تقريبا ان اقرا لها قصص الذين حصلوا على عنايات من الامام بقيّة اللّه (روحى فداه) وشملهم عطفه واحسانه. فوافقت على طلب هذه البنت ذات العشر سنين، فكنت اقرا لها احيانا فى كتاب " النجم الثاقب " للميرزا النورىّ. من اجل هذا خطر لى هذا التساؤل: لماذا لا اتوسل انا كذلك بالامام (عليه السلام) واحظى بمرادى كما فعل مئات الذين لقوا الامام ونالوا مبتغاهم؟! ولهذا - وكما قلت - رحت فى حدود الساعة الحادية عشرة اتوسّل بالامام (عليه السلام) بقلب مغموم وعينين باكيتين.. حتى نمت. وفى الساعة الرابعة بعد منتصف ليلة الجمعة افقت، كما هى العادة، من النوم. عندها لفت انتباهى صوت همهمة ياءتى من الغرفة السفلى التى ترقد فيها مريضتنا. ثمّ اخذ الصوت يقوى شيءا فشيءا ويشتدّ. نزلت الى الغرفة فوجدت ابنتى الكبرى - التى عادة ما تكون غافية فى مثل هذا الوقت - فى حالة عالية من النشاط والسرور. وما ان وقع نظرها علىّ حتى قالت: ابشّرك يا بابا.. شفيت امّى! قلت: ومن شفاها؟! قالت: قبل دقائق أيقظتنا امى (نحن الثلاثة) من النوم بصوت عال و بعجلة واضطراب، وهى تقول: انهضن لتوديع الامام.. انهضن لتوديع الامام. ولانّها فكرت انّ الامام سوف يذهب قبل ان ننهض.. فقد قامت هى نفسها و ذهبت تتبع الامام الى باب الدار، مع انّها لم تستطع ان تتحرك من مكانها منذ اربعة ايّام. ولانى كنت اتولّى رعايتها (و الكلام ما يزال للبنت الكبرى) فقد مضيت خلفها بعد ان أيقظنى صوتها. وعجبت هى - كما عجبت انا - من هذه القدرة التى جاءتها بحيث استطاعت ان تهرول الى هذا المكان! فى هذه اللحظة: ساءلتنى امّى: أانا نائمة ام يقظى؟! قلت لها: ماما.. لقد عافاك. اين كان الامام لمّا كنت تناديننا لنودّع الامام؟ واذن لماذا لم نره نحن ؟! قالت امى: كنت نائمة وانا على حالى لااقوى على پالحركة.. فشاهدت سيّدا شريفا عظيما رفيع الشاءن يرتدى زى اهل العلم. لم يكن شابا يافعا ولا كبير السنّ جدّا. جاء الىّ وقال: قومى، لقد عافاك اللّه. قلت له: لا استطيع القيام. فقال لى بنبرة جادّة: عوفيت.. فقومي. وإزاء هيبة الرجل العظيم (الذي هو يقينا الامام صاحب الزمان (عليه السلام)) قمت. وقال لى الامام: لا تتناولى الدواء بعد الا ن، ولاتبكى. ولما اراد الانصراف ايقظتكنّ لتودّعْنَه، ولكنى اذ وجدتكنّ متثاقلات نهضت بنفسى، وذهبت وراءه حتى باب الدار. المدهش فى الامر انّ المريضة العاجزة عن الحركة قد غدت منذ تلك اللحظة صحيحة سالمة قادرة على القيام والحركة. المريضة التى قد اصاب عينها اليمنى غبش فى الرؤ ية على اثر السكتة.. قد عوفيت على الفور. المريضة التى لم تتناول طعاما على الاطلاق مدة اربعة ايام قد افصحت فى تلك اللحظة عن جوعها وطلبت ان يؤ تى لها بطعام. المريضة التى كان قد ذهب رونق وجهها.. عاد اليها رونقها فى الحال. وأخيرا.. المريضة التي كانت تبكى على الدوام.. قد خرج من قبلها الهمّ والغم منذ امرها الامام الاّ تبكى. وحتى مرض الروماتيزم الذى كان قد حلّ بها قبل خمس سنوات ولم يستطع الاطباء معالجة.. قد شفيت منه ايضا بلطف الامام بقيّة اللّه (عليه السلام). ورويت هذه الحادثة للدكتور (دانشى) احد الاطباء الذين كانوا يعالجونها. قال: ما كان اصابها من السكتة لايمكن معالجته ابدا بالوسائل العاديّة ، فلابدّ انها عوفيت بوسيلة غير عادية. وتقدّما بالشكر ازاء هذه النعمة الكبرى.. اقمنا مجلس عزاء بمناسبة (الايّام الفاطميّة).(3) والحمدلله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله المعصومين، لا سيما امام العصر وناموس الدهر قطب دائرة الامكان.. الحجة ابن الحسن العسكري (صلوات الله عليه). وهنا نلاحظ أن هذا العالم الجليل قد خطر له خاطر التوسل بالامام صاحب الزمان (عليه السلام) ليحظى بمراده، تشبهاً بمئات الذين فازوا بلقاء الامام (عليه السلام).. وما ذاك إلا على أثر قراءته لابنته ذات العشر سنين بعض وقائع التشرف باللقاء، مع أنه بلا شك لم يكن ذا إقبال كامل على هذه الوقائع حين كان يقرأ لابنته. ولهذا توسل بالامام ولي العصر (عليه السلام) فحضر (صلوات الله عليه) إلى دار هذا الرجل ووهبه ما كان أراد. على هذا – وفي اعتقادي – فان أدنى فائدة في مطالعة مثل هذه الكتب أن يصير المرء إلى هذه الفكرة، وهي أن عليه أن يتوسل بقوة الإمام (عليه السلام)، وأن يعتقد بإيمان راسخ أن ولي العصر (عليه السلام) حاضر وناظر. حافظ القرآن: إذا أراد المرء أن يتخلق بأخلاق الامام بقية الله (رواحنا فداه)، فيكون قريباً منه مرتبطاً به، ومستريحاً من شر الشيطان والنفس الأمارة.. فعليه – بلا شك – أن يعنى بتهذيب نفسه ويحافظ على اخلاص نيته، كما قال الشاعر: فان ترد صحبته وحده فانفض يداً من كل شيء سواه وعلى أقل تقدير ينبغي له أن يعمل بما يعلم – خالصاً لوجه الله (تعالى)، فقد جاء في الخبر: (من عمل بما علّمه الله.. علم ما لم يعلم). وصاحب التقوى – في الواقع – هو من يتعلم للعمل، فلا يغفل في هذه المرحلة عن أدنى تكليف.. ويتسم بالدقة في أداء وظائفه. وفي المرحلة اللاحقة عليه أن يخلص دينه لله، فلا يقوم بعمل بدون خلوص في النية. وعندئذ.. يصبح الإنسان موضع عناية من الامام بقية الله (روحي وأرواح العالمين له الفداء). وفي هذا الصدد ثمة واقعة عجيبة.. أرويها للقراء الأعزاء: في سنة (1332 ه ش) كنت حديث العهد بالحوزة العلمية في قم. ولهذا أقمت مدة خمسة عشر يوماً هناك في دار آية الله الشيخ محمد الرازي قبل ترتيب مسألة سكناي. وفي هذه المدة كان في دار الشيخ الرازي ضيف آخر، اسمه: كربلائي محمد كاظم كريمي. في وقتها كانت لي علاقة ما بحركة (فدائيان إسلام)، وبقائدها المرحوم حجة الإسلام سيد مجتبى نواب صفوي – على الخصوص. و قد لاحظت أن المرحوم نواب صفوي والشيخ الرازي يعاملان كربلائي محمد كاظم بكثير من الاحترام.. لا لأنه رجل عالم، ولا لأنه ذو نفوذ ومنزلة، ولا لأنه ثري له شأن. وانما – وهذا الدافع الوحيد- لأنه حظي بأن يصبح موضع عناية من الامام بقية الله (روحي له الفداء)، فوهبه الامام (عليه السلام) ثروة معنوية عظمى. وما ذاك إلا لأن هذا الرجل كان قد عمل بما يعلم من أحكام الإسلام. وهذه الثروة التي فاز بها هي أنه أمسى – في لحظة واحدة – حافظاً القرآن كله عن ظهر قلب. وعلاوة على هذا.. فإن حفظه لم يكن كسائر الحفظ، ذلك أنه (عليه السلام) قد أودع في حافظة هذا الرجل خواص كل آية وكل سورة، ومالها من المزايا. وخلال الخمسة عشر يوماً هذه التي عاشرته فيها.. شهدت منه عدة وقائع، أذكرها هنا للقراء ليعلموا أن هذا الحفظ للقرآن ما كان شيئاً عادياً. فلو أن شخصاً يمتاز بحافظة مرهفة لما استطاع – في مئة سنة – أن يبلغ ما بلغه كربلائي محمد كاظم! وجدير بالذكر هنا أن هذا الرجل كان قليل الحفظ، ضعيف الاستعداد، بسيط.. بحيث أني تعمدت – وبإصرار كثير – خلال الأيام الخمسة عشر أن يحفظ اسمي مع لقبي.. ليكون في حافظته مع مخزونها من القرآن الكريم.. ولكنه لم يستطع ذلك إلا في الأيام الأخيرة، وبعد جهد جهيد. أتمنى لو كنتم قد رأيتموه بقلة حفظه وبساطته وضعف استعداده.. وأذن لرأيتم كم هي معجزة عجيبة مسألة حفظه القرآن. على أنه لم يكن قد حفظ القرآن على النمط المألوف، فالحوادث التي سيأتي ذكرها – والتي حدثت بحضور العلماء والمراجع – تدل على أن هذا الحفظ لم يتحقق على نحو عادي أبداً. وأضرب مثلاً على ذلك.. ما فعله يوماً المرحوم حجة الاسلام سيد عبد الحسين الواحدي (أحد كبار حركة فدائيان اسلام) فأنه جهد خلال أيام أن يختار من بضع سور قرآنية كلمات متفرقة، جعلها في سياق واحد وكأنها آية متكاملة وعندما قرأ جمعه أمام بعض العلماء لم يشك أحد في أنه كان يقرأ شيئاً من القرآن. ولكن (كربلائي محمد كاظم) كان الوحيد الذي اعترض عليه قائلاً: هذه الكلمة من السورة الفلانية، وتلك من السورة الفلانية الأخرى.. حتى شخص حوالي عشرين كلمة، ونسب كلاً منها إلى مواضعها من سورها المحددة.. وكان يتلو ما قبل كل كلمة وما بعدها من عبارات السورة المحددة.. وكان يتلو ما قبل كل كلمة وما بعدها من عبارات السورة. وقال له أيضاً: وأضفت حرف (الواو) من عندك عدة مرات لتصل بين الكلمات، من أجل أن تختبرني! حذ هذا بمحضر طائفة من العلماء الذين راقهم ما رأوه من كربلائي كاظم واستحسنوه، حتى أن أحد كبار العلماء نهض من مكانه وقبل يده. الهوامش (1) من المتعارف في إيران أن ينادى الشخص بلقبه بدل أسمه، فيقال مثلاُ: السيد احمدي ولا يوردون إلا نادراً اسم الشخص، كأن يقال: السيد حسين أحمدي. (2) وردت أبيات الشعر، في الاصل، لحافظ الشيرازي، وقد جعلنا بدلها أبياتاً لابن الفارض، لشدة التشابه بين المقطوعتين في المعنى والروح العرفاني والرمز الغزلي.- (المترجم). (3) أي ذكرى أيام رحيل الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) – (المترجم). ****************** في أحد تلك الأيام أردت أن اعرّفه لرجل، فقلت لهذا الرجل: أنه يحفظ القرآن كله.. كما نحفظ نحن سورة (الفاتحة). فالتفت إلى كربلائي كاظم قائلاً: أتعني أنك تحفظ سورة (الفاتحة) حفظاً جيداً؟! قلت: بلا شك ؛ فأنا أقرؤها في الفرائض كل يوم عشر مرات في الأقل. فقال لي: أذن.. ما هي الكلمة التي تتوسط سورة (الفاتحة)؟ أردت أن احسب الكلمات لأتعرف على وسط السورة لكنه ابتدرني قائلاً: كلا، قل هكذا.. بدون أن تحسب. قلت: لا أدري. فقال: الكلمة التي في وسط سورة (الحمد) هي كلمة ((نستعين)) قبلها اثنتا عشرة كلمة، وبعدها اثنتنا عشرة كلمة. وهي واقعة بين هذه الأثنتي عشرة وبين هذه الأخرى. ومن خلال اختبارات عديدة.. عرفت أنه يعرف كلمات القرآن كلها على هذه الشاكلة. ومتى ما سألته عن موقع الكلمة الفلانية في ترتيب كلمات القرآن.. فانه يجيب على الفور وبدون أدنى تأخير، كأن يقول: هذه الكلمة الألف ومئة واحدى وعشرين في ترتيب كلمات القرآن. وكذا كان شأنه في معرفة تسلسل الآيات. وحتى إذا اردت معرفة عدد الحروف، أو مرات تكرر لفظة ما في القرآن... فأنه يجيبك بلا تردد. قلت له يوماً: ان (فلاناً) عليه دين كثير، وقد طلب مني أن أدعو له بأداء دينه..فإذا كان لديك شيء يفيده في هذا المعنى فقل لي، أوصله إليه. قال: أنا لا أعرف شيئاً غير القرآن. فإذا رغبت فإني أعطيه من القرآن ما يفيده في أداء قرضه.. بشرط ألا تخبر أحداً غيره، و ألا يخبر هو شخصاً آخر، وألا فانه يفقد أثره. أجبته إلى ما اشترط، فقال: قل له يقرأ هذه الأية الشريفة كذا عدد.. لمدة عشرة أيام، وهي قوله (تعالى): ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه أن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا. أخبرت الرجل بما ذكره كربلائي كاظم، فعمل به، وفي اليوم العاشر استطاع سداد القرض الذي عليه – وقد كان مبلغاً كبيراً، لا يدري كيف يفي به. احدى خصائصه التي حيرت الجميع – وربما كانت أكثر شيء امتحن به واختبر – هي أنك إذا وضعت في يده أية نسخة من المصحف الشريف.. حتى لو كانت نسخة خطية عائدة إلى شخص بعينه، ثم طلبت منه أن يستخرج آية معينة.. فانه – وبدون أن يقلب أوراق المصحف – يفتح المصحف لتجد الآية المقصودة في إحدى الصفحتين اللتحن ظهرتا عند فتح المصحف، فيشير أمامك إلى الآيظ ببنانه. وأعجب من هذا أنه إذا أعطي كتاباً عربياً، مثل (المكاسب) أو (شرح اللمعة الدمشقية) – وفيهما آيات قليلة جداً ولم تكتب بحروف متميزة – ثم طلب إليه أن يميز الآيات الموجودة على الصفحات.. فانه يدلك – من فوره – على تلكم الآيات، حتى لو كانت قصيرة، قائلاً: هذه العبارة من الآية الفلانية في السورة الفلانية. في أحد الأيام..كنت أقرا في كتاب عربي، فأشار إلى كلمة في السطور، وقال: هذه الكلمة من القرآن. خلت – في البدء – أنه غير قادر على أن يحدد كون هذه الكلمة العربية من القرآن، أم انها كلمة عربية من غير القرآن. وعلى سبيل المثال.. فإن كلمة (كفروا) قد تكون قرآنية أو لا تكون كذلك. ولكني وجدت – وأدهشني هذا – أن الكتاب المشار إليه كان يتحدث عن هذه الكلمة من القرآن.. من الوجهة اللغوية. عندئذ سألته: كيف تعلم هذا؟ فأجاب: حين أفتح كتاباً يحتوي على آيات قرآنية.. فإن الكلمات والآيات القرآنية تتلألأ أما عيني نوراً، فأشير إليها باصبعي مباشرة. كان يختم القرآن الكريم مرة في كل يوم وليلة. أي أنه كان يقرأ كل جزء من القرآن في خمس عشرة دقيقة. وأغرب من هذا أنه كان بوسعه أن يقرأ آيات و القرآن وسوره من الآخر إلى البدء.. بنفس هذه السرعة. ولإدراك أهمية هذه المسألة، جرب أن تقرأ سورة (التوحيد) من آخرها إلى بدئها.. (أحد كفواً له يكن ولم يولد ولم يلد لم الصمد الله احد الله هو قل)! أن إيراد هذه الوقائع التي كانت شاهداً لها، كما شهدها مئات العلماء – ومنهم مراجع كبار كالمرحوم آية الله العظمى البروجردي، وآية الله العظمى السيد محسن الحكيم – لربما يرسم ملامح صورة ما عن حالة حافظ القرآن: كربلائي محمد كاظم. ومع هذا كله ف (ليس الخبر كالمعاينة)، وما راءٍ كمن سمعا)! وعلى أي حال.. فلو كان قدر لك أن ترى هذا الرجل عن قرب لأيقنت أن حفظه القرآن الكريم لم يكن من الطور المألوف في حفظ الحفاظ. ولربما كنت قد استعنت به – كما استعان المرحوم آية الله العظمى البروجردي – لتصحيح بعض القراءات القرآنية المدونة بها المصحف. وأدنى ما يستفيده المرء من معاشرة هذا الرجل أن تتأكد لك – لدى معاينة هذه المعجزة العجيبة – عظمة فعل الله (جل جلاله)، وعظمة دينه الحق وقرآنه المجيد. أجل.. أن لهذه الحالة ينبوعاً صدرت منه.. فما هو هذا الينبوع؟ روى لي المرحوم كربلائي محمد كاظم أصل الواقعة التي جرت له، فقال: في أيام المحرم... قدِم إلى قريتنا (ساروق) الواقعة في ضواحي مدينة (أراك) واعظ للارشاد، كان يرتقي المنبر في الليل للموعظة والتبليغ. أيامها كنت شاباً أجد في داخلي رغبة لتعلم المعارف والأحكام الإسلامية.. فكنت أقصد مجلس لأستمع إليه. وفي أحد الليالي.. تحدث عن مسألة (الخًُمس) و(الزكاة). وكان فيما قال: لو أن أحداً لا يدفع ما عليه من الخُمس.. فإن صلاته غير صحيحة ؛ ذلك لأن خمس المال غير المخمّس أنما هو للسادة ولامام الزمان (عليه السلام). ومن الجائز أن تكون ثيابك التي ترتديها، ودارك التي تسكنها.. قد اشتريتها بأموال غير مخمّسة. أي: قد اشتريتها بأموال خُمسها يخص السادة وامام الزمان (عليه السلام).. فتكون – بهذا – قد تصرّفت بها غاصباً لها. وظل هذا الواعظ يتحدث تلك الليلة عن أمور من هذا القبيل. وكنت قبلها قد عزمت – بيني وبين نفسي – أن أعمل بكل ما أتعرف عليه من أحكام الدين وأتعلمه. من حينها شرعت أتساءل عن واقع أموال مالك الأراضي التي نعمل فيها في قريتنا. وبعد تتبع يسير علمت أنه لا يدفع ما عليه من الخمس والزكاة. في البداية ذكرته بهذه المسألة فلم يعرني أذناً صاغية. فكان أن قرّرت ألا أظل في القرية، ولا أعمل لحساب مالك الأراضي، وأن أوّلي وجهي إلى مكان آخر. ولم يوافق أهلي وأقاربي – وخاصة أبي – على هذا القرار. ولكني لم أذعن لأحد ؛ خشية من الله. وفي احدى الليالي خرجت فارّاً من القرية في الظلام. وفي قرية مجاورة.. اشتغلت – تمشية لأمور المعيشة – عاملاً وحطاباً.. لمدة ثلاث سنوات تقريباً..و حدث في أحد الأيام أن عرف مالك الأراضي المذكور مكان عملي الجديد.. فأرسل إلى من يخبرني بأنه قد تاب إلى الله، وأنه بدأ يدفع ما هو مستحق عليه من الخمس والزكاة. وأوصى لي: أنه يود لو أعود إلى القرية لأكون إلى جوار أبي. عندها رضيت أن أعود إلى القرية. وهناك أعطاني المالك قطعة أرض، رحت أزرعها وأعمل فيها نصف نهار كل يوم. أما غلة الزرع.. فكنت أقسم نصفها بين فقراء القرية، وأعمد إلى إعانة كثير من المحتاجين والمعوزين.. وأود لو أكون دائماً في عون ذوي الفاقة والمحرومين. كان يوماً صائفاً ذلك اليوم الذي خرجت فيه إلى المزرعة، لأفصل التبن عن حب القمح. كنت أنتظر هبوب ريح مواتية، لأقوم بالتذرية. أنتظرت طويلاً.. ولكن ما ثمة نسمة هواء. لقد كان الجو ساكناً تماماً. عندها قفلت راجعاً إلى القرية وفي الطريق لقيني أحد فقراء القرية فقال لي: هذه السنة ما أعطيتني شيئاً من محصولك.. أنسيتني؟! قلت: كلا – لا قدر الله.. أنا لا أنسى الفقراء. ولكني لم أجمع المحصول حتى الآن. وأطمئنّ إلى أن حقك محفوظ. سر الرجل، ومضى تلقاء القرية.. بيد أن قلبي لم يقر له قرار، فعدت من فوري إلى المزرعة، وجمعت – بعناء كثير – مقداراً من القمح، وحملته لهذا الرجل الفقير.. كما حملت معي كمية من العلف لأغنامي. كان الوقت على مشارف العصر لما حملت القمح والعلف، وسرت نحو القرية. وقبل أن أبلغ القرية وصلت إلى مزار أحد أبناء الأئمة. وهو المزار المعروف باسم – الأثنين والسبعين شخصاً – وقد دفن فيه أثنان من أبناء الأئمة (عليهم السلام) هما: جعفر وصالح. وجانب من هذا المزار يقال له: (الأربعون فتاة). جلست للاستراحة عند عتبة المزار، ووضعت القمح والعلف جانباً.. ورحت أنظر إلى المدى البعيد. في ذلك الوقت لفت نظري رجلان شابان يتقدمات صوبي. أحدهما ذو قامة ممشوقة رائعة وله هيبة عجيبة وجلال. كانا يرتديان ثياباً عربية.. وقد أعتمر كل منهما عمامة خضراء. ثم لما وصلا إلى – ولم أكن قد رأيتهما من قبل – ناداني الرجل الجميل المهيب باسمي، قائلاً: كربلائي كاظم.. تعال نذهب لنقرأ (الفاتحة) لابن الامام هذا. قلت له: يا سيد.. ذهبت إلى زيارته قبل قليل. وعلىّ أن أعود الآن، لأوصل العلف إلى الدار. قال: حسناً جداً.. ضع هذا العلف إلى جوار الحائط، وتعال معنا نقرأ (الفاتحة). طاوعته ومضيت إلى جهة السيد الثاني.. وتبعتها فدخلت المزار. في ذلك الوقت وجدتهما يقرءان شيئاً لم أتبينه. فبقيت واقفاً بمحاذاة الضريح صامتاً. لكني فوجئت إذ وقع نظري على كتيبة رأيتها في أطراف السقف. كانت ثمة كلمات من نور! التفت إليّ الرجل الجليل المهيب وقال: كربلائي كاظم.. ما بالك لا تقرأ؟ قلت: يا سيد.. أنا لم أذهب إلى الملا.(1) لا أعرف القراءة والكتابة. فقال: ولكن عليك أن تقرأ. ثم دنا مني، ووضع يده على صدري وضغط عليه بقوّة وقال: اقرأ الآن. قلت: ماذا أقرأ فقال: أقرأ هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم. إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرض يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين). قرأت بقراءة هذا الرجل، وقرأت بقرأءته أيضاً بعدها أ ٌخر. وكان ما يزال واضعاً يده على صدري.. حتى بلغت آخر الآية التاسعة والخمسين، حيث تختتم بهذه العبارة: (أني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم).(2) عندها أردت أن أقول لهذا الرجل شيئاً، فحولت وجهي إليه.. لكني لم أجد أحداً، ولم أر أثراً لهذا الرجل الذي كان واضعاً يده على صدري إلى آخر لحظة. أما الكتيبة التي كانت في السقف.. فقد توارت كذلك. لحظتها.. داخلني هول عجيب، لم اشعر بعده بما جرى. إذ وقعت على الأرض فاقد الوعي. كان الوقت مقارباً لطلوع الفجر لمّا أفقت. الفضاء ما يزال في ظلمته. لقد أنسيت تماماً ما كان حدث لي أمس. بقيت عدة دقائق كمن يستيقظ من النوم ولا يدري أين هو! تطلعت حولي، وأنا أحسّ بتعب شديد في بدني. وحين فطنت إلى أني كنت نائماً عند المزار أخذت أعنف نفسي وأوبخها: أما وراءك شغل وعمل؟! ماذا تصنع هنا؟! ومهما يكن.. فقد نهضت وخرجت من المزار. ثم حملت العلف على كتفي. وفي الطريق تنبهت إلى أني أعرف كلمات عربية كثيرة. وعلى حين غرة تذكرت ما حدث لي أمس، وكيف كنت مع ذلك السيد الجليل المهيب.. فتملكني – مرة أخرى – فزع ورعب. ولكني مضيت هذه المرة حتى أنتهيت إلى البيت. وفي البيت طفق أهلي يعنفوني قائلين: أين كنت من أمس إلى الآن؟! أين كنت في الليل؟! ولكني لم أنطق بحرف، ووضعت العلف أمام الأغنام. وحين طرّ الصباح حملت القمح إلى دار ذلك الرجل الفقير وسلمته أياه. ثم خففت مباشرة إلى إمام جماعة القرية الشيخ صابر الأراكي، وقصصت عليه ما جرى لي من أوله إلى آخره. فقال لي امام الجماعة:اقرأ ما تعرف، فقرأت. فقال: هذه آيات قرآنية! وظل يختبر حفظي ساعات، فكنت أجيب عن كل ما أراد. بعدها بدأ خبري يذيع شيئاً فشيئاً بين أهل القرية، وأنا عاكف على عملي في الزراعة وتدبير شؤون المزرعة.. حتى كان يوم ذهبت فيه إلى قرية (شهاب) الواقعة قرب (ملاير) لانجاز عمل لي هناك. وفي قرية (شهاب أبلغ أهاليها بخبري السيد اسماعيل العلوي البروجردي الذي كان من علماء (ملاير).. فجاء السيد اسماعيل لرؤيتي، واصطحبني – بعد الحاح منه والحاف – إلى (ملاير). وهناك حكى قضيتي بمحضر عدد شخصيات (ملاير)، فكانوا يختبروني في حفظ القرآن، وقد تملكهم العجب. ثم كان رأي علماء (ملاير) أن يشيعوا خبري في إيران كلها، ليرى الناس كيف يمنّ الامام صاحب الزمان (عليه السلام) على رجل أدّى واجباته بإخلاص. عرفوني- أول ما عرفوني – على آية الله العظمي السيد البروجردي.. فكان يمتحن حفظي مرات ومرات، حتى أطمأن إلى أن امام العصر (عليه السلام) قد جاد على حقاً بلطفه ومنته. وقابلت رجال الحوزة العلمية وكافة علماء قم الكبار، فأقرّوا بهذه الحقيقة. ثم أخذني عدة من التجار (وقد نسيت أسماءهم) إلى النجف الأشرف وكربلاء المقدسة بهدف لقاء علمائها.. وصحبني في سفري هذه عدة أشخاص. وفي النجف وكربلاء التقيت بالعلماء والمراجع هناك. ولا يحضرني الآن من أسمائهم غير اسم آية الله العظمى السيد الميلاني – الذي كان آنذاك في كربلاء.. وغير أسم آية الله العظمى السيد الحكيم في النجف، فعاملوني بكثير من المودة. وكلهم قد أقر باعجاز الامام وليّ الأمر (أرواحنا فداه) ولمّا عدت إلى إيران.. أهتمّت بي جماعة (فدائيان إسلام) وها أنا ما أزال في قم أتحدث إليك. هذا هو مختصر قضيتي. حكى لي كربلائي كاظم هذا كله.. فشكرت له ذلك. وكنت قد دونت قضيته إلى هذا الحد. وقد وفقت اليوم لأرويها للقراء الأعزاء. وفي الختام، أرى من المفيد أن أثبت بعض الملاحظات: الأولى: في يوم تاسوعاء عام (1378ه) توفى كربلائي محمد كاظم كريمي الساروقي الفراهاني الأراكي حافظ القرآن الكريم.. عن عمر يناهز الثامنة والسبعين، في مدينة قم، ووُوري جثمانه الثرى في (مقبرة قم الجديدة) – رحمه الله. الثانية: كتب المرحوم آية الله العظمى السيد الميلاني – بعد لقائه بالمرحوم كربلائي محمد كاظم – هذه الشهادة بخط يده.. ونصّها: بسمه جلت أسماؤه التقيت به (كربلائي محمد كاظم) في جلسات عديدة في النجف الأشرف وفي كربلاء.. بحضور جمع من أهل العلم، وعدد من سائر الطبقات وقد اختبرته بطرق مختلفة وبأساليب متعددة وحقاً.. فإن إطلاعه على آيات القرآن المجيد وكلماته أمر على خلاف المألوف، وهو موهبة إلهية. ومن يعاشره وقتاً قصيراً ويطلع على أحواله في مراحله العادية، وعلى مستوى حافظته في سائر الأمور (غير القرآن الكريم).. يدرك تماماً ويلمس بوجدانه أن اقتداره في معرفة جميع خصوصيات القرآن المجيد كرامة استثنائية. ويمكن القول: لو تصورنا حافظة قوية – بأي مستوى من القوة نتصوره – فإنها لا تقف أمام هذه الأنواع من الامتحانات والاختبارات التي أجريت معه، من وجوه كثيرة وهو (سبحانه وتعالى) يهب ما يشاء لمن يشاء، وله الحمد. الأحقر محمد هادي الحسيني الميلاني الثالثة: لقد علم المرحوم كربلائي محمد كاظم قراءة القرآن على نحو صحيح. ومن أجل هذا كان كبار العلماء – مثل آية الله العظمى البروجردي – يسأله عن بعض اختلاف القراء. وقد طلبت منه أن يقرأ لي الآية (129) من سورة الصافات.. فقرأ الآية على طبق قراءة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)؛ إذ قرأ: (سلام على آل ياسين) في حين تقرأ خطأ في الغالب:سلام على إل ياسين. الرابعة: عندما كان كربلائي محمد كاظم يروي للعلماء ما وقع له لم يكن يذكر لعامة الناس من هو ذلكم السيد الذي لقيه عند المزار. وكان يكتفي بالقول: أنه التقى برجلين. وقد وقع في ظن طائفة من الناس أن الرجلين هما الأثنان من أبناء الأئمة المدفونين هناك. بيد أن الأمر – من خلال دلائل عديدة – لم يكن كذلك. فالمؤكد الذي لا ريب فيه أن أحد الرجلين – وهو الذي تكلم مع كربلائي محمد كاظم، ووضع يده على صدره – كان الامام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء). ذلك أن الرجلين قد ذهبا لزيارة المزارين لقراءة الفاتحة. ولا معنى أن يزور صاحباً المزارين قبريهما، ويقرءا (الفاتحة) على روحيهما. يضاف إلى هذا أن معجزة على هذه الشاكلة وبهذه الخصوصيات لا تقع – وفي لحظة واحدة – إلى من ولي الله الاعظم صاحب الولاية التكوينية على العوالم. وأهم من ذلك كله.. أن المرحوم كربلائي محمد كاظم نفسه كان يصرح – أحياناً- أن ذلكم الرجل المهيب الجليل كان الامام ولي العصر (عليه السلام). بالسعى الجادّ.. ادركتْ غايتها: عادة ما تكون النساء - اذا سلكن سبيل الكمال الروحى بجدّ - اكثر توفقا من الرجال فى الفوز بانكشاف الحجب الظلمانيّة والنوريّة. ذلك انّ النساء ارهف عاطفة واوفر رحمة واشدّ حياء وارقّ قلبا. وهنّ اكثر استعدادا لخروج حبّ الدنيا من قلوبهنّ ممّا لدى الرجال. وهناك دلائل على هذا يطول بيانها. واكتفى هنا بالاشارة الى واقعة واحدة كنموذج. امراة من (آذربيجان) كانت قد قرات كتاب (معراج الروح).. اتّصلت بى يوما عن طريق الهاتف، قائلة انها تريد ان تلتقى بى ؛ لانّ لديها اسئلة حول كتاب (معراج الروح) قلت: لامانع. اذا جئت الى مشهد فيمكنك ان تساءلى عمّا بدا لك. لم تمرّ بضعة ايّام حتى جاءت الى دارنا، و ناولتنى ورقة كانت قد سجّلت عليها ما تريد من اسئلة، وقالت: هذه المسائل التى اريد السؤال عنها. عندما نظرت الى الورقة وجدت انّ اجابات هذه المسائل مدوّنة فى كتاب (المصلح الغيبى) وكتاب (اجابتنا). اعطيتها الكتابين وقلت: اجابة اسئلتك فى هذين الكتابين، فاقرئيهما. واذا بقيت لديك اسئلة اخرى فسأجيب عنها باذن اللّه. اخذت الكتابين وانصرفت. وفى اليوم التالى عادت وقالت انها قراتهما، ووجدت فيها الاجابة عمّا تريد. واضافت: ولكنى لا أدرى ماذا ينبغى ان افعل لاوفق لتزكية النفس وازالة الحجب الظلمانية و النورانية. عندئذ طلبت منها ان تحكى لى عن اوضاعها، فرَوَتْ لى طرفا من سيرتها. ويؤ سفنى القول انى فهمت عن هذه المراة انّها قلّما تركت ذنبا لم ترتكبه، وقلّما كانت ثمّة صفة سيئة لم تتّصف بها. لاتظنوا انها باحت لى بذنوبها ؛ لانّ بوح الانسان بمعاصيه معصية اخرى.. بيد انّى فهمت - من خلال كلامها - انّها كانت كذلك. وها هى ذى قد نهضت من كبوتها، وبدات روحها تتطّلع الى الاعالي. بادئ ذي بدء ينبغى لها ان تسلك طريق التوبة. هذا ما يقرّره المنهج المألوف فى السير والسلوك الى اللّه (تعالى) بعد اليقظة والإفاقة. اوضحت لها منهج التوبة، وذكرت لها العلامات التى يفهم منها التائب انّ توبته قد قبلت،(3) وقلت لها: اجلسى الليلة وحدك فى غرفة منفردة، و انت مكشوفة الراس، واعلنى بين يدى اللّه اسفك وندمك، وتضرّعى بتوسل و بكاء، واعتذرى الى اللّه (جلّ جلاله) بعبارات الاستغفار، وذكر (اليونسيّة)(4) حتى تبدو لك تلك العلامات. واذا بدت لك علامات قبول التوبة فانّ سائر مراحل السّير السلوك تمسى هيّنة امامك. ذهب هذه المراة، ويبدو انها عكفت منذ تلك الليلة على تنفيذ هذا البرنامج، وتضرّعت بين يدى اللّه (تبارك وتعالى) مئات المرّات بعبارة: (استغفر اللّه وأتوب إليه)، ومئات المرّات بـ " لااله الاّ انت سبحانك انّى كنت من الظالمين "، مع توجّه الى معناهما الخاصّ الذى كنت قد ذكرته لها. كانت تبكى وتتضرّع بين يدى اللّه كثيرا، ملتزمة التزاما وثيقا بشروط التوبة. بعدئذ ذكرت هى: فى وقت السّحر - وقد تعبت عينى، فكانت تؤ لمنى كثيرا بحيث احسست فيها بلذعة تمنعنى من اطباق جفنىّ - وجدت فجاءة تلك العلامات التى ذكرتها لقبول التوبة، وقد صارت توبتى إنشاء اللّه توبة نصوحا. وانا بانتظار ان تدلّنى على المراحل الاخرى للسير والسلوك. قلت لها: منذ الآن عليك بالمراقبة بأن لا تعودي الى المعاصي القديمة، وحاسبى كلّ ليلة نفسك. واذا كنت قد عملت معصيه - لاسمح اللّه - فعليك ان تتلافيها على الفور. الى جانب هذا.. عليك منذ اليوم - وانت تريدين المسير تلقاء الحقائق والمعنويّات - ان تحددّى هدفك، وان تعدّى عدّة السير. قالت: قل لي إذَنْ ماذا ينبغى ان يكون الهدف؟ قلت: افضل هدف وخير غاية هو ان تبلغى الكمالات الروحية، اى ان تنسلخى من الرذائل، و تتلبسى بالخصال الانسانية الحسنة. وخلاصتها انّ قلبك ينبغى ان يغدو نقيا كالمرآة.. حتى تنعكس فيه صفات " الانسان الكامل ".. الذى هو الامام بقيّة اللّه (ارواحنا فداه) مرآة كلّ المظاهر الالهيّة، وحتى تغدو روحك مبرّاة من كلّ سوء. وهذا هو هدفنا الذى علينا جميعا ان نسلك الطريق اليه. اما الوسائل القادرة على البلوغ بنا الى هذا الهدف فهى الرياضات الشرعية المستمدّة من اهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السّلام)، فبدون مددهم لا يتمّ شيء. والخلاصة انى شرحت لها خلال اقامتها فى مشهد تلك الايام القليلة مراحل السير والسلوك، منذ " اليقظة و الافاقة " الى " الخلوص ". وكانت هى تدوّن ما تسمعه من تعليمات فى دفتر كان بيدها. ثم حملته معها الى مدينتها. ورغم التزاماتها المنزلية والاسريّة فانها انجزت خلال سنة واحدة ماينجزه آخرون خلال سنوات.. حتى بلغت مقام " الاخلاص " ثم " الخلوص " وغدت ذات روح طاهرة تشاهد العوالم الاخرى الكامنة وراء هذا العالم. وحدث لها ان ارتبطت ارتباطا روحيّا كاملا بالامام ولىّ العصر (ارواحنا فداه). وخلاصتها انها قد وصلت - خلال مدّتها هذه - الى مقام الانقطاع التامّ عن غير الحقّ، والى الاتّصال بالحقّ جلّ وعلا. انّ المسألة هى كما تعلم - وكما لوحظ كثيرا - تشبه حالة المريض او الشخص الذى يعيش " حالة اضطرار "، فينقطع نظره عن الوسائل الظاهرية - ولو لحظة - و يتّصل بمركز القدرة الالهيّة - اعنى امام الزمان (عليه السلام) - فانه يشفى فى اللحظة من مرضه الذى لاشفاء له او يزال اضطراره. انّ الشخص البالغ مقام الخلوص والانقطاع والواصل الى مقصوده تغدو كلّ اوقات عمره تماما مثل تلك اللحظة التى فاز بها المريض وحدثت له فيها المعجزة. معنى هذا انّه اذا اراد.. فانّه يتقلّب دائما فى معجزات وينال كلّ ما يشاء، ويكون كما فى الحديث القدسيّ الذي يقول اللّه (عزّ وجلّ) فيه: (عبدى أطعني تكن مثلى تقول للشيء كن.. فيكون، و تقول للشيء لا تكن.. فلا يكون) سوف تغدو أنت كذلك من هذا النمط. الهوامش (1) الملا: أي معلّم الصّبيان ويراد به في الاصطلاح: المكتب الذي كان الأولاد والبنات في الأجيال الماضية يتعلمون فيه مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم. (المترجم) (2) سورة الأعراف: 54. (3) ورد تفصيل مسألة التوبة وعلائم القبول في كتاب (سير إلى الله) للمؤلف. (4) أي عبارة (لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين) المترجم ****************** وفى الحديث الا خر: (ما يزال العبد يتقرّب الىّ بالنوافل حتّى احبّه، فاذا احببته كنت عينه التى يبصر بها واذنه التى يسمع بها ولسانه الذى ينطق به). اجل، ما اكثر قدرات الانسان على بلوغ الكمالات الروحيّة! ولكن ما اشدّ غفلته فى الوقت نفسه! وما اكثر ما يقع فى حبائل الشيطان الذى اقسم ان يغويه و يُرْديه! الخلوص والأنقطاع: كثيراً ما أسئل: ماذا نصنع لنكون مؤهلين لرؤية امام الزمان (عليه السلام)؟ وكثيراً ما أجبت عن هذا السؤال بأن لقاء الامام (عليه السلام) يغدو ميسراً عن طريق حصول التناسب والتماثل الروحي بيننا وبينه (صلوات الله عليه). واذا لم تحدث هذه المناسبة الروحية والمماثلة الباطنية فإن فرص الفوز بهذا اللقاء تغدو نادرة قليلة. ومن الممكن في بعض الأوقات – وعلى أثر إصابة المرء ببلاء معضل – أن تتوفر حالة من الانقطاع التام، يكتسب المرء معها – على نحو مؤقت – هذه المماثلة، فيفلح بلقيا الامام (عليه السلام). وغالباً ما يكون الظفر باللقاء _ في أوقات الشدائد – من هذا النوع. يقول الله (تبارك وتعالى) في القرآن الحكيم: (فإذا ركبو في الفلك دعو الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون). إن الإنسان العاقل اللبيب هو من يقبل على الله (جل وعلا) في كل حالاته، فيعبده بخلوص تام.. مثله مثل الغريق الذي تقطعت عن كل الأسباب المادية، فلا ينجيه إلا الله (عز وجل). وقد ورد في الدعاء: اللهم أقطعني عمن سواك.. حتى لا أرجو ولا أخاف إلا إياك. وفي هذا السياق أنقل هنا واقعة فيها حالة من الانقطاع المؤقت لأبوين، وفيها إقبال دائم من رجل آخر: هذه الواقعة يرويها المروحة آية الله السيد عبد الحسين دستغيب في كتابه (القصص العجيبة). وقد سمعتها أيضاً من بعض الرجال الأخيار في شيراز. يقول مؤلف هذا الكتاب: كان في شيراز رجل يشهد له الكثيرون بالتقوى والإخلاص وبمقام (اليقين) أنه كربلائي عباس علي.. الذي يعرف باسم (حاج مؤمن) صاحب الكرامات والمكاشفات الكثيرة. وقد كانت صلته بمؤلف الكتاب صلة وثيقة قديمة دامت ثلاثين عاماً. وهو – لهذا مطمئن كل الإطمئنان إلى إخلاصه وصفاء سريرته. وقد حدث في أيام الحكم الملكي في إيران أن ضبط أفراد الشرطة السرية عدة قطع من السلاح كانت بحوزة ابن خال حاج مؤمن. واستبان انه كان من الشبان الثوريين.. فصدر عليه حكم بالاعدام. ولما سمع والداه بحكم الإعدام هذا.. قصدا – وهما في غاية القلق والاضطراب – المرحوم حاج مؤمن، وطلبا منه أن يدعو لخلاص ولدهما. قال لهما المرحوم حاج مؤمن: لا تيأسا من رحمة الله. إن كل شؤون الكائنات بيد الامام بقية الله (روحي وارواح العالمين لتراب مقدم الفداء).. والليلة جمعة، وعلينا – أنا وانتما – ان نتوسل في مكان واحد بالامام ولي العصر (عليه السلام)؛ فإن الله (تبارك وتعالى) قادر على خلاص ولدكما بوسيلة الوجود المقدس لامام الزمان (عليه السلام). كانت تلك الليلة للحاج مؤمن ولأبوي الشاب.. ليلة احياء. صليا عدة ركعات من أجل تنقية الروح أولاً، ثم توسلوا جميعاً بالدعوات والزيارات للامام (عليه السلام)، وطفقوا يقرؤن هذه الآية الشريفة: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (62) ثم يتوسلون بالامام (عليه السلام) قائلين: يامولانا.. هذا الشاب هيأ هذه الأسلحة من أجل إزالة الظلم عن شيعتك، ولا غاية له غير الدفاع عن المظلومين.. وقد عرض نفسه للخطر، نصرة لدين الإسلام.. ولهذا نطلب منك أن تنجيه. استغرقت هذه الضراعة والمناجاة الباكية الليل حتى أواخره، إذ فوجئ ثلاثتهم بالغرفة تمتلئ بعبير المسك العجيب. واشرقت بالنور تجلياً من ألطاف محضر الامام بقية الله (روحي وارواح العالمين لتراب مقدم الفداء). لقد فاز هؤلاء ثلاثتهم بلقاء الامام (عليه السلام) في اليقظة، فربط – بكل مودة – على قلوبهم. وقال لوالدي الشاب الماثل للاعدام: استجيبت دعوتكما، ونجى الله ولدكما، وسيعود إلى الدار غداً. ويذكر المرحوم حاج مؤمن أن والد الشاب ووالدته لما عاينا ذلك الجمال المقدّس، وسمعا كلمات الإمام الجذابة الآسرة.. لم يملكا أنفسهما، ووهنت قوتهما، فوقعا في حالة اغماء.. حتى الصباح. واستفاقا صباحاً.. فمضيا إلى الموضع المقرر تنفيذ حكم الإعدام بولدهما فيه. وهناك استفسرا من مسؤلي السجن، فقال مسؤول السجن: البارحة تبدّل فجأة قرار التنفيذ، وأرجئ لإعادة النظر في الحكم الصادر عليه. عاد الأب والأم إلى الدار في حالة من البهجة والارتياح. ثم لم يكد يحل وقت الظهيرة حتى كان ولدهما الشاب السجين يدخل عليهما الدار. يقول المرحوم السيد دستغيب في خاتمة هذه الرواية: وللحاج مؤمن وقائع في استجابة الدعوات، لشفاء أمراض الناس المستعصية، ولتفريج بلاءاتهم المعضلة شمله الله (تعالى) برحمته التي لا تتناهى! ارحم الراحمين: يدأب أعداء امام الزمان (أرواحنا فداه) ما وسعهم الدأب ليصرفوا الناس عن محبته، وعن التوجه إليه (صلوات الله عليه). انهم ما يفتؤون يبثون مثلاً – وربما يحدث أن يرى بين بعض الأصدقاء يتحدثون به – أن الامام (عليه السلام) لا رحمة له، وأنه لا يتوانى عن قتل الجميع، وسيجعل دماء العلماء تجري أنهاراً! أو أنهم يقولون: أدعوا ألا يظهر امام الزمان.. وإلا فإنه أول ما يفعل أن يضرب أعناقنا وأعناقكم! ويقال لمثل هؤلاء: أليس امام الزمان (عليه السلام) الخليفة الحق لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو (رحمة للعالمين)؟ ألا ترون أن الامام (عليه السلام) يقتدي بالنبي الذي له فخر المخاطبة ب (إنك لعلى خلق عظيم)؟ أتراه ممكناً أن يكون لله الرحمن الرحيم الرؤف الحنّان الذي سبقت رحمته غضبه.. أتراه ممكناً أن يكون له (تعالى) مظهر خال من الرحمة ومن الشفقة؟ إذا كان الأمر كما يقولون (و العياذ بالله مما يقولون) فإنه لا بد أن يخرج – والحالة هذه- فيقضي على كافة الكفرة والفسقة والظلمة بضربة واحدة، أو أن يستخدم – في الأقل – الأسلحة النووية المدمرة.. لا أن يكون سلاحه الوحيد السيف الذي لا يحمله في يده، والذي لا يكثر – مع ذلك – من استخدامه. وهذا بحث مفصل أشرنا إلى إيجاز له في كتاب (المصلح الغيبي). وعلى أي حال.. فلا أظن أن شيعياً ليس من معتقده الإيمان برحمة الامام بقية الله (روحي فداه) والايمان بشفقته وعطفه. وعلى هذا.. فلا بد من الايمان أيضاً أن الرحمة بالناس والصفح عنهم والاحسان إليهم من وسائل الاقتراب الروحي من الامام (عليه السلام). وعلى الذين يعنيهم امر تزكية النفس أن يجانبوا الإضرار بالناس والبغض لهم، وألا يحملوا في صدورهم ضغينة ولا غلاً ولا رغبة في الانتقام. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ارحم ترحم) وإن إمامنا ولي العصر (عليه السلام) ليتلطف ويترأف حتى بأناس من النصارى وممن لا يعرفونه.. إلى حد يبعث على الدهشة والعجب. يقول أحد علماء شيراز: في أوائل شهر تير من عام 1345ه ش.. جاء أحد الأصدقاء الذين يشاركون في جلسة ليالي الثلاثاء – واسمه ذو المنن – فقال لي: ثمة شاب قد أثر فيه المبشرون المسيحيون، ويوشك أن يغدو مسيحياً، وهو الآن في نظرهم من الدارجين في أول الطريق، وهذا الشاب يود لو يتعرف على الإسلام، ومن الضروري أن تلتقي به وتتحدث معه. استجبت إلى طلب هذا الصديق، وحددنا أحد الأيام موعداً يأتي فيه إلى دارنا عند الساعة العاشرة صباحاً، لأتحدث إليه عن الإسلام. وفي العاشرة من صبيحة اليوم المقرر طرق باب الدار. فتحت الباب.. فدخل شاب ممشوق الجسم جميل الهندام. وفي اللحظة التي وقع فيها نظري عليه توجهت بقبلي إلى امام الزمان (عليه السلام) قائلاً: لا يكن من رضاك يا سيدي أن يحترق شاب بهذه الخلقة وهذه الهيئة في النار! واجعل في كلامي معه أثراً يصرفه عن الدخول في النصرانية. (و قد علمت بعدها أنه وكل أسرته – بما فيهم أبوه وأمه – كانوا في ذلك الوقت نصارى، لكن صاحبي (ذو المنن) لم لي هذا). أوصلته إلى غرفة الاستقبال ولاحظت أنه كان شديد النفرة من الزي الذي ارتديه – وهو الزي العلمائي – فلم يكن يود النظر إلىّ. ولكني عملت ما في وسعي – بحسن الخلق والبشر- أن اجعله يقبل علي كي أحمله على الاستماع إلى كلامي في احد الأيام – وقد التقينا للحديث – قال لي: رأيت البارحة رؤيا عجيبة. في عالم الرؤيا رأيت رجلاً مهيباً متنقباً بنقاب، وبيده عصا.. قد دخل دارنا. وكنت أنت معه، لكنك كنت بلا نظارات. ذلكم الرجل كان على قدر من النورانية بحيث امتلأ البيت كله نوراً. وقد لمحت شيئاً من ملامح وجهه. على أي حال.. دخل الرجل المهيب دارنا. وكان أخي – وهو مسيحي يعمل ظابطاً في الجيش – نائماً في الغرفة فأشار هذا الرجل إليه بعصاه كأنما يريد أن يضربه. فقلت له: لقد نام الآن، فلا توقظه! عندها غاب هذا الرجل عن نظري بغتة، وصحوت من النوم. قلت لهذا الشاب: أن هذا الرجل هو الامام ولي العصر (ارواحنا لتراب مقدمه الفداء).. قد جاء لهدايتك. وأما رؤيتك أياي معه.. فمعناها أن عليك أن تعلم أن ما أتحدث به إليك فإنه مما يقره الامام ويؤيده. ولهذا فإني سأذكر لك الآن – لو سمحت – آداب الدخول في الإسلام. فقال: أريد أن أتزيد من البحث في هذا البحث في هذا الموضوع، بأن تتحدث لي في لقاءات أخرى حول قضايا الإسلام، فأن اشكالات ما تزال لدي. وافقت على هذا، والتقينا، بعدئذ، بضعة لقاءات تحدثت فيها عن أحقية الدين الإسلامي المقدس. حتى إذا حضر الجلسة في احد الأيام، وأردت مواصلة ما كنا انتهينا إليه من قبل.. التفت إلي – وعلى وجهه سيماء الجد – وقال: لا حاجة لمتابعة البحث. ارجو أن تعلمني آداب التشرف بدخول الإسلام لكي أسلم! قلت: ما الخبر؟! أحدث شيء؟! قال: نعم، رأيت البارحة رؤية عجيبة. قلت: جعلها الله خيراص! أرجو أن تقصها علي. قال: البارحة رأيت في المنام الرجل النوراني نفسه الذي جاءني قبل ليال، ومن قلت عنه أنه الامام ولي العصر (عليه السلام). في هذه المرة كان متنقباً أيضاً، لكن جانباً من طلعته المباركة يميزه البصر، وكنت أنت معه بنظاراتك. دخل الامام إلى داخل دارنا. أما أنا فقد أردت أن أسبقه في الدخول إلى الغرفة لئلا يعلم أخي المسيحي بدخل الامام.. لكني شعرت كأن أحداً قد قبض على ساعدي وأرجعني إلى الوراء. عندها نظر إلي الرجل النواراني وقال: توضأ. فخطر لي أن أقول له أني لا اعرف كيف أتوضا..بيد أن الرجل – وقد علم ما في سري- دنا إلى حوض الماء وأخذ يتوضأ.. وأنا أنظر إليه. فوجدتني مدفوعاً أن أمضي إلى الحوض أتوضأ كما رأيته يتوضأ. ثم أنه قال لي: صل. قلت: ما يزال ثمة ثلاثة أيام. قلت ذلك لأني ظننت أن مراده الصلاة في الكنيسة حيث أذهب للصلاة أيام الآحاد. لكنه قال لي مرة ثانية: لا أعني تلك الصلاة.. أقول لك: صل. ولم أدرك في المنام ما حدث.. لكني وجدت نفسي واقفاً في الغرفة وأنا مستقبل القبلة أصلي.. كما تصلون أنتم، مع أني لا أحسن كلمة واحدة من العربية. ولما اتممت الصلاة.. انصرف النوراني، وقبل كتفي، فقبلته أنت من بعده.. وخرجت فجأة من الحلم. وها أنذا أطلب منك أن تدخلني في الإسلام. وفي العشرين من شهريور عام 1345ه ش.. تشرف الشاب بالدخول في الدين الإسلامي المقدس. وتواعدنا للقاء في غد ذلك اليوم عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، لأعلمه من آداب الإسلام وأحكامه. وأنتظرته في الموعد.. فلم يأت. وفي الساعة الحادية عشرة خرجت لانجاز عمل ضروري، فرأيته مقبلاً، واتفقنا على أن يكون اللقاء في الغد. وفي الموعد.. جاءني وقال لي: الرجل الذي أتى دارنا من قِبلك علمني الصلاة! أما أنا.. فلم انتبه إلى ما قال، كالذاهل عنه. وعاد في اليوم الآخر أيضاً، وقال: جاءني نفس الرجل الذي بعثته من قبل، وعلمني الأذان! وخرج من دارنا قبل أن يصل أخي. ترى ما عساه يحدث لو جاء أخي ووجده في الداء؟! سألته: كنت ترى ذلك في الرؤيا؟! فقال: كلا.. أو لست قد بعثت إلى يوم أمس وما قبله من علمني الصلاة والأذان؟! عندها استغرقني التفكير في الموضوع.. ذلك لأني لم أرسل إليه أحداً إطلاقاً ثم أني لا أعرف عنوان دار الشاب. قلت له: اعد علي ذكر ما جرى مرة أخرى. فقال: قبل يوم أمس... دق جرس الباب في الساعة الثانية بعد الظهر. فظننت أن أطفالاً في الشارع هم الذين فعلوا ذلك للإيذاء والازعاج. ومضيت إلى الباب، فلم أر أحداً. قلت في نفسي: لا بد أنهم الأطفال، فلأبق خلف أنتظر أن يعاود دق الباب الجرس، فأخرج وأرى من ذا الذي يزاحمنا في هذا الوقت. وإذ كنت أنظر من فتحة الباب.. رأيت رجلاً بزي العلماء قد جاء ووقف عند الباب، وقال: اهذا منزل فلان الفلاني (وذكر أسمي ولقبي) قلت له: نعم (و قد ذكر اسمي (إبراهيم) بالتحديد لكيلا يختلط الأمر بيني وبين أخي الذي يقيم معنا أيضاً في الدار)(1) قال: أأنت إبراهيم؟ قلت: نعم. قال: جئت من قبل فلان (وذكر اسمك) أعلمك الصلاة.قلت: تفضل.. لا مانع. وشرع يعلمني الصلاة وأحكامها، منذ الساعة الثانية بعد الظهر حتى الرابعة كما أنه علمني – وقد كان في يدي جرح – كيف أتوضا مع وجود الجرح والغريب في الأمر أنه ما يكاد يعلمني شيئاً حتى أكون قد حفظته على الفور. وفي اليوم التالي جاء أيضاً في الوقت نفسه، وعلمني الأذان وسواه من الأحكام. فأعتذرت إليه لهذا الجهد الذي يبذله معي، فقال: أنه واجبي. ثم أنه مضى. وبعد مضيه بدقائق وصل أخي. ولو كان وصوله في وقت وجود ذلك العالم لاستاء أخي، لأنه لا يعلم أني قد أسلمت وأني في صدد تعلم أحكام الإسلام. حكي لي الشاب هذا.. فرحت أفكر: أن ذلكم الرجل يعرف الاسم الشخصي للشاب وعنوان داره.. في حين أنا لا أعرف اسمه ولا عنوانه. ومسألة دخوله في الإسلام كانت مسألة سرية. ثم كيف كان ذلك الرجل يدخل دار الشاب في وقت غياب أخيه، فيعلمه كل هذه القضايا بهذا الوقت القصير؟! عندها انخرطت أبكي كثيراً، إذ بات واضحاً لي أن ذلكم الرجل هو الإمام ولي العصر(عليه السلام). ثم أني طلبت من الشاب أن يصحبني إلى دار آية الله المحلاتي، أروي له الواقعة.. لأتبين وجهة نظره. ولما سمع مني الرواية طفق يسأل الشاب أسئلة عن ذلكم الرجل وعن شمائله. فقال الشاب: كان في حدود الأربعين من العمر.. وذكر من شمائل الرجل ما أوردته الأحاديث من صفات الامام ولي العصر (عليه السلام) – مع أن هذا الشاب لم يكن قد اطلع على هذه الأحاديث. بكى المرحوم آية الله المحلاتي كثيراً. لقد كان هو أيضاً يرى أن الرجل هو إمام الزمان (عليه السلام). محبة الامام (عليه السلام) والفوز بلقائه: محبة امام الزمان (عليه السلام) من دواعي الحظوة بلقياه فإذا استطعت أن تقوي محبتك له (عليه السلام) حتى تكون هذه المحبة بالمستوى اللائق بشأنه وبمقامه فانك ستحظى بزيارته ورب قائل هنا يقول: ان محبتنا للامام (عليه السلام) – مهما تضاعفت – لا ترقى لأن تكون لائقة بقمامه العالي الرفيع. وهذا في نفسه قول صحيح، لكننا إذا أخلصنا في المحبة (بأن لا يكون موضوعها غير الله سبحانه وامام الزمان)، واستجمعنا كل حبنا للآخرين في هم واحد، وتوجهنا به إلى الله (تعالى).. فإن هذا الحب يغدو مقبولاً، كما قيل: فأن ترد صحبته وحده فانفض يداً من كل شيء سواه ومن يكتب له الظفر بهذا الحب عليه ألا يصدر عنه أي عمل ينافي أحكام الإسلام. وإذا حدث – والحالة هذه – أن حظي بلقاء الامام ولي العصر (عليه السلام).. فأن هذا اللقاء سيكون من أجل تعديل مسيرة المرء أو نهيه عن المنكر. مؤلف كتاب (القصص العجيبة)، ينقل عن المرحوم الحاج مؤمن (المعروف بايمانه وتقواه) أنه قال: في ايام شبيبتي كان شوقي كبيراً إلى لقيا الامام ولي العصر (أرواحنا فداه)، فكان لا يقر لي قرار إلا بلقائه. ولقد سلكت – بحثاً عن هذا اللقاء – كل سبيل. عنّ لي، في أحد الأيام، أن ألجا إلى الأضراب عن تناول الطعام والشراب، وأني لن أكف عن هذا الاضراب إلا برؤية الامام (عليه السلام).. (و من المعلوم أن هذا التصميم منبعه قلة المعرفة من جهة، وشدق الشوق من جهة أخرى). ومضى يومان وليلتان دون أن أمس شيئاً من طعام ولا شراب. وفي الليلة الثالثة رأيتني مضطراً إلى احتساء جرعة من الماء (في مسجد سردزك). وبعدها اعترتني حالة من الاعياء كمن يقع مغشياً عليه. في تلك الحالة رأيت الامام بقية الله (أرواحنا فداه) قد حضر، وأخذ يلومني على ما صنعت بنفسي، يقول لي: لماذا تفعل هذا وتلقي بنفسك إلى التهلكة؟ سأبعث لك طعاماً... فكل. بعد هذا اللقاء العزيز الذي سمعت في كلمات تأسر القلب.. عدت إلى الوعي، وفطنت أني كنت وحدي في المسجد وقد مضى من الليل ثلثه. وفي هذه الأثناء لفت انتباهي صوت طرقات على باب المسجد. وحين فتحت الباب رأيت شخصاً متلفعاً بعبائته وقد غطى رأسه لكيلا يعرف، ومعه طبق مليئ بالطعام، فناولنيه.. وكرر القول: كل، ولا تعط أحداً منه. وضع الطبق إذا فرغت من الأكل تحت المنبر). فوجدته مليئاً بالرز وعليه دجاج مقلي (محمص). وقد ألتذذ بتناوله لذة تفوق الوصف. وقبل غروب اليوم التالي.. جاءني المرحوم الميرزا محمد باقر (الذي كان من الرجال الصلحاء)، وابتدرني قائلاً: أعطني طبق الطعام. ثم أنه ناولني كيساً فيه مقدار من النقود وقال: لقد أمرت بالسفر، خذ هذه النقود واذهب إلى مشهد لزيارة الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، واعلم أنك سوف تلتقي في الطريق إلى مشهد برجل كبير، ولسوف تنتفع منه. استجبت لما بلغني به. وسافرت – بهذه النقود – من شيراز إلى مشهد بصحبة السيد هاشم امام جماعة المسجد المذكور. وبلغنا في سفرنا هذا مدينة طهران. حتى إذا غادرناها.. لاح لنا على الطريق رجل شيخ. أشار الرجل إلى سيارتنا بالوقوف. وإذا كان السيد هاشم قد استأجر السيارة كاملة، فقد كان بأمكاننا أن نركب معنا هذا الرجل الشيخ. وكما بلغني الميرزا باقر عن مولاي ما أمرني به عندما أوصاني بالاستفادة من رجل كبير التقي به في الطريق.. فان هذا الرجل المنور القلب قد علمني خلال الطريق قضايا بالغة الشأن، ودلني على أعمال قيمة.. حتى أنه أنبأني بما سوف يحدث لي في مستقبلي إلى آخر حياتي، وذكر لي ما يصلح شأني في أموري وما ينبغي لي أن أفعله. في ثنايا الطريق.. كان هذا الرجل يجتنب تناول الطعام الذي فيه شبهة حرام. وقال لي: لا تأكل الطعام الذي فيه شبهة. كانت معه سفرة للطعام. ولم يكن يهيئ لنفسه في الطريق خبزاً كأن يعجنه ويطبخه.. لكن الغريب أنه عندما يمد سفرته يخرج أرغفة طازجة ومقداراً من ال(الكشمش) الأخضر ويشركني معه في طعامه. كان الطريق في وقتها غير معبد، ولم تكن السيارات سريعة السير، فقضينا أياماً انتفعت فيها منه أموراً تربوية، وعرفني على ما يلزم من أعمال وخطوات لتهذيب النفس. والمدهش أن ما قاله في صدد مستقبل حياتي – وحتى الساعة – قد تحقق كله. ووصلنا في مسيرنا إلى منطقة (قدمكاه)، فنزلنا، أما الرجل النير القلب فقد انتبذ مكاناً منفرداً واستلقى على الأرض، ومدّد رجليه.. وقال لي: لقد دنا أجلي، وسأموت قبل وصولي إلى مشهد. وأريد منك أن تكفنني بعد موتي بكفن موجود معي. وجهزني بما في جيبي من نقود للدفن في الصحن المقدس لثامن الأئمه المعصومين علي بن موسى الرضا (عليه السلام). وقل للسيد هاشم أن يتولى أمر تجهيزي والصلاة على جنازتي. ما أن سمعت هذا من الرجل الشيخ حتى انتابني خوف شديد وتملكني الاضطراب. فقال لي يهدئ من روعي: أهدأ.. ولا تخبر أحداً قبل حلول اجلي، وكن راضياً عما يشاء الله. ثم سرنا جميعاً تلقاء مشهد. ولما بلغت بنا السّيارة (تلة السلام) – وهو الموضع الذي تتراءى منه في الطريق القبة الطاهرة للامام الرضا (عليه السلام) – توقفت السيارة، وترجل رفقاء سفرنا وابتدؤا بالزيارة من بعد.. كل مشغول بحنينه وبأشواق اللقاء. بعدها طلب السائق من الزائرين أن يركبوا.. بيد أن الرجل المسن ّ ذا الباطن المنور قصد ناحية هناك، وتطلع إلى القبة الطاهرة. ثم لمّا قضى وطره من السلام والزيارة والبكاء الطويل... قال يخاطب الامام الرضا (عليه السلام): مولاي.. ليست لي من لياقة اكثر من هذا لأكون أقرب إلى قبرك الشريف. بعد هذا أظطجع باتجاه القبلة، وغطى رأسه بعباءته.. وفارقت روحه الدنيا. أما أنا.. فقد أجهشت باكياً أنتحب. واجتمع حولي المسافرون يتساءلون، فأخبرتهم بوفاة الرجل، وحكيت لهم طرفاً من قضاياه.. فاهتاجوا وتأثروا كثيراً وبكوه طويلاً، ثمّ حملوا جنازته إلى مشهد، ودفن في الصحن الطاهر – رحمة الله عليه. ملاحظات حول الحادثة: الملاحظة الأولى: إذا كان قلب المرء طافحاً بمحبة الامام بقية الله (ارواحنا فداه) فإن الامام (عليه السلام) يتولى حفظه، ويتولى تربيته إذا كانت به حاجة إلى التربية.. فيعطيه نفقات السفر، ويهيئ له رجلاً شيخاً منور القلب يتعهد تربيته وتعليمه في طريق السفر الذي هو أفضل موضع للتربية.. لكي يغدو مؤهلاً للقاءات القادمة. الثانية: ثمّة أفراد بين عامة الناس لهم اتصال مباشر بالامام بقية الله (أرواحنا فداه) كالميرزا محمد باقر الذي احضر للحاج مؤمن – من ناحية الامام- طعاماً، ورتب له أسلوب سفره، وأتى له بالنقود. ولهذا ينبغي ألا ننظر إلى الناس – حتى العاديين منهم – نظرة غير المكترث، لأن الله (سبحانه) قد أخفى أولياءه في عامة خلقه. الثالثة: على السالك إلى الله ألا يتناول طعاماً فيه شبهة، يكون مختلطاً بالحرام، لأن مثل هذا الطعام يجعل نفسية الانسان نفسية متفلتة غير منضبطة. وقد قال ذلك الرجل المنور الباطن لرفيق سفره الحاج مؤمن: لا تأكل طعاماً فيه شبهة. الرابعة: تقع منطقة (قدمكاه) وتعني موضع القدم على بعد حوالي مئة كيلو متر من مدينة مشهد، متاخمة (نيشابور. وفي هذه المنطقة موضع يشبه (مقام إبراهيم) عليه السلام في المسجد الحرام، إذ يوجد فيه أثر موضع قدمين غائر في صخرة سوداء، والناس يعتقدون أنهما موضع قدمي الامام علي بن موسى الرضا (عليه آلاف التحية والثناء). وكنت قد ذهبت مراراً إلى هذا المكان الذي قد أقيمت عليه قبة، وله فناء واسع. في اليوم السابع من شهر رجب عام 1404ه كنت في هذا المكان المقدس، دون أن أعير الأمر اهتماماً ؛ فلقد كان ظني أن الناس قد صنعوا هذه الصخرة واتخذوها في هذا الموضوع، وماثمة وثائق تاريخية تؤيد ما يقولون. وفي اليوم المذكور من سنة 1404ه كنت في الطريق إلى طهران. وحان وقت أذان الظهر لمّا كانت السيارة تمر قرب (قدمكاه).. فقلت لأصحابي: لكيلا تفوتنا صلاة أول الوقت، الأفضل أن نصلي صلاتي الظهر والعصر في هذا الموضع. استجاب صحبي، وترجلنا من السيارة قبالة رُحبة قدمكاه.. ثم دخلنا الرحبة. في جانب من المكان كانت عير ماء طيبة، يقال أنها قد انفجرت باشارة من طرف عصا الامام أبي محمد الرضا (عليه السلام).. وما تزال تجري إلى الآن. في وقتها – أي في زيارتي تلك الى قدمكاه – لم أكن اعتقد بصحة هذا الكلام لكي أقصد هذه العين بدافع التبرك.. وانما قصدتها للوضوء، فما ثمة من ماء في غير هذه العين. بعدئذ دخلت الحرم.. وهنالك وقع نظري على الصخرة السوداء التي عليها آثار القدمين، فرأيت في أعلاها لوحة معلقة وقد كتب عليها بيتا من الشعر (ترجمتها) إن ظن دهري عليّ بلثم رِجلِ الحبيب لثمت –شوقاً –خطاه ووقعها في الدروب ودمت عمراً عليها مقبلاً.. في نحيب عندها نشجت باكياً، ورحب أقبل الصخرة وأنا أقول: إذا لم أستطع أن أقبل أقدامك يا مولاي فإني كذلك لا أدري أين هو موضع قدمك لأقبله، ولكن هذا الذي أقبله الآن يقول الناس عنه موضع قدميك. في زيارتي هذه - وعلى خلاف زياراتي السالفة – كنت أبكي، متوجهاً بالحب لهذا الموضع الذي يحتمل أن تكون عليه آثار أقدام الامام (عليه السلام).. إلى أن صليت صلاة الظهر. وبعد الصلاة أحسست بثقل يدب في أجفاني، وأخذتني سنة من النعاس.. ثم وجدت نفسي في عالم الرؤيا. وفي الرؤيا.. رأيت هذا الموضع الشريف القائم على سفح جبل، وقد تبدّل ما حوله إلى مكان صحراوي، كان هو على السفح نفسه.. وإلى جواره عين الماء تتدفق جارية. وعلى يمين العين كانت ثم قرية صغيرة قد تجمع أهلها في خارجها بانتظار الموكب المبارك للامام علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) في أثناء هذا فطنت إلى أن الزمن قد عاد إلى الوراء، وها أنذا أشاهد الوقت الذي كان يمرّ فيه ثامن الحجج الطاهرين (عليه السلام) في هذه البرية.. وهو في طريقه إلى طوس، وقد خرج الناس لاستقباله. وما ان تراءي موكبه المبارك على مسافة حتى اضطرب الناس وما جوا بالوجد والحنين، فتعاليت أصوات البكاء وصرخات الأشواق تملا الصحراء. على أي حال.. شاهدت الامام (صلوات الله عليه) ينزل من المحمل، وقد أحاط الناس بوجوده المقدس، يقبلوا يديه. بعدئذ جاء الامام (عليه السلام) إلى جوار عين الماء، ووقف على صخرة سوداء كانت محاذية للعين، وأراد أن يغسل قدميه المباركتين مما علق بهما من غبار. لكن رجلاً شيخاً، يبدوا أنه كبير أهل القرية، توسل كثيراً – وربما ببكاء ونحيب – أن يأذن له الامام الرضا (عليه السلام) فيصب هو الماء على قدميه الطاهرتين يغسلهما. وبعد مزيد من التوسل أذن له الامام، وفعل ما أراد. ثم أن الرجل الشيخ حمل هذه الصخرة واحتفظ بها في داره. وبعد سنوات من مرور الامام (عليه السلام) بهذا الموضع من طريق طوس.. صار الناس يقصدون هذا الرجل للاستشفاء بهذه الصخرة المقدسة. ومايزال الأمر كذلك حتى نحت موضع القدمين الشريفتين – ولعله من قبل هذا الرجل – على الصخرة لئلا تنسى هذه الواقعة الكريمة. وربما كان ما نحت هو نفس الموضع الذي وقف عليه الامام الرضا (عليه السلام). وبمرور الأيام اتخذ الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) ومحبوهم.. اتخذوا من دار هذا الرجل الشيخ حرماً وفناء يزار. وغدت هذه الصخرة المقدسة موضع تجليل من لدن شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله).. تماماً كما يصنع عامة المسلمين بالصخرة التي كان قد وقف عليها نبي الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) إذا كان يبني الكعبة الشريفة ؛ فجعل المسلمون هذه الصخرة في المسجد الحرام مجاورة للكعبة، وأطّروها باطار من الذهب والبلور، وما يزالون يتقدمون إليها بالاحترام والتبجيل. وقد ذكر الله (جل جلاله) هذا الموضع الابراهيمي في القرآن الكريم بقوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). بعد هذه الحالة التي كانت لي أشبه بحالة النوم.. رحت أفكر في نفسي: إذا كانت هذه الواقعة التي شاهدت واقعة حقيقية (و من اليقين أن لها واقعاً حقيقياً ربما يحتمل شيئاً من الزيادة والنقصان).. فان هذه الصخرة السوداء هي أعلى شرفاً ومنزلة من تلك الصخرة السوداء التي تشرفت بوقوف النبي إبراهيم (عليه السلام)عليها، وسميت ب (مقام إبراهيم). ويدلنا القرآن الكريم كما تدلنا الأحاديث أن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) بعدما أبتلاه ربه بكلمات فأتمهن، وخلع عليه خلعة الخلة وتوجه بتاج الامامة.. دخل في مقام شيعة الامام علي بن ابي طالب أو الامام علي بن موسى الرضا أو سائر الأئمة المعصومين عليهم السلام ؛ وعد دخوله في هذا المقام لأبراهيم (عليه السلام) على وجه التحديد، إذ قال تعالى: (وإن من شيعته لإبراهيم). وهذا يقودنا إلى أن نفهم أن الفارق في شرف صخرة قدمكاه على صخرة مقام إبراهيم (عليه السلام).. هو كالفارق في الشرف والمنزلة بين الأمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) والنبي إبراهيم (عليه السلام). الخامسة: في حكاية المرحوم الحاج مؤمن هذه ورد ذكر موضع باسم (تلة السلام). وهذا الموضع الشريف هو مكان في الطريق من نيشابور إلى مشهد. وحين يبلغ الزائرون في مسيرهم إلى هذا الموضع تلوح لهم لأول مرة القبة الطاهرة. للامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولذلك كان سائقو حافلات نقل الركاب ينزلون الراكبين في هذا الموضع من السيارات ويشيرون لهم إلى القبة الشريفة التي تتراءى من بعيد.. فنأخذ المسافرين عند ذلك حالة من البكاء ويتوجهون بالزيارة، والسلام على الامام (عليه السلام). وأول ما يحظى به السائق ومساعده في مثل هذه المناسبة أنهما يطلبان من الزائرين هدية أزاء أرائتهم القبة. فتجود لهما نفوس السائرين – بمودة واريحية – بقدر من المال ذي شأن. الهوامش (1) من المتعارف عليه في إيران أن ينادى الشخص بلقبه بدل اسمه، فيقال مثلاً: السيد أحمدي، ولا يوردون إلا نادراً اسم الشخص، كأن يقال: السيد حسين أحمدي. ****************** السادسة: ورد في تضاعيف الحكاية أن الرجل الشيخ النير القلب قد أنبأ بوقت وفاته. والسؤال الذي قد يتبادر هنا هو: أيمكن لأحد أن يكون على علم بلحظة وفاته.. والله (سبحانه وتعالى) يقول: (وما تدري نفس بأي ارض تموت)(1)؟ والجواب عن هذا السؤال.. هو أن الاطلاع على وقت الموت مما يرتبط بوقائع المستقبل. واذ ان وقائع المستقبل تحتمل (البداء) فانها داخلة – اذن – في مضمون الآية الشريفة: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)(2) ولهذا لا يغدون في وسعنا الركون إلى معرفة وقت الوفاة معرفة قطعية يكون هذه الوقت فيها من المحتوم المقطوع بحدوثه.. اللهم إلا إذا كان هذا الاطلاع عن طرق الالهام، أو كان وعداً من الله (تعالى) لا يتخلف. وبناء على أن الدنيا هي سجن للمؤمن، وأن الوعد لمؤمن بوقت وفاته وتحرره من هذا السجن، وعد إلهي لا يتخلف (لا يخلف الله وعده)(3).. فمن غير المستبعد أذن أن يطلع أولياء الله حتى على لحظة الوفاة. ولا تبدو هناك منافاة بين هذا المعنى والآية الكريمة المذكورة آنفاً ؛ إذ الآية الشريفة تنفي العلم بمكان وقوع الموت بغير طريق الاخبار الإلهي. وفي هذا الصدد.. أعرف عالماً كان يصعد المنبر في مسجد (كوهرشاد)، اسمه الشيخ اسماعيل الترك. في أحد الأيام سمعته يقول على المنبر: سأموت بعد شهر، في يوم الخميس. وسجلت عندي هذا التاريخ.. ثم أني أنسيتُ هذا الموضوع. وبعد شهر قيل لي: أن الشيخ اسماعيل الترك قد توفى. وهرعت إلى التاريخ الذي كنت قد سجلته.. فإذا هو قد توفى في نفس اليوم الذي ذكره قبل شهر من الزمان. والأمر مماثل لما حدث للمرحوم والدي ؛ فإنه أخبرني بموعد وفاته قبل أسبوعين من تأريخ الوفاة – كما بينت ذلك في كتاب (معراج الروح). ومثله ما رواه ثقاة عن الحاج مؤمن في شيراز أنه قال: في إحدى غرف مسجد (سردزك) كان يسكن سيد جليل اسمه (سيد علي الخرساني). وكان هذا الرجل كثير العبادة والمناجاة. وقبل أسبوع من وفاته قال لي: سأفارق الدنيا سحر ليلة الجمعة الآتية، فتعال إلى ليلة الجمعة ؛ فأن لي معك شغلاً. وذهبت إليه في الليلة الموعودة، فرأيته قد وضع على النار أناء فيه مقدار من الحليب. ولما جلست أنزل الحليب، وشرب منه مقدار فنجانين وناولني الباقي قائلاً: اشرب أنت، فأنا قد شربت. ثم قال: الليلة وفاتي. وينبغي أن يتعهد سيد هاشم (امام جماعة المسجد) أمر جنازتي والصلاة عليها. غداً يأتي (فلان) ليتبرع بثمن كفني.. فلا تقبل. ولكن أقبل ثمن الكفن إذا تطوع به الحاج جلال القناد، ووافق أن يتولى تكفيني ودفني من ماله الخاص. وبعد أن أخبر سيد علي الخرساني هذا بما يهمه من وصاياه جلس مستقبلاً القبلة، وطفق يقرأ القرآن. وظل يقرأ حتى دنا وقت السحر، وأنا جالس إلى جانبه أقرأ معه القرآن. وعلى حين غرة رأيت عينيه تحدقان باتجاه القبلة وهو يقول: لا إله إلا الله – كررها سريعاً مئة مرة. ثم أنه قام واقفاً بكل أدب وإجلال، وقال: السلام عليك يا جداه. وقال ما عبر به عن محبته ومودته للمعصومين (عليهم السلام). بعد هذا جلس، ثم مدد رجليه نحو القبلة.. وهو يقول – يكررها مرات: (يا علي.. يا مولاي) و(كان المراد بالمولى هنا الامام بقية الله ارواحنا فداه). ثم أنه قال لي: أيها الشاب.. لا تنظر إلى عيني لئلا تخاف. الآن أرتاح، وأذهب إلى جوار جدي. ثم أنه أغمض عينيه، وسكت. وفي لحظة واحدة فارقت روحه الدنيا – رحمة الله عليه. محبة الامام محبة لله: المحبه لاولياء الله من الصفات الانسانيه الحميده.. وخاصه حين تتوجه هذه المحبه الى مركز دائرة الامكان الامام بقيه الله (ارواحنا فداه) وكلما ازدادت محبه الانسان لمقام ولى العصر المقدس (عليه السلام) كانت انسانيه هذا الانسان أقرب الى الكمال ذلك أن المحبه للامام(عليه السلام) هي نفسها المحبه لله (تعالى) وقد ورد في نص" الزياره الجامعه" الشريفه:" من احبكم فقد احب الله" وجاء في الايه_165"من سوره البقره:: " والذين آمنوا اشد حباً لله" كبار السن في مدينه الري يعرفون اسكافياً توفي سنه(1365ه) كان ذا كرامات كثيرة... وكان اولياء الله يقصدونه في دكانه ليستمدوا منه المعنويات. اسم هذا الرجل المتأله (مشهدى امام علي القفقازى) وقد ذكر حجة الاسلام الشيخ محمد شريف الرازى – الذى كان على معرفه به وروى عدداً من كراماته- ان هذا الرجل كان على درجه من العشق والمحبه للامام بقيه الله (روحى وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) بحيث ان من يعاشره ساعه واحدة يشعر انه قد تغير من الداخل ويتلقى منه درساً في العشق والمحبه لايجده في ايه مدرسه ولقد كان من مزاياه ان له ملكت نفسيه وصفات روحيه وانسانيه رائعه فلقد افلح في تزكيه نفسه وصار في منأى عن الصفات الحيوانيه. كان يجلس في دكانه على دكه خشبية.. يضع تحتها كل ماكان يحصل عليه من النقود في حرفته تلك..واذا ما اراد منه احد شيئاً من النقود فانه كان يمد يده تحت دكته ويخرج له ما يحتاج ويعطيه. وطالما تعمد اصدقاؤه لايام عديدة ان يراقبوا مقدار المال الذي يضعه هناك ومقدار ماينفق منه.. ولقد دهشوا اذ لاحظوا عشرات المرات ان النقود التي يخرجها من تحت الدكه –قياساً الى النقود التي يضعها- تبلغ عشرات الاضعاف. فاذا ماوضع في اليوم مئه تومان مثلاً فانه يخرج الف تومان قال الشيخ الرازى: ترك دكانه يوماً لشان له فنظرت الى ماتحت الدكه فما كان ثمه ولا ريال واحد (4) كان يفوز مرات ومرات بلقاء الامام بقيه الله (عليه السلام) وكان الناس يتناقلون وقائع مفصله للقاءاته.. ولان هذه النقول لم تكن بالدقه الكافيه فاني لااستطيع ان اورد وقائعه بالتفصيل. ولكن الذى لاريب فيه انه قد تشرف بلقاء الامام كثيراً وتلقى فيوضات جمه من هذا الوجود المقدس. في احد الايام قصد استاذي المرحوم الحاج ملا اقجان مدينه الري لزيارة مرقد السيد عبدالعظيم الحسنى(عليه السلام) وهناك مر من امام دكان هذا الرجل وفي هذه الاثناء راى الحاج ملا آقاجان رجلايثب من الدكان ويحتضنه ويقبله فقال له الحاج ملا أقاجان: من انت؟! قال:مجنون بحب المولى بقيه الله (ارواحنا فداه).. ومنك أشم شذا عطر حبيبي قال له الحاج ملا آقاجان: صحيح... المجنون يأنس الى رؤية المجنون! ومنذ تلك اللحظة أنس احدهما بالآخر وصارا بعدها يقضيان ساعات على انفراد..يجلسان ويتحدثان عن معرفه الامام ولى العصر (ارواحنا فداه) وعن محبته وعشقه والشوق اليه.. ويغدوان مصداقا ًلعبارة: (يا أهل القلوب المفجوعة هلموا للبكاء) رحمة الله عليهما وقد قال المرحوم مشهدى امام خلال احد لقاءاته به (عليه السلام): ان كان الظهور غير قريب.. فخذونى من هذه الدنيا لاطاقه لى على الفراق اكثر من هذا ولذا وعد ان يغادر هذه الدار فى شهر رمضان المقبل وبعد سماعه هذه البشرى.. كان يخبر اصدقاءه بخبر وفاته حين يلتقى بهم خلال الاشهر التى سبقت شهر رمضان الموعود وفي منتصف شهر رمضان المبارك (1365ه)كانت روحه الطاهره تعرج الى العالم العلوي ودفن في مقبره (الفتيات الثلاث) بمدينه الري رحمه الله عليه. المعارف الأصلية من منبع الولاية: أفضل بركات التشرف بلقاء الإمام بقية الله (أرواحنا فداه).. أن يستمد المرء المعارف والحقائق والمعنويات من عين صافية، وهذا يحدو بمحبي إمام الزمان (عليه السلام) للسعي الحثيث –إذا وفقوا للقاء الإمام (عليه السلام) – ألا يتوانوا عن الاستمداد من هذه العين الصافية الامدادت الروحية وطلب الكمال. ويحدو بهم كذلك لأن يسعوا للتطهر من كل الشوائب والأدناس، فإن الإمام (عليه السلام) قادر أن يوصل المرء –وبإشارة واحدة- إلى الكمالات المعنوية والمعارف الحقة فيترنّم عندها مخاطباً إمام الزمان (أرواحنا فداه) سمع العارف وصفك من سجلات الكتب***وحكى ياقوت ثغرك عنك لي كل العجب يقول أحد كبار العلماء من مراجع التقليد.. يأبى ذكر اسمه: يقول سيّد من أهل العلم (وفي اعتقادي –من خلال دلائل معينة- أن هذا المرجع المحترم هو نفسه صاحب هذه الواقعة): من مدينة سامراء ذهبت مشياً على الأقدام لزيارة مرقد سيد محمد ابن الإمام الهادي عليه السلام.. الكائنة قبته ومزاره على بعد ثمانية فراسخ من سامراء، وفي أثناء سيري.. ضللت الطريق.. وآذاني الحر والظمأ، حتى وقعت على الأرض فاقد الوعي، ولم اعد أعي مما حولي شيئاً، ثم لما فتحت عيني بعدئذ فجأة، وجدت رأسي مستريحاً على ركبة رجل وهو يسقيني الماء، فشربت ماء لم أشرب مثله حتى الآن في حلاوته ولذته. ثم أنه بسط سفرة فيها خبز فناولني عدة أرغفة.. وقال لي: يا سيد.. اغسل بدنك في هذا النهر لتبترد. قلت له: لا ماء هنا.. حتى أني قد أغمي علي من العطش، ووقعت على الأرض. ليس هنا من ماء. قال: الآن.. انظر.. هذا نهر ماؤه طيب لذيذ.. يجري إلى جوارك. نظرت إلى الجهة التي أشار إليها، فرأيت إلى جنبي –على مسافة مترين أو ثلاثة أمتار- نهراً يجري رقراقاً.. أدهشني وجوده، فقلت في نفسي: نهر بهذه اللطافة إلى جنبي، وكدت أموت من العطش!!! سألني هذا الرجل: يا سيد.. إلى أين وجهتك؟ قلت: أريد زيارة سيد محمد عليه السلام فقال: هذا حرم سيد محمد. وتطلعت إلى الموضع الذي أشار إليه.. فشاهدت قبه سيد محمد ظاهرة في حين كان الحرم الطاهر يبعد عدة فراسخ. ومهما يكن.. فقد مشينا معاً باتجاه حرم سيد محمد عليه السلام.. وفي أثناء الطريق فطنت إلى أن هذا الرجل هو الإمام بقية الله روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء، فحفظت ما علمني إياه الإمام عليه السلام في مسيرنا من أمور، وهذه الأمور هي: الأول: أكد الإمام عليه السلام كثيراً قوله: يا سيد.. اقرأ القرآن ما استطعت، ولعن الله القائلين بتحريف القرآن الواضعين الأحاديث في التحريف. الثاني: اجعلوا تحت لسان الميت عقيقة كتبت عليها أسماء الأئمة عليهم السلام. الثالث: أحسن إلى أمك وأبيك، وإذا كانا ميتين فصلهما بالخيرات والمبرات. الرابع: أقصد العتبات المقدسة للأئمة الطاهرين عليهم السلام للزيارة ما استطعت، وزر كذلك قبور أبناء الأئمة وقبور الصلحاء. الخامس: عليك باحترام السادة والذرية العلوية ما وسعك الاحترام، وعليك أنت أيضاً أن تعرف قدر انتسابك إلى أهل بيت الرسالة.. واشكر الله تعالى كثيراً على هذه النعمة التي أنعم بها عليك، فإن هذا النسب مبعث للسعادة والعزة لك في الحياة الدنيا وفي الآخرة. السادس: لا تدع صلاة الليل، وخذها باهتمام كبير، وقال عليه السلام: يا حسرة على أهل العلم الذين يرون أنفسهم مرتبطين بنا، ثم لا يواظبون على صلاة الليل. السابع: لا تترك تسبيح الزهراء عليها السلام، ولا زيارة سيد الشهداء عليه السلام من القرب أو البعد. الثامن: لا تدع قراءة خطبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام التي خطبتها في مسجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ولا خطبة (الشقشقية) لأمير المؤمنين عليه السلام ولا خطبة السيد زينب عليها السلام التي خطبتها في مجلس يزيد. عند هذا الحد.. كنا قد بلغنا في مسيرنا قريباً من الحرم، وفجأة افتقدت الإمام عليه السلام إذ غاب عن بصري ووجدت نفسي بمفردي. كنت قد سمعت هذه الواقعة من العالم الجليل المذكور، في أوان شبيبتي، وقد التزمت ببعض التعليمات الثمانية الآنفة الذكر اعتقاداً بصدورها من شفتي الإمام بقية الله عليه السلام –فجنيت منها فوائد جمة.. خاصة ما هو غير معروف منها بين عامة الناس، أو ما لا يولونه الاهتمام اللائق مثل زيارة مراقد أبناء الأئمة واحترام السادة. شكر النعمة: من الخصال التي ينبغي ان تتجلى في السالك إلى الله تعالى: أن يكون (شكوراً) يقدر ما يتقدم به الآخرون إليه من إحسان. والذين لا يقدرون إحسان الآخرين ولا يعيرونه اهتماماً، ولا تسمح لهم أنانيتهم أن يقيموا خدمات غيرهم لهم.. أنما هم أقرب إلى البهائم والأنعام. أن من لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق، ذلك لأنه يفتقد (روحية الشكر)، فلا يتقدم عندئذ إلى الخالق (جلا وعلا) بالشكر. وهذا يعني أن على الذين يريدون أن ينالوا القربة من الله تعالى.. أن يوجدوا في دواخلهم (روحية الشكر) ، وتقدير احسان الآخرين؛ فإن من الصفات الإلهية المتجلية في أولياء الله – لقربهم من الله جل جلاله – صفة (الشكور). إن أولياء الله ليشكرون حتى الكفار الذين يولونهم خدمة ما.. فيجزونهم على خدمتهم هذه. كما يتبين من هذه الواقعة التي أسردها الآن: يروي آية الله الشيخ محمد الرازي – أحد تلامذة المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي في الأخلاق – هذه الحادثة.. يقول: كان أستاذنا المرحوم الشيخ البافقي قد أمر خاده الحاج عباس اليزدي أن يدع باب الدار متفوحاً خلال الليل، وألا يرد أحداً ألجأته الحاجة إلى المجيئ في جوف الليل. وأمره كذلك أن يوقظه في أية ساعة، إذا اقتضى الأمر.. لكيلا يرجع احد من باب داره خائباً. وروى الحاج عباس اليزدي، فقال: كنت نائماً في منتصف إحدى الليالي، في غرفة مطلة على باحة دار الشيخ محمد تقي البافقي.. لما أيقظني في تلك الأثناء صوت وقع أقدام تخطو في داخل الباحة، فنهضت واقفاً على الفور. لاح لي شاب قد دخل الدار.. ووقفت في الباحة. مضيت إليه أسأله عما أقدمه في هذه الساعة من الليل، لكنه تلكأ في الجواب ؛ إذ لعل لسانه قد انعقد من الخوف، أو أنه لم يفهم ما قلت له بالفارسية (وقد تبين فيما بعد أنه عربي من بغداد). وقبل أن أقول له شيئاً.. سمعت صوت الشيخ البافقي يأتي من داخل غرفته قائلاً: يا حاج عباس.. أنه يونس الأرمني، جاء لشغل، فدله على مكاني. دللته على مكان الشيخ، فدخل إليه في غرفته. وما أن رآه الشيخ حتى قال له بلا مقدمات: أهلاً وسهلاً.. تري أن تسلم؟ وأجاب الشاب بلا أخذ ورد: نعم، أتيت لأدخل في الإسلام. عندئذ بادر الشيخ فشرح له الآداب والشرائط الخاصة بالدخول في الإسلام.. فأعلن الشاب إسلامه. كان ما حدث – بالنسبة إليّ – أمرا ًغير عادي. سأله يونس هذا الذي أسلم آنفاً: ما حكايتك؟ وكيف اسلمت هكذا بلا مقدمات؟ ولم آثرت المجيئ في هذا الوقت من الليل؟ قال: أنا من بغداد، لدي حافلة شحن أنقل بها الحمولة ما بين المدن. وفي إحدى المرات كنت قد تحركت من بغداد قاصداً كربلاء. وفي الطريق رأيت رجلاً ذا شيبة واقعاً على جانب الجادة، وهو يكاد يموت من العطش. أوقفت الحافلة، ونزلت له.. فناولته مقداراً من الماء كان معي في زمزمية. ثم أركبته معي في السيارة ومضيت باتجاه كربلاء، وهو لا يدري أني مسيحي أرمني. ولما وصلنا ونزل.. قال لي: أذهب أيها الشاب.. أجرك على أبي الفضل العباس. ثم أني ودعته ومضيت. وبعد أيام شحنت حمولة كان علي أن انقلها إلى طهران. وقد وصلت إلى طهران في أول ليلتي هذه. كنت متعباً من السفر، فخلدت إلى النوم. وفي عالم الرؤيا كأني في بيت، وسمعت طارقاً يطرق الباب. ولما فتحت الباب رأيت رجلاً على فرس. قال لي: أنا أبوالفضل العباس.. جئت أعطيك حقظ الذي عليّ. قلت له: أي حق؟ قال: حق تعبك مع ذلك الرجل الأشيب. ثم قال: حين تستيقظ من النوم تذهب إلى مدينة (الري) حيث سيأخذك رجل – بدون أن تسأله – إلى دار الشيخ محمد تقي البافقي. فإذا صرت عند الشيخ، فأدخل في الإسلام. قلت: على عيني. ثم ودعني وانصرف. عندها أفقت من النوم، وتوجهت تلقاء مزار السيد عبدالعظيم. وخلال الطريق لقيت رجلاً جليلاً، صعد معي في السيارة.. فدلني على دار الشيخ دون أن أسأله. وهكذا أسلمت. ولما سألت المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي: كيف عرفتموه وعلمتم أنه جاء ليسلم؟ قال: من أوصله إلى هنا (أي الامام الحجة أبن الحسن عليه السلام). هو الذي قال لي أنه سيأتي، وذكر لي أسمه وحاجته. وان في هذه لدلالة على نهج أولياء الله في شكر من أحسن إليهم – ولو كان من غير المسلمين ؛ فإنهم قد أدخلوا أمره غير مسلم في السعادة الأبدية – أي التشرف بالاسلام – بسبب خدمة صغيرة سلفت منه. فإذا ما أردنا أن نرتقي درجة أخرى إلى الله وإلى أولياء الله – وبخاصة امام الزمان (عليه السلام) – وأن نفوز بالقربة والزلفى.. فإن علينا أن نكون شاكرين، وأن نقدر جهود الآخرين، وأن نتوجه بمزيد من الشكر للخالق والمخلوق. كان حجة الإسلام والمسلمين السيد حسين النبوي من علماء بلدة (كركان). وكان من منتظري الامام بقية الله (ارواحنا فداه) ومن محبيه الصادقين. قد لقيته مراراً. يقول هذا الرجل: كنت مواظباً على وِرد لي أدعو به، وهو: اللهم أرِنا الطلعة الرشيدة. وكنت – بيني وبين نفسي – كثير الذكر للأمام (عليه السلام) لم أطلع على ذكري أحداً. وفي أحد الأيام جاءني إلى كركان رجل من طهران (و علمت فيما بعد أنه من أولياء الله)، فقال لي: قد تشرفت بلقاء الامام بقية الله (عليه السلام)، وهو (سلام الله عليه) يبلغك السلام ويقول: أنا شاكر لك كثرة ورود اسمي على لسانك، وانك لم تنسنى. قبل حوالي عشر من السنين.. كان ثمة رجل خبيث يوقع الأذى بكثير من الصالحين، لما كان يمتلك في ذلك العهد (الملكي) من نفوذ. وقد أصابني أنا أيضاص منه أذى كثير. وفي إحدى الليالي شكوته إلى الامام بقية الله (أرواحنا فداه) قلت: لم تأذن يا مولاي لمثل هذا الكافر الملحد أن يؤذي محبيك إلى هذا الحد؟ لم تبقيه حياً لا ترسله إلى عذا السعير؟ وفي الليلة ذاتها.. رأيت امام الزمان (عليه السلام) في عالم الرؤيا، فقال لي: عن قريب يدركه الموت، وتشتمل عليه الذلة. وقد تركناه حتى الآن يتمتع بنفوذه وعزته الظاهرية..لأنه ذكر اسمي في كتابه، فكان في هذا نشر له. فهو – لهذا – له حق علينا. ولأجل ألا يظل له في الآخرة أي حق على الله فيحترق في العذاب المحض.. فقد آتيناه أجره في الدنيا؛ لأنا لا نضيع أجر أحد. و لما قعدت من النوم، وراجعت كتاب ذلك الرجل.. وجدت أن ما رأيت كان رؤيا صادقة. أي أن كان قد أورد اسم الامام (عليه السلام) مع أني اعتقد أنه لا يؤمن بالامام – فكان وسيلة لنشر اسمه (عليه السلام). تلاوة الزيارة الجامعة بمحضر الإمام (عليه السلام): لا ريب أن (الزيارة الجامعة) من أصح الزيارات التي يمكن أن تتلى في بيوت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أي في مزارات الأئمة الأطهار وفي مقامات أبنائهم (عليهم السلام). إن هذا النص الشريف للزيارة يتضمن معرفة عالية بالامام وأهل بيت العصمة والطهر (صلوات الله عليهم اجمعين) وقد رُوي مراراً أن أناساً زاروا الامام بقية الله (ارواحنا فداه) بالزيارة الجامعة، وكان الامام (عليه السلام) يقر مضامينها ويؤيدها. وإلى جوار ما في (الزيارة الجامعة) من معاني التأدب ازاء المقام المقدس للأئمة الطاهرين.. فان الزائر بها يعبر فيها عن محبته الفياضة لأهل البيت (عليهم السلام). و آية ذلك: العبارة التي تتكرر فيها دالة على التفدية والتضحية من قِبل من يتلو الزيارة، وهي: (بأبي انتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي). يقول أحد كبار العلماء – وقد تحفظ على ذكر اسمه في هذا الكتاب: كان ذلك اليوم يوم احد لما مضيت إلى الحرم الطاهر للامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). وفي داخل الحرم، عند جهة الاقدام المباركة.. رأيت رجلاً جالساً مستقبل القبلة. و لكن وضعه وتصرفه مما يبعث على النفرة منه. وكان لا مناص من الجلوس إلى جانبه، فما ثمة مكان خال غيره. كنت في جلستي تلك أتوسل بامام العصر (عليه السلام) أن يمن عليّ بألطافه وأياديه. المرء المجاور لي.. كان قد تناول آنفاً كتاب (مفاتيح الجنان) ليقرأ (الزيارة الجامعة). لكنه – على طباق سيرته الذميمة – قد استولى عليه الكسل والملل، ولم يقرأ من الزيارة أكثر من سطرين أو ثلاثة. دفع إلى كتاب (المفاتيح) وقام وانصرف. أما أنا فقد سرني ذلك، إذا لم أكن قد وجدت كتاباً من قبل أقرأ فيه الزيارة، وقد أصبح الكتاب الآن في يدي. ثم أن هذا الرجل قد ترك مجاورتي ومضى فصرت في طلاقة من ظلمة مجالسته. ولم يكن قد خطر لي أن الله (عز وجل) قد أراد لي – في هذه الزيارة – أن أغدو موضع لفيض عظيم يتنزل عليّ. في هذه الأثناء.. شاهدت سيداً جليلاً جالساً قربي عند الجدار. فما كان منّي إلى أن أمسكت بيده، وقبلتها. نظر إلىّ هذا السيد – وقد أدركت بعدئذ ادراكاً قطعياً أنه امام الزمان (عليه السلام). ثم غير مكانه وقعد في الموضع الذي خلا بانصراف ذلك الرجل. سألني السّيد – أول الأمر – عن أحوالي.. وقال: من أين أتيت؟ فأجبته. ثم قال لي: الآن امام زمانك هنا، وأنت لا تعرفه؟! الهوامش (1) سورة لقمان: 34. (2) سورة الرعد: 39. (3) سورة الروم: 6. (4) الريال اصغر وحدة في العملة الإيرانية. وكل عشرة ريالات تساوي توماناً واحداً. ****************** الزيارة الجامعة يزار بها جميع المعصومين. نحن نعلم بما يصيب محبينا. شهداؤنا أحياء، وكذا أمواتنا. ثم أني قرأت (الزيارة الجامعة) أخاطب بنصوصها الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). فقال لي السيّد: ألا تريد شيئاً؟ قلت: أنت ابن النبي، فادع بتعجيل فرج الامام بقية الله (عليه السلام) ان الظلم الذي يقع في العالم قد أدمى قلب مولانا صاحب الزمان. عندها بكى السيد بكاءً كثيراً، ولم يقل شيئاً.بعدها قلت له – لم أكن قد عرفته حتى الآن -: أبلغ وصيتي مولاي ولي العصر (ارواحنا فداه). ولكني افتقدت الرجل فجأة من جواري. ثمة حادثة قد حدثت لي في هذا السياق، عليّ أن أتقدم بسببها إلى الامام بقية الله (ارواحنا فداه) بما لا حد له من الشكر والامتنان: في أحد الأيام – كما هي عادتي – كنت في (مؤسسة البحث والانتقاد الديني) أجيب عن أسئلة السائلين وحدث أن دخل رجل عالم تبدو عليه سيماء الطهر والصدق (وقد علمت فيما بعد أنه رجل جليل القدر). دخل هذا الرجل باكياً، وهو يهمهم همهمة يبدي بها مودته لي. وقع في ظني – في البداية – أنه ربما كان قد قرأ ما ألفته، فخال – خطأ – أني مستفيد حقاً من المعاني التي دونتها فيما ألفت. حتى إذا رآني أخذته هذه الحالة من الهمهمة والبكاء. ثم أنه نفسه شرح الموضوع الذي جاء من أجله، فقال: قبل مدة سمعت من ينتقدك ويذمك. فوجدت في قلبي موجدة عليك وساء ظني بك. حتى كانت البارحة (ليلة الجمعة 28 من ربيع الثاني 1360ه ش) إذا رأيتك في عالم الرؤيا واقفاً في حرم الرضا (عليه السلام) ومعك جمع من كبار العلماء، وكنت تخاطب الامام ولي العصر (عليه السلام) بالزيارة الجامعة. وأولئك العلماء كانوا يقرؤون الزيارة بقراءتك.. حتى تمت الزيارة. عندها التفت إلى الامام ولي العصر (عليه السلام) وأثنى عليك. (وكان هذا الرجل قد دوّن ما قاله الامام (عليه السلام) في هذا الصدد، وسلمني مدوّنته. وهي ما تزال لديّ بخطه وتوقيعه). ولئلا يُتهم هذا العالم بالكذب.. فإني لا أورد هنا كل ما ذكره بل أكتفي بايراد بعض العبارات التي رأيت آثارها ظاهرة فيما بعد.. مما لا يخلو من فائدة للآخرين. ووفق ما جاء في هذه المدونة فإن الامام (عليه السلام) قد قال: قام بخدمات دينية وقضايا مهمة بلا خوف ؛ لأننا نحن نسنده. إنه لم يتوان عن إعانة المحتاجين – خاصة اليتيم والمسكين والفقير. و قال الامام (عليه السلام): نحن مراعون لأعماله. قال له: منهجه في التبليغ عال جداً، ومقبول عندالله وعند رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وفي هذا الموضع من المدونة مسائل أراني معذوراً عن ذكرها). وبعدها جاء قول الامام بقية الله (عليه السلام): كلما أردت أن تراني فتوسل بأمي. وعقب هذا كتب هذا العالم الجليل: وعندها دعا لك مولاي صاحب العصر والزمان.. ثم اننا جميعاً عانقنا الاما وعرضنا عليه ما يهمنا من الأمور. وقد سألت الامام شيئاً ينبغي أن يظل في طيّ الكتمان. ثم ذكر هذا العالم أموراً أخرى تشعر بصدق رؤياه. ومن العجيب أني قبل هذا لم أكن قد أنفقت ولا دقيقة من الوقت لحفظ الزيارة الجامعة عن ظهر قلب. ولكن ما أن قصّ هذا الرجل رؤياه ومضى.. حتى وجدتني حافظاً لنص الزيارة الجامعة. ومن التزمت أكثر من السابق بتلاوة هذه الزيارة في مقامات الأئمة وأبنائهم (عليهم السلام). وهنا لا بد من التنويه ببعض النقاط: الأولى: أكان صحيحاً أن ينفر هذا العالم – كما قال – من ذلك المرء الجالس في الحرم؟ وجواب هذا أن بعض الأفراد – بسبب سلوكهم الشيطاني أو البهيمي – إنما ينفر منهم حتى الامام (عليه السلام).. سواء أكانوا في الحرم للزيارة، أم كانوا في المسجد لأداء عبادة. أن افراداً طالما دخلوا الحرم والمسجد للسرقة أو للنظر إلى النساء ؛ إو إرضاء للشهوة الجنسية (و العياذ بالله). أو دخلوا وهم يحملون عقائد فاسدة. وما يقومون به عندئذ من اعمال عبادية مما لا قيمة له ولا شأن، ولا يلحقهم منه غير الشقاء.. ذلك أن الله تعالى يقول في القرآن الكريم: (ولا يزيد الظالمين إلى خساراً). وأما مصدر ادراك هذا العالم لسلوك الرجل ومعرفته بسيرته.. فلعله كان على معرفة به سابقة. أو ان الله (تبارك وتعالى) قد كشف له في حينها الغطاء، فأدرك منه ما أدرك. يروي رجل أن رأى في المنام ليلة.. كأنه دخل الحرم الشريف للامام الرضا (عليه السلام). وهنالك شاهد الامام نفسه جالساً على الضريح واضعاً سيفاً على ركبتيه. وشاهد الزائرين – إلا قليلاً – على هيئة حيوانات! يقول هذا الرجل: أقبل نحوي من بين هذه الحيوانات خنزير عليه (خرج) مقلم وعلامات معينة. فقال لي الامام (عليه السلام): ليكن هذا الخنزير ضيفاً عند ؛ ثلاثة أيام! قلت: مولاي.. ألا يوجد ثمة انسان لكي أضيف هذا الخنزير؟! فقال الامام (عليه السلام): كل هذه الحيوانات قد ضيفتها، وعليك أن تضيف هذا الخنزير ثلاثة أيام. واستيقظت من النوم، وأنا لا أعلم تأويل هذه الرؤيا. وما كادت شمس ذلك اليوم تشرق حتى طرق باب الدار. فقمت وفتحت الباب. أنه أحد أصدقائي، قد جاء إلى يطلب مني أن يمكث في دارنا ثلاثة أيام ضيفاً عليّ! أمّا أنا فقد أدهشني إذ وجدتن الخرج المقلّم والعلامات المعينة لخنزير الرؤيا.. وجدتها في صديقي القديم هذا! قلت له: تفضل، لا مانع.. خاصة وأن الامام الرضا (عليه السلام) قد حولك البارحة عليّ لأضيفك. قال: وكيف؟! قلت: قسماً بالله، لن أخبرك إلا في اليوم الأخير. ظن الرجل أن ذلك كان تلطفاً به من الامام (عليه السلام) – وربما كان الأمر حقاً كذلك ولكني لم اخبره بالموضوع لئلا أنغص عليه حاله. ثم أن هذا الإخبار مغاير لقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (أكرم الضيف ولو كان كافراً). وأخبرته في اليوم الثالث، فأخذ يبكي بكاءً طويلاً. وقال لي: ما رأيته مني في الرؤيا.. مرتبط بعمل لي يختلط أحياناً بالمال الحرام. ومن هذا تبين أنه من الجائز لامرئ يذهب إلى زيارة الامام الرضا (عليه السلام) أن يظهر بصورة حيوانية، لوجود صفة حيوانية في سيرته، مثل أكل المال الحرام. الثانية: نقل الرجل العالم في مدونته عن الامام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنه قال: الزيارة الجامعة يزار بها جميع المعصومين. ولعل المراد بهذه العبارة: الائمة الاثناعشر والصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليهم اجمعين). ولا يدخل معهم – في خطاب الزيارة – رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؛ ذلك لأن تعبير (و ذرية رسول الله) وكذا تعبير (و إلى جدكم بعث الروح الأمين) وتعبيرات آخرى عديدة في نص الزيارة..مما لا يخاطب به رسول الله صلى الله عليه وآله. الثالثة: نقل صديقنا العالم عن مولانا ومولى الجميع بقية الله (أرواحنا فداه) أنه قال: كلما أردت أن تراني فتوسل بأمي. ترى.. من المقصود بكلمة (أم) هنا؟ هل هي السيدة (نرجس) سلام الله عليها.. أم هي الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ وفي الجواب نقول: أن هذه الكلمة تنصرف – في التبادر الذهني – اكثر ما تنصرف إلى السيدة الزهراء (سلام الله عليها) ؛ فانها (صلوات الله عليها) سريعة الإجابة لكافة مرادات المريدين. وإذا سأل الله احد أن يوفقه للقاء الزمان (عليه السلام) فأنه يفوز بما أراد عاجلاً..خاصة إذا شفع هذا الرجاء بأن يصلي صاحبه صلاة الاستغاثة بالصديقة الزهراء (عليها السلام).. التي ذكرها مؤلف كتاب (مفاتيح الجنان). ومع هذا فإن المقام العالي للسيدة نرجس (روحي له الفداء) مما لا يمكن تجاوزه 0 في نظر الامام (عليه السلام) – بهذه السهولة. أن للسيدة الكريمة نرجس (عليها السلام) منزلة رفيعة عزيزة لدى أهل البيت (عليهم السلام).. حتى أنها قد خاطبت السيدة (حكيمة) عند مولد الامام ولي العصر (عليه السلام) بقولها: يا سيدتي. فقالت لها السيدة حكيمة: بل أنت سيدتي. وكأنها تريد أن تقول لها: أنتِ التي ساهمتِ في إيجاد الجسد المقدس لروح الإمكان وخليفة الله ومظهره، وأنت التي أنجبت من ينتظره كافة الأنبياء والأولياء، وينتظره الله (جل جلاله) سلام الله عليك. ولهذا فلا يبعد أن تكون السيدة نرجس (عليها السلام) هي المراءة بلفظة (أمي) التي ذكرها الامام (عليه السلام). وقد جرب مرارا وتكراراً أن ينال أناس كبرى حاجاتهم عندما توسّلوا إلى الله بهذه السيدة الجليلة. في مدينة دمشق: كنت منشغلاً بتأليف هذا الكتاب.. لما سافرت إلى دمشق في شهر ذي القعدة الحرام عام (1404) لزيارة المرقد المقدس للسيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) وأود هنا أن أدون جانباً من مشاهداتي في الأعتاب المقدسة لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي مراقد الذين دفنوا في تلك البقاع من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله). في ليلة مولد الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الموافقة للحادية عشرة من ذي القعدة (1404ه).. كنت وعدداً من الاصدقاء في احتفال أقيم بهذه المناسبة في مجلس أحد العلماء الإيرانيين، الذي كان يسكن في ضاحية السيّدة زينب (عليها السلام) في الشام. ظفر، في ذلك المجلس، كل من كانت له حاجة – وأين هو الذي لم تكن له حاجة؟! – بنوال ما أراد. لقد كان المجلس محفوفاً بعناية أهل بيت العصمة (عليهم السلام) وخاصة الإمام بقية الله (ارواحنا فداه).. فالمجلس هذا قد أقيم في وسط الأمويين، أي من كان هواهم مع بني أمية، وأكثر سكنة المنطقة من أهل البغض والشنآن لأهل بيت الطهر والعصمة (عليهم السلام).. فكيف لا يكون اذن محفوفاً بعناية الامام (ارواحنا فداه)؟! وعلى أي حال.. كانت لي أنا أيضاً في ذلك المجلس حاجات، إحداها أن أوفق لتدوين هذا الكتاب. بعد أيام قليلة، وخلال ارتباط روحي خير ما يعبر عنه أن أقول أني فهمت في الرؤيا أن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال لي: نحن قد هيأنا لك من قبل ما يلزم لتدوين الكتاب. لقد أخلينا لك دار أحد أحبتنا وهيأناها، وملأنا قلبه بمحبتك ومودتك.. ألم تر إليه كيف تلقاك بحفاوة بالغة؟! أليس من التوفيق لك.. أن وفرنا لك هذا؟! فلم تتكاسل، ولا تواصل عملك؟! قلت مولاي.. ما لدي مصادر للتأليف. فألهمت أن المصادر ستوفر، لكني لم أعرف من أين سأحصل عليها. ومرت أيام.. كنت عاكفاً في أثنائها على تدوين هذا الكتاب، أعتمادا ًعلى المخزون في ذاكرتي. حتى إذا وصلت إلى موضع لابد فيه من مراجعة بعض المصادر.. فكرت في سري: ربما كان عليّ أن أراجع بعض علماء الشيعة المقيمين في دمشق، لأستعير ما احتاج من كتب. وما ان خطر في بالي هذا الخاطر وتفطن له مضيفي.. حتى حدث – بإرادة ولي الله الأعظم الامام صاحب الزمان (عليه السلام) الذب به تتم الصالحات – أن اشترى هذا الرجل المضيف دورة كاملة من كتاب (بحار الأنوار) وجاء به إلى الدار. وما كان صاحبي هذا ليشتري الكتاب في غير هذه الحالة. وحتى لو كان قاصداً من قبل أن يقتني الكتاب لما حصل عليه في دمشق بهذا اليسر، وفي هذه الطبعة التي هي أجود طبعاته. وصفوة القول. أني لا أستطيع أن أذكر في هذا السياق أكثر مما ذكرت. بيد أني استطيع تلخيص الموضوع بعبارة واحدة، هي أن كل ما ظفرت به من توفيق في تأليف هذا الكتاب – عدا ما يمكن أن يكون فيه من خطأ – فإنما هو من ألطاف الامام بقية الله (روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء). ويسترعي الانتباه في أول جزء تناوله من كتاب البحار لأتفحص طباعته وتجليده (و هو كتاب يربو عدد أجزائه على المئة) أنه كان الجزء التاسع والستين، الذي فتحته فطالعني فيه الصفعة 254 من الباب 37 في (صفات خير العباد وأولياء الله). وتفاءلت بهذا الموافقة التي هي مرشد ورائد معنوي. وعزمت بعون الله أن أختار من هذا الجزء ما ينسجم والموضوعات التي كنت مشتغلاً في التأليف عنها، لكي يمتلئ محبوا امام الزمان (عليه السلام) بالكمالات المعنوية والروحية، حتى يصلوا إلى مقام أولياء الله (جل جلاله). هذا الواقعة ذكرها أحد كبار المراجع. وقد رواها عنه رجل ثقة. قال: حكي لي أحد علماء طهران حادثة جرت له.. على هذا النحو: طرق باب دارنا يوماً رجل قد وخطه الشيب.. قائلاً لي – واسم هذا الرجل الشيخ حسن: أريد ان أدرس العلوم والمعارف التي تدرس في الحوزة العلمية. وينبغي أن تدرّسني في كتاب (جامع المقدمات). أما أنا فقد كان لي من كثرة الأعمال ما يشغلني عن تدريس هذا الرجل. ثم أن التدريس في كتاب المبتدئين هذا لا يناسب شأني. ومع هذا كله وجدتني أجيبه إلى ما أراد.. وابتدأنا درسنا فعلاً. بمرور الأيام ألفت الشيخ حسن هذا وانبسطت إليه، حتى غدا من الخواصّ. فكان يقضي أكثر أوقاته معي في الدار. وحدث مرة أن كان لي شغل قد تعوق انجازه في إحدى دوائر الدولة أيام الحكم الملكي في إيران. فاقترح على أحدهم أن أعطيه مبلغاً من المال في مقابل تعهده بانجاز هذا الشغل. وكنت على وشك أن أوافق على هذا الأقتراح عندما قال لي الشيخ حسن: ليس في وسع هذا الشخص أن يحقق لك ما أردت. أن هذا الشغل مما لا يمكن أن يتحقق أصلاً. في حينها لم أدرك ما قصد الشيخ حسن. وقد بات واضحا ًفيما بعد – على كثرة المساعي التي بذلتها في هذا الصدد – ان الشغل لم ينجز. في أحد الأيام.. كنت ألقي درساً عليه، ولم أكن قد حضّرت الدرس قبل التدريس. فقال لي: لم تقرأ الدرس البارحة.. إذ انك حديث عهد بزواج جديد، وقد أرادت زوجتك الجديدة ألا تنصرف عنها إلى المطالعة حتى تتفرغ لها أكثر، فقامت باخفاء الكتاب في المكان الفلاني. لما أردت أن تطالع الدرس البارحة بحثت عن الكتاب فلم تجده! يقول هذا العالم الطهراني: ولما قصدت المكان الذي ذكره الشيخ حسن وجدة الكتاب. ثم سألت زوجتي الجديدة فأقرت أنها قد جعلته نفس الموضع الذي دلني عليه صاحبي الشيخ. وسألت الشيخ: كيف عرفت ذلك؟ فقال: لي قضية لا أبوح بها لأحد، لكني أؤثرك بها وحدك ؛ لأنك أستاذي: كنت أعيش في إحدى القرى التابعة لبلدة مشهد – وابي كان عالم القرية. وقبل عشرين عاماً توفى أبي.. فاجتمع رأي أهل القرية أن يجعلوا عمامة أبي على رأسي أخلفه فيهم. وما زالوا يصرون على حتى صيروني عالمهم. أيامها كنت شاباً تجنح نفسي إلى هواها وأنانيتها، ولم تطوع لي أن أقول: لا أعلم – إذا سئلت عما لا أعلم. وهكذا سلخت مدة عشرين عاماً بلا علم ولا معرفة بين هؤلاء الناس.. أحكي لهم في العقائد من عندي، وأفتيهم من تلقاء نفسي في مسائل الحلال والحرام وطباق ما يلائم ذوقي. ولعلي قد حكيت لهم – ولعشرات المرات – قضايا غير صحيحة ولا واقعية. وعلاوة على هذا.. كنت أقبض سهم الامام (عليه السلام) من أموال الخمس، واتصرف به – بلا اذن شرعي. وما زلت على هذه السيرة.. حتى كان يوم كنت أنظر فيه على وجهي في المرآة. فعلق بصري بشيء كان في صورتي، جعلني أضطرب من الداخل. أن شيبا ًقد وخط شعر لحيتي، فابيض شيء منه. عندها أدركت أن نذر الشيخوخة قد لاحت في وجهي. وشعرت بالنفس اللوامة تخزني وتعنفني، وبالضمير يحاكمني: ترى.. إلى متى وأنت تقود هؤلاء الناس بالحيلة والخداع وبلا معرفة ولا علم؟! عندها.. ما كان مني إلا قعدت على الأرض، وقد تسلط عليّ بكاء مرّ ونحيب حتى إذا حان وقت المساء.. مضيت إلى المسجد، فصعدت المنبر، واعترفت للناس بحقيقة أمري. قلت لهم: إني كنت أفتيكم في كثير من المسائل بدون علم، وأن جل ما عملتموه من أعمال دينية أعمال باطلة.. ولهذا فإني أعتذر إليكم وأطلب العفو منكم. وظن أهل القرية هؤلاء أني أقول هذا الكلام لأكسر غلواء النفس. ولكنهم إذ رأوني جاداً في كلامي جداً لا مجال معه للتواضع.. ابتدروني سراعاً، وأخذوا ينهالون عليّ ضرباً ولكماً حتى أخرجوني من القرية. وعافتني زوجتي.. كما هجرني أبنائي ؛ لأني أمسيت مصدر عار لهم، فاستنكفوا من الانتساب إلي. عندها يممت وجهي نحو طهران، أقطع المسافة وحدي مشياً على الأقدام.(1). هائماً كنت مصحراً في البرية العريضة بلا أنيس. وقد يمر بي اليوم واليومان لا أذوق ماء ولا غذاء – وما معي نقود.. حتى وافيت في نهاية الأمر إلى مشارف طهران. كنت قد ضقت ذرعاً لما اشتمل عليّ من الغم ولما أكابده من عسر وبؤس. عندها جأرت إلى الله تعالى أستجير. قلت: ربي.. أما أن تأخذني من هذه الدنيا، وأمّا أن تفرج عني. إنما فعلت هذا في سبيلك.. فخذ بيدي، واجعلني من انصارك، واعف عن جرمي وجنايتي! وإذا أنا كذلك.. وإذا بي أرى سيداً جليلاً ذا هيبة يمشي إلى جانبي في البرية، فأدهشني مرآه في البداية: ترى.. كيف ظهر إلى جواري فجأة. ولا أكتم أن شيئاً من الخوف منه قد خامرني في ذلك الوقت، بيد أني أطمأننت إليه لماناداني باسمي في غاية الرقة والمؤانسة، قائلاً لي: لا تحزن، إن الله يعفو عنك. وقال كلمات أخرى في هذا المعنى جعلتني كمن أنطلق دفعة واحدة من عقال كان يكبله.. ووقر في قلبي أن هذا الرجل قد جاء يعنيني. ثم أن هذا السيد قال لي: تذهب صباح غد إلى مدرسة (الميرزا محمد الوزير) في طهران، وتقول لمتولي شؤون المدرسة: الغرفة الفلانية التي فرغت اليوم ينبغي أن تحولها إلى أسكن فيها. ولسوف يحول إليك الغرفة للسكنى. واذهب بعدها إلى العالم الفلاني (الذي هوأنت يا استاذي) وقل له يدرّسك، فلا يقدر ألا يفعل. وخذ هذه النقود، وعليك بالدرس. وكلما ضاق صدرك أذكرني آتيك وأتكلم معك. وفعلت ما أوصاني، فجئت إليك، فأذنت لي في الحال أن أستفيد من درسك، إذ جعلت لي درسا ًخاصاً. وما كنت ذكرته لك – خلال ارتباطي بك – من المغيبات.. فانما هو الذي علمنيه لأخبرك به. قال العالم الطهراني: عندئذ قلت للشيخ حسن: أيمكن أن تستأذن لي لألقاه؟ فقال على البساطة: نعم، فأنا أراه في أكثر الأوقات، ولا بد أنه سيأذن لك! في ذلك اليوم ذهب الشيخ حسن.. لكنه لم يعد. وتصرمت أيّام، ولم يحضر الدرس. وبعد أيام جاءني وقال: تكلمت مع المولى في صدد الاستئذان للقائه.. لكنه أوصاني أن أقول لك: متى ما كسرت نفسك كما فعل الشيخ حسن وتجاوزتها مثله سالكاً في طريق الدين.. فأننا نحن نأتي لرؤيتك). وأقول لك معتذراً أن الامام ولي العصر (عليه السلام) قال لي ألا أحضر درسك بعد الآن. قال العالم الطهراني: بعدئذ ودّعني الشيخ حسن وانصرف. وكان ذلك آخر عهدي به. امام الزمان (عليه السلام) يغسل الدم: اسمه الحاج محمد حسن. من مخلصي شيعة مولى المتقين الامام أمير المؤمنين (عليه السلام). كان معاصراً للمرحوم آية الله سيد مهدي بحر العلوم (طيب الله ثراه)(2) وكان صاحب مقهى على نهر دجلة في بغداد، هي مصدر رزق له ولأسرته. في صباح أحد الأيام.. كان الطقس لطيفاً رائقاً بعد أن نثت السماء برذاذ من المطر، حين كان الحاج محمد حسن فتح تواً باب المقهى، وإذا كان يحضر الشاي، رأى ضابطاً ناصبياً معادياً لأهل بيت الوحي (صلوات الله عليهم) يقبل إلى المقهى، قبل أن يرِد أحد من الزبائن. وما أن جلس الضابط الناصبي في المقهى حتى راح يكيل الشتائم القبيحة لأهل بيت العصمة والطهر (عليها السلام).. وبخاصة أمير المؤمنين علي أبن ابي طالب (عليه السلام) والصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). كان مندفعاً في فورة من الشتائم والسباب وكأنما هو منجرف في تيار من الألفاظ النابية البذيئة لا يقوى على إيقافه. كان يهمهم بصوت خفيض.. ثم يكيل الشتائم للأمام (عليه السلام). أما الحاج محمد حسن.. فقد فارت في عروقه دماء الغيرة، وأخذته حمية الحق المقدسة، ولم يبالي – إزاء ما يسمع ويرى – بعواقب الأمور. تطلع فيما حوله.. فلم ير أحداً غير هذا الضابط الناصبي الكافر. وفي لحظتها قرر أن يقتله. ولكن.. كيف؟! مع الضابط سلاح.. والحاج محمد حسن أعزل لا سلاح معه. وتفطن فجأة إلى أمر عثر فيه على ما يريد. فكر في سره: من الأفضل أن أتظاهر إزاءه بالمودة، ثم أتناول سلاحه من يده وأقضي بسلاحه عليه. ومضى فعلاً إليه. قدم له فنجاناً أو فنجانين من الشاي الساخن الجيد التحضير، وتلطف معه في القول. ثم قال له باحترام ظاهر: يا رئيس.. يبدو أن الخنجر الذي في حزامك من النوع الرائع جداً.. بكم اشتريته؟ وفي أي بلد مصنوع؟ مد هذا البليد المغرور يده إلى حزامه فأخرج خنجره، ووضعه في يد الحاج محمد حسن قائلاً بزهو: نعم، أنه خنجر نفيس. لقد اشتريته بثمن كبير، ونقشت اسمي عليه. أنظر إليه! أمسك الحاج محمد حسن بالخنجر، وأخذ ينظر إليه بكل وبرود.. متحيناً الفرصة المواتية إذا ما غفل الضابط الناصبي لينفذ ما عزم عليه. وفي هذه الأثناء حدث أن التفت الضابط إلى نهر دجلة. وما هي إلا لحظة خاطفة حتى انهال الحاج محمد حسن بحركة سريعة عليه، وغرز الخنجر حتى مقبضه في قلبه وشق بطنه. ثم ترك المقهى قبل أن يصل أحد.. هارباً نحو مدينة البصرة.(3) يقول الحاج محمد حسن: كنت أمشي من بغداد إلى البصرة وأنا خائف أرتعد.. حتى وردت البصرة وحين حلت أول ليلة علىّ في هذه المدينة.. ما كنت أدري أية داهية ستنزل بي. ترى: أيمكن لصاحب مقهى أن يقتل ضابطاً عراقياً في مقهاه، ويطرحه هناك ويأخذ خنجره ويفر.. ثم لا يتابع أو لا يقتفى أثره؟! ما كان لي إلا أن استغثت بامام الزمان (عليه السلام). استغثت به وقلت له: يا مولاي، من أجلكم فعلت ما فعلت. ثم أني قصدت مسجداً هناك أبيت فيه ليلتي تلك. جلست في المسجد. حتى إذا مضى وقت من الليل.. دخل رجل أعمى هو خادم المسجد، فصاح بصوت عال: كل من في المسجد فعليه أن يخرج، أريد أن أغلق الباب. لم يكن ثمة أحد غيري. ولأني ما كنت أريد الخروج من المسجد.. فقد لذت بالصمت. لم يطمئن الخادم إلى خلو المسجد.. فلعل أحداً نائماً فيه. من أجل هذا راح يتحسس أطراف المسجد بعصاه.. كنت أتحاشى عصاه بطريقة لا يشعر معها بوقع أقدامي وأنا أتنقل داخل المسجد. ولما أطمأن إلى خلو المسجد أغلق باب المسجد من الداخل. ضوء القمر كان يتسلل من الشباك إلى داخل المسجد، بحيث كنت أبصر الخادم – إلى حد ما – وأرى ما يصنع. وبعد أن أغلق الباب من الداخل.. خلع الخادم ثوبه، ومد فراشاً صغيراً لدى المحراب، ثم جلس على ركبتيه قبالة الفراش.. وأخذ ينقر جدار المحراب بعصاه (كأن زائراً في تلك الليلة يقرع الباب).. وكان هو الذي يسأل وهو الذي يجيب.. قال بعد أن نقر الجدار بالعصا: من؟ ثم قال: مرحباً.. مرحباً.. رسول الله جاء! ونهض من مكانه متخيلاً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد دخل المسجد وجلس على الفراش. وبعد لحظات نقر الجدار مرة أخرى بالعصا.. وقال: من؟ ثم أجاب هو عن السؤال بصوت قوي عميق: أبو بكر الصديق! رحب به – في وهم الخيال – وهو يقول: ابابكر الصديق.. تفضلوا، تفضلوا! دخل ابوبكر – فيما يخال هذا الخادم – وجلس على الفراش إلى جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم أخذ الخادم يبجله ويتودد إليه. وعلى هذا المنوال دخل عمر وعثمان متعاقبين. لكنه كان يعامل عمر بمزيد من المحبة والتوقير والإحترام. بعدها.. نقر الجدار بعصاه نقراً ضعيفا ًفعل من يطرق الباب على وجل وخوف. فسأل الخادم: من؟ فأجاب هو نفسه بصوت واهن متهالك ضعيف: أن علي بن ابي طالب! ولكن الخادم الأعمى أزدراه ازدراء عجيباً، قائلاً له: أنا لا ارتضيك خليفة. ثم بدأ يتجرأ بجسارة على الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام). ويفحش له القول، وأعلن براءته من الامام (عليه السلام) ولم يفتح له الباب! يقول الحاج محمد حسن: كان خنجر الضابط ما يزال معي. وفكرت: لا بأس أن أقتل هذا الكلب الناصبي أيضاً. لقد اعتبرني أعداء الامام امير المؤمنين وفاطمة الزهراء (سلام الله عليهما) مجرماً.. فما الذي يمنعني إذن ان اخطو خطوتي الثانية؟ أنا الغريق فما خوفي من البلل؟! نهضت عندها من مكاني واتجهت بخفة إليه وقضيت بالخنجر عليه. كان قد انسلخ هزيع من تلك الليلة عندما فتحت باب المسجد (الذي كان مغلقاً من داخله) وفررت متيمماً وجهي تلقاء الكوفة.. حتى بلغتها. وهناك قصدت مسجدها الكبير، واتخذت إحدى غرفه مأوى لي.. وأنا دائم التوسل بالامام بقية الله (أرواحنا فداه)، وأقول: يا مولاي.. إنما فعلت هذا حباً لأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (عليهما السلام).. ومنذ أيام لم أر زوجتي ولا أطفالي. الهوامش (1) المسافة ما بين مدينة مشهد ومدينة طهران تزيد على (900) كيلو متر. (2) توفى سيد مهدي بحر العلوم (رضوان الله تعالى عليه) عام 1212ه 0 (المترجم) (3) تبعد مدينة البصرة عن بغداد أكثر من أربعمائة كيلو متر _ (المترجم). ****************** لم يكن قد مضى على مكوثي في المسجد غير ثلاثة أيام.. حينما سمعت باب الغرفة يطرق. فتحت الباب، فرأيت رجلاً يدعوني للحضور عند السيد بحر العلوم، قائلاً: السيد يريدك. وذهبت بصحبته إليه. كان السيد مهدي بحر العلوم في مسجد الكوفة، جالساً في محراب أمير المؤمنين (عليه السلام). بادرني السيد بحر العلوم قائلاً: قال الامام ولي العصر (عليه السلام): نحن قد أزلنا الدم من دكانك. فارجع إليه.. واستمر على معيشتك، ولن يتعرض لك احد. قلت للسيد: على عيني. وقبلت يده، ثم مضيت مباشرة إلى بغداد بعد الطمأنينة التي سكنت قلبي بفعل ما قاله لي السيد بحر العلوم. وبلغت بغداد. كان الوقت منتصف النهار. قلت في نفسي: الأفضل أن أذهب إلى المقهى أولاً لأرى ما هناك! ومضيت في طريقي... حتى إذا صرت على مقربة من المقهى وجدتها مفتوحة. الزبائن – كالعادة – جالسون على المقاعد يحتسون الشاي. لكن الذي ضاعف دهشتي أني رأيت رجلاً شديد الشبه بي هو من كان يقدم الشاي إلى الزبائن. ومن فرط ما كان يشبهني فكرت لحظات أن انظر إلى المرآة لأرى وجهي بدقة! لم يتفطن أحد من الناس إلى حضوري. فتوجهت إلى المقهى على مهل حتى بلغت الباب. في لحظتها جاءني الرجل الشبيه، وناولني صينية الشاي.. وأختفى! اهتز جسدي هزة غريبة.. لكني تماسكت، ومضيت في عملي أحمل صينية الشاي أقدم إلى الزبائن. بقيت في المقهى حتى الليل. ثم أني تذكرت أن زوجتي كانت قد أوصتني صبيحة ذلك اليوم الذي حدث فيه ما حدث.. أن اشتري مقداراً من السكر أحضره إلى الدار. فاشتريت في تلك الليلة ما نحتاج إليه من السكر.. وذهبت إلى الدار. فتحت زوجتي الباب، فناولتها السكر. قالت: لماذا سكراً مرة ثانية؟! قلت: انت قلت لي قبل أيام أن اشتري سكراً. قالت: في نفس تلك الليلة اشتريت لنا سكراً.. فما بالك تنسى؟! لم ألاحظ على وجه زوجتي ما يدل على أني كنت غائباً تلك المدة عن الدار فدخلت كشأني كل ليلة حينما أعود من عملي، وأدركت أن شبيهي في الشكل والمظهر الذي ناب عني في المقهى.. كان يأتي أيضاً إلى الدار! حتى إذا ازف وقت النوم.. لاحظت زوجتي تفرد لي فراشاً في غرفة أخرى! استفسرت: لم جعلت فراشي في تلك الغرفة؟! قالت: انت نفسك – عندما لم تكن تتحدث معي إلا قليلا ً- قلت لي منذ ليال: ضعي فراشي في تلك الغرفة؟ مالك تنسى؟! قلت لها: صحيح. ولكن منذ الليلة أنام في غرفتك. وهنا لا بد من ذكر بعض الملاحظات: ان قتل الناصبي والمرتد – مع انهما واجبا القتل – لا بد أن يكون بإذن من حاكم الشرع.. خاصة إذا كان هذا القتل يعرض حياة المؤمن إلى الخطر. فربما يغدو من يقدم على هذا العمل، دونما اذن، موضع مؤاخذة في الآخرة. أما الحاج محمد حسن فإن الحالة التي أعترته قبيل الاقدام، ولرعايته من قبل الامام بقية الله (روحي فداه).. ما يفهم منه أنه كان قد فقد السيطرة على نفسه، ولعله كان في حالة سقط فيها عنه التكليف. أما الشبيه الذي حل محله في المقهى وفي الدار.. فمن المحتمل جدّاً أن يكون ملكاً من الملائكة أمره الله (جل جلاله) لينوب عنه في أعماله، لئلا يشعر أحد بغيابه فيبحثوا عنه. الملتقى في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان عام(1403ه) في دار أحد الأصدقاء.. حينما التقى عدد من عشّاق الامام صاحب الزمان ( عليه السلام)، وأحيوا تلك الليلة الشريفة بالتضرّع والبكاء حتى مطلع الفجر، فنالوا فيوضات عُلويّة وفيرة. في تلكم الليلة ظفر بالشفاء بضعة مرضى من أصحاب الأمراض المستعصية كانوا قد أحضروا الى المجلس. وقد رأيت بعيني هؤلاء وهم يخرجون من المجلس سالمين يرفلون بأثواب العافية والشفاء: طفلة مصابة بحالة مرضيّة شديدة في الأمعاء. رجل طال به التهاب الحنجرة حتى غدت متعفّنة. مريض غيرهما بلغت درجة حرارته احدى وأربعين درجة. مشلول قعد به الشلل منذ سنوات. وقد أورت الآن هذا الكلام لا لأقف عنده، بل لأقول شيئاً كان لابدّ من التمهيد له برواية وقائع تلكم الليلة على نحو اٌيجاز. وانسلخ عام كامل.. فالتقى في مثل تلك الليلة، وفي المكان نفسه.. عدد أكبر لاحياء ليلة القدر المباركة. وهؤلاء كلّهم من المحبّين الواقعيين للامام بقيّة اللّه (أرواحنا فداه). وفي ذلك الملتقى تحدثّت ساعة حول معنى ليلة القدر. وكنت أحكي لهم عمّا يغمر مجلسنا ليلتئذ من عظيم تجلّيات الوجود المقدس لامام الزمان (صلوات اللّه عليه)، وأقول لهم أن سوف يفاض على كلّ فرد في المجلس بمقدار انقطاعه عمّا سوى ولىّ اللّه الأعظم الامام صاحب الزمان (عليه السلام). من الممكن أن يجد البعض لذّة في مناجاة الامام (عليه السلام) ، فيملأه الأنس والابتهاج. والى جانب استشعار لذّة المناجاة هذه.. فربّما يحظى آخرون بأن يشمّوا، في المجلس العطر المعنويّ للامام (عليه السلام). وربما فاز صنف آخر - مع اللّذة والعطر المعنويّ - بمشاهدة النور. وقد يشاهد نمط رابع شبيهاُ للامام (عليه السلام). واذا كان المجلس مهيّئاُ من الوجهة المعنوية، وشاء محبوب الجميع.. فمن الممكن أن يحضر الامام ( عليه السلام) في المجلس، فيشاهده بعض المقرّبين ومن أولياء اللّه، ويستمدّوا من ميمون فيوضاته. وبعد ساعة مرّت على حديثي.. بلغ المجلس ذروة من الذرى الروحيّة، بما ماج فيه من بكاء الحاضرين وأنينهم، وما انفعلوا به من المناجاة والضراعات ثمّ بدأت تظهر تجلّيات الامام (صلوات اللّه عليه). في باديء الأمر.. غمرت المجلس لذّة معنوية في خلال مناجاة الامام ومخاطبته، فكان كلّ الحاضرين يردّدون – بلا اختيار- الاسم المقدس للامام مئات المرّات.. وكأنّهم يكلّمون الامام ويلهجون باسمه الشريف في حضوره. ومهما حاول المتكلّم في ذلك المجلس _وكان جالسا على كرسيّ_ أن يهديء الناس.. فأنّه لم يجد الى تهدئتهم من سبيل. ثم لمّا أعيته السبّل خاطب الحاضرين بصوت عال: أقسم باللّه عليكم.. كلّ من يرى امام الزمان ( عليه السلام) يبلغه سلامي. أغلب الحاضرين (90%) وفّقوا للانتشاء بعطر مسكر عجيب فاح على حين غفلة في المكان. وكان العطر من الحيويّة والحياة بحيث شعر طائفة منهم بلذة رائعة ومتعة في أعمق الأعماق. عدد آخر من حضّار المجلس ( 50%) قالوا انّهم رأوا نوراً أبيض دام مدّة دقيقة في المنزل والغرف. وقد تكرّر لهم ما رأوا من هذا النور المحيط بالمكان عدّة مرّات. لم يكن نوراً متوهجاً ولاخافتاً وانما كان بَينَ بَينَ. ورافق ما رأوا.. هذا العطر الروحيّ الذي امتلأ به المكان. عدّة من الحاضرين عاينوا الامام (صلوات اللّه عليه) جالساً الى جوارهم يتلطّف بهم ويقضي لهم حاجاتهم. حتى انّ أحد هؤلاء ظلّ يبكي وينتحب حتى الصباح ; لأنه لم يطلب من الامام _لمّا رآه _ غفران ذنوبه. وقد قال قائل منهم: أنّه أحسّ في تلك الليلة كأنّ ستارة تزاح من أمام عينيه، فرأى ((مشهد ليلة القدر)) ، وأدرك عندها لم تُعًدّ ليلة القدر خيراً من ألف شهر قال: في الظلمة تلك.. كنت أشاهد الامام وليّ العصر (أرواحنا فداه) جالساً على أريكة وهو في غاية العظمة والجلال. وكانت أفواج الملائكة تهبط حاملة صحائف الخلائق، وتقدّم الى الامام ( عليه السلام) تقارير عن أعمال السنة الماضية لكافّة الناس. والامام (عليه السلام ) يوقّع على تقدير كلّ فرد ويصادق عليه.. بما جعل الله (تبارك وتعالى) فيه من روح عظيمة مقدسة محيطة علماً بما كان ويكون. وكان (أرواحنا فداه) على درجة من الجلال والعظمة بحيث لا تقوى عين على النظر اليه، ولا يقدر على وصفه لسان. وفي تلك اللحظة.. تقدّم أحد الملائكة _بكل أدب واجلال _ وسلّم الامام صحيفتي أنا ! اسمي كان مكتوباً في أعلى الصحيفة. كنت أعرف _ بما أسلفت في أيامي الماضية من أعمال _ أن صحيفتي سوداء، وأنّي محكوم بالشقاء مع الأشقياء فيما أستقبل من أيّام. خجلت عندها من أعماقي. ترى: لماذا جاء هذا الملك بصحيفتي وأنا هنا؟! لكنّي من جهة أخرى.. كنت أحسّ بأمل يناغيني: سوف أعمل كلّ جهدي _ قبل أن يوقّع الامام على تقدير صحيفتي _ لأتوسل اليه، طالباً الصفح والعفو، ومتضرّعاً الى الله (تعالى ) أن يبدّل كلّ سيئاتي حسنات، وأن يكتب اسمي في السّعداء. أوَلسنا نكرّر في ليالي الاحياء ماورد في أعمال ليلة القدر من الدعاء: (الهممّ ان كان اسمي مكتوباً عندك في الأشقياء.. فامحُني من الأشقياء واكتبني في السعداء)؟! عندئذ ارتميت على يدى الامام ورجليه.. أقبّل تارة عبائته، وتارة أخرى أقبّل يده المباركة.. ملتمساً منه تبديل ما في صحيفتي. فقال لي الامام (عليه السلام): حسناً.. أفعل. على أن تتوب توبة نصوحاً، ولا تعصي. السيّئة من كل أحد سيّئة، ومنك أسوأ ; لأنك عائش باسمنا، وتعدّ نفسك محبّاً لنا.. ثمّ أنت من قرابتنا وأسرتنا (وكان ناقل الواقعة هذا سيّداً من الهاشميين) فقلت.. والدموع تجري والآهات تتصاعد: نفسي لك الفداء.. حبّاً وكرامة. تفضلٌ منك ومنّة. لن أعصي بعد الآن. ثم رأيت لائحة في يده (عليه السلام) فيها اسماء الحاضرين في المجلس وتقدير حاجاتهم.. وقد وقّع عليها وأمضاها. وحين تطّلعت الى لائحة الأسماء لم يكن في وسعي أن أقرأ فيها غير اسمين، أحدهما اسمي وقد دوّن رابعاً في ترتيب الأسماء. والآخر _ وكان الأول في الترتيب _ كان اسم شابّ باطنه كثير الصفاء، خدوم، وهو الذي كان كلّ ليلة يلهج _ خلال الأشعار التي يقرؤها في المجلس _ بمدائح أهل البيت (عليهم السلام ) وبذكر مصائبهم ومراثيهم. ولقد حظي كلّ الذين أدرجت اسماؤهم في هذه الائحة بقضاء حاجاتهم، وكتبوا في السّعداء. ومن الحسن في الأمر أن لم يغفل اسم أحد من الحاضرين أحد العلماء الحاضرين في المجلس.. كان يستمع الى هؤلاء الذين كانو يحكون ما شاهدوه من تجلّيات الامام (عليه السلام)..بتأثر شديد، ذلك أنّه _ كما يقول عن نفسه _ لم يشاهد شيئاً من هذا الذي يسمعه. يقول هذا العالم، خاطبت سيّدي الامام (عليه السلام) قائلاً: يامولاي.. لماذا أحرم من فيض هذه التجليات ؟! أمّا الحزن فقد كظمني كظماً شديداً طول ليلة ونهارها (أي منذ منتصف الليلة الثالثة والعشرين من الشهر المبارك حتى منتصف الليلة الرابعة والعشرين).. ثم انّي حظيت وحدي _ فجأة _ في مجلس الليلة الرابعة والعشرين من شهر رمضان بمجموع تلك التجلّيات التي كانت قد ظهرت البارحة لكثيرين. هذه كانت اضمامة من ألطاف الوجود المقدس لامامنا بقية الله (روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء..) التي يفوز بها من يتوجّهون اليه بصدق واخلاص. المحاسبة والمراقبة: يقول أحد محبي الامام ولي العصر (عليه السلام) لا يرتضي ذكر اسمه: التزمت مدة بمراقبة نفسي ومحاسبتها، فكنت أسعى خلال هذه المدة إلى ترك المحرمات والابتعاد عن المكروهات بما استطيع، واسعى كذلك إلى أداء الواجبات في أول وقتها وعلى الوجه السليم.. وهذا يقال له (المراقبة). ومن جهة أخرى كنت اوقف نفسي ليلياً أمام محكمة الضمير أحاسبها على السلبيات والايجابيات من أعمالي على نحو دقيق. فاذا كنت عملت سوء استغفر منه وأتلافى ما يمكن تلافيه قبل النوم. وإذا كنت عملت خيراً شكرت الله (تعالى) على ما وفقني إليه. كنت أزن أعمالي بميزان المراقبة والمحاسبة هذا، ونظمت يوميات حياتي بموجبه.. ولكن صدرت مني في أحد الأيام معصية أدركت عندها أني ما أزال في نقص مريع – من الجهة المعنوية. و بعبارة أوضح: أن هذه المعصية – مع انها صغيرة – كانت تعني لدي أمراً خطيراً، لأنها ناشئة من خصلة نفسية دنسة. وقد دعاني هذا أن اقصد طبيباً روحياً لمعالجة هذا المرض الروحي. في وقتها كنت مقيماً في طهران، ولا أعرف أحداً أقصده في هذا الشأن. كان مألوف عادتي في مثل هذه الحالة أن أيمم وجهي نحو مزار من مزارات أبناء الأئمة (عليهم السلام) لأستمد النجدة والمعونة من روح النبي الأكرم وأرواح الأئمة الأطهار وأرواح أبنائهم (عليهم السلام).. فألقى عندئذ لديهم ما أبتغي من العلاج الروحي. و تحقيقاً لهذا الغرض، انطلقت إلى مزار السيد عبد العظيم الحسنى (عليه السلام) في مدينة الري. بكيت كثيراً في تلك البقعة المباركة.. إلى حد أني رحت أخاطب السيد عبد العظيم بقولي: من الآن فصاعداً لن أكون مسئولاً إذا اقترفت معصية بسبب هذا المرض الروحي، بعد كل هذا التوسل والبكاء! في هذه الأثناء وقع نظري على سيد رق لحالي.. فدعا لي، وطلب من الله (تعالى) أن يشفيني مما بي، بأن يدلني على الطبيب الروحي الذي أنتفع به. في تلك اللحظات قررت – اعني: ألقي في روعي – أن أقصد دار عالم في طهران، كنت أعرفه من قبل. ومع أن هذا العالم لم يكن متضلعاً في القضايا المعنوية.. إلا أني مضيت إلى داره على رجاء أن يمن الله (عز وجل) عليّ عن طريق بالشفاء. ومن حسن الطالع أني وجدته بمفرده، فجلست لديه بعض الوقت. وخلال اللحظات التي كنت فيها إلى جانبه تفطن هذا الرجل الشيخ – من ظاهر حالي – إلى أني أعاني من داء فتاك. ألح علي أن أعلمه بما أنطوى عليه وبما يقلقني ويؤرقني. لكني ما استطعت مفاتحته ؛ لأنه غير قادر على إدراك خطورة مرضي الروحي. وحتى الآن.. لو ذكرت لكم ما كنت أعانيه في حينها من ذلك المرض، لربما ضحكتم قائلين: من أجل موضوع هين كهذا كنت تتعذب إلى هذه الدرجة؟!على أي حال.. كان ذلك الداء يرمي أحياناً إلى المعصية. ولا أظنكم تقولون أن المعصية لا أهمية لهاه بالقياس إلى رجل سالك إلى الله (تعالى)، يريد كشف حجب نفسه بترك المعاصي وفعل الواجبات. وعلى أي حال.. أطرقت برأسي ورحت أبكي بصوت خفيض. فقال لي ذلك العالم الكبير: اسمح لي أقرأ لك القرآن، فلعلك تستريح. هززت رأسي علامة الموافقة. فتح المصحف الشريف.. وبدأ يتلو سورة (الملك) من أولها. كنت مطرقا ًأبكي. وعلى حين غرة وجدت نفسي في جو لا صلة له أبداً بالدنيا والمادة وعالم الأجسام. وما كان ثمة إلا صوت تلاوة سورة (الملك).. ما كان يصدر من حنجرة ذلك العالم، بل كنت أحس أن ذلك الصوت يولد صدى طنين ينبعث من الجهات الست. لقد كان صوتاً جذاباً أخاذاً يعبر عنه خير تعبير ما نخاطب به الامام بقية الله (أرواحنا فداه) بهذا البيت الشعري المعروف: ما أحلى أن يسمع منك صوت القرآن الآسر الجذاب ***كما كان كلام الله يسمع من الشجرة (في الوادي الأيمن) أجل حينما نسمع القرآن من هذا الوجود المقدس.. فكأن الله (تبارك وتعالى) هو من يتحدث إلينا: ينطق بدواء دائنا، ويهبنا (وصفة) العلاج الروحي لأمراضنا. بيد أن قراءة القرآن ما كادت تتم.. حتى وجدتني مرة أخرى في دار ذلك العالم الذي سألني بعدها: أ أقرا لك أيضاً.. أم أكتفيت؟ قلت: شكراً، لقد بلغت المراد وعثرت على دواء الداء. على أثر هذه التزمت بقراءة سورة (الملك) – إذا وجدتها العلاج – مدة اربعين يوماً، ونفذت مضمون (الوصفة) وبعد مدة وجيزة برئ – ولله الحمد – مرضي الروحي، وانزاح حجاب من الحجب التي كانت تحول بيني وبين الامام بقية الله (عليه السلام). اجل إن الذين يهمهم امر الحقائق ويدركون أن الكمالات المعنوية هي فوق السلامة البدنية.. ليضطرون هكذا ويعانون بسبب داء روحي. إن غاية ما تؤدي إليه الأمراض الجسدية إذا ترك علاجها هو الرحيل عن هذه الحياة الدنيا.. فيفقد المرء فقط هذه المئة سنة عل الأرض إذا كان مقدراً له أن يعيش مئة سنة – كحد أعلى. لكن المرء سوف يخسر الحياة الآخروية الخالدة الباقية بكل جمالها ومحاسنها – إذا فتكت بروحه الأمراض المعنوية.. وسيكون في موقف المحاسبة والمؤاخذة من الله (عز وجل) إن أولياء الله (تعالى) ينظرون إلى الحياة المعنوية والكمالات الروحية – بالقياس إلى الصحة الدنيوية – نظرتهم إلى غير المتناهي في مقابل المحدود الضيق الذي لا تزيد قيمته على الصفر. أحد محبي الامام بقية الله (عليه السلام) كان قد أضناه حبه، واستبد به الهيام. وكان ظنه أن كافة طلبة العلوم الدينية – وهو احدهم – خدم للامام (عليه السلام) لا يغفلون لحظة عن ذكره. جاءني هذا الرجل يوماً وهو يبكي، يلتمس أن أدله على خطة يكون فيها من الابدال المتشرفين بمحضر امام الزمان (روحي له الفداء). تحدث إليه، في كلام مبسوط، عن تزكية النفس. وذكرت له أن المرء لا يتأهل للارتباط بالصالحين – وخاصة بالامام ولي العصر (عليه السلام) – اذا كان ما يزال في داخله ولو رذيلة واحدة من مثل حب الدنيا وحب الرئاسة. واوردت له من الآيات والروايات ما يناسب حالته وينفعه لبلوغ مقام الصالحين. ثم أن هذا الرجل مضى، وغدا يتصل بي كل اسبوع بالتلفون من مسافة تزيد على ألف ومائتي كيلو متر – هي مسافة بين مدينة (كاشان) ومدينة (مشهد).. مستفيداً من الهاتف العمومي، إذ لم يكن في داره هاتف، فكان يسأل عما يحتاج إليه. وفي أحد الأيام أتصل بي وأخبرني أن يده قد أصبحت شلاء. سألته: كيف؟ قال: لا أدري، ولكني إذ استيقظت صباح اليوم من النوم، وجدت جانباً من يدي قد أفتقد الاحساس، ولم يكن بوسعي أن احركها. وراجعت الطبيب، فقال: انها مصابة بالشلل. اخذت في تسليته والتسرية عنه. قلت له: تعافى إن شاء الله. وانك لتعلم أين ينبغي أن تطلب حاجتك. عليك التوسل بامام الزمان (عليه السلام) لتشفى. بكى صاحبي وقال: إن شاء الله، وارجو أن تدعو لي. وانسلخ شهر من الزمان، فاتصل بي من كاشان.. قائلاً: رأيت البارحة رؤيا عجيبة، أسال عن تفسيرها. قلت: جعلها الله خيراً، ولكن اخبرني قبل أن تقص رؤياك.. أعوفيت يدك؟ لكنه انخرط بغتة في بكاء، وقال: عوفيت بإذن الله. ثم قال: البارحة رأيت الامام ولي العصر (ارواحنا فداه) قد جاء، ومعه الصديقة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فأوصت الصديقة ولدها (عليه السلام) بي.. وانصرفت بيد أن الأمام بقي وجئت انت. جس (عليه السلام) يدي كما يفعل الطبيب إذا أراد معالجة مريضه، وقال لك: أعلمته شيئاً؟ قلت له: أجل، علمته ما يكون به من الصالحين. (أي ذكرت له أن يلتزم بالواجبات، ويتجنب المحرمات – وكذا المكروهات ما أمكنه ذلك. كما ذكرت له ما يعينه على الخلوص في الروح والاخلاص في العمل). ابتسم الامام (عليه السلام) بمسرة، وقال: نعم.. سيكون عاجلاً من الأبدال (أي الصالحين). ومن شدة فرحي بهذه البشارة.. أخذت أقبل يد الامام (عليه السلام) وابكي.. حتى افقت من النوم. ومن فوري خرجت من الدار قاصداً الهاتف العمومي لأخبرك. وقد نسيت شلل يدي وما كان ينتابني بسببها من قلق، لما بشرت بهذه البشرى. وصدقني أني قد ذهلت عن شلل يدي وألمها، وما نبهني إليها إلا سؤالك عنها آنفاً في الهاتف. ولولا ذلك لما تفطنت إليها بهذه السرعة. وها هي – ولله الحمد – سليمة معافاة.. وهذا ما حدا بي لحظة سؤالك عنها أن ابكي. بعدئذ جاء صاحبي هذا إلى مشهد، وعاينت يده من قرب ثم قال لي: لماذا صدق نصف رؤياي (شفاء الشلل) ولم يتحقق النصف الآخر الأهم حتى الآن؟ قلت له: ستكون من الأبدال الصالحين بإذن الله. اصبر توفق – إن شاء الله. ثمة شاب اسمه (مصطفى إبراهيمي مجد)، كان كتب وصيته قبل أن يلتحق بالجبهة للمشاركة في الحرب.. وكل همه أن يفوز – بالاستشهاد في الحرب وبما ينطوي عليه من معتقد صالح – بلقاء الامام بقية الله (روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء). وحدث أن حظي بهذا الهدف العظيم قبل أن يمضي إلى الجبهة. وجاء فيما كتبه قبل استشهاده: دعهم يدركوا بعد وفاتي صدق ما كان يقوله أساتذتنا الكبار أنه من المحال ألا يرى الخادم سيده. لقد رأيت سيدي الحبيب ويؤسفني أني لم أره حتى هذه اللحظة غير مرة واحدة. أعلموا أن امام زماننا حي حاضر، وهو السند لكل الشيعة فلا تغفلوا عن ذكره. ان البكاء الآن لا يدعني أواصل الكتابة. وما كنت قد ذكرت هذا اللقاء لأحد، خشية الوقوع في الرياء. إن ما أريد قوله هو أن قلبي يضطرم ؛ لأني ما فزت حتى هذه اللحظة بلقائة مرة أخرى. وها أنا أمضي الآن إلى الجبهة، لأساهم في تعجيل الظفر الاسلامي، مما يمهد السبيل لظهور الامام. عسى أن أشهد في حياتي قيام حكم الامام (عليه السلام): (و إن حال بيني وبينه الموت..) فأرجعني اللهم إلى الحياة، خارجاً من قبري شاهراً سيفي. أجل.. إني ذاهب، أيها الإخوة، إلى الظفر. أما إذا أفردت الشهادة أجنحتها وحملتني معها في عروج.. فما أطيب وما اجمل!. أهمية الاعتكاف: من المجربات التي تورث الحظوة بلقاء الامام بقية الله (روحي فداه): الاعتكاف في المسجد الجامع لكل مدينة. وهذا العمل الذي لا يستغرق اكثر من ثلاثة أيام مجرب للتشرف خلال الاعتكاف بلقيا الامام (عليه السلام).. وخاصة حين يكون هذا الاعتكاف في ايام الليالي البيض من شهر رجب (و هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) أو في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك. ولقد كان كثير من الطلبة في قم – في زمان المرحوم آية الله العظمى البروجردي – يقصدون مسجد الامام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي هو المسجد الجامع في المدينة فيعتكفون فيه خلال أيام البيض من شهر رجب. حتى ان الدراسة في الحوزة كانت تعطل من أجل الاعتكاف. تشجيعاً للطلبة على هذا العمل كان بعض مراجع التقليد يقصدون مسجد الامام الحسن العسكري (عليه السلام)أحياناً لامداد الطلبة مادياً ومعنوياً. في العام المنصرم اعتكف عدة من علماء الحوزة العلمية في قم – خلال أيام الليالي البيض من شهر رجب – في موضع من مسجد الامام الحسن العسكري (عليه السلام). وفي اليوم الأول رأى احدهم في الرؤيا أن السفير الثالث من سفراء الغيبة الصغرى (وهو حسين بن روح – رضوان الله تعالى عليه).. حاضر معهم وفي خيمتهم. عندئذ سأل هذا العالم – وهو في الرؤيا – السفير الثالث بقوله: أهناك طريق للاتصال بامام الزمان (عليه السلام)؟ فأجاب حسين بن روح: نعم، من هذه الجهة (اشارة إلى الطريق المؤدي إلى السطح) يمكن الاتصال بالامام ولي العصر (عليه السلام). ثم سأله سؤالاً آخر، فقال: هل تشرف (فلان) بلقاء الامام (عليه السلام)؟ فاجاب ثالث السفراء (رضوان الله عليه): نعم البارحة.. التقى في طهران بالامام (عليه السلام). وهنا لا بد من الإشارة إلى ان ذلك العالم الذي حظي بمشاهدة الامام صاحب الزمان (صلوات الله عليه) يأبى ذكر اسمه ولذلك عبرنا عن اسمه بكلمة (فلان). ولقد حدث ان كان العالم (فلان) في تلك الليلة – وهي الليلة الثالثة عشرة من شهر رجب أي ليلة ميلاد الامام امير المؤمنين (عليه السلام) – مع جمع من الاصدقاء في منزل صديق لهم بطهران.. وقد كنت أنا أحدهم. وفي ذلك اللقاء فاز هذا العالم بزيارة الامام ولي العصر (أرواحنا فداه). هنا أورد مختصراً لما وقع له كما رواه هو: كان الليل في أوله حين التقى طائفة من الاشخاص لتناول طعام العشاء احتفاء بعيد مولد الامام امير المؤمنين (عليه السلام). وقد تشعبت بالحاضرين شجون الحديث من كل لون وكان يحز في نفسي أن يضيع هذا الوقت النفيس بما يشبه البطالة وقلة الجدوى، وفي سري رجوت الامام صاحب الزمان (عليه السلام) أن يبدل مجرى الحديث ويغير روحية المجلس، فنحظى في هذا المجلس بفوائد معنوية مهمة. كانت الساعة تمام الثانية عشرة ليلاً حين جاء إلى المكان أحد الإخلاء الاعزاء ممن يموجون بمحبة امامنا ولي العصر (ارواحنا فداه). فتبدلت بحضوره ومشاركته روحية المجلس. ابتدا هذا الاخ الكريم اولاً بقراءة دعاء المشلول فانقشعت الظلمات التي كانت راكمتها في جو المجلس الاحاديث التائهة السابقة.. بما كان في هذا الدعاء المبارك من نور اسماء الله (جل جلاله).. ثم صار الجميع إلى التوسل بألطاف ولي الله الأعظم الامام صاحب الزمان (عليه السلام). وعندما أطفئت المصابيح واخذت الحاضرين حالة من الشوق والتوق.. وهم يبكون بضراعة لاستقبال الحضور المقدس لامام الزمان (عليه السلام).. تشرفت برؤية الامام (عليه السلام) وطلبت منه (صلوات الله عليه) أن يتفضل على حضار المجلس ويهبهم عيدية ليلة عيد المولد تلك. وقد فاز بعيدية رائعة من كان منهم منزهاً عن الشك والريب والمعاصي، ومن كان منقطعاً عن غير الله (تعالى) وعن غير امام الزمان (عليه السلام).. وقد حكوا هم انفسهم بعد عن هذا العطاء الذي فازوا به. واللافت للنظر في الموضوع أن ذلك العالم الذي رأى في منامه السفير الثالث حسين بن روح (رضوان الله تعالى عليه) لم يكن يعرف شيئاً عن هذه الواقعة التي جرت في طهران. وقد ذكر ما رآه في رؤياه لبعضهم قبل ان يأتيه خبر تلك الواقعة. ان الهدف من ايراد هذه المسألة هدف مزدوج، وهو الفات القراء الاعزاء إلى قيمة الاعتكاف. والالفات إلى أ، من يتوجه – ولو لحظة واحدة – إلى ولي الاعظم الامام صاحب الزمان (عليه السلام) مبّرأ من الشبهة والشك، ومطهراً من الأثام ومنقطعاً كل الانقطاع.. فان الألطاف الألهية تنهمر عليه وتغمره. الغل... والثأر للنفس: شاب كنت اعرفه عن قرب... وكنت اعرف انه_ من فرط صفائه وطهره ممن لا ينبغي ان يكون على قلبه حجاب... بيد انه كان يتعذب من داخله لما يحسه من وجود غشاوة ظلمانية اي انه لم يكن في وسعه ادراك الحقائق العليا،ولم يفز بالحصول على المعنوياتومن اخصها لقاء محبوبه امام الزمان(عليه السلام) وكان يعنيني ان اعاونه في ازالة الحجب عن قلبه، فتوسلت يوما بشهيد كربلاء (علي الاكبر نجل الامام ابى عبد الله الحسين)عليه السلام وطلبت منه المعونة في رفع حجب هذا الشاب0 واردت بادئ الامر ان اشخص الداء او الصفة الروحية الرديئة التي حبسته في غشاوة0 في تلك الليلة رأيت كانما هو نائم في داخل كلة قد خطت عليها عبارة بحروف كبيرة شملت الكلة بتمامها وهذه العبارة كانت (الغل والثأر للنفس) اما هو فلم يرى من وراء كلته اي شيء من العالم حوله، ناديته باسمه مرة0ومرات لكنه لم يخرج، لقد كان يحسب ان هذه الكلة تصونه من الاخطار المحتملة، لكنه كان - رغم رقة هذا الحجاب - محروما من كل مزايا العالم الخارجي لم يكن هذا الشاب يعلم انه اذا بقى في روح الانسان ولو حجاب واحد000 فكأن صاحبه يعاني من عشرات الحجب00ولم يكن يعلم ان هذا الحجاب(لو كان غشاوة رقيقة) سيحول بين المرء وبين المعاني الروحية وسوف يفصله عن الارتباط بالحقائق ويجعله مقيما في ظلمات. وفي صبيحة اليوم التالي رأيت هذا الشاب فحذرته من صفة (الغل والثار للنفس) ولكنه كان يظن - في البدء - ان هذه الصفة تمنع وقوع الظلم عليه من الآخرين فالإنسان – قال -لا ينبغي ان يصفح ويعفوا كثيرا لان كثرة الصفح تجرئ الناس على الظلم عندها أخذت أتلو عليه عددا من آيات القران الكريم 00ولا انسى من بينها الاية التاسعة والستين من سورة الفرقان اذ يقول الله (تبارك وتعالى): (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). ****************** ثم ذكرت له البيت الذي كان يستشهد به الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت 00لا يعنيني أي قلت 00انه لا يقصدني بهذا السباب00تجاوزا عنه وصفحا وحكيت له كيف نهى رسول الله (ص واله) حين دخل مكة يوم الفتح ذالك الرجل الذي كان ينادي متوعدا مشركي مكة (اليوم يوم الملحمة) فقال له رسول الله (ص واله) لا ولكن قل: اليوم يوم المرحمة ثم قلت لهذا الشاب000 الثأر للنفس والا نتقام لها هو00في الاساس من الصفات الحيوانية00في مقابل صفة العفو والرحمة اللتين هما من الصفات الانسانية بل من الصفات الالهية وعلى هذا فانك اذا اردت ازالة احد الحجب فيك - والذي احسبه اخر حجاب وداء روحي عندك فعليك ان تتخلص من صفة الغل والثأر للنفس وان تعامل الناس بالتسامح والرحمة. وخلال برنامج دام حوالي ثمانين يوما تحمل فيه مشقات كبيرة استطاع ان ينجو من هذه الظلمة الساكنة في داخله 00ولما ظفر بازالة الحجاب وهذا الدعاء الروحي بلغ ما كان يريد من المعنويات ومنها ارتباطه الروحي بالامام بقية الله (ارواحنا له الفداء) وفاز عندها بالمزيد من الفيوضات الروحية. خشية الله: قرأ أحد طلاب الحوزة العلمية في قم كتاب (معراج الروح).. ثم ذكر لي أنه عمل في شبيبته ما كنت عملته أنا في أوان شبيبتي. لكنه كان يبحث عن رفيق له نظير المرحوم الحاج ملا آقاجان ليأخذ بيده. وكان في ظن هذا الطالب أن في إمكاني – بعد ان تصرم عليّ خمس وعشرون سنة في هذا السبيل – ان أعينه وأساعده. ثم أني وافقت فعلاً على اعانته.. لا لأني أجد نفسي مؤهلاً لهذه المهمة، بل لأني لم أجد مناصا ً- ولعله وجب عليّ – أن اعينه بأي سبيل.. فاتخذته صديقاً، وتعاهدنا أن يذكر أحدنا الآخر بما يرى فيه من النقائص والعيوب. وهذا يعني أن يدلني على اخطائي، وأن أدله على ما يعمل من خطأ. دمنا زماناً على هذا العهد.. حتى بلغت علاقتنا إلى مستوى المحبة الصميمية التامة. وجاءني في أحد الأيام.. وقال: أجد في نفسي منذ أيام حالة خوف وقلق إزاء المستقبل المجهول نغصت عليّ حياتي، ولا أدري ماذا أفعل؟ قلت له أتراك تحب الله؟ فقال: إن حبي لله لم تبق لي معه قدرة على التحمل والصبر. غالباً ما أقضي ليلي إلى الصباح في بكاء وفي مناجاة لله.. حتى دخلني شيء من الخوف والاضطراب، إذ صرت أخاف أن أعمل ما ينقص من محبة حبيبي – الهي العزيز – لي وكلما زادت معرفتي ومحبتي.. زاد هذا الخوف من الارتباط بالله (تعالى). قلت له: هذا الخوف المنبعث من محبة الله ومعرفته إنما هو مصفات أولياء الله، وهو من الكمالات الروحية. وعليك أن تقدر قدر هذا الخوف ولا يزعجنك هذا الخوف وجوده. قال: صحيح أني لم أنزعج منه كثيراً. ولكن خوفي ليس من هذا وحده، بل خوفي أن أعيش في الدنيا فقيراً معدماً أمد يدي إلى الناس.. أن أمسي مريضاً تعذبني الآلام. أخاف ألا أكون ممن ينظر إليهم الامام بقية الله (ارواحنا فداه) نظر لطف.. وأن اكون على المدى في حجاب. أخشى أن أقع – في عالم الرزخ والقيامة – تحت سلطان الغضب الإلهي. قلت: إذا كان كذلك.. فإن هذا الخوف هو من الأمراض الروحية التي لا بد أن تعالج. ووفقاً لعهدنا السابق.. كان عليّ أن أفعل ما يمكن لتصحيح هذا النقص الروحي. أي أن أعينه ليكون في حالة بين الخوف والرجاء. وهي ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، وأن ينجو من هذا الرعب الطاغي المستبد. وفي منتصف إحدى الليالي توسلت بالامام بقية الله (روحي وارواح العالمين له الفداء) أن يجعل في كلامي مع هذا الصديق أثراً يفرج كربته. وفي الصباح.. جاءني صاحبي، فرأيت التأثر والأذى في سيمائه، مما يشي بأ،ه قضى ليلته مسهدا ً- من كربته – حتى الصباح. قلت له: لم تخاف المستقبل؟! أليس الله (تعالى) يقول (و من يتوكل على الله فهو حسبه)؟ فلم اذن لا تتخذ إلهك الحبيب الذي له القدرة المطلقة والسلطان الشامل.. وكيلاً لك فيما ينتابك من معضلات؟ أيجوز ألا يفي (سبحانه وتعالى) بما وعد.. فلا يكون الكافي لك في شدتك؟ أترى غيره (جل جلاله) وكيلاً أقد منه وأعظم.. هو الذي بيده مقاليد الأمور؟ أريد أن أسالك: إذا كان رئيس جمهورية مثلاً يقول لك كل يوم (اجعلني وكيلاً لك في أعمالك انجزها لك على خير وجه) وانت تعلم أنه صادق فيما يقول. فهل يبقى في نفسك خوف من المستقبل، وذعر من أن لا تنجز أعمالك على نحو صحيح؟! لا بد أن الخوف – والحالة هذه – سيزايلك.. مع أن رئيس الجمهورية هذا ربما يخطئ في أداء أعمالك، فلا يفي لك بكل ما وعد. أما فيما يتصل بالله (عز وجل)..فان احتمال الخطأ في حقه (تعالى) والقول بمحدوية قدرته.. يعني صريح الكفر. وما دام ربنا (سبحانه) منزهاً عن الوهم ومبرء من الحدود والقيود بأي تصور من التصورات.. فلماذا ً- اذن – تظل في قلق على مستقبلك، وتقع فريسة بين أنياب الخوف؟! عندها قال لي: لقد تركت كلماتك في داخلي آثراً عجيبا. ولكني أخاف هذه المرة أن يوسوس إلى الشيطان، فأضل عن حالة الطمأنينة هذه. فهل يمكن أن تعلمني الآن عملاً أؤديه إذا حدث لي مثل هذا.. فأكون في منجى من وساوس الشيطان؟ قلت: كلما وجدت هذه الوسوسة.. فتوسل أولاً بالامام صاحب الأمر عليه السلام، واستنجد به ليدفع عنك الوسوسة. ثم عليك أن تفكر بما سردته عليك من موضوعات مستمدة من القرآن والعقل ؛ فإن التفكر يعدل عبادة سبعين سنة. وما لم تصل إلى حالة الطمأنينة.. فعليك أن تنفض عنك حديث النفس، وحاول ألا تترك وسوسة الشيطان في نفسك لحظة واحدة. ومعنى هذا أنك إذا كنت ماشياً في الطريق لأداء عمل لك عاجل، وشعرت بغتة بهذه الوسوسة في داخلك فعليك أن تعرض فوراً عن عملك هذا الذي خرجت إليه – كائنا ًما يكون – وأن تعمل بما وصفته لك من التوسل بالامام (عليه السلام) للخلاص من هذه الحالة. وإلا فمن الممكن – لو دامت الحالة في داخلك لحظات أخرى – أن توقعك. ولن تستطيع عندها أن تدفعها – ولو بجهد جهيد. ولقد تمكن بعدئذ هذا الصديق العزيز – ولله (تعالى) المنة – أن يسعى سعياً في غاية الجد للخلاص من الوساوس. وقال هو عن نفسه: كان خيراً من النجاة من الوسوسة.. هو ما ظفرت به من حالة التوسل بالامم بقية الله (روحي فداه) فإلى جوار ما حظيت به من التجليات المقدسة في حالات التوسل، فزت بلذة المناجاة التي غدت ملكة لدي.. وصرت أجد الألطاف المقدسة للامام على الدوام. مقام الخلوص: لطالما سمعت من أولياء الله (تعالى) أن الانسان إذا بلغ مقام الخلوص، وغدا في عداد الاولياء.. فان الذات الألهية المقدسة تكشف لقلبه عن مغيبات المستقبل. عندما كنت وعدة من الأصدقاء في رفقة المرحوم الحاج ملا آقاجان، خلال سفرنا إلى العتبات المقدسة في العراق(1) كان مألوفاً من المرحوم أن يخبرنا – كلما رجعنا من زيارة الحرم الشريف عن الحاجات التي طلبناها من الله (تعالى) هناك، وكان يخبرنا كذلك متى تتحقق هذه الحاجات.. وكأن يقول مثلاً: ليس من مصلحتك أن تتحقق لك الحاجة الفلانية التي طلبتها، لأسباب معينة ثم يذكر تلكم الأسباب. واعجب من هذا أن كل ما يقوله يتحقق في الواقع (وكان لا يتحدث بشيء من هذا إلى من لا يحتمل ما يقول بسبب قلة لياقته واستعداده) وحدث أني سألته يوماً: كيف تطلعون على هذه الحقائق؟ فأجابني على انفراد: من يكن خادما ًلامام الزمان (عليه السلام) ويعد نفسه تراباً لنعلي الامام.. تكن كرامة هذا الانسان من كرامة الامام (عليه السلام). ولا بد أن الامام (عليه السلام) والحالة هذه سوف يصونه من الغلط والاشتباه، وسوف يريه الحقائق. وبعد هذه الواقعة اتضح لي باستقراء الآيات القرآنية وأحاديث أهل البيت العصمة (عليهم السلام) أن من يبلغ مقام الخلوص فإن كل توجهه سوف يكون لله (تبارك وتعالى) ولامام الزمان (عليه السلام). والذي لا ريب فيه أن لدى الامام (عليه السلام)علوم الأولين والآخرين، وهو خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله).. كما ورد في دعاء الندبة (و أودعته علم ما كان وما يكون إلى إنقضاء خلقك). وعلى هذا.. فالذين لهم ارتباط بالامام (عليه السلام) وقد بلغوا مقام الخلوص، سوف يرشح عليهم من علوم امام الزمان (عليه السلام)، فيطلعون على خبايا المستقبل بقدر ما لهم من استعداد. جاء في كتاب بحار الأنوار (ج 69 ص 270) نقلاً عن كتاب (رجال الكشي) أن قوماً جاءوا إلى جابر الجعفي، فسألوه أن يعينهم في بناء مسجدهم. فقال لهم جابر: ما كنت بالذي أعين في بناء شيء يقع منه رجل مؤمن.. فيموت! فخرجوا من عنده وهم يبخلونه ويكذبونه. فلما كان من الغد أتموا الدراهم، ووضعوا أيديهم في البناء فلما كان عند العصر زلت قد البناء، فوقع فمات. لقد كان جابر من الذي ارتبطوا مخلصين بامام زمانهم جعفر بن محمد الصادق وبالقياس إلينا نحن.. فإننا إذا استطعنا الارتباط بالامام الحجة ابن الحسن (عليه السلام) ارتباطاً روحياً، والتزمنا التزاماً كاملا ًبتعليماته حتى نصل إلى مقام الخلوص (كما في حالة جابر الجعفي.. أو الحاج ملا آقاجان)، فإننا سنكون قادرين على الاستفادة من رشحات علوم الامام (عليه السلام). احد طلبة العلوم الدينية كان يدرس بينة خالصة، لكنه لم يتفطن إلى ما كان قد طوى من مراحل.. قال يوماً: في اللحظة التي عزمت فيها على الدراسة.. ذهبت أولاً إلى الدار، وانتبذت زاوية من الغرفة أفكر: أمن أجل الله وامام الزمان (عليه السلام) أريد أن أدخل في هذا الأمر أم بدافع هوى في النفس؟ ولما بحثت في داخل نفسي خلال هذه المقدمة التي سأقولها ما وجدت، ولله الفضل والمنة، غير الله (جل جلاله). وهذه المقدمة هي: أمجنون أنا حتى أسلخ سنوات من عمري طويلة – استجابة لهوى في النفس في عمل غير مرغوب فيه لدى الناس.. أعاني فيه من شظف العيش وأكابد الفقر والفاقة؟! ولكن لأن المرجع الديني يرى هذه الدراسة من وظيفتي، ولأني كنت قد قرأت فيما مضى شيئاً من الدروس.. فمن الممكن إذن أن أنوي في دراستي (قصد القربة) ولسان حالي يقول: إلهي وربي.. أمرت بالتفقه في الدين، وها أنذا مطيع لما أمرت. وبعد تحقق هذه النية وما يزال الطالب يتحدث ذهبت إلى الحمام، فاغتسلت وتبت إلى الله (تعالى) من سالف ذنوبي.. ليس من أجل ما أعد للعالم وللمتعلم من عظيم الثواب، وليس من أجل ما في هذه الدراسة نفسها من أهمية.. إنما من أجل رضوان الله وحسب. وكنت أعاود تذكر هذا المعنى بيني وبين نفسي. كان ذكري الدائم (يا صاحب الزمان.. روحي لك الفداء) وما كنت طول أيام الدراسة لأنس إلى به (عليه السلام)، وما كنت لأفكر بشيء سواه. حالتي الروحية كانت حسنة جدا ً، وكان يتحقق لي كل ما كنت أبتغيه. في أحد الأيام ضاعت منيّ سلعة، ووقع في ظني أني كنت قد وضعتها في مكان ما يبعد عدة كيلومترات. ولكني ما أن ندبت (يا صاحب الزمان).. حتى رأيت تلك السلعة المفقودة قد وقعت إلى جواري. في مرة من المرات كنت في أرض صحراوية قائظة، فطلبت من الله (تعالى) مقداراً من الفاكهة. وفي هذا الطقس الحار رأيت رجلاً شيخاً يجيئ ويضع أمامي سلة من العنب. كنت في ارتباطي بامام الزمان (صلوات الله عليه) أعيش في أنس وبهجة، فلم أشعر يوماً بالنأي عنه والبعاد. كنت اتحدث إليه باستمرار، وأطلب منه العون والامداد. لقد كنت خلال هذه المدة كلها. في أفياء حمى الامام ولي العصر (عليه السلام). حتى إذا أكملت دراستي، ومارست عملي بين الناس، وصرت اماما ًلصلاة الجماعة.. افتقدت تلك الحالات الروحية. وها أنذا الآن لا أدري ما عساني أصنع، وما السبيل إلى عودة تلك الحالات المفقودة. ثم كيف كان يحدث أن يتحقق لي كل ما أريد؟ أكان ذلك بسبب قوة إرادتي، أم أنه كان يجري بعناية من أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)؟ وأجبته قائلاً: ينبغي ألا يكون المرء نظير أولئك الذين ذكرهم الله (عز وجل) في القرآن الكريم بقوله (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون)(2) في حالتك الأولى كان الفقر وضيق ذات اليد وانقطاعك إلى الله.. كل أولئك كان يقودك إلى المعنويات. ولكن خلوصك ينبغي ألا يعتمد على الضغوط التي لا بد وأن تذهب يوماً ما. إنما عليك أن تعمل في سائر الأوقات ما كنت تعمله في أيام الدراسة. أي أن تتفكر في بدء كل عمل تريد أن تقدم عليه: اتقوم به لله (تعالى) خالصاً مبرء من أقل شائبة؟ وإلا فما عليك ألا أن تدع هذه العمل كائنة ما كانت قيمته. وما كنت تظفر به في تلكم المدة من حالات معنوية ومن كرامات.. فانما هو من أثر ذلك الخلوص الذي تمسكت به في بادئ أمرك. وأعلم أن الانسان عندما يجاهد من أجل الحصول على الخلوص فإنه يغدو من الخواص ومن أولياء الله (تبارك وتعالى) ومن المرتبطين بالامام ولي العصر (عليه السلام)، ولسوف يصدر عنه من هذه الكرامات كثير. الفضيل بن يسار كان من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام). وعند وفاته نقل إلى المغتسل لتغسيله. يقول ربعي بن عبدالله: حدّثني غاسل الفضيل، قال: أني لأغسل الفضيل بين يسار، وان يده لتسبقني إلى عورته (يغطيها). قال ربعي: فخبرت بذلك الامام أبا عبدالله الصادق (عليه السلام)، فقال (رحم الله الفضيل بن يسار. وهو منا أهل البيت). وهنا نلاحظ أن الامام الصادق (عليه السلام) قد نسب كرامة الفضيل بن يسار العجيبة هذه إلى اتصاله الوثيق بأهل البيت النبي (عليهم السلام)، حتى كان من خواص أصحاب أمام زمانه. ثمة شاب كان قد توجه إلى جبهة القتال بمثل هذا الخلوص.. قال: غالباً ما كنت أنفرد في ناحية من خندق الحرب، وأتوسل إلى الله (تعالى) بأهل البيت (عليهم السلام). اذ أني كنت أدمن قراءة (دعاء التوسل) الذي أحفظه عن ظهر قلب فأتعلق خلاله بحجزة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام).. فإني ما كنت أخاف أحداً ولا أخشى أي شيء. في أحد الأيام كانت نوبتي في الحراسة على رأس جبل في جبهة (كيلان غرب).. فباغتني وجود أفعى كبيرة (كبرى) تتجه صوبي. وضعي في موقع الحراسة لم يكن يسمح لي بالتحرك من مكاني. فإذا ما صدرت مني حركة فإنها لا بد أن تلفت نظر العدو الذي سيجيب باطلاق النار علينا، مما قد يستجر قتل أفراد لاخوتي المقاتلين من القتل. لزمت موضعي.. والأفعى ما تزال تسعى إللي، حتى استقرت خلفي. وشعرت أنها أخذت تمرر لسانها على رقبتي. ولكنها بعد لحظات ولم تصدر مني أية حركة قد ولت هاربة بسرعة عجيبة. أضاف محدثي الشاب هذا: أنها لمرات عديدة تلك التي نجوت فيها من أمثال تلك المخاطر، بفضل التوسل بامام الزمان (عليه السلام). لكن محدثي لم يذكر تفصيل هذا الذي أجمله. فقلت له: أن الامام الصادق (عليه السلام) يقول (إن المؤمن إذا كان مخلصاً أخاف الله منه كل شيء، حتى هوامّ الأرض وسباعها، وطير السماء، وحيتان البحر. وقد ذكرالعالم الجليل السيد علي بن طاووس في كتابه (الأمان) أن بعض خواص الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): كان قد سجد، فطوقت أفعى عنقه، فلم يتغير الرجل عن حال سجوده ومراقبة معبوده.. حتى انفصلت الأفعى عن رقبته بغير حيلة منه، بل بفضل الله (جل جلاله) ورحمته. وروي السيد أبن طاووس أيضاً عن علي الزاهد بن ا لحسن بن الحسن بن الحسن السبط (عليهم السلام) أن كان قائماً في الصلاة، فانحدرت أفعى من رأس جبل وصعدت على ثيابه ودخلت من زيقه (3) وخرجت من تحت ثيابه، فلم يتغير عن حال صلاته ومراقبته لمالك حياته. لقاء الحاج محمد علي الفشندي: التقيت، في يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة عام 1404ه وأنا خارج من الحرم الطاهر للسيدة زينب (سلام الله عليها) في الشام بحجة الإسلام القاضي الزاهدي الكلبايكاني. فروى لي الواقعة الآتية التي تحمل جوانب تربوية للسالكين في طريق الكمالات الروحية.. فقال: في طهران سمعت الحاج محمد علي الفشندي، وهو من صلحاء طهراء يقول: منذ باكورة شبابي كان دأبي اجتناب المعاصي بقد الامكان، وأن أواضب على الذهاب إلى الحج.. حتى أفوز بلقيا مولاي الامام بقية الله (روحي فداه). ومن أجل هذا قصدت مكة المكرمة أعواماً عديدة، يحدوني أمل اللقاء. في احدى هاته الأعوام وقد أخذت على عاتقي رعاية شؤون جمع من الحجاج انطلقت في السابع من شهر ذي الحجة إلى صحراء عرفات، ومعي ما نحتاج إليه من لوازم وأمتعة، لأتمكن قبل ذهاب الحجيج إلى عرفات أن أتخير لصحبي موضعاً حسناً. كان الوقت مقارباً لعصر اليوم السابع لما ألقيت رحلي، وأتخذت مكاناً لنا في خيمة من الخيام التي كانت معدة لنزول الحجيج (و قد تبين لي في أثناء ذلك أن أحداً لم يصل قبلي إلى عرفات). عندها أتاني أحد أفراد الشرطة المكلفين بحراسة الخيام، وقال لي: لماذا جئت الليلة بكل هذه الأمتعة؟! ألا تعلم أن من الممكن أن ينفذ إليك لصوص في هذه البرية ويسرقوا ما معك؟! على أي حال.. فإذ قد جئت فإن عليك أن تظل يقظان حتى الصباح، لتحافظ على أموالك بنفسك. قلت: لا مانع.. أظل يقظان، وأحافظ على أموالي بنفسي. تلك الليلة قضيتها بالعبادة ومناجاة الله.. حتى مطلع الفجر. لكن الذي حدث في منتصف الليلة أن رأيت سيداً جليلاً قد تعمم بشال أخضر.. وهو يدخل الخيمة، فناداني باسمي قائلاً: حاج محمد علي.. سلام عليكم. رددت تحيته، ونهضت من مكاني.. فدخل هو في داخل الخيمة. وبعد لحظات لحق به عدد من الشبان الذي قد طر شاربهم ونبتت لحاهم حديثاً.. وكأنهم خدم له. في البداية أحسست بشيء من الخوف. ولكني وجدت محبة هذا السيد في قلبي بعد أن تحدث معه ببعض العبارات. وقف الشبان خارج الخيمة، ودخل السيد وحده. التفت السيد إللي وقال: حاج محمد علي.. هنيئا ًلك، هنيئاً لك! قلت: ولم؟ قال: لأنك بت ليلة في صحراء عرفة..حيث بات جدي الحسين (عليه السلام). قلت: ما الذي ينبغي أن أصنع هذه الليلة؟ قال: نصلي ركعتين. تقرأ فيهما بعد (الحمد) سورة (قل هوالله احد) إحدى عشرة مرة. بعدئذ.. قمت وأديت هذه الصلاة معه. وعقب الصلاة دعا السيد بدعاء لم أكن قد سمعت مثله في معانيه. كان السيد على روحية عالية.. والدموع تجري من عينيه. وحاولت، من جانبي، أن احفظ نص الدعاء.. لكن السيد قال لي: هذا الدعاء خاص بالامام المعصوم، ولسوف تنساه. ثم إني قلت له: أعرض عليك اعتقادي في (التوحيد) لترى هل هو حسن. قال: قل. عندها شرعت أذكر الاستدلال على وجود الله (تعالى) بآيات الأنفس وآيات الآفاق. (1) وقلت: بهذه الأدلة أؤمن بوجود الله. فقال لي: هذا القدر من معرفة الله يكفيك. ثم عرضت عليه اعتقادي بمسألة (الولاية)، فقال: اعتقاد حسن. بعدها سألته: في رأيك.. أين يكون امام الزمان (عليه السلام) الآن؟ قال: امام الزمان في الخيمة الآن. سألته: يقولون ان الامام ولي العصر (عليه السلام) يحضر عرفات.. ففي أي موضع من عرفات يحضر؟ قال: في حوالي جبل الرحمة. قلت: هل يراه من يذه إلى هناك؟ قال: نعم، يراه ولا يعرفه. قلت: هل يأتي الامام ولي العصر (عليه السلام) ليلة غد عرفة إلى خيام الحجيج ويتفضل عليهم بعنايته؟ فقال: يأتي إلى خيمتكم ؛ لأنكم ستتوسلون ليلة غد بعمي أبي الفضل. وعند هذه النقطة من الحوار، قال لي: حاج محمد علي.. أمعك شاي؟ (في تلك اللحظة تذكرت فجأة أني قد أحضرت كل شيء ما عدا الشاي) قلت له: كلا لم أحضر شاياً. وكم كان حسناً أن ذكرتني. غداً أذهب وآتي بالشاي للحجاج. فقال: الآن.. معي شاي. ثم أنه خرج من الخيمة، وما لبث أن عاد، وناولني مقداراً كأنه شاي في الظاهر. ولما أعددت الشاي وشربت منه.. وجدته معطراً حلواً إلى حد أن بدا لي أن ليس من شاي الدنيا. بعدها سألني: أمعك طعام آكله؟ قلت: اجل. يوجد خبز وجبن. فقال: أنا لا آكل الجبن. قلت: يوجد لبن. قال: هاته. أتيته بشيء من الخبز واللبن، فتناول منه. ثم قال لي: حاج محمد علي.. أعطيك مئة ريال لتعتمر عمرة عن أبي. قلت: على عيني. ما أسم أبيك؟ قال: اسم ابي سيد حسن. سألته: وما أسمك؟ فقال:سيد مهدي. (و تناولت منه النقود). عندها نهض هذا السيد ليذهب، فقمت إليه أحتضنه معانقاً. ولما أردت تقبيل طلعته.. رأيت خالاً أسود رائع الجمال على خده الأيمن. وضعت شفتي على الخال وقبلت وجنته. وبعد لحظات من انصرافه.. رحت أنظر هنا وهناك في صحراء عرفات، فلم أر من أحد. عندها تفطنت إلى أنه الإمام بقية الله (أرواحنا فداه) خاصة وأنه: يعرف اسمي! يتكلم الفارسية! اسمه (مهدي)! ابن الامام (الحسن) العسكري! عندئذ، قعدت أبكي وأنوح.. حتى ظن الشرطة أن لصوصاً قد أغاروا على أمتعتي وأنا نائم، فجاءوا إللي، قلت لهم: هذا ليل.. وأنا مشغول بالمناجاة والبكاء. في اليوم التالي.. وصل حجيج الحملة إلى عرفات، فقصصت ما جرى على العالم المرشد في الحملة... الذي أخبر الحجاج بالخبر، فضجوا بالبكاء! وفي ليلة عرفة صلينا صلاة المغرب وصلاة العشاء في أول الوقت. ثم بدأ المرشد، من تلقاء نفسه، يقرأ مجلس عزاء أبي الفضل (عليه السلام) ولم أكن قد أخبرته بوعد الامام (عليه السلام) اذ قال: اني سأحضر ليلة غد في خيمتكم لأنكم ستتوسلون بعمي أبي الفضل (عليه السلام). كان المجلس حاراً مؤثراً جعل الحاضرين في حالة طيبة من الروحية ومن الاقبال. بيد أني اذ كنت فيهم أترقب بين لحظة وأخرى، الحضور المقدس للأمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء). وأوشك مجلس العزاء أن يبلغ نهايته.. وما من خبر. فضاق صدري، وقمت من المجلس إلى خارج الخيمة. وهناك فاجأني أن أرى الامام ولي العصر (روحي فداه) واقفاً يستمع إلى قراءة العزاء ويبكي. أردت أن أصيح مخبراً صحبي أن الإمام هنا، فأشار (سلام الله عليه) بيده ان لا تقل شيئاً! وتصرف في لساني حتى سُلبت القدرة على النطق. كان الامام بقية الله (روحي فداه) واقفاً خارج الخيمة في جانب، وأنا في جانب آخر.. وكل منا يبكي على أبي الفضل (عليه السلام)، ولم أكن أقوى أن أخطو خطوة واحدة نحو الامام ولي العصر (عليه السلام). ولما أكتمل مجلس العزاء.. انصرف الامام. أجل أن خير موضوع يمكن أن يكون موضع توجه الامام (عليه السلام) فيما يبدو من هذه الواقعة هو التوسل بأبي الفضل العباس (عليه السلام)، وذكر مصابه. وهذا يعني أن من الضروري للسالكين إلى الله، ولمن يبغون الارتباط بالامام ولي العصر (عليه السلام).. أن يتخذوا من هذا الموضوع – البلسم القيم وسيلة مهمة تعينهم في هذا السبيل. الهوامش (1) تجد تفصيل ذلك في كتاب (معراج الروح) (2) سورة العنكبوت 65. (3) زيق القميص:بالكسر ما أحاط بالعنق منه(القاموس). ****************** لا أؤذي أحداً: قال سيدٌ من أهل العلم: عزمت بيني وبين نفسي ألا أوذي أحداً في مدة معينة، وأن أسعى لإدخال السرور على قلوب ما لا يقل عن خمسة أشخاص كل يوم، واظبت على هذا في مرحلة واحدة متصلة دامت أربعين يوماً. ومنذ أول هذه الأيام إلى أربعينها كنت أجد في داخلي كل يوم خفة ونشاطاً لا عهد لي بهما، حتى إذا حل اليوم الأربعون سمعت بإذن قلبي هاتفاً يناديني قائلاً: سررت مائتي إنسان في هذه الأربعين ولم تجرح قلب أحد فخفت عنك أثقال الذنوب وغفر لك، ولتكن مهيئاً جزاء عملك القيم المهم للقاء الإمام صاحب العصر والزمان، لأن الإمام لا يود أن يؤذيك بل إنه (عج) يحب أن يدخل السرور على قلبك. ثم أني سألت هذا السيد: وماذا حدث بعد هذا؟ أحظيت بلقاء الامام (عليه السلام)؟ لكنه لم يقل شيئاً. وعاودت سؤاله والالحاح عليه.. فاكتفى بأن قال: أيجوز أن يعدوا وعداً حسناً مكأفاة على عمل مقبول ثم لا يفوا بما وعدوا؟ لكنه لم يزد على هذا القول ولم يذكر مفصل تشرفه بلقاء الامام (عليه السلام) رغم ما كان مني من التماس ورجاء. ثمة رجل من أهل الولاء والذوق.. كان يغتسل غسل زيارة الامام ولي العصر (عليه السلام) كلما دخل الحمام للاستحمام. يفعل ذلك استنادا ًإلى استحباب الغسل لزيارة الامام الحي أيضاً. يقول هذا الرجل: أنا في ترقب دائم للفوز بزيارة الامام في أي مكان.. فما لي أذن لا أغتسل غسل زيارة الامام ما دمت قادراً عليه، فأكون على استعداد دائم للقائه (عليه السلام)؟ سنوات.. وهو يهيئ نفسه، من خلال هذا العمل، للقيا امام الزمان (عليه السلام). حتى كان يوم كما يذكر هو تهيأ له فيه ماء مباح كل الإباحة لا احتمال لشيء من الغصب فيه. فاغتسل بنية الغسل عن كل ما يحتمل أن يكون في ذمته من أغسال الجنابة السابقة، أو الأغسال التي ربما كان قد اغتسلها فيما مضى بماء غير مباح. ونوى في هذا الغسل بالضميمية غسل زيارة الامام بقية الله (روحي فداه). ثم أتم غسله وخرج من الماء. لكنه ما كاد يرتدي ثيابه ويتعطر بشيء من الطيب.. حتى ملأ عينيه جمال الامام صاحب الأمر (عليه السلام). عند هذه النقطة من رواية الواقعة.. بكى هذا الرجل بكاء صرفه عن متابعة رواية ما جرى بعدئذ له. ولعله كان لا يريد أن يفشي سر ما نال من فيوضات. بيد أن في كثرة ما بكى حين كان يروي وفي شدة ما اعترى حالته من تغير.. ما يكفي للدلالة على وفرة ما استمد من الامام (عليه السلام) خلال تلك الواقعة وكثرة ما انتفع. صديق آخر.. ربما يعرفه أغلب القراء، إذ هو كاتب معروف قد تكرر ذكر اسمه فيما ألفت من كتب. قال هذا الصديق: كنت قد سمعت من أحد أولياء الله أن من يبكي صباحاً ومساءً على مصائب سيد الشهداء (عليه السلام) ويدون على هذا مدة لا تقل عن سنة.. فإنه يفوز بزيارة الامام بقية الله (روحي فداه). دمت على هذا العمل جولاً كاملاً ؛ اقتداء بالامام (عجل الله تعالى فرجه) الذي ورد عنه في زيارة الناحية المقدسة: لأبكين عليك صباحاً ومساء.. أملاً في عظيم مثوبة البكاء على الامام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).. ورجاء للفوز بزيارة امام الزمان (عليه السلام). وخلال هذه المدة لاحظت في روحي انعطافاً عجيباً ؛ إذ حدثت في باطني رقة قلب هي من علائم (الإنسانية) في الانسان. وفي أحد الأيام كما في كل يوم كنت أقرا في كتاب (المقتل) عن مصائب الامام سيد الشهداء (صلوات الله عليه) كانت قراءتي هذه في أولها.. تهيأت عندها للبكاء. لكني فوجئت بصوت قد سبقني إلى البكاء. شعرت أنه يبنبعث من حولي.. واخذ يعلو ويعلو. في البداية خلت أن جماعة من الناس في مكان قريب يبكون على أمر ما. ودهشت بعدها لما علمت أن المسألة لم تكن كما خلت، فما إلى قربي من أحد يبلغني صوته بهذا العلو. ومهما يكن.. فقد كنت أواصل القراءة الرائية في المقتل، حتى بدأت الدموع تترقرق بين أجفاني، وأخذت بعدئذ تتساقط من طرف العين. وما زلت أذكر أني كنت في حينها أقرا عن مصيبة الرضيع (عليه السلام). وكنت أبكي على فاجعة رضيع الحسين (عليه السلام) الذي ذبحوه ظامئاً في القماط. اما البكاء الذي كنت اسمعه ينبعث من حولي فراح يقوي ويعلو فوق صوت بكائي، فأحسست أني كنت أقرا في مجلس كثير حضاره، مرتفع فيه البكاء. لم أكن أدري.. أكان الباب يبكي، والحائط يبكي؟ أم أن ملائكة السماء قد تقاطروا يهبطون في هذه الغرفة.. وكان الذي اسمعه هو صوت دويهم وزجلهم؟ أهم مؤمنو الجن يشاطرونني البكاء والأحزان؟ وعلى أي حال.. فقد ارتحت إلى أني لم أكن اليوم وحدي الذي أبكي. واستمرت هذه الحالة زماناً، ثم بدأ صوت البكاء والنواح يخف شيئاً فشيئاً. بعدها تعطر المجلس وتنور بتجليات امامنا بقية الله (صلوات الله عليه)، وجاد علي بفيوضات عظيمة...امتنع عن ذكرها. وهنا طلبت منه باصرار أن يحكي لي طرفاً من تفصيلات هذا التشرف، لكنه أبى. وقد دونت هنا هذا القدر من الحكاية لأقول لمحبي الامام بقية الله (روحي فداه) وأقول لعاشقيه: إن البكاء على الامام سيد الشهداء (عليه السلام) بكرة وعشياً فوائد جمة. وإذا ما أراد أحد أن تفاض عليه فيوضات عظمى خلال التقائه بالامام (عليه السلام).. فعليه أن يتوسل بهذه الوسيلة. ليسوا جميعاً من محبي إمام الزمان (عليه السلام): لم يكن مسجد جمكران فيما مضى واسعاً ليستوعب كثيراً من الناس. علاوة على أن طريق السيارات لم يكن معبداً بحيث يتيسر الذهاب إلى المسجد بسهولة. من أجل هذا كان مسجد جمكران حكراً على بضعة أفراد يموجون بمحبة الامام (عليه السلام). وهؤلاء يمضون إلى المسجد على كل حال كل ليلة جمعة. أما في غير ليالي الجمعات.. فكان المسجد خالياً من الناس، فيغلق الخادم باب المسجد، وينصرف. ثمة امرأة عجوز ذات صفاء قلب.. ربما تشرفت مراراً بلقاء الامام ولي العصر (عليه السلام)، في اليقظة وفي المنام. في ليلة جمعة قصدت المسجد، بعد توسعته. وفي المسجد رأت مئات أو آلافاً من الأشخاص..داخل المسجد وفي غرفة، وفي الأفنية والباحات.. مشغولين بالعبادة والدعاء. وكلهم يتودد إلى الامام (عليه السلام) ويتوسل به. قالت هذه المرأة: لما شاهدت هذه الجموع من الناس، وقارنت عدد الحاضرين بعددهم قبل توسعة المسجد.. استأنست وحمد الله على كثرة الناس الملتفين حول الامام (عليه السلام) المحبين له. بهذا الاحساس دخلت المسجد، فاديت أعمال المسجد، ثم زرت الامام (عليه السلام) بزيارة آل ياسين...و رحت أخاطب امام الزمان بيني وبين نفسي.. وقلت له: مولاي.. أنا مسرورة كثيراً ؛ لأن أناساً كثيرين يحبونك حباً وافراً، ويجتمع في الليالي عدد كبير حول المسجد، يتوددون إليك ويأنسون بذكرك. ثم إني خرجت من المسجد، وتناولت قليلاً من الطعام الذي يقدم في المسجد عادة لعامة الناس.. وذهبت إلى غرفة في المسجد كنت اتخذتها من قبل للاستراحة، ونمت فيها. وفي عالم الرؤيا أو في عالم المعنى شاهدت الامام بقية الله (عليه السلام) قد دخل مسجد جمكران.. فكان يمشي بين الناس، ولكن أحداً لم يتوجه له. عندها خرجت من غرفتي أعدو، وتقدمت بالسلام عليه، فأجابني بكل لطف. كررت على الامام (عليه السلام) ما كنت قلته في اليقظة، وقلت: مولاي العزيز.. فداء لتراب قدميك! أنا مسرورة لأن الناس ولله الحمد – يحبونك كثيراً، وقد جاءوا كلهم إلى هنا من أجلك. عندها تأوه الامام (عليه السلام)، وقال: كل هؤلاء ما جاءوا من أجلي. تعالي معي نسألهم عما جاء بهم إلى هنا. قلت: فداء لك... أنا في خدمتك. برفقة الامام ولي العصر (ارواحنا فداه) ذهبت بين الناس. وسألهم الامام واحداً واحداً عما أقدمهم إلى المسجد. قال أحدهم: مولاي.. عندي مريض يئس منه الأطباء. وقال آخر: أنا مستأجر،و أريد داراً تكون ملكاً لي. ثالث قال: أنا مدين.. ألجاني ضغط الديون إلى باب دارك. الرابع: امرأة.. تستغيث من زوجها. الخامس: كان رجلاً يشكو زوجته. وهكذا.. كان لكل واحد منهم حاجة جاءت به إلى هنا. اضطرته حاجته الشخصية، بدافع ذاتي للحضور في المسجد. فقال لي الامام (عليه السلام): أرايت؟! أنهم لم يأتوا إللي. أن خير ما في هذه الجمهرة من الناس هم من لهم اعتقاد، ويطلبون مني حاجاتهم لأنهم يرونني واسطة الفيض. وإذا جزنا هؤلاء، فإن عدداً كبيراً ما قدموا إلى هنا إلا للنزهة.. وحتى أن بعضهم ليس على يقين بوجودي. ثم رأيت وأنا على هذه الحالة رجلاً قاعداً في جانب من المسجد، كان قد جاء من اجل امام الزمان (عليه السلام). قال لي الامام: تعالي نسأله عن حاله. في عالم النوم هذا.. ذهبت مع الامام نحو سيد معمم، خطر في ظني أنه من العلماء. كان جالساً في زاوية جلسة القرفصاء، وهو يدير طرفه في أرجاء المسجد.. يبحث عن ضائع له. وما ان لمح الامام حتى وثب من مكانه، ووقع على يد الامام وقدمه قائلاً: فداك أبي وأمي ونفسي.. أين كنت وقد كدت أقضي نحبي في إنتظارك؟! أخذ الامم (عليه السلام) بيد هذا الرجل الذي راح يقبل يد الامام ويبكي. سأله الامام: لم جئت إلى هنا؟ لم يقل شيئاً، واشتد بكاؤه. سأله الامام ثانية.. فقال: مولاي.. ماذا أريد منك غير الوصال؟! أريدك أنت؟ أنت نعيمي وجنتي. أنت دنياي وآخرتي! أنا لا أستبدل لحظة لقاء بك واحدة بكل ما سوى الله. ما قيمة الروح للمحبوب تنثرها *** و مثلها يملك الصعلوك والجلفُ؟! عندها التفت إلي الإمام، وقال: ما مثل هذا الشخص الذي جاء لي إلا نفر قليل. وهم يبلغون ما يريدون. نموذج... للتذكير: ذكرنا فيما مر أن من يبتغي الفوز بوصال مولاه الامام بقية الله (ارواحنا فداه).. فعليه أن يوجد بما أوتي من قدرة مشابهة ومجانسة روحية بينه وبين الامام (عليه السلام). أنه لمن المحال على سبيل المثال على من هو حقود، يغتاب ويفتري ويحقر الآخرين.. أن يرتبط محبة ورفقة ووصالاً بالمولى الذي هو مظهر لله الستار العيوب، والذي هو المرآة الأصفى التي يتجلى فيها الله (تعالى) الغفار الذنوب كامل التجلي. وهو خليفة الله (سبحانه) الذي نخاطبه في دعواتنا ب (يا من أظهر الجميل وستر القبيح). وعلى المرء أن يعمل جهده لتنمية الخصال الخيرة في داخله.. كأن لا يكشف عيوب الناس، ويصفح عن أخطائهم ويعفو، وينشر محامد الآخرين، ويغضي عن الأسواء. كنا في ليلة مدعوين في منزل صديق من أصحاب الثروة والمال. وبعد تناول طعام العشاء.. أقترح أحد محبي امام الزمان (عليه السلام) أن يصار إلى التوسل لاستدرار ألطاف من الامام وفيوضات. وكان من المنتظر أن يوافق المدعوون وهم من أهل الاقبال على ما اقترح. كان مجلساً طيباً.. تضرع خلاله أحد الكبراء بالحاح ليحضر الامام بقية الله (ارواحنا فداه) في المجلس، ويشارك الحاضرين في الدعاء. قال أحد المدعوين ألقي في روعي أن الامام (عليه السلام) قد حضر، لكنه لم يدخل، وظل خارج الدار. وتسائلت عندئذ في سري: لماذا لا يدخل الامام الدار، فينور مجلسنا؟! فجاءني الجواب: لا أدخل الدار لوجود اشكال في ملكيتها. عندها قال هذا الرجل: اذن.. ينبغي أن نخرج نحن بأسرع وقت من هذه الدار. فقال له الامام (عليه السلام): لا، قد أذنت لكم بالولاية التي لي أن تمكثوا إلى الوقت الذي كنتم قد حدّدتموه، ولا تفضحوا الرجل. وانما أقول لك هذا ويمكنك أن تقوله لبعض أصحابك لتذكروا صاحب الدار لكي يصلح وضع داره، وتلقوا عليه الحجة.. فلعله في غفلة. أراينا اذن كيف تعامل الامام (عليه السلام) مع الموضوع.. فلم يشأ أن يخرج هؤلاء من الدار لئلا يذهبوا بكرامة رجل مؤمن يسكن في دار مغصوبة.. أما بسبب حب الدنيا، أو بسبب الغفلة، فيفشي عيبه أمام ضيوفه الحاضرين. وإذا ما أخبر به شخص واحد أو بعض الأشخاص، فما ذاك الا ليعملوا على تذكير صاحب الدار وإيقاظه من غفلته، أو إلفات نظره إلى ذلك الآثم. وعلى هذا.. فإنه ينبغي لمحبي الامام ولي العصر (عليه السلام) أن يسعوا ليكونوا مظهراً للصفات الألهية، فيغدو كل منهم (ستار العيوب، غفار الذنوب). ومن النافع في هذا السياق أن نذكر أن أحد أولياء الله (تعالى) كان يقول: إن الإكثار من ذكر: يا ستار العيوب، ويا غفار الذنوب مع التوجه القلبي.. يوفق الانسان لتحقق بهاتين الصفتين. قيمة العمل الخالص: في احد الايام اتصل بي هاتفياً أحد طلبة العلوم الدينية في مشهد، يطلب مني موعداً للقاء بضعة دقائق. أجبته إلى ما أراد، واتفقنا على ساعة اللقاء. ولما استقر به المجلس في الموعد أبتدرني قائلاً: منذ مدة اشتريت كتاب (معراج الروح) وقرأته. والدرس الذي تعلمته من هذا الكتاب أن على المرء – تهيؤاً للتشرف بلقيا امام الزمان (عليه السلام) أن يؤدي أعماله باخلاص. ومع أني قد قطعت شوطاً حسناً في هذا السبيل حتى أني قد فزت بلقائه (عليه السلام) – لكني اجد صعوبة كبيرة في تحقيق الاخلاص في الاعمال الصغير والكبيرة. فإذا ما أعنتني في هذا السبيل فسأكون لك من الشاكرين. قلت له: إذا أردت أن تصل إلى مقام من أخلصوا لله دينهم فعليك أن تسلك إلى هدفك طريقه الصحيح. أي أن تقوم بأعمالك الأساسية المؤثرة بقصد القربة. فإذا ابتغيت اختيار شغل لك مثلاً.. أو شراء دار، أو أردت الزواج.. فينبغي أن تجعل نيتك خالصة لله، ولو كلفك هذا ساعات طويلة تقلب فيها الأمور على وجوهها ؛ حذراً من أن يكون لهوى النفس دخل فيما أنت مقدم عليه. وحاول في بادئ الأمر أن تراقب نيتك في القضايا الكبيرة والمصيرية بحيث لا تكون نيتك إلا لله (تعالى) وحده. وعندما تواظب مدة على هذه الشاكلة فإن انجازك الأعمال الأساسية مخلصاً لله (جل جلاله) سوف يعينك بعدئذ على الاخلاص في الأعمال الصغيرة. ثم يتدرج بك الأمر حتى تخلص لله في كل أعمالك اليومية، فتزهر كلها وتتنور بقصد القربة. أما إذا أردت الاخلاص منذ البداية في أعمالك كلها كبيرها وصغيرها في وقت واحد، قاصداً فيها كلها القربة إلى الله (عز وجل).. فإنك ستواجه صعوبات جمة، وربما لا يحالفك التوفيق. وأعلم أن الخلوص له قيمته العالية ؛ فإن عملاً واحداً ينهض به المرء خالصاً لوجه الله (تعالى) ربما ينقذ الإنسان يوماً من مآزق مهلكة. بل أن الإنسان قد يفوز في مثل هذا الاخلاص في بلوغ المقاصد الرفيعة.. مثل اللقاء بامام الزمان (عليه السلام). كنت قد شهدت في وقت ما أحد وعاظ إيران الاجلاء وقد أصابه مرض رئوي شديد عجز عن علاجه الاطباء.. حتى لصق جلده بعظمه من فرط الضعف والهزال، وقذف من فمه آخر قطرات دمه. كان القسم الأعظم من رئتيه قد تلف.. فأشير عليه أن يسافر على جناح السرعة إلى إحدى المستشفيات الروسية في موسكو للعلاج، ولكنه فاجأنا إذ تماثل بعد أيام قلائل للشفاء الكامل بدون أن يسافر للمعالجة. وحين سألته عن شفائه هذا المفاجئ.. قال: في الليلة التي كان مقرراً أن يأخذوني في صبيحتها إلى موسكو.. كنت أعلم أني سوف أموت في الطريق، أو أقضي نحبي هنالك في بلد الكفر. كان أخي تلك الليلة هو الذي يقوم بشأن تمريضي ورعايتي.. فكنت أنتظر أن يخرج من الغرفة التي أنا راقد فيها لأفعل ما أريد. وما أن خرج حتى وجهت وجهي بما أنا عليه من الوهن والضعف تلقاء كربلاء. ثم رحت أخاطب الامام سيد الشهداء (عليه السلام) قائلاً: أتذكر يا مولاي أني ذهبت مرة إلى دار تلك العجوز وقرأت لها مجلس تعزية.. بدون أن آخذ أجراً، وما كانت نيتي إلا إبتغاء رضوان الله (تعالى)؟! ثم ذكرت بضعة أعمال كانت لي من هذا القبيل في الاخلاص، وطلبت من الامام (عليه السلام) أن يمن علي إزاء هذه الأعمال الخالصة بمنة الشفاء. ثم لم تمض إلا لحظة على ما قلت.. حتى رأيت باب الغرفة قد فتح، ودخل منه سيد الشهداء وأخوه أبوالفضل العباس (عليهما السلام). عندها قال الامام الحسين (عليه السلام) لأخية ابي الفضل (عليه السلام): يا أخي.. عالج مريضنا. فأمر (عليه السلام) يده على وجهي حتى بلغ صدري. ثم سارا وذهبا بعدها احسست بالعافية و السلامة، بحيث لم أعد في حاجة إلى طبيب ولا لمستشفى , وها أنذا كما ترى مشافى معافى. روى العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) في كتابه (بحار الأنوار ج 69 ص 287) عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: رُوِيَ عَنْ النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: خرج ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يرتادون لأهلهم، فأصابتهم السماء (أي أمطرت مطراً شديداً) فلجئوا إلى (مغارة في) جبل، فوقعت عليهم صخرة (سدت باب المغارة).. فقال بعضهم لبعض: عفا الأثر ووقع الحجر، ولا يعلم أحد مكانكم إلا الله تعالى، ادعوا الله سبحانه بأوثق أعمالكم. فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت امرأة تعجبني فطلبتها فأبت علي، فجعلت لها جَعلا فطابت نفسها، فلما جَلستُ منها اشتد ارتعادها من خشيتك - أي من خشية الله -، وقالت إنما جئتك لِضُرٍ فتركتها، فإن كنتَ تعلمُ أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فأفرج عنا. قال: فزال ثلث الحجر. وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والِدان، وكنتُ أحلِب لهما، فأتيتهما ليلة وهما نائمان، فقمت قائماً حتى طلع الفجر، فلما استيقظا شربا، فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك فأفرج عنا. قال: فزال ثلث الحجر. وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيراً يوماً فعمل إلى نصف النهار، فأعطيته أجره فسخط ولم يأخذه، فصرفت ذلك الأجر إلى التجارة في المواشي وغيرها. فلما جاء يطلب أجره قلت: خذ هذا كله لك - أي الأُجرة مع أرباحها -، ولو شئتُ لم أعطه إلا أجره، فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فأفرج عنا. قال: فزال ثلث الحجر، وخرجوا يتماشون. واننا لنفهم من هذا الحديث ومن هذه الواقعة أن ابن آدم إذا عمل عملاً خالصاً فإن أجره حاضر عند الله ومهيأ ويمكن أن يعوضه الله (تعالى) أي تعويض يشاء. ولكن: ما أروع أن يطلب المرء لقاء عمله الخالص أن تنفتح له صلة بالامام صاحب الامر والزمان (عجل الله تعالى فرجه)! تربية التلاميذ.. وخواص العدد أربعين (40): حين ذهبت العام الماضي إلى طهران، لم يكن لدى متسع من الوقت للمكوث هناك أكثر من يوم واحد أو يومين. وقد رغب عدد من الأخلاء أن اشترك معهم في ملتقى عقدوه ليلاً في دار أحدهم. تخللت ذلك الملتقى حالة من التوجه والاقبال..حتى فاضت عليه تجليات سخية من الامام صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).. إلى حد أن هولاء الأخلاء لم يكونوا قادرين من فرط الشوق على انهاء الجلسة. وما زالوا كذلك حتى ارتفع صوت أذان الفجر.. وقد فازوا تلك الليلة بعطايا جمة. قال أحد المشاركين في تلكم الجلسة وهو من الشخصيات العملية المعروفة: في حسباني اننا إذا دمنا على عقد مثل هذه الجلسة عدة ليال.. فإن كان المشتركين سيصلون في الأقل إلى مقام الخلوص. ومن المؤكد أن تهيئة هؤلاء الأفراد لهذا المقام يعد خدمة كبرى لعالم الإنسانية ؛ ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): لئن يهدي على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت). كان هدف صاحبي من وراء كلامه هذا أن أمكث أياماً آخر في طهران لمواصلة مثل هذه اللقاءات المثمرة غافلاً أن (فاقد الشيء لا يعطيه). قلت له: ليس عدد الحاضرين في هذه الجلسات عدداً ثابتاً، فهو يزداد مرة وينقص أخرى. إلى جوار هذا فإنهم ليسوا على مستوى روحي واحد.. فلا يتيسر عندئذ أمر التربية والتوجيه. ذلك أن تربية الأفراد على نحو جماعي إنما يماثل كتابة وصفة طبية ذات مضمون واحد لمعالجة عدة أفراد، كل منهم يشكو من داء يختلف عن أدواء الآخرين. أن الوصول إلى مقام (الخلوص) يحتاج إلى مسلك خاص بكل فرد على حدة. ثمة أشخاص ينطوون على عدة صفات بهيمية يتعين عليهم العمل على تزكية النفس وتهذيبها ليبلغوا مقام الخلوص. ورب شخص آخر معافى من الصفات البهيمية هذه، لكنه يستبطن صفات سيئة ورذائل أخرى تتسلط عليه، وهي مما ينبغي أن يعالج بوصفة أخرى غير التي تكتب لغيره. ثم أني من أجل مزيد من الإقناع لصديقي العالم سردت له حكاية شاب فاز بمقام الخلوص، بما ررّض نفسه من رياضات شرعية. قبل عدة سنين قال لي شاب معلم اسمه مصطفى: لو تنفق معي كل يوم ساعة من وقتك لمدة سنة واحدة تعلمني أصول العقائد والأعمال الخاصة بتزكية النفس.. لكان هذا العمل ولا شك مفيداً لي ولطائفة من تلاميذي الذي يسألوني في المدرسة عن مثل هذه المسائل، فيكون في ذلك إرشاد لهم وتربية. اجبته إلى ما أراد، وشرحت له خلال دورة تعليمية أصول العقائد والقضايا المتصلة بتزكية النفس.. وكانت المسألة التي عني بها أكثر من سواها كوسيلة إلى غايته، حتى حظي كما يذكر هو بلقاء امام الزمان (عليه السلام) وبالارتباط به روحياً.. هي أنه أبتدا في أول خطوة بترك المحرمات وأداء الواجبات، والالتزام التام بالتقوى، كما تعهد لمدة أربعين يوماً بأداء عمل واحد. ومثال على هذا الالتزام الأربعيني الفائق الأهمية.. المواظبة على هذه الأعمال التي سنوردها، والفوز من ثم بالتخفف من حجاب (حب الدنيا) الذي هو أشد الحجب ظلاماً في قلب الإنسان: صباح كل يوم كان يقرأ (دعاء التوسل) لطلب حاجته. وما كانت حاجته إلا أن يخرج حب الدنيا من قلبه. أما حاجاته الأخرى فقد خصص لها اربعينيات أخرى لاحقة. لم يترك خلال هذه الأيام الأربعين نوافل الصلوات اليومية ولا نافلة الليل. ولم يكن هدفه من ورائها شيئاً غير إزالة حجاب حب الدنيا وغشاوته من القلب. قبل أن يخلد إلى النوم ليلاً كان يسجد سجدة يقرأ فيها اليونسية، (أي لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين).. مع التوجه إلى معناها (إلهي.. أزل حب الدنيا من قلبي ؛ فأنت المنزه المطهر لي، بعد أن ظلمت نفسي، وأوقعتها في هذه الظلمات) وكان يكرر هذا الذكر في سجوده لا أقل من مئة مرة في كل ليلة. وقد دام على هذه الرياضة الشرعية مدة أربعين يوماً. ولم يكن له من قصد سوى أن يخرج من قلبه حب الدنيا. وكان مآل أمره أن وفق ولله الحمد بسهولة ويسر إلى النجاة من هذا المرض الروحي الخطير نجاة كاملة. وقد كان يعمل أعماله مستلهماً الأحاديث والروايات. حتى إذا التزم عدة اربعينيات لرفع حجبه المختلفة كان لا يجترح أدنى عمل يخالف تعليمات النبي وأهل بيته الطاهرين(صلوات الله عليهم اجمعين). عندها قال صديقي العالم: أليس الألتزام مدة أربعين يوماً كاملة بقراءة دعاء التوسل وذكر اليونسية وأداء النوافل اليومية.. مما يخالف تعاليم الإسلام؟! أين ذكر أهل العصمة (عليهم السلام) مسألة الالتزام بهذه الأعمال مدة أربعين يوماً لا تنقص ولا تزيد؟ قلت له: لقد ثبت بالتجربة أن الانسان إذا أراد أن يظفر بحاجته من الله (تبارك وتعالى).. فينبغي أن يركز هتمامه مدة على طلب تلك الحاجة. ومعنى هذا أن المرء إذا جعل حاجة واحدة من حاجاته في مركز الانتباه، وراح يتوسل إلى الله (تعالى) بكل مشاعره وقواه لقضاء هذه الحاجة. فإنه يوفق على نحو أفضل – لبلوغ مراده. وإذا كان ثمة أستاذ يرسم له برنامجاً خاصاً في هذا الصدد.. فإن الاستاذ هو من يعين له هذه المدة. وحين يكون الاستاذ مستمداً من الأحاديث والروايات، أو أنه يحدد أولويات الحاجات وفق اطلاعه على الحالة الزمانية لتلميذه.. فإنه ولا شك لا يكون مجانباً لتعليمات أهل بيت العصمة والطهر (عليهم السلام)، ولا يعد عمله هذا من نوع البدعة المحرمة ؛ إذ ربما لا يكون أمامه من سبيل إلى التزكية غير هذا، ولأن هذه التعليمات التي ألقاها إلى تلميذه ليست ذات صفة عامة باقية تسري على سواه في مختلف الأزمنة. إن أحاديث جمة تؤكد أن للعدد (40) أثراً في الأعمال. فإذا أدى شخص ما أعمالاً مستحبة وفق خطة اربعينية.. فلا ريب عندئذ أنه لم يأت عملاً يخالف أحاديث الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ؛ ذلك أن هذه الأحاديث نفسها هي مستندة لمدة الأربعينية. في أحد الأيام قصدني في المنزل بمدينة مشهد المقدسة رجل كان يقضي ليالي الأربعاء ولسنوات متمادية بالعبادة في مسجد السهلة بالكوفة. وقد أبعده النظام الحاكم في العراق بذريعة أنه إيراني الأصل. وفي منزل حكى لي وقائع من تشرف طائفة من الناس بلقاء الامام ولي العصر (عليه السلام) في العديد من ليالي أربعاءات مسجد السهلة. وسألته: ما العمل الذي رأيت من خلال تجربة خمسين سنة تقضي كثيراً من ليالي أربعاءتها في مسجد السهلة أنه الاكثر توفيقاً للوصول إلى المحضر المبارك للامام بقية الله (روحي فداه)؟ قال المداومة على أعمال مسجد السهلة في أربعين ليلة أربعاء. لقد رأيت أكثر من مئة شخص فازوا كلهم بنحو أو بآخر بلقيا امام زمانهم (عليه السلام). بعضهم شاهد الامام.. وما عرفه. وآخر عرفه ولكنه (عليه السلام) تصرف به، فلم يقدر أن يتفوه أمامه بشيء. وغير هذا وذاك.. رجل رأى وعرف ونال من حاجاته ما كان يود. ثم حكى لي هذا الرجل ثلاث وقائع تشرف هو فيها بملاقاة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، لا أجد حاجة لسردها هنا لأنها غير ذات نفع لعامة الناس. ****************** إن ما قاله هذا الرجل الجليل إنما يقع في إطار ما يؤيده العديد من كبار العلماء، من مثل العلامة النوري (رضوان الله عليه)، إذ اورد الشيخ النوري اسماء كثيرين كان لهم شرف لقاء الامام (عليه السلام) في عصر الغيبة الكبرى، فقال: (إنه قد علم من تضاعيف تلك الروايات أن المداومة على العبادة، والمواظبة على التضرع والإنابة في أربعين ليلة أربعاء في مسجد السهلة، أو ليلة الجمعة فيها أو في مسجد الكوفة أو الحائر الحسيني (على مشرفه السلام).. طريق إلى الفوز بلقائه (عليه السلام) ومشاهدة جماله. وهذا عمل شائع معروف في المشهدين الشريفين. ولهم في ذلك حكايات كثيرة، لم تتعرض لذكر أكثرها.. إلا أن الظاهر أن العمل من الاعمال المجربة، وعليه العلماء المجربة، وعليه العلماء والصلحاء والأتقياء).(1) الشيخ محمد تقي المازندراني يفوز باللقاء: للامام ولي العصر (عليه السلام) محبة خاصة لشيعته ومحبيه. وهو (عليه السلام) يدعو لهم في أكثر الأوقات، ويعنيه دوماً إنقاذ الناس من المهالك الدنيوية والأخروية. إنه غياث من لا غياث له. إنه شفيع المذنبين، إنه رحمة العالمين.. وشافع يوم الدين. وقد حفظه الله (تعالى) في هذه الدنيا كما يستفاد من دعاء (الندبة) ليكون للخلق ملاذاً وعصمة من الأدناس والأرجاس. المرحوم الشيخ الجليل محمد تقي المازندراني أحد كبار العلماء المعاصرين. وقد أشاد به كثيراً مؤلف كتاب (المعجزات والكرامات). حكى هذا الشيخ الفاضل فقال: كلما كنت أذهب في سنوات الشبيبة إلى النجف الأشرف للزيارة.. كنت أقصد مسجد السهلة أبيت فيه ؛ إذ كنت أجد في هذا المسجد من الروحية العالية ومن الشفافيةو ما لا أحده في سواه من المساجد. وقد ألِفتُ أن اتخذ لي حجرة هناك للمبيت في الطابق العلوي محاذية للمقام المقدس للامام بقية الله (روحي فداه). في إحدى السفرات... مضيت من النجف الأشرف إلى مسجد السهلة، فوجدت الغرفة المعهودة مشغولة من قبل بعض الزائرين، فاتخذت غرفة أخرى خالية تقع في شرق المسجد لأبيت فيها. وحين كنت في هذه الغرفة.. أتاني رجل، وقال: ألا تريد ضيفاً؟ قلت: تفضل. وبعد أن دخل قال: معنا أمراة أيضاً. قلت: وإذن فلا بد أن أترك لكم هذه الغرفة. قال: نعطيك بدلها غرفة خالية. قلت: لا مانع. اصطحبني هذا الرجل إلى الغرفة التي ذكرها.. فإذا هي الغرفة التي تعودت على المبيت فيه من الطابق العلوي من غرف المسجد. كان هذا الرجل ومن معه يشغلون هذه الغرفة، لكنها لم تكن تناسبهم لأن فيهم من لا تقوى قدماه على صعود السلم، ومن أجل هذا فضلوا تلك التي كنت فيها. على أي حال.. تحولت إلى الغرفة. ثم لما حل الليل وحان وقت نومي، خلدت إلى النوم. وحين بلغ الليل منتصفه.. استيقظت، ونظرت إلى الساعة. كان الوقت وقت التهجد والقيام لصلاة الليل. في هذه الأثناء سمعت في فضاء المسجد صوتاً يموج بمناجاة مذهلة توقظ الروح.. كانت جدران المسجد تتجاوب لها وتهتز. أصغيت جيداً لأعرف من أين تصدر هذه المناجاة الجليلة الرائعة، فادركت أنها كانت تنبعث من مقام الامام صاحب الزمان (عليه السلام). وتركت مكاني قاصداً المقام.. فرأيت هناك رجلاً مهيباً ساجداً لدى الجدار شرقي مقام امام الزمان (عليه السلام) في وسط باحة المسجد.. وهو يناجي الله (جل جلاله). وارتعدت فرائصي بغتة لرؤياه , وقعدت على الأرض استمع إلى ما كان يقول في مناجاته. لكني لم أتبين من مناجاته إلى بضع كلمات. كان يقول أحياناً: شيعتي! وإذ كنت أدركت من بعض الدلائل والأمارات بل أيقنت تماماً أن هذا الرجل المهيب هو الامام بقية الله (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء)، فاضطربت وو قعت على الأرض في إغماء. ثم لما فتحت عيني.. كانت الشمس على وشك الشروق. فقمت وتوضأت وصليت فريضة الصبح. وبعد سماعي تلكم المناجاة بقيت مدة أجد في داخلي حالة من البهجة ومن الإنشراح تستعصي على الوصف. عند الوفاة.. يجيئ امام الزمان (عليه السلام) من الراجح رجحاناً قوياً كما يفهم من الروايات أن الامام بقية الله (روحي فداه) يحضر الميت عند احتضاره.. خاصة إذا كان الميت من العلماء، ومن الشيعة الأتقياء. وإذ إنه (عليه السلام) امام حي، وولي كل مؤمن ومؤمنة.. فمن غير المستبعد أن الوجود المقدس للامام (عليه السلام) هو نفسه يصلي على هذا الميت حتى لو صلى عليه الآخرون. وقد نقل عن الامام علي أبن ابيطالب (عليه السلام) أنه اخبر الحارث الهمداني بمفاد قوله: من يمت يرني.(2) اذ يحتمل أن يكون هذا المعنى شاملاً لمعاصري الامام امير المؤمنين (عليه السلام). اما من مات بعد هذا الزمان فإنه يرى لدى إحتضاره امام وقته وزمانه. كما تشهد بذلك الروايات والوقائع التي ليس لأيرادها متسع. وهذا أي رؤية كل ميت لامام زمانه لا يتنافى وقول الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام). فمن الممكن أن يعاين المحتضر، في لحظة الموت: امام الزمان (عليه السلام) والامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام). كما من الممكن أن يكون لقوله: من يمت يرني ، جنبة نوعية. أي أنهم جميعاً (عليهم السلام) نور واحد، وكلهم واحد. وتنص الروايات عنهم (عليهم السلام) على جواز نسبة قول أحدهم إلى الآخر. وعلى هذا.. فلا غرابة في أن يكون المراد بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الذي يموت في زمان امير المؤمنين يره (عليه السلام). ومن يمت في زمان غيره من الأئمة (عليهم السلام) فإنه يرى امام عصره وزمانه. ولسوف تتجلى هذه الحقيقة يوم القيامة في ارتباط كل مأموم بامامه..كما قال الله (جل جلاله) (يوم ندعو كل أناس بإمامهم). وحتى ماء الكوثر فإن كل فئة من المؤمنين يسقيهم منه امام زمانهم، كما ورد في دعاء الندبة: (واسقنا من حوض جده (صلى الله عليه وآله) بكاسه وبيده رياً روياً سائغاً لا ظمأ بعد.... يا أرحم الراحمين). كان المرحوم آية الله العظمى سيد محمد هادي الميلاني وهو من علماء الشيعة ومراجعهم قد أقام في مدينة مشهد. وقد قال لي أكثر من مرة: أنه اختار سُكنى مشهد.. لما كان يرى في الحوزة العلمية هنا من ضعف تحتاج معه إلى إحياء وإنهاض، وكذلك لحبه الامام الثامن علي أبن موسى الرضا (عليه السلام). وكنت أعرف على نحو الإجمال أن لهذا العالم الجليل صلات بالإمام بقية الله (روحي فداه). وقد سمعت من بعض أولياء الله أنه قد فاز مرات بلقاء الامام ولي العصر (عليه السلام). وفي مشهد المقدسة.. توفى هذا الأستاذ الكبير والمرجع الجليل.. وما أن سمعت بنبأ وفاته حتى قصدت داره. وقد كان أبناؤه إقتداء بوالدهم المعظم – يكنون لي مودة خاصة..فأدخلوني في الغرفة التي وضعت فيها الجنازة، حيث يدخلون خاصتهم. جلست دقائق إلى جوار جثمانه الطاهر، وقرأت الفاتحة. في هذه الأثناء.. دخل الغرفة رجل، قائلاً: كبار علماء مشهد قد اجتمعوا، ويقولون: فلتحملوا الجنازة. ولكن كبير أبناء المرحوم آية الله الميلاني صاح بصوت عال: لن أسمح بحمل جنازة والدي ما لم يحضر الامام صاحب الزمان (عليه السلام). قال عبارته هذه بحرارة واهتياج.. إلى حد أن داخلني آمل كبير بل لعلي جزمت أن أحظى اليوم برؤية جمال الامام ولي العصر (عليه السلام). بعدئذ.. دخل الغرفة عدد من الرجال، كنت مطمئناً إلى أنهم من أبناء المرحوم آية الله الميلاني ومن أحفاده. وفي لحظة دخولهم ذاتها.. ملأ جو الغرفة عبير عطر عجيب، إذ ربما كان أحدهم هكذا فكرت قد طيب ثيابه بشيء من الطيب. ثم عاد الرجل الذي كان قد تحدث أولاً عن حمل الجنازة، وقال: لماذا لا تحملون الجنازة؟! أما كبير أبناء المرحوم آية الله الميلاني.. فإنه لم يقل شيئاً هذه المرة.. ورفعوا الجنازة. وعندما ذكرت هذه الحادثة لعالم كبير ذي بصيرة وقلب واع، كان حاضراً لدى التشييع.. فإنه قال كما قال كذلك كبير أولاد المرحوم: وما يدريك أن الامام (عليه السلام) لم يأت؟! وقالا أيضاً أشياء أخرى لا تستوجب النقل. ولكني قد أيقنت من كلامهما أن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) قد حضر.. ولم تكن لي اللياقة لرؤيته رؤية مقرونة بمعرفته (صلوات الله عليه). كل الأهمية.. لأمراض الروحية: جمعتنا وعددا ًمن العلماء وليمة غداء أقيمت في مشهد بمناسبة قدوم أحد علماء بروجرد. العالم الضيف كان في وقتها يعاني من مرض شديد. وكانت قد ألمت به من قبل جلطة دماغية، فقد على أثرها بصره. في وليمة الغداء تلك.. شرع كل عالم من المدعوين بسرد واقعة من معجزات الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).. وهدفهم من إيراد تلكم المعجزات أن يتزايد توجه قلب العالم الضيف نحو المقام المقدس للامام الرضا (عليه السلام)، لعله يرتد ببركاته بصيراً كما كان. ولا أنسى أن أحد العلماء قال في وقتها: قبل عدة أيام رأيت شاباً مصاباً بالشلل قد دخل الحرم الطاهر للامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). وصادف دخوله مع دخولي. ثم لما خرجت من الحرم لاحظت هذا الشاب نفسه مقبلاً نحوي يسعى، وقد عوفي تماماً من علته. وقال آخر: البارحة في الحرم الشريف شاهدت صبياً يعاني من التخلف العقلي والشلل، ثم أنه شفي من بليته. واحتفظت بقطعة من الثياب التي كانت عليه.. للتبرك. ماجت أفئدة الحاضرين لسماعهم هذه المعجزات. ولا حظت أهل الإقبال منهم وقد ترقرقت في عيونهم دموع الشوق.. ثم جرت منهم على الوجنات. كانت تتحدر من عينيه، في بعض اللحظات.. ولا ينطق بحرف. قال له أحد العلماء: ينبغي لك ألا تغادر مشهد حتى تنال من الامام الرضا (عليه السلام) شفائك. عندئذ.. نطق هذا العالم فقال: إن شاء الله. لكني كلما هممت في هذه الأيام أن أسأل الشفاء لأمراضي البدنية كنت أجد أن أمراضي الروحية هي الأهم. وقال: مهما تكن حالة البدن.. فإن أيامه إلى إنقضاء، وما أسرع ما يرتحل عن هذه الدنيا! هنالك لن يظل من فرق بين من يرى بعينه ومن لا يرى. لكن الطامة الكبرى أن تبقى الروح لا قدر الله مريضة على الدوام وإلى الأبد، وأن تلازم الإنسان بأمراضها وأدوائها إلى القيامة. أسألوا الله إذن أن ترتفع أرواحنا جميعاً إلى معارج الكمال الإنساني. هزتني هذه العبارة أسمعها من رجل يعاني ضائقة المرض والعمى، وقلت له: لقد ألقيت علينا درساً مربياً.. سلمك الله ورعاك. أجل.. ما أروع ما يتوفق الإنسان حين تكون له مثل هذه البصيرة! وما أدنى تفكيره من السداد! وما أوفر نصيبه عندئذ من السعادة! إن الدرس الذي نستقيه من مثل هذه الوقائع.. هو أن نولي الأمراض الروحية أهمية تزيد مئات الأضعاف على الأهمية التي نوليها الأمراض الجسدية. وأهم من هذا كله أن نسعى لتكون أرواحنا سليمة معافاة من الدنس. ندعو الله (تبارك وتعالى) أن يمن علينا للوصول إلى هذا الهدف العظيم. أريد أن أرى الامام (عليه السلام) في المنام: جائتني يوماً باكية. كانت أمرأة عجوزاً ذات صدق ديني.. ومن الملتزمات بدقة بأداء الفرائض ومفارقة المناهي.. قالت ودموعها تجري: في كتاب (معراج الروح) ذكرت أنه يمكن للانسان أن يظفر في المنام برؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كتب الدعاء الفلاني على ورقة وأودعها تحت وسادته. عشرات المرات فعلت هذا، ولا مرة رأيت الإمام. قلت لها: كنت نقلت هذا الذي ذكرته من مكتوبات المرحوم الميرزا تقي الزركري (رحمه الله).. بدون أن أعلق عليه. وجائز أنك قد رأيت النبي (صلى الله عليه وآله).في الرؤيا.. ثم أُنسيت ما رأيت. وأقدم لك الآن أعمالاً لتري الامام ولي العصر (عليه السلام) في المنام، ولكن لا تنسيني في دعائك. قال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام): (من كانت له إلى الله حاجة، وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه من الله.. فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا ؛ فإنه يرانا ويغفر له بنا، ولا خفى عليه موضعه) فإذا أردت أن تري امام الزمان (عليه السلام).. فعليك الأغتسال ثلاث ليال، خاصة إذا كان في آخر الليل. ثم تجلسين باستقبال القبلة، وتتوجهين إلى الامام (عليه السلام)، وتخاطبين الامام وفي اعتقادك تماماً انه حي حاضر بخطاب رقيق ودود.. وتطلبين حاجتك. وعقب تطهر البدن والروح بالاغتسال، وبعد هذه المناجاة التي توجه القلب إلى الامام (عليه السلام) تمضين إلى النوم.. وسوف ترينه بإذن الله في الرؤيا. وقد عملت هذه المرأة ما قلت لها.. ونالت حقاً مرادها، والحمد لله. ثمة رجل من الأهواز اسمه اسماعيل. يقول اسماعيل هذا: منذ سنوات بعيدة وأنا أرى كل ليلة في المنام ما سأفعله في الغد. ربما كان في قوله هذا شيء من المبالغة.. بيد أني اختبرته إذ كان معي عدة أيام. في صبيحة كل يوم من هذه الأيام كان يحكي لي ما رآه في النوم من القضايا التي ستحدث في ذلك اليوم. على سبيل المثال، أنه قال لي في أحد الأيام: رأيت البارحة أحد جيرانكم قد مات. وحدث بعد ساعتين أن أصيب أحد جيراننا بسكتة قلبية توفى على أثرها. وقال في يوم آخر: رأيت كأننا أي أنا وأنت واقفان في الشارع والناس ينظرون إلينا بشفقة. وفي اليوم نفسه كنت معه في سيارة أجرة. وفي هذه الأثناء أفلتت إحدى عجلات السيارة من مكانها. فنزلنا ووقفنا قرب السيارة في الشارع.. وكان العابرون يمرون وهم يتلطفون بنا ويظهرون الود. قلت له: هذا تعبير رؤياك. ثم أن اسماعيل هذا قال لي فيما كان يقول: لعلك لا تصدق أني حتى الآن ما رأيت أحداً من الأئمة (عليهم السلام) في المنام! قلت له: لأنك لا تذكرهم. ولو كان في قلبك محبة لهم بمقدار رغبتك في التعرف من خلال الرؤيا على ما سيحدث في اليوم التالي.. لرأيتهم (عليهم السلام). قال: وماذا عليّ أن أصنع لرؤية أهل البيت (عليهم السلام) في الرؤيا؟ قلت: أعلمك شيئاً توفق به إن شاء الله لرؤية الأئمة الأطهار (عليهم السلام).. بشرط أن يكون هدفك أنك تطلب منهم إذا رايتهم أن يخرجوا حب الدنيا من قلبك، فلا يبقى في قلبك إلا حب الله (تعالى) وامام الزمان (عليه السلام). قال: لك ذلك، وسألتزم.. إن شاء الله. قلت: إذا أردت النوم في الليل فلتكن نيتك أن ترى في منامك من تريد رؤيته، كأن تنوي رؤية الامام بقية الله (عليه السلام). ثم تقرأ سورة الشمس والليل والقدر والجحد والتوحيد والفلق والناس. وتقرأ بعدها مئة مرة سورة التوحيد، وتصلي على النبي وآله مرة، وتنام على جانبك الأيمان وأنت على وضوء.. فإنك ترى الامام (عليه السلام) وتنال بغيتك، وتتحدث إليه بما تريد من سؤال وجواب. (وقد نص على هذا الشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي في كتاب (المصباح) الصفحة 49. كانت لاسماعيل قابلية لأداء هذا العمل.. فحظي منذ أول ليلة بمنامات طيبة، رأى فيها أئمة الهدى (عليهم السلام). هي منامات يرتبط تأويلها بالحياة الشخصية لإسماعيل نفسه. كنت يوماً في سيارة أجرة بمدينة دمشق.. قاصداً حرم العلياء السيدة زينب عقيلة بني هاشم (عليها السلام). كان إلى جواري في السيارة شاب بدا عليه أنه يود أن يتحدث معي.. لكنه كان متردداً خشية ألا أكون قادراً على التكلم باللغة العربية. ومن أجل أن أريحه بتحقيق ما كان يود، سألته بالعربية عن أحواله، فسره كلامي كثيراً، وقال: سيدنا.. مسألة. قلت: سل. قال: توفى أبي قبل سنوات. وفي إحدى الليالي رأيته في الرؤيا وهو يتعذب عذاباً أليماً، بسبب فساد معتقده وسوء عمله. فقال لي: ولدي.. كنت سميتك (محمداً) فاذهب غداً إلى المكان الفلاني تجد هنالك رجلاً مسنا ًاسمه (محمد) كذلك.. يبصرك بالحقائق، فاتبع دينه ومذهبه. فعسى الله أن ينجيني من هذا العذاب. أما أنا فقد بكيت لأبي، وأفقت من النوم وأنا أبكي. وفي الصباح قصدت الموضع الذي ذكره أبي. وهناك وجدت الرجل الأشيب الذي كان عالماً جليل القدر، فعلمني المذهب الحق، وحملني على تعلم القضايا الأخلاقية، متجشماً معي مشقات كبيرة. ولكن هذا الرجل – ياللأسف قد توفى قبل أيام. فألتمس الآن منك أن تدلني على ما ينبغي أن أفعل لأرى أستاذي وأرى أبي في المنام.. ولأتعرف على حاليهما. علمته الدعاء الذي رواه المرحوم الميرزا حسين النوري في كتاب (جنة المأوى) الملحق بكتاب بحار الأنوار (ج 53، ص 329) وتواعدنا على اللقاء مجددا ً ليلة الغد في الصحن الطاهر للسيدة زينب (عليها السلام).. لأرى أن كان قد نال ما يريد. وربما يود القارئ العزيز قبل إكمال هذه الواقعة أن يتعرف على الدعاء الذي ذكرته للشاب.. للانتفاع به. واجيب القارئ إلى ما يوّد.. بشرط ألا ينساني من الدعاء حينما يستيقظ من النوم يوماً، ويجد في نفسه نشاطاً وإقبالات خاصا ًعلى الدعاء.. بعد أن تكون ليلته قد تعطرت برؤية أحد الأئمة (عليهم السلام) في المنام. روى السيد رضي الدين علي بن طاووس الحسني في كتابه (فلاح السائل) عن بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقال: إذا أردت أن ترى ميتك.. فبت على طهر وأنضجع على يمينك، وسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) ثم قل: (اللهم أنت الحي الذي لا يوصف، والإيمان يعرف منه. منك بدأت الأشياء وإليك تعود. فما أقبل منها كنت ملجأه ومنجاه. وما أدبر منها لم يكن له ملجأ ولامنجى منك إلا إليك. فأسألك ب (لا إله إلا إنت).. وأسالك ب (بسم الله الرحمن الرحيم) وبحق حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله) سيد النبيين. وبحق خير الوصيين , بحق فاطمة سيدة نساء العالمين. وبحق الحسن والحسين اللذين جعلتهما سيدي شباب أهل الجنة أجمعين.. أن تصلي على محمد وآله وأهل بيته، وأن تريني ميتي في الحال التي هو فيها). على أي حال.. علمت الشاب هذا الدعاء، ثم ذهب. ولما عاد في الليلة المقبلة.. قال لي: لم أذق البارحة النوم.. حتى الفجر. وبعد صلاة الصبح غشيني النوم، فرأيت أبي في حالة سيئة، وطلب مني أن أتوسل له بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) لينجو من سيئ حالته. وقال لي: ها هنا فهمت أن شفاعة السيدة الزهراء (عليها السلام) هي الوسيلة العظمى. فاعتذر لي يا ولدي عن السيد فاطمة ؛ لأني خرجت من الدنيا.. وحب أعدائها في قلبي. فقلت لأبي: بابا.. الأستاذ الذي دللتني عليه قد مات. فهل رأيته هنا؟ قال: كلا، لم يأتوا به إلى المكان الذي أنا فيه. عند هذه النقطة من الحوار.. خرجت من الرؤيا، وأفقت من النوم. لكني لم أر أستاذي في المنام لا البارحة ولا في الصباح. فهل يمكن الليلة أن أدعو بهذا الدعاء لأراه؟ قلت له: تراه إن شاء الله. ولكنك إذا لم توفق لرؤيته.. فكرر الدعاء في الليلة التي بعدها، ثم التي بعدها.. حتى تراه، وتظفر بإذن الله بالمزيد من الكمالات على أثر ارتباطك الروحي بالأستاذ. عام (1361ه) سافرت إلى الهند للتعرف على أوضاع الحوزات العلمية هناك. وقرب المسجد الجامع في دلهي شاهدت رجلاً طاعناً في السن عليه أطمار قديمة لكنها نظيفة.. فناداني قائلاً: تعال اجلس، لنتحدث ويسري أحدنا عن الآخر: (يأهل القلوب المحترقة هلموا نلتقي).. إلى أين أنت ذاهب؟! وما عساك تنتفع من هؤلاء الذين لن يكونوا بشراً (يقصد الناس الذي يتسكعون حول المسجد الجامع في دلهي) ولن تلقى فيهم إنساناً واحداً. قلت له: استغربت منك الآن ثلاثة أشياء. الأول أنك كيف عرفت اسمي؟ ولعل بإمكانك أن تجيب عن هذا السؤال قائلاً أنه حدث أن كنت في مكان كنت أنا فيه فناداك شخص باسمك، ومن حينها عرفت أسمك. والشيء الثاني هو أنك من أين علمت أن هؤلاء الناس ليسوا بشراً؟! لم تسيئ الظن بالناس؟ أو ليس على المرء أن يحسن الظن بالآخرين؟ ترى.. كيف فهمت أن هؤلاء بعيدون عن ذكر الله.. وأنهم متصفون بصفات حيوانية ظهروا لك معها على هيئة حيوانات؟! الشيء الثالث.. كيف عرفت أني من أهل الشوق ومن أصحاب القلوب المتحرقة وأني أمرؤ صالح... حتى ميزتني من بين هؤلاء جميعاً؟ حين كنت أقول لهذا الرجل الشيخ ما أقول.. كان صامتاً لا ينطق، لكنه كان يتأوه أحياناً آهة تصدر من القلب.. ولم يخرج من صمته حتى بعد أن قلت له هذا الكلام. هممت أن أودعه وأمضي.. بيد أنه أشار إلى بيده أن أجلس، فجلست بعض الوقت.. لم ينطق خلاله أيضاً بحرف. ثم أنه أخرج من جيبه قارورة عطر أراد أن يعطرني منها. فكرت أن اعتذر عن قبول هذا التعطير ؛ خشية أن يكون هذا الرجل من عبدة الأوثان، فيكون نجس اليد والعطر. ولم أكد أهم بالاعتذار حتى بادرني بقوله: لا، أنا مسلم.. يدي ليست نجسة. ثم نفحني من عطر قارورته الذي كان فوّاح الشذا. لقد كانت عقيدتي فيه حتى الآن أنه رجل دقيق الفراسة، ولم أعتقد أن له إطلاعاً على الغيب ؛ لأنه ربما تفرس في ملامحي فأدرك أني كنت منزعجاً من مسألة التعطير. ثم أنه أطرق براسه إلى الأرض ساكتاً لا يتكلم. سألته لأحمله على الكلام.. قلت له: أحب شخصاً حباً عظيماً، وأود لو اراه.. لكني لا أعلم مكانه. فهل تقدر أن تدلني عليه؟ قال راجعت قلبك الآن، فوجدت أن قصدك بالرجل الذي تحبه هو الامام بقية الله الحجة أبن الحسن (عليه السلام). لا أقدر أن أقول أين هو الآن ؛ فإنه من وجهة في كل مكان. هو من جهة أخرى يغير مكانه في كل لحظة. لكني أعلمك شيئاً لتراه كل ليلة في المنام. قلت: ماذا؟ قال: في آخر كتاب (جنة المأوى) للمروحوم النوري تعليمات في هذا الصدد، أن عملت بها كلها أو بعضها تحصل على ما تريد. قلت له: ألا يوجد تعليم آخر منك آنت؟ قال: أود أن أقول لك شيئاً، لكنك لا تؤمن بكلامي. فلم تهدر وقتي؟ قلت: كلا.. بدأت بالتدريج أصدق ما تقول. قال: أعلمك شيئاً إذا قرأته رأيت الامام في المنام.. بشرط ألا تبوح به لأحد ؛ لأنه يفقد أثره. هذا الشرط الذي اشترطه جعلني أعتقد أن الدعاء الذي يروم قوله مما لم يرد عن طريق الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).. إلا فإن الدعاء فيما أرى مفيد للجميع، ولا يذهب أثره إذا قلته للآخرين. وعلى أي حال.. ودعت هذا الرجل، ولم أره مرة أخرى.. وبعد أمد راجعت آخر كتاب (جنة المأوى)، فوجدت فيه عشر تعليمات للتشرف في عالم الرؤيا بمشاهدة الطلعة القدسية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكل امام من الأئمة الهداة المعصومين (سلام الله عليهم اجمعين).. وخاصة مشاهدة الامام بقية الله (روحي فداه) وكل مفردة من هذه التعليمات الشعر قائم بنفسه غير مرتبط بما سواه. أي أنه يمكن للمرء ان يختار واحداً منها بنية أن يرى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أو أحد أئمة الهدى الطاهرين (عليهم السلام)، وعلى الاخص امام الزمان (عجل الله تعالى له الفرج). وهذه هي العشرة كاملة: أولاً: أن تقول عند مضجعك: يا من لطفه خفي وأياديه باسطة لا تنقضي أسألك بلطفك الخفي الذي ما لطفت به لعبد إلا كفى أن تريني مولاي علي بن أبي طالب ع في منامي. وتذكر اسم الامام الحجة أبن الحسن (عليه السلام) أو سائر المعصومين (صلوات الله عليهم) ممن نويت رؤيته). ثانياً: المواظبة على قراءة سورة المزمل , الحد الأدنى: قرائتها مرة واحدة في اليوم والليلة. ومن فعل ذلك شاهد المعصوم الذي يريد، وسأله ما يبتغي، وأعطاء الله كل ما يريد من الخير. ثالثاً: قراءة سورة القدر عند زوال الشمس، مئة مرة. رابعاً: المواظبة على قراءة سورة (الجن). ومن فعل هذا رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد المعصومين (عليهم السلام)، وسأله ما يريد. خامساً: قراءة سورة (الكافرون) نصف الليل، من ليلة الجمعة. سادساً: قراءة (دعاء المجير) على طهارة سبع مرات، بعد صوم سبعة أيام (تجد هذا الدعاء في كتاب مفاتيح الجنان). الهوامش (1) كتاب (جنة الماوى) الملحق بكتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي 53: 325 (2) ينظر مثلاً: بحار الأنوار 6: 178- 180. ****************** سابعاً: قراءة الدعاء المعروف ب (دعاء الصحيفة) المروي في كتاب (مهج الدعوات) وكتاب (المصباح) للكفعمي العاملي.. خمس مرات على طهارة. ثامناً: قراءة سورة القدر قبل الظهر وبعد صلاة الزوال إحدى وعشرين مرة. يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): من فعل هذا لم يمت حتى يرى النبي (صلى الله عليه وآله). تاسعاً: الصلاة ركعتين بأي سورة شئت بعد صلاة العشاء. ثم قراءة هذا الدعاء مئة مرة: (بسم الله الرحمن الرحيم. يا نور النور، يامدبر الأمور.. بلغ مني روح محمد وأرواح آل محمد تحية وسلاماً). عاشراً: من قرأ ليلة الجمعة بعد صلاة يصليها من الليل سورة (الكوثر) ألف مرة وصلى على محمد وآله محمد ألف مرة..رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أو من شاء من الأئمة الهداة (عليهم السلام) في منامه. وهنا لا بد من التنويه أيضاً بأن هذه التعليمات قد ذكرها علماْ كبار. وهذا يحمل على الظن المتاخم لليقين أن هذه التعليمات صادرة من المعصومين (صلوات الله عليهم اجمعين). ويمكن الإيتاء بواحد من هذه الأعمال أو كلها بقصد الرجاء أن تكون هي المطلوبة في هذا الشأن. ولا بد من التنويه كذلك أن لو أدى أمرؤ أحد هذه الأعمال ولم ير مراده.. فإن المسألة إما أنه رأى في المنام في أول الليل ونسي لدى استيقاظه ما رأى. أو انها مرتبطة بالجنبة المزاجية لهذا المرء. هذه تعليمات أخرى تنفع لتذكر الرؤيا فيكون الرائي في منأى عن نسيانها عقب الاستيقاظ: 1- النوم الطويل الذي يستغرق ساعات في خلال أداء هذه الأعمال – سبب لنسيان الرؤيا. أن النوم ينبغي أن يكون والحالة هذه قصيراً متقطعاً غير متصل. ينبغي ألا يثقل المرء أثناء هذه الأعمال معدته قبل النوم.على المرء حين يأوي إلى فراشه ألا يكون مشغول البال بما يلهيه عن نيته وقصده في مشاهدة جمال المعصوم (عليه السلام). أن يحاول المرء الانقطاع عند هذا النوم عن الميول الجنسية. وهذا ما يعبر عنه عادة بألا ينام تلك الليلة في فراش واحد مع زوجته. النوم على وضوء وطهارة: قراءة آية الكرسي عند النوم ؛ فإن من قرأ هذه الآية الشريفة لا ينسى ما يراه في المنام.. بإذن الله (تعالى). ولا بد هنا من التذكير بأن على المؤمنين في هذا الزمان أن يتركز اهتمامهم – اكثر من أي شيء آخر على لقاء الامام ولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه) وعلى التشرف برؤية طلعته الرشيدة. إذا كانوا متيقظين، وكانوا في المشاهدة المقدسة معنيين بالزيارة، أو مشغولين بالطواف في المسجد الحرام، أو كانوا في وقفة عرفات أو في المشعر أو في منى.. فإن عليهم الترقب اليقظ المتطلع إلى الجمال الإلهي والوجه الإلهي المقدس: الامام ولي العصر (روحي وأرواح العالمين له الفداء). إنهم ينامون إذا ناموا على أمل أن يظفروا بمشاهدة جماله العلوي المبارك، ويستمدوا من فيوضاته الإلهية العظيمة. إن الإنسان السليم الداخل في الصفات (الانسانية) لا يغفل أبداً عن التوجه القلبي إلى (الانسان الكامل) الذي لا يتجلى على وجه الأرض اليوم إلا بالامام صاحب العصر والزمان (عليه السلام). الانسان الصالح يفيض على الدوام محبة له. وهو شغله الشاغل الذي لا يرى في يقظته وفي منامه سواه (صلوات الله عليه). وإذا كان كل شيء ينجذب من الوجهة العملية والعقلية إلى مركزه.. فينبغي أن يكون انجذاب الانسان دائماً تلقاء (الانسان الكامل): يدعو الله (جل جلاله) ويتضرع إليه أن يعجل فرج وليه الأعظم، ويسأل الله تعالى أن يزيل في الأقل الحجب المرخاة بين وبين الأمام الغائب (صلوات الله عليه)، وأن يعرف بين وبين مولاه المنتظر، متضرعاً إلى الله (عز وجل) لبلوغ هذا المقام. وأقل ما ينبغي على المرء أن يكون عليه.. هو ألا يكون مبعث أذى للامام (عليه السلام). وإليكم الآن هذه الواقعة التي رواها خاتمة المحدثين المرحوم الميرزا حسين النوري (1) في كتابه (جنة المأوى): في السنة التي اصبح فيها (عمر باشا) والياً على العراق.. شدد على الناس، وعزم على تطبيق نظام التجنيد الأجباري عام (1274) لأول مرة في العراق ولم يفرق في هذا بين عالم وجاهل، وبين سيد من الشرفاء وسواه.. حتى أشتد الأمر على العراقيين وعظم البلاء. كما وقعت حوادث هامة في منطقة الفرات الأوسط بالعراق قابلها الوالي التركي بالعنف. في هذا الجو الخانق المطبق.. ظهرت ندبة شجية على شكل قصيدة شاكية من الأوضاع السيئة والظلامات النازلة، كان الشاعر يخاطب بها الامام المهدي صاحب الزمان (صلوات الله عليه)، ويشكو إليه ما أصاب الناس من محن، ويدعو الامام (عليه السلام) إلى الظهور والنهضة الموعودة. وكان قائل القصيدة الشجية هو شاعر العراق الكبير، الصالح، السيد حيدر الحلي(2).. الذي جمع إلى قوة إيمانه وشدة تقواه فصاحة اللسان وبلاغة البيان. وهي قصيدة تبلغ الخمسة والثلاثين بيتاً، يقول فيها:(3) يا غمرة من لنا بمَعْبرها؟! يطفح موج البلا الخطير بها وشدة عندها أنتهت عظماً ضاقت. ولم يأتها مفرجها وملة الله غيرت، فغدت لم صاحب الامر عن رعيته ما عِذرُه نصب عينه أخذت يا غيرة الله لا قرار على سيفك والضّرب، إن شيعتكم مات الهدى سيدي فقم وأمت فهاك قلب قلوبنا ترها كم سهرت أعين وليس سوى تغضي وأنت الأب الرحيم لها إن لم تُغثها لجرم أكبرها موارد الموت دون مصدرها فيغرق العقل في تصورها شدائد الدهر مع تكثرها فجاشت النفس في تحيرها تصرخ لله من مغيرها أغضى، فغصت بحور أكفرها شيعته، وهو بين أظهرها؟! ركوب فحشائها ومنكرها قد بلغ السّيف حزّ منحرها شمس ضحاها بليل عثيرها تفطرت فيك من تنظرها أنتظارها غوثكم بمسهرها ما هكذا الظن يا أبن اطهرها فارحم لها ضعف جرم أصغرها يقول الميرزا النوري: فراى أحد الصلحاء المجاورين في النجف الأشراف الأمام الحجة المنتظر (عليه السلام). فقال له ما معناه: قل للسيد حيد لا يؤذيني ؛ فإن امر الظهور ليس بيدي. وبعدها.. رفع الله (تعالى) عن الناس هذه الشدة في أيام هذا الوالي وبعده إلى سنين. من هذه الواقعة ومن مئات سواها يتجلى أن موضوع الفرج الأكبر والظهور الأزهر إنما هو بإرادة الله (تعالى) وحده. وإن الامام (عليه السلام) لا يتدخل إلا بإذن الله (عزوجل) وعلى المسلمين أن يكونوا في حالة ترقب وانتظار ليكونوا متأهبين على الدوام. العثير: الغبار والعجاج الجرم (بضم الميم) الجناية والذنب. والجرم (بكسر الجيم) الحجم. وإنه لمن السهل أن نتصور كيف يكون التأهب والاستعداد لانتظار الظهور المبارك.. من خلال مثال من حياة الناس اليومية. فلو أنك علمت أن ضيفاً عزيزاً، أو رجلاً ذا سلطان، أو إنساناً جليلاً أنت على استعداد لتفديه بنفسك، وتكن له أرفع مشاعر الحب. لوا أنك علمت أو أخبرك هو نفسه أن من المحتمل أن يأتيك إلى دارك في موعد مفتوح، يبدأ من هذه اللحظة، وإلى عدة أيام قادمة.. فكيف ستعمل لاستقباله؟ خاصة إذا أًخبرت أو أنك تعلم أن من خصاله شدة العناية بالنظافة والترتيب؟ أتراك تؤجل تنظيف غرفة الاستقبال وإعدادها حتى تحين لحظة قدومه؟ أم أنك ستعمل ما في وسعك لتجعلها نظيفة دائماً ومرتبة قبل أن يجيئ.. حتى إذا جاءك وجدها كما يود؟ إذا كانت تصلك به صلة المحبة أو حتى صلة الخوف فإن من الطبيعي أنك لا تتوانى لحظة عن إعداد غرفة الاستقبال وتهيئتها لضيفك المنتظر. ونحن إذا كنا من منتظري ولي الله الاعظم (ارواحنا فداه) ولا نعلم في أي يوم ولا في أي ساعة يكون ظهوره.. فمن الحتم علينا ما دمنا نكن له المحبة ونرجو أن نكون من المقربين لديه أن نبذل قصارى جهدنا للتخلص مما بنا من رذائل، ومما نقترفه من ذنوب وآثام، وأن نسعى بصدق إلى بلوغ صالح الخصال وللتخلق بالخلق الإسلامي، وأن تنبع أعمالنا من هذه الخصال ومن هذا الخلق. إن علينا استعداد للقياه (عليه السلام) أن نصون أنفسنا، وأن نعمل دائماً لا ستدرار رضاه. ومن هذا المنطلق وجدت أن مئات الافراد الذي التقيت بهم ممن تعتمل في صدروهم محبة الامام بقية الله (ارواحنا فداه) وينتظرون ظهوره.. هم خير من غيرهم في التقوى وخير من سواهم في الأخلاق. ومن هنا جعل الله (تبارك وتعالى) إنتظار الفرج أفضل اعمال أمة رسول الله صلى الله عليه وآله.. ومن هنا أخفى الله جل جلاله ظهور الامام بقية الله (اوراحنا فداه). ومن هنا.. ما كان لأحد من حق في التدخل في امر الفرج والظهور. سبعة أيام في رفقة إمام الزمان (عليه السلام): لا يرضى الإمام بقية الله (روحي وأرواح العالمين له الفداء) لمحبيه أن تشتمل عليهم الأحزان والأشجان. وإذا ما أصابتهم معضلة فإن الامام (عليه السلام) يدفعها عنهم بألطافه الخفية أو الجلية. إنه الامام الرؤف. سيد الكل، ومولى الإنس والجن، وحجة الله على العالمين. ورد في كتاب (المعجزات والكرامات) عن العالم الجليل الزاهد الذي ليس له بديل السيد عزيز الله أنه قال: في زمان إقامتي في النجف الأشرف، ذهبت مرة يوم عيد الفطر المبارك إلى كربلاء المقدسة لزيارة الامام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه). وهناك نزلت ضيفاً على صديق لي في مدرسة الصدر. فكنت أنفق جل أوقاتي في الحرم المطهر الحسيني. ودخلت المدرسة في أحد الأيام.. فرأيت جمعاً من الأصدقاء يتهيئون لزيارة النجف الأشرف، فسألوني عن الوقت الذي أروم فيه السفر إلى النجف. قلت: اذهبوا أنتم إلى النجف ؛ فإني عازم على السفر من هنا إلى بيت الله الحرام. قالوا: وكيف؟! قلت لهم: دعوت تحت قبة سيد الشهداء (عليه السلام) أن أوفق للذهاب إلى حبيبي مشياً على الأقدام، فأكون أيام الحج في0حرم الله. فما كان من هؤلاء الأصدقاء إلا أن أخذوا يعنفونني ويل مونني قائلين: يبدوا أن عقلك قد غحجر من كثرة العبادة والرياضة، وسصابك الجنون؟ كيف تسافر، بهذه الظنية الضعيفة وهذا البدن العليل، حدك عبر الصحراء العريضة؟! سوف تقع في أول مرحلة من مراحل الطريق بأيدي أعراب البادية، وتكون نهايتك! انكسر قلبي من هذا التأنيب والتعنيف، وتضايقت كثيراً. خرجت من الغرفة أبكي، ومضيت من فوري إلى حرم سيد الشهداء (عليه السلام). زرت زيارة مختصرة، وأنتبذت مكاناً عند الرأس المقدس.. ورحت أدعو بدعاء التوسل في بكاء ونواح. في تلك الحالة.. حدث أمر. أحسست دفعة واحدة بكف يد الله الامام بقية الله (روحي فداه) تستقر على كتفي. ثم قال (صلوات الله عليه): أتود أن تذهب معي إلى بيت الله مشياً على الأقدام؟ قلت: نعم. فقال عليه السلام: إذن يكفيك مقدار من الخبز الجاف لمدة أسبوع، وخذ معك ثياب الإحرام. في يوم (كذا) وساعة (كذا) كن هنا، وزر زيارة الوداع.. لنمضي معاً من هذا المكان المقدس تلقاء المقصود. قلت: على عيني، أنا في رسم الخدمة. ذهب الامام (عليه السلام) وخرجت في الحرم الحسيني. ثم هيأت من الخبز الجاف المقدار الذي أوصى به الامام، وحملت ثياب الإحرام.. وقصدت الحرم الطاهر، وزرت زيارة الوداع في المكان.. حيث ألتقيت بالامام (عليه السلام). خرجت من الحرم برفقة الامام وسرنا حين غدونا خارج كربلاء. مشينا ساعة.. لا الامام يكلمني ولا أنا قادر على أن أحدثه وأشغل وقته. كان الوضع عادياً.. حتى بلغنا في الصحراء موضعاً فيه ماء. عندها خط الامام (عليه السلام) خطاً على الأرض، وقال هذه هي القبلة. امكث هنا. صل واسترح. أعود إليك عصراً، لنذهب إلى مكه. سلمت لما أراد، فمضى (عليه السلام).. وعاد في وقت العصر قال: هيا..نذهب نهضت وحملت خرج الخبز ومقداراً من الماء. ولدى الغروب بلغنا مكاناً فيه ماء. قال لي: اقض الليلة هنا. وخط خطاً يعين اتجاه القبلة، وقال: هذه هي القبلة، وسآتيك صباح غد، لنمضي تلقاء مكه. مر أسبوع على هذه الشاكلة. وفي صبيحة اليوم السابع قال لي الامام (عليه السلام) – وقد كنا قرب ماء في الصحراء: اغتسل بهذا الماء، وأرتد ثياب الاحرام، وأفعل ما أفعل، ولب معي كما ألبي.. فها هنا ميقات. كنت أردد ما يقول الامام وأفعل مثلما يفعل. حتى إذا سرنا قليلاً وصرنا على مقربة من جبل.. طرقت سمعي أصوات. سألت: ما هذه الأصوات؟ أجاب الامام (عليه السلام): اصعد الجبل ترى مدينة هناك، فادخل المدينة. قال الامام هذا.. ثم غاب عني. صعدت الجبل.. ثم اتخذت طريقاً أنحدر فيه نحو المدينة. وهناك سألت رجلاً: ما أسم هذه المدينة؟ قال:هذه مدينة مكة، وهذا بيت الله. وفجأة تفطنت إلى حالي، فأخذت ألوم نفسي:سبعة أيام كنت برفقة امام الزمان ولم استفد منه؟! لماذا تعاملت مع هذا الموضوع الفائق الأهمية بكل هذه البساطة والعفوية؟! وعلى أي حال.. فقد أقمت في مكه شهري شوال وذي القعدة وأياماً من شهر ذي الحجة. ثم التقيت باصدقائي الذين كانوا قد وصلوا إلى مكة بالسيارة. خلال هذه المدة كنت عاكفاً على التعبد والزيارة والطواف.. وتعرفت فيها على عدة أشخاص. ولما رآني أصدقائي ومعارفي الذين جاءوا من بعدي إلى مكه.. وضعوا أيديهم في أفواههم من الدهشة، وشاعت بينهم حكايتي. الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وتشرف الشيخ البافقي: من الخصال الحميدة التي تقرب الانسان – ولا ريب – من امام الزمان (عليه السلام) هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن هذا العمل القيم النابع من صفة إنسانية خالصة.. له أهمية كبرى أكد عليها الدين الإسلامي الحنيف. والمجتمع البشري إذا لم يفرق بين الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة فإنه يفقد – وقتئذ – حياته الدينية والانسانية. إن الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إنما يزدادون مع الأيام رفعة ورقياً، ويزدادون رشداً وسمواً. ومن يقف إزاء البدع والمظالم والانحرافات موقف المتفرج فلا هو آمر بمعروف ولا ناه عن منكر.. كيف يمكن أن يعد نفسه من أنصار الامام بقية الله (روحي فداه)؟! المرحوم اليخ محمد تقي البافقي واحد من المشهورين المعروفين بهذه الخصلة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان الشيخ (رحمه الله) يقوم بهذا النشاط الديني المقدس في ايام تسلط (رضا شاه) على إيران، إذ بلغت الأوضاع أسفل درك من الإضطهاد والظلم والمعاصي. فكان الشيخ البافقي لا يفتأ يعترض على اعمال الطاغية (رضاشاه) المعادية للدين، ويندد بها. عانى الشيخ مراراً من السجن والاعتقال، وذاق مرارة النفي والتبعيد، لكنه لم يتخل – في كل حالاته – عن النهوض بواجبه. ولم يقصر في إداء هذه الخدمة القيمة طرفة عين. ولقد فاز هذا الرجل مرات عديدة بلقاء الامام صاحب الأمر (عليه السلام)، واستفاد من الفيوضات المعنوية التي فاضت عليه من الوجود المقدس للامام (ارواحنا فداه) وقد سجلنا بعضاً من حوادث لقاءاته في الجزء الأول من هذا الكتاب. وها نحن نسرد حادثة أخرى من حوادثه. ورد في كتاب (مسجد جمكران) عن سيد مرتضى الحسيني (أحد سادات قم المتدينين) قوله: كنت أرافق المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي في ليالي الخميس إلى مسجد جمكران. في إحدى ليالي الشتاء، والسماء تدف ثلجاً غزيراً.. كنت في الدار لما تذكرت أن الليلة هي ليلة الخميس، وربما عزم فيها الشيخ البافقي أن يمضي كعادته إلى المسجد. بيد أني حسبت أنه لن يذهب الليلة ؛ فطريق جمكران لم يكن معبداً لمسير السيارات مما يضطر القاصدين إلى المشي سيراً على الأقدام. كان الثلج كثيفاً تلك الليلة قد غطى الأرض، فلا أحد قادر أن يقطع المسافة إلى المسجد إلا بكثير من المشقة والعناء. ومهما يكن من أمر.. فإن قلبي لم يطاوعني للخروج من الدار. وكان همي أن ألقى آية الله البافقي لأثني عزمه عن الذهاب إلى مسجد جمكران، فما كان مني إلى أن مضيت إلى داره. لكن الشيخ لم يكن في الدار. ورحت أبحث عنه على عجل هنا وهناك.. حتى بلغ بي البحث إلى ميدان (مير) في أول طريق جمكران. وسألني صديق خباز يعمل هناك لما رآني أنظر يمنة ويسرة.. عما أخرجني في مثل هذا الطقس. قلت له: لا أدري إن كان آية الله البافقي قد مضى إلى مسجد جمكران أما أنه بقي الليلة في قم! قال الخباز: لقد رأيته ذاهباً باتجاه المسجد، مع عدد من الطلاب! وعزمت من فوري أن أتبعهم إلى المسجد. ولكن هذا الصديق الخباز أضاف: ذهبوا منذ امد بعيد، ولعلهم الآن على مقربة من مسجد جمكران. تضاعف قلقي بعد سماعي هذه العبارة، خشية أن يتعرض الشيخ في هذه الزوبعة الثلجية إلى مكروه. غير أني لم يكن لي من بد إلا العودة إلى الدار.. وأنا في حالة من التأثر والاضطراب الشديد.. حتى لم يغمض لي تلك الليلة جفن. حتى إذا قرب الفجر أخذتني سنة من النوم. وفي المنام رأيت الامام ولي العصر (عليه السلام) يدخل دارنا قائلاً لي: سيد مرتضى.. ما الذي يحزنك؟ قلت: أذاى يا مولاي من أجل الشيخ محمد تقي البافقي، ذهب الليلة إلى المسجد ولا أدري ما حل به! قال الامام (عليه السلام): سيد مرتضى.. أو تظن أننا بعيدون عن الشيخ؟! الآن ذهبت إلى المسجد، وهيأت له ولأصحابه ما يحتاجون من وسائل الراحة. استيقظت من النوم، وبشت أهلي بهذه البشارة.. فذكرت لها أني شاهدت الامام صاحب الزمان (عليه السلام) وقد هيأ للشيخ ورفاقه ما يلزمهم من أسباب. وسُرت أهلي، بعد ما كانت قلقة مثلي. وفي صبيحة اليوم التالي رايت احد رفقة آية الله البافقي.. فبادرته بالسؤال: ماذا حدث لكم البارحة؟ قال: ليتك كنت معنا البارحة أصطحبنا آية الله البافقي، في أول الليل، لنمضي إلى مسجد جمكران. وما أدري.. أكان من غليان أشواقنا أم أن كرامة قد حدثت، أن وجدنا الأرض تحت أقدامنا – ونحن ماضون باتجاه المسجد – جافة على نحو عادي، وكأن ثلجاً لم ينزل.. ثم بلغنا المسجد في وقت قصير. ولما انتهينا إليه... لم نجد هناك من أحد. وإزاء ما كان من برد شديد.. كنا في حيرة من أمرنا: ما عسانا نفعل للتغلب على هذا البرد؟! (في ذلكم الزمان لم تكن للمسجد بنية كبيرة شاخصة. وما كان إلا مسجداً صغيراً منفرداً في وسط البرية، لا يقصده إلى الخواص.. ليستمدوا من الروح المعنوية التي تجلله). في تلك الأثناء.. لفت نظري سيد يدخل المسجد، فقال للشيخ: سآتي لكم بلحاف وكرسي ونار.(4) اجابه الشيخ البافقي في غاية الأدب: الأمر إليكم. وخرج السيد من المسجد.. ثم ما لبث أن عاد ومعه لحاف وكرسي ومنقلة ونار. وقد وفر لنا هذه الوسائل، في حين لم يكن فيما حول المسجد من دار ولا من ديار. ولما أراد الإنصراف قال له أحد رفاقنا: علينا أن نبكر صباح غد إلى قم.. فإلى من نسلم هذه الأشياء؟ قال السيد: يأخذها من أتى بها. ثم أنصرف. أما نحن.. فقد رحنا نتساءل: من أين أتى السيد بهذه الوسائل.. وبهذه السرعة؟! فالأرض من حول المسجد خالية غير مأهولة. وحتى لو أراد أن يأتي بها من قرية جمكران.. لكان هذا أمراً شاقاً عسيراً في هذه العاصفة الثلجية، ولاستغرق منه – لو كان كذلك – وقتاً طويلاً. على أي حال.. فقد سلخنا ليلتنا بارتياح. ولما أردنا الذهاب في الصباح.. تركنا هذه الوسائل في مكانها. ثم أني اخبرته بالرؤيا التي رأيتها. فصرنا إلى هذه الحقيقة، وهي أن الامام بقية الله (روحي فداه) لا يدع أبداً محبيه، ويعمل لاعانتهم ونجدتهم. هذا، وللمرحوم الشيخ البافقي وقائع أخرى من هذا النوع يعرفها أصدقاؤه. شاب عاشق يحظى باللقاء: من سبل الارتباط الروحي بالامام بقية الله (عليه السلام) أن يعمر القلب بمحبة الامام، وأن يفرغ المرء كل يوم – دقائق أو ساعات – لمناجاته ومخاطبته. إن من شغفه يوماً حب مجازي لانسان ما.. يعرف أن العاشق لا يأنس إلى شيء، كما يأنس إلى حبيبه. يهوى كل ماله صلة بالحبيب: يقبل ثيابه، وتأخذه خفة الطرب إذا ذكر اسمه في محضره. إنه يود لو يغدو الناس جميعاً لساناً يثني على محبوبه. وكم يؤذيه لو صدرت من أحد مذمة له! إنه يتعشق دار معشوقه، ومحلته، ودياره.. وكل ما يتصل به بأي نحو من الأنحاء، حتى لو كان مما يستاء منه الآخرون: أمر على الديار، ديار ليلى *** أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي *** ولكن حب من سكن الديارا أعرف عاشقاً يعشق كل اسم فيه (سين)؛ لانه من حروف اسم معشوقه. و اعرف آخر لا يغفل لحظة عن ذكر حبيبه. وحتى لو كان هذا الحبيب في الدار مثلاً أو في السوق أو في موضع آخر – ومشغولاً بأي عمل – فإن هذا العاشق يطلع برهافة قلبه على حال حبيبه، ولا يخفى حاله لحظة عنه. فكرت يوماً في حالة صاحبنا هذا الموله عشقاً: ترى لماذا تغلغل الحب في فؤاده إلى هذا الحد. فصار لا يذوق الاستقرار لحظة؟! قلت في نفسي: لا ينبغي أن أحكم له أو عليه.. حتى أرى من يحب. وأخيراً.. رأيته. أجل، كان الحق مع صاحبنا هذا المدنف بالعشق كان محبوبه – فوق ما يتحلى به من مستوى غير عادي في المظهر الخارجي – في غاية الكمال والأدب والشخصية والحياء. لقد كان هذا هو الدافع القوي الذي دفعه إلى هذا الحب والهيام.. سواء أدرك هذا المعنى أم لم يدركه. وبتعبير أوضح: لو أن أمرء رأى إنساناً ذا كمال وذا أدب، ما يزال على نقاء فطرته. فإنه ينجذب إليه بدون اختيار ويرتبط به ارتباطاً روحياً بالحب.. مع أنه لم يسبق له أن تعرف عليه أو عرف شيئاً عنه. كما فعلت نسوة مصر لما رأين يوسف على حين غرة، وقطعن أيديهن وهن لا يشعرن. أن المرء – في وصال مثل هذا المحبوب – لا يشعر بأي غم.. فلا يرى العذاب إلى عذوبة، والآلام إلا سعادة. إن الإنسان – شاء ام ابى – إنما يتعلق قلبه، حتى في الحب المجازي الدنيوي، بروحيات من يحب وبمعانيه الباطنية. ويزداد حسن هذا الحب إذا إضيف إليه الجمال الظاهري. ولا ريب لو أن شخصاً يتمتع بحسن ظاهر، ولكن روحياته قبيحة شديدة القذارة.. فإنه أما أن لا يحظى بالحب، وإما أن يعثر بمن هو على شاكلته فيبادله الحب. من هذا كله.. نريد أن نخلص إلى القول: أنك إذا كنت معتقداً بالوجود المقدس لبقية الله الاعظم (روحي له الفداء) وكانت لك معرفة بروحياته وصفاته (عليه السلام)، وكانت بينك وبينه مجانسة – أي انك لم تفقد الفطرة والإنسانية – فإنك أردت أم لم ترد تغدوا محباً للامام (عليه السلام) مدنفاً بحبه. ولسوف تهوى كل ما له صلة به، ولا تغفل لحظة عنه. تراه في كل مكان، وتثني عليه وتطريه أينما حللت، ولا تجالس من حرموا محبته، وتسعى دائماً لاسترضائه (عليه السلام). الهوامش (1) توفى رحمه الله عام 1320 ه (المترجم). (2) كانت حياته رضوان الله عليه بين عام 1246 وعام 1304ه (المترجم). (3) اكتفى المؤلف بالاشارة إلى القصيدة ولم يورد شيئاً منها. (4) الكرسي: وسيلة تدفئة كانت شائعة في المناطق الباردة من إيران، قبل دخول وسائل التدفئة الحديثة. والكرسي يمثل منضدة خشبية صغيرة لها أربع قوائم يوضع تحتها مصدر حراري (كالفحم المتوقد)، ثم تغطى بلحاف واسع تمتد أطرافه إلى الجوانب على الأرض. وحول الكرسي، يتحلق الجالسون، مادين ارجلهم تحت اللحاف باتجاه مصدر الحرارة.. طلباً للدفئ – (المترجم) ****************** وإذا لم يكن أمرك كهذا.. فإما أنك غير معتقد به، أو أنك لا تعرفه أو انك قد انسلخت – إلى حد ما – من فطرتك وإنسانيتك.. فلم يعد الكمال والجمال الروحي هو الذي يستهويك.. وما عليك في هذه الحالة إلا أن تتداوى، لتبرأ مما في داخلك من أمراض روحية.. لتغمر قلبك بعدئذ محبة إمام الزمان (عليه السلام). هذه واقعة تعضد ما ذكرناه آنفاً وتؤيده. تتصل بشاب توهج الحب في قلبه. رواها أحد علماء اصفهان المعاصرين – بعد أن كان هو شاهداً لبعض فصولها – عندما كان يرتقي المنبر في مسجد (كوهرشاد) بمدينة مشهد المقدسة. حيث قال: خلال الليالي الأولى لشهر رمضان كنت أراقب حالات المستمعين في المجلس لا تعرف على من يصغي لما أقول باهتمام.... ميزت شابا كان يحضر المجلس في الليالي كان يتخذ مكانه في أطراف المجلس. لكنه بدا يدنو من المنبر في الليالي ألتاليه وما يزال يقترب حتى إذا جاءت الليلة الخامسة أو السادسة كان يقعد عند المنبر، فيحضر قبل الآخرين ليجلس في هذا المكان. كان حديثي عندما ارتقي المنبر عن الإمام ولي العصر (عج).ومن الطبيعي أن يتخذ الحديث في الليالي الأولى السمة العلمية إلى حد ما... ثم كان الكلام في الليالي التالية يتحول بالتدريج.. من البحث العلمي إلى الإشارة الذوقية، وينتقل في طوره من المقال إلى الحال. وقد لاحظت وأنا ابتدئ الخطاب الروحي الذوقي أن حالة هذا الشاب كانت تتغير تغيرا ينفرد به عن كل الحاضرين... حالة عجيبة. كان يصيح (يا صاحب الزمان) والدموع تنحدر من عينيه ويتلوى أحيانا مأخوذ بجذبه روحيه خفيفة... جذبته كانت تؤثر في، وحين تترك جذبته أثرها في قلبي.. تشتد حالتي الروحية وتسمو فينطلق لساني يلهج بأشعار عشقيه وأروح أترنم بكلمات ملتهبة تحيل المجلس إلى وضع آخر...جعلت حديثي حول (واجبات الشيعة) ومحبة الامام ولي العصر (عليه السلام). كنت أقول: علينا أن نحبه، وأبين ما ينبغي ان نفعله في عصر الغيبة. كان هذا الشاب يتلوى ويطلق من فؤاده صيحات عشق حارقة: ياصاحب الزمان.. يا صاحب الزمان! مما قلب حالي وغير الجو الروحي لدي. واذكر أني كنت أقرأ في إحدى هاتيك الليالي هذه الأشعار: يا من بيده العالم *** يا سيد الانس والجن يا صاحب الزمان *** الغوث والأمان أما هو فكانت دموعه كعاصرات السحاب. كأمراة قد ثكلت بولدها الشاب. كأن صعقة كانت تستبد به وتلقيه على الأرض. يحترق كان. والدموع تهمي من عينيه، ويسقط في حالة من الوهن والضعف. وكان لحالته هذه فعل في داخلي عجيب. إن هذا التغيير الذي طرأ عليّ.. كان لا بد أن ينعكس أيضاً على الحاضرين في المجلس. عدد الحاضرين آنذاك إذا لم يزد على عدد الحاضرين الآن.. فهو لا يقل عنه. مسجد كوهرشاد على سعته، بأواوينه الأربعة.. كان غاصاً بالمستمعين الذين لا يتدنى عددهم عن أربعة آلاف. وكنت أرى نصفهم أحياناً وقد أرتفع عويلهم والبكاء من هذه الناحية من نواحي المسجد تتصاعد صيحة: ياصاحب الزمان! وتعلو من ناحية أخرى نداءات: يا صاحب الزمان! لقد كان المجلس في وضع معنوي عجيب. هذه الحالات كانت تتزايد بتعاقب الليالي... كان هذا الشاب يتلوى ويطلق من فؤاده صيحات عشق حارقه (يا صاحب الزمان، يا صاحب الزمان). انقضت أيام شهر رمضان وانطوى المجلس.. بيد إن عزمي قد انصب على أن ألقى هذا الشاب.. ذلك إنني محب لمحب إمام الزمان (عج).. لهذا رحت ابحث هنا وهناك واسأل معارفي عن هذا الشاب من هو؟ وماذا جرى له؟ وما عنوانه؟ أخيرا توصلت إلى انه صاحب نصف دكان للبقاله في احد أحياء مشهد. فانطلقت إلى المكان ابحث عنه، كان دكانه مغلقا وسألت الجيران عن شاب صفته كذا وكذا فعرفوه وذكروا اسمه. سألتهم وأين هو الآن؟ قالوا فتح دكانه يومين أو ثلاثة بعد شهر رمضان ولكن وضعه قد تبدل عن ذي قبل، منذ أسبوع أغلق دكانه ولاندري أين هو الآن. وأخيرا وبعد ما يقارب الثلاثين يوما.. كنت خارجا من داري وإذا بشاب أمامي ولكن بأي حال؟ رايته نحيفا شاحب الوجه مهزولا قد غارت عيناه في وجنتاه ولم يبقى منه غير جلد وعظم. وما أن وصل إلي حتى أرخى عينيه بالدموع، وناداني باسمي قائلا: رحم الله أباك وأطال عمرك ثم نشج يبكي وهو يقبل وجهي وكتفي وتناول يدي ليقبلها. سألته: ما خطبك يا ولدي وما الذي حدث؟ قال والله وهو ينتحب رحم الله أباك وأطال عمرك واستمر يدعو ويقول في بكائه: هديتني إلى الطريق رحم الله والديك. بعدها عزم انه يحكي ويروي قصته: لقد حرقت في تلك الليالي النار في قلبي حتى انخلع. تعرفت على محبة إمام الزمان (عج). كان قلبي خاليا من هذه المحبة خلوا تاما ولم يكن بالشيء الصحيح. وبدأ قلبي يتحرك شيئا فشيئا، واخذ الشوق ينبض في داخل فؤادي... ما عادت لي بالنوم رغبه. فقدت أي ميل إلى الطعام والشراب، كل همي أن أنادي من أعماقي (يا صاحب الزمان) وان امضي للبحث عنه حتى ألقاه... وعندما انسلخ شهر رمضان ذهبت لأفتح الدكان فوجدت الرغبة في الكسب قد خرجت من قلبي. قلبي كان متجها تلقاء نقطه واحده معرضا عما سواها. كان قلبي يحترق لرؤية مالك قلبي. لا شان لي بالكسب والعمل ظمآن إلى مشاهدة حبيبي. لا أحب عيشي. لا أحب الطعام والمنام لم تعد لي طاقه لأتحمل الزبائن. لم تعد لي القدرة على القعود في الدكان. نفضت يدي من الدكان فأغلقته وذهبت إلى الجبل المكان بريه خاليه. كنت اصرخ أين أنت يا حبيبي. أين أنت يا عزيزي. أين أنت يا مولاي الرحيم. (ليت شعري أين استقرت بك النوى. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى). ابكي يا حبيب قلبي ابكي وأنوح. قال: بكيت هناك، احترقت، رحم الله أباك.(وكان عندما يروي قصته لا يملك نفسه من البكاء مطلقا) وأخيرا سكب على نيران قلبي ماء الوصال. أخيرا شاهدت حبيبي. أخيرا وضعت هامتي على قدميه.( عند ذلك اخذ يقول أشياء لا اقدر أن أبوح بها ولا ينبغي لي ذلك. ثم لما فرغ من بكائه.. راح يقبل وجهي وودعني قائلا: لن أعيش بعد الآن أكثر من أسبوع. قلت: ولماذا؟ قال: بلغت غايتي ووصلت إلى مرادي. مرغت وجهي على قدم معشوقي ومالك فؤادي.. أخشى إذا بقيت في الدنيا أن يعود هذا القلب الوضيء إلى ظلامه من جديد. أخاف على هذه الروح النقية أن ترتد إلى التلوث. من أجل هذا... طلبت الموت، فوافق مولاي! والآن.. في أمان الله.. انا ذاهب. استودعك الله. ثم أنه دعا لي. وبعد ستة أيام أو سبعة أيام.. فاضت روحه وفارق الدنيا. فيا أيها الشبان! لا تقنطوا ولا تفقدوا الرجاء. إن هذا الشاب هو كاحدكم، لا يختلف عنكم. ليس هو من أقرباء الامام صاحب الزمان 0عليه السلام وانتم غرباء عنه. انه (عليه السلام) يريد منكم قلوباً طاهرة. أعطه قلبك.. تعرف كيف سيتوجه إليك: تعال.. يا ابن العسكري. كلم الشبان ونحن نستمع إليك.. إني لأقول على لسان كل عاشق: تحسراً على شفتيك.. بلغت الأرواح التراقي فمتى يجود ثغرك بما يشفي المتيمين؟! افتح قبري بعد موتي.. وأنظر: تر الدخان ينبعث من كفني، من نار الفراق! اللهم اجعل في قلوب كل الحاضرين محبة ذاتية لخاتم الانبياء، وشوقاً وعشقاً لامام الزمان (عليه السلام). إلهنا.. اجعل قلوب الحاضرين – رجالا ًونساء، علما وعوام، أطفالاً وكباراً – طافحة بمحبة امام الزمان. (خاتمة ما نقل من هذا المجلس): اللقاء ممكن.. مع توفر المؤهلات: إن أغلب عوائق التشرف بلقيا الامام بقية الله (أرواحنا فداه) إنما منشؤها غياب المؤهلات اللازمة للانفتاح على محضره المقدس (عليه السلام). ومن يفتقدون هذه المؤهلات... فإما أنهم محرومون من نعمة لقائه، وإما أنهم يشاهدونه (عجل الله فرجه) ولا يعرفونه، واما أن يتصرف فيهم الامام – لدى رؤيته – تصرفاً ولايتياً يسلبهم القدرة على التكلم معه. ومن أراد أن يمن عليه بلقاء امام الزمان (عليه السلام)، ويوفق للاستفادة الحضورية من هذا اللقاء.. فعليه أن يعد لهذا عدته اللازمة، بأن يرتبط بالامام ارتباطاً روحياً، وأن يعرفه معرفة سليمة.. قبل الفوز بلقائه. وقد ألمحنا إلى جانب من كيفية هذا الأرتباط في كتاب (المصلح الغيبي). وهذه واقعة أوردها مؤلف كتاب (المعجزات والكرامات) في الصفعة 68، فقال: روى عدة صلحاء ثقاة من أهل العلم أن رجلاً اسمه (أمين الحلاق) كان يقطن في مدينة الكاظمية ببغداد. وكانت له خبرة لا بأس بها في معالجة بعض الجراحات المستعصية..إلى حد أن يطمأن إليه. وحكى أمين الحلاق هذا.. فقال: جاءني يوماً زائر من الزوار يشكو من غدد في يده ورجله ولسانه.. كانت آلامها مبرحة تؤذيه، فطلب مني أن أجري له عملية لاستئصال الغدد. وبعد الفحص.. استبان لي أني غير قادر على معالجته، لكن قلبي كان يعتصر اسى له وشفقة عليه. فأغلقت دكاني، وأخذته إلى بغداد اعرضه على طبيب مسيحي تصلني به معرفة. وبعد المعاينة الدقيقة قال الطبيب: مرضه خطير قاتل، لا علاج له بدون عملية جراحية، احتمال نجاحها قليل، وربما يموت الرجل في العملية. وإذا حدث أن نجحت العملية فإنه سيظل طوال حياته يعاني من خرس اللسان وعرج الرجل. توسل المريض بالطبيب ملتمساً منه أن يجد له علاجاً اسهل. فكان جواب الطبيب: لا سبيل غير الذهاب إلى المستشفى لاجراء العملية. كلام الطبيب قطع علينا طريق الأمل. وذهبنا لاستشارة أطباء آخرين. فما زادوا في تشخصيهم على ما قال الطبيب الأول: لا مفر من العملية الجراحية بكل مخاطرها المحتملة. قفلنا – انا والمريض – راجعين إلى الكاظمية،و قد تفاقمت آلامه واشتدت اكثر من ذي قبل. ذلك أن شيئاً جديداً قد أضيف إلى معاناته، هو اليأس من العلاج.. فاستبدت به حالة من القلق والاضطراب كانت تتصاعد حدتها بمرور اللحظات. عملت جهدي لأسري عنه وأسليه. ثم ودعته ومضيت إلى دكاني وقضيت ليلتي آيساً محزوناً عليه. وفي الصباح مضيت كالعادة إلى الدكان. وما هي إلا هنيهة حتى فاجأني هذا المريض. هو ذا أمامي تطفح على محياه المسرة والنشاط، وهو يلهج بالشكر لله (تعالى) ولا يفتأ يحمده (سبحانه) ويصلي على النبي محمد وآله. وسألته عن أمره، فقال: انظر.. لم يبق أي أثر للغدد والقروح! قلت له: أأنت نفسك مريض الأمس؟! أجاب: هو أنا مريض الأمس. البارحة.. حين ودعتك، فكرت مع نفسي: ما دام لا سبيل أمامي غير الموت، فلأذهب إلى الحمام، ثم أروح إلى زيارة الامام موسى الكاظم (عليه السلام) وأنا على طهر. وذهبت إلى الحمام، واغتسلت غسل الزيارة. ومضيت إلى الحرم الطاهر للأمام الكاظم (عليه السلام) وهناك أتاني رجل عربي (هو – يقيناً الامام بقية الله صاحب الزمان عليه السلام) وجلس إلى جواري. ثم مسح بيده المباركة على بدني من رأسي إلى قدمي. ولفت انتباهي أن يده الشريفة ما أن تمر على موضع من بدني إلا هدأ ألمه وسكن وجعه في الحال.. حتى ذهب المرض كله من رأسي ووجهي ولساني ويدي ورجلي، وكل بدني. معجزة.. ورأيتها. في تلك اللحظة أمسكت بثوبه وتعلقت به. أخذت أكلمه بضراعة وأنا اصيح: أنت الذي شفيتني.. أنت الذي شفيتني. وسمع الناس في الحرم صياحي وتجمعوا حولي يسألونني: ما بالك تتوسل وتصيح؟! عندها قال لهم الامام بقية الله (روحي فداه) يستر عنهم حقيقة الأمر: شفاه الامام، لكنه أمسك بثوبي وأخذ يبكي! ولا أدري كيف فلت الإمام (عليه السلام) ثوبه من يدي.. واختفى. قال أمين الحلاق: بعد ما رأيت هذا الرجل معافى، وبعد سماعي هذه الواقعة اصطحبته إلى بغداد مجدداً، ليراه الأطباء الذين فحصوه. قلت لهم: جئت لأريكم معجزة عجيبة، أختفت الغدد والقروح معاً، وشفي الرجل.. مع أنه لم يفارقكم أكثر من يوم وليلة. هناك دهش الاطباء من هذه الحادثة. لطفاً من ألطاف الامام صاحب الأمر (عليه السلام) كانت، وآمنوا بها مذعنين. إدعاء النيابة الخاصة: من زعم أنه على صلة دائمة بالامام بقية الله (روحي فداه) وأنه يتحدث مع الامام متى شاء، وينقل جواب الامام (عليه السلام) للناس عما يسألون.. فإنه كاذب قد أدعى النيابة. إذا ورد في التوقيع المقدس الصادر من الامام صاحب الأمر (عليه السلام) لآخر نوابه الأربعة علي بن محمد السمري: (ألا فمن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). أي من ادعى المشاهدة بمعنى الرابطة الدائمة (مثل خواص النواب) بالامام بقية الله (روحي فداه) قبل خروج السفياني والصيحة.. فهو كذاب مفتر. وعلى هذا فإن احدا ً لا يستطيع (سواء أكان ذلك في الغيبة الكبرى أم كان في عصر الظهور الأصغر(1) أن يدعي هذا اللون من الارتباط بالامام (عليه السلام)، ويعرف نفسه للناس على هذا النحو , ولكن من الممكن أن يحمل الامام ولي العصر (عليه السلام) أحداً رسالة إلى شخص آخر.. لا على نحو متواصل ومستمر، بحيث يراجعه الناس،و هو يعدهم أن سيبلغهم إجابات الامام بعد كذا يوم ؛ فهذه هي النيابة الخاصة المنفية. هذه مقدمة كتبتها ؛ لأن بعض الجهلة يدعي هذا اللون من النيابة.. أما كذباً وزوراً، وأما (بناء على قاعدة الحمل على الصحة) أنهم يرون لأنفسهم هذا الارتباط في عالم الخيال، وفي حسبانهم أنه أرتباط روحي. وعلى أي حال.. فإن هذا الادعاء – حتى زمان ظهور الامام (عليه السلام)- باطل يستوجب التكذيب ؛ لأن الامام ولي العصر (عليه السلام) – لأن الامام ولي العصر (عليه السلام) نفى هذا النحو من الارتباط حتى يحين وقت الصيحة السماوية وخروج السفياني. وكلا الصيحة والسفياني مقارن لظهور الامام (عليه السلام). إن كل ما نقوله عن ضرورة ارتباط الروحي. هذه واحدة. والأخرى: أنه لو كانت لأحد صلة دائمة بالامام (صلوات الله عليه) كالأوتاد والأبدال واصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر الخواص وغيرهم.. فإنه لا يبوح بها لأحد. ومنذ بداية اتصاله بالامام (عجل الله فرجه) ينهاه عن إفشاء هذه الرابطة بين الناس. المرحوم آية الله السيد حسين الحائري الذي كان يقطن في مدينة مشهد، ويعبر عنه المرحوم آية الله الشيخ على النهاوندي في كتابه (العبقري الحسان) بأنه كان مفخرة العلماء العاملين ينقل هذه الحادثة. عام 1345ه كنت مقيماً في كرمنشاه (في غربي إيران). وكان لي منزل يحل فيه اكثر زوار الامام سيد الشهداء (عليه السلام) خلال ذهابهم إلى كربلاء وإيابهم منها. يقيمون فيه ما شاءوا من أيام. من هؤلاء الزوار: سيد غريب لم أعهده من قبل. حل في منزلنا في أوائل المحرم بضعة ايام...و أنا أقوم بمستلزمات ضيافته كالعادة. أثناء إقامة هذا السيد.. مر بي أحد أهالي مدينة النجف في طريقه إلى إيران.. ودخل المنزل. وما أن وقع بصره على هذا السيد حتى قال لي – بالإشارة: اتعرف هذا السيد؟ قلت: كلا.. فإني ما رأيته من قبل. قال: أنه واحد ممن عكفوا سنوات على تزكية النفس وتهذيبها. وفي ظاهر الأمر انه صاحب دكان للعطارة في زقاق (مسجد الهندي) بالنجف. ولكنه في غالب الوقت لا يوجد في الدكان، وبين وقت وآخر يفتقد. ومن يستطلع خبره ويتعقبه يجده في إحدى غرف مسجد الكوفة مقبلاً على رياضة النفس. (بعد هذا غدا واضحاً أن اسم هذا الرجل هو السيد محمد، من أهل مدينة رشت) منذ أن اطلعت على وضعه إزداد حبي له. قلت له: بعضهم يعدك من أولياء الله. أنكر هذا بادئ ذي بدء.. وبعد إصرار.. قال لي: نعم. سلخت اثنتي عشرة سنة في مسجد الكوفة وسواه معنياً برياضة النفس ؛ فلقد أخبرت أن مدة اكتمال الرياضة هي اثنتا عشرة سنة. وفي أقل من هذه المدة لا يبلغ مقام الكمال. سألته أن يحدثني بشيء. فقال: أعرف (إحضار الجن).. ولكن لا اعتماد على كلامهم ؛ لأنهم في أوقات يقولون حقاً، وفي أوقات أخرى يقولون كذباً. ومن غير الصالح (إحضار الملائكة) لأنهم مشغولون بالعبادة.. فلندعهم في عبادتهم. لكني أحضر لك أرواح علماء كبار ؛ فإنهم يجيبونك عن كل ما تسأل. وهنا أؤجل سرد بقية كلامي مع سيد محمد الرشتي هذا، لأذكر مسألة لها صلة بالموضوع. في السنوات الاخيرة عملت الحكومة (أي في عهد رضاشاه) على إشاعة حياة التحلل والإعراض عن الدين في أوساط الشباب والنساء، وعمدت إلى الاستخفاف بمجالس عزاء الامام الحسين (عليه السلام) وإهانة كل ما يتصل بالشعائر الحسينية. في هذا الجو رأيت أن عليّ – من أجل تمتين جذور مجالس العزاء – أن أقيم مجلساً كبيراً في المنزل.. يبدأ وقته من بعد صلاة الفجر إلى ما بعد الظهر بساعة. يحضر هذا المجلس ستون قارئ تعزية. يرتقي منهم المنبر تباعاً ثلاثون. وتكون نوبة الآخرين في الأيام التالية. هؤلاء كلهم كنا نعطيهم نقوداً. خمسة من قراء (الردات الحسينية) يقرؤون التعزية، وينشدون (ردات) لدم الصدور. ومن المعلوم أن إعداد مجلس كهذا يتطلب بذل طاقات كبيرة وإنفاق مال كثير. لكني لم أكن أدري: أكان المجلس موضع قبول الامام بقية الله (روحي فداه) أم لا؟ من أجل هذا طلبت من ضيفنا سيد محمد أن يسأل أرواح العلماء: هل هذا المجلس مقبول من لدن أهل بيت العصمة والطهارة.. أم لا؟ قال: حسنا.. الليلة أسأل أربعة من العلماء الذين فارقوا الدنيا، لأرى إن كان المجلس مقبولاً أم لا. وهؤلاء العلماء هم: المرحوم آية الله الميرزا حبيب الله الرشتي، والمرحوم الميرزا محمد حسن الشيرازي، والمرحوم سيد اسماعيل الصدر، والمرحوم سيد علي الداماد (صهر الشيخ حسن المامقاني). في الصباح قال لي.. لما ذهبت إليه: البارحة أحضرت هؤلاء العلماء الأربعة، وسألتهم: أهذا المجلس موضع قبول أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام).. أم لا؟ هؤلاء العلماء أجمعوا في جوابهم على أن المجلس محل عناية أهل البيت (عليهم السلام) ومورد قبولهم. وقالوا: في اليوم التاسع من المحرم (تاسوعاء)، أو العاشر من المحرم (عاشوراء) سوف يحضر الامام بقية الله (روحي فداه) في هذا المجلس. أما أنا.. فقد آنسني ما ذكر لي كثيراً.. وسألته: ولماذا لم يحدد اليوم؟! فقال: لا مانع.. الليلة ايضاً أسألهم وأطلب منهم تعيين اليوم والساعة. واشير هنا إلى أن هذا المجلس كان مغايراً للمجالس التي يعقدها أكثر العلماء؛ إذ عادة ما يجلس صاحب المجلس مع الحضور من العلماء في موضع، ويجلس عامة الناس في موضع آخر. كنت في غالب الأوقات قائماً عند الباب على قدم الاحترام للجميع. وهذا مما جعل أهل البلدة عامة يتقاطرون لحضور المجلس حتى يغص بهم المكان، بحيث يتعذر العبور من بين الحاضرين، وبحيث يضطر جمع من الناس إلى الانتظار في الأزقة المجاورة، لعل أحداً من الحضّار يخرج من المجلس ليحل في مكانه بعض المنتظرين. على أي حال.. قال لي سيد محمد في صباح اليوم التالي: البارحة سألت العلماء الأربعة عما طلبت، فقالوا: في يوم تاسوعاء في الساعة الفلانية والدقيقة الفلانية سوف يحضر في المجلس الامام ولي العصر (عليه السلام)... في الوقت الذي تكون أنت فيه جالساً قرب البئر عند باب الدار. في تلك اللحظة تجد في نفسك تغيراً مفاجئاً يهتز له بدنك. وعليك آنئذ أن تتطلع إلى ذلك الموضع (و أشار إلى جانب من الدار)، وسوف تشاهد رجالاً جالسين، وعدتهم حوالي اثني عشر.. على هيئة خاصة وفي زي خاص. أحد هؤلاء.. هو الإمام بقية الله (روحي له الفداء). سوف يمكثون هنا ساعة.. ثم ينصرفون مع الناس. ولن تفطن لانصرافهم، رغم سعيك ألا تغفل عنهم. ينبغي في وقتها ان تكون على وضوء ن وأن تواصل عملك في الخدمة داخل المجلس.. من تقديم الشاي وإعادة الفناجين الفارغة. أنهم لن يقوموا لك، وسوف يقولون لك: هذه دارنا، فاذهب أنت وقف عند الباب لاستقبال الناس. ساعة بتمامها يظل الامام ولي العصر (عليه السلام) ومرافقوه في المجلس. اثنان من قراء التعزية يصعدان المنبر. ومع انهما لا يتطرقان في حديثهما إلى ذكر مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام) ألا أن حالة من التأثر والهياج تهيمن على المجلس. ترتفع ضجة الناس بالبكاء والعويل.. على غير العادة في سائر الأيام. القارئ (أشرف الواعظين) الذي يستغرق حديثه يومياً على المنبر ساعة، ويختم المجلس في الثانية بعد الظهر.. يأتي في اليوم الموعود، ويرتقي المنبر، ويحدث الناس – على خلاف عادته – عن الامام بقية الله (روحي فداه). كل هذا.. أنباني به سيد محمد في اليوم الخامس من المحرم. وإنتظار ليوم تاسوعاء..كنت أحصي ساعات الليالي والأيام. وحان يوم تاسوعاء..فحضر المجلس عدد غفير من الناس. ولشدة ازدحام الحاضرين، اتخذت مكاناً لي في الساعة الموعودة محاذياً للبئر، وعلى حين غفلة احسست بهزة تأخذ بدني، جعلتني ارتجف.. بادرت، فتطلعت إلى الموضع المعين من الدار، فرأيت اثني عشر رجلاً جالسين حول بعضهم كالحلقة. كانت ثيابهم من مألوف الثياب.و على رأس كل منهم قلنسوة كرمانشاهية. كل ثيابهم خضر.. وكلهم ذوو بنية قوية. محاسن وجوههم وحواجبهم سود اللون. وشعر رؤوسهم أسود أيضاً. أما أنا.. فقد شققت لي طريقاً – من فوري – بين صفوف الحاضرين، حتى وصلت إليهم، وناديت بصوت عال: هاتوا شاياً للسادة.! تبسموا في وجهي. ولم يظهر منهم لي في هذا المجلس من الاحتفاء والتقدير حتى بالقدر الذي يظهر لي رجال الحكومة وعامة الناس. قالوا لي: هذه دارنا. أحضروا لنا كل شيء. اذهب لدى الباب واستقبل الناس. وبلا اختيار.. عدت راجعاً إلى باب الدار، وأنا لا أدري من أين دخلوا. واحتملت أنهم قد دخلوا من الغرفة الفاصلة بين غرفة الاستقبال وداخل المنزل. ومهما يكن.. فقد صعد في تلكم الساعة اثنان من الوعاظ، واحداً بعد الآخر. ومع أن المألوف أن يكون الحديث في يوم تاسوعاء عن أبي الفضل العباس (عليه السلام) ألا انهما – وبدون سابقة – شرعا يخاطبان الامام ولي العصر (أرواحنا فداه) خطاباً جعل الناس يبكون على فراق الامام (عليه السلام). قدما التعازي للامام (عليه السلام)، واستغاثا به من شدائد الدنيا وبلاءاتها. في وقتها.. ضج المجلس بحالة من الاهتياج والانفعال والبكاء والنحيب. الخطيب (أشرف الواعظين) جاء – كما أنبأني سيد محمد – مبكراً في أول الصباح.. وكان ينبغي أن يحضر على جاري العادة بعد الظهر ليختم المجلس. وعوض أن يجلس في الغرفة الخاصة بالقراء والواعظين كما هي سيرته اليومية.. قعد إلى جواري عند باب الدار، قائلاً: اليوم عطلت مجالسي الأخرى للاستراحة.. استعداداً ليوم غد (عاشوراء) ؛ فإن لدي مجالس كثيرة ينبغي التهيؤ لها.. ولكني لم استطع أن اتخلف عن حضور هذا المجلس. في تلك الساعة ارتقى المنبر. وما ان جلس على المنبر حتى أحذته حالة من الصمت الطويل.. كمن لا يدري ما يقول. أيها المتشرد في البراري... كلامنا اليوم معك! هذه العبارة جعلت الناس – من فرط الجزع والثكل – يلطمون رؤوسهم ووجوههم بأيديهم، وينتحبون باكين.. حتى فقدوا السيطرة على أنفسهم خلال ذلك.. كنت أعاود النظر بين فينة وفينة إلى أولئك الرجال الاثني عشر. لكني افتقدتهم على حين غرة، ولم أعد أراهم. لقد غادروا المجلس منصرفين. بعد هذا الموضع من رواية الواقعة يروي سيد حسين الحائري كرامات للسيد محمد الرشتي، نعتذر هنا عن إيرادها ابتغاء للاختصار، ولأنها خارجة عن نطاق الموضوع. ومن المفيد هن الإشارة إلى امر نتعلمه من هذه الواقعة. وهي أن القارئ في المجلس – أو عامة الحضور – حين يحدث ان يتوجهوا بلا اختيار إلى الامام بقية الله (روحي فداه)..فمن قوي الاحتمال أن يكون الامام (عليه السلام) حاضراً في ذلكم المجلس. الهوامش (1) الظهور الأصغر هو ما يسبق الظهور الأكبر ويمهد له... ****************** سيد عوالم الوجود: الامام بقية الله (روحي فداه) سيد وعظيم كل عوالم الوجود. ما من خلق الله (تعالى) اليوم احد على الكرة الأرضية أعظم واكبر وأعلى من الامام بقية الله (أرواحنا فداه).. من أحبه فقد احب الله، ومن عاده فقد عادى الله، ومن عرفه فقد عرف الله ومن اعزه فقد اعز الله. المرحوم الشيخ محمد الكوفي الشوشتري، أحد علماء أهل المعنى المعاصرين.. حدث قال: عزمت أن أبيت الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان والليلة الحادية والعشرين في مسجد الكوفة. وإذ كانت تلك الايام أيام ذكرى استشهاد الامام أمير المؤمنين علي أبن ابي طالب (عليه السلام) فقد نويت أن أقصد زاوية من زوايا المسجد أستذكر مصائب الامام (عليه السلام) وأبكي عليه. صليت صلاتي المغرب والعشاء في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان عند مقام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد السهلة. ثم فكرت أن أنتحي ناحية لتناول ما معي من طعام الأفطار.. فتوجهت تلقاء الجانب الشرقي للمسجد. اجتزت الغرفة الأولى، ثم لما بلغت الغرفة الثانية رأيتها مفروشة، ورأيت شخصاً متزملاً بعبائته وقد نام على الفراش. وثمة شخص آخر من أهل العلم يرتدي زي العلماء.. جالس إلى جانبه. سلمت عليه فرد (أي الرجل المرتدي زي العلماء – السلام، وطلب إليّ أن أجلس إلى جواره، فطاوعته وجلست. ثم راح يسألني عن احوال العلماء والفضلاء الخيرين في النجف، وكنت أجيبه أنهم – ولله الحمد – بخير وسلام. في هذه الاثناء.. رأيت ذلك الرجل المستلقي يقول شيئاً لصاحبي هذا الذي كان يسألني.. ولم أفهم ما قال له. ولكني سألت الرجل المرتدي زي العلماء عنه قائلاً: من هذا؟ فقال لي: هذا سيد العالم. فاستكثرت في قلبي جوابه هذا، وظننت أنه كان يريد أن يعظم هذا السيد في عيني، لأن سيد العالم هو الامام الحجة أبن الحسن (عليه السلام) لا سواه. وإزالة لتوهمه.. قلت له: هذا سيد عالم؟ فقال: لا، هذا سيد العالم (1) حينئذ لم أجد غير السكوت، ورحت أنظر فيما حولي.. فرأيت مسجد الكوفة مغموراً كله بنور بدت معه المصابيح المضاءة اشبه بالشموع. بعدها طلب هذا الرجل المعمم ماء، فظهر شخص على الفور، وناوله إناء فيه ماء، فشرب منه شيئاً، وناولني البقية. قالت له: لست عطشاناً. ثم أن الشخص الذي كان قد ظهر واحضر الماء، اخذ منه الاناء وغاب. عند هذه النقطة.. نويت في قلبي أن أقوم قاصداً مقام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصلي ثم لأتذكر مصائبه (عليه السلام) وأخلو للبكاء. عندها بادرني هذا الرجل الذي هو من أهل العلم قائلاً: أين ذاهب؟ فاخبرته بما نويت فقال لي: بارك الله فيك. ثم لما خطوت بضعة خطوات باتجاه مقام الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، حانت مني التفاتة إليهما فلم أجدهما، رغم أني ما سرت إلا قليلاً. دعاء للفرج والظهور: شاعت سنة 1361ه ش قضية بين الأصدقاء، ولكن أحداً منهم لم يكن يعرف من هو صاحب هذه القضية. ذلك أن هذا الرجل كان في نيته أن يكتم ما وقع له، ولم يخبر بها إلا شخصاً واحداً وأخذ عليه عهداً ألا يبوح باسمه على أنه صاحب الواقعة. لا أدري كيف فهمت أن الواقعة ترتبط بفلان من أولياء الله – أي هو الشخص المقصود- ولكن حدث يوماً أن سألت الرجل الوحيد الذي يعرف من ترتبط به الواقعة: أليس صاحب القضية هو فلان؟ فاجبني بدهشة: بلى، ولكن من الذي أخبرك؟! قلت: أظن أني عرفت ذلك أما في المنام وأما أكون قد ألهمت ذلك إلهاماً.. وإلا فان أحداً لم يخبرني. كانت هذه المقدمة من أجل أن أتوصل إلى القول بأني أعرف صاحب هذه الواقعة معرفة دقيقة وأثق به، بل ولعله ولي من أولياء الله (تعالى)، وما نقل في هذه الواقعة من كلام فإنه – بكل اطمئنان – صادر من الامام بقية الله (روحي فداه) إليكم عصارة الواقعة وخلاصتها. قال هذا الرجل الموثوق: في ليلة شهر رمضان عام (1401ه) طرقت باب دارنا في وقت الإفطار ودخل الامام بقية الله (روحي فداه) الدار لتناول الإفطار. وقبل الإفطار صلى الإمام (ع) فريضتي المغرب والعشاء وأنا مؤتم به في الصلاة وبعدها.. تحدث لي الامام عن موضوعات التزم منها بنقل هذا الموضوع إذ قال (ع):اقرأ هذا الدعاء كثيرا: اللهم ادخل على أهل القبور السرور، اللهم اغن كل فقير، اللهم اشبع كل جائع، اللهم اكس كل عريان،اللهم اقضي دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر انك على كل شيء قدير.(2) إن الباعث على الأمر بقراءة هذا الدعاء قد كشف عنه الامام (ع) بما مفاده. أمر جدي رسول الله (ص) بقراءة هذا الدعاء في شهر رمضان لتكون الإجابة له كاملة تامة في زمان الظهور. وفي الحقيقة فإنما هو دعاء بظهور فرجنا. ولا ريب في انه من غير الممكن قبل الظهور أن يزول الفقر والجوع والكرب والسوء زوالا تاما من حياة البشرية كافه، فلا يظل ثمة أسير، وتصلح كل أمور المسلمين. إن من غير الممكن قبل الظهور المقدس أن تتبدل أحوال كافة البشر وروحياتهم بالصفات الالهيه فيصبحوا متخلقين بأخلاق الله جل جلاله فتقضى ديونهم ويبدل الفقر والفاقة في العالم بالثراء والغناء ومعنى هذا.. إن هذا الدعاء إذا أريد له الاستجابة أن يتحقق قبل الظهور الباهر النور للإمام بقية الله عليه السلام. ومن هنا قال الامام عليه السلام: قل لشيعتنا يدمنوا قراءة الدعاء فهو في الحقيقة دعاء لنا بالظهور والفرج. اطلب حاجتك من امام الزمان (عليه السلام): أغلب الذين يريدون لقاء الامام بقية الله (روحي فداه) إنما يريدون – في اكثر الحالات- ان تتيسر لهم امورهم المادية من خلال هذا اللقاء. غير أن طائفة ممن يهمهم شأن المعنويات والنضج والكمال الروحي.. ليس لهم من غرض في التشرف بلقاء الامام (عليه السلام) إلا الاستزادة من الكمالات والمعنويات واللذة الروحية التي تفاض عليهم من المحضر المقدس لولي الله الأعظم امام الزمان (عليه السلام). وعلى من يريد قضاء حاجاته – مادية كانت ام معنوية واخروية – أن يتوجه بها إلى امامه (صلوات الله عليه) ؛ علماً منه – أي صاحب الحاجة – أن وجوده هو محض افتقار واحتياج. علماً منه كذلك أن الامام – الذي هو يدالله وعين الله ولسان الله وغنى الله (تعالى) – ما به من حاجة إلى احد، وكل الآخرين محتاجون إليه ؛ لأنه وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء. وعلى هذا.. فإنه لا مناص – في طلب الحاجات من الله (عز وجل) – من التوسل به (عليه السلام)، ولا مناص للطالب أن يسأله، لدى التشرف بلقائه، كل ما يحتاج من خير الدنيا والآخرة.. قائلاً: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).(3) في كتاب (العبقري الحسان) يروي مؤلفه المرحوم النهاوندي، عن العالم الجليل سيد عبد الله القزويني هذه الواقعة: تشرفت سنة 1327ه، ومعي زوجتي وابنتي، بزيارة العتبات المقدسة في العراق. ومن النجف الأشرف مضينا يوم ثلاثاء إلى مسجد الكوفة. وكان عزم رفقائنا في سفرنا هذا أن يعودوا في اليوم نفسه إلى النجف. قلت لهم: حسن أن نذهب هذه الليلة –ليلة الاربعاء – من مسجد الكوفة إلى مسجد السهلة، فنؤدي أعمال مسجد السهلة هناك. في البداية وافق رفقاؤنا على ما اقترحت.. ثم تراجعوا قائلين: نحن لا نسير ليلاً في هذه البرية. بيد أننا – أنا وزوجتي وابنتي وأمرأة أخرى كانت معنا – قصدنا مسجد السهلة. حيث صلينا صلاتي المغرب والعشاء جماعة. وبعدها بدأنا بالدعاء وبأعمال المسجد، وما فطنا إلا وقد أنصرم هزيع من الليل، فكان علينا أن نرجع إلى مسجد الكوفة في الحال. في وقتها تملكني خوف شديد ؛ إذ كيف أرجع مع هذه النسوة إلى الكوفة في عربة مكشوفة لا نعرف عن سائقها أي شيء؟! هذا إلى جوار أن (عطية) المشهور قد تمرد في تلك السنة على الحكومة العراقية، فكان يغير على المسافرين ليلاً ينهب طعامهم. وهذا كان أكثر ما يخيفني ويفزعني. من قلبي – وأنا في غاية الفزع والاضطراب – توجهت تلقاء الامام ولي العصر (ارواحنا فداه) اتوسل به، وأطلب من وجوده المقدس العون والمدد. وبينما أنا كذلك.. حانت مني التفاته صوب مقام الامام ولي العصر (عليه السلام)الكائن في وسط المسجد. وهناك شاهدت نوراً عجيباً يحار له اللب، وكأن الشمس قد أفرغت كل سناها مركزاً في تلك البقعة. نهضت من فوري إلى المقام المقدس، فرأيت سيداً جليلاً عظيماً في منتهى الجلال والعظمة، جالساً يتعبد هناك. جلست على ركبتي بين يديه، وقبلت كفه المباركة. أردت أن أقبل جبينه.. فمال إلى الخلف ولم يدعني أفعل. جلست إلى جواره أدعو وأقرا الزيارة، وكان هو مقبلاً على دعواته وأذكاره. ولما كنت أبلغ في الزيارة عبارة السلام على الامام صاحب الزمان (عليه السلام) كان هذا الرجل يجيبني قائلاً: وعليكم السلام! ضايقني ذلك منه قليلاً، وقلت في سري: أنا أسلم على امام زماني.. وهذا الرجل يجيب! ثم نظر إليّ، وقال: ادع وتعبد براحة خاطر، فقد أوصيت (أكبر الكبابي) ليوصلكم إلى مسجد الكوفة ويقدم لكم طعام العشاء. أستأنست إليه لما سمعت منه هذه الكلمات، وطلبت منه ثلاث حاجات: الأولى: سعة الرزق والخلاص من العسر. فأجابني إلى هذه الحاجة. الثانية: أن يكون مدفني كربلاء عند الموت. فأجابني إليها أيضاً. الثالثة: أني طلبن منه ولداً صالحا. فقال: ليس هذا بأيدينا. فسكت دونما اصرار (و أذكر هنا أني كانت لي في أول شبابي زوجة أب، وكانت لها بنت حسنة من زواجها الأول.. لم توافق على تزويجي إياها. فطلبت من الله (تعالى) في حرم الامام الرضا (عليه السلام) أن يمن علي بالزواج من هذه الفتاة، ولا أريد أولاداً. ثم أني اقترنت بالفتاة زوجة لي.. ولهذا لم أصر على أن تنجب أولاداً). وتقدمت زوجتي إلى الامام بقية الله (روحي فداه) وسألته ثلاثة حاجات كذلك. إحداها أن تكون وفاتها قبل وفاتي، وأكون أنا من يتولى تكفينها ودفنها. الأخرى: سعة الرزق. الثالثة: أن تدفن أما في كربلاء وأما في مشهد وقد أجابها الامام (عليه السلام) ثلاثة حاجاتها (و قد نالت فعلاً ما أرادت، وتوفيت في مشهد، وتوليت دفنهابنفسي). ثم تقدمت المرأة التي كانت برفقتنا، وطلبت من الامام (عليه السلام) ثلاثة طلبات أيضاً. الأول: شفاء زوجة ابنها. فقال الامام (عليه السلام): سيهبها الشفاء جدي موسى بن جعفر (عليه السلام). الثاني: طلبت الثروة والمال لأبنها. وهذا أيضاً اجابها الامام إليه. الثالث: طول عمرها.. فأجابها (عليه السلام) إليه كذلك. وقد شهدت بنفسي كيف تماثلت كنتها للشفاء في الكاظمين، ثم كيف أثري ولدها وصار من الموسرين، وكيف عمرت هي خمساً وتسعين سنة. يقول سيد عبدالله القزويني: ثم خرجنا بعد الدعاء والزيارة وبعد هذه المحاورة من المقام. فقالت لي امرأتي: اعرفت من هو هذا السيد؟ قلت: لا. فقالت: هذا السيد امام الزمان (عليه السلام). عندها هرعت راجعاً إلى المكان، وتطلعت في داخل المقام.. فما رأيت للنور من وجود ولا للسيد الذي كان هنا قبل لحظات. ما ثمة إلا فانوس معلّق في وسط المقام.. ثم لا شيء. أما المسجد فقد كان غارقاً في الظلمة والسكون. وهنا أدركت أن ذلكم النور كان من أنوار الوجود المقدس للإمام بقية الله (أرواحنا فداه). ثم لما أنتحينا ناحية من المسجد.. أقبل على شاب، وقال: متى ما شئتم أوصلكم إلى مسجد الكوفة. سألته: من أنت؟ فأجاب: أنا (أكبر البهاري) ما أن سمعت أسمه حتى تذكرت قول الامام (عليه السلام): اوصيت اكبر الكبابي أن يوصلكم إلى مسجد الكوفة. لكني خلت أن الشاب ذكر اسمه بهذه الصيغة (اكبر البهائي) فانقبضت. قلت له: ماذا تقول؟! قال: اسمي: (اكبر البهاري). اسكن في محلة كباببي (4) همدان. ولأن قرية بهار تقع في أطراف همدان صار يقال لي: اكبر البهاري. وقد أمرني ذلكم السيد أن أوصلكم إلى مسجد الكوفة. بعدئذ.. أصطحبنا الشاب – ومعه أربعة أشخاص – وكان لنا في كمال الخدمة، يدور لرعايتنا كالفراشة، حتى أوصلنا بكل لطف ومودة إلى مسجد الكوفة. كل يوم يصلي الفجر مؤتماً بإمام الزمان (عليه السلام): لمحبة الصديقة السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) كبير الأثر في تزكية النفس. ولها كبير الأثر – من ثم – في التشرف بلقاء امام الزمان (روحي فداه). هذا.. وللأئمة الأطهار (عليهم السلام) كافة – وهم القدوة والأسوة لنا في كل الأعمال – تعلق عظيم بهذه الصديقة العظيمة، فهم يتقدمون إليها (سلام الله عليها) بوافر التبجيل والتوقير. يقول أحد الأئمة الطاهرين: إذا كانت لنا إلى الله حاجة توسلنا بأمنا الزهراء (عليها السلام). وإن روايات كثيرة وفيرة توصي بمحبة الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) ؛ إذ هي البلسم العجيب لكل الأمراض الروحية. وثمة حادثة على قدر كبير من الأهمية.. أوردها في هذا السياق: قبل عدة سنوات سافرة إلى مدينة شيراز، لزيارة مقام السيد أحمد أبن الامام موسى الكاظم (عليه السلام). وهو المقام المعروف بين الناس بامس (شاه جراغ)(5) وبعد هذا التاريخ أمرت طاش خاتون (المتوفاة سنة 750ه) ببناء قبة عالية على قبره الشريف عام (744ه)، وشيدت إلى جوارها مدرسة كبيرة. وقد زار الرحالة ابن بطوطة شيراز مرتين، كانت أخراهما سنة (748ه) في حياة طاش خاتون وأيام حكم ولدها (شاه شيخ أبو إسحاق). وقد وصف أبن بطوطة مشهد السيد أحمد بن الامام موسى الكاظم (عليه السلام) وصفاً ممتعاً، جاء فيه: (فمنها مشهد أحمد بن بموسى أخي علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب (عليهم السلام). وهو مشهد معظم عند أهل شيراز يتبركون به ويتوسلون إلى الله بفضله. وبنت عليه طاش خاتون اما السلطان أبي إسحاق مدرسة كبيرة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، والقراء يقرأون على التربة دائماً.و من عادة الخاتون أنها تأتي إلى هذا المشهد في كل ليلة اثنين. ويجتمع في تلك الليلة القضاة والفقهاء والشرفاء. فإذا حضر القوم بالمشهد المبارك ختموا القرآن قراءة في المصحف. وقرأ القراء بالأصوات الحسنة، وأتي بالطعام والفواكه والحلواء، فإذا أكل القوم وعظ الواعظ. ويكون ذلك كله من بعد صلاة الظهر إلى العشى. والخاتون في غرفة مطلة على المسجد، لها شباك. ثم تضرب الطبول والأنفار والبوقات على باب التربة – كما يفعل عند أبواب الملوك. ينظر كتاب (شد الإزار) لعيسى بن جنيد الشيرازي، وهوامشه ص 333-336، من الطبعة المترجمة إلى الفارسية تحت عنوان (تذكرة هزار مزار) – (المترجم). وفي شيراز حللت في دار أحد العلماء في دار أحد العلماء.. وهناك جاء عدد من العلماء لرؤيتي. كان من بينهم المرحوم آية الله الشيخ بهاء الدين المحلاتي. في هذا الحضور جرى ذكر شخص اسمه (عبدالغفار).. كان قد تشرف بلقاء الامام بقية الله (عليه السلام). ولهذا الرجل مزار في مقبرة (دار السلام)، بشيراز.. يقصده الناس للزيارة. وقد تحدث عنه من بين الحاضرين المرحوم آية الله المحلاتي أكثر من سواه. وفي اليوم التالي.. ذهبت برفقة مضيفي – وهو من أهل الإقبال الروحي في علماء شيراز – لزيارة قبر المرحوم (عبدالغفار)، فوجدته قبراً له نور معنوي، وروحية فياضة. وبعد سنوات على زيارتي هذه.. طلبت من مضيفي الجليل أن يكتب لي ما يعرف عن ذلك الرجل الكبير ؛ لأجعله في الجزء الأول من هذا الكتاب. ولكن مضيفي لم يتمكن – مع الأسف – من ايصال ما طلبت منه إلى. حتى جاء يوم.. قدّم لي فيه الحاج عبدالرحيم سرافراز الشيرازي أوراقاً مكتوبة لأطلع عليها. في الليلة السابعة عشرة من شهر صفر عام 1405ه كنت أقرا في هذه المكتوبات. فكان أن عثرت من بينها على موضوع المرحوم عبدالغفار، وقد دون بالتفصيل.. في وقت كنت قد وصلت فيه – لدى تأليف هذا الكتاب – إلى الموضع يستدعي إيراد هذا الموضوع. من أجل هذا.. فإني أورده هنا كما جاء في مكتوبات الحاج عبد الرحيم سرأفراز الشيرازي، يتصرف طفيف يقتضيه الجانب البلاغي: في أيام المرحوم الشيخ محمد حسين المحلاتي، جد المرحوم آية الله الشيخ بهاء الدين المحلاتي. دخل يوما مدرسة (خان شيراز) رجل عليه اطمار باليه، يحسبه الرائي حمالا من الحمالين، وطلب هذا الرجل من خادم المدرسة أن يقيم في غرفه من غرفها. فاعلمه الخادم أن عليه أن يفاتح في هذا الموضوع المسؤول عن المدرسة. وقصد هذا الرجل مسؤول المدرسة وطلب غرفة له، ولكن المسؤول أجابه: إن هذه مدرسه ولا نعطي غرفه الا لطلبة العلوم الدينية. قال الرجل: اعلم ومع هذا.. أريد منكم غرفه اسكن فيها عدة أيام، ووافق مسؤول المدرسة ولا يدري كيف وافق على أن يسكن في إحدى الغرف ليستريح فيها. عندئذ دخل الرجل الغرفة،وأغلق عليه بابها ولم يخالط احد. كان خادم المدرسة يقفل بابها كعادته في الليل غير انه حين يفيق في الصباح كان يجد باب المدرسة مفتوحا.. مما جعله في حيره من أمره وقلق فما كان منه الا إن ابلغ المسؤول بالأمر. قال المسؤول لخادم المدرسة: أغلق الليلة الباب وهات المفتاح.. لأعرف من يفتح الباب كل ليله ويخرج، وفي الصباح.. وجدوا باب المدرسة مفتوحا أيضا وكأن أحدا قد فتحه وخرج، وقد لفت أنظارهم أن حادثة فتح الباب ليلا قد بدأت منذ قدوم الرجل الغريب. فلا بد أن تحوم الشكوك عندئذ حول هذا الرجل. وراح مسؤول المدرسة يفكر أن لابد أن يكون لهذا الرجل سر. لكنه أسر الأمر بنفسه ولم يبده له، فكان يذهب إليه في غرفته يتودد إليه ويسأله أن يناوله ثيابه ليغسلها له.. كما يشير عليه أن يخالط طلاب المدرسة، أما هذا الرجل فكان يأبى ذلك قائلا: لست بحاجة إلى احد. انسلخت مده على هذا المنوال.. حتى كانت ليله دعا فيها هذا الرجل المرحوم الشيخ محمد حسين المحلاتي ومسؤول المدرسة إلى غرفته وقال لهما: لقد دنى اجلي وأريد أن احكي لكم قضيتي ولدي رجاء هو أن تدفنونني في موضع حسن. قال: اسمي عبد الغفار معروف بـ(مشهدي جوني) من أهل (خوئى) وهي مدينه شمال غرب إيران حينما كنت في الخدمة العسكرية.. كان ضابط ناصبيا، وفي احد الأيام تجاسر هذا الضابط وشتم الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام عندها خرجت من طوري تناولت سكينا قريبه مني وكنا أنا والضابط بمفردنا، فقتلته بها وفررت من(خوى). ولما بلغت الحدود العراقية عبرتها وواصلت طريقي إلى كربلاء. وفي كربلاء مكثت زمانا ثم ذهبت إلى النجف وبعدها مضيت إلى الكاظمين وسامراء.. وبعد مده عزمت أن أعود إلى إيران لأقضي بقية عمري إلى جوار القبر الطاهر للإمام علي بن موسى الرضا (ع) في مشهد. وفي طريق العودة بلغت شيراز واتخذت غرفة هذه المدرسة.. وها انتم ترون أني أقمت أياما هنا.... وفي أواخر الليل لما استيقظت للتهجد.. كنت أرى باب المدرسة يفتح لي فكنت اخرج واذهب عند الجبل القبلي اصلي فريضة الفجر مؤتما بالإمام ولي العصر(روحي فداه). وانه لتؤسفني حالة أهل هذه البلدة: ترى لماذا لا يحضر منهم للصلاة خلف إمام الزمان (عج) الا خمسة أشخاص مع كثرة ساكنيها. قال له المرحوم الشيخ المحلاتي ومسؤول المدرسة: يومك بعيد إنشاء الله وستظل حيا خاصة وانك غير مريض. قال يجيبهما: غير ممكن لا يتحقق كلام إمامي ولي العصر(عج). اليوم قال لي ستموت الليلة. ومهما يكن فقد أوصى الرجل وغطى نفسه (بشرشف) ونام ولم تمر غير لحظه حتى اسلم الروح. في اليوم التالي.. أبلغ المرحوم الشيخ المحلاتي علماء شيراز بواقعة الرجل. وأعلن المرحوم الشيخ مهدي الكجوري والمرحوم المحلاتي عن تعطيل الأعمال في البلدة. وشيع جثمانه تشيعاً شعبياً مهيباً. دفن رحمة الله عليه – في مقبرة (دار السلام) بشيراز، في جهة (الطاقات الأربع). وقبره موضع اهتمام الخواص من الشيرازيين.. حتى انهم يطلبون حاجاتهم عند من الله تعالى. هذا وطالما كان يتردد على قبره العلماء والمراجع مثل آية الله الشيخ بهاء الدين المحلاتي. هذا، ولعل المرحوم عبدالغفار الجندي، قد طلب من الشيخ محمد حسين المحلاتي أن يدفن في موقع حسن، لمعنى مقصود. وهو أنه إذا دفن في موضع لا يعني به الناس.. فإنهم قلما يذكرونه حينئذ، وقلما يدعون له بالرحمة. عندما كتبت هذه الجملة عن المرحوم عبد الغفار الجندي.. تذكرت ما وقع لي في السنة الماضية: لدى ذهابي إلى زنجان لزيارة قبر المرحوم أستاذي في الأخلاق الحاج ملا آقا جان (الذي دوّنت طرفاً من سيرته في كتاب: معراج الروح).. وجدت قبره الطاهر قد خرب، وكاد يندرس أثره في مقبرة زنجان العامة، فعزمت على إعادة بنائه.. وتم البناء فعلاً. وفي سفرتي الأخرى إلى زنجان لرؤية البناء الجديد.. رأيت في اليوم نفسه الحاج ملا آقا جان يشكرني – في عالم الرؤيا – وهو في غاية السرور. قلت له: ولم هذا الشكر؟ قال الآن صار حسناً جداً. صار قبري في هذه المقبرة مميزاً معروفاً، يأتيه الناس جماعات، ويدعون لي بالرحمة. وهذا يمدني بمنافع جمة.. وأنت السبب في هذه المنافع. والآن.. أخذ لكم ما تريد في مقابل محبتك هذه لي. قلت: وممن تأخذ لي ما أريد؟ قال: أنسيت أني كنت قد قلت لك أني بواب الامام سيد الشهداء (عليه السلام)؟! وتذكرت في حينا أني كنت سألته – حين رأيته في المنام قبل خمسة عشر عاماً: في أي جنة تعيش الآن؟ فقال: أنا بواب الامام سيد الشهداء (عليه السلام). (و في كتاب معراج الروح تفصيل هذا المنام) عندها قلت له: نعم.. أذكر. فقال:إذن العبد يأخذ من سيده كل ما يشاء. ذكرت له ثلاث حاجات.. ترتبط إحداها بأموري الدنيوية، وتتعلق الأخريان بأخرتي.. وقد أعطيت الأولى.. ولله الحمد. وعسى أن أنال الأخرويتين. قوا أبنائكم نار البيئة الفاسدة: كانت المدارس في إيران – إبان العهد الملكي الطاغوتي – شديدة الفساد.. من الوجهة الأخلاقية والتربوية. في تلك الأيام، تحدثت مرة بمحضر عدد من المدرسين وأساتذة الجامعة، فقلت: إذا كان فرعون قد قتل أبناء بني إسرائيل واستحيى نسائهم.. فإن هذا النظام يقتل أبنائنا وبناتنا روحياً – وهو اخطر من التقتيل البدني – ويسوق الجيل الجديد إلى الفساد. وكانت عاقبة هذا الكلام أن أُحضرت إلى مقر الشرطة السرية، حيث ذقت كثيراً من التعذيب النفسي. ليس لأحد – في ذلك الوقت – حق الاعتراض. وما ثمة من خطوة للإصلاح لكي يطمئن أولياء التلاميذ على سلامة تربية أبنائهم. كان الوضع – بلا ريب – يجر الناشئة واليافعين إلى الفساد جراً. وعلى أي حالى.. فقد انطوت صفحة تلك الأيام السوداء – لا أعادها الله. ومن جهة أخرى.. فإن عملية السفور الإجباري التي تولى كبرها المقبور (رضا شاه البهلوي) قد أسقطت المجتمع في وهدة من الفساد والإفساد، فلم يبق من الإسلام إلا أسمه. في أعتى أيام تجبر الأسرة الملكية الفاسدة.. تحدث السيد توكلي، فقال: كنت ضيفاً في منطقة (مينا تركمن) على عالم هذه المنطقة. وبعد تناول الغداء استلقيت على الفراش للاستراحة. كانت عيني ما تزال مفتوحة لم أنم.. إذا أحسست أن باب الغرفة قد فتح، ودخل الامام بقية الله (روحي فداه)، وسلم عليّ رددت تحيته، وعزمت على النهوض. لكنه (سلام الله عليه) أشار بيده أن: لا تقم. وتصرف بي، بحيث أني عجزت عن الحركة. اقترب مني (عليه السلام)، وقال: اثنتان قمتا ظهري، الأولى: وضع المدارس والثقافة في هذا البلد. والثانية: سفور النساء. ثم قال (عليه السلام): قلب أمي الزهراء (سلام الله عليها) أشد انكسارا ًمن انكسار ضلعها. ثم بكى.. وبكيت أنا مع بكائه. وما أن رفعت يدي أمسح الدموع حتى غاب عني (عليه السلام). وذكر هذا الرجل – في سياق حديثه – أنهم في أوائل تسلط (رضا شاه) كانوا يسوقون الناس سوقاً إلى الجندية الإجبارية، ويؤذونهم في الخدمة العسكرية أذى كثيراً بل أنهم ربما يرغمونهم على الخروج من الدين الإسلامي المقدس. في ذلك الوقت.. ما كان أبي قد تزوج، أو أنه كان حديث عهد بالزواج ولم يرزق ذرية بعد. حينها فكر في نفسه: أنه إذا أنجب أولاداً فإنهم سيرسلونهم كرهاً إلى العسكرية. كان في حيرة من أمره: فهو إما أن يتزوج (أو ينجب أولاداً)، وإما أن يظل أعزب لا يتزوج، لكيلا يجند أبناؤه لخدمة النظام. ثم أنه نقل عن أبيه أنه قال: في وقتها كنت أخرج إلى برية قريبة من دارنا مدة أربعين ليلة، اتوسل بالامام بقية الله صاحب العصر والزمان (عليه السلام).. طالباً منه أن يخرجني من حيرتي، وأن يرشدني: أأنجب ذرية.. أم لا؟ في الليلة الأربعين – وكانت ليلة قد اشتد بردها – وسوس الشيطان في صدري ألا أذهب فيها إلى البرية. لكني – على أي حالة – ذهبت.. ورحت أتوسل. وبعد دقائق من التوسل.. إذا بي أرى، في تلك الظلمة الحالكة، نوراً أبيض يقبل إليّ. دققت النظر.. فشاهدت رجلاً في قلب النور.. وهذا النور الذي رأيت كان يشع من الرجل. ثم أنه دنا مني، وأنا ما أزال عاكفاً على توسلاتي وضراعاتي.. فناداني باسمي، قائلاً: عزيز الله؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قلت: أريد إمام زماني. قال: أنا إمام زمانك.. فماذا تريد؟ قلت: إذا كنت امام زماني فإنك تعلم ما أريد. قال: صحيح، إنك تريد أن تعرف: أيجوز لك إنجاب ذرية أم لا. وإني لأقول لك: سيكون لك خمسة أولاد ذكور، فإذا تعهدت ألا يتأثروا بثقافة النظام البهلوي – بأن لا تبعث بهم إلى المدارس.. فأنا أتعهد لك ألا يجندوا للعسكرية. يقول السيد توكلي: وكما قال الامام بقية الله (روحي له الفداء). رزق الله والدي خمسة أولاد ذكور، فلم يدخل أياً منهم إلى المدرسة، وعني هو بتعليمهم في الدار. والمعجزة في الموضوع أنه لم يؤخذ أي منهم إلى العسكرية. وروى السيد توكلي حكاية كل واحد من الأبناء الخمسة في طريقة خلاصه من الجندية، أعرض عن ذكرها هنا رعاية للاختصار. وهنا ينبغي التذكير أن المسلمين فيما مضى، كانوا يعنون أشد العناية بتربية أبنائهم على طباق الآداب والمعايير الإسلامية ؛ فلا يدعونهم ينفعلون بالبيئات البعيدة عن الأخلاق وعن الإنسانية. فإذا قدر أنهم كانوا يعيشون في بيئة غير اسلامية فإنهم يعكفون على تربية أبنائهم وبناتهم في المنزل ؛ خشية أن تلوث طهارتهم عوامل المحيط الفاسد.. ذلك أن الله (عزوجل) كما أمر المسلمين بوقاية أنفسهم من الشقاء وعذاب النار، أمرهم أن يقوا أهلهم ومن يرتبط بهم من نار جهنم: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً)(6) والحقيقة التي لا ريب: ان (كل مولود يولد على الفطرة). فإذا كان يحيى في بيئة صالحة مبرأة من الرذائل الحيوانية.. فإن المولود ينمو ويدرج على صراط الله المستقيم، وتظل نفسه في حالة نقاء وطهر يغدو معها أمر التزكية والتهذيب عملاً متسماً بالسهولة واليسر. وأما إذا نشأ المولود في محيط فاسد ملوث لا تراعي فيه الآداب والقيم الإسلامية، وتشيع فيه الرذائل الحيوانية.. فإن تهذيب النفس وتزكيتها يمسي في غاية المشقة والعسر، بل ربما يكون أمراً من المتعذر الذي لا ينال. وهذا يعني أن على الآباء والأمهات السعي الجاد لانقاذ أبنائهم وبناتهم -0 في المنزل والمدرسة والجامعة – من التلوث بالأدناس. وعليهم ألا يسمحوا بأن يكون المعلمون والمعلمات ممن يفتقدون اللياقة التربوية الكافية لاعداد الناشئة واليافعين. الهوامش (1) ليس في التعبير الفارسي بين عبارة (سيد العالم) و(سيد عالم) من اختلاف في النطق إلى في حركة لام (عالم). فيقال بالفارسية عن هذين التعبيرين (سيد عالَم) و(سيد عالِم) – (المترجم) (2) مفاتيح الجنان – فصل أعمال شهر رمضان. (3) البهائي: الواحد من البهائية. وهي فئة ضالة كان لها شأن سياسي واقتصادي في إيران أيام الحكم الملكي. وكان علماء الاسلام في خصام ونزاع ظاهر ومستور مع هذه الفئة المنحرفة، بسبب عقائدها الضالة وارتباطاتها السياسية المعادية للاسلام والمسلمين – (المترجم). (4) نسبة إلى الكباب.. والكبابيون جمع الكبابي. (5) يذكر المؤرخون أن السيد أحمد أبن الامام موسى بن جعفر (عليهم السلام) قد نزل شيراز في أيام خلافة المأمون، بعد أستشهاد أخيه الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، لقتال المنحرفين. حيث استشهد هناك. ولم يوقف على قبره.. حتى ظهر مضجعه في أيام الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر الوزير الأتابكي (المتوفى سنة 665 ه) حيث بنيت عليه قبة. وقد ورد أنهم حين عثروا على قبره وجدوا بدنه في في قبره كما هو، صحيحاً طري اللون لم يتغير، وعليه درع سابغة، وفي يده خاتم نقش عليه: العزة لله – احمد بن موسى). وقد شوهد في حينها نور يسطع من قبره عدة صباحات، ورآه كثير من الناس. ولعل تلقيبه ب (شاه جراغ) له صلة بهذه الحادثة، إذ أن لفظة (جراغ) تعني المصباح أو القنديل. (6) سورة التحريم: 6. ****************** وقائع من التشرف بلقاء امام الزمان (عليه السلام): من استطاع أن ينهى النفس عن الهوى بتزكيتها وتهذيبها فاتصل روحياً بالامام بقية الله (عليه السلام) وثبت على هذا الصراط المستقيم.. أمكنه أن يحظى كراراً برؤية الامام صاحب الامر والزمان (عجل الله فرجه). وربما فاز – بما استبطنت روحياته من مشابهة للامام (عليه السلام) – بأن يكون في المحضر المبارك على نحو دائم. وطالما قال الامام (عليه السلام) نفسه، في عدة مناسبات: في هذه الحالة نحن نأتيكم، فلا تجشموا أنفسكم طلبنا. يذكر المرحوم حجة الاسلام الياسري (و كان من علماء أهل المعنى والاقبال الروحي في طهران) إن المرحوم آية الله الكوهكمري – الذي كان قد هذب نفسه بالتزكية وتهيأت روحياته لأفق طاهر رفيق – كان يلتقي بامام العصر (أرواحنا فداه) كل ليلة جمعة، وينهل منه المعارف. يقول احد العلماء المقيمين في قم – ويأبى لسبب ما أن أذكر أسمه: ذهبت يوم من أيام المحرم لحضور مجلس عزاء الامام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) في منزل احد كبار مراجع قم. وإذ كان هذا المجلس موضع عناية من الامام بقية الله (روحي فداه) فإنه (عليه السلام) كان يحضره. في هذا المجلس – يقول العالم الراوي للواقعة – رأيت أغصان شجرة، وقد ظللت الدار كلها. أوراقها كانت نورانية عطرت روحيات الحاضرين. هذه الشجرة لفتت انتباهي مدة تقارب نصف الساعة.. حتى حدث أن سألني أحد الطلبة كان جالساً إلى جواري سؤالاً، أجبته عنه. ثم لما التفت مرة أخرى إلى الشجرة.. لم أجد لها عيناً ولا أثراً. مما لا ريب فيه أن مولانا الامام بقية الله (روحي فداه) يحضر مجالس العزاء التي تقام لجده سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) ؛ لأنه هو نفسه صاحب العزاء المعزى في هذا المصاب. خاصة إذا كان الحاضرون من الأتقياء، وكان المجلس قد اقيم بدافع الصدق والإخلاص. وبالأخص إذا أقيم المجلس في العتبات المباركة، أو قرئ في المجلس من المراثي ما يحبه الامام (عليه السلام) ويحفل به أكثر من سواه.. مثل مجالس العزاء التي تقرأ فيها مراثي شهيد كربلاء أبي الفضل العباس (عليه السلام) ؛ فإنها تحظى بألطاف خاصة من امام الزمان (عجل الله تعالى له الفرج). يقول صديق لي يؤثر ألا أذكر اسمه: تشرفت بأداء الحج سنة 1363ه ش وكان العالم المرافق للقافلة كمرشد ديني.. رجلاً من الصالحين. وقد رأى في المنام – قبل ثلاث ليال من ذهابنا إلى عرفات – أن الامام ولي العصر (عليه السلام) قال له: اقرا يوم عرفات مراثي ابي الفضل (عليه السلام)، وسأكون معكم. في ضمن قافلتنا كانت أمراة مصابة بالشلل، اعتمرت عمرة التمتمع بمشقة ومعاناة. أي انها كانت تسعى بين الصفا والمروة بعربة المقعدين. واضطر الأخرون إلى اعانتها في إنجاز بقية أعمالها. من جهة اخرى.. كانت في القافلة أيضاً زوجة خالي.. وكان ابنها (سعيد) قد استشهد في الجبهة. في إحدى ليالي الحج.. ورأته أمه في الرؤيا قد جاء إليها يقول: أن بخير، أنا لم أقتل! استيقظت هذه المرأة من النوم.. وأخرجت صورة ولدها التي كانت بحوزتها، وراحت تقلبها وتبكي كثيراً. المرأة المشلولة سألت زوجة خالي عما جرى، كما سألتها عن صاحب الصورة فحكت لها كيف استشهد ولدها سعيد، وأرتها صورته. تناولت المرأة صورة سعيد، وأخذت تخاطبه كأنها تخاطب انساناً حياً.. وتبكي قائلة: عليك اليوم – يوم عرفة – أن تطلب من الله ليرسل امام الزمان (عليه السلام) إلى قافلتنا ويشفيني. حان يوم عرفة. الوقت بعد الظهر. وخلال قراءة دعاء عرفة.. أمسك مرشد القافلة عن مواصلة الدعاء، وشرع يقرأ التعزية عن أبي الفضل (عليه السلام). في خلال هذه القراءة لاحظ كافة أهل القافلة – وبدون سابقة – رجلاً وضيئ النوارنية، عليه ثياب الاحرام.. جالساً بين الحاضرين، يبكي بكاء شديداً على مصاب ابي الفضل العباس (عليه السلام). بدأ أفراد القافلة يتنبهون له، خاصة بعد أن أخبرهم عالم القافلة أنه قبل ليال رأى الامام صاحب الامر (عليه السلام) في المنام، وقال له: اقرأ يوم عرفات مراثي أبي الفضل (عليه السلام) وسأكون معكم. عرف الرجل الغريب أن بعضهم ينظر إليه. واعتقد بعض الحاضرين – ومنهم المرأة المشلولة – أنه هو الإمام بقية الله (أرواحنا فداه). في هذه الأثناء.. نهض الرجل من مكانه، وهم بالخروج، حين صاحت المرأة المشلولة: مولاي! فرجع الامام (عليه السلام) إلى موضعه.. ونظر إليها. أشارت المرأة إلى رجليها – تريد ان تقول أني مشلولة! فأشار الامام (عليه السلام) إشارة فهمت منها أنها ستصح من دائها. ثم أنه (عليه السلام) خرج من الخيمة. يقول صديقنا: أن هذه المرأة برئت في لحظتها من علتها. ثم أدت مناسكها من طواف الحج والسعي وطواف النساء.. بدون مساعدة من أحد، ولم يبق للشلل في بدنها من أثر. هذا الصديق نفسه.. روى واقعة أخرى فقال: كان في قافلتنا رجل مسن في الثمانين من عمره، اسمه (الحاج حسن حسين زاده) وما كان هذا الرجل – بما يثقله من عجز الشيخوخة – بقادر على الطواف والسعي بيسر. الصعود والهبوط مما يشق عليه، فكان لا بد أن يتخذ له مكاناً في غرفة من غرف الطابق الأرضي في الفندق الذي نزلنا فيه. وكنا نعتني به ونرعاه لتذليل مشكلاته. وقد جرت العادة ان تمد سفر الطعام العشاء ليلاً على سطح الفندق في مكه المكرمة. وبعد العشاء يجلس مرشد القافلة ساعة لتوضيح المسائل الفقهية وللموعظة. ومن المعلوم ان هذا الرجل الشيخ لم يكن يستطيع الصعود إلى السطح لتناول الطعام، فكنا نحضر له عشاءه في غرفته. في إحدى الليالي – إذ كنا منهمكين بترتيب شؤون القافلة – كان هو على ما يبدو وحيداً في الغرفة، فأصابه تلك الليلة مغص شديد. قال الرجل الشيخ: كدت من شدة الألم أن أموت. وفجأة تذكرت التوسل بامام الزمان (عليه السلام). سلمت على الإمام، وقلت له: مولاي.. تركني الجميع، ونسيتني انت أيضاً؟! ثم أجهشت بالبكاء. وعلى حين غرة احسست أن باب الغرفة قد انفتح، ودخل رجل شديد النورانية والبهاء، وأيقنت أنه الامام ولي العصر (ارواحنا فداه). طلعته المقدسة رائعة الجمال، وعلى خده الأيمن خال يذهل العقل. سلم عليّ، وقال: حاج حسن.. بطنك يؤذيك؟ خذ (سكر النبات)، هذا، وكل فإنك تعافى. حدقت.. فرأيت قطعة من (سكر النبات) في إحدى يديه. ثم راح يمسح على هذه القطعة بيده الأخرى ليباركها. أخذت منه (سكر النبات)، وأكلت شيئاً منه. فهدأت آلامي على الفور، ودب في بدني نشاط كنشاط الشباب. يقول صديقنا راوي هذه الواقعة: مما يبعث على الدهشة أن هذا الرجل العجوز أبن الثمانين سنة.. أنجز كل أعماله ومناسكه – بعد ليلته تلك – على أحسن ما يكون. وحتى أنه مضى بنفسه إلى السوق لشراء الهدايا إلى أهله ومعارفه. واشترى فعلاً ما أراد. أما ما بقي لديه من (سكر نبات) فكان لا يعطي منه مريضاً.. إلا شفي. امام الزمان (عج) في موكب العزاء الحسيني: ربما لا يرى بعض ضعاف العقول من اهمية لمواكب عزاء سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ولا يدرون ان عشرات الاحاديث تؤكد على القيمة العالية لعزاء الامام المظلوم ابي عبد الله الحسين (صلوات ربي عليه) حتى ان كافة العلماء والمراجع يبادرون الى هذا العمل ويرون ان البكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) من وسائل التشرف بلقاء الامام بقية الله (روحي فداه) في سنة (1333 ه ش) ذهبت00 ايام اقامتي في النجف الاشرف للدراسة العلمية... الى مدينة كربلاء 000مع طائفة من العلماء الاعلام مشيا على الاقدام حتى بلغنا موضعا يقال له (طويريج) تفصله عن كربلاء المقدسة مسافة تزيد على الاربعة فراسخ00000وقال لي احد كبار العلماء... في يوم عاشوراء تنطلق من (طويريج) الى كربلاء جماعات لدم الصدور000ويلتحق بجماعات العزاء هذه العديد من العلماء وحتى بعض المراجع 000ليشتركوا في لدم الصدر000ثم قال لي هذا العالم الكبير 00000في عاشوراء احدى السنوات كنت في موكب (طويريج) المتجه نحو كربلاء000وفي ضمن الموكب كان احد العلماء الحاليين.. الذي يعد انذاك من كبار علماء اهل المعنى كان معهم يلدم صدره00ودموعه تنهل من عينيه بكل اخلاص... (فسالت العالم الكبير الذي روى هذه الحادثة) بأي دليل علمي تقوم انت بهذا العمل؟ فقال لي000كان (المرحوم العلامة السيد مهدي بحر العلوم) يذهب من كربلاء يوم عاشوراء بصحبة عدة من الطلبة 000لاستقبال موكب طويريج هذا وقد باغت هؤلاء الطلبة ان تجرد السيد بحر العلوم 000على عظمته ومقامه العلمي الشامخ من قميصه 000كسائر افراد موكب العزاء 000وشرع يلدم صدره كما يفعلون وقد اجتهد الطلاب اللذين قدموا معه لاستقبال الموكب ليصرفوه عن مشاعر الصفاء والمودة هذه 000فما تيسر لهم 000ولم يكن امامهم من سبيل سوى ان يدخلوا مع السيد في الموكب واحاطوا به خشية ان يداس في امواج هذا الموكب المهرول الكبير00 فيصيبه اذى00 وبعد ان انقضت مراسيم العزاء سال هذا الرجل الكبير00بعض خواصه ماذا جرى حتى دخلت بلا اختيار في موكب لدم الصدور كأحدهم؟؟؟ فاجاب السيد قائلا لما وصلت الى موكب اللدم شاهدت مولاي بقية الله(عجل الله تعالى فرجه الشريف) حاسر الراس حافي القدمين معهم في الموكب يلطم راسه ويلدم صدره ويبكي فلم اتحمل فدخلت الدم صدري مع الامام بقية الله (عليه السلام). امام الزمان (عليه السلام) يغيث المضطر: إذا استغاث المضطر بالامام بقية الله (روحي له الفداء) مخلصاً موقناً فإن الامام (عليه السلام) يدركه ويغيثه. الحاج عبدالكريم سرافراز الشيرازي أحد المتدينين ومن العلماء المعاصرين وقد ألف كتباً علمية وتاريخية، منها كتاب (مسجد جمكران). روى الحاج عبدالكريم هذا أن: الحاج علي أصغر سيف قد ذكر في يوم عيد الاضحى عام 1400ه، أن احد اطباء شيراز كان قد تزوج أمرأة أجنبية أسلمت. فاصطحبها لأوّل مرة إلى الحج. وكان – أي زوجها الطبيب – قد قال لها: ان الامام ولي العصر يشارك في مناسك الحج،و إذا حدث ان تهت في ازدحام الحج عني، أو عن القافلة.. فتوسلي بالامام ليدلك ويوصلك إلى مكان القافلة. و حدث أن ضاعت هذه المرأة في أرض عرفات. فبحث عنها أفراد القافلة وفيهم زوجها الطبيب ساعات...حتى أعياهم البحث. عادوا إلى خيامهم متعبين منهكين، وجلسوا في الخيمة لا يدرون ماذا يفعلون.. وبعد ساعتين.. دخلت تلك المرأة عليهم على حين غرة، فسألوها: أين كنت؟ قالت: تهت.. وكما قال لي الدكتور توسلت بالامام بقية الله (عجل الله فرجه).. فجاء الامام.. وتكلم معي بلغتي.. فأنا لا أعرف الفارسية، ولا أجيد العربية، وأوصلني إلى الخيمة... فشكرته. راح رجال القافلة يتطلعون خارج الخيمة إلى الجهة التي أشارت إليها المرأة.. ولكنهم لم يجدوا أحداً. لقد كانت هذه المرأة وحدها من يرى في تلك اللحظة الامام ولي العصر (عليه السلام) ولا يراه الآخرون. شدائد الزمان.. وسيلة لتزكية النفس ربما لا يكون أمرؤ معنياً بتزكية نفسه.. لكن ما في داخله من عقائد صالحة يجعله موضعاً لمحبة الله (تبارك وتعالى).. الذي سيورد عليه من بلاءات الدنيا ومن شدائد العيش ما يصفي نفسه ويزكيها. وعلى هذا.. فمن الخير للانسان ألا ينظر إلى مصاعب الحياة ومصائب الزمان بأذى وبغير ارتياح. ذلك أن ما يرد على المرء من البلاءات إما أن يكون تكفيراً عن ذنوبه ومعاصيه، أو انها نهج لتزكيته ولإيصاله إلى مقام القرب.. مما يجعله في مستوى لائق لأن يلتقي فيه بامام الزمان (عليه السلام). جاء في كتاب (مسجد جمكران) رواية عن سيد عبدالرحيم خادم مسجد جمكران – وكان قد كف بصره – قال فيها: قبيل عام 1323 كان قد تفشى وباء طم الناس. في احد تلك الأيام وجدت في داخل المسجد رجلاً غريباً.. وهو في حالة طيبة من الضراعة والاقبال. سألته عن اسمه وعما جاء به إلى هذا المكان. قال: اسمي على اكبر – من طهران. اعمل كاسباً. كان أكثر بيعي لزبائني نسيئة لا نقداً. أما وقد حل بالناس هذا الوباء.. فقد مات كثير منهم، وضاعت لذلك أموالي وبقيت صفر اليدين. وقصدت الآن مسجد جمكران ؛ عسى أن يمن عليّ الامام الحجة ابن الحسن (عليه السلام) بنظرة لطف وإحسان. مكث هذا الرجل في المسجد ثلاثة اشهر صابراً على الجوع والعبادة. وحين انقضت هذه الأشهر قال لي: تحسن حالي نوعاً ما، وأريد الذهاب إلى كربلاء. وفعلاً مضى إلى كربلاء ماشياً على الأقدام. وبعد ستة أشهر عاد.. وقال: استبان لي أن علي أن انال بغيتي في مسجد جمكران. وسلخ هذه المرة ثلاثة اشهر أخرى، في العبادة والتوسل بأهل البيت (عليهم السلام). وفي السادس من شهر رمضان 1323ه قر قراره أن يذهب إلى قم، ومنها إلى طهران ؛ إذ أخبرني أنه قد فاز بما جاء من أجله. عندها طلبت منه أن يبيت تلك الليلة في داري، ويغادر إلى طهران في الصباح. استجاب لما طلبت. وفي تلك الليلة سهرنا في الدار، فرجوته خلالها أن يقص عليّ حكايته. قال: أحكيها لك أنت وحدك؛ لأنك قد أحسنت إليّ، ولأنك خادم مسجد جمكران. خلال مدة إقامتي في مسجد جمكران اتفقت مع أحد سكنة قرية جمكران أن يؤتيني كل يوم رغيفاً من الخبز، على أن أدفع له ثمن الخبز كله مرة واحدة فيما بعد. وذهبت يوماً إلى قرية جمكران – كالعادة – لأخذ رغيفي، لكن هذا الرجل قال لي: لن أحول لك خبزاً بعد الآن ؛ فقد تراكم عليك الدّين. وبقيت مدة.. وما معي شيء آكله. حتى أني اضطررت يوماً أن آكل من العشب النابت على حافة ساقة الماء. كانت حالتي الصحية تتردى يوماً بعد يوم. وفي إحدى الليالي.. أحسست – وأنا في غرفة من غرف المسجد 0- أن لا طاقة لي على الحركة. لما انتصف الليل.. لاح لي، من خلال النافذة، نور ساطع عجيب آت من جهة (جبل الأخوين). ومن فرط هذا النور وشموله أنه كان يضيئ ذلكم الجبل على عظمته وارتفاعه. كان النور يتضاعف شدة وإضاءة.. حتى فطنت إلى أن رجلاً يقف في تلك اللحظة وراء باب الغرفة، وأن هذا النور ينبعث منه. حملت نفسي على أي حال.. وفتحت الباب. وهناك لقيتُ سيداً ذا عظمة وجلال مدهش. دخل الغرفة، وسلم عليّ. رددت السلام عليه، وقد أخذتني هيبته حتى بهت ولم أقو على النطق بحرف. وألقي في روعي أنه هو الامام بقية الله (روحي له الفداء). قال لي (صلوات الله عليه): لأنك توسلت بالسيدة فاطمة الزهراء.. فقد استشفعت لك جدتي الصديقة الكبرى فاطمة (عليها السلام) لدى رسول الله صلى الله عليه وآله.. الذي حول إليّ أن أهبك ما أردت. ثم قال: انهض بأسرع ما يمكن وعُد إلى موطنك، فإن زوجتك وأطفالك بانتظارك، أنهم في ضائقة، وقد أُصلح وضعك هناك. قلت له: سيدي.. إن خادم المسجد كفيف البصر، أفيمكن أن تمنحه الشفاء؟ فقال: كلا. صلاحه أن يظل أعمى. ثم قال لي: تعالا معي إلى المسجد.. نصلي. قلت: طوع امرك – روحي لك الفداء. ثم مضيت مع الامام (عليه السلام) باتجاه المسجد حتى إذا وصلنا قريباً من البئر الكائنة عند باب المسجد (كانت لدى باب المسجد بثر قد حفرت، ليلقي الناس فيها ما يكتبون من رسائلهم وعرائضهم للامام (عليه السلام) ظهر رجل من داخل البئر، فكلمه الامام بكلمات لم أتبينها. ثم بدا شخص من داخل المسجد، حاملاً بيده إناء فيه ماء. ناوله للامام فتوضأ به، وأعطاني ما فضل منه قائلاً: توضأ أنت أيضاً بهذا الماء , وأطعته.. فتوضأت بالماء. ثم دخلت المسجد مع الامام. و في الاثناء.. قلت للامام بقية الله (روحي فداه) متى يكون ظهوركم؟ قال – وقد لحظت تغيراً على سيماءه: أنت لم تصل إلى مستوى أن تسأل هذا السؤال. قلت: أريد أن أكون من أنصارك يا مولاي. قال: إنك لكذلك. ولكنك لم تبلغ لأن تسأل عن مثل هذه الأمور. وعقب هذين السؤالين.. فطنت إلى أن الامام (عليه السلام) ليس في المسجد – لقد غاب عن نظري لكني أسمع صوته يقول لي: عائلتك تنتظرك. عجل بالذهاب. يقول هذا الرجل – إن زوجته سيدة هاشمية. خواص أواخر سورة الحشر: نصت أحاديث كثيرة على ما في آيات القرآن المجيد من آثار جمة في معالجة الأمراض الجسدية. منها ما ذكره آية الله تقي النجفي الاصفهاني في كتاب (خواص الآيات والسور القرآنية).. إذ كتب يقول: روي عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: من قرأ سورة (الحشر) اربعين يوماً، كل يوم مرة وإذا فاته يوم أعاد اربعينة من جديد – كفاه الله ما يهمه. أي: إذا كان له ما يهمه من حاجات فإن الله (تعالى) يتفضل عليه بما أراد. ونقل أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام): اقرأ سورة سورة الحشر كل ليلة يكفيك الله تعالى شر الدنيا والآخرة. وخلاصة القول.. إن روايات عديدة وردت في خواص سورة الحشر – وخاصة آياتها الأربع الأخيرة – لا يسعنا المجال هنا لذكرها. لكن الحادثة التي نذكرها الآن تعلمنا أن هذه الآيات نافعة في معالجة كافة الأمراض والالآم ؛ ذلك أن عمل الامام المعصوم (عليه السلام) حجة، مثل قوله. جاء في كتاب (مسجد جمكران) أن رجلاً اسمه حسين السائق، تحدث عن نفسه، فقال: توفيت أمي وأنا صبي.. فتزوج أبي بامرأة أخرى، فأوذيتُ من هذا الزواج كثيراً. وما كان مني بعدئذ إلا الفرار من مسقط راسي (مدينة أراك). وفي مفري: اشتغلت سائق سيارة.. ثم أني بدأت أتعلم مهنة الميكانيك حتى أتقنتها، واشتغلت ميكانيكياً في مصنع يملكه يهود. وفي هذه المدة أصبت بالآم شديدة في ظهري برحت بي وشقت عليّ. راجعت كثيراً من الأطباء للمعالجة، وصوّرت ظهري عدة مرات بالتصوير الشعاعي. ثم سافرت إلى الخارج حيث أُجريت لي عملية جراحية. بيد أن آلام الظهر ظلت شديدة مبرحة، وما جنيت من أنواع العلاج فائدة. وقال لي الاطباء: لقد ضعف العصب الذي في موضع الألم، ولا علاج له. لم أجد سبيلاً – والحالة هذه – إلا أن أقصد مسجد جمكران، أتوسل بالامام بقية الله (روحي فداه) وهناك مكثت عدة أيام في مقهى مسجد جمكران، لكني لم أظفر بشيء. فرجعت عائداً إلى قم. وفي إحدى الليالي رأيت في الرؤيا قائلاً يقول لي: لا تجني شيئاً من المكوث في المقهى، وعليك أن تبيت داخل المسجد لتحصل على ما تريد. عدت كرة أخرى إلى جمكران، وعزمت أن أقوم بالأعمال العبادية المعروفة وعمل أم داود، في الليالي البيض(1) من شهر رجب في هذا المسجد. وفي ليلة منها كنت بمفردي ما معي من أحد لما أديت أعمال المسجد. وفي لحظة من اللحظات شد انتباهي سيد جليل القدر يجلس في وسط المسجد إلى جواري. ثيابه خضر.. وهالة من النور كانت تحيط بخضرة ثيابه. وفي تلك الأثناء كانت آلام ظهري على أشدها، وأنا في غاية الأذى. نظر هذا السيد إليّ وقال لي: ما يؤلمك؟ قلت: منذ مدة.. وظهري يؤلمني بشدة. عندها دنا السيد مني، وأمر يده على فقرات ظهري. أخذ يتحسس بيده الفقرات واحدة واحدة. حتى إذا وصلت كفه إلى فقرة الألم.. مرسها ودعكها، وقرأ آخر سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون. هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هوالله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) ثم قال لي: لقد شفيت. حركت بدني.. فلم أشعر بألم في ظهري.. ثم ميلت جسمي ذات اليمين وذات الشمال.. فما ثمة من ألم.. نهضت من مكاني، فكان نهوضي بسهولة ويسر.. في حين لم يكن في وسعي قبل هذا أن أتحرك مجرد حركة. ثم مشيت خطوات، وهرولت قليلاً في إيوان مسجد جمكران.. فما كان للألم في ظهري أي أثر. وكان خارج المسجد حجر ثقيل. انحنيت عليه، ورفعته بيدي دون أدنى معاناة. وهكذا جربت كل وسيلة فأيقنت بالشفاء الكامل. عندئذ.. رجعت إلى داخل المسجد، لأقدم شكري وامتناني إلى الامام بقية الله (روحي فداه)، فلم أجده في المسجد، ولا في أي موضع منه. حتى البرية المحيطة بمسجد جمكران ما كان فيها – لما خرجت إليها – من أحد سواي. ولآية الله البروجردي.. صلة أيضاً: العلماء والمراجع المؤيدون من الناحية المحفوظة بالقدس للامام بقية الله (ارواحنا فداه).. لا بد أن لهم صلة خاصة به (عليه السلام)، ولكنهم لا يبوحون بها لأحد. ذلك أن إفشاء هذه الصلة الخاصة يعني إدعاء (النيابة الخاصة) أو (البابية). وهو إدعاء باطل في عصر الغيبة الكبرى. وقد كان أستاذنا الجليل آية الله العظمى السيد البروجردي من هؤلاء المراجع، إذ كانت له رابطة أكيدة بالامام (عليه السلام). وفي هذا السياق نقلت عنه روايات وكرامات كثيرة، كانت متداولة بين طلبة العلوم الدينية في قم أيام حياة السيد نفسه (رحمة الله عليه) يتسع سردها لكتاب منفرد كبير. وننقل الآن – كنموذج – واقعة واحدة من هذه الوقائع التي تؤيد صلة السيد (رضوان الله تعالى عليه) بالامام ولي العصر (عليه السلام). اتفق سيد حبيب الله الحسيني القمي (من قراء المجالس الحسينية في قم) وسيد حسن البقال (المقيم حالياً في طهران) على أن يذهبا في ليالي الجمعات، خلال سنة كاملة.. إلى مسجد جمكران، لكي ينالا من الامام بقية الله (روحي فداه) ما يأملان من حاجات. ولقد داما على هذا العمل سنة بأكملها.. لكنهما لم يريا ما يبتغيان. قال سيد حسن لسيد حبيب الله، في أول ليلة جمعة بعد تمام السنة:تعال نذهب هذه الليلة إلى مسجد جمكران. أجاب سيد حبيب الله: سنة كاملة ذهبت إلى المسجد وما حصلت على شيء.. لن أذهب إلى هناك بعد الآن! أصر صاحبه عليه أن يذهب معه هذه الليلة على كل حال.. فربما ينالان بغيتهما. ومهما يكن.. فإنهما مضيا يمشيان تلقاء مسجد جمكران. وفي الطريق.. لمحا من بعيد سيداً جليلاً على هيئة المزارعين، يحمل على كتفه مذراة، وهو يمضي في سبيله. اطمأن منهما القلب أن هذا الرجل هو الامام بقية الله (روحي فداه). يقول سيد حبيب الله: ما أن وقع بصري عليه.. حتى تذكرت واقعة لقاء السيد الرشتي بالامام (عليه السلام).. المذكورة في كتاب (مفاتيح الجنان). قلت لصديقي حسن: اذهب، واطلب من الامام شيئاً. تقدم إليه حسن، فسلم وقال: مولاي.. لي رجاء، اعطني بيدك المباركة (دشتياً). أعطاه الامام (عليه السلام) دشتياً، ثم التفت إليّ، وقال: حاجتك عند السيد البروجردي. عندما تروح إلى قم اذهب إلى السيد البروجردي، وقل له: لماذا أنت غافل عن حالة (فلان) في مصر؟ وذكر عبارات أخرى سرية، أمرني أن أقولها لآية الله البروجردي.. وبعدها مضى الامام. حدق سيد حسن في القطعة النقدية.. فما وجد مضروباً عليها سوى خط، بدون أن تكون عليه أية كتيبة. ثم واصلنا مسيرنا باتجاه مسجد جمكران.. وقصصنا على الناس هناك ما جرى لنا، فتناولوا قطعة النقد ووضعوها في إناء ماء، وشربوا منه طلباً للاستشفاء، ومسحوا به رؤوسهم ووجوههم. بعدئذ.. عدت من مسجد جمكران إلى قم (و الكلام ما يزال لسيد حبيب الله) واتجهت إلى منزل آية الله لبروجردي. بيد أني لم أستطع لقاءه على انفراد.. إلا بعد أيام ثلاثة. في اليوم الثالث.. أفلحت في الاجتماع به. قال لي – دونما أية مقدمات: منذ ثلاثة أيام أنتظرك.. فأين أنت؟! ذكرت له أن عوائق كانت تحول دون اللقاء به لقاء شخصياً قبل هذا الوقت. قال آية البروجردي: حاجتك أنك تريد السفر إلى كربلاء. ثم ناولني مبلغاً من المال. بعدها أبلغته ما تفضل به الامام بقية الله (روحي فداه) من كلام أوصله إلى السيد البروجردي. ثم ان السيد قال لصاحبي سيد حسن: لماذا أريت القطعة النقدية لأناس هم من أصحاب المعاصي؟! خلال هذا اللقاء..قلت للسيد البروجردي أن يكتب لي توصية لاستحصال جواز سفر، بغية الذهاب إلى كربلاء. فقال لي: انت لا تحتاج إلى جواز سفر. اقرأ الدعاء الفلاني، وأعبر المركز الحدودي واذهب إلى كربلاء. في اليوم نفسه انطلقت باتجاه العراق. حتى إذا بلغت المركز الحدودي العراقي.. لم يطلب مني أن ابرز جواز السفر. ومع أن الجماعة الذين صحبتهم في هذه السفرة كانت بحوزتهم جوازات سفر.. إلا أنهم تأخروا عند الحدود أكثر مني. والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين آمين. الهوامش (1) هي الليالي التي يملؤها نور القمر أكثر من سواها. هي الليلة الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشر من كل شهر قمري، وللتعبد فيها مزية عن سواها من الليالي وأم داود هي المرأة الصالحة المعروفة ب أم خالد البربرية أم داود بن الحسن بن الحسن بن علي ابن ابي طالب امير المؤمنين (عليه السلام) وإليها يعزي دعاء ام داود. وقد كان المنصور العباسي قد حبس ولدها داود مع العديد من الحسنيين وقتل طائفة منهم.. فعلمها الامام الصادق (عليه السلام) عملاً عبادياً تقوم به ليفرج الله عنها ويطلق ولدها، فعملت بما علمها الامام (عليه السلام) ولم تمضي إلا ساعات حتى خلي سبيل داود بطريقة غير متوقعة. للتفصيل ينظر كتاب (إقبال الاعمال) للسيد ابن طاووس / اعمال شهر رجب وقد أورد هذا العمل مؤلف (مفاتيح الجنان) أيضاً – (المترجم).