بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
هِدَايَةُ الألبَابُ إلَىْ شَرْحِ زيَارَةِ السِرْدَاب تأليف: العلاّمة المحقّق الحجّة الشيخ محمَّد جميل حمُّود العاملي دام ظلّه الوارف تالموضوعات 1الإهداء 2توطئة وتمهيد 3الأمر الأوّل: مفهوم السّلام لغةً واصطلاحاً 4الأمر الثاني: مفهوم الخلافة 5شبهة ودفع 6إشكال ودفع 7الأمر الثالث: الفرق بين الخلافة والوصاية 8الفصل الأول: في شباهة الإمام المهديّ عليه السَّلام بالأنبياء والمرسَلين 9شباهة آدم به 10شباهته عليه السَّلام بالنبي نوح عليه السَّلام 11شباهته عليه السَّلام بالنبي صالح عليه السَّلام 12شباهته عليه السَّلام بالنبي إبراهيم عليه السَّلام 13شباهته عليه السَّلام بالنبي يوسف عليه السَّلام 14شباهته عليه السَّلام بالخضر عليه السَّلام 15شباهته عليه السَّلام بذي القرنين 16الصفات التي تحلى بها ذو القرنين 17شباهته عليه السَّلام بالنبي موسى عليه السَّلام 18شباهته عليه السَّلام بالنبي هارون 19شباهته عليه السَّلام بالنبي عيسى عليه السَّلام 20الفصل الثاني: شباهته عليه السَّلام بآبائه الطاهرين 21شباهته عليه السَّلام بجدّه رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله 22شباهته عليه السَّلام بآبائه الطاهرين 23شباهته عليه السَّلام بأمير المؤمنين عليّ عليه السَّلام 24شباهته عليه السَّلام بعمّه الإمام الحسن المجتبى عليه السَّلام 25شباهته بجدّه الإمام الحسين عليه السَّلام 26شباهته عليه السَّلام بالإمام زين العابدين عليه السَّلام 27شباهته عليه السَّلام بالإمام الباقر عليه السَّلام 28شباهته عليه السَّلام بالإمام الصّادق عليه السَّلام 29شباهته عليه السَّلام بالإمام الكاظم عليه السَّلام 30شباهته عليه السَّلام بالإمام الرّضا عليه السَّلام 31شباهته عليه السَّلام بالإمام الجواد عليه السَّلام 32شباهته عليه السَّلام بالإمام الهادي النقي عليه السَّلام 33شباهته عليه السَّلام بالإمام الحسن العسكري عليه السَّلام 34الحكمة من كون حديثهم صعباً مستصعَباً 35السَّلام عليكَ يا بقيّة الله من الصفوة المنتجَبين 36معنى "البقيّة" 37السَّلام عليكَ يابن الأنوار الزاهرة 38السَّلام عليكَ يا بن الأعلام الباهرة 39السَّلام عليكَ يا بن العترة الطاهرة 40المعاني اللغوية للعِترة 41السَّلام عليكَ يا معدن العلوم النبويّة 42السَّلام عليكَ يا باب الله الّذي لا يُؤتى إلاّ منه 43تواتر حديث: "أنا مدينة العِلْم وعليٌّ بابها" 44السَّلام عليكَ يا سبيل الله الّذي مَن سلك غيره هلك. 45السَّلام عليكَ يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى 46السَّلام عليكَ يا نور الله الّذي لا يُطفا 47إشكال وحلّ 48السَّلام عليكَ سلام مَن عرَفَكَ بما عرَّفك به الله ونعتك ببعض نعوتك التي أنتَ أهلها وفوقها 49أشهد أنكَ الحجة على مَن مضى ومَن بقي وأنّ حزبكَ هم الغالبون وأولياءكَ هم الفائزون وأعداءكَ هم الخاسرون 50وأنكَ خازن كلّ عِلم، وفاتق كلّ رتق، ومحقق كل حق، ومبطل كل باطل.. 51الحق العام والخاص 52ذخرك الله لنصرة الدين وإعزاز المؤمنين والإنتقام من الجاحدين المارقين..... 53نصرة الدين بنَحْوَين 54الآيات والأخبار الدالة على أهمية الولاية لأهل البيت عليهم السَّلام 55الأخبار المتواترة على اشتراط الأعمال بالولاية لهم عليهم السَّلام 56أخبار المخالفين في فضائل ولاية أهل البيت عليهم السَّلام 57تعقيب على أخبار الولاية 58الإسلام يؤكّد على العِلم والعمل معاً 59الولاية التكوينية 60إذ أنتَ نظام الدين ويعسوب المتقين وعزّ الموحدين 61وبذلك أمرني ربّ العالَمين 62الإنتظار الهادف 63أهمية زيارة صاحب الأمر عليه السَّلام 64أهمية شفاعة صاحب الأمر عليه السَّلام 65دعوى مخالفة للقرآن والسنّة المطهرة ****************** بسم الله الرحمن الرحيم (بقيّة الله خيرٌ لكم إنْ كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) (هود/86). وعن سليمان بن خالد عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كيف أنتم إذا استيأستم من المهديّ، فيطلع عليكم مِثْلَ قَرْنِ الشمس، يفرَحُ به أهل السماءِ والأرضِ، فقيل: يا رسول الله وأنى يكون ذلك؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إذا غاب عنهم المهديُّ وآيسوا منه. (دلائل الإمامة: 246). وسأل سمان الفارسي أميرَ المؤمنين عليّاً (عليه السلام) متى يظهر القائم من وِلْدك؟ فتنفّس الصعداء! وقال (عليه السلام): "لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان، وتضييع حقوق الرّحمان، ويُتغنى بالقرآن بالتطريب والألحان..". (دلائل الإمامة: 249). وسأل أحد أعوان الإمام المهديّ (عليه السلام) عليّ بن مهزيار الأهوازي لما قصد مكة باحثاً عن الإمام (عليه السلام) فقال له: ما الّذي تريد يا أبا الحسن؟ قلت: الإمام المحجوب عن العالَم! قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم. (دلائل الإمامة:291). الإهداء إلى سيّد العالَم وقطب رحى الخلود...إلى الغريب الشريد والطريد في صحراء الوجود...إلى سيف الله الذي لا يخبو والعلم الذي لا يصبو...إلى ناموس العصر وحبر الدهر وسائس العباد والبلاد...إلى المستتر عن أعين الظالمين، والمغَيَّب في دولة الجبارين...يا أمل كلّ مستضعَف...يا دمعة كلّ مؤمنٍ مكروب...يا آهات كلّ منتظِر...يا ملجأ الهاربين من الطغاة...يا حصن جنودك المتربصين بأعدائك...أنتَ كهفي حين تعييني المذاهب ويخذلني الأقارب...يا سيّدي ومددي...يا حياتي وعمري يا صاحب الزمان...يا مَن يتوقد من نور القدس...والملتحف بضياء الله الأعظم...أقدّم لكَ هذا الجهد المتواضع تذكيراً للعباد بكَ، وهديّةً لشخصكَ الكريم وإنْ كنتَ تستحق أعظم منها، لكنّ هديتي ـ سيّدي ـ على قدري لا على قدرك...فالهدايا مهما سَمَت وارتَقَتْ بذخائرها النفيسة هي حقيرة في جنبك الطاهر الأقدس...أقول سيّدي: ليس الكتاب المتواضع هديةً مني إليك فحسب، بل روحي ـ وهي أسمى ما عندي ـ أقدّمها بين يديك، وأنتَ تعلَم مدى تقديري لذاتكَ الشريفة العزيزة التي لا يضاهيها شيء على الإطلاق، لذا أرجو زيادة التلطف منكَ يا رحيم يا شفيق بل يا أفضل رفيقٍ وقريب، وهل تمنع يا صاحب الرّحمة ويا مَن أمّه سيّدة النساء فاطمة ـ فديتها بنفسي ـ عبداً يذوب شوقاً إليكم ويتمنى الموت من أجلكم، فأنتم زادي وحياتي وعودي ونشري... أيها الطاهر يا بقيّة الله...أرجو أنْ تقبَلني خادماً عندكَ وهو غاية سؤلي ومنتهى رجائي، فتنفّس عليَّ بذلك كي أكون بقربكَ وجواركَ، وكيفما شئتَ فسوف أكون بإذنك... عبدكَ محمّد توطئة وتمهيد: والحمد لله ربّ الخلائق أجمعين والصّلاة على سادة رسله القادة الغرّ الميامين رسول الله محمّد وآله الطاهرين واللعنة السرمديّة الأبديّة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم وظلاماتهم إلى قيام يوم الدّين، وأخصّ بالتحيّة والسَّلام والإكرام بقيّة الله في الأرضين سيّدي صاحب العصر وقيّم الزمان الإمام المهديّ روحي لتراب نعليه الفداء والوقاء، إنه خير مسؤول وأفضل مرغوب، ونسأله سبحانه أنْ يجعلنا من أنصاره وأعوانه وخدّامه والممهدين له إنه سميع الدّعاء مجيبٌ غفورٌ رحيم. وبعد... منذ زمن بعيد خَطَرَ في ذهني أنْ أشرح زيارة السرداب الشريفة لكنْ ثمّة موانع حالت بيني وبين أمنيتي، وبقيت الفكرة تراودني حتى ألحّ عليَّ بعض طلابي بشرحها لهم ولو بشكل مجمل، فأجبتُ سؤلهم، فشرعتُ عليهم بشرح فقراتها مفككاً لمجملاتها على نحو يرفع الإبهام عن أكثرها، فجاءت ـ ولله الحمد ـ على نسق بديعٍ كافٍ في بيان دلالاتها ومعانيها، وإنْ كانت تستحقّ التفصيل في كثير من مفرداتها إذ إنّ كلّ مفردة فيها تستلزم الإسهاب في شرحها وهذا يتوقف على سعة الوقت وعدم الشواغل وهما غير متوفرين لي، مضافاً إلى أنّ همّي الوحيد هو تشويق العلماء والمتعلّمين للخوض في بحوث الخلافة المهدويّة والتقرب من صاحبها عليه آلآف السَّلام والتحيّة. وللسرداب قصّة مرتبطة بخفاء مولانا الإمام الحجّة المهديّ (عليه السلام) حينما فرّ من جلاوزة النظام العباسي لمّا كبسوا دار والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سامراء محاولين القبض عليه لكنه خرج منه وهم ينظرون إليه ولم يستطيعوا إيقافه أو حتى الإعتراض عليه حسبما تصف الرّواية ذلك(1)، وهكذا تظافرت أيدي الأعادي على قتله لكنّ القدرة الإلهيّة كانت الأقوى فمنعت من تنفيذ مخططات أولئك المجرمين ليبقى الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) ذخيرة الله تعالى لإنقاذ مستقبل البشريّة من الظلم والجور إلى القسط والعدل. والسّرداب هو أحد إشكالات العامّة على الشيعة في مسألة خفاء الإمام المهديّ (عليه السلام) مستهزئين بنا، فأصبح السرداب سبباً للحملات الضخمة المركَّزَة على مذهبنا، ولم يكتفوا بتصوير غياب الإمام المهديّ (عليه السلام) في السّرداب حتى أضافوا على ذلك إضافات غريبة مستهجَنة، نحن الشيعة منها بُراء، فمن ذلك: أنه (عليه السلام) دخل السرداب وبقي فيه محبوساً طيلة غيبته مما يقتضي القول أنّ مبدأ غيبته هي لمّا دخل السّرداب، من هنا نظم بعضهم من ذلك شعراً: ما آن للسرداب أنْ يلد الّذي غيبتموه بجهلكم ما آنـا *** فعلى عقولكم العفاء فإنـكم ثلثتم العنـقاء والغيلانـا وما هذه الجملة الشنعاء إلاّ هواءً في شبك عند كلّ مَن نظر في أدلتنا وبراهيننا على وجود الإمام المهديّ (عليه السلام)، وليست افتراءاتهم علينا نتيجة الجهل المطلق برواياتنا والبعد عن مصادرنا وكتبنا حسب تصوّر بعض المحققين، بل الإفتراء علينا له خلفيّة أخرى وهي الحقد الدفين على الشيعة، مضافاً إلى أنّ الإعتقاد بوجود الإمام المهديّ (عليه السلام) يستلزم الإعتقاد بوجود الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وآبائه الطاهرين وهذا بدوره ينسف نظريّة المخالفين القائلة بأنّ النبي ارتحل من الدنيا ولم يوصِ لأحد من بعده، لأنّ الإقرار بوجود الأئمّة يستلزم الإعتقاد بأنهم الخلفاء بعد رسول الله لكثرة ما صدر على أيديهم من المعجزات والكرامات مما يطبع في النفس الجزم بكونهم الخلفاء الحقيقيين لله تعالى ولرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم. الإمام المهديّ (عليه السلام) ليس محبوساً في السرداب وليس ثمّة مَن يعتقد من الشيعة بهذا على وجه الأرض، بل هو (عليه السلام) حسب الرّوايات والسيرة العمليّة له يحضر الحج ويكلّم الناس وينصّب السفراء ويقبض الأموال من مواليه ويعطيها لمستحقيها ويكتب التوقيعات، ويرشد هذا ويعيّن ذاك، ويواكب الأحداث عن كثب، ويقف بوجه الإنحراف والتزوير، ولديه فرص كبيرة للعيش كما يعيش غيره من الناس. والسرداب ليس المخبأ الرباني للإمام المهديّ (عليه السلام) إلى وقت الظهور، بل هو مجرّد مكان اتخذه الإمام العسكري (عليه السلام) ليقي عياله حرّ الهجير وللتفرغ للعبادة فيه، ولم يُتخذ مخبأً للإمام المهديّ (عليه السلام)، لأنّ القادر على حفظ الخضر (عليه السلام) من أعين الظالمين حيث أخفاه طيلة السنين المتمادية قادر أيضاً على حفظ مَن هو أفضل منه باتفاق الأمّة بلا حاجة إلى سرداب يحبس نفسه فيه، بل كلّ مَن يقرأ الرّواية التي ذكرت السرداب لا يجد فيها ما تهكمه علينا أولئك المتطفلون الحاقدون، فمن أين عرفوا بقاءه (عليه السلام) في السّرداب فحملوا همَّ طعامه وشرابه؟!! مضافاً إلى أنّ فرية إبن حجر الهيثمي بأنّ الشيعة يقفون بخيولهم على ذلك السرداب وصياحهم بأنْ يخرج إليهم، في غاية الضعف والجهل والتعصب، إذ إنّ ما يفعله الزائرون على باب السرداب لا يخرج عن الحالة العامّة عند المسلمين حيث يقفون على الأماكن المقدسة لا سيّما الكعبة حينما يريدون زيارة أنبياء الله يتوجهون إليها ويزورون أولئك العظام مع أنّ أكثرهم مدفون في بلاد الشام والعراق، ولكنّ الكعبة مركز التوجه الروحي عند المسلم، من هنا يتوجه بالزيارة ميمماً وجهه شطر المسجد الحرام (قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلَمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) (البقرة/144)، (ومن حيث خرجتَ فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربّك وما الله بغافلٍ عمّا تعملون) (البقرة/149)، وهكذا فإنّ زيارة الإمام المهديّ (عليه السلام) مستحبّة سواء في السرداب أو غيره من الأماكن، فلو كان الزائر في السند أو الهند يستحب له أنْ يزوره متوجهاً إلى شطر الكعبة مع أنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) قد لا يكون عند الكعبة بل قد يكون في مكان آخر من العالَم، بل نـزيدك أنّ زيارته وغيره من الأولياء والأنبياء والمرسلين هي من شعائر الله تعالى التي يستحب تعظيمها والتوجه إليها، فكما أنّ الكعبة من شعائر الله تعالى، فإنّ الصفا والمروة أيضاً من شعائر الله تعالى، (والبُدْنَ جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوآفَّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترَّ كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون) (الحج/36) (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أنْ يطّوّف بهما ومَن تطوّع خيراً فإنّ الله شاكر عليم) (البقرة/158)، (ومَن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (الحج/32)، فإذا كان تعظيمنا للصفا والمروة إمتثالاً لأمر الله عزّ وجل بسبب أنّ هاجر سعت بقدميها تجاه وليدها إسماعيل فعظم الله ذلك المكان لتكريمها ولتكون قدوة للعالمين، فإنّ تعظيم المكان الّذي ينتسب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ووليده الإمام المهديّ (عليه السلام) أولى من تعظيم الصفا والمروة، لأنّ حياة الإمام المهديّ (عليه السلام) أهمّ من حياة إسماعيل وإبراهيم وكلّ الأنبياء، لأنّه ـ روحي فداه ـ هو المنتقم لله تعالى فهو البقيّة لله تعالى (بقيّة الله خير لكم إنْ كنتم مؤمنين) فكل مكان حلّ فيه الإمام المهديّ (عليه السلام) هو مبارَك ومقدَّس تحفّه الملائكة وتقدّس لله فيه، هو أولى بأنْ يطأه المؤمنون زائرين إمام زمانهم يطلبون منه فكاك رقابهم وقضاء حوائجهم، وهل ثمّة مكان آخر أرفع من الأمكنة التي وطأتها أقدام آل البيت؟ لا وربّ محمّد وآله الميامين، إنّ بيوتهم قِبلة للمصلين والزائرين تماماً كما كانت بيوت موسى وهارون قال تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أنْ تبّوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قِبلةً وأقيموا الصّلاة وبشّر المؤمنين) (يونس/87). وبيوتهم عليهم السَّلام هي بيوت الله التي يُذكر فيها اسمه ومَن سعى في خرابها فأولئك هم الظالمون: (في بيوتٍ أَذِنَ الله أنْ تُرفَع ويُذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والأصال) (النور/36). فإذا ما كان أهل البيت هم بيوت الله تعالى التي يُذكر فيها اسمه بلا ريب عند عامّة المسلمين، (إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فلِمَ لا يقف الزائر على أبوابها يلتمس منها البركة لاحتفافها بأنفاسهم الشريفة، فآل البيت هم آل الله، آل الكعبة، آل الأرض، آل السماء، آل العرش، آل كلّ شيء، فلِمَ لا يزورهم المؤمن مقبِّلاً عتباتهم المقدَّسة التي طهرت بحلولهم عليها (طهرت أرضٌ أنتم فيها دُفِنتم) وليس جبرائيل أفضل منهم عندما وطأ بأقدامه أرض مصر حيث أخذ منها السامري قبضة من أثره ليصنع عجلاً له خوار، وليست الأرض التي وطأها الخضر (عليه السلام) فصارت خضراء أفضل من السّرداب الّذي جلس فيه الإمام العسكري وولده الإمام المهديّ روحي لهما الفداء؟ لأنّ الخضر (عليه السلام) مولى الإمامين العسكري والمهدي، والمولى ليس أفضل من السيّد، فمَن كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى لا يتقدّم عليه الخضر (عليه السلام) ولا أحد من رسل الله تعالى، فإذا ثبتت الفضيلة للأدنى تثبت للأعلى والأشرف بطريقٍ أولى، لكنّ هذا الكلام لا يناسب المخالِفِين لأنّ الإمام المهديّ هو حفيد أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، ولو كان الخضر حفيد الإمام عليّ المرتضى (عليه السلام) لنبذوه وراء ظهورهم تثاقلاً منه لأنه ابن عليّ (عليه السلام) بحسب الغرض والبدن من شعائر الله، وآل البيت بنظر الحاقدين ليسوا من شعائره، سبحان ربّي ما هذه الشنشنة البغيضة لآل محمّد صلوات ربي عليهم. صَدَقَ ما روي عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: ما بال أقوامٍ من أمتي إذا ذكر عندهم إبراهيم وآل إبراهيم استبشرت قلوبهم وتهلّلت وجوههم، وإذا ذُكرتُ وأهل بيتي اشمأزتْ قلوبهم وكلحت وجوههم، والّذي بعثني بالحقّ نبياً لو أنّ رجلاً لقى الله بعمل سبعين نبياً ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر منا أهل البيت ما قَبِلَ الله منه حرفاً ولا عدلاً.(2) إنّ السرداب عند الإمام المهديّ (عليه السلام) هو كغيره من الأماكن التي لا تحجبه عن دعوته إلى الله، فهو مصون بحفظ الله، فلا يخاف دركاً ولا يخشى. لقد خرج الإمام المهديّ (عليه السلام) من السرداب ليكمل ما كلّفه الله به من الدّعوة إليه وحفظ المؤمنين بوجوده المقدَّس. إنّ دخوله إلى السرداب فراراً من جلاوزة النظام كان هزءاً بهم وسخريةً بمقامهم وبطشهم، حيث تحدّاهم بدخوله السرداب، وخرج منه وهم يرونه ولكنهم انصرفوا عنه لا يقدرون على مسّه بسوء، وهذه المهمّة الكبرى التي فوّضه الله تعالى لها استدعت حفظه من كيد الأعداء، ومن خلال المقارنة بين خروجه من السرداب وخروج جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من داره وعلى بابه حارسان يتربصان به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شراً، نرى مدى الترابط بينهما والسنخيّة بين الموقفين حيث إنّ مَن كان لله تعالى كان الله له، ومَن نصر الله نصره الله، لكنّ جدّه خرج وهم لا يرونه، محتجباً عنهم ببضع آيات يتلوها، أمّا هو عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف فقد خرج وهم يرونه ولكنهم انصرفوا عنه صرف الله قلوبهم، وما ذلك إلاّ للتدليل على مدى سخريته واستهزائه بقدرتهم التي يظنون أنهم بواسطتها سيملكون العالم ويفتكون بكلّ من يعترض منهجهم وطريقتهم، إنّ الهدف إذا كان عظيماً لا بدّ أنْ يتوصّل الباري عزّ وجلّ إلى حفظه بشتّى الطرق الإعجازيّة والعرفيّة ، ولا يمكن للظروف الآنية أنْ تؤثر على الهدف مهما امتلكت من القوّة والقدرة على التحرّك. إنّ بإمكان الإمام المهديّ (عليه السلام) أنْ يحجب شخصه عنهم ساعة كبس دار أبيه، لكنه نـزل إلى السرداب وهم يرون نـزوله وخروجه متحدياً السلطات الغاشمة ليقيم عليها الحجّة في إثبات حقه، والتدبر في قصّة السرداب يملي علينا الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: إقامة الحجّة بالمعجزة أمام جلاوزة النظام والسلطة المتمثلة بالخليفة العباسي، حيث إنهم تيقنوا دخول الإمام إلى السرداب، لكنهم فشلوا في القبض عليه، مما يقتضي القول بوجود شيءٍ غيـبيٍّ لا محالة، إذ كيف يخرج من نفس الباب الّذي دخله ولم يقدروا على الإمساك به (عليه السلام) مع أنهم جاءوا من أجل ذلك؟!! الملاحظة الثانية: إنّ كبس الدار بواسطة عشرات الجند من أجل فردٍ واحد يعطينا انطباعاً سيئاً عن تلك السلطة التي لا تعرف سوى البطش والفتك بكلّ فرد يشكّل عليها ضرراً حتى لو كان الشخص نبياً أو وصياً، مما يعني عدم اعتقاد السلطة برسالة السماء المتمثلة برسوله محمّد وآله الطاهرين. الملاحظة الثالثة: إنّ تحدّي الإمام المهديّ (عليه السلام) للسلطة بالكيفيّة التي حصلت في السّرداب وتخطيطه لإرعابهم لم يكن بوسع أيّ فرد معارض للسلطة آنذاك أنْ يفعله سوى الإمام (عليه السلام) فالسلطة لمّا كانت عاجزة عن الإمساك به وحصره في السرداب، وكذا لمّا عجزت عن اتهام سفرائه بشيء يكون ممسكاً لها عليهم، دلّ ذلك العجز على إفلاس السلطة ـ مهما امتلكت من القوّة والإقتدار آنذاك ـ أنْ تمنع من تحرّك الإمام المهديّ (عليه السلام) أو تحُدَّ من نشاطه أو نشاط سفرائه. الملاحظة الرابعة: أراد الإمام (عليه السلام) بخروجه وهم يرونه ولا يقدرون على الإمساك به أنْ يثبت لهم مدى فشلهم وأنهم أعجز من أنْ يدفعوا فرداً عن حقه، فكيف إذا قامت جماعة أو أمّة تطالب بحقها، مما يعني أنّ أنفاس الباطل قصيرة وأيامه إلى زوال، بشرط أنْ يكون أتباع الحق على بصيرة بما يعتقدون ومخلصين فيما يدافعون. الملاحظة الخامسة: إنّ هؤلاء الجلاوزة لم يبادروا للقبض على الإمام المهديّ (عليه السلام) بل وقفوا على باب السرداب يحافظون عليه ويتجنبون عن اقتحامه، إنهم يخافون مواجهة الإمام المهديّ (عليه السلام) ويحتاجون إلى مدد أكبر وعدد أكثر، فهم منتظرون لوصول المدد من بغداد إلى سامراء. وبالجلمة؛ فإنّ الساخرين من السرداب لكونه مزاراً للشيعة يلتمسون منه البركة واستجابة الدعاء متوسلين بإمام زمانهم، لا يغيّرون من الحقيقة شيئاً، فلنا أسوة بالنبي نوح (عليه السلام) الّذي سخر منه قومه، فزيارة السرداب للتوسل أمر مشروع عقلاً ونقلاً وجميع المسلمين يقرّون بذلك سوى إبن تيميّة وإبن حجر الهيثمي بشكلٍ خاص وأكثر الحنابلة هؤلاء لا يؤمنون بالتوسل سواء كان بقبر نبي أو بسرداب وصي، لذا يتهكّم إبن تيميّة على الشيعة بزيارتهم موطأ أقدام أئمتهم عليهم السَّلام في السّرداب، ونسي كُلّ العقائد المهترئة التي يعتقدُ بها ذاك الحنبلي هو وأمثاله ممن يهزءون ويسخرون من عقيدة الإمامية لا سيّما زيارة القبور والمراقد المقدّسة. فالإستهزاء لا يغيّر في الحقيقة شيئاً، وهو في نفس الوقت علامة ضعفٍ أمام الخصم، وما قيمة هؤلاء الشواذ حتى نقيم لاستهزائهم وزناً؟! إنهم حثالة المجتمع، وصراعنا معهم لا ينتهي سوى بخروج المخلِّص (عليه السلام) الّذي يسخرون منه ليفري أوداجهم ويحزّ رقابهم النتنة بسيفه البتّار، اللهمّ عجّل فَرَجَه وسهِّلْ مخرجَه واجعلنا من أوليائه وأنصاره آمين. وبالجملة؛ فإنّ زياة السّرداب من أهمّ الزيارات الخاصّة بالإمام القائم (عليه السلام) بعد زيارة آل ياسين، وقد عَمِلَتْ بها الطائفة المحقة ولم يخالف أحد في ذلك مطلقاً، وتغني دلالتها عن سندها، ولا عبرة بالسند ما دامت الطائفة مجمعة على صحتها، فيكون الإجماع في قوّة السند الصحيح، بل من أعلى مراتب القوّة؛ لأنّ البحث في السند إنما يكون لإثبات الدلالة، ومع هذا فإنّ الرّاوي لها هو محمّد بن عثمان السفير الثاني للإمام الحجّة (عليه السلام) في الغيبة الصغرى وهو في الوثوق والعدالة ما صار من الضرويات عند الشيعة، والرّاوي عنه هو إبن طاووس مع بُعْد المسافة بينهما، ويرجع السبب في ذلك أنّ شدّة التقيّة التي كانت سائدة بين الموالين استدعت إخفاء الوسائط المتصلة بالسفير الثاني، مضافاً إلى أنّ الزيارة الشريفة ليست كالرّواية متعلقة بين اثنين ـ الرّاوي والمروي عنه ـ بل تتميز عن الرّواية من جهة ابتداء الإمام بصدورها بواسطة السفير لتربية الأفراد وتكميل نفوسهم من خلال ربطهم الفكري والمعنوي بزيارة الإمام القائم (عليه السلام)، وهذا النحو من التربية ليس بحاجة إلى طرق رجاليّة نثبت من خلالها صحّة الزيارة، وإنْ أبيتَ إلاّ المناقشة في السند فإنّ عمل الطائفة بها يصحح العمل بها، مضافاً إلى وجود قرائن من الكتاب والسنة الشريفة تثبت صحّة مفرداتها وفقراتها، فالعِبرة حينئذٍ بالقرائن اللفظيّة واللبيّة المتوافرة في الزيارة الشريفة، لذا فهي في غاية الصحّة والمتانة، وقد رواها أيضاً الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشهيد الأوّل ومؤلف المزار الكبير والكفعمي في المصباح والبلد الأمين، والغروي في كتاب العتيق والسيد إبن طاووس والشيخ عباس القمي، ويستحب للمؤمن زيارة إمام زمانه بها سواء في السرداب أو غيره كلّ يوم ليجدّد عهداً مع الإمام القائم (عليه السلام). ومن البعيد جدّاً أنْ يروي هؤلاء الأماجد الأتقياء هذه الزيارة دون أنْ يكون لها أصل يعتمدون عليه، لا سيّما وأنهم من أهل الدراية والرّواية، وعليهم المعوّل في نشر ما ثبت عن أئمّة آل البيت عليهم السَّلام، فأي احتمال عكسي في حقهم منفيٌّ بالأصل. بالإضافة إلى ذلك فإنّ المجمع عليه بين الأصحاب فتوىً كان أو روايةً مما يجب العمل به لقول الإمام الصادق (عليه السلام) في حسَنَة عمر بن حنظلة: "المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه". فإجماع الطائفة على أمرٍ يعتبر قرينةً قطعيّة على صحّة صدوره عن المعصوم (عليه السلام)، واحتمال تعمُّد الناقلين للزيارة بالكذب على المعصوم (عليه السلام) مدفوع بعدالتهم أو وثاقتهم، كما إنّ احتمال غفلتهم بمعنى أنهم نسبوا الزيارة إلى الإمام (عليه السلام) غفلةً منهم، مدفوع أيضاً بأصالة عدم الغفلة التي استقرّ عليها بناء العقلاء، وأيضاً فإنّ احتمال كونهم ـ أي هؤلاء المحدثين ـ صنّفوا هذه الزيارة مدفوع بأصالة العدم، فلا يبقى إلاّ أنْ تكون الزيارة من إنشاء المعصوم للقرينة الدالة على ذلك وهي عدم تصريح أحد منهم بأنّ الزيارة من إنشاء غير المعصوم (عليه السلام)، فتدبّر. وفي الختام: إنّ زيارة السرداب اشتهرت بين الشيعة، حتى استغنت باشتهارها عن ذكر إثباتها وبيان سندها، فكانت متلقاة عند جميع الشيعة بالقبول من غير معارض لها ولا رادّ لها مع ما اشتملت عليه فقراتها من المعاني الجليلة والأسرار اللطيفة بحيث يشهد العقل السليم والسليقة المستقيمة والوجدان الصحيح بصحّة ورودها عن المعصوم(عليه السلام) فإنّ على كلّ حقٍ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً. وبالغضّ عن كلّ ذلك فإنّ استحباب العمل بها لا يشترط فيه قوّة السند، ما دامت داخلة في باب الزيارات والتوسلات بل هي ملحقة بباب الإعتراف بفضائلهم وعلوّ منـزلتهم عند الله تعالى، وكلّ هذا لا بأس بالركون إليه لكونه داخلاً في قاعدة التسامح في أدلّة السنن، فما الضير أنْ يتوجّه العبد السالك إلى الله عبر الحجج الطاهرين: (وابتغوا إليه الوسيلة) من خلال زيارة السّرداب وآل ياسين وأمثالهما، ما دام هذا العمل من الوسائل التي تقرّب إلى المعصوم وتغرس في نفس الزائر عوامل الخير والإرتباط بصاحب الزمان (عليه السلام)، وهل ثمة عمل آخر أفضل من الزيارة ليقرّب إلى الإمام المهديّ (عليه السلام)؟ وهل ثمّة طريق روحي غير زيارتهم يمكن من خلاله أنْ يتصل الزائر بإمام زمانه (عليه السلام)؟ كلا..كلا. فينبغي للسالكين العارفين أنْ يعرجوا إلى حريم الولاية من خلال الزيارة الشريفة ونظيراتها بتأمل مفرداتها والتفاعل معها، مستغرقاً بمعانيها، متوجهاً بفكره ومشاعره إلى القائم المهديّ (عليه السلام)، لأنّ مناجاته طريق لمرضاة الرب وتحصيل بركاته (يا أيها الّذين آمَنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خيرٌ لكم وأطهر فإنْ لم تجدوا فإنّ الله غفورٌ رحيم) (المجادلة/12)، ومناجاة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلَّم سارية المفعول حتى بعد وفاته لكونه صلّى الله عليه وآله وسلَّم حياً يُرزق عند الله تعالى، فكما يجوز التوسل والمناجاة معه صلّى الله عليه وآله وسلَّم يجوز أيضاً بنفس المناط مع عترته الطاهرة لا سيّما مولانا الإمام القائم (عليه السلام) لكونه حيّاً يرانا ويسمعنا، فالأَوْلَى التوسّل إليه والمناجاة معه في المكان الّذي ترعرع فيه ولا يزال يزوره لأنّ أبويه مدفونان هناك، مضافاً إلى أنّ تردّده إليه لأجل قضاء حوائج المستغيثين بجنابه الأقدس. قال (عليه السلام): "السلام عليكَ يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين". فمن المستحبات أنْ يقف المؤمن الزّائر على باب السّرداب ويقول: (السَّلام عليكَ يا خليفة الله وخليفةَ آبائه المهديّين، السَّلام عليك يا وصيّ الأوصياء الماضين). والبحث في هذه الفقرة يتركّز على ثلاثة أمور: الأمر الأوّل: مفهوم السّلام لغةً واصطلاحاً. الأمر الثاني: مفهوم الخلافة. الأمر الثالث: الفرق بين الخلافة والوصاية. أمّا الأمر الأوّل: مفهوم السَّلام: فالسّلام مصدر وهو التحيّة أو الإستسلام للإنقياد والطّاعة، ومن السّلام "السّلامة" من الآفات والعاهات الماديّة والمعنويّة، والسّلامة من الآفات لها مصاديق متعدّدة تنطبق على المفهوم العام للسّلامة، وانطباق المفهوم العام على المصاديق إنما هو على نحو الحقيقة لا المجاز؛ فمن هذه الموارد والمصاديق المنطبقة على المفهوم ما يلي: (1) ـ مورد إتصاف القول بالسّلامة بمعنى أنْ يكون القول أو السَّلام أو التحيّة مقروناً بالسّلامة وعدم الإعتداء على المسلَّم عليه وهو قوله تعالى: (وعبادُ الرّحمان الّذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) (الفرقان/63). فمن صفات عباد الرّحمان وأهل التقى والورع أنهم متواضعون(يمشون على الأرض هوناً) وإذا خاطبهم الجاهلون بمقام الولاية قالوا (سلاماً) فالقول السّالم الّذي يقولونه عند مخاطبة الجاهلين هو ما ليس فيه تعدٍّ وإثمٍ وظلمٍ، ومثله قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً) (الواقعة/25ـ26)، فالسابقون إلى الله تعالى ـ وهم أهل البيت (عليهم السلام) ـ أولئك المقرَّبون على سُرُرٍ موضونة، متكئين عليها متقابلين، يطوف عليهم ولدانٌ مخَلَّدون بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معين، فالله هو السَّلام، وأهل البيت (عليهم السلام) سابقون إليه، والأتقياء من سيعتهم يلقون التحيّة والسَّلام إلى ساداتهم السابقين والواصلين إلى الله السَّلام، من هنا ورد قوله تعالى: (فسلام لك من أصحاب اليمين) (الواقعة/91). (2) ـ من مصاديق السّلام المنطبقة على المفهوم إتصاف الدار الآخرة أو الجنّة بدار السَّلام كقوله تعالى: (لهم دار السَّلام) ومنه قوله في الدّعاء: "لبّيكَ داعياً إلى دار السَّلام، لأنّ سكّان الجنّة سالمون من كلّ آفة، لسلامة الدار وخلوها من الآفات الرّوحيّة والجسديّة، خصوصاً داره عزّ وجلّ التي هي أخصّ من الجنّة، وداره هي دار آل ياسين عليهم السَّلام. (3) ـ ومن المصاديق إتصاف الطريق بالسّلامة كقوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين. يهدي به الله مَن اتّبعَ رضوانه سُبُلَ السَّلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم) (المائدة/15-16) فمن اتبع رضوانه المتمثل بسُبُل السَّلام وهي أئمّة آل البيت عليهم السَّلام لا محالة أنّ الله تعالى سيهديه إلى الألطاف المحمّديّة الخاصّة، وكأنه يقول لهم في الآية: "إنكم لا تعرفون محمّداً حبيبي حتى تعرفوا سُبُل رضواني وهم عترته الطاهرة". فأئمّة آل البيت هم طُرُق السّلام للوصول إليه تعالى: "اللهم ّ عرِّفني حجّتك فإنك إنْ لم تعرِّفني حجّتك ضللتُ عن ديني". وهكذا في جميع موارد إستعمال السَّلام، ومنه: السّلام عليكم عند الورود على أحد، أي انتم في سلامة منا لم تصل إليكم آفة منا توجب نقصَ السّلامة، والسّلامة تلازم الحفظ في بعض الموارد، لذا قيل: إنّ معنى السّلام عليكم أي الحافظ عليكم. وحيث إنّ أتمّ مصداق الحافظ هو الله تعالى فيُقال: الله الحافظ عليكم في معنى السّلام عليكم. ويستعمل السّلام في التحيّة في أغلب الأحيان، لذا جُعِلَ مصداقاً في آيات عديدة كقوله تعالى: (تحيتهم فيها سلام) (إبراهيم/23)، (وإذا حُييتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردُّوها إنّ الله كان على كلّ شيء حسيباً) (النساء/86)، وفُسِّرَت التحيّة في الأخبار بالسَّلام. (4) ـ ومن مصاديقه الإنقياد والإستسلام والتسليم(3)، فيكون معنى "السَّلام عليكم" أيْ سلّمتُ نفسي بما لها للمسلّم عليه. وعليه؛ فالمعنى الحقيقي للسّلام على صاحب الأمر فيه معنيان جليلان: الأوّل: السّلامة عليك من جميع الآفات. الثاني: التسليم والإنقياد إليكَ حيث صرتُ كالعبد الّذي لا يقدر على شيء بمحضر سيّده فهو كَلٌّ عليه. وبعبارة أخرى: إنّ الزّائر لإمام زمانه (عليه السلام) عليه أنْ يسلّم نفسه وماله ومطلَق ما يتعلَّق به من بدو وجوده إلى منتهى عمره إلى الإمام (عليه السلام) بحيث لا يرغب بشيء مما يتعلّق بعالم وجود هذا الزّائر عن الإمام (عليه السلام) بل وطّن نفسه بإفنائها في إرادته (عليه السلام) ووقفها عليه صلوات الله عليه، فيكون هذا إقراراً منه بالرقيّة لهم في الطاعة بل والمملوكيّة من أعلى مراتب الرقيّة إلى أدناها، لأنّ الإمام (عليه السلام) هو الّذي يستأهل لأنْ يسترق غيره لولايته عليه دون العكس، وذلك لما أعطاهم الله من الولاية والملك وسياسة الخلق. ومعنى التسليم أيضاً على إمام الزمان (عليه السلام) هو أنْ يؤدّي الزائر الأمانة التي عرضها الله تعالى عليه، وقَبِلَها من أمر الولاية لهم عليهم السَّلام، ويعمل على طبقها (إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبينَ أنْ يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) (الأحزاب/ 72)، وحينئذٍ لا يكون قولُ الزّائر: "السّلام عليكم" دعاءً بل إخباراً بتسليمه لهم بنحو ما ذكرنا، هذا إذا أُريد من السَّلام على أهل البيت (عليهم السلام) السَّلام من نفس الزائر ليصل سلامه إلى أرواحهم وأجسامهم الطاهرة صلوات الله عليهم. وأمّا إذا أُريد منه السَّلام منه تعالى عليهم بهذا المعنى، فمعناه أنّ التسليم الكلّي منه تعالى إلى خلقه إنما هو عليكم لا على غيركم، لأنه تعالى خلقهم في عالم الأنوار حسبما جاء في الزيارة الجامعة (خلقكم الله أنواراً) وسلّم إليهم أمرَ جميع العوالم ، وفوّض لهم أمْرَ دينه بعدما أدّبهم بأحسن تأديب الرّب لمربوبه، ولذا أخذ الله تعالى ميثاق الأنبياء والمرسَلين والملائكة وعباد الله بالولاية للنّبيّ وعترته الطاّهرة. فالله تعالى أوكل أمور مملكته وسياسة رعيته إليهم عليهم السَّلام في كلّ جزئيٍّ وكلّيٍّ كما جاء في قوله تعالى: (هنالك الوَلاية لله الحقّ) (إنما وليّكم الله ورسوله والّذين آمَنوا) والوليّ هو النصير إذ لا ولاية لظالم، قال تعالى: (واجعل لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيراً) (النساء/75) (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً) (النساء/ 45) (وما لكم من دون الله من وليٍّ ولا نصير) (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الوليّ). ولذا كانت طاعتهم طاعة لله ومعصيتهم معصية له، وحبّهم حبّاً له، وليس هذا إلاّ لمكانتهم عنده وأنهم المفَوَّض إليهم أمر التشريع والتكوين بالمعنى الصحيح للتفويض الّذي تقول به الشيعة الإماميّة. كلّ هذا بناءً على أنّ "السَّلام عليكم" بمعنى الإخبار بتسليمه لهم بالإنقياد والإستسلام، وإمّا بناءً على أنّ "السّلام عليكم أو عليكَ يا خليفة الله" بمعنى الدّعاء فهي أنّ السّلامة التي هي معنى اسم الله تعالى عليك يا خليفة الله، أي أسأل الله تعالى أن يمنحكم السّلامة بالمعنى الكامل من كلّ آفة فيما انعم به عليكم من العلوم والإسم الأكبر والطهارة من كلّ رجس، والعصمة في جميع أعمالكم وأسراركم وأقوالكم وأحوالكم والزلفى، ويحفظكم من كل ما يكره. وحاصله: إنّ السّلامة حيث إنها منه تعالى حقيقةً، فللزائر أنْ يسلّم عليهم أي يطلب منه تعالى تلك السّلامة لهم بمعنى زيادة الألطاف لهم وأنْ يتذكر العهد الّذي عليه لهم، ويطلب تعجيل وعد الله تعالى لهم بالنصر والعزّة في دولة مهديّهم عليه وعليهم السَّلام. وبالجملة: فإنّ السّلام على الإمام (عليه السلام) معناه: أنّ الزائر على عهده الّذي أخذه الله تعالى ميثاقَه عليه وأنه باقٍ على سلامته بدون آفة من نقض العهد أو رفع اليد عن الدين، وعمّا يلزمه من الصبر والمصابرة والتقوى، بل هو باقٍ على ما عُهِدَ عليه من هذه الأمور، ومتحملٌ للمشاق في امر الدّين وينتظر الفَرَج، وبذلك يطلب منه تعالى تعجيل الوعد منه بإنجازه تلك المواعيد. أمّا الأمر الثاني: مفهوم الخلافة: معنى الخلافة هو الإمامة أو الأمارة أو النيابة عن الغير. والخليفة هو الّذي يُسْتَخْلَف ممن قبله، والجمع خلائف وخلفاء، واستخلف فلاناً من فلان: جعله مكانه. وخَلَفَ فلانٌ فلاناً إذا كان خليفته، يقال: خَلَفه في قومه خلافةً قال موسى (عليه السلام) لأخيه هارون (عليه السلام): (اخلفني في قومي) وخَلَفْتُه أيضاً: إذا جئتُ بعده. وخلّفت(4) فلاناً أخلّفه تخليفاً واستخلفته أنا جعلتُه خليفتي، واستخلفه:جعله خليفة. وقد وردت كلمة "خليفة" بصيغة المفرد في موردين في القرآن الكريم وهما كالآتي: الأوّل: في قوله تعالى:(وإذ قال ربّك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويسفكُ الدّماء ونحن نسبّح بحمدكَ ونقدِّسُ لك قال إني اعلَمُ ما لا تعلمون..) (البقرة/30) الثاني: في قوله تعالى:(يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحقّ) (ص/82). كما إنّ هذه الكلمة قد استُعمِلَت بصيغة الجمع في موارد متعدّدة منها قوله تعالى: (وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض) (الأنعام/165). (ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم) (يونس/ 14). (وجعلناهم خلائف..) (يونس/73). (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) (الأعراف/69). (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد) (الأعراف/ 74). (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) (النمل/62). فالمورد الثاني من الآيات يفيد كون المستَخْلَف محلّ الغابرين في الحياة الدنيويّة والقيام مقامهم في البناء الهندسي للحياة الإجتماعيّة والعمرانيّة وما شابه ذلك وهو ما تؤكّده القرائن الحافّة بالآيات حسب دعوى بعض المفسِّرين وهو حقٌّ لا غبار عليه؛ إذ لا يمكن أنْ يكون النّاس كلّهم خلفاء عن الله تعالى بالمعنى الّذي أراده الله تعالى من حيث كون الخليفة رجلاً معصوماً مسَدَّداً، إذ ليس كلُّ النّاس بهذا المستوى من الكمال والتسديد، فلا بدّ أنْ تُصرف معاني هذه الآيات إلى كون المستَخلَفين هم من ينوبون عن غيرهم في إدارة شؤون حياتهم الخاصّة ولا يُراد من هذه الآيات الخلافة الإلهيّة التي هي نيابة عن الله مباشرةً وعن الأنبياء والمرسَلين، فالخليفة مَن ينوب عن غيره في شؤون الرّسالة وهو معنى كونه مدبّراً من قِبَل غيره. وبعبارة أخرى: الخليفة (بصيغة المفرد) وكذا الخلافة: هي القيام مقام الخالف والجاعل أي أنّ المراد منها هو "الخلافة الإلهيّة"، وذلك لأمرَين: الأوّل: إنّ إطلاق لفظ "خليفة" من غير إضافة وإشارة إلى المخلوق مما يؤكّد أنّ الإنسان خليفة لمن جعله كذلك، وهذا نظير ما لو قال رئيس الدولة مثلاً: إني جاعل في الدولة خليفة إذ يكون المفهوم العرفي له كون هذا خليفة لرئيس الدولة نفسه. الثاني: إنّ الحوار الّذي جرى بين الملائكة وبين الله تعالى إذ تساءلوا عن معنى جعل خليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فأجابهم الله تعالى بأنه يعلَم ما لا يعلَمون، والإمتحان الّذي تمّ وكشف عن صلاحيّة الإنسان لتعلّم الأسماء، كلّ هذا ليكشف لنا بوضوح عن أنّ الخلافة المرَكَّز عليها هنا ليست إلاّ الخلافة الإلهيّة. الهوامش (1) بحار الأنوار:52/52ح37. (2) بحار الأنوار:27/192ح49. (3) لسان العرب:12/295. (4) لسان العرب:9/82. ****************** شبهة ودفع: قد يُقال: إنّ المراد من قوله تعالى: (إني جاعلٌ في الأرض خليفة..) هو مَن يخلف غيره في الحياة الدنيويّة وليس المراد منها الخلافة الإلهيّة. ولكنه مدفوع: (1) ـ إنّ الله تعالى عرّف ذلك المخلوق ـ وهو مولانا آدم (عليه السلام) ـ للملائكة قبل أنْ يخلقه بأنه "الخليفة" فلو كان المقصود هو مَن يخلف غيره في الحياة الدنيويّة لم يكن يصلح أنْ يعرف بذلك. مضافاً إلى أنّ قوله تعالى:(إني اعلَمُ ما لا تعْلَمُون) وقوله تعالى:(يا آدم أنبئهم بأسمائهم) كلُّ ذلك قرائن واضحة على أنّ المراد به هو آدم الخليفة عن الله تعالى بالأسماء الإلهيّة. (2) ـ إنّ وجود عبارة (فاحكم بين الناس بالحقّ) تفريعاً على جعل الخلافة لداود في الآية المبارَكة، ينسجم مع هذا المعنى دون مسألة القيام مقام الآخرين. وحاصله: أنه تعالى بيّن أنّ هذه الخلافة خلافة الله تعالى لا خلافة نوع من موجودات الأرض حتى يجري فيهم ما جرى فيمن كانوا قبلهم، فليسـت الخـلافة خلافة عـن المخلوقين السّابقين، كما هو مفاد الآيات في المورد الثاني المتقدِّم. وإلى هذه الخلافة الإلهيّة يشير عدد كثير من الأخبار الدّالّة على أنّ ولايتهم عليهم السَّلام ولاية الله حيث إنّ ولايتهم عليهم السَّلام بما لها من المعنى الشامل للتكويني منها والتشريعي هي من أخصّ آثار الخلافة الإلهيّة. والوجه في كون هذه الخلافة خلافة الله لا غير هو تعليم الله تعالى آدم الأسماء، ومعنى تعليم الأسماء إبداع هذا العِلْم الإلهي المشار إليه بقوله: (وعلَّمَ آدمَ) في الإنسان بحيث تظهر منه آثارُه تدريجا ً، فلو كان من المهتَدين أمكنه أنْ يخرجه ـ أي العِلْم ـ من القوّة إلى الفعل فيصير كاملاً في الوجود، وعلى هذا فلا تختصّ هذه الخلافة بآدم (عليه السلام) بل يشاركه فيها بنوه من الأنبياء والأولياء عليهم السَّلام، ولعلّه يؤيّد عموم الخلافة ـ لو كان لهذه الآيات إطلاقٌ وعموم ـ قوله تعالى: (إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) (ثمّ جعلناكم خلائف الأرض) (ويجعلكم خلفاء الأرض) أي إنّ المقصود بالخطاب ليس النوع بل أفراد معيَّنون ممّن يصل إلى مقام الخلافة الإلهيّة، فكلّ مَن اتّصف بالعِلْم الرّبوبيّ يكون خليفة الله، فحينئذٍ يحكي بأفعاله وصفاته وعِلْمِهِ عن المستَخْلَف عنه وهو الله تعالى، أمّا المفسد والفاسق فلا يستحقّ أنْ يكون خليفة الله في نشر العدل والعِلْم والمعارف والكمالات المعنويّة والظّاهريّة بل إنّ الإمامة لا يقدر أحد على تحمّلها إذا لم يملك القابليّة لإدراك الأسماء من هنا قال الله لآدم: (يا آدم انبئهم بأسمائهم) (أنبئوني بأسماء هؤلاء إنْ كنتم صادقين) فأجابوه عزّ وجلّ (سبحانكَ لا عِلْمَ لنا إلاّ ما علَّمْتنا إنّكَ أنتَ العليم الحكيم...فلمّا أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلَم غيب السماوات والأرض وأعلَم ما تبدون وما كنتم تكتمون). فهناك أمرٌ وسرّ ليس في وسع الملائكة أنْ تتحمّله لذا لا تصلح للخلافة الإلهيّة، وهذا بخلاف الإنسان فإنه بهذا اللحاظ ـ لحاظ تحمّل الأسماء ـ صالح لهذه الخلافة، فيُعْلَم منه ضمناً جوابه تعالى عن أنّ الملائكة لا تصلح للخلافة الإلهيّة لقصور حقيقتها المحدودة عن هذا، بخلاف الإنسان الّذي هو العالم الكبير والكتاب المبين الإلهي الجامع. ثمّ إنّ المراد من تعليم آدم الأسماء هو كشف حقائق الموجودات وأعيانها له، لا مجرّد ما يتكلّفه الوضع اللغوي من إعطاء المفهوم، فالمعلوم له حينئذٍ هو الحقائق الخارجيّة والموجودات العينيّة مع أنها مستورة تحت ستر الغيب، والعِلْم بها على ما هي عليه وإنْ كان ميسوراً للمخلوق السّماوي كالملائكة إلاّ أنها دلّت على نفسها أنها عاجزة عن إدراك تلك الحقائق، فالمَلَك وإنْ كان مجرّداً إلاّ أنه مجرَّد من أمرٍ دون أمرٍ، وهذا بخلاف الإنسان فإنّ فيه بالقوّة شأنيّة الوصول إلى أيّ أمر وأيّ كمال بالفعل والإحاطة بها، وهذه الجهة الكائنة في الإنسان هي دخيلة في الخلافة الإلهيّة، والمَلَك حيث إنّه فاقدها غير قابل لها كما لا يخفى. وبمعرفة أبينا آدم (عليه السلام) للأسماء وصل إلى مرتبة جامعة لكلّ الكمالات الوجوديّة الإلهيّة حتى صار منتخَباً من بين سائر الملائكة ليمثّل الله عزّ وجلّ في الأسماء على الأرض، وصار بتلكَ المعرفة أيضاً منتخَباً لكتاب الله الكبير الّذي هو العالم الأكبر حسبما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أتزعم أنّكَ جُرْمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العالَم الأكبر وهذا بخلاف الملائكة فإنها وحدانيّة الصّفة ليس في جبلتهم خلطٌ ولا تركيب، ولهذا لا يفعل كلُّ صنف منهم إلاّ فعلاً واحداً هو راكعٌ فقط أو ساجد فقط أو قائمٌ فقط كما دلّت عليه الأخبار واشار إليه قوله تعالى في حقّهم: (وما منا إلاّ وله مقامٌ معلوم) فليس فيهم تزاحم وتباغض، فهم كالحواس كلُّ حاسّة تفعل فعلها ولا تزاحم الأخرى (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمَرون) فكلّ صنف منهم مظهر لإسم واحد من الأسماء الإلهيّة لا يتعدّاه، بخلاف الإنسان فإنه لجامعيته لها كما علمت قد فاق الملائكة وذلك بمعرفته الكاملة ومظهريته الشاملة، فمعنى قوله تعالى: (أنبئهم بأسمائهم) أي أخبرهم بالحقائق المكنونة عنهم، والمعارف المستورة عليهم، ليعرفوا جامعيتك لها ويعرفوا قدرة الله تعالى على الجمع بين الصفات المتباينة والأسماء المتناقضة ومظاهرها بما فيها من التضاد في مخلوقٍ واحدٍ كما قيل: وليس على الله بمستنكرٍ أنْ يجمع العالَم في واحدٍ وإلى هذا يشير ما ورد عن مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام): (إنّ الله عزّ وجلّ علَّمَ آدم أسماء حججه كلّها ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة فقال:(أنبئوني بأسماء هؤلاء إنْ كنتم صادقين) أي صادقين بأنكم أحقّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم، فقالوا:(سبحانكَ لا عِلْمَ لنا إلاّ ما علّمتنا إنّكَ أنتَ العليم الحكيم) قال تعالى:(يا آدم أنبئهم بأسمائهم) فلمّا أنبأهم بأسمائهم ـ لا حقائقهم الكاملة إذ إنّ آدم لم يعرف كنه وماهيّة هذه الموجودات الشريفة ـ وقفوا على عظيم منـزلتهم عند الله، فعلموا أنهم أحقّ بأنْ يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم ـ أي جعلهم عبيداً لهم ـ بولايتهم ومحبتهم وقال لهم: ( ألم أقل لكم أني أعلَمُ غيب السّماوات والأرض وأعلَمُ ما تبدون وما كنتم تكتمون)). فقوله (عليه السلام): "واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم" يُستفاد منه عموم خلافة آل البيت حتى إنهم خلفاء على الملائكة. إشكال ودفع: قلتم إنّ الأسماء هي مظاهر حقائق آل البيت عليهم السَّلام مع أنه ورد عنهم عليهم السَّلام أنّ الأسماء هي مظاهر الأودية والنبات والشجر والجبال من الأرض، فكيف تجمعون بين هذه الأخبار المتضارِبة بالنظر الأوّلي؟ والجواب: لا تضارب بين الأخبار لا سيّما وأنها مثبَتات، فآدم (عليه السلام) تعلّم كلّ الأسماء والتي تشمل أسماء النبيّ والعترة وغيرهم، ثمّ كان لأسماء آل البيت ميّزة وخصوصيّة لذا أكّد المولى عزّ وجلّ على آدم أنْ يعلّم الملائكة اسماء جماعة معيَّنين من بين سائر المميَّزين عن بقيّة الموجودات فقال: (أنبئوني بأسماء هؤلاء) المميَّزين عن بقيّة الموجودات الإمكانيّة. وبالجملة: فإنّ الخلافة تعني كون الخليفة معبِّراً عن المستخلَف عنه في ما استُخْلِفَ فيه من التصرّف في الأمور والأشياء بنحوٍ لا ينقطع، من هنا فإنّ الخلافة المطلَقة تقتضي كونها شاملة لمختلف الشؤون وكافّة الأمور من جهة، واستيعابها لكلّ ما استخلف عليه الخليفة من جهة أخرى. ولهذا كان من اللازم أنْ يكون الخليفة المطلَق عالِماً بصفات المستخلف وشؤون ما يستخلفه عليه، كما يجب أنْ تكون له القدرة الضروريّة للتصرّف فيه. وهكذا فإنّ الخلافة المطلَقة الإلهيّة تتوقّف على معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا حتى يمكن للخليفة أنْ يعبّر عنها، كما تتوقّف أيضاً على معرفة عامّة المخلوقات لكي يتمكن من تدبيرها وأداءِ حقّ الإستخلاف فيها. وخلاصة الأمر: فإنّ الخلافـة الإلهيّة تـدور مـدار العِلْم الشهودي ـ لا الكسبي الحصولي ـ بالأسماء كلّها عِلْماً يتلقاه الخليفة من الله تعالى بغير واسطة وهذا هو سرّ الخلافة الإلهيّة ومناطها. وخلافتهم تعني ولاية الله لهم، فهو عزّ وجلّ وليُّهم وهم أولياؤه، لذا ورد(1) عن سلمان الفارسي قال: قال الإمام الحسن (عليه السلام) للإمام أمير المؤمنين: إنّ سليمان بن داود كان مُطاعاً بخاتمه وأمير المؤمنين بماذا يُطاع؟ فقال (عليه السلام): أنا عين الله في أرضه، أنا لسان الله الناطق في خلقه أنا نور الله الّذي لا يُطفا أنا باب الله الّذي منه يُؤتى وحجتُه على عباده ثمّ قال: أتحبّون أنْ أريكم خاتم سليمان بن داود؟ قال: نعم، فأدخل يده الى جيبه فأخرج خاتماً من ذهب فصّه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب: محمّد وعليّ. ولا يعني قوله (عليه السلام): "أنا عين الله في أرضه" أنه (عليه السلام) ليس عينه في سمائه، بل التخصيص بالأرض لظهور آثار الخلافة فيها حيث إنّ الطغاة يتمردون فيها، أو قد يكون التخصيص بالأرض لإرادة التوقيت بالزمان، أي زمان وجود المكلفين لإجراء أحكام التكاليف عليهم في الدنيا، فكونهم خلفاء الله في أرضه أي حين كونهم في الأرض أي في الدنيا، فهم عليهم السَّلام خلفاء على كلّ شيء، على أهل الأرض والسماء بل على الغيب والشهادة والظاهر والباطن والأوّل والآخر وأهل الدنيا وأهل الآخرة. لذا ورد عن مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) قال: "إنّ الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق". وورد عن المفضل بن عمر الجعفي عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال في تعداد فضل أمير المؤمنين (عليه السلام): كان أمير المؤمنين...الحجّة البالغة على مَن فوق الأرض ومَن تحت الثرى. وعن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ لله عزّ وجل اثني عشر ألف عالَم، كلّ عالَم منها أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين، ما يُرى عالَمٌ منهم، إنّ لله عزّ وجلّ عالَماً غيرهم وإني الحجّة عليهم. الأمر الثالث: الفرق بين الخلافة والوصاية. الوصيّ لغةً مَن يتولّى شؤون القاصر، أو مَن يحكم مملكةً عندما يفوّض الملك قاصراً أو غائباً أو مريضاً، والموصي (بالكسر) هو الّذي يفوّض غيره للقيام بمهامه بعد موته أو غيابه وما شابه ذلك. والوصيّة: إسمٌ من الإيصاءِ، قيل لها ذلك لاتصالها بأمر الميت. والموصى به: الأمر الّذي تمّ الإيصاء به. وفي مجمع البحرين: الوصيّة على وزن فعيلة من وصي يصي، إذا وصل الشيء بغيره لأنّ الموصي يوصل تصرفه بعد الموت بما قبله. أقول: إنّ اتصال الوصي بالموصي (بالكسر) يدلّ على أنّ أئمّة آل البيت عليهم السَّلام الأوصياء أوصلهم الله تعالى إلى نفس النبي وأوصل النبي بهم في ما له التصرّف الثابت من الله تعالى من الولاية الشرعيّة والتكوينيّة. فمعنى الوصيّة أنّ مقام التصرف الثابت أولاً للموصي انتقل بجميع شؤونه إلى الوصيّ، وبهذا يندفع ما قد يُقال من أنه ليس للوصيّ إلاّ النيابة والوكالة بحيث لا يكون للوصيّ إلاّ إجراء العمل، وليس الوصيّ إلاّ عامل إجراء فلا يلزم أنْ يكون الوصيّ واجداً لصفات الموصي بل لو كان خالياً من أيّ صفة يمكن جعله وصياً بدلاً عن الموصي. هذا الكلام دونه خرط القتاد إذ إنه قاس وصاية الناس لبعضهم البعض بوصاية الأنبياء للأولياء عليهم السَّلام، إذ الوصاية للأولياء لها تمام ما للأنبياء من المنازل والدّرجات، مضافاً إلى أنّ العرف يفهم من الوصاية للوصي أنّ للوصيّ جميع التصرفات التي كانت للموصي إلاّ ما استثناه الموصي من الوصيّة، كما يمكننا استفادة المناسبة الذاتية بين الوصي والموصي من خلال الآيات القرآنيّة كآية المباهَلَة والتطهير والإكمال والبلاغ والإطاعة (أطيعوا الله..)؛ فإنها تعطي مقام الخلافة والوصاية لهم وإنهم كرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وكذا الأحاديث الدّالة على المناسبة الذاتية المتقدّمة كحديث: "أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وكلّنا محمّد" الوارد عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وقوله (عليه السلام): أنا من محمّد كالضوء من الضوء. وأحاديث كثيرة في أبواب متفرقة من أبواب عناوين ولايتهم عليهم السَّلام، وأنهم نور وحقيقة واحدة يجري لأوّلهم ما يجري لآخرهم؛ وأنهم كنفس رسول الله في جميع الأمور إلاّ النبوّة. ثمّ إنّ الوصيّة ـ اصطلاحاً ـ تطلَق على معنيين: أحدهما: على الوصيّ الّذي ينوب عن المَنوب عنه فيما هو شأنه وعمله ومنصبه، وهذا هو محلّ الكلام. وثانيهما: على الوصيّة بالنسبة إلى مواريث الأنبياء من الكتب وساير ما به ثبوت نبوتهم، فيوصون بنقل هذه إلى مَن بعدهم وإنْ كان الموصى إليه نبياً أو وصيّاً. وأمر الوصيّة في الجملة كانت مسَلَّمة من لدن آدم إلى الخاتم كما لا يخفى. وهناك أحاديث كثيرة دلّت على المطلوب وهي على قسمين: قسمٌ دلّ على أنّ الأرض لا تخلو من الحجّة طرفة عين، ولازمه وجود إمام يكون حجّة الله على الخلق حتى في زماننا، وحيث علمنا قطعاً أنّ النبوّة منقطعة وختمت بنبينا صلّى الله عليه وآله وسلَّم فلا محالة تثبت الإمامة لإمام الزمان (عليه السلام). وقسمٌ دلّ على وصاية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مولانا الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) وهي كثيرة ونحن نذكر شطراً من كلّ منهما تيمناً وتبرُّكاً. أمّا القسم الأوّل: ففي إكمال الدين للصَّدوق بإسناده عن مولانا الإمام أبي الحسن الأوّل اي الإمام موسى بن جعفر قال: ما ترك الله عزّ وجلّ الأرض بغير إمامٍ قط منذ آدم (عليه السلام) يهتدى به إلى الله عزّ وجلّ وهو الحجّة على العباد، مَن تركه ضلّ ومَن لزمه نجا حقاً على الله عزّ وجلّ. وفي إكمال الدين أيضاً بإسناده عن ابان بن تغلب قال: قال مولانا أبو عبد الله (عليه السلام): الحجّة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق. وفيه بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبيه قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) وهو يقول: لن تخلو الأرض إلاّ وفيها رجلٌ منا يعرف الحقّ، فإذا زاد الناس فيه قال: قد زادوا، وإذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، وإذا جاؤوا به صدّقهم، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يُعرف الحق من الباطل. وفيه بإسناده عن حمزة بن حمران قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو لم يبقَ في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة أو كان الثاني الحجّة. أمّا القسم الثاني: فقد روى الصَّدُوق عليه الرّحمة بإسناده عن أبي بصير عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبي (عليه السلام) لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ لي إليكَ حاجة فمتى يخفّ عليكَ أنْ أخلو بكَ فأسألكَ عنها، فقال له جابر: في أي الأوقات شئت، فخلى به الإمام أبو جعفر (عليه السلام)، قال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أمّي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وما أخبَرَتْكَ به أنه في ذلك اللوح مكتوباً، فقال جابر: أُشهِدُ الله أني دخلتُ على أمّكَ فاطمة عليها السَّلام في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أهنئها بولادة الإمام الحسين (عليه السلام) فرأيتُ في يدها لوحاً ظننتُ أنه من زمرّد، ورأيتُ فيه كتابة بيضاء شبيهة بنور الشمس، فقلتُ لها: بأبي أنتِ وأمّي يا بنتَ رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت عليها السَّلام: هذا اللوح أهداه الله عزّ وجلّ إلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيَّ وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه ليسرَّني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمّكَ فاطمة عليها السَّلام فقرأتُهُ وانتسختُه فقال له أبي (عليه السلام): فهل لكَ يا جابر أنْ تعرضه عليَّ؟ فقال: نعم فمشى معه أبي (عليه السلام) حتى انتهى إلى منـزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رقٍّ، فقال: يا جابر أنظر أنتَ في كتابكَ لاقرأه أنا عليكَ، فنظر جابر في نسخته فقرأ عليه أبي (عليه السلام) فوالله ما خالف حرفٌ حرفاً، قال جابر: فإني أُشهِد بالله أني هكذا رأيتُه في اللوح مكتوباً: بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتابٌ من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نـزل به الرّوح الأمين من عند ربّ العالمين، عظِّمْ يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلآئي، إني أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبّارين (ومبير المتكبّرين) ومذلُّ الظالمين، وديّان يوم الدّين، إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فمَن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي عذَّبته عذاباً لا أُعذِّبه أحداً من العالَمين، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكَل، إنّي لم أبعث نبياً فأكملتُ ايّامه وانقضت مدَّته إلاّ جعلتُ له وصيّاً وإني فضّلتكَ على الأنبياء، وفضّلت وصيَّك على الأوصياء وأكرمتكَ بشبلَيْكَ بعده وبسبطَيْكَ الحسن والحسين، وجعلتُ حَسَناً معدن عِلْمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلتُ حسيناً خازن وحيي، وأكرمتُه بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وارفع الشهداء درجةً، جعلتُ كلمتي التامّة معه، والحجّة البالغة عنده، بعترته أُثيب وأُعاقب، أوّلهم عليّ سيّد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه سميُّ جدِّه المحمود، محمّد الباقر لعِلْمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الرّادُّ عليه كالرَّادَّ عليَّ، حقّ القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر، ولأسرَّنه في أوليائه واشياعه وأنصاره وانتحبت بعد موسى فتنة عمياء حندس، لأنّ خيط فرضي لا ينقطع وحجّتي لا تخفى، وأنّ أوليائي لا يشقون أبداً، ألا ومَن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومَن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، وويلٌ للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، (أل) إنّ المكذِّب بالثامن مكذِّب بكلِّ أوليائي، وعليٌّ وليّي وناصري، ومَن أضع عليه أعباء النبوّة وأمتحنه بالإضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي لأقرَّنَّ عينه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمتي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي، جعلتُ الجنة مثواه وشفّعتُهُ في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النّار، وأختم بالسّعادة لابنه عليٍّ وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أُخْرِجُ منه الدّاعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحَسَن، ثمّ أُكْمِل ذلك بابنه رحمةً للعالَمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى، وصبر أيوب، ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون كما تهادى رؤوس الترك والدَّيلم فيقتلون ويُحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرَّنين في نسائهم أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشغ الزّلازل، وأرفع عنهم الآصار والأغلال، أولئكَ عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة واولئك هم المهتَدون. قال عبد الرّحمان بن سالم قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهركَ إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاّ عن أهله.(2) وفي رواية أخرى رواها صاحب كتاب كمال الدين أيضاً بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلتُ على مولاتي فاطمة عليها السَّلام وقدَّامُها لوحٌ يكاد ضوؤه يغشى الأبصار، فيه اثنا عشر اسماً ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر إسماً، فقلتُ: أسماء مَن هؤلاء؟ قالت عليها السَّلام: هذه أسماء الأوصياء أوَّلهم إبن عمّي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم (صلوات الله عليهم أجمعين)، قال جابر: فرأيتُ فيها محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعليّاً عليّاً عليّاً عليّاً في أربعة مواضع.(3) إشارة هامّة: مجموع ثلاثة زائد أربعة هو سبعة عدد أيام الأسبوع، وهـذا مطابق لِمَا ورد عنهم صلـوات ربّي عليهم بقولهم: "لا تعادوا الأيام فتعاديكم"، وقد فُسِّرَت بالأئمّة المعصومين عليهم السَّلام كما إنه ثمّة تأكيد على العدد سبعة في بعض الأخبار، ولا يبعد أنْ يكون إشارة إلى حديث: "لا تعادوا الأيام.."، مضافاً إلى أنّ حاصل العدد سبعة مضروب باثنين هو أربعة عشر عدد المعصومين عليهم السَّلام المنصوص عليهم بالأخبار التي هي فوق التواتر بمرّات. هذا وقد أورد المجلسي رحمه الله في بحاره باباً طويلاً حول خبر اللوح والخواتيم، ونحن هنا نورد بعض هذه المرويات: (1) ـ عن المجلسي بإسناده إلى محمّد بن الحسين الكناني عن جدّه عن المولى أبي عبد الله الصّادق (عليه السلام) قال: إنّ الله عزّ وجل أنـزل على نبيّه كتاباً قبل أنْ يأتيه الموت، فقال: يا محمّد هذا الكتاب وصيّتك إلى النجيب من أهل بيتك، فقال: ومَن النجيب من أهلي يا جبرئيل؟ فقال: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم إلى الإمام عليّ (عليه السلام) وأمره أنْ يفكّ خاتماً منها ويعمل بما فيه، ففكّ (عليه السلام) خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى إبنه الإمام الحسن (عليه السلام) ففكّ خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ففكّ خاتماً فوجد فيه أن أخرج بقومٍ إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلاّ معكَ، وأشر نفسكَ لله عزّ وجلّ، ففعل؛ ثمّ دفعه إلى الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) ففكّ خاتماً فوجد فيه: أصمُتْ والزم منـزلكَ واعبد ربّكَ حتى يأتيكَ اليقين، ففعل؛ ثمّ دفعه إلى الإمام محمّد بن عليّ (عليه السلام) ففكّ خاتماً فوجد فيه: حدِّثْ الناس وافتِهِم، ولا تخافنّ إلاّ الله فإنه لا سبيل لأحدٍ عليكَ؛ ثمّ دفعه إليَّ ففككتُ خاتماً فوجدتُ فيه: حدِّث الناس وأفتِهِم وانشر علوم أهل بيتك، وصدِّق آباءكَ الصالحين، ولا تخافنَّ أحداً إلاّ الله، وأنتَ في حرزٍ وأمانٍ، ففعلتُ؛ ثم أدفعُهُ إلى موسى بن جعفر، وكذلك يدفعه موسى إلى الّذي من بعده، ثمّ كذلك أبداً إلى قيام الإمام المهديّ (عليه السلام).(4) (2) ـ المجلسي بإسناده إلى أبي نضرة، قال: لمّا احتُضر أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) عند الوفاة دعا بابنه الإمام الصادق (عليه السلام) ليعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زيد بن عليّ: لو امتثلت فيَّ بمثال الحسن والحسين لرجوت أنْ لا تكون أتيت منكراً، فقال له: يا أبا الحسين إنّ الأمانات ليست بالمثال ولا العهود بالرسوم، وإنما هي أمور سابقة عن حجج الله عزّ وجلّ؛ ثمّ دعا بجابر بن عبد الله فقال له: يا جابر حدّثنا بما عاينت من الصحيفة، فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت إلى مولاتي فاطمة بنت محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لأهنئها بمولد الإمام الحسن (عليه السلام)، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درّة، فقلت: يا سيّدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي، قلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت: يا جابر لولا النبيّ لكنت أفعل لكنه قد نهى أنْ يمسّها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ، ولكنه مأذون لك أنْ تنظر إلى باطنها من ظاهرها، قال جابر: فقرأت فإذا: أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفى أمّه آمنة، أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضى أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمّد الحسن بن عليّ البرّ، أبو عبد الله الحسين بن عليّ التقيّ، أمهما فاطمة بنت محمّد، أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل أمّه شهربانويه بنت يزدجرد، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر أمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو إبراهيم موسى بن جعفر أُمُّه جارية إسمها حميدة، أبو الحسن عليّ بن موسى الرِّضا أمّه جارية واسمها نجمة، أبو جعفر محمّد بن عليّ الزّكي أمّه جارية اسمها خيزران، أبو الحسن عليّ بن محمّد الأمين أمّه جارية اسمها سوسن، أبو محمّد الحسن بن عليّ الرقيق أمه جارية اسمها سمانة وتكنّى أمّ الحسن، أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجّة الله القائم أمّه جارية اسمها نرجس ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.(5) (3) ـ وفي البحار نقلاً عن إكمال الدين وعيون أخبار الإمام الرّضا (عليه السلام) وأمالي الصّدوق بإسناده عن الثمالي عن مولانا الإمام عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه أمير المؤمينن (عليه السلام) قال: قال رسول الله: الأئمّة من بعدي إثنا عشر، أوّلهم أنتَ يا عليّ وآخرهم القائم الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها.(6) ومثل هذه الأحاديث كثيرة رواها العامّة في مصادرهم تدلّ على وصاية أهل البيت على الأمّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وقد بلغت في صحاح العامّة ما يزيد على ستين حديثاً، وفي بعضها التنصيص على أسمائهم إلى مولانا الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام)، فرووا في الجمع بين الصحيحَين عن جابر بن سمرة عن النبي قال: "إنه يكون بعدي اثنا عشر خليفة" ثمّ تكلم بكلمة خفيفة ثمّ قال: "كلّهم من قريش". مضافاً إلى ما رُوي عنه صلّى الله عليه وآله أنه قال: مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة". فتدلّ هذه الطائفة من الأحاديث على بقاء الأئمّة إلى انقضاء التكليف، فثبوت وصايتهم عن الله ورسوله أظهر من الأمس وأبين من الشمس بالآيات والمعجزات والنصوص الكثيرة من الطرفين، ثمّ إنّ كتب علماء العامّة والخاصّة مشحونة ببيان آية التبليغ الدالة على وصاية أمير المؤمنين، وكذا ساير الآيات التي تقدّمَت الإشارة إليها، وأيضاً حديث الثقلين معروف من الطرفين بأسانيد عديدة، واحتجاجات أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السَّلام على وصايتهم كثيرة مذكورة في الكتب المصدرية، هذا كلّه مع أنّ العقل يقضي بأنّ كبيراً إذا جاء بأمر خصوصاً بمثل قرآن له بطن بل وبطون لهداية الخلق، وجاء بقوانين وشريعة وعلوم غزيرة، كيف يمكن أنْ يترك أمّته بعده بدون نصب مَن يكون بمنـزلته في التبليغ والبيان ويرضى لأمّته الإنحراف من بعده؟! هذا لا يحكم به العقل، بل يحكم بخلافه، كيف لا؟ مع أنّا نرى أنه لو أسّس رجل تأسيساً مهمّاً أو اخترع اختراعاً ذا أهميّة وآثار،كيف يمكن إهمال تلك المؤسَّسة أو هذا الإختراع إذا سافر مثلاً بأنْ لا ينصب لها مَن يكون عارِفاً بأمورها، هذا في سفر الدنيا، فكيف إذا أراد السفر إلى الآخرة، فهل يحكم العقل بجواز إهمالها بدون نصب عارفٍ مدبّرٍ لأمورها؟ كلاّ، ولعمري إنّ هذا بديهيٌّ بحكم العقل، فما ظنُّكَ بالرّسالة الإلهيّة العظمى، كيف يجوز أنْ يهمل الأمّة بدون نصب وصيّ أو خليفة؟ مضافاً إلى أنّ سيرة الرّسول الأكرم تقتضي التنصيص على الخليفة بعده؛ لأنه أشفق بالأمة من الوالد على ولده، ولهذا لم يقصّر في إرشاد أمور جزئيّة مثل ما يتعلّق بدخول المسجد والخروج منه، بل وضّح أحكام الدّخول إلى الحمّام وكيفية الإغتسال والإستنجاء وقصّ الشارب واللحية والأظافر وآداب الجماع إلى غير ذلك مما تحتاجه الأمّة حتى إرش الخدش، فهل يتصوّر ـ والحال هذه ـ أنْ يهمل أمر أمته فيما هو من أهمّ الواجبات وأعظم المهمات، ولا ينص على مَن يتولّى أمرهم بعده؟ كما إنه صلوات ربي عليه وآله لم يفارق المدينة قط إلاّ وخلّف فيها مَن ينوب عنه، ولا أرسل جيشاً إلاّ وأمّر عليه كما تقتضيه الإدارة والسياسة، وعليه فكيف يمكن أنْ يتركهم في غيبته الدائمة معرضاً للفتن، وغرضاً لسهام الخلاف على قرب عهدهم بالكفر، وتوقع الإنقلاب منهم ووجود مَن مَرَدوا على النفاق، وتربّص الكفار بهم الدوائر كما نطقت به آيات الكتاب الكريم، وكيف لم يطالبه المسلمون على كثرتهم بنصب إمامٍ لهم مع طول مرضه وإعلامه مراراً لهم بموته؟ فلمّا لم يقع الطلب منهم مع ضرورة حاجتهم إلى إمام علم انه قد أغناهم بالبيان الّذي علمه الشاهد والغائب وهو نص الغدير حيث دلّ على خلافة أميـر المؤمنين عليّ (عليه السلام)، فثبـت المطلـوب علـى الوصاية.(7) وبالجملة: فالوصاية هي نوع من الخلافة العامّة، فالوصاية أخصّ من الخلافة وأثر من آثارها، فهم عليهم السَّلام خلفاء الله تعالى وأوصياء رسوله الكريم كما تُطلق وصايتهم عن الله تعالى، فإذا أُضيفَتْ إلى الله تعالى تفيد معنى الخلافة بلا إشكال. وبهذا يتبيّن معنى قوله: "السَّلام عليكَ يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديِّين، السَّلام عليكَ يا وصيَّ الأوصياءِ الماضين". فالإمام المهديّ (عليه السلام) خليفةُ الله تعالى تماماً كخلافة أبينا آدم (عليه السلام)، فإذا وجب سجود الملائكة لآدم (عليه السلام) لكونه يحمل الأسماء؛ فإنّ السجود لمولانا الإمام المهدي (عليه السلام) يكون بطريقٍ أَوْلَى، بمعنى أنّ الملائكة لا بدّ أنْ تسجد له قبلةً إلى الله تعالى؛ حيث هو المعلِّم لهم، ولولا وجوده المقدَّس (عليه السلام) هو وآبآؤه الطاهرون عليهم السَّلام لَمَا خُلِقَ آدم ومَن بعده من الأنبياء والمرسَلين؛ ففي الحديث: "لولاكَ لَمَا خَلَقْتُ الأَفْلاكَ" "ولولا محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ما خَلَقْتُ شمساً مضيئة ولا قمراً منيراً ولا أرضاً مدحيّة ولا سماءً مبنيّة..". كما لا شكّ بأنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو خليفة آبآئه المهديِّين؛ إذ هو الوارث لهم والناشر لمعارفهم الإلهيّة وينوب عنهم في بسط العدل والقسط والطمأنينة والسلامة والرّاحة يوم ظهوره الأقدس، وكيف لا يكون خليفة الله ومعه من الأسماء اثنان وسبعون حرفاً، فقد رُوي عن جابر عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثةٍ وسبعين حرفاً؛ وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الإسم الأعظم إثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ واحدٌ عند الله تعالى استأثر به في عِلْم الغيب عنده، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم".(8) وفي خبرٍ آخر عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ عيسى ابن مريم عليهما السَّلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما، وأُعطي موسى أربعة أحرف، وأُعطي إبراهيم ثمانية أحرف، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً، وأُعطي آدم خمسةً وعشرين حرفاً؛ وإنّ الله تعالى جمع ذلك كله لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم؛ وإنّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون، أُعطي محمّد اثنين وسبعين حرفاً وحُجِبَ عنه حرفٌ واحد.(9) كما إنه ـ روحي فداه ـ له شباهة بالأنبياء والمرسَلين والأئمّة نعرضها في الفصلين الآتيَيْن. الفصل الأوّل: شباهته روحي فداه بجمعٍ من الأنبياء العِظام (عليهم السَّلام) شباهة آدم به (عليه السلام) وكذا الأنبياء: الإمام (عليه السلام) شبيه الأنبياء من حيث وراثته المطلقة لهم، وإن كان من الجائز القول بأنهم كانوا يتشبهون به لكونه أفضل منهم كما أفادت الأخبار القطعيّة. ووجه الشبه بينه وبين آدم هو أنّ الله ورّث الأرض جميعها لآدم (عليه السلام) وجعله خليفة فيها وعليها، فقال: (إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة). والإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) يورّثه الله تعالى جميع الأرض أيضاً ويجعله خليفة عليها. فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وعد اللهُ الّذين آمَنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض) أنه القائم المنتظر (عليه السلام) وأصحابه ويقول حين ظهوره بمكّة ماسحاً يده على وجهه: "الحمد لله الّذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنِعمَ أجرُ العاملين". وورد عنه (عليه السلام) أنه قال: ويخرج وعلى رأسه غمامة فيها منادٍ ينادي هذا المهديّ خليفة الله فاتّبعوه. والإمام المهديّ ـ روحي فداه ـ وإنْ كان شبيه النبيّ آدم (عليه السلام) في الخلافة لكنّ وجه الفرق بين الخلافتين ـ أي خلافة نبيّ الله تعالى آدم (عليه السلام) وخلافة صاحب العصر والزمان (عليه السلام) ـ واضح من حيث شموليّة خلافة مولانا الإمام الحجّة وضيق خلافة النبي آدم (عليه السلام)، فخلافة الإمام المهديّ (عليه السلام) مطلَقة لا تقييد فيها، وخلافة النبيّ آدم (عليه السلام) بشرط شيء وهو الإعتقاد بخلافة مولانا الإمام الحجّة (عليه السلام)، إذ لم يصرّ آدم (عليه السلام) خليفة إلاّ بشرط الإعتقاد بولاية العترة الطاهرة؛ إذ ما من نبيٍّ أو رسول صار نبياً أو رسولاً إلاّ بأخْذ الميثاق عليه في عالَم الأرواح، وقد اشار إلى هذا المعنى ما ورد في الأخبار الصحيحة سنداً، ومنها صحيحة محمّد بن الفضيل عن مولانا الإمام أبي الحسن (عليه السلام) قال: ولاية عليّ (عليه السلام) مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعـث الله رسـولاً إلاّ بنبوّة محمّـد ووصيّة عليّ عليهمـا السَّلام.(10) وفي صحيحة عبد الأعلى قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما من نبيٍّ جاء إلاّ بمعرفة حقّنا وتفضيلنا على مَن سوانا.(11) وفي صحيحة بكير بن أعين قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية وهم ذرٌّ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ والإقرار له بالربوبيّة ولمحمّد بالنبوّة.(12) يظهر من الخبر الأخير أنّ الله تعالى أخذ الميثاق على الذّرّ أي على الخلق أجمعين وشبههم بالذّر لصغر الأجزاء التي تعلقت بها الأرواح عند الميثاق، وذلك عند كونهم في صلب مولانا آدم (عليه السلام) أو بعد إخراجهم منه، قال المحدّث الأسترآبآدي: إنّ الأرواح تعلّقت ذلك اليوم بأجساد صغيرة مثل النمل، فأخذ منهم الميثاق بالولاية وغيرها.(13) إشكالٌ وحلّ: كيف يكون الله قد أخذ على الخلق الميثاق وهم لم يتذكّروا شيئاً من ذلك اليوم؟ والجواب: إنّهم لمّا غفلوا عن تذكّره في عالَم الأبدان إلاّ مَن شاء الله؛ إمّا لعدم شرط التذكّر وإمَّا لوجود مانع منه، لذا فإنّ بعث الله تعالى الأنبياء للناس هو بمثابة تكليفٍ ثانٍ لهم لدفع الغفلة وإكمال الحجّة، ويشهد لِمَا قلنا ما ورد في حسنة بكير بن أعين قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية بنا وهم ذرٌّ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ بالإقرار بالرّبوبيّة ولمحمّد بالنبوّة وعرض الله عزّ وجلّ على محمّد أمّته من الطين وهم أظلّة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه وعرّفهم رسول الله وعرّفهم عليّاً (عليه السلام) ونحن نعرفهم في لحن القول.(14) وحسبما ورد عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) عن الله تعالى قال: "إني أنا الله لا إله إلاّ أنا، عالم السرّ وأخفى، وأنا المطّلع على قلوب عبادي، لا أحيف ولا أظلم ولا ألزم أحداً إلاّ ما عرفته منه قبل أنْ أخلقه".(15) ويشهد لهذا أيضاً ما ورد في صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الستُ بربّكم قالوا بلى) قال (عليه السلام): ثبتت المعرفة ونسوا الوقت وسيذكرونه يوماً، ولولا ذلك لم يدرِ أحدٌ مَن خالقه ولا مَن رازقه.(16) بل في بعض الأخبار المتضافرة أنّ الله تعالى أخذ الميثاق للإمام المهديّ بالنصرة، منها ما ورد عن حمران عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنّ الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أُجاجاً فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عَرْكاً شديداً فقال لأصحاب اليمين وهم فيها كالذر يدُبُّون إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال يدبون إلى النار ولا أبالي. ثمّ قال: (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أنْ تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين) قال: ثمّ أخذ الميثاق على النبيين فقال: ألست بربّكم؟ ثمّ قال: وأنّ هذا محمّداً رسول الله، وأنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى. فثبتتْ لهم النبوة وأخَذَ الميثاق على أولوا (أُولي) العزم ألا إني ربّكم، ومحمّد رسولي، وعليّ أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي، وأنّ المهديّ أنتصر به لديني، وأُظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأُعْبَدُ به طوعاً وكرهاً؟ قالوا: أقررنا وشهدنا يا ربّ. ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبَتَت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ، ولم يكن لآدم عزمٌ على الإقرار به وهو قوله عزّ وجلّ: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً) قال: إنما يعني فترك. ثمّ أمر ناراً فأُجِّجَتْ فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال: يا ربّ أقلنا، فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها، فَثَمَّ ثبتت الطاعة والمعصية والولاية).(17) وخلاصة القول: إنّ خلافة مولانا الإمام الحجّة بن الحسن مرسَلة ومطلَقة بعكس خلافة أبينا آدم (عليه السلام)؛ حيث كانت مشروطة بولاية آل محمّد دون العكس إذ لم يشترط الله على أئمتنا ولاية أحد عليهم، من هنا كانت خلافة الإمام المهديّ (عليه السلام) على مَن سبقه ومَن سوف يأتي من بعده، لذا ورد في زيارته المقدَّسة: "أشهد أنّكَ الحجّةُ على مَن مضى ومَن بقي". وحسبما ورد في الزيارة الجامعة: "ورضيكم خلفاء في أرضه" إذ لم يرتضِ الخلافة المطلَقة لأحد غيرهم لأنّ ارتضاءَه كونهم خلفاء له يدلّ على شموليّة ما عندهم دون غيرهم من خلفاء الله كالأنبياء والمرسَلين والأولياء الصّالحين، هذا مضافاً إلى أنّ الله تعالى حينما جعل آدم (عليه السلام) خليفة لم يجعله كلمةً تامّةً كما حصل لمولانا الإمام المهديّ (عليه السلام)، فقارن بين قوله تعالى: (إني جاعلٌ في الأرض خليفة) وبين قوله: (وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فِعْلَ الخيرات وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (الأنبياء/73) ونظيرها قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السّجدة/24). وفي نصوص مستفيضة عنهم عليهم السَّلام لا يوجد لفظ "منهم" ففي خبر حفص بن غياث عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فصبر رسول الله في جميع أحواله ثمّ بشّر بالأئمّة من عترته ووصفوا بالصّبر فقال:(وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).(18) وعن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: نـزلت هذه الآية: (وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) في وِلْد فاطمة عليها السَّلام خاصّة وتلا الآية.(19) وعلى فرض وجود كلمة "منهم" فتعني أنّ من ذرّيّة الصّدّيقة أئمّة؛ وحيث إنّ آل البيت عليهم السَّلام أئمّة فالإمام أعظم رتبةً عند الله من الأنبياء والمرسَلين بدليل أنّ إبراهيم (عليه السلام) شُرِّفَ بالإمامة بعدما كان نبياً مرسَلاً (إني جاعلكَ للناس إماماً)؛ ولأنّ الإمامة لا ينالها إلاّ مَن وطّن نفسه على البلاء والصّبر عليه، قال تعالى: (وما يُلَقّاها إلاّ الّذين صبروا وما يُلَقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم) (فصلت/35)، وفي آية أخرى: (وما يُلَقّاها إلاّ الصّابرون) (القصص/80). إنْ قيل لنا: إنّ خبر حفص بن غياث يشير إلى أنه ليس في الآية لفظ "منهم"، وهو يخالف السياق القرآني إذ إنّ الآية في تعداد النِّعَم الإلهيّة على بني إسرائيل حيث جعل (عزّ وجل) منهم أئمّةً، وهذا السياق مقدَّم على الخبر، لذا لا يصحّ الأخذ به. والجواب: ليس السياق حجّةً عندنا نحن الشيعة الإماميّة؛ لأنّ نزول الآيات كان متفرِّقاً وفي موارد متعدّدة، وعليه فكيف يكون حجّةً حينئذٍ؟! وعلى فرض الرّكون إليه في بعض الموارد فلا يمنع من الأخذ بخلافه إذا دلّ خبر صحيح عليه بحيث يكون مصداقاً من مصاديق الآية أو بطناً مـن بطونها حسبما أشارت إلى ذلك الأخبار المتظافرة عنهم عليهم السَّلام، وقد ذكرنا وجه عدم حجية السياق القرآني في كتابنا أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد فليراجع ففيه فوائد جمّة. وبالجملة؛ فأئمتنا عليهم السَّلام هم أهل الصبر، وليس هناك مَن هو أصبر منهم، ولو كان في الوجود أشخاصٌ اصبر من الأئمّة عليهم السَّلام لكانوا أفضل من أئمّتنا، وهذا خلف ما ورد في الآيات كآية التطهير وآية الولاية وغيرهما من أنهم عليهمّ السَّلام أفضل خلق الله تعالى على الإطلاق، وما جاء في خبر ضعيف من "أنّنا صُبَّر وشيعتنا أصبر منّا" لا يمكن الإعتماد عليه وذلك لضعفه سنداً ولمخالفته للكتاب والأخبار الصحيحة عندنا وأحكام العقل السّليم، فيُضرَب هذا الخبر بعرض الجدار لمخالفته للأسُس العقيديّة عندنا، أمّا مخالفته للكتاب الكريم فلأنّ وجود مَن هو أصبر منهم يستلزم أفضليته عليهم مع أنّ الله تعالى طهّرهم بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)، وأمّا مخالفته للأخبار فلما دلّ منها على علوّ مقامهم عليهم السَّلام وأنهم القمّة في الصبر والصدق والطهارة، فعدم صبرهم بسبب وجود مَن هو أصبر منهم خلاف الطهارة. وأمّا العقل فلحكمه بعـدم جـواز تقديم المفضـول على الفاضل. الهوامش (1) تفسير البرهان:4/50. (2) كمال الدين:308 باب28ح1. (3) كمال الدين:311 باب28ح2. (4) بحار الأنوار:36/192ح1. (5) بحار الأنوار:36/193ح2. (6) بحار الأنوار:36/226ح1. (7) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد:1/20و530. (8) أصول الكافي:1/230. (9) أصول الكافي:1/230. (10) أصول الكافي:1/437ح6. (11) أصول الكافي:1/437ح4، ومرآة العقول:5/164. (12) أصول الكافي:1/437. (13) مرآة العقول:5/161. (14) أصول الكافي:1/437ح9. (15) بحار الأنوار:5/231. (16) بحار الأنوار:5/243ح32 وصفحة257ح58. (17) بصائر الدّرجات:2/90 باب7ح2، والكافي:2/8ح1، وإثبات الهداة:1/461 باب9ح89، وبحار الأنوار:26/279 باب6ح22. (18) تفسير البرهان:3/289. (19) تفسير البرهان:3/289. ****************** ومن وجوه الشَّبَه بين مولانا آدم (عليه السلام) ومولانا الإمام الحجّة (عليه السلام): إنّ مولانا آدم (عليه السلام) بكى على ترك الأَوْلَى (الخطيئة) حتى تقرّح خدّاه من كثرة الدّمع، فبكاؤه كان على نفسه، أمّا مولانا الإمام الحجّة (عليه السلام) فكان ولا يزال بكاؤه على جدّه الإمام الحسين (عليه السلام) وشتّان ما بين البكاءَين؟! فقد ورد في زيارة الناحية: ((فلأندبنَّكَ صباحاً ومساءً ولأبكيَنَّ عليكَ بدل الدموع دماً)).(1) هذا مضافاً إلى أنّ سبب بكاء آدم (عليه السلام) هو ترك الأوْلَى، وتَرْك الأَوْلَى بالنسبة لنبيٍّ كريم عدمُ كمال في بعض مقامه، لكنّ مولانا الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف لم يُعْهَد منه ولن يُعْهَد منه تَرْك الأَوْلَى، كيف؟ وقد كشف عنه عزّ وجلّ بقوله: (ويطهّركم تطهيراً)، فمَن وصل إلى مقام التطهير المطلَق لا يصدر منه ما يخالف ذاكَ التطهير؟ فلو فرضنا صدور تَرْك الأَوْلَى عن مولانا الإمام الحجّة (عليه السلام) ـ وفرض المُحال ليس محالاً ـ؛ فإنّ ذلك يتنافى مع إطلاق التطهير الوارد في الآية الشريفة، مضافاً لاستلزامه تكذيب المولى عزّ وجلّ بتطهيرهم المطلَق، عدا عن أنّ ترْك الأولى حينئذٍ ينمُّ عن عدم إحاطة الآية الشريفة بكلّ كيان الإمام (عليه السلام) وهو خلف الأدلّة الدالّة على الإحاطة. ومن وجوه الشّبه بين النبيّ آدم (عليه السلام) ومولانا الإمام الحجّة (عليه السلام): إنّ النبيّ آدم (عليه السلام) عَلِمَ الأسماء كلّها، وهي التي احتاجها في مراحل تبليغه، أو بتعبير آخر أوضح عِلْم ما كان ويكون، ولم يعلم ما سيكون إلى انقضاء العالم، هذا كلّه على مسلك مَن فسّر "الأسماء" بغير ذوات المعصومين من عترة محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، أمّا على التفسير الصحيح للأسماء فإنه يُراد بها أسماء النبي وأهل بيته المطهرين فإنّ لهؤلاء صلوات ربي عليهم أسماء متعدّدة بكلّ اللغات واللهجات،كان يعلمها النبي آدم (عليه السلام)، عِلْماً حضورياً شهودياً، فتأمّل. والإمام المهديّ (عليه السلام) عَلِمَ ما عَلِمَهُ وما لم يعلَمَه آدم (عليه السلام)، فإنّ مولانا آدم (عليه السلام) أُعْطِيَ من الإسم الأعظم خمسةً وعشرين حرفاً، وأُعطِيَ مولانا الإمام المهديّ (عليه السلام) إثنين وسبعين حرفاً. مضافاً إلى أنّ ما عَلِمَهُ النبيّ آدم (عليه السلام) كان ببركة آل محمّد عليهم السَّلام، فآل البيت عليهم صلوات الله هم السّبب في تحصيل نبينا آدم (عليه السلام) للمعرفة؛ لأنّ المعلول يدور وراء العلّة، فلولا العلّة لَمَا وُجِدَ المعلول، ولولا السبب لَمَا وُجِدَ المسَبِّب، فلولا آل البيت لَمَا كان آدم (عليه السلام) نبيّاً وخليفةً في الأرض؛ فإذا كان آدم (عليه السلام) هو السّبب المتصل بين الله عزّ شأنه وبين الملائكة (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) لذا كان أفضل منهم، فمَن هو يا تُرى السّبب بينه وبين الله تعالى عزّ ذكره؟ فالله تعالى عندما خاطب النبيّ آدم (عليه السلام) لا بدّ أنْ يكون هناك سببٌ في الخطاب؛ إذ إنّ الباري عزّ شأنه عندما تكلّم مع آدم (عليه السلام) كان تكلّمه معه بواسطة صوت أوجده الباري (عزّ وجل)، ولا بدّ أنْ يكون هذا الصّوت أحبّ الأصوات إليه (جلّ جلاله)، ولا شكّ أنّ أحبَّها إليه (عزّ وجل) هو صوت مولانا الإمام عليّ المرتضى (عليه السلام)، وما يُدْرِينا لعلّ القائل لآدم (عليه السلام) (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لكونه سيّد آدم (عليه السلام) ومعلِّم آدم (عليه السلام)، ولولا مولانا عليّ (عليه السلام) لَمَا صار آدم (عليه السلام) نبيّاً؛ إذ بفضل ولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) صار المرسَلون عليهم السَّلام أنبياءً وحججاً. وزبدة المخض: إنّ الله تعالى ورّث الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) جميع العلوم التي كانت مع النبيّ آدم (عليه السلام)، ولا يمنع كونها (أي هذه العلوم التي كان يحملها النبيّ آدم (عليه السلام) بسببهم وبفضلهم عليهم السَّلام. ويشهد لِمَا قلنا ما ورد في الصحيح عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إنّ العِلْمَ الّذي نـزل مع آدم (عليه السلام) لم يُرْفَع، وما مات عالِمٌ إلاّ وقد ورّث عِلْمَهُ؛ إنّ الأرض لا تبقى بغير عالِم.(2) ومن وجوه الشَّبَه بين النبيّ آدم (عليه السلام) ومولانا الإمام الحجّة (عليه السلام): إنّ الله (عزّ وجل) أحيى الأرض بعبادة الله بعد موتها بكفر بني الجان وطغيانهم، والإمام الحجّة (عليه السلام) يحيى الأرض بدين الله، وعبادته وعدله، وإقامة حدوده بعد موتها بكفر أهلها وظلمهم وعصيانهم. ورد عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (يحي الأرض بعد موتها) قال: يحيى الله (عزّ وجل) بالقائم بعد موتها، يعني بموتها كفر أهلها والكافر ميّت.(3) وفي خبرٍ عن مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) في تفسيره لقوله تعالى: (يحي الأرض بعد موتها) قال: ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل ولإقامة الحدّ فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً.(4) ولكن فرق بين إحياء آدم (عليه السلام) للأرض وإحياء الإمام (عليه السلام) لها، إذ إنّ إحياء آدم كان نسبياً وليس كليّاً، أمّا الإمام فإحياؤه للأرض يكون كلياً، مضافاً إلى أنّ آدم (عليه السلام) كانت وظيفته طرد الجان الفاسق، أمّا الإمام فوظيفته أصعب من حيث صعوبة ووعورة الإصلاح الّذي يتبنّاه الإمام (عليه السلام) بسبب وجود الفاسقين والمارقين من الجنّ والإنس. شباهته (عليه السلام) بالنّبيّ نوح (عليه السلام): من وجوه الشَّبَه بينهما أنّ نوحاً شيخ الأنبياء عاش خمسائة وألفي عام، والقائم الحجّة (عليه السلام) شيخ الأوصياء والأنبياء ولد عام خمس وخمسين ومائتين في الخامس عشر من شعبان، وهو إلى الآن ما يزال حيّاً،من هنا ورد عن الإمام السّجّاد (عليه السلام) قال: إنّ في القائم (عليه السلام) سُنّة من آدم ومن نوح وهي طول العمر. ولعلّ الحكمة في طول عمر نوح (عليه السلام) هي إثبات طول عمر الإمام الحجّة حتى لا يُعَيِّر أحدٌ من العامّة شيعةَ آل البيت عليهم السَّلام في بقاء الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) حيّاً. ومن وجوه الشَّبَه بينهما أيضاً: إنّ نوحاً (عليه السلام) طهّر الأرض من الكافرين فقال: (ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً)، والإمام الحجّة (عليه السلام) يطهِّرُ الأرضَ من الكافرين بحُسَامه حتى لا يُبْقِي منهم آثاراً. ولو تصفحنا مقاطع الأدعية الواردة بحقّ الإمام المهديّ ـ روحي لنعليه الفداء ـ لرأينا صحّة دعوانا المتقدّمة، ففي دعاء يوم الجمعة الوارد عن مولانا الإمام الرّضا (عليه السلام) قال: "وانصره بنصرك، وأيّده بجندك الغالب، وقوّه بقوّتك، واردفه بملائكتك، ووالِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وألبسه درعكَ الحصينة، وحفّه بالملائكة حفّاً، اللهمّ اشعب به الصّدع، وارتق به الفتق، وأَمِتْ به الجور، وأظهر به العدل، وزيّن بطول بقائه الأرض، وأيِّدْه بالنصر، وانصره بالرّعب، وقوِّ ناصرِيه واخذل خاذليه، ودمدم على مَن نصب له، ودمِّر مَن غشّه، واقتل به جبابرة الكفر عُمَدَه ودعائمه، واقصم به رؤوس الضلالة وشارعة البدع ومميتة السُّنة ومقوية الباطل، وذلِّل به الجبارين وأبِر به الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبرِّها وبحرهاوسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم ديّاراً ولا تُبقي لهم آثاراً، اللهم طهِّر منهم بلادك واشفِ منهم عبادكَ وأَعِزَّ به المؤمنين وأحي به سنن المرسلين ودارس حكم النبيين.(5) وفي دعاء زيارة آل ياسين: "اللهمّ صلّ على محمّد حجّتك في أرضك وخليفتك في بلادك، والدّاعي إلى سبيلك والقائم بقسطك والثائر بأمرك، وليّ المؤمنين وبوار الكافرين ومجلّي الظُّلمة ومنير الحق والناطق بالحكمة والصدّق وكلمتك التامة في أرضك المرتقب الخائف والوليّ الناصح سفينة النجاة وعلم الهدى ونور أبصار الورى وخير مَن تقمّص وارتدى ومجلّي العمى الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً إنّك على كلّ شيءٍ قدير، اللهمّ صلّ على وليّك وابن أوليائك الّذين فرضت علينا طاعتهم وأوجبت حقّهم وأذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيراً، اللهمّ انصره وانتصر به لدينك وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم، اللهمّ أعذه من شرّ كلّ باغٍ وطاغٍ ومن شرّ جميع خلقك واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن سماله واحرسه وامنعه من أنْ يوصَل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك وأظهِر به العدل وأيِّدْه بالنصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه واقصم به جبارة الكفر واقتل به الكفار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا من مشارق الأرض ومغاربها برّها وبحرها واملأ به الأرض عدلاً وأظهِر به دين نبيك صلّى الله عليه وآله واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته وأرني في آل محمّد ما يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون إله الحق آمين يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الرّاحمين". وفي زيارة أخرى رواها إبن طاووس: "السّلام على الحقّ الجديد والعالِم الّذي علمه لا يبيد، السّلام على محيي المؤمنين ومبير الكافرين...السّلام على صاحب الصمصام ـ السيف القاطع الّذي لا ينثني ـ وفلاّق الهام"، وفي صفة الصّلاة عليه ورد عنهم: "اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته، وصلّ على وليّ الحسن ووصيّه ووارثه القائم بأمرك والغائب في خلقك والمنتظِر لإذنكَ، اللهم صلّ عليه وقرِّب بُعْده وأنجِز وعده وأوفِ عهده، واكشِف عن بأسه حجاب الغيبة وأظهِر بظهوره صحائف المحنة، وقدِّم أمامه الرّعب، وثبِّتْ به القلب، وأَقِمْ به الحرب، وأيِّدْه بجندٍ من الملائكة مسوّمين، وسلِّطه على أعداء دينكَ أجمعين، وألهِمْه أنْ لا يدع منهم ركناً إلاّ هدّه، ولا هاماً إلاّ قدّه، ولا كيداً إلاّ ردّه، ولا فلاعون إلاّ أهلكه، ولا ستراً إلاّ هتكه، ولا عَلَماً إلاّ نكّسه، ولا سلطاناً إلاّ كسبه، ولا رمحاً إلاّ قصفه، ولا مطرداً إلاّ خرقه، ولا جنداً إلاّ فرّقه، ولا منبراً إلاّ أحرقَه، ولا سيفاً إلاّ كسره، ولا صنماً إلاّ رضّه، ولا دماً إلاّ أراقه، ولا جوراً إلاّ أباده، ولا حصناً إلاّ هدمه، ولا باباً إلاّ ردمه، ولا قصراً إلاّ خرّبه، ولا مسكناً إلاّ فتّشه، ولا سهلاً إلاّ أوطأه، ولا جبلاً إلاّ صعده، ولا كنـزاً إلاّ أخرجه، برحمتك يا أرحم الرّاحمين". ومن وجوه الشَّبَه: أنّ نوحاً صبر ألف سنة إلاّ خمسين عاماً على قومه، قال تعالى: (فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون). والإمام الحجّة (عليه السلام) صبر منذ أوّل إمامته إلى وقتنا الحاضر، وصبره وحلمه أعظم من حلم نوح (عليه السلام). ومن وجوه الشَّبَه بينهما أنّ مَن تخلّف عن نوح (عليه السلام) في ركوب السفينة غرق، ومَن تخلّف عن الإمام الحجّة (عليه السلام) هَلَكَ أيضاً. ونوح (عليه السلام) أخّر الله عزّ شأنه فرجه وفرَج أصحابه حتى رجع عنه أكثر القائلين به، وكذا الإمام الحجّة يؤخّر الله عزّ شأنه فرجه وفَرَج أوليائه حتى يرجع عنه أكثر القائلين به. ومن وجوه الشَّبه أنّ نوحاً (عليه السلام) يبلغ صوته شرق الأرض وغربها حين ندائه وصيحته، وكان هذا الحدّ أحد معجزاته، وأمّا الإمام القائم (عليه السلام) فيقف بين الرّكن والمقام حين ظهوره، فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي وأهل خاصّتي، ومَن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، إيتوني طايعين، فترِدُ صيحتُه (عليه السلام) عليهم وهم في محاريبهم وعلى فُرُشِهِم، في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أُذُن كلّ رَجُل، فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلاّ كلمحة بصر، حتى يكونوا كلّهم بين يديه بين الرّكن والمقام. شباهته (عليه السلام) بالنبيّ صالح (عليه السلام): فقد رُوي أنّ صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه فلمّا رجع إليهم أنكره كثيرٌ منهم، وكذا الإمام الحجّة بن الحسن (عليه السلام)؛ فإنّه يظهَر في صورة شاب دون أربعين سنة والنّاس بين موقِنٍ وشاكٍّ وجاحدٍ، فيدعوهم فينكرونه، فيقتلهم، والموقنون يطلبون منه العلامة فيريهم، فيبايعونه (عليه السلام). شباهة الإمام الحجّة (عليه السلام) بالنبيّ إبراهيم الخليل (عليه السلام): وجوه الشَّبه بينهما عليهما السَّلام عديدة: منها: أنّ سيّدنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) خفي حَمْلُهُ وولادته، والإمام الحجّة المهديّ (عليه السلام) كذلك. والنبيّ إبراهيم (عليه السلام) يشبّ (أي: يكبر وينمو) في اليوم كما يشبّ غيرُه في الجمعة، ويشبّ في الجمعة كما يشبّ غيرُه في الشّهر، ويشبّ في الشّهر كما يشبّ غيرُه في السّنة حسبما ورد في الأخبار، وكذا مولانا وسيّدنا الإمام الحجّة فقد ورد في خبر حكيمة رضي الله عنها أنها قالت: فلمّا كان بعد أربعين يوماً دخلتُ دار الإمام أبي محمّد (عليه السلام) فإذا مولاناصاحب الزّمان (عليه السلام) يمشي في الدّار فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته، فقال لي الإمام أبو محمّد: هذا المولود الكريم على الله عزّ وجلّ، قلتُ له: يا سيّدي له أربعون يوماًُ، وأنا أرى من أمره ما أرى؟ فقال (عليه السلام): يا عمّتي أمَا عَلِمْتِ أنّا معشر الأوصياء ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في جمعة، وننشؤ في الجمعة ما ينشؤ غيرنا في السَّنَة. ومن وجوه الشَّبه بينهما: أنّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) اعتزل الناس لقوله تعالى حكايةً عنه:(واعتزلكم وما تدعون من دون الله) والإمام الحجّة اعتزل الناس لانحرافهم عن دينه القويم وعدم أهليتهم للقائه والفوز بصحبته، آهاً لنفوسنا التي غرقت في بحر الآثام فلم تعُد تأنس إلاّ بالظُّلمة. ومن وجوه الشَّبه بينهما: أنّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) وقعت له غيبتان: الأولى: عند ولادته (عليه السلام) فبقي في الغار. الثانية: لمّا غاب عن قومه في العراق وذهب إلى فلسطين، وكذا الإمام الحجّة (عليه السلام) وقعت له غيبتان: الأولى: الغيبة الصغرى. الثانية: الغيبة الكبرى. ومن وجوه الشَّبه: أنّ النبي إبراهيم (عليه السلام) بنى البيت ووضع الحجر الأسود في مكانه المعروف: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّكَ أنتَ السّميع العليم) وللإمام الحجّة (عليه السلام) مثل ذلك حيث ورد عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم هدم المسجد حتى يردّه إلى أساسه، وحوّل المقام إلى الموضع الّذي كان فيه.(6) فالإمام المهديّ (عليه السلام) هو الّذي وضع الحجر الأسود في مكانه لمّا ردّه القرامطة، من هنا نورد قصّة لطيفة رواها صاحب "الخرائج والجرائح" بإسناده إلى أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال: لمّا وصلتُ بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة للحجّ، وهي السّنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همّي الظفر بمَن ينصب الحجر؛ لأنه مضى في أثناء الكتب قصّة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان، كما في زمان الحجّاج وضعه الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقرّ. فاعتللتُ علّةً صعبةً خفت منها على نفسي، ولم يتهيّأ لي ما قصدتُ له،فاستنبتُ المعروف بابن هشام، وأعطيتُه رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنيّة في هذه العلّة أم لا؟ وقلتُ: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنّما أندبك لهذا. فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت مكّة وعزم على إعادة الحجر بذلتُ لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمتُ معي منهم مَن يمنع عنّي ازدحام النّاس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حَسَن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضتُ من مكاني أتبعه، وأدفعُ الناس عني يميناً وشمالاً، حتى ظنّ بي الإختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤدة ولا أدركه. فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفتَ إليَّ فقال:هات ما معك، فناولتُهُ الرقعة، فقال من غير أنْ ينظر فيها: قل له:لاخوف عليكَ في هذه العلّة،ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع عليَّ الزمع حتى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلمّا كان سنة تسع وستين إعتلّ أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيّته، واستعمل الجدّ في ذلك. فقيل له:ما هذا الخوف؟ ونرجو أنْ يتفضّل الله تعالى بالسّلامة، فما عليكَ مخوفة. فقال: هذه السّنة التي خوّفت فيها. فمات في علّته.(7) في القصّة تنبؤاً للإمام بأنّ السائل لا يموت إلاّ بعد ثلاثين عاماً، فهذا يدلّ على أنّ عِلْمه ليس منحصراً في ليلة القدر حسبما يتصوّر السذج من أدعياء العلم، هذا مضافاً إلى أنّ شباهته بالأنبياء لا تستلزم أنْ يكون شبيهاً بهم في ترك الأولى، بل معناه شباهته بهم في الكمالات والفضائل. مضافاً إلى أنّ في القصة تأكيداً على عمل الرقعة الّذي كان متداولاً عند الشيعة منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا، وهي وسيلة من وسائل الإتصال الرّوحي والنفسي والفكري بالإمام الحجّة (عليه السلام) خلال الغيبة، وقد اشتُهر العمل بها منذ سفارة الوكلاء الأربعة صلوات الله عليهم في الغيبة الصغرى، وتشهد التجربة بقضاء الحوائج بها، فينبغي للمؤمنين التزوّد من الإمام الحجّة (عليه السلام) من خلالها بعرض حوائجهم فيها على جنابه الأقدس، وإلقائها في نهر أو بئرٍ مهجورة، ومَن لا يجيد الكتابة، فليقرأ حاجته على ورقة، ويضرب بإصبعه عليها خلال عرض حاجته على الإمام (عليه السلام). شباهته (عليه السلام) بالنبيّ يوسف (عليه السلام): أنّ يوسف كان أجمل أهل زمانه، أمّا الإمام المهديّ (عليه السلام) فأجمل منه لكونه ـ روحي فداه ـ أشبه الناس برسول الله وهو أجمل من يوسف ولكنّه لم يظهر على حقيقته الكاملة، وهذا من شؤون ولايتهم التكوينيّة. روي في إكمال الدين عن رسول الله قال: المهديّ من ولدي،، إسمه إسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، يكون له غيبة وحيرة يضلّ فيها الأمم، يقبل كالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً. وبسندٍ آخر عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله: "...كنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة حتى يُضلّ الخلقُ عن أديانهم فعند ذلك يُقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وحيث إنّ رسول الله ليس له نظير إلاّ الإمام المهديّ، نعلَم أنه بمثابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). ففي خبر عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: "...لم يُرَ مثل نبيّ الله قبله ولا بعده".(8) ملاحظة: مفاد الخبر: أنه ليس لرسول الله نظير من الأنبياء والأوصياء سوى أئمتنا عليهم السَّلام فهم أشبه الخلق برسول الله حسبما جاء في الخبر السابق أيضاً، وورد أيضاً أنّ مولانا عليّ الأكبر إبن الإمام الحسين (عليه السلام) كان أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خَلْقاً وخُلُقاً مما يقتضي القول بأنه (عليه السلام) على مستوىً عظيم من الفضيلة والعصمة. ورد في كتاب تبصرة الوليّ عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري قال: وجّه قوم من المفوضة والمقصّرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد العسكري (عليه السلام)، قال كامل: قلتُ في نفسي: أسأله عمّا أعتقد وهو: أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ مَن يعرف معرفتي وقال بمقالتي. فلمّا دخلتُ على سيّدي الإمام أبي محمّد، نظرتُ إلى ثياب بيضاء ناعمة عليه، فقلتُ في نفسي: وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ويأمر بمواساة الإخوان، وينهانا عن لباس مثله، فقال (عليه السلام) مبتسماً: يا كامل! وحَسَر عن ذراعيه، فإذا مَسْحٌ أسود خشن على جلده، فقال: هذا لله، وهذا لكم، فسلمتُ وجلستُ إلى باب عليه سترٌ مرخي، فجاءَت ريحٌ، فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر، من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال (عليه السلام): يا كامل بن إبراهيم واقشعررت من ذلك وأُلهمتُ أنْ قلتُ: لبّيكَ سيّدي: فقال (عليه السلام): جئتَ إلى وليّ الله وحجّته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلاّ مَن يعرف معرفتكَ وقال بمقالتك؟ فقلتُ: أي والله، فقال (عليه السلام): إذاً والله يقلّ داخلها، والله ليدخلها قومٌ يُقال لهم الحقيّة، قلتُ: يا سيّدي ومَن هم؟ قال (عليه السلام): قومٌ من حبّهم لعليّ (عليه السلام) يحلفون بحقّه، ولا يدرون ما حقّه وفضله ـ ثمّ سكَتَ صلوات الله عليه، ثمّ قال (عليه السلام): وجئتَ تسأله عن مقالة المفوضة؟ كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيّة الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول:(وما تشاءون إلاّ أنْ يشاء الله)، ثمّ رجع الستر إلى حالته ولم أستطع كشفه، فنظر إليَّ أبو محمّد (عليه السلام) مبتسماً فقال: يا كامل ما جلوسك وقد أنبأكَ بحاجتكَ الحجّة من بعدي، فقمتُ وخرجتُ ولم أعاينه بعد ذلك. ومن وجوه الشَّبَه بينهما: أنّ يوسف (عليه السلام) غاب زماناً طويلاً فدخل عليه أخوته فعرفهم وهم له منكرون، ومولانا الإمام الحجّة (عليه السلام) غاب عن الخلق وهو مع ذلك يسير فيهم ويعرِفَهم ولا يعرفونه. ويوسف أصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة، حيث رأى فيها ملِك مصر في المنام ما رأى. والإمام الحجّة (عليه السلام) يصلح الله أمره في ليلة واحدة فيجمع له فيها أعوانه من أقاصي البلاد، فقد ورد في إكمال الدين عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف (في نسخة: سُنّة من يوسف) يصلح الله عزّ وجلّ أمره في ليلة واحدة.(9) وفي حديث مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: في صاحب هذا الأمر سُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من يوسف، وسُنّة من محمّد.. إلى أنْ قال (عليه السلام): وأمّا من يوسف فالسجن والغيبة.(10) أقول: أنظر ايّها الموالي واعتبر وتأمّل في عظمة مصيبة مولاكَ الإمام وشدّة محنته، كيف صارت الدنيا بسعتها، والأرض برحبها سجناً له (عليه السلام)، بحيث لا يأمن أنْ يظهر لجور المعاندين ومعاندتهم، ومع ادّعاء الشيعة محبتهم له والإنتساب إليه، لكن هيهات زبدٌ كزبد السيل سرعان ما يتبخر، نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من العارفين بحقّهم ومن المضحّين في سبيلهم، وأنْ يعجّل فرَجَه ويسهّل مخرجنا بمخرجه وظهوره المبارَك. ومن وجوه الشَّبه بينهما: أنّ يوسف (عليه السلام) لبث في السّجن بضع سنين (فقد روي عن رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: عجبتُ من أخي يوسف (عليه السلام) كيف استغاث بالمخلوق دون الخالق وروي أنه صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: "لولا كلمته ما لبث في السّجن ما لبث"، وروي عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: جاء جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا يوسف مَن جعلكَ أحسن الناس؟ قال (عليه السلام): ربّي، قال: فمَن حبّبك إلى أبيك دون إخوانك؟ قال (عليه السلام): ربّي، قال: فمَن ساق إليكَ السيّارة؟ قال (عليه السلام): ربّي، قال: فمَن صرف عنكَ الحجارة؟ قال (عليه السلام): ربّي، قال: فمَن أنقذكَ من الجبّ؟ قال (عليه السلام): ربّي، قال: فمَن صرف عنكَ كيد النسوة؟ قال (عليه السلام): ربّي، قال: فإنّ ربّك يقول: ما دعاكَ إلى أنْ تنـزل حاجتكَ بمخلوقٍ دوني؟ إلبث في السجن بما قلت بضع سنين)(11) ، فزيادة السجن على النبي يوسف (عليه السلام) كان عقاباً لأنه ترك الأولى حيث استعان بالمخلوق العاصي، فهو جائزٌ إلاّ أنّ الأولى تركه لا سيّما للأنبياء، لذا لبث في السجن بضع سنين، أمّا الإمام الحجّة (عليه السلام) فلم يلبث في سجنٍ وإنما غاب عن أهل زمانه عقاباً لهم وليس له ـ روحي فداه ـ،فيشترك مع يوسف في ماهيّة الغيبة ويفترقان عن بعضهما بالأسباب الدّاعية إلى الغيبة، فالإمام القائم ضاقت عليه الدّنيا بما رحبت، فهو سجين مذ ولد إلى الآن، ويوسف غاب عن خاصّته وعامّته واختفى عن إخوته وأشكل أمره على أبيه يعقوب، مع قرب المسافة بينه وبين أهله وشيعته، والإمام القائم الحجّة (عليه السلام) غاب عن خاصته وعامته، فقد جاء في حديث محمّد بن مسلم الثقفي الطحّان قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) وأنا أريد أنْ أسأله عن القائم من آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئاً: يا محمّد بن مسلم إنّ في القائم من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم شبهاً من خمسة من الرُّسُل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد، صلوات الله عليهم: فأما شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته، وهو شابٌّ بعد كبر السنِّ، وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب عليهما السَّلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته، وأما شبهه من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان إلى أنْ أَذِنَ لببه عزّ وجلّ في ظهوره ونصره وأيّده على عدوّه. وأمّا سبهه من عيسى (عليه السلام): فاختلاف مَن اختلف فيه، حتى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتِلَ وصُلِب وأمّـا شبهه مـن جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآلـه وسلَّم فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله صلّى الله عليه وآله، والجبارين والطواغيت، وأنه يُنصَر بالسيف و الرُّعب، وأنه لا تُرَدُّ له راية. وإنّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليمانيّ (من اليمن) وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه.(12) عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) في بيان شباهته بجمعٍ من الأنبياء قال (عليه السلام): وأما شبهه من يوسف بن يعقوب، فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره عل أبيه النبي يعقوب (عليه السلام) مع قـرب المسافـة بينه وبين أبيـه وأهله وشيعته.(13) والفرق بين غيبته (عليه السلام) وغيبة النبي يوسف (عليه السلام)، هو أنّ النبي يوسف (عليه السلام) في الغيبة انقطعت صلته عن شيعته ومحبيه فلم يسمع عنهم شيئاً ولم يدروا بمكانه، أمّا الإمام الحجّة (عليه السلام) فإنّ أنفاسه الشريفة لا زالت ترافق محبّيه وعُشّاقه ومريديه، ففيضه لا يزال ينساب في قلوب خواصّ شيعته كما ينساب الماء في مسالك الأودية العميقة. إنه الحجّة على مَن مضى ومَن بقي، إنّه الإمام المطلَق، إنّه معلّم يوسف، إنّه وجه الله الّذي يتوجّه إليه الأولياء، إنّه الحبل المتصل بين الأرض والسّماء. شباهته بالخضر (عليه السلام): قبل بيان وجوه الشَّبه بينهما، أحبّ أنْ أذكر شيئاً مهمّاً وهو أنّ الخضر (عليه السلام) إنما صار وليّاً لأنه كان محبّاً للعترة الطاهرة، ويشهد لِمَا قلنا آية أخْذ المواثيق وهي على الأولياء والأنبياء بولاية العترة وهي قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين لمّا آتيتكم من كتابٍ وحكمة ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمنُنّ به ولتنصرنّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) وكـذا الأخبار الكثيرة الدّالّة على ذلك والتي منهـا حديث الكساء، وحـديث الأنوار، وحديث "لو لم يكن أمير المؤمنين عليّ زوجاً للصدّيقة الزهراء عليها السَّلام لم يكن لها كفوٌ منذ آدم..". إذن الصفات التي جعلت من الخضر وليّاً هي ما يلي: (1) ـ العبوديّة للمولى عزّ وجلّ والإخلاص له. (2) ـ المحبّة لآل البيت والسّعي نحوهم، ويشهد لهذا ما ورد في خبر أسيد بن صفوان صاحب رسول الله قال: لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إرتجّ الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم فجاء رجل باكٍ وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم من الله عز وجل، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وأشبههم به هدياً ونطقاً وسمتاً وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وعن المسلمين خيراً، قويتَ حين ضَعُفَ أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إذ هم أصحابه، كنتَ خليفته حقاً، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وضغن الفاسقين، فقمتَ بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيتَ بنور الله إذ وقفوا، ولو اتبعوك لهدوا، وكنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم قوتاً، وأقلهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأكبرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، وأشدهم يقيناً، وأحسنهم عملاً، وأعرفهم بالأمور، كنتَ والله للدين يعسوباً، أولاً حين تفرق الناس، وآخراً حين فشلوا، وكنتَ بالمؤمنين أباً رحيماً إذ صاروا عليكَ عيالاً، فحملتَ أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، كنتَ على الكافرين عذاباً صباً، وللمؤمنين غيثاً وخصباً فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزتَ سوابقها، وذهبتَ بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن، كنتَ كالجبل الذي لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، وكنتَ كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم ضعيفاً في بدنك قويا في أمر الله عز وجل متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله عز وجل، كبيراً في الأرض، جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وقوي بك الإيمان، وثبت بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً، فجللتَ عن البكاء، وعظمتْ رزيتكَ في السماء، وهدّتْ مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا من الله عز وجل قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً، كنتَ للمؤمنين كهفاً وحصناً، وعلى الكافرين غلظةً وغيظاً، فألحقك الله بنبيه ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وأبكى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ثم طلبوه فلم يصادفوه.(14) وجاء في خبر الحسن بن عليّ بن فضال قال: سمعتُ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام) يقول: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه وإنه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلم عليه وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.(15) من هنا جال الخضر (عليه السلام) في البلدان باحثاً عن عين الحياة، التي مَن شرب منها بقي حيّاً، وهو لم يطلب الحياة ليتلذّذ بها؛ وإنّما ليخدم خاتم الأوصياء مولانا الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام). والخبران المتقدمان يشهدان على عِظَم علاقة الخضر (عليه السلام) بأئمّة أهل البيت عليهم السَّلام وأنه كان مستغرقاً بحبهم، ومن القبيح عقلاً وشرعاً أنْ يؤنس اللهُ تعالى الإمام برَجُلٍ لا يحبه الإمام (عليه السلام) أو لا يُحبّ الإمامَ (عليه السلام)، فالإستئناس فرع المحبّة والمعرفة. (3) ـ الجهاد بقسميه: الأصغر والأكبر. هذه الصفات الثلاث مجتمعة جعلَت من العبد الصالح وليّاً لله تعالى، بل جَعَلَتْ منه سيّداً على النبيّ موسى (عليه السلام) حيث أمره الله سبحانه أنْ يتّبع الخضر ليقتبس منه عِلْماً. وجوه الشّبه بين الخضر (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام): (1) ـ إنّ الخضر (عليه السلام) طويل العمر، وهذا ثابت عند الفريقين، ويدلّ عليه أخبار كثيرة منها ما ورد(16) عن داود الرقّي قال: خرج أخَوان لي يريدان المزار فعطش أحدهما عطشاً شديداً، حتى سقط من الحمار، وسقط الآخر في يده، فقال: فصلّى ودعا الله ومحمّداً وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السَّلام كان يدعو واحداً بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمّد (عليه السلام) فلم يزل يدعوه ويلوذ به، فإذا هو برَجُل قد قام وهو يقول: يا هذا ما قصّتك، فذكر له حاله، فناوله قطعة عود وقال: ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه واستوى جالساً، ولا عطَش به، فمضى حتى زار القبر فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدّعاء المدينة فدخل على مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) فقال له: إجلس ما حال أخيكَ؟ أين العُود؟ فقال: يا سيّدي إني لمّا أُصبتُ بأخي اغتممتُ غمّاً شديداً فلمّا ردّ الله تعالى عليه روحه نسيتُ العُود من الفرح، فقال الإمام الصادق (عليه السلام): أما إنه ساعة صرت إلى غمّ أخيكَ أتاني أخي الخضر، فبعثت إليكَ على يديه قطعة عودٍ من شجرة، ثمّ التفتَ (عليه السلام) إلى خادمٍ له فقال (عليه السلام): عليَّ بالسفط فأتى به، ففتحه واخرجَ منه قطعة من العُود بعينها، ثمّ أراها إيّاه حتى عَرَفها، ثمّ ردّها إلى السفط. ملاحظة: في هذا الخبر إشارتان مهمّتان: الأولى: التوسّل بالأئمّة في جَلْب الخير ودفْع الشّر، من هنا نلاحظ أنّ الرّجلين كادا يموتان من العطش، فرفع الإمام الصّادق (عليه السلام) عنهما شرّ ذلك. الثانية: إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) بعث بالخضر ومعه قطعة عود من شجرة طوبى من الجنّة، مما يُفهم منه أنّ الخضر (عليه السلام) خادمٌ عند الإمام الصّادق (عليه السلام) وبقيّة الأئمّة عليهم السَّلام. مضافاً إلى ما عندهم من القدرة على تناول ثمار الجنّة أو الأخذ منها ما يشاءون، كيف لا وقد خلقها الله تعالى لهم. (2) ـ ومن وجوه الشبه أنّ الله أعطاه القدرة على التصوّر كيف شاء، حسبما روى صاحب المكيال نقلاً عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره، وكذا أعطى الله عزّ شأنه الإمامَ الحجّة المهديّ (عليه السلام) القدرة على ذلك، وذلك يندرج تحت الولاية التكوينيّة الموهوبة بأقصى درجاتها إليه (عليه السلام). (3) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) كان مأموراً بعِلْم الباطن والنّبيّ موسى (عليه السلام) كان مأموراً بالظاهر، والباطن أفضل من الظاهر، لذا أمر الله موسى بإتباعه (هل أتبعك على أنْ تعلِّمنِ مما عُلِّمْتَ رشداً.. قال إنّكَ لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لكَ أمراً، قال فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحْدِثَ لكَ منه ذِكراً). (4) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) مأمور بالعِلْم الباطني من هنا قتل الغلام بعد أنْ حكم عليه بالكفر من دون بيّنة ظاهريّة (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلتَ نفساً زكيّة بغير نفسٍ لقد جئتَ شيئاً نُكراً) وسبب قتله للغلام هو أنه لو تركه يَكْبُر سوف يسبّب الكفر والطغيان لوالديه (وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن فحشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أنْ يُبدلهما ربُّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رُحْمَاً). فإذا كان الخضر (عليه السلام) وهو تلميذ آل محمّد قد أُوتي العِلم الباطني فإنّ لأستاذه وسيّده الإمام الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام) هذه المنـزلة بطريقٍ أوْلى كما هو مفاد الأخبار الصحيحة الدّالّة على أنّه يحكم من دون بيّنة يوم الظهور المبارَك. (5) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) لم تتضح صورةُ أفعاله لموسى (عليه السلام) إلاّ بعد كشْفه لذلك، والإمام الحجّة (عليه السلام) لا تتضح العلّة في غيبته كما ينبغي إلاّ بعد ظهوره وكشفه لذلك. (6) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) يحضر موسم الحجّ كلّ سنة فيؤدّي مناسك الحجّ، والإمام الحجّة القائم (عليه السلام) يفعل كذلك بل الخضر يؤديها مع الإمام ويقوم بتدبير أمر الإمام (عليه السلام). ونلاحظ من خلال مطالعة سورة الكهف أنّ موسى والخضر عليهما السَّلام تميّزا بصفتَيْن مهمَّتَيْن هما: الرّسالة والولاية، ونعني بالرسالة البعث الظاهري دون الباطني، بمعنى أنّ نبيّ الله موسى (عليه السلام) أُرسِلَ إلى عامّة الجنّ والإنس ظاهِراً، أمّا البواطن فلم تكن من مختصاته ولوازم رسالته؛ وإلاّ لَمَا أمَرَه الله باتّباع الخضر (عليه السلام) صاحب الولاية؛ حيث إنّ من لوازمها كشْف الباطن للظاهر. ومن لوازم الظاهر أنْ ينصاع إلى الباطن دون العكس، لذا كان نبينا موسى (عليه السلام) دائماً ما يؤكِّد على الخضر مسألة السّماح له بالبقاء معه ليقتبس منه عِلْمَاً مع أنّ موسى (عليه السلام) صاحب شريعة، لكنّ مشيّة الخضر (عليه السلام) ـ التي هي مشيّة آل البيت عليهم السَّلام ـ اشترطت على موسى (عليه السلام) أمْرَاً مهمّاً حتى يمكنه الإلتحاق برَكْب الخضر (عليه السلام)، هذا الأمر هو الصبر، فوافق موسى للوهلة الأولى على ذلك بقوله: (هل أتبعك على أنْ تعلِّمنِ مما عُلِّمْتَ رُشداً) فكان جواب الخضر المصيب للواقع بقوله: (إنّكَ لن تستطيع معيَ صبراً وكيف تصبرُ على ما لم تُحط به خُبراً) (قال ستجدني إنْ شاء الله صابراً ولا أعصي لكَ أمْراً). لا بدّ للسالك إلى عالَم الولاية أنْ لا يعترض على أمْر الله عزّ شأنه حتى يمكن له الوصول إلى باطن الملكوت، كما لا بدّ للتلميذ أنْ يسلّم للأستاذ فيما يرضي الله تعالى ويرضي الحجج الطاهرين (عليهم السلام) وإلاّ فإنّ الإعتراض لا يجرّ إلاّ الوبال والخسران من هنا أكّد الخضر على هذه الصفة ـ أي صفة الإنقياد التام بقوله:(فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أُحدِثَ لكَ منه ذكراً) لكنّ الفضول عند التلميذ لم يُبقِ فُسحةْ للأستاذ كي يملي عليه من علوم الباطن، فكان نصيب الإعتراض الخسران، مع أنّ الخضر (عليه السلام) أوصاه بعدم الإعتراض، لكنّ موسى (عليه السلام) لم يقْدر أنْ يصبر على ما رآه من خرق السفينة، وقتْل الغلام وغيرهما، فقال له الخضر (عليه السلام): (ألم أقل إنّكَ لن تستطيع معي صبراً) فكان جواب موسى (عليه السلام) المعتذر المقصّر بقوله: (لا تؤآخذني بما نسيت ولا تُرهقني من أمْري عُسْراً). ثمّ أكّـد لـه بقـوله:(وإنْ سألتكَ عن شيء بعدها فلا تُصاحبني قد بلغتَ من لدنّي عُذراً). أي إنْ كرّرتُ عليكَ السؤالَ، فعُذرُكَ معكَ حينئذٍ فيمكنكَ أنْ تتركني لأنني لا أستحقّ أنْ أصاحبكَ، وهكذا نتعلّم من موسى (عليه السلام) فلا نعصي للإمام امراً وإلاّ لكان الخسران حليفنا، بل علينا أنْ نتحلّى بالصبر لذا ورد بالدعاء المعروف بدعاء زمن الغَيْبة ويُقرَأ عصر يوم الجمعة: "وليِّنْ قلبي لوليّ أمركَ، وعافني مما امتَحَنْتَ به خلقكَ، وثبّتني على طاعة وليّ أمركَ الّذي سترته عن خلقكَ وبإذنكَ غاب عن بريّتكَ، وأمرَك ينتظرُ، وأنتَ العالِمُ غير المُعلّم بالوقت الّذي فيه صلاح أمر وليّك في الإذن له بإظهار أمره وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتى لا أحبّ تعجيلَ ما اخّرتَ ولا تأخير ما عجّلتَ، ولا كشْف ما سترتَ ولا البحث عمّا كتمتَ ولا أُنازعك في تدبيركَ ولا أقول لِمَ وكيف وما بال وليّ الأمر لا يظهَر وقد امتلأت الأرضُ من الجَور، وأفوضَّ أموري كلّها إليكَ، اللهمّ إني أسألكَ أنْ تُريني وليّ أمركَ ظاهراً نافذ الأمر مع علمي بأنّ لكَ السّلطان والقدرة والبرهان والحجّة والمشيئة والحولَ والقوّة فافعل ذلكَ بي وبجميع المؤمنين...".(17) فآفة عدم الوصول هي عدم الصّبر والإلتزام بالأوامر والأسرار، فعلى المؤمن السّالك الّذي يريد الوصول إلى شاطئ رحمة الإمام (عليه السلام) أنْ يتحلّى بالتقوى الظاهريّة والباطنيّة، فالظاهريّة هي أنْ يجتنب كلّ محرَّم أو مكروه، مع الإتيان بالواجبات والتحلّي بالمستحبّات والفضائل والكمالات، والتقوى الباطنيّة هي أنْ يجتنب كلّ ما يؤدّي إلى إزعاج خاطر الإمام (عليه السلام)؛ لأنّ التُّقى هو أنْ تأتي بكلّ ما هو محبوبٌ عند الإمام (عليه السلام)، وأنْ تترك كل ما هو مكروه لديه، وإلاّ فإنّ الإتيان بما يكره الإمام خلاف المحبّة التي يدّعيها المحبّون في زماننا هذا (إنّ المحبّ لمَن أحبَّ مطيعٌ). الهوامش (1) بحار الأنوار:98/237. (2) أصول الكافي:1/223 باب أنّ الأئمّة (عليهم السلام) ورثة العِلْم، حديث8. (3) بحار الأنوار:51/54ح37. (4) وسائل الشيعة:18/308 باب1ح4. (5) مفاتيح الجنان:724. (6) بحار الأنوار:52/338ح80. (7) الخرائج والجرائح:1/475ح18. (8) مكيال المكارم:1/67. (9) مكيال المكارم:1/187. (10) مكيال المكارم:1/187. (11) مجمع البيان:5/312. (12) كمال الدّين:1/327ح7. (13) مكيال المكارم:1/187. (14) كمال الدين:2/387ح3. (15) كمال الدين:2/390ح4. (16) بحار الأنوار:47/138. (17) مفاتيح الجنان:120. ****************** وجوه الشَّبه بينه (عليه السلام) وبين ذي القرنين (عليه السلام): إسم ذو القرنين "عيّاش" ويظهر من بعض الأخبار(1) أنّ أصل ذي القرنين من الإسكندريّة في مصر، كان وحيداً لأمّه العجوز، كان له أدب وخلق وعفّة مذ كان غلاماً إلى أنْ بلغ رجلاً، فصيّره الله ملِكاً بعد نوح (عليه السلام)، فهو أوّل الملوك بعد نوح (عليه السلام)، مَلَكَ ما بين المشرق والمغرب، قال عنه الله عزّ شأنه: (ويسألونكَ عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذِكْراً، إنّا مكّنا له في الأرض وآتيناه من كلّ شيء سبباً فأتبع سبباً)، ولُقِّبَ بذي القرنين؛ لأنّه مَلَك المشرق والمغرب، وفي خبر آخر: أنّ سبب تسميته بذي القرنين هو أنه دعا قومه إلى تقوى الله تعالى قبل أنْ يصبح ملِكاً، فضربوه على قرنه الأيمن، أي الجانب الأيمن من رأسه، فمات خمسمائة عام، ثمّ بعثه الله تعالى إليهم مرّة ثانية، فضربوه على قرنه الأيسر فأماته الله خمسمائة عام، ثمّ بعثه الله إليهم بعد ذلك فملّكه مشارق الأرض ومغاربها. فالصفات التي تحلّى بها ذو القرنين هي كالتالي: (1) ـ العبوديّة للمولى عزّ وجلّ وحبُّه لله تعالى، ورد في الخبر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث سألوه عن ذي القرنين أكان نبياً أم ملكاً؟ فقال (عليه السلام): "لا ملكاً ولا نبيّاً بل عبداً أحبّ الله فأحبّه الله، ونصح لله فنصح له، فمكّن له في الأرض وفيكم". (2) ـ كان حجّةً على جميع أهل العالَم، يروى في الخبر: أنّ الله تعالى رفعه إلى السّماء الدّنيا فكشط له عن الأرض كلّها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب وآتاه الله من كلّ شيء عِلْماً، يعرف به الحقّ والباطل، وأيّده في قرنيه بكسف من السّماء فيه ظلمات ورعدٌ وبرقٌ، ثمّ أُهبِطَ إلى الأرض وأوحى الله تعالى إليه: أنْ سِرْ في ناحية غرب الأرض وشرقها. (3) ـ كان يُوحى إليه ويشهد له الأخبار الكثيرة بأنّ الأئمّة محدَّثون مفهَّمون ومسدَّدون، من هذه الأخبار ما رواه الثقة الجليل أبو جعفر الكليني أعلى الله مقامه الشريف بإسناده عن: (أ) ـ الحكم بن عتيبة قال: دخلت على عليّ بن الحسين (عليه السلام) يوماً فقال: يا حكم هل تدري الآية الّتي كان عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام) يعرف قاتله بها ويعرف بها الأمور العظام الّتي كان يحدّث بها النّاس؟ قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقعت على علمٍ من علم عليّ بن الحسين أعلم بذلك تلك الأمور العظام قال: فقلت: لا واللّه لا أعلم قال: ثمّ قلت: الآية تخبرني بها يا ابن رسول اللّه قال: هو واللّه قول اللّه عزّ ذكره: (وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ) و لا محدّث))ٍ وكان عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام) محدّثاً فقال له رجل يقال له عبد اللّه بن زيدٍ كان أخا عليٍّ لأمّه: سبحان اللّه محدّثاً كأنّه ينكر ذلك فأقبل علينا أبو جعفرٍ (عليه السلام) فقال: أما واللّه إنّ ابن أمّك بعد قد كان يعرف ذلك قال: فلمّا قال ذلك سكت الرّجل فقال: هي الّتي هلك فيها أبو الخطّاب فلم يدر ما تأويل المحدّث والنّبيّ.(2) (ب) ـ عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عن رجلٍ عن محمّد بن مسلمٍ قال: ذكر المحدّث عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال: إنّه يسمع الصّوت ولا يرى الشّخص فقلت له: جعلت فداك كيف يعلم أنّه كلام الملك؟ قال: إنّه يعطى السّكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام ملكٍ.(3) (ج) ـ محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّدٍ عن الحسين بن سعيدٍ عن حمّاد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحارث بن المغيرة عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفرٍ (عليه السلام): إنّ عليّاً (عليه السلام) كان محدّثاً فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبةٍ فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفرٍ (عليه السلام) يقول: كان عليّ ع محدّثاً فقالوا: ما صنعت شيئاً أَلا سألته من كان يحدّثه فرجعت إليه فقلت: إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني فقالوا: ما صنعت شيئاً أَلا سألته من كان يحدّثه فقال لي: يحدّثه ملك قلت: تقول: إنّه نبيّ؟ قال: فحرّك يده هكذا أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنّه قال: وفيكم مثله.(4) وثمّة أخبار متواترة تشير إلى حقيقة من حقائق ذاك التسديد، فمن هذه الأخبار التي أورد الكليني (قدّس سرّه) قسماً منها: (أ) ـ صحيحة يحيى الحلبيّ عن أبي الصّبّاح الكنانيّ عن أبي بصيرٍ قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه تبارك وتعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) قال: خلق من خلق اللّه عزّ وجلّ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم يخبره ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده.(5) (ب) ـ صحيحة إبن مسكان عن أبي بصيرٍ قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (يسئلونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو مع الأئمّة وهو من الملكوت.(6) (ج) ـ حَسَنَة أبي أيّوب الخزّاز عن أبي بصيرٍ قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: (يسئلونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحدٍ ممّن مضى غير محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو مع الأئمّة يسدّدهم وليس كلّ ما طلب وجد.(7) (د) ـ وبالإسناد إلى محمّد بن يحيى عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفرٍ عن عليّ بن أسباطٍ عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن العلم أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرّجال أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) ثمّ قال: أيّ شيءٍ يقول أصحابكم في هذه الآية؟ أ يقرّون أنّه كان في حالٍ لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان فقلت: لا أدري جعلت فداك ما يقولون فقال لي: بلى قد كان في حالٍ لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتّى بعث اللّه تعالى الرّوح الّتي ذكر في الكتاب فلمّا أوحاها إليه علّم بها العلم والفهم وهي الرّوح الّتي يعطيها اللّه تعالى من شاء فإذا أعطاها عبداً علّمه الفهم.(8) (هـ) ـ وبالإسناد إلى محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن عليّ بن أسباطٍ عن الحسين بن أبي العلاء عن سعدٍ الإسكاف قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن الرّوح أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): جبرئيل (عليه السلام) من الملائكة والرّوح غير جبرئيل فكرّر ذلك على الرّجل فقال له: لقد قلت عظيماً من القول ما أحد يزعم أنّ الرّوح غير جبرئيل فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّك ضالّ تروي عن أهل الضّلال يقول اللّه تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عمّا يشركون) ينـزّل الملائكة بالرّوح والرّوح غير الملائكة صلوات اللّه عليهم.(9) مضافاً إلى ما ورد في بعض الأدعية الخاصة به (عليه السلام) الدالة على كونه ملهَماً مسدَّداً من قِبَلِ الله تعالى كقوله في الصلاة عليه: (ألهمه أن لا يدع منهم ركناً إلاّ هدّه ولا هاماً إلاّ قدّه، ولا كيداً إلاّ ردّه، ولا فاسقاً إلاّ حدّه...)(10) ، وفي زيارة أخرى: (السَّلام على المؤتمن على السر والوليّ للأمر) فمَن كان مؤتمناً على السرّ والولي للأمر لا بدّ أنْ يكون ملهَماً، مع التأكيد بأنّ بعض درجات الإلهام كان حاصلاً لبعض عباد الله الصالحين أمثال الخضر وذي القرنين وأمّ موسى ومريم، والسامري لكنه انحرف، وكذا بلعم بن باعورا، فإذا ثبت حصوله للأدنى، ثبت للأعلى بطريق أولى، وقد أسهبنا في موضوع الإلهام والعلم الحضوري في كتابنا "شبهة إلقاء المعصوم (عليه السلام) نفسه في التهلكة ودحضها"، فراجع تغنم. (4) ـ أنه كان يركب السحاب. كلّ هذه الصفات موجودة عند الإمام القائم المهديّ (عليه السلام)، فهو (عليه السلام) عبدٌ لله تعالى وحجّةً على عامّة خلقه، أي مطلَق الخلق الّذين كانوا والّذين سيكونون "أشهد أنّكَ الحجّة على مَن مضى ـ ومنهم ذو القرنين ـ ومَن بقي ـ ومنهم عيسى والخضر وإلياس حسبما جاء أيضاً في بعض الأخبار". أيضاً فإنّ الإمام (عليه السلام) سيركب السّحاب ويرقى الأسباب؛ أسباب السّماوات السّبع والأرضين السّبع،ويشهد لهذا ما رواه الصدوق بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله عز و جل حجة على عباده، فدعا قومه إلى الله و أمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ثم ظهر و رجع إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر و فيكم من هو على سنته، و إن الله عز و جل مكَّنَ لذي القرنين في الأرض و جعل له من كل شيء سبباً و بلغ المغرب و المشرق، و إن الله تبارك و تعالى سيجرى سنته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض و غربها حتى لا يبقى منهلاً و لا موضعاً من سهل و لا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، و يُظهِر الله عز و جل له كنوز الأرض و معادنها و ينصره بالرعب فيملأ الأرض به عدلاً و قسطاً كما ملئت جوراً و ظلماً.(11) وكذا ما رواه المجلسي أعلى الله مقامه الشريف نقلاً عن: (1) ـ ففي علل الشرائع وعيون الأخبار عن ابن سعيد الهاشمي عن فرات عن محمد بن أحمد الهمداني عن العباس بن عبد الله البخاري عن محمد بن القاسم بن إبراهيم عن الهروي عن الرضا عن آبائه عليهم السَّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لما عرج بي إلى السماء نوديت يا محمد فقلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي لك ولمن تبعك خلقت جنتي ولمن خالفك خلقت ناري ولأوصيائك أوجبت كرامتي ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا رب ومن أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد أوصياؤك المكتوبون إلى ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نوراً في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي، فقلت: يا رب هؤلاء أوصيائي بعدي؟ فنوديت: يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ولأملكنه مَشارِقَ الْأَرْضِ ومَغارِبَهَا ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.(12) (2) ـ وفي بصائر الدرجات والإختصاص بإسنادهما إلى أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي خالد وأبو سلام عن سورة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أما إن ذا القرنين قد خير السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب قال: قلت: وما الصعب؟ قال: ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع خمس عوامر واثنتان خرابان. (3) ـ وفي البصائر والإختصاص عن محمد بن هارون عن سهل بن زياد أبي يحيى قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله خيّر ذا القرنين السحابين الذلول والصعب فاختار الذلول وهو ما ليس فيه برق ولا رعد ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره للقائم (عليه السلام).(13) شباهته (عليه السلام) بموسى (عليه السلام) من وجوه: (1) ـ إنّ الله تعالى أخفى الحَمْلَ بموسى حفاظاً عليه من فرعون وجنوده لئلاّ يقتلوه حرصاً منهم على المُلْكِ، كذا الإمام الحجّة (عليه السلام) أخفى الله تعالى حَمْلَه في بطن أمّه للغاية نفسها. (2) ـ إنّ الله تعالى أخفى ولادة موسى (عليه السلام) عن الناس، وكذا أخفى الله ولادة الإمام الحجّة (عليه السلام) عن الناس. (3) ـ موسى (عليه السلام) غاب عن قومه غيبتين؛ إحداهما أطول من الأخرى، فالأولى غيبته عن مصر، والثانية حين ذهب إلى ميقات ربّه، ومدّة الأولى كانت ثمانيةً وعشرين سنة، ومدّة الثانية: أربعين ليلة لمّا ناجى ربّه على الطّور. والإمام الحجّة (عليه السلام) غاب عن قومه غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى الصغرى والكبرى. (4) ـ موسى كلّمه الله تعالى فقال: (يا موسى إنّي اصطفيتكَ على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتكَ وكن من الشاكرين) (الأعراف/144). والإمام الحجّة (عليه السلام) كلّمه الله عزّ شأنه حين رفع إلى سرادق العرش، ويشهد لهذا ما رواه المجلسي بإسناده إلى هارون بن مسلم عن سعدان البصري ومحمد بن أحمد البغدادي وأحمد بن إسحاق وسهل بن زياد الأدمي وعبد الله بن جعفر عن عدة من المشايخ والثقات عن سيدينا أبي الحسن وأبي محمد (عليه السلام) قالا: إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الإمام أنـزل قطرة من ماء الجنة في المزن فتسقط في ثمرة من ثمار الجنة فيأكلها الحجة في الزمان (عليه السلام) فإذا استقرت فيه فيمضي له أربعون يوماً سمع الصوت فإذا آنت له أربعة أشهر وقد حمل كتب على عضده الأيمن(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فإذا ولد قام بأمر الله ورفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه إلى الخلائق وأعمالهم وينـزل أمر الله إليه في ذلك العمود والعمود نصب عينه حيث تولى ونظر. قال أبو محمد (عليه السلام): دخلت على عماتي فرأيت جارية من جواريهن قد زينت تسمى نرجس فنظرت إليها نظراً أطلته فقالت لي عمتي حكيمة: أراك يا سيدي تنظر إلى هذه الجارية نظراً شديداً فقلت له: يا عمة ما نظري إليها إلا نظر التعجب مما لله فيه من إرادته وخيرته قالت لي: أحسبك يا سيدي تريدها فأمرتها أن تستأذن أبي علي بن محمد (عليه السلام) في تسليمها إلي ففعلت فأمرها (عليه السلام) بذلك فجاءتني بها. قال الحسين بن حمدان:حدثني من أثق إليه من المشايخ عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) قال: كانت تدخل على أبي محمد (عليه السلام) فتدعو له أن يرزقه الله ولداً وأنها قالت: دخلت عليه فقلت له كما أقول ودعوت كما أدعو فقال: يا عمة أما إنَّ الذي تدعين الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة وكانت ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين فاجعلي إفطارك معنا فقلت: يا سيدي ممن يكون هذا الولد العظيم فقال لي (عليه السلام) من نرجس يا عمة قال فقالت له: يا سيدي ما في جواريك أحب إليَّ منها وقمت ودخلت إليها وكنت إذا دخلت فعلت بي كما تفعل فانكببت على يديها فقبلتهما ومنعتها مما كانت تفعله فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها فقالت لي: فديتك فقلت لها: أنا فداك وجميع العالمين فأنكرت ذلك فقلت لها: لا تنكرين ما فعلت فإن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين فاستحيت، فتأملتها فلم أر فيها أثر الحمل فقلت لسيدي أبي محمد (عليه السلام): ما أرى بها حملا فتبسم (عليه السلام) ثم قال إنا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون وإنما نحمل في الجنب ولا نخرج من الأرحام وإنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات فقلت له: يا سيدي قد أخبرتني أنه يولد في هذه الليلة ففي أي وقت منها؟ قال لي: في طلوع الفجر يولد الكريم على الله إن شاء الله، قالت حكيمة: فأقمت فأفطرت ونمت بقرب من نرجس وبات أبو محمد (عليه السلام) في صفة في تلك الدار التي نحن فيها فلما ورد وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما بها أثر ولادة فأخذت في صلاتي ثم أوترت فأنا في الوتر حتى وقع في نفسي أن الفجر قد طلع ودخل قلبي شيء فصاح أبو محمد (عليه السلام) من الصفة لم يطلع الفجر يا عمة فأسرعت الصلاة وتحركت نرجس فدنوت منها وضممتها إلي وسميت عليها ثمّ قلت لها: هل تحسين بشيء قالت: نعم فوقع علي سبات لم أتمالك معه إن نمت ووقع على نرجس مثل ذلك ونامت فلم أنتبه إلا بحس سيدي المهدي وصيحة أبي محمد (عليه السلام) يقول يا عمة هاتي ابني إلي فقد قبلته فكشفت عن سيدي (عليه السلام) فإذا أنا به ساجداً يبلغ الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب(جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) فضممته إليَّ فوجدته مفروغاً منه ولففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد (عليه السلام) فأخذه فأقعده على راحته اليسرى وجعل راحته اليمنى على ظهره ثم أدخل لسانه في فيه وأمر بيده على ظهره وسمعه ومفاصله ثم قال له: تكلم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله وأنّ علياً أمير المؤمنين وليُّ الله، ثم لم يزل يعدد السادة الأئمة (عليه السلام) إلى أن بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه بالفرج على يده ثم أحجم قال أبو محمد (عليه السلام): يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وأتيني به فمضيت فسلم عليها ورددته ثم وقع بيني وبين أبي محمد (عليه السلام) كالحجاب فلم أر سيدي فقلت له: يا سيدي أين مولانا فقال أخذه من هو أحق به منك فإذا كان اليوم السابع فأتينا:فلما كان في اليوم السابع جئت فسلمت ثم جلست فقال (عليه السلام): هلمي ابني فجئت بسيدي وهو في ثياب صفر ففعل به كفعاله الأول وجعل لسانه (عليه السلام) في فيه ثم قال له تكلم يا بني فقال (عليه السلام): أشهد أن لا إله إلا الله وثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة حتى وقف على أبيه عليه السَّلام ثم قرأ(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ثم قال له: اقرأ يا بني مما أنـزل الله على أنبيائه ورسله فابتدأ بصحف آدم فقرأها بالسريانية وكتاب إدريس وكتاب نوح وكتاب هود وكتاب صالح وصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وفرقان جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ثم قصَّ قصص الأنبياء والمرسلين إلى عهده فلما كان بعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمد (عليه السلام) فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه (عليه السلام) ولا لغة أفصح من لغته فقال لي أبو محمد (عليه السلام) هذا المولود الكريم على الله عز وجل قلت له: يا سيدي له أربعون يوماً وأنا أرى من أمره ما أرى فقال (عليه السلام): يا عمتي أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في الجمعة وننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنة فقمت فقبلت رأسه فانصرفت فعدت وتفقدته فلم أره فقلت لسيدي أبي محمد (عليه السلام): ما فعل مولانا فقال يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسى (عليه السلام) ثم قال (عليه السلام): لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقفا به بين يدي الله عز وجل فقال له مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي عبادي آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذب اردداه أيها الملكان رداه رداه على أبيه رداً رفيقاً وأبلغاه فإنه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن أُحِقَّ به الحقَّ وأزهق به الباطل ويكون الدين لي واصباً ثم قالت: لما سقط من بطن أمه إلى الأرض وجد جاثياً على ركبتيه رافعاً بسبابتيه ثم عطس فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وصلى الله على محمد وآله عبداً داخراً غير مستنكف ولا مستكبر ثم قال (عليه السلام): زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة لو أذن لي لزال الشك.(14) (5) ـ موسى (عليه السلام) غاب عن قومه وعن غيرهم خوفاً من أعدائه قال تعالى:(فخرج منها ـ من مَدْيَن ـ خائفاً يترقّب). والإمام الحجّة (عليه السلام) غاب عن قومه وعن عامّة الخلق إلاّ الخُلَّص من شيعته، خوفاً من أعدائه. (6) ـ عانت شيعة النبيّ موسى (عليه السلام) أيامَ غيبته من التعب والمشقّة والذلّة؛ فإنّ أعداءهم كانوا يذبحون أبنائهم ويستحيون نسائهم، كذا يقع في شيعة الإمام ومحبّيه أيام غيبته، ليمحّص الله الّذين آمَنوا ويمحق الكافرين. ورد عن إبن أبي عقب قال: سمعتُ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) يقول: "كأنّي بكم تجولون جَوَلاَن الإبْل تبتغون مَرْعَى ولا تجدونها معشر الشيعة".(15) وورد في علامات زمان الغيبة حديث طويل رواه صاحب البحار، ونحن نورده هنا إتعاظاً وتذكيراً للمؤمنين: نقلاً عن الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير جميعا عن محمد بن أبي حمزة عن حمران قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال: إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي: يا با عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة، وفتح لنا من العز ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم قال: فقلت: ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال: أتحلف على ما تقول؟ قال: فقلت: إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك عليَّ فلا تمكِّنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا فقال لي: تذكر يوم سألتك هل لنا ملك؟ فقلت: نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دماً حراماً في شهرٍ حرامٍ في بلد حرامٍ؟ فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعل الله عز وجل أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا إنما هو حديث رويته ثم لعلَّ غيرك من أهل بيتك أن يتولى ذلك فسكت عني فلما رجعت إلى منـزلي أتاني بعض موالينا فقال: جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته، فقلت بيني وبين نفسي: هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي قال: فقلت: لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال: الآن سكن قلبي ثم قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أن لكل شيء مدة؟ قال: بلى، فقلت:هل ينفعك علمك؟ إنَّ هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين، إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضاً ولو جهدت وجهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيه من الإثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان (ولِلَّهِ العزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ولكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/8) ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا؟ فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووُجّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء، ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهراً لا ينهى عنه ويعذَّر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردُّ عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردُّ عليه قوله، ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة، ورأيت النساء يتزوجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقّرون ويحتقر من يحبهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً وسبيل الشر مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عُطّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله، ورأيت الرجال يتسمنون للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر وأظهروا الخضاب وأمشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال وكان صاحب المال أعز من المؤمن وكان الربا ظاهراً لا يعيّر وكان الزنا تمتدح به النساء، ورأيت المرأة تصانع زوجها إلى نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدُّون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلَّل، ورأيت الحلال يحرَّم، ورأيت الدين بالرأي وعطل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل، ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهن، ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدنيء من الطعام والشراب، ورأيت الأيمان بالله عز وجل كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يزوَّر ولا يقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عطلت وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح ويبشر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، ورأيت الخراب قد أديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان،ورأيت سفك الدماء يستخف بها، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استخف بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتم بما يقول الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يذم ويعير وطالب الحرام يُمدَح ويُعَظَّم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين، ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كل عام يحدث فيه من البدعة والشر أكثر مما كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم لا ينكر أحد منكراً تخوفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله، ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوء الناس حالاً عند الولد ويفرح بأن يفترى عليهما، ورأيت النساء قد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيباً حزيناً يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره، ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة ورياح أهل الحق لا تحرك، ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلي بالناس فهو لا يعقل ولا يشان بالسكر وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدث بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله يأخذون منها ويخلونهم وما يشتهون، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست. فكن على حذر واطلب من الله عز وجل النجاة واعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقباً واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه فإن نـزل بهم العذاب وكنت فيهم عجلت إلى رحمة الله وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل واعلم أن الله لا (يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وأن رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).(16) كما إنّ الشّيعة سيقعون في محنةٍ شديدةٍ أيّام السفياني، حتى أنّ المؤمن يتمنّى الموت في ذلك الزّمان صباحاً ومساءً ففي خبر عمر بن أبان الكلبي عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كأنّي بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه مَن جاء برأس شيعة عليّ (عليه السلام) فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، ويقول هذا منهم: فيُضرَب عنقه، ويأخذ ألف درهم، أمَا إنّ إمارتكم يومئذٍ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا، وكأنّي أنظر إلى صاحب البُرْقُع (البرقع: ستار تستر به المرأة وجهها)، قلتُ: ومَن صاحب البرقع؟ قال (عليه السلام): رَجُلٌ منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم (أي يحرّض عليكم) فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رَجُلاً رَجُلاً، أمّا إنّه لا يكون إلاّ ابن بغي).(17) ثمّ يفرّج الله تعالى عن الشيعة بخروج الصاحب (عليه السلام) فتشرق الأرض بنوره، كما ورد عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ قائمنا إذا قام، اشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، ويعمّر الرَّجُل في مُلْكِهِ حتى يُولِدُ ألف ذَكَر، لا يولد فيهم أنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، ويتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة، حتى يخرج الرَّجُل يوم الجمعة على بغلةٍ سفواء يريد الجمعة فلا يدركها. (7) ـ شيعة موسى (عليه السلام) في غيبته كانوا يَدْعون له، لعِلْمِهِم أنّ فرَجَهم على يده، وكذا أنصار وشيعة الإمام المهديّ (عليه السلام) يدعون له بالخروج لعِلْمِهِم أنّ فَرَجَهُم على يده المبارَكة (أدعوا لي بتعجيل الفَرَج فإنّ في ذلك فَرَجَكُم) اللهمّ عجّل فَرَجَهُ وسَهِّل مخرجه واجعلنا من الذابين عنه والمضحين في سبيله. (8) ـ موسى (عليه السلام) خصّه الله تعالى بالعصا، وجعلها معجزة له، والإمام المهديّ خصّه الله تعالى أيضاً بتلك العصا، فعن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: كانت عصا موسى لآدم، فصارت إلى شعيب ثمّ صارت إلى موسى بن عمران وإنها لَعِنْدَنَا، وإنّ عَهْدي بها آنفاً وهي خضراء كهيئتها حين انتُزِعَتْ من شجرتها، وإنّها لتنطق إذا استُنْطِقَتْ، أُعِدَّتْ لقائمنا (عليه السلام) يصنع بها ما كان يصنع موسى بن عمران، وإنما تصنع ما تؤمر. وروي عن محمّد بن زيد الكوفي عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ رَجُلاً من فارس يأتي القائم فيطلب منه معجزة موسى، فيلقي العصا فتصير ثعباناً مبيناً، فيقول الرَجُل: هذا سحرٌ، فتلقفه العصا بأمرٍ شبيهٍ بأمرِ موسى (عليه السلام). شباهته (عليه السلام) بهارون (عليه السلام): هارون (عليه السلام) كان وزير موسى (عليه السلام) وشريكه في الرّسالة، كذا الإمام المهديّ هو شريك الرسول الأكرم في الرّسالة، بل مهمّته أعظم من مهمّة جدّه الكريم مولانا وسيّدنا رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم؛ لأنّ محمّداً النبيّ حارب المشركين فكان دخولهم في الإسلام أيسر من النواصب الّذين يحاربهم الإمام (عليه السلام) حيث يتأولون عليه كتاب الله. وهارون (عليه السلام) كان يسمع كلام النبيّ موسى (عليه السلام) من مكانٍ بعيد، وكذلك موسى كان يسمع كلام هارون من مكانٍ بعيد. وكذا الإمام (عليه السلام)، فقد ورد عن مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّ قائمنا إذا قام مدّ الله عزّ وجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه. شباهته بالنبيّ عيسى بن مريم: في النبيّ عيسى (عليه السلام) عدّة مميزات كلها مجتمعة في مولانا الإمام الحجّة (عليه السلام) منها: (1) ـ إنّ عيسى (عليه السلام) ولد فجأة دون سابق إنذار من حملٍ طويل، والإمام الحجّة (عليه السلام) ولد دون أنْ يُرى في أمه أثر الحمل. (2) ـ إنّ عيسى (عليه السلام) إبن سيّدة النساء في زمانها، والقائم المهديّ إبن سيّدة النساء في زمانه، بل جدّته الصدّيقة فاطمة أفضل من مريم باتفاق الأمّة. (3) ـ عيسى تكلّم في المهد صبياً، والإمام القائم تكلّم في المهد صبياً حسبما أشرنا إلى بعض الأخبار سابقاً. (4) ـ عيسى آتاه الله تعالى الحكم صبياً، وكذا الإمام القائم أُوتي الحكمة صبياً، وهذا ضروريّ لا يناقش فيه إلاّ ساذج. (5) ـ عيسى (عليه السلام) رفعه الله تعالى إليه، ورُفع القائم (عليه السلام) إلى الله تعالى حيث غيّبه عن الناس لعدم استحقاقهم للرؤية. (6) ـ عيسى (عليه السلام) اختُلِفَ فيه، وكذا الإمام القائم (عليه السلام) اختَلَفَ الناس فيه ما بين منكر ومثبِت. (7) ـ عيسى (عليه السلام) كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخبر بني إسرائيل ما يدّخرون وما يأكلون، وكذا الإمام القائم (عليه السلام) ستجري على يديه المعجزات والكرامات الباهرات. الفصل الثاني: شباهته بآبائه الطاهرين عليهم السَّلام بعد ما تقدّم معنا من استعراض بعض ما يدلّ على مشابهة الأنبياء والمرسَلين لسيّدهم الإمام الحجّة القائم المنتظر عجّل الله تعالى فَرَجَه الشريف بل يفوقهم فضلاً وكرامةً وعِلْماً وزهداً وورعاً وتقىً وإخلاصاً، نريد الآن أنْ تستعرض ما دلّ على مشابهته (عليه السلام) لأجداده الميامين، بدءاً بالرّسول الأكرم محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلَّم وانتهاءً بأبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). شباهته (عليه السلام) بجدّه الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم: المُجمَع عليه بين الأمّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال: "المهديّ من ولدي، إسمه إسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً". فالإمام المهديّ (عليه السلام) المتفرّد بشباهته الرسول محمّد من الناحية الظاهريّة والناحية الباطنيّة. ومعلومٌ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم أشرف الخلق عند الله تعالى شأنه لكونه سيّد وِلْد آدم (عليه السلام)، والمبعوث رحمةً للعالَمين، فيكون الإمام المهديّ (عليه السلام) بمقتضى المشابَهة سيّد وِلْد آدم (عليه السلام)، والمبعوث في آخر الزمان رحمةً للعالَمين، وهذا الحديث يقتضي أنْ يكون الإمام المهديّ (عليه السلام) بمنـزلة رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم بُخُلُقِهِ يستلزم القول بعصمته وأفضليّته على عامّة الأنبياء والمرسَلين. أمّا القول بالعصمة؛ فلأنه لم يُعْهَد من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أنْ صدر منه ما يخالف الخُلُقَ الرَّفيع، ومَن لم يصدُر منه ما يخالف الخُلُق الرفيع؛ فإنه لا محالة يكون معصوماً في أفعاله وأقواله، وحيث إنّ الإمام المهدي (عليه السلام) كرسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بمقتضى هذا الحديث ـ لا يصدر منه ما يخالِف خُلُقه الرَّفيع، إذن لا بدّ أنْ يكون معصوماً كجدّه المصطَفى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم وآله الميامين المنتجَبين عليهم السَّلام. وأمّا أفضليّته؛ فلأنه بمقتضى الحديث أيضاً كرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم من حيثيَّتَين: الأولى: من حيث كونه مشمولاً لآية المباهَلَة وآية التطهير وآية الولاية وآية الإطاعة، وكلّ مَن كان مشمولاً؛ فإنّ له ما لرسول الله إلاّ ما أخرجه الدّليل. الثانية: من حيث كونه أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وحيث إنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلَّم أفضل خَلْقِ الله تعالى على الإطلاق بمقتضى المساواة في الخَلْقِ والخُلُقِ بين رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم وبين الإمام الحجّة المهديّ المنتظر (عليه السلام). شباهته (عليه السلام) بآبآئه الميامين عليهم السَّلام : إنّ تعداد فضائل الأئمّة عسيرٌ صعبٌ لا يكاد للملائكة أنْ تحصيها لِمَا روي في المتواتر "أمرنا صعبٌ مستصعَب لا يحتمله لا مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسَل..."؛ فإذا لم يمكن للملائكة أنْ يحتملوه فلا يمكنهم حينئذٍ أنْ يحصوه. وقد روى اخطب بن خوارزم من الجمهور بإسناده إلى إبن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: لو أنّ الرّياض أقلامٌ والبحر مِدادٌ، والجنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب.(18) وأخرج موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده عن محمّد بن عمارة عن أبيه عن الإمام جعفر الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليّ "رضي الله عنهم" قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لرهط من أصحابه: إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى كثرة فمَن ذَكَرَ فضيلة من فضائله مقِرَّاً بها غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومَن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسم، ومَن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع، ومَن نَظَرَ إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر، ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلَّم: النظر إلى عليٍّ عبادة وذِكْرُهُ عبادة لا يقبل الله إيمان عبدٍ إلاّ بموالاته والبرائة من أعدائه.(19) وفي المناقب عن سمّاك بن حرب عن سعيد بن جبير قال: قلت لإبن عباس "رضي الله عنهما": أسألك عن اختلاف الناس في عليّ "رضي الله عنه"، قال: يا ابن جبير تسألني عن رَجُلٍ كانت له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة وهي ليلة القربة في قليب بدر سلّم عليه ثلاثة آلاف من الملائكة من عند ربهم، وتسألني عن وصي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وصاحب حوضه وصاحب لوائه في المحشر والّذي نفس عبد الله بن عباس بيده لو كانت بحار الدنيا مداداً وأشجارها أقلاماً وأهلها كُتّاباً فكتبوا مناقب عليّ ابن أبي طالب وفضائله ما أحصوها.(20) فمَن يقول عنه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم مثلَ هذا، كيف يمكن أنْ ندرك فضائله؟ لكنْ لا بدّ من ذِكْرِ بعضها لا سيّما بما هو أظهر صفاته وأشهرها. فأقول: أمّا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأظهر صفاته: عِلْمه وزهده وشجاعته، وكلّها تظهر من القائم (عليه السلام)، ففي الكافي بإسناده عن حمّاد بن عثمان قال: حضرتُ عند مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رَجُلٌ: أصلَحَكَ الله، ذَكَرْتَ أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليكَ اللباس الجديد! فقال (عليه السلام) له: إنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم شُهّر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت، إذا قام لَبِسَ ثياب الإمام عليّ (عليه السلام) وسار بسيرة الإمام عليّ (عليه السلام).(21) وورد عن أبي بصير عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما تستعجلون بخروج القائم؟، فوالله ما لباسه إلاّ الغليظ ولا طعامه إلاّ الشعير الجشب، وما هو إلاّ بالسيف، والموت تحت ظلّ السيف.(22) وأمّا الإمام الحسن بن عليّ المجتبى (عليه السلام) فأظهر صفاته هي حِلْمُهُ وصَبْرُهُ، ومن آثار الحِلْم السُّكُون، وعدم مؤاخذة الفسّاق والمخطئين فوراً ونِعم ما قيل: تحلَّم على الأدنين واستبق وِدَّهم *** فلن تستطيع الحِلْمَ حتّى تُحلَّما وهل هناك أصبر من الإمام الحجّة (عليه السلام) الّذي يرى أعمال رعيته تخالف سُنّة جدّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم وتعصيه في كلّ قولٍ وفِعْلٍ، وهو صابرٌ محتسبٌ، مما يدلّ على قوّة صَبْرِهِ وحِلْمِهِ. الهوامش (1) قصص الأنبياء:179 نقلاً عن كمال الدين. (2) أصول الكافي:1/270ح2. (3) أصول الكافي:1/271ح4. (4) أصول الكافي:1/271ح5. (5) أصول الكافي:1/273ح1. (6) أصول الكافي:1/273ح3. (7) أصول الكافي:1/273ح4. (8) أصول الكافي:1/273ح5. (9) أصول الكافي:1/274ح6. (10) مفاتيح الجنان:711. (11) كمال الدين:2/394ح4. (12) بحار الأنوار:52/312ح5. (13) بحار الأنوار:52/321ح28. (14) بحار الأنوار:51/24 هامش حديث37. (15) بحار الأنوار:51/114ح13. (16) بحار الأنوار:52/254ح147. (17) بحار الأنوار:52/215. (18) نهج الحق:231، وينابيع المودّة:1/143. (19) ينابيع المودّة:1/143. (20) ينابيع المودّة:1/143. (21) مكيال المكارم:1/102. (22) مكيال المكارم:1/103. ****************** وأمّا شباهته بالإمام الحسين بنّ عليّ (عليه السلام) فمن حيثيّتين: الأوّلى: أمْرُهُ بالمعروف ونهيُهُ عن المنكَر وقيامه بالسيف. الثانية: عدم ملاحقة الإمام الحسين (عليه السلام) بالتقيّة، وهذا من خصايصه، وكذلك الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام)؛ فإنّ من خصائصه الأمر بالمعروف وعدم إظهار التقيّة؛ لأنّ التقيّة إنما تُشرع لحفْظ الدّم والخوف على النفس والمال والعِرض من الأعداء لقلّة الناصر والمعين، فأمّا يوم الظهور فلا خوف فيه من الأعداء حتى يمكن للإمام أنْ يستعمل التقيّة. هذا مضافاً إلى أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ألقى الحجّة على العالَم يوم الطّف إلى يوم القيامة، وكذا الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام) سيُلقي الحجّة على العالَم عندما يٌلقي خطابه في مكّة، مسنِداً ظهره إلى الكعبة فينادي: "أيها الناس إنّا نستنصر الله ومَن أجابنا من الناس، فإنّا أهل بيت نبيّكم، ونحن أَوْلَى الناس به وبمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلَّم، فمَن حاجّني في آدم (عليه السلام) فأنا أَوْلَى الناس بآدم (عليه السلام)، ومَن حاجّني في نوحٍ (عليه السلام) فأنا أَوْلَى الناس بنوحٍ (عليه السلام)، ومَن حاجّني في إبراهيم (عليه السلام) فأنا أَوْلَى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، ومَن حاجّني في محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم فأنا أَوْلَى الناس بمحمّد، ومَن حاجّني في النبيّين فأنا أَوْلَى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عِمْرَان على العالَمين ذريّةٌ بعضها من بعض والله سميعٌ عليم) فأنا بقيّةٌ من آدم (عليه السلام)، وذخيرةٌ من نوح (عليه السلام)، ومصطَفىً من إبراهيم (عليه السلام)، وصفوةٌ من محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم، أَلاَ ومَن حاجّني في كتاب الله، فأنا أَوْلَى الناس بكتاب الله، ألاَ ومَن حاجّني في سُنَّة رسول الله فأنا أَوْلَى النّاس بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، فأنشد الله مَن سمع اليوم كلامي لمّا بلّغ الشّاهد منكم الغائب، وأسألكم بحقّ الله وحقّ رسوله وبحقّي؛ فإنّ لي عليكم حقّ القُرْبَى من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إلاّ أعنتمونا ومنعتمونا ممّن يظلمنا، فقد أُخِفْنا وظُلِمْنا، وطُرِدْنا من ديارنا وأبنائنا، وبُغي علينا، ودُفِعْنا عن حقّنا، وافترى أهلُ الباطلِ علينا، فالله الله فينا، لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله".(1) ! أقول: في الحديث الشريف إشارتان مهمّتان: الأولى: إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو الوارث الحقيقي للأنبياء والمرسَلين، فقوله (عليه السلام) قولهم عليهم السَّلام، وفِعْلُهُ (عليه السلام) فِعْلُهُم عليهم السَّلام، والرّادُّ عليه (عليه السلام) رادٌّ عليهم عليهم السَّلام، وحَرْبُهُ (عليه السلام) حربهم عليهم السَّلام، وسِلْمُهُ (عليه السلام) سِلْمُهُم عليهم السَّلام. الثانية: إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) يريد من الناس نصرته على أعدائه (عليه السلام)، وطَلَبْ النصرة ليس مقتصراً على خروجه بل يعمّ غيابه (عليه السلام)، فكيف يمكن لنا أنْ ننصره، وكيف يمكن لنا أنْ نجيبه، فهل من معينٍ يعينه، وهل من ناصرٍ ينصره (عليه السلام)، والنصرة في كلِّ زمانٍ مطلوبة منّا شرعاً، فعليكم أيها الموالون بنصرته؛ فإنّ نصْرَه نصْرٌ لله تعالى ونصْرٌ لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ولأوليائه عليهم السَّلام لا سيّما للإمام المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). ومن مصاديق النُّصْـرَة: بَذْل المال في ذِكْرِهِ وإحياء معارفه بنشر فضائله وفضائل آبآئه والذّود عنهم عبر المنابر الحسينيّة والإنترنت والأشرطة والكتب وما شابه ذلك. ومن مصاديق النُّصْـرَة أيضاً: الحديث عنه (عليه السلام) ودعوة الناس إلى الإعتقاد به وبآبآئه. ومن مصاديقها أيضاً: بَذْل المال لتقوية شيعته ومواليه، ومَنع المال عن أعدائهم ومبغضيهم والمشكِّكين بهم، والمدَّعين لمناصبهم الشريفة وإعطاء الحقوق إليهم، وغير ذلك؛ فإنّ كلَّ ذلك حرام بذله والدّعوة إليه إلاّ ما دلّ الدليل عليه كسهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة لتأليفهم إلى الإسلام الحقيقي، وكالصدقات المستحبة في حالات الفقر والحاجة، بل يحرم مساعدة كلّ مَن مالَ إلى أعدائهم والمشكِّكين بهم عليهم السَّلام، ومَن فَعَلَ فقد كثّر السواد على أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام. كما إنّ من مصاديق النُّصْـرَة: إعانة مَن يُعِيْن الإمام (عليه السلام) وينصره، فتجب إعانة كلّ من دعى إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، وتجب نُصْرَته باليد واللسان والقلب، وإلاّ فإنّ عدم الإعانة يُعْتَبَرُ إثماً عظيماً وخيانةً للإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) ولآبآئه الميامين عليهم صلوات الله أجمعين. وأمّا الإمام زين العابدين، فأظهر صفاته كانت العبادة لله تعالى لذا سُمِّيَ (عليه السلام) بزين العابدين وسيّد الساجدِين، وكذا الإمام المهديّ (عليه السلام) فهو سيّد العابدين، ففي الخبر عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال في وَصْف الإمام المهديّ (عليه السلام): " يعتوره مع سمرته صفرة من سَهَرِ الليل، بأبي مَنْ ليله يرعى النجوم ساجداً وراكعاً". وأمّا الإمام محمّد بن عليٍّ الباقر (عليه السلام)، فأظهر صفاته شباهته برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، لذا قال جابر الأنصاري حين نظر إليه: شمايل رسول الله وربِّ الكعبة. وكذا الإمام الصاحب (عليه السلام) فإنّ عليه شمايل رسول الله كما مرّ معنا سابقاً. وأمّا الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام)، فأظهر صفاته كَشْف العلوم وبيان الأحكام بنحوٍ لم يتيسر لأحدٍ من الأئمّة قبله (عليه السلام)، والإمام الحجّة (عليه السلام) سيُظهر حقائق العلوم، سيضع يده الشريفة على رؤوس الناس فتكمل أحلامهم، والعِلْم ستٌّ وعشرون حرفاً يخرج قبل الظهور حرفاً،والبقيّة يُخرجها الإمام المهديّ (عليه السلام). وأمّا الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، فأظهر صفاته كَظْم الغيظ والصّبر والتقيّة، والإمام الحجّة (عليه السلام) في غيبته صابرٌ على فسّاق شيعته وعلى الأعداء وكيدهم للمؤمنين. وأمّا الإمام عليّ بن موسى الرِّضا (عليه السلام)، فأظهر صفاته السّلطنة وتفريج الكرب عن شيعته، وكذا الإمام المهديّ (عليه السلام) سيبدّل الله تعالى به خوف الشيعة إلى أَمْنٍ وسلامٍ واطمئنان وليمكنّن دينه بنحوٍ لم يقع لأحدٍ ممّن تقدّم عليه (عليه السلام)، واستيلاؤه على سلطان العالَم أجمع. وأمّا الإمام محمّد بن عليّ الجواد (عليه السلام)، فاظهر صفاته أنّ الله تعالى وهبه الإمامة حين لم يبلغ مبلغ الرّجال ولم يرتقِ عمره على ثمانية أحوال، وكذلك الأمام الحجّة (عليه السلام) إستلم الخلافة إبن أربع سنوات. وأمّا الإمام عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام)، فأظهر صفاته الهيبة حيث كان أعداؤه يخصّونه باحتراماتٍ وإكراماتٍ لا يخصّون بها أحداً، وكان هذا يقع فيهم إجلالاً له وهيبةً منه، لا ودّاً ومحبّةً، وكذا الإمام المهديّ (عليه السلام) فإنّ له هيبة خاصّة في قلوب الأعداء ورعباً. وأمّا الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ (عليه السلام)، فأظهر صفاته أنّه إمام العسكر في دولة الظالِمين، حيث كان يقيم في عسكر سامرّاء وكانت المعسكرات تحت نَظَرِهِ، كما إنّ من صفاته الهيبة كما كانت لمولانا الإمام الهادي النقيّ (عليه السلام)، وكذا سيكون كلُّ ذلك للإمام المهديّ الحجّة بن الحسن المنتظر عجّل الله تعالى فَرَجه الشريف. هذه جملة من صفات الأئمة والتي يتّصف بها الإمام المهديّ (عليه السلام)، وعليه؛ فإنّ الإمام (عليه السلام) هو خليفة الله وخليفة آبآئه المهديين، كما إنه (عليه السلام) وصيّ الأوصياء الماضين، ومعنى كونه وصيّاً عن الأوصياء الماضين أي أنه (عليه السلام) رسول الله إلى عامّة الخلق أجمعين، وذلك من حيثيَّتَيْن: الأولى: أنه خليفة الله، ويجب في الخليفة أنْ يكون مسَدَّداً من الله تعالى، وإلاّ لا يصحّ إطلاق الخليفة عليه، مضافاً إلى أنّ الأنبياء السابقين عليه كانوا مُسَدَّدين من الله باعتبار كونهم خلفاء عنه عزّ وجلّ، ولا بدّ حينئذٍ أنْ يكون الإمام المهديّ مثلهم مسَدَّداً من الله لإتمام مسيرته الرّبّانيّة. الثانية: إنّ معنى كونه خليفةً ورسولاً يعني أنّ الله تعالى هو الّذي عينه إماماً وخليفة، والله سبحانه لا يعيّن مَن لا يكون معصوماً في كلّ حياته، والتعيين دلالة السفارة الإلهيّة، ومعنى السَّفارة أنه (عليه السلام) مبعوثٌ ومُرْسَلٌ من قِبَلِ الله عزّ شأنه إلى عامّة خلقه من إنسٍ وجنٍّ وملائكةٍ. وصفوة القول: إنّ في الإمام (عليه السلام) صفتَيْن: الأولى: الرسوليّة. الثانية: الوصاية من الله تعالى على الأمّة. وهاتان الصفتان هما المشار إليهما في الفقرة التي انتهينا من شرحها وهي قوله (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا خليفة الله وخليفة آبآئه المهديّين، السَّلام عليكَ يا وصيّ الأوصياء الماضين". ***** ثمّ قال (عليه السلام): " السَّلام عليكَ يا حافظَ أسرار ربّ العالَمين ". كونه (عليه السلام) حافظاً لأسرار ربّ العالَمين يعني أنه المستودع على الأمانات الإلهيّة فلا يُخرج منها لأحد شيئاً إلاّ مَن كان ذا قابليّةٍ تجعله في مصافّ حملة الأسرار كأبي بصير ورشيد الهجري وميثم التمّار وغيرهم. فالإمام (عليه السلام) حافظ للأسرار عن الأغيار، والسّرّ في ذلك أنّ مَن لا يحتمل على قسمَين: الأوّل: إنهم لا يتحمّلون لضيق قابلياتهم ـ كما أشرنا آنفاً ـ نتيجة انحرافهم وعدم استقامتهم. الثاني: إنهم لا يتحمّلون لشدّة حبّهم لحديثهم عليهم السَّلام. ويشهد للقسمين الأخبار التالية: أمّا القسم الأوّل: فقد روى الصفّار في بصائر الدّرجات بإسناده إلى أبي الجارود عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ حدّيث آل محمّد صعبٌ مستصعب، ثقيلٌ مقنَّع أجرد ذكوان لا يحتمله إلاّ مَلَك مقرَّب أو نبيّ مرسَل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان أو مدينة حصينة، فإذا قام قائمنا نطَق وصدّقه القرآن". وفيه بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعتُه يقول: إنّ حديثنا صعبٌ مستصعَب (أي مبالَغة في الصعب، أو أنّ المستصعب هو الّذي يُهرب منه إذا رئي، فهو الّذي لا يمكن تحمّله لأحدٍ غيرهم) خشن مخشوش (أي قويّ شديد يعسر تحمّله) فانبذوا (أي اطرحوا عليهم المعارف) إلى الناس نبذاً (أي شيئاً يسيراً) فمَن عرَفَ فزيدوه، ومَن أنكر فأمسِكوا، لا يحتمله إلاّ ثلاثة: مَلَك مقرَّب أو نبيّ مرسَل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. وفيه بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ حديثنا صعب مستصعب، لا يؤمن به إلاّ نبيّ مرسل أو مَلَك مقرَّب أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما عَرَفَتْ قلوبكم فخذوه، وما أنْكَرَتْ فردّوه إلينا. وفيه بإسناده عن إسماعيل بن عبد العزيز قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثنا صعبٌ مستصعَب، قال: قلت: فسِّرْ جُعِلْتُ فداك، قال: ذكوان: ذكي أبداً، قال: أجرد ـ أي طريّ أبداً ـ، قلت: مقنّع، قال: مستور. فمعنى كونه أجرداً طريّاً أبداً أي لا يعتريه البلى أبداً بل هو دائماً جديد، فلا تملّ منه القلوب العارفة به. وقوله (عليه السلام): "ذكوان" أي زكيّ في نفسه لا يقبل الخدشة والإشكال والإضمحلال بحيث يُرد ويبطل بل هو دائماً زكي مزَكَّى فلا يُلَوَّث بتلك الأمور، كيف وهو من شؤون الوحي الإلهي الموحى إليهم من عند الله علاّم الغيوب. وفي حديث المفضل عنهم قال: وأمّا الذكوان أي ذكاء المؤمنين بمعنى أنه تعالى جَعَلَ فيهم ذكاءً أي فهماً به يحتملون ما يسمعونه منهم عليهم السَّلام. وفيه بإسناده إلى ابي الصامت قال: قال مولانا أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ حديثنا صعبٌ مستصعَب شريف زكي ذكوان وعر (أي ليس سهلاً على كلّ النفوس) لا يحتمله مَلَك مقرَّب ولا نبيّ مرسَل ولا مؤمن ممتَحَن، قلتُ: فمَن يحتمله جُعِلْتُ فداك؟ قال (عليه السلام): مَن شئنا يا أبا الصّلت، فظننتُ أنّ لله عباداً هم أفضل من هؤلاء الثلاثة. وفيه بإسناده عن أبي الصامت أيضاً قال: سمعتُ مولانا الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "إنّ من حديثنا ما لا يحتمله مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مُرْسَل ولا عبدٌ مؤمنٌ، قلتُ: فمَن يحتمله؟ قال (عليه السلام): نحن نحتمله. وفيه عن يحيى بن سالم الفرّاء قال: كان رَجُلٌ من الشام يخدم الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) فرجع إلى أهله فقالوا: كيف كنتَ تخدم أهل هذا البيت، فهل أصبتَ منهم عِلْماً؟ قال: فندم الرّجل فكتب إلى الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) يسأله عن عِلْمٍ ينتفع به، فكتبَ إليه أبو عبد الله (عليه السلام): أمّا بعد، فإنّ حديثنا هيوب (ذو هيبة) دعورٌ (يُخاف منه)؛ فإنْ كنتَ ترى أنّكَ تحتمله فاكتب إلينا والسَّلام.(2) وفيه عن سلمة بن صالح رفعه إلى مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ حديثنا هذا تشمأزُّ منه قلوب الرّجال، فمَن أقرّ به فزيدوه،ومَن أنكره فذروه إنه لا بدّ من أنْ تكون فتنة يسقط فيها كلُّ بطانة ووليجة، حتى يسقط فيها مَن كان يشقّ الشعر بشعرَتِيْن (كناية لمن كان دقيقاً في أموره، لكنه غير مرتبط بأهل البيت قولاً وعملاً فإنه سيسقط في الفتنة) حتى لا يبقى إلاّ نحن وشيعتنا. أقول: لأجل عدم تحمله وتعقله تعرضه هذه الحالة، وهي حالة إعراض القلب وانـزعاجه منه. ثمّ إنّ هناك أحاديث تفسّر معنى "الصعب المستَصْعَب" لا بدّ من ذكر بعضها، منها: صحيحة المفضّل قال: قال الإمام ابو جعفر (عليه السلام): إنّ حديثنا صعبٌ مستصعَب ذكوان أجرد لا يحتمله مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مُرْسَل ولا عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان، أما الصّعب (التعبير بالصّعب على كلّ أحد لأنّ الصعب هو ما لا يُحمل عليه؛ لأنه إذا رُكِبَ وحُمل عليه فليس بصعب) فهو الّذي لم يُركَب بعد، وأمّا المستَصْعَب فهو الّذي يهرب منه إذا رُئي، وأمّا الذكوان فهو ذكاء المؤمنين، وأما الأجرد فهو الّذي لا يتعلق به شيء من بين يديه ولا من خلفه وهو قوله الله تعالى: (الله نـزل أحسن الحديث) فأحسن الحديث حديثنا، لا يحتمله أحد من الخلائق أمرَه بكماله حتى يحدّه لأنّه مَن حدّ شيئاً فهو أكبر منه، والحمد لله على التوفيق، والإنكار هو الكفر. ملاحظة: أشارت الصحيحة الشريفة إلى أنّ أئمّة آل البيت لا يمكن وصفهم، لأنّ مَن وصفهم فقد حدّهم، ومَن حدّهم فقد أحاط بهم، مع أنهم لا يمكن لمخلوق أنْ يحيط بهم لأنهم أكبر من ذلك، ولكنّ أكثر الناس لا يعلَمون. كما أشارت الصحيحة أيضاً إلى أنّ مَن أنكر هذه الفضيلة لآل البيت فقد كفر، وأنا اسأل كم هم كُثُر اليوم الكفّار الّذين يتلبسون بالتشيّع ويطرحون أخبار آل محمّد؟!!! وفي صحيحة عمير الكوفي في معنى "حديثنا صعبٌ مستَصْعَب..." فهو ما رويتم: إنّ الله تبارك وتعالى لا يُوصَف ورسوله لا يوصَف، والمؤمن لا يوصَف فمَن احتمل حديثهم فقد حدّهم، ومَن حدّهم فقد وصفهم، ومَن وصفهم بكمالهم فقد أحاط بهم وهو أعلم منهم، ثمّ قال:. ..فالصّعب لا يُركب ولا يُحْمَل عليه؛ لأنه إذا رُكِبَ وحُمِلَ عليه فليس بصعب. فحديثهم صعبٌ لثقله وغموضه، وأيضاً هو مستصعَب لضعف العباد عن دركه ونيله، لذا قال (عليه السلام): "وأمّا الصّعب فهو الّذي لم يُركَب بعد" يعني إلى الآن، فيمكن أنْ يُحتمل ويُدْرَك في زمان قيام القائم (عليه السلام) أو مَن كان قويّاً قبل ظهوره على حَمْلِهِ وكان من أصحاب البصائر. وإليه يشير ما في البصائر بإسناده عن زياد بن سوقة قال: كنّا عند محمّد بن عمرو الحسن، فذكر ما أتى إليهم، فبكى حتى ابتلّتْ لحيته من دموعه ثمّ قال: إنّ أمر آل محمّد أمرٌ جسيم مقَنَّع لا يُستطاع ذِكْرُهُ، ولو قد قام قائمنا (عليه السلام) لتكلّم به وصدّقه القرآن. إنتهى. نعم إنّ أذهان الناس وعقولهم بعد ضعيفة، فإذا قام القائم (عليه السلام) ونطق به وكملت عقول الناس، قَبِله الناس كما لا يخفى، لذا ورد عن حمّاد الطائي عن سعد عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: حديثنا صعبٌ مستصعَب لا يحتمله إلاّ مَلَك مقرَّب..فإذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا كان الرَّجُل من شيعتنا أجرى من ليث وأمضى من سنان، يطأ عدوّنا برجْلَيْهِ ويضربه بكّفَّيْهِ وذلك عند نـزول رحمة الله وفَرَجِهِ على العباد.(3) والسّرّ في أنّ المؤمن الممتَحَن يتحمّل أسرارهم هو أنّ له صدراً أميناً وقلباً طاهراً، لذا ورد في صحيحة إبن سنان رفعه إلى الإمام الصّادق (عليه السلام) قال: إنّ حديثنا صعبٌ مستصعَب لا يحتمله إلاّ صدور منيرة أو قلوبٌ سليمة وأخلاق حسنة، إنّ الله أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم حيث يقول عزّ وجلّ: (وإذ أخذ ربّكَ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألستُ بربّكم قالوا بلى) فمَن وفى لنا وفا الله له بالجنّة، ومَن أبغضنا ولم يؤدِّ إلينا حقّنا ففي النار خالدٌ مُخّلَّد.(4) وصفوة القول: إنّ الحكمة في أنّ حديثهم صعبٌ مستصعَب هي أمران: الأوّل: لعدم وجود صدور أمينة تقيّة نقيّة كما أشرتُ آنفاً. الثاني: لشدّة حلاوة حديثهم لا يقدر المؤمن إلاّ أنْ يخبر أخاه المؤمن عن حلاوة أحاديثهم، لذا ورد في الكافي بإسناده عن بعض الأصحاب قال: كتب إلى مولانا أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) فقلت: جُعِلْتُ فداك، ما معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): لا يحتمله مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مُرْسَل ولا مؤمنٌ امتحن الله قلبه للإيمان؟ فجاء الجواب: إنما معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): أي لا يحتمله مَلَك ولا نبي ولا مؤمن، إنّ المَلَك لا يحتمله حتى يُخرجه إلى مَلَك غيره، والنبيّ لا يحتمله حتى يُخرجه إلى نبي غيره، والمؤمن لا يحتمله حتى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معنى قول جدّي (عليه السلام). قال العلاّمة المجلسي (قدّس سرّه): أي لا يصبر ولا يطيق كتمانه لشدّة حبّه لهم، وحرصه على ذِكْر فضائلهم حتى ينقله إلى آخر فيحدّثه به وبهذا يتضح فلسفة عدم تحمّل العباد لحديثهم عليهم السَّلام، إمّا حسداً لهم، وإمّا غبطةً وسروراً، مما يؤدّي إلى أن يتخطفهم الناس كما يتخطف الطيرُ النحلَ إذا عَلِمَ ما في بطونها من شرابٍ مختلفٍ الوانه، إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الألباب. وفي معاني الأخبار بإسناده عن سدير قال: سألتُ الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ أمرنا صعبٌ مستصعَب لا يقرّ به إلاّ مَلَك مقرَّب أو نبيٌّ مُرْسَل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان، فقال (عليه السلام): إنّ في الملائكة مقرَّبين وغير مقرَّبين، ومن الأنبياء مرسَلين وغير مرسَلين، ومن المؤمنين ممتحَنين وغير ممتحَنين، فَعُرِض أمركم هذا على الملائكة فلم يقرّ به إلاّ المقرَّبون، وعُرِضَ على الأنبياء فلم يقرّ به إلاّ المرسَلون، وعُرِضَ على المؤمنين فلم يقرّ به إلاّ الممتحَنون. فهذا الحديث يدلّ على أنّ من غرائب شؤون ولايتهم ما لا يحتمله إلاّ هؤلاء الثلاثة (المقرَّبون والمرسَلون والممتحَنون) فتحصل أنّ أمرهم على وجوه: أـ منه ما لا يحتمله إلاّ مَن شاءوا. ب ـ ومنه ما لا يحتمله غيرهم. ج ـ ومنه ما لا يحتمله إلاّ هؤلاء الثلاثة. د ـ ومنه ما يحتمل بقاءه ألاّ ينتقل إلى غيره، وذلك لاختلاف مراتب علومهم وولايتهم. قال العلاّمة المجلسي أعلى الله مقامه الشريف في بيان صعوبة أمرهم: وقد قيل: وذلك لأنّ مكنون العلم عزيز المنال دقيق المدرك صعب الوصول، يقصر عن وصوله الفحول من العلماء فضلاً عن الضعفاء، ولهذا إنما يخاطب الجمهور بظواهر الشرع ومجملاته دون أسراره وأغواره، لقصور أفهامهم عن إدراكها، وضيق حواصلهم عن احتمالها، إذ لا يسعهم الجمع بين الظاهر والباطن فيظنون تخالفهما وتنافيهما فينكرون فيُقتلون. إنتهى. أقول: يؤيّد كلامه ما ورد في قصّة الخضر وموسى، حيث كُلّف الخضر بتكليف لم يتحمله موسى، لذا استنكر على الخضر لمّا قتل الغلام وخرق السفينة إلخ..، وكذا كُلِّف موسى (عليه السلام) بتكليف وهو الظاهر لم يقدر الخضر على تحمّله لأنه خلاف إدراك الواقع، لذا لم يقتنع بما فاه به موسى (عليه السلام)، ويؤيده ما ورد عن أبي بصير قال: قال الإمام ابو عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله: يا سلمان لو عرض علمكَ على مقداد لكفر، يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر. والوجه في ذلك: أنّ سلمان كُلِّفَ بعلم، والمقداد كُلِّف بعلم لا يحتمله سلمان والله أعلم بأسراره، لذا ورد عنهم عليهم السَّلام أنهم قالوا: "إنّ أمرنا سرٌّ في سرّ، وسرٌّ مستسرّ، وسرّ لا يفيد إلاّ سرّ، وسرٌّ على سرّ، وسرٌّ مقنَّع بسرّ". أقول كما علّمنا الإمام الهادي (عليه السلام) في الزيارة الجامعة: "اللهمّ إني لو وجدتُ شفعاء أقربَ إليكَ من محمّد وأهل بيته الأخيـار الأئمّة الأبـرار لجعلتهـم شفعائي فبحقهم الّذي أوجبتَ لهم عليك، أسألك أنْ تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقّهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم إنّكَ انتَ ارحم الرّاحمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين وسلَّم كثيراً وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل". وبهذا يتضح تفسير فقرة قوله "السَّلام عليكَ يا حافظ اسرار ربّ العالَمين". إذ هو حافظها عن الأغيار لعدم تحمّلهم لها لقصور عقولهم وضيق حواصلهم وقابلياتهم، "اللهمّ هَبْ لي كمال الإنقطاع إليكَ، وأَنِرْ ابصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق ابصارُ القلوب حجبَ النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابكَ، ولاحظته فصعِقَ لجلالكَ فناجيته سرّاً وعمل لكَ جهراً" والحمد الله والسَّلام على خير خلقه وسيّد رسله محمّد وآله الميامين، لا سيّما بقيّة الله في العالَمين ورحمة الله وبركاته. قال (عليه السلام): "السّلام عليّكَ يا بقيّة الله من الصفوة المنتجبين". عرفنا من خلال ما تقدّم من البحوث السابقة معنى: السَّلام عليك، وهي باختصار: بمعنى إرسال التحيّة إلى جناب الإمام المهديّ (عليه السلام)، وبمعنى الإستسلام والإنقياد إليه روحي فداه. فيكون المعنى: أُلقي عليكَ سيّدي التحيّة مشفوعةً بالمحبّة والإخلاص، كما إنني سيّدي ومولاي أنقاد إليكَ انقياداً بحيث أستسلم لكلّ أقوالك بل لإشاراتك وهمساتك حتى يحسدني مخالفوك ومبغضوك، كيف لا؟ وأنتَ كلّ حياتي أيّها الحبيب. ومعنى "البقيّة" هو الذخيرة أو الثواب على طاعة الله، ومعنى "الصَّفْوَة" بفتح الصّاد وتشديدها: الخلوص من كلّ شيء، وصفو من كلّ شيء: خالصُهُ وخيارُه، و"الصِّفوة" بكسر الصاد بمعنى الصديق المخلِص، والصِفو من الماء: قليله. والمنتجب هو المختار من كلّ شيء، وقد انتجب فلانٌ فلاناً أي إذا استخلصه واصطفاه اختياراً على غيره. والنجيب: أي الكريم، ومن معاني النجيب: الفاضل النفيس في نوعه. وعليه؛ فإنّ معنى هذه الفقرة هو التالي: التحيّة والإكرام إليكَ سيّدي مع الإنقياد لأوامرك والإنتظار لفَرَجك والصبر على ذلك، والدّعوة إليك والذود عنكَ، لأنّ كلّ ذلك من لوازم الإنقياد والإستسلام، فأنتَ يا سيّدي غاية وجودي يا بقيّة الله أيها المدَّخَر للأخذ بالثأر للمظلومين لا سيّما آبآئك الميامين، وأيها المدَّخَرُ للإثابة على الطاعة، فأنتَ الشيءُ الباقي لنا من الله تعالى، وصدق الله الكريم حينما قال في سورة هود/86 (بقيّة الله خيرٌ لكم إنْ كنتم مؤمنين) فالإمام المهديّ (عليه السلام) هو خيرٌ لنا، وهذا الخير لم يتقيّد بمحذوف، فلم يقُل "بقيّة الله خيرٌ لكم في التشريع فقط" أو خيرٌ لكم في الإجتماع أو خيرٌ لكم في السياسة، فالله عزّ وجلّ أطلقها، وحذف القيد دليل العموم في الخيريّة، مما يستلزم القول بأنه ـ روحي فداه ـ خيرٌ في كلّ شيء، في الثواب والإفاضة والتشريع والتكوين والإقتصاد والسياسة والكيمياء والسيميا والفيزياء ووو.. فهو خيرٌ لنا في الدنيا والآخرة، وهذه الخيريّة مطلَقة لم يقيّدها الباري بقيد لأنها مرسلة وصلت إلى معدن العظَمَة فصارت روحُه معلَّقة بعزّ قدسه، فدعاه سرّاً وعمل له جهراً، إنه الإمام المطلّق الّذي ليس فوقه شيء إلاّ الله خالق كلّ شيء (أشهدُ أنّكَ الحجّة على مَن مضى ومَن بقي)، وفي الزيارة الجامعة الكبيرة قال الإمام الهادي: "آتاكم الله ما لم يؤتِ أحداً من العالَمين، طأطأ (أي خفض رأسه) كلّ شريف لشرفكم وبخع (أي تذلل وخضع) كلّ متكبّر لطاعتكم وخضع كلّ جبارٍ لفضلكم، وذلّ كلّ شيء لكم وأشرقت الأرض بنوركم" فهو (عليه السلام) البقيّة الإلهيّة لأنّ صفات آدم (عليه السلام) فيه، وكذا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ورسول الله محمّد والأئمّة الميامين، فهو الصّورة الغيبيّة لله تعالى بالصفات، والحجّة الأخيرة على العباد والبلاد. من هنا ينحصر لقب بقيّة الله به (عليه السلام) كما انحصر لقب أمير المؤمنين بمولانا المرتضى عليّ (عليه السلام) دون غيره من الأئمّة حتى رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم. فقد روى الكليني عن عمر بن زاهر عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رَجُلٌ عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال (عليه السلام): لا ذاك اسمٌ سمّى الله به أمير المؤمنين لم يُسَمَّ به أحدٌ قبله ولا يتسمّى به بعده إلاّ كافر، قلت: جعلت فداك كيف يُسلم ـ أي يُسلم عليه ـ؟ قال (عليه السلام): يقولون: السَّلام عليكَ يا بقيّة الله، ثمّ قرأ (عليه السلام) قوله تعالى: (بقيّة الله خيرٌ لكم إنْ كنتم مؤمنين). وروى الحسن بن محمّد بسندٍ معنعن عن أبي بكر الحضرمي قال: لمّا حُمل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه قال لأصحابه ومَن كان بحضرته من بني أميّة إذا رأيتموني قد وبخت محمّد بن عليّ ثمّ رأيتموني قد سكتُّ فليقبل عليه كل رجل منكم فليوبخه، ثمّ أمر أن يؤذن له فلمّا دخل عليه أبو جعفر (عليه السلام) قال بيده: السّلام عليكم فعمّهم جميعاً بالسَّلام ثمّ جلس فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن، فأقبل يوبخه ويقول فيما يقول له: يا محمّد بن عليّ لا يزال الرّجل منكم قد شقّ عصا المسلمين ودعا إلى نفسه وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة عِلْم ووبّخه بما أراد أنْ يوبخه؛ فلمّا سكت أقبل عليه القوم رجلٌ بعد رَجُل يوبخه حتى انقضى آخرهم، فلمّا سكت القوم نهض (عليه السلام) قائماً ثمّ قال: أيها الناس أين تذهبون وأين يُراد بكم؟ بنا هدى الله أوّلكم وبنا يختِمُ آخركم، فإنْ يكن لكم مُلكٌ مُعَجَّل فإنّ لنا ملكاً مؤجَّلاً وليس بعد مُلْكِنا مُلْكٌ لأنّا أهل العاقبة: يقول الله عزّ وجلّ:(والعاقبة للمتقين) فأمر به إلى الحبس فلمّا صار إلى الحبس تكلّم فلم يبقَ في الحبس رجل إلاّ ترشفه وحنّ إليه فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال له: يا أمير المؤمنين إني خائفٌ عليكَ من أهل الشام أنْ يحولوا بينكَ وبين مجلسكَ هذا، ثمّ أخبره بخبره فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردّوا إلى المدينة؛ وأمر أنْ لا يخرج لهم الأسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب فساروا ثلاثاً لا يجدون طعاماً ولا شراباً حتى انتهوا إلى مَدْيَن، فأغلق باب المدينة دونهم، فشكى أصحابه الجوع والعطش، قال: فصعد (عليه السلام) جبلاً يشرف عليهم فقال بأعلى صوته: يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة الله يقول الله: (بقيّة الله خيرٌ لكم إنْ كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم: يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبيّ، والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرّجل بالأسواق لتؤخَذَنَّ من فوقكم ومن تحت ارجلكم، فصدقوني في هذه المرّة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فإني ناصحٌ لكم فبادَروا فأخرجوا إلى محمّد بن عليّ وأصحابه بالأسواق، فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث إليه فحمله فلم يُدْرَ ما صُنِعَ به.(5) وفي عيون الأخبار في باب ذكر مولد الإمام الرّضا (عليه السلام) عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال: حدّثني أبي عن أحمد بن عليّ الأنصاري عن عليّ بن ميثم عن أبيه قال: سمعتُ أمي تقول: سمعت نجمة أمّ الإمام الرّضا (عليه السلام) تقول: لمّا حملتُ بابني عليّ (عليه السلام) لم أشعر بثقل الحَمْل، وكنتُ أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهتُ لم أسمع شيئاً، فلمّا وضعته وقع إلى الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السّماء ويحرّك شفتيه كأنه يتكلّم، فدخل إليه أبوه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال لي: هنيئاً لكِ يا نجمة كرامة ربّكِ، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه الأيمن واقام في الأيسر ودعا بماء الفرات فحنكه به ثمّ ردّه إليَّ وقال (عليه السلام): خذيه فإنّه بقيّة الله عزّ وجلّ في أرضه.(6) وفي نور الثقلين بإسناده إلى أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال: خرج أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) علينا وعلى عاتقه غلامٌ كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال (عليه السلام): يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضتُ عليكَ ابني هذا، إنّه سميُّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إلى أنْ قال: فنطق الغلام (عليه السلام) بلسانٍ عربيٍّ فصيحٍ فقال (عليه السلام): أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب أثراً بعد عين.(7) وعن نور الثقلين بإسناده إلى مولانا الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) في حديثٍ طويل يذكر في القائم يقول فيه: فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فأوّل ما ينطق به هذه الآية: (بقيّة الله خيرٌ لكم إنْ كنتم مؤمنين) ثمّ يقول: أنا بقيّة الله وحجّته وخليفته عليكم فلا يسلّم إليه مسلّم إلاّ قال: السَّلام عليكَ يا بقيّة الله في أرضه.(8) إذن الإمام المهديّ (عليه السلام) هو البقيّة الباقية لله تعالى من مجموع الصفوة المختارة والمنتجبة من عند الله تعالى، فهو (عليه السلام) صفوة الصفوة، وليس وراء عبّادان قرية، لا يمكننا أنْ نشير إلى أكثر من ذلك، ونقول كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل t لمّا طلب منه أنْ يعرّفه نفسه، فأشار إليه ببعض مراميها ثمّ طلب المزيد، فقال له: أطفئ السراج فقد طلع الصبح. ***** قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يابن الأنوار الزّاهـرة". لا شكّ أنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو إبن الأئمّة الأنوار الزاهرة أي المشرقة الصافية. وليست النورانية مقتصرة على روحه الشريفة بل تعمّ جسده الشريف والنطفة التي تولّد منها، لذا ورد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في عيدَي الفطر والأضحى حسبما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قف على باب القبّة الطاهرة وارمِ بطرْفِك نحو القبر مستأذناً فقل: "يا مولاي يا أبا عبد الله يابن رسول الله عبدُك وابنُ أمتك الذليل بين يديكَ والمصغَّرُ في علوّ قدرك والمعترف بحقّكَ، جاءك مستجيراً بكَ قاصداً إلى حرمك متوجهاً إلى مقامك متوسلاً إلى الله تعالى بك...السَّلام عليكَ يابن فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالَمين، السَّلام عليكَ يا بطل المسلمين يا مولاي أشهدُ أنّكَ كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهَّرة لم تنجِّسْكَ الجاهـليّة بأنجاسهـا ولم تُلبسْكَ مـن مدلهمّـات ثيابها...".(9) وكذا ورد مثله في زيارة وارث المعتبرة. ولا ريب أنّ كَوْن الإمام الحسين (عليه السلام) نوراً لا يعني أنّ روحه تنقلت من صلب إلى رحم لكونه باطلاً من حيث إنّ الروح لا تتنقل من صلب إلى صلب وذلك لقيام الأدلّة على أنّ الرّوح إنما تهبط من الرفيق الأعلى إلى جسد الجنين لمّا يبلُغ أربعة أشهر، فلا بدّ أنْ نعتقد أو نلتزم بأنّ المراد من كونه (عليه السلام) نوراً في الأصلاب يعني أنّ النطفة التي تكَوَّن منها جسد الإمام الحسين (عليه السلام) كانت تتوهّج نوراً في أصلاب المرسَلين والأولياء والنبيين، مما يستلزم أنّ كلّ متعلقاته طاهرة مطهَّرة. وممّا يدلّ على كونهم نوراً ما أشارت إليه النصوص الآتية: (1) ـ مع، (معاني الأخبار) أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن ابن هاشم عن داود بن محمد النهدي عن بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي سعيد المكاري على الرضا صلوات الله عليه فقال له: أبلغ الله من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له: ما لك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أما علمت أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى من مريم ومريم من عيسى ومريم وعيسى شيء واحد وأنا من أبي وأبي مني وأنا وأبي شيء واحد. (2) ـ ختص،)الإختصاص(عنهم عليهم السَّلام: إن الله خلقنا قبل الخلق بألفي ألف عام فسبحنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا. (3) ـ كتاب فضائل الشيعة، للصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إذ أقبل إليه رجل فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل لإبليس: (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) فمن هم يا رسول الله الذين هم أعلى من الملائكة؟ فقال رسول الله: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام فلما خلق الله عز وجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يأمرنا بالسجود فسجدت الملائكة كلهم إلا إبليس فإنه أبى أن يسجد فقال الله تبارك وتعالى: (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش فنحن باب الله الذي يؤتى منه بنا يهتدي المهتدون فمن أحبنا أحبه الله وأسكنه جنته ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره ولا يحبنا إلا من طاب مولده. (4) ـ فر، (تفسير فرات بن إبراهيم) جعفر بن محمد الفزاري بإسناده عن قبيصة بن يزيد الجعفي قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وعنده الدوس بن أبي الدوس وابن ظبيان والقاسم الصيرفي فسلمت وجلست وقلت: يا ابن رسول الله قد أتيتك مستفيداً قال: سل وأوجز قلت: أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبينة وأرضا مدحية أو ظلمة ونورا؟ قال: يا قبيصة لم سألتنا عن هذا الحديث في مثل هذا الوقت أما علمت أن حبنا قد اكتتم وبغضنا قد فشا وإن لنا أعداء من الجن يخرجون حديثنا إلى أعدائنا من الإنس وإن الحيطان لها آذان كآذان الناس قال: قلت: قد سألت عن ذلك قال: يا قبيصة كنا أشباح نور حول العرش نسبح الله قبل أن يخلق آدم بخمسة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم فرغنا في صلبه فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهر حتى بعث الله محمدا صلّى الله عليه وآله وسلَّم فنحن عروة الله الوثقى من استمسك بنا نجا ومن تخلف عنا هوى لا ندخله في باب ضلال ولا نخرجه من باب هدى ونحن رعاة شمس الله ونحن عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ونحن القبة التي طالت أطنابها واتسع فناؤها من ضوى إلينا نجا إلى الجنة ومن تخلف عنا هوى إلى النار قلت لوجه ربي الحمد. (5) ـ روى الصدوق رحمه الله في كتاب المعراج، عن رجاله إلى ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وهو يخاطب عليا (عليه السلام) ويقول: يا علي إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنا أمام عرش رب العالمين نسبح الله ونقدسه ونحمده ونهلله وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرضين فلما أراد أن يخلق آدم خلقني وإياك من طينة واحدة من طينة عليين وعجننا بذلك النور وغمسنا في جميع الأنوار وأنهار الجنة ثم خلق آدم واستودع صلبه تلك الطينة والنور فلما خلقه استخرج ذريته من ظهره فاستنطقهم وقررهم بالربوبية فأول خلق إقراراً بالربوبية أنا وأنت والنبيون على قدر منازلهم وقربهم من الله عز وجل فقال الله تبارك وتعالى: صدقتما وأقررتما يا محمد ويا علي وسبقتما خلقي إلى طاعتي وكذلك كنتما في سابق علمي فيكما فأنتما صفوتي من خلقي والأئمة من ذريتكما وشيعتكما وكذلك خلقتكم ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم يا علي فكانت الطينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه فما زال ذلك النور ينتقل بين أعين النبيين والمنتجبين حتى وصل النور والطينة إلى صلب عبد المطلب فافترق نصفين فخلقني الله من نصفه واتخذني نبياً ورسولاً وخلقك من النصف الآخر فاتخذك خليفة ووصياً وولياً فلما كنت من عظمة ربي كقاب (قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قال لي: يا محمد من أطوع خلقي لك؟ فقلت: علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال عز وجل: فاتخذه خليفةً ووصياً فقد اتخذته صفياً وولياً يا محمد كتبت اسمك واسمه على عرشي من قبل أن أخلق الخلق محبة مني لكما ولمن أحبكما وتولاكما وأطاعكما فمن أحبكما وأطاعكما وتولاكما كان عندي من المقربين ومن جحد ولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين الضالين ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم يا علي فمن ذا يلج بيني وبينك وأنا وأنت من نور واحد وطينة واحدة فأنت أحق الناس بي في الدنيا والآخرة وولدك ولدي وشيعتكم شيعتي وأولياؤكم أوليائي وأنتم معي غدا في الجنة. (6) ـ كتاب المحتضر، للحسن بن سليمان مما رواه من كتاب المعراج عن الصدوق عن الحسن بن محمد بن سعيد عن فرات بن إبراهيم عن محمد بن ظهير عن أحمد بن عبد الملك عن الحسين بن راشد والفضل بن جعفر عن إسحاق بن بشر عن ليث بن أبي سليم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لما أسري به إلى السماء السابعة ثم أهبط إلى الأرض يقول لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي إن الله تبارك وتعالى كان وساق الحديث مثل ما مر إلى قوله وولدك ولدي وشيعتك شيعتي وأولياؤك أوليائي وهم معك غدا في الجنة جيراني. (7) ـ مما رواه من كتاب منهج التحقيق، بإسناده عن محمد بن الحسين رفعه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: إن الله تعالى خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له: يا ابن رسول الله عِدَّهم بأسمائهم فمن هؤلاء الأربعة عشر نوراً؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين وتاسعهم قائمهم ثم عَدَّهم بأسمائهم. ثم قال: نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة ومصابيح العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله ووديعة الله جل اسمه في عباده وحرم الله الأكبر وعهده المسئول عنه فمَن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا نحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا ونحن والله الكلمات التي تلقاها (آدَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتابَ عَلَيْهِ) إن الله تعالى خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه على عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزان علمه وتراجمة وحيه وأعلام دينه والعروة الوثقى والدليل الواضح لمن اهتدى وبنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار ونـزل الغيث من السماء ونبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عرف الله وايم الله لولا وصية سبقت وعهد أخذ علينا لقلت قولاً يعجب منه أو يذهل منه الأولون والآخرون. (8) ـ من كتاب الآل، لابن خالويه رفعه إلى أبي محمد العسكري عن آبائه (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: لما خلق الله آدم وحواء عليهما السَّلام تبخترا في الجنة فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقا هو أحسن منا فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل أن ائتني بعبدتي التي في جنة الفردوس الأعلى فلما دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنة على رأسها تاج من نور وفي أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها قال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟ فقال: هذه فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم نبي من ولدك يكون في آخر الزمان قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟ قال: بعلها علي بن أبي طالب قال: فما القرطان اللذان في أذنيها؟ قال: ولداها الحسن والحسين قال: حبيبي جبرئيل أخلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم الله عز وجل قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة. (9) ـ من كتاب السيد حسن بن كبش، مما أخذه من المقتضب ووجدته في المقتضب أيضا مسندا عن سلمان الفارسي رحمه الله قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فلما نظر إلي قال: يا سلمان إن الله عز وجل لم يبعث نبياً ولا رسولا إلا جعل له اثني عشر نقيباً قال: قلت يا رسول الله: قد عرفت هذا من الكتابين قال: يا سلمان فهل علمت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي فقلت: الله ورسوله أعلم قال: يا سلمان خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعته وخلق من نوري علياً فدعاه إلى طاعته فأطاعه وخلق من نوري ونور علي (عليه السلام) فاطمة فدعاها فأطاعته وخلق مني ومن علي ومن فاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه فسمانا الله عز وجل بخمسة أسماء من أسمائه فالله المحمود وأنا محمد والله العلي وهذا علي والله فاطر وهذه فاطمة والله الإحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين ثم خلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنية أو أرضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكاً أو بشراً وكنا بعلمه أنواراً نسبحه ونسمع له ونطيع فقال سلمان قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما لمن عرف هؤلاء فقال يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم فوالى وليهم وتبرأ من عدوهم فهو والله منا يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن قلت يا رسول الله يكون إيمان بهم بغير معرفتهم وأسمائهم وأنسابهم فقال: لا يا سلمان فقلت: يا رسول الله فأنى لي بهم؟ قال: قد عرفت إلى الحسين ثم سيد العابدين علي بن الحسين ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم ابنه جعفر بن محمد لسان الله الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله ثم محمد بن علي الجواد المختار من خلق الله ثم علي بن محمد الهادي إلى الله ثم الحسن بن علي الصامت الأمين العسكري ثم ابنه حجة بن الحسن المهدي الناطق القائم بأمر الله قال سلمان: فسكت ثم قلت: يا رسول الله ادع الله لي بإدراكهم قال: يا سلمان إنك مدركهم وأمثالك ومن تولاهم بحقيقة المعرفة قال سلمان: فشكرت الله كثيرا ثم قلت: يا رسول الله مؤجل في إلى أن أدركهم فقال: يا سلمان اقرأ: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وكانَ وَعْداً مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) قال سلمان: فاشتد بكائي وشوقي فقلت: يا رسول الله بعهد منك؟ فقال: إي والذي أرسل محمداً إنه بعهد مني وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة أئمة وكل من هو منا ومظلوم فينا إي والله يا سلمان ثم ليحضرن إبليس وجنوده وكل من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً حتى يؤخذ بالقصاص والأثار والتراث ولا يظلم ربك أحداً ونحن تأويل هذه الآية: (ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) قال سلمان: فقمت بين يدي رسول الله وما يبالي سلمان متى لقي الموت أو لقيه. (10) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن محمد البرقي عن فضالة عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّا وشيعتنا خلقنا من طينة من علّيِّين وخلق عدونا من طينة خبال من حمإ مسنون. (11) ـ ير، (بصائر الدرجات) ابن عيسى عن ابن محبوب عن بشر بن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله خلق محمدا صلّى الله عليه وآله وسلَّم من طينة من جوهرة تحت العرش وإنه كان لطينته نضج فجبل طينة أمير المؤمنين (عليه السلام) من نضج طينة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وكان لطينة أمير المؤمنين (عليه السلام) نضج فجبل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت لطينتنا نضج فجبل طينة شيعتنا من نضج طينتنا فقلوبهم تحنّ إلينا وقلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد على الولد ونحن خير لهم وهم خير لنا ورسول الله لنا خير ونحن له خير. (12) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن عيسى عن أبي الحجاج قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الحجاج إن الله خلق محمدا وآل محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم من طينة عليين وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك وخلق شيعتنا من طينة دون عليين وخلق قلوبهم من طينة عليين فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد وإن الله خلق عدو آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم من طين سجين وخلق قلوبهم من طين أخبث من ذلك وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين وخلق قلوبهم من طين سجين فقلوبهم من أبدان أولئك وكل قلب يحن إلى بدنه. (13) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن الحسين عن النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الناصب من طينة النار وقال: إذا أراد الله بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره قال: وسمعته يقول الطينات ثلاثة طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم صفوتها وهم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع مِنْ طِينٍ لازِبٍ كذلك لا يفرق الله بينهم وبين شيعتهم وقال: طينة الناصب (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وأما المستضعفون فـ (مِنْ تُرابٍ) لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشية فيهم جميعا. الهوامش (1) بحار الأنوار:52/238. (2) بصائر الدرجات:43ح13. (3) بصائر الدرجات:44ح17. (4) بصائر الدرجات:54ح20. (5) تفسير نور ثقلين:2/390ح191. (6) تفسير نور الثقلين:2/391ح192. (7) تفسير نور الثقلين:392ح193. (8) تفسير نور الثقلين:2/392ح194. (9) مفاتيح الجنان:613. ****************** (14) ـ ير، (بصائر الدرجات) ابن عيسى عن محمد البرقي عن أبي نهشل عن محمد بن إسماعيل عن الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه ثم تلا هذه الآية (كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوى إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية (كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ). (15) ـ ير، (بصائر الدرجات) ابن عيسى عن محمد البرقي عن فضالة عن البطائني عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة وخلق عدونا من طينة خبال (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ). (16) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن الحسين عن أحمد بن علي بن هيثم عن إدريس عن محمد بن سنان العبدي عن جابر الجعفي قال: كنت مع محمد بن علي (عليه السلام) فقال: يا جابر خلقنا نحن ومحبينا من طينة واحدة بيضاء نقية من أعلى عليين فخلقنا نحن من أعلاها وخلق محبينا من دونها فإذا كان يوم القيامة التفت العليا بالسفلى وإذا كان يوم القيامة ضربنا بأيدينا إلى حجزة نبينا وضرب أشياعنا بأيديهم إلى حجزتنا فأين ترى يصير الله نبيه وذريته وأين ترى يصير ذريته محبيها؟ فضرب جابر يده على يده فقال: دخلناها ورب الكعبة ثلاثا. (17) ـ ير، (بصائر الدرجات) عمران بن موسى عن إبراهيم بن مهزيار عن علي عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب الهاشمي عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عجن طينتنا وطينة شيعتنا فخلطنا بهم وخلطهم بنا فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حن إلينا فأنتم والله منا. (18) ـ ير، (بصائر الدرجات) بهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن ميمون عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلقنا من عليين وخلق محبينا من دون ما خلقنا منه وخلق عدونا من سجين وخلق محبيهم مما خلقهم منه فلذلك يهوى كل إلى كل. (19) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن حماد عن أخيه أحمد بن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبيه عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: سمعته يقول: خلق الله الأنبياء والأوصياء يوم الجمعة وهو اليوم الذي أخذ الله فيه ميثاقهم وقال: خلقنا نحن وشيعتنا من طينة مخزونة لا يشذ منها شاذ إلى يوم القيامة. (20) ـ ير، (بصائر الدرجات) ابن عيسى عن محمد البرقي عن صالح بن سهل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المؤمن من طينة الأنبياء (عليه السلام) قال: نعم. (21) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله خلق محمداً وعترته من طينة العرش فلا ينقص منهم واحد ولا يزيد منهم واحد. (22) ـ ير، (بصائر الدرجات) يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن زياد العبدي عن الفضل بن عيسى الهاشمي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وأبي عيسى فقال له: أمن قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم سلمان رجل منا أهل البيت؟ فقال: نعم فقال: أي من ولد عبد المطلب فقال: منا أهل البيت فقال له: أي من ولد أبي طالب؟ فقال: منا أهل البيت فقال له: إني لا أعرفه فقال: فاعرفه يا عيسى فإنه منا أهل البيت ثم أومأ بيده إلى صدره ثم قال: ليس حيث تذهب إن الله خلق طينتنا من عليين وخلق طينة شيعتنا من دون ذلك فهم منا وخلق طينة عدونا من سجين وخلق طينة شيعتهم من دون ذلك وهم منهم وسلمان خير من لقمان. (23) ـ ير، (بصائر الدرجات) بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: إن الله تبارك وتعالى خلق محمداً وآل محمد من طينة عليين وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك وخلق شيعتهم من طينة عليين وخلق قلوب شيعتهم من طينة فوق عليين. (24) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): خلقنا من عليين وخلق أرواحنا من فوق ذلك وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجساده من دون ذلك فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحن إلينا. (25) ـ ير، (بصائر الدرجات) عمران بن موسى عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وكرام عن محمد بن مضارب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى جعلنا من عليين وجعل أرواح شيعتنا مما جعلنا منه ومن ثم تحن أرواحهم إلينا وخلق أبدانهم من دون ذلك وخلق عدونا من سجين وخلق أرواح شيعتهم مما خلقهم منه وخلق أبدانهم من دون ذلك ومن ثم تهوى أرواحهم إليهم. (26) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن عيسى عن محمد بن شعيب عن عمران بن إسحاق الزعفراني عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيبا إلا الأنبياء والمرسلين فلذلك صرنا نحن وهم الناس وسائر الناس همجاً في النار وإلى النار. (27) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتاه رجل فسلم عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين إني والله لأحبك في الله وأحبك في السر كما أحبك في العلانية وأدين الله بولايتك في السر كما أدين بها في العلانية وبيد أمير المؤمنين (عليه السلام) عود فطأطأ به رأسه ثم نكث بعوده في الأرض ساعة ثم رفع رأسه إليه فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم حدثني بألف حديث لكل حديث ألف باب وإن أرواح المؤمنين تلتقي في الهواء فتشام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ويحك لقد كذبت فما أعرف وجهك في الوجوه ولا اسمك في الأسماء قال: ثم دخل عليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين إني أحبك في الله وأحبك في السر كما أحبك في العلانية وأدين الله بولايتك في السر كما أدين الله بها في العلانية قال: فنكت بعوده الثانية ثم رفع رأسه إليه فقال له: صدقت إن طينتنا طينة مخزونة أخذ الله ميثاقها من صلب آدم فلم يشذ منها شاذ ولا يدخل منها داخل من غيرها اذهب واتخذ للفقر جلبابا فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: يا علي والله الفقر أسرع إلى محبينا من السيل إلى بطن الوادي. (28) ـ ك، (إكمال الدين) العطار عن أبيه عن الأشعري عن ابن أبي الخطاب عن أبي سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت عن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل خلق محمداً وعلياً والأئمة الأحد عشر من نور عظمته أرواحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق يسبحون الله عز وجل ويقدسونه وهم الأئمة الهادية من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. (29) ـ ك، (إكمال الدين) ابن إدريس عن أبيه عن محمد بن الحسين بن زيد عن الحسن بن موسى عن علي بن سماعة عن علي بن الحسن بن رباط عن أبيه عن المفضل قال: قال الصادق (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له: يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم. (30) ـ من كتاب رياض الجنان، لفضل الله بن محمود الفارسي بحذف الأسانيد عن أنس بن مالك قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم صلى صلاة الفجر ثم استوى في محرابه كالبدر في تمامه فقلنا: يا رسول الله إن رأيت أن تفسر لنا هذه الآية قوله تعالى (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحِينَ) فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أما النبيون فأنا وأما الصديقون فعلي بن أبي طالب وأما الشهداء فعمي حمزة وأما الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين فنهض العباس من زاوية المسجد إلى بين يديه صلّى الله عليه وآله وسلَّم وقال: يا رسول الله ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد قال صلّى الله عليه وآله وسلَّم: وما وراء ذلك يا عماه؟ قال: لأنك لم تذكرني حين ذكرتهم ولم تشرفني حين شرفتهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا عماه أما قولك أنا وأنت وعلي والحسن والحسين من ينبوع واحد فصدقت ولكن خلقنا الله نحن حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا عرش ولا جنة ولا نار كنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس فلما أراد الله بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فنور العرش من نوري ونوري من نور الله وأنا أفضل من العرش ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة فنور الملائكة من نور ابن أبي طالب ونور ابن أبي طالب من نور الله ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السماوات والأرض فنور السماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور فاطمة من نور الله وفاطمة أفضل من السماوات والأرض ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر فنور الشمس والقمر من نور الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر ثم فتق نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين فنور الجنة والحور العين من نور الحسين ونور الحسين من نور الله والحسين أفضل من الجنة والحور العين ثم إن الله خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها في سحائب البصر فقالت الملائكة: سبوح قدوس ربنا مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوءا فبحرمتهم إلا كشفت ما نـزل بنا فهنالك خلق الله تعالى قناديل الرحمة وعلقها على سرادق العرش فقالت: إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار فقال: هذا نور أمتي فاطمة الزهراء فلذلك سميت أمتي الزهراء لأن السماوات والأرضين بنورها ظهرت وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي وحجتي على خلقي أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلى يوم القيامة فعند ذلك نهض العباس إلى علي بن أبي طالب وقبل ما بين عينيه وقال يا علي لقد جعلك الله حجة بالغة على العباد إلى يوم القيامة. (31) ـ بإسناده مرفوعا إلى جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): يا جابر كان الله ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمداً صلّى الله عليه وآله وسلَّم وخلقنا أهل البيت معه من نوره وعظمته فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس نسبح الله تعالى ونقدسه ونحمده ونعبده حق عبادته ثم بدا لله تعالى عز وجل أن يخلق المكان فخلقه وكتب على المكان لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ووصيه به أيدته ونصرته ثم خلق الله العرش فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك ثم خلق الله السماوات فكتب على أطرافها مثل ذلك ثم خلق الجنة والنار فكتب عليها مثل ذلك ثم خلق الملائكة وأسكنهم السماء ثم تراءى لهم الله تعالى وأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية فاضطربت فرائص الملائكة فسخط الله على الملائكة واحتجب عنهم فلاذوا بالعرش سبع سنين يستجيرون الله من سخطه ويقرون بما أخذ عليهم ويسألونه الرضا فرضي عنهم بعد ما أقروا بذلك وأسكنهم بذلك الإقرار السماء واختصهم لنفسه واختارهم لعبادته ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحت فسبحوا بتسبيحنا ولو لا تسبيح أنوارنا ما دروا كيف يسبحون الله ولا كيف يقدسونه ثم إن الله عز وجل خلق الهواء فكتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وصيه به أيدته ونصرته ثم خلق الله الجن وأسكنهم الهواء وأخذ الميثاق منهم بالربوبية ولمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية فأقر منهم بذلك من أقر وجحد منهم من جحد فأول من جحد إبليس لعنه الله فختم له بالشقاوة وما صار إليه ثم أمر الله تعالى عز وجل أنوارنا أن تسبح فسبحت فسبحوا بتسبيحنا ولو لا ذلك ما دروا كيف يسبحون الله ثم خلق الله الأرض فكتب على أطرافها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين وصيه به أيدته ونصرته فبذلك يا جابر قامت السماوات بغير عمد وثبتت الأرض ثم خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) من أديم الأرض فسواه ونفخ فيه من روحه ثم أخرج ذريته من صلبه فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية أقر منهم من أقر وجحد من جحد فكنا أول من أقر بذلك ثم قال لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم: وعزتي وجلالي وعلو شأني لولاك ولو لا علي وعترتكما الهادون المهديون الراشدون ما خلقت الجنة والنار ولا المكان ولا الأرض ولا السماء ولا الملائكة ولا خلقا يعبدني يا محمد أنت خليلي وحبيبي وصفيي وخيرتي من خلقي أحب الخلق إلي وأول من ابتدأت إخراجه من خلقي ثم من بعدك الصديق علي أمير المؤمنين وصيك به أيدتك ونصرتك وجعلته العروة الوثقى ونور أوليائي ومنار الهدى ثم هؤلاء الهداة المهتدون من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت وأنتم خيار خلقي فيما بيني وبين خلقي خلقتكم من نور عظمتي واحتجت بكم عمن سواكم من خلقي وجعلتكم أستقبل بكم وأسأل بكم فكل شيء هالك إلا وجهي وأنتم وجهي لا تبيدون ولا تهلكون ولا يبيد ولا يهلك من تولاكم ومن استقبلني بغيركم فقد ضل وهوى وأنتم خيار خلقي وحملة سري وخزان علمي وسادة أهل السماوات وأهل الأرض ثم إن الله تعالى هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام والملائكة وأهبط أنوارنا أهل البيت معه وأوقفنا نورا صفوفا بين يديه نسبحه في أرضه كما سبحناه في سماواته ونقدسه في أرضه كما قدسناه في سمائه ونعبده في أرضه كما عبدناه في سمائه فلما أراد الله إخراج ذرية آدم (عليه السلام) لأخذ الميثاق سلك ذلك النور فيه ثم أخرج ذريته من صلبه يلبون فسبحناه فسبحوا بتسبيحنا ولو لا ذلك لا دروا كيف يسبحون الله عز وجل ثم تراءى لهم بأخذ الميثاق منهم له بالربوبية وكنا أول من قال بَلى عند قوله (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ثم أخذ الميثاق منهم بالنبوة لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم ولعلي (عليه السلام) بالولاية فأقر من أقر وجحد من جحد ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) فنحن أول خلق الله وأول خلق عبد الله وسبحه ونحن سبب خلق الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين فبنا عرف الله وبنا وحد الله وبنا عبد الله وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه وبنا أثاب من أثاب وبنا عاقب من عاقب ثم تلا قوله تعالى: (وإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)، وقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أول من عبد الله تعالى وأول من أنكر أن يكون له ولد أو شريك ثم نحن بعد رسول الله ثم أودعنا بذلك النور صلب آدم (عليه السلام) فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب إلى صلب ولا استقر في صلب إلا تبين عن الذي انتقل منه انتقالة وشرف الذي استقر فيه حتى صار في صلب عبد المطلب فوقع بأم عبد الله فاطمة فافترق النور جزءين جزء في عبد الله وجزء في أبي طالب فذلك قوله تعالى وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب والأرحام وولدنا الآباء والأمهات من لدن آدم (عليه السلام). (32) ـ وعن ابن عباس أنه قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله قال: فقلت: يا أمير المؤمنين كيف ينظر بنور الله عز وجل؟ قال (عليه السلام): لأنا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من شعاع نورنا فهم أصفياء أبرار أطهار متوسمون نورهم يضيء على من سواهم كالبدر في الليلة الظلماء. (33) ـ روى صفوان عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: لما خلق الله السماوات والأرضين استوى على العرش فأمر نورين من نوره فطافا حول العرش سبعين مرة فقال عز وجل: هذان نوران لي مطيعان فخلق الله من ذلك النور محمدا وعليا والأصفياء من ولده (عليه السلام) وخلق من نورهم شيعتهم وخلق من نور شيعتهم ضوء الأبصار. (34) ـ سأل المفضل الصادق (عليه السلام): ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين؟ قال (عليه السلام): كنا أنواراً حول العرش نسبح الله ونقدسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم: سبحوا فقالوا: يا ربنا لا علم لنا فقال لنا: سبحوا فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ألا إنا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا ثم قرن (عليه السلام) بين إصبعيه السبابة والوسطى وقال كهاتين ثم قال: يا مفضل أتدري لِمَ سُمِّيَتْ الشيعة شيعة؟ يا مفضل شيعتنا منا ونحن من شيعتنا، أَمَا ترى هذه الشمس أين تبدو؟ قلت: من مشرق وقال: إلى أين تعود؟ قلت: إلى مغرب قال (عليه السلام): هكذا شيعتنا منا بدءوا وإلينا يعودون. (35) ـ روى أحمد بن حنبل عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر ألف عام. (36) ـ من ذلك ما رواه ابن بابويه مرفوعا إلى عبد الله بن المبارك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله خلق نور محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم قبل المخلوقات بأربعة عشر ألف سنة وخلق معه اثني عشر حجاباً والمراد بالحجب الأئمة عليهم السَّلام. (37) ـ من ذلك ما رواه جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله أقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين. (38) ـ يؤيد ذلك ما رواه جابر بن عبد الله في تفسير قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور علي (عليه السلام) فكان نوري محيطا بالعظمة ونور علي محيطا بالقدرة ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتق من نوره فنحن الأولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله ونحن خاصة الله ونحن أحباء الله ونحن وجه الله ونحن جنب الله ونحن يمين الله ونحن أمناء الله ونحن خزنة وحي الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنـزيل ومعنى التأويل وفي أبياتنا هبط جبرئيل ونحن محال قدس الله ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الأمة ونحن سادة الأئمة ونحن نواميس العصر وأحبار الدهر ونحن سادة العباد ونحن ساسة البلاد ونحن الكفاة والولاة والحماة والسقاة والرعاة وطريق النجاة ونحن السبيل والسلسبيل ونحن النهج القويم والطريق المستقيم من آمن بنا آمن بالله ومن رد علينا رد على الله ومن شك فينا شك في الله ومن عرفنا عرف الله ومن تولى عنا تولى عن الله ومن أطاعنا أطاع الله ونحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله ولنا العصمة والخلافة والهداية وفينا النبوة والولاية والإمامة ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسك بها نجا. (39) ـ أقول روى البرسي في مشارق الأنوار، من كتاب الواحدة بإسناده عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إن الله سبحانه تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا وعليا وعترته (عليه السلام) ثم تكلم بكلمة فصارت روحا وأسكنها في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته احتجب بنا عن خلقه فما زلنا في ظل عرشه خضراء مسبحين نسبحه ونقدسه حيث لا شمس ولا قمر ولا عين تطرف ثم خلق شيعتنا وإنما سموا شيعة لأنهم خلقوا من شعاع نورنا. (40) ـ عن الثمالي قال: دخلت حبابة الوالبية على أبي جعفر (عليه السلام) فقالت: أخبرني يا ابن رسول الله أي شيء كنتم في الأظلة فقال (عليه السلام): كنا نورا بين يدي الله قبل خلق خلقه فلما خلق الخلق سبحنا فسبحوا وهللنا فهللوا وكبرنا فكبروا وذلك قوله عز وجل (وأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) الطريقة حب علي صلوات الله عليه والماء الغدق الماء الفرات وهو ولاية آل محمد عليهم السلام. (41) ـ روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ونحن عهد الله ونحن ذمة الله لم نـزل أنوارا حول العرش نسبح فيسبح أهل السماء لتسبيحنا فلما نـزلنا إلى الأرض سبحنا فسبح أهل الأرض فكل علم خرج إلى أهل السماوات والأرض فمنا وعنا وكان في قضاء الله السابق أن لا يدخل النار محب لنا ولا يدخل الجنة مبغض لنا لأن الله يسأل العباد يوم القيامة عما عهد إليهم ولا يسألهم عما قضى عليهم. (42) ـ عن محمد بن سنان عن ابن عباس قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: مرحبا بمن خلقه الله قبل أبيه بأربعين ألف سنة قال: فقلنا: يا رسول الله أكان الابن قبل الأب؟ فقال: نعم إن الله خلقني وعلياً من نورٍ واحدٍ قبل خلق آدم بهذه المدة ثم قسمه نصفين ثم خلق الأشياء من نوري ونور علي (عليه السلام) ثم جعلنا عن يمين العرش فسبحنا فسبحت الملائكة فهللنا فهللوا وكبرنا فكبروا فكل من سبح الله وكبره فإن ذلك من تعليم علي (عليه السلام). (43) ـ قال وروى محمد بن بابويه مرفوعا إلى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله خلق نور محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم قبل خلق المخلوقات كلها بأربعمائة ألف سنة وأربعة وعشرين ألف وخلق منه اثني عشر حجابا والمراد بالحجب الأئمة عليهم السَّلام. (44) ـ عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فذكرت اختلاف الشيعة فقال: إن الله لم يزل فردا متفردا في وحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف ألف دهر ثم خلق الأشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم منه ما شاء وفوض أمر الأشياء إليهم فهم قائمون مقامه يحللون ما شاءوا ويحرمون ما شاءوا ولا يفعلون إلا ما شاء الله فهذه الديانة التي من تقدمها غرق ومن تأخر عنها محق خذها يا محمد فإنها من مخزون العلم ومكنونه. (45) ـ عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: إن الله خلق محمداً وعلياً والطيبين من نور عظمته وأقامهم أشباحاً قبل المخلوقات ثم قال: أتظن أن الله لم يخلق خلقا سواكم بلى والله لقد خلق الله ألف ألف آدم وألف ألف عالم وأنت والله في آخر تلك العوالم. (46) ـ روى علي بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصية، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله هذه الخطبة: الحمد لله الذي توحد بصنع الأشياء وفطر أجناس البرايا على غير أصل ولا مثال سبقه في إنشائها ولا إعانة معين على ابتداعها بل ابتدعها بلطف قدرته فامتثلت في مشيته خاضعة ذليلة مستحدثة لأمره الواحد الأحد الدائم بغير حد ولا أمد ولا زوال ولا نفاد وكذلك لم يزل ولا يزال لا تغيره الأزمنة ولا تحيط به الأمكنة ولا تبلغ صفاته الألسنة ولا تأخذه نوم ولا سنة لم تره العيون فتخبر عنه برؤية ولم تهجم عليه العقول فتتوهم كنه صفته ولم تدر كيف هو إلا بما أخبر عن نفسه ليس لقضائه مرد ولا لقوله مكذب ابتدع الأشياء بغير تفكر ولا معين ولا ظهير ولا وزير فطرها بقدرته وصيرها إلى مشيته وصاغ أشباحها وبرأ أرواحها واستنبط أجناسها خلقا مبروءا مذروءا في أقطار السماوات والأرضين لم يأت بشيء على غير ما أراد أن يأتي عليه ليرى عباده آيات جلاله وآلائه فسبحانه لا إله إلا هو الواحد القهار وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما اللهم فمن جهل فضل محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم فإني مقر بأنك ما سطحت أرضا ولا برأت خلقا حتى أحكمت خلقه وأتقنته من نور سبقت به السلالة وأنشأت آدم له جرما فأودعته منه قرارا مكينا ومستودعا مأمونا وأعذته من الشيطان وحجبته عن الزيادة والنقصان وحصلت له الشرف الذي يسامي به عبادك فأي بشر كان مثل آدم فيما سابقت به الأخبار وعرفتنا كتبك في عطاياك أسجدت له ملائكتك وعرفته ما حجبت عنهم من علمك إذ تناهت به قدرتك وتمت فيه مشيتك دعاك بما أكننت فيه فأجبته إجابة القبول فلما أذنت اللهم في انتقال محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم من صلب آدم ألفت بينه وبين زوج خلقتها له سكنا ووصلت لهما به سببا فنقلته من بينهما إلى شيث اختيارا له بعلمك فإنه بشر كان اختصاصه برسالتك ثم نقلته إلى أنوش فكان خلف أبيه في قبول كرامتك واحتمال رسالاتك ثم قدرت المنقول إليه قينان وألحقته في الحظوة بالسابقين وفي المنحة بالباقين ثم جعلت مهلائيل رابع أجرامه قدرة تودعها من خلقك من تضرب لهم بسهم النبوة وشرف الأبوة حتى إذا قبله برد عن تقديرك تناهى به تدبيرك إلى أخنوخ فكان أول من جعلت من الأجرام ناقلا للرسالة وحاملا أعباء النبوة فتعاليت يا رب لقد لطف حلمك وجل قدرك عن التفسير إلا بما دعوت إليه من الإقرار بربوبيتك وأشهد أن الأعين لا تدركك والأوهام لا تلحقك والعقول لا تصفك والمكان لا يسعك وكيف يسع من كان قبل المكان ومن خلق المكان أم كيف تدركه الأوهام ولم تؤمر الأوهام على أمره وكيف تؤمر الأوهام على أمره وهو الذي لا نهاية له ولا غاية وكيف تكون له نهاية وغاية وهو الذي ابتدأ الغايات والنهايات أم كيف تدركه العقول ولم يجعل لها سبيلا إلى إدراكه وكيف يكون له إدراكه بسبب وقد لطف بربوبيته عن المحاسة والمجاسة وكيف لا يلطف عنهما من لا ينتقل عن حال إلى حال وكيف ينتقل من حال إلى حال وقد جعل الانتقال نقصا وزوالا فسبحانك ملأت كل شيء وباينت كل شيء فأنت الذي لا يفقدك شيء وأنت الفعال لما تشاء تبارك يا من كل مدرك من خلقه وكل محدود من صنعه أنت الذي لا يستغني عنك المكان ولا نعرفك إلا بانفرادك بالوحدانية والقدرة وسبحانك ما أبين اصطفاءك لإدريس على من سلك من الحاملين لقد جعلت له دليلا من كتابك إذ سميته صديقا نبيا ورفعته مكانا عليا وأنعمت عليه نعمة حرمتها على خلقك إلا من نقلت إليه نور الهاشميين وجعلته أول منذر من أنبيائك ثم أذنت في انتقال محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم من القابلين له متوشلخ ولمك المفضيين إلى نوح فأي آلائك يا رب على ذلك لم توله وأي خواص كرامتك لم تعطه ثم أذنت في إيداعه ساما دون حام ويافث فضرب لهما بسهم في الذلة وجعلت ما أخرجت من بينهما لنسل سام خولا ثم تتابع عليه القابلون من حامل إلى حامل ومودع إلى مستودع من عترته في فترات الدهور حتى قبله تارخ أطهر الأجسام وأشرف الأجرام ونقلته منه إلى إبراهيم فأسعدت بذلك جده وأعظمت به مجده وقدسته في الأصفياء وسميته دون رسلك خليلا ثم خصصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم فأنطقت لسانه بالعربية التي فضلتها على سائر اللغات فلم تزل تنقله محظورا عن الانتقال في كل مقذوف من أب إلى أب حتى قبله كنانة عن مدركة فأخذت له مجامع الكرامة ومواطن السلامة وأجللت له البلدة التي قضيت فيها مخرجه فسبحانك لا إله إلا أنت أي صلب أسكنته فيه لم ترفع ذكره وأي نبي بشر به فلم يتقدم في الأسماء اسمه وأي ساحة من الأرض سلكت به لم تظهر بها قدسه حتى الكعبة التي جعلت منها مخرجه غرست أساسها بياقوتة من جنات عدن وأمرت الملكين المطهرين جبرئيل وميكائيل فتوسطا بها أرضك وسميتها بيتك واتخذتها معمدا لنبيك وحرمت وحشها وشجرها وقدست حجرها ومدرها وجعلتها مسلكا لوحيك ومنسكا لخلقك ومأمن المأكولات وحجابا للآكلات العاديات تحرم على أنفسها إذعار من أجرت ثم أذنت للنضر في قبوله وإيداعه مالكا ثم من بعد مالك فهرا ثم خصصت من ولد فهر غالبا وجعلت كل من تنقله إليه أمينا لحرمك حتى إذا قبله لؤي بن غالب آن له حركة تقديس فلم تودعه من بعده صلبا إلا جللته نورا تأنس به الأبصار وتطمئن إليه القلوب فأنا يا إلهي وسيدي ومولاي المقر لك بأنك الفرد الذي لا ينازع ولا يغالب ولا يشارك سبحانك لا إله إلا أنت ما لعقل مولود وفهم مفقود مدحق من ظهر مريج نبع من عين مشيج بمحيض لحم وعلق ودر إلى فضالة الحيض وعلالات الطعم وشاركته الأسقام والتحقت عليه الآلام لا يقدر على فعل ولا يمتنع من علة ضعيف التركيب والبينة ما له والاقتحام على قدرتك والهجوم على إرادتك وتفتيش ما لا يعلمه غيرك سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك وترقى إلى نور ضياء قدرتك وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا أبصار كشفت عنها الأغطية وهتكت عنها الحجب العمية فرقت أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجوك في أركانك وألحوا بين أنوار بهائك ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك فسماهم أهل الملكوت زوارا ودعاهم أهل الجبروت عمارا فسبحانك يا من ليس في البحار قطرات ولا في متون الأرض جنبات ولا في رتاج الرياح حركات ولا في قلوب العباد خطرات ولا في الأبصار لمحات ولا على متون السحاب نفحات إلا وهي في قدرتك متحيرات أما السماء فتخبر عن عجائبك وأما الأرض فتدل على مدائحك وأما الرياح فتنشر فوائدك وأما السحاب فتهطل مواهبك وكل ذلك يحدث بتحننك ويخبر أفهام العارفين بشفقتك وأنا المقر بما أنـزلت على ألسن أصفيائك أن أبانا آدم عند اعتدال نفسه وفراغك من خلقه رفع وجهه فواجهه من عرشك وسم فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال إلهي من المقرون باسمك فقلت محمد خير من أخرجته من صلبك واصطفيته بعدك من ولدك ولولاه ما خلقتك فسبحانك لك العلم النافذ والقدر الغالب لم تزل الآباء تحمله والأصلاب تنقله كلما أنـزلته ساحة صلب جعلت له فيها صنعا يحث العقول على طاعته ويدعوها إلى متابعته حتى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل فأي أب وجد ووالد أسرة ومجتمع عترة ومخرج طهر ومرجع فخر جعلت يا رب هاشما لقد أقمته لدن بيتك وجعلت له المشاعر والمتاجر ثم نقلته من هاشم إلى عبد المطلب فأنهجته سبيل إبراهيم وألهمته رشدا للتأويل وتفصيل الحق ووهبت له عبد الله وأبا طالب وحمزة وفديته في القربان بعبد الله كسمتك في إبراهيم بإسماعيل ووسمت بأبي طالب في ولده كسمتك في إسحاق بتقديسك عليهم وتقديم الصفوة لهم فلقد بلغت إلهي ببني أبي طالب الدرجة التي رفعت إليها فضلهم في الشرف الذي مددت به أعناقهم والذكر الذي حليت به أسماءهم وجعلتهم معدن النور وجنته وصفوة الدين وذروته وفريضة الوحي وسنته ثم أذنت لعبد الله في نبذه عند ميقات تطهير أرضك من كفار الأمم الذين نسوا عبادتك وجهلوا معرفتك واتخذوا أندادا وجحدوا ربوبيتك وأنكروا وحدانيتك وجعلوا لك شركاء وأولادا وصبوا إلى عبادة الأوثان وطاعة الشيطان فدعاك نبينا صلوات الله عليه بنصرته فنصرته بي وبجعفر وحمزة فنحن الذين اخترتنا له وسميتنا في دينك لدعوتك أنصارا لنبيك قائدنا إلى الجنة خيرتك وشاهدنا أنت رب السماوات والأرضين جعلتنا ثلاثة ما نصب لنا عزيز إلا أذللته بنا ولا ملك إلا طحطحته (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) ووصفتنا يا ربنا بذلك وأنـزلت فينا قرآنا جليت به عن وجوهنا الظلم وأرهبت بصولتنا الأمم إذا جاهد محمد رسولك عدوا لدينك تلوذ به أسرته وتحف به عترته كأنهم النجوم الزاهرة إذا توسطهم القمر المنير ليلة تمة (تمامه) فصلواتك على محمد عبدك ونبيك وصفيك وخيرتك وآله الطاهرين أي منيعة لم تهدمها دعوته وأي فضيلة لم تنلها عترته جعلتهم خير أئمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويجاهدون في سبيلك ويتواصلون بدينك طهرتهم بتحريم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل ونسك به لغير الله تشهد لهم وملائكتك أنهم باعوك أنفسهم وابتذلوا من هيبتك أبدانهم شعثة رؤوسهم تربة وجوههم تكاد الأرض من طهارتهم تقبضهم إليها ومن فضلهم تميد بمن عليها رفعت شأنهم بتحريم أنجاس المطاعم والمشارب من أنواع المسكر فأي شرف يا رب جعلته في محمد وعترته فو الله لأقولن قولا لا يطيق أن يقوله أحد من خلقك أنا علم الهدى وكهف التقى ومحل السخاء وبحر الندى وطود النهى ومعدن العلم ونور في ظلم الدجا وخير من آمن واتقى وأكمل من تقمص وارتدى وأفضل من شهد النجوى بعد النبي المصطفى وما أزكي نفسي ولكن بنعمة ربي أحدث أنا صاحب القبلتين وحامل الرايتين فهل يوازى فيَّ أحد وأنا أبو السبطين؟ فهل يساوي بي بشر وأنا زوج خير النسوان؟ فهل يفوقني أحد وأنا القمر الزاهر بالعلم الذي علمني ربي والفرات الزاخر أشبهت من القمر نوره وبهاءه ومن الفرات بذله وسخاءه أيها الناس بنا أنار الله السبل وأقام الميل وعبد الله في أرضه وتناهت إليه معرفة خلقه وقدس الله جل وتعالى بإبلاغنا الألسن وابتهلت بدعوتنا الأذهان فتوفى الله محمداً صلّى الله عليه وآله وسلَّم سعيداً شهيداً هادياً مهدياً قائماً بما استكفاه حافظاً لما استرعاه تمم به الدين وأوضح به اليقين وأقرت العقول بدلالته وأبانت حجج أنبيائه واندمغ الباطل زاهقا ووضح العدل ناطقا وعطل مظان الشيطان وأوضح الحق والبرهان اللهم فاجعل فواضل صلواتك ونوامي بركاتك ورأفتك ورحمتك على محمد نبي الرحمة وعلى أهل بيته الطاهرين.(1) ***** قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا بن الأعلام الباهرة". الأعلام جمع عَلَم وهو الرّاية وما يُعْقَد على الرّمح، أو أنّ العَلَم هو سيّد القوم أو هو شيء يُنصَب فيُهتدى به، أو هو المنارة، أو الجبل الطويل.(2) الباهرة مؤنث البهر أي البهيّ اللامع.(3) فالإمام المهديّ (عليه السلام) وآباؤه الطاهرون أعلامٌ هداة، وراياتُ هدى يُهْتَدَى بها من الضلال والكفر والنفاق. قال (عليه السلام): "السّلام عليكَ يا بن العترة الطاهرة". الإمام المهديّ (عليه السلام) هو من العِترة الطاهرة بإجماع الأمّة وذلك للحديث المتواتر بين العامّة والخاصّة، قال النبيّ يوم غدير خم: "ألا أيها الناس فإنما أنا بشرٌ يوشك أنْ يأتيني رسول ربّي فأجيب وأنا تاركٌ فيكم الثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي (قالها مرّتين)" أخرجه القندوزي في الينابيع عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم وحذيفة بن أُسَيْد، وأخرجه الترمذي وثلّة من محدِّثي العامّة. وبلفظٍ آخر قال: "إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهـل بيتي وإنهـما لـن يفترقـا حتى يـرِدَا عليَّ الحوض".(4) وفي نصٍّ آخر عن إبن المغازلي الشافعي بسنده عن إبن إمرأة زيد بن أرقم قال: أقبل النبي من مكّة في حجّة الوداع حتى نـزل بغدير الجحفة وخطب وقال: "أيها الناس أسألكم عن ثقلي كيف خلّفتموني فيهما،الأكبر منهما كتاب الله سببٌ طَرْفُه بيد الله تعالى، وطرفه بأيديكم فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والآخر منهما عترتي ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها وقال: مَن كنتُ مولاه فعليٌُّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه (قالها ثلاثاً)".(5) وعن زيد بن أرقم أيضاً قال: نـزل النبي بغدير خم فقال فيه: إني قد تركتُ فيكم الثقلين: أحدهما أكثر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض، ثمّ أخذ بيد عليّ وقال: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، ومَن كنتُ وليّه فهذا وليّه، ثمّ قال: اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، فقلتُ: أنتَ سمعتَ هذا؟ قال: ما كان هناك أحد إلاّ وقد رآه بعينه وسمعه بأذنه.(6) معاني العِترة: ومعنى العترة: الأقرباء من الولد، فعترة الرّجل: أقرباؤه من ولدٍ. وعِترة الرّجل: أخصُّ أقاربه، قال إبن الأعرابي: العِترة ولد الرّجل وذريته وعقبه من صلبه، ثمّ قال: فعترة النبيّ: ولدُ فاطمة البتول عليها السَّلام. وقال أيضاً: والعترة: ساق الشجرة،وعترة النبي: عبد المطلب وولده، وقيل: عترته أهل بيته الأقربون وهم أولاده وعليّ وأولاده. أقول: وبهذا التعريف يندفع ما نقلوه عن أبي بكر حيث قال: "نحن عترة رسول الله التي خرج منها". كما يندفع قول أبي بكر بما روي بالمتظافر عن النبيّ من أنه خصّص أهل بيته بابن عمّه وابنته فاطمة وأولادها الطاهرين، فقد روى القندوزي الحنفي عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه، قال حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً،رأيتَ رسول الله وسمعتَ حديثه وغزوتَ معه وصلَّيتَ خلفه، حدِّثنا يا زيد ما سمعت عن رسول الله، قال: يابن أخي والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله فما أحدثكم به فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بما يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة فحَمَد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنما أنا بشرٌ مثلكم يوشك أنْ يأتيني رسول ربّي فأجيب وأنا تاركٌ فيكم الثقلين؛ أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومَن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نسائه من أهل بيته ولكنّ أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومَن هم؟ قال: هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: قلت: كلّ هؤلاء حرَّم الصدقة عليهم؟ قال: نعم. ملاحظة: هذا الخبر أدخل آل عقيل وآل جعفر وآل عباس في مفهوم أهل البيت وهو غير صحيح عندنا نحن الشيعة الإماميّة وإلاّ لكان كلّ هؤلاء ممّن شملتهم آية التطهير، وعلى فرْض صحّة الرّواية فإنّها تتحدّث عن المفهوم العام لآل البيت لكنّ النبيَّ قيّدها بمَن كان تحت الكساء، مضافاً إلى أنه بقي ستة أشهر يطرق باب مولاتنا فاطمة عليها السَّلام للصّلاة فجراً ويقول: الصّلاة أهل البيت يرحمكم الله. هذا مضافاً إلى أنّ المرأة وإنْ كانت من أهل بيت الرّجل لكنها عندما تُطَلَّق تخرج من المفهوم، لذا قال يزيد بن حيان لزيد بن أرقم: مَن أهل بيته؟ قال: أيم الله: إنّ المرأة تكون مع الرّجل العصر من الدّهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها، وأهل بيته صلّى الله عليه وآله وسلَّم أصله وعصبته الّذين حُرِموا الصَّدَقة بعده. الهوامش (1) بحار الأنوار:25/133. (2) المنجد:713. (3) المنجد:191. (4) ينابيع المودّة:35. (5) ينابيع المودّة:35. (6) ينابيع المودّة:36. ****************** عودٌ على بدء: ومن معاني العترة: الأصل، وفي المَثَل: عادت إلى عِتْرِها لميس أي رجعت إلى أصلها، يُضرب لمَن رجع إلى خُلُق كان قد تركه. وقيل: إنّ العِتْر: شجر العرفج وهو نبت كثير اللبن، منبتها نجد وتهامة، كأنّ ورقها الدّراهم ويظهر أنها العترانية التي تنبت في جنوب لبنان، وقيل: إنّ العِتْر هو المرز نجوش يتداوى به، وفي الحديث: أنّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم أُهدي إلى عترٌ فسُرَّ بهذا النبت. وقيل: إنّ العِتْر قطعة من المسك. وعليه؛ فإنّ أهل البيت عليهم السَّلام هم عِتْرَةُ رسول الله بمعنى أصله، فهم الأصل لدين الله المتمثِّل برسول الله محمّد. كما إنهم أصحاب سمعة طيّبة تفوح على عقول وقلوب العالَمين. لذا صحّ أنْ يُقال أنّ الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام) هو إبن العِترة الطاهرة. قال (عليه السلام):"السَّلام عليكَ يا معدن العلوم النبويّة". "المعدن" لغةً هو منبت الجواهر من ذهب وحديد وفضّة ونحوها، وقيل: إنه مكان كلّ شيء فيه أصله ومركزه. فمعنى كونه (عليه السلام) معدن العلوم أي مركزها ومحلّ إقامتها ومستقرّها أي أنّ ذواتهم مركز ومستقر العلوم الإلهيّة كلّها، وأمّا العلوم الأخرى فهي تبع للعلوم الإلهيّة ومنبثقة عنها. وقد ورد في الزيارة الجامعة أنّ أئمّة آل البيت هم "معدن الرّحمة وخزّان العلم". ولعلّ وجه الإختلاف بين التعبير بفقرة زيارة السّرداب: "السّلام عليكَ يا معدن العلوم" وبين فقرة الزيارة الجامعة: "السَّلام عليكم يا أهل بيت النبوّة...ومعدن الرّحمة وخزان العلم" هو أنّ الرّحمة أعمّ من العِلْم، فكونهم معدن الرّحمة يستلزم ويستبطن كونهم معدن العلوم، إذ بالرّحمة فاضت العلوم من الذات الصّمديّة على القوابل الشريفة، من هنا ورد في الحديث: "سبقت رحمتي غضبي" فبواسطة الرّحمة صار الأولياء عالِمين. ولو دقّقنا بكلمتَي: "معدن..وخازن" لوجدنا أنه لا فرق بينهما سوى باللفظ، فكلمة معدن بمعنى المركز والمستقرّ، وكذا كلمة "خازن" وهو الموضع الحصين الّذي يخزن فيه المال أو الشيء الثمين، فهم عليهم السَّلام على كِلاَ المعنيَيْن خزنة للعلوم ومعدن لها، وإنْ كان معنى "المعدن" أعمّ من معنى "الخازن" إذ قد يخزن الإنسان عِلْماً من غيره، لكنّه ليس له، أمّا مَن كان العِلْمُ خارجاً من ذاته فهو عدينٌ له صادرٌ من أصله لا من شيء آخر خارجٌ عن ذاته. وعليه؛ فإنّ كونهم "معدن العِلْم وخزّانها" أي لا يصدر منهم شيء من العلم إلاّ بإذنه تعالى، بل لهم من العِلْم ما يختص بهم كما ورد في حديث أبي الصامت في صعوبة عِلْمهم حيث قال: فمَن يحتمله؟ قال (عليه السلام): نحن. فهم الحَفَظَة لعِلْمِهِ تعالى بما جعلهم حصناً وحرزاً وخزينةً لعِلْمه، فهم خزّان عِلْمِهِ أي ولاة خزائن عِلْم الله تعالى، وبمعنى أوضح أنهم مظهر عين عِلْم الله، ومفاتيح تلك الخزائن. ورد في الكافي بإسناده عن أبي ربيع الشامي قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (وما تسقط من ورقة إلاّ يعلَمها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتابٍ مبين) قال: الورقة السُّقْط، والحبّة: الولد، وظلمات الأرض: الأرحام، والرّطب: ما يحيى من الناس، واليابس ما يقبض، وكلّ ذلك في إمامٍ مبين. وفي تفسير العياشي عن الحسين بن خلق قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله (وما تسقط من ورقة) إلى أنْ قال: قلت: في كتابٍ مبين؟ قال(عليه السلام): في إمامٍ مبين. وورد في المستفيض: من أنهم عليهم السَّلام "محالّ مشيّة الله" وعليه ينتج أنهم عليهم السَّلام مفاتح الخزائن، لذا ورد التعبير عنهم عليهم السَّلام بالقول: من أنّ قلوبهم أوعية لمشيّة الله" ممّا يعني أنهم تلك المشيّة الإلهيّة أي مفتاحه الّذي به التصرّف في الأشياء لا أنهم عين المشيّة أو أنهم مختارون فيها مستقلاً. كيف وقد قالوا: وما نشاء إلاّ أنْ يشاء الله. قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا بابَ اللهِ الّذي لا يُؤتى إلاّ منه ". الباب لغةً هو المدخل أو الطريق، ويُراد من الباب هنا الباب المعنوي الّذي من خلاله يدخل إلى المملكة الإلهيّة وعوالم الجبروت واللاهوت، وقد حصر الإمام (عليه السلام) الطريق للوصول إلى الله تعالى به (عليه السلام) بقوله "لا يؤتى إلاّ منه" أي لا يؤتى ولا يصل أحدٌ إلى الله إلاّ من خلال هذا الباب، ولا يصحّ أنْ يكون الضمير في (يؤتى) هو الباب وذلك لأنّ ضمير "منه" راجعٌ إلى الباب أيضاً، وعليه فيكون المعنى هكذا (السَّلام عليك يا باب الله الّذي لا يؤتى الباب إلاّ من الباب) فيكون ترديداً زائداً وتحصيلاً حاصلاً، فلا بدّ أنْ يكون الضمير حينئذٍ في (يؤتى) راجعاً إلى الله تعالى فيكون المعنى كالتالي (السَّلام عليكَ يا باب الله أي يا طريق الله الّذي لا يؤتى أي لا يصل إلى الله إلاّ من خلاله). وبالجملة: يستحيل الوصول إلى الله تعالى إلاّ من خلال الطريق أو الباب الّذي أمر الله به أن يوصل ويُسْلَك، وكذا لا يمكن الوصول إلى رسول الله وإلى عِلْمِهِ إلاّ من خلال بوابة عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، لذا ورد في الحديث المتواتر وقد رواه الفريقان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: "أنا مدينة العِلْم وعليٌّ بابها".(1) وورد بألفاظ أخرى منها: "أنا مدينة الحكمة وعليٌّ بابها".(2) رواه ثلّة من المؤرِّخين أمثال البغدادي في تاريخ بغداد وابن المغازلي الشافعي، والحمويني في فرائد السمطين والعسقلاني في لسان الميزان والقندوزي في الينابيع، وكذا ورد في لفظ "أنا مدينة الفقه وعليّ بابها".(3) رواه الثعلبي في المناقب والفضائل لإبن حنبل وإبن الجوزي في تذكرة الخواص. وورد بلفظ "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها".(4) كيف لا يكون الإمام عليّ (عليه السلام) دار الحكمة وباب العِلْم وقد نُقل عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ أنه قال في حقّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): إنّ القرآن أُنـزل على سبعة أحرف (أي بطون) ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهر وبطن وإنّ عليّاً إبن أبي طالب (عليه السلام) عنده عِلْم الظاهر والباطن).(5) وقال صلّى الله عليه وآله وسلَّم أيضاً: "قُسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً، وعليٌّ أعلم بالواحد منهم".(6) ملاحظة: فإذا كان النبي مدينة العِلْم، لا بدّ أنْ يكون أمير المؤمنين أيضاً مدينةً بنفسه لكونه نفس رسول الله بنص آية المباهلة،فتقييد النبيِّ المدينة بالباب الّذي هو الإمام (عليه السلام) لإلفات النظر أنه لا يمكن الدخول إلى المدينة أو الدّار ـ دار الحكمة ـ إلاّ من خلال الطريق الّذي أمر الله به أنْ يُوصل ويُسلك كما أشرنا آنفاً، فمَن أُعطي الحكمة كاملة حيث قُسمت عشرة أجزاء تسعة منها لمولانا الإمام عليّ (عليه السلام) والجزء الأخير للناس، ومع هذا فقد شاركهم فيه، يستلزم القول بأنّ هذه الشخصيّة فاقت العالَمين بعلومها وحكمتها، بل لا يمكن قياسه على أحدٍ على الإطلاق. فعليٌّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو باب عظيم فتحه الله لخاصّة أوليائه من المرسَلين والنبيين والأولياء الصّالحين، لذا روى إبن حجر عن الدارقطني عن إبن عباس أنّ النبيّ قال: "عليٌّ باب حطّة مَن دخل منه كـان مؤمنـاً ومَـن خرج منه كـان كافراً".(7) وأورد إبن حجر أيضاً عن الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين أنّ رسول الله قال: "ما تريدون من علي ـ قالها 3مرات ـ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي".(8) وكذا روى الخاصّة بأنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) والأئمة هم البيوت والأبواب معاً فقد روى الطبرسي في الإحتجاج عن الأصبغ بن نباتة قال: كنتُ جالساً عند أمير المؤمنين فجاء إبن الكوّا فقال: يا أمير المؤمنين مَن البيوت في قوله عزّ وجلّ: (وليس البرّ بأنْ تأتوا البيوت من ظهورها...) قال الإمام عليّ (عليه السلام): نحن البيوت التي أمر الله بها أن تؤتى من أبوابها، نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منها، فمَن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها، ومَن خالفنا وفضَّلَ علينا، فقدا أتى البيوت من ظهورها.(9) وروى الشيخ الكليني رحمه الله بإسناده عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: الأوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتى، ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجلّ، وبهم احتجّ تبارك وتعالى على خلقه.(10) وفي تفسير العياشي عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام): آل محمّد أبواب الله وسبله، والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها، والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة.(11) بعد ما تقدّم من كون الإمام علي (عليه السلام) طريقاً إلهياً للوصول إلى الله، وباباً لاقتباس الحكمة والعِلْم، بل مدينة بذاتها فيها الكثير من فواكه العِلْم والحكمة، فإنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلَّم ربط كلّ الأمور المعنوية والمادية باتباع مولانا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، لذا أمر في وقته أنْ يسدّوا الأبواب المشرعة إلى المسجد إلاّ باب المرتضى عليّ (عليه السلام)، فقد روى القندوزي عن كنوز الدقائق للمناوي المصري عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: لا ينبغي لأحدٍ أنْ يجنِبَ في المسجد إلاّ أنا وعليّ.(12) وروى عن سنن الترمذي عن إبن عباس قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ. وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ، فقال بعضهم فيه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته. وروى عن المناقب عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم قام خطيباً فقال: إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم شيئاً إنْ أمكنت عليّاً في المسجد وأخرجتهم،والله ما أخرجتهم وأسكنته بل الله أخرجهم وأسكنه، إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى موسى (عليه السلام) وأخيه أنْ تبوأا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلةً وأقيموا الصلاة ثمّ أمر موسى أن لا يسكن مسجده (ولا ينكح فيه...) ولا يدخله جنب إلاّ هارون وذريته، وأنّ عليّاً مني بمنـزلة هارون من موسى وهو أخي ولا يحلّ لأحد أنْ ينكح فيه النساء إلاّ عليّ وذريته، فمن ساءَه فها هنا وأشار بيده نحو الشام ـ أي فليرحـل إلى الشام مركـز معاويـة والدولة الأمويّة ـ. وصفوة القول: إنّ مولانا الإمام المهديّ (عليه السلام) هو مدينة العلوم، والباب الذي من خلاله يصل المرء إلى الله تعالى، فهو بحق باب الله وليس باب مدينة، وكذا بقيّة آل البيت عليهم السَّلام، لذا ورد في الصحيح عن مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: "أيها الناس أفهمتم، الله الله في أهل بيتي، مصابيح الظُّلَم ومعادن العِلْم وينابيع الحِكَم ومستقرّ الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي وهو مني بمنـزلة هارون من موسى، ألا هل بلّغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنّ فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمَن هتكه فقد هتك حجاب الله، فبكى الإمام أبو الحسن الكاظم (عليه السلام) طويلاً وقطع بقيّة كلامه وقال (عليه السلام): هُتِكَ والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمَّه صلوات الله عليها". فالصدّيقة الطاهرة هي الحجاب والباب إلى الله بل هي سرّ الله في خلقه، مَن عرفها فقد عرف الله، ومَن جهلها فقد جهل الله. قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا سبيلَ الله الّذي مَن سلكَ غيره هَلَك". السبيل لغةً هو الطريق أو السبب والوُصْلة، أو هو حَوض الماء المُباح للورداني، والجمع سُبُل. وقد ورد في القرآن الشريف الكثير من الآيات التي فيها لفظ السبيل والسُبُل ومشتقاتهما بلغت مائة وسبعين مورداً، وقد تنوعت مواردها، فأُطلق السبيل فيها على الجهاد وعلى عمل الخير، وعلى الإعتقاد وعلى إمامة وولاية أهل البيت عليهم السَّلام، ولا تعارض بين هذه المصاديق لكونها مثبتات يجمعها شيءٌ واحد وهو الإعتقاد بالله وبولاية رسول الله وعترته الطاهرة، فهم عليهم السَّلام السُبُل والسبيل، فمن لم يسلك سبيلهم ضلّ وتاه. من هنا ورد في أخبار صحيحة أنّ آل البيت هم السبيل المقيم. ففي صحيحة إبن أبي عُمَيْر قال: أخبرني أسباط بيّاع الزُّط قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجلٌ عن قول الله عزّ وجلّ: (إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لسبيل مقيم) قال: نحن المتوسمون، والسبيل فينا مقيم.(13) وعن محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن يحيى بن إبراهيم قال: حدَّثني أسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل هيت فقال له: أصلحك الله ما تقول في قول الله عزّ وجلّ:(إنّ في ذلك لآيات للمتوسّمين) قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.(14) وفي صحيحة محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي إبن عبد الله، عن محمّد بن مسلم، عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (إنّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين) قال(عليه السلام): هم الأئمّة؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عزّ وجلّ في قول الله تعالى:(إنّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين). عن محمّد بن يحيى، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن عبد الله بن سليمان، عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) فقال:هم الأئمّة عليهم السَّلام (وإنها لبسبيل مقيم) قال (عليه السلام): لا يخرج ـ أي التوسّم ـ منا أبداً.(15) وعن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيوب، عن عمرو بن شمرو، عن جابر، عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في قوله تعالى: (إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) قال (عليه السلام): كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم المتوسّم، وأنا من بعده والأئمّة من ذريتي المتوسِّمون.(16) أي الطريق إلى الله فينا منحصر، فلا يمكن الوصول إليه من دون سلوك طريقنا. قال (عليه السلام):"السَّلام عليكَ يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى". طوبى: شجرة في الجنّة، وفي التنـزيل العزيز: (طوبى لهم وحُسْن مآب). وقيل: طوبى؛ إسم الجنّة بالهنديّة، قال الصّاغاني: إنّ أصلها توبى بالتاء، فعُرِّبَت لأنه ليس في كلام أهل الهند طاء. وقال أبو إسحاق: "حسبما نقل عنه إبن منظور في لسان العرب مادّة طيب"؛ طوبى: فُعلى من الطيب، ومعنى الآية: أنّ العيش الطيّب لأهل الجنّة. وقيل: طوبى إسم الجنّة بالحبشيّة. وقال قتادة: طوبى: كلمة عربيّة تقول العرب: طوبى لك إن فعلتَ كذا وكذا. وفي الحديث المشهور: إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. وطوبى: فُعلى من الطيب كما قلنا، وكأنّ أصله طُيْـبَى، فقلبوا الياء واواً للضمّة قبلها، ويقال: طوبى لك ولا يُقال: طوباك عند أكثر النحويين إلاّ الأخفش فقال: يجوز أنْ تقول: طوباك.(17) وأمّا سدرة المنتهى، فأصل السدْر: هو شجر النبق، واحدتها سِدْرَة وجمْعُها: سِدْرَات وسِدْرٌ وسُدور. فالسّدر هو النبق ـ حسبما أشرنا ـ وهي ـ أي النبقة ـ شجرة عظيمة ثمرها كالبندق أحمر اللون، يؤكل وهو طيّب الطعم، يفوح فمُ آكله وثياب مُلابسه كما يفوح العِطْر، يوجد بكثرة في الأماكن الحارّة، ولهذه الشجرة صُمغ مفيد يذيب الشحم، ويُحمر الشّعر، يفيد السِّدر أو النبق في علاج الجسد، فيقولون: إنّ ورق السّدر يليّن الورم الحار ويحلّله، وينفع للربو وأمراض الرّئة، ويقوّي المعدة وينفع من نزف الحيض وقروح الإمعاء، وينفع من الإسهال، وأكل ثمار النبق يشفي من التشنجات العصبيّة ومقوّي للكبد، ويشفي من الأورام الصّدريّة.(18) هذا هو المعنى اللغوي للسِدْر، وأمّا الإصطلاحي فمعنى "سِدْرة المنتهى" شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة إنتهى إليها عِلْمُ كلّ ملك. وقيل: إليها ينتهي ما يعرج إلى السّماء وما يهبط من فوقها من أمر الله تعالى، وقيل: إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، ويقبض منها وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح ويقبض منها. "والمنـتهى": موضع الإنتهاء، فسِدْرَة المنـتهى أي هذه الشجرة هي حيث إنتهى إليه ـ أي إلى هذا الموضع ـ الملائكة.(19) قال إبن الأثير: سدرة المنـتهى في أقصى الجنة إليها ينتهي علمُ الأوّلين والآخرين ولا يتعدّاها. وقال الليث: إنها ـ أي سدرة المنـتهى ـ في السّماء السابعة لا يجاوزها مَلَك ولا نبيّ ـ عدا النبيّ وآله ـ وقد أظلّت الماء والجنّة، وفي حديث الإسراء قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: رُفِعْتُ إلى سدرة المنـتهى.(20) ولا يبعد أنْ يكون الوجه في تسميتها بسدرة المنـتهى هو أنّ ما يغشى تلك البقعة من النور والبهاء والحُسن والصّفاء الّذي يروق الأبصار ما ليس لوصفه منـتهى. وبالجملة: فإنّ سدرة المنـتهى هي أقصى مكان في عالم الملكوت. وهي فوق الجنّة أو أقصى مكان في الجنّة، لذا قال تعالى: (ولقد رآه نـزلةً أخرى ـ أي رأى الوحي أو أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) ـ عند سدرة المنـتهى ـ (التي لا يتجاوزها خلق من خلق الله حسبما جاء في حديثٍِ عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) (عندها جنّة المأوى) فجنّة المأوى بجنب سِدرة المنـتهى. وجنّة المأوى هي جنّة الخلد التي يأوي إليها المؤمنون ويأوي إليها جبرائيل والملائكة.(21) وزبدة المخض: فإنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) ناظرٌ بعينيه وفكره وروحه إلى أعلى الأماكن في عوالم الملكوت بل عوالم الجبروت، فهو من ربّه كقاب قوسين أو أدنى تماماً كجدّه رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) الّذي كان مع نبينا محمّد في تلك الرحلة الربانية حسبما أشار إلى ذلك الشيخ الطوسي بإسناده إلى إبن عباس قال: قال رسول الله: لمّا عُرج بي إلى السّماء ودنوتُ من ربّي عزّ وجلّ حتى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى قال لي: يا محمّد مَن تحبّ من الخلق ؟ قال: يا ربّ عليّاً، قال: إلتفت يا محمّد، فالتفتُّ عن يساري فإذا عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).(22) وفي خبر أورده عليّ بن إبراهيم القمّي قال:)لقد رأى من آيات ربّه الكبرى، يقول: لقد سمع كلاماً أنه قويٌّ ما قوى. وعن ابي بريدة الأسلمي قال: سمعت رسول الله يقول لعليّ:يا عليّ: إنّ الله أشهدَكَ معي في سبع مواطن: أمّا أوّل ذلك فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرائيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي، قال: ادعُ الله فليأتيك به، فدعوت الله فإذا مثالك معي. وأما السّادس لما أسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيين فصلّيتُ بهم ومثالكَ خلفي.(23) وعن أبي حمزة عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين يقول: ما لله عزّ وجل آية هي أكبر منّي. ولا يبعد بضميمة هذه الأخبار أنّ يكون الله قد أسرى بعبده ليلاً ليريه من آياته الكبرى أي ليريه بعض كرامات ومعاجز أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، أو من باب إنقياد موسى إلى الخضر. فتأمّل وتدبّر. وأطفأ السّراج يا كميل فقد طلع الصبح، وليس وراء عبادان قرية. قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا نور الله الّذي لا يُطفا". إنّ تفسير هذه الفقرة صعبٌ عسير، لا سيّما وإننا بعيدون عن الإمام (عليه السلام)، وعقولنا قاصرة عن إدراك مَنْ لا يعرفه إلاّ الله تعالى، لذا سيأتي في الفقرات اللاحقة أننا نسلّم عليه بما سمح الله لنا أنْ نعرفه "السَّلام عليكَ سلامَ مَن عرَفَكَ بما عرَّفكَ به اللهُ ونعتكَ ببعض نعوتكَ التي أنتَ أهلها وفوقها" وإلاّ أين التراب وربّ الأرباب، أين نحن من هذا النور الّذي لا يُطفا؟ إنه النور المتألق في طيخاء الديجور حسبما ورد في ليلة مولده المباركة "اللهمّ بحقّ ليلتنا هذه ومولودها وحجّتكَ وموعودها التي قرنتَ إلى فضلها فضلكَ، فتمّت كلمتك صدقاً وعدلاً لا مبدّل لكلماتك ولا معقّب لآياتك، نورُك المتألق وضياؤك المشرق ،والعَلَمُ النور في طيخاء الديجور ـ أي في الليالي المظلمة ـ،الغائب المستور جلّ مولده وكَرُم محتده ـ أصله ونسبه ـ،والملائكةُ شُهَّدُه،واللهُ ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده، والملائكة أمداده، سيف الله الذي لا ينبو ـ أي لا يضعف عن القطع ـ ونوره الّذي لا يخبو ـ أي لا ينطفئ ـ وذو الحلم الّذي لا يصبو ـ أي لا يميل إلى الجهل ـ". كيف يمكننا أنْ نصف من كان نورَ الله المتألق وضياءَه المشرق؟ لا يمكن للعقول مهما سَمَتْ، وللخيال مهما ارتقى، وللفكر مهما حَلَّق وبلغ أنْ يدرك ذاك الّذي لا يخبو والسيف الّذي لا ينبو، وحقٌّ لتلك العقول أنْ تخبو وتنطفئ. كيف يمكن أنْ أصف هذا النور العظيم الّذي عبّر الله عزّ وجلّ بقوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربّها) (الزمر/69) حسبما جاء في رواية نقلاً عن عليّ بن إبراهيم عن المفضل بن عمر أنه سمع الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله عزّ وجلّ: (وأشرقت الأرض بنور ربها) قال(عليه السلام):ربّ الأرض يعني إمام الأرض، قلتُ: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال (عليه السلام): إذاً يستغني النـاس عـن ضوء الشمس ونـور القمر ويجتزئون بنور الإمام.(24) وروى المفيد في الإرشاد عن المفضل بن عمر أيضاً قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا قائمنا قام، أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العبـاد عـن ضـوء الشمس وذهبـتْ الظَّلْمَة.(25) فقبل قيام الصاحب، الأرض مظلمة لأنّ الشمس فيها من وهج الغضب لكونها ناراً، أما لو قام مولانا الحجّة (عليه السلام)، فإنّ الغضب يطفئ، ويكون النور من الرّحمة، "سبقتْ رحمتي غضبي" وعند قيامه سوف تخرج إشعاعاته وفيوضاته النفسانية إلى جميع معادن الإنسانيّة من مرحلة الإستعداد (بالقوة) إلى مرحلة الفعليّة، فإنّ الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة. إنّ معرفة هكذا موجود، وهكذا نور ليست في وسعنا ولا يمكن لإدراكنا أن تنالها! بل المعصوم مثله هو الّذي ينالها، أمثال الإمام عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام): "لابدّ من فتنة صمّاء صيلم يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة ـ أي يزلّ فيها خواص الشيعة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ـ أي الإمام العسكري ـ يبكي أهل السماء وأهل الأرض، وكلّ حرّى وحرّان، وكلّ حزين لهفان ثمّ قال (عليه السلام): بأبي وأمي سميُّ جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس كم من حرّى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين، كأني بهم آيس ما كانوا، نودوا نداءً يُسمع من بُعد كما يُسمع من قُرْب،يكون رحمةً على المؤمنين، وعذاباً على الكافرين".(26) ما أعظم هذا التعبير من مولاي الإمام الرّضا (عليه السلام) عن مولاي الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام)، ولكنْ ما هي هذه الجلابيب أو الجيوب التي خُلِعَت عليه بحيث تتوقد بشعاع ضياء القدس، لقد فدّاه النبيّ بأبيه وأمه كما فدّاه الإمام الرّضا بأبيه وأمه، ففي حديث طويل عن محمّد بن الحنفيّة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: قال الله تبارك وتعالى: لأعذبنّ كلّ رعيّة دانت بطاعة إمام ليس مني وإنْ كانت الرّعيّة في نفسها برّة، ولأرحمنّ كلّ رعيّة دانت بإمامٍ عادل مني وإنْ كانت الرّعيّة في نفسها غير برّة ولا تقيّة؛ ثمّ قال: يا عليّ أنتَ الإمام والخليفة بعدي، حربكَ حربي وسلمكَ سلمي، وأنتَ أبو سبطيَّ وزوج ابنتي، ومن ذريتك الأئمّة المطهَّرون، فأنا سيّد الأنبياء وأنت سيّد الأوصياء وأنا وأنت من شجرة واحدة، ولولانا لم يخلق الله الجنة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة. قال: قلت: يا رسول الله فنحن أفضل أم الملائكة؟ قال: يا عليّ نحن خير خليقة الله على بسيط الأرض، وخير من الملائكة المقرَّبين، وكيف لا نكون خيراً منهم وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده؟ فبنا عرَفُوا الله، وبنا عبدوا الله، وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله، يا عليّ أنتَ مني وأنا منك، وأنتَ أخي ووزيري،فإذا متُّ ظهرت لكَ ضغائن في صدور قوم، وستكون بعدي فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع من ولدك، تحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم من مؤمن ومؤمنة متأسف متلهِّف حيران عند فقده. ثمّ أطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه وقال: بأبي وأمّي سميّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور ـ أو قال: جلابيب النور ـ يتوقّد من شعاع القدس، كأني بهم آيَسْ ما كانوا، نودي بنداء يسمعه من البعد كما يسمعه من القُرب، يكون رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين؛ قلت: وما ذلك النداء؟ قال: ثلاثة اصوات في رجب، أولها، ألا لعنة الله على الظالمين، والثاني: أزفت الآزفة، والثلث يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس ينادي: ألا إنّ الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى الإمام عليّ (عليه السلام) فيه هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي الفَرَج ويشفي الله صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم، قلت:يا رسول الله فكم يكون بعدي من الأئمّة؟قال:بعد الحسين تسعة، التاسع قائمهم.(27) فمعنى جيوب النور أي مداخل النور لأنّ الجيب هو المدخل أو الفتحة في القميص أو الدّرع، لذا قيل في صفة نهر الجنة أنّ: حافتاه الياقوت المُجَيَّبُ. فيكون محصَّل المعنى: أنّ على الإمام المهدي (عليه السلام) مداخل نورانيّة من الله تعالى، وكأنّ النور مسلَّط عليه، أمّا ما هي حقيقة هذا النور؟ فنحن لا ندري. أو يكون المعنى أنه يسطع من الإمام (عليه السلام) نورٌ بحيث تتوقّد له الجيوب بالهداية والفيض. وعليه يكون معنى "جلابيب النور" هو أنّ نور الهداية أو خِلَعِ الهداية تسطع منه ـ روحي فداه ـ على جيوب القابلين لأنوار القدس من العلوم والمعارف الربانية. قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا حجّة َ الله التي لا تخفى، السَّلام عليك يا حجّةَ الله على مَن في الأرض والسَّماء". معنى الحجّة بضمّ الحاء: الإسم من الإحتجاج، وجمع الحجّة: حجج، وقيل: إنّ الحجّة هي الكلام المستقيم على الإطلاق، ويراد بها الدليل والبرهان، والبرهان قد يكون باللفظ، وقد يكون بالعمل، والبرهان العملي أدلُّ دليلٍ على صحّة ثبوت الحجّة على الخصم بخلاف البرهان اللفظي فإنه لا يتجاوز إلاّ دعاءً على المدّعى، والأذواق والأفهام مختلفة لجودة الإدراك وعدمها في الأشخاص، لذا يطرأ الإشتباه ـ في بعض الأحيان ـ في الدلالة اللفظيّة، من هنا يحتاج في قطعية الدلالة اللفظية إلى احتفافه بالقرائن الأخرى أو القرائن الحالية وغيرها، وأمّا البرهان العملي فإنه لا يحتاج إلى قرينة لفظيّة تبيّن المراد، لأنّ العمل بنفسه قرينة قطعيّة على الدّعوى المقرَّرة. وعليه؛ فإنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو الحجّة ـ بِكِلاَ قسمَيْها ـ من الله تعالى على خلقه عامّةً دون استثناء، ومعنى كونه حجّة على مَن مضى ومَن بقي يستلزم القول أنه الحجّة على كلّ شيء، على الملائكة والأنبياء والمرسَلين، كما إنه الحجّة على الدار الأولى والآخرة والدنيا، وبهذه الفقرة نستدل على عوالم الأرواح السابقة على عالم الأجساد لأنّ معنى كونه حجّة سابقة على الأنبياء والمرسَلين من حيث أسبقيّة روحه على أرواحهم وطينته على طينتهم التي منها خُلِقَ الأنبياء والمرسَلون والشيعة من الملائكة والممتحَنين من محبي أمير المؤمنين(عليه السلام)، وبهذا دلّت النصوص على أنّ أرواحهم كانت أوّل ما خلق الله وقد أوردنا قسماً منها سابقاً فراجع. من هنا ورد في الزيارة الجامعة قوله (عليه السلام): "السَّلام على أئمّة الهدى ومصابيح الدّجى...وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته". توضيح ذلك: إنّ أئمّة آل البيت (عليهم السلام) حجج الله على كلّ العوالم الزمانية والمكانية، ففي عالم الأرواح هم حجج على الأرواح، وفي عالم الأجساد هم حجج على الأجساد، من هنا جاء التعبير بأنهم حجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى. أمّا إنهم حجج على أهل الدنيا، فواضح إذ إنّ الدنيا في مقابل الآخرة، وسميت الدّنيا بالدنيا لدنوّها وخساستها، أو لدنوّها من الآخرة،وأما إنهم حجج الله تعالى على الآخرة فلأنّ الآخرة مقرّ الجزاء،فهي آخرة بالقياس إلى الدنيا. وأمّا كونهم حجج لله على الأولى، فلأنهم أول خلق الله تعالى، فهم سادة الكائنات على الإطلاق، وليس المراد من الأولى كما توهّم بعض شرّاح الزيارة الجامعة من أنّ معنى "الأولى" أي الدنيا أي التأكيد للدنيا أو جيئ به ـ أي لفظ الدنيا ـ للسجع. بل الصحيح أنهم الحجج على عوالم الأرواح والذر فإنهم حجج الله في تلك العوالم السابقة. وعلى أيّ حال فهم عليهم السَّلام الحجج على الخلق في عالم الوجود مطلقاً كما دلّت على ذلك النصوص الصحيحة التي سنشير إلى بعضٍ منها. وكونهم حججاً في عالم الدنيا من حيث بيان المعارف والعلوم والأوامر والنواهي الإلهيّة، وتوجيه الأفراد إلى المصالح الواقعيّة. وأما كونهم حججاً في الآخرة فلشهادتهم عليهم السَّلام على الناس فيما عملوا وتركوا، والمراد من الآخرة ليس يوم المعاد فحسب، بل يشمل عالم البرزخ، لأنّ القبر أوّل منـزل من منازل الآخرة، ولذا ورد أنه إذا مات ابن آدم قامت قيامته، فيكون المعنى أنهم الحجج على أهل البرزخ وأهل الآخرة في الحشر والنشر ومواقف القيامة وفي الجنة والنار. وقد يُراد من الآخرة أيضاً زمان رجعة الأئمة الأطهار كما في المحكي عن تفسير العياشي عن الإمام الباقر (عليه السلام) تفسيراً لقوله تعالى: (الّذين يؤمنون بالآخرة) (الأنعام/113) قال (عليه السلام): لا يؤمنون بالرجعة أنها حقّ. وفي المحكي عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السَّلام في قوله تعالى: (ومَن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) يعني لا يؤمنون في الرجعة. وفي المحكي عن تفسير القمي عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى(وللآخرة خيرٌ لكَ من الأولى) قال (عليه السلام): يعني الكرّة في الآخرة للنبي. وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال في قوله تعالى: (وما له في الآخرة من نصيب) ليس له في دولة الحقّ مع القائم (عجَّلَ اللهُ فَرَجه الشريف) نصيب. فالآخرة قد استُعْمِلَتْ في هذه الأمور في عُرْف الشَّرع، فهم عليهم السَّلام الحجج على الخلق في زمان الرجعة وقيام الإمام المهديّ، وهذا لا ينافي إطلاق أهل الدنيا على مَن في زمان الرجعة، لأنّ الآخرة المستعملة في زمان الرجعة، يراد معناها اللغوي وهو الزمان المتأخر، فهي بهذا اللحاظ يصحّ إطلاقها على زمان الرّجعة خصوصاً بلحاظ الحكمة الداعية لهذا الإستعمال كما يستفاد من الآيات المذكورة كما لا يخفى، ثمّ إنّ هناك روايات دلّت على ما ذكرنا وهي دليل قاطع على ما قلنا، منها: (1) ـ ما ورد في الكافي بأسانيد عديدة عن موالينا الكرام الكاظم والرضا عليهما صلوات الله الملك الحنان قالا: "إنّ الحجّةَ لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتى يُعرف".(28) (2) ـ وعن أبان بن تغلب عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق".(29) كون الحجّة مع الخلق وبعد الخلق واضحة لا غبار عليها وهي إشارة إلى وجوب نصب السفراء على المكلَّفين في الحياة الدّنيا، ثمّ يوم القيامة يكونون عليهم شهداء. وأمّا كون الحجّة قبل الخلق فلكون الأئمّة عليهم السَّلام العلّة الغائبة لخلق الخلق، فهم واسطة في إيجاد الخلق. إشكال: كيف يكون الأئمّة عليهم السَّلام واسطة في إيجاد الخلق وهم أرقى كمالاً من الخلق، إذ كيف تكون الذوات الكاملة والأنوار الشامخة غاية لاهتداء الخلق؟ وهل يصحّ جعل الشريف غاية للوضيع أو غاية لانتفاع السافل الحقير؟ والجواب: المقصود من كونهم عليهم السَّلام حججاً وغايةً لغيرهم لما يترتب على وجودهم عليهم السَّلام من القرب إلى الله تعالى والوصول إلى لقائه، ويترتّب على أفعالهم التي بها يتقربون إليه تعالى إهتداء الأمّة إلى سبيل نجاتهم والفوز بسعادتهم عليهم السَّلام. (3) ـ وفي صحيحة أبي حمزة عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم إلاّ وفيها إمام يُهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله تعالى على عباده.(30) (4) ـ وعن أبي علي راشد قال: قال مولانا الإمام أبو الحسن (عليه السلام): إنّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا والله ذلك الحجّة.(31) وفي الوافي عن الكافي بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنّ الله طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا. وفيه بإسناده عن عبد الله بن القاسم عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الأوصياء هم أبواب الله تعالى التي يؤتى منها، ولولاهم ما عُرِفَ الله تعالى، وبهم احتجّ الله على خلقه. الهوامش (1) أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد:1/789. (2) إحقاق الحق:5/502. (3) إحقاق الحق:5/505. (4) إحقاق الحق:5/505. (5) إحقاق الحق:5/515. (6) إحقاق الحق:5/519 520. (7) الصواعق المحرقة:125. (8) الصواعق المحرقة:124. (9) الإحتجاج:1/227. (10) أصول الكافي:1/150. (11) تفسير العياشي:1/86. (12) ينابيع المودّة:99. (13) أصول الكافي:1/218ح1. (14) أصول الكافي:1/218ح2. (15) أصول الكافي:1/218ح4. (16) أصول الكافي:1/218ح5. (17) لسان العرب:4/564. (18) العلاج الشافي:77، والنباتات والأعشاب:128. (19) مجمع البيان:9/224. (20) لسان العرب:4/355. (21) مجمع البيان:9/225. (22) تفسير نور الثقلين:5/158ح57. (23) تفسير نور الثقلين:5/158ح55. (24) تفسير نور الثقلين:4/503ح121. (25) تفسير نور الثقلين:4/504ح122. (26) بحار الأنوار:51/152ح2. (27) بحار الأنوار:36/337ح200. (28) أصول الكافي:1/177ح1و2. (29) أصول الكافي:1/177ح4. (30) نفس المصدر:1/178ح8. (31) أصول الكافي:1/179ح9. ****************** وفي بصائر الدرجات في باب نادر بإسناده عن سعد بن الأصبغ الأزرق قال: دخلت مع حصين ورجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فاستخلى أبو عبد الله (عليه السلام) برجل فناجاه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول للرجل: أفَتَرى الله يمنُّ في بلاده ويحتجّ على عباده ثمّ يُخفي عنه شيئاً من أمره؟ (5) ـ وفيه بإسناده عن المفضل بن عمر الجعفي قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: "فضل أمير المؤمنين ما جاء به النبي أخذ به وما نهى عنه انتهى عنه، جرى له من الفضل ما جرى لمحمّد، ولمحمّد الفضل على جميع مَن خلق الله، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله، كان أمير المؤمنين باب الله الّذي لا يؤتى إلاّ منه، وسبيله الّذي من سلك غيره هلك، وكذلك جرى على أئمّة الهدى واحداً بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أنْ تميد بأهلها، والحجّة البالغة على مَن فوق الأرض ومَن تحت الثرى. وروى الصَّدُوق في الخصال بإسناده عن العبادي بن عبد الخلق عمّن حدّثه عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ لله عزّ وجلّ إثني عشر ألف عالم، كلّ عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين ما يرى عالم منهم إنّ لله عزّ وجل عالَماً غيرهم وإني لحجّة عليهم. (6) ـ وفي بصائر الدرجات عن إبن أبي عمير عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) يرفع الحديث إلى مولانا الإمام الحسن بن عليّ إلى أنْ قال:...إنّ لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب.(1) (7) ـ وفي السرائر من جامع البزنطي عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "ما من شيء ولا من آدمي ولا إنسي ولا جني ولا ملك في السماوات إلاّ ونحن الحجج عليهم، وما خلق الله خلقاً إلاّ وقد عرض ولايتنا عليه، واحتج بنا عليه، فمؤمن بنا وكافر وجاحد حتى السماوات والأرض والجبال"، (أي قوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً). (8) ـ وفي التوحيد بإسناده عن جابر بن يزيد قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل: (أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبسٍ من خلق جديد) فقال: يا جابر تأويل ذلك: أنّ الله عزّ وجلّ إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم، وأسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، جدّد الله عز وجل عالماً غير هذا العالم، وجدّد عالماً غير هذه الأرض تحملهم، وسماء غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أنّ الله عز وجل لم يخلق بشراً غيركم، بل والله لقد خلق الله تبارك وتعالى ألف ألف عالم، وألـف ألـف آدم، أنت في آخـر تلك العوالم وأولئك الآدميين.(2) ملاحظة: يشير الحديث إلى شيئين: الأوّل: إنّ الله تعالى سيخلق عالماً آخر بعد أن يفني هذا العالم. الثاني: إنّ الله تعالى خلق بشراً غيرنا. أمّا الأول: فلا يوجد مانع عقلي وشرعي في أن يخلق الله عالماً بعد فناء هذا العالم، لعموم قدرته على كل مقدور، وسيكون أئمّة آل البيت عليهم السَّلام هم الحجج عليه لأنهم بعلم الله تعالى أفضل خلق الله على الإطلاق سوآء ما وُجِدَ أو ما سيوجد ففي الفقرة الآتية: "أشهد أنّكَ الحجّة على مَن مضى ومَن بقي" فمَن سيوجد هو مما بقي في علم الله تعالى مضافاً للأخبار المتقدّمة الدّالّة على أنّ الحجّة مع الخلق وبعد الخلق. وأمّا الثاني: فإنّ هذا الحديث يتعارض مع الأخبار الأخرى التي دلّت على أنّ آدم (عليه السلام) هو أبو البشر، وليس هناك بشراً غيرنا. ويمكن علاجه: (أوّلاً): بحمل الحديث المذكور على المخلوقات الأرضيّة التي تشبه الآدميين، ويشهد لهذا ما ورد أنّ خلف عالمنا هذا أربعين عالماً حسبما جاء في الأخبار المتواترة منها ما أورده المحدِّث الصفار أعلى الله مقامه الشريف(3) بإسناده: (1) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن لله بلدة خلف المغرب يقال لها جابلقا وفي جابلقا سبعون ألف أمة ليس منها أمة إلا مثل هذه الأمة فما عصوا الله طرفة عين فما يعملون عملاً ولا يقولون قولاً إلا الدعاء على الأولين والبراءة منهما والولاية لأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم. (2) ـ حدثنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الجريري عن أبي عمران الأرمني عن الحسين بن الجارود عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضوءها منها فيها خلق يعبدون الله لا يشركون به شيئاً يتبرءون من فلان وفلان. (3) ـ حدثنا أحمد بن موسى عن الحسين بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن من وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير وإن من وراء قمركم أربعين قمراً فيها خلق كثير لا يدرون أن الله خلق آدم أم لم يخلقه ألهموا إلهاماً لعنة فلان وفلان. (4) ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين قال: حدثني أحمد بن إبراهيم عن عمار عن إبراهيم بن الحسين عن بسطام عن عبد الله بن بكير قال: حدثني عمر بن يزيد عن هشام الجواليقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله مدينة خلف البحر سعتها مسيرة أربعين يوما فيها قوم لم يعصوا الله قط ولا يعرفون إبليس ولا يعلمون خلق إبليس نلقاهم في كل حين فيسألونا عما يحتاجون إليه ويسألونا الدعاء فنعلمهم ويسألونا عن قائمنا حتى يظهر وفيهم عبادة واجتهاد شديد ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلى المصراع مائة فرسخ لهم تقديس واجتهاد شديد لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم يصلي الرجل منهم شهراً لا يرفع رأسه من سجوده طعامهم التسبيح ولباسهم الورق ووجوههم مشرقة بالنور إذا رأوا منا واحدا لحسوه واجتمعوا إليه وأخذوا من أثره إلى الأرض يتبركون به لهم دوي إذا صلوا أشد من دوي الريح العاصف فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا يدعون أن يريهم إياه وعمر أحدهم ألف سنة إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقربهم إليه إذا حبسنا ظنوا أن ذلك من سخط يتعاهدون ساعة التي نأتيهم فيها لا يسأمون ولا يفترون يتلون كتاب الله كما علمناهم وإن فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولأنكروه يسألوننا عن الشيء إذا ورد عليهم من القرآن ولا يعرفونه فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا ويسألوا الله طول البقاء وأن لا يفقدونا ويعلمون أن المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة ولهم خرجة مع الإمام إذا قاموا يسبقون فيها أصحاب السلاح منهم ويدعون الله أن يجعلهم ممن ينتصر به لدينهم فيهم كهول وشبان وإذا رأى شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد لا يقوم حتى يأمره لهم طريق هم أعلم به من الخلق إلى حيث يريد الإمام فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا أبدا حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره لو أنهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من الخلق لأفنوهم في ساعة واحدة لا يختل الحديد فيهم ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد لو ضرب أحدهم بسيفه جبلا لقده حتى يفصله يغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرك والترك والروم وبربر وما بين جابرسا إلى جابلقا وهما مدينتان واحدة بالمشرق وأخرى بالمغرب لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله وإلى الإسلام وإلى الإقرار بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم ومن لم يسلم قتلوه حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل أحد إلا أقر. (5) ـ حدثنا سلمة بن الخطاب عن سليمان بن سماعة وعبد الله بن محمد عن عبد الله بن القاسم عن سماعة يرفعه إلى الحسن وأبي الجارود وذكراه عن ابن سعيد الهمداني قال: قال: الحسن بن علي (عليه السلام) إن لله مدينة في المشرق ومدينة في المغرب على كل واحد سور من حديد في كل سور سبعون ألف مصراع يدخل من كل مصراع سبعون ألف لغة آدمي ليس منها لغة إلا مخالف الأخرى وما فيها لغة إلا وقد علمناها وما فيهما وما بينهما ابن نبي غيري وغير أخي وأنا الحجة عليهم. (6) ـ حدثنا سلمة عن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد ربه الصيرفي عن محمد بن سليمان عن يقطين الجواليقي عن قلقلة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله خلق جبلاً محيطاً بالدنيا من زبرجد خضر وإنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل وخلق خلقاً ولم يفرض عليهم شيئاً مما افترض على خلقه من صلاة وزكاة وكلهم يلعن رجلين من هذه الأمة وسماهما . (7) ـ حدثنا أحمد بن الحسين عن علي بن زيات عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سمعته يقول إن الله خلق هذا النطاق زبرجدة خضراء فمن خضرتها اخضرت السماء قال: قلت: وما النطاق؟ قال: الحجاب ولله وراء ذلك سبعون ألف عالم أكثر من عدد الإنس والجن وكلهم يلعن فلانا وفلانا. (8) ـ حدثنا محمد بن هارون عن أبي يحيى الواسطي عن سهل بن زياد عن عجلان أبي صالح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قبة آدم فقلت له: هذه قبة آدم فقال: نعم ولله قباب كثيرة أما إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثين مغرباً أرضاً بيضاء ومملوة خلقاً يستضيئون بنورنا لم يعصوا الله طرفة عين لا يدرون أخلق الله آدم أم لم يخلقه يبرءون من فلان وفلان قيل له كيف هذا يتبرءون من فلان وفلان وهم لا يدرون أخلق الله آدم أم لم يخلقه فقال: للسائل أتعرف إبليس قال: لا إلا بالخبر قال: فأمرت باللعنة والبراءة منه قال: نعم قال: فكذلك أمر هؤلاء. (9) ـ حدثنا محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الصمد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول إن من وراء هذه أربعين عين شمس ما بين شمس إلى شمس أربعون عاما فيها خلق كثير ما يعلمون أن الله خلق آدم أو لم يخلقه وإن من وراء قمركم هذا أربعين قمرا ما بين قمر إلى قمر مسيرة أربعين يوماً فيها خلق كثير ما يعلمون أن الله خلق آدم أو لم يخلقه قد ألهموا كما ألهمت النحل لعنة الأول والثاني في كل وقت من الأوقات وقد وكل بهم ملائكة متى ما لم يلعنوها عذبوا. (10) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن أبي يحيى الواسطي عن درست عن عجلان أبي صالح قال: دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: له: جعلت فداك هذه قبة آدم قال: نعم وفيه قباب كثيرة إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثين مغربا أرضاً بيضاء مملوة خلقاً يستضيئون بنورها لم يعصوا الله طرفة عين ما يدرون أن الله خلق آدم أم لم يخلق يتبرءون من فلان وفلان لعنهما الله. ويؤكد هذا ما سمعناه أخيراً عن الأطباق الفضائيّة بل ورأينا على شاشات التلفزة بعض المخلوقات الفضائية تشبه الآدميين، ويؤيد ما قلنا ما ذكره الولد النابغة اليماني في مقابلة أُجريت معه على محطة "إقرا" قال: إنّ بعض المخلوقات لم يميّز وجوههم، يلبسون الحديد، أخذوه إلى كوكب زحل والمشتري. (ثانياً):إنّ صدر الحديث لا يتعارض مع بقيّة الأخبار السابقة لأنّ مورد الحديث يتعلّق بتجدّد قدرة الله عزّ وجلّ على خلق عالَمٍ آخر بعد فناء عالَمِنا. وبالجملة: هذه باقة من أحاديث آل الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلَّم دلّت على كثرة العوالم، وأنهم عليهم السَّلام الحجّة عليهم، والوجه فيه أنه يُستفاد من قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنّ الله طهّرنا وعَصَمَنا" وقوله (عليه السلام): "فجعَلَ القرآن معنا" وقول الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث البزنطي المتقدِّم:"ما خلق الله خلقاً إلاّ وقد عَرَض ولايتنا عليه واحتجّ بنا عليه" ونظائره في مطاوي أحاديثهم الشريفة هو أنّ الله تعالى جهّزهم بجهاز الحجية في الخلق، وجعَلَهم بحيث لا يخفى عليهم شيء من أمور السماء والأرض، بل مما دون العرش إلى ما تحت الثرى. فهم عليهم السَّلام أعظم حجج الله في الوجود، حيث إنه تعالى خلقهم وأودع حقائقهم كلّ كمال ممكن من عِلْم وكرم وحكم وحلم وحزم وفَهْم وعقل وعزم وفضل وفصل، وذكر وفكرٍ وبصرٍ وصبرٍ وزهدٍ وورعٍ وتقوى ويقين وتسليم ورضا وشجاعة وسماحة ونباهة ونجابة واستقامة واقتصاد وغيرها من كمالات الدين والدنيا. فهم عليهم السَّلام في جميع مراتب الظهور في عالم الأرواح والأبدان والدنيا والآخرة وفي ساير عوالم الوجود متصفون بكلّ صفات الكمال الممكن في ذلك العالم، وما خلق سواهم من أصناف الخلق من الملائكة والجن والإنس وساير الموجودات السماويّة والأرضيّة إلاّ وقد أمرهم بطاعتهم. ففي المحكي عن كتاب محمّد بن شاذان عن حمران بن أعين قال: سمعتُ مولانا الإمام أبا عبد الله (عليه السلام) يحدّث عن أبيه (عليه السلام) وعن آبائه عليهم السَّلام: إنّ رجلاً من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مريضاً شديد الحمّى، فعاده الإمام الحسين بن عليّ عليهما السَّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّى عن الرَّجُل، فقال: قد رضيت بما أوتيتم به حقاً حقاً، والحمّى لتهرب منكم، فقال له الإمام (عليه السلام): والله ما خلق الله شيئاً إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا، ونادى الإمام (عليه السلام): يا كبّاسة؟ قال المريض: فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول: لبّيك. قال (عليه السلام): أليس أمَركِ أمير المؤمنين ألاّ تقربي إلاّ عدوّاً أو مذنباً، لكي يكون كفارة لذنوبه، فما بال هذا؟ وكان الرّجل المريض هو عبد الله بن شداد الهادي الليثي. فعُلِم من هذا الحديث وأمثاله أنّ كلّ شيء مأمور بإطاعتهم، وهم الوسيلة في الخلق في كلّ أمر مطلوب وخير مرغوب،ولا يمكن لأحد من جميع الخلق ردّ وساطتهم، إذا رجع إلى عقله وفهمه لما يرى من الكمال، وميزان تشخيص الحقّ من الباطل فيهم وهو المراد من قوله (عليه السلام) في الزيارة: "وأوتينا فصل الخطاب" وفي الزيارة الجامعة: "وفصل الخطاب عندكم". فهم عليهم السَّلام الحجّة قبل الخلق لأنّ الله أراد أنْ يحتجّ بهم على الخلائق أجمعين، فكلّ شيء ظهر من مشيئة الله تعالى شرافة مقال آل محمّد وعظم شأنهم وقرب منـزلتهم، وأنه ليس بين الخلق والخالق باب ولا سبيل ولا واسطة إلاّ منهم عليهم السَّلام. ويدلّ على هذا كلّه مضافاً لِمَا مرّ ما رواه سعد الأشعري بإسناده إلى جابر عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ الله خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته، قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا، فقيل له: يابن رسول الله عدِّدْهم بأسمائهم مَن هؤلاء الأربعة عشر نوراً؟ فقال (عليه السلام): محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين تاسعهم قائمهم عليه وعليهم السَّلام، ثمّ عدَّهم بأسمائهم. ثمّ قال (عليه السلام): "نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد رسول الله، ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا، ونحن شجرة النبوّة، ومنبت الرحمة، ومعدن الحكمة، ومصابيح العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سرّ الله، فمَن وفى بعهدنا وفى بعهد الله ومَن خفره خفر ذمةَ الله وعهده، عرفنا مَن عرفنا، وجهلنا مَن جهلنا، نحن الأسماء الحسنى، التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا. ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب الله عليه، إنّ الله تعالى خلقنا فأحسن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه على عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرّحمة، ووجهه الّذي يؤتى منه، وبابه الّذي يدلّ عليه، وخزّان علمه وتراجمة وحيه، وأعلام دينه، والعروة الوثقى، والدليل الواضح لمَن اهتدى، وبنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، ونـزل الغيث من السّماء، ونبت عشبُ الأرض، وبعبادتنا عُبِدَ الله، ولولانا ما عُرِفَ الله، وايم الله لولا وصيّة سبقت، وعهدٌ أُخذ علينا، لقلتُ قولاً يُعْجَبُ منه، أو يَذْهَل منه الأوّلون والآخرون". فظهر مما تقدَّمَ، أنهم حجج الله تعالى على جميع العوالم، أي أنهم الحجج على جميع مَن في الوجود مما دون العرش إلى ما تحت الثرى ثمّ إنهم حجج الله على الكل بجميع أقسام الحجّة من القول المتضمِّن للبرهان العقلي، والعملي الدّال على صدق المدَّعى، فهم عليهم السَّلام حجج الله تعالى قولاً وفعلاً وصفةً، وأثبتوا كونهم حجّة الله تعالى، بالأمور القطعيّة الدّالّة عليها، وأهمها كون قولهم مطابقاً للعقل والبرهان، والمعجزات الصّادرة عنهم الدّالّة على صدق دعواهم. ***** قال (عليه السلام): "السَّلام عليكَ سلام مَن عرَفَكَ بما عرَّفَكَ به الله ونعتك ببعض نعوتك التي أنت أهلها وفوقها". معنى هذه الفِقرة: إني أبلغكَ يا سيدي يا صاحب الأمر أشواقي وتحياتي أو يكون السَّلام ـ حسبما أشرنا في البحوث السابقة ـ بمعنى أطلب من الله السلامة لك من الآفات والبليات، أو بمعنى الإستسلام إليك والإنقياد إلى جنابك الأقدس. وهذه المصاديق صحيحة وتنطبق على مفهوم السَّلام. وعليه فيكون حاصل الجملة: السلام عليك أي تحياتي وأشواقي عليك تحيات وأشواق مؤمن عارف بشخصك الكريم معرفةً إلهية بحسب ما عرّفه الله أن يَعْرِفَك. والسَّلام عليك أي سلام استسلام وانقياد إلى جنابك الأقدس، إنقياد من عَرَفَ إمام زمانه، معرفةً من الله تعالى لك لأننا عاجزون عن معرفتك، فكيف نصفك بما نحن قاصرون عن دركه والوصول إلى كنهه، كيف لا؟ وقد قال: النبي بحق جدّك مولى الثقلين بالحديث المتواتر بين الفريقين: "يا عليّ ما عرف الله إلاّ أنا وأنتَ، وما عرفني إلاّ الله وأنت، وما عرَفَك إلاّ الله وأنا". وقال آباؤك سيّدي: "أمرنا صعبٌ مستصعب أو عِلْمنا صعب مستصعب وسرّ مستسرّ وسرّ مقنّع بالسّر لا يحتمله لا مَلَك مقرَّب ولا نبي مرسَل ولا عبد امتحن الله قلبه بالإيمان". فمَن كان أمره سرّاً مستسراً، وسرّاً مقنعاً بالسّرّ كيف يمكن أنْ يعرفك إنْ لم يعرّفك الله للعباد (إنّ هذا القرآن يدعو للتي هي أقوم) (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) (إنما وليكم الله ورسوله والّذين آمَنوا). ومعرفتنا للإمام المهديّ (عليه السلام) هي جزء من المعرفة الكاملة التي لا يعرفهم بها أحد إلاّ الله للأحاديث المتقدِّمة، من هنا أشار الإمام في هذه الزيارة بقوله (عليه السلام): "مَن عرفكَ بما عرَّفكَ به الله" فالباء المتصلة بما الموصولة تفيد التبعيض أي ببعض ما عرّفكَ به الله تعالى، والسّرّ في أنه عزّ شأنه عرّفنا بعض أحواله (عليه السلام) لا كلّ أحواله، هو أنّ قوابلنا ناقصة وماهياتنا محدودة، ونفوسنا إلى الأرض مشدودة، هذا مضافاً إلى أنّ هذا العظيم هو وأجداده الميامين بلغوا الذروة في الكمال، والقمّة في الجلال والبهاء، فلا أحد يستوعب كمالهم، ولا مخلوق يمكن أنْ يستغرق في جلالهم، بل تضيق الدنيا على مَن يتصوّر أنّه ربّما يحيط بذواتهم، والسّرّ في عدم الإحاطة أنّ ذواتهم الطاهرة هي السبب العظيم المتصل بين الأرض والسماء. فالخلق غير قادرين على معرفة الإمام الكاملة، كما إنهم غير قادرين على معرفة نعوته التي هو أهل لها، فالنعت أي الصفة تتبع المنعوت أو الموصوف في كلّ حالاته، ونعوت الإمام ملازمة له لا تفارقه، ملازمة الظل لذي الظل، وملازمة نور الشمس للشمس، فكما إننا لا ندرك ذاته الشريفة كذا لا يمكننا أن ندرك صفاته الملازمة لذاته الكريمة، التي هي صفة لله تعالى تعكس عن الذات الأحديّة. وللإمام المهديّ (عليه السلام) ألقاب ونعوت كثيرة ذكَر أحد الأكابر أعلى الله مقامه(4) حدود المائة وخمساً وثمانين وصفاً ولقباً. وهذه الألقاب الشريفة تعكس عن ذات الإمام المهدي (عليه السلام) الممسوسة كجده أمير المؤمنين (عليه السلام) بذات الله تبارك وتعالى، فمَن كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى، مَن كان ممسوساً بذات الله المقدَّسة كيف يمكن أنْ نستوعب نعوته وأوصافه؟!! أمّا أنه (عليه السلام) أهلها، فقد عرفناه، وأما أنه (عليه السلام) فوقها فالسّرّ فيه، انّ الألفاظ ـ وهي النعوت الدالة على شخصه الكريم ـ لا يمكن أنْ تكون نفس الذات، بل هي تحكي عن الذات، مضافاً إلى أنّ العقول البشريّة بل عقول الملائكة لا تتحمل حقيقة نعوته وأوصافه، وذلك لعدم إمكانها إدراك ذاته، فإدراك الوصف فرع إدراك الذات، فإذا لم يمكن إدراك الذات، لا يمكن حينئذٍ إدراك الوصف بطريقٍ أوْلَى، فالإمام المهديّ (عليه السلام) فوق هذه الأوصاف والنعوت لكنّ العقول تخبو عن إدراك مقامه، والوصول إلى كنه جلاله، من هنا نسلّم عليه بالسلام الكامل الوارد في دعاء الإستغاثة بالحجّة بقوله (عليه السلام): "سلام الله الكاملُ التامُ الشاملُ العامُ، وصلواتُه الدائمةُ، وبركاتُه القائمةُ التامةُ على حجّة الله ووليه في أرضه وبلاده وخليفته على خلقه وعباده...". قال (عليه السلام): "أشهد أنّكَ الحجّة على مَن مضى ومَن بقي وأن حزبكَ هم الغالبون وأولياءك هم الفائزون وأعداءك هم الخاسرون". تشير هذه الجملة المبارَكة إلى أمرين مهمَّيْن: الأوّل: إقرار الداعي والسالك إلى شاطئ ولايتهم بأنّ عليه أنْ يذعن ويسلّم بأنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) ـ تماماً كآبآئه الميامين ـ هو الحجّة الإلهيّة المطلَقة ـ وبلا قيد ـ على مَن فوق الأرض ـ أي السماء ـ ومَن تحت الثرى ـ حسبما جاء في الأخبار ـ ، منها ما أورده صاحب البصائر، كالآتي: (1) ـ حدثنا أحمد بن الحسين بن سعيد عن علي بن أسباط عن أبيه أسباط عن سورة بن كليب قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): والله إنّا لخزان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضة إلا على علمه. (2) ـ حدثنا إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله البرقي عن خلف بن حماد عن ذريح المحاربي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ منّا لخزنة الله في الأرض وخزنته في السماء لسنا بخزان على ذهب ولا فضة. (3) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن النضر بن شعيب عن خالد بن ماد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: والله إنّا لخزان الله في سمائه وخزانه في أرضه لا على ذهب ولا على فضة وإن منا لحملة العرش يوم القيامة. (4) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ذريح المحاربي عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ منّا لخزان الله في سمائه وخزانه في أرضه ولسنا بخزان على ذهب ولا فضة. (5) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل بن جميل عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): والله إنّا لخزان الله في السماء وخزانه في الأرض. (6) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد وأبي عبد الله البرقي عن أبي طالب عن سدير قال: قلت: جعلت فداك ما أنتم؟ قال (عليه السلام): نحن خزان الله على علم الله ونحن تراجمة وحي الله نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض. (7) ـ حدثنا محمد بن عبد الجبار عن أبي عبد الله البرقي عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا ابن أبي يعفور إن الله واحد متوحد بالوحدانية متفرد بأمره فخلقهم خلقاً فقدّرهم لذلك الأمر فنحن هم يا ابن أبي يعفور فنحن حجج الله في عباده وخزانه على علمه والقائمون بذلك. (8) ـ حدثنا أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله. (9) ـ حدثنا أحمد عن الحسين بن راشد عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه قال: قال أبو عبد الله: إن الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا فجعلنا خزانه في سماواته وأرضه ولولانا ما عرف الله. (10) ـ حدثنا عبد الله بن عامر عن العباس بن معروف عن أبي عبد الرحمن البصري عن أبي المعزا عن أبي بصير عن خيثمة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: نحن خزان الله. (11) ـ حدثنا علي بن محمد عن القسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن موسى عن سدير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: نحن خزان الله في الدنيا والآخرة وشيعتنا خزاننا ولولانا ما عرف الله. (12) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن النضر بن شعيب عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله: قال الله تبارك وتعالى: استكمال حجتي على الأشقياء من أمتك من ترك ولاية علي والأوصياء من بعدك فإن فيهم سنتك وسنة الأنبياء من قبلك وهم خزان علمي من بعدك ثم قال رسول الله: لقد أنبأني جبرئيل بأسمائهم وأسماء آبائهم. (13) ـ حدثنا محمد بن هارون عن علي بن جعفر عن أبي الحسن بن موسى بن جعفر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا فجعلنا خزّانه في سماواته وأرضه. (14) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أخذ الميثاق على أولي العزم أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي أنتصر به لديني. (15) ـ حدثني عبد الله بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن جبلة عن ذريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: نحن لخزان الله في الأرض وخزانه في السماء لسنا بخزانه على ذهب ولا فضة وإنّ منّا لحملة عرشه يوم القيامة. (16) ـ حدثنا عبد الله بن عامر عن أبي عبد الله البرقي عن الحسين بن عثمان عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى (صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ) يعني عليا إنه جعل عليا خازنه على ما في السماوات وما في الأرض من شيء وائتمنه عليه ألا إلى الله تصير الأمور. فالإمام القائم ـ روحي لتراب نعليه الفداء ـ حجّة على كل شيء، على الملائكة والجن والشجر والمدر والحجر والنبات والحيوان، والإنسان بكلّ مصاديقه من الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأخيار والأشرار، بل هو الحجّة على الخلق الّذي خلف المشرق والمغرب على غير كوكبنا الأرض حسبما جاء في الأخبار، وقد أوردنا قسماً منها. هذا وقد جاء في بعض الأخبار الأخرى أنه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها ونحن نورد بعضاً منها بإسنادنا إلى الصفار، هي الآتي: (1) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن أبي داود المسترق عن أحمد بن عمر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): هل تبقى الأرض بغير إمام فإنا نروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تبقى الأرض إلا أن يسخط الله على العباد قال: لا تبقى إذا لساخت. (2) ـ حدثنا محمد بن عيسى عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقى الأرض بغير إمام؟ قال (عليه السلام): لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت. (3) ـ حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثني المؤمن حدثني أبو هراسة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لساخت بأهله كما يموج البحر بأهله. (4) ـ حدثنا محمد بن علي بن إسماعيل عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن محمد بن الهيثم عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: تكون الأرض بلا إمام فيها؟ قال: لا إذاً ساخت بأهلها. (5) ـ حدثنا محمد بن سليمان عن سعد بن سعد عن أحمد بن عمر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال (عليه السلام): لا قلت: فإنا نروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لا تبقى إلا أن يسخط الله على العباد؟ قال (عليه السلام): لا تبقى إذاً لساخت. (6) ـ حدثنا الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء قال: سألت الرضا (عليه السلام): هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا قلت فإنّا نروي أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله على العباد قال: لا تبقى إذاً لساخت. (7) ـ حدثنا محمد بن محمد عن أبي طاهر محمد بن سليمان عن أحمد بن هلال قال: أخبرني سعيد عن سليمان الجعفري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت: تخلو الأرض من حجة الله قال: لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها. بل إننا نعتقد أنّ ولايتهم واجبة حتى على الأنبياء والمرسَلين بدلالة الأخبار الواردة في هذا الشأن نذكر منها ما يأتي: (1) ـ حدثنا السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما نبئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا عمّن سوانا. (2) ـ حدثنا علي بن إسماعيل عن محمد بن عمرو عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما من نبي نبئ ولا من رسول أرسل إلا بولايتنا وبفضلنا عمّن سوانا. (3) ـ حدثنا عبد الله بن عامر عن ابن سنان عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا عمن سوانا. (4) ـ حدثنا عبد الله بن محمد عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا على من سوانا. (5) ـ حدثنا محمد بن عيسى عن محمد بن سليمان عن يونس بن يعقوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ما من نبي نبئ ولا من رسول أرسل إلا بولايتنا وبفضلنا على من سوانا. (6) ـ حدثنا يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن حميد بن شعيب السبيعي عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها. (7) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن وهيب بن حفص عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث الله نبيا قط إلا بها. (8) ـ حدثنا حمزة بن يعلى عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها. (9) ـ حدثنا سلمة بن الخطاب عن علي بن سيف بن عميرة عن العباس بن عامر عن أحمد بن رزق الغشاني عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها. الثاني: إنّ أتباع الإمام المهدي ـ روحي فداه ـ هم أولياؤه الفائزون، وليس أولئك الّذيـن يدّعـون أنهم على خطاه، ويتقربون إلى أعدائه ومبغضيه من الكفار والمنافقين. فقد جاء في الأخبار أنّ ولاية الله ومحبته لا تُنال إلاّ بمحبّة آل محمّد وولاية أوليائهم والبراءة من أعدائهم، فمَن ادّعى محبتهم ثمّ والى أعداءهم يُعتبر كاذباً ومنافقاً. فقد جاء في جامع الأخبار: إنّ الله أوحى إلى موسى: هل عملت لي عملاً قط؟ قال (عليه السلام): إلهي صليت لك وصمت وتصدقت وذكرت لك، فقال: إنّ الصلاة لك برهان، والصوم جُنّة، والصدقة ظلٌّ، والذكرَ نورٌ، فأي عمل عملتَ لي! فقال موسى (عليه السلام): إلهي دلّني على عمل هو لك. قال: يا موسى هل واليتَ لي وليّاً وهل عاديتَ لي عدوّاً قط؟! فعلم موسى أنّ أحبّ الأعمال الحبُّ في الله والبغض في الله. وعن حفص البختري عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الرّجل ليَحبَّكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله الجنة بحبكم، وإنّ الرّجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله ببغضكم النار. وعن جابر الجعفي عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإنْ كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع مَن أحبّ. وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له. وفي أمالي الصدوق بإسناده إلى هشام بن سالم عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مَن جالس لنا عائباً (أي يقدح بنا ويفتري علينا) أو واصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً أو والى لنا عدوّاً أو عادى لنا ولياً فقد كفر بالذي أنـزل السبع المثاني والقرآن العظيم. وا محمّداه وا علياه وا فاطماه من شيعة اليوم، فإنهم ـ لا سيّما المتحزبون منهم ـ جالسوا العائبين على آل البيت ووصلوا القاطعين وهم الأشاعرة النواصب، وقطعوا الموالين ـ أي كل من لم يكن على شاكلتهم وتحزبهم وتعصّبهم أو لم يعتقد بما يدينون ـ ووالوا أعداءَ الله، فلا تجد رجلاً أو إمرأة من هؤلاء إلاّ ويوادّون مَن يبغض آل محمّد ويتحببون إليهم، وعادوا كلّ مَن كان له مع الأئمّة صلة، كلّ ذلك لأنهم لا يقولون بمقالتهم ومشربهم السياسي، وصدق عليهم قوله تعالى: (الّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادُّون مَن حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون) (المجادلة/22)، أمّا الّذين لا تنطبق عليهم الأوصاف المذكورة في هذه الآية ولا في آية الولاية: (إنما وليكم الله ورسوله والّذين آمَنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومَن يتولّ الله ورسوله والّذين آمَنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون) (المائدة/55)، فمَن يتولى أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) عليه أنْ يتبرّأ من عدوّه بمقتضى قوله في سورة المجادلة/22 أي لا بدّ للموالي أنْ يبغض أيضاً كلّ مَن حادّ الله ورسوله فيما يقولان، ألم يقل الله ورسوله إنّ ولاية الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حصني فمَن دخل حصني أَمِنَ من عذابي؟ ألم يقل الرّسول: "اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نصره؟"... فهل أنّ العامّة يوالون الإمام علياً؟ هل أنّ العامّة يعادون مَن يعادي الإمام عليّاً (عليه السلام)؟ كلاّ، بل هم الأعداء، ويعادون شيعة الإمام علي (عليه السلام) ، ومع هذا نرى مَن ينتسب إلى الإمام عليّ (عليه السلام) يتقرّب إلى أعداء الإمام عليّ (عليه السلام)، فهم يتقربون إلى الشياطين فيصدق عليهم قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكافرون، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون، إنّ الّذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلّين، كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قويٌّ عزيز). وفي عيون الأخبار عن مولانا أبي محمّد العسكري (عليه السلام) قال: قال رسول الله لبعض أصحابه ذات يوم، أحبَّ في الله وأبغض في الله ووالِ في الله وعادِ في الله، فإنه لا تُنال ولاية الله إلاّ بذلك، ولا يجد رجلٌ طعمَ الإيمان وإنْ كثرت صلاتُه وصيامُه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاةُ الناسِ يومَكم هذا أكثرَها في الدنيا، عليها يتوادون وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً، فقال له ـ أي هذا الصحابي ـ وكيف أعلمُ أني قد واليتُ وعاديتُ في الله ومَنْ وليّ الله حتى أواليه، ومن عدوِه حتى أعاديه؟ فأشار له رسول الله إلى الإمام عليّ (عليه السلام)، فقال: أترى هذا؟ فقال: بلى، فقال صلّى الله عليه وآله وسلَّم: وليُّ هذا وليَّ الله فوالِهِ، وعدو هذا عدوّ الله فعادِهِ، والِ وليَّ هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدِك، وعادِ عدوّ هذا، ولو أنه أبوك وولدُك. عودٌ على بدء: إنّ هذه الجملة (أشهد أنّك الحجّة...) بداية إعتراف الزائر للإمام المهدي بما يجب أنْ يكون عليه المؤمن الموقن من الصفات الجميلة التي تجعله في مصافّ الأخيار الّذين يذودون عن الإمام شرّ الأشرار وكيد الفجّار في الليل والنهار. قال (عليه السلام): "وأنّكَ خازن كلِّ عِلْم، وفاتقُ كُلِّ رتقٍ، ومحقِّقُ كلِّّ حقّ ومُبْطِلُ كلِّ باطل...". خازن إسم فاعل مأخوذ من المصدر "الخَزْن" وهو ـ أي الخزن ـ المكان الّذي يُحفظ فيه الأشياء الثمينة، ففي التنـزيل (وإنْ من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننـزله إلاّ بقدر معلوم). والفتق: هو الشقُّ، يُقال: فتق الشيء فتقاً أي شقّه، ففي التنـزيل قوله تعالى: (أولم يرَ الّذين كفروا أنّ السماوات والأرضَ كانتا رتقاً ففتقناهما) أي كانتا ملتزمتين منسدتين ففصلنا بينهما. وفتق المسك: خلط به ما يُذْكيه، وفتق الكلام: قوّمه ووسّعه. وأفتق السحاب: إنكشف، والفتيق هو الفصيح الحادّ اللسان. والرتق: الإنسداد والإلتئام. والحاصل: إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) فيه أربع صفات هي الآتي: (1) ـ خازن كلّ عِلْم. (2) ـ فاتق كلّ رتق. (3) ـ محقق كلّ حق. (4) ـ مبطل كلّ باطل. أمّا كونه (عليه السلام) خازناً لكلّ عِلْم فلا ريب فيه، إذ هو الحافظ من قِبَل ربّ العزّة لكلّ العلوم بلا استثناء. كيف لا يكون كذلك وقد جعلهم سبحانه أوعية مشيئته وإرادته ومفاتيح غيبه حسبما فصّلنا سابقاً، لذا ورد في الزيارة الجامعة (وخزان العِلْم) فما من علم إلاّ وهم أصله ومفتاحُه وسببهُ. وأمّا كونه فاتقاً لكلّ رتق، فلا ريب فيها أيضاً، حيث إنّ هذه القضيّة قياساتها معها، وذلك: بما أنّ الأئمّة عليهم السَّلام صفوة الخلق عند الله تعالى وأول خلق الله عزّ وجلّ، لا بدّ أن يميزهم بشيء عن غيرهم، وهذا الشيء لا يصحّ أنْ يكون أمراً مادّيّاً فقط، بل لا بدّ أنْ يكون أمراً فوق المادّة وأرقى من المادّة، وهذا الشيء أو الأمر هو العِلْم به وبأحواله وأحوالِ مملكته وبَسْطِه وفصله ومجمله وغير ذلك مما لا بدّ من علمه، لكونهم حججه على خلقه، وتمييزهم بالعِلْم لا يتمّ إلاّ بانْ تكون الأشياء حاضرة لديهم كحضورها لدى الله تعالى، وهذا الحضور يستلزم أنْ يحيطوا بالأشياء برمّتها، والإحاطة تستلزم معرفة دقائق الأشياء بتفاصيلها، وهذا يعني الولاية التكوينيّة التي نعتقد بها نحن الشيعة لأئمتنا الأطهار. وعليه؛ فإنّ معنى الولاية هو أنْ يُظهر ويكشف كلَّ معضلة أو أمرٍ لا يمكن أنْ يظهَر أو يُكشف إلاّ من خلالهم، لكونهم المحيطين بكلّ شيء بإذن ربهم. فالإمام المهديّ (عليه السلام) فاتق كلّ رتق سواء أكان معنوياً كتفريج الكروب والهموم والغموم وكشف المعضلات العلمية، أم كان مادياً كشفاء المرضى وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك. وأمّا كونه (عليه السلام) محققاً كلّ حقّ، ومبطلاً كلّ باطل، وذلك لأنه أصل الحق، يدفع الله به كلّ باطل، لأنّ الحقّ المتمثل بهم، لا يقوى الباطل أنْ يقف بوجه أرواحهم وإنْ وقف بوجه أجسادهم، لقوة أنوارهم التي هي نور الله (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح...) فقد جاء في الصحيح أنّ أئمتنا عليهم السَّلام نور الله عزّ وجلّ في خلقه، وأنّ آية النور نزلت فيهم، فعن صالح بن سهل الهمداني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (الله نور السماوات مثل نوره كمشكاة فاطمة عليها السَّلام فيها مصباح الحسن المصباح في زجاجة الحسين الزجاجة كأنها كوكبٌ دريٌّ فاطمة كوكب دريٌّ بين نساء أهل الدّنيا توقد من شجرةٍ مباركة إبراهيم (عليه السلام) زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة لا يهوديّة ولا نصرانيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور إمام منها بعد إمام يهدي الله لنوره مَن يشاء يهدي للأئمّة عليهم السَّلام مَن يشاء ويضرب الله الأمثال للناس) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وعن الكليني بإسناده إلى يعقوب بن سالم عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل وفيه أنّ الله تعالى بعث إلى أهل البيت عليهم السَّلام بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم من يعزّيهم فسمعوا صوته ولم يروا شخصه، فكان في تعزيته: جعلكم أهل بيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه، وجعلكم تابوت علمه وعصـا عزه، وضرب لكم مثلاً مـن نوره.(5) الهوامش (1) بصائر الدرجات:513ح11. (2) تفسير نور الثقلين:5/108ح17. (3) بصائر الدرجات:10/510 باب14 ح110. (4) إلزام الناصب:1/481. (5) تفسير نور الثقلين:3/603ح170. ****************** وفي صحيحة الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): (الله نور السماوات والأرض)؟ قال (عليه السلام): كذلك الله عزّ وجلّ. قال: قلت: (مثل نوره)؟ قال (عليه السلام): محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم. قلت: (كمشكاة)؟ قال (عليه السلام): صدر محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم. قلت: (فيها مصباح)؟ قال (عليه السلام): فيه نور العِلْم يعني النبوّة. قلت: (كأنها كوكبٌ دريٌّ)؟ قال (عليه السلام): لأيّ شيءٍ تقرأ كأنها؟ قلت: فكيف تُقْرَأ؟ قال (عليه السلام): (أنه كوكبٌ دريٌّ). قلت: (توقد من شجرةٍ مبارَكة لا شرقيّة ولا غربيّة)؟ قال (عليه السلام): ذاك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لا يهوديّ ولا نصرانيّ. قلت: (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار)؟ قال (عليه السلام): يكاد العلم يخرج من فم العالِم من آل محمّد من قبل أنْ ينطق به. قلت: (نورٌ على نور)؟ قال (عليه السلام): الإمام في اثر الإمام.(1) فالإمام (عليه السلام) ممسوس بالنور الإلهي، لذا ورد عن النبي أنه قال: "لا تسبّوا عليّاً فإنه ممسوس بذات الله". قال (عليه السلام): "رضيتكَ يا مولاي إماماً وهادياً وولياً ومُرشداً لا أبتغي بكَ بدلاً ولا أتخذ من دونك ولياً". والمعنى: رضيتك يا مولاي أي قبلتُ مسروراً سيّدي أنْ أكون عبداً وأنْ تكون لي إماماً أقتدي بكَ في أقوالكَ وأفعالك، وأجعل كلّ حركاتي وسكناتي مطابقة لحركاتك وأفعالك كما رضيتُ أنْ تكون لي...وحقٌّ لي أنْ أرضى ومَن أنا حتى لا أرضى، هادياً إلى الخير والصلاح والعمل المثمر البنّاء حتى أمهّد لك ولدولتك الكريمة، كما إنني أتشرف بأنْ تكون لي ولياً تدير أموري وتحيط بكلّ كياني ووجودي يا ابن الحسن! أنتَ الوليُّ أي أنت القريب لي من كلّ قريب، وأنتَ الحبيبُ لي من كلّ حبيب. بل أنتَ المرشدُ الّذي يوجّه حياتي الرّوحيّة والفكريّة والإجتماعيّة، فإذا كان الناس والأحزاب لهم مرشد ورئيس، فأنا ليس لي رئيسٌ ومرشدٌ سواك، أنتَ مرشدي ورئيسي وقائدي، تسوقني إلى الكمال، أمّا غيرُك فيسوق أصحابه إلى شهواته ونـزواته، ولو أنّ هؤلاء الناسَ عرفوكَ لمّا اتخذوا غيركَ قائداً ومرشداً، لكنّ الجهل يا سيّدي أعمى بصائرهم وقلوبهم بل أصمَّ آذانهم وأفكارهم، وسمّم أفئدتهم ولبّد مشاعرهم، فلا يفكّرون إلاّ بمرشدهم وقائدهم فنسوا الله فأنساهم أنفسهم، فلا يدرون إلى أين هم سائرون وإلى أيّ مصيرٍ هم فيه سيستقرّون. أمّا مَن اتّخذكَ قائداً ومرشداً فإنّ مصيره معلومٌ وهو رضاكَ يا ابن الحسن، يا ابن فاطمة الشهيدة! يا ابن فاطمة المظلومة، يا ابن فاطمة المقهورة، يا ابن وليّة الله الكبرى يا ابن مَن كانت من الله كقاب قوسين أو أدنى، يا ابن مَن عرفها فقد عَرَف ليلة القدر، يا ابن مَنْ كان رضا الله برضاها وسخط الله بسخطها، يا أسوة مولاتي فاطمة وقرّة عين المرتضى ومهجة قلب الحبيب المصطفى، يا ابن أمير المؤمنين عليّ وابن الحسين الصفيّ. أنتَ أنتَ، وأنا أنا، أنا لا شيء، وأنتَ كلّ شيء، مَن أنا حتى أرضى أنْ تكون لي إماماً لولا أنّ الله عرفني شخصك الكريم، مَن أنا حتى أرضى أنْ تكون لي إماماً لولا أنّ الله دلّني عليكَ، فلولا أنتَ لم أدرِ مَنْ أنا، ولولا أنتَ لم أعرف مَن أنتَ، أنتَ الحبيب، أنتَ القريب، أنتَ الرفيق، أنتَ الطبيب، أنتَ المجيب، أنتَ المنقذ، أنتَ الناصر والمسدِّد، أنتَ الشفيق، أنتَ المعين، أنتَ الحياة، أنتَ السلسبيل، أنتَ لا أدري مَن أنتَ لولا رحمة ربّي، أنتَ أنتَ لا أبتغي بكَ بدلاً أي لا أريد غيركَ، ولن أرضى بغيرك أنْ يسوقَ حياتي، ولا أرضى لغيرك أنْ يكون مرشدي، ولا أقبل أبداً أنْ أُدخل في قلبي حبَّ غيرك، فلكَ السهمُ الأكبر في قلبي، بل أنتَ قلبي يا حشاشة فؤادي، ولن أتخذ ولياً يحيط بفؤادي غيرَ شخصك الكريم يا ابن الحسن! صلّى الله عليك أبداً ما بقيتُ وبقي الليل والنهار، وجعلني الله فداءاً لتراب نعليك الطاهرتين، بذا أكون راضياً أنْ أكون لكَ عبداً، وتكون لي وليّاً مرشداً، والسَّلام عليكَ وعلى آبائكَ الطاهرين. قال (عليه السلام): "أشهد أنكَ الحقّ الثابت الّذي لا عيب فيه وأنّ وَعْد الله فيكَ حقٌّ لا أرتاب لطول الغيبة وبُعْد الأَمَد". أي أشهدُ وأعتقد شهادة واعتقاد عارف بحقك عن دليل وبرهان لا عن تقليد وإجبار أو سوءِ اختيار بأنك الحق الثابت الّذي لا يتزعزع، والتقييد بـ "الحقّ الثابت" قيد احترازي عن الحق غير الثابت الّذي قد يتزعزع في أيّ لحظة كالّذين يدّعون أنهم محبّون لآل محمّد ولكنهم عند الزلازل والهزات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والروحيّة تراهم يهوون في وادٍ سحيق، حباً للمال والسلطة والجاه والخلود إلى الدعة والراحة، فهم كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) في وصيته الخالدة في كربلاء: "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون" أو كما قال تعالى: (ومن الناس مَن يعبد الله على حرف فإن أصابه خيرٌ إطمأنّ به وإنْ أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) (الحجّ/11). والحقّ على نحوين: الحقّ العام: وهو أداء الحقوق المتعلقة بالخلق عامّةً. الحقّ الخاص: وهو أداء حقّ الله تعالى وما أمر به. وكِلاَ الحقين متعلقين بالإمام المهديّ (عليه السلام) يؤديهما على أحسن وجه وأتمّ صورة. هذا كله إذا فسرنا الحق بأداء الحقوق العامّة والخاصّة وهو تعريف عام للحق، أمّا لو فسرناه بمعنى الإيمان أو الإعتقاد، فيكون تعريفاً خاصاً بالإمام المهدي (عليه السلام)، فهو صاحب الإعتقاد الثابت والإيمان الراسخ الّذي لا يزول أبداً، كيف يزول وقد أخذ الله المواثيق على الخلق عامّة بالولاية لآل محمّد عليهم السَّلام، وإليك بعض ما أورده الصفار في كتابه بصائر الدّرجات حول ولاية أئمتنا عليهم السَّلام، قال: (1) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع والحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: والله إن في السماء لسبعين صنفا من الملائكة لو اجتمع عليهم أهل الأرض كلهم يحصون عدد كل صنف منهم ما أحصوهم وإنهم ليدينون بولايتنا. (2) ـ حدثنا عبد الله محمد بن عيسى عن أخيه عن عبد الرحمن بن محمد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن سدير الصيرفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمركم هذا عرض على الملائكة فلم يقر به إلا المقربون. (3) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن إبراهيم بن أبي البلاد عن سدير الصيرفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمركم هذا عرض على الملائكة فلم يقر به إلا المقربون وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلا المرسلون وعرض على المؤمنون فلم يقر به إلا الممتحنون. (4) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن الهيثم عن أبيه عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا حمزة ألا ترى أنه اختار لأمرنا من الملائكة المقربين ومن الأنبياء المرسلين ومن المؤمنين الممتحنين. (5) ـ حدثنا أحمد بن عمر عن عمر بن عبد العزيز عن الخيبري عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعناه يقول ما جاورت ملائكة الله تبارك وتعالى في دنوها منه إلا بالذي أنتم عليه وإن الملائكة ليصفون ما تصفون ويطلبون ما تطلبون وإن من الملائكة ملائكة يقولون: إن قولنا في آل محمد مثل الذي جعلتهم عليه. (6) ـ حدثنا علي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حماد بن عيسى قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال الملائكة: أكثر أو بنو آدم فقال: والذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب وما في السماء موضع قدم إلا وفيه ملك يقدس له ويسبح ولا في الأرض شجرة ولا مثل غرزة إلا وفيها ملك موكل بها يأتي الله كل يوم بعملها والله أعلم بها وما منهم أحد إلا ويتقرب إلى الله في كل يوم بولايتنا أهل البيت ويستغفر لمحبينا ويلعن أعداءنا ويسأل الله أن يرسل عليهم من العذاب إرسالاً. إشكال: كيف تقولون إنّ الملائكة أقرّوا كلّهم بولايتهم، وهناك أخبار تدلّ على أنّ أمرهم عرض على الملائكة فلم يقرّ به إلاّ المقرَّبون؟ والجواب: إنّ الملائكة كلَّهم موالون لأئمّة آل البيت وإلاّ لما خلقهم الله من فاضل طينتهم لكونهم من الشيعة المخلصين للأئمّة، وإنما أمرهم الصعب المستصعب هو الّذي لم يقرّ به إلاّ المقرَّبون منهم، وإلاّ فإنّ الإعتقاد بالأئمّة هو أساس وجودهم وكيانهم ومبدأهم ومنتهاهم، ولعلّه من هذا الباب ورد في بعض الأخبار بأنّ الملك فطرس عُرضت عليه ولاية أمير المؤمنين فاباها فكسر الله جناحه حتى ولد الإمام الحسين (عليه السلام) فتاب عليه ورفع إلى حالته السابقة، فيكون رفضه لكمال الولاية وليس لأصلها أي لم يكن إنكاره لحقيقة الولاية وإنما لكمالها فهو لم يستوعب حقيقتها وسعة وجودها، وهذا موافق للأخبار الكثيرة الدّالّة على أنّ أمرهم صعبٌ مستصعَب لا يحتمله مَلَكٌ مقرَّب ولا نبيٌّ مرسَل ولا عبدٌ مؤمنٌ امتحن الله قلبه للإيمان. ونحن هنا سنذكر باباً كاملاً أورده الصفار في كتابه حول ما خصّ الله به آل محمّد من ولاية أولي العزم في الميثاق وغيره، كما يأتي: (1) ـ حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن مفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) قال: عهد إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك والإقرار به. (2) ـ حدثني أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً فامتزج الماءان فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً فقال لأصحاب اليمين وهم فيهم كالذر يدبون إلى الجنّة بسلام وقال لأصحاب الشمال يدبّون إلى النار ولا أبالي ثم قال: ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين قال: ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال: ألست بربكم؟ ثم قال: وإن هذا محمد رسول الله وإن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وإن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعْبَد به طوعاً وكرهاً قالوا أقررنا وشهدنا يا رب ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) قال: إنما يعني فترك ثم أمر ناراً فأُجِّجَتْ فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً فقال أصحاب الشمال:يا رب أقلنا فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثم ثبتت الطاعة والمعصية والولاية. إشكال وحلّ: ظاهر الخبر يدلّ على أنّ امتحان العباد قد حصل قبل هبوط الأرواح الآدميّة إلى الأرض، مما يقتضي القول بالجبر، وهو منفيٌّ بالأدلّة والبراهين القطعيّة جملةً وتفصيلاً، فلا بدّ حينئذٍ من تأويل الخبر بما يتناسب والأصول العقيديّة لدى الشيعة الإماميّة، ومقتضى قواعد الجمع العرفي والفقهي للأخبار أنْ نؤوّل تلكم الأخبار الظاهرة في الجبر، والجمع لا يخلو من أمرين: الأوّل: أنْ يكون الإمتحان في تلك العوالم لا على نحو الجبر وإنما اختياراً، بمعنى أنّ الله تعالى ركّب في العباد العقل ليكلِّفهم بل إنّ أرواحهم كانت عاقلة بلا حاجة إلى تركيب عقلٍ آخر فيها، وبواسطة هذا الإدراك تمّ الإمتحان، وهذا لا غبار عليه لولا بعض الأخبار الدّالّة على عدم وجود تكليف في ذاك العالَم، لكنّ التحقيق أنْ يقال بصحّة وجود تكليف في ذاك العالَم وإنْ كان بماهيته يغاير التكاليف في عالَمنا الدنيوي، مضافاً إلى أنّ امتحاننا هناك كامتحان أبينا آدم بعدم الأكل من الشجرة، وكامتحان الملائكة والشيطان بالسجود لأبينا آدم (عليه السلام) بحسب ظاهر الآيات والأخبار. الثاني: أنْ يكون الإمتحان هناك انعكاس للإمتحان الّذي سيجري في الأرض، فينجح هناك مَنْ سينجح في الأرض في مستقبل الزمان، ويفشل هناك مَن سيفشل في الأرض، فيكون النجاح والفشل الإضطراريين هناك فرع التكليف في الأرض لكن على نحو الإعجاز العلمي لله تعالى حيث تدخل المسألة في نطاق القدرة والعلم الإلهيين اللذين يكشفان عن النتائج الأخيرة للفعل قبل حصول مقدّماته، وبهذا تحمل آيات امتحان آدم من قبل حيث لم يجد اللهُ له (عليه السلام) عزماً كاملاً في رسول الله والعترة الطاهرة، لكن لا يعني هذا الحمل أنّ غيره من المرسَلين كان له ذاك العزم المطلَق في آل محمّد، لأنّ ذلك يتعارض مع ما ورد عنه صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا عليّ ما عرفك إلاّ الله وأنا... (3) ـ ورواه أيضا عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله. (4) ـ حدثنا الحسن بن محمد عن معلى بن محمد عن جعفر بن محمد بن عبد الله عن محمد بن عيسى القمي عن محمد بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) كلمات في محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم (فَنَسِيَ) هكذا والله أنـزلت على محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم. (5) ـ حدثنا عبد الله بن عامر عن أبي عبد الله البرقي عن الحسين بن عثمان عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن عليا آية لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم إن محمدا يدعو إلى ولاية علي (عليه السلام). (6) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن موسى عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) إلى آخر الآية قال: أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربه ثم قال: (أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) وإن هذا محمد رسولي وعلي أمير المؤمنين خليفتي وأميني. (7) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن النضر بن سويد عن خالد بن حماد ومحمد بن الفضيل عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أوحى الله إلى نبيه (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال: إنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم. (8) ـ حدثنا عبد الله بن عامر عن أبي عبد الله البرقي عن الحسين بن عثمان عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) آية لمحمد وإن محمداً يدعو إلى ولاية علي (عليه السلام). (9) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن موسى عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قال: أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة كالذر فعرفهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه وقال: ألست بربكم قالوا: بلى وإن هذا محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وعلي أمير المؤمنين (عليه السلام). هذا وقد أورد الصفار في كتابه بصائر الدرجات باباً حول أنّ ولايتهم عرضت على السّماوات والأرض فأقرّ بها مَن أقرّ، وكفر بها مَن كفر ونحن نوردها هنا كما أوردها الصفار رحمه الله: (1) ـ حدثنا العباس بن معروف عن سعدان بن مسلم عن صباح المزني عن الحرث بن حصيرة عن حبة العرني قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها. ملاحظة: وزان هذا الخبر على وزان الأخبار المتعلّقة بأبينا آدم حيث عرضت ولاية الأئمّة عليهم السَّلام عليه فلم يجد اللهُ له عزماً حسبما أشرنا سابقاً، وإنْ كان ثمّة تفاوت بين هذا الخبر والأخبار المتعلّقة بآدم، حيث إنه يفيد إنكار يونس لولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وخبر إنكار يونس ونظيره لولاية الإمام عليّ (عليه السلام) يتعارض مع الأخبار المتواترة الدّالّة على قبول الأنبياء لولايته (عليه السلام) وإلاّ لما صاروا أنبياءً، فلا بدّ من تأويله حينئذٍ على الرّغم من كونه خبراً واحداً لا يوجب علماً ولا عملاً، فالصحيح أنْ يُقال بحقّه: إنّ يونس (عليه السلام) لم يتقبّل الحقيقة الكاملة لولاية أمير المؤمنين لا أنه أنكرها من أساسها، فتأمّل. (2) ـ حدثنا محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن إسحاق بن عمار عن رجل عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: إن الله يقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ والْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وأَشْفَقْنَ مِنْها وحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) قال: هي ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام). (3) ـ حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن مفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ والْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وأَشْفَقْنَ) قال: الولاية أبين أن يحملنها كفرا بها وعنادا وحملها الإنسان والإنسان الذي حملها أبو فلان.(2) نقول: إنّ هذه الأخبار محمولة على الإقرار الإختياري أو الكفر الإختياري، بمعنى أنّ الله ركّب فيها الشعور والإدراك فآمَن مَن آمَن، وكفر مَن كفر. وإلاّ فإنّ الكون مسخَّر لإرادتهم عليهم السَّلام حسبما ورد في بابٍ نادر في قوله عزّ وجلّ:(وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه) نورده هنا تبرُّكاً: (1) ـ إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن سيف عن أبيه عن أبي الصامت في قول الله عز وجل: (وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) قال: أجبرهم بطاعتهم. (2) ـ وروى بعض أصحابنا عن أحمد بن محمد السياري قال: وقد سمعت أنا من أحمد بن محمد قال: حدثني أبو محمد عبيد بن أبي عبد الله الفارسي وغيره رفعوه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ثم قال: إن موسى لما سأل ربه ما سأل أمر واحداً من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكاً. عودٌ على بدء: فالإمام المهديّ (عليه السلام) هو الحق الثابت الّذي لا عيب فيه على الإطلاق، فهو طاهر مطهَّر، في روحه ونفسه وجسمه وعقله ومشاعره وخياله وكلّ شيء فيه طاهر مطهَّر، نور على نور يهدي الله لنوره مَن يشاء. وإنّ وعدَ الله فيه بالظهور والنصرة حقٌّ لا يمكن أن يُخلف وعده وإلاّ لكذّب نفسه وكذّب أولياءه، لذا فإنّ ظهوره المبارَك من المحتوم الّذي لا يمكن أنْ يتبدل يوماً من الأيام. وقوله (عليه السلام): "لا أرتاب لطول الغيبة وبُعد الأمد ـ أي الوقت والأجل ـ يُراد منه أنّ ثمّة أفراداً سوف يرتابون ويشكون في وجوده المقدَّس والمبارَك لأنهم لا يؤمنون إلاّ بالمحسوس،وسبب شكهم هو انغماسهم في الملذات والشهوات، مضافاً إلى أنهم لم يأخذوا علمهم عمّن يجب أنْ يأخذوه من مصدره الصحيح، لذا نفذت الشبهة في أعماق قلوبهم وتغلغلت في مسارب نفوسهم، فباتوا لا يؤمنون إلاّ بما نالته حواسُّهم الظلمانيّة، وأدركته مشاعرهم الجهنميّة. والمرتاب ليس بمؤمن لما ورد في المتواتر عنهم عليهم السَّلام من أنه مَن مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة، فقد روى النعماني الكثير منها في باب مَن شكّ في واحد من الأئمّة بإسناده: (1) ـ حدثنا أحمد بن نصر بن هوذة الباهلي قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي بنهاوند سنة ثلاث وسبعين ومائتين قال حدثنا عبد الله بن حماد الأنصاري سنة تسع وعشرين ومائتين قال حدثنا يحيى بن عبد الله قال قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) يا يحيى بن عبد الله من بات ليلة لا يعرف فيها إمامه مات ميتة جاهلية. (2) ـ حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال حدثنا محمد بن الفضل بن إبراهيم وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمد بن أحمد بن الحسن القطواني قالوا جميعا حدثنا الحسن بن محبوب الزراد عن علي بن رئاب عن محمد بن مسلم الثقفي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله تعالى فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله ومثله كمثل شاة من الأنعام ضلت عن راعيها أو قطيعها فتاهت ذاهبة وجائية وحارت يومها فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في ربضتها فلما أصبحت وساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بسرح غنم آخر مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها راعي القطيع أيتها الشاة الضالة المتحيرة الحقي براعيك وقطيعك فإنك تائهة متحيرة قد ضللت عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها إلى مربضها فبينما هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وهكذا والله يا ابن مسلم من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ أصبح تائهاً متحيراً ضالاً إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمد أن أئمة الحق وأتباعهم هم الذين على دين الله وأن أئمة الجور لمعزولون عن دين الله وعن الحق فقد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء وذلك هو الضلال البعيد. (3) ـ حدثنا علي بن أحمد عن عبد الله بن موسى عن محمد بن أحمد القلانسي عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن بكير وجميل بن دراج جميعا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) بمثله في لفظه. (4) ـ وبالإسناد الأول عن ابن محبوب عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له أرأيت من جحد إماما منكم ما حاله فقال من جحد إماما من الله وبرئ منه ومن دينه فهو كافر مرتد عن الإسلام لأن الإمام من الله ودينه من دين الله ومن برئ من دين الله. فدمه مباح في تلك الحال إلا أن يرجع أو يتوب إلى الله تعالى مما قاله. (5) ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان سنة ثلاث وسبعين ومائتين قال حدثنا علي بن سيف بن عميرة قال حدثنا أبان بن عثمان عن حمران بن أعين قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأئمة فقال من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات. (6) ـ حدثنا محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن المعلى عن ابن جمهور عن صفوان عن ابن مسكان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأئمة عليهم السَّلام قال: مَن أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات. (7) ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا علي بن الحسن من كتابه قال حدثنا العباس بن عامر عن عبد الملك بن عتبة عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية. (8) ـ حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثني عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله تعالى (وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) قال يعني من اتخذ دينه رأيه بغير إمام من أئمة الهدى. (9) ـ حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله كان مشركاً. (10) ـ حدثنا محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن منصور بن يونس عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل قال لي: اعرف الأخير من الأئمة ولا يضرك ألا تعرف الأول قال: فقال: لعن الله هذا فإني أبغضه ولا أعرفه وهل عرف الأخير إلا بالأول. (11) ـ حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي وهب عن منصور قال سألته يعني أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا واللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) قال فقال هل رأيت أحدا زعم أن الله أمره بالزنا وشرب الخمر أو شيء من هذه المحارم فقلت: لا قال: فما هذه الفاحشة التي يدعون أن الله أمرهم بها؟ قلت: الله أعلم ووليه قال: فإن هذا في أولياء أئمة الجور ادعوا أن الله أمرهم بالايتمام بقوم لم يأمرهم الله بالايتمام بهم فرد الله ذلك عليهم وأخبر أنهم قد قالوا عليه الكذب وسمى ذلك منهم فاحشة. (12) ـ حدثنا محمد بن يعقوب قال:حدثنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي وهب عن منصور قال: سألت عبداً صالحاً سلام الله عليه عن قول الله عز وجل: (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ) قال: فقال: إن القرآن له ظاهر وباطن فجميع ما حرم الله في القرآن فهو حرام على ظاهره كما هو في الظاهر والباطن من ذلك أئمة الجور وجميع ما أحل الله تعالى في الكتاب فهو حلال وهو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الهدى. (13) ـ حدثنا محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عمرو بن ثابت عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) قال هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما ولذلك قال (وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ورَأَوُا الْعَذابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): هم والله يا جابر أئمة الظلم وأشياعهم. (14) ـ وعن إبن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة. (15) ـ وبه عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالسا وأقبل علي كالمغضب ثم قال: لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله قلت لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال: نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثم قال: أما تسمع لقول الله عز وجل (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله ثم قال:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) فأي نور يكون للكافر فيخرج منه إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إياهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار فقال (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). (16) ـ حدثنا محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن ابن جمهور عن أبيه عن صفوان عن ابن مسكان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن الله لا يستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية وإن الله يستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة. (17) ـ أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رباح قال حدثنا أحمد بن علي الحميري قال: حدثني الحسين بن أيوب عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يتولاكم ويبرأ من عدوكم ويحلل حلالكم ويحرم حرامكم ويزعم أن الأمر فيكم لم يخرج منكم إلى غيركم إلا أنه يقول إنهم قد اختلفوا فيما بينهم وهم الأئمة القادة فإذا اجتمعوا على رجل فقالوا هذا قلنا هذا فقال (عليه السلام): إن مات على هذا فقد مات ميتة جاهلية. (18) ـ أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن جعفر القرشي قال حدثنا أبو جعفر الهمداني قال: حدثني موسى بن سعدان عن محمد بن سنان عن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يتوالى عليا ويتبرأ من عدوه ويقول كل شيء يقول إلا أنه يقول إنهم قد اختلفوا بينهم وهم الأئمة القادة فلست أدري أيهم الإمام وإذا اجتمعوا على رجل أخذت بقوله وقد عرفت أن الأمر فيهم قال: إن مات هذا على ذلك مات ميتة جاهلية ثم قال للقرآن تأويل يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر فإذا جاء تأويل شيء منه وقع فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجئ. (19) ـ وأخبرنا سلام بن محمد قال: حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن المفضل بن زرارة عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من دان الله بغير سماع من عالم صادق ألزمه الله البتة (التيه) إلى الفناء ومن ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك به وذلك الباب هو الأمين المأمون على سر الله المكنون. (20) ـ حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن بعض رجاله عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن مالك بن عامر عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من دان بغير سماع من صادق وذكر مثله سواء. (21) ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائتين قال: حدثنا علي بن سيف بن عميرة عن أبيه عن حمران بن أعين أنه قال: وصفت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجلا يتوالى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويتبرأ من عدوه ويقول كل شيء يقول إلا أنه يقول إنهم اختلفوا فيما بينهم وهم الأئمة القادة ولست أدري أيهم الإمام وإذا اجتمعوا على رجل واحد أخذنا بقوله وقد عرفت أن الأمر فيهم رحمهم الله جميعا فقال: إن مات هذا مات ميتة جاهلية. (22) ـ وعن المفضل بن عمر قال: سمعتُ الشيخ يعني أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إياكم والتمويه، أما والله ليغيبنّ سبتاً من دهركم وليخملن حتى يقال مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، وليكفانّ تكفئ السفينة في أمواج البحر فلا ينجو إلاّ مَن أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه وليرفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أي، قال: فبكيت ثمّ قلت له: فكيف يصنع يا أبا عبد الله؟ فقال (عليه السلام): ثمّ نظر إلى شمس واضلة في الصفة، ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم، قال (عليه السلام): والله لأمرنا أبين من هذه الشمس.(3) ثمّ عقّب النعماني على الخبر الأخير بقوله: "...النهي عن التنويه باسم الغائب (عليه السلام) وذكره بقوله (عليه السلام): إياكم والتنويه وإلى قوله: ليغيبنّ سبتاً من دهركم وليحملنّ حتى يقال: مات هلك بأيّ واد سلك ولتفيضنّ عليه أعين المؤمنين وليكفأنّ كتكفئ السفينة في أمواج البحر يريد بذلك (عليه السلام) ما يعرض للشيعة من أمواج الفتن المضلة المهولة وما يشعب من المذاهب الباطلة المتحيرة المتلددة وما يرفع من الرايات المشتبهة يعني للمدعين الإمامة من آل أبي طالب والخارجين منهم طلباً للرئاسة في كلّ زمان فإنه لم يقل مشتبهة إلاّ ممن كان من هذه الشجرة ممن يدعي ما ليس له من الإمامة ويشتبه على الناس أمره بنسبه، ويظن ضعفاء الشيعة وغيرهم إنهم على حق إذ كانوا من أهل بيت الحق والصدق وليس كذلك لأنّ الله عزّ وجل قصر هذا الأمر الّذي يتلف نفوس من ليس له ولا هو أهله قضى عليه في طلبه ومعدن الصدق الّذي جعله الله له لا يشركه فيه أحد وليس الخلق من العالم ادعاؤه دونه فثبّت الله المؤمنين مع وقوع الفتن وتشعب المذاهب وتلقى القلوب واختلاف الأقوال وتشتيت الآراء ونكوث الناكثين عن الصراط المستقيم على نظام الإمامة وحقيقة الأمر وصيانته غير مفترين بلمع السراب والبروق الخوالب ولا مائلين مع الظنون الكواذب حتى يلحق الله منهم ما يلحق بصاحبه (عليه السلام) غير مبدّل ولا مغيّر ويتوفى من فضائحه منهم قبل ذلك غير شاك ولا مرتاب ويوفي كلاًّ منهم منـزلته ويحله مرتبته في عاجله وآجله والله جلّ اسمه نسأل الثبات ونستزيده علماً فإنه أجود المعطين وأكرم المسؤولين". إنتهى كلامه. (23) ـ وعن عيسى بن محمّد عن آبائه عليهم السَّلام إلى الإمام موسى بن جعفر قال: إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم لا يزلنكم عنها فإنه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر مَن كان يقول به، إنما هي محنة من الله يمتحن الله بها خلقه ولو علم أباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا الدين لاتبعوه، قال: قلت: يا سيّدي مَن الخامس من ولد السابع، قال (عليه السلام): يا بني عقولكم تضعف عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إنْ تعيشوا فسوف تدركوه.(4) فعلى المؤمن أنْ يصبر وينتظر في الغيبة الكبرى ليلقى إمامه وهو الفَرَج بعينه. (24) ـ ورد عن أبي بصير عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: لا بدّ لنا من آذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم والبدوا ما لبدنا، فإذا تحرّك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً والله لكأني أنظر إليه بين الرّكن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد وقال ويلٌ لطغاة العرب من شرٍّ قد اقترب.(5) وثمّـة أحاديـث غيره في نفس الباب هـي علـى النحو الآتي(6): (25) ـ حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن بعض رجاله عن علي بن عمارة الكناني قال: حدثنا محمد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له (عليه السلام): أوصني فقال: أوصيك بتقوى الله وأن تلزم بيتك وتقعد في دهماء هؤلاء الناس وإياك والخوارج منا فإنهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء واعلم أن لبني أمية ملكاً لا يستطيع الناس أن تردعه وأن لأهل الحق دولة إذا جاءت ولاها الله لمن يشاء منا أهل البيت فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى وإن قبضه الله قبل ذلك خار له واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً أو تعز ديناً إلا صرعتهم المنية والبلية حتى تقوم عصابة شهدوا بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لا يوارى قتيلهم ولا يرفع صريعهم ولا يداوى جريحهم قلت: من هم؟ قال: الملائكة. (26) ـ وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني علي بن الحسن التيملي قال: حدثنا الحسن ومحمد ابنا علي بن يوسف عن أبيهما عن أحمد بن علي الحلبي عن صالح بن أبي الأسود عن أبي الجارود قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ليس منا أهل البيت أحد يدفع ضيما ولا يدعو إلى حق إلا صرعته البلية حتى تقوم عصابة شهدت بدرا لا يوارى قتيلها ولا يداوى جريحها قلت: من عنى أبو جعفر (عليه السلام) بذلك؟ قال: الملائكة. (27) ـ حدثنا محمد بن همام ومحمد بن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه عن سماعة بن مهران عن أبي الجارود عن القاسم بن الوليد الهمداني عن الحارث الأعور الهمداني قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): على المنبر إذا هلك الخاطب وزاغ صاحب العصر وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب هلك المتمنون واضمحل المضمحلون وبقي المؤمنون وقليل ما يكونون ثلاثمائة أو يزيدون تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يوم بدر لم تقتل ولم تمت. (28) ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا حميد بن زياد الكوفي قال: حدثنا علي بن الصباح بن الضحاك عن جعفر بن محمد بن سماعة عن سيف التمار عن أبي المرهف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): هلكت المحاضير قال: قلت: وما المحاضير؟ قال: المستعجلون ونجا المقربون وثبت الحصن على أوتادها كونوا أحلاس بيوتكم فإن الغبرة على من أثارها وإنهم لا يريدونكم بجائحة إلا أتاهم الله بشاغل لأمرٍ يعرض لهم. (29) ـ حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني يحيى بن زكريا بن شيبان قال: حدثنا يوسف بن كليب المسعودي قال: حدثنا الحكم بن سليمان عن محمد بن كثير عن أبي بكر الحضرمي قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله (عليه السلام) وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان فقلنا: ما ترى؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح. (30) ـ وحدثنا محمد بن همام قال حدثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال: حدثني محمد بن أحمد عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبداً ويصيب العامة ولا تزال الزيدية وقاء لكم أبداً. (31) ـ وحدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي عن محمد بن موسى عن أحمد بن أبي أحمد عن محمد بن علي عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) يوما وعنده مهزم الأسدي فقال: جعلني الله فداك متى هذا الأمر الذي تنتظرونه فقد طال علينا؟ فقال: يا مهزم كذب المتمنون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون وإلينا يصيرون. (32) ـ علي بن أحمد عن عبيد الله بن موسى العلوي قال: حدثنا علي بن الحسن عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) قال: هو أمرنا أمر الله عز وجل أن لا تستعجل به حتى يؤيده الله بثلاثة أجناد الملائكة والمؤمنين والرعب وخروجه (عليه السلام) كخروج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وذلك قوله تعالى: (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ). (33) ـ أخبرنا محمد بن همام ومحمد بن الحسن بن محمد بن جمهور جميعا عن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه عن سماعة بن مهران عن صالح بن ميثم ويحيى بن سابق جميعا عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: هلك أصحاب المحاضير ونجا المقربون وثبت الحصن على أوتادها إن بعد الغم فتحاً عجيباً. (34) ـ وحدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي قال: حدثنا إسماعيل بن مهران قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة عن الحكم بن أيمن عن ضريس الكناسي عن أبي خالد الكابلي قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): لوددت أني تركت فكلمت الناس ثلاثا ثم قضى الله في ما أحب ولكن عزمة من الله أن نصبر ثم تلى هذه الآية (ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). (35) ـ علي بن أحمد قال حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن علي بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) أن ابن عباس بعث إليه من يسأله عن هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا) فغضب علي بن الحسين (عليه السلام) وقال للسائل: وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به ثم قال: نـزلت في أبي وفينا ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط ثم قال: أما إن في صلبه يعني ابن عباس وديعة ذرئت لنار جهنم سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا وستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد (عليه السلام) تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير مدرك ويرابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. الهوامش (1) تفسير نور الثقلين:3/603ح173. (2) بصائر الدّرجات:2/95 باب10. (3) غيبة النعماني:99. (4) غيبة النعماني:100101. (5) غيبة النعماني:129ح1. (6) غيبة النعماني:129134. ****************** (36) ـ حدثنا علي بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن هارون بن مسلم عن القاسم بن عروة عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) في قوله عز وجل (اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا) فقال: اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر. (37) ـ حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثني أحمد بن علي الجعفي عن محمد بن المثنى الحضرمي عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: مثل خروج القائم منا أهل البيت كخروج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ومثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار فوقع من وكره فتلاعبت به الصبيان. (38) ـ حدثنا علي بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن أحمد بن الحسين عن علي بن عقبة عن موسى بن أكيل النميري عن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن هو في الفسطاط للقائم (عليه السلام). (39) ـ حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي أبو الحسن قال: حدثنا إسماعيل بن مهران قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه ووهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال ذات يوم: ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملا إلا به؟ فقلت: بلى فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا يعني الأئمة خاصة والتسليم لهم والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم (عليه السلام) ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة. (40) ـ علي بن أحمد عن عبيد الله بن موسى العلوي عن محمد بن الحسين عن محمد بن شيبان عن عمار بن مروان عن منخل بن جميل عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض أي لا تخرجوا على أحد فإن أمركم ليس به خفاء ألا إنها آية من الله عز وجل ليست من الناس ألا إنها أضوأ من الشمس لا تخفى على بر ولا فاجر أتعرفون الصبح فإنها كالصبح ليس به خفاء. قال (عليه السلام): "ولا أتحيّر مع مَن جهلك وجهلَ بك، منتظرٌ متوقِّعٌ لأيامكَ وأنتَ الشافعُ الّذي لا تُنازع والوليّ الّذي لا تُدافع...". لا ريب أنّ الحيرة مُهلكة لصاحبها، وسبب الحيرة هو عدم اليقين أو وجود الشك، والمتحير هو الجاهل بمقام وذات الإمام المهديّ روحي لتراب نعليه الفداء أو جاهل ببعض مقامه، من هنا جاء التعبير بالقول: (جهلك وجهل بك) والباء للتبعيض هنا وليست باء السببيّة، أي جاهل بسببك، فهذا قبيح لاستلزامه الكفر، فكأنّ السائل عليه أنْ يوطّن نفسه على الإعتقاد بجناب الإمام والإنتظار لظهوره المقدَّس. روى النعماني بإسناده إلى يمان التمار قال: قال مولانا الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط لشوك القتاد بيده ثمّ أومئ بيده هكذا وقال: فأيكم يمسك شوك القتاد بيده ثمّ قال: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة فليتّقِ الله عند غيبته وليتمسّك بدينه.(1) والجاهل عدوّ الإمام المهديّ (عليه السلام)، والمراد من الجهل أو الجاهل هو الجاهل بمقامه الشريف، لذا فإنّ الإمام (عليه السلام) يلاقي يوم ظهوره صعوبة من الجهال أكثر مما لاقاه جدّه رسول الله محمّد. فقد روى النعماني: باباً خاصاً في ذلك، ونحن هنا نورده تبرُّكاً وللمزيد من الإفادة: (1) ـ أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم قال: حدثني محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن مروان عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم من جهال الجاهلية قلت وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به ثم قال أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر. (2) ـ أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس مثل ما لقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأكثر. (3) ـ أخبرنا محمد بن همام قال حدثنا حميد بن زياد الكوفي قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدثنا أحمد بن الحسين الميثمي عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: القائم (عليه السلام) يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه. (4) ـ أخبرنا علي بن أحمد قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى العلوي عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن قتيبة الأعشى عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب أتدري لم ذاك؟ قلت: لا قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه. (5) ـ أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن قتيبة الأعشى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إذا رفعت راية الحق لعنها أهل المشرق والمغرب قلت له: مم ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم. (6) ـ أخبرنا علي بن أحمد عن عبيد الله بن موسى وأحمد بن علي الأعلم قالا: حدثنا محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن صدقة وابن أذينة العبدي ومحمد بن سنان جميعا عن يعقوب السراج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه أهل مكة وأهل المدينة وأهل الشام وبنو أمية وأهل البصرة وأهل دميسان والأكراد والأعراب وضبة وغني وباهلة وأزد البصرة وأهل الري. الخلاصة: إنّ الفِقرة المذكورة تدلّ على شيئين يجب أنْ يتحلّى بهما المؤمن هما: الأوّل: اليقين بوجود الإمام المهديّ روحي فداه. ويدلّ عليه قوله (عليه السلام): "لا أتحيّر مع مَن جهلكَ وجهل بك" حيث إنّ مفهومها يدلّ على أنّ المتيقن به وبمقاماته هو مؤمنٌ صحيح الإيمان. الثاني:متوقّع لأيامك أي المنتظر لظهورك والمترقِّب لخروجك الشريف. وقد مدح أئمتنا المنتظِرين العاملين الداعين إليه لا المسترخين الّذين يلوون عن نصرته والذود عنه، فعن مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) قال: هلك المحاضير، قال السائل: قلت: وما المحاضير؟ قال (عليه السلام): المستعجلون ونجا المقربون وثبت الحصن على أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم فإنّ الفتنة على مَن أثارها، وإنهم لا يريدونكم بجائحة ـ أي شدّة ـ الاّ أتاهم الله بشاغل لأمر يُعرض لهم. وأمّا قوله (عليه السلام): "وأنتَ الشافع الّذي لا تُنازع والوليّ الّذي لا تُدافع.." فهو إشارة إلى: إنني يا سيّدي بما أنني أعتقد بشخصك الكريم وإمامتك الكبرى، أرجو أنْ لا تخيّبني كي أكون من أنصارك وخدَمِك، فأنتَ شفيعي في قضاء هذه الحاجة، لأنّكَ الشافع الّذي لا تُرَد له دعوة عند الباري عزّ شأنه، بل بيدك الحلّ والفصل في ذلك، كيف لا؟ وأنتَ أنتَ لا أحد ينازعُكَ في تحقيق حاجتي ولا أنْ يضغط عليك لكي لا تحققها لي: بل أنتَ أنتَ الوليّ الّذي لا تُدافع عن طلب حاجتي يا ابن سيدتي فاطمة، بحقها عليك إلاّ ما قضيتَ لي هذه الحاجة المهمّة عندي. قال (عليه السلام): "ذخركَ الله لنصرة الدِّيْن وإعزاز المؤمنين والإنتقام من الجاحدين المارقين...". معاني المفردات: ذخرك: معنى الذَخْر: الإعتداد والإختيار يقال: ذَخَر الشيء يذْخُرُه ذُخْراً، واذّخَرَه إذِّخاراً: إختاره واتخذه. والذخيرة: واحدة الذخائر وهي ما ادُّخِر، قال الشاعر: لعمرك ما مالُ الفتى بذخيرةٍ ولكنّ إخوانَ الصَّفاءِ الذَخائِرُ وذخر لنفسه حديثاً: أي أبقاه.(2) وإعزاز: إسم تفضيل أي كثير العزِّ، والعِزُّ هو عكس الذُّل والمهانة، وهو مشتق من العزيز أي الممتنع فلا يغلبه شيء، أو هو القويُّ الغالب، والعزُّ أيضاً القوّة والشدّة والغلبة والرفعة والإمتناع. وفي التنـزيل: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين): أي له العزّة والغلبة سبحانه.وقال في آية أخرى:(مَن كان يريد العزّة فلله العزّة جميعاً). (فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبونه أذّلةٍ على المؤمنين أعزّةٍ على الكافرين) أي جانبهم غليظٌ على الكافرين، ليّنٌ على المؤمنين. ومعنى الجملة المبارَكة: (أعترِفُ وأُقِرُّ بأنّكَ المذخور عند الله تعالى لنصرة الدّين، كلّ الأديان التي جاء بها الأنبياء والمرسَلون، والتي حرّفها الأتباع عبر مرور الزمن إلى زماننا هذا حتى شريعة جدّك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم، فقد تلاعبَتْ بها الأهواء والمصالح، فلا بدّ أنْ يأتي ذاك اليوم لتنصُر دين جدّك، ودين الأنبياء المتقدِّمين عليه، ونصرة الإمام لدين جدّه وللأنبياء تتمّ عبر تصحيح ما حرَّفه الأتباع وبدَّلُوه وغيَّروه، وهذه مسؤوليّة عظمى وشاقة لا يقوم بها إلاّ مَن عَظُمَ شأنه عند الله وكان قريباً جدّاً منه ومسدَّداً بألطافه ورحمته، وهو أنتَ يا مولاي يا صاحب الأمر، لا أحدَ سواكَ يقدِرُ على هذه المهمّة إلاّ مَن كانوا بمثابة نفسكَ وكنتَ كأنفسهم، وليست مهمته ـ روحي فداه ـ مقتصرة على نصرة الدّين وإعزاز المؤمنين وتقويتهم وإمدادهم بالمعونة والقوّة فحسب بل على عاتقه ـ روحي فداه ـ مهمّةٌ أخرى وهي الإنتقام من الجاحدين للولاية والمارقين من الولاية والإمامة، ففي الجملة هناك ثلاثة عناصر لا بدّ من تدبّرها: العنصر الاوّل: نصرة الدّين. العنصر الثاني: إعزاز المؤمنين. العنصر الثالث: الإنتقام من الجاحدين المارقين. أمّا العنصر الأوّل:وهو نصرة الدّين،فالبحث فيه على مستويَيْن: المستوى الأوّل: معنى كونه وآباءَه أنصاراً لله. المستوى الثاني: معنى الدّين الّذي ينصرونه. أمّا المستوى الاوّل: فإنّ معنى كونه (عليه السلام) ناصراً أي معيناً ومدافِعاً وذابّاً عن دين الله تعالى، بمعنى أنهم عليهم السَّلام يذبّون عن دين الله ويعينونه بما يناسبه، ويمنعون عن أنْ يصل إليه تحريف الغالين أو إبطال المعاندين، فهم عليهم السَّلام يُبطلون بالبرهان حجّة المخالفين بالعمل من العبادات والمجاهدات, والمجاهدة في سبيل الله تعالى ولو بمثل سفك المهج وتحمّل المصائب والأذى من الأعداء، كلُّ ذلك حفظاً ونصرةً للدّين وثباتاً عليه وتثبيتاً له كما لا يخفى على مَن راجع أحوالهم عليهم السَّلام ومحاجّاتهم التي شُحنت بها كتبنا. قال مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ فينا أهل البيت في كلّ خلق عدولاً ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يحمل هذا الدّين في كلّ قرنٍ عدولٌ ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين، وانتحالَ الجاهلين كما ينفي الكبريتُ خبثَ الحديد. معنى هذا الحديث: إنّ نفوسهم الشريفة أحسن مصداق لقوله (عليه السلام): "عدول" وإنْ كان يحتمل أنْ يكون المراد منها الأعمّ منهم عليهم السَّلام إذ تشمل أيضاً شيعتهم الّذين يقتفون آثارهم ويعرفون أحكامهم، وأنهم المحتملون لعلومهم، ينفون عن دين الأئمّة تاويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين. فيظهر من كثير من الأحاديث والأدعية والزيارات: أنّ نصرة الدّين قد تكون بغير الأئمّة من الشيعة الّذين قد وصفوهم بالنصرة كما في زيارة شهداء مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) بالقول: "السَّلام عليكم يا أنصار دين الله، السَّلام عليكم يا أنصار رسول الله، السَّلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين، السَّلام عليكم يا أنصار فاطمة سيّدة نساء العالمين، السَّلام عليكم يا أنصار أبي محمّد الحسن بن عليّ الوليّ الناصح، السَّلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله، بأبي أنتم وأمّي طبتم وطابت الأرض التي فيها دُفِنْتُم وفزتم فوزاً عظيماً فيا ليتني كنتُ معكم فأفوز فوزاً معكم" (مفاتيح الجنان:593/زيارة وارث). وفي أحد الأدعية في شهر رمضان: "وتجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري". وأمّا الأخبار الدّالّة على أنهم عليهم السَّلام أمروا بمتابعة علماء الشيعة المخلِصين، فكثيرة، نذكر بعضاً منها توضيحاً للمقصود، منها ما أورده العلاّمة المجلسي رحمه الله عن: (1) ـ كش، (رجال الكشي) محمد بن سعد الكشي ومحمد بن أبي عوف البخاري عن محمد بن أحمد بن حماد المروزي رفعه قال: قال الصادق (عليه السلام): اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون محدَّثاً فقيل له: أو يكون المؤمن محدَّثاً؟ قال: يكون مفهماً والمفهَّم محدَّثٌ. (2) ـ كش، (رجال الكشي) حمدويه وإبراهيم ابنا نصير عن محمد بن إسماعيل الرازي عن علي بن حبيب المدائني عن علي بن سويد السائي قال: كتب إلي أبو الحسن الأول وهو في السجن: وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك؟ لا تأخذنَّ معالم دينك عن غير شيعتنا فإنك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم اؤتمنوا على كتاب الله جلّ وعلا فحرّفوه وبدّلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله وملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة. (3) ـ كش، (رجال الكشي) جبرئيل بن أحمد عن موسى بن جعفر بن وهب عن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عمّن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضا بذلك فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما فاعتمدا في دينكما على مسن في حبكما وكل كثير القدم في أمرنا فإنهم كافوكما إن شاء الله تعالى. (4) ـ مع، (معاني الأخبار) عن سعد عن البرقي عن أبيه بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل من أصحابه: لا تكون إمّعَةً تقول أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس. (5) ـ مع، (معاني الأخبار) ماجيلويه عن عمه عن محمد بن علي الكوفي عن حسين بن أيوب بن أبي غفيلة الصيرفي عن كرام الخثعمي عن الثمالي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إياك والرئاسة وإياك أن تطأ أعقاب الرجال فقلت: جعلت فداك أما الرئاسة فقد عرفتها وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال؟ فقال: ليس حيث تذهب إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال. ملاحظة: المراد من "إيّاكَ أن تنصب رجلاً.." هو النهي عن أخذ العِلْم من غير الثقات المأمونين على الحلال والحرام الّذين يركبون مراكب العامّة ويتقرّبون إليهم بفقههم وعقائدهم وتقاليدهم، أمّا الفقهاء الّذين يركن إليهم من حيث الورع والوثاقة والتقى ورواية الأخبار عن أئمّة آل البيت عليهم السَّلام، فمثل هؤلاء يجب على مَن لا يعلم الرّجوع إليهم ليعرف المكلّف أحكام الله تعالى، لكن لا يصل الأمر بالمكلّف أنْ يجعلهم معصومين لا ينطقون عن الهوى كما نلاحظه اليوم بعوامّ الناس حيث يتحمّسون لمراجعهم أكثر بكثير مما يجب أنْ يكونوا عليه بالنسبة لأهل البيت بل يصل الأمر عند بعض السّذَّج من عوام الشيعة بأنْ يجعل المرجع الفلاني كعبة الله تعالى يجب السجود إلى أقواله وآرائه كأنها وحي يوحى علّمه شديد القوى، ويحرم للعلماء أمثاله أنْ ينقدوا له رأياً مخالِفاً للأصول والقواعد عند الإماميّة وإلاّ فإنّ الإعتراض هو اعتراضٌ على الله والحجج، ظنّاً عند هؤلاء الحمقى أنّ الحقّ يدور مع بعض مراجعهم وعلمائهم حيثما داروا، اللهمّ إليك نشكو، وبكَ من هؤلاء الحمقى نستعيذ يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الرّاحمين. (6) ـ مع، (معاني الأخبار) عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن أبي حفص محمد بن خالد عن أخيه سفيان بن خالد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سفيان إياك والرئاسة فما طلبها أحدٌ إلا هلك فقلت له: جعلت فداك قد هلكنا إذاً، ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه فقال: ليس حيث تذهب إليه إنما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال: وتدعو الناس إلى قوله. (7) ـ مع، (معاني الأخبار) ابن المتوكل عن عليّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن زياد قال: قال الصادق (عليه السلام): كذب من زعم أنه يعرفنا وهو مستمسك بعروة غيرنا. (8) ـ م، (تفسير الإمام (عليه السلام)) قال أبو محمد العسكري (عليه السلام): حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء فإذا لم ينـزل عالم إلى عالم يصرف عنه طلاّب حطام الدنيا وحرامها ويمنعون الحق أهله ويجعلونه لغير أهله واتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. (9) ـ وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا معشر شيعتنا والمنتحلين مودتنا إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها وأعيتهم السنة أن يعوها فاتخذوا عباد الله خولاً وماله دولاً فذلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ونازعوا الحق أهله وتمثلوا بالأئمة الصادقين وهم من الكفار الملاعين، فسئلوا عما لا يعلمون فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا أما لو كان الدين بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهما. (10) ـ وقال الإمام الرضا (عليه السلام): قال علي بن الحسين (عليه السلام): إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته فرويداً لا يغرنكم فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه فنصب الدين فخاً لها فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنّكم فإن شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّماً، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويداً لا يغرّكم حتى تنظروا ما عقده عقله فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرّنكم حتى تنظروا أمع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحلّلة فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة حتى (وإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ الْمِهادُ) فهو يخبط خبط عشواء يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه فهو يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد يتقي من أجلها فأولئك (الذين غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهُمْ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)، ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله وقواه مبذولة في رضى الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد وإن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم به فتوسلوا فإنه لا ترد له دعوة ولا تخيب له طلبة. (11) ـ م، (تفسير الإمام (عليه السلام)( ج، (الإحتجاج) بالإسناد إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ) قال (عليه السلام): ثم قال الله تعالى: يا محمد ومن هؤلاء اليهود أميون لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون كالأمي منسوب إلى أمه أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب لا يعلمون الكتاب المنـزل من السماء ولا المتكذّب به ولا يميزون بينهما إلا أماني أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال هذا كتاب الله وكلامه لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه (وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ) أي ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم في نبوته وإمامة علي (عليه السلام) سيد عترته عليهم السَّلام وهم يقلدونهم مع أنه محرّم عليهم تقليدهم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) قال (عليه السلام): قال الله تعالى: هذا القوم من اليهود كتبوا صفةً زعموا أنها صفة محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم وهي خلاف صفته وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان أنه طويل عظيم البدن والبطن أصهب الشعر ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم بخلافه وهو يجيء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم وتدوم لهم إصاباتهم ويكفوا أنفسهم مؤونة خدمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وخدمة علي (عليه السلام) وأهل خاصته فقال الله عز وجل: (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم وعلي (عليه السلام) الشدة لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنم (وَ وَيْلٌ لَهُمْ) الشدة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى مما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا أعوامهم على الكفر بمحمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم والجحد لوصية أخيه علي بن أبي طالب ولي الله ثم قال (عليه السلام): قال رجل للصادق (عليه السلام): فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم؟ لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم فقال (عليه السلام): بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم وأما من حيث افترقوا فلا قال: بيّن لي يا ابن رسول الله قال (عليه السلام): إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءَهم بالكذب الصريح وبأكل الحرام والرشاء وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم وعرفوهم يقارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكاياته ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقاً والترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقاً فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم: "فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه (لهواه) مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فأما من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة" وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم ويضعون الأشياء على غير وجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن برآء منها فيقبله المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوا وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد عليه اللعنة على الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال وهؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون ولأعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء العوام أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر ولكنه يقيض له مؤمناً يقف به على الصواب ثم يوفقه الله للقبول منه فيجمع الله له بذلك خير الدنيا والآخرة ويجمع على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة ثم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: شرار علماء أمتنا المضلون عنا القاطعون للطرق إلينا المسمون أضدادنا بأسمائنا الملقبون أندادنا بألقابنا يصلون عليهم وهم للعن مستحقون ويلعنونا ونحن بكرامات الله مغمورون وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون ثم قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): مَن خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا قيل: ومن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمين بأسمائكم وبعد المتلقبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتأمرين في ممالككم؟ قال: العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله عز وجل:(أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ إِلاّ الَّذِينَ تابُوا) الآية. ما أعظمه حديث عند مَن تأمَل في مفرداته وأصاخ السمع إلى دلالته! فالقلوب الميّتة والمشاعر المتلبِّدة لا تهزّها كلماتٌ كهذه (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور) (الحج/46). (12) ـ ج، )الإحتجاج( الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتابا سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. (13) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الحسين بن صغير عمّن حدثه عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل سبب شرحاً وجعل لكل شرح علماً وجعل لكل علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ونحن. (14) ـ ير، (بصائر الدرجات) القاشاني عن اليقطيني يرفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب فجعل لكل شيء سبباً وجعل لكل سبب شرحاً وجعل لكل شرح مفتاحاً وجعل لكل مفتاح علماً وجعل لكل علم بابا ناطقاً من عرفه عرف الله ومن أنكره أنكر الله ذلك رسول الله ونحن. (15) ـ ير، (بصائر الدرجات) السندي بن محمد عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفر (عليه السلام): فهلك إذاً مؤمن آل فرعون وما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله نوحاً (عليه السلام) فليذهب الحسن يميناً وشمالاً فو الله ما يوجد العلم إلا هاهنا. (16) ـ ير، (بصائر الدرجات) الفضل عن موسى بن القاسم عن حماد بن عيسى عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وسأله رجل من أهل البصرة فقال: إن عثمان الأعمى يروي عن الحسن أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم أهل النار قال أبو جعفر (عليه السلام): فهلك إذاً مؤمن آل فرعون كذبوا إن ذلك من فروج الزناة وما زال العلم مكتوماً قبل قتل ابن آدم فليذهب الحسن يميناً وشمالاً لا يوجد العلم إلا عند أهل بيت نـزل عليهم جبرئيل. (17) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الأهوازي عن النضر عن يحيى الحلبي عن معلى بن أبي عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: إن الحكم بن عتيبة ممن قال الله: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) فليشرق الحكم وليغرب أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نـزل عليهم جبرئيل. (18) ـ ير، (بصائر الدرجات) السندي بن محمد ومحمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا تجوز قال: لا فقلت: إن الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز فقال: اللهم لا تغفر له ذنبه ما قال الله للحكم (إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْئَلُونَ) فليذهب الحكم يميناً وشمالاً فو الله لا يوجد العلم إلا من أهل بيت نـزل عليهم جبرئيل. (19) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الحسين بن علي عن أبي إسحاق ثعلبة عن أبي مريم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة شرّقا وغرّبا لن تجدا علماً صحيحاً إلا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت. (20) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن أبي البختري وسندي بن محمد عن أبي البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العلماء ورثة الأنبياء وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. توضيح: المقصود من عدم توريث الأنبياء هو أنه ليس من عادتهم أنْ يورِّثوا المال لأنّ ذلك ليس من أهداف رسالتهم التي من أجلها أُرسِلوا و بُعِثوا، فالهدف هو إيصال العلم للناس لكي يعملوا، ولكن لا يمنع من أنْ يورِّثوا مالاً لابنائهم ـ كما حصل لزكريّا ويحيى وداوود وسليمان والنبيّ محمّد والصدّيقة فاطمة ـ إذا وُجِدَ في أيديهم لكنّه بشكلٍ عرضي. (21) ـ كش، )رجال الكشي( محمد بن مسعود عن علي بن محمد بن فيروزان القمي عن البرقي عن البزنطي عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد. (22) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن الحسين عن النضر عن محمد بن الفضيل عن الثمالي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) قال: عنى الله بها من اتخذ دينه رأيه من غير إمام من أئمة الهدى. (23) ـ ير، (بصائر الدرجات) يعقوب بن يزيد عن إسحاق بن عمار عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: مَن دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه إلى يوم القيامة. (24) ـ ير، (بصائر الدرجات) الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد السياري عن علي بن عبد الله قال: سأله رجل عن قول الله عز وجل (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقى) قال: مَن قال بالأئمة واتبع أمرهم ولم يجز طاعتهم. (25) ـ كتاب زيد الزراد، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن لنا أوعية نملؤها علما وحكما وليست لها بأهل فما نملؤها إلا لتنقل إلى شيعتنا فانظروا إلى ما في الأوعية فخذوها ثم صفوها من الكدورة تأخذونها بيضاء نقية صافية وإياكم والأوعية فإنها وعاء سوء فتنكبوها. (26) ـ ومنه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اطلبوا العلم من معدن العلم وإياكم والولائج فيهم الصدادون عن الله ثم قال: ذهب العلم وبقي غبرات العلم في أوعية سوء فاحذروا باطنها فإن في باطنها الهلاك وعليكم بظاهرها فإن في ظاهرها النجاة. (27) ـ كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن حميد بن شعيب عن جابر الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الحكمة لتكون في قلب المنافق فتجلجل في صدره حتى يخرجها فيوعيها المؤمن وتكون كلمة المنافق في صدر المؤمن فتجلجل في صدره حتى يخرجها فيعيها المنافق. (28) ـ ومنه، بهذا الإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رجلا دخل على أبي (عليه السلام) فقال: إنكم أهل بيت رحمة اختصكم الله بذلك قال: نحن كذلك والحمد لله لم ندخل أحداً في ضلالة ولم نخرج أحداً من باب هدى نعوذ بالله أن نضل أحداً. (29) ـ ف، )تحف العقول( عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس. (30) ـ سن، (المحاسن) ابن محبوب عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أما إنه ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب إلا شيء أخذوه منا أهل البيت ولا أحد من الناس يقضي بحق وعدل وصواب إلا مفتاح ذلك القضاء وبابه وأوله وسببه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإذا اشتبهت عليهم الأمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطئوا والصواب من قبل علي بن أبي طالب (عليه السلام). (31) ـ ير، (بصائر الدرجات) ابن معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي عن فضيل قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل. (32) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الأهوازي عن محمد بن عمر عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنا أهل بيت من علم الله علمنا ومن حكمه أخذنا ومن قول الصادق سمعنا فإن تتبعونا تهتدوا. (33) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن النعمان عن البزنطي عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال لي رجل من أهل الكوفة: سله عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): سلوني عما شئتم ولا تسألونني عن شيء إلا أنبأتكم به قال: فسألته فقال: إنه ليس أحد عنده علم شيء إلا خرج من عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فليذهب الناس حيث شاءوا فو الله ليأتين الأمر هاهنا وأشار بيده إلى صدره. (34) ـ ير، (بصائر الدرجات) العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنه ليس عند أحد من حق ولا صواب وليس أحد من الناس يقضي بقضاء يصيب فيه الحق إلا مفتاحه علي فإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطأ من قبلهم والصواب من قبله أو كما قال. (35) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أما إنه ليس عند أحد علم ولا حق ولا فتيا إلا شيء أخذ عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعنا أهل البيت وما من قضاء يقضى به بحق وصواب إلا بدء ذلك ومفتاحه وسببه وعلمه من علي (عليه السلام) ومنا فإذا اختلف عليهم أمرهم قاسوا وعملوا بالرأي وكان الخطأ من قبلهم إذا قاسوا وكان الصواب إذا اتبعوا الآثار من قبل علي (عليه السلام). (36) ـ سن، (المحاسن) ابن فضال عن عاصم بن حميد عن أبي إسحاق النحوي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى أدب نبيه على محبته فقال: (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وقال: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) وإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فوض إلى علي (عليه السلام) وائتمنه فسلمتم وجحد الناس فو الله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا وتصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين الله. الهوامش (1) غيبة النعماني:112. (2) لسان العرب:4/302. ****************** (37) ـ سن، (المحاسن) أبي عمن ذكره عن زيد الشحام عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) قال: قلت: ما طعامه؟ قال: علمه الذي يأخذه ممن يأخذه. (38) ـ سن، (المحاسن) علي بن عيسى القاساني عن ابن مسعود الميسري رفعه قال: قال المسيح (عليه السلام): خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق كونوا نقاد الكلام فكم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله كما زخرف الدرهم من نحاس بالفضة المموهة النظر إلى ذلك سواء والبصراء به خبراء. (39) ـ سن، (المحاسن) النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه (عليه السلام) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: غريبتان كلمة حكم من سفيه فاقبلوها وكلمة سفه من حكيم فاغفروها. (40) ـ سن، (المحاسن) علي بن سيف قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): خذوا الحكمة ولو من المشركين. (41) ـ سن، (المحاسن) ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال المسيح (عليه السلام): معشر الحواريين لم يضركم من نتن القطران إذا أصابتكم سراجه خذوا العلم ممن عنده ولا تنظروا إلى عمله. (42) ـ ما، )الأمالي للشيخ الطوسي( جماعة عن أبي المفضل عن عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم العلوي عن محمد بن علي بن حمزة العلوي عن أبيه عن الرضا عن آبائه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(عليه السلام): الهيبة خيبة والفرصة خلسة والحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها. (43) ـ ما، )الأمالي للشيخ الطوسي( جماعة عن أبي المفضل عن جعفر بن محمد العلوي عن أحمد بن عبد المنعم عن حماد بن عثمان عن حمران قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: لا تحقر اللؤلؤة النفيسة أن تجتلبها من الكبا الخسيسة فإن أبي حدثني قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن الكلمة من الحكمة لتتلجلج في صدر المنافق نـزاعا إلى مظانها حتى يلفظ بها فيسمعها المؤمن فيكون أحق بها وأهلها فيلقفها. (44) ـ سن، (المحاسن) أبي عمن ذكره عن عمرو بن أبي المقدام عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) قال: والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكن أطاعوهم في معصية الله. (45) ـ سن، (المحاسن) محمد بن خالد عن حماد عن ربعي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) فقال: والله ما صلوا ولا صاموا لهم ولكنهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم. (46) ـ كتاب صفات الشيعة للصدوق، عن ماجيلويه عن عمه عن أبي سمينة عن ابن سنان عن المفضل قال: قال الصادق (عليه السلام): كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متمسك بعروة غيرنا. (47) ـ سن، (المحاسن) أبي عن عبد الله بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) فقال: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون. (48) ـ سن، (المحاسن) قال أبو جعفر (عليه السلام): إن القرآن شاهد الحق ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم لذلك مستقر فمن اتخذ سبباً إلى سبب الله لم يقطع به الأسباب ومن اتخذ غير ذلك سبباً مع كل كذاب فاتقوا الله فإن الله قد أوضح لكم أعلام دينكم ومنار هداكم فلا تأخذوا أمركم بالوهن ولا أديانكم هزوا فتدحض أعمالكم وتخطئوا سبيلكم ولا تكونوا في حزب الشيطان فتضلوا يهلك من هلك ويحيا من حي وعلى الله البيان بين لكم فاهتدوا وبقول العلماء فانتفعوا والسبيل في ذلك إلى الله فـ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ومَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً). (49) ـ سن، (المحاسن) بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إن لكم معالم فاتبعوها ونهاية فانتهوا إليها. (50) ـ دعوات الراوندي، من وصية ذي القرنين: لا تتعلم العلم ممن لم ينتفع به فإن من لم ينفعه علمه لا ينفعك. (51) ـ ومنه، قال أبو عبيد في غريب الحديث في حديث النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا فترى أن نكتب بعضها فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أفتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. قال أبو عبيد: أمتحيرون أنتم في الإسلام ولا تعرفون دينكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى كأنه كره ذلك منه. (52) ـ نهج، )نهج البلاغة( قال (عليه السلام): إن كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواء وإذا كان خطأً كان داء. (53) ـ وقال (عليه السلام): خذ الحكمة أنى كانت فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتخلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن. (54) ـ وقال (عليه السلام): في مثل ذلك الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق. (55) ـ شا، )الإرشاد( روى ثقات أهل النقل عند العامة والخاصة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام افتتاحه الحمد لله والصلاة على نبيه: أما بعد فذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم إنه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ عنه سنخ أصل وإن الخير كله فيمن عرف قدره وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره وإن أبغض الخلق عند الله رجل وكله إلى نفسه جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة قد لهج فيها بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من كان قبله مضل لمن اقتدى به حمال خطايا غيره رهين بخطيئته قد قمش جهلا في جهال غشوه غار بأغباش الفتنة عمي عن الهدى قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما بكر فاستكثر مما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن واستكثر من غير طائل جلس للناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره إن خالف من سبقه لم يأمن من نقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله وإن نـزلت به إحدى المهمات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع عليه فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهبا إن قاس شيئا بشيء لم يكذب رأيه وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من نفسه من الجهل والنقص والضرورة كيلا يقال إنه لا يعلم ثم أقدم بغير علم فهو خائض عشوات ركاب شبهات خباط جهالات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم يذري الروايات ذرو الريح الهشيم تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء ويستحل بقضائه الفرج الحرام ويحرم به الحلال لا يسلم بإصدار ما عليه ورد ولا يندم على ما منه فرط أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى محمد خاتم النبيين في عترة محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم فأين يتاه بكم بل أين تذهبون يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة فهذه مثلها فيكم فاركبوها فكما نجا في هاتيك من نجا كذلك ينجو في هذي من دخلها أنا رهين بذلك قسما حقا وما أنا من المتكلفين الويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف أما بلغكم ما قال فيهم نبيكم صلّى الله عليه وآله وسلَّم حيث يقول في حجة الوداع إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ألا هذا عَذْبٌ فُراتٌ فاشربوا وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ فاجتنبوا. (56) ـ شي، )تفسير العياشي( عن سعد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ولكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) فقال: آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم أبواب الله وسبيله والدعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاء عليها إلى يوم القيامة. (57) ـ شي، )تفسير العياشي( عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) الآية قال: يعني أن يأتي الأمر من وجهها من أي الأمور كان. (58) ـ قال وروى سعيد بن منخل في حديث له رفعه قال البيوت الأئمة (عليه السلام) والأبواب أبوابها. (59) ـ شي، )تفسير العياشي( عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) قال: ائتوا الأمور من وجهها. (60) ـ غو، )غوالي اللئالي( قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: خذوا العلم من أفواه الرجال. (61) ـ ني، )الغيبة للنعماني( روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ومن دخل فيه بالكتاب والسنة زالت الجبال قبل أن يزول. (62) ـ ني، )الغيبة للنعماني( سلام بن محمد عن أحمد بن داود عن علي بن الحسين بن بابويه عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن المفضل بن زرارة عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من دان الله بغير سماع من عالم صادق ألزمه الله التيه إلى الفناء ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك وذلك الباب هو الأمين المأمون على سر الله المكنون. فهذه الأحاديث لا سيّما العاشر الوارد عن مولانا الإمام الرّضا تشير إلى حقيقة العالِم بأمر آل البيت، حيث اشترطت عليه أنْ يكون هواه تبعاً لأمر الله، مضافاً إلى أنه يجب أنْ يخالف أعداءهم ولا ينضوي تحت أحكامهم وفقههم وآرائهم. لذا أشار المولى عزّ وجلّ بقوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القُرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين). في تفسير نور الثقلين عن أبي حمزة الثمالي قال: دخل قاضٍ من قضاة أهل الكوفة على الإمام عليّ بن الحسين عليهما السَّلام فقال له: جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) فقال له: ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق؟ قال: يقولون إنها مكّة، قال: وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكّة، قال: فما هو؟ قال: إنما عنى الرّجال؛ قال: وإنّ ذلك في كتاب الله أو ما تسمع إلى قوله عزّ وجلّ: (وكأيّن من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) وقال: (وتلك القرى أهلكناهم) وقال: (واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) فليسأل القرية أو الرجال أو العير؟ قال: وتلا عليه آيات في هذا المعنى قال: جعلت فداك فمَن هم؟ قال: نحن هم، قال: أولم تسمع إلى قوله: (سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) قال: آمنين من الزيغ.(1) وعن أبي حمزة الثمالي أيضاً قال: أتى الحسن البصري الإمام أبا جعفر (عليه السلام) فقال: لاسألك عن أشياء من كتاب الله فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ألست فقيه أهل البصرة؟ قال: قد يقال ذلك فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟ قال: لا قال: فجميع اهل البصرة يأخذون عنك؟ قال: نعم فقال أبو جعفر (عليه السلام): سبحان الله لقد تقلدت عظيماً من الأمر بلغني عنك فما أدري أكذاك أنت أم يكذب عليك؟ قال: وما هو؟ قال: زعموا أنكَ تقول أنّ الله خلق العباد ففوض إليهم أمورهم؟ قال: فسكت فقال: أرأيت من قال له الله في كتابه: (إنك آمن) هل عليك خوف بعد هذا القول منه؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): إني أعرض إليك آية وأنهى إليك خطباً ولا أحسبك إلاّ وقد فسرته على غير وجهه، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت فقال له: وما هو؟ فقال: أرأيت حيث يقول:(وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) يا حسن بلغني أنك افتيت الناس فقلت: هي مكّة! فقال أبو جعفر (عليه السلام): فهل يقطع على من حج مكّة وهل يخاف أهل مكّة وهل تذهب أموالهم فمتى يكونوا آمنين؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى التي بارك فيها، وذلك قول الله عزّ وجلّ فيمن أقرّ بفضلنا حيث أمرهم أن يأتونا فقال: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) والقرى الظاهرة الرّسل والنقلة عنّا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا وقوله: (وقدرنا فيها السير) والسير مثل العلم (سيروا فيها ليالي وأياماً) مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام (آمنين) فيها أخذوا عن معدنها الذي أمروا أنْ يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال، والنقلة الحرام إلى الحلال، لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم أنْ يأخذهم إياه عنهم المغفرة، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا ذرية مصفاة بعضها من بعض فلم ينته الإصطفاء إليكم بل إلينا انتهى، ونحن تلك الذريّة المصطفاة لا أنتَ وأشباهك يا حسن، فلو قلت لك حين ادعيت ما ليس لك وليس إليك يا جاهل أهل البصرة لم أقل فيك إلاّ ما علمته منك، وظهر لي عنك، وإياكَ أنْ تقول بالتفويض، فإنّ الله جلّ وعزّ لم يفوض الأمر إلى خلقه وهناً منه وضعفاً، ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً.(2) فهذه الأحاديث التي رواها صاحب نور الثقلين تشير إلى حقيقة مهمّة وهي أنّ على الشيعة الرّجوع إلى الفقهاء الموصوفين بمعرفة أهل البيت، وذلك مما أكده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بقوله: "مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه"، هؤلاء العلماء هم الّذين نصروا دين الله تعالى بتسديد أئمتهم وتعليمهم إياهم وإمدادهم لهم بأحاديثهم، وتنويرهم لقلوبهم فكما أنّ الأئمّة أنصارٌ لدين الله، كذا شيعتهم من العلماء والمتعلمين الّذين يرفضون كلّ ما لم يكن من أئمّة آل البيت، هؤلاء أيضاً من أنصار دين الله تعالى، يذبّون عنهم عليهم السَّلام كلّ ما زاده الجاهلون ونقّصه المعاندون، ففي كمال الدين وتمام النعمة عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال:"إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإذا نقّصوا شيئاً أكمله لهم، لولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم"(3) فكذلك فقهاء الشيعة فإنهم أيضاً هم الأنصار بالتعليم والإشاعة والإرشاد كما لا يخفى، وكيف لا وقد أخذوا علمهم من الأئمّة عليهم السَّلام لا غيرهم حيث علموا أنّ الحقّ عندهم لا عند غيرهم. وفي المحاسن بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) قال: أمَا إنه ليس عند أحد من الناس حقٌّ ولا صوابٌ إلاّ شيءٌ أخذوه منا أهل البيت، ولا أحد من الناس يقضي بحقٍ وعدلٍ وصوابٍ إلاّ مفتاح ذلك القضاء وبابه وأوّلًه وسببه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فإذا اشتبهت عليهم الأمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطأوا، والصواب مـن قبـل عليّ بـن أبي طالب (عليه السلام).(4) وفي حديث نقله صاحب الإحتجاج عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: فليذهب الحسن يميناً وشمالاً فوالله ما يوجد العلم إلاّ هاهنا، وكان (عليه السلام) يقول: محنة الناس علينا عظيمة إنْ دعوناهم لم يجيبونا، وإنْ تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.(5) وعليه فالنصرة للدين بالعموم وبالنحو الأتمّ الأكمل يكون منهم عليهم السَّلام في جميع مراتب الدين في الإعتقادات والمعاملات والسلوك والعبادات، فهم في جميع ذلك القوّامون بأمره، وكذا الشيعة وفقهاؤهم تبعٌ لهم لأنهم أخذوا دينهم منهم، وكانوا مأمورين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعانة الأئمّة ونصرتهم إذا دعوهم، وتبليغ الأحكام وإرشاد الناس والجهّال كلٌّ بحسب ما عنده من العِلْم والإيمان وبهذا يكون لا محالة ناصراً لدين الله تعالى. إشكال وحلّ: مفاد الإشكال: قلتم إنّ الشيعة المحبّين هم المختصّون بنصرة دين الله تعالى، لكن قد ينصر دينَ اللهِ أقوامٌ لا خلاق لهم حسبما ورد: أنّ الله يؤيّد هذا الدّين بأقوامٍ لا خلاق لهم، وفي حديثٍ آخر عن الشيخ ياسين بن صلاح البحراني في كشكوله قال: كتب رَجُلٌ إلى مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) يسأله أنْ يدعو الله له أنْ يجعله ممّن ينتصر به لدينه، فأجاب الإمام (عليه السلام): رحمكَ الله إنما ينتصر الله لدينه بشرّ خلقه. فإذا كانت نصرة الدّين مرغوباً فيها حسبما ورد في الدّعاء: اللهمّ واجعلني ممّن تنتصر به لدينك، فكيف التوفيق بينها وبين ما ورد من أنّ الله ينصر هذا الدين بأقوامٍ هم شرار خلق الله. والجواب: (أوّلاً): لعلّ السائل الّذي سأل الإمام بأنْ يدعو الله له أنْ يجعله ممّن ينتصر به لدينه، قاصداً النصرة دون العمل بأحكام الشريعة، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنّ الله ينصر دينه بشرّ خلقه، ومن المعلوم أنّ شرار الخلق هم الظالمون الّذين يسفكون الدماء، والّذين لا يعملون بما أمر الله تعالى، فأراد الإمام (عليه السلام) أنْ يصرفه عن هذا التفكير أي النصرة للدين دون العمل بأحكامهم وتعاليمهم. وبعبارة أخرى: إنّ السائل لم يكن يعمل بأصل الشرع كما هو حقُّه، فزعم أنه كان ممن ينتصرُ به الدّينُ فهو إذاً من الصالحين، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنّ مجرّد كون الإنسان ممن ينتصر به الدّين لا يوجب انخراط الإنسان في سلك الصالحين، بل لا بدّ من العمل بمقتضى الشرع المبين، وذلك لأنه تعالى قد ينصر دينه بشرّ خلقه، أي أيها السائل كونكَ ممن ينتصر به الدّين قد يجتمع مع كونكَ من شرّ خلق الله. وبعبارة ثالثة: إنّ نصرة الدّين على نحوين: الأوّل: ما يكون فيه الناصر من أهل السّعادة. الثاني: ما يكون فيه الناصر من أهل الشقاوة. فنصرة الدّين أعمّ من كونها دائماً من أهل السعادة بيدَ أنّ نصرة الدّين ليست شرطاً خاصاً بأهل السّعادة بل قد تصدر من أهل الشقاوة. فلا بدّ للدّاعي الّذي يقول: "اللهمّ اجعلني ممن تنتصر به لدينك" أي من أهل السعادة والإيمان. (ثانياً): لعلّ السائل طلب في نفسه أعلى مراتب الدّين التي لا تكون إلاّ للنبيّ محمّد وآله الطّاهرين، وعَلِمَ الإمام (عليه السلام) ذلك منه، فأجابه بأنّ طلب ذلك المقام العالي لا يكون إلاّ مِن أهلِ الحقّ، ومَن أراد أو ادّعى ذلك المقام المختصّ بهم لا يكون إلاّ شرَّ خلق الله تعالى. والحاصل: لعلّ السائل ادّعى رتبتهم عليهم السَّلام فردّه الإمام (عليه السلام) بأنّ طَلَبْ هذا المقام لا يكون إلاّ من شرّ خلق الله، وهذا ما نلاحظه في التاريخ القديم والحديث فيمن ادّعوا مقام الأنبياء والأولياء، فهم ـ أي أولئك المدّعون ـ من شرّ خلق الله كما لا يخفى على المتتبع للآثار. الجواب الثاني حقٌّ إلاّ أنّ الأوّل أَوْلَى بالقبول، فيكون معنى قوله (عليه السلام): "إنما ينتصر الله لدينه بشرّ خلقه" ظاهر في أنّ طلب أحد أنْ يكون ممن ينتصر به للدين أمر مرغوبٌ فيه، ولكن إحذر أيها السائل أنْ تكون من شرّ خلق الله الّذين قد ينتصر الله لدينه بهم، فإنّ الإنتصار للدّين يعمّ خيار خلقه، فيشمل شرار خلقه. توضيح ذلك: إنّ نصرة الدّين هي في نفسها أمر مرغوب فيه، ومن مقامات الأئمّة عليهم السَّلام كالصّلاة الحقيقيّة التي هي معراج المؤمن وكسائر العبادات، ومعلومٌ أنّ العامل بها وبسائر العبادات قد يكون هو بنفسه ممن قد هذّب نفسه فيمكنه إيجاد العِلْم مع الإخلاص والإيمان، فلا محالة يكون عمله مقبولاً منه، وهذا بخلاف ما إذا كان متصفاً بصفة النفاق، فإنه حينئذٍ إذا أدّى العبادة أو نَصَرَ الدّين فإنه وإنْ كان العمل في نفسه ـ مع قطع النظر عن العامل ـ أمراً مرغوباً فيه، إلاّ أنّ هذا العمل الصادر عن نفاق لا يكون كمالاً للعامل، بل يوجب عقوبة له لأنّه أوجد العملَ بدون إخلاص. فالعمل المعيّن لا يدلّ على أنّ العبادة أو النصرة ليست أمراً مرغوباً فيهما، بل يمكن أنْ تكون العبادة من أحسن أنحاء العمل العبادي والقربى، إلاّ أنّ هذا الشخص قد أتى به فاسداً، فالمذمّة ترجع إلى العامل لا إلى نقص في حقيقة العمل والعبادة. فالإمام (عليه السلام) أجاب السائل بأنّكَ تسال أنْ يجعلكَ الله ممّن ينتصر به الدّين، وهذا دعاء عام قد يلازم الكمالَ النفساني، وقد يلازم النفاق النفساني. وكيف كان فهذا الحديث لا يدلّ على أنّ النصرة للدّين في نفسها ليست أمراً مرغوباً فيها كالصّلاة هي في غاية المرغوبيّة، فالتحذير راجع إلى أنه لا بدّ للسائل أنْ يهذِّبَ نفسه، ويسأل معه أنْ ينتصر به الدّين، لا مطلَقاً من دون تهذيب للنفس تهذيباً عقيديّاً وآخر عملياً ونفسياً، فلو طلب أنْ يكون ممّن ينتصر به الدّين من دون تهذيب فهو كمن يقول: اللهمّ اجعلني من المصلّين، فيقال له: يا هذا قد تكون الصلاة من المنافق، فلا تكون الصلاة موجباً للعروج الروحاني بل على العبد أنْ يسأل اللهَ أنْ يهديه ويجعله من المصلّين بالصّلاة الحقيقيّة التي هي معراج المؤمن. وكيف كان فالأئمّة عليهم السَّلام هم الأنصار لدين الله بجميع أقسام النصرة، وفي جميع الأحوال سرّاً وعلناً، قولاً وفعلاً، بل إنّ نصرة الدّين لا تتحقّق من أحدٍ غيرهم إلاّ بمعونتهم وتوفيقهم وتسديدهم بحيث ينوّرون قلبه وروحه وفكره ومشاعره بأنوارهم، فالنصرة بالأصل منهم، وبالتبع من شيعتهم المقتدين بهم روحي وأرواح العالَمين لنعالهم الفداء والوقاء. تمّ بيان المستوى الأوّل وهو بيان النّصرة، وأمّا المستوى الثاني: وهو بيان المراد من الدّين، فأقول: الدّين لغةً هو القانون أو الوضع الإلهي الّذي شرّعه الله تعالى لأولي الألباب، بحيث يتناول الأصول والفروع، قال تعالى: (إنّ الدّين عند الله الإسلام). وبعبارة أخرى: الدّين هو الإيمان والطّاعة والجزاء وكلّ ما جاء به النبي والعترة الطاهرة عليهم السَّلام. والدّين له ظاهرٌ وهو بيان ظاهر الشرع وقد بيّنه أئمّة آل البيت، بحيث ظهر لكلّ موالٍ ومخالف، فأقاموا الحجّة على الجميع، وله واقع وهو التوحيد المقرون بالولاية، التي هي باطن الرّسالة، فهم عليهم السَّلام بوجودهم يحفظون الحقائق الدينيّة بالتأييدات الإلهيّة، وما كان من واقع الدّين صادر من أحد شيعتهم فهو محفوظٌ بحفظهم عليهم السَّلام له، ولذا كانوا أركاناً للتوحيد وعناصر الأبرار وهداة الأخيار وساسة العباد وقادة البلاد. ويدلّ على ما ذكرنا عدّة من الأخبار الصحيحة، ففي خبر عن أبي بصير عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال مفسِّراُ قوله تعالى (فأقم وجهك للدّين حنيفاً) قال: الولاية.(6) ويُراد من "الولاية" هنا هو الأعمّ من الولاية الشرعيّة أو خلافتهم عليهم السَّلام بل تشمل الولاية التكوينيّة، هذه الولاية هي المعرفة الكاملة لأئمّة آل البيت عليهم السَّلام، ففي كتاب فضائل الإمام عليّ أنّ الأمير (عليه السلام) قال لسلمان وأبي ذر: إنه لا يستكمل أحدٌ الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانيّة، فإذا عَرَفَني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشَرَحَ صدره للإسلام، وصار عارفاً مستبصراً، ومَن قصّر عن معرفة ذلك فهو شاكٌّ مرتاب، يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيكَ يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): معرفتي بالنورانيّة معرفة الله، ومعرفة الله معرفتي بالنورانيّة وهو الدّين الخالص الّذي قال تعالى عنه: (وما أُمِرُوا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حنفاء ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)(7) وفي تفسير القمّي في قوله تعالى: (وأنْ أقيموا الدّين) أي إقرار بالولاية. وفي مناقب إبن شهر آشوب عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) قوله تعالى: (فما يكذّبكَ بعدُ بالدّين) قال: الدّين عليٌّ (عليه السلام). وعن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في مقدّمة تفسير البرهان في قوله تعالى (أقيموا الدّين) أي الإمام (عليه السلام). فالظاهر من هذه الأحاديث الشريفة أنّ الدّين في الحقيقة هو ولايتهم عليهم السَّلام، فكونهم عليهم السَّلام أنصاراً لدينه يعمّ جميع معاني الدّين لا سيّما الولاية التكوينيّة والروحيّة، فإنهم الحافظون لها ويحفظون شيعتهم من أنْ ينحرفوا عن ولايتهم، نسأل الله تعالى أنْ يثبّتنا ويزيدنا من ولايتهم بحقّ الحقّ والقائل بالصّدق محمّد وآله الأنوار. قال (عليه السلام): "أشهد أنّ بولايتكَ تُقْبَلُ الأعمالُ وتُزَكَّى الأفعالُ وتُضاعفُ الحسنات وتُمحى السيئات، فمَن جاء بولايتك واعترف بإمامتكَ قُبِلَتْ أعمالُهُ وصُدِّقَتْ أقوالُه وتضاعَفَتْ حسناتُه ومُحِيَتْ سيئاتُهُ، ومَن عَدَلَ عن ولايتكَ وجَهِلَ معرفتكَ واستبدلَ بكَ غيرَك كبَّهُ اللهُ على منخَرِهِ ـ أي أسقطه الله على أمّ رأسه ـ في النار ولم يقبل اللهُ له عَمَلاً ولم يُقِمْ له يومَ القيامة وزناً". دلّت هذه الفِقْرة على اعتراف السالك وإقراره بولاية آل البيت عليهم السَّلام، مضافاً إلى وجوب البراءة من إعدائهم ومبغضيهم، فالولاية شرط في قبول الأعمال العباديّة وغيرها، وكذا شرط في تضاعف الحسنات ومحي السيئات. فالإعتراف بالإمامة والإعتقاد بها أساس القُرْب إلى الله تعالى، وأمّا نكرانها وعدم الإعتراف بها بل والجهل بها أساس البُعد من الله تعالى، وهو بدوره سببٌ في دخول النار وبئس القرار. هذه الولاية التي شكّك بها مَن لا حريجة له في دين وعِلْمٍ، لا سيّما في زماننا حيث شاع فيه فساد الإعتقاد والأعمال والأخلاق، إلى أنْ صار الأمر إلى الإخلال بأمر الولاية الثابتة لأهلها صلوات الله عليهم أجمعين، فأصبح الناس لا يرون للإمامة إلاّ الخلافة لهم عليهم السَّلام بعد النبيّ، وأمّا حقيقة الولاية، فبين مقرٌّ بها بالجملة لا عن معرفة تفصيليّة، وبين مبيّن لها ببعض مراتبها لا بحقيقتها الواقعيّة، لذا ربّما نرى بعضَ المقرين بالولاية وببعض مراتبها ينكرون مراتبها الأخرى الدقيقة لعدم معرفتهم وعدم دقّة فهمهم لها. هذا مع أنّ في الأحاديث المرويّة عنهم عليهم السَّلام في بيان غوامض حقائق الولاية ما لا يُحصى، فنرى كثيراً من الناس الّذين لم تبلغ فطنتهم لنيل تلك المعارف ينكرونها أو ينسبون قائلها إلى الغلوّ، أو يعتقدون بأنها موضوعة مكذوبة، فمن هنا ينفتح باب الإنكار على كثير من المعارف ويُعطي الجرأة بذلك إلى أنْ ينكرها كثير من الناس، فينفتح باب الإشكال عليها ويتسع إلى أنْ يشمل ما هو المسلّم منها. فلهذا نرى اليوم أقواماً ينكرون كثيراً من المعارف الثابتة لهم عليهم السَّلام وتبعهم من العوامّ بل وبعض المتَّسِمِين بالعِلْم، فضلّوا وأضلّوا كثيراً، فلعمري لو أنّ العارف ببعض المعارف دون بعض توقف عند ما لا يعرفه منها، ولم ينكره بلسانه، بل ردّ علمه إلى أهله كما هي الوظيفة، لما شاع هذا الإنكار والإشكال على غوامض المعارف الإلهيّة بل ولا على ما هو المسلّم منها، وما هذا إلاّ لأنّ أكثر العلماء في عصرنا الحاضر قد قصّروا في بيان حقائق الولاية، ولم يسيروا سيراً علمياً وعملياً بحيث تتضح لهم تلك الحقائق كما سار كثيرٌ من الماضين، فأصبحتْ تلك المعارف والحقائق مهجورة، والإسلام بما له من الحقائق غريباً ولم يبقَ بين كثير من الناس إلاّ صورة الدّين والمعارف ببعض مراتبها الظاهرية. ونرى أغلب أهل العِلْم قد اشتغل بالعلوم التي نفعها منحصر في حطام الدنيا بما لا طائل تحته، أو بما هو مطلوب في تشييد الرياسات الظاهريّة المطلوبة للعامّة العمياء من الناس، وأمّا علم التوحيد والمعارف الإلهيّة الثابتة للأئمّة عليهم السَّلام، فقد هُجر في وسط الحوزات وحلقات العلماء، فباتوا في غنىً عن تعلّمها وتعليمها لكونها لا تشيد لهم زعاماتهم الحوزويّة ورياساتهم الدنيويّة التي طالما تفرّغوا لنيلها، والتضحية في سبيلها، فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل في الشّدّة والرّخاء وعجَّلَ الله تعالى فرَجَنا بفَرَج مولانا الحجّة ابن الحسن (عليه السلام). وقد دلّت الآيات والأخبار على أهميّة الولاية لا يسعنا ذكرها كاملةً، لكننا نذكر بعضاً منها بالإجمال عبر مقامين: المقام الأوّل: في ذكر الآيات والتي منها: * الآية الأولى: (يا أيها الرّسول بلِّغْ ما أُنـزلَ إليكَ من ربّكَ وإنْ لم تفعل فما بلَّغْتَ رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) (المائدة/67). ففي أصول الكافي بإسناده إلى أبي الجارود قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) وذكر حديثاً طويلاً وفيه يقول: (عليه السلام): ثمّ نـزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة نـزل الله تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي) وكان كمال الدين بولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال عند ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أمّتي حديثو عهدٍ إلى الجاهليّة ومتى أخبرتُهُم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ويقول قائل؟ فقلتُ في نفسي من غير أنْ ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله بتلّة أوعدني إنْ لم ابلّغ أنْ يعذبني، فنـزلَتْ: (يا أيها الرسول بلِّغْ ما أُنـزلَ إليك من ربّكَ وإنْ لم تفعل فما بلَّغْتَ رسالته والله يعصمكَ من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم بيد الإمام عليّ (عليه السلام) فقال: يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلاّ وقد عمّره الله ثمّ دعاه فأجابه فأوشك أنْ أُدْعَى فأُجِيبْ وأنا مسئول وأنتم مسئولون فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنّكَ قد بلّغتَ ونصحتَ وأدَّيْتَ ما عليكَ فجزاك الله أفضل جزاء المرسَلين، فقال: اللهمّ اشهد ثلاث مرّات، ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا معشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب قال أبو جعفر (عليه السلام): كان والله أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الّذي ارتضاه لنفسه.(8) * الآية الثانية: قوله تعالى:(إنما وليّكم الله ورسوله والّذين آمَنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون) (المائدة/55). روى الكليني بإسناده إلى أحمد بن عيسى قال: حدّثني جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السَّلام في قوله عزّ وجلّ: (يعرفون نعمة الله ثمّ ينكرونها) قال: لمّا نـزلت (إنما وليكم الله ورسوله والّذين آمَنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون) إجتمع نفرٌ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إنْ كفرنا بهذه الآية نكفر بسايرها وإنْ آمنا فإنّ هذا ذل حين يسلّط علينا ابن أبي طالب، فقالوا: قد علمنا أنّ محمّداً صادق فيما يقول ولكنّا نتولاّه ولا نطيع عليّاً فيما أمرنا، قال: فنـزلت هذه الآية: (يعرفون نعمة الله ثمّ ينكرونها) يعرفون ولاية عليّ (عليه السلام) وأكثرهم الكافرون بالولاية.(9) * الآية الثالثة: قوله تعالى: (فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً) (النساء/65). ففي تفسير البرهان بإسناده إلى مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال مفسِّراً للآية: هو والله عليٌّ (عليه السلام) بعينه، وقوله (ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً..) على لسانك يا رسول الله يعني به ولاية عليّ (عليه السلام)، وسلّموا تسليماً لعليّ (عليه السلام). * الآية الرابعة: قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر/10). ففي أصول الكافي بإسناده إلى مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(والعمل الصالح..) الآية؛ ولايتنا أهل البيت، وأهوى بيده إلى صدره، فمَن لم يتولّنا لم يرفع الله له عملاً. وبإسناده إلى عبد الرّحمان بن كثير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: (هنالك الوَلاية لله الحقّ) (التوبة/44) قال: ولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام). * الآية الخامسة: قوله تعالى:(عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون، كلاّ سيعلَمون ثمّ كلاّ سيعلَمون) (النبأ/1 ـ 4). عن مولانا الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام) قال: النبأ العظيم هو الولاية، أي ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وغيرها من الآيات الكثيرة الدالّة على فضل الولاية. المقام الثاني: في ذكر الاحاديث الواردة في أهميّة أمر الولاية، وأنه لا يقبل الله عملاً إلاّ بالولاية، وهي أكثر من أنْ تُحصى رواها الفريقان الخاصّة والعامّة. ولعمري إنّ كثرتها فوق التواتر تغنينا عن الكلام في سندها، فإنها ثابتة بالتواتر الإجمالي والمعنوي، وفي كثير منها بالتواتر اللفظي كما لا يخفى على المتتبع الماهر. منها ما رواه العلاّمة المقدَّس المجلسي في بابٍ طويل جدّاً حول: أنّ أعمال العباد لا تُقبل إلاّ بالولاية لهم عليهم السَّلام، ونحن هنا سنكتفي بإيراد إحدى وثلاثين رواية مما أورده صاحب البحار أعلى الله مقامه الشريف: (1) ـ فس، (تفسير القمي) في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (فَلا يَخافُ ظُلْماً ولا هَضْماً) أي لا ينقص من عمله شيئاً )في نسخة أخرى: شيء( وأما ظلماً يقول لن يذهب به. (2) ـ لي، (الأمالي للصدوق) ابن ناتانة عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله عن الصلوات المفروضات وعن الزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض وعن الحج المفروض وعن ولايتنا أهل البيت فإن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله عز وجل منه شيئاً من أعماله. (3) ـ لي، (الأمالي للصدوق) علي بن عيسى عن علي بن محمد ماجيلويه عن البرقي عن محمد بن حسان عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السَّلام قال: نـزل جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول:خلقت السماوات السبع وما فيهن والأرضين السبع ومن عليهن وما خلقت موضعاً أعظم من الركن والمقام ولو أن عبداً دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر. الهوامش (1) تفسير نور الثقلين:4/329ح48. (2) تفسير نور الثقلين:4/330ح49. (3) كمال الدين:1/203. (4) بحار الأنوار:2/94ح31. (5) الإحتجاج:2/96. (6) سفينة البحار:1/476. (7) بحار الأنوار:26/2. (8) تفسير نور الثقلين:1/651ح290. (9) تفسير نور الثقلين:1/644ح260. ****************** إشكال وحلّ: أشار الخبر إلى أنّ الرّكن والمقام أعظم موضعين عند الله تعالى في حين ثمّة أخبار رواها إبن قولويه القمّي في كامل الزيارات الباب88 تشير إلى أنّ أرض كربلاء أشرف بقاع الأرض بل أشرف من الكعبة، أليس هذا تعارضاً بين تلكم الأخبار والخبر المتقدّم؟ والجواب: (أ) ـ لا تعارض في المثبتات، لأنّ هذا الخبر يشير إلى فضيلة الرّكن والمقام، وتلكم الأخبار تشير إلى فضيلة كربلاء، وكلاهما من المثبتات، فتكون من باب الخاص المستثنى من العام، أي أنّ الرّكن والمقام أفضل البقاع إلاّ أرض كربلاء فإنها أفضل منهما، فالرّكن والمقام أعظم بالقياس إلى بقيّة الأراضي عدا كربلاء. (ب) ـ إنّ أفضليّة الرّكن والمقام إنما هي بالقياس إلى العامّة الّذين لا يعتقدون بقدسيّة كربلاء على بقيّة الأراضي، ويشهد لهذا ما ورد في ذيل الخبر المتقدّم: "لو أنّ عبداً دعاني هناك..ثمّ لقيني جاحداً لولاية عليّ" حيث دلّ على أنّ التارك للولاية لن يدعو الله عزّ وجلّ في كربلاء لعدم اعتقاده بقداستها، لذا لن تكون أفضل البقاع عنده، فليس من الحكمة حينئذٍ أنْ يجعلها الله أفضل من الرّكن والمقام وهي بنظر الدّاعي لا قدسيّة لها عنده. (4) ـ لي، (الأمالي للصدوق) العطار عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن حفص عن الصادق (عليه السلام) قال: إن عليا (عليه السلام) كان يقول لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل يزداد كل يوم إحساناً ورجل يتدارك سيئته بالتوبة و أنى له بالتوبة؟ والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا بولايتنا أهل البيت. (5) ـ ففي (تفسير القمي) جعفر بن أحمد عن عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من خالفكم وإن تعبد واجتهد منسوب إلى هذه الآية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً). (6) ـ ففي (تفسير القمي) عن محمد بن جعفر عن يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله:(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) قال: هي للمسلمين عامة، والحسنة الولاية، فمن عمل من حسنة كتبت له عشراً فإن لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنته في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. (7) ـ فس، (تفسير القمي) أحمد بن علي عن الحسين بن عبيد الله عن السندي بن محمد عن أبان عن الحارث بن يحيى عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تاب وَ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال: ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة أو الإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتى يهتدي قال: قلت: إلى من جعلني الله فداك؟ قال إلينا. (8) ـ فس، (تفسير القمي) في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) يقول: إن كان من أهل النار وكان قد عمل في الدنيا مثقال ذرة خيراً يره يوم القيامة حسرة ان كان عمله لغير الله (ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يقول إذا كان من أهل الجنة رأى ذلك الشر يوم القيامة ثم غفر له. (9) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) فيما كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) مع محمد بن أبي بكر إلى أهل مصر يا عباد الله إن اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد وذكرتموه بأفضل ما ذكر وشكرتموه بأفضل ما شكر وأخذتم بأفضل الصبر والشكر واجتهدتم أفضل الاجتهاد وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياماً فأنتم أتقى لله منه وأنصح لأولي الأمر. (10) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن الجعابي عن ابن عقدة عن أبي عوانة موسى بن يوسف عن محمد بن سليمان بن بزيع عن الحسين الأشقر عن قيس عن ليث عن أبي ليلى عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله يوم القيامة وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا. (11) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن أحمد بن محمد الزراري عن الحميري عن ابن أبي الخطاب عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا أمية يوسف بن ثابت حدث عنك أنك قلت: لا يضر مع الإيمان عمل ولا ينفع مع الكفر عمل؟ فقال: إنه لم يسألني أبو أمية عن تفسيرها إنما عنيت بهذا أنه من عرف الإمام من آل محمد ويتولاه ثم عمل لنفسه بما شاء من عمل الخير قبل منه ذلك وضوعف له أضعافاً كثيرة فانتفع بأعمال الخير مع المعرفة فهذا ما عنيت بذلك وكذلك لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أليس الله تعالى قال (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فكيف لا ينفع العمل الصالح ممن تولى أئمة الجور؟ فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): وهل تدري ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية؟ هي معرفة الإمام وطاعته وقد قال الله عز وجل (ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وإنما أراد بالسيئة إنكار الإمام الذي هو من الله تعالى ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله وجاءه منكراً لحقنا جاحداً لولايتنا أكبه الله تعالى يوم القيامة في النار. (12) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) أبو منصور السكري عن جده علي بن عمر عن العباس بن يوسف السككي عن عبيد الله بن هشام عن محمد بن مصعب عن الهيثم بن حماد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: رجعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قلقين (لعلّه تصحيف قافلين) من تبوك فقال لي في بعض الطريق: ألقوا لي الأحلاس والأقتاب ففعلوا فصعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: معاشر الناس ما لي إذا ذكر آل إبراهيم عليهم السَّلام تهللت وجوهكم وإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان فو الذي بعثني بالحق نبيا لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجئ بولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لأكبه الله عز وجل في النار. (13) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) أبو عمرو عن ابن عقدة عن عبد الله بن أحمد عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم وعن أبي الطفيل عن بشر بن غالب وعن سالم بن عبد الله كلهم ذكر عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: يا بني عبد المطلب إني سألت الله عز وجل ثلاثاً أن يثبّت قائلكم وأن يهدي ضالكم وأن يعلّم جاهلكم وسألت الله تعالى أن يجعلكم جوداء نجباء رحماء فلو أن امرأ صف بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله عز وجل وهو لأهل بيت محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم مبغض دخل النار. (14) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن عدة من أصحابه عن سهل عن محمد بن سنان عن حماد بن أبي طلحة عن معاذ بن كثير قال: نظرت إلى الموقف والناس فيه كثير فدنوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: إن أهل الموقف كثير! قال: فضرب ببصره فأداره فيهم ثم قال: ادن مني يا أبا عبد الله فدنوت منه فقال: غثاء يأتي به الموج من كل مكان والله ما الحج إلا لكم لا والله ما يتقبل الله إلا منكم. (15) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن علي بن خالد المراغي عن الحسن بن علي الكوفي عن إسماعيل بن محمد المزني عن سلام بن أبي عمرة عن سعد بن سعيد عن يونس بن عبد الجبار عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم عليهم السَّلام فرحوا واستبشروا وإذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي. (16) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن الجعابي عن عبد الله بن أحمد بن مستورد عن عبد الله بن يحيى عن علي بن عاصم عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم فقال: إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا. (17) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن الحسين بن محمد التمار عن ابن أبي أويس عن أبيه عن حميد بن قيس عن عطا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم وأن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم وأن يجعلكم نجداء جوداء رحماء ولو أن رجلا صلى وصف قدميه بين الركن والمقام ولقي الله ببغضكم أهل البيت دخل النار. (18) ـ مع، (معاني الأخبار) ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل له: إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت فقال: لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت له هكذا ولكني قلت له: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك إن الله عز و جل يقول (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) ويقول تبارك وتعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً). (19) ـ مع، (معاني الأخبار) أبي عن سعد عن ابن عيسى عن أبيه عن علي بن النعمان عن فضيل بن عثمان قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) فقيل له: إن هؤلاء الأجانب يروون عن أبيك يقولون إن أباك (عليه السلام) قال: إذا عرفت فاعمل ما شئت فهم يستحلون من بعد ذلك كل محرم قال: ما لهم لعنهم الله إنما قال أبي (عليه السلام): إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك. (20) ـ ج، (الإحتجاج) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب الزنديق المدعي للتناقض في القرآن قال (عليه السلام): وأما قوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) وقوله (وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) فإن ذلك كله لا يغني إلا مع اهتداء وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها التوحيد وإقرارها بالله ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين الله ذلك بقوله (الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُونَ) و بقوله (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب وإيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لما قهرهم السيف وشملهم الخوف فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحق. (21) ـ ع، (علل الشرائع) ماجيلويه عن عمه عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن صباح المدائني عن المفضل بن عمر أن أبا عبد الله (عليه السلام) كتب إليه كتاباً فيه إن الله عز وجل لم يبعث نبياً قط يدعو إلى معرفة الله ليس معها طاعة في أمر ولا نهي وإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من دعا إليه ومن أطاع حرّم الحرام ظاهره وباطنه وصلى وصام وحج واعتمر وعظّم حرمات الله كلها لم يدع منها شيئاً وعمل بالبر كله ومكارم الأخلاق كلها وتجنب سيئها و من زعم أنه يحل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم لم يحل لله حلالا ولم يحرّم له حراماً وإن من صلى وزكى وحج واعتمر وفعل ذلك كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته فلم يفعل شيئاً من ذلك لم يصل ولم يصم ولم يزك ولم يحج ولم يعتمر ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطهر ولم يحرم لله حراماً ولم يحل لله حلالاً ليس له صلاة وإن ركع وإن سجد ولا له زكاة ولا حج وإنما ذلك كله يكون بمعرفة رجل من الله جل وعز على خلقه بطاعته وأمر بالأخذ عنه فمن عرفه وأخذ عنه أطاع الله ومن زعم أن ذلك أنما هي المعرفة وأنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأشرك وإنما قيل اعرف واعمل ما شئت من الخير فإنه لا يقبل منك ذلك بغير معرفة فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة قلَّ أو كَثُرَ فإنه مقبول منك. (22) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن عيسى عن صفوان عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى (وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال: ومن تاب من ظلم وآمن من كفر وعمل صالحاً ثم اهتدى إلى ولايتنا وأومأ بيده إلى صدره. (23) ـ ثو، (ثواب الأعمال) أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن صفوان عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عَبَد الله حبرٌ من أحبار بني إسرائيل حتى صار مثل الخلال فأوحى الله عز وجل إلى نبي زمانه قل له وعزتي وجلالي وجبروتي لو أنك عبدتني حتى تذوب كما تذوب الألية في القدر ما قبلت منك حتى تأتيني من الباب الذي أمرتك. (24) ـ ثو، (ثواب الأعمال) أبي عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن الوشاء عن كرام الخثعمي عن أبي الصامت عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا معلى لو أن عبداً عبد الله مائة عام ما بين الركن والمقام يصوم النهار ويقوم الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه وتلتقي تراقيه هرماً جاهلاً لحقنا )ن:بحقنا(لم يكن له ثواب. (25) ـ ثو، (ثواب الأعمال) ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن علي بن عقبة بن خالد عن ميسر قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وعنده في الفسطاط نحو من خمسين رجلا فجلس بعد سكوت منا طويل فقال: ما لكم لعلكم ترون أني نبي الله؟ والله ما أنا كذلك ولكن لي قرابة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وولادة فمن وصلنا وصله الله ومن أحبنا أحبه الله عز وجل ومن حرمنا حرمه الله أفتدرون أي البقاع أفضل عند الله منـزلة فلم يتكلم أحد منا فكان هو الراد على نفسه قال: ذلك مكة الحرام التي رضيها الله لنفسه حرماً وجعل بيته فيها ثم قال: أتدرون أي البقاع أفضل فيها عند الله حرمة فلم يتكلم أحد منا فكان هو الراد على نفسه فقال: ذلك المسجد الحرام ثم قال: أتدرون أي بقعة في المسجد الحرام أفضل عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منا فكان هو الراد على نفسه فقال: ذاك بين الركن والمقام وباب الكعبة وذلك حطيم إسماعيل (عليه السلام) ذاك الذي كان يزود فيه غنيماته ويصلي فيه ووالله لو أن عبداً صف قدميه في ذلك المكان قام الليل مصلياً حتى يجيئه النهار وصام النهار حتى يجيئه الليل ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئا أبدا. (26) ـ فر، (تفسير فرات بن إبراهيم) الحسين بن سعيد بإسناده عنه (عليه السلام) مثله وزاد في آخره ألا إن أبانا إبراهيم خليل الله كان ممن اشترط على ربه قال (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) إنه لم يعن الناس كلهم فأنتم أولياؤه رحمكم الله ونظراؤكم وإنما مثلكم في الناس مثل الشعرة السوداء في الثور الأبيض ومثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت ويعظمونا لتعظيم الله وأن تلقونا حيث كنا نحن الأدلاء على الله تعالى. (27) ـ ثو، (ثواب الأعمال) أبي عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن الجاموراني عن البزنطي عن صالح بن سعيد عن أبي سعيد القماط عن ابن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كل ناصب وإن تعبد واجتهد يصير إلى هذه الآية (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً). (28) ـ ثو، (ثواب الأعمال) أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن ميسر بياع الزطي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك إن لي جارا لست أنتبه إلا بصوته إما تالياً كتابه يكرره ويبكي ويتضرع وإما داعياً فسألت عنه في السر والعلانية فقيل لي: إنه مجتنب لجميع المحارم قال: فقال: يا ميسر يعرف شيئا مما أنت عليه؟ قال: قلت: الله أعلم قال: فحججت من قابل فسألت عن الرجل فوجدته لا يعرف شيئاً من هذا الأمر فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بخبر الرجل فقال لي مثل ما قال في العام الماضي يعرف شيئاً مما أنت عليه قلت: لا قال: يا ميسر أي البقاع أعظم حرمة قال: قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال: يا ميسر ما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنة وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ولو أن عبداً عمره الله فيما بين الركن والمقام وفيما بين القبر والمنبر يعبده ألف عام ثم ذبح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الأملح ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا لكان حقيقاً على الله عز وجل أن يكبّه على منخريه في نار جهنم. (29) ـ ص، (قصص الأنبياء عليهم السلام) بالإسناد إلى الصدوق عن ماجيلويه عن محمد العطار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن رجل عن عبد الله بن عبد الرحمن البصري عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال: مرّ موسى بن عمران (عليه السلام) برجل رافع يده إلى السماء يدعو فانطلق موسى في حاجته فغاب عنه سبعة أيام ثم رجع إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرع ويسأل حاجته فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لو دعاني حتى يسقط لسانه ما استجبت له حتى يأتيني من الباب الذي أمرته به. (30) ـ سن، (المحاسن) القاسم بن يحيى عن عبيس عن جيفر العبدي عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: لو أن عبداً عبد الله ألف عام ما بين الركن والمقام ثم ذبح كما يذبح الكبش مظلوماً لبعثه الله مع النفر الذين يقتدي بهم ويهتدي بهداهم ويسير بسيرتهم إن جنة فجنة وإن ناراً فنار. (31) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن الحسين عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن البراء عن علي بن حسان عن عبد الرحمن يعني ابن كثير قال: حججت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما صرنا في بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس فقال: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج فقال له داود الرقي: يا ابن رسول الله هل يستجيب الله دعاء هذا الجمع الذي أرى؟ قال: ويحك يا أبا سليمان إن الله لا يغفر أن يشرك به، الجاحد لولاية علي كعابد وثن قال: قلت: جعلت فداك هل تعرفون محبكم ومبغضكم؟ قال: ويحك يا أبا سليمان إنه ليس من عبد يولد إلا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر وإن الرجل ليدخل إلينا بولايتنا وبالبراءة من أعدائنا فنرى مكتوباً بين عينيه مؤمن أو كافر قال الله عز وجل:(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) نعرف عدونا من ولينا. بل إنّ ثمّة أخباراً فوق حدّ التواتر تشير إلى وجوب محبّة أوليائهم ووجوب بغض أعدائهم، منها ما ورد عن مولانا الإمام العسكري (عليه السلام) مفسراً قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً ونِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) قال الإمام: قال الله عز وجل: (وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في عبادتهم للأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي (عليه السلام) (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ) يصوت بما لا يسمع (إِلاّ دُعاءً ونِداءً) لا يفهم ما يراد منه فيغيث المستغيث ويعين من استعانه (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) عن الهدى في اتباعهم الأنداد من دون الله والأضداد لأولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار خلائق الله ولقبوهم بألقاب أفاضل الأئمة الذين نصبهم الله لإقامة دين الله (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أمر الله عز وجل قال علي بن الحسين (عليه السلام): هذا في عباد الأصنام وفي النصاب لأهل بيت محمد نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وعتاة مردتهم سوف يصيرونهم إلى الهاوية ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإن من تعوذ بالله منه أعاذه الله ونعوذ من همزاته ونفخاته ونفثاته أتدرون ما هي أما همزاته فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا أهل البيت قالوا يا رسول الله وكيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من الله ومنـزلتكم قال صلّى الله عليه وآله وسلَّم بأن تبغضوا أولياءنا وتحبوا أعداءنا فاستعيذوا بالله من محبة أعدائنا وعداوة أوليائنا فتعاذوا من بغضنا وعداوتنا فإنه من أحب أعداءنا فقد عادانا ونحن منه براء والله عز وجل منه بريء.(1) ومنها ما رواه العلاّمة المجلسي أيضاً عن المصادر الموثوقة والصحيحة عند الإماميّة ونحن نورد بعضاً من تلكم الأخبار المقدَّسة التي بثّها ذاك النحرير في بحاره الجليل، وهي الآتي: (1) ـ بشا، (بشارة المصطفى) عمر بن إبراهيم الحسني عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن علي بن عمر السكري عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار عن يحيى بن معن عن قريش بن أنس عن محمد بن عمرو عن أبي أسامة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: خيركم خيركم لأهلي من بعدي. (2) ـ بشا، (بشارة المصطفى) محمد بن الحسن الجواني عن الحسين بن علي الداعي عن جعفر بن محمد الحسني عن محمد بن عبد الله الحافظ عن عبد العزيز بن عبد الملك الأموي عن سليمان بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الربيع عن حماد بن عيسى عن طاهرة بنت عمرو بن دينار عن أبيها عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إن لكل نبي عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم وهم عترتي خلقوا من طينتي وويل للمكذبين بفضلهم من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله. (3) ـ بشا، (بشارة المصطفى) الحسن بن الحسين بن بابويه عن شيخ الطائفة عن المفيد عن علي الكاتب عن الحسن بن علي بن عبد الكريم عن إسحاق بن إبراهيم الثقفي عن عباد بن يعقوب عن الحكم بن ظهير عن أبي إسحاق عن رافع مولى أبي ذر قال: رأيت أبا ذر رحمه الله أخذ بحلقة باب الكعبة وهو يقول: من عرفني فقد عرفني أنا جندب الغفاري ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: من قاتلني في الأولى وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله في الثالثة مع الدجال إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك. (4) ـ بشا، (بشارة المصطفى) محمد بن أحمد بن شهريار عن محمد بن أحمد بن محمد بن عامر عن محمد بن جعفر التميمي عن محمد بن الحسين الأشناني عن عبد الله بن يعقوب عن حسين بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي أو الحسن بن علي (عليه السلام) قال: إن الله افترض خمساً ولم يفترض إلا حسناً جميلاً الصلاة والزكاة والحج والصيام وولايتنا أهل البيت فعمل الناس بأربع واستخفوا بالخامسة والله لا يستكملوا الأربعة حتى يستكملوها بالخامسة. (5) ـ بشا، (بشارة المصطفى) ابن شيخ الطائفة عن أبيه عن أبي عمرو عن ابن عقدة عن إبراهيم بن إسحاق بن يزيد عن إسحاق بن يزيد عن سعيد بن حازم عن الحسين بن عمر عن رشيد عن حبة العرني قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء حزبنا حزب الله والفئة الباغية حزب الشيطان من ساوى بيننا وبينهم فليس منا. (6) ـ كنـز، (كنـز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة) ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب مصباح الأنوار بإسناده عن الصادق عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أنا ميزان العلم وعليّ كفتاه والحسن والحسين حباله وفاطمة علاقته والأئمة من بعدهم يزنون المحبين والمبغضين الناصبين الذين عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين. (7) ـ يف، (الطرائف) روي عن أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. (8) ـ من ذلك في المعنى رواية أحمد بن حنبل أيضا في مسنده بإسناده إلى إسرائيل بن عثمان بن المغيرة بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده فقلت له: ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: إني تارك فيكم الثقلين؟ قال: نعم. (9) ـ من ذلك ما رواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني تارك فيكم الثقلين خليفتين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. (10) ـ ومن ذلك في المعنى ما رواه مسلم في صحيحه من طرق، فمنها من الجزء الرابع منه من أجزاء في أواخر الكراس الثانية من أوله من النسخة المنقول منها بإسناده إلى يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا عنده قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت معه خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: يا ابن أخي لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فما حدثتكم فاقبلوه وما لا أذكره فلا تكلفوني ثم قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد أيها الناس أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله تعالى ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي الخبر. ورواه أيضا مسلم في صحيحه بهذه المعاني في الجزء الرابع المذكور على حد ثماني عشرة قائمة من أوله من تلك النسخة. (11) ـ من ذلك في المعنى من كتاب الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثالث من أجزاء أربعة من صحيح أبي داود وهو كتاب السنن ومن صحيح الترمذي بإسنادهما عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: إني تارك فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني في عترتي. (12) ـ من ذلك في هذا المعنى ما رواه الشافعي ابن المغازلي من عدة طرق في كتابه بأسنادها فمنها قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا ماذا تخلفوني فيهما. قال عبد المحمود: لقد أثبت في عدة طرق وقد تركت من الحديث بالمعنى مقدار عشرين رواية لئلا يطول الكتاب بتكرارها مستندة من رجال الأربعة المذاهب المشهور حالهم بالعلم والزهد والدين. قال عبد المحمود: كيف خفي عن الحاضرين مراد النبي بأهل بيته صلّى الله عليه وآله وسلَّم وقد جمعهم لما أنـزلت آية الطهارة تحت الكساء وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وقد وصف أهل بيته الذين قد جعلهم خلفا منه بعد وفاته مع كتاب الله تعالى بأنهم لا يفارقون كتاب الله تعالى في سر ولا جهر ولا في غضب ولا رضى ولا غنى ولا فقر ولا خوف ولا أمن فأولئك الذين أشار إليهم جل جلاله. (13) ـ من ذلك بإسناده إلى ابن أبي الدنيا من كتاب فضائل القرآن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقرابتي قال: آل عقيل وآل جعفر وآل عباس. (14) ـ من ذلك بإسناده إلى علي بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم وهو يريد أن يدخل على المختار فقلت: بلغني عنك شيء فقال: ما هو؟ قلت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي قال: اللهم نعم. (15) ـ من ذلك بإسناده أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني فرطكم على الحوض فأسألكم حين تلقوني عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما فاعتلّ علينا لا ندري ما الثقلان؟ حتى قام رجل من المهاجرين فقال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الثقلان؟ قال: الأكبر منهما كتاب الله طرف بيد الله تعالى وطرف بأيديكم فتمسكوا به ولا تزلوا وتضلوا والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تغزوهم فإني سألت اللطيف الخبير فأعطاني أن يردا علي الحوض كهاتين وأشار بالمسبحة والوسطى ناصرهما ناصري وخاذلهما خاذلي وعدوهما عدوي ألا وإنه لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبيها وتقتل من يأمر بالقسط فيها. (16) ـ من ذلك ما رواه عن المسمى عندهم جار الله فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري بإسناده إلى محمد بن أحمد بن علي بن شاذان قال: حدثنا الحسن بن حمزة عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن محمد بن زياد عن حميد بن صالح يرفع الحديث بأسماء رواته وتركت ذلك اختصاراً قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: فاطمة بهجة قلبي وابناها ثمرة فؤادي وبعلها نور بصري والأئمة من ولدها أمناء ربي وحبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى هذا لفظ الحديث المذكور. (17) ـ من ذلك بإسناد الشيخ مسعود السجستاني أيضا في كتابه عن ابن زياد مطرف قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي بها وهي جنة الخلد فليتوال عليّ بن أبي طالب وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوهم من باب هدى ولن يدخلوهم في باب ضلالة. (18) ـ في رواية أخرى عن السجستاني إلى زيد بن أرقم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: من أحب أن يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله تعالى في جنة عدن فليتمسك بحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وذريته الطاهرين عليهم السَّلام. (19) ـ من ذلك بإسناد الحافظ مسعود بن ناصر السجستاني عن ربيعة السعدي قال: أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فقال لي: من الرجل؟ قلت: ربيعة السعدي فقال لي: مرحبا مرحبا بأخ لي قد سمعت به ولم أر شخصه قبل اليوم حاجتك؟ قلت: ما جئت في طلب غرض من الأغراض الدنيوية ولكني قدمت من العراق من عند قوم قد افترقوا خمس فرق فقال حذيفة: سبحان الله تعالى وما دعاهم إلى ذلك والأمر واضح بين وما يقولون قال: قلت: فرقة تقول أبو بكر أحق بالأمر وأولى بالناس لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم سماه الصديق وكان معه في الغار وفرقة تقول عمر بن الخطاب لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: اللهم أعز الدين بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب فقال حذيفة: الله تعالى أعز الدين بمحمد ولم يعزه بغيره وقالت فرقة أبو ذر الغفاري رضي الله عنه لأن النبي قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر فقال حذيفة: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أصدق منه وخير وقد أظلته الخضراء وأقلته الغبراء وفرقة تقول سلمان الفارسي لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول فيه أدرك العلم الأول وأدرك العلم الآخر وهو بحر لا ينـزف وهو منا أهل البيت ثم إني سكت فقال حذيفة ما منعك من ذكر الفرقة الخامسة قال: قلت: لأني منهم وإنما جئت مرتاداً لهم وقد عاهدوا الله على أن لا يخالفوك وأن لا ينـزلوا عند أمرك فقال لي: يا ربيعة اسمع مني وعه واحفظه وقه وبلغ الناس عني أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وقد أخذ الحسين بن علي ووضعه على منكبه وجعل يقي بعقبه وهو يقول أيها الناس إنه من استكمال حجتي على الأشقياء من بعدي التاركين ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ألا وإن التاركين ولاية عليّ بن أبي طالب هم المارقون من ديني، أيها الناس هذا الحسين بن علي خير الناس جداً وجدة، جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم سيد ولد آدم وجدته خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبرسوله وهذا الحسين خير الناس أباً وأماً، أبوه عليّ بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين ووزيره وابن عمه وأمه فاطمة بنت محمد رسول الله وهذا الحسين خير الناس عمّاً وعمّةً عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء وعمته أم هانئ بنت أبي طالب وهذا الحسين خير الناس خالا وخالة خاله القاسم بن رسول الله وخالته زينب بنت محمد رسول الله ثم وضعه عن منكبه ودرج بين يديه ثم قال أيها الناس وهذا الحسين جده في الجنة وجدته في الجنة وأبوه في الجنة وأمه في الجنة وعمه في الجنة وعمته في الجنة وخاله في الجنة، خالته في الجنة وهو في الجنة وأخوه في الجنة ثم قال أيها الناس إنه لم يعط أحد من ذرية الأنبياء الماضين ما أعطي الحسين ولا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله ثم قال أيها الناس لجد الحسين خير من جد يوسف فلا تخالجنكم الأمور بأن الفضل والشرف والمنـزلة والولاية ليست إلا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وذريته وأهل بيته فلا يذهبن بكم الأباطيل. (20) ـ روى ابن بطريق رحمه الله في العمدة من مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى علي بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده فقلت له: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول إني تارك فيكم الثقلين قال: نعم. (21) ـ بإسناده أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني قد تركت فيكم الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. قال ابن نمير: قال بعض أصحابنا عن الأعمش قال: انظروا كيف تخلفوني فيهما. (22) ـ وبإسناده أيضا عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. (23) ـ من صحيح مسلم في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر الكراسة الثانية بإسناده عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد بما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فما حدثتكم فاقبلوه وما لا فلا تكلفونيه ثم قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يوما فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ثم ذكر وقال: أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا أبشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من بيته ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده. ثم روي بأسانيد أخر مثل ذلك عن زيد بن أرقم وفي بعضها وقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ فقال: لا ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. ثم ذكر رحمه الله رواية أبي سعيد الخدري بأسانيد من تفسير الثعلبي ومن مناقب ابن المغازلي ومن الجمع بين الصحاح الستة من سنن أبي داود السجستاني ومن صحيح الترمذي فلا نعيدها حذرا من التكرار. (24) ـ روي من مناقب ابن المغازلي عن أحمد بن المظفر عن عبد الله بن أحمد الحافظ عن أحمد بن محمد بن الأشعث عن مسعود بن موسى بن إسماعيل قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: فضل أهل بيتي على الناس كفضل البنفسج على سائر الأدهان انتهى ما أخرجناه من العمدة. (25) ـ في رواية نحوه غير أنه قال: ألا وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة وفيه فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا إلى آخر ما مرّ. (26) ـ روي من صحيح الترمذي عن علي (عليه السلام) أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. (27) ـ عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم انتهى ما أخرجته من جامع الأصول. (28) ـ روى ابن بطريق أيضا في المستدرك من كتاب الفردوس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إنا أهل بيت قد أذهب الله عنا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ. (29) ـ عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا. وروي رواية الثقلين من كتاب فضائل الصحابة للسمعاني عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم مثل ما مرّ. (30) ـ من خط الشهيد قدس سره عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: من أحب أن ينسئ الله له في أجله وأن يتمتع بما خوله الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فإنه من لم يخلفني فيهم بتّك الله عمره وورد عليَّ يوم القيامة مسوداً وجهه. (31) ـ نهج، (نهج البلاغة) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته عند ذكر آل النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم هم موضع سره ولجأ أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه وجبال دينه بهم أقام انحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه، ومنها يعني قوماً آخرين زرعوا الفجور وسقوه الغرور وحصدوا الثبور لا يقاس بآل محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة. (32) ـ يف، (الطرائف) روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:(واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً) بأسانيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو قال: إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. (33) ـ روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند زيد بن أرقم من عدة طرق فمنها بإسناده إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعد ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. (34) ـ وفي إحدى روايات الحميدي فقلنا من أهل بيته نساؤه قال: لا ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها الخبر. (35) ـ زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلى السماء وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما أخرجه الترمذي. (36) ـ ج، (الإحتجاج) قال سليم بن قيس بينما أنا وحميش بن معتمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب ثم نادى بأعلى صوته في الموسم أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأنا جندب أنا أبو ذر أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول: إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومثل باب حطة في بني إسرائيل أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي إلى آخر الحديث فلما قدم المدينة بعث إليه عثمان فقال ما حملك على ما قمت به في الموسم قال: عهد عهده إلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأمرني به فقال: من يشهد بذلك فقام علي (عليه السلام) والمقداد فشهدا ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان: إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شيء. (37) ـ لي، (الأمالي للصدوق) ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: من دان بديني وسلك منهاجي واتبع سنتي فليدن بتفضيل الأئمة من أهل بيتي على جميع أمتي فإن مثلهم في هذه الأمة مثل باب حطة في بني إسرائيل. (38) ـ ما، (الأمالي للشيخ الطوسي) المفيد عن علي بن محمد الكاتب عن الحسن بن علي بن عبد الكريم عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عباد بن يعقوب عن الحكم بن ظهير عن أبي إسحاق عن رافع مولى أبي ذر قال: رأيت أبا ذر رحمة الله آخذا بحلقة باب الكعبة مستقبل الناس بوجهه وهو يقول: من عرفني فأنا جندب الغفاري ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: من قاتلني في الأولى وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك.(2) الهوامش (1) بحار الأنوار:27/59ح20. (2) بحار الأنوار:23/104 باب7 من حديث1 إلى حديث 40. ****************** وأمّا أخبار العامّة في فضائل الولاية فكثيرة أيضاً، منها: (1) ـ ما رواه البحراني في غاية المرام عن موفّق بن أحمد بأخباره عن زيد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عن عليّ (عليه السلام) عن النبي أنه قال لعليّ (عليه السلام): يا عليّ لو أنّ عبداً عَبَدَ الله عزّ وجلّ مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مِثلُ أُحُد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومدّ في عمره حتى حجّ ألف عام على قدميه، ثمّ قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثمّ لم يوالِكَ يا عليّ لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها.(1) (2) ـ عن إبراهيم بن محمّد الحمويني عن أعيان علماء العامّة بإسناده إلى أبي بصير عن خيثمة الجعفي عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول: نحن أمناء الله عزّ وجلّ ونحن حجّة الله ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام.(2) (3) ـ عن موفق بن أحمد هذا من كتاب قال: ذكر الإمام محمّد بن أحمد بن شاذان قال: أخبرنا أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري عن عبد العزيز بن عبد الله عن جعفر بن محمّد عن عبد الكريم قال: حدثني فيحان العطار أبو نصر عن أحمد بن محمّد بن الوليد عن ربيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: "لمّا خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال: الحمد لله، فاوحى الله تعالى إليه: حمدَني عبدي وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أنْ أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني؟ قال: نعم يا آدم إرفعْ رأسكَ وانظر فرفع رأسه وإذا مكتوبٌ على العرش: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله نبيّ الرّحمة عليٌّ مقيمُ الحجّة ومَن عَرَفَ حقّ عليّ زكى وطاب ومَن أنكر حقه لُعِنَ وخاب، أقسمتُ بعزتي أنْ أُدْخِلَ مَن أطاعه الجنّة وإنْ عصاني، وأقسَمْتُ بعزّتي أنْ أُدْخِل النار مَن عصاه وإنْ أطاعني".(3) توضيح: لقد أوجب هذا الحديث تشويشاً في رؤوس كثير من ضعفاء النفوس فرفضوه بمجرّد أنْ قرأوه، مع أنّ الحديث قابل للتأويل، فمعناه: إنّ الله عزّ وجلّ سيُدخل الجنّة من اعتقد بإمامة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وإنْ كان عاصياً لله بالعمل، وسيًدخل النار مَن عصى الإمام عليّاً (عليه السلام) بالولاية وإنْ كان عاملاً بالفروع، ويشهد لهذا هذا الكمّ الهائل من الأخبار الدالّة على وجوب الإعتقاد بإمامته والبراءة من أعدائه وأنّ المسلم لا تنفعه صلاته وصيامه وحجّه وزكاته دون الإعتقاد بإمامته (عليه السلام). (4) ـ عن نافع عن إبن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: "مَن أحبّ عليّاً قَبِلَ الله منه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعائه ألا ومَن أحبَّ عليّاً أعطاه الله بكلّ عرقٍ في بدنه مدينة في الجنة، ألاَ ومَن أحبَّ آل محمّد أَمِنَ من الحساب والميزان والصراط، ألاَ ومَن مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء ألاَ ومَن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله".(4) (5) ـ إبن عبّاس يقول: سمعت رسول الله يقول: "مَن لقي الله تعالى وهو جاحدٌ ولاية عليّ بن أبي طالب لقى الله وهو عليه غضبان ولا يقبل الله منه شيئاً من أعماله فيُوَكل به سبعون مَلَكاً يتفلون في وجهه ويحشره الله تعالى أسود الوجه أزرق العين".(5) (6) ـ أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: "حبّ عليّ بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حَسَنَة".(6) (7) ـ جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم بعرفات وعليّ (عليه السلام) تجاهه فأومأ إليَّ وإلى عليّ (عليه السلام) فأتينا فقال صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أدْنُ منّي يا عليّ فدنا عليّ (عليه السلام) منه فقال: إطرح خمسك في خمسي ـ يعني كفّكَ في كفّي ـ يا عليّ أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنتَ فرعها والحسن والحسين أغصانها فمَن تعلّق بغصنٍ أدخله الله تعالى الجنّة، يا عليّ لو أنّ أمّتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ثمّ أبغضوك لأكبّهم الله تعالى في النار".(7) (8) ـ من طريق العامّة المخالفين ما رواه الحبري يرفعه إلى أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على عليّ (عليه السلام) فقال: يا أبا عبد الله ألا أنبئُك بالحسنة التي مَن جاء بها أدخله الله الجنّة وقُبل منه والسيئة التي مَن جاء بها أدخله الله النار ولم يقبل له معها عمل؟ قال: قلت: بلى يا أمير المؤمنين، فقال: الحسنة )ولاية عليّ و( حبنا والسيئة بغضنا (فكبّت وجوههم في النار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون) ثمّ قال: يا أبا عبد الله الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا.(8) (9) ـ من طريق العامّة أيضاً ما رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال: قال عليّ (عليه السلام): )ألا انبؤك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة وبـ( السيئة التي من جاء بها كبّت وجوههم في النار فلم يقبل معها ثمّ قرأ (مَن جاء بالحسنة فله خيرٌ منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون ومَن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون) ثمّ قـال: يـا أبـا عبـد الله الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا.(9) (10) ـ من طريق العامّة ما ذكره إبن شاذان أبو الحسن الفقيه في (المناقب المائة في فضائل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وفضائل الأئمّة عليهم السَّلام) من طرق العامّة بحذف الإسناد عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السَّلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: حدّثني جبرائيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنه قال: مَن علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي وأنّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الأئمّة من ولده حججي أدخلته الجنى برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي، إنْ ناداني لبيته وإنْ دعاني أجبته، وإنْ سألني أعطيته وإنْ سكت ابتدأته وإنْ أساء رحمته وإنْ فرّ منّي دعوته وإنْ رجع إليَّ قبلته، وإنْ قرع بابي فتحته. ومَن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حُججي، فقد جحد نعمتي وصغَّر نعمتي وكفر بآياتي وكتبي ورسلي، وإنْ قصدني حجبته، وإنْ سألني حرمته، وإنْ ناداني لم أسمع نداءه، وإنْ دعاني لم أستجب دعاءه، وإنْ رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلاّمٍ للعبيد. فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومَن الأئمّة من ولد عليّ بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ وستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرأه مني السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر، ثمّ الرّضا عليّ بن موسى، ثمّ التقي محمّد بن عليّ، ثمّ النقي عليّ بن محمّد، ثمّ الزكيّ الحسن بن عليّ، ثمّ إبنه القائم بالحق مهديّ أُمتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي مَن أطاعهم فقد أطاعني ومَن عصاهم فقد عصاني ومَن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني وبهم يمسك السماء أنْ تقع على الأرض )إلاّ بإذنه( وبهم يحفظ الله الأرض أنْ تميد بأهلها.(10) (11) ـ عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أبا عبد الله ألا أنبئُك بالحسنة التي مَن جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي مَن جاء بها أكبّه الله في النار ولم يقبل معها عملاً؟ قلت: بلى قال: الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا فله خيرٌ منها أي فله من هذه الحسنة خير منها يوم القيامة.(11) (12) ـ عن أبي عبد الله الجدلي قال: قال عليّ صلوات الله عليه وآله: يا أبا عبد الله ألا أخبرك بالحسنة التي مَن جاء بها أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة وبالسيئة التي مَن جاء بها كبّت وجوههم في النار فلم يقبل منهم عمل، ثمّ قرأ: (مَن جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون ومَن جاء بالسيئة فكبّت وجوههم في النار) ثمّ قال: يا أبا عبد الله الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا.(12) (13) ـ عن عبد الله الجبلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: من مات على حب آل محمد مات شهيداً ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلَّم فتح له في قبره بابان إلى الجنة ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة.(13) (14) ـ عن علقمة عن عبد الله قال: خرج رسول الله من بيت زينب بنت جحش وأتى بيت أمّ سلمة وكان يومها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم فلم يلبث أنْ جاء عليّ (عليه السلام) فدقّ الباب دقّاً خفيفاً فأثبت النبي الدقّ فأنكرته أمّ سلمة وقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: قومي فافتحي له قالت: يا رسول الله من هذا الّذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب أتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية في كتاب الله بالأمس قال لها: كهيئة المغضب إنّ طاعة الرّسول لطاعة الله ومَن عصى رسول الله فقد عصى الله إنّ بالباب رجلاً ليس بنزق ولا علق يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله لم يكن ليدخل حتى ينقطع الوطئ. قالت: فقمت وأنا أختال في مشيتي وأنا أقول: بخٍ بخٍ من ذا الّذي يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، ففتحت الباب فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حسيساً ولا حركة وصوت في خدري استأذن فدخل قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا أمّ سلمة أتعرفينه؟ قلت: نعم يا رسول الله هذا عليّ بن أبي طالب. قال: صدقتِ سيّدٌ أحبّه، لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو عيبة علمي فاسمعي واشهدي وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي فاسمعي واشهدي،وهو قاضي عداتي فاسمعي واشهدي وهو والله محيي سنتي فاسمعي واشهدي لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام بين الرّكن والمقام ولقى الله عزّ وجلّ مبغضاً لعليّ بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في جهنّم.(14) أمّا أخبارنا الدالة على قبول الأعمال بمعرفة آل البيت عليهم السَّلام ووجوب البراءة من أعدائهم، فكثيرة نذكر منها ما أورده صاحب غاية المرام أعلى الله مقامه(15)، وهي الآتي: (1) ـ حدثنا عبد الله بن عامر عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي المعزى عن أبي بصير عن خيثمة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله ونحن حجة الله ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام. (2) ـ الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال: حدّثنا محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: إنّما يعبد اللّه من يعرف اللّه فأمّا من لا يعرف اللّه فإنّما يعبده هكذا ضلالا قلت: جعلت فداك فما معرفة اللّه قال: تصديق اللّه عزّ وجلّ وتصديق رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وموالاة عليّ عليه السّلام والائتمام به وبأئمّة الهدى عليه السّلام والبراءة إلى اللّه عزّ وجلّ من عدوّهم هكذا يعرف اللّه عزّ وجلّ. (3) ـ الحسين عن معلّى عن الحسن بن عليّ عن أحمد بن عائذ عن أبيه عن ابن أذينة قال: حدّثنا غير واحد عن أحدهما عليه السّلام أنّه قال: لا يكون العبد مؤمنا حتّى يعرف اللّه ورسوله والأئمّة كلّهم وإمام زمانه ويردّ إليه ويسلّم له ثمّ قال: كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل. (4) ـ محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زرارة قال: قلت: لأبي جعفر عليه السّلام أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ بعث محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى النّاس أجمعين رسولا وحجّة للّه على جميع خلقه في أرضه فمن آمن باللّه وبمحمّد رسول اللّه واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه ومن لم يؤمن باللّه وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن باللّه ورسوله ويعرف حقّهما قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن باللّه ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل اللّه يجب على أولئك حقّ معرفتكم قال: نعم أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا قلت: بلى قال: أترى أنّ اللّه هو الّذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء واللّه ما أوقع ذلك في قلوبهم إلاّ الشّيطان لا واللّه ما ألهم المؤمنين حقّنا إلاّ اللّه عزّ وجلّ. (5) ـ عنه عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول إنّما يعرف اللّه عزّ وجلّ ويعبده من عرف اللّه وعرف إمامه منّا أهل البيت ومن لا يعرف اللّه عزّ وجلّ ولا يعرف الإمام منّا أهل البيت فإنّما يعرف ويعبد غير اللّه هكذا واللّه ضالاًّ. (6) ـ الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن محمّد بن جمهور عن فضالة بن أيّوب عن معاوية بن وهب عن ذريح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأئمّة بعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إماما ثمّ كان الحسن عليه السّلام إماما ثمّ كان الحسين عليه السّلام إماما ثمّ كان عليّ بن الحسين إماما ثمّ كان محمّد بن عليّ إماما من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة اللّه تبارك وتعالى ومعرفة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ قال: قلت: ثمّ أنت جعلت فداك فأعدتها عليه ثلاث مرّات فقال: لي إنّي إنّما حدّثتك لتكون من شهداء اللّه تبارك وتعالى في أرضه. (7) ـ الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن محمّد بن جمهور عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن عن الهيثم بن واقد عن مقرّن قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاّ بسيماهم فقال: نحن على الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ونحن الأعراف الّذين لا يعرف اللّه عزّ وجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا ونحن الأعراف يعرّفنا اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة على الصّراط فلا يدخل الجنّة إلاّ من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النّار إلاّ من أنكرنا وأنكرناه إنّ اللّه تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الّذي يؤتى منه فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فإنّهم عن الصّراط لناكبون فلا سواء من اعتصم النّاس به ولا سواء حيث ذهب النّاس إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربّها لا نفاد لها ولا انقطاع. (8) ـ حدثنا علي بن عيسى القمي رض قال: حدثني علي بن محمد بن ماجيلويه رض قال: حدثني أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد الأسدي عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا علي أنت أخي ووارثي ووصيي وخليفتي في أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي محبك محبي ومبغضك مبغضي يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة يا علي أنا وأنت والأئمة من ولدك سادة في الدنيا وملوك في الآخرة من عرفنا فقد عرف الله ومن أنكرنا فقد أنكر الله عز وجل. (9) ـ عن أحمد بن زياد بن جعفر قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: أنا سيد من خلق الله عز و جل و أنا خير من جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و حملة العرش و جميع ملائكة الله المقربين و أنبياء الله المرسلين و أنا صاحب الشفاعة و الحوض الشريف و أنا و عليّ أبوا هذه الأمة من عرفنا فقد عرف الله عز و جل و من أنكرنا فقد أنكر الله عز و جل و من علي سبطا أمتي و سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين و من ولد الحسين تسعة أئمة طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي تاسعهم قائمهم و مهديهم. (10) ـ عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: في خطبته أنا الهادي أنا المهتدي و أنا أبو اليتامى و المساكين و زوج الأرامل و أنا ملجأ كل ضعيف و مأمن كل خائف و أنا قائد المؤمنين إلى الجنة و أنا حبل الله المتين و أنا عروة الله الوثقى و كلمة الله التقوى و أنا عين الله و لسانه الصادق و يده و أنا جنب الله الذي يقول: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) و أنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة و المغفرة و أنا باب حطة من عرفني و عرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه و حجته على خلقه لا ينكر هذا إلا راد على الله و على رسوله. (11) ـ عن محمد بن علي رحمه الله عن عمه محمد بن أبي القسم عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن زياد بن المنذر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: المخالف على علي بن أبي طالب عليه السَّلام بعدي كافر و المشرك به مشرك و المحب له مؤمن و المبغض له منافق و المقتفي لأثره لاحق و المحارب له مارق و الراد عليه زاهق علي نور الله في بلاده و حجته على عباده علي سيف الله على أعدائه و وارث علم أنبيائه علي كلمة الله العليا و كلمة أعدائه السفلى علي سيد الأوصياء و وصي سيد الأنبياء علي أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين و إمام المسلمين لا يقبل الله الإيمان إلا بولايته و طاعته. (12) ـ عن عبد الله بن الحسن المؤدب عن أحمد بن علي الأصبهاني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن قتيبة بن سعيد عن عمرو بن غزوان عن أبي مسلم قال: خرجت مع الحسن البصري و أنس بن مالك حتى أتينا باب أم سلمة فقعد أنس على الباب و دخلت مع الحسن البصري فسمعت الحسن و هو يقول السلام عليك يا أماه و رحمة الله و بركاته فقالت له: و عليك السلام من أنت يا بني فقال: أنا الحسن البصري فقالت: فيما جئت يا حسن فقال: لها جئت لتحدثيني بحديث سمعته أذناك من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم في علي بن أبي طالب عليه السَّلام فقالت: أم سلمة و الله لأحدثنك بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم و إلا فصمتا و رأته عيناي و إلا فعميتا و وعاه قلبي و إلا فطبع الله عليه و أخرس لساني إن لم أكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم يقول لعلي بن أبي طالب عليه السَّلام: يا علي ما من عبد لقي الله يوم يلقاه جاحدا لولايتك إلا لقي بعبادة صنم أو وثن قال: فسمعت الحسن البصري و هو يقول: الله أكبر أشهد أن عليا مولاي و مولى المؤمنين فلما خرج قال: له أنس بن مالك ما لي أراك تكبر قال: سألت أمنا أم سلمة أن تحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم في علي عليه السَّلام فقالت: لي كذا و كذا فقلت: الله أكبر أشهد أن عليا مولاي و مولى كل مؤمن قال: فسمعت عند ذلك أنس بن مالك و هو يقول أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: هذه المقالة ثلاث مرات أو أربع مرات. (13) ـ يحيى بن أبي القاسم عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) عن عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجّة الله على أمّتي بعدي المقرُّ بهم مؤمنٌ والمنكِرُ لهم كافرٌ. (14) ـ عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمدا عبدي ورسولي وأن علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخله الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فر مني دعوته وإن رجع إلي قبلته وإن قرع بابي فتحته ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم أسمع نداءه وإن دعاني لم أستجب دعاءه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيد فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي محمد بن علي ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني بهم يمسك الله عز وجل السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها. (15) ـ حدثني علي بن الحسن قال حدثني هارون بن موسى قال حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني قال حدثنا أبو عمر أحمد بن علي الفيدي قال حدثنا سعد بن مسروق قال حدثنا عبد الكريم بن هلال المكي عن أبي الطفيل عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت فاطمة عليه السَّلام تقول سألت أبي عليه السَّلام عن قول الله تبارك وتعالى وعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال هم الأئمة بعدي علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين هم رجال الأعراف لا يدخل الجنة إلا من يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتهم. (16) ـ عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا علي بن الحسن السائح قال سمعت الحسن بن علي العسكري يقول: حدثني أبي عن أبيه عن جده عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: لعلي بن أبي طالب عليه السَّلام يا علي لا يحبك إلا من طابت ولادته ولا يبغضك إلا من خبثت ولادته ولا يواليك إلا مؤمن ولا يعاديك إلا كافر فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال يا رسول الله قد عرفنا علامة خبيث الولادة والكافر في حياتك ببغض علي وعداوته فما علامة خبيث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الإسلام بلسانه وأخفى مكنون سريرته فقال عليه السَّلام: يا ابن مسعود علي بن أبي طالب إمامكم بعدي وخليفتي عليكم فإذا مضى فابني الحسن إمامكم بعده وخليفتي عليكم فإذا مضى فابني الحسين إمامكم بعده وخليفتي عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي عليكم تاسعهم قائم أمتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما لا يحبهم إلا من طابت ولادته ولا يبغضهم إلا من خبثت ولادته ولا يواليهم إلا مؤمن ولا يعاديهم إلا كافر من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله عز وجل ومن جحد واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عز وجل لأن طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة الله ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله عز وجل يا ابن مسعود إياك أن تجد في نفسك حرجا مما أقضي فتكفر فو عزة ربي ما أنا متكلف ولا ناطق عن الهوى في علي والأئمة من ولده ثم قال عليه السَّلام: وهو رافع يديه إلى السماء اللهم وال من والى خلفائي وأئمة أمتي بعدي وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم ولا تخل الأرض من قائم منهم بحجتك ظاهرا أو خافيا مغمورا لئلا يبطل دينك وحجتك وبرهانك وبيناتك ثم قال عليه السَّلام: يا ابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموه هلكتم وإن تمسكتم به نجوتم والسلام على من اتبع الهدى. (17) ـ قال: أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا عبد الله بن راشد الأصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرنا إسماعيل بن صبيح قال: حدثنا سالم بن أبي سالم المصري عن أبي هارون العبدي قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري رحمه الله فسمعته يقول: أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها قال: الصلاة والزكاة والحج وصوم شهر رمضان قال: فما الواحدة التي تركوها قال: ولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام قال الرجل: وإنها المفترضة معهن قال أبو سعيد: نعم ورب الكعبة قال الرجل: فقد كفر الناس إذن قال أبو سعيد: فما ذنبي؟ (18) ـ حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني والقاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي والحسن بن محمد بن سعيد والحسين بن علي بن الحسن الرازي جميعا قالوا حدثنا أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب قال: حدثني محمد بن جمهور العمي عن أبيه محمد بن جمهور قال: حدثني عثمان بن عمر قال: حدثني شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبو بكر وعمر والفضل بن العباس وزيد بن حارثة وعبد الله بن مسعود إذ دخل الحسين بن علي عليه السّلام فأخذه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبله ثم قال: حبقه حبقه ترق عين بقه ووضع فمه على فمه ثم قال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة التسعة من ولدك أئمة أبرار فقال له عبد الله بن مسعود: ما هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم يا رسول الله في صلب الحسين فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال يا عبد الله سألت عظيما ولكني أخبرك أن ابني هذا ووضع يده على كتف الحسين عليه السّلام يخرج من صلبه ولد مبارك سمي جده علي عليه السّلام يسمى العابد ونور الزهاد ويخرج من صلب علي ولد اسمه اسمي وأشبه الناس بي يبقر العلم بقرا وينطق بالحق ويأمر بالصواب ويخرج الله من صلبه كلمة الحق ولسان الصدق فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا نبي الله قال: فقال له: جعفر صادق في قوله وفعاله الطاعن عليه كالطاعن علي والراد عليه كالراد علي ثم دخل حسان بن ثابت وأنشد في رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شعراً وانقطع الحديث فلما كان من الغد صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم دخل بيت عائشة ودخلنا معه أنا وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن العباس وكان من دأبه عليه السّلام إذا لم يسأل ابتدأ فقلت له: بأمي أنت وأبي يا رسول الله ألا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين عليه السّلام قال: نعم يا أبا هريرة ويخرج الله من صلبه مولود طاهر أسمر رابعه سمي موسى بن عمران ثم قال له ابن عباس: ثم من يا رسول الله قال: يخرج موسى علي ابنه يدعى بالرضا موضع العلم ومعدن الحلم ثم قال عليه السّلام: بأبي المقتول في أرض الغربة ويخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود أطهر الناس خلقا وأحسنهم خلقا ويخرج من صلب محمد ابنه علي طاهر الجيب صادق اللهجة ويخرج من صلب علي الحسن الميمون التقي الطاهر الناطق عن الله وأبو حجة الله ويخرج من صلب الحسن قائمنا أهل البيت يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جورا وظلما له غيبة موسى وحكم داود وبهاء عيسى ثم تلا عليه السّلام ذرّيّة بعضها من بعض واللّه سميع عليم فقال له علي بن أبي طالب عليه السّلام: بأبي أنت وأمي يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكرتهم قال: يا علي أسامي الأوصياء من بعدك والعترة الطاهرة والذرية المباركة ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أن رجلا عبد الله ألف عام ثم ألف عام ما بين الركن والمقام ثم أتى جاحدا بولايتهم لأكبه الله في النار كائنا ما كان. قال أبو علي بن همام: العجب كل العجب من أبي هريرة أنه يروي مثل هذه الأخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت عليه السّلام. (19) ـ محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كلّ من دان اللّه عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر واللّه شانئ لأعماله ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها فلمّا جنّها اللّيل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها فباتت معها في مربضها فلمّا أن ساق الرّاعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها فصاح بها الرّاعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيّرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذّئب ضيعتها فأكلها وكذلك واللّه يا محمّد من أصبح من هذه الأمّة لا إمام له من اللّه عزّ وجلّ ظاهر عادل أصبح ضالاّ تائها وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمّد أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلّوا وأضلّوا فأعمالهم الّتي يعملونها كرماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضّلال البعيد. (20) ـ عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبديّ عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إنّي أخالط النّاس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلانا وفلانا لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصّدق قال: فاستوى أبو عبد اللّه عليه السّلام جالسا فأقبل عليّ كالغضبان ثمّ قال: لا دين لمن دان اللّه بولاية إمام جائر ليس من اللّه ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من اللّه قلت لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال: نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثمّ قال: ألا تسمع لقول اللّه عزّ وجلّ:(اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور) يعني من ظلمات الذّنوب إلى نور التّوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل من اللّه وقال (والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات) إنّما عنى بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر ليس من اللّه عزّ وجلّ خرجوا بولايتهم إيّاه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب اللّه لهم النّار مع الكفّار فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون. (21) ـ وعنه عن هشام بن سالم عن حبيب السّجستانيّ عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال: اللّه تبارك وتعالى لأعذّبنّ كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من اللّه وإن كانت الرّعيّة في أعمالها برّة تقيّة ولأعفونّ عن كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من اللّه وإن كانت الرّعيّة في أنفسها ظالمة مسيئة. (22) ـ عليّ بن محمّد عن ابن جمهور عن أبيه عن صفوان عن ابن مسكان عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: إنّ اللّه لا يستحيي أن يعذّب أمّة دانت بإمام ليس من اللّه وإن كانت في أعمالها برّة تقيّة وإنّ اللّه ليستحيي أن يعذّب أمّة دانت بإمام من اللّه وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة. (23) ـ محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة عليهم السّلام وصفاتهم إنّ اللّه عزّ وجلّ أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه وأبلج بهم عن سبيل منهاجه وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه فمن عرف من أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه وعلم فضل طلاوة إسلامه لأنّ اللّه تبارك وتعالى نصب الإمام علما لخلقه وجعله حجّة على أهل موادّه وعالمه وألبسه اللّه تاج الوقار وغشّاه من نور الجبّار يمدّ بسبب إلى السّماء لا ينقطع عنه موادّه ولا ينال ما عند اللّه إلاّ بجهة أسبابه ولا يقبل اللّه أعمال العباد إلاّ بمعرفته. الهوامش (1) غاية المرام:3/60ح3. (2) غاية المرام:3/59ح1. (3) غاية المرام:3/60ح4. (4) غاية المرام:3/61ح5. (5) غاية المرام:3/61ح6. (6) غاية المرام:3/63ح7. (7) غاية المرام:3/62ح9. (8) غاية المرام:3/63ح10. (9) غاية المرام:3/63ح11. (10) غاية المرام:3/64ح12. (11) غاية المرام:3/65ح13. (12) غاية المرام:3/65ح14. (13) غاية المرام:3/66ح15. (14) غاية المرام:3/66ح16. (15) غاية المرام:3/68 باب47. ****************** (24) ـ عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: إنّ الله أوحى إليَّ ليلة أُسري بي: يا محمّد مَن خلّفتَ في الأرض على أمّتكَ ـ وهو أعلم بذلك، قلت: يا ربّ أخي، قال: يا محمّد عليّ بن أبي طالب، قلت: نعم يا رب، قال: يا محمّد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة اخترتكَ منها فلا أُذكَر حتى تُذكَر معي أنا المحمود وأنتَ محمّد، ثمّ إني اطلعتُ إلى الأرض اطّلاعة أخرى فاخترتُ عليّ بن أبي طالب، فجعلتُهُ وصيّكَ فانتَ سيّد الأنبياء وعليّ سيّد الأوصياء، ثمّ شققتُ له إسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ، إني خلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نورٍ واحدٍ ثمّ عرضتُ ولايتهم على الملائكة فمَن قبِلَها كان المقرَّبين ومَن جحدها كان من الكافرين، يا محمّد لو أنّ عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع ثمّ يلقاني جاحداً لولايتهم أدخلته في النار، ثمّ قال: يا محمّد أتحبّ أنْ تراهم؟ قلت: نعم، فقال: تقدّم أمامك، فتقدمتُ أمامي فإذا بعليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّ والحسين بن عليّ وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة القائم كأنه كوكبٌ دريٌّ في وسطهم فقلتُ: ومَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمّة وهذا القائم يحلّ حلالي ويحرّم حرامي وينتقم من أعدائي، يا محمّد أحِبَّه فإني أحبّ مَن يحبّه. (25) ـ عن القطان عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان عن كامل بن العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي أنت صاحب حوضي وصاحب لوائي ومنجز عداتي وحبيب قلبي ووارث علمي وأنت مستودع مواريث الأنبياء وأنت أمين الله في أرضه وأنت حجة الله على بريته وأنت ركن الإيمان وأنت مصباح الدجى وأنت منار الهدى وأنت العلم المرفوع لأهل الدنيا من تبعك نجا ومن تخلف عنك هلك وأنت الطريق الواضح وأنت الصراط المستقيم وأنت قائد الغر المحجلين وأنت يعسوب المؤمنين وأنت مولى من أنا مولاه وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة لا يحبك إلا طاهر الولادة ولا يبغضك إلا خبيث الولادة وما عرج بي ربي عز وجل إلى السماء قط وكلمني ربي إلا قال لي: يا محمد أقرئ عليا مني السلام وعرفه أنه إمام أوليائي ونور أهل طاعتي فهنيئا لك يا علي هذه الكرامة. (26) ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعبد اللّه بن الصّلت جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفرٍ عليه السَّلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم والولاية قال: زرارة فقلت: وأيّ شيءٍ من ذلك أفضل فقال: الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ والوالي هو الدّليل عليهنّ قلت: ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل فقال: الصّلاة إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم قال: الصّلاة عمود دينكم قال: قلت: ثمّ الّذي يليها في الفضل قال: الزّكاة لأنّه قرنها بها وبدأ بالصّلاة قبلها وقال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم:الزّكاة تذهب الذّنوب قلت: والّذي يليها في الفضل قال: الحجّ قال: اللّه عزّ وجلّ وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين وقال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم:لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاةً نافلةً ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر اللّه له وقال: في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال: قلت: فما ذا يتبعه قال: الصّوم قلت: وما بال الصّوم صار آخر ذلك أجمع قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم:الصّوم جنّة من النّار قال: ثمّ قال: إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه إنّ الصّلاة والزّكاة والحجّ والولاية ليس يقع شيء مكانها دون أدائها وإنّ الصّوم إذا فاتك أو قصّرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها وجزيت ذلك الذّنب بصدقةٍ ولا قضاء عليك وليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره قال: ثمّ قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرّحمن الطّاعة للإمام بعد معرفته إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً أما لو أنّ رجلًا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على اللّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان ثمّ قال: أولئك المحسن منهم يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته. (27) ـ أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن الحسن الكوفي، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد المزني، قال: حدثنا سلام بن أبي عمرة الخراساني، عن سعد بن سعيد، عن يونس بن الحباب، عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم عليه السلام فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمد عليهم السلام اشمأزت قلوبهم والذي نفس محمد بيده لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي. 28 ـ حدثنا أبو منصور السكري، قال: حدثني جدي علي بن عمر، قال: حدثني العباس بن يوسف الشكلي، قال: حدثنا عبد الله بن هشام، قال: حدثنا محمد ابن مصعب القرقساني، قال: حدثنا الهيثم بن جماز، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله قافلين من تبوك، فقال: لي في بعض الطريق ألقوا لي الأحلاس والأقتاب، ففعلوا فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله فخطب، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: معاشر الناس، ما لي إذا ذكر آل إبراهيم عليه السلام تهللت وجوهكم، وإذا ذكر آل محمد صلى الله عليه وآله كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان، فو الذي بعثني بالحق نبيا، لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجيء بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار. وأورد صاحب الوسائل عدّة أحاديث تدلّ على المطلوب منها ما روي عن: (1) ـ محمّد بن يعقوب الكلينيّ رضي اللّه عنه عن أبي عليٍّ الأشعريّ عن الحسن بن عليٍّ الكوفيّ عن عبّاس بن عامرٍ عن أبان بن عثمان عن الفضيل بن يسارٍ عن أبي جعفرٍ عليه السّلام قال: بني الإسلام على خمسٍ على الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم والولاية الحديث.(1) (2) ـ وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعن أبي عليٍّ الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار جميعاً عن صفوان عن عمرو بن حريثٍ أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألا أقصّ عليك ديني فقال: بلى قلت: أدين اللّه بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً (رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت والولاية وذكر الأئمّة عليه السّلام فقال: يا عمرو هذا دين اللّه ودين آبائي الّذي أدين اللّه به في السّرّ والعلانية الحديث.(2) (3) ـ وعنه عن محمّد بن عيسى عن يونس بن عبد الرّحمن عن عجلان أبي صالحٍ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أوقفني على حدود الإيمان فقال: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم والإقرار بما جاء من عند اللّه وصلاة الخمس وأداء الزّكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصّادقين.(3) (4) ـ وعن الحسين بن محمّدٍ الأشعريّ عن معلّى بن محمّدٍ الزّياديّ عن الحسن بن عليٍّ الوشّاء قال: حدّثنا أبان بن عثمان عن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرٍ عليه السّلام قال: بني الإسلام على خمسٍ على الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والولاية ولم يناد بشيءٍ ما نودي بالولاية.(4) (5) ـ وفي الخصال عن محمّد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن القاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطينٍ عن ابن أبي نجران وجعفر بن سليمان جميعاً عن العلاء بن رزينٍ عن أبي حمزة الثّماليّ قال: قال أبو جعفرٍ عليه السّلام: بني الإسلام على خمسٍ إقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وحجّ البيت وصوم شهر رمضان والولاية لنا أهل البيت فجعل في أربعٍ منها رخصةٌ ولم يجعل في الولاية رخصةٌ من لم يكن له مالٌ لم تكن عليه الزّكاة ومن لم يكن له مالٌ فليس عليه حجٌّ ومن كان مريضاً صلّى قاعداً وأفطر شهر رمضان والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذا مالٍ أو لا مال له فهي لازمةٌ.(5) (6) ـ وفي كتاب صفات الشّيعة عن أبيه عن عبد اللّه بن جعفرٍ عن أحمد بن محمّدٍ عن ابن أبي نجران قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من عادى شيعتنا فقد عادانا إلى أن قال: شيعتنا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويحجّون البيت الحرام ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت ويبرءون من أعدائنا أولئك أهل الإيمان والتّقى و(الأمانة) من ردّ عليهم فقد ردّ على اللّه ومن طعن عليهم فقد طعن على اللّه الحديث.(6) (7) ـ محمّد بن الحسن في المجالس والأخبار بإسناده عن عليّ بن عقبة عن أبي كهمسٍ وبإسناده عن رزيقٍ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: أيّ الأعمال أفضل بعد المعرفة فقال: ما من شيءٍ بعد المعرفة يعدل هذه الصّلاة ولا بعد المعرفة والصّلاة شيءٌ يعدل الزّكاة ولا بعد ذلك شيءٌ يعدل الصّوم ولا بعد ذلك شيءٌ يعدل الحجّ وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا وخاتمته معرفتنا ولا شيء بعد ذلك كبر الإخوان والمواساة ببذل الدّينار والدّرهم إلى أن قال وما رأيت شيئاً أسرع غنًى ولا أنفى للفقر من إدمان حجّ هذا البيت وصلاةٌ فريضةٌ تعدل عند اللّه ألف حجّةٍ وألف عمرةٍ مبروراتٍ متقبّلاتٍ ولحجّةٌ عنده خيرٌ من بيتٍ مملوٍّ ذهباً لا بل خيرٌ من ملء الدّنيا ذهباً وفضّةً ينفقه في سبيل اللّه والّذي بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم بالحقّ بشيراً ونذيراً لقضاء حاجة امرئٍ مسلمٍ وتنفيس كربته أفضل مـن حجّةٍ وطـوافٍ وحجّةٍ وطوافٍ حتّى عقـد عشـرةً. الحديث.(7) (7) ـ وعن أبيه عن سعدان بن مسلمٍ عن الفضيل بن يسارٍ عن أبي جعفرٍ عليه السّلام قال: عشرٌ من لقي اللّه بهنّ دخل الجنّة شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه والإقرار بما جاء من عند اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت والولاية لأولياء اللّه والبراءة من أعداء اللّه واجتناب كلّ مسكرٍ.(8) ***** تعقيب على أخبا ر الولاية: أكّدتْ هذه الأخبار على أهمّيّة أمر الولاية، وهذه الأهمية على قسمين: الأوّل: من حيث النداء الإلهي والتكليف والإلزام القطعي الشرعي بحيث لا رخصة في تركه أبداً ـ حسبما مرّ في الأخبار المتقدّمة ـ فإنّ الأحاديث السابقة صريحة في هذا المعنى، وأنه لا بدّ من الإيمان بالولاية، والشهادة لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) مقرونة بالشهادتين، فلا بدّ من الإقرار والإيمان بها من الكلّ ولو بشكلٍ مجمل، وأمّا تفاصيل الإيمان والإقرار بالولاية فسيأتي إنْ شاء الله التعرُّض إليه في البحث عن الولاية التكوينيّة إحدى أقسام ولايتهم عليهم السَّلام. الثاني: من حيث الدقّة والفهم لأمر الولاية، فالأحاديث الكثيرة دلّت على أنّ أمرهم صعبٌ مستصعب وقد عرَضنا فيما سبق قسماً من تلك الأخبار المقدَّسة الدالّة على أنّ أمرهم الصعب المستصعب فلا نعيد ولكنني سأذكر بعض الأحاديث التي تشوّق الطالب إلى معرفة حقائقهم عليهم السَّلام، منها ما يأتي: (1) ـ محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنانٍ عن عمّار بن مروان عن جابرٍ قال: قال أبو جعفرٍ عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ حديث آل محمّدٍ صعب مستصعب لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان فما ورد عليكم من حديث آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزّت منه قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى اللّه وإلى الرّسول وإلى العالم من آل محمّدٍ وإنّما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيءٍ منه لا يحتمله فيقول واللّه ما كان هذا واللّه ما كان هذا والإنكار هو الكفر.(9) توضيح: ليس كلّ إنكارٍ يوجب الكفر، بل ما يوجبه هو ما ينسب إليهم ما لا يليق بهم ولا يمكن تأويله، أو يكون مخالفاً للكتاب الكريم، فحينئذٍ لو أنكره الفقيه قاطعاً بعدم صدوره منهم عليهم السَّلام فلا تشمله الرّواية المذكورة. (2) ـ أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى عن هارون بن مسلمٍ عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ذكرت التّقيّة يوماً عند عليّ بن الحسين عليه السّلام فقال: واللّه لو علم أبو ذرٍّ ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان فقال: وإنّما صار سلمان من العلماء لأنّه امرؤ منّا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء.(10) (3) ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن البرقيّ عن ابن سنانٍ أو غيره رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم ألست بربّكم فمن وفى لنا وفى اللّه له بالجنّة ومن أبغضنا ولم يؤدّ إلينا حقّنا ففي النّار خالداً مخلّداً.(11) (4) ـ محمّد بن يحيى وغيره عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابنا قال كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام جعلت فداك ما معنى قول الصّادق عليه السّلام: حديثنا لا يحتمله ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان فجاء الجواب: إنّما معنى قول الصّادق عليه السّلام أي لا يحتمله ملك ولا نبيّ ولا مؤمن إنّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملكٍ غيره والنّبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبيٍّ غيره والمؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مؤمنٍ غيره فهذا معنى قول جدّي عليه السّلام.(12) (5) ـ أحمد بن محمّدٍ عن محمّد بن الحسين عن منصور بن العبّاس عن صفوان بن يحيى عن عبد اللّه بن مسكان عن محمّد بن عبد الخالق وأبي بصيرٍ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا محمّدٍ إنّ عندنا واللّه سرّاً من سرّ اللّه وعلماً من علم اللّه واللّه ما يحتمله ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان واللّه ما كلّف اللّه ذلك أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا وإنّ عندنا سرّاً من سرّ اللّه وعلماً من علم اللّه أمرنا اللّه بتبليغه فبلّغنا عن اللّه عزّ وجلّ ما أمرنا بتبليغه فلم نجد له موضعاً ولا أهلًا ولا حمّالةً يحتملونه حتّى خلق اللّه لذلك أقواماً خلقوا من طينةٍ خلق منها محمّد وآله وذرّيّته عليه السّلام ومن نورٍ خلق اللّه منه محمّداً وذرّيّته وصنعهم بفضل رحمته الّتي صنع منها محمّداً وذرّيّته فبلّغنا عن اللّه ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك فبلغهم ذلك عنّا فقبلوه واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا فلو لا أنّهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك لا واللّه ما احتملوه ثمّ قال: إنّ اللّه خلق أقواماً لجهنّم والنّار فأمرنا أن نبلّغهم كما بلّغناهم واشمأزّوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردّوه علينا ولم يحتملوه وكذّبوا به وقالوا ساحر كذّاب فطبع اللّه على قلوبهم وأنساهم ذلك ثمّ أطلق اللّه لسانهم ببعض الحقّ فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ولو لا ذلك ما عبد اللّه في أرضه فأمرنا بالكفّ عنهم والسّتر والكتمان فاكتموا عمّن أمر اللّه بالكفّ عنه واستروا عمّن أمر اللّه بالسّتر والكتمان عنه قال ثمّ رفع يده وبكى وقال اللّهمّ إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلّط عليهم عدوّاً لك فتفجعنا بهم فإنّك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله وسلّم تسليماً.(13) وفي البحار نقلاً عن الإختصاص والبصائر عن جابر عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم. وعن سليمة بن صالح رفعه إلى مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ حديثنا هذا تشمأزّ منه قلوب الرّجال، فمَن أقرّ به فزيدوه، ومَن أنكر فذروه، إنه لا بدّ من أنْ يكون فتنةٌ يسقط فيها كلُّ بطانة ووليجة، حتى يسقط فيها مَن يشقّ الشِعرَ بشعرتين حتى لا يبقى إلاّ نحن وشيعتنا. وفي بعض أخبار ظهور مولانا الإمام الحجّة (عليه السلام): إنّ الإمام الحجّة (عليه السلام) بعد ظهوره يبثّ أسرارَ الشريعة فيصدّقه القرآن. وفي المحكيّ عن المفضل عن جابر في حديث ملخصه: أنه شكى جابر ضيق نفسه عن تحملها وإخفائها بعد مولانا أبي جعفر (عليه السلام) فقال له الإمام الصادق (عليه السلام): إحفر حفيرة ودلِّ رأسكَ فيها ثمّ قلْ حدّثني الإمام بكذا وكذا، فإنّ الأرض تستر عليه. وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) على ما يُنْسَب إليه في هذه الأبيات قوله (عليه السلام): إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنـا وقد تقدم في هذا أبو حسـن إلى الحسين ووصّى قبلَه الحسنـا ورُبَّ جوهر علـمٍ لو أبـوح به لقيـل لي: أنتَ ممّن يعبـد الوثـنا ولاستحلّ رجالٌ مسلمون دمـي يرون أقبح ما يأتـونـه حسـنـا هذا وقد عدّوا عليهم السَّلام فريقاً من أصحاب النبي والأئمّة من أصحاب السّر، كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمّار وأوَيس وكميل بن زياد النخعي وميثم التمّار الكوفي، ورشيد الهجري، وجابر الجعفي وهشام بن الحكم ويونس بن عبد الرّحمان ونظائرهم رضوان الله تعالى عليهم. وعليه؛ فإنّ الخطابات الإلهيّة لا تتوجه إلى عامّة الناس على حدٍّ سوآء، وذلك لما نرى من التفاوت البيّن بين أفهامهم، فلا يكاد يصل جميعهم إلى ما تضمنته الخطابات الإلهيّة من غوامض المعارف وقبولها، فلا محالة يكون كلّ واحد على حسب واجديته لملكة القبول مخاطباً بخطاب يخصُّه، وعليه فلا بدّ من بيان أقسام الناس، ثمّ بيان أنّ أيَّ خطاب منها متوجّه إلى أيّ قسمٍ منهم، ضرورة أنّ الشرع لم يدع أي طبقة منهم على اختلافهم إلاّ وقد بيّن لهم ما به صلاحهم، ووصولهم إلى تلك المعارف إذا عملوا بها، فنقول: الناس على أقسام: القسم الأوّل: مَن لا يعلم، ولا يكاد يعلم إلاّ الظاهر من الدنيا قال تعالى: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) فهؤلاء لم يتجاوز علمهم عن محسوساتهم ولم يعلموا غيرَ عالمِ الدنيا، بل تراهم ينكرون ما سمعوا من غير عالمهم، أو يقبلوها مع ما يقدرون لها من لوازم عوالمهم، وكيف كان فلا يفقهون قولاً من غير مرعاهم وملبسهم الدنيوي وهم الّذين أخلدوا إلى الأرض ولا يحومون إلاّ حول أنفسهم. فهم من ـ الظالم ـ حقيقةً الّذي ورد في حقه "الظالم يحوم حول نفسه" فأولئك هم كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً، لأنّ الحيوانات معذورةً في عدم نيلها للمعارف لقصورها الذاتي، وأما هؤلاء فقد أعطاهم الله تعالى العقل، وبيّن لهم طريق مرضاته ومعارفه، ولكنهم كفروا بأنعم الله عليهم واتبعوا أهواءهم بعد قيام الحجّة عليهم، فهم حينئذٍ من الكفار والمعاندين أو ملحقون بالكفار والمعاندين حكماً لا موضوعاً. القسم الثاني: مَن قد خرج من ظلمات الكفر، وتوجّه إلى ربّه والموالي، عبر السلوك في طريق الرشد والرشاد، وربما سلك قليلاً إلاّ أنه وقف في الطريق، وغفل عن المقصود من إرائة الطريق له، وكثيرون هؤلاء الّذين وقف بهم المشي دون أنْ يصلوا إلى أعلى مراتب الإيمان، واكتفوا بعلم المعارف دون الإتصاف بحقيقة العلوم والمعارف، أي أنهم تعلموا ليقال أنهم متعلمون، فلم يعملوا بمرضاة الباري، مع أنّ المقصود من تعلُّم المعارف هو الإتصاف بالعمل بحقائقها، وهؤلاء وإنْ كانوا مفارقين ظاهراً للفرقة الأولى إلاّ أنهم ملحقون بهم باطناً، لعدم تنور باطنهم بالمعارف التي بها النجاة يوم الحشر الأكبر إلاّ أن تشملهم العناية الأزليّة ويرجى في حقهم ذلك، لأنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فلعلّ المغفرة تشملهم إلاّ أنهم لفي خطرٍ عظيم، وعلى تقدير نجاتهم فليس لهم الدّرجات العالية، بل يدخلون في مرابض الجنّة كما نُقِل ذلك عنهم عليهم السَّلام، وهذا حال أغلب عوام الناس. القسم الثالث: مَن قد علموا بل قد عملوا ببعضها إلاّ أنهم لم يصلوا إلى أقصى مراتبها، ومع ذلك لا ينكرون المعارف الإلهيّة التي لم تبلغ إليها أرواحهم، وأنى لهم من إنكارها، مع أنّ الكتاب الكريم وكلمات العترة مشحونة بها، وإنما لم يصلوا إليها مع الإذعان بها، لرسوخهم في القوّة البهيميّة، فهم ممنوعون عن مشاهدة آثار المعارف الإلهيّة حقاً بتمامها، ضرورة أنّ تقوية القوى الحيوانيّة توجب تضعيف قوى الإنسانيّة، لورود هيئات نفسانيّة وإذعانات قاصرة قد عقدوا عليها قلوبهم، وقد أخذوها من البراهين المسلّمة المتداولة بين عامّة الفلاسفة التي انتُزِعَتْ من أمور ماديّة خالية عن الحقّ والحقيقة. ولهذا نرى أنّ قاطبة أهل الفلسفة غير المهذّبين لأنفسهم لا يكادون يصلون إلى المعارف أبداً، ضرورة أنّ طريقها هو تهذيب الرّوح وهو لا يكون إلاّ بالسير الروحي، ولا يكون هذا إلاّ بالسير الموصل وهو المأثور عنهم عليهم السَّلام لأنهم العارفون بالطريق لا غير، فالعِلْم النافع لا يحتاج إليه إلاّ بمقدار العمل للوصول، وبما أنّ الفلسفة أكثرها لا يوصل إلى العمل، فأكثرها لا يفيد. فهولاء الفلاسفة أذهانهم مشحونة بهيئات نفسانية تمنعهم عن الإخلاص والإنقطاع إليه تعالى، وليس ذلك إلاّ لتركهم ما أُمِروا به من العمل بما يوجب تهذيب النفس ورسوخهم فيما لم يكلّفوا به، بل ربّما صار ترسخ هذه الهيئات العلمية في نفوس بعضهم سبباً للقطع بأنه لا معارف إلاّ ما علموه بالفلسفة، لذا ترى بعضهم يعظّم الفلسفة كتعظيم القرآن، وهؤلاء هم الّذين قصدهم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بقوله: "وعلماؤهم ـ أي علماء آخر الزمان ـ شرار خلق الله على وجه الأرض لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف" ضرورة أنّ الظاهر منه هو الّذي يميل قلبه إلى الفلسفة بحيث يأخذ منها العقيدة لوحدها دون الرجوع إلى مصدر العقيدة وهو الكتاب وكلمات المعصومين عليهم السَّلام، فمَن أكمل عقيدته من المدارك الصحيحة فإنّ هذا لا تضرّه الفلسفة وإنْ اشتغل بها تعليماً وتعلّماً كما هو ديدن الصالحين من علماء الشيعة الكرام. فمجرّد الإشتغال بالفلسفة غير مذموم إلاّ إذا كان بقصد العقيدة، وهذا مختص بالعلماء المحققين دون غيرهم من العوام والظاهريين، ولعمر الحق إنّ غير المهذَّب لا محالة يقع في هذا الخطر، فينبغي لمدرّسي الفلسفة أنْ يمتحنوا تلامذتهم بالأخلاق وحسن العقيدة بأصول الدين،وإلاّ فلو كانوا ضعفاء في الأخلاق وحسن العقيدة فلا ريب في أنّ تعليمها وتعلّمها أشدُّ ضرراً على الدّين من السُّم القاتل حفظنا الله تعالى من ذلك بحقّ أهل الحقّ محمّد وآله الميامين. كما ويجب التنبيه على أمر هو: أنّ أخبارنا تدعو إلى العمل، لذا قد كثرت عناوين العبادات من الصّلاة والصّوم والأدعية ليلاً ونهاراً حتى للساعات مع تلك التأكيدات، وليس هذا إلاّ لأجل أنّ المقصود لمّا كان سوق الرّوح إليه تعالى بحيث تكون الرّوح سالكة في المعارف بالعمل على طبق الوظائف، لذا أمروا العباد بالإشتغال بالعبادة كلٌّ على حسب ما يمكنه منها. كما يجب التنبيه على أنّه ليس المراد من العمل مجرّد إتيان الأعمال بالجوارح فقط، بل المراد إتيان الأعمال كما ينبغي. وببيانٍ آخر: إنّ مجرّد دعوى الإيمان أو التشبّث بأئمّة الدّين عليهم السَّلام ومجرّد الإتيان بصورة العمل الظاهري لا يؤدّي إلى مقام الرضوان والوصول إلى العزيز الرّحمان، وإنْ كان العمل بالظاهري بنفسه يسلُك بصاحبه على أنْ يكون من أهل النجاة إلاّ إنه لا يكون من أهل الله وأهل المعرفة وأهل الوصل إلاّ إذا كان عارفاً بطريق المعرفة، ويتميز الطريق المجازي عن الطريق الحقيقي، ضرورة أنّ مجرّد الإتيان بالأعمال بدون معرفة يكون طريقاً مجازياً أي غير حقيقي وهذا غير موصل إلى المعرفة، وأمّا الموصل فهو الّذي يكون بذرها عن معرفة ثابتة في القلب أوّلاً، ويكون العمل الشرعي بمنـزلة السقي له؛ فإنّ المحقق في محلّه أنّ وجود الإعتقادات الإيمانية والمعارف الإلهيّة إنما يتصور في الباطن بالعمل الصالح مقروناً بالتقوى والمحبّة والتوجّه التام إليه تعالى، فحينئذٍ يؤدّي هذا العمل الصادر عن صاحب هذا القلب المتصف بتلك الأوصاف المذكورة إلى السعادة الأبديّة وإلى مقام المعرفة به تعالى، وإلى مقام الوصل والفناء عن النفس والبقاء بالرّب، فبالعمل الصالح وتكرره وعدم وجود المعاصي الموجبة لحبط آثارها تصير المعارف راسخةً في القلب، وبقوّة العمل الموجب لنورانيّة القلب ترتفع الحجب الظلمانيّة عن القلب فتحصل المعرفة، وإلى هذا يشير مولانا الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) في قوله: "القصد إلى الله بالقلب أبلغ من إتعاب الجوارح". لكنْ لا يعني قوله (عليه السلام) هذا تركَ العمل والإعتماد على العلم، كلاّ، بل المراد أنّ العمل الصادر عن معرفة يوجب الترقي والوصول إلى السعادات الأبديّة، فالعمدة حينئذٍ المعرفة ثمّ العمل لا زيادة العمل، فهذا هو المراد من العمل المندوب إليه في السير إلى الله عزّ شأنه. والخلاصة إنّ الإسلام يؤكِّد على أمرين: الأمر الأوّل: يؤكِّد على العِلْم الموصل للمعارف. الأمر الثاني: العمل بنحوٍ يوجب اتصاف روح العامل بتلك المعارف. فإذا اتصف السالك بهذين الأمرين، انشرح صدره للإسلام الواقعي، فيصير كمَن قال عنهم أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بقوله: "عبادَ الله إنّ مِنْ أحبّ عبادِ الله إليه عبداً أعانه اللهُ على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباحُ الهدى في قلبه، وأعدّ القِرى ليومه النازل به، فقرّب على نفسه البعيد، وهوّن الشديد، نظر فابصر، وذكر فاستكثر، وارتوى من عذبٍ فراتٍ سُهّلت له موارده، فشرب نهلاً، وسلَكَ سبيلاً جَدَدَاً، قد خلع سرابيل الشهوات وتخلّى من الهموم إلاّ همّاً واحداً انفرد به، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الرّدى، قد أبصَرَ طريقه وسَلَكَ سبيله، وعَرَفَ مناره وقَطَعَ غماره، واستمسكَ من العُرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس، قد نصب لله سبحانه في أرفع الأمور، من إصدار كلّ واردٍ عليه وتصيير كلّ فرع إلى أصله"(14)، وقال (عليه السلام) في وصف أهل التقوى(15): "قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دقّ جليله، ولَطُفَ غليظُهُ، وبرَقَ له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسَلَكَ به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة، ودار الإقامة وثبتت رجلاه بطمأنينةِ بدنِهِ في قرار الأمْن والرّاحة بما استعمل قلبه وأرضى ربّه". وقال ـ فديته بنفسي ـ في خطبة أخرى(16): "فإنّ الله سبحانه وتعالى جَعَلَ الذِّكْرَ جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتُبصر بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت آلآؤه في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات عبادٌ ناجاهم في فكرهم وكلّمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الابصار والأسماع والأفئدة". وقال (عليه السلام) في موضعٍ آخر: "هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة،وباشروا روح اليقين،واستلانوا ما استوعره المُتْرَفُون، وأنسوا بما استوحَشَ منه الجاهلون، وصَحِبُوا الدّنيا بأبدانٍ أرواحها معلَّقةٌ بالمحلّ الأعلى".(17) فمَن كان من اليقين على مثل ضوء الشمس لمّا ارتوى من عذب فرات علم آل محمّد فلا محالة له شأنيةٌ أن ينصب نفسه في أرفع محلّ لتصيير كُلِّ فرع إلى أصله، ولبيان جواب الأسئلة المشكلة جدّاً، فنراه يتكلّم بالحكمة بما يتعجب منه الحكماء، كيف لا يكون كذلك وقد أصبح بنور يقظة في سمعه وبصره وفؤاده؟ فهذا الّذي قد شرح الله صدره، يعلم ويفهم من الآيات والاخبار بطونها وما لا يكاد يفهمه غيرُه، وعليه فكيف يجوز لمَن قلبُهُ مظلِمٌ بأشدّ الظُّلْمَة أنْ يعارض هذا الرّجل الكامل؟. فتقع المعَارَضة بين الكامل والجاهل. فإنْ قلتَ: فما المخرَج؟ قلتُ: بأمْرَيْن: الأوّل: ما يكون وظيفة للجاهل. الثاني: ما يكون وظيفة للكامل. أمّا وظيفة الجاهل: فهي أنْ يسكت الجاهل ويترك العناد والمجادلة في كلّ ما لم يُحِط به عِلْماً، فإنْ لم يمكنه ردّ المتشابه إلى المحكَم من الأدلّة الشرعيّة، أو لم يفهم كلاماً أُلقي إليه، أو لم يعرِف تفسير ما وصل إليه من أخبار، فيحرم عليه إنكاره بل عليه أنْ يردّ عِلْمه إلى أهله، طبقاً لِمَ أمرت به الأخبار، كما في حديث جابر من أنّ الإنكار هو الكفر، أو لِمَا ورد من أنّ الإنكار لِمَا لا يُعلَم لعلّه يوجب تكذيب الله تعالى فوق عرش قدرته. والسرّ في إنكار الجاهل هو: أنّ القلب قبل تصفيته بذكر الله يكون معانداً للحقّ، فمن لم يُصَفِّ نَفْسَه فبمقتضى طبعه يكون معانداً لما لا يفهمه من الحق، إلاّ أنّ عقله لو أحياه بالذّكر، يحكم بأنْ لا ينكر ما لم يعلمه حتى يتبيّن له بدليل محكَم من الشرع. فإنْ لم يجد دليلاً محكَماً فلا بدّ له من السكوت والإشتغال بالعمل إلى أنْ يتبيّن له الأمر، ويقرّ على الأمر بما هو عليه إجمالاً، ولا يقول بالتفصيل إلاّ إذا كان له دليلُ محكَم. وأمّا وظيفة الكامل: فعليه أوّلاً بكتمان ما علّمه الله من الأسرار، ضرورة أنّ العبد إذا أفشى السّرّ وقع في الخطر، مضافاً إلى تضييعه للعِلْم. ففي خبر المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مُعَلَّى:أُكْتُمْ أمرَنا ولا تذعه..إلى أنْ قال:يا معلّى:مَن أذاع أمرنا ولم يكتمه أذلّه الله به في الدّنيا. فدلّ هذا الحديث على أنّ الإفشاء لغير أهل الأمانة واليقين موجب للذلّة في الدّنيا، فالحاصل: أنه لا بدّ من الكتمان إلاّ عن أهله، ولعلّه الوجه في سكوت الأئمّة عن التصريح بالمعارف، لعدم قابليّة العامّة لفهمها، بل أُمِروا بالرفق مع الناقص. ففي الكافي الشريف عن عبد العزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): "يا عبد العزيز إنّ الإيمان عشر درجات..إلى أنْ قال (عليه السلام): وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنّ مَن كسر مؤمناً فعليه جبره". فيعلم من هذا الخبر أنّ بيان دقائق العلوم للناقص ربما أوجب كسره وخروجه عن الدّين بسبب الإنكار لعدم قدرته على التحمّل، فلا بدّ لمَن بصّره الله تعالى بحقائق الأمور من أن يرفق بالمؤمن الضعيف ولا يكسره، من هنا قال سيّد المرسَلين: "إنا معشر الأنبياء نكلّم الناس على قدر عقولهم"، "ومَن كسر مؤمناً فعليه جبره"، فتأمّل. الولاية التكوينيّة: قلنا سابقاً إنّ الأخبار أكّدت على أهمية الوَلاية لآل البيت عليهم السَّلام وإنه لا رخصة في ترك الولاية كما جاءت الرّخصة في الصّوم والصّلاة والحجّ والزكاة، فلا بدّ من وجوب الإعتقاد بولايتهم عليهم السَّلام، ووجوب الإعتقاد تارةً يكون إجمالياً وأخرى يكون تفصيليّاً، أمّا الإعتقاد الإجمالي بالولاية، فتقريره من حيث ما دلّت عليه الآيات والأخبار على نحو العموم وأنّ الإيمان بالخطوط العريضة لأعيان الأئمّة وإمامتهم كان في إطلاق إسم: "المؤمن" على صاحبه. وأمّا الإعتقاد التفصيلي فببيان:أنّ الله تعالى قبل أنْ يخلق الخلق، كان ولم يكن معه شيء، ثمّ إنّ أوّل ما خلق هو نور محمّد وآل محمّد عليهم السَّلام فهم أوّل المخلوقين واقربهم إليه تعالى، فلا محالة هم العارفون الكاملون بمعارفه تعالى، فالمعارف والخلق يدور مدار وجودهم، ففي الزيارة الجامعة قال مولانا الإمام الهادي (عليه السلام): "بكم فتح الله وبكم يختم"، وفي الخبر: الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق.(18) فالامر بيد آل البيت، وهم العارفون بحقيقة الأمر، وكيفيّة السير إليه تعالى، فحينئذٍ لا يكون الطريق إلاّ بما بيّنوا، فلا بدّ من الإقتصار والأخذ بما قالوا لا غير. وأمّا معنى السير الرّوحي معهم، فحاصله: إنّ المعارف حسبما أشرنا سابقاً ترجع إلى أرواحهم المطهَّرة، فلا محالة هم الآيات الإلهيّة والأسماء الحسنى، ومظاهر صفات الجلال والجمال، ومن المعلوم أنهم الوسائط التكوينيّة لتكميل البشر، ومعنى ذلك أنهم بروحهم المباركة متصرّفون في الأرواح، فالفيض منه تعالى يشمل الأرواح الضعيفة بواسطتهم، فلا بدّ من الإستمداد منهم في السير إلى المعارف بنحوٍ دلّ عليه قوله (عليه السلام): "ومَن قصده توجّه بكم"، "ارواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس"، أي إنّ أرواحكم موجودة في الأرواح تتصرف بها وتفيض عليها بالكمالات الروحية والنفسيّة والفكريّة، بل تفيض عليها الصحّة البدنيّة والجسميّة. فالتوجّه بهم سبب لقصده تعالى، وهذا أمر دقيق لا يفهمه الذهن المشوب بالهيئات النفسانيّة، بل ربّما يتوهّم منه الشرك عند ذوي النفوس الضعيفة ولكنه عين الإيمان عند أهل اليقين. تفصيل ذلك: إنّ الرّوح قاصد إليه تعالى لا غير، لكنه لضعفه (وكلّ مخلوق سواهم ضعيف حسبما جاء في الأخبار) يتوجه بهم، أي ينظر إليه تعالى بالنظر إليهم، فهم وجه الله كما في الخبر، وفي عين أنهم مظاهرُ صفات الجلال والجمال، هم عين صفاته الجلاليّة والجماليّة بمعنى أنّ إرادتهم هي إرادة الله عزّ وجلّ، فما أرادوه يستلزم إرادة الله تعالى لا محالة: (وما تشاؤن إلاّ أنْ يشاء الله) وما كرهوه يستلزم كره الله له دون انفكاك واثنينيّة بينه عزّ وجلّ وبينهم كما في دعاء رجب: "لا فرق بينك وبينها إلاّ أنهم عبادك وخلقك.."، هذا هو الصواب في كونهم عين صفاته، وليس ما يتصوّره بعضٌ من أنهم عين صفاته بالمعنى القدمي الّذي ليس وراءه علّة توجده بحيث لا ينفكّون عن الذات الأحديّة، فإنه معلوم البطلان بالضّرورة الفلسفيّة والشرعيّة، وذلك لكونهم من المعاليل المحدثة التي هي بحاجة إلى العلّة ابتداءاً واستمراراً، وبهذا يندفع أيضاً ما تصوّره بعض المحرورين الموسوسين بكتب الفلسفة دون مراجعة خبير من أنّ الأئمّة عليهم السَّلام ذوات قديمة لكونهم في علم الله تعالى، فإنّ كونهم في علم الله لا يستلزم كونهم قدماء بالمعنى الأزلي للقدميّة أي العلّة التي ليس قبلها علّة تخرجها من العدم إلى الوجود، بل المراد بقدميتهم هو أنهم أوّل خلق الله تعالى حيث لم يخلق قبلهم أحداً على الإطلاق، فهم قدماء بالقياس إلى الماهيات الإمكانيّة، وأمّا بالقياس إلى الله تعالى فهم المعلول الأوّل الصادر من العلّة الأولى وهو الله تعالى، فتدبّر تغنم. وبالجملة: إنّ النظر إلى الموصوف وهو الله عزّ وجلّ فإنما هو بالنظر عن طريق صفاته، وأهل البيت عليهم السَّلام هم الطريق الواسع إليه تعالى كما يشير إليه قوله (عليه السلام) في الدّعاء: "وطريقاً إليكَ مهيعاً" أي اجعل النبي لي طريقاً مبسوطاً إليكَ، فالمنظور هو الله تعالى وما به النظر هو أرواحهم الطاهرة، وليس هذا غلواً في حقهم، بل لهم مقامات منيعة لا يسع المقام بيانها لأنّ القلوب لا تعيها. وفي الخبر: "نـزلونا عن الرّبوبيّة وقولوا في حقّنا ما شئتم" فلا بدّ للسالك حينئذٍ من التوسّل بهم في جميع حالاته، فهم الأدلاّء إليه تعالى تشريعاً وتكويناً، وحسبما ورد في الزيارة الجامعة: "وأبواب الإيمان"، فمعنى كونهم أبواباً للإيمان أي أنه لا يعرف الإيمان علماً ولا حالاً ولا متعلقاً ولا تحصيلاً إلاّ بهم، فيجب على الكلّ إتيان هذه الأبواب لتحقق الإطاعة لله وللرسول ولأولي الأمر. ففي الكافي باب أنه لا يعرف إلاّ به، بإسناده عن أبي بصير عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: الأوصياء هم أبواب الله عزّ وجلّ التي يؤتى منها، ولولاهم ما عُرِفَ الله عزّ وجلّ، وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه. وفيه عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال (عليه السلام): أبى الله أنْ يجري الأشياء إلاّ بأسبابها، فجعل لكلّ شيئ سبباً، وجعل لكلّ سبب شرحاً، وجعل لكلّ شرح علماً، وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً، عرفه مَن عرفه، وجهله مَن جهله، ذلك رسول الله ونحن. وفي بصائر الدرجات بإسناده إلى هاشم بن أبي عمار قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أنا عين الله، وأنا جنب الله، وأنا يد الله، وأنا باب الله.(19) وقد أورد صاحب البحار باباً خاصاً حول أنهم عليهم السَّلام باب الله وجنبه ويده ووجهه، كالآتي: (1) ـ قب، (المناقب لابن شهرآشوب) عن أبي الجارود عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى:(ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: نحن جنب الله. (2) ـ أبو ذر في خبر عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: يا أبا ذر يؤتى بجاحد عليّ (عليه السلام) يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ينادي (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ). (3) ـ الأئمّة العظام: الصادق والباقر والسجاد (عليه السلام) في هذه الآية قالوا: جنب الله علي وهو حجة الله على الخلق يوم القيامة. (4) ـ الإمام الرضا (عليه السلام) (فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: في ولاية علي (عليه السلام). (5) ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا صراط الله أنا جنب الله. (6) ـ قوله (ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ) قال الإمام الصادق (عليه السلام): نحن وجه الله. (7) ـ روى أبو حمزة عن الإمام الباقر (عليه السلام) وضريس الكناسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال (عليه السلام): نحن الوجه الذي يؤتى الله منه. (8) ـ جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة عن محمد بن العباس عن أحمد بن هوذة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن حمران عن ابن تغلب عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السَّلام في قول الله تعالى: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: خلقنا الله جزءاً من جنب الله وذلك قوله عز وجل: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) يعني في ولاية علي (عليه السلام). توضيح: معنى الجنب لغةً هو: القُرب والجوار من الله عزّ وجلّ، وقيل: هو الطريق، قال الزجاج:معنى قوله:(ما فرطت في جنب الله) أي ما فرطت في الطريق الّذي هو طريقُ الله الّذي دعاني إليه وهو توحيد الله والإقرار بنبّوة رسوله، ومن معاني الجنب: الجار الملاصق لجاره والناحية، ومعنى الحديث: انّ الله خلقهم بجزءٍ من قدرته أو أنهم ملاصقون بالقرب الرّوحي منه عزّ وجلّ بحيث لا ينفصلون عن القرب منه، وهذا ما أشار إليه الحديث رقم (19). (9) ـ بهذا الإسناد عن عبد الله بن حماد عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وقد سأله رجل عن قول الله عز وجل: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) فقال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن والله خلقنا من نور جنب الله وذلك قول الكافر إذ استقرت به الدار (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) يعني ولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. (10) ـ كنـز، (كنـز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة) محمد بن العباس عن أحمد بن إدريس عن ابن عيسى عن الأهوازي عن محمد بن إسماعيل عن حمزة بن بزيع عن علي بن سويد السائي عن أبي الحسن (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: جنب الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكذلك من كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي إلى الأخير منهم والله أعلم بما هو كائن بعده. (11) ـ كنـز، (كنـز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة) محمد بن العباس عن عبد الله بن همام عن عبد الله بن جعفر عن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن خالد عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: نحن والله وجهه الذي قال: ولن نهلك إلى يوم القيامة بما أمر الله به من طاعتنا وموالاتنا فذلك والله الوجه الذي هو قال: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) وليس منا ميت يموت إلا وخلفه عاقبة منه إلى يوم القيامة. (12) ـ كنـز، (كنـز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة) عبد الله بن العلاء عن المذاري عن ابن شمون عن الأصم عن عبد الله بن القاسم عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: نحن وجه الله عز وجل. (13) ـ فس، (تفسير القمي) أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: فيفنى كل شيء ويبقى الوجه الله أعظم من أن يوصف؟ لا ولكن معناه كل شيء هالك إلا دينه ونحن الوجه الذي يؤتى الله منه لم نـزل في عباده ما دام الله له فيهم روية فإذا لم يكن له فيهم روية رفعنا إليه ففعل بنا ما أحب قلت: جعلت فداك وما الروية قال: الحاجة. (14) ـ فس، (تفسير القمي) (واتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنـزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من القرآن وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: في الإمام لقول الصادق (عليه السلام) نحن جنب الله. (15) ـ فس، (تفسير القمي) الآية هكذا (مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) الآية فلمّا فسر الصادق (عليه السلام) جنب الله بالأئمة دل ذلك على أن ما أمر الله بمتابعته في الآية السابقة شامل للولاية فتدبر. (16) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن الحسين عن أحمد بن بشر عن حسان الجمال عن هاشم بن أبي عمار قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أنا عين الله وأنا جنب الله وأنا يد الله وأنا باب الله. الهوامش (1) وسائل الشيعة:1/7ح1. (2) وسائل الشيعة:1/8ح4. (3) وسائل الشيعة:1/10ح9. (4) وسائل الشيعة:1/10ح10. (5) وسائل الشيعة:1/14ح24. (6) وسائل الشيعة:1/15ح28. (7) وسائل الشيعة:1/17ح34. (8) وسائل الشيعة:1/19ح39. (9) أصول الكافي:1/401ح1. (10) أصول الكافي:1/401ح2. (11) أصول الكافي:1/401ح3. (12) أصول الكافي:1/401ح4. (13) أصول الكافي:1/402ح5. (14) نهج البلاغة:خطبة رقم87/119 صبحي الصالح. (15) نهج البلاغة: خطبة رقم220/327. (16) نهج البلاغة: خطبة رقم22/342. (17) نهج البلاغة: 497. (18) أصول الكافي:1/177. (19) بحار الأنوار:24/194. ****************** (17) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد عن الحسين عن فضالة عن القاسم بن بريد عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أنا شجرة من جنب الله فمن وصلنا وصله الله ثم تلا هذه الآية (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ). (18) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المسلي عن عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز وجل:(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) قال: عليّ (عليه السلام) جنب الله. (19) ـ ج، (الإحتجاج) في حديث طويل يذكر فيه إتيان رجل من الزنادقة أمير المؤمنين عليه السلام وسؤاله عما اشتبه عليه من آيات القرآن وظن التناقض فيها فأجابه عليه السلام وأسلم فكان مما سأله قوله وأجده يقول: (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ) (اللَّهِ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) (وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) (وأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) (وأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) ما معنى الجنب والوجه واليمين والشمال فإن الأمر في ذلك ملتبس جداً؟ فأجابه عليه السلام بأن المنافقين قد غيّروا وحرّفوا كثيراً من القرآن وأسقطوا أسماء جماعة ذكرهم الله بأسمائهم من الأوصياء ومن المنافقين لكن أعمى الله أبصارهم فتركوا كثيراً من الآيات الدالة على فضل منـزلة أوليائه وفرض طاعتهم ثم ذكر عليه السلام كثيراً من ذلك إلى أن قال: وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم السَّلام: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) تعريفاً للخليقة قربهم ألا ترى أنك تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه إنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب القائمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة (أَصْلُها ثابِتٌ وفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم (ويَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) ثم بين (عليه السلام) ذلك بأوضح البيان إلى أن قال: وأما قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) فالمراد كل شيء هالك إلا دينه لأن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه هو أجل وأعظم وأكرم من ذلك وإنما يهلك من ليس منه ألا ترى أنه قال: (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ففصل بين خلقه ووجهه. (20) ـ فس، (تفسير القمي) علي بن الحسين عن البرقي عن البزنطي عن هشام بن سالم عن ابن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ والْإِكْرامِ) فقال (عليه السلام): نحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا. (21) ـ ك، (إكمال الدين) ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن عمر بن أبان عن ضريس الكناسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: نحن الوجه الذي يؤتى الله منه. (22) ـ يد، (التوحيد) العطار عن أبيه عن سهل عن ابن يزيد عن محمد بن سنان عن أبي سلام عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا صلّى الله عليه وآله وسلَّم ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم عرفنا من عرفنا ومن جهلنا فأمامه اليقين. (23) ـ يد، (التوحيد) أبي عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن سيف عن أخيه الحسين عن أبيه سيف بن عمير عن خيثمة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: دينه وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله ووجهه وعينه في عباده ولسانه الذي ينطق به ويده على خلقه ونحن وجه الله الذي يؤتى منه لن نـزال في عباده ما دامت لله فيهم روية قلت: وما الروية؟ قال: الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه فصنع ما أحب. (24) ـ يد، (التوحيد) الدقاق عن الأسدي عن البرمكي عن ابن أبان عن بكر عن الحسين بن سعيد عن الهيثم بن عبد الله عن مروان بن صباح قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار وبنا أنـزل غيث السماء ونبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله. (25) ـ يد، (التوحيد) الدقاق عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن علي بن الحسين عمن حدثه عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي ولسان الله الناطق وعين الله الناظرة وأنا جنب الله وأنا يد الله. (26) ـ ير، (بصائر الدرجات) محمد بن إسماعيل النيشابوري عن أحمد بن الحسن الكوفي عن إسماعيل بن نصر وعلي بن عبد الله الهاشمي عن عبد الرحمن مثله. (27) ـ مع، (معاني الأخبار) يد، (التوحيد) ابن الوليد عن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن النضر عن ابن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: أنا الهادي وأنا المهتدي وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة وأنا حبل الله المتين وأنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده وأنا جنب الله الذي يقول: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة وأنا باب حطة من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه وحجته على خلقه لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله. (28) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن البرقي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّا شجرة من جنب الله أو جذوة فمن وصلنا وصله الله. (29) ـ ير، (بصائر الدرجات) أحمد بن محمد عن الحسين عن فضالة عن البطائني عن ابن عميرة عن أبي بصير عن الحارث بن المغيرة قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجل عن قول الله تبارك وتعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) فقال (عليه السلام): ما يقولون؟ قلت: يقولون هلك كل شيء إلا وجهه فقال: سبحان الله لقد قالوا عظيما إنما عنى كل شيء هالك إلا وجهه الذي يؤتى منه ونحن وجهه الذي يؤتى منه. (30) ـ ير، (بصائر الدرجات) الحجال عن صالح بن السندي عن ابن محبوب عن الأحول عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال (عليه السلام): نحن والله وجهه الذي قال ولن يهلك يوم القيامة من أتى الله بما أمر به من طاعتنا وموالاتنا ذاك الوجه الذي قال الله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) ليس منا ميت يموت إلا خلف منه إلى يوم القيامة. (31) ـ ير، (بصائر الدرجات) ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن منصور عن جليس لأبي حمزة عن أبي حمزة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: يا فلان فيهلك كل شيء ويبقى الوجه الله أعظم من أن يوصف ولكن معناها كل شيء هالك إلا دينه نحن الوجه الذي يؤتى منه لم نـزل في عباد الله ما دام لله فيهم روية قلت: وما الروية جعلني الله فداك؟ قال (عليه السلام): حاجة فإذا لم يكن له فيهم حاجة رفعنا إليه فيصنع بنا ما أحب. (32) ـ يد، (التوحيد) بإسناده عن صفوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) قال: من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد والأئمة من بعده صلى الله عليه وآله فهو الوجه الذي لا يهلك ثم قرأ (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ). (33) ـ بإسناده أيضا عن صفوان عنه عليه السلام قال: نحن وجه الله الذي لا يهلك. (34) ـ سن، (المحاسن) بإسناده عن الحارث النضري قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية قال: كل شيء هالك إلا من أخذ الطريق الذي أنتم عليه. (35) ـ ن، (عيون أخبار الرضا عليه السلام) في حديث طويل عن أبي الصلت عن الرضا (عليه السلام) قال: فقلت: يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله تعالى فقال: يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه (عليه السلام) الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل وإلى دينه ومعرفته وقال الله عز وجل: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) فالنظر إلى أنبياء الله تعالى ورسله وحججه عليهم السَّلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم: من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة. (36) ـ روى الكفعمي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير هذا الكلام أنه قال: معناه أنه ليس شيء أقرب إلى الله تعالى من رسوله ولا أقرب إلى رسوله من وصيه فهو في القرب كالجنب وقد بين الله تعالى ذلك في قوله (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) يعني في ولاية أوليائه وقال (عليه السلام) في قولهم باب الله: معناه أن الله احتجب عن خلقه بنبيه والأوصياء من بعده وفوض إليهم من العلم ما علم احتياج الخلق إليه ولما استوفى النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم على عليّ (عليه السلام) العلوم والحكمة قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها وقد أوجب الله على خلقه الاستكانة لعلي (عليه السلام) بقوله: (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وسَنـزيدُ الْمُحْسِنِينَ) أي الذين لا يرتابون في فضل الباب وعلو قدره وقال في موضع آخر: (وأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) يعني الأئمة عليهم السلام الذين هم بيوت العلم ومعادنه وهم أبواب الله ووسيلته والدعاة إلى الجنة والأدلاء عليها إلى يوم القيامة. فهم عليهم السَّلام الأبواب والبيوت كما يشير إليه حديث الإحتجاج عن الكوّا قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): نحن البيوت التي أمر الله أنْ تؤتى من أبوابها، فنحن أبواب الله وبيوته. ومعنى الباب هو:ما يُدخل منه إلى شيء خارجي أو معنوي، وكونهم أبواباً إلى المعاني والمعارف والتوحيد كما يشير إليه حديث جابر عن مولانا الإمام السّجّاد (عليه السلام) قال: يا جابر أوتدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلاً، ثمّ معرفة المعاني ثانياً، ثمّ معرفة الأبواب ثالثاً. ولا ريب في أنهم أبواب للعلوم كلّها كما نطقت به الأخبار المتواترة. وأمّا كونهم أبواب تحصيل تلك المعارف والحالات المعنويّة، فيشهد لها العلم والوجدان، فمن الناحية العلمية فظاهر أنهم عليهم السّلام بيّنوا كيفيّة السلوك إليها، ومن الناحية الوجدانيّة فإنّ تحصيل الحقائق الواقعيّة لا تتمّ إلاّ بهم عليهم السَّلام كما تشهد به التجربة عند المخلصين من الشيعة. أمّا الناحية الأولى (الناحية العلميّة على إثبات كونهم أبواباً لتحصيل المعارف) فقد دلّت عليها الآيات والأخبار، أمّا الآيات فقوله تعالى:(أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم) (يا أيها الّذين آمَنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، (ومَن يتول الله ورسوله والّذين آمَنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون). هذه الآيات فيها دلالة على أنّ مَن أطاع الصادقين أولي الأمر وعمل بأوامرهم كان من الفائزين من الناحية العلميّة والرّوحية والفكريّة. أمّا الأخبار فكثيرة تقدّم منها ما ورد من أنهم البيوت التي أمر الله أنْ يؤتى من أبوابها. وأمّا الناحية الوجدانيّة الدالّة على أنهم أبواب الله لتحصيل المعارف والحالات المعنويّة، فببيان: أنهم حقيقة الأسماء الحسنى لله تعالى وأنها وسعت كلّ شيء بما لها سعة في حدّ نفسها. ومن المعلوم أنّ جميع الموجودات، خصوصاُ الأرواح لا تصل إلى الكمال إلاّ بالأسماء، ولما كانت هي أنفسهم الشريفة، فلا محالة تكون الكمالات بهم عليهم السَّلام، فهم عليهم السَّلام الواسطة بين حقائق تلك الأسماء وبما لها من السّعة، وبين الموجودات الخارجيّة والأرواح الكائنة في صراط الكمال، كلٌّ على حسبه، فتلك الجهة الواسطيّة هي المعبَّر عنها بكونهم أبواباً لنيلها. وهذا المقام من شؤون ولايتهم التكوينيّة وهي مقام السفارة الإلهيّة والترجمان الإلهي ومقام الإفاضة من عالم الإطلاق الأسمى إلى عالم الموجودات الخارجي التكويني، وإلى هذا كلّه أُشير في الزيارة قوله: "إرادة الرّبّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم". وبعبارة أخرى: هم باب الله إلى الخلق بمعنى أنّ القوابل المهيئة والماهيات الإمكانيّة تكون حياتها وجميع ما لها من ربّها، وتقبلها لتلك الفيوضات والمعارف، فهم أبواب الخلق من الله إليهم،فحقائق الإيمان تتحقق في القلوب بإفاضاتهم عليهم السَّلام كما أشار إليه أيضاً قوله (عليه السلام) لأبي خالد الكابلي لمّا سأل مولانا الإمام أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله عزّ وجلّ: (فآمِنوا بالله ورسوله والنور الّذي أنـزلنا) قال (عليه السلام): يا أبا خالد: النور والله الأئمّة من آل محمّد يوم القيامة، وهم نور الله الّذي أنـزل، وهم نور الله في السّماوات والأرض، والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورُهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد لا يحبّنا عبدٌ ويتولانا حتى يطهّر الله قلبه ولا يطهّر اللهُ قلبَ عبدٍ حتى يسلم لنا، ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب، وآمَنَهُ من فزع يوم القيامة الأكبر.(1) وبالجملة: إنّ حقائق الإيمان قائمة بهم ولا تكون لأحد مهما علا شأنه سواء أكان نبيّاً أم ولياً إلاّ بإفاضاتهم عليهم السَّلام فمن الناحية التكوينية لا ينال أحد شيئاً إلاّ بهم. وقد جاء في الأخبار المستفيضة بأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الّذي يمير العلم للمؤمنين، والّذي يدلّ أيضاً على كونهم أبواباً وواسطة لنيل تلك الحقائق: إنّ العلماء والكاملين من المؤمنين والأبدال وغيرهم إنما استفادوا تلك المقامات منهم عليهم السَّلام. فصفة الإيمان والولاية لا تقوم إلاّ بالموصوف ـ أي بما ذكروه عليهم السَّلام من الصفات التي يجب أنْ يتصف بها الشيعة من التقوى والتواضع والخشوع والأمانة وصدق الحديث وكثرة ذكر الله، والفرع لا يتحقق إلاّ بالأصل، وهم عليهم السَّلام في جميع ذلك أبوابه فلا يوجد الإيمان إلاّ بهم عليهم السَّلام ولا تتحقق هذه الصفات في شيعتهم إلاّ من خلالهم عليهم السَّلام، ولا يصعد أحد بعمله إليه تعالى إلاّ بواسطتهم، ولا يقبل الله أعمالهم إلاّ بهم عليهم السَّلام، فقلوب الأنبياء والمرسَلين والملائكة المقرَّبين والشهداء والصالحين وكلّ ساكن ومتحرّك وكلّ رطب ويابس، وكلّ مقبل بإقباله، إلى ما هنالك من سبيل الخير، وعاء لإفاضاتهم عليهم السَّلام كُلٌّ بحسب قابليته واستعداده. جعلنا الله لهم ومعهم وإليهم، ومن مواليهم وشيعتهم ومتبعيهم والعاملين بأمرهم والمنتهين بنهيهم في الدنيا والآخرة بمحمّد وآله. قال (عليه السلام): "أُشهِدُ اللهَ وأُشهِدُ ملائكته وأُشهدكَ يا مولاي بهذا ظاهرُهُ كباطنه، وسرُّه كعلانيته، وأنتَ الشّاهدُ على ذلك وهو عهدي إليكَ وميثاقي لديك". الشهادة هي حضور المشهود به عند الشاهد، والشهادة على قسمين: تارةً هي شهادة حسيّة وأخرى قلبيّة. والمراد هنا الشهادة القلبية، والشهيد من أسمائه تعالى وهو الّذي لا يغيب عنه شيء، والشهيد هو العالِم بالأمور والأشياء. وأُشهدُ اللهَ أي أجعلُ اللهَ حاضراً على أعمالي وأقوالي، وكذا أُشهد الملائكة وأُشهدك يا مولاي حيث أنتَ حاضر، تعلم جزئيات أعمالي وأقوالي، وهذه شهادتي فيكَ يا سيّدي ظاهراً وباطناً، وسرّاً وعلانيةً، وأنتَ الشاهدُ والحاضر والعالِم بما أقول بسبب ما حباك إياه اللهُ. والّذي أشهدتُكَ عليه هو عهدي إليك أي ما أسررتُهُ إليكَ هو ما أوصي نفسي به، وكذا هو ميثاقي الّذي أوثِق نفسي به أيضاً تجاهك. وأمّا كونه شاهداً، فهي قضيّة قياساتها معها عند الشيعة الإماميّة لما ورد في الأخبار المتواترة من أنهم عليهم السَّلام وجدّهم رسول الله محمّد الشهود والشهداء على الخلق بأجمعه، مضافاً إلى الآيات الدّالّة على ذلك، منها قوله تعالى: (أفمَن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه) (هود/17)، ويشهد لهذا الأخبار القطعيّة المفسِّرة لها بأمير المؤمنين (عليه السلام) وآل بيته الطاهرين، منها: (1) ـ ما رواه الصفّار بإسناده إلى أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين : والله ما نزلت آية في كتاب الله في ليلٍ أو نهار إلاّ وقد علمت فيمن نزلت ولا مرّ على رأسه المواسى إلاّ وقد أنزلت عليه آية من كتاب الله تسوقه إلى الجنّة أو إلى النار، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك؟ قال له: أما سمعتَ الله يقول: (أفمَن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه) فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم على بيّنة من ربّه وأنا شاهدٌ له فيه وأتلوه معه.(2) (2) ـ وفي تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:(أفمَن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمةً) فقال الإمام الصّادق (عليه السلام): إنما أنزل (أفمَن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى).(3) (3) ـ قال أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد الأصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا الصباح بن يحيى المزني عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله قال: قدم رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم: الذي كان على بينة من ربه وأنا الشاهد له ومنه والذي نفسي بيده ما أحد جرت عليه المواسي من قريش إلا وقد أنزل الله فيه من كتابه طائفة والذي نفسي بيده لأن يكونوا يعلمون ما قضى الله لنا أهل البيت على لسان النبي الأمي أحب إلي من أن يكون لي ملء هذه الرحبة ذهبا والله ما مثلنا في هذه الأمة إلا كمثل سفينة نوح أو كباب حطة في بني إسرائيل.(4) (4) ـ عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الّذي على بيّنة من ربّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم والّذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد.(5) (5) ـ عن جابر بن عبد الله بن يحيى قال: سمعتُ عليّاً وهو يقول: ما من رجلٍ من قريش إلاّ وقد أنزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله، فقال له رجل من القوم: فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما تقرأ الآية التي في الهود (أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهد منه) محمّد صلّى الله عليه وآله وسلَّم على بيّنة من ربّه، وأنا الشاهد.(6) ومن الآيات قوله تعالى: (إنّا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم) (المزمل:15). (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (الرّعد/43). (فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد) (النساء/41). وغيرها من الآيات الدالة على وجود شهداء لديهم العِلْم الحضوري وليس شهداء يُقتلون في سبيل الله؛ لأنّ المراد بالشهادة هنا الحضور الدائم والعِلْم الإلهي، وقد فصّلنا ذلك في كتاب: "شبهة إلقاء المعصوم (عليه السلام) نفسه في التهلكة ودحضها"، فراجع تغنم. قال (عليه السلام): "إذ أنتَ نظام الدّين ويعسوب المتقين وعزُّ الموحّدين ". كيف لا أعطيك عهدي ومواثيقي وأنتَ نظام الدّين أي أنتَ الخيط الّذي يُنْظم فيه اللؤلؤ ونحوُه أو أنتَ الطريقة التي بها تنتظم أمور الدّين، كما إنّك يعسوب المتقين أي رئيسهم وكبيرهم وقائدهم تماماً كما هو يعسوب النحل أي ملكة النحل التي تصدّر الأوامر لجندها وأعوانها، فأرجو يا سيّدي أنْ تصدّر الأوامر كي أطبق منهاجك وطريقتك، فأنتَ قائدي ومرشدي، وأمّا غيري فقائدهم يسوقهم إلى تثبيت شهواته وتوطيد مصالحه فلا تجعلني يا سيّدي من أولئك الّذين يجعلون غيركَ قِبْلَةً لأعمالهم، فإن من كان بهذا المستوى فإنه خاسر وهالكٌ لا محالة. ولستَ فقط يعسوب الدّين بل إنّكَ عزُّ الموحِّدِين بكَ يتعززون وبكَ ينتصرون، وبكَ يفرحون، وبكَ يعرجون إلى الله ويستفيضون. فإذا عملت بوصاياكَ وأوامركَ وطبّقْتُها على حياتي أكون شهيداً معكَ، وأحيا بحياتك وأنتصرُ بقربي منكَ، وأبتهجُ برضاكَ عنّي ودعائكَ لي. فإذا وصلتُ إليكَ فهو وعزَّتكَ قرّة عيني ومنتهى رضاي وغاية أملي. قال (عليه السلام): "وبذلك أمرني ربّ العالَمين". أي إذا وصلتُ أنا إلى مقامٍ أعتقد فيه أنّكَ مراقِبي وتعرِفُ ضميري وتطّلِعُ على أمالي كلّها، فسوف أكون قد عملتُ بما أوصاني به ربّي؛ "وبذلك أمرني ربُّ العالَمين". ويشهد لهذا ما ورد في الأخبار المتواترة الدّالّة على وجوب طاعة العباد للأئمّة عليهم السَّلام، منها ما أورده الكليني عليه الرّحمة بإسناده: (1) ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرّحمن تبارك وتعالى الطّاعة للإمام بعد معرفته، ثمّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: (من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً). (2) ـ الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلّى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبان بن عثمان عن أبي الصّبّاح قال: أشهد أنّي سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: أشهد أنّ عليّا إمام فرض اللّه طاعته،و أنّ الحسن إمام فرض اللّه طاعته،و أنّ الحسين إمام فرض اللّه طاعته،و أنّ عليّ بن الحسين إمام فرض اللّه طاعته، وأنّ محمّد بن عليّ إمام فرض اللّه طاعته. (3) ـ الإسناد عن معلّى بن محمّد عن الحسن بن عليّ قال:حدّثنا حمّاد بن عثمان عن بشير العطّار قال:سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: نحن قوم فرض اللّه طاعتنا وأنتم تأتمّون بمن لا يعذر النّاس بجهالته. (4) ـ محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: (وآتيناهم ملكاً عظيماً) قال: الطّاعة المفروضة. (5) ـ عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن أبي خالد القمّاط عن أبي الحسن العطّار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: أشرك بين الأوصياء والرّسل في الطّاعة. (6) ـ أحمد بن محمّد عن محمّد بن أبي عمير عن سيف بن عميرة عن أبي الصّبّاح الكنانيّ قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): نحن قوم فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الرّاسخون في العلم، ونحن المحسودون الّذين قال اللّه: (أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله). (7) ـ أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قولنا في الأوصياء: إنّ طاعتهم مفترضة، قال: فقال: نعم، هم الّذين قال اللّه تعالى: (أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم) وهم الّذين قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا). (8) ـ وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد عن معمّر بن خلاّد قال: سأل رجل فارسيّ أبا الحسن (عليه السلام) فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم قال: مثل طاعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال: نعم. (9) ـ وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الأئمّة هل يجرون في الأمر والطّاعة مجرى واحد؟ قال: نعم. (10) ـ وبهذا الإسناد عن مروك بن عبيد عن محمّد بن زيد الطّبريّ قال كنت قائما على رأس الرّضا (عليه السلام) بخراسان وعنده عدّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العبّاسيّ فقال يا إسحاق بلغني أنّ النّاس يقولون: إنّا نزعم أنّ النّاس عبيد لنا لا وقرابتي من رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم ما قلته قطّ ولا سمعته من آبائي قاله ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله ولكنّي أقول النّاس عبيد لنا في الطّاعة موال لنا في الدّين فليبلّغ الشّاهد الغائب. (11) ـ عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السّنديّ عن جعفر بن بشير عن أبي سلمة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: نحن الّذين فرض اللّه طاعتنا لا يسع النّاس إلاّ معرفتنا ولا يعذر النّاس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمناً ومن أنكرنا كان كافراً ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاّ حتّى يرجع إلى الهدى الّذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء. (12) ـ عليّ عن محمّد بن عيسى عن يونس عن محمّد بن الفضيل قال: سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ قال: أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر قال أبو جعفر (عليه السلام): حبّنا إيمان وبغضنا كفر. (13) ـ محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى عن فضالة بن أيّوب عن أبان عن عبد اللّه بن سنان عن إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أعرض عليك ديني الّذي أدين اللّه عزّ وجلّ به قال: فقال: هات قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند اللّه وأنّ عليّا كان إماماً فرض اللّه طاعته ثمّ كان بعده الحسن إماماً فرض اللّه طاعته ثمّ كان بعده الحسين إماماً فرض اللّه طاعته ثمّ كان بعده عليّ بن الحسين إماماً فرض اللّه طاعته حتّى انتهى الأمر إليه ثمّ قلت: أنت يرحمك اللّه قال: فقال: هذا دين اللّه ودين ملائكته. (14) ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي حمزة عن أبي إسحاق عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اعلموا أنّ صحبة العالم واتّباعه دين يدان اللّه به وطاعته مكسبة للحسنات ممحاة للسّيّئات وذخيرة للمؤمنين ورفعة فيهم في حياتهم وجميل بعد مماتهم. (15) ـ محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ اللّه أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون باللّه قال: صدقت قلت: إنّ من عرف أنّ له ربّا فقد ينبغي له أن يعرف أنّ لذلك الرّبّ رضا وسخطا وأنّه لا يعرف رضاه وسخطه إلاّ بوحي أو رسول فمن لم يأته الوحي فينبغي له أن يطلب الرّسل فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة وأنّ لهم الطّاعة المفترضة فقلت للنّاس أليس تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم كان هو الحجّة من اللّه على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى صلّى الله عليه وآله وسلَّم من كان الحجّة؟ قالوا: القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدريّ والزّنديق الّذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرّجال بخصومته فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم فما قال فيه من شيء كان حقّاً، فقلت لهم: من قيّم القرآن؟ قالوا: ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم، قلت: كلّه؟ قالوا: لا، فلم أجد أحداً يقال إنّه يعلم القرآن كلّه إلاّ عليّاً صلوات اللّه عليه وإذا كان الشّيء بين القوم فقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا أنا أدري فأشهد أنّ عليّاً (عليه السلام) كان قيّم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على النّاس بعد رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأنّ ما قال في القرآن فهو حقّ فقال: رحمك اللّه فقلت: إنّ عليّاً (عليه السلام) لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأنّ الحجّة بعد عليّ الحسن بن عليّ وأشهد على الحسن أنّه لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك أبوه وجدّه وأنّ الحجّة بعد الحسن الحسين وكانت طاعته مفترضة فقال: رحمك اللّه، فقبّلت رأسه وقلت: وأشهد على الحسين (عليه السلام) أنّه لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده عليّ بن الحسين وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك اللّه، فقبّلت رأسه وقلت: وأشهد على عليّ بن الحسين أنّه لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده محمّد بن عليّ أبا جعفر وكانت طاعته مفترضة فقال: رحمك اللّه، قلت: أعطني رأسك حتّى أقبّله فضحك، قلت: أصلحك اللّه قد علمت أنّ أباك لم يذهب حتّى ترك حجّة من بعده كما ترك أبوه وأشهد باللّه أنّك أنت الحجّة وأنّ طاعتك مفترضة فقال: كفّ رحمك اللّه قلت: أعطني رأسك أقبّله فقبّلت رأسه فضحك وقال: سلني عمّا شئت فلا أنكرك بعد اليوم أبداً. (16) ـ محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن خالد البرقيّ عن القاسم بن محمّد الجوهريّ عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال: نعم، هم الّذين قال اللّه عزّ وجلّ: (أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم) وهم الّذين قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون). الهوامش (1) أصول الكافي:1/194ح14. (2) تفسير نور الثقلين:2/34ح37. (3) تفسير نور الثقلين:2/345ح38. (4) أمالي الشيخ المفيد:145، المجلس السادس عشر. (5) تفسير العياشي:2/152ح12. (6) نفس المصدر:2/153ح13. ****************** (17) ـ عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس بن عبد الرّحمن عن حمّاد عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: السّمع والطّاعة أبواب الخير، السّامع المطيع لا حجّة عليه والسّامع العاصي لا حجّة له وإمام المسلمين تمّت حجّته واحتجاجه يوم يلقى اللّه عزّ وجلّ ثمّ قال: يقول اللّه تبارك وتعالى: (يوم ندعوا كلّ أناس بإمامهم). قال (عليه السلام): "فلو تطاولت الدّهور وتمادَتْ الأعمار لم أزدَد فيكَ إلاّ يقيناً ولكَ إلاّ حبّاً وعليكَ إلاّ متَّكِلاً ومعتمِداً ولظهوركَ إلاّ متوقِّعاً ومنتظِراً، ولجهادي بين يديكَ مترقِّباً، فأبذُلُ نفسي ومالي وأهلي وجميع ما خوّلَني ربّي بين يديكَ، والتصرُّف بين أمركَ ونهيكَ". ومعنى الفِقرة المبارَكة هو: يا سيّدي لو امتدّتْ الدّهور وطالت الأعمار أي لو وهبني اللهُ العمرَ وعشت زمناً مديداً فلن آيس منكَ أو من توقُّع ظهورك المبارَك الميمون بل لن أزداد إلاّ يقيناً فيكَ، بل لن أزداد إلاّ حبّاً لكَ، وعليكَ إلاّ متّكِلاً لأنّ الإتكال عليكَ إتكالٌ على القدرة الإلهيّة، والإعتماد عليكَ إعتمادٌ على الذات المقدَّسة، كيف لا، وأنتَ يا سيّدي خزنة القدرة الإلهيّة تُعطي من تشاء وتمنع مَن تشاء، كلٌّ بحسب قابليته وظرفه. وكذا إنني أتوقع ظهورَك المنتظر المبارك غيرُ يائسٍ من ذلك وهذا التوقع والترقب للظهور من خلال ترقب العلامات الدالّة على ظهورك، متلهفاً لخدمتكَ وللجهاد بين يديكَ، وليس مقتصراً حبُّ الجهاد بين يديكَ على شخصي بل إنّ كلَّ من لي ولاية عليه كأولادي وزوجتي وجميع ما ملّكني ربّي من الأموال والقدرات الفكريّة والنفسيّة والإجتماعيّة وغيرها سوف أسخّرها لخدمتكَ، فهي بين يديكَ تتصرّف بها كيفما تشاء بما تشاء هي بين أمرك ونهيكَ. قال (عليه السلام): "مولاي فإن أدرَكْتُ أيّامكَ الزّاهرة وأعلامكَ الباهرة فها أنذا عبدكَ المتصرّف بين أمركَ ونهيك أرجو به الشهادةَ بينَ يديكَ والفوز لديكَ". أي إنني على أمل إنْ أدركتُ ظهوركَ الشريف والإقامة في داركَ المُنيفة الجليلة والسعادةَ في أيامكَ المبارَكة، فها أنذا أوطِّنُ نفسي لأكون لكَ عبداً، تتصرّف به كيفما يحلو لكَ ولا تتصرف إلاّ بما فيه مصلحة للعبد إذ لا يتصرّف من دون إذن سيّده، فهو ـ أي العبد ـ كَلٌّ على مولاه، فأرجو أنْ تقبَلَني للشهادة بين يديكَ والفوز لديكَ إنْ لم أوفَّقْ للشهادة فإنني قطعاً سأُوَفَّق للفوز عندَكَ وهو نُصْرَتُكَ والذود عنك. قال (عليه السلام): "مولاي فإنْ أدركني الموت قبلَ ظهوركَ فإني أتوسّل بكَ وبآبائكَ الطاهرين إلى الله تعالى وأسأله أنْ يصلّي على محمّدٍِ وآل محمّد وأن يجعل لي كرّةً في ظهوركَ ورَجْعَةً في أيّامكَ لأبلُغَ من طاعتكَ مُرادي وأشفي من أعدائكَ فؤادي ". مفاد الجملة المباركة يتضمّن ثلاثة أمور هي: (1) ـ الإنتظار الهادف لا الكسول، بمعنى أنّ على المنتظِر أنْ يعمل بما اراد الله تعالى والحجج منه، بحيث يجعل المنتظر كلّ أفعاله وأقواله تحت إشارة الموالي عليهم السَّلام، فلا يغيب عنه كونهم عليهم السَّلام يرون أعماله ويسمعون أقواله، فيُسرّون إذا شاهدوا منه عملاً صالحاً، ويحزنون إذا رأوا منه عملاً سيئاًُ، كما على المنتظِر أنْ يكون داعية حقٍّ إلى إمام الزمان (عليه السلام)، فيذود عنه كلّ سوءٍ ومكروه في قولٍ أو عمل، كما عليه أنْ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأنّ ذلك إحياءٌ لدينهم ورسالتهم. (2) ـ أنْ يكون المراد من طلب الرّجوع إلى الدنيا بعد ظهوره الشريف لأجل أمرَين مهمَّيْن هما: الأوّل: بلوغ مرادي من طاعتكَ، إذ إنني قبل الظهور كنتُ أتمنى أنْ أكون بقربكَ أطيعُ أوامركَ بحيث امتثلها وأتلقاها شفاهاً منكَ، ولكنّ الموتَ أدركني، فأتمنّى الرّجعة بعد ظهوركَ لأبلُغَ مرادي الّذي كنتُ عليه قبل وفاتي. الثاني: أنْ أشفي فؤادي من الإنتقام من أعدائكَ الّذين كانوا يتربّصون بكَ وبأوليائكَ الدّوائر. وهاتان الفِقرتان تشيران إلى عنصرين مهمَّين هما: الحبّ والبغض في الله تعالى فعنصر الحبّ يساوق بلوغ المراد من طاعتكَ، وعنصر البغض يساوق الإنتقام من أعدائكَ. قال (عليه السلام): "مولاي وقفتُ في زياتكَ موقف الخاطئين النادمين الخائفين من عقاب ربّ العالَمين وقد اتكلتُ على شفاعتكَ ورجوتُ بموالاتكَ وشفاعتكَ محوَ ذنوبي وستر عيوبي ومغفرة زللي ". تشير الفقرة الجليلة إلى أمرين مهمّين يخفيان على أكثر الشيعة هي: الأوّل: أهمية زيارة صاحب الأمر روحي فداه. الثاني: الإتكال على شفاعته. أمّا الأمر الأوّل: فإنّ زيارته والبوح أمام جنابه المقدَّس بالخطأ والندامة وخوف العقاب من الله تعالى من أعظم المستحبّات، إذ على الزائر الخاشع أنْ يعترف يومياً للإمام (عليه السلام) بذنوبه وأنه ارتكب من الأخطاء الفادحة ما يوجب سخط الله وسخط الإمام (عليه السلام) كما إنّ على الزائر أنْ يلتفت إلى نوع الأخطاء التي ارتكبها، فقد تكون نفسيّة كما لو رآءى بعمله أي أتى بالأعمال والأقوال ليراه الآخرون أنه صالح، وقد تكون خارجية كما لو ارتكب الرذائل والفواحش المعروفة. وبالجملة على السالك الزائر أنْ يقرّ عند الزيارة للإمام بأخطائه التي ارتكبها كلّ يوم وليلة. وأمّا الامر الثاني: فإنّ هذه الأخطاء بحاجة إلى أنْ يغفرها الله تعالى، ولا يغفرها إلاّ إذا اتكل العبد الخاطئ على شفاعة آل البيت التي هي فضلٌ من الله تعالى على العبد الدّاعي، وليست الشفاعة مخصوصةً بإسقاط العقاب عن العبد المخطئ،بل الشفاعة تكون أيضاً لعلوّ الدرجات، ومهما بلغ الإنسان بالطاعة فهو بحاجة إلى شفاعتهم، حتى الأنبياء فإنهم بحاجة إلى شفاعة آل البيت عليهم السَّلام. وما ادّعاه السيّد محمّد حسين فضل الله في جريدة البينات العدد الصادر في 22/جمادى الثانية/1418 هـ ناقلاً عن النووي في خلاصة الأذكار وكذا ما رواه الشيخ المهاجر في كتابه "إعلموا أني فاطمة:1/735" عن مولاتنا الزهراء قالت: دخل عليَّ أبي رسول الله وإني قد افترشتُ الأرض وأردتُ أنْ أنام فقال: يا فاطمة: لا تنامي حتى تعملي أربعة اشياء: حتّى تختمي القرآن وتجعلي الأنبياء شفعاءَكِ وتجعلي المؤمنين راضين عنكِ وتعملي حجة وعمرة، فقالت:يا رسول الله امرت بأربعة أقدر عليها في هذا الحال! فتبسّم صلّى الله عليه وآله وسلَّم وقال: إذا قرأتِ قل هو الله أحد ثلاث مرّات فكأنّكِ ختمتِ القرآن، وإذا صليتِ عليَّ وعلى الأنبياء قبلي كُنّا شفعاءَك يوم القيامة،وإذا استغفرتِ للمؤمنين رضوا كلُّهم عنكِ، وإذا قلتِ: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر فقد حججتِ واعتمرتِ. هذه الدّعوى مخالفة للقرآن والأخبار الصحيحة. أمّا مخالفتها للقرآن فقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيراً) حيث إنّ الآية نفت عنها الرّجس الّذي هو الذنوب والخطايا، فاحتياجها للشفاعة يستلزم وجود رجسٍ فيها، وهو خلف كونها طاهرة مطهَّرة. وأمّا مخالفتها للأخبار، فلأنّ هذا الخبر الّذي رواه النووي ـ وهو من علماء العامّة ـ شاذ في مقابل رواياتنا الصحيحة الدالّة على علوّ شأنها وأنها سّيّدة نساء العالَمين وأنها سيّدة نساء أهل الجنّة. فهذا الخبر الشاذ مخالف حتى للأخبار عند العامّة والتي دلّت أنّ الصدّيقة سيّدة نساء أهل الجنّة، ومعلوم أنّ كونها سيّدة نساء أهل الجنة يستلزم عصمتها وطهارتها بقرينة أنّ مريم معها، ومعلومٌ أنّ مريم طاهرة ومعصومة فهي سيّدة على مريم المعصومة وحواء المعصومة عليهنّ السَّلام. فإنْ قيل: إنّ مراد هذين الرّاويَيْن هو خطاب إياكَ أعني واسمعي يا جارة، أي أنّ النبي خاطب ابنته بهذا الخطاب لكنه يقصد غيرها. قلنا: على الرّاويَيْن أنْ يأتيا بقرينة تشرح أنّ عليه أنْ يقول للناس: إنّ النبيّ خاطب ابنته بهذا الخطاب لكنه أراد غيرها من الأمّة. إنْ قيل: إنّ مرادهما من الشفاعة هي الشفاعة الكماليّة (أي المخصوصة لعلوّ الدّرجات) دون قسيمها وهو إسقاط العقاب. قلنا: حتى هذا الصنف من الشفاعة منفيٌّ عنها للإطلاق في آية التطهير، إذ التطهير والكمال الواردين في الآية، مضافاً إلى الأخبار المتواترة الدّالّة على علوّ شأنها وأنّ الأنبياء داروا على معرفتها وأنه لولا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) لم يكن لها كفوٌ إلى يوم القيامة وغيرها من الإطلاقات والعمومات الدّالّة على رفعة مقامها حتى على الأنبياء والمرسَلين لكونها نفس رسول الله ونفس أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وهما أفضل من المرسَلين قاطبةً، فتأمّل. قال (عليه السلام): "فكن لوليّكَ يا مولاي عند تحقيق أمله، واسأل الله غفران زللـه فقد تعلّق بحبلكَ وتمسّكَ بولايتكَ وتبرّأ من أعدائكَ". بعد الإعتراف بالخطأ والإقرار بالذنب والطّلب من الإمام (عليه السلام) العفو عمّا بدر من السالك، يأمل الدّاعي والزائر هنا أنْ يحقق الإمام (عليه السلام) أمله من الصفح والعفو وذلك لأمرين: الأوّل: لأنّ الداعي مستمسك بحبل الإمام وبولايته لا يعدل عنه بدلاً. الثاني: لأنّ الداعي متبرئ من أعداء الإمام (عليه السلام) سِلمٌ لمَن سالمه، وعدوٌّ لمَن عاداه. لذا قال في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) "زيارة عاشوراء" (إني سلمٌ لمَن سالمكم وحربٌ لمَن حاربكم ووليٌّ لمَن والاكم وعدوٌّ لمَن عاداكم فاسأل الله الّذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أنْ يجعلني معكم في الدّنيا والآخرة...). وبالجملة؛ فإنّ موالاتهم ومعاداة أعدائهم شرط في تثبيت القدم عند آل البيت في الدنيا والآخرة. ***** قال (عليه السلام): "اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآله وأنجز لوليّكَ ما وعدْتـَه اللهم أظهِر كلمته وأعْلِ دعوته وانصُرْهُ على عدوّه وعدوّكَ يا ربّ العالَمين". بعد طلب الزائر من الإمام الصفح عنه وأنْ يجعله من المرحومين بشفاعته، يشرع في الدّعاء للإمام (عليه السلام) بالطلب من الله تعالى أنْ ينجز ويحقق ما وَعَدَ به الإمام المهديّ (عليه السلام) من إظهار كلمته وإعلاء وارتفاع دعوته والنّصر على أعدائه من الخاصّة والعامّة. قال (عليه السلام): "اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد وأظهِر كلمتكَ التامّة ومغيَّبِكَ في أرضكَ الخائف المترقِّب اللهمّ انصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً يسيراً، اللهمّ وأعزّ به الدّين بعد الخمول، وأطلع به الحقّ بعد الأفول، وأجْلِ به الظُّلْمَة، واكشِفْ به الغمّة اللهمّ وآمِنْ به البلاد، واهدِ به العباد، اللهمّ املأ به الأرض عدلاْ وقسطاً كما مُلِئَتْ ظلماً وجوراً إنّكَ سميعٌ مجيب...". تناول هذا المقطع الشريف عدّة أمور يجب على الزائر الإلتفات إليها هي كالآتي: (1) ـ إنّ الإمام (عليه السلام) هو الكلمة التامّة لله تعالى، والمراد من الكلمة هو الإرادة الإلهيّة لقوله تعالى: (إنما أمره إذا اراد شيئاً أنْ يقول له كن فيكون) (يس/82)، (فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (غافر/68). فهم عليهم السَّلام أمره وإرادته، والأمر متأخر عن الإرادة، فالإرادة هي الأوّل، والأمر هو الثاني، فهم عليهم السَّلام الأوّل والآخر، والأمر ظاهر، والإرادة باطن، فهم عليهم السَّلام الظاهر والباطن. (2) ـ الطّلب من الله أنْ يُظهر هذا المغيَّب عن عامّة الناس خوفاً من أنْ يقتلوه، فعلى الدّاعي أنْ يجعل نفسه في مصافّ المخلصين حتى يطمئن الإمام (عليه السلام) منه ويستريح إليه، وإلاّ فما دمنا غير مخلصين له، يستلزم غيابه عنا وخوفه منا. (3) ـ الطّلب من الله تعالى أنْ ينصره ويفتح على يديه فتحاً يسيراً أي واضحاً ولا لبسَ فيه، والدعاء له بالنصر لازم لكنْ ليس معناه أنّ الله لا ينصره إذا لم ندع له، كلاّ، ولكنه عزّ وجلّ أمرنا بالدّعاء له بطلب النصر، لأنّ الطلب له بالنصر هو في واقعه أنْ نكون من أولئكَ الّذين يحققون إرادة الله من خلال الأسباب الطبيعيّة في نصرته والذود عنه. (4) ـ الطلب من الله أنْ يعزّ بالإمام الدين بعد الخمول والكسل، مما يعني عدم الإعتناء بالحالة الإيمانيّة العامّة التي يتصف بها المؤمنون قبل الظّهور، مما يعني أنّ هذه الحالة لا تعبّر عن إرادة الإمام المهديّ (عليه السلام) ولا تسلك طريقه القويم، وإلاّ فلو سلكت طريقه لصار الدّين نشطاً لا خاملاً وكسولاً في أفئدة أتباعه، كما إنّ الحقّ يكون قبل ظهوره آفلاً وزائلاً وبعيداً عن النفوس التي تدّعي أنها مؤمنة به وبدينه، بل إنّ الكون مُظلِمٌ بعدم ظهوره، والنفوس منكدرة لعدم اتصالها بمعينه ووردِهِ. (5) ـ إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو الذي يكشف الغُمّة والشدّة والضّيق الحاصل على العباد والبلاد، فما لم يتوجّه إليه العباد فلا يتوقع الفرج واليسر (ادعوني أستجب لكم) فما لم يدعُ الإنسان لا يستجاب له، بل عليه أنْ يدعو حتى يستجاب له، وعليه أنْ يتوسّل حتى يُنظر إليه نظرةً رحيمةً ملؤها الحنان والرّحمة، فالتوسّل به ـ روحي فداه ـ أمانٌ من الشدّة والضيق، وفرجٌ وهداية، يهدي به ـ أي بالإمام ـ مَن اتبع رضوانه سُبُل السلام، يخرجهم من ظلمات الحيرة إلى نور الولاية والتوحيد، التوجه إلى الإمام (عليه السلام) يرفع البلاء، ويحفظ البلاد، ويهدي العباد إلى الألطاف الرحيمة والعلم النافع والعمل الصالح والجنة والرّضوان. التوجّه إلى الإمام (عليه السلام) يجعلك هادياً مهدياً وسراجاً عَلْوياً. (6) ـ إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو الّذي يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، مما يدلّ على أنّ أكثر المنتسبين إليه (عليه السلام) بالعقيدة ظالمون منحرفون عن خطّه الشريف وقد تخطى الظلمُ من نفوسهم إلى غيرهم، ولا يرفع هذا إلاّ مولانا الإمام الحجّة بن الحسن المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف. والحمد لله ربّ العالَمين والصّلاة والسَّلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسًلين سيّدنا محمّد وآله الميامين المطَهَّرين عليهم السَّلام