بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
المنتظر والمنتظرون تأليف: السيدة أم مهدي تفهرست الموضوعات 1الامام المهدي معلم الشيعة 2الامام المهدي يسدد ويصوب حركة الشيعة 3الشيخ المفيد والفتوي 4استنساخ لكتاب عن العلامة الحلي 5الامام المهدي يرعي امور الشيعة 6الامام المهدي والشيخ الصدوق 7الامام المهدي يعين الشيخ الانصاري مرجعا 8الامام المهدي شفي الكثير من الشيعة من امراضهم 9شفاء الحر العاملي ببركة صاحب الزمان 10شفاء الفقيه نجم الدين بن جعفر الزهدري علي يد الامام المهدي 11رؤية الامام المهدي 12علة غيبة الامام المهدي 13الظهور والخروج 14لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة 15الخوف من القتل قبل تحقق الهدف 16اختبار الناس وتمحيصهم 17فلسفة التمحيص والاختبار 18فلسفه التمحيص علي نطاق المجتمع 19فلسفة التمحيص والاختبار علي نطاق الفرد 20تجري في الامام المهدي سنن الانبياء 21خروج المؤمنين من اصلاب الكافرين 22وصول جميع اصناف الناس الى الحكم 23تكليف الموالي في عصر الغيبة 24شروط الانتظار 25الاهداء 26تقديم الشيخ جعفر السبحاني 27المقدمة 28المستقبل السعيد للبشرية 29في الفكر المادي 30في العلم التكنيكي الحديث 31في الفكر القانوني 32في الاديان الالهية 33في التوراة 34في الانجيل 35في القرآن 36من هو المهدي المنتظر؟ 37المهدي في الاديان السماوية 38المهدي في الاسلام 39المهدي 40القائم 41المنتظر 42صاحب الامر 43الحجة 44والدة الامام المهدي 45المهدي في ولادته 46المهدي في أوصافه 47متي وكيف واين غاب الامام المهدي؟ 48الغيبة الصغري 49الغيبة الكبري 50الانتفاع به في غيبته 51معجزة الاستتار 52وجه الانتفاع بالامام الغائب 53وجه الشبه بين ضرورة وجود الشمس وضرورة وجود الامام 54وجه الشبه بين الشمس المستورة خلف السحاب والامام الغائب 55معلم موسى 56الدعوة السرية لنبي الاسلام 57موسي غاب اربعين يوما عن الانظار 58سجن يونس في بطن الحوت 59وجوده سبب لبقاء الرسالة 60صيانة التعاليم الالهية 61اعداد مجموعه المنتظرين الواعين 62النفوذ الروحي واللاارادي 63العلم والتهذيب 64العمل علي معرفة الامام 65الارتباط بالمنتظر المهدي واحساس الحضور 66التوسل بالامام المهدي 67الدعاء لتعجيل ظهوره 68اسلوب وكيفية الدعاء 69ادعية الفرج 70الصلوات مع عجل فرجهم 71اللهم كن لوليك 72دعاء الندبه 73زياره آل ياسين 74آثار الدعاء لتعجيل ظهور الامام 75الازمنة والامكنة التي يتكد فيها الدعاء 76رسالة الامام للشيعة 77خدمة الامام المهدي 78هداية الناس وتعليمهم 79التبليغ للامام المهدي 80مراتب الاخلاص في الانتظار 81شوقا للنعيم 82شوقا للمعنويات 83شوقا لاعلاء كلمة الله 84كيف يتم اختيار اصحاب الامام المهدي وانصاره؟ 85الفرق بين الاصحاب والانصار 86اوصاف الاصحاب والانصار 87شدة الايمان 88كثرة العباده 89اصحاب قوة 90طاعتهم للامام 91وضوح شعارهم 92القدرة غير العادية 93علائم ظهور الامام المهدي 94فساد المجتمع البشري 95الرجال في آخر الزمان 96النساء في آخر الزمان 97العلائم الخاصة 98العلائم غير الحتمية 99السيد الحسني الهاشمي 100الكسوف والخسوف 101الحرب العالمية الثالثة 102العلائم المحتومة 103الصيحة السماوية 104السفياني 105اليماني 106الخسف بالبيداء 107النفس الزكية 108ظهور الامام المهدي 109الفرق بين الظهور والقيام 110كيفية ظهور الامام وقيامه 111خطبة الامام المهدي حين القيام 112شرح بعض كلمات الخطبة 113انجازات الامام المهدي بعد القيام 114اعادة المسجد الحرام الى ما كان عليه 115اعادة مقام ابراهيم الى موضعه الأول 116أولوية الطواف الواجب علي المستحب 117هدم مسجد النبي 118في الكوفة 119هدم مساجد الكوفة 120بناء كبر مسجد في العالم 121قتل الدجال في الكوفة 122القضاء علي السفياني 123نزول عيسي بن مريم من السماء 124مميزات دولة الامام المهدي 125ثورة المهدي والحكومة الواحدة 126دولة عالمية واحدة 127تكامل العقل والفكر الانساني 128التحول العظيم في العالم 129ظهور العلم الواقعي في العلوم الدينية 130ازدهار الحياة الاقتصادية 131انتشار الأمن علي الأرض 132يقضي بعلمه الشخصي 133مدة حكم الامام 134برنامج المنتظر في زمن الغيبة 135الجدول البياني للبرنامج اليومي والاسبوعي ****************** الامام المهدي معلم الشيعة قال العلامه المجلسي في بحار الانوار: اخبرني جماعه عن السيد الفاضل امير علام قال: كنت في بعض الليالي في صحن الروضه المقدسه بالغري علي مشرفها السلام وقد ذهب كثير من اليل، فبينما انا اجول فيها اذ رايت شخصا مقبلا نحو الروضه المقدسه فاقبلت اليه، فلما قربت منه عرفت انه استاذنا الفاضل العالم التقي الذكي مولانا احمد الاردبيلي قدس الله روحه. فاخفيت نفسي عنه حتى اتي الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله اليه ودخل الروضه، فسمعته يكلم كانه يناجي احدا، ثم خرج واغلق الباب، فمشيت خلقه حتى خرج من الغري وتوجه نحو مسجد الكوفه، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار الى المحراب الذي استشهد امير المؤمنين عليه السلام عنده ومكث طويلا ثم رجع وخرج من المسجد واقبل نحو الغري. فكنت خلفه حتى قرب من الحنانه فاخذني سعال لم اقدر علي دفعه فالتفت الى فعرفني وقال: انت امير علام؟ قلت نعم، قال: ما تصنع ههنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضه المقدسه الى الآن، واقسم عليك بحق صاحب القبر ان تخبرني بما جري عليك في تلك اليله من البدايه الى النهايه. فقال: اخبرك علي ان لا تخبر به احدا ما دمت حيا، فلما توثق ذلك مني قال: كنت افكر في بعض المسائل وقد اغلقت علي، فوقع في قلبي ان آتي امير المؤمنين عليه السلام واساله عن ذلك، فلما وصلت الى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رايت، فدخلت الروضه وابتهلت الى الله تعالى في ان يجيبني مولاي عني ذلك، فسمعت صوتا من القبر: ان ائت مسجد الكوفه وسل من القائم عليه السلام فانه امام زمانك، فاتيت عند المحراب وسالت عنها واجبت، وها انا ارجع الى بيتي.(1) الامام المهدي يسدد ويصوب حركة الشيعة عده حوادث جرت مع بعض علمائنا تلفت الى ان الامام المهدي عليه السلام يراقب حركتهم ويتدخل عند الحاجه. الشيخ المفيد والفتوي سئل الشيخ المفيد ذات يوم عن امراه حامل ماتت فهل تدفن مع ولدها ام يجب اخراجه منها؟ فظن ان الولد ميت في بطنها فقال: لا حاجه لفصله عن امه بل يجوز ان يدفن معها وهو في بطنها. فلما حملت الى قبرها اتي النسوه آت وقال: ان الشيخ المفيد يامر ان يشق بطن الحامل ويخرج الجنين اذا كان حيا منها، ثم يخاط الشق ولا يحل ان يدفن معها فعملت النسوه بما اوحي اليهن. ثم اخبر الشيخ بما وقع فاسقط في يده بانه اخطا في الفتوي واخذ يفكر فيمن انتبه لهذا الخطا فتداركه!!! فسمع هاتفا من خلفه يقول: افد يا مفيد! فان اخطات فعلينا التسديد! فالتفت فلم يبصر احدا، فتيقن ان الهاتف والذي اوحي الى النسوه هو الامام الغائب عجل الله فرجه.(2) استنساخ لكتاب عن العلامة الحلي قال السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمه آيه الله العلامه الحلي قدس سره: ان من جمله مقاماته العاليه انه اشتهر عند اهل الايمان ان بعض علماء اهل السنه ممن تتلمذ عليه العلامه في بعض الفنون الف كتابا في رد الاماميه ويقراه للناس في مجالسه ويضلهم، وكان لا يعطيه احدا خوفا من ان يرده احد من الاماميه، فاحتلال العلامه الحلي رحمه الله في تحصيل هذا الكتاب الى ان جعل تتلمذه عليه وسيله لاخذه الكتاب منه عاريه، فالتجا الرجل واستحيي من رده وقال: اني آليت علي نفسي ان لا اعطيه احدا ازيد من ليله، فاغتنم الفرصه في هذ المقدار من الزمان فاخذه منه واتي به الى بيته لينقل منه ما تيسر منه. فلما اشتغل بكتابته وانتصف الليل غلبه النوم فحضر الحجه عليه السلام وقال: ناولني الكتاب وخذ في نومك. فانتبه العلامه وقد تم الكتاب باعجازه عليه السلام.(3) الامام المهدي يرعي امور الشيعة ورد في رساله الامام المهدي عليه السلام الى الشيخ المفيد قوله: ونحن وان كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مسكن الظالمين حسب الذي ارانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دوله الدنيا للفاسقين، فانا نحيط علما بانبائكم، ولا يعزب عنا شيء من اخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي اصابكم، قد جنح كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد الماخوذ وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون، انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بك اللاواء واصطلمكم الاعداء.(4) ان الامام المهدي عليه السلام موجود بجسده الشريف في هذه الدنيا وهو ينتقل من مكان الى آخر، غايه الامر ان الناس لا يعرفونه انه المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين. وبعض الروايات تشير الى انه عند ظهوره عليه السلام يقول الناس قد رايناه من قبل. والامام عليه السلام ياتي الى الخواص من الشيعه وبكلفهم بتكاليف يترتب عليها مصالح للاسلام وللمسلمين. فهو عليه السلام ليس غائبا عنا، بل نحن عنه غائبون، وقد قرات في رسالته للشيخ المفيد قوله عليه السلام: انا غير مهملين لمراعاتكم. وما جري مع علمائنا قدس الله اسرارهم اعظم شاهد علي ذلك واليك بعض النماذج: الامام المهدي والشيخ الصدوق ذكر الشيخ الصدوق قدس سره في اول كتابه كمال الدين وتمام النعمه قال: ان الذي دعاني الى تاليف كتابي: اني لما قضيت وطري من زياره علي ابن موسى الرضا عليه السلام رجعت الى نيشابور واقمت بها، فوجدت كثر المختلفين الى من الشيعه قد حيرتهم الغيبه ودخلت عليهم في امر القائم عليه السلام الشبهه، وعدلوا عن طريق التسليم الى الآراء والمقاييس، فجعلت ابذل مجهودي في ارشادهم الى الحق وردهم الى الصواب بالاخبار الوارده في ذلك عن النبي والائمه عليهم السلام، حتى ورد الينا من بخارا شيخ من اهل الفضل والعلم والنباهه ببلده قم طالما تمنيت لقاء ه، واشتقت الى مشاهدته لدينه وسديد رايه واستقامه طريقته، وهو الشيخ نجم الدين ابو سعيد محمد بن الحسن. فلما اظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشيخ الذي هو من اهل هذا البيت الرفيع، شكرت الله تعالى ذكره عل ما يسر لي من لقائه، وكرمني به من اخائه، وحباني به من وده وصفائه. فبينما هو يحدثني ذات يوم اذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفه والمنطقيين كلاما في القائم عليه السلام قد حيره وشككه في امره، لطول غيبته وانقطاع اخباره، فذكرت له فصولا في اثبات كونه عليه السلام، ورويت له اخبارا في غيبته عن النبي والائمه عليهم السلام، سكنت اليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان عليه من الشك والارتياب والشبهه، وتلقي ما سمعه من الآثار الصحيحه بالسمع والطاعه والقبول والتسليم، وسالني ان اصنف له في هذا المعني كتابا، فاجبته الى ملتمسه، ووعدته جمع ما ابتغي، اذا سهل الله تعالى لي العود الى مستقري ووطني بالري. فبينما انا ذات ليله افكر فيما خلفت ورائي من اهل وولد واخوان ونعمه، اذ غلبني النوم فرايت كاني اطوف حول بيت الله الحرام، وانا في الشوط السابع عند الحجر الاسود استلمه واقبله واقول: امانتي وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاه. فاري مولانا القائم صاحب الزمان عليه السلام واقفا بباب الكعبه فادنو منه علي شغل قلب وتقسم فكر، فعلم عليه السلام ما في نفسي بتفرسه في وجهي، فسلمت عليه فرد علي السلام. ثم قال لي: لم لا تصنف كتابا في الغيبه حتى تكفي ما قد اهمك؟ فقلت له: يا ابن رسول الله قد صنفت في الغيبه اشياء. فقال عليه السلام: ليس علي ذلك السبيل، آمرك ان تصنف الآن كتابا في الغيبه واذكر فيه غيبات الانبياء عليهم السلام. ثم مضي عليه السلام، فانتبهت فزعا الى الدعاء والبكاء والبث والشكوي الى وقت طلوع الفجر، فلما اصبحت ابتدات في تاليف هذا الكتاب ممتثلا لامر ولي الله وحجته، مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومستغفرا من التقصير وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب.(5) الامام المهدي يعين الشيخ الانصاري مرجعا عن كتاب كنز العارفين قال: الشيعه عندما يرحل من الدنيا المرجع الديني الاعلي فانهم يعينون مرجعا دينيا اعلي واعلم لكي يدير شوون المسلمين ويطبق قوانين واحكام الاسلام. وعندما توفي آيه الله الحاج الشيخ محمد حسن الجواهري راجع الناس الشيخ الانصاري رضوان الله تعالى عليه وطالبوه برساله عمليه، لكن المرحوم الانصاري قال لهم: مع وجود العلامه الكبر سيد العلماء المازندراني وهو الاعلم والاعدل فعليكم مراجعته في مدينه بابل في مازندران، اما انا فليس لذي رساله عمليه. ثم كتب الانصاري رساله الى سيد العلماء المازندراني طالبا منه ان يحضر الى النجف الاشرف ليتسلم زعامه الحوزه العلميه والمرجعيه الدينيه. لكن سيد العلماء اجابه في رساله يقول فيها: صحيح انني حينما كنت في النجف الاشرف وتباحثت معك في الشوون الدينيه والمذهبيه كنت الاقوي في الفقه، ولكن بسبب بعدي هذه المده عن الحوزه في النجف الاشرف ومواصله سكني في بابل، وليس لدينا مجالس للبحوث والتحقيق العلمي، فانني اعتبرك اعلم وانقه مني وافضل مني في المرجعيه واقبلك مرجعا دينيا اعلي للشيعه. اما الشيخ الانصاري فقال في نفسه: بما انني لا اجد لياقه في نفسي للقياده الدينيه والمرجعيه، لذا فانني سوف اطلب من ولي العصر والزمان ان يمن علي باجازه الاجتهاد ويعينني في المنصب العالي. وفي احد الايام واثناء ما كان الشيخ الانصاري يقوم بتدريس الطلاب، دخل شخص مهيب الطلعه تبدو عليه سيماء العظمه والشرف والكرامه والجلال الى المجلس حيث استقبله الشيخ الانصاري بكل احترام وتقدير، وهنا وجه كلامه للانصاري وقال: ما رايك في امراه مسخ زوجها؟ فاجابه الانصاري: نظرا لعدم بحث هذا الموضوع في الكتب والرسالات العمليه فانني لا استطيع الاجابه عنه. فقال الرجل: افترض حصل هذا ومسخ الزوج فما هو تكليف المراه؟ فقال الانصاري: في رايي اذا مسخ الرجل بشكل حيوان فعلي المراه ان تاخذ العده للطلاق ومن ثم يمكنها الزواج بآخر، اما اذا مسخ الزوج علي هيئه حجر او جماد فعلي المراه ان تاخذ عده الوفاه حيث مات زوجها. فقال ذلك السيد الجليل ثلاث مرات: انت المجتهد انت المجتهد. ثم قام من المجلس وخرج وكان الشيخ الانصاري يعلم بان ذلك الرجل المهيب هو الامام الحجه بن الحسن عليه السلام وقد اعطاه اجازه الاجتهاد وقياده الحوزه العلميه والمرجعيه الدينيه للشيعه، لذا قال لطلابه: ارجو ان تلحقوا بذلك السيد فورا. وفعلا ذهب الطلاب وبحثوا في كل مكان ولم يجدوا له اثرا يذكر. ثم اصبح الشيخ الانصاري جاهزا لاستلام زمام القياده الروحانيه وقدم للناس رسالته العلميه حتى يمكنهم تقليده.(6) الامام المهدي شفي الكثير من الشيعة من امراضهم ورد في الزياره الجامعه الكبيره: بكم ينزل الغيث. وتقدم ان الامام المهدي عليه السلام يرعي امورنا ويتابع ما يجري علينا ويغيث باذن الله من يطلب منه الاغاثه مهما تكن حالته سيئه فان الامام عليه السلام يتكفل برفعها عن صاحبها. ورد عن الامام الرضا عليه السلام: اذا نزلت بكم شديده فاستعينوا بنا علي الله عز وجل وهو قوله عز وجل: (ولله الاسماء الحسني فادعوه بها).(7) وبما ان الامر كذلك فقد وفق الله تعالى الكثير من الناس الذين اخذ المرض منهم ماخذه بان يتوسلوا بصاحب العصر والزمان عليه السلام وكان عند طلبهم، اوليس هو القائل: بي يدفع الله عز وجل البلاء عن اهلي وشيعتي.(8) واليك بعض الشواهد: شفاء الحر العاملي ببركة صاحب الزمان ذكر الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعه في كتابه اثبات الهداه بالنصوص والمعجزات: اني كنت في عصر الصبا وسني عشر سنين او نحوها، اصابني مرض شديد جدا، اجتمع اهلي واقاربي وبكوا وتهياوا للتعزيه وايقنوا اني اموت تلك الليله. فرايت النبي والائمه الاثني عشر صلوات الله عليهم اجمعين وانا فيما بين النائم واليقظان، فسلمت عليهم وصافحتهم واحدا واحدا، وجري بيني وبين الصادق عليه السلام كلام، ولم يبق في خاطري الا انه دعا لي. فلما سلمت علي الصاحب عليه السلام وصافحته بكيت وقلت: يا مولاي اخاف ان اموت في هذا المرض ولم اقض وطري من العلم والعمل فقال عليه السلام: لا تخف فانك لا تموت في هذا المرض بل يشفيك الله تعالى وتعمر عمرا طويلا، ثم ناولني قدحا كان في يده فشربت منه وافقت في الحال وزال عني المرض بالكليه، وجلست وتعجب اهلي واقاربي ولم احدثهم بما رايت الا بعد ايام.(9) شفاء الفقيه نجم الدين بن جعفر الزهدري علي يد الامام المهدي ذكر العلامه المجلسي في بحار الانوار هذه القصه، قال: حكي لي المولي الاجل الامجد، العالم الفاضل، القدوه الكامل، المحقق المدقق، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل، افتخار العلماء في العالمين، كمال المله والدين عبد الرحمان بن العماني وكتب بخطه الكريم عندي ما صورته: قال العبد الفقير الى رحمه الله تعالى عبد الرحمان بن ابراهيم القبائي: اني كنت اسمع في الحله السيفيه حماها الله تعالى ان المولي الكبير المعظم جمال الدين، ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر بن الزهدري، كان به فالج فعالجته جدته لابيه بعد موت ابيه بكل علاج للفالج فلم يبرا. فاشار عليها بعض الاطباء ببغداد فاحضرتهم فعالجوه زمانا طويلا فلم يبرا، وقيل لها: الا تبيتينه تحت القبه الشريفه بالحله المعروفه بمقام صاحب الزمان عليه السلام لعل الله تعالى يعافيه ويبرئه. ففعلت وبيتته تحتها، وان صاحب الزمان عليه السلام اقامه وازال عنه الفالج. دار المعشره يجتمع فيها وجوه اهل الحله وشبابهم واولاد الاماثل منهم فاستحكيته عن هذه الحكايه فقال لي: اني كنت مفلوجا وعجز الاطباء عني، وحكي لي ما كنت اسمعه مستفاضا في الحله من قضيته، وان الحجه صاحب الزمان عليه السلام قال لي وقد اباتتني جدتي تحت القبه: قم! فقلت: يا سيدي لا اقدر علي القيام منذ سنتي، فقال عليه السلام: قم باذن الله تعالى واعانني علي القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق علي الناس حتى كادوا يقتلونني، واخذوا ما كان علي من الثياب تقطيعا وتنتيفا يتبركون فيها وكساني الناس من ثيابهم، ورحت الى البيت وليس بي اثر الفالج، وبعثت الى الناس ثيابهم، وكنت اسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مرارا حتى مات رحمه الله.(10) رؤية الامام المهدي بعد ذكر نبذه ممن توفقوا لرويه المهدي عليه السلام يتبادر الى الذهن هذا السؤال هل يمكن رويه الامام في عصر الغيبه؟ ان موضوع التشرف بلقاء الامام المهدي عليه السلام اصبح غريبا حتى في عقر داره... كثيرا ما تسمع التشكيك بامكانيه رويته عليه السلام، او الجزم بعدم ذلك، او التعاطي مع قصص التشرف، بمنتهي الاستخفاف. ان ثمه خللا كبيرا في علاقتنا بالامام المهدي عليه السلام ارواحنا فداه يرقي الى مستوي ضعف العقيده، ويتجسد هذا الخلل في مجالين: الاول: عدم الاحسان بالانتماء اليه. الثاني: انكار امكانيه التشرف بلقائه عليه السلام. وخير دليل علي الاول اننا نعيش الانتماء الى اسرنا، وعشائرنا، كثر ما نعيش الانتماء للامام صاحب الزمان عليه السلام. بل لا بد ان يكون ذكر الامام واحساسنا بالانتماء اليه كثر بكثير، لانه باب الله الذي منه يوتي (ولكل قوم هاد). واما انكار امكانيه الرويه، والتشرف بلقائه، وخاصه مع وجود الشبهه التي اثارها فيهم توقيع السمري... وان هذا الانكار يبقي لحسن الحظ ضمن الدوائر التي تزعم ان المنهج العقلي يتنافي مع المنهج، الغيبي؛ ولذلك ترفض المغيبات بتعال وازدراء. وبديهي ان قصص التشرف بلقاء الامام المهدي عليه السلام تلحق بالمغيبات، ولذلك ياتي الموقف منها سلبيا عند هولاء. والواقع ان هولاء ابتلوا بالجهل المركب الذي يقع فيه من يدعون انهم ينتصرون للعقل، فيفصلون بينه وبين الغيب... في حين ان القرآن الكريم يحدثنا بوضوح عن الايمان بالغيب باعتباره الحقيقه التي يقود اليها العقل. ان العقل يقودنا الى الاعتقاد بالله المطلق... الذي هو علي كل شيء قدير وعندما نريد الحكم بامكان وقوع امر غريب خارق للعاده فان العقل هو الذي ياخذ بايدينا الى التسليم بذلك. الله علي كل شيء قدير وهذا الامر الخارق للعاده شيء فالله تعالى علي هذا الشيء قدير اذن، من الممكن ان يقع باذن الله، اما انه هل وقع ام لا، فان العقل يفسح المجال هنا للتثبت، لياخذ طريقه، ويقدم لنا الاجابه بالنفي او الاثبات، الا انها اجابه حول وقوع امر لا شك في امكانيه وقوعه. ولا شك ان الذي ينكر الامور الغريبه الخارقه للعاده؛ لمجرد استغرابه لها، واستبعاد وقوعها، لا يحترم عقله علي الاطلاق، اما الذي يتعامل مع الامور الغريبه، علي قاعده الامكان ويتثبت من وقوعها بطرق التثبت المتعارفه؛ ليرفض كل مالم يثبت، ويتبني ما ثبت. فهو يحترم عقله، ويحقق في شخصيته الانسجام بين المنهج العقلي، والمنهج الغيبي؛ باعتبارهما منهجا فكريا واحدا.. يرفض الاجتزاء. واما توقيع السمري: روي الشيخ الصدوق وغيره ان السمري آخر السفراء الاربعه عليهم الرحمه اخرج الى الناس توقيعا -رساله - من صاحب الزمان عليه السلام هذا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري اعظم الله اجر اخوانك فيك فانك ميت ما بينك وبين سته ايام، فاجمع امرك، ولا توصي الى احد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبه الثانيه، فلا ظهور الا بعد اذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الامد، وقسوه القلوب، وامتلاء الارض جورا، وسياتي شيعتي من يدعي المشاهده، الا فمن ادعي المشاهده قبل خروج السفياني والصيحه فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم.(11) هل يمكننا ان نري الامام المنتظر عليه السلام في عصر الغيبه الكبري؟ ام ذلك ممتنع نظرا لما جاء في هذا التوقيع؟ والجواب: لا شك في ان النيابه الخاصه، بمعني ان يكون شخص علي صله مستمره به عليه السلام، يعرض الناس مشكلهم عليه، ويعرضها بدوره علي الامام عليه السلام، كما كان الامر في الغيبه الصغري، امر انتهي بانتهاء تلك الغيبه. وكل روايه تنفي امكان الرويه والمشاهده في عصر الغيبه الكبرى ينبغي حملها علي نفي هذا النوع من المشاهده المقترنه بنيابه خاصه، وقد صرح بهذا جمع من كبار العلماء - رضوان الله عليهم - وتدل نصوصهم بكل وضوح علي ان التشرف بلقائه ممكن، بل صرح كثرهم بوقوعه. واليك جانبا من اقوالهم: 1- الشيخ الطوسي ان الاعداء، وان حالوا بينه وبين الظهور علي وجه التصرف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من اوليائه علي سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويوجب اتباع امره.(12) 2- السيد ابن طاووس يقول في رساله المواسعه والمضايقه: وسمعت من شخص لا اذكر اسمه عن مواصله بينه وبين مولانا الامام المهدي عليه السلام: ولو كان يسوغ نقلها لبلغت عده كراريس، وهي تدل علي وجوده المقدس وحياته ومعجزته.(13) ويظهر بوضوح من نصوص متعدده له عليه الرحمه موجوده في هذا الكتاب ان رويته عليه السلام والتشرف بلقائه امر مفروغ منه، ولا مجال للنقاش فيه ابدا. وابرز ما في هذا المجال انه ينقل قصه شخص راي الامام عليه السلام، وارسله الامام اليه اي الى السيد ابن طاووس.(14) بل صرح السيد نفسه بسماع صوت الامام عليه السلام فقال في كتاب مهج الدعوات: وكنت انا بسر من راي فسمتع سحرا دعاء ه عليه السلام، فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره من الاحياء والاموات: وابقهم او قال واحيهم في عزنا وملكنا، وسلطاننا ودولتنا، وكان ذلك في ليله الاربعاء ثالث عشر ذي القعده سنه ثمان وثلاثين وستمئه.(15) 3- العلامه الحلي بين قصص اللقاء، قصه تشرف العلامه الحلي برويه الامام المهدي عليه السلام وهي موجوده في كتاب قصص العلماء للتنكابني العالم الجليل. 4- المقدس الاردبيلي وهو عليه الرحمه من ائمه العلماء المحققين، وساده الزهاد المتهجدين، وقصه تشرفه بلقاء الحجه المنتظر ارواحنا فداه، صحيحه السند، كما ان عددا من كبار العلماء نقلوها، وذلك شهاده منهم بوقوع الرويه.(16) وانه كذلك راي الامام عليه السلام في جامع الكوفه وساله مسائل. الهوامش: (1) بحار الانوار 174:52، ب (24) نادر في ذكر من رآه عليه السلام في الغيبه. (2) جنه الماوي: 286. (3) بحار الانوار 252:53، الحكايه 22. (4) بحار الانوار 175:53 ب (31) ما خرج من توقيعاته عليه السلام، ح 7، عن الاحتجاج علي اهل اللجاج 2: 325-318. (5) كمال الدين 4:1. (6) جنه الماوي: 381. (7) الاختصاص:252. (8) كمال الدين 441:2. ب (43)، ح 12. (9) بحار الانوار 274:53، الحكايه 38. (10) بحار الانوار 73:52، ب (18) قصه ابي راجح الحمامي الحلبي. (11) كمال الدين 516:2 ب (45)، ح 44. (12) الغيبه للطوسي: 98. (13) النجم الثاقب: 251. (14) النجم الثاقب: 245. (15) مهج الدعوات: 296، والنجم الثاقب: 254. (16) روضات الجنات 80:1، والنجم الثاقب: 334. ****************** 5- صاحب المعالم الشيخ حسن بن الشهيد الثاني اورد المحدث النوري عليه الرحمه نقلا عن الدر المنثور ما يلي: سمعت من بعض مشايخنا وغيرهم انه لما حج كان يقول لاصحابه: نرجو من الله سبحانه ان نري صاحب الامر عليه السلام فانه يحج في كل سنه فلما وقف بعرفه امر اصحابه ان يخرجوا من الخيمه ليتفرغ لادعيه عرفه ويجلسوا خارجها مشغولين بالدعاء، فبينما هو جالس اذ دخل عليه رجل لا يعرفه فسلم وجلس. قال: فبهت منه ولم اقدر علي الكلام، فكلمني بكلام - نقله ولا يحضرني الآن - وقام، فلما قام وخرج خطر ببالي ما كنت رجوته وقمت مسرعا فلم اره، وسالت اصحابي فقالوا: ما راينا احدا دخل عليك.(1) هذا النص تصريح باعتقاد صاحب المعالم بامكانيه رويه الامام عليه السلام. 6- الحر العاملي صاحب وسائل الشيعه اورد في كتابه اثبات الهداه، القصه التي يتحدث فيها عن رويته لصاحب الامر عليه السلام بين النوم واليقظه، ثم قال بعد ايراد عده قصص مشابهه: وقد اخبرني جماعه من ثقاه الاصحاب انهم راوا صاحب الامر في اليقظه وشاهدوا منه معجزات، واخبرهم بعده مغيبات ودعا لهم، وانجاهم من اخطار مهلكات، وكلها من اوضح المعجزات.(2) 7- العلامه المجلسي صاحب البحار لقد اورد العلامه المجلسي في بحار الانوار العديد من قصص اللقاء مما يكشف بوضوح عن رايه في مساله التشرف بلقاء الامام المهدي عليه السلام ورويته عليه السلام. 8- السيد بحر العلوم اننا نتجد في قصص السيد بحر العلوم، التي نقلت في كثير في مصادر باسانيد صحيحه تصريحه مرارا بانه هو قد تشرف بلقائه عليه السلام.(3) وقد ذكر ان السيد بحر العلوم قد نزع قميصه وانخرط في صفوف الموالين في موكب عزاء سيد الشهداء مشاركا في اللطم، وعند ما سئل عن سبب ذلك يقول: رايت صاحب الامر عليه السلام بينهم فلم يكن لي مما فعلت بد.(4) بعد هذه الجوله في آراء العلماء الاعلام، عبر القرون، يكون الجواب الصحيح هو انه لا مجال علي الاطلاق لنفي امكانيه التشرف بلقائه عليه السلام ومن حاول نفي ذلك فرايه شاذ لا يلتفت اليه، ويبقي انه من الضروري تعزيز الاعتقاد بامكانيه الرويه ووقوعها في نفوسنا. والآن نحاول فهم دلاله توقيع السمري عليه الرحمه، بما لا يتنافي مع قصص اللقاء: اولا: ينبغي الوقوف من نص توقيع السمري عند فقره وسياتي شيعتي من يدعي المشاهده، الا فمن ادعي قبل خروج السفياني والصيحه فهو كاذب مفتر. والفقره واضحه الدلاله علي ان - من يدعي المشاهده - يدعيها امام الشيعه فهو اذا يحرص ان يكسب دعوته بعدا اجتماعيا، ويتصدي لا دعاء ذلك امام جمهور الشيعه. وعندما نتامل قصص اللقاء نجد اصحابها يتكتمون عليها عاده. ثم انهم اذا حدثوا بها حرصوا علي ان يكون ذلك في اضيق نطاق. ثانيا: والقول الفصل هو ما تنبه له المحقق الشيخ النهاوندي في كتابه الموسوعي القيم - العبقري الحسان - قال فيه: لا معارضه بين توقيع السمري، وقصص اللقاء ات من يحتاج الى الجمع، لان التوقيع الشريف بصدد منع دعوي الظهور، الظهور العلني للامام، وذكر المشاهده في التوقيع بمعني الظهور والحضور، كما في الآيه: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)... والقرينه علي المعني امران: الاول: قوله عليه السلام: فلا ظهور الا بعد الهرج والمرج، والفتنه والفساد. الثاني: قوله عليه السلام: الا من ادعي المشاهده - اي الظهور، ظهور الامام عليه السلام - قبل خروج السفياني والصيحه فهو كاذب مفتر. فكلاهما السفياني والصيحه من علامات الظهور، وعلي هذا، لا تعارض ابدا بين التوقيع الشريف وبين الحكايات.(5) اذن المشاهده التي ينفيها الامام عليه السلام امران: الاول: ان يدعي شخص النيابه الخاصه، علي غرار ما كان الامر عليه في الغيبه الصغري. الثاني: ان يدعي ظهوره عليه السلام، وانتهاء الغيبه الكبرى التي لا تنتهي الا بالسفياني والصيحه. وكل المشاهدات التي تثبتها قصص اللقاء، لا تنافي ذلك، لانها قصص عن رويه الغائب صلوات الله وسلامه عليه. علة غيبة الامام المهدي ان السبب الرئيسي والاساسي لغيبه الامام والمانع لظهوره عليه السلام، هو: عدم وجود الانصار وهذا يحتاج الى توضيح: س: هل السبب في غيبه الامام عليه السلام يرجع الى الامام؟؟ ام الى الله؟؟ ام الى الناس؟؟ هل الله تعالى هو الذي اراد الغيبه للامام، ام الامام هو يريدها لنفسه، ام الناس سببها؟ فيما يلي نقف علي هذه الاحتمالات الثلاثه: سبب الغيبه هل يعود الى الامام؟ يمكن للبعض ان يقول بان المشكله التي او صلت الامام الى الغيبه سببها الامام نفسه، علي سبيل المثال ما هو معلوم من ان عمر الامام المهدي - عجل الله فرجه - كان عند شهاده ابيه الامام العسكري عليه السلام خمس سنوات، وطفل بهذا العمر لا يمكن له ان يتولي اداره الامه وشوونها ولذا غاب الامام حتى يحصل علي الكفاءه التي توهله لقياده مشروعه! وفي مقام الاجابه عن ذلك نقول: اولا: الامام المعصوم معصوم ومويد ايا كان عمره، واذا كان الامام صغيرا فهذا لا يدل علي عدم قدرته علي الحكم والتاريخ يحدثنا عن الامام الجواد حيث كان له من العمر في اوسط الاقوال 8 سنين عند شهاده ابيه الرضا عليه السلام، ومع ذلك كان حجه الله علي خلقه وله المواقف المشهوره التي ادخلت الرعب الى قلوب اعداء الائمه. ثانيا: لو كانت المشكله في عمر الامام المهدي - عجل الله فرجه - فلماذا قبض الله الامام العسكري عليه السلام اليه واخذه من هذه الدنيا وتركها لامام لا يمكن له تولي زمام الامور؟ ولماذا ايضا غاب الامام المهدي - عجل الله فرجه - مئات السنين فيمكن له ان يغيب الثلاثين سنه ثم يظهر وهو في ريعان شبابه! ثالثا: للامام المهدي - عجل الله فرجه - كلمات من الواضح لقارئها ان هذا الامام يتالم لغيبته فقد ورد عنه - عجل الله فرجه - يقول: اللهم احجبني عن عيون اعدائي، واجمع بيني وبين اوليائي، وانجز لي ما وعدتني، واحفظني في غيبتني الى ان تاذن لي في ظهوري، واحيي بي ما درس من فروضك وسننك، وعجل فرجي وسهل مخرجي، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.(6) بل ان الامامم المهدي يدعو الله عز وجل لهذه الامور في اللحظه الاولي التي جاء بها الى هذه الدنيا حيث تقول السيده حكيمه عمه الامام العسكري عليه السلام وكانت حاضره عند ولاده الامام المهدي - عجل الله فرجه - تقول: واذا انا بالصبي (الامام المهدي -عجل الله فرجه -) ساجدا لوجهه، جاثيا علي ركبتيه، رافعا سبابته وهو يقول: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان جدي محمدا رسول الله وان ابي امير المؤمنين عليه السلام ثم عد اماما اماما الى ان بلغ الى نفسه ثم قال: اللهم انجز لي ما وعدتني واتمم لي امري وثبت وطاتي واملا الارض بي عدلا وقسطا.(7) اذن الامام المهدي -عجل الله فرجه - يدعو الله لظهوره منذ الولاده وعمره ليس عائقا امام ذلك، بل يوجد مانع آخر. الله عز وجل يريد الغيبه ام الناس؟ تبين ان غيبه الامام المهدي ليس هو سببها، وبقي احتمالان: هل يريد الله الغيبه للامام ام الناس هم سبب ذلك؟ هل الناس اختاروا غيبه الامام المهدي - عجل الله فرجه - ام ان الله تعالى اجبرهم علي العيش دون رويه امامهم؟ هذا البحث لا ينفك عن بحث الجبر والتفويض الذي يبحث في علم الكلام، وفي روايه عن الصادق عليه السلام: لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين(8) من معنى الامر بين الامرين ان الانسان مفوض له اختيار الفعل ولكنه مجبر علي تحمل اثره! علي سبيل المثال الانسان مفوض له صله الرحم فان قطعها فهو مجبر علي قصر عمره، فالاختيار من الانسان والله تعالى هو المهيمن علي هذا القول وقد وضع له نظاما يلزم الفاعل علي تحمل آثار افعاله. وفي الروايات الشريفه بيان لآثار الافعال، فلصله الرحم طول العمر، ولليقظه بين الطلوعين سعه الرزق، ولقيام الليل طول العمر، وللصدقه دفع البلاء وهكذا... في الروايه عن الصادق عليه السلام يقول: من يموت بالذنوب كثر مما يموت بالآجال،(9) اي يمكن لانسان لم يات اجله بعد ولكنه بارتكابه الذنوب يعجل موته. الانسان لا يتحكم بمصيره فقط بل يتحكم بالبر والبحر ايضا فالله تعالى يقول: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا).(10) هذه الآيه تشير الى وجوده علاقه بين فعل الانسان وبين البر والبحر، فقد ظهر الفساد والخراب فيهما بسبب افعال الناس. اما قوله تعالى: (ليذيقهم بعض الذي عملوا) اي يذوقوا بعض اعمالهم، والله تعالى لم يقل ليذيقهم عقوبه بعض الذي عملوا بل اعمالهم بنفسها يذوقونها، فان كان عملهم صدقه يذوقونها فاذا هي دفع بلاء، وان كان صله رحم يذوقونها فاذا هي طول في العمر وهكذا. اذن تبين ان فعل الله عز وجل يكون جوابا لافعال الناس كما هو واضح من الآيه الكريمه ومثلها في القرآن الكثير من الآيات منها: قوله تعالى: (وضرب الله مثلا قريه كانت آمنه مطمئنه ياتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)(11) اهل القريه كان ياتيهم رزقهم من كل مكان ولكن عندما كفروا بانعم الله اذاقهم الله لباس الجوع والخوف. قوله تعالى: (لو ان اهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون).(12) بما ان اهل القري لم يومنوا ولم يتقوا لم تفتح عليهم بركات من السماء. قوله تعالى: (والو استقاموا علي الطريقه لا سقيناهم ماء غدقا).(13) وغير ذلك من الآيات التي تدل بشكل واضح علي ما تقدم، فالله عز وجل يتعامل مع خلقه بحسب اعمالهم، فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذره شرا يره. بالعوده الى غيبه الامام المهدي - عجل الله فرجه - فقد تبين انه عليه السلام لا يريدها ويدعو الله بالفرج، وبما ان الله لا يجبر الناس علي حرمانهم من امامهم فقد تبين ان الناس وبسبب اعمالهم غاب الامام عنهم، وقد ورد عن الامام الكاظم عليه السلام: اذا غضب الله تبارك وتعالي علي خلقه نحانا عن جوارهم.(14) اذن كما ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس كذلك غاب الامام المهدي - عجل الله فرجه - بما كسبت ايديهم. الظهور والخروج كلمتان وردتا في الروايات تتكلمان عن قيام الامام المهدي - عجل الله فرجه - منها ما جاء بعباره يظهر الامام، ومنها ما جاء بعباره يخرج الامام، علي سبيل المثال: ورد عن الباقر عليه السلام: لا يظهر القائم حتى يشمل اهل البلاد فتنه يطلبون منها المخرج فلا يجدونه.(15) وورد عن الصادق عليه السلام: لا يخرج القائم حتى يقرا كتابان كتاب بالبصره وكتاب بالكوفه بالبراءه من علي عليه السلام.(16) فما هو الفرق بين الظهور والخروج؟ الظهور في اللغه العربيه معناه: بدو الشيء الخفي اي لا بد للشيء ان يكون مسبوقا بالخفاء ثم يبدو، وظهور الامام عليه السلام معناه حضوره بعد خفائه فكلمه الظهور ضد الغيبه والخفاء والظاهر ضد الغائب. اما خروج الامام فمعناه الخروج للقتال والحرب فالخروج ضد القعود. الشيء الذي يجب ان نلتفت اليه هو ان وجود انصار واختلاف عددم هو الامر الذي يحكم الظهور والخروج. فالامام المهدي - عجل الله فرجه - كنبي الله موسى عليه السلام واعداء المهدي -عجل الله فرجه - كفرعون، وكما حارب فرعون ولاده النبي موسى كذلك حارب اعداء المهدي ولادته، وكما كان موسى خائفا من القتل قبل القضاء علي فرعون كذلك فان المهدي - عجل الله فرجه - يخاف علي نفسه القتل قبل القضاء علي اعدائه والوصول الى اهدافه. اذن الامام المهدي - عجل الله فرجه - وبما انه الذي يخلص الناس من ظلم الظالمين ولا يبايع احدا منهم لذلك اصبح - عجل الله فرجه - مرمي لنبالهم، ولا يمكن له ان يظهر الا اذا كان قادرا علي رفض بيعتهم دون ان يقتل، وهذا ما لا يتحقق الا بوجود رجال يملكون الحافظ علي حياه الامام، وهذا ما ورد في الروايات فقد جاء عن الصادق عليه السلام: اما لو كملت العده الموصوفه ثلاثمئه وثلاثه عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناوه بدنه.(17) وبما ان هذا العدد من الرجال لم يكتمل بعد فان الامام لا يظهر لان في ظهوره خطرا علي حياته وبالتالي علي مشروعه. وجود ثلاثمئه وثلاثه عشر رجلا ليس هو المطلوب لظهور الامام، بل المطلوب هو وجود اولئك الرجال وبذلك العدد مع تلك المواصفات الوارد تفصيلها في الروايات، حيث يمكن فهم ذلك من خلال خصائصهم الحافظ علي حياه امامهم. ليس من الانصاف ان نقول بان هذا الكلام غير صحيح فان الامام المهدي - عجل الله فرجه - اذا ظهر ندافع عنه بارواحنا، اذهبوا الى التاريخ واقراوا حياه احد عشر اماما من آباء المهدي -عجل الله فرجه - كلهم قتلوا علي مراي ومسمع جميع الناس. اين كان الشيعه يوم كان الامام المجتبي عليه السلام يرتدي درعا قبل ان يدخل الى المسجد ليصلي بالمسلمين جماعه، كان الامام يرتدي الدرع خوفا من القتل وبالفعل ذكر لنا التاريخ محاولات اغتيال للامام وهو قائم في مصلاه امام المصلين. فيما سبق انتهينا من اثبات ان السبب الذي من اجله غاب الامام المهدي عليه السلام هو عدم الناصر المعين، واذا وجد هولاء فان المهدي عليه السلام سوف يظهر حتما. لكن اذا جئنا الى الروايات الوارده عن المعصومين عليهم السلام فهل هذا هو السبب الوحيد الوارد فيها؟ ام توجد اسباب آخري؟ اذا نظرنا الى الروايات فاننا نجد اسبابا اخري، وحتي يكون البحث بحثا علميا يبتغي منه الوصول الى الحقيقه لا بد من التعرض الى تلك الروايات. وفيما يلي نذكر الاسباب التي وردت مع ذكر رواياتها ومن ثم ننظر هل هي اسباب اخرى فعلا ام انها تشير الى نفس السبب الذي تقدم وهو عدم وجود الناصر. لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة فقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلام: ان القائم منا اذا قام لم يكن لاحد في عنقه بيعه، فلذلك تخفي ولادته ويغيب شخصه.(18) الخوف من القتل قبل تحقق الهدف ان هذا الخوف خوف عقلي وليس نفسي، حيث انه آخر حجه من حجج الله وآخر امام من ائمه اهل البيت قد اراد الله تعالى ان يحقق به الامنيه الكبرى وهي بسط العدل والقسط ورفع رايه التوحيد علي كل ربوع الارض وهذا الهدف العظيم لا يمكن ان يتحقق الا بعد مرور ردح من الزمان، والا بعد تكامل العقل البشري وتهيوه الروحي والنفسي لذلك، حتى يستقبل العالم بشوق ورغبه... موكب الامام المصلح العالمي، موكب العدل والحريه والسلام، لهذا فان من الطبيعي ان هذا الامام لو ظهر بين الناس، وعاش بين ظهرانيهم قبل نضوج الامر وحصول المقدمات اللازمه والارضيه المناسبه، كان مصيره مصير من سبقه من آبائه من الائمه الكرام عليهم السلام اي الشهاده والقتل قبل ان يتحقق ذلك الهدف العظيم، وتلك الامنيه الكبرى علي يديه. ولقد اشير الى هذه الحكمه في بعض الروايات الصادره عن اهل البيت عليهم السلام، فقد روي عن الامام الباقر عليه السلام انه قال: ان للقائم غيبه قبل ظهوره، يقول الراوي: قلت: ولم؟ قال عليه السلام: يخاف - واوما بيده الى بطنه - قال زراره: يعني القتل.(19) اي خوفا من ان يقتل قبل تحقق الهدف المنتظر منه. اختبار الناس وتمحيصهم عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، انه قال: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق المظهر للدين، والباسط للعدل قال الحسين: فقلت له: يا امير المؤمنين وان ذلك لكائن فقال عليه السلام: اي والذي بعث محمد صلى الله عليه واله وسلم بالنبوه واصطفاه علي جميع البريه ولكن بعد غيبه وحيره، فلا يثبت فيها علي دينه الا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين اخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الايمان وايديهم بروح منه.(20) قال الامام علي عليه السلام عن المهدي عليه السلام: تكون له حيره وغيبه يضل فيها اقوام ويهتي فيها آخرون.(21) هنا نسبت الحيره الى المهدي عليه السلام باعتبار كونها ناتجه من غيبته المستنده اليه اذا لو كان ظاهرا بين الناس لما وقعت هذه الحيره، كما هو معلق. ويمكن ان يراد بالحيره عده وجوه: اولا: الحيره في العقائد الدينيه، نتيجه للتيارات الباطله التي تواجه جهلا وفراغا فكريا في الامه، مما يحمل الفرد الاعتيادي علي الانحراف. ثانيا: الحيره بالعقائد الدينيه، بمعني ان المؤمنين حين يحسون بالمطارده والتعسف ضدهم وضد عقائدهم، يحيرون اين يذهبون لكي ينحكوا بالحق الذي يعتقدونه وبالاتجاه الاسلامي الذي يتخذونه. ثالثا: الحيره في الامام المهدي عليه السلام نفسه، بمعني ان طول غيبته توجب وقوع الناس في الشك والاختلاف في شانه، كما حدث في صفوف المسلمين فعلا. روي النعماني عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث قال فيه: فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتي يسمي بعضكم بعضا كذابين، وحتي لا يبقي منكم (ال) كالكحل في العين او كالملح في الطعام، وساضرب لكم مثلا، وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه ثم ادخله بيتا وتركه فيه ما شاء الله. ثم عاد اليه فاذا هو قد اصابه السوس، فاخرجه ونقاه وطيبه، ثم اعاده الى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد اليه فاذا هو قد اصابته طائفه من السوس، فاخرجه ونقاه وطيبه واعاده، ولم يزل كذلم حتى بقيت منه رزمه كرزمه الاندر لا يضره السوس شيئا. وكذلك انتم تميزون حتى لا يبقي منكم الا عصابه لا يضرها الفتنه شيئا.(22) والتمحيص هو التنقيه وابعاد الرداء ه، والغربله هي النخل بالغربال حتى يخرج الزوان، وهو الحب الغريب عن الحنطه يكون علي شكلها وليس منها. وغربله البشر تكون بقانون التمحيص، وغربالهم فيها هي الظروف الصعبه والظلم الذي يعيشه الفرد والمجتمع من ناحيه، والشهوات والمغريات والمصالح الضيقه من ناحيه اخري، سيخرج من الغربال خلق كثير، بمعني كثر الناس يتبعون الباطل وينحرفون مع الشهوات والمصالح او مع الظالمين المنحرفين. فلسفة التمحيص والاختبار ان التمحيص والاختبار عاملان لتربيه الفرد والامه كان ولا يزال علي الامه البعيد. قال تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. ام حسبتم ان تدخلوا الجنه ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).(23) الهوامش: (1) خاتمه مستدرك الوسائل 83:2. (2) اثبات الهداه بالنصوص والمعجزات 713:3. (3) خاتمه مستدرك الوسائل 50:1. (4) ملاقات امام زمان (فارسي) 256:2. (5) العبقري الحسان:128. (6) بحار الانوار 378:91 ب (52) حجاب مولانا صاحب الزمان عليه السلام. (7) كمال الدين 428:2 ب (42)، ح 2. (8) التوحيد: 362،ب (59) ح 8. (9) امالي الطوسي:503. (10) الروم: 41. (11) النحل:112. (12) الاعراف: 96. (13) الجن: 16. (14) الكافي 343:1 باب في الغيبه، ح 31. (15) بحار الانوار 271:52 ب (25) علامات ظهوره عليه السلام من السفياني والدجال، ح 162. (16) الغيبه للنعماني: 308 ب (19) ح 2. (17) الغيبه للنعماني: 210، ب (12)، ح 4. (18) بحار الانوار 109:51، ب (2) ما ورد عن امير المؤمنين صلوات الله عليه في ذلك، ح 1. (19) كمال الدين 481:2، ب (44)، ح 9. (20) كمال الدين 304:1، ب (26)، ح 16. (21) الغيبه للنعماني: 68، ب 4، ح 4. (22) الغيبه للنعماني: 218-217، ب (12)، ح 17. (23) آل عمران: 142-141. ****************** فلسفه التمحيص علي نطاق المجتمع بعث نبي الاسلام صلى الله عليه واله وسلم بالاطروحه التشريعيه العادله الكامله، بعد ان اصبحت البشريه في مستواها العقلي والثقافي العام قابله لفهمها واستيعاب احكامها، وذلك بفضل تربيه الانبياء السابقين ومن خلال الاديان السابقه والتعاليم التدريجيه التي ساعدت علي تكامل العقل والوعي البشري. والاسلام كان آخر الاديان وكملها، فلهذا تكون هي الاطروحه الماموله في اليوم الموعود، وذلك اليوم الذي يطبق فيه العداله الالهيه المطلقه عند ظهور الامام المهدي عليه السلام. ولكن تطبيق هذه الاطروحه العالميه وهو الاسلام لا يتحقق الا بشرطين الشرط الاول: ايجاد المستوي اللائق في البشريه من الناحيه العقليه والثقافيه لفهم العدل الكامل وان هذا العدل لا يتحقق الا بطاعه الله والانصياع لاوامره ونواهيه، باعتباره مستحقا للعباده. الشرط الثاني: الوصول بالبشريه الى المستوي العالي من الاخلاص والتضحيه في سبيل تحقيق وايجاد هذه العداله الكامله، وتبقي في نتيجه التمحيص الطويل عصابه لا تضرها الفتنه شيئا، لانهم يمثلون الحق صرفا، وينهون الى فسطاط الحق الذي لا كفر فيه ولكن - مع شديد الاسف - لم يكن في الامكان ان يتكفل الاسلام بتكوين وتحقيق تلك العداله الكامله في الماضي والآن؛ وذلك لعدم توفر الشرط الثاني من الشرطين الاساسيين لوجود هذا التطبيق ولا زال هذا الشرط غير متوفر الى حد الآن. فبينما كان المانع بالنسبه الى الانبياء السابقين عن هذا التطبيق، هو عدم توفر كلا الشرطين... نجد ان المانع بالنسبه لنبي الاسلام هو عدم توفر شرط واحد منهما، بعد ان تمت تربيه البشريه علي الشرط الاول علي ايدي الانبياء السابقين. س: لماذا تمت تربيه البشريه علي احد الشرطين ولم تتم تربيتها علي الشرط الثاني؟ بالرغم من جهود الانبياء علي مر التاريخ الطويل؟ الجواب: ان توفير الشرط الاول، هو ايجاد المستوي اللائق في البشريه - من الناحيه العقليه والثقافيه لفهم العادل الكامل - اسهل بكثير من توفير الشرط الثاني وهو الوصول بالبشريه الى المستوي العالي من الاخلاص والتضحيه. فان تربيه الفكر والثقافه لا تواجه عاده من الموانع والعقبات ما تواجهه التربيه الوجدانيه من ذلك، متمثله في الشهوات والمصالح الخاصه، وظروف الظلم والاغراء، فمن الطبيعي ان تحتاج التربيه علي الشرط الاول علي زمن اقصر بكثير من الزمن الذي تحتاجه التربيه علي الشرط الثاني، ومن الطبيعي ان يكون البشر لدي اول نضجهم الفكري في التربيه علي الشرط الاول غير ناضجين وجدانيا في التربيه علي الشرط الثاني لانها تحتاج الى توفير زمان طويل. ومن هنا امكن وصول البشر الى الحد الثقافي المطلوب، فاستحقت ان يعرض عليها الدين الاسلامي، علي حين لم تكن قد وصلت الى الحد المطلوب من الناحيه الوجدانيه، لتستطيع تحمل القياده العالميه بين يدي النبي صلى الله عليه واله وسلم فكان لا بد لاجل ضمان نجاح التطبيق في تحقيق العداله العالميه في ظل الاسلام ان تمر البشريه بظروف معينه، تكفل لها التربيه علي الاخلاص. فيتعين علي الامه الاسلاميه والفرد المسلم ان يعيش الظروف التي تربيها وتمحصها، وتمر الامه بغربله حقيقيه، حتى ينكشف كل فرد علي حقيقته، فيفشل في هذا التمحيص كل شخص قابل للانحراف، لاجل اي نقص في ايمانه او عقيدته او اخلاصه. وكان هذا التمحيص الضخم متمثلا بظرفين مهمين تمر بهما الامه الاسلاميه، بل البشريه كلها الى العصر الحاضر: الظرف الاول: غيبه الامام المهدي عليه السلام، تلك الغيبه التي توجب للغافل عن البرهان الصحيح الشك بل الانكار. الظرف الثاني: تيار الرده عن الاسلام واقصد به التيارات المعاديه للاسلام، والتي تحمل بين طياتها معنى الخروج عنه، بما فيها تيار التبشير المسيحي الاستعاري، وتيار الحضاره الغربيه المبني علي التحلل الخلقي وانكار المثل العليا، والتيارات الماديه وغيرها، تلك التيارات التي استطاعات ان تصطاد من امتنا الاسلاميه ومن العالم كله، ملايين الافراد. وضعف المستوي الاخلاقي لدي الناس بشكل عام، وتقديمهم مصالحهم الشخصيه علي اتباع دينهم سواء علي الصعيد الفردي او الاجتماعي. وتحت هذين الظرفين، كان التمسك بالاخلاص العالي، عملا جهاديا في غايه الصعوبه والتعقيد، ويحتاج الى مضاعفه الجهود في سبيل المحافظه علي مستواه فكان القابض علي دينه كالقابض علي جمره من النار. وكان المخلصون علي المستوي العالمي، في غايه القله والندره بالنسبه الى مجموع سكان العالم. ولا زالت البلايا والمحن تتضاعف، وظروف التمحيص والاختبار الالهي تتعقد وتزداد، حتى اصبح الفرد يقهر علي ترك دينه والتمرد علي تعاليم ربه، بمختلف اساليب الخوف والترغيب ولعل المستقبل - ان لم ياذن الله تعالى بالفرج والظهور - كفيل بان نواجه اشكالا من الخطر والبلاء علي ديننا ودنيانا هي اهم واصعب مما حصل الى حد الآن فليفهم كل مسلم موقفه، وليلتمس اعلي درجات الايمان ويشخص مقدار قابليه علي الصمود، قبل ان يسقط في هاويه الانحراف. لكي يوطن نفسه علي الصبر والجهاد علي كل حال ليكون له فخر المشاركه في بناء العدل العالمي في اليوم الموعود.(1) فلسفة التمحيص والاختبار علي نطاق الفرد قد عرفنا ان الامتحان الالهي قانون عام للبشريه مرافق لها في عمرها الطويل. وقد نطق به القرآن الكريم، قال تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما انتم عليه حتى يميز الخبيث).(2) ولعلنا نستطيع ان نفهم من قوله تعالى: (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)(3) كيفيه التمحيص الفردي واسلوبه وذلك: ان التمحيص ليس للكشف والاظهار فقط امام الآخرين او امام التاريخ، وان كان هذا هو جانبه الظاهر، المنظور. وانما يتضمن - في الحقيقه - تغييرا حقيقيا وتاثيرا جوهريا في ذات الفرد يعلمه الله منه بعد وجوده وتحقيقه. ويتضح ذلك من بيان مقدمتين: المقدمه الاولي: ان للفرد العاقل المختار اتجاهات ووجهات نظر، وله مواقف وآراء تجاه كل حادثه مما يمر به في حياته. وهو علي الدوام يحدد مواقفه فعلا وتركا وآراء ا، ايجابا وسلبا، صادرا صدورا تلقائيا عن اتجاهاته ووجهات نظره العقائديه والعقليه والنقافيه، فتتحدد مواقفه بتحديد اتجاهاته، تجاه كل حادثه من حوادث الحياه. ويكون للحوادث المتغيره المتطوره الاثر الكبير في تغيير وتطوير اتجاهات الفرد فضلا عن مواقفه، وبذلك يكتسب الصغير خبره والكبير حنكه والجاهل علما، كما هو واضح جدا لكل فرد عاقل يعيش في هذه الحياه. فقد تعمق الحوادث ايمان الفرد وقد تضعفه، وقد يصبح الفرد المنحرف معتدلا، بل قد يصبح الواعي منحرفا والمنحرف واعيا. وقد يصبح الجبان شجاعا والشجاع جبانا، والبخيل كريما والكريم بخيلا، والكذاب صادقا والصادق كذابا... وهكذا. هذا كله في الحوادث الفرديه التي يصادفها الناس في الحياه، ومتى كانت الحوادث اوسع من الوجود الفردي، كان اثرها اعمق واشمل علي الفرد والمجتمع، كالامور السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه العامه التي يتعرض لها المجتمع من التدهور الاقتصادي والاخلاقي والظلم والتعسف، فان كل ذلك يوثر في الافراد بل في المجتمع كله آثارا بليغه. ومن هنا يكتسب التمحيص اهميته، فانه قبل حدوث الحادثه ايه حادثه تكون حاله الفرد من حيث اتجاهه ورد فعله وما سيتخذه من سلوك، مجمله ذاتا، وليس لها اي تعين واقعي. والحوادث وحدها هي التي تعين واقع اتجاهه الجديد، ودرجه عقيدته وايمانه، كما تكشف لنا ولنفسه ايضا، هذا الاتجاه الجديد المتمثله في سلوكه الجديد الذي يتخذه. فاذا كان للافراد اتجاهات علي الدوام وكانت الحوادث تحدث باستمرار، وكان لهم تجاهها ردود فعل وآراء ومواقف، اذن يكون التمحيص والامتحان مستمرا باستمرار الحياه البشريه. ومن هنا نري ان التمحيص كلما كتسب اهميه كبر في الاستعداد لاقامه العدل في دوله المهدي عليه السلام، كما هو الآن من خلال عصر الغيبه الكبري. شاء الله ان يعرض الافراد لحوادث اعقد واصعب، حتى يكون اتخاذهم للمواقف الجديده حاسما وكيدا، ليتضح ما اذا كانت مواقفهم منسجمه مع تعاليم الاسلام او لا. س 1: ان الله في اي شيء يمتحن الانسان ومتى؟ الجواب: ان امتحان الله ليس كامتحانان المدارس والجامعات له زمان خاص وموضوع وكتاب خاص، وانما الانسان في كل يوم من عمره وكل ساعه وكل دقيقه في قاعه الامتحان، قد يكون الفرد الى الآن في قائمه المؤمنين ومن الغد ينحرف ويكتب اسمه في قائمه المنافقين. س 2: واما السؤال في ماذا نمتحن؟ الجواب: نمتحن في النعم والنقم، في الرفاهيه والشده، في العافيه والسلامه، في الغني والفقر في الالم واللذه. قوله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنه).(4) وان امتحان الله لعباده عام وشامل للجميع، حتى الانبياء عليهم السلام. نلاحظ عندما سخروا من النبي هود ووصفوه بالسفيه والسفاهه، فانه لم يتردد او يتنازل من مهمته او يغضب. وعند ما هددوا النبي شعيبا بالتبعيد من البلد والتشريد والرجم فانه لم يخف ولم يتهاون عن دعوته. النبي موسى عليه السلام والشدائد التي واجهها من بني اسرائيل. النبي نوح عليه السلام ومعاناته في مده التبليغ (950 عاما)، واستهزاء الناس به. النبي ابراهيم عليه السلام وامتحان الله له بالمال والروح والولد، فخرج من الامتحان منتصرا ووهب الله له الامامه: (اني جاعلك للناس اماما).(5) والنبي سليمان الذي امتحنه الله بالنعم والملك ليري مدي شكره وعبوديته فقال: (هذا من فضل ربي ليبلوني ءاشكر ام كفر).(6) وهكذا فنحن نلاحظ ان الكثير ممن يدعي حب الله وعشق صاحب الزمان ولكن في مقام العمل لا استقامه لهم ولا ثبات، ويتزلزل ايمانهم بابسط الامور والضغوط والفتن والتهم. او اذا تعارضت منافعهم الشخصيه او الماليه او المقاميه للخطر تراجعوا عما ادعوه سابقا. يذكر المرحوم آيه الله النهاوندي في كتابه العبقري الحسان: ان رجلا صالحا يعمل عطارا في البصيره، في احد الايام جاء ه رجلان يطلبان منه سدرا وكافورا علي هيئه غريبه تختلف عن اهالي المنطقه، فيقول العطار: سالتهما عن مدينتهما، لكنهما امتنعا عن الجواب، فاصررت كثيرا حتى اقسمت عليهما برسول الله صلى الله عليه واله وسلم. مباشره اجابا عن سوالي قائلين: نحن من الاصحاب الملازمين لبقيه الله -عجل الله فرجه - وبما ان احدنا توفي امرنا من طرف مولانا بشراء سدر وكافور منك. يقول العطار: ما ان سمعت هذا المطلب حتى توسلت اليهما وتضرعت كثيرا حتى يصحبوني معهم لكنهما ردا: الامر متعلق باذن الامام وبما انه لا اذن لنا منه فنحن معذورون عن استجابه طلبك. اجبتهما: خذاني الى حيث انتم حتى آخذ اذن الامام، فان اذن فبها والا فانا راجع حيث كنت. في البدايه امتنعا الرجلان لكنهما ولا صراري الشديد والحاحي سمحا لي. اغلقت دكاني واتبعتهما حتى وصلنا الى الساحل. لم يحتج الرجلان الى وسيله ليعبرا البحر حيث مشيا علي الماء بكل قدره، لكن وقفت عاجزا، لا ادري ما العمل حتى قالا لي: لا تخف، واقسم علي الله بالحجه ان يحفظك ثم سر معنا. ففعلت ما قالا لي ومشيت علي الماء واثناء المسير تجمعت السحب حتى شرعت بالامطار فتذكرت الصابونات التي جعلتها مكشوفه لتضر بها الشمس وتجف، وفي اللحظه التي غفلت فيها وصار فكري وقلبي مشغولا بصابوناتي نزلت قدماي وصرت اسبح لا نجو من الغرق، لكن الرجلان توجها لحالي وانقذاني وقالا: تب مما اغرقك وجدد القسم. تبت وجددت القسم، وتمكنت من السير علي الماء، عند ما وصلنا الى الساحل رايت خيمه وسط البر تنير ما حولها، قالا لي الرجلان: غايه المقصود في هذه الخيمه، تقربنا من الخيمه. ودخل احدهما لاخذ الاذن من الامام، فكنت اسمع ما يجري بينهما من حديث، فسمعت الامام يقول له. ردوه فانه رجل صابوني ما ان سمعت كلام الامام المقدس ايقنت صحه بيانه، واني مسلوب اللياقه في لقاء حضرته، فما دمت متعلقا باوساخ الدنيا وقلبي لا ينفك عن الدنيا كيف له ان يعكس المحبوب في مرآته.(7) علي كل حال عصر الغيبه عصر الامتحان والتربيه، عصر التزلزل والثبات، عصر الصبر. ومن المناسبات ان نتطرق الى بعض علامات عصر الغيبه، ونتعرف علي موارد الامتحان والشدائد ثم نراجع انفسنا ونحاسبها. س 3: كيف يعرف الانسان انه نجح في الامتحان الالهي؟ الجواب: ومن هنا بالذات، تنبثق فكره التمحيص والامتحان، فاننا بعد ان نعرف ان لكل واقعه في الاسلام حكما معينا، ونعرف ان لكل فرد موقفا معينا تجاه كل حادثه. اذن لا بد ان ينظر الى مدي تطابق موقف الفرد مع حكم الاسلام. فان كان منسجما معه، فهو ناجح في التمحيص، وان كان مختلفا معه، فهو فاشل وراسب لا محاله. قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو يصف عصر الغيبه: سياتي زمان علي متى لا يبقي من القرآن الا رسمه، ولا من الاسلام الا اسمه يسمون به، وهم ابعد الناس منه، مساجدهم عامره وهي خراب من الهدي، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنه واليهم تعود.(8) وقوله صلى الله عليه واله وسلم: سياتي من بعدي اقوام... ليست همتهم الا الدنيا عكفون عليها، آلهتهم بطونهم... محاريبهم نسائهم، وشرفهم الدارهم والدنانير، اجسادهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع.(9) لتمحصن يا شيعه آل محمد صلى الله عليه واله وسلم تمحيص الكحل في العين، وان صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل علي شريعه من امرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي علي شريعه من امرنا ويصبح وقد خرج منها.(10) تجري في الامام المهدي سنن الانبياء عن سدير عن الصادق عليه السلام قال: ان للقائم منا غيبه يطول امدها! فقلت له: ولم ذك يابن رسول الله؟ قال عليه السلام: ان الله عز وجل ابي الا ان يجري فيه سنن الانبياء في غيباتهم، وانه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم قال الله تعالى: (لتركبن طبقا عن طبق) اي سننا علي سنن من كان قبلكم.(11) ان الغيبه ليست مختصه بالمهدي عليه السلام، وان التاريخ يذكر لنا غيبه بعض الانبياء والاولياء وان قصرت. اولم يستتر نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم في شعب ابي طالب ثلاث سنوات.(12) يخاف علي نفسه مرده قريش وجبابرتها، يحميه عمه ابو طالب. اولم يستتر قبلها في غار حراء، محافظا علي نفسه ورسالته، وهربا ممن كان يوذيه في عبادته، حين قله المؤمنين بدعوته وفقدان الانصار.(13) ولماذا قال موسى عليه السلام لقومه: (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين).(14) وقد قال الصادق عليه السلام: ان مده غيبته عندما خرج من مصر كان 28 عاما قال تعالى: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين).(15) وبعدها امره الله ان يرجع الى قومه بعد غيبته. وكذلك غاب السيد المسيح بمشيئه الله عن انظار امته، فلم يقدر اعداوه علي قتله والقضاء عليه.(16) فالخوف - مبدئيا - هو عله الغيبه طالت ام قصرت، لا خوف انسان عادي من القتل، بل خوف المهدي عليه السلام الذي اصطفاه الله حجه علي كل ظالم يعرف الحق ويحكم بغره، ويعرف الظلم ويفعله، والذي ادخره ربه ليقيم العدل في الكون. والحكمون والظلمه كانوا له بالمرصاد منذ ولادته وفي كل حين، فمنذ البدء، كانت محاصره الشرطه لدار ابيه اثناء الحمل به، ومراقبه نساء ابيه من القوابل، وبث الارصاد والعيون، كانت كلها سيوفا وصلته لاغتياله قبل ان يبصر النور، حتى انهم حيث فشلوا في الكشف عنه قبضوا علي نساء ابيه وجواريه وحبسوهن كثر من سنه بامل ان تضع من كانت منهن حبلي كما رايت، وكان لا سبيل للمهدي الا ان يتواري كما شاء له الله، وان يعد العده ويتحين الفرصه والاذن بالخروج. خروج المؤمنين من اصلاب الكافرين ورد عن الصادق عليه السلام: قد اودع الله في صلب الكفار والمنافقين نطفا لاشخاص مومنين، ولذا كان يحجم امير المؤمنين علي عليه السلام عن قتل الآباء الكفار ليولد منهم المؤمنون، وبعد ذلك يقوم بقتل كل من ظفر به منهم وكذلك لا يظهر قائمنا اهل البيت حتى تخرج الودائع من اصلاب الكافرين وبعدها يظهر فيقتل الكافرين.(17) وصول جميع اصناف الناس الى الحكم ورد عن الصادق عليه السلام: لا يظهر صاحب الامر ما لم يصل الى الحكم جميع اصناف الناس، حتى لا يقول احد عند ما تتشكل حكومه المهدي - عجل الله فرجه - لو اننا وصلنا الى الحكم لعملنا بالعدل.(18) هذه سته اسباب لغيبه الامام المهدي - عجل الله فرجه - وردت في الروايات الشريفه عن الائمه الاطهار عليهم السلام، فهل هذا يعني ان عدم وجود الناصر هو سبب من اسباب الغيبه وليس كما تقدم من انه السبب الوحيد للغيبه؟ فيما يلي سنبين كيف ان هذه الاسباب تشير الى سبب واحد وهو عدم وجود الناصر، وانما الاختلاف في طريقه البيان من الامام المعصوم، فتاره تكلم الامام المعصوم من جهه واخرى من غيرها وكل الى ذك السبب يشير. فيما يتعلق بالسببين الاولين من ان الامام لا يبايع وانه يخاف علي نفسه القتل، فقد قلنا فيما سبق انه من خصائص شخصيه الامام المهدي - عجل الله فرجه - انه المنتقم من الظالمين، وهو الذي يقيم حكم الله في الارض، ولانه كذلك فاذا ظهر دون ان يبايع الحكام الطواغيت، فانهم سيقتلونه ما لم يوجد معه اولئك الانصار الذين يحامون عنه. وهذان السببان هما نفس السبب الذي قلنا عنه من عدم وجود الناصر، فلو وجد الناصر كان الامام يرفض بيعتهم وكان لا يخاف الموت علي نفسه. اما السبب الثالث من ان الامام المهدي - عجل الله فرجه - لا يظهر حتى تغربل الشيعه وتمحص، فهذا يعني ان المطلوب هو وجود ذلك العدد بتلك الصفات لنصره الامام، ولوجود هذا العدد لا بد ان تمحص الشيعه، فهو عصاره التمحيص، فالامام المهدي عليه السلام غاب حتى يجتمع العدد المطلوب لنصرته عبر تمحيص الشيعه. والذي ورد في السبب الرابع ان الامام المهدي - عجل الله فرجه - قد غاب لانه لا بد من جريان سنه الانبياء فيه - عجل الله فرجه -، فهو يجب ان يغيب كما غابوا فان هذا لا يدل علي ان سبب الغيبه هو ان الانبياء غابوا، فلا بد له من الغيبه، بل يدل علي ان سبب غيبه الانبياء نفسه سبب غيبه الامام المهدي - عجل الله فرجه -. فالامام المهدي - عجل الله فرجه - تجري فيه سنه الانبياء في الغيبه وفي سببها ايضا، والسبب هو عدم وجود الناصر، ولاجل ذلك غاب من غاب من الانبياء فانهم كانوا محتاجون الى الناصر علي عدوهم، واذا ظهروا دون الناصر فانهم كانوا يقتلون. اما السبب الخامس ان الامام المهدي - عجل الله فرجه - لا يظهر حتى يخرج المؤمنون من اصلاب الكافرين فيتسني له قتل الكافرين حيث لا مومنين في اصلابهم، فان هذا ليس سببا آخر، فمشروع الامام المهدي - عجل الله فرجه - ليس قتل الكافرين فاذا قتلهم يكون انهي اهدافه، بل ان مشروعه هو اقامه حكم الله في الارض، وهذا لا يتحقق بقتل الكافرين فقط، بل لا بد للامام من وجود الانصار والاعوان، حتى تقام تلك الحكومه، بل كيف للامام ان يقتل الكافرين اينما وجدوا بدون الناصر والمعين. الذي ينصر الامام المهدي - عجل الله فرجه - ويعينه اولئك المؤمنون، والامام لا يظهر ما لم يخرجوا من اصلاب الكافرين، بل ينتظرهم حتى يخرجوا الى هذه الدنيا ثم يظهر -عجل الله فرجه -. والسبب السادس من ان الامام المهدي -عجل الله فرجه - لا يظهر حتى يصل الى الحكم جميع اصناف الناس، فهذه مقدمه لا بد منها لوجود ذلك العدد المطلوب، فحيث ان الناس لم يشعروا بحاجتهم للامام المهدي -عجل الله فرجه -و ظنوا انهم قادرون علي اداره شوون العالم؛ ليصلوا به الى المدينه الفاضله حيث يسود العدل جميع البلاد، فان الامام المهدي -عجل الله فرجه -قد ترك لهم هذا الامر حتى يخوضوا ويعلموا انهم غير قادرين علي تحقيق ذلك، وانه هو -عجل الله فرجه -القادر الوحيد علي اقامه تلك الحكومه. واذا علم فئه من الناس - العدد المطلوب - هذه الحقيقه، حقيقه قوله تعالى: (بقيه الله خير لكم)(19) عندها يظهر الامام، فان هولاء الرجال الثلاثمئه والثلاثه عشر علموا ان الامام المهدي -عجل الله فرجه - هو السبيل الوحيد للخلاص من الظلم والجور، ولا يوجد شيء يمكن لنا ان نقوم به بشكل نستغني عن حضوره الشريف وقيادته، ولذلك نجد في الروايه ان الامام المهدي -عجل الله فرجه -عندما يظهر ينادي مناد هذا طلبتكم قد جاء كم.(20) اذن تبين ان السبب الوحيد لغيبه الامام هو عدم وجود الناصر وكل الاسباب الوارده في الروايات انما تشير الى هذا السبب. الهوامش: (1) الغيبه الكبري: 233-229. (2) آل عمران: 179. (3) آل عمران: 142. (4) الانبياء: 35. (5) البقره: 124. (6) النمل: 40. (7) العبقري الحسان: 103. (8) بحار الانوار 190:52 ب (25) علامات ظهوره، ح 21. (9) بحار الانوار 74: 97-96 ب (5) وصيه النبي صلى الله عليه واله وسلم، ح 1. (10) الغيبه للنعماني: 214 ب (12)، ح 12. (11) بحار الانوار 90:52، ب (20) عله الغيبه، ح 3. (12) اشاره الى ماورد في بحار الانوار 176:51، ب (12) اثبات الغيبه. (13) اشاره الى ما ورد في تفسير الميزان 298:9. (14) الشعراء: 21. (15) القصص: 21. (16) اشاره الى ما ورد في سوره النساء: 158. (17) اثبات الهداه 738:3، بتصريف. (18) اثبات الهداه 738:3، بتصريف. (19) هود: 86. (20) اشاره الى ما ورد في بحار الانوار 306:52، ب (26) يوم خروجه، ح 79. ****************** تكليف الموالي في عصر الغيبة ان تكليف الموالي في عصر الغيبه هو: التمهيد لظهور الامام عليه السلام، عن الباقر عليه السلام: في صاحب هذا الامر اربع سنن من الانبياء، سنه من موسى وسنه من عيسي وسنه من يوسف وسنه من محمد صلى الله عليه واله وسلم. فاما من موسى فخائف يترقب، واما من يوسف فالسجن، واما من عيسي فيقال له انه مات ولم يمت، واما من محمد صلى الله عليه واله وسلم فالسيف.(1) السنه التي ورثها امامنا عليه السلام من نبي الله يوسف عليه السلام هي السجن. من المعلوم ان نبي الله يوسف قد ادخلوه الى السجن ظلما، فهو لم يرتكب اي ذنب وهكذا الامام المهدي عليه السلام، او ليست غيبته سجنا له عليه السلام. من الذي ادخل الامام المهدي الى السجن؟؟ الواقع ان عدم وجود الناصر هو الذي غيب الامام عليه السلام ونحن الذين تخاذلنا عن نصره امامنا لان كلا منا يغني علي ليلاه، لقد اصر كل منا ان يبحث عن حاجاته ورغباته وتامين حياته ومستقبله وغير ذلك، وكل همنا انفسنا ولم يكن همنا خدمه امامنا وتلبيه رغباته والتفكير في مستقبله. غاب الامام المهدي عليه السلام منذ كثر من الف سنه فهل حان وقت ظهوره، ام سيغيب الف سنه اخري... ام ان الامر لا يهمنا اذا كان الامام المهدي عليه السلام لم يخرج من سجنه بعد، فهذا لا يوجد من يطالب به، وهذه المطالبه لا تكون بالكلام والثارات بل تكون بالعمل والاستعداد، ويجب علي كل منا ان يشق طريقا له ليخدم من خلاله ذلك الامام المظلوم، ويجب ان يكون هدفنا الكبر هو التمهيد لذلك الظهور المقدس. التمهيد في اللغه العربيه هو التهيئه فيقال: مهدت الفراش مهدا اي بسطته وهياته، وهذا المعني نفسه هو المراد في كتاب الله ومن كلام المعصومين عليهم السلام فقد ورد عن الصادق عليه السلام: ان العمل الصالح ليذهب الى الجنه فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له ثم قرا (واما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلانفسهم يمهدون).(2)،(3) والتمهيد للامام المهدي عليه السلام عباره عن: تهيئه الظروف والاحوال لظهوره عليه السلام وهذا يعني ان وظيفه الممهد هي رفع المانع من الظهور. والمانع هو عدم وجود الانصار، والسعي الى تمهيد ظهور الامام عليه السلام في تهيئه الارضيه لتربيه وايجاد انصار للامام المهدي عليه السلام وهذا لا يتحقق الا بالعمل المستمر، ان ظهور الامام عليه السلام متوقف علي اعمالنا، فاعمالنا هي التي تعجل ظهوره او توخره، وذلك بتوفير شروط الظهور او عدمه، فالامام ينتظر منا التمهيد لخروجه. س: كيف نمهد لظهور الامام؟ الجواب: ان التمهيد لا يتحقق الا بالانتظار، الانتظار البناء الذي له ذلك الاجر الكبير المذكور في روايات المعصومين عليهم السلام. كقول الصادق عليه السلام: طوبي لشيعه قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، اولئك اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.(4) ان هذه الروايه وغيرها تدعونا الى التفكير في معنى الانتظار، فلا يمكن ان يكون الانتظار بمعني الجلوس في المنزل منتظرين الامام، فلو كان كذلك لما كد عليه اهل البيت عليهم السلام بكل هذا التكيد، ولما ترتب كل هذا الفضل عليه. اذن ما المقصود بالانتظار؟ الواقع ان الانتظار كيفيه نفسانيه، ينبعث منها التهيو لما تنتظره وضده الياس، فكلما كان الانتظار اشد كان التهيو كد، والتهيو هو العمل الذي يقوم به المنتظر. اذن لا بد من القول بان الانتظار هو عمل يقوم به الانسان في غيبه الامام، كما عبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: افضل اعمال متى انتظار الفرج.(5) فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم يصف الانتظار بالعمل، بل يعتبره افضل الاعمال. والمقصود من العمل هو العمل الذي يسبب الانتظار، بحيث بعد تاديتي لهذا العمل انتظر ظهور الامام عليه السلام، وليس كل عمل يبعث علي الانتظار، بل العمل الممهد الذي يحمل ذلك الدور في تعجيل ظهوره عليه السلام. فالمنتظر الحقيقي كالذي ينتظر مسافرا عزيزا علي قلبه، الا تري انه اذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيوك لقدومه كلما قرب حينه، بل ربما تبدل رقادك بالسهر لشده الانتظار. فالمومن المنتظر لقدوم مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده وعمله للاستعداد لظهوره وتحقيق شروط الانتظار الحقيقي في نفسه. فاذن علي الشيعي الموالي ان يصبح مواليا منتظرا. شروط الانتظار كيف يصبح الموالي منتظرا؟ لا يكون الانسان منتظرا حقيقيا وصادقا لامام زمانه عليه السلام الا بعد ان يحقق في نفسه حقيقه الانتظار، وحقيقه الانتظار تتقوم بهذه الشروط: اولا: العلم والتهذيب. ثانيا: معرفه الامام عليه السلام. ثالثا: الارتباط الروحي بالامام عليه السلام. رابعا: خدمه الامام عليه السلام. الاهداء السلام عليك يا صاحب الزمان، يا شريك القرآن، يا امام الانس والجان... قلبي اليك من الاشواق محترق الشوق يحرقني والدمع يغرقني ودمع عيني من الاعماق مندفق فهل رايت غريقا وهو محترق سيدي يابن الحسن المهدي.. اقدم اليك محصول جهدي الذي ما خرج الى النور الا بفضل عنايتك ولطفك.. وكيف اقدم عليك ما هو من آثار كرمك.. بل اقدم اعتذاري لتقصيري في خدمتك، ومعرفتك... فاسال الله تعالى ان يجعلني من صفوه انصارك وممن يتنعمون في الدنيا بتعليمك وتربيتك وخدمتك والشهاده بين يديك وفي الآخره بشفاعتك والحشر معك وفي جوارك.. آمين يا رب العالمين خادمتك ام مهدي تقديم الشيخ جعفر السبحاني الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي وعد الله به الامم ... اللهم بلي لا تخلوا الارض من قائم لله بحجه اما ظاهرا مشهورا، واما خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته...(6) علي ذلك جرت سنه الله سبحانه في الامم السالفه، فبعث الله فيهم النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب والميزان وايدهم بالمعاجز والبينات، فعاشوا بين الناس وعرفوهم فمنهم من آمن ومنهم من كفر. ثم انه سبحانه ارفقهم باولياء مغمورين وغير معروفين آتاهم من عنده رحمه وعلمهم من لدنه علما، يعيشون بين الناس، يستضيئون من انوار علومهم وهم لا يعرفونهم. ان القرآن الكريم يبين لنا تقارن السنتين في عصر موسى الكليم عليه السلام فقد كان هنك ولي ظاهر كموسي عليه السلام وولي مغمور رافقه الكليم في احد اسفاره، فقد كان وليا من اوليائه آتاه الله رحمه من عنده وعلمه من لدنه علما. كان يعيش بين الناس ويعينهم وينجدهم ولا يعرفه الناس حتى الولي الظاهر وهو الكليم عليه السلام. يقول سبحانه حكيا عن هذا الولي: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمه من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل اتبعك علي ان تعلمن مما علمت رشدا).(7) ثم ان الذكر الحكيم يقدم شرحا مفصلا عما قام به هذا الولي الالهي من اعمال خيريه للمسكين وغيرهم استغرب ولي الله الظاهر افعاله، ولما رفع الستار عن حكمه افعاله اقتنع موسى عليه السلام. ان غيبه الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من الاسرار الالهيه، لا نستطيع الوقوف علي حقيقتها وكنهها وان كنا نقف علي بعض اسرارها. ان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي وعد الله به الامم ليجمع به الكلم ويلم به الشعث وينجز به وعد المؤمنين. وقد روي الفريقان في اوصافه وغيبته وطول عمره ودولته الكريمه وبسطه العدل بعد ظهوره، روايات كثيره تناهز الالف، وقلما يتفق لموضوع اسلامي ان يرد فيه هذا القدر الهائل من الروايات، حتى ان بعض الجدد من الكتاب - وان قلل من رواياته - لكنه يقول في حقه: (ان المشكله ليست مشكله حديث او حديثين، او راو او راويين، انها مجموعه من الاحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريبا، اجتمع علي تناقلها مئات الرواه، وكثر من صاحب كتاب صحيح). فلماذا نرد علي هذه الكلميه؟ كلها فاسده؟... لو صح هذا الحكم لانهار الدين- والعياذ بالله - نتيجه تطرق الشك والظن الفاسد الى ما عداها من سنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. ثم اني لا اجد خلافا حول ظهور المهدي، او حول حاجه العالم اليه. ويضيف قائلا في رد قول من يرفض المهدي لعدم ورود خبره في صحيحي البخاري ومسلم: (لا اري لزاما علينا نحن المسلمون ان نربط ديننا بهما (صحيح البخاري ومسلم)، فلنفرض انهما لم يكونا، فهل تشل حركتنا وتتوقف دورتنا؟ لا، فالامه بخير والحمد لله، والذين جائوا بعد البخاري ومسلم استدركوا عليهما، واستكملوا جهدهما، ووزنوا علمهما، وكشفوا بعض الخلاف في صحيحيهما، وما زال المحدثون في تقدم علمي، وبحث وتحقيق ودراسه وجمع، ومقارنه وتمحيص، حتى يغمر الضوء كل مجهول، ويظهر كل خفي).(8) هذا وقد الف حول الامام المهدي وعامه شوونه موسوعات وكتب ورسائل يعسر احصائها، ولو جمعت، لكونت مكتبه كبيره، فشكر الله مساعيهم. ومن احدث ما رايته حول المهدي كتاب (المنتظر والمنتظرون) للكاتبه الفاضله التقيه (ام مهدي) فهي ممن وفقها الله سبحانه لدراسه المسائل العقائديه في ضوء الكتاب والسنه والعقل الحصيف ومن نتاجاتها هذا الكتاب الماثل بين يدي القراء، فقد درست الموضوع دراسه نقليه وعقليه فقارنت ما جاء في التراث الاسلامي حول المهدي عليه السلام بما في الشرائع السماويه في ثنايا التوراه والانجيل، فلم تقتصر علي الجانب النقلي بل ارفقته بالتحاليل العقليه التي تعبد الموضوع وتيسره للدراسه، كما انها عقدت فصولا لغايه الاجابه عن الاسئله المطروحه حول الامام عليه السلام الى غير ذلك من المباحث المهمه. وفي خاتمه المطاف اقترح عليها ان تعقد فصلا لذكر من راي المهدي في احضان ابيه الامام العسكري عليه السلام فان هذا احد المواضع التي قد تثار حوله الاسئله، فالرجاء من الباحثه الفاضله ان تتدارك هذا الجانب في الطبعات القادمه، وارجو الله سبحانه ان يوفقها لما فيه رضاه وياخذ بيدها وليسدد خطاها انه سميع مجيب. جعفر سبحاني قم المقدسه - موسسه الامام الصادق عليه السلام آخر شهر شوال 1423ه المقدمة ورد عن زراره قوله: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: للقائم غيبه قبل ان يقوم، فقلت: جعلت فدك ان ادركت ذلك الزمان اي شيء اعمل؟ فقال عليه السلام متى ادركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.(9) 1- ان طلب معرفه الامام من اهم الوظائف التي يجب ا ن نهتم بها في عصر الغيبه، فان هذه المعرفه هي التي تدفعنا الى نصرته والتسليم والجهاد بين يديه. ومعرفه الامام واجبه لانه مفترض الطاعه، وكل من يفترض طاعته يجب معرفه صفاته، وليعلم ان اللازم من تحصيل المعرفه بصفاته الخاصه ما يمتاز به عن غيره، بحيث يفرق به بين المحق والمبطل في دعواه، ولا ريب ان المقصود من المعرفه التي امرنا ائمتنا عليهم السلام بتحصيلها يكون سببا لسلامتنا من شبهات الملحدين ونجاه من المضلين، وذلك لا يحصل الا بامرين: احدهما: معرفه شخص الامام باسمه ونسبه. الثاني: معرفه صفاته وخصائصه، وتحصيل هاتين المعرفتين من اهم الواجبات. ومما يدل صريحا علي وجوب تحصيل هاتين المعرفتين: ما روي في البرهان عن معاويه بن وهب، عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: ان افضل الفرائض واوجبها علي الانسان معرفه الرب، والاقرار له بالعبوديه، وحد المعرفه ان يعرف الله ان لا اله غيره، ولا شبيه له ولا نظير وان يعرف انه قديم مثبت موجود غير فقيد، موصوف من غير شبيه له ولا نظير له، ولا مبطل، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).(10) وبعده معرفه الرسول والشهاده له بالنبوه، وادني معرفه الرسول الاقرار بنبوته وان ما اتي به من كتاب او امر او نهي فذلك عن الله عز وجل وبعده معرفه الامام الذي به ياتم، بنعمه وصفته واسمه في حال العسر واليسر.(11) وادني معرفه الامام انه عدل النبي صلى الله عليه واله وسلم الا درجه النبوه، ووراثه، وان هذا ادني معرفه الامام بقول ابي عبد الله عليه السلام. واما اعلي مرتبته والتي تكون من آثارها الحب والعشق والتسليم والطاعه لا تكتسب الا بالتوسل الى الله فقد روي محمد بن حكيم قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: المعرفه من صنع من هي؟ قال عليه السلام: من صنع الله ليس للعباد فيها صنع.(12) فاللازم علي العبد ان يسال الله تعالى ان يرزقه ويكمل له معرفه امام زمانه. طبعا هذا لا ينافي كون العبد مختارا ومامورا بالطلب والنظر في وسائل المعرفه، لانه نظير الرزق الذي امر العباد بطلبه، والايصال وظيفه الخالق المتعال، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).(13) كما ان الزرع والسعي نحوهما وظيفه العباد لكونها تحت قدرتهم، والاثبات، والانماء، والحفظ من الآفات، الى حصول النتيجه وظيفه الله عز وجل لكونها فوق قدره العباد، لكن عليهم الدعاء والمساله لحصول النتيجه المقصوده. وكذلك معرفه الامام لها وسائل واسباب، رتبها الله تعالى لعباده، وهي مقدوره لهم، مثل النظر في معجزاته، اخلاقه، طول غيبته، وما يرد علي المؤمنين في زمان غيبته، وبالشوون التي خصه الله تعالى بها... وغيرها، فعليهم السعي في تحصيل معرفته بالاسباب المذكوره. وهذا ما سعينا لاجله في هذا الكتاب الذي بين يديك، وذكرنا فيه ما يجب علي المنتظر في عصر الغيبه ليحصن به نفسه ودينه امام التيارات المضاده والمنحرفه، يحدد للقاري ما يجب عليه القيام به للتمهيد لظهوره عليه السلام والاتصاف بصفات انصاره. ليكون ما طرحناه وسيله من وسائل معرفه الامام المهدي عليه السلام لمن يبحث عن الوسيله للتقرب الى الله تعالى وامام زمانه. ام مهدي (بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين) اللهم كن لوليك الحجه ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعه وفي كل ساعه وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا، حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين. المستقبل السعيد للبشرية س: هل يوجد للبشريه مستقبل سعيد؟؟ يسود فيه الرفاه وتخيم فيه السعاده علي ربوع البشريه، وترتفع فيه المظالم والانانيات عن الناس، وتزول العداوه والاعتداء ويعم السلام الحقيقي الكامل كل المعموره... او ان هذا اليوم لن يوجد، بل من المفروض علي البشريه ان تبقي في خبط وتلون واعتداء ومظالم، مادام لها وجود علي البسيطه، لان هذه الحركه الظالمه الدائبه، من خصائص النقص البشري لا يمكن فككها عن البشر. هذا سوال مهم واساسي، قد يلقيه الفرد علي نفسه، او يسمعه من غيره فيهز راسه يائسا من الجواب، لان المستقبل مما لا يمكن الاطلاع عليه بحال من الاحوال. وآخر يري ان البشريه سوف تبقي علي هذا الحال تستمر مشكلها ومظالمها مادام لها وجود، لان الطبيعه البشريه ذات الانانيه او العامل الجنسي او الاقتصادي او غيرها هو السبب في هذه الحركات الظالمه، وهو موكب للبشريه الى نهايتها، اذن، فلا بد ان يبقي الظلم موكبا مع المجتمع البشري الى نهايته، ولا يمكن ان يوجد له اي مستقبل سعيد. في الفكر المادي ان الماديه تري ان السعاده للبشريه تتحقق بهذه الامور: في العلم التكنيكي الحديث ان العلم الصناعي الحديث هو الكفيل بايصال المجتمع البشري الى السعاده والرفاه وبخاصه في المستقبل، حيث يتطور العلم كثر مما هو عليه الآن، كيف لا؟! ونحن نعاصر النتائج الكبرى التي تمخض عنها العلم في هذا العصر، فاننا لو تجاوزنا قمم العلم العليا التي تتمثل في عده امور، كتفجير الذره والصعود الى الكوكب واستخدام العقل الالكتروني، اذا تجاوزناها وحاولنا النزول الى الفوائد الاجتماعيه التي يمكن للعلم ان يحققها، فيضمن للبشريه مستوي عال من السعاده والرفاه. اذن، لراينا الشيء الكثير... فهناك الاجهزه التي اخترعت، ولا زالت تخترع لتذليل مصاعب الحياه المنزليه، ولعل اهمها الى الآن ذلك الانسان الآلي الذي يقوم بالخدمات بكل رحابه صدر وبدون تعب، ويوفر للعائله كبر الجهود. وهو ايضا يرد علي الهاتف ويخبر صاحبه عن الاتصالات الهاتفيه الحاصله حال غيابه. وهنك الآلات الزاخره العظيمه المستعمله كوسائل للاعلام؛ من السينما الى الراديو، الى التلفزيون، واما الهاتف الصوتي والتلفزيون والمتنقل فحدث عنه ولا حرج، في تقصير المسافات، واختصار الجهد الى حد بعيد. وهنك الآلات الزراعيه، التي تقلل الجهد وتزيد في الانتاج وتوسع رقعه الارض المزوعه الى كبر مدي. وقل نفسي الشيء في تحسين الانتاج الحيواني، وتطويره وتوسيعه. ولا يخفي ما للعلم من جهود مشكوره في دفع الآفات والامراض الزراعيه والحيوانيه، واعطاء اعمق الاساليب وانجحها لاتخاذ احسن شكل للانتاج. واما الطلب فحدث - عن انتصاراته علي المرض - ولا حرج... وقد تكللت الجهود الطبيه بزرع الاعضاء الجديده في جسم الانسان بدل الاعضاء التالفه فيه، ولعل عمليه زرع القلب هي اهم ما انجز في هذا المجال، بل قد تودع في الجسم الانساني آله صماء تقوم مقام العضو التالف لتودي نفس وظيفته. و تربيه الجيل الناشيء قد استندت الى العلم ايضا... فهناك النظريات التربويه التي تطبقها احدث المعاهد في العالم، ولا زال العلم يتقدم بهذه النظريات نحو الافضل. وتعال بنا الى الهندسه العمرانيه، لنري انها الى اي ارتفاع ودقه وصلت في ميادين هندسه البيوت والمدارس والمستشفيات والاسواق والمتنزهات وغيرها... مما يوفر احسن الرفاه وكبر الجهود للناس. واذا تجاوزنا الجانب الاجتماعي للعلم، الى الجانب الفكري او الثقافي ككل، وجدنا تفوقا لا يوصف في علوم الذره والفلك والفيزياء والكيمياء والمنطق والفلسفه وعلم النفس. لم تكن البشريه قد بلغته في اي وقت مضي من حياتها الطويله، كل ذلك يبشر بالخير، والمستقبل الزاهر السعيد الذي يقوم علي كتاف العلم والعلماء. واذا كان العلم قد وصل الى مثل هذه المراتب العظيمه في العصر الحاضر، فاحري به ان يصل الى درجات اهم واوسع في المستقبل، تكون كافيه - وبكل جداره - لضمان الرفاه وسياده السعاده والعدل في ربوع البشريه. المناقشه: الا انه من الموسف ان هذا الكلام بالرغم من اهميته وجمال شكله لا يمكن ان يكون صحيحا في نتيجته، باي حال من الاحوال. فكل هذه التطورات العلميه صادقه، ولعل فيما اهملناه اهميه مماثله او كبر مما ذكرناه، فاننا اعطينا نماذج من ذلك فقط. ولعمري ان للعلم مساعده فعاله في جلب الراحه الى الانسان والمجتمع. لكن ذلك لا يعني بحال ان العلم وحده من دون ملاحظه شيء آخر، يمكنه ان يضمن السعاده والعدل بين الناس، ولا ينبغي لنا ان نبالغ في اهميه العلم مهما كان له في العالم من هيبه واهميه. فان العلم انما يضمن الجانب المدني والتكنيكي من حياه الانسان ولا يتضمن العلم - بمجرده- اي جانب قانوني او اخلاقي، كما هو واضح. فان لهذه الامور حقولا اخرى في المعرفه الانسانيه لا تمت الى العلم بصله، علي الاطلاق. فاذا استطعنا ان نضم النتائج الرائعه للعلم الى نظام عادل وقانون سليم، استطعنا ان نكفل الرفاه الحقيقي والسعاده الكبريه، اذ تكون النتائج العلميه موزعه يومئذ بين البشر بشكل متساو ومتكافيء بدون احجاف او ظلم. واما اذا نظرنا الى العلم وحده، وتوقعنا منه ان يكون صانعا لسعاده المستقبل مع اسقاط النظام عن نظر الاعتبار... فهذا يعني الوصول الى نتائج وخيمه مروعه في غايه السوء والاجحاف. منها: انه يمكن للعلم ان يكرس طاقاته الهائله في فناء البشريه واضرارها الى حد كبير... في وضع الاسلحه الفتكه والسموم القاتله، ووسائل التعذيب اللاانساني للآخرين. وهذا ما هو حاصل في العصر الحاضر، وهو يتقدم ويتزايد بتقديم العلم وتزايده، وتبذل الدول في سبيله الملامين. ومنها: ان هذا الرفاه يكون خاصا بالمتمولين، الذين يستطيعون استغلال النتائج العلميه في مصلحتهم، اما الاعم الاغلب من الناس في العالم، وهم متوسطو الحال وذوو الدخل المحدود والفقراء فلن يستطيعوا الحصول علي شيء مهم من نتائج العلم. فان قال قائل: انه يمكن توفير الرفاه العلمي لكبر كميه من الناس وبأرخص ثمن ممكن... وبذلك تتسع رقعه المستفيدين من نتائج العلم الكبري. قلنا: ان هذا لا يكون الا تحت نظام خاص وفي ظل نظام معين يكفل ذلك، ولا يمكن للعلم وحده ان يكفل هذه الجهه. ومنها: ان العلم اذا لم ينضم الى القانون الصالح، لا يمكن ان يضمن زوال الاعتداء بين البشر باي شكل من الاشكال. ومن الواضح ان التطور العلمي لا يعني تطور الجانب الانساني من الانسان بل يمكن ان ينسجم مع اشكال الانتاج مع اقسي اشكال الانانيه والعدوان. ومع كل ذلك، وغيره، كيف يمكن للفرد ان يتفوه بهذا الكلام علي انه حقيقه نهائيه، وهو انه يمكن للعلم وحده ان يضمن المستقبل السعيد للعالم. وهكذا فان هذه المقوله قد فشلت في قياده البشريه نحو المستقبل السعيد. الهوامش: (1) كمال الدين 152:1 ب (6) في غيبه موسى، ح 14. (2) مضمون ماخوذ من الآيه 44 في سوره الروم: (ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون). (3) الامالي المفيد: 195. (4) كمال الدين 357:2 ب (33) ح 54. (5) بحار الانوار 317:50 ب (4) مكارم اخلاقه ح 14. (6) نهج البلاغه، قسم الحكم، رقم 147. (7) الكهف: 66-65. (8) بين يدي الساعه، الدكتور عبد الباقي: 125-123 وقد فات الكاتب ان في صحيحي البخاري ومسلم الماعات واشارات بل في الثاني تصريحات الى الامام المهدي يقف عليها من سبر الكتابين. (9) الكافي 1: باب في الغيبه، ح 5. (10) الشوري: 11. (11) تفسير البرهان 209:3 تفسير سوره الاعراف آيه: 143، ح 3. (12) الكافي 163:1 باب البيان والتعريف ولزوم الحجه، ح 2. (13) العنكبوت:69. ****************** في الفكر القانوني بعد ان ثبت بوضوح فشل الاطروحه العلميه لقياده العالم، وان المهم في الامر هو وجود النظام الصالح والقانون العادل الذي ينسق شوون المجتمع والبشريه ويسهل حصولها علي آمالها وازاله آلامها. اذن فالقائد الرئيس للبشريه نحو الافضل هو القانون نفسه... وهو الذي سيكفل للبشر مستقبلهم السعيد. فان البشريه كانت ولا زالت، تمر في تاريخها الطويل بتجارب ومشكل تكون هي الكفيل الاساسي لرقي الفكر القانوني. وذلك بعد مرور الفكر القانوني بمرحلتين: المرحله الاولي: التعرف بوضوح علي المشكل العامه والخاصه السائده في المجتمع، ومحاوله فهمها فهما عميقا كاملا والاطلاع بها علي اسبابها ونتائجها بكل دقه، وكلما اتسع الوعي الفكري للانسان علي واقعه بما فيه من مشكل وآلام، ساعد ذلك علي تربيه الجانب القانوني فيه. المرحله الثانيه: محاوله التعمق، في معرفه الحلول الممكنه لهذه المشكل المعروضه، والاطلاع علي اساليب عامه وفعاله في ازاله المصاعب وتذليل العقبات، ومن ثم الى تحضير الرفاه والعداله في المجتمع. فاذا استطاع المفكر القانوني، ان يمر بكلتي المرحلتين، بشكل دقيق وشامل، استطاع - لا محاله - ان يصل الى وضع القانون العادل الذي يكفل السعاده والرفاه الدائم. وقد كان ولا زال الفكر القانوني البشري، في طريق التربيه والتكامل باستمرار، من كلتا الجهتين، نتيجه لم تعطه التجارب الاجتماعيه من دقه وثراء. وبذلك يثري الفهم الفقهي القانوني، فتعطي التعاريف والتفاسير بشكل ادق شيئا فشيئا، سواء في ذلك من ناحيه القانون المدني او العسكري او الدولي، او قوانين العقوبات او الاحوال الشخصيه... او غيرها. وقد وصل القانون في العصر الحاضر الى مراتب عليا، حتى اصبح من ادق العلوم الانسانيه. وان كنا قد نجد فيه بعض النواقص والاختلافات بين المفكرين في جمله من حقوله... فان التكامل التدريجي للقانون، من خلال التجارب الطويله كفيل بان يزيل هذا النقص ويزيد في ادرك الفكر القانوني لتلك المرحلتين الاساسيتين، مما يفتح امام القانون فرصه الوصول التدريجي الى ادرك العدل الحقيقي، والتذليل الكامل للمشكل البشريه. حيث لا يكون المقصود، تعيين فتره معينه لهذا التكامل، فان من الممكن ان يصل القانون الى النتيجه الكبري، في فتره مقبله من الدهر، مهما طالت. واذا وصل القانون الى درجه الفهم الكامل للعدل، وامكن تطبيقه في المجتمع البشري، كان هذا هو المستقبل السعيد الموعود الذي يعم فيه الرفاه والسعاده ربوع المجتمع البشري كله. وبهذا يتم البرهان علي الاطروحه الثانيه. المناقشه: غير انه يمكن المناقشه في هذه النتيجه بالرغم من اهميتها، بعده مناقشات اساسيه: المناقشه الاولي: وهي عجز الفكر البشري القانوني عن ادرك مصالحه الحقيقه وادرك العدل، وبالتالي انه يعتذر عليه تغطيه مرحله التعرف علي المشكل العامه والخاصه ومحاوله فهم اسبابها ونتائجها بدقه. والتعرف علي الحلول الممكنه لهذه المشكل المعروضه، وايجاد اساليب فعاله في ازاله المصاعب لاحراز العدل الكامل. بل يتحقق هذا الامر فقط عن طريق الحكمه الالهيه والوحي من وراء الطبيعه. واما الفهم البشري المنفصل عن الوحي - كما هو مفروض هذه الاطروحه - فيتعذر عليه ذلك حال. المناقشه الثانيه: انه من الصعب ان نتصور ان في مستطاع الفكر القانوني البشري ان يثري ويتكامل باستمرار، حتى يصل الى ادرك العدل المطلق. وذلك لان المفكر القانوني فردا كان او جماعه، فانه يحيا في المجتمع كاي انسان آخر، له مصالحه وارتباطاته وعلاقاته وموارده الاقتصاديه، وغير ذلك. وهو يود في كل ذلك طبقا لحب الخير لنفسه ان ينجح في كل الحقول، وان يتوفق فيها احسن توفيق، ويتقدم علي غيره من الناس مهما امكن. واذا كان المفكر القانوني، ذا اتجاه عقائي او سياسي معين، كان - لا محاله - متحمسا لذلك الاتجاه، يود فوزه وسيطرته علي الآخرين ويري اندحاره وخيبته كابوسا مزعجا. وعلي كل حال يكون الفرد القانوني، ذا تكوين نفسي واتجاه اجتماعي معين يستحيل عليه ان يعزله عن فكره القانوني وعن ادركه للمصالح والمفاسد العامه. ومهما حاول الفرد اتخاذ المسلك الموضوعي والتجرد عن الانانيه والتعصب، وتصور مصالح الاخرين بمعزل عن مصالح نفسه؛ فانه فاشل وخاطيء، فان الاشعور والضغوط والملابسات العامه والخاصه والتاريخ الذي عاشه، يفرض نفسه عليه من حيث يدري او لا يدري. المناقشه الثالثه: ان التكامل في الفكر القانوني، كما شهدناه في عالم الامس واليوم اصبح ذا شعب وانشقاقات، فما هو عدل منه هولاء هو ظلم عند آخرين وما هو مصلحه عند قوم هو مفسده لدي آخرين، وما هو تجرد وموضوعيه عند بعضهم، هو عين الانانيه والتعصب عند البعض الآخرين... وهكذا. يكفينا انشقاق القانون المدني، الى روماني وجرماني، وهما يختلفان في المفاهيم الاوليه لتفسيرها وتعريفها، فضلا عن التفاصيل، وكذلك انشقاق الاتجاه الاقتصادي الى راسماليه واشتركيه، وهما يتخلفان في وجه نظهما الى الانتاج والتوزيع اختلافا جوهريا، وكذلك اختلاف الدول - وان اتفقت في المباديء- في قوانين الاحوال الشخصيه وقوانين العقوبات وغيرها. فاي هذه الانشقاقات يرجي لها الكمال؟! ان النظر العقلي المجرد لا يري احد الشقين او احد الخصمين او التفسيرين اولي من الآخر، واما الفرد المومن باحدهما فيري قانونه هو الكامل ويتعصب له، ويبقي التكتل والانشقاق بين البشر موجودا، ومع تفشيه يستحيل الوصول الى العدل العالمي المطلوب. ومن المعتذر حقا ان نزعم ان الفكر القانوني بتكامله ومروره بالتجارب المتكثره سوف يتوحد في العالم، ويرتفع الخلاف بين القانونين. ان هذا الافتراض مخالف لطبيعه الاشياء وطبيعه الانسان. واذا لم توجد الوحده في الفكر القانوني، وكان من المعتذر وجودها، يستحيل علي الدوله بكل هيمنتها وهيبتها وموسساتها، ان تضمن ذلك. ولئن ضمنته حينا، فلن تستطيع ذلك دائما، ولئن استطاعته دائما، في فرد او جماعه معينه، فلن تستطيعه في كل الشعب. كما لن تستطيع تطبيق القانون من قناعه عامه به وعن تجاوب قلبي معه، وانما سوف يطبق القانون بمقدار ما تقتضيه القوه من ناحيه، والمصالح الشخصيه للافراد من ناحيه اخرى يدفعون به عن انفسهم العقاب، او ينالون به شيئا من الفوائد. واذا كان الناس هكذا وهم دوما لهم نفس الموقف تجاه القانون البشري اذن فلا يمكن ان نتوقع لهذا القانون في يوم من الايام، ان يضمن لنفسه التطبيق الكامل المطلوب. في الاديان الالهية ان جميع الديانات الالهيه - خاصه اليهوديه والمسيحيه والاسلام - تعتقد بان هنك مستقبلا سعيدا للبشريه، وما يحقق هذه السعاده هي العداله، عداله الهيه من طرف السماء ضمن قانون الهي وهو الدين. ومن يقوم باعباء هذه المسووليه هو رجل من عباد الله الصالحين والذي يتم اختياره من طرف السماء لتحقيق العداله باقامته للدوله العالميه الموحده ويسمي بالمنقذ العالمي. في التوراة يذكر في كتاب التوراه الموجود في ايدي اليهود بشاره عن ظهور المنقذ في آخر الزمان لانقاذ العالم ويذكر في زبور داوود بعنوان - مزامير - نهايه الاشرار الى الفناء، واما اهل التوكل علي الله سيرثون الارض، وان الصديقن سيرثون الارض ابدا ودائما، وفي مكان آخر وفصل آخر. في ايامه ينتشر السلام ويحكم علي الارض الى اقصاها، وجميع الملوك تخضع امامه، وينتهي عذاب الفقراء والمسكين الذين لم يكن لندائهم جواب ويرحم الذليل وينقذ ارواحهم من الظلم والعذاب، اسمه يبقي الى الابد مثل الشمس، ويتبرك الناس به وبوجوده.(1) في الانجيل يذكر في انجيل لوقا: تظهر العلامات في القمر والنجوم والارض وتعيش الامم في حيره، وتضعف قلوبهم من الخوف والانتظار، عندها يظهر ابن الانسان علي سحابه بكل قوه وجلال.(2) في القرآن اما كتاب المسلمين وهو القرآن فقد تنبا بمستقبل البشريه نحو السعاده ببركه العداله الالهيه. قال تعالى: (ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين).(3) قال الامام علي عليه السلام في معنى هذه الآيه: هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم.(4) وقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون).(5) فهذا وعد صريح من الله عزوجل (ان الله لا يخلف الميعاد).(6) للبشريه المومنه الصالحه التي قاست الظلم والعذاب في عصور الانحراف وبذلت من التضحيات الشيء الكثير... بان يستخلفهم في الارض، بمعني انه يوفقهم الى السلطه الفعليه علي البشريه وممارسته الولايه الحقيقيه فيهم. وان الارض - تعني كل الارض علي الاطلاق - سوف تكون مشموله لسلطه المؤمنين واستخلافهم وسيحكمون وجه البسيطه، وذلك لعدم وجود اي قرينه علي انصرافها الى ارض معينه. وقوله تعالى: (وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم). فان التمكين التام والاستقرار الحقيقي للدين، لا يكون الا عند سيادته في الالم اجمع. وكقوله تعالى: (وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا)، بعد ان نعرف ان المؤمنين كانوا قبل الاستخلاف يعانون الخوف في كل مناطق العالم لسياده الظلم والجور في العالم كله. فلا يكون الخوف قد تبدل الى الامن حقيقه الا بعد ان تتم لهم السلطه علي وجه الارض كلها. فاذا تم لنا من الآيه ذلك، ولا حظنا وجداننا فان هذا الوضع الاجتماعي العالمي الموعود، لم يتحقق علي مدي التاريخ منذ فجر البشريه الى عصرنا الحاضر. اذن فهو مما سيتحقق في مستقبل الدهر يقينا طبقا للوعد الالهي القطعي غير القابل للتخلف. وان الاسلام هو الدين المختار من الله لهذه الدوله العاليه من غير بقيه الاديان السماويه، لان رساله الاسلام هي آخر رساله عالميه كافيه ملبيه لحاجات البشر، وان البشريه سوف تستغني بالعدل الناتج عن تطبيق الاسلام عن اي شريعه جديده، والا كانت ناقصه وغير مغنيه او كانت مرحله تربويه ولكان اللازم - طبقا لقاعده اللطف الالهي - ارسال شرائع اخرى حتى تصل البشريه الى العدل الكامل الذي تستغني به البشريه، ولكان ختم النبوات بالاسلام خطوه غير صحيحه. فالسعاده البشريه سوف تتحقق في المستقبل باقامه العداله الالهيه في ظل الدوله العالميه الاسلاميه التي ستحكم العالم. س: كيف تتاسس هذه الدوله؟ تتاسس الدوله العالميه بجهود القائد الامام المهدي عليه السلام، واصحابه المخلصين الممحصين. من هو المهدي المنتظر؟ س: كيف وجدت الفكره المهدويه في الذهن البشري؟ ان وجود فكره المهدي عليه السلام مساوق لتطور الوعي البشري نفسه.. فمن الطبيعي ان نتوقع اختصارا وغموضا في اول عهدها، بل واختلاطها بشوائب كثيره غير صحيحه، طبقا للمستوي الذهني الواطيء. المهدي في الاديان السماوية اذا نظرنا الى عصر ما قبل نبوه موسى عليه السلام. نري المقدار المنجز من هذه الفكره في الذهن البشري يتمثل في الجوانب الآتيه: الجانب الاول: ضروره البدء باصلاح النفس، وهي خطوه في طريق اصلاح المجتمع، ومن ثم تكوين دوله العدل العالميه في المدي البعيد. واهم من كد علي ذلك النبي نوح عليه السلام، كما نطق به كل من التوراه والقرآن، فمن ذلك قوله تعالى: (قال يا قوم اني لكم نذير مبين ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويوخركم الى اجل مسمي).(7) الجانب الثاني: رفع مستوي الوعي من اصلاح النفس الى السعي الى اصلاح المجتمع فمن ذلك قوله تعالى: (والي مدين اخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جائتكم بينه من ربكم فاوفوا الكيل والميزان).(8) الجانب الثالث: الاشاره بغموض الى دوله العدل العالميه وقائدها المهدي عليه السلام، وذلك حيث قال النبي شعيب عليه السلام لقومه: (بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين).(9) والمراد ببقيه الله المهدي عليه السلام، علي مانطقت به بعض الروايات وذكرت انه اذا ظهر حياه المؤمنون بقولهم: السلام عليك يا بقيه الله في ارضه(10) والمراد بالبقيه كونه عليه السلام المتبقي في الارض من خط الانبياء والاولياء السابقين عليهم السلام وهذا يعطي بوضوح كون عمله نتيجه كبيره وحقيقه لمجموع اعمالهم. وعلي ذلك يكون المراد الحقيقي الكامل لشعيب عليه السلام: ان دوله العدل العالميه بقياده المهدي عليه السلام، هي خير للانسانيه لكم من كل وضع اجتماعي وعقائدي سابق عليها، ولكن هذا المعني بصراحته، لم تكن تطيقه البشريه بذهنها القاصر يومئذ، فكان الارجح الكتفاء بهذا المقدار الغامض. اذن فالكفره المهدويه بالمعني الخاص الذي يفهمه الناس الآن، وهي ان شخصا معينا سياتي لاصلاح العالم، لم يكن لها وجود قبل النبي موسى عليه السلام والديانه اليهوديه. وبعد بعثه النبي موسى عليه السلام فانه اشار لمستقبل العالم والدوله العالميه ولكن ليس بوضوح تام، قوله تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين).(11) ثم جاءت المسيحيه التي تحوي الكثير مما ينبيء عن مستقبل البشريه واقامه دوله العدل، وهذا ما يلاحظ في كتب الانجيل: اولا: نزول المسيح في مستقبل الدهر او في نهايته، وهي ايضا وردت بشكل غير مبهم في الاناجيل الاربعه، ولكنه ركز عليه بوضوح في انجيل برنابا الذي رفضه المسيحيون. ثانيا: التصريح ببعثه رسول الاسلام وتسميته، وهو مما اختص به انجيل برنابا.. ومن اجله رفضه المسيحيون. ثالثا: فكره اقامه دوله العدل العالميه، فان المراد بملكوت الله هو ذلك بصفته محققا للهدف الاعلي لخلق البشريه، ويكون بقياده القائد الكبر المهدي عليه السلام، الذي يسميه الانجيل بابن الانسان، ويصف مجيئه باوصاف الهيه كبيره. اذن المهدي عليه السلام مذكور في التوراه والانجيل والامم كلها مجمعه علي خروج مخلص للبشريه من الظلم والعسف، حتى ان من شك في ذلك فقد كفر. وانه هو بذاته وصفاته لمكتوب في جميع اسفار سائر الانبياء. ثم بظهور الاسلام توضحت معالم الدوله العالميه بقياده المهدي عليه السلام لانه سيكون هذا النظام التشريعي مع تكوينه العقائدي هو المطبق في تلك الدوله. اذن ينبغي ان يكون المجتمع مطلعا علي عدد من خصائص هذه الدوله ومقدماتها، ليكون علي بصيره من امره تجاهها، من حيث الايمان بها من ناحيه، وتطبيق مستلزماتها العاطفيه والعمليه من ناحيه اخري.(12) وقد اوضح الاسلام جهات كثيره جدا من جوانب الفكره المهدويه والدوله العالميه، وقد تشارك القرآن والسنه الشريفه في ذلك: وهذا ما نستعرضه في بحثنا ان شاء الله، بدايه بمعرفه قائد هذه الدوله وهو الامام المهدي عليه السلام وغيبته وعلامات ظهوره، وعلامات ومميزات دولته العالميه وانصاره. المهدي في الاسلام ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو الذي يعلن عن هويه المهدي عليه السلام. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: القائم المهدي من ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي اشبه الناس بي خلقا وخلقا.(13) وقوله صلى الله عليه واله وسلم: ان خلفائي واوصيائي، وحجج الله علي الخلق بعدي، الاثنا عشر. اولهم علي، وآخرهم ولدي المهدي.(14) وقال صلى الله عليه واله وسلم: من انكر القائم من ولدي اثناء غيبته. مات ميته جاهليه.(15) وحتي في كتب اهل السنه قد صرح باسمه ونسبه وانه من قريش. وقد اخرج سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع الموده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ان خلفائي واوصيائي وحجج الله علي الخلق بعدي الاثنا عشر: اولهم علي وآخرهم ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسي بن مريم، فيصلي خلف المهدي وتشرق الارض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(16) فهنك - طبق احصاءات اهل التحقيق من العلماء - حوالي 657 حديثا حول هذه المساله عند علماء السنه وكتبهم، ونذكر حديثا واحدا رواه احمد بن حنبل في مسنده، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله عز وجل رجلا منا يملاها عدلا كما ملئت جورا.(17) وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.(18) وعلي هذا الاساس يكون قيام رجل من اهل البيت النبوي وظهوره في آخر الزمان موضع اتفاق بين المسلمين شيه وسنه. واما ما وقع الخلاف فيه فهو ولادته، فهل ولد هذا الرجل ولا يزال منذ ولادته حيا، ام انه سيولد في المستقبل؟ يذهب الشيعه وفريق من اهل التحقيق من اهل السنه الى ان الامام المهدي ولد من امه نرجس عام 255ه وهو لا يزال حيا الى هذا اليوم.(19) وذهب فريق من اهل السنه الى انه سيولد فيما بعد.(20) ومما لا شك فيه ان الامام المهدي عليه السلام من صلب الامام الحسن العسكري عليه السلام وهو مولود وموجود بشهاده الموالف والمخالف، وقد اخفيت ولادته عن عامه الناس لا خاصتهم. وكان عمر، يوم وفاه ابيه خمس سنوات واشهرا، فسلمه ابوه مواريث النبوه. وامه العظيمه نرجس. والقابه المعروفه من الاخبار القدسيه: حجه الله، المهدي، خاتم الائمه، والمنتظر، القائم بالحق، بقيه الله في الارض، صاحب الزمان، ولن يشاركه في هذه الالقاب احد، وهو مصداقها مفرده ومجتمعه. وكناه: ابو القاسم، ابو عبد الله. وهو ايضا: المنصور، الصاحب، الحجه، المامول، الثائر، المنتقم، المويد السيد. وقد سئل الصادق عليه السلام: نسلم علي القائم بامره المؤمنين؟ فقال عليه السلام: لا، ذك اسم سمي الله به اميرالمؤمنين عليه السلام لم يسم به احد قبله ولا يتسمي به بعده الا كافر. قيل: كيف نسلم عليه؟ قال: السلام عليك يا بقيه الله، ثم قرا: (بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين..).(21) الهوامش: (1) العهد العتيق 92:5. (2) انجيل لوقا: ب (21). (3) القصص:5. (4) تفسير نور الثقلين 110:4، ح 11. (5) النور: 55. (6) آل عمران:9. (7) نوح:4-2. (8) هود: 84. (9) هود: 86. (10) كتاب المزار 468:1. (11) الاعراف: 128. (12) اليوم الموعود: 524-521. (13) بحار الانوار 72:51، ب (1) ما ورد من الاخبار بالقائم، ح 16، عن كمال الدين 286:1 ب (25) ما اخبر به النبي صلى الله عليه واله وسلم من وقوع الغيبه بالقائم عليه السلام. (14) فرائد السمطين 312:2، ح 562. (15) منتخب الاثر: 492. (16) ينابيع الموده 101:3 ب (78)، ح 2. (17) مسند احمد بن حنبل 99:1. (18) اعلام الوري 231:2 ب (2)، في ذكر النصوص الداله علي امامته عليه السلام من آبائه عليهم السلام. (19) اعلام الوري 2: 217-214 الفصل الثاني في ذكر مولده عليه السلام واسم امه. (20) الامام المهدي عند السنه 1: 304-296 فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان. (21) تفسير نور الثقلين 390:2، ح 190، والآيه في سوره هود:86. ****************** وفيما يلي نشير الى بعض معنى اسمائه. المهدي قال الامام محمد الباقر عليه السلام: اذا قام مهدينا اهل البيت، قسم بالسويه، وعدل في الرعيه، فمن اطاعه فقد اطاع الله ومن عصاه فقد عصي الله، وانما سمي المهدي لانه يهدي الى امر خفي.(1) القائم يسمي بالقائم؛ لانه يقوم باعظم قيام عرفه التاريخ البشري، ويقوم بالحق الذي لا يشوبه باطل ابدا، وهذا مما يمتاز به قيامه عليه السلام لان التاريخ قد سجل قيام بعض الافراد بثورات ونهضات، ولكن قيامهم ونهضتهم لم تكن علي الصراط المستقيم، الا ان الامام المهدي عليه السلام يقوم بالحق لا غير عن ابي حمزه الثمالي قال: سالت الباقر عليه السلام: يابن رسول الله الستم كلكم قائمين بالحق؟ قال: بلي، قلت: فلم سمي القائم قائما؟ قال: لما قتل جدي الحسين عليه السلام ضجت الملائكه الى الله عز وجل بالبكاء والنحيب... الى ان قال: ثم كشف الله عز وجل عن الائمه من ولد الحسين عليه السلام للملائكه، فسرت الملائكه بذلك، فاذا احدهم قائم يصلي، فقال الله عز وجل: بذلك القائم انتقم منهم.(2) اي من قتله الحسين عليه السلام. س: لماذا يقف الشيعه عند ذكر احد اسماء الامام المهدي وهو القائم؟ الجواب: نعم، ان من بين السنن الموجوده عند الشيعه هو قيامهم عند ذكر القائم عليه السلام. وعلي هذا الفعل لا يوجد لدينا دليل يدل علي الوجوب وانما هو كعمل استحبابي يوديه الشيعه وهو نوع من اظهار الادب والاحترام للامام الغائب. وكما يروي ان اسم القائم ذكر في مجلس كان فيه الامام الرضا عليه السلام فقام الامام ووضع يده فوق راسه وقال: اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه.(3) سئل العالم السيد عبدالله الجزائري عن القيام عند ذكر لقب القائم عليه السلام فاجاب: انه راي خبرا مضمونه ان الاسم المبارك وهو اسم المهدي ذكر يوما في مجلس الامام الصادق عليه السلام فوقف احتراما له وتعظيما، وفي تكلمه امل الآمل ان احد علماء الاماميه وضع كتابا في وفاه الامام الرضا عليه السلام روي فيه: انه لما كان دعبل الخزاعي ينشد قصيدته للامام الرضا عليه السلام ووصل الى هذا البيت: خروج امام لا محاله خارج يقوم علي اسم الله والبركات وقف الامام الرضا عليه السلام علي قدميه، واحني راسه الشريف الى الارض بعد ان وضع كفه اليمني علي راسه وقال: اللهم عجل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصرا عزيزا.(4) المنتظر يسمي بالمنتظر، لان الناس كانوا ولا يزالون ينتظرون ظهوره وخروجه، لتطهير الكره الارضيه من كل ظلم وجور. سئل الامام الجواد عليه السلام: يابن رسول الله ولم سمي القائم؟ قال: لانه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد كثر القائلين بامامته. فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال: لان له غيبه تكثر ايامها، ويطول امدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون.(5) صاحب الامر يسمي بصاحب الامر، لانه الامام الحق الذي فرض الله طاعته علي العباد، في قوله تعالى: (اطيعو الله واطيعو الرسول واولي الامر منكم).(6) وصرحت الاحاديث ان اولي الامر هم الائمه عليهم السلام. الحجة ويسمي بالحجه، لانه حجه الله علي العالمين، وبه يحتج الله تعالى علي خلقه. والدة الامام المهدي انها نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم،(7) ولها اسماء كثيره وهي: مليكه، سوسن، حكيمه، مريم، ريحانه، صقيل وو... وامها من ولد الحواريين، تنسب الى شمعون وصي المسيح عليه السلام. سارت مع جيس ابيها متنكره في زي الخدم مع عده من وصائفها ليداوين الجرحي في حرب من الحروب مع المسلمين في جنوبي شرقي اوربا فصادفتهن طلائع جيش المسلمين بعد هزيمه جيش العدو، فاخذن اسيرات وما احس احد بانها بنت قيصر. وعند ما عرضت للبيع مع السبايا غيرت اسمها وقالت: اسمي نرجس لانه اسم تتسمي به الجواري. وكان والدها قد علمها لغات مختلفه من جملتها اللغه العربيه التي استمر لسانها عليها والفتها واستقام لها جيدا... وكان ذلك في ايام الامام الهادي عليه السلام، فكلف احد اصحابه وهو مولاه الذي يدعي بشر بن سليمان النخاس بشرائها حين وصلت اليه قصتها، وعرف بابائها ان تباع لمن عرضوا عليها، لانه كان يعلم انها مرصوده لولده، فتم ذلك واشتراها صاحبه واحضرها اليه، فكلف خادمه ان يستدعي له اخته السيده حكيمه، فجاءت فقال لها: ها هي، فخذيها وعلميها الفرائض فانها زوجه ابني، ابي محمد وام القائم عليه السلام. فهل فكر امرؤ بقول الهادي عليه السلام. ها هي؟ فمن الموكد ان الانسان لا يفكر بهذه السرعه ليعلم المقصود منها، هي تدل علي ان ام القائم عليه السلام كانت معروفه في بيت الهادي عليه السلام بذاتها وصفاتها، وكانت منتظره، والبيت كله علي موعد معها. يعني انها ليست غريبه علي سمع الهادي عليه السلام ولا علي سمع اخته واهل بيته، لانها ليست كل سبيه تباع وتشري. نعم انها لكذلك، يعرفها اهل البيت، ويعرف الامام العاشر كامل قصتها وظروف وصولها الى بيته بعهد معهود متوارث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكانت هذه الفتاه الشريفه قد رات في منامها - وهي في بيت ابيها - ان النبي محمدا صلى الله عليه واله وسلم قد جاء الى بيتها مع ابنته الزهراء عليها السلام وجلس الى عيسي بن مريم وجلست الزهراء الى مريم بنت عمران عليها السلام ثم خطبها النبي صلى الله عليه واله وسلم من المسيح لولده الحسن العسكري عليه السلام، ثم رات كان الزهراء عليها السلام ارتها صوره العسكري عليه السلام وعرفتها قدره وعلمتها كيف تصل اليه.(8) فاقامت من هذا الحلم الذهبي الذي اخذ بمجامع قلبها وانار طريق حياتها وخلع عليها بهجه واملا عظيما، افاقت لتتدبر امر وصولها الى خاطبها العظيم كما علمتها سيدتها الزهراء عليها السلام، وهكذا كان. وكان ان وصلت الى بغداد مع السبايا، وعرض عليها من عرض فرفضت ان تباع لاحد حتى رساله الهادي عليه السلام فعرفت صاحبها.(9) المهدي في ولادته فان اول صفه من صفات المهدي خفاء المولد. قال الصادق عليه السلام: هو خفي المولد والمنشا، غير خفي في نفسه.(10) وقد ولد هكذا غير ملعن عنه، مستوره ولادته، في سر من راي في العراق، نظيفا منظفا، مفروغا منه، مختونا - كما هو شان كل امام - يتلقي الارض بمساجده السبعه. وكان ذلك عند بزوغ الفجر من صبيحه يوم الجمعه في النصف من شعبان سنه 255 هجريه... وتناولته السيده حكيمه، عمه ابيه بنت الامام الجواد عليه السلام وناولته لابيه، وكان مكتوبا علي عضده من نور: جاء الحق وزهق الباطل.(11) وولاده الامام عليه السلام سرا ليس بامر جديد فقد ولدت ام ابراهيم ابراهيم عليه السلام خفيه، وغيبته في غار بعيد وكان من امره ما كان... كما ان ام موسى ولدت موسى عليه السلام خفيه، وامتثلت ما اوحي اليها من وضعه في تابوت من سعيفات النخل علي صفحه مياه النيل، ليلتقطه عدوه فرعون، وينسي ذكره، ويربيه في حجر امه نفسها بعد ان حرم الله عليه المراضع، فحملها فرعون مسووليه السهر علي سلامه الطفل وحفظه، وكان، من امره ما كان افلا يصح في مولد صاحب الزمان عليه السلام ما صح في مولد ابراهيم وموسي من بعده! بلي، وليست قصته باعجب من غيرها اذا رويت بمنظار الفكر المنصف الذي لا يكفر بما هو من السماء، ولا يذهب مع وسوسه النفس وهوي القلب. واما عند علماء اهل السنه فان بعضهم قد صرحوا بولاده الامام المهدي عليه السلام ونتطرق هنا لذكر بعض الروايات التي ذكرت في كتبهم. 1- محمد بن طلحه الحلبي الشافعي في كتابه مطالب السوول في مناقب آل الرسول قال: المهدي هو ابن ابي محمد الحسن العسكري، ومولده بسامراء...(12) 2- احمد بن حجر في كتابه الصواعق المحرقه عند ذكره للامام الحسن العسكري عليه السلام قال: ولم يخلف غير ولده ابي القاسم محمد الحجه، وعمره عند وفاه ابيه خمس سنين، اتاه الله الحكمه...(13) 3- الاستاذ بهجت افندي في كتاب المحكمه قال - في ذكر ولاده الامام المهدي عليه السلام -: ولد في الخامس عشر من شعبان سنه 255، وان اسم امه المهدي في أوصافه لقد تعرضت الاحاديث الشريفه لذكر اوصاف المهدي عليه السلام، وكان هذا ضروريا جدا، حتى يعرف الحق من الباطل، وليكون حاجزا قويا امام من تسول له نفسه ان يدعي ما ليس له. والجدير بالذكر ان علائم الامام المهدي عليه السلام - المذكور في الاحاديث الشريفه - تعتبر من العلائم التي لا تجتمع في غيره، كالاحاديث التي تشرح نسبه الشريف، وانه ابن الامام الحسن العسكري عليه السلام وانه يملا الارض قسطا وعدلا، وانه يستولي علي الكره الارضيه، فلا يبقي علي وجه الارض دين غير دين الاسلام. وبعض العلامات تتعلق بجسم الامام المهدي عليه السلام واخلاقه. قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: المهدي مني، اجلي الجبهه، اقني الانف.(14) ومعني اجلي الجبهه واسع الجبهه، الذي انحسر الشعر عن مقدم راسه. واقني الانف طوله ورقه ارنبته. وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: المهدي من ولدي، ابن اربعين سنه كان وجهه كوكب دري في خده الايمن خال اسود.(15) قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ابن اربعين سنه اي كانه ابن اربعين سنه، اذ لا طريق للذبول وآثار الشيخوخه اليه. وقوله صلى الله عليه واله وسلم: كوكب دري اي الشديد الاضاء ه، نسب الى الدر لبياضه وشده انارته. وقال الامام علي عليه السلام: المهدي من ذريتي، يظهر بين الركن والمقام، وعليه قميص ابراهيم، وحله اسماعيل، وفي رجله نعل شيث.(16) وشبث هو ابن آدم عليه السلام، ولا يخفي ان هذه مواريث الانبياء التي انتقلت من نبي الى نبي، الى خاتم الانبياء الى الائمه الطاهرين عليهم السلام، حتى وصلت الى الامام المهدي عليه السلام. وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: انه شاب كحل العينين، ازج الحاجبين، اقني الانف، كث اللحيه علي خده الايمن خال، وعلي يده اليمني خال.(17) كحل العينين يعني سواد عينيه وكان فيهما الكحل. ازج الحاجبين يعني له حاجبان طويلان ومخطوطان. اقني الانف يعني له انف طويل مخطوط. وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ذك الذي وجهه كالدينار، واسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار.(18) دينار، يعني وجهه دائري كدينار الذهب الدائري الشكل. اسنانه كالمنشار، يعني اسنانه كالمشط مرتبه ومنظمه الاطوال، وما بينها مفرق مفتوح ما بين الثنايا. عن الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: ما علامه القائم عليه السلام منكم اذا خرج؟ قال عليه السلام: علامته ان يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتى ان الناظر اليه ليحسبه ابن اربعين سنه او دونها، وان من علاماته ان لا يهرم بمرور الايام والليالي حتى ياتيه اجله.(19) ومن صفاته الظاهريه، علي راسه فرق بين وفرتين كانه الف بين واوين، ويسيل شعره علي منكبيه. معناه: ان شعره عليه السلام كثيف وطويل وقد فرق وسط راسه ولف الجهه اليمني من شعره خلف اذنه ويلفه وكانه واو، والجهه اليسري خلف اذنه اليسري ويكون علي شكل واو، ومن الخلف يسيل شعره علي منكبه. متي وكيف واين غاب الامام المهدي؟ قصة السرداب الواقع الذي لا ريب فيه انه عليه السلام كان محجوبا عن اعين الناس منذ ولادته، وقد حصل اختفاوه عن اعينهم نهائيا بعد وفاه ابيه العسكري عليه السلام عند ما روي يصلي علي جثمان ابيه في بيت ابيه الماثل للعيان حتى اليوم، ثم انفتل من الصلاه وتولي دفنه، ودخل بيته ولم ير بعدها رويه عامه. وبيته هذا كسائر بيوت شرفاء الناس في العراق يتالف من حجره للرجال وثانيه للنساء، ومن سرداب تحت البيت نفسه والسرداب -، بكسر السين - بناء تحت الارض يلجا اليه من حر الصيف. وكان السرداب مقسما غرفا لهولاء، وياوي اليه اهله ايام اشتداد الحر. والسرداب لا يزال موجودا في جورا مرقد الامامين الهادي والعسكري عليهما السلام ومن الطبيعي ان بناءه تجدد خلال هذه القرون، ولكنه المكان نفسه لم يتغير والزوار يحترمون هذا السرداب، لشرافته وقداسته لانه كان مسكنا لثلاثه من ائمه اهل البيت عليهم السلام. ولان امامهم المهدي عليه السلام كان ولا يزال ينزله ويتعبد فيه لانه بيته، ومن هنا اخذ اعداوهم يشنعون عليهم ويقولون: غاب الامام في السرداب ويقولون ان الشيعه ياتون في كل جمعه باسلاح الى باب السرداب، ويصرخون وينادون: يا مولانا اخرج الينا. ويعتقدون انه باق الى يوم الخروج. الواقع ان الامام المهدي عليه السلام ليس في السرداب ولا يسكن فيه ولا يظهر منه، بل هو سائح يحل بقاع الارض، ويحضر المواسم الديينه، ويشاهد من يحيا ويموت. واصدق القول في زياره الشيعه للسرداب انهم يزورونه كجزء من اجزاء بيت مقدس، سكنه ثلاثه من الائمه الميامين، وليس في السرداب سر يتفرد به عن غيره من اطراف المنزل وان كانت غرف الحريم هي الاجدر بالتقديس لانها هي التي ضمته حين ولادته وطفولته، وتضمخت بعبير انفاسه الشريفه، ومازالت تضم نفحات قدسه الى اليوم في مناسبه موسم كل زياره مستحبه لا بد ان يدخل اثناءها منزله الخاص به فيزور جده وابويه وعمته. فلم يلام الشيعه اذا وقفوا خاشعين لله في منزل امامهم، ثم عبدوا لله فيه بلاجلال لانه يذكرهم بصفوه الخلق وسيدهم المنتظر، ولا يلام العلماء العصريون والسياح والهواه حين يقفون عشرات ومئات المرات امام تمثال منحوت اصم ابكم، او امام لوحه زيتيه من حبر وورق، او امام غار مهجور فيه عظام نخره، او نصب تذكاري. اتري ان هولاء يتاملون عظمه الفن، ويمجدون التمثال والرسام والشيعه يرمون بالبهتان اذا وقفوا امام اضرحه كريمه فيها عبق النبوه، وروح الرساله، يقدسون باحترامها عظمه الله في خلقه في مكان مبارك طاهر. واما الروايه التي ذكر فيها السرداب: فالسرداب مكان طبيعي للاختفاء من الهجوم او الحرب ونحو ذلك علي مدي التاريخ، وليس امرا خاصا بالمهدي عليه السلام وكان المهدي طبقا لذلك، يتخذ سرداب داره مخبا للطواريء في اثناء الفتره الاولي من غيبته الصغري، التي تمثل اصعب الفترات بالنسبه اليه. وفي الواقع ان الغيبه ليس لها مبدا معين، بل كان المهدي عليه السلام مختفيا من اول ولادته. وقد زاد اختفاوه شيئا فشيئا. وللامام غيبتان: صغري، كبري الغيبة الصغري ان الاستتار والاختفاء كان ملازما لحياه الامام المهدي عليه السلام منذ اوائل عمره، وعلي هذا يمكن لنا ان نقول: ان الغيبه الصغري ابتدات مع حياه الامام عليه السلام اي: كانت حياته منذ الولاده مقرونه بالاستتار عن الناس، ويمكن ان نعتبر السنوات الخمس التي قضاها الامام المهدي عليه السلام مع والده الامام العسكري عليه السلام من ضمن الغيبه الصغري، تبعا للشيخ المفيد(20) وغيره. ولقد كانت الغيبه الصغري مقدمه تمهيديه ومدخلا للغيبه الكبرى والغيبه الكبرى مقدمه للظهور، واليك شيئا من التفصيل: كان الناس بصوره عامه، والشيعه بصوره خاصه، بامكانهم ان يلتقوا بالائمه الطاهرين عليهم السلام في اي وقت شاءوا، وفي اي مكان ارادوا، في المسجد في الطريق، في مواسم الحج، وفي بيوت الائمه عليهم السلام. واستمرت هذه الحاله من زمان الامام الهادي عليه السلام حيث اشتدت فيه الرقابه علي الامام من قبل السلطه الجائره للحكام العباسيين، بعد ان جمدت نشاطاته، فكانت العيون تراقب حركاته بكل دقه وتراقب اتصالاته ولقاءاته بالافراد. فكان الخليفه بصوره عامه يفكر - دائما - في كيفيه القضاء علي تلك الشخصيات المقدسه، وتحطيم معنوياتهم، وتشويه سمعتهم، وتجميد نشاطاتهم وملاحقه اصحابهم. فكان الامام الهادي عليه السلام يراعي الظروف، ويخطط للتخلص من مضاعفات تلك الرقابه. ومن جمله الطرق والوسائل الحكيمه التي اختارها الامام عليه السلام للتخلص من مشكل الرقابه هي: انه عين بعض الثقات من شيعته في بغداد ليكون وكيله، ويكون مرجعا لقضايا الشيعه، ومصدرا لامورهم الدينيه والدنيويه. فكانت الاموال تحمل الى الوكلاء، والمسائل الدينيه تسلم اليهم فكانوا يقومون بالوساطه بين الامام الهادي عليه السلام وبين الشيعه. وقد اختار الوكلاء بعض المهن تعطيه لهذا المنصب الخطير. واستمر الامر علي هذا المنوال سنوات، حتى تعود الناس علي مراجعه الوكلاء في بغداد، الى ان استشهد الامام الهادي عليه السلام وبقيت الوكاله نافذه المفعول عند الوكلاء، فكانوا همزه وصل بين الشيعه وبين الامام العسكري عليه السلام. ولما استشهد الامام العسكري عليه السلام ابقي الامام المهدي عليه السلام الوكلاء علي وكالتهم. وهكذا فان بعض سفراء ووكلاء الامام المهدي في الغيبه الصغري كانوا وكلاء جده وابيه مثل الشيخ عثمان بن سعيد العمري الاسدي- والعمري الثاني - وهو ولد العمري الاول. وآخرين ممن اختصوا فقط بوكالاه الامام المهدي عليه السلام هما: 1- النوبختي: الحسين بن روح 2- السمري: علي بن محمد وبوفاه السمري(21) رابع السفراء انتهت الغيبه الصغري وذلك من خلال رساله وجهها الامام المهدي عليه السلام للسمري قبل وفاته مكتوب فيها بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري، اعظم الله اجرا اخوانك فيك، فانك ميت ما بينك وبين سته ايام. فاجمع امرك، ولا توص الى احد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبه التامه، فلا ظهور الا بعد اذن الله تعالى ذكره.(22) فكانت مده الغيبه الصغري 69 سنه والتي استوفيت اغراضها عند هذا الحد من تعويد الناس علي الغيبه امتثالا لقضاء الله من جهه، وابتغاء تعويدهم علي اخذ امور دينهم من مراجعهم الدينيه من جهه ثانيه، ومن اجل تدريب العقول المرنه علي قبول ما يقضي به الله تعالى. وقدر الله ان تكون الغيبه الصغري قبل وقوع الكبري، ليستانس الشيعه بمعرفته، وليسمعوا فتاواه في الدين، وليطلعوا علي تواقيعه الشريفه فتترسخ عقيدتهم في قلوبهم، بعد ان يتكدوا من وجوده، ويعرفوا ما تكون عليه غيبته الكبرى وعهد الانتظار المر. الهوامش: (1) عقد الدرر: 40 ب (3) في عدله وحليته. (2) بحار الانوار 28:51، ب (2) اسماء ه عليه السلام والقابه وكناه وعللها، ح 1. (3) مستدرك سفينه البحار 626:8، وراجع الذريعه 247:23. (4) تكمله امل الآمل للسيد حسن الصدر بتحقيق السيد احمد الحسيني. (5) بحار الانوار 30:51، ب (2) اسمائه عليه السلام والقابه وكناه وعللها، ح 4. (6) النساء:59. (7) انظر: كمال الدين 420:2 ب (41) ما روي في نرجس ام القائم عليه السلام واسمها، ح 1. (8) انظر: بحار الانوار 51: 10-6 ب (1) ولادته واحوال امه صلوات الله عليه، ح 12، عن غيبه الطوسي: 214-208، ح 178. (9) الزام الناصب: 313:1 في اخبار ام القائم عجل الله فرجه. (10) الغيبه للنعماني: 173، في غيبه الامام المنتظر، ذيل ح 9. (11) كشف الغمه 310:3، الفصل الثاني في ذكر مولده واسم امه عليه السلام. (12) مطالب السوول 152:22. (13) الصواعق المحرقه:208. (14) البيان للكنجي الشافعي: 117، وسنن ابي داود 460:2، كتاب المهدي. (15) فرائد السمطين 314:2، ح 565. (16) اثبات الهداه للحر العاملي 587:3، ب (32)، ح 804، ومعجم احاديث الامام المهدي 121:3، ح 659. (17) منتخب الاثر: 187، ح 5 عن اسعاف الراغبين. (18) بحار الانوار 77:51 ب (1) من ابواب النصوص من الله تعالى ومن آبائه عليه، ح 34. (19) منتخب الاثر:285. (20) انظر: الارشاد 340:2، في ذكر الامام القائم عليه السلام وذكر طرف من اخباره. (21) بحار الانوار 362:51 ب (16) اصول السفراء، ح 9. (22) كشف الغمه 320:3، في ذكر سفراء صاحب الزمان عليه السلام، وغيبه الطوسي:395 ح 365 وعنه بحار الانوار 361:51 باب اصول السفراء، ح 7. ****************** الغيبة الكبري قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حديث شريف لجابر بن عبد الله الانصاري: يغيب عن شيعته واوليائه غيبه لا يثبت فيها علي القول بامامته الا من امتحن الله قلبه بالايمان.(1) ابتدات الغيبه الكبرى من سنه 329 ه وبعد انتهاء الغيبه الصغري بوفاه النائب الرابع للامام المهدي عليه السلام. وبذلك انقطعت الاتصالات بالامام المهدي عليه السلام، وكانت الطامه الكبري، تطورت القياده الدينيه، وانتقلت الى الفقهاء الجامعين لشرائط الفتوي. وكان الامام المهدي عليه السلام قد كتب الى احد وجهاء الشيعه وهو اسحاق بن يعقوب، بواسطه النائب الثاني محمد بن عثمان، توقيعا جاء فيه: واما الحوادث الواقعه، فارجعوا فيها الى رواه حديثنا، فانهم حجتي عليكم وانا حجه الله عليكم.(2) وقد كان في ذلك العصر عدد كبير من المحدثين: اصحاب الامامين الهادي والعسكري عليهما السلام، والف بعضهم كتبا عديده جمع فيها الاحاديث المتنوعه والاحكام الشرعيه وكانوا يراجعون تلك الاحاديث عند الحاجه. واما القضاء والامور الحادثه التي لم يجدوا لها حديثا خاصا يبين حكمها، فقد امرهم الامام المهدي عليه السلام ان يراجعوا فيها المحدثين الذين لهم قوه استخراج واستنباط الاحكام من الادله، وهي القواعد والاصول العامه المستفاده من الاحاديث الصحيحه. وبهذه الوسائل فتح الامام المهدي عليه السلام لشيعته خطا جديدا لتامين الناحيه الفقيهه لهم عن طريق القياده المرجعيه المتجسده في رواه احاديث الائمه:. واول من استلم القياده المرجعيه في الغيبه الكبرى هو الشيخ الفقيه: الحسن بن علي بن ابي عقيل العماني.(3) فقد قال السيد محمد مهدي بحر العلوم رضي الله عنه عن الشيخ: وهو اول من هذب الفقه واستعمل النظر،(4) وفتق البحث(5) عن الاصول والفروع في ابتداء الغيبه الكبري. وعلي كل حال، فقد اخذت القياده المرجعيه طابعها الخاص، وتكونت حلقات التدريس في بغداد، وانقضت سنوات، ولمع نجم الشيخ المفيد في بغداد، واسس الحوزه العلميه، وكان يحضر مجلس درسه العشرات من الفضلاء وفي طليعتهم السيدان: الرضي والمرتضي. وكان الشيخ آيه من آيات الله تعالى، وقد ساعده التوفيق ان كتب اليه الامام المهدي عليه السلام رسائل عديده في اواخر حياته، وكل رساله تضع وسام الفخر علي صدر الشيخ المفيد. وليس معنى ذلك انسحاب الامام المهدي عليه السلام عن المجتمع الاسلامي او اعتزاله عن مركز القياده والتصريف في العالم، او انقطاعه من كل ما يحدث في العباد والبلاد، او انقراض نظام الامامه وانهياره، كلا بل ان نظام الامامه يمتد الى ان ينقرض العالم، لانه نظام الهي لا يقبل الزوال، سواء كان ذلك الامام حكما علي المجتمع، ويتصرف في شوون الناس ام كان ممنوعا عن الظهور. الانتفاع به في غيبته هنا يتبادر السؤال وهو: ما الفائده من وجود الامام الغائب، وكيف ينتفع الناس به؟؟ ولا فرق بين وجود الامام المهدي مع غيبته وبين عدم وجوده ففي كلا الحالتين لا يمدنا بشيء؟! والبعض الآخر يقول: بما اننا لا نستفيد منه وهو غائب فلا ضروره من وجوده، لذلك لا مانع من القول بان الامام المهدي عليه السلام يولد في آخر الزمان. علينا ان نعرف معنى الغيبه حتى يتوضح لنا ان كان ينافي تصرف الغائب في شوون الناس او لا؟ ولكن الغيبه هنا معنيان: الاول: انه لا يعيش في المجتمعات البشريه، ولا يكون في متناول الناس، بان يقتصده الناس او يلتقي به كل احد، ويراه القريب والبعيد كما هو شان الانسان العادي المتعارف. الثاني: الاختفاء عن العيون - حسب ارادته - فلا تراه العيون مع كونه موجودا، كما ان العيون لا تري الارواح، ولا الملائكه، ولا الجن، مع تواجدها في المجتمعات البشريه. وقد تظهر الارواح بالشكل المرئي لبعض الافراد، كما هو المشهور عند الذين يمارسون احضار الارواح. وقد تظهر الملائكه لغير الانبياء، كما ظهرت لساره زوجه ابراهيم عليه السلام ولمريم بنت عمران... وقد ظهرت الملائكه يوم بدر للمسلمين وغيرهم. ولعل قائلا يقول: ان الملائكه اجسام لطيفه، ومن شانها ان لا تري بهذه العيون الا في ظروف خاصه، وليس البشر كذلك. فنقول: كان مقصودنا التشبيه بالكائنات التي لها القدره علي الظهور للناس، والاختفاء والاستتار عن العيون. واما بالنسبه لاختفاء الامام المهدي عليه السلام عن العيون فانها تعتبر معجزه، وكل من توفق للقاء الامام كان مختوما لقاوهم بغيبه الامام المهدي عن انظارهم. وان غيبه الامام بعد اللقاءات كانت دليلا واضحا علي انه هو الامام لان الفرد العادي كيف يستطيع ان يستتر ويختفي او يغيب عن العيون في طرفه عين؟ معجزة الاستتار ويمكن ان يعتبر هذا الاستتار والاختفاء معجزه من معاجز الامام المهدي عليه السلام لان المعجزه: ما يعجز عنه الناس، والمعجزه تحد للعاده والطبيعه فكما ان المعجزه - بصوره عامه - لا يمكن تحليلها علي ضوء الماده والطبيعه لانها من ما وراء الطبيعه، فكذلك استتار الامام المهدي عليه السلام يعتبر من الماورائيات بهذا المعني... ويمكن ان نستفيد من القرآن الكريم امكانيه الاستتار والاختفاء عن العيون لفتره قصيره، او طويله: قال تعالى (وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون).(6) عن ابي عباس قال: ان قريشا اجتمعت فقال: لئن دخل محمد لنقومن اليه قيام رجل واحد! فدخل النبي صلى الله عليه واله وسلم فجعل الله من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فلم يبصروه، فصلي النبي صلى الله عليه واله وسلم، ثم اتاهم فجعل ينثر علي رووسهم التراب وهم لا يرونه، فلما خلي عنهم راوا التراب، وقالوا: هذا ما سحركم ابن ابي كبشه - اي رسول الله -.(7) وقال تعالى: (واذا قرات القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يومنون بالآخره حجابا مستورا).(8) فقد روي في كتب التفسير ان المقصود من (الذين لا يومنون بالآخره) هم: ابو سفيان، والنضر بن الحرث، وابو جهل، وام جميل زوجه ابي لهب حجب الله رسوله عن ابصارهم عند قراءه القرآن، وكانوا ياتونه ويمرون به ولا يرونه.(9) ولا تغفل عن قوله تعالى: (وجعلنا) في الآيه الاولي والثانيه، مما يدل علي القدره الالهيه. ان لم يكن للامام المهدي ظهور فانما له حضور في روايه: وانه ليحضر الموسم في كل سنه ويقف بعرفه فيومن علي دعاء المومن.(10) وعن محمد بن عثمان رحمه الله عليه يقول: يري الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه.(11) س: كيف يكون الانتفاع بالامام وهو غائب؟؟ الجواب: قبل الاجابه نتسائل: هل كل ما لا يري لا يستفاد منه؟؟ ان الله تعالى يحدثنا في كتابه العزيز عن المدبرات امرا فهم الملائكه الذين يدبرون امور العباد وشوونهم من سنه الى سنه باذن الله تعالى. اذن الملائكه يدبرون امور نافع اننا لا نراهم ولا نسمع حسيسهم، ثم ان ملك الموت الذي قبض ارواح الخلائق منذ آدم الى يومنا الحاضر وسوف يقبض ارواح الباقين الى يوم القيامه، اذا كنا لا نراه فلا نستطيع انكار تاثيره في حياه البشريه. وهكذا وجود صاحب الزمان عليه السلام فكل الكائنات موجوده بوجوده وقد اقتضت الحكمه الالهيه ان يغيب عن الابصار، فهل هذا يعني ان الكائنات قد استقلت بوجودها؟ قال الصادق عليه السلام: واعلموا ان الارض لا تخلو من حجه لله عز وجل لكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم واسرافهم علي انفسهم، ولو خلت الارض ساعه واحده من حجه لله لساخت باهها، ولكن الحجه يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف عليه السلام يعرف الناس وهم له منكرون - ثم تلا (يا حسره علي العباد ما ياتيهم من رسول الا كانوا به يستهزوون).(12) وجه الانتفاع بالامام الغائب عن جابر بن عبد الله الانصاري انه سال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: هل ينتفع الشيعه بالقائم عليه السلام في غيبته؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم: اي والذي بعثني بالنبوه، انهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان جللها السحاب.(13) وقد ذكر في التوقيع الصادر من ناحيه الامام المهدي عليه السلام - الى اسحاق بن يعقوب... واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب...(14) اقول: ما اعمق هذا التشبيه، وكمل هذا التعبير: ان كان الناس فيما مضي لا يعرفون عن الشمس الا انها جرم سماوي، يشرق على الارض، ويبدا النهار بشروقها، وينتهي بغروبها، وانها تجفف الاجسام الرطبه، ويتبخر الماء، وتولد الحراره في الجو، وامثال ذلك، فان العلم الحديث اليوم كتشف للشمس فوائد عظيمه ومنافع مهمه جدا. هذا والموضوع يتطلب شيئا من التفصيل والتوضيح فنقول: لماذا لم يشبهوا الامام المهدي، بالقمر المستور بالسحاب؟ مع العلم ان القمر له تاثيرات كثيره في الارض، كالمد والجزر في البحار وما شابه. الجواب: من الواضح ان الشمس تمتاز علي القمر من عده جهات: 1- ان نور الشمس نابع من ذاتها، بينما القمر يكتسب نوره من الشمس. 2- ان في اشعه الشمس فوائد كثيره ليست في اشعه القمر. 3- ان دور الشمس - في المجموعه الشمسيه - دور قيادي رئيسي، بخلاف القمر، فانه واحد من الكوكب التي تسبح في المجموعه. وهنك جهات اخرى لا داعي لذكرها. ونعود لنتساءل لماذا شبهوا الامام الغائب، بالشمس؟ الجواب: ان المقام يتطلب شيئا من البحث عن الشمس وتاثيرها في الكره الارضيه - بمقدار ما وصل اليه العلم الحديث - ولكن المجال لا يتسع للتفصيل في ذلك، ولهذا نذكر كلمه بالمناسبه مع رعايه الاختصار حتى نعرف وجه الشبه بين الامام المهدي عليه السلام وبين الشمس اولا، ثم نعرف وجه الشبه بين الشمس المستوره بالسحاب والامام الغائب ثانيا. وجه الشبه بين ضرورة وجود الشمس وضرورة وجود الامام فنقول: توجد في هذا الفضاء آلاف او ملايين المجموعات الشمسيه التي تسبح في هذا الجو الواسع الشاسع، ولكل مجموعه من هذه المجموعات الشمسيه مركز وتدور كوكب تلك المجموعه في مداراتها حول ذلك المركز، بسرعه مدبره، في نفس الوقت يبتعد كل واحد من الكوكب عن المركز بمسافات معينه. ومجموعتنا الشمسيه التي هي واحده من ملايين المجموعات لها مركز ايضا، وهي الشمس، وتدور حولها الكوكب، وقد اشتهر - في الاوساط العلميه - ان مجموعتنا الشمسيه عباره عن تسعه كوكب هي عطارد، الزهره الارض، المريخ، المشتري، زحل، اورانوس، نبتون، بلوتو. ولكن هنك اجرام سماويه تدور حول بعض كوكب المجموعه، كالقمر الذي يدور حول الارض، ولا ياتي في عداد كوكب المجموعه: والنظام العجيب البديع الموجود في هذه المجموعات الشمسيه، والذي يحافظ علي بقائها: هي الجاذبيه التي اودعها الله -الحكيم المدبر الذي هو علي كل شيء قدير- في مركز المجموعه، فالمركز يجذب كل ما يدور حوله من الكوكب، والكوكب تحاول الافلات والابتعاد عن المركز بكل قوه، يعبر عن هذه القوه، بالقوه الطارده. ولهذا فان بقاء هذه المجموعات وانتظامها وسيرها بصوره مدهشه، انما هو بسبب الجاذبيه الموجوده في الشمس، ولو لا الجاذبيه لاختل النظام واضطربت المجموعه، وانتشرت الكوكب، واصطدم بعضها ببعض، وهلكت الكائنات وتبدل الوجود الى العدم والفناء. والله تعالى الذي جعل القوه الجاذبه في الشمس، جعل القوه المانع الطارده في كوكب المجموعه الشمسيه، فكل كوكب يحاول ان يبتعد عن الشمس، بقوه خارجه عن التصور، ولكن القوه الجاذبه الموجوده في الشمس تمنعه عن الهرب، فلولا القوه الطارده لاقتربت الكوكب من الشمس واحترقت، ولو لا القوه الجاذبه في الشمس لتفرقت الكوكب وتبعثرت وخرجت عن مداراتها، وانهدمت الحياه الى الابد. فالشمس امان للمجموعه الشمسيه من الفناء والزوال. هذه لمحه خاطفه، وشرح موجز، لتاثير الشمس في الكوكب التي تدور حولها، ومنها الارض ومن عليها وما عليها. فانظر الى اهميه هذا النجم المشرق الذي نراه كتله ملتهبه، ترسل اشعتها النافعه المفيده الى الارض، وتتفاعل - بانواع التفاعلات - في الانسان والحيوان والنبات والهواء والماء والتراب والجمال، كذلك الامام فانه مركز للخلق وبوجوده وجد الكون، قال الصادق عليه السلام: واعلموا ان الارض لا تخلو من حجه لله عز وجل، ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم واسرافهم علي انفسهم، ولو خلت الارض ساعه واحده من حجه لله لساخت باهلها، ولكن الحجه يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف عليه السلام يعرف الناس وهم له منكرون، ثم تلا (يا حسره علي العباد ما ياتيهم من رسول الا كانوا به يستهزوون).(15) اذن الامام حجه الله علي الارض وهو العله التامه لخلق الكون فهو مركز للخلق. وهذا الامر يحتاج الى توضيح: كما نعلم جميعا انه لا يوجد عاقل يخطو بلا هدف، فكل حركه تتم في ظل العقل والعلم فانها تكون علي مسير هدف، مع فارق ان الانسان يهدف من وراء اعماله الى الحصول علي حاجاته وازاله النواقص، ولكن في عمل الله سبحانه وتعالي الهدف هو التوجه الى الآخرين ورفع حاجاتهم، لانه سبحانه وتعالي كامل من كل الجهات وبعيد عن كل نقص، ومع هذا فان انجاز عمل لمنفعته لا مفهوم له ابدا، والآن لا حظوا المثال التالي: نستحدث بستانا مملوء ا بالورود والفوكه في ارض خصبه، فتنموا الاعشاب بين الاشجار والورود، وكلما قمنا بسقي تلك الاشجار الضخمه فان الاعشاب هذه ايضا تسقي تماما. وهنا يكون امامنا هدفان؛ هدف اساسي وهو سقي اشجار الفوكه واشجار الورود، وهدف تابع اي سقي الاعشاب غير النافعه. لا شك، ان الهدف التابع لا يمكنه ان يكون هدف عمل، او اعتباره عملا حكيما، ولكن المهم ذك الهدف الاساسي الذي له جانب منطقي. والآن لنفترض ان كثر الاشجار في البستان تجف وتبقي شجره واحده فقط. ولكنها تعطينا وحدها الورود والفوكه التي نتوقعها من الاشجار وبدون اي تردد، فاننا نستمر بالسقي، رغم ان اعشابا كثيره تستفيد من ذلك. واذا جفت هذه الشجره يوما فعندها نكف عن سقي البستان، حتى ولو ماتت الاعشاب. ان الاشخاص الذين هم علي مسيره التكامل، هم الاشجار ذات الاغصان المثمره، واما اولئك الذين غدروا وانحرفوا هم تلك الاعشاب الضاره في البستان. ومن المسلم به ان هذه الشمس المشرقه، وهذه الذرات الحياتيه للهواء، وجميع بركات الارض والسماء لم تخلق لمجموعه فاسده تتشاجر ويكل بعضها الآخر، ولا ياتي منها الا الظلم والاستبداد والجهل والفساد للمجتمع كلا ابدا، لا يمكن ان يكون هدف الخلق ذلك. ان هذا العام وجميع مواهبه، من وجهه نظر شخص مومن بالله، له معرفه بعلم وحكمه الله تبارك وتعالي، انما خلق من اجل الصالحين والطاهرين، كما انه في النهايه سيخرج من يد الغاصبين تماما ليكون تحت تصرفهم: (ان الارض يرثها عبادي الصالحون).(16) ان خالق الخلق، يفيض دائما بفيضه وعطاياه من اجل هذه المجموعه، حتى ولو ان الاعشاب باعتبارها هدفا تابعا تستسقي وتستفيد، ولكن بلا شك انها ليست الهدف الاساسي، ولو، بفرض المستحيل، اذا جاء يوم وقضي علي آخر فرد من نسل الصالحين علي وجه الارض، فلن يكون هنك من دليل لاستمرار العطايا. وفي ذلك اليوم تدب الفوضي في الارض، وتقطع السماء بركاتها وتقتر الارض علي الانسان. ثم ان النبي والامام، هم حجه الله والهدف المهم لخلق العالم والانسان يعني تلك المجموعه التي هي الهدف الاساسي للخلق، فلهذا السبب يكون وجود الامام صاحب الزمان عليه السلام - وحده او علي راس مجموعه الصالحين - السبب لهدف الخلق ونزول اي خير وبركه، كنزول المطر الذي هو عطيه ورحمه من الله تبارك وتعالي، ان كان الامام -عجل الله فرجه - يعيش حياته بين الناس علنا، او مخفيا ومجهولا. صحيح ان الاشخاص الصالحين الآخرين هم ايضا - في حدودهم - هدف للخلق، او بتعبير آخر قسم من ذلك الهدف الكبير، ولكن النموذج الكامل لهذا الهدف هم اولئك البشر النوذج والرجال الالهيين، رغم ان حصه الآخرين تبقي محفوظه ومن هنا يتضح هذا المعني الذي ورد في بعض الروايات بهذا المضمون: بيمنه رزق الوري وبوجوده ثبتت الارض والسماء. يتضح بالمعلومات التي قدمنا، ان هذا الموضوع ليس موضوعا مبالغا فيه او بعيدا عن المنطق. وبمعني آخر: ان الله تعال خلق الخلق لاجل الانسان وخلق الانسان ليصل اليه تعالي وان الانسان الكامل المتمثل بالانبياء والمعصومين، وآخر المعصومين الامام المهدي عليه السلام هم الآخذون بيد السالكين الى الله تعالى. ولنفرض ان الامام المهدي عليه السلام غير موجود، فهنا لا يمكن لاي انسان ان يسلك الى الله، لان السلوك يحتاج الى الدليل وبدون الدليل لا يوجد سلوك. اذن بدون المهدي يصبح باب الوصول الى الله مغلقا فحينئذ لا معنى لوجود الانسان لانه خلق ليصل، وعند تعذر الوصول يصبح وجوده عبثا فاذا صار الامر كذلك فلا معنى لوجود الارض بمن عليها، كما ورد عن الصادق عليه السلام: لو بقيت الارض بغير امام لساخت.(17) اذن كما ان وجود الشمس ضروري لبقاء المجموعه الشمسيه فان وجود الامام ضروري لبقاء الارض ومن عليها وهذا هو معنى ما ورد في دعاء الندبه: اين السبب المتصل بين الارض والسماء، وفي زياره الجامعه الكبيره ورد: بكم يمسك السماء ان تقع علي الارض. وجه الشبه بين الشمس المستورة خلف السحاب والامام الغائب قال صلى الله عليه واله وسلم: اي والذي بعثني بالنبوه انهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان جللها السحاب. لفهم مفتاح الغز هذا، اولا يجب ان نفهم دور الشمس بشكل عام عندما تكون نحتجبه خلف السحاب. للشمس نوعان من النور، نور عيان، ونور خفي، او بعبير آخر اشعاع مباشر واشعاع غير مباشر. في الاشعاع المباشر، يمكن رويه اشعه الشمس بوضوح، مهما يكن سمك الهواء المحيط بالارض، حيث يكون بمثابه الزجاج السميك، زجاج مخفف من حده اشعاع الشمس ليكون محتملا، كما يصفي نور الشمس ويبطل الاشعاع المميت، ومع ذلك لا يمنع اشعاع الشمس المباشر. ولكن في الاشعاع غير المباشر يكون السحاب كالزجاج المعتم الذي يحول دون الاشعاع المباشر للشمس. ندخل احيانا غرفه مضاء ه بمصابيح ذات زجاج معتم، فنري الغرفه مضيئه، ولكننا لا نري الشعاع الاصلي والمباشر. من ناحيه اخرى يلعب ضوء الشمس دورا مهما في دنيا الحياه والموجودات فالضوء والحراره المنبعثبه من الشمس في كل مكان هما الطاقه الوحيده التي تبعث الحياه في الانسان والحيوان والنبات. ان نمو الموجودات الحيه، التغذيه والتناسل، الحس والحركه، سقي الاراضي الموات، تلاطم امواج البحر، حركه الرياح، تساقط حبات المطر التي تبعث الحياه، وتساقط الثلوج، اصوات الشلالات، انغام الطيور، الجمال الباهر للازهار، جريان الدم في العروق، وخفقان القلب، العبور السريع للافكار عبر استار المخ، الضحكه الجميله من طفل رضيع... كل ذلك بصوره مباشره او غير مباشره ترتبط بنور الشمس، وبدونه يصيبها جميعا الموت، وهذا الموضوع يمكن اداركه بقليل من التامل. والآن يطرح هذا السؤال نفسه: اليس جميع هذه البركات والآثار التي تبعث الحياه خاصه بالزمن الذي يكون نور الشمس يسطع مباشره؟ جواب هذا السؤال واضح كلا، فالكثير من هذه الآثار موجوده في النور غير المباشر للشمس الذي ياتي من وراء السحاب. مثلا في البلدان او المدن التي تكون سماوها مغطاه بالسحاب لعده اشهر في السنه، ولا تري الشمس تكون الحراره موجوده، وكذلك نمو الاعشاب والاشجار، وانتاج الطاقه الضروريه للحياه، ونضج الاثمار والفوكه، وتفتح الازهار والبراعم. وعليه فان اشعاع الشمس من خلف السحاب يحتوي علي قسم مهم من بركات الشمس، وليس فقط قسم من الآثار التي تحتاج الى الاشعاع المباشر. مثلا نحن نعلم ان اشعه الشمس لها اثر حياتي خاص علي جلد وبقيه اجهزه جسم الانسان والموجودات الحيه، ولهذا السبب في البلدان التي تفتقر الى اشعه الشمس نري الكثير من الناس يخرجون في الايام المشمسه لياخذوا حمام شمس فيعرضون اجسامهم العاريه امام الاشعه التي تبعث الحياه فتمتص اجسامهم ذرات النور، هذه الهديه السماويه. ولاشعه الشمس، بالاضافه الى الضوء والحراره، اثر خاص لوجود الاشعه فوق البنفسجيه التي تقتل انواع الميكروبات وتطهر البيئه، وهذا مالا يمكن حصوله في حاله وجود الاشعاع المعتم غير المباشر. نستنتج من البحث السابق؛ انه رغم ان طبقات السحاب تمنع بعض آثار الشمس، الا ان قسما مهما منها يبقي موجودا. هذا هو حال المشبه به اي الشمس، ونعود الآن الى المشبه اي وجود القاده الالهيين في حال الغيبه. ان الاشعه المعنويه لوجود الامام عليه السلام في حاله غيابه خلف السحاب هو ذو آثار واضحه - رغم تعطيل قضيه التعليم والتربيه والقياده المباشره - تكشف عن حكمه وجوده. يقودنا القرآن الكريم نحو مقام الولايه الرفيع، وشوون واسلوب الهدايه لدي اولياء القياده، ويثبت بوضوح انه من الممكن ان يقوم رجال الله تعالى في وقت اختفائهم عن الانظار، الى ارشاد الناس. الهوامش: (1) كمال الدين 253:1 ب (23) في نص الله تبارك وتعالي علي القائم، ح 3. (2) الغيبه للطوسي: 291، ح 247. (3) المهدي من المهد الى الظهور: 265. (4) اي اجتهد في استنباط الاحكام الفرعيه من ادلتها. (5) نقحه ووسعه. (6) يس:9. (7) مجمع البيان: 258:8 تفسير سوره يس آيه 10-1. (8) الاسراء: 45. (9) مجمع البيان 256:6 تفسير سوره الاسراء آيه 48-45. (10) منتخب الاثر: 277. (11) بحار الانوار 350:51 ب (16) احوال السفراء، ح 3. (12) الغيبه للنعماني: 144 ب (10)، ح 2. (13) بحار الانوار: 93،52، ب (20) عله الغيبه، ح 8. (14) كمال الدين 485:2 ب (45) ذكر التوقيعات، ح 4. (15) بحار الانوار 113:51، ب (2) ما ورد عن اميرالمؤمنين عليه السلام، ح 8. (16) الانبياء: 105. (17) الغيبه للنعماني: 138، ب (8)، ح 8. ****************** معلم موسى القرآن الكريم يعرف القياده التي لم تكن معروفه، ولم يكونوا يعرفونها حتى رسول ذلك العهد ايضا لم تكن له معرفه بها، واذا كان قد عرفها فانما اثر معرفه الهيه، وهذا الولي او القائد هو الذي يتحدث عنه الله تبارك وتعالي في القرآن الكريم في سوره الكهف عن موسى وفتاه: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمه من عندنا وعلمناه من لدنا علما).(1) ان من كان يملك مثل هذا العلم الواسع، هو بصريح عباره القرآن، نبي ووصي ذلك الزمن، وهذا بالتكيد من اولياء الله، وليس انه كان اوسع علما بل اقوي معنويه، بحيث عندما يقول له موسى عليه السلام: (.. هل اتبعك علي ان تعلمن مما علمت رشدا).(2) يجيبه: (انك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر علي ما لم تحط به خبرا).(3) لا شك ان هذا الشخص من اولياء الله والشخصيات الالهيه البارزه. ان التحقيق في حالات ولي الزمان هذا، والعالم المجهول، خلال اللحظات الحساسه من الحياه مع النبي موسى عن ملامح من القياده منها: 1- ان ولي الزمان هذا كان يعيش بشكل مجهول، لا يعرفه احد، وان لم يعرفه الله تعالى، لما عرفه احد، اذن فلا يشترط علي الولي ان يعرفه الناس حتما. 2- ان هذا الولي الالهي، مع انه كان غائبا عن الانظار ومختفيا، لم يكن غافلا عن حوادث واوضاع الزمن. وبالولايه والصلاحيات الممنوحه له من الله سبحانه وتعالي كان يتصرف في اموال ونفوس الناس. ويتصرف طبقا لما تقتضيه القياده مع الاوضاع السائده، انه كان دقيقا في قياده الاحداث بحيث انه لم يرتض ان تقع سفينه البوساء، وهي مصدر حياتهم، بيد حكم ظالم فاحدث فيها عينا لكي يمنع مصادره السفينه. ان صلاحياته كانت لدرجه تعطيه الحق في قتل انسان، وبناء جدار لصيانه اموال يتيم. 3- الطريف في الامر ليس فقط انه كان مجهولا، وانما تصرفاته ايضا كانت غامضه علي الناس العاديين، فلو ان الناس واصحاب السفينه كانوا علي علم بتصرفه لما سمحوا له باحداث ثقب في السفينه، لانهم ما كانوا يعلمون هدفه المقدس، ولو ان الناس شاهدوا قتله لانسان لما تركوه وشانه و... وبما انه انجز جميع هذه الاعمال العجيبه في المجتمع، ولم يلاحظ احد ذلك اذن يمكن ان نفهم انه ليس فقط كان غائبا عن الانظار، بل حتى تصرفاته في الاوضاع والحوادث كانت خفيه عن الناس، انهم كانوا يرون اثر فعله وليس عمله. 4- اهم من كل شيء كانت قيادته وهدايته، فهو بامتلكه لمقام الولايه كان يودي واجباته، احيانا يظهر اثر ولايته في التصرف بالاموال والنفوس او حجز وحراسه اموال الايتام، واحيانا عن طريق بناء الشخصيه وتعليم الافراد يقوم بواجب ولايته المهم، فيهدي ويقود اشخاصا كموسي وفتاه. نفهم جيدا من الحياه الحساسه والمهمه لهذا الولي الالهي، ان ولي الزمان يكون احيانا ظاهرا مكشوفا، واحيانا غائبا مخفيا، ويرتبط ذلك بمصالح واوضاع الزمن. كما اننا نفهم ان الهدايه والقياده، وهما واجب الامام والولي، يمكن ان يتما بشكلين، علني وخفي، وليس ضروريا ان يعرف الامام حتى يقوم بالهدايه، بل انه يقوم في حال غيابه بواجبه المهم. واوضح من كل شيء، ان الهدايه والقياده - وهما من شوون اولياء الله - يكونان احيانا علي شكل بناء الفرد واحيانا علي شكل بناء المجتمع. وفي الشكل الاول ليس ضروريا ان يعرف الجميع ولي الله او انه يقوم بقياده الجميع، وانما في الظروف الخاصه التي لا يمكن فيها بناء المجتمع يقوم ببناء الفرد. ان واجب الامام عليه السلام في مرحله الغيبه شبيه بواجب الولي في عصر موسى عليه السلام فالامام عليه السلام في حال الاختفاء يتدخل في شوون الحياه الدنيويه والدينيه للناس، ويتصل بالافراد الخاصيين، ويعمل علي بناء الفرد وتربيه الشخصيات. فهل بعد معرفتنا لمثل هذه الواجبات ايحق لنا ان نتساءل: ما فائده وجود ولي الزمان هذا؟! يقول الله سبحانه وتعالي: (وجعلناهم ائمه يهدون بامرنا...).(4) ليس فقط ان هذه الآيه تدل علي ان الهدايه التي يقومون بها هي بامر الله تعالى، وانما تدل علي ان اسلوب هدايتهم ايضا هي بامر الله عزوجل. واحيانا تقتضي اراده الله ان يقوم هولاء في الخفاء بهدايه الناس. واحيانا اخرى ان يخرجوا من وراء حجاب الغيب ليقوموا بهدايه جماعيه. ان الهدايه واساليبها انما هي بامر الله عزوجل. الدعوة السرية لنبي الاسلام في الايام التي كان الرسول الكرم صلى الله عليه واله وسلم مشغولا ببناء الفرد المسلم كان صلى الله عليه واله وسلم يعمل وفق مضمون الآيه (يهدون بامرنا). كان اسلوب الهدايه الفرديه طريقته، الى ان جاء امر الله ودعاه للقيام بهدايه الجميع، ليس نبي الاسلام صلى الله عليه واله وسلم وحده الذي بدا الدعوه سرا، ثم بدا هدايه الناس علنا بعد ذلك، وانما هذه السنه الالهيه، اذ يقتضي امر الله عز وجل حينا ان يكون امر الهدايه والقياده علنيا، وحينا آخر تستوجب المشيئه الالهيه ان يكون سرا لبناء الفرد، والنموذجان كانا في حياه النبي نوح عليه السلام فهو يبين عمله هكذا: (ثم اني اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا).(5) يذكر نوح عليه السلام في القسم الاول من الآيه علنيه دعوته ثم يبين في القسم الثاني سريه الدعوه، والنوعان من الدعوه كانا بامر الله سبحانه وتعالي ولهدايه البشر. وبملاحظه هذه الحقائق والاحاديث التي هي ما فوق المتواتر نستدل علي وجود حياه مثل هذه القياده. والسوال الوحيد هو: كيف يمكن ان يتوافق ان يكون الامام هاديا وقائدا للمجتمع، مع هذه الغيبه؟! الجواب هو: ان الامام يجب ان يكون هاديا وقائدا، ولكن ما هي الضروره في ان يكون اسلوب الهدايه له عاما وعلنيا؟! او ليست الهدايه التي يقوم بها هي بامر الله سبحانه وتعالي (يهدون بامرنا) واذا كان امر الله ان يقوم باعداد الفرد لمده من الزمن، اي حتى تتهيا ارضيه الثوره باصلاح المجتمع، عندها يمكن القول: اي نوع من الهداه والقاده هذا الامام؟ اذا كان يدعو في الخفاء وباساليب متنوعه الناس من خلال اتصالات مختلفه الى الحق والحقيقه ويوثر في بعض الناس، فهل يكون قد قام بواجب القياده تماما؟ وكيف يكون هذا الاسلوب مناسبا وكافيا لنوح عليه السلام وغير مناسب او كاف بالنسبه لولي العصر- عجل الله فرجه -؟! الخلاصه، لا يعني (يهدون بامرنا) ان تكون الهدايه دائما علنيه، وانما مفاد ذلك؛ هو ان الامام يقوم بالهدايه كما امر الله سبحانه وتعالي، ان كان علنا او سرا. نعم ان صاحب الزمان -الولي -غائب عن الانظار، وتبليغاته وهدايته واعماله مخفيه وغائبه عن الانظار ايضا، ولكن دعوته السريه موجوده، وكذلك فيضه وافادته سريه وخفيه. موسي غاب اربعين يوما عن الانظار اذا كان يجب ان يكون الامام والقائد موجودا دائما بين الناس وفي المجتمع وغيبته تتنافي مع مقام الهدايه فماذا يمكن قوله عن موسى عليه السلام؟ فهل كان هذا النبي الالهي، الذي اختفي - كما جاء في القرآن الكريم - اربعين يوما عن بني اسرائيل،(6) خلال هذه المده قائدا ام لا؟! كان اماما ام لا؟! فاذا قلنا انه كانت له مكانه النبوه والقياده، يبرز هذا السوال: ما هي فائده مثل هذا الامام؟ فاذا قلنا ان مكانته كقائد سلبت منه خلال تلك المده، فاننا نكون قد قلنا شيئا فريا، لاننا نعلم جميعا انه بمنزلته ومقامه قد غاب لكي يستلم التوراه. اذا كان الامام ملهما وهاديا، فان المده ان طالت او قصرت يتساويان ويستثني فقط تلك المده من الغيبه التي تستدعيها ضروره الحياه، كوجوب النوم. ربما يقال: ان غيبه موسى تختلف عن غيبه الامام القائم -عجل الله فرجه - فاذا غاب موسى فان وصيه كان موجودا بين الناس، ولكن الامر يختلف بالنسبه للقائم عليه السلام. وجواب هذا القول واضح، لان الهدف من التشبيه هو ان ولي الزمان غاب لاسباب عن الانظار وهي نفس الاسباب التي اجازت غيبه موسى عليه السلام فاذا غضينا النظر عن هذا الكلام فان وجود الوصي لا يتوجب غيبه النبي لانه امام وقائد، فاذا كانت له افاضه فلانه امام ويودي في الواقع واجبه، وليس ان يحمل حمله وحمل موسى عليه السلام، ثم ان ولي العصر عليه السلام له نواب بين الناس، يمكنهم ان يتحملوا مسووليه القياده في غيبته. سجن يونس في بطن الحوت يذكر القرآن الكريم في مواضع شتي قصه يونس عليه السلام،(7) ويصرح القرآن ان يونس كان لمده من الزمن في بطن الحوت(8) حبيسا مخفيا عن انظار الناس. ان هذا الولي الالهي الذي له مقام الولايه كان بعيدا عن امته، فاذا كان الامام الالهي مفيضا وهاديا دوما فكيف يمكن تفسير غيبته؟! يقول القرآن الكريم بصراحته انه بعد خروج يونس عليه السلام من بطن الحوت: (.. وارسلناه الى مئه الف او يزيدون)(9) ويمكن الحدس من ذلك انه عليه السلام كان يمتلك مقام الولايه الالهيه اثناء حبسه، وانما الشيء الموجود انه كان بعيدا لمده ولاسباب عن التبليغ والهدايه وهذه الحقيقه تتوضح اذا علمنا ان المقصود من تلك الكميه او العدد من الناس هم قوم يونس السابقون الذين نجي يونس من العذاب الالهي لتوبتهم. وجوده سبب لبقاء الرسالة تثبت المحاسبات العقليه والتجارب الاجتماعيه بوضوح ان الاعتقاد بوجود قائد حي له اثر عميق في حفظ النظام وبقاء الرساله، ان كان الوصول الى هذا القائد سهلا او صعبا. علي ايه حال فان للاعتقاد بوجود قائد له فوائد، ولكن لا جدال بالنسبه لوجود القائد في داخل المجتمع ويتحمل عبء القياده بصوره مباشره، والمهم ان يكون القائد لاسباب بعيدا عن المجتمع ولكن هذا المجتمع يعتقد ويومن بحياه القائد وعودته مره اخري، في هذه الحاله فان الاعتقاد بوجود مثل هذا القائد له اثر نشير فيما يلي اليه. في التاريخ شعوب وامم كانت لها انتفاضات وثورات، وهنك امثله كثيره تدل علي ان القائد عندما يكون علي قيد الحياه - حتى وان لم يتسلم القياده - تبقي التنظيمات ظاهره، ولكن ما ان يودع الحياه حتى تتفرق التنظيمات وتتشتت وتصيبها الفوضي. وافضل مثال علي ان وجود القائد هو حفظ الرساله وسبب لتنظيم الاتباع، قصه معركه احد، حيث ارتفع اثناء المعركه نداء، اما عن خطا او لغرض: الا قد قتل محمد صلى الله عليه واله وسلم، ارتفع هذا النداء في وقت كان المسلمون مشغولين بمواجهه عدوان المهاجين، وعندما انتشر النبا بين المسلمين بان القائد قد مات، تشتت النظام لدرجه ان فر كل واحد الى جهه، تاركين المعركه، حتى ان البعض فكر في الالتحاق بالاعداء. وعندما كذب نبا مقتل النبي صلى الله عليه واله وسلم، وايقن المسلمون بسلامه قائدهم وراي بعضهم النبي صلى الله عليه واله وسلم بانفسهم، اجتمع افراد الجيش المشتت مره اخرى خارجين من نقاط مختلفه من جبل احد والتفوا حول الرسول صلى الله عليه واله وسلم وبداوا القتال والدفاع. ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقه بهذه الصوره: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشكرين).(10) في ميادين القتال يتركز جهد مجموعه من الجنود المضحين علي بقاء العلم خفاقا امام هجمات الاعداء، بينما يسعي جنود العدو دائما الى اسقاط علم الطرف الآخر، لان بقاء العلم يبعث الامل في قلوب الجنود ويحثهم علي بذل مساعيهم. وكذلك وجود قائد الجيش في مقر القياده، حتى ولو كان سكتا سكنا فانه يجعل الدم يجري في عروق الجنود ويدفعهم لبذل جهود كثر بان قائدنا حي ورايتنا خفاقه، ولكن عندما ينتشر نبا مقتل القائد بين افراد الجيش فان هذا الجيش وان كان عظيما فانه يتلاشي مره واحده، وكان ماء باردا قد صب علي رووس افراده، او كان الروح قد فارقت اجسادهم. ان رئيس جمعيه او بلد، ما دام علي قيد الحياه، ان كان في سفر او طريح الفراش، فانه سبب للحياه والحركه والنظام والهدوء. ولكن سماع نبا وفاته يبعث علي الياس والقنوط بالنسبه للجميع. والشيعه، طبقا لعقيدتهم بوجود الامام -عجل الله فرجه - حيا، رغم انهم لا يرونه بينهم، لا يرون انفسهم وحيدين - تاملوا ذلك جيدا - انهم دائما ينتظرون عوده هذا العزيز المسافر الذي ترف له قوافل القلوب، ان انتظاره الموثر والمفيد يعطي كل يوم املا بظهوره. ان الاثر النفسي لمثل فكره احياء الامل في القلوب ودفع الناس لاعداد انفسهم لتلك الثوره الكبري، مفهوم ويمكن اداركه. ولكن اذا لم يكن لهذا القائد وجودا مطلقا، وكان محبو رسالته ينتظرون ولادته في المستقبل، فان الوضع يفرق كثيرا. واذا اضفنا الى هذا الموضوع شيئا آخر، فان الجواب يتخذ له شكلا جديا آخر وهو: انه طبقا لعقيده عموم الشيعه - الوارده في الكثير من الروايات من المصادر الدينيه - ان الامام عليه السلام بشكل دائم واثناء مرحله الغيبه يراقب اوضاع اتباعه، وانه وفق الهام الهي يطلع علي اوضاع جميعهم، او بتعبير الروايات انه يطلع اسبوعيا علي جدول اعمالهم وتصرفاتهم واحاديثهم.(11) ان هذه الفكره تودي الى ان يكون جميع اتباعها علي استعداد تام ودائمي، ويتوجهون في اعمالهم الى ان هنك مشرف عالي، ان الاثر التربوي لمثل هذا النوع من التفكير لا يمكن انكاره. والآن لناخذ هذا المبدا بالنسبه لصاحب الزمان عليه السلام: اليس موثرا الاعتقاد بوجود امام حي، حاضر، ناظر، مستعد، ومهيا للثوره في سبيل حفظ وحده المجتمع والتنظيمات، وخاصه اعداد الاشخاص للثوره ضد الظلم والجور والاستبداد والغرور؟! حقا لن يياس ابناء شعب يعتقدون ان قائدهم علي قيد الحياه، وهو يترقب دائما الامر الالهي يصدر من وراء الحجاب، كما انهم لن يفقدوا وحده كلمتهم، ويسعون لحفظ الرساله، ويهيئون العده والعدد والمقدمات في سبيل الهدف. ولكن اذا قيل لهولاء: انكم الآن بلا قائد، وان قائدكم سياتي في المستقبل، وهو غير معلوم اذا كان سيولد احد، ليس فقط انه لم يولد بل ان اجداده ايضا لم يولدوا بعد. فهل سيكون لهولاء روح الانتظار البناء والقوه اللازمه؟! وهل بمثل هذه العقيده تنشط انظمتهم الماديه والمعنويه؟ ام ان ذلك سيودي الى التشتت بين الافراد والدمار للرساله؟! لتوضيح كثر نقول حول دور الامام الغائب في المجتمع والافكار العقائديه: ان الايمان بالانتصار النهائي وانتظار مصلح عالمي، لو وصل مرحله المعرفه والاطلاع، فانه سيكون مصدرا للتحرك والنهضه. ان قائد حركه تطالب بالعداله، ولو لم يكن بين اتباعه، فانه يستطيع ان يكون سببا للوحده ورص الصفوف بين الافراد الذين يعتقدون بثورته. اننا نري في نهضه استقلال الهند، انه بالرغم من ان الدوله الاستعماريه تقبض علي غاندي وتسجنه الا ان مبدا عدم التعاون مع الدوله الاستعماريه يستمر بشده. فالشعب الهندي رغم انه لا يجد غاندي بين صفوفه فانه يستمر في نهضته، لان غاندي كان ما يزال حيا وقدرته المعنويه توحد ابناء الشعب الهندي. في الحرب الاهليه في اسبانيا، قبل الحرب الثانيه، كانت الحرب مستمره علي كافه الجبهات في الوقت الذي كان فيه قاده الجمهوريين في سجون فرانكو، وعندما اعدم عدد منهم هزم جيش الجمهوريين. وفي الحرب الثانيه، اثناء حصار مدينه لينينغراد من قبل الجيش النازي كان البرد والقحط يحصدان يوميا الآلاف، كما كان الجوع يفتك بالناس ولكن سكان لينينغراد كانوا يستمرون في المقاومه، وقد استمر الحصار اربع سنوات، وخلال هذه المده كانت اذاعه لينينغراد تذيع بيانات لجنه المقاومه وتدعو الناس الى الثبات. وفي الايام الاخيره للحصار كان كثر من ثلثي اعضاء اللجنه قد ماتوا جوعا، ولكن الاذاعه ودون ان تعلن عن موتهم كانت تستمر علي ذكر اسمائهم في ختام البيانات. الطريف انه بسبب انقطاع التيار الكهربائي انقطعت الاذاعه عن البث، فاجتمع الناس حول مبني الاذاعه وهم يهتفون لا نريد المون وانما اعيدوا الاذاعه ال العمل لكي نستمع الى بيانات لجنه المقاومه. ان هذه الوثائق والشواهد تدل علي انه حتى ولو لم يكن قائد النهضه والمقاومه بين الشعب فان وجوده الواقعي يرفع من المستوي المعنوي ويعطي املا وتحركا. واما لماذا يخلق الله تعالى الامام في موقع الظهور فيجب القول: انه لو كان كذلك لما كان هنك واقع لانتظار ظهور مصلح، لان الناس بامكانهم ان يكونوا في انتظار شخص يعتقدون بكونه حيا، ولا يمكن لاحد ان يكون معتقدا انه من المحتمل ان ياتي احدبعد عده سنين يقوم بدور المنجي. في خضم هذه الحياه المتلاطمه المملوء ه بالاضطراب، حيث يستولي الياس علي الانسان فينتخب فلسفه العبث طريقا لحياتخ، كيف يمكن لابناء البشر ان يعتقدوا بوجود منج سيولد بعد سنين؟! ثم هل ان الاعتقاد بوجود قائد سيولد فيما بعد يمكن ان يبلور الروح البناء ه للانتظار؟ انه ضروري للانسان ان يستلهم من فكره وجود قائد حي، حتى ولو كان غائبا، في معرفه دقائق الحياه ليتخذ طريقه نحو التكامل. صيانة التعاليم الالهية مع مرور الزمن، وامتزاج الاذواق والافكار الشخصيه بالقضايا الدينيه وميل التيارات المختلفه نحو النظريات المخادعه وبرامجها الانحرافيه، وامتداد الايدي المفسده نحو المفاهيم السماويه، فان قسما من اصاله هذه القوانين تتعرض للتلف والتغييرات المضره. ان هذا الماء الزلال النازل من سماء الوحي، يصيبه العتم بالتدريج خلال عبوده من الرووس المختلعه ويفقد صفاء ه الذي كان له في البدايه. وهذا النور المشع يفقد بعض نوره خلال عبوره من الزجاج المظلم للافكار المظلمه. والخلاصه فبالعمليات التجميليه والاضافيه لقصيري النظر واضافه فروع جديده، تصبح معرفه المسائل الاصليه متعذره. وفي هذه الحاله، اليس من الضروري ان يوجد شخص بين جمع المسلمين يحفظ المفاهيم الخالده لتعاليم الاسلام بشكلها الاصلي لاجيال المستقبل؟ اننا نعلم انه يوجد صندوق حديدي لا يحترق في كل موسسه لحفظ الوثائق من التلف والسرقه والحريق، وهذا الامر يزيد اعتبار الموسسه هذه. صدر الامام وروحه الساميه صندوق لحفظ التعاليم الالهيه التي تحتوي علي جميع المميزات السماويه والاصاله الاولي بهذه التعاليم. لكي لا تبطل الدلائل الالهيه والآيات الواضحه لله سبحانه وتعالي، وهذه احدي آثار وجوده بالاضافه الى الآثار الاخري. اعداد مجموعه المنتظرين الواعين خلافا لما يفكر فيه البعض، فان علاقه الامام في زمن الغيبه ليست مقطوعه بالمره عن الناس، وانما - وكما يستدل من الروايات الاسلاميه - مجموعه صغيره من كثر الناس استعدادا الذين تمتليء افكارهم بالعشق الالهي، وقلوبهم بالايمان ومنتهي الاخلاص لتحقيق اهداف اصلاح العالم، هم علي الارتباط به سلام الله عليه. ان غيبه الامام صلوات الله عليه لا تعني ان الامام هو علي هيئه الروح غير المرئيه او شعاع غير ظاهر، بل انه يتمتع بحياه طبيعيه هادئه، يجول بين هولاء الناس بشكل غير معروف، ينتخب القلوب المتهيئه. والاشخاص الذين لهم الاستعداد، مع اختلاف الاستعدادات واللياقات يوفقون لادرك هذه السعاده. وهنك البعض - لساعات او لايام او لسنين - يكونون علي اتصال مع بقيه الله ارواحنا له الفداء. وهولاء اشخاص لهم اجنحه من العلم والتقوي لدرجه ساميه، وهم اشبه بمسافري الطائرات البعيده المدي، يطيرون فوق السحاب، الى حيث لا حجاب يمنع اشعاع الشمس المانحه للحياه، بينما البقيه يقبعون تحت السحاب في ظلام او نور ضعيف. والحقيقه ان الوضع هو هكذا، فاننا يجب ان لا نتوقع ان نسحب الشمس الى تحت السحاب لكي نراها، ان مثل هذا التوقع خطا وخيال محض بل علي انا ان احلق فوق السحاب، لا عب من شعاع الشمس الخالده جرعه جرعه حتى ارتوي. علي ايه حال، ان اعداد هذه المجموعه هي حكمه اخرى من حكم وجود الامام في هذه المرحله. الهوامش: (1) الكهف: 65. (2) الكهف: 66. (3) الكهف:68-67. (4) الانبياء: 73. (5) نوح: 9. (6) اشاره الى قوله تعالى: (واذ واعدنا موسى اربعين ليله...) البقره:51. (7) اشاره الى قوله تعالى: (وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن...) الانبياء:87 وقوله تعالى: (وان يونس لمن المرسلين) الصافات:139. (8) اشاره الى قوله تعالى: (فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون) الصافات 144-143. (9) الصافات:147. (10) آل عمران:144. وانظر: دراسه اخبار الحادثه في موسوعه التاريخ الاسلامي 2: 310-302. (11) كما في تفسير التبيان للطوسي في ذيل الآيه 105 من سوره التوبه: (.. فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون). ****************** النفوذ الروحي واللاارادي اننا نعلم ان للشمس سلسله من الاشعه المرئيه يتركب منها الالوان السبعه المعروفه، واشعه غير مرئيه تسمي فوق البنفسجيه او الاشعه دون الحمراء. كذلك القائد السماوي الكبير، نبيا كان ام اماما، فبالاضافه الى التربيه التشريعيه - التي تتاتي عن طريق الحديث والتصرفات والتعليم والتربيه العاديه - له نوع من التربيه الروحيه التي تعمل عن طريق النفوذ المعنوي في القلوب والافكار، ويمكن تسميتها باسم التربيه التكوينيه. وهنا لا اثر للالفاظ والكلمات والكلام والعمل، وانما الشيء الموثر هو الجاذبيه الكامنه في الباطن. ونقرا في سير الكثير من الائمه الكبار ان بعض الاشخاص المنحرفين بمجرد اتصال بسيط معهم يغيرون مسيرتهم كليا، وينقلبون تماما، او كما نقول ينحرفون عن حياتهم بزاويه مئه وثمانين درجه، وينتخبون اسلوبا جديدا وينقلون مره واحده الى اشخاص طاهرين مومنين وذوي ايثار، لا يحجمون عن بذل وجودهم. ان هذه التغييرات السريعه بكافه جوانبها، وهذه التحولات الكليه وذلك خلال لقاء واحد، طبعا بالنسبه لهولاء رغم انحرافهم لديهم استعداد ايضا، هو نتيجه جذبه لا اراديه يعبر عنها احيانا باسم نفوذ الشخصيه. وقد جرب الكثير في حياتهم انهم اثناء لقائهم باشخاص ذوي روحيه عاليه، يقعون تحت تاثيرهم دون اختيار او اراده منهم، حتى انه يصعب عليهم الكلام امامهم ويجدون انفسهم في هاله من الغموض لا توصف عظمتها. طبعا يمكن احيانا اعتبار ذلك تلقينا وما اشبه، ولكن بالتكيد لا يصح ذلك علي جميع الحالات، ولا يوجد طريق سوي ان نقبل ان هذه الآثار نتيجه شعاع غامض ينبع من باطن الاشخاص العظام. هنك سير كثيره في تاريخ الائمه الكبار لا يمكن ان نفسر هذه الحاله الا بهذا التفسير، ونورد فيما يلي بعض النماذج: التقاء اسعد بن زراره الوثني بالنبي الكرم صلى الله عليه واله وسلم الى جوار الكعبه والتغيير الفكري الكلي له، او ما كان يسميه الاعداء الالداء للنبي صلى الله عليه واله وسلم بانه سحر، وسعيهم لابعاد الناس عنه صلى الله عليه واله وسلم من اجل ذلك.(1) تاثير كلام الامام الحسين عليه السلام علي افكار زهير بن القين اثناء المسير الى كربلاء، الذي وضع اللقمه من يده والتحق به عليه السلام.(2) الجذبه العجيبه التي شعر بها الحر بن يزيد الرياحي في نفسه واخذ يرتجف رغم شجاعته، وهذه الجذبه هي التي سحبته الى صفوف المجاهدين في كربلاء حتى نال فخر الشهاده العظيمه.(3) قصه الشاب الذي كان يقيم الى جوار ابي بصير بثروته العظيمه، التي جمعها من خدمته لنظام بني اميه، والذي كان يعيش حياه لاهيه لا ضابطه لها فتغير كليا برساله من الامام الصادق عليه السلام، فترك اعماله كلها، وانفق جميع امواله التي جمعها من طريق غير مشروع في سبيل الله او اعادها لاصحابها.(4) قصه الامه الجميله التي بعثها هارون الرشيد لجهله الى الامام الكاظم صلوات الله عليه لكي يحرفه، فانقلبت خلال مده وجيزه بحيث ان مظهرها وكلامها ومنطقها ادهش هارون واخافه.(5) جميع هذه القصص نماذج لهذا التاثير اللاارادي، ويمكن اعتباره فرعا من الولايه التكوينيه للمعصومين، من النبي صلى الله عليه واله وسلم وحتي الائمه عليهم السلام، لان عامل التربيه والتكامل هنا ليست الالفاظ والجمل والطرق العاديه، وانما الجذبه المعنويه والنفوذ الروحاني اللذان يعتبران العامل الاساسي. وكما قلنا: ان الانبياء والائمه عليهم السلام علي اساس الفضائل الموهوبه، والابرار والشخصيات الالهيه العظيمه، علي اساس الفضائل المكتسبه، كل ومنزله شخصيته له هاله من هذا النفوذ اللاارادي، طبعا لا يمكن المقارنه بين المجموعه الاولي والمجموعه الثانيه من حيث الابعاد والاتساع. ان الوجود المبارك للامام صاحب الزمان عليه السلام خلف سحاب الغيبه له هذا الاثر ايضا، ففي طريق الشعاع القوي الواسع لنفوذ شخصيته، يوثر بجذبته الخاصه في القلوب المستعده القريبه والبعيده، ويبدا بتربيتهم وتكاملهم ليصنع منهم الانسان الكمل. اننا لا نري قطبي الجاذبيه المغناطيسيه للارض باعيننا ولكن اثرهما ظاهر في البوصله؛ لدي قياده السفن في البحار، وفي الصحاري، وفي قياده الطائرات في الفضاء، والاجهزه الاخري، ومن بركه هذه الامواج علي الكره الارضيه فان ملايين المسافرين يجدون طريقهم نحو اهدافهم، فيتخلصون - بالناقلات الصغيره والكبيره بامر من هذه العقربه الصغيره في ظاهرها - من الضياع. فهل من العجب ان يكون الوجود المبارك للامام صاحب الزمان صلوات الله عليه، في زمن الغيبه - بواسطه امواج جذبيه المعنويه - هاديا لافكار وارواح الكثيرين، وينقذهم من الضياع؟؟ طبعا يجب ان لا ننسي ان الامواج المغناطيسيه في الارض لا توثر علي القطع الحديديه الرخيصه وانما توثر علي العقارب الدقيقه الحساسه تلك التي لها خاصيه الجاذبيه، والتي لها شبه مع القطب المرسل للامواج المغناطيسيه، وكذلك القلوب التي لها طريق الى الامام المهدي عليه السلام وتدخر في باطنها شبها تقع تحت تاثير تلك الجذبه الروحانيه. فالامام المهدي عليه السلام الذي شبه رسول الله بالشمس من وراء السحاب هو الذي بوجوده يتنعم البشر، وتنتظم حياته، وهو الذي تتفجر منه الخيرات والبركات والالطاف الخفيه والفيوضات المعنويه الى الناس. فهو يتصرف في الكائناب بصوره مستمره، ويملك كافه الصلاحيات التي فوضها الله اليه، وليست حياته حياه العاجز الضعيف، الذي لا يملك حولا ولا قوه، ويكتفي بصلاته وصيامه، ويقضي اوقاته في الصحاري والبراري منعزلا عن الناس، لا يعرف شيئا عن العباد والبلاد، كلا والف كلا. ان الامام المهدي عليه السلام - بالرغم من غيبته التي ارادها الله له - يتمتع بقدره من الله تمكنه من كل ما يريد، وتوفر له جميع الوسائل اللازمه، ومما لا شك فيه ان تصرفات الامام المهدي وانجازاته، كلها مطابقه للحكمه والمصلحه، وليست تابعه للهوي والميول النفسانيه، فيعطي ويمنع، ويفعل ويترك، ويدعو الله تعالى فيرشد الضال، ويشفي المريض، ويظهر نفسه لهذا وذك، تاره في العراق، واخرى في ايران، ومره في طريق الحج، واخرى في مكه والمدينه ومني وعرفات، كل ذلك بقدره الله تعالى. هذا مضافا الى اننا نتتفع بتعاليمه التي قد يعطيها لمن يماشيه، ولمن يجالسه، ولمن يرافقه في الطريق، وفي المسجد، وفي المتجر، وفي المجتمعات، دون ان يحس هذا المستفيد بان هذه التعاليم صادره عن صاحب الامر عليه السلام... فانه يظهر في مناسبات بين الناس، يعرفهم ولا يعرفونه، وينصح لهم وللاسلام دون ان يخطر ببال احد منهم ذكر المهدي عليه السلام او كونه هو هو هذا الآمر بالمعروف او الناهي عن المنكر، نذكر نبذه صغيره وضئيله مما يقوم به المهدي في عصر الغيبه لحفظ الاسلام والمسلمين. يقول الامام علي عليه السلام: حتي اذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس، وماج الناس بفقده او بقتله او بموته اطلعت الفتنه ونزلت البليه والتحمت العصبيه وغلا الناس في دينهم واجمعوا علي ان الحجه ذاهبه والامامه باطله... فورب علي ان حجتها عليها قائمه، ماشيه في طرقاتها، داخله في دورها وقصورها، جواله في شرق هذه الارض وغربها، تسمع الكلام وتسلم علي الجماعه تري ولا تري الى الوقت والوعد ونداء المنادي من السماء.(6) وقال الصادق عليه السلام: والله ان صاحب هذا الامر يحضر الموسم كل سنه فيري الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه.(7) العلم والتهذيب من يريد ان يصبح منتظرا حقيقيا للامام المهدي عليه السلام وينال الاجر والمقام المعنوي الذي تذكره روايات المعصومين عليهم السلام كقول الامام علي عليه السلام: انتظروا الفرج ولا تياسوا من روح الله، فان احب الاعمال الى الله عز وجل انتظار الفرج، الآخذ بامرنا معنا غدا في حظيره القدس والمنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله.(8) عليه ان يسعي لكسب العلم والمعرفه، وطلب العلم هو صفه لمن يوالي اهل البيت عليهم السلام في كل زمان ومكان، فقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام قال: يغدو الناس ثلاثه اصناف عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء.(9) ثم ان العلم يعتبر سببا لكثير من الخيرات وكثر الفساد مرجعه الى الجهل ففي روايه عن الصادق عليه السلام: من عمل علي غير علم كان ما يفسد كثر مما يصلح.(10) ان الشيعه في زمن غيبه الامام المهدي عليه السلام بحاجه الى العلم كثر من اي زمن آخر لانه يحصنهم من الانحراف ويثبتهم علي الصراط المستقيم، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: ستكون فتن يصبح الرجل فيها مومنا ويمسي كافرا الا من احياه الله بالعلم.(11) والعلم المقصود هو ما يشمل علم العقائد والقرآن والفقه والاخلاق الذي يحيي روح الانسان المتعلم، بشرط العمل طبق ما يتعلمه؛ لان هذه العلوم كلها مقدمه للعمل الصالح الذي يساعد علي تكامل المنتظر فكريا وروحيا. يذكر ان آيه الله السيد محمد باقر الاصفهاني راي في عالم الرويا ان الامام المهدي عليه السلام جالس في حديقه جميله جدا. فساله السيد قائلا: سيدي ماذا افعل للتقرب اليك؟ اجاب الامام عليه السلام: اجعل عملك عمل امام زمانك. فخطر ببالي ان الامام يقصد بذلك هو ان الاعمال التي تعتقد ان الامام يقوم بها فقم انت بها. فسالته: سيدي ماذا افعل لاوفق لهذا النوع من الاعمال؟ قال عليه السلام: الاخلاص في العمل. نعم الاخلاص هو عامل القرب لله وللامام عليه السلام، ولا يتحقق الا بتهذيب النفس والعلم. اذن مع العلم لا بد من تهذيب النفس والاخلاق، بان يربي الموالي نفسه علي الصفات الحميده، ويتطهر من الرذائل الاخلاقيه، فقد ورد عن الصادق عليه السلام: من سره ان يكون من اصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق فهو منتظر فان مات وقام القائم بعده كان له من الاجر مثل اجر من ادركه فجدوا وانتظروا هنيئا لكم ايتها العصابه المرحومه.(12) كما تلاحظ فان الامام يقرن الانتظار بالورع ومحاسن الاخلاق، وهذا ما يوجب علي كل شيعي ان يسعي فكرا وعملا للحفاظ علي علاقته المعنويه والفكريه بامام زمانه، وتهذيب ذاته بالشكل الذي يبعث الرضا في نفس هذا الامام المعصوم. وقال زين العابدين عليه السلام: لا حسب لقرشي ولا لعربي الا بتواضع، ولا كرم الا بتقوي، ولا عمل الا بنيه، ولا عباده الا بتقيه، الا وان ابغض الناس الى الله من يقتدي بسنه امام ولا يقتدي باعماله.(13) الظاهر ان المراد من هذا الكلام ان ابغض الناس الى الله من حيث العمل من يكون علي طريقه الامام، اي يعتقد ويقر بامامته وولايته وهو مع ذلك يخالفه في الاعمال والاخلاق، والسر في ذلك ان المومن اذا خالف امامه في اعماله واخلاقه كان شينا علي الامام، وسببا لطعن الاعداء وازرائهم عليه وهذا ذنب عظيم، واذا اقتدي باعماله واخلاقه، كان سببا لعظمه ولي الله في اعينهم، ورغبه المخالفين الى طريقتهم، واهتداء الناس باعمالهم الى امامهم، فيحصل بذلك الغرض الالهي من نصب الامام بين الانام، ولهذا قالوا: كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا.(14) وقال الصادق عليه السلام: كونوا دعاه للناس بغير السنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاه والخير فان ذلك داعيه.(15) ان اجتهاد المومن في الطاعه وورعه عن المعصيه، يوجب رغبه الناس في اتباع طريقته، وعلمه بحقيه امامه، لان ذلك دليل علي انه ادبه بذلك، فيصير سببا لاتباع الامام، والاعتقاد به، والاعراض عن اعدائه، فبهذا يعين المومن امامه، ويحارب به اعداءه. فلهذا من ابرز صفات المنتظر الحقيقي هو السعي في كسب العلم من اجل تهذيب نفسه وتكاملها لتكون اهلا للانتظار ونصره الامام. فلهذا نراه يلتزم بالواجبات ويفر من المحرمات، ويتصف بصفات الاولياء وخاصه صفات امام زمانه؛ لانه قدوته، قال الامام علي عليه السلام: الا وان لكل ماموم اماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه.(16) وبالعلم ومكارم الاخلاق يصبح المنتظر الحقيقي زينا لامامه يفتخر به الامام ولا يكون شينا عليه بسوء اعماله واخلاقه قال الصادق عليه السلام: ايكم ان تعملوا عملا نعير به، فان ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انتقطعتم اليه زينا ولا تكونوا عليه شينا.(17) هنا الامام يعبر عن الشيعه بانهم اولاده، والولد السيء يعاتب الناس والديه علي عدم تربيتهما له، فينصح الامام الشيعه علي ان يسيئوا للمعصوم امام الناس وغير الشيعه بسيئات اعمالهم: بل كونوا علي الدوام فخرا لامام زمانكم يباهي بكم امام بقيه المذاهب والامم. يقول الامام المهدي عليه السلام: فليعمل كل امريء منكم بما يقرب به من محبتنا ويتجنب مايدنيه من كراهتنا وسخطنا فان امرنا بغته فجاه.(18) العمل علي معرفة الامام ان معرفه الامام المهدي عليه السلام له درجات ومراتب، فالذي يعرف اسم الامام واسم ابيه وانه معصوم من الخطا والزلل، نقول ان هذا الشخص يعرف لكن معرفه عامه، وبالتالي لا توصله الى التسليم للامام بل يحتاج الى تحصيل معرفه كثر حتى يسلم، ويجب علي الممهد والمنتظر الحقيقي ايجاد هذه المعرفه في نفسه ومجتمعه. عن فضيل بن يسار قال: سالت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله: (يوم ندعو كل اناس بامامهم).(19) فقال عليه السلام: يا فضيل اعرف امامك، فانك اذا عرفت امامك لم يضرك تقدم هذا الامر او تاخره، ومن عرف امامه ثم مات قبل ان يقوم صاحب هذا الامر كان بمنزله من كان قاعدا في عسكره، لا، بل بمنزله من قعد تحت لوائه قال: وقال بعض اصحابه: بمنزله من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.(20) ان تحصيل معرفه الامام المهدي عليه السلام لازم وواجب بالعقل والنقل: اما العقل: فلان العلل المحوجه الى وجود النبي صلى الله عليه واله وسلم هي المحوجه الى وجود الوصي عليه السلام بعد وفاه النبي، والجهه الموجبه للرجوع الى النبي صلى الله عليه واله وسلم هي الموجبه للرجوع الى الوصي بعينها، فيجب علي الله تعالى نصبه، وعلي الناس معرفته، لتوقف اتباعه علي معرفته. فان قيل: ان هنك فرقا واضحا بين المقامين، لان العله الموجبه لبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم حاجه الناس في امور معاشهم ومعادهم الى قانون يعملون بمقتضاه في جميع الامور، فاذا جاء النبي بما يحتاجون اليه وبين لهم القواعد والاحكام وعرفوها، عملوا بها فترتفع الحاجه ويكفي في بيان تلك القواعد والاحكام وجود العلماء والكتب المعموله لبيان ما يحتاج اليه الناس في امر المعاش والمعاد له. الجواب: الاول: ان النبي صلى الله عليه واله وسلم انما بين القواعد الكليه والاحكام كما هو واضح لمن لا حظ الاحاديث النبويه ولم ترتفع الحاجه بهذا المقدار بالكليه، بل نري كثيرا من المسائل قد اختفت احكامها علي الاوحدين من العلماء الكاملين، فضلا عن غيرهم، فلا بد في كل زمان من وجود امام معصوم يرجع اليه الناس فيما يحتاجون اليه، ولم يصل اليهم خبر عن النبي صلى الله عليه واله وسلم... نعم لا ريب ان النبي صلى الله عليه واله وسلم اودع جميع الاحكام والعلوم عند وصيه الذي هو الامام بعده. وكذا اودعه كل امام عند وصيه، الى ان انتهيت النوبه الى امام زماننا عليه السلام وظهوره، فهم يبينون الاحكام الالهيه التي اخذوها عن النبي، ولا ريب في ان هذا المبين لاحكام النبي صلى الله عليه واله وسلم لو لم يكن معصوما لما حصل للناس الوثوق بقوله، فينتقض الغرض من البعثه. الثاني: انه لا ريب من وقوع الخلاف والتنازع بين الناس بمقتضي جبلتهم، واهويتهم، كما يشاهد بالوجدان، ويري بالعيان، فمقتضي اللطف الالهي ان ينصب فيهم من يكون عالما بما هو حق الواقع في كل زمان، ويكون هذا الشخص مرجعا لهم في مرافعاتهم وواقعاتهم. حتى يصل الحق الى صاحبه، ويتسري العدل الالهي فيهم، وهذا الشخص هو الامام الذي امر الناس جميعا باتباعه والرجوع اليه. س 1: ان الائمه عليهم السلام في زمن حضورهم لم يكونوا يحكمون الا علي طبق القواعد الظاهريه التي يحكم العلماء في زمن الغيبه بمقتضاها، فكيف تدعي ان مقتضي اللطف نصب الامام ليحكم بما هو الحكم الواقعي في علمه المختص به؟ الجواب: نعم ان المانع من الحكم بمقتضي علمهم الواقعي انما كان بسبب الناس، كما ان المانع من ظهور الامام هم الناس، فاذا كانوا هم السبب في ذلك فلا حجه لهم ولا نقض في قاعده اللطف. مع ان في العديد من الموارد والمصالح الخاصه كان الامام يقضي بعلمه الخاص الواقعي. والروايات توكد هذا الامر بانه لو ثنيت لهم الوساده، واعطوا الرئاسه وحصل لهم بسط اليد، حكموا بحكم آل داوود والاحكام الواقعيه التي استودعها الله عندهم. عن ابي عبد الله عليه السلام قال: يا ابا عبيده، اذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه واله وسلم حكم بحكم داوود وسليمان لا يسال بينه.(21) الثالث: انا لو فرضنا كون العلماء عالمين بجميع الاحكام فلا يكفي وجودهم عن الامام، لانهم ليسوا بمعصومين عن السهو والخطا في كل مقام فلا بد في كل زمان من وجود شخص معصوم عن الخطا والنسيان ليكون مرجعا للانام، ويبين لهم حقائق الاحكام. س 2: فما الفرق بين عدم وجود الامام ووجوده غائبا عن ابصار الناس؟ الجواب الاول: لما كان المانع من ظهوره عليه السلام ناشئا من الناس لم يكن ذلك منافيا للطف الله، ولم يكن دليلا علي عدم الحاجه الى وجود الامام، بل يجب عليهم رفع موانع ظهوره لكي يستضيئوا بكمال نوره، وينتفعوا بانواع علومه. الجواب الثاني: انا لا نسلم غيبته في جميع الازمان عن رويه جميع اهل الايمان، بل اتفق لكثير من المؤمنين التشرف بلقائه عليه السلام وقصصهم مذكوره في كتب علمائنا. ... ان منافع وجوده المبارك غير منحصره في افاده العلوم، بل جميع ما يصدر الى الخلائق من مبدا الفيض انما هو ببركات وجوده، فانه السبب في وجود الخلق ويدل علي ذلك قول الامام المهدي عليه السلام في التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج: الجواب الثالث: ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا.(22) ومعني هذا الكلام يجري علي وجهين: الاول: انه وآباء ه هم الوسائط في ايصال الفيوضات الالهيه الى سائر المخلوقات واليه اشير في دعاء الندبه: اين السبب المتصل بين الارض والسماء، ونسبه الفعل الى السبب والواسطه كثيره جدا في العرف واللغه. الثاني: انه المقصود الاصلي والغرض الحقيقي من خلق جميع ما انشاه الباري تعالي شانه وكذا آبائه الطاهرين عليهم السلام فهم العله الغائيه، وخلق سواهم لاجلهم. واما النقل: فالروايات المتواتره فمنها: في الصحيح عن معاويه بن عمار، عن ابي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (ولله الاسماء الحسني فادعوه بها)(23) قال: نحن والله الاسماء الحسني التي لا يقبل الله من العباد عملا الا بمعرفتنا.(24) ولعل التعبير عنهم بالاسماء لكونهم ادلاء علي الله، وعلامات قدرته وجبروته كما ان الاسم علامه لصاحبه، دال عليه. وعن ابي جعفر عليه السلام قال: ذروره الامر وسنامه، ومفتاحه وباب الاشياء ورضا الرحمان تبارك وتعالي الطاعه للامام بعد معرفته، ثم قال: ان الله عز وجل يقول: (من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولي فما ارسلنك عليهم حفيظا).(25) اما لو ان رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولايه ولي الله فيواليه، ويكون جميع اعماله بدلالته اليه، ما كان له علي الله حق في ثوابه، ولا كان من اهل الايمان.(26) يروي عن الصادق عليه السلام انه قال لفضيل بن يسار: يا فضيل اعرف امامك، فانك اذا عرفت امامك، لم يضرك تقدم هذا الامر او تاخر، ومن عرف امامه ثم مات قبل ان يقوم صاحب هذا الامر، كان بمنزله من كان قاعدا في عسكره. لا بل بمنزله من قعد تحت لوائه.(27) الهوامش: (1) اعلام الوري 1: 139-136. (2) وقعه الصف: 161. (3) وقعه الطف:213. (4) بحار الانوار 145:47، ب (5) معجزات واستجابه دعواته، ح 199. (5) مناقب آل ابي طالب 415:3. (6) الغيبه للنعماني: 146، ب (10)، ح 3. (7) بحار الانوار 152:52، ب (23) من ادعي الرويه في الغيبه الكبري، ح 4. (8) بحار الانوار 123:52، ب (22) فضل انتظار الفرج، ح 7. (9) الكافي 1: باب اصناف الناس، ح 4. (10) الكافي 1: باب من عمل بغير علم، ح 3. (11) معجم احاديث الامام المهدي 99:1. (12) بحار الانوار 140:52، ب (22) فضل انتظار الفرج، ح 50. (13) بحار الانوار 207:1، ب (5) العمل بغير علم، ح 4. (14) وسائل الشيعه 194:12، ح 18. (15) الكافي 78:2، باب الورع، ح 14. (16) بحارالانوار 473:33 ب (29) كتب اميرالمؤمنين عليه السلام، ح 686، وشرح نهج البلاغه 205:16. (17) بحار الانوار 431:72، ب (87) التقيه والمداره، ح 91. (18) الاحتجاج 324:2. (19) الاسراء: 71. (20) الكافي 371:1، باب انه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الامر او تاخر، ح 2. (21) الكافي 397:1، باب في الائمه عليهم السلام اذا ظهر امرهم حكموا بحكم داوود وآل داوود، ح 1. (22) الاحتجاج 278:2. (23) الاعراف: 180. (24) الكافي 1: باب النوادر، ح 4. (25) النساء: 80. (26) الكافي: 18:2، باب دعائم الاسلام، ح 5. (27) الكافي 371:1، باب انه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الامر او تاخره، ح 2. ****************** وان يعرف المنتظر ما هو مقام الامام عند الله تعالى وما هي خصائصه نذكر بعضا منها عن لسان الامام الرضا عليه السلام قال: الامام امين الله في خلقه، وحجته علي عباده، وخليفته في بلاده والداعي الى الله، والذاب عن حرم الله، الامام المطهر من الذنوب، والمبرا من العيوب المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.(1) واما توضيح الروايه: خليفه الله، اي ان وسيله الارتباط بالله لن يكون الا بالارتباط بخليفته وقبول اوامره ونواهيه، علي انه من الله تعالى، ولهذا قال: الامام المطهر من الذنوب اشاره الى مقام العصمه التي للائمه عليهم السلام، فهم لا ينطقون الا ما يرضي الله ويريده. وقوله: المخصوص بالعلم، يعني ان الامام قد اختص بجميع العلوم ولم يخلق الله علما الا وقد علمه الامام ومن يريد الوصول الى شيء من العلم لا بد له ان ياخذ منه. وحجه الله علي عباده، يعني الامام هو الوحيد الذي يحتج الله به امام عباده، فهو حجه ودليل قاطع علي احقيه الله ودينه، ومن لا يلتزم باوامرهم فلا عذر لهم. ثم قال الرضا عليه السلام: الامام واحد دهره، لا يدانيه احد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا به مثل ونظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا كتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب. مخصوص بالفضل كله، يعني لا يصل فضل من الله لاحد الا واصل ذلك الفضل موجود عند الامام، ولا يصل اي كمال لمخلوق الا وللامام ذلك الكمال بكمله. فلهذا لا يشبهه في صفاته احد ولا يتقرب الى مقامه احد، قال الامام الباقر عليه السلام: من مات وهو عارف للامامه لا يضره تقدم هذا الامر او تاخر. ومن مات وهو عارفا للامامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.(2) والمعرفه الحقيقيه للامام عليه السلام لا تنحصر بمعرفه هويته الشخصيه، وانما معرفه الامامه، والاعتقاد بالولايه ولزوم الطاعه. والشاهد علي هذا المعني من المعرفه هو قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم: من مات وليس له امام يسمع له ويطيع مات ميته جاهليه.(3) فالوسيله الوحيده للارتباط بالمهدي عليه السلام هو معرفه اولويته للامامه واحقيته للطاعه، ثم السعي علي العمل الذي يرضاه، وتحقيق رغباته واهدافه التي هي اهداف الله تعالى. والطريق الصحيح لمعرفه الامام هو ان يطلب الانسان ذلك من الله تعالى قال زراره سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان للقائم غيبه قبل ان يقوم... الى ان قال عليه السلام: غير ان الله تبارك وتعالي يجب ان يمتحن الشيعه فعند ذلك يرتاب المبطلون، قال زراره: جعلت فدك فان ادركت ذلك الزمان فاي شيء اعمل؟ قال عليه السلام: يا زراره، ان ادركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.(4) والمعرفه مقرونه: بالاعتراف به عليه السلام كامام مفترض الطاعه وقائد فعلي للامه، وان يم يكن عمله ظاهرا للعيان، ولا شخصه معروفا، فانه شاهد علي اعمالها. وهذه المعرفه لها آثار تربويه كبيره منها: ان علم الفرد المسلم ان امامه وقائده مطلع علي اعماله وملم باقواله، يفرح للتصرف الصالح وياسف للسلوك المنحرف، ويعضد الفرد عند الملمات - علي حسب الفرد ذلك - لكي يعي موقفه ويحدد سلوكه تجاه امامه، وهو يعلم انه يمثل العدل المحض وان رضاه رضا الله ورسوله، وان غضبه غضب الله ورسوله. وعلي الفرد ان يعرف ان عمله الصالح، وتصعيد درجه اخلاصه وتعميق شعوره بالمسووليه تجاه الاسلام والمسلمين، يشارك في تاسيس شرط الظهور ويقرب اليوم الموعود، اذن فالجهاد الكبر لكل فرد تجاه نفسه يحمل المسووليه الكبرى تجاه العالم كله، وملئه قسطا وعدلا كما ملا ظلما وجورا. فكيف لا ينطلق الفرد مجاهدا مضحيا عاملا في سبيل اصلاح نفسه وارضاء ربه. ثم نري النبي صلى الله عليه واله وسلم يوسس هذا الشعور في الفرد المسلم ويقرن طاعه المهدي عليه السلام بطاعته ومعرفته بمعرفته. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من انكر القائم من ولدي فقد انكرني.(5) وقوله صلى الله عليه واله وسلم: القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، وسنته سنتي يقيم الناس علي ملتي وشريعتي، ويدعوهم الى كتاب ربي عز وجل، من اطاعه فقد اطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن انكره في غيبته فقد انكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني. كما ان معرفه النبي صلى الله عليه واله وسلم بصفته حامل مشعل العدم الى العالم، لا يكون بالاعتراف التاريخي المجرد بوجوده ووجود شريعته، بل بالمواظبه التامه علي الالتزام بتطبيق تعاليمه والاخذ بارشاداته، والا كان الفرد منكرا للنبي صلى الله عليه واله وسلم علي الحقيقه، وان كان معترفا بوجوده التاريخي. وحيث ان افضل السلوك الاسلامي واعدله انما يتحقق تحت اشراف القائد الكبير المهدي عليه السلام، اذن تكون احسن الطاعه لنبي الاسلام وافضل تطبيقات شريعته، هو ما كان بقياده المهدي عليه السلام، اذن صح ان معرفه المهدي عليه السلام علي المستوي السلوكي معرفه النبي صلى الله عليه واله وسلم، وانكاره علي نفس المستوي انكار له. الارتباط بالمنتظر المهدي واحساس الحضور قال الله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).(6) يقول الامام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الايه: (يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا): اصبروا علي اداء الفرائض، وصابروا علي اذيه عدوكم، ورابطوا امامكم المهدي المنتظر عليه السلام. وهذا يعني ان عليا الاتصال بالامام المهدي في عصر الغيبه الكبري، وهذا الارتباط لا يتحقق الا بعد معرفه الامام فلهذا كمل الامام الباقر قوله عليه السلام. من مات وهو عارف لامامه لا يضره تقدم هذا الامر او تاخر ومن مات وهو عارف لامامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.(7) وكلما زادت معرفه الانسان زاد ارتباطه به. والارتباط بالمهدي واجب عقلي لاننا جهله وهو العالم بكل الحقائق، ونحن لا نتصف بالعصمه وهو المعصوم، والله تعالى جعله لنا قائدا واماما. اذن يجب الارتباط به والرجوع اليه دائما -عقلا - والارتباط بالمهدي واجب شرعي لان كلمه رابطوا جائت بصيغه الامر، وهو امر من طرف الله تعالى لجميع عباده، وعلي العباد الطاعه. فاذن الارتباط والاتصال بالمهدي واجب شرعي لمن يصل لسن التكليف والتخلف عنه مساو مع الانحراف عن الصراط المستقيم ويشمله العذاب الالهي. س 1: ما هو معنى الارتباط بالامام المهدي؟ وهل الارتباط المقصود هو ارتباط حضوري وجسمي معه؟ وهذا ما قصده الله عندما امرنا بالارتباط به؟ الجواب: ان كثر الناس تعتقد ان الارتباط والاتصال لا يتحقق الا بالارتباط الجسمي، وان عجزنا عن رويه الامام عليه السلام بسبب غيبته فان الارتباط لا يمكن تحقيقه؛ لانه لا يمكن الاتصال والارتباط بامام غائب. هذا النمط من التفكير غير صحيح، وخاطي و؛ لان الارتباط المقصود به هو الارتباط الروحي والعاطفي العميق مع الامام المهدي عليه السلام، نعني بهذا الارتباط والاتصال الروحي ان تتاثر روحي ونفسي بروحه، ومن آثار هذا التاثير ان اتادب بآدابه واتخلق باخلاقه واتعلم بعلمه. ومن الخطا ان نفكر كما يفكر الاطفال بان من لا تدركه حواسنا الظاهريه فلا يمكن دركه والارتباط به. وهذا ما عليه كثر عوام الناس في الوقت الحاضر للاسف، وهذا النمط من التفكير جعلهم ينسون الامام، وبسبب الغفله عن حضور الامام سقطوا في مخالب الشيطان والشهوات وحب الدنيا، فاصابت الامراض ارواحنا واجسامنا، فانتشرت الازمات النفسيه والعقد الروحيه والامراض الجسميه التي لا علاج لها. وكل هذا بسبب عدم الاستجابه لنداء الله عندما امرنا بالارتباط بوليه وحجته علي الخلق بقوله: (رابطوا) لان من لا يملك ارتباطا مع امامه يعني انه لا يعرفه ولا يمكنه ان يميز الصديق من العدو بالنسبه لامامه ومذهبه، وفي النتيجه يحترق بنار الجهل والمحبه للاعداء وحب الدنيا واتباع الشهوات وعبوديه الشيطان؛ لانه لم يقم ارتباطا مع امامه ولم يعرفه حتى يقتدي به ويكون اقتداوه به نجاه من كل تلك الامور السالفه الذكر. اذن نقصد بالارتباط هو الارتباط الروحي والعاطفي العميق بالامام عليه السلام والاعتماد علي الامام بقضاء الحوائج، والانتظار الدائم لالطافه وعنايته. فان الارتباط الروحي والعاطفي اهم من الارتباط الجسمي؛ لان من الاصحاب من عاصر الائمه عليهم السلام وباشروهم باجسامهم ولكن كانوا بعيدين عنهم بارواحهم ولم يقتدوا بهم. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من احب ان يلقي الله وقد كمل ايمانه وحسن اسلامه فليتول الحجه صاحب الزمان المنتظر.(8) س 2: ما هو الهدف من هذا الارتباط؟ الجواب: ان الهدف من امر الله الناس بالارتباط بخليفته علي الارض هو هدايتهم وتربيتهم مثال ارتباط الوالدين بالطفل. ان الله تعالى جعل الوالدين خلفاء ه في تربيه اولادههم في نطاق الاسره والله امر الولد بالارتباط بالوالدين روحيا وعاطفيا حتى يمكنهما تربيته وتعليمه الى ان يصل الى سن البلوغ. وهكذا بالنسبه الى حياه الانسان في هذه الدنيا فان الله اوجب علي الانسان الارتباط بامام معصوم بعنوان والده الروحي والحقيقي، حتى يتربي ويتعلم ويهتدي تحت ولايته ويصل الى الرشد والبلوغ الروحي والعقلي في المقام الانساني. فالانسان بالاتصال والارتباط بامام الزمان عليه السلام الجسدي والظاهري يكسب امرين: (1) العلم (2) الادب والطهاره. وبهذين الامرين يخرج الانسان من دائره عالم الحيوانيه ويصل الى مقام الانسانيه، وكل من امكنه ان يزداد من علم وآدب الامام عليه السلام فانه يرتفع مقامه الانساني الى الاعلي. ولكن لو عاش الانسان عصر الغيبه، ولم ير الامام المعصوم فهنا علي المنتظر ان يعلم ان المقصود من الارتباط هو الاستفاده من علومه وادبه فيسعي للتعلم والتادب حتى يتكامل روحه ويرتفع ويرتبط بالامام روحيا وان كان جسمه غائبا عن الانظار. ينقل عن احد المؤمنين يقول: انني قد توسلت كثيرا الى الله والي الامام المهدي رغبه في رويته، وفي احدي الليالي رايت الامام عليه السلام في عالم الرويا فقال عليه السلام: ها قد شاهدتني ورايتني بالرويه الجسديه والظاهريه ولكن المهم هو بعد رفع الحجب عن روحك تراني. هنا المقصود هو الارتباط الروحي الحقيقي مع الامام الذي يشمل التادب والتخلق باخلاقه عليه السلام. والواقع ان الارتباط من طرف الامام لشيعته متحقق دائما بينما الجفاء من طرف الموالي الذي لا يشعر بحضور الامام في حياته، فان المعصوم دائما يلبي الحاجات الروحيه والماديه لمحبيه. فالباب من طرف الامام مفتوح للجميع وانما عليك انت ايها الموالي ان تتعلم كيفيه الدخول من هذا الباب. يروي عن الامام الهادي عليه السلام ان رجلا كتب له قائلا: ان الرجل يحب ان يفضي الى امامه ما يحب ان يفضي الى ربه. قال فكتب عليه السلام: ان كانت لك حاجه فحرك شفتيك فان الجواب ياتيك.(9) ومما كتب الامام المهدي عليه السلام في رسالته للشيخ المفيد يدل علي عنايته وتوجهه واتصاله بشيعته. فانا نحيط علما بانبائكم ولا يعزب عنا شيء من اخباركم... انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولو لا ذلك لنزل بكم البلاء.(10) كيف نكون هذا الارتباط؟ ان الارتباط بالامام يتحقق بهذه العوامل: 1- معرفته 2- التوسل به دائما 3- الدعاء لفرجه دائما. وقد ذكرنا سابقا عن معرفه الامام عليه السلام وبقي ان نذكر التوسل والدعاء. التوسل بالامام المهدي التوسل يعني ان الانسان يتخذ وسيله للوصول الى الهدف، مثلا بواسطه السياره نصل الى مقصدنا من السفر، والسياره هي الوسيله. والله تعالى قد جعل وسيله للانسان واوصاه ان يتخذه للوصول الى كل مقصد. اذن في البدايه علي الانسان ان يحدد مقصده ويختار وسيلته، كما هو حال المسافر لا بد ان يحدد مقصد سفره ثم يختار وسيله النقل اما طائره او سياره. فكذلك الدنيا فهي محطه سفر والانسان فيها مسافر، وعلي المسافر ان يحدد وجهه سفره من الدنيا، اما ان يكون مقصده الله تعالى او المئات من المقاصد الاخري كاهواء النفس والشهوات. فمن اختار الله لسيره في سفر الدنيا مقصدا، فان الله تعالى جعل له خليفه علي الارض وعرفه للمسافر ان يتخذه وسيله في سفره الى الله تعالى وهو امام زمانه. اذن فلنسافر في هذه الدنيا الى الله، عالم الخيرات والانسانيه. فنتجه الى الوسيله نطلب منه مساعدتنا للوصول الى المقصد الى الله الى مطلق العدل والخير والجمال، وان ياخذونا معهم في هذا السفر الطويل، كما قال القرآن: (وكونوا مع الصادقين).(11) المصداق البارز للصادقين هم الائمه عليهم السلام... وآخرهم الامام المهدي عليه السلام اذن عند التوسل بصاحب الزمان عليه السلام اختر المقصد اولا ثم اطلب منه مساعدته وهدايته، وتربيته وتعليمه للوصول الى الكمال والي الله. كما قال الامام المهدي عليه السلام في توقيعه: نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا.(12) يعني كما ان الله تعالى التزم بتربيتنا بصفاته الالهيه، ونحن من طرف الله وباذنه مسوولون عن تربيه الناس بالتربيه الالهيه. اذن فالعمل الاساسي والوظيفه الرئيسيه للامام المهدي عليه السلام، تربيه روح الانسان وايصاله الى كماله الحقيقي، واذا كتفينا نحن من الامام فقط في رفع حوائجنا الماديه والدنيويه فذلك لقصور فهمنا وعدم ادركنا لحقيقه الامام واهميه مسووليته. يقول احد الاولياء: يا من تتوسل بالامام المهدي عليه السلام لقضاء حوائجك الماديه وشفاء امراضك الجسديه، فان مثلك كمثل مصاب بالسرطان يذهب الى الطبيب ويطلب منه معالجه حصانه الذي يركب عليه وليس هو. فجسم الانسان مركوب الروح فعلينا ان نعتم بالركب ثم المركوب، ان نتوسل لشفاء امراض ارواحنا ثم اجسامنا الروح ثم الجسد. قال الامام الرضا عليه السلام: اذا نزلت بكم شديده فاستعينوا بنا علي الله عز وجل وهو قوله تعالى: (ولله الاسماء الحسني فادعوه بها).(13) وفي زياره الجامعه: فاز من تمسك بكم، وامن من لجا اليكم. ان وظيفه الرعيه كما تشاهده في احوال الناس عامه، هو الرجوع في مهماتهم وفع اعدائهم الى رئيسهم، في كل زمان، كما كان ذلك عاده اهل الولايه والعرفان في جميع الاحيان، حيث كانوا يبثون شكواهم ويرفعون حوائجهم الى ائمتهم عليهم السلام. وطبعا لا فرق بين حضور الامام وغيبته، فانه صاحب المراي والسمع ولا يخفي علي الامام شيء من احوال الانام، كما هو المصرح به في الروايات وليست الجدران والجبال حائله بينه وبين احد من الخلق، ويدل علي ذلك روايه ابي الحسن عليه السلام الذي اجاب علي من كتب اليه قائلا: ان الرجل يحب ان يفضي الى امامه ما يحب ان يفضي الى ربه. فكتب له عليه السلام: ان كانت لك حاجه فحرك شفتيك، فان الجواب ياتيك.(14) وللتوسل شروط منها: 1- الاعتقاد القلبي والايمان بالامام المهدي عليه السلام، علي المتوسل الاعتقاد بان الامام يسمعه ويراه وقريب منه ويجيبه حين يناديه ولا يفصله عنه زمان ومكان، وانه في كل آن تحت اشراف الامام كما يقول في سوره التوبه: (وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون).(15) يعني كل ما تفعله ايها الانسان فهو في علم الله ورسوله والائمه وهم المؤمنون. 2- التوجه القلبي للامام ورعايه الادب اثناء التوسل، ادب الجوارح وكاننا امام سلطان نحافظ علي ظاهرنا من الادب، ان يكون الانسان منحنيا علي الارض وعليه الامتناع من الحركات الاضافيه للبدن، واظهار الخشوع. وكذلك الالتزام بالادب اللفظي اثناء الحديث والمناجاه مع الامام واظهار المحبه للامام كهذه الجمل - فدك نفسي واهلي ومالي -، روحي فدك. افضل ما يفعله المنتظر اثناء التوسل هو: 1- زياره آل ياسين 2- صلاه صاحب الزمان، وهي ركعتان في كل ركعه يكرر آيه: (ايك نعبد وايك نستعين) 100 مره ثم تتم قراء ه الفاتحه، وتقرا بعدها الاخلاص مره واحده، وبعد الفراغ تصلي علي محمد وآل محمد مئه مره. 3- دعاء العهد يستحب قراء ته يوميا بعد صلاه الصبح، وذلك لتجديد البيعه عندما يقول الداعي: اللهم اني اجدد له في صبيحتي هذه وفي كل يوم عهدا وعقدا وبيعه له في عنقي لا احول عنها ابدا. يقول هذا وهو يتخيل ان كفه في كف الامام المهدي يبايعه علي ذلك. ويجدد هذه البيعه كل صباح في بدايه كل يوم جديد، حتى يذكر نفسه ان يكون يومه كله في خدمه اهداف الامام المهدي عليه السلام وممهدا لظهوره عليه السلام. ومن يداوم علي قراء ته عاما كاملا يتوفق لرويه الامام المهدي عليه السلام. وعن الصادق عليه السلام قال: من دعا الى الله تعالى اربعين صباحا بهذا العهد كان من انصار قائمنا، فان مات قبله اخرجه الله من قبره واعطاه الله بكل كلمه الف حسنه ومحا عنه الف سيئه.(16) الدعاء لتعجيل ظهوره ان من ابرز العوامل التي تقوي الارتباط المعنوي بالامام المهدي عليه السلام هو كثره الدعاء لتعجيل فرجه الشريف. قال الامام المهدي عليه السلام في توقيعه المبارك المذكور في كتاب الاحتجاج: وكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان في ذلك فرجكم.(17) هذه الروايه من كمل الروايات الوارده في اثر الدعاء في تعجيل ظهور الامام، والامام جاء بصيغه الامر بكلمه وكثروا، ثم يطلب كثره الدعاء وليس الدعاء فقط، والكثره يعني في كل اوقات الليل والنهار وفي مجالس الذكر، بل في جميع الازمنه واوقات الصلوات الواجبه، ثم يتطرق الى ان فرج الامام هو فرجكم انتم المؤمنون؛ لان كل معاناه يعانيها المومن من بلاء وضيق في جميع المجالات الفرديه والاجتماعيه والسياسيه والاقتصاديه فهي بسبب غيبه الامام وعدم حكميه العداله علي الارض. يقول الامام الصادق عليه السلام: فلما طال علي بني اسرائيل العذاب ضجوا وبكوا الى الله اربعين صباحا، فاوحي الله الى موسى وهارون يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومئه سنه ثم قال عليه السلام: هكذا انتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فاما اذا لم تكونوا فان الامر ينتهي الى منتهاه.(18) كما نلاحظ لو فعلنا كما فعل بنو اسرائيل لكشف الله عنا بظهور امامنا كما كشف الله عنهم بظهور نبيهم، فانهم لمده 40 يوما كانوا يقيمون مجالس الذكر والدعاء والبكاء والتوسل الى الله لانقاذهم، فعندها امر الله موسى وهارون بانقاذ بني اسرائيل، ومن اثر دعائهم قدم نجاتهم مئه وسبعين عاما. وما يويد هذا المطلب قول الله تعالى: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم).(19) ان الله تعالى لا يغير مصير قوم الى الحسن او السيء الا اذا اراد لقوم انفسهمو وسعوا اليه وان ما يوجب تاخير ظهور الامام المهدي عليه السلام اعمال الشيعه وسيئاتهم، ونسيانهم لامامهم هذا ما عبر عنه الامام عليه السلام في رسالته للشيخ المفيد: فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نوثره منهم. س 1: ما هو اثر دعائنا في ظهور الامام، فان ظهور الامام وعد الهي وسوف يتحقق والله لا يخلف وعده؟ الجواب: نعم ان اصل الظهور وعد الهي، واما زمن ووقت ظهور الامام فهو مرتبط بالناس وتوفر شروط الظهور، ومنه الاستعداد النفسي والفكري للبشر، وهذا علي مبني قوله تعالى: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) فلا بد للبشريه ان تتحول نفسيا وتصبح راغبه لاقامه الدوله العالميه، وتغير فيها كل ما يكون سببا لتاخير ظهوره. ومن ابرز العلامات الظاهريه لاستعداد البشر هو كثره الدعاء، فان الدعاء وكثرته يدل علي الاستعداد النفسي للداعي ورغبته والحاحه الشديد لظهور امامه فلهذا يكثر من دعوته للظهور من الله ربه. مثله كمثل من يدعو شخصا الى منزله فاذا كانت دعوته مره واحده وببرود فان المدعو لا يرغب بالذهاب وقبول الدعوه. واما اذا شعر برغبه الداعي انه شديد وانه يكرر الدعوه باستمرار ويتوسل فان هذه الحاله تشجع المدعو ان يلبي رغبته ويذهب لزيارته. فهكذا مع الامام المهدي عليه السلام، ان نرغب بظهوره من كل قلوبنا، فله اثر في تسريع ظهوره كما هو في قصه بني اسرائيل الذي ذكرناها سابقا وكيف ان الدعاء له مدخليه في وقت الظهور. الهوامش: (1) الكافي 200:1 باب نادر جامع في فضل الامام وصفاته، ح 1. (2) منتخب الاثر: 516، ب 5، ح 14. (3) بحار الانوار 92:23، ب (4) وجوب معرفه الامام، ح 36. (4) بحار الانوار 147:52، ب 22 في انتظار الفرج، ح 70. (5) معجم احاديث الامام المهدي 253:2. (6) آل عمران: 200. (7) الكافي: 371:1، باب انه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الامر او تاخر، ح 5. (8) بحار الانوار 296:36، ب (41) نصوص الرسول صلى الله عليه واله وسلم عليهم عليهم السلام، ح 125. (9) مكيال المكارم 273:2، عن كشف المحجه لثمره المهجه، للسيد ابن طاووس: 153. (10) الاحتجاج 323:2. (11) التوبه: 119. (12) الغيبه للطوسي: 285، ح 245. (13) الاختصاص: 252. (14) كشف المحجه: 153. (15) التوبه: 105. (16) بحار الانوار 95:53، ب (29) الرجعه، ح 111. (17) الاحتجاج 284:2. (18) بحار الانوار 118:4، ب (3) البداء والنسخ، ح 50. (19) الرعد: 11. ****************** اسلوب وكيفية الدعاء اولا: لا بد ان يكون الدعاء نابعا من القلب وليس لقلقه لسان فقط، دعاء نابعا من الايمان بضروره ظهور الامام والشعور بالاحتياج والاضطرار اليه. ثانيا: دعاء مقرونا بالحزن والآه والبكاء والحنين من فراق الامام والشوق للقائه، كما نقرا في دعاء الندبه: اين بقيه الله التي لا تخلو من العتره الهاديه، اين المعد لقطع دابر الظلمه، اين المنتظر لاقامه الامت والعوج، هل من معين فاطيل معه البكاء؟ هل من جزوع فاساعد جزعه اذا خلا؟ هل قذيت عين فساعدتها عيني علي القذي. ثالثا: ان يكون الدعاء لفرج الامام المهدي عليه السلام بعنوان حاجه عند الداعي يرغب من الله في قضائها وليس للوصول الى الاجر والثواب، وان يكون حال الداعي كحال من له مريض يطلب من الله شفاء ه، يعني الشفاء حاجه عند الداعي. ادعية الفرج مع شده اهتمام الروايات والنصوص علي لزوم كثره الدعاء لتعجيل فرج الامام المهدي عليه السلام، نسعي ان نتطرق للادعيه المختصره والموثره في ترويج اسم الامام المهدي عليه السلام والمداومه علي ذكره. وبهذه الادعيه يرتوي المنتظر من عطش الفراق، وبها يرتبط بالامام الغائب. الصلوات مع عجل فرجهم ان الصلوات: (اللهم صل علي محمد وآل محمد وعجل فرجهم) من افضل وابسط الاعمال التي تتناسب وعموم الناس وتوثر في تعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام. لان الصلوات في الواقع هو دعاء لفرج الامام وتوضيحه هو: ان الصلوات كما تذكر الروايات بمعني نزول الرحمه الالهيه علي محمد وآل محمد، وظهور رحمه الله علي محمد وآل محمد في الدنيا لا تتحقق الا بظهور الامام المهدي عليه السلام، لان بظهوره يتضح للعالم والبشريه فضائل ومقام محمد وآل محمد فعندما يصلي المنتظر على محمد وآل محمد وكانه يطلب من الله الحكومه العالميه لهم بقياده ولدهم الامام المهدي عليه السلام. وعلي الشيعه ان تلتزم عند ذكر الصلوات علي رسول الله بجمله وعجل فرجهم آخر الصلوات، ويجعلونه شعارا لهم يداومون علي ذكره، وهو نوع من اظهار المحبه للامام المهدي عليه السلام. يستحب الاجهار في الصلوات ورفع الصوت وذلك لاعلان الولاء والمحبه لمحمد وآل محمد والدعاء لتعجيل فرجهم، وتكراره في كل وقت ورفع الصوت في الصلوات موجب لطرد الشيطان، وذهاب النفاق من قلب المصلي ويروي عن الامام الصادق عليه السلام: ان من قال بعد صلاه الفجر وصلاه الظهر: اللهم صل علي محمد وآل محمد وعجل فرجهم لم يمت حتى يدرك القائم - عجل الله فرجه -.(1) اللهم كن لوليك الدعاء: اللهم كن لوليك الحجه بن الحسن، صلواتك عليه وعلي آبائه في هذه الساعه وفي كل ساعه، وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا، حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا. ان هذا الدعاء القصير من الادعيه المهمه جدا والتي يتكد استحباب قراء تها في اعظم الليالي وهي ليالي القدر من شهر رمضان الذي يقدر الله فيه ما يكون للعباد في عامهم المقبل. ولعظمه هذا الدعاء يوكد علي قرائته مرارا ويكثر في هذه الليالي التي يستجاب بها الدعاء، في حال السجود والقيام والقعود. وكذلك يستحب قراء ه هذا الدعاء في ليالي الجمعه ويومها. والواقع لا يوجد دعاء قد ركز عليه الائمه: مثل هذا الدعاء واوصوا بقراء ته في طول السنه وفي افضل الازمنه والامكنه. والدلاله علي الاهتمام بهذا الدعاء هو ان الهدف الاصلي لخلق الكون والبشريه يتحقق بتحقق مضمون هذا الدعاء، ولهذا فان الله تعالى اوصي بقراء ه هذا الدعاء بواسطه الائمه عليهم السلام. فعلي المؤمنين السعي والاجتهاد لجعل هذا الدعاء ذكرهم اليومي وشعارهم في الحياه، ويلتزموا بقراء ته بعد الفرائض اليوميه وفي قنوت ركعه الوتر من صلاه الليل مع التوجه القلبي والالحاح الى الله تعالى. دعاء الندبه من الادعيه المهمه والموثره في تعجيل ظهور الامام والمخصوص ليوم الجمعه هو دعاء الندبه. هذا الدعاء يخلق من الداعي انسانا عاشقا عارفا لامامه، فالمنتظر الحقيقي عليه احترام ليله الجمعه ويومها، لان يوم الجمعه يوم بشرنا فيه بظهور الامام المهدي عليه السلام، وفي يوم الجمعه ولد الامام المهدي عليه السلام وفي يوم الجمعه انتقلت الامامه اليه بعد وفاه ابيه العسكري عليه السلام، فالمنتظر يعتبر نفسه في هذا اليوم في ضيافه المهدي، فيمتنع فيه من الحرام واللهو فانه تحت اشراف الامام، ويكون مستعدا قلبا وقالبا لظهوره في هذا اليوم. زياره آل ياسين هذه الزياره من الزيارات الموثوقه السند، ومن الموكد قراء تها لمن يريد التوجه والتوسل بالامام المهدي عليه السلام، وقراء ه هذه الزياره تحتاج الى ادب وخشوع في الجوارح والقلب، فمن يريد ان يحتفظ بارتباط الروحي مع الامام عليه السلام عليه المداومه يوميا علي زياره آل ياسين. آثار الدعاء لتعجيل ظهور الامام 1- الثبات علي الولايه قال الامام العسكري عليه السلام: والله ليغيبن غيبه لا ينجو من الهلكه فيها الا من ثبته الله عز وجل علي القول بامامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.(2) 2- الفوز بشفاعه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: اربعه انا الشفيع لهم يوما القيامه ولو اتوني بذنوب اهل الارض: معين اهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا اليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده.(3) ان الدعاء لامام الزمان عليه السلام يعتبر تلبيه لحاجه فهو عليه السلام قال: وكثروا الدعاء بتعجيل الفرج. 3- الرجوع الى الدنيا وقت الظهور ورد عن الصادق عليه السلام: ما من مومن يتمني خدمته المهدي عليه السلام ويدعو لتعجيل فرجه الا اتاه آت علي قبره وناداه باسمه: يا فلان قد ظهر مولك صاحب الزمان فان شئت فقم واذهب الى حضره الامام وان شئت فنم الى يوم القيامه، قال عليه السلام: فيرجع الى الدنيا خلق كثير ويولد لهم من نسلهم بنون.(4) 4- استجابه الدعاء ان الذنوب التي يرتكبها الانسان تمنع من استجابه دعائه! فقد ورد في دعاء كميل: اللهم اغفر لي الذنوب التي تحجب الدعاء. فان الدعاء للامام المهدي يغفر الذنوب الداعي وبالتالي يصبح دعاوه مستجابا فلذلك يجب علي الداعي ان يدعو لامامه عليه السلام ثم يدعو لنفسه فتستجاب دعوته لان ذنوبه قد غفرت. يقول السيد ابن طاووس رضوان الله عليه: فايك ثم ايك ان تقدم نفسك او احدا من الخلائق في الولاء والدعاء له - الامام المهدي عليه السلام - بابلغ الامكان واحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولي العظيم الشان، وايك ان تعتقد اني قلت هذا لانه محتاج لدعائك، هيهات هيهات، ان اعتقدت هذا فانك مريض في اعتقادك وولائك بل انا قلت هذا لما عرفتك من حقه العظيم عليك واحسانه الجسيم اليك؛ ولانك اذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولما يضر عليك، كان اقرب الى ان يفتح الله ابواب الاجابه بين يديك لان ابواب قبول الدعوات قد غلقتها ايها العبد باغلاق الجنايات، فاذا دعوت لهذا المولي الخاص عند مالك الاحياء والاموات يوشك ان يفتح ابواب الاجابه لاجله فتدخل انت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمره فضله! وتتسع رحمه الله وعنايته بك تعلقك في الدعاء بحبه.(5) 5- الفوز بحب الله وقد ورد في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سئل: من احب الناس الى الله؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم: انفع الناس للناس.(6) لا شك ان الدعاء لتعجيل فرج امام الزمان عليه السلام يستفيد منه كل الناس، لان هذا الدعاء له مدخليه في تحقق الظهور، فاذا ظهر سلام الله عليه يملا الارض باجمعها قسطا وعدلا، والداعي للامام عليه السلام ينفع الناس بدعائه فهو احب الناس الى الله تعالى. وبهذا يكون لدعاء الفرد بركات علي المجتمع بل الناس اجمعين. 6- يحشر مع الحسين عليه السلام قال الامام الحسين عليه السلام لاصحابه في كربلاء: ومن نصرنا بنفسه فيكون معنا في الدرجات العاليه من الجنان فقد اخبرني جدي ان ولدي الحسين عليه السلام يقتل بطف كربلاء غريبا وحيدا عطشانا، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم عليه السلام، ومن نصرنا بلسانه فانه في حزبنا في القيامه. الازمنة والامكنة التي يتكد فيها الدعاء ان الامكنه تختلف من حيث الاهميه عند الله عز وجل وبالتالي يصبح لها مدخليه في استجابه الدعاء. وبناء ا علي ذلك نعرض بعض الامكنه والازمنه التي ينبغي ان لا يترك الدعاء فيها للامام المهدي عليه السلام. بعض الامكنه: 1- المسجد الحرام 2- في جبل عرفات 3- السرداب 4- الحائر الحسيني 5- حرم الامام الرضا عليه السلام 6- حرم الامام العسكريين عليهما السلام بعض الازمنه: 1- كل صباح، دعاء العهد 2- عند اوقات الفرائض 3- قنوت ركعه الوتر من صلاه الليل. 4- بعد صلاه جعفر الطيار رضي الله عنه 5- بعد صلاه السيده فاطمه عليها السلام 6- ليله الجمعه ويومها 7- في الاعياد، عيد الفطر والاضحي والغدير 8- ليالي القدر 9- يوم عاشوراء وليلتها رسالة الامام للشيعة يذكر ان في تاريخ 1410ه- ارسل الامام المهدي عليه السلام رساله الى شيعته في لبنان. ينقل انه كانت تقام مجالس الامام الحسين عليه السلام في احد مساجد لبنان ويسمي المسجد باسم السيده نرجس عليها السلام. ويقول امام الجماعه لهذا المسجد: وقد قرروا صندوقا في هذا المسجد لجمع الاموال ممن يحب ان يتبرع لاجل وجبات محرم، وخاصه الاطعام باسم ابي الفضل العباس عليه السلام ومفتاح الصندوق كان عند صاحب المسجد، وفتحه الصندوق ضيقه جدا يكفي فقط لادخال ورقه من المال. فبعد فتره من الزمن عندما فتحنا الصندوق لجمع المال راينا فيه رساله وداخلها حلاوه، وتعجبنا فان الرساله لا يمكن ادخالها في فتحه الصندوق لضيقها، اذن فدخولها باعجاز. فتحنا الرساله فكان مكتوب فيها هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم (قل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) انا المهدي المنتظر، اقمت الصلاه في مسجدكم، وكلت مما كلتم ودعوت لكم، فادعوا لي بالفرج. هنا لا بد من ذكر عده نقاط: الاولي: ان من اهم العوامل التي تساعد علي تكامل المنتظر هو احساسه بوجود وحضور الامام المهدي في كل لحظه وفي كل زمان ومكان. والدليل هو ان العقل يدرك ويعلم ان الله شاهد علي اعمال الانسان وهو الذي يمكنه ان يهب هذه القدره لمن يريد من عباده. والروايات توكد ان الله قد وهب قدره الاحاطه باعمال العباد والاشراف عليهم للائمه المعصومين عليهم السلام وآخرهم الامام المهدي عليه السلام صاحب الزمان. وبالاضافه الى ذلك فان العقل الانساني يدرك هذه الحقيقه وهو من اجل تربيه الانسان لا بد ان يجعله تحت اشراف واحاطه المربي في كل لحظه وذلك المربي يراقب اعماله ويصحح اخطاء ه كما هو حال الطفل الصغير مع والديه فانه بحاجه الى اشرافهما لاجل تربيته حتى يصل الى سن الرشد، وكذلك الانسان اذا اراد ان يصل الى الرشد الانساني فلا بد ان يكون تحت اشراف مرب روحي. قال تعالى: (وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) يعني ان اعمالكم محط مراقبه الله ورسوله والمؤمنين، والمقصود من (المؤمنون) هم الائمه عليهم السلام. وكما ان الطفل لو شعر ان والديه يراقبانه فانه يحتاط من ارتكاب الخطا، واحساسه هذا يربيه ويعدل سلوكه، فكذلك المنتظر من اجل ان يصل الى اعلي مراتب الانسانيه عليه ان يدرك ويتحسس هذه الحقيقه بان امام زمانه يراقبه ومرتبط به. وهذا الحس هو الذي يربيه ويحميه من ارتكاب الذنوب والاخطاء حتى لا يوذي قلب امامه الغائب. الثانيه: قوله عليه السلام وكلت مما كلتم. هنا يريد عليه السلام ان يذكرنا بحقيقه وهي انه معنا في كل مكان يعيش بيننا ويكل مما نكل. وليس بصحيح ان نعتقد انه بعيد عنا يعيش مهجورا وبعيد عن حياتنا، ولا يوجد اي ارتباط له بنا، بل علينا ان نعلم انه معنا كما هو حال اجداده الائمه عليهم السلام عاشوا مع الناس ومشوا في اسواقهم، وكلوا معهم. وهكذا حال الامام المهدي عليه السلام مع الناس ولكن بفارق واحد هو انهم لا يعرفونه من هو. يقول الصادق عليه السلام: فما تنكر هذه الامه ان يكون الله عز وجل يفعل بحجته ما فعل بيوسف ان يكون يسير في اسواقهم ويطا بسطهم وهم لا يعرفونه حتى ياذن الله عز وجل ان يعرفهم بنفسه.(7) الثاله: قوله عليه السلام: دعوت لكم. اي ان الامام دائم الدعاء لشيعته، وهذا يدل انه علي ارتباط مستمر بهم، يتتبع اخبارهم واحوالهم ويدعوا لهم لقضاء حوائجهم. والدعاء للشيعه من صفات الامام المهدي عليه السلام. يقول السيد ابن طاووس: في احد اليالي وانا في السرداب في سامراء سمعت الامام المهدي يدعو بهذا الدعاء والمناجات. اللهم ان شيعتنا خلقت من شعاع انوارنا وبقيه طينتنا وقد فعلوا ذنوبا كثيره اتكالا علي حبنا وولايتنا فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا وما كان منها فيما بينهم فاصلح بينهم.(8) الرابعه: ان من اهم مطالب هذه الرساله هي الدعوه الصريحه الى جميع الشيعه ان يدعوا له بالفرج، فادعوا لي بالفرج. وهذا الطلب من الامام عليه السلام لم يكن في هذه الرساله فقط بل من قبل الف عام ومن خلال طرق مختلفه كررها الامام عليه السلام. خدمة الامام المهدي ان من شروط الانتظار الحقيقي هو خدمه الامام عليه السلام، وخدمه الامام مساوق لخدمه الدين. ورد عن اميرالمؤمنين عليه السلام قوله: ما من حركه الا وانت محتاج فيها الى معرفه.(9) اذا اردنا ان نقوم باي فعل من الافعال يجب ان نمتلك المعرفه فيه حتى نكون علي بينه من امرنا ويكون العمل خالصا من الشوائب لانه ما من شائبه الا ومرجعها الى الجهل، لذلك نحتاج في اي حركه الى معرفه. وخدمه الامام المهدي عليه السلام هي حركه ونحتاج فيها الى معرفه ايضا، فلا يمكن لاحد ان ينال شرف الخدمه لدوله الظهور دون ان يكون مالكا لمعرفه سبيل الخدمه. ولقد تاذي ويتاذي الامام المهدي عليه السلام من الجهل والجهلاء ومن عدم فهمنا له وعدم معرفتنا ماذا يريد منا، وقد ورد عنه عليه السلام: لقد آذانا جهلاء الشيعه وحمقاوهم.(10) ان العلم من شانه ان يوضح الطريق الصحيح وبدونه يدخل الانسان في المهالك من حيث لا يقصد ومن الممكن لانسان يسهر الليالي سعيا الى خدمه امام الزمان وفي المقابل نري ولي العصر يتاذي من اعماله لانها مبنيه علي الجهل. هذا الانسان الذي يريد خدمه الامام الا انه لم يوفق لذلك بل فعل العكس بسبب جهله بتلك الامور التي يريدها الامام، وهذا ما ورد في الروايه: من عمل علي غير علم كان ما يفسد كثر مما يصلح.(11) ليس المقصود منه تلك البينه التي تسبق العمل، اي ان كون قبل العمل علي بينه من امري بان هذا العمل هو يخدم الامام عليه السلام ويمهد لظهوره. والعلم بهذا المعني هو الذي من عمل بغيره كان ما يفسد كثر مما يصلح، هذا ان وجد الاصلاح. علينا دائما ان ننظر ان العمل الذي نقوم به هل يصب في مصلحه الامام عليه السلام وكسب رضاه؟ يجب علينا ان نطلب العلم لخدمه ولي العصر عليه السلام ومن قضي حياته في تحصيل العلم حتى يصبح عالما فذا ولم يقدم بين يدي امامه شيئا من الخير فان هذا العلم هو سبب للهلك لانه شغل صاحبه عن امام زمانه، ان خدمه الامام توفيق عظيم وفوز لمن يفوز به، وقد تمني خدمته الامام الصادق عليه السلام عند ما سالوه عن الامام المهدي عليه السلام هل ولد ام لا؟ اجاب عليه السلام: لا لم يولد ولو ادركته لخدمه ايام حياتي.(12) عندما نتدبر في هذه الروايه نلاحظ انها تدل علي نكات دقيقه منها: 1- بيان فضل القائم عليه السلام وشرفه. 2- الاشاره الى ان خدمته افضل العبادات، واقرب الطاعات، لان الامام الصادق عليه السلام الذي لم يصرف عمره الشريف الا في صنوف طاعه الله وعبادته في يومه وليله بين انه لو ادرك القائم لصرف ايام حياته في خدمته. فظهر من قوله ان السعي في خدمه القائم عليه السلام افضل الطاعات لترجيحه واختياره علي سائر اصناف الطاعه والعباده. لخدمه الامام مصاديق متعدده وكثيره منها: هداية الناس وتعليمهم ان المنتظر الواقعي يسعي دائما لخدمه الدين وامام زمانه، ويكون من الدعاه لدوله الحق وعصر الظهور، وهذا ما يطلبه الداعي في ليالي شهر رمضان المبارك من الله تعالى. يقول في دعاء الافتتاح: اللهم انا نرغب اليك في دوله كريمه تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله، وتجعلنا فيها من الدعاه الى طاعتك والقاده الى سبيلك.(13) ومن يطمح ان يصبح من القاده في عصر الظهور فلا بد ان يكون كذلك في عصر الغيبه ممن يقود الناس الى معرفه ربهم وامامهم والتهيو لدوله الظهور. وهدايه الناس وتعليمهم يتم من خلال عده اساليب ومراحل: الاول: ان يكون التعليم والهدايه والارشاد ورفع جهل الناس باللفظ والكلام والنصيحه مع الترغيب الى الالتزام باوامر الله والاشترك في مجالس اهل العلم. الثاني: ان يكون التعليم والهدايه بالفعل، اي ان يكون حال الفاعل وكمال اخلاقه وشده التزامه بالشريعه وآدابه الظاهريه عاملا لرغبه الآخرين للدين وترك المحرمات. وهذا النوع اهم وافضل من النوع الاول كما قال الامام الصادق عليه السلام: كونوا دعاه للناس بالخير بغير السنتكم.(14) الثالث: ان يكون التعليم والهدايه بالمال، اي ان يسعي صاحب المال في اقامه مجالس الارشاد والتعليم، ويقدم فيه من المكولات التي تشجع بعض الناس للحضور. وكذلك ينفق ماله لتاليف قلوب الناس ويجذبهم الى الدين والابتعاد عن الفساد والكفر بسبب الفقر. ويهيء الامكانات لمن يرغب في تعلم دينه. ويذكر التاريخ ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عندما اراد الدعوه لعشيرته فدعاهم الى مادبه طعام وبعدها دعاهم الى الدين، وقد كرر هذا العمل ثلاث مرات.(15) الرابع: ان يكون التعليم والهداية الى الدين بواسطة التأليف وطبع الكتب التي تهتدي الآخرين وترشدهم الى الدين وتوضح لهم الحق من الباطل بالادلة والبراهين الحقة. وهكذا فان العمل في المجتمع له عدة وسائل، فمن لم يتمكن من احدها فعليه بالاخري، فالواجب هو ان يؤدي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم وهداية الناس. وكل من توفق لهداية الاخرين فهو قد التزم بأحب الأعمال عند الله وأشرفها، وحقق المعني الحقيقي من احياء النفوس الذي قال الله تعالى عنه: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).(16) يعني من توفق لهدايه وارشاد فرد واحد من الناس فكانه هدي جميع الناس واحيا نفوسهم. قال الامام علي عليه السلام: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا، وخرج ضعفاء شيعتنا من ظلم جهلهم الى نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم القيامه وعلي راسه تاج من نور يضيء لاهل جميع تلك العرصات وعليه حله لا يقوم لا قل سلك منها الدنيا بحذافيرها. ثم ينادي مناد: يا عباد الله: هذا عالم من بعض تلامذه بعض علماء آل محمد صلى الله عليه واله وسلم، الا فمن اخرجه في الدنيا من حيره جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيره ظلمه هذه العرصات الى نزهه الجنان، فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا او فتح عن قلبه من الجهل قفلا او اوضح له عن شبهه.(17) الهوامش: (1) بحار الانوار 77:83، ب (39) ما يختص بتعقيب فريضه الظهر، ح 11، ومعجم احاديث الامام المهدي 113:4، ح 1177. (2) كمال الدين 384:2 ب (38)، ح 1. (3) الخصال: 196. (4) مكيال المكارم 374:1. (5) فلاح السائل: 45 الفصل الثامن. (6) الكافي 164:2، باب الاهتمام بامور المسلمين، ح 7. (7) كمال الدين 341:2 ب (33) ح 21. (8) بحار الانوار 102:53، الحكايه الخامسه والخمسون. (9) تحف العقول: 171. (10) الاحتجاج للطبرسي 289:2، وبحار الانوار 267:25، ب (9) نفي الغلو، ح 9. (11) بحار الانوار 150:74، ب (7)، ح 87. (12) الغيبه للنعماني: 252، ب (13)، ح 46. (13) مفاتيح الجنان، دعاء الافتتاح المنسوب الى الامام المهدي عليه السلام: 179. (14) الكافي 2: باب الصدق واداء الامانه، ح 10. (15) بحار الانوار 181:18 ب (1) المبعث واظهار الدعوه، ح 11. وللتوسع انظر: موسوعه التاريخ الاسلامي 1: 427-407. (16) المائدة: 32. (17) التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري: 399. ****************** التبليغ للامام المهدي من ابرز مصاديق خدمه الامام عليه السلام ارواحنا له الفداء هو التبليغ له، وذكر فضائله، ونشر تعاليمه واهدافه. وللتبليغ صور مختلفه منها: 1- الخطابه: ان يسعي الخطيب الى تعريف شخصيه الامام المهدي عليه السلام للناس وتحليل علامات ظهوره، وشرح صفات المنتظرين الحقيقيين وذكر مميزات دوله الظهور. ثم ذكر مناقب الامام الاخلاقيه ومقامه المعنوي عند الله، حتى يتعرف الناس علي امامهم ويشع نور الحب والولاء له في قلوبهم. قال السجاد عليه السلام: واما حق ذي المعروف عليك ان تشكره وتذكر معروفه ونتشر له المقاله الحسنه وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه، فانك اذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانيه.(1) لا شك ولا ريب ان الامام المهدي عليه السلام له فضل عظيم علينا حتى في اصل وجوده، حيث لولاه لساخت الارض التي نعيش عليها، لذا يجب ذكر معروفه، وان ننشر له المقاله الحسنه، وعن الرضا عليه السلام: من جلس مجلسا يحي فيه امرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.(2) 2- اقامه مجالس الدعاء لتعجيل فرجه: ان اقامه مجالس الدعاء مثل - دعاء الندبه - او غيرها، والحضور في هذه المجالس هي خدمه للدين والامام عليه السلام، وفيها يطلب الداعي من الله تعجيل فرج امامه، ويبكي لفراقه ويعبر فيها عن شوقه للقائه ولا يكون همه حوائجه الدنيويه فقط وينسي الدعاء لتعجيل فرج امامه الغائب كما هو حال كثر عوام الناس. ينقل احد المؤمنين قصه امراه كانت في مسجد جمكران في يوم يشهد الآلاف من الزائرين له والجميع في حال توسل شديد به، فنقول في نفسها: الحمد لله ان الناس متوجهين للامام، والناس في اقبال شديد عليه، والجميع يظهر محبته وعلاقته بحضرته، دخلت المسجد واقمت الصلاه وفي دعائي له، اظهرت مشاعري وما احمل من احاسيس حول سعادتي لما اراه من اعتناء الناس بمولاي. بعد تمامي من العباده خرجت الى ساحه المسجد ثم توجهت نحو الغرف المخصصه للاستراحه عندما غفيت رايت منافا ان الامام المهدي في مسجد جمكران لكن لا احد تنبه لوجوده فلم اتمالك نفسي اسرعت لالقاء السلام عليه، وكررت ما قد ذكرته في يقظتي عند الدعاء عن سعادتي بعد رويتي لمدي شوق الناس ومحبتهم له. اجابني الامام بعد التاوه قليلا: هولاء ما جاووا من اجلي، لنسالهم فنري معا من اجل ماذا اتوا؟ فسال الامام من احد الزائرين: لماذا انت هنا؟ اجاب دون علم عن حقيقه السائل: لي مريض عجز الاطباء في علاجه. واجاب غيره: اتمني ان املك بيتا. والثالث: مقروض، واحتاج الى رد القرض لشده مطالبه اصحابه... وآخر يشتكي من زوجته، وامراه تشتكي من زوجها. بالتالي كان المجيبون يطالبون برغباتهم الشخصيه وحب النفس دفعهم للحضور الى المسجد الشريف. فرد الامام: ارايتي، ما جاووا لاجلي، مع ذلك يعتبرون من الفئه الجيده لطلبهم الحاجه مني دلاله علي ايمانهم بي وتصديقهم باني واسطه الفيض الالهي ثم قال الامام: دعينا نسال حال ذك الرجل. فقد كان في احد اطراف الساحه رجلا جالسا يتضرع بحزن، يري يمينا ويسارا كانه يبحث عن ضائع او غائب فوق راسه عمامه سوداء اظنه سيد من العلماء. عند ما توجهنا اليه ووقع عين الرجل علي الامام وقف وقال: بابي انت وامي اين كنت مولاي وانا لك بالانتظار. اخذ الامام بيده والرجل يقبل يده الشريفه بكيا من الم الفراق. ثم ساله الامام: لماذا انت هنا؟ فلم يجب الرجل بل ازداد بكاوه. فاعاد الامام سواله حتى اجاب: منذ مده وانا يا مولاي آتيك لا لاجل شيء وانما لاجل وصالك وطلب قربك انا اريدك انت، انت جنتي ودنياي وآخرتي، انا اضحي لاجل وويتك بكل شيء سوي الله. فادار وجهه نحوي قائلا: امثال من اتي فقط لاجلي سوي انفار معدودين. نعم فلنربي انفسنا علي الدعاء له في السر والعلن والابتعاد عن الانانيه وحب الذات، فليكن كل همنا انتظاره والدعاء لتعجيل فرجه وذلك شوقا لرويته وخدمته.(3) والاسلام قد اولي عنايه خاصه للدعاء وخاصه دعاء المومن لاخيه المومن فكيف اذا كان الدعاء للامام المعصوم عليه السلام. قال الصادق عليه السلام: من دعا لاخيه المومن بظهر الغيب ناداه ملك من السماء الدنيا: يا عبد الله ولك مئه الف ضعف ما طلبت لاخيك، ويناديه ملك من السماء الثانيه: يا عبد الله ولك مئتي الف ضعف ما دعوت، وهكذا كل سماء يزداد فيها مئه الف الى السماء السابعه فيناديه ملك: يا عبد الله ولك سبعمئه الف ضعف ما دعوت، فيناديه الله سبحانه انا الغني لا افتقر يا عبدي لك الف الف ضعف ما دعوت.(4) يقول السيد ابن طاووس رحمه الله حول ذلك: ان كان هذا كله فضل الدهاء لاخوانك فكيف فضل الدعاء لسلطانك الذي كان سبب امكانك، وانت تعتقد ان لولاه ما خلق الله نفسك ولا احدا من المكلفين في زمانه وزمانك وان اللطف بوجوده صلوات الله عليه سبب لكل ما انت وغيرك فيه وسبب لكل خير تبلغون اليه، فايك ثم ايك ان تقدم نفسك او احدا من الخلائق في الولاء، والدعاء له بابلغ الامكان واحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولي العظيم الشان، وايك ان تعتقد انني قلت هذا لانه محتاج الى دعائك هيهات، هيهات ان اعتقدت هذا فانت مريض في اعتقادك وولائك بل انما قلت هذا لما عرفتك من حقه العظيم عليك ولانك اذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك كان اقرب الى ان يفتح الله ابواب الاجابه بين يديك، لان ابواب قبول الدعوات قد غلقها ايها العبد باغلاق الجنايات.(5) وان سيره اهل البيت: اهم شاهد علي ذلك، حيث كانوا يدعون للامام المهدي عليه السلام وكانوا يامرون اصحابهم بالدعاء له. فعن يونس بن عبد الرحمن، قال: ان الرضا عليه السلام كان يامر بالدعاء لصاحب الامر بهذا الدعاء: اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك علي خلقك، ولسانك المعبر عنك الناطق بحكمك، وعينك الناظره باذنك، وشاهدك علي عبادك، الجحجاح المجاهد، العائذ بك العابد عندك، واعذه من شر جميع ما خلقت وبرات وانشات وصورت واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به.(6) وعن عباد بن محمد المدائني قال: دخلت علي الصادق عليه السلام بالمدينه حين فرغ من مكتوبه الظهر وقد رفع يديه الى السماء وهو يقول: اي سامع كل صوت، اي جامع كل فوت... اللهم ايده بنصرك، وانصر عبدك، وقو اصحابه وصبرهم،و افتح لهم من لدنك سلطانا نصيرا، وعجل فرجه، وامكنه من اعدائك واعداء رسولك يا ارحم الراحمين.(7) وهكذا فان اقامه مجالس الدعاء والحضور فيها له تاثير كبير في سرعه ظهور الامام عليه السلام. يروي عن زراره عن الصادق عليه السلام قال: قال لي: الا ادلك علي شيء لم يستثن فيه رسول الله؟ قلت بلي، قال عليه السلام: الدعاء يرد القضاء وقد ابرم ابراما.(8) و ظهور الامام يدخل فيه القضاء والدعاء يرده. 3- تاليف كتب تتحدث عنه وعن دولته العالميه. وعن طريق نشر الكتب ننشر الثقافه المهدويه، ونمهد الناس فكريا وروحيا لعصر الظهور، فهذه فريضه العلماء والمولفين، قال الامام علي عليه السلام: ما اخذ الله علي اهل الجهل ان يتعلموا حتى اخذ علي اهل العلم ان يعلموا.(9) ان العلماء والمفكرين هم اعلم الناس بمشكل الامه وحاجاتها في زمن غيبه الامام المهدي عليه السلام، وهم يعلمون السبل والطرق لخدمه الدين والتبليغ للامام عليه السلام. 4- تاسيس الموسسات ان تاسيس الموسسات الاسلاميه والقرآنيه من مصاديق خدمه الامام لانها تساهم في تربيه الاجيال من الرجال والنساء لنصره الامام المهدي عليه السلام وكثره الانصار له مدخليه في سرعه ظهوره عليه السلام ومن شروطه. والحقيقه فان اقامه المجالس لذكر الامام وتاليف الكتب وتاسيس الموسسات بحاجه الى المال، ويدخل تحت عنوان الانفاق في طريق تحقيق اهداف الامام المهدي. ومن لا يمكنه ان يقيم هذه الاعمال بمفرده، فانه يستطيع ان يساهم ولو بشكل قليل لتحقيقها مع الآخرين. ان الاموال التي ينفقها صاحبها باسم المهدي عليه السلام فهي وسيله لتطهيره من الرذائل النفسيه، والاخلاقيه، وعاملا مهما للتوفيق لاعمال الخير. وسببا لزياده التقرب الى الامام عليه السلام. وفي توقيع الامام المهدي عليه السلام لاسحاق بن يعقوب: واما اموالكم فلا نقبلها الا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتانا الله خيرا مما آتكم.(10) وهذا يعني ان كل ثروات الكون وكنوزها ملك للامام عليه السلام، ولكن الامام يرغب ان يفتح الطريق للتوفيق لمواليه وشيعته ومنتظريه بان ينفقوا من اموالهم لينالوا الاجر الكبير ويرفع مستواهم المعنوي عند الله تعالى، وعن الامام نفسه. يقول الامام المهدي عليه السلام: فليعمل كل امريء منكم بما يقرب به من محبتنا.(11) مراتب الاخلاص في الانتظار ان الانتظار من افضل واحب العبادات عند الله تعالى، قال الامام علي عليه السلام افضل عباده المومن انتظار فرج الله،(12) وان من اهم شروط العباده وصحتها هو الاخلاص في النيه. فان الموالي بعد ان حقق في نفسه شروط وعوامل الانتظار الحقيقي فليسعي لكسب الاخلاص في هذا العمل، ان يكون هدفه الاصلي من الانتظار للامام ودولته العالميه ظهور الحق وحكميه الاسلام في العالم. ومن اجل ان يعرف المنتظر نفسه نذكر المراتب الثلاث للانتظار لعله يكون معينا لمعرفه النفس. وكما ان للاخلاص مراتب ودرجات فكذلك للانتظار تبعا للاخلاص فيها:- شوقا للنعيم ان البعض ينتظر الامام شوقا للوصول الى النعيم والرفاهيه التي سيحصل عليها في ظل دولته القادمه، ويكون النعيم هدفه الاصلي من الانتظار، عندها تزول مشكله ومصائبه. لان المشكل قد احاطت بالحياه، وتعدد الحرمان، حرمان المال حرمان المسكن، حرمان الامام، فاصبح الانسان يخاف علي حياته وعلي امواله وعلي عائلته، والضعفاء يخافون من الاقوياء وانتشار الفقر والمجاعه في العالم. كل هذا يزول بظهور الحجه، وتتحقق كل امنيات الانسان التي كان محروما منها، فالامام عليه السلام بعد ظهوره يسمح للناس ان يستثمروا الارض وما فيها من المعادن، وما عليها من المزارع، فتكثر الاموال بين البشر، وتتضاعف البركات. عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ابشركم بالمهدي... يقسم المال صحاحا... بالسويه، ويملا الله قلوب امه محمد صلى الله عليه واله وسلم غني، ويسعهم عدله، حتى يامر مناديا فينادي: من له في مال حاجه.(13) ويقول الامام علي عليه السلام عن وفره النبات والامام في زمان المهدي عليه السلام... حتى تمشي المراه بين العراق الى الشام لا تضع قدميها الا علي النبات وعلي راسها زبيلها، لا يهيجها سبع، ولا تخافه.(14) قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم فحينئذ تظهر الارض كنوزها، وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبره، لشمول الغني جميع المؤمنين.(15) ان كان الهدف الاصلي والنيه من انتظار المهدي عليه السلام هذا فقط، بنحو لو توفر له الآن في عصر الغيبه ما تمناه في ظهور الامام من الرفاهيه والرزق والراحه وزوال البليات لزال شوقه لظهور الامام وغفل عن امر فرج الامام عليه السلام. فهنا الانسان يخرج من قائمه المنتظرين لعدم توفر الاخلاص في نيته او حرم من الفضائل والفيوضات التي قررت للمنتظر بسبب ان انتظاره، للامام من اجل دنياه، فهو لا يريد الامام، انما يريد دنياه. عن ابي بصير يقول: سالت الامام الصادق متى يكون الفرج؟ قال عليه السلام: وانت ممن يريد الدنيا؟ يعني تريد الامام لدنيك؟ ثم قال عليه السلام: من عرف هذا الامر فقد فرج عنه؛ لانتظاره.(16) واما اذا كان حب المنتظر وشوقه لدوله الامام وبالنعم والرفاه الذي سيتوفر للاولياء والمؤمنين علي انه من نعم الله وعطائه لهم. اي يشتاق لتلك النعم والراحه والامان بما انه عطاء الهي للمومنين وتحقيق لوعده لهم، فهذا الشوق والانتظار لا يدخل في ضمن عنوان حب الدنيا وغير مذموم، لان المنتظر يرغب اليه لانه يعلم رضا الله فيه، وليس هدفه الاصلي حبه للتنعم فهذا لا باس به، ولكن هذا النوع والمرتبه من النيه لها مرتبه واحده من الخلوص واخلاصه غير كامل، لان القصد والفرض من الانتظار يرجع منفعته للمنتظر ولذات نفسه. شوقا للمعنويات ان تكون نيه المنتظر لظهور الامام واقامه دوله العدل هدفه الحقيقي هو الوصول والاستفاده من وفره العلوم والمعارف الالهيه التي سوف تنتشر في ظل دوله الامام عليه السلام. وكما نعلم من خلال الروايات ان العلم يصل الى كمله في زمانه. قال الامام الباقر عليه السلام: اذا قام قائمنا وضع يده علي رووس العباد فجمع بها عقولهم، وكمل بها اخلاقهم،(17) وعن ابي عبد الله عليه السلام قال: ان قائمنا اذا قام مد الله في شيعتنا في اسماعهم وابصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم ويسمعون، وينظرون اليه وهو في مكانه.(18) فان العلم الصحيح ينتشر في كل بيت، وتتكون حلقات التدريس في المجتمعات، للرجال والنساء. قال الامام الباقر عليه السلام:...توتون الحكمه في زمانه حتى ان المراه لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.(19) ان هذا الحديث يدل علي ان الناس يودبون في زمانه عليه السلام، بالآداب الدينيه وتعليم الاحكام الشرعيه، وترتفع مستوي الثقافه والحضاره فيهم الى درجه تتمكن المراه - وهي في بيتها - من الحكم بين المتنازعين بما يوافق كتاب الله وسنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وكذلك اظهار الامام المهدي عليه السلام - بعد الظهور- لسبع وعشرين حرفا من العلوم الالهيه، فان العلوم التي ظهرت من اول العالم الى الآن حرفان فقط من السبع وعشرين حرفا، وخمسه وعشرون حرفا تظهر ببركه المهدي في عصره وكذلك لو تكون نيه المنتظر - بالاضافه الى الاستفاده من هذه العلوم - التفرغ للعباده، لانه يعلم ان في زمان الامام تتهيا اسباب العباده! ويصل مستوي مرتبه عباده الانسان الى اعلي المستويات ببركه وجود المهدي عليه السلام وعدم وجود موانع للعباده من شياطين الجن والانس والظلمه، والفساد الاجتماعي. فاذا كانت نيه المنتظر وشوقه لظهور الامام الوصول الى هذين الهدفين - كمال المعرفه وكمال العباده - فان نيته غير خالصه، وان كانت مرتبه خلوصه ارفع وكمل من المرتبه الاولي. ولكن ليست المرتبه الكامله من الاخلاص. شوقا لاعلاء كلمة الله ان يكون الهدف الاصلي من الانتظار والشوق لظهور الامام عليه السلام هو ظهور الامر الالهي، واظهار دين الله علي الدين كله، واقامه حكم الله علي العالم كله، وظهور حقانيه المعصومين عليهم السلام وفضلهم ومقامهم وعظمتهم. والانتقام من ظالميهم واعدائهم، خصوصا الاخذ بثار شهداء كربلاء وسيدهم الامام الحسين عليه السلام. فاذا كان الهدف الاصلي والغرض الاساسي من الانتظار هي هده الامور، فان نيه المنتظر قد حققت اعلي مراتب الاخلاص، وتشمله اعلي مرابت الثواب والفضائل التي وعد بها المنتظرون. ومتى ما حقق المنتظر هذه المرتبه من اخلاص النيه فلا ينافي ان يشتاق ويحب ان يصل ويتنعم بالموردين السابقي الذكر وهما النعيم الدنيوي في ظل دوله المهدي، والتنعم بالعلم والعباده ويتخذهما وسيله للتقرب الى الامام عليه السلام. والدليل علي ان هذا الهدف هو المطلوب في منهج الائمه عليهم السلام هي هذه الروايه، سئل الامام الصادق عليه السلام: ايهما افضل: العباده في السر مع الامام منكم المستتر في دوله الباطل، او العباده في ظهور الحق ودولته مع الامام منكم الظاهر؟ قال عليه السلام: الصدقه في السر والله افضل من الصدقه في العلانيه، وكذلك والله عبادتكم في السر مع امامكم المستتر في دوله الباطل وحال الهدنه، افضل ممن يعبد الله عز وجل في ظهور الحق مع الامام الظاهر في دوله الحق... وهو حديث طويل في هذا المعني، قال له صاحبه في نهايته: احب ان اعلم كيف صرنا نحن اليوم افضل من اصحاب الامام الظاهر منكم في دوله الحق ونحن علي دين واحد؟ فقال عليه السلام: انكم سبقتموهم الى الدخول في دين الله عز وجل والي الصله والصوم والحج، والي كل خير وفقه، والي عباده الله جل وعز سرا من عدوكم مع امامكم المستتر مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدوله الحق، خائفين علي امامكم وانفسكم من الملوك الظلمه، تنظرون الى حق امامكم، وحقوقكم في ايدي الظلمه، قد منعوكم ذلك واضطروكم الى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر علي دينكم وطاعه امامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الاعمال، فهنيئا لكم. فقال له صاحبه: جعلت فدك، فما تري اذا ان نكون من اصحاب القائم ويظهر الحق، ونحن اليوم في امامتك وطاعتك افضل اعمالا من اصحاب دوله الحق والعدل؟. فقال عليه السلام: سبحان الله اما تحبون ان يظهر الله تبارك وتعالي الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمه، ويولف الله بين قلوب مختلفه، ولا يعصون الله عز وجل في ارضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحق الى اهله، فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافه احد من الخلق؟ اما والله يا عمار لا يموت منكم ميت علي الحال التي انتم عليها الا كان افضل عند الله من شهداء بدر واحد فابشروا.(20) ونحن من ذيل هذه الروايه الشريفه نصل الى حقيقه وهي ان عمل المومن في عصر الغيبه وقبل الظهور افضل واعظم اجرا من زمن الظهور ولكن لا بد له ان يعيش حاله الانتظار لظهور الامام ودوله الحق وظهور دين الله واظهار مظلوميه الائمه عليهم السلام والاخذ بثارهم وحقوقهم. كيف يتم اختيار اصحاب الامام المهدي وانصاره؟ ان اختيار اصحاب الامام المهدي وانصاره عليه السلام اذا نريد ان نضرب له المثل فهو يشبه اللحوق بالجامعه، فالطالب عليه ان تكون له موهلات - وبنسبه معينه - حتى يمكنه اللحوق بالجامعه للدراسه، فان اللحوق الابتدائي يكون باختيار الطالب، واما القبول فهو باختيار اداره الجامعه، فبعد القبول الابتدائي للطالب علي اساس موهلاته الخاصه ومستواه العلمي يتم امتحانه التحريري بالاضافه الى المقابله الشخصيه لاثبات جدارته العلميه والتجربيه حتى يتم القبول. فكذلك من يريد ان يصبح من انصار الامام المهدي عليه السلام عليه ان يتجاوز هاتين المرحلتين: مرحله يبدوها الموالي نفسه باختياره وارادته لنصره الامام والتمهيد له بدايه من زمن عصر الغيبه، وذلك في مجال الدعاء وطلب التوفيق من الله وفي مجال العمل الفردي والاجتماعي. وفي مجال الدعاء وردت ادعيه تحث الموالي علي كثره الدعاء الى الله بان يجعله من انصار المهدي عليه السلام والمجاهدين بين يديه. وفيما يلي نذكر بعضا منها: 1- في زياره عاشواراء: وان يرزقني طلب ثاري مع امام هدي ظاهر ناطق بالحق منكم.(21) 2- في دعاء العهد: اللهم اجعلني من انصاره واعوانه والذابين عنه والمسارعين اليه في قضاء حوائجه والممتثلين لاوامره والمحامين عنه والسابقين الى ارادته والمستشهدين بين يديه.(22) والمرحله الثانيه: هي ان المنتظر بالاضافه الى الطلب والدعاء يسعي لايجاد الموهلات الضروريه التي تجعله لاثقا لمقام النصره وهي ما ذكرناها سابقا من صفات المنتظر الحقيقي وهي: 1- الانتظار الواقعي والاخلاص فيه. 2- خدمه الدين والمجتمع باقامه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3- تكوين ارتباط عاطفي شديد مع الامام. 4- كثره ذكر الامام والدعاء لتعجيل فرجه فانه يدل علي الاستعداد الروحي لنصرته. 5- اتصافه بالانفاق الفكري والجسدي والمالي. فكل من تتوفر فيه هذه الموهلات يقبل من طرف الله والامام بالقبول العام والابتدائي وتبقي المرحله التاليه: وهي ان يمتحن هذا المتقدم ويثبت جدارته وثباته علي تلك الموهلات السابقه وعدم تخاذله وتنازله عن مبادئه تحت اي ضغط نفسي وسياسي واقتصادي واجتماعي. وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بالامتحان الالهي، فتتوالي الامتحانات الالهيه وتشتد حتى يميز الخالص من الشائب والصادق من المدعي. الهوامش: (1) تحف العقول: 265، باب رسالته عليه السلام في جوامع الحقوق، ح 27. (2) بحار الانوار 119:1، ب (4) مذكره العلم، ح 3. (3) مسجد جمكران - تجليكاه صاحب الزمان: 119. (4) بحار الانوار 390:90 ب (26) الدعاء للاخوان، ح 22. (5) فلاح السائل: 45. (6) مصباح المتهجد: 409. (7) بحار الانوار 62:83، ب (39) ما يختص بتعقيب فريضه الظهر، ح 1. (8) وسائل الشيعه 37:7، ب 7، ح 6. (9) نهج البلاغه: حكمه 478. (10) الاحتجاج 543:2، ب 344. (11) الاحتجاج 599:2، ب 359. (12) بحار الانوار 131:52، ب (22) فضل انتضار الفرج، ح 33. (13) معجم احاديث الامام المهدي 92:1. (14) بحار الانوار 316:52، ب (27) سيره واخلاقه، ح 11. (15) الارشاد للمفيد 384:2. (16) الكافي 1: باب انه من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الامر او تاخر، ح 3. (17) الخراوج والجرائح 840:2، ب 16، ح 57. (18) الخرائج والجرائح 840:2، ب 16، ح 58. (19) الغيبه للنعماني: 245، ب 13، ح 30. (20) الكافي 333:1، باب نادر في حال الغيبه، ح 2. (21) مفاتيح الجنان: 457، زياره عاشوراء. (22) مفاتيح الجنان: 540، دعاء العهد. ****************** الفرق بين الاصحاب والانصار ومن البديهي ان الافراد تتفاوت درجاتهم ونجاحهم في الامتحان الالهي فالفئه التي كسبت الامتياز في الثبات والاخلاص والتضحيه فهولاء هم اصحاب الامام عليه السلام رجالا 313 ونساء 50. والفئه التي كسبت ما بعد الامتياز وادني منه فهم انصار الامام المهدي عليه السلام.(1) والسر في تفاوت عدد انصار المهدي عليه السلام واصحابه هو في اختلاف درجات الاخلاص الذي ينتجها الامتحان الالهي في عصر الغيبه. فان اختلاف عدد الناجحين في كل درجه، لوضوح ان درجات الاخلاص كلما ارتفعت، تطلبت قابليات اوسع وثقافه اعمق لاحراز النجاح ومن المعلوم ان الافراد الكثر قابليه والاوسع ثقافه اقل في العالم ممن هم دونهم... وهكذا. ومن هنا الناجحون من الدرجه الاولي اقل منهم من الدرجه الثانيه او هم اقل منهم من الدرجه الثالثه، وكلما قلت درجه الاخلاص زاد عدد القواعد الشعبيه المتصفه به. اذن هنك فرق بين الاصحاب والانصار منها: 1- ان الاصحاب عددهم محدد من طرف الله وهو 313 رجل و50 امراه بخلاف انصار فان عددهم غير محصور. روي عن الصادق عليه السلام... ويجيء - والله - ثلاثمئه وبضعه عشر رجلا فيهم خمسون امراه يجتمعون بمكه.(2) 2- ان كثر اصحاب الامام المهدي من الشباب وقل ما يوجد بينهم شيخ مسن بخلاف الانصار فانهم متفاوتو الاعمار. قال الامام علي عليه السلام ان اصحاب القائم شباب لا كهول فيهم الا كالكحل في العين، او كالملح في الزاد واقل الزاد الملح.(3) 3- الاصحاب لهم الدور القيادي في جميع المجالات فهم حكام الارض بخلاف الانصار فهم يكونون تحت امره الاصحاب تبعا لهم.(4) والامام الصادق يصف الاصحاب - هم اصحاب الالويه، اشاره الى توفر الموهلات فيهم لقياده الجيوش والعسكر، وعبر عنهم كذلك عليه السلام: وهم حكام الله في ارضه. ان الاختلاف في الوظائف بين الاصحاب والانصار، والانصار فيما بينهم التي توكل اليهم، انما هي نتيجه لاختلاف درجاتهم في الاخلاص. فان هولاء الممحصين الكاملين سوف يكونون في جيش المهدي عليه السلام هم اصحاب الرايات - يعني القواد وروساء الفرق - علي حين يكون الممحصون من الدرجه الثانيه عامه جيش الفاتح للعالم بالعدل. 4- سرعه التحاق الاصحاب بالمهدي عليه السلام في مكه، فالثلاثمئه والثلاثه عشر رجلا يكونون حاضرين في المسجد الحرام في مكه حين خطاب المهدي عليه السلام وسبقته الاولي. علي حين ان الباقين يتواردون الى مكه بعد ذلك خلال الايام القليله القادمه بعدها. 5- سرعه ايمان الاصحاب بالمهدي عليه السلام ومبايعتهم له، اذ من المعلوم ان الفرد كلما كان اعمق ايمانا واوسع ثقافه يستطيع ان يفهم قول الحق ويشخص القائد الحق بشكل اعمق واسرع، ومن هنا سيكون هولاء بخلاف الانصار هم الرواد الاوائل الى مبايعه المهدي عليه السلام بعد جبرائيل، ولربما كثرهم كانوا يعرفون الامام في عصر الغيبه فلا يحتاجون معه الى ايه حجه او معجزه. والواقع فان العدد الكافي لغزو العالم بالعدل ليس هو وجود ثلاثمئه وثلاثه عشر جنديا كما يتخيل الناس، اذ يفهمون حصر اصحاب المهدي عليه السلام بهذا العدد. وانما العدد المذكور يكون كافيا للقواد علي كونهم قوادا وحكاما، ويضاف الى هولاء عدد ضخم من الجيش لا يقل عن عشره الاف شخص في نواته الاولي عند مبدا الحركه. ومن هنا قالت احدي الروايات - ما يخرج الا في اولي قوه، وما يكون او لو قوه اقل من عشره الاف. فهي تنفي بصراحه ان يكون جيش المهدي منحصرا بالثلاثمئه والثلانه عشر، فانهم وحدهم لا يشكلون قوه ولا يكونون كافين في تحقيق الهدف الكبير. وانما هم يقومون بالقياده والاشراف بالنسبه الى غيرهم من الناس. وان العشره الاف جندي كاف في اول حركه الامام عليه السلام، وكلما اتسعت حركته فان جيشه سوف يتسع وتتضح اهدافه وتكثر اسلحته. اوصاف الاصحاب والانصار ان ما نجده في الروايات من اوصاف اصحاب الامام المهدي عليه السلام فانها في الواقع كذلك اوصاف انصار الامام، ولكن هذه الصفات تكون في الاصحاب بشكل اشد وكمل واعمق من الانصار، وذلك تبعا لدرجه الاخلاص وعمق المعرفه لمقام التوحيد ومقام الولايه والامامه. فعلي كل من يرغب ان يعرف نفسه ان كان من انصار الامام فليري مدي اتصافه بهذه الصفات. شدة الايمان قال الامام الصادق عليه السلام: ورجال كان قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، اشد من الحجر لو حملوا علي الجبال لا زالوها.(5) ان قلوبهم قد ترسخ فيها الايمان بالله وقويت به ولا يزلزل عقيدتهم اي شيء واي احد. فهولاء - بعد السعي والجهد في بناء الذات وتهذيبها - تحرروا من تسلط النفس، فلا يمكن للنفس ولا الوساوس الشيطانيه ان توثر فيهم، فانهم مومنون لا تاخذهم في الله لومه لائم، ولا يشوب قلوبهم شك في ذات الله، وهم رجال عرفوا الله حق معرفته. والمومن الذي يتصف بهذه الصفات لهو من اعظم المؤمنين واقواهم. قال الامام علي عليه السلام في عظمته ايمانهم: فجمع الله تعالى له قوما، قزع كقزع السحاب(6) يولف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون من احد، ولا يفرحون باحد يدخل فيهم، علي عده اصحاب بدر، لم يسبقهم الاولون، ولا يدركهم الآخرون.(7) فعدم اهتمام الاصحاب باحد دليل شده ايمانهم، فلا يفرحون بكثره الناس حولهم، ولا يستوحشون بتفرقهم عنهم لثقتهم انهم علي الحق. فهم علي يقين بحقانيتهم فلا يهم عندهم ما يصيبهم في هذا المسير وببركه الايمان تكون فيما بينهم الفه ومحبه تمنع من اصابتهم بالحسد والتباغض والتنافس فيما بينهم. كثرة العباده ان اصحاب الامام المهدي عليه السلام وانصاره رهبان باليل وليوث بالنهار وآثار العباده ظاهره علي سيمائهم. فان العباده - بمعناها الخاص - صفه واضحه الدلاله علي الايمان، وكلما ازداد الايمان ازدادت العباده، فالفرد من هولاء لا يبالي بتعب النهار والجهد والجهاد الذي يبذله فيه، ولن يمنعه ذلك من العباده في الليل والتوجه الى الله. يقول الصادق عليه السلام عن عبادتهم: ... لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياما علي اطرافهم، ويصبحون علي خيولهم، رهبان باليلل، ليوث بالنهار... كان قلوبهم القناديل، وهم من خشيه الله مشفقون، يدعون بالشهاده، ويتمنون ان يقتلوا في سبيل الله.(8) اصحاب قوة فان الرجل من اصحاب الامام عليه السلام يعطي قوه اربعين رجلا. وان قلب رجل منهم اشد من زبر الحديد، لو مروا بالجبال لتدكدكت، لا يكفون سيوفهم حتى يرضي الله تعالى. عن ابي جعفر الباقر عليه السلام عن ابيه عن جده، قال: قال امير المؤمنين عليه السلام علي المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان... الى ان قال: فاذا هز رايته اضاء لها ما بين المشرق والمغرب. ويضع يده علي رووس العباد، فلا يبقي مومن الا صار قلبه اشد من زبر الحديد واعطاه الله عز وجل قوه اربعين رجلا.(9) فهم خير فوارس علي ظهر الارض يومئذ، رجال عرفوا الله حق معرفته. والتشبيه للقلب بقطع الحديد وزبر الحديد - ذلك لمزيد التكيد علي عظمه الشجاعه والجراه، وعدم تطرق الخوف علي القلب وقوله: ان الله يعطي الفرد منهم قوه اربعين رجلا من غيرهم، فان ذلك لا يراد منه التحديد بل التقريب... ويكون المودي ان الاثر العملي الفعلي لنشاط الفرد من اصحاب الامام المهدي عليه السلام يكون مساويا للاثر الفعلي الناتج عن نشاط جماعه ضخمه من الرجال، متكونه من اربعين فردا علي وجه التقريب. قال الصادق عليه السلام: رجال كان قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله اشد من الحجر لو حملوا علي الجبال لازالوها.. كان علي خيولهم العقبان(10) - جمع عقاب وهو طائر من الجوارح قوي المخالب - وهذه الصفه اما ان تكون للخيول او لنفس الانصار. وهذه الشجاعه العليا، عامه لكل جيش الامام عليه السلام، من هنا نسمع الروايه تقول: فلا يبقي مومن الا صار قلبه اشد من زبر الحديد، واعطاه الله عز وجل قوه اربعين رجلا. وهذه الفقره واضحه في شمول الشجاعه لكل الافراد، الا اننا نعلم ان مثل هذه الشجاعه الايمانيه، تتناسب تناسبا طرديا مع زياده الايمان، فتزداد بزيادته وتنقص بنقيصته. لوضوح ان الفرد كلما كان اشد ايمانا بالهدف وكثر اخلاصا له، ازداد جراه في عمله وتضحيه علي طريقه. وبذلك نستطيع ان نحكم: ان الخاصه من اصحاب الامام المهدي عليه السلام وهم القاده والحكام، اشجع واقوي اراده وامضي عزيمه من الآخرين. وان كان هم والآخرون يمثلون كل الاوصاف المذكوره في الروايات، ومعه فالمفهوم ان الخاصه يتصفون بصفات اعلي مما هو مذكور في الروايات. طاعتهم للامام ان كل شجاعتهم التي عرفناها مبذوله في سبيل طاعته، وكل ايمانهم مركز في الامام المهدي عليه السلام، حتى انهم وصفوا بما وصف به المهدي عليه السلام نفسه فقيل عنهم: انهم اذا ساروا يسير الرعب امامهم مسيره شهر. وهو ما وصف به المهدي عليه السلام. كما قيل عنهم انهم لا يكفون سيوفهم حتى يرضي الله تعالى، وهو ما وصف به عليه السلام ايضا. وما ذلك الا لان فعلهم وفعله واحد، وهدف واحد كما تقول: فتح الامير المدينه. وتقول: فتح الجيش المدينه. وانت صادق في كلتا الجملتين من حيث ان التعاليم بيد القائد، والتنفيذ بيد الجيش. وكما نصت روايه البحار عن الامام الصادق عليه السلام علي انهم: يتمسحون بسرج الامام عليه السلام يطلبون بذلك البركه، ويحفون به يقونه بانفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد... هم اطوع له من الامه لسيدها.(11) وتمسحهم بسرج الامام عليه السلام، معنى كنائي عن مدي حب اصحابه له عليه السلام وعلاقتهم به، الى حد انهم يرون ان ملامستهم للشيء الذي لا مسته يد الامام عليه السلام يتضمن معنى البركه. وهذا هو الشان بين الاحباء دائما. ان ملامستك لثوب من تحبه او للزهره التي يمسكها يعطيك زخما عاطفيا عاليا وليس ذلك فقط بل يشمل النظر ايضا. وليس التمسح بالسرج محمولا علي المعني الحقيقي، اذ قد لا يركب المهدي عليه السلام بعد ظهوره فرسا علي الاطلاق، وانما يستعمل وسائط النقل واسلحه الحرب المناسبه مع عصر ظهوره بطبيعه الحال، وهم يحيطون به يقونه بانفسهم من الحروب اي يحمونه ويتحملون الموت دونه. او انهم يحيطون به لاجل الاستفاده من علومه وتعاليمه. والمراد من هذه الروايه بيان طاعتهم الكامله وانقيادهم لتعاليم قائدهم وتنفيذهم الامور تحت ظل قيادته. فهم اطوع له من الامه لسيدها وكيف لا. مع انهم يرون به الامام القائد نحو العدل الكامل العام.. والامه: الجاريه المملوكه، لعل التشبيه بها لكونها تطيع امر مولاها بلا تامل ولا مناقشه. وضوح شعارهم تعرضت العديد من الروايات الى شعارهم، وان شعارهم: امت امت. هذا ما ذكره ابن طاووس في الفتن. واما ما ذكره المجلسي في البحار ان شعارهم: يا لثارات الحسين عليه السلام وكذلك اخرج ابن قولويه من كامل الزيارات عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من المحرم. الى ان يقول: قال: قلت: فكيف يعزي بعضهم بعضا قال: يقولون: عظم الله اجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وايكم من الطالبين بثاره مع وليه الامام المهدي من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم... الحديث. وتتضمن هذه الروايه نفسها الزياره المعروفه بزياره عاشوراء التي يزار بها الامام الحسين بن علي عليه السلام، والتي سمعنا الامام المهدي عليه السلام في بعض الروايات المنقوله يحث علي قرائتها حثا شديدا، وتتضمن هذه الزياره هذا الدعاء: فاسال الله الذي كرم مقامك ان يكرمني يك ويرزقني طلب ثارك مع امام منصور من آل محمد صلي الله عليه وآله. والشعار يمكن ان يراد به احد معنيين: المعني الاول: اللفظ الذي ينادي به في الحرب لاجل بث روح الحماس والاقدام في الجنود. وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يتخذ الشعار في حروبه. وكان شعار المسلمين يوم بدر: يا منصور امت.(12) المعني الثاني: اللفظ الذي يصاغ للتثقيف الجماهيري، يعبر عن مفهوم او هدف معين. وهو المعني المفهوم في عصرنا الحاضر. والشعار الوارد في هذه الروايات انما يراد به المعني الاول، فاصحاب الامام المهدي عليه السلام سيتخذون شعارا في الحرب مشابها لشعار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: امت امت. اما المطالبه بثار الحسين عليه السلام، فانه شعار بالمعني الثاني وهو ان يكون هدفا معلنا مفهوما تثقيفا. وعلي كلا الحالتين. فاستعماله امر واضح، باعتبار ان الامام الحسين عليه السلام اشد القاده الاسلاميين مظلوميه في ضمير المسلم. فاتخاذ الثار له شعرا يدل علي وحده الاهداف بين حركه الامام الحسين عليه السلام وحركه الامام المهدي عليه السلام، وهي محاوله احقاق الحق وازهاق الباطل. وفي حديث روي عن الصادق عليه السلام انه قال: اذا قام القائم قتل ذراري قتله الحسين بفعال آبائهم؟ فقال عليه السلام هو كذلك. قلت: وقول الله عز وجل: (ولا تزر وازره وزر اخري) ما معناه؟ فقال عليه السلام: صدق الله في جميع اقواله، لكن ذراري قتله الحسين يرضون بافعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئا كان كمن اناه، ولو ان رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريك القاتل، وانما يقتلهم القائم عليه السلام اذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.(13) القدرة غير العادية كلما اجتهد الانسان في قبول ولايه اهل البيت وترسيخها في اعماقه كانت روحه أقوي وازدادات قدرته غير العادية كثر، الى حد يمكنه بقدرة روحه أن يتصرف بالموجودات المادية وحتي غير المادية ويحكم عليها. واليك هده القضية عن المرحوم السيد بحر العلوم رضي الله عنه: كان السيد بحر العلوم يعاني من مرض ضيق النفس - الخفقان - وقد خرج يوما من النجف الأشرف قاصدا زيارة الامام الحسين عليه السلام في احدي زياراته عليه السلام الخاصه وكان الوقت صيفا وشديد الحر. وقد استغرب الناس كيف أن السيد وهو مريض يسافر في الحر؟ وكان من بين الذين معه في السفر المرحوم الشيخ حسين نجف، وكان من العلماء المعروفين في زمان السيد. فلما تحركوا من النجف واذا سحابه تظلمهم وتتبدل حراره الهواء ويهب نسيم معتدل.وبقيت السحابة تظلهم حتى اقتربوا من خان نور هنك التقي أحد معارف الشيخ حسين نجف به وقد تأخر الشيخ معه عن السيد، وأما السحابه فقد بقيت تظل السيد حتى وصلي الى محطة القافلة، وأما الشيخ فقد آذانه حرارة الهواء وقد تأثر ووقع من مركبه وأغمي عليه بسبب كبر سنه وضعف بنيته من شدة الحر. فحمله صديقه الى أن أوصله الى مكان السيد بحر العلوم ولما أفاق قال: سيدنا لم لم تدركنا الرحمه؟ أجابه السيد لم تخلفهم عنها؟ وفي هذا الجواب كناية دقيقة.(14) هذه هي قدرة تصرف أنصار الامام صاحب الزمان عليه السلام. وكما قال علي عليه السلام: لم يسبقهم الأولون، ولا يدركهم الآخرون فيمتازون بفضيله طي الأرض، كما قال الامام الصادق عليه السلام: فيصير اليه أنصاره من أطراف الأرض، تطوي لهم الأرض طيا وطي الأرض: هو عباره عن قطع المسافات الطويلة في مدة قصيرة جدا، بشكل اعجازي. وطي الأرض مصرح به في القرآن في سورة النمل وفي قصة النبي سليمان عليه السلام وعرش بلقيس يقول تعالي: (يا ايها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك واني عليه لقوي أمين، قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي).(15) فهذه الآية صريحة في امكانية طي الأرض وتتحققه، فقد أحضر عرش الملكة بلقيس، في أقل من لحظة، مع العلم أن عرشها كان في سبأ باليمن وكان سليمان عليه السلام في الأردن أو فلسطين، وتفصل بينهما الجزيرة العربية، فكيف يمكن جلب عرش بلقيس ونقله من اليمن الى الاردن بهذه السرعة؟ من الواضح أن المقاييس الطبيعيه عاجزة وقاصرة أمام هذه القضايا التي تعتبر من الماورائيات. وهنك من أصحاب الامام من تسخر له قدرة السحاب ويستفيد من أسرارها فيحضر عند الامام المهدي في وقت ظهوره بواسطه السحاب. قال المفضل: قال أبو عبد الله عليه السلام: اذا أذن الامام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائه وثلاثه عشر قزع كقزع الخريف وهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد عن فراشه ليلا فيصبح بمكة، ومنهم من يري يسير في السحاب نهارا يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جعلت فدك أيهم أعظم ايمانا؟ قال: الذي يسير في السحاب نهارا وهم المفقودون وفيهم نزلت هذه الآية: (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا).(16)،(17) اذن فان أصحاب الامام المهدي بقوه الايمان المتكامل، ولا طريق للشك الى قلوبهم، فهم - بسبب الايمان بالله سبحانه - لا يفهمون معنى الخوف لأن الانسان كلما ازداد ايمانا بالله تعالى ازداد ايمانا بالله تعالى ازداد قوه ونشاطا وشجاعة، ولهذا تراهم - عندما يدخلون ساحة الجهاد لا يقف في طريقهم أحد، لا يمنعهم مانع عن تنفيذ الأوامر الموجهة اليهم، ويقضون علي كل قوة تحول بينهم وبين أهدافهم المقدسة. وفي نفس الوقت يتمتع هولاء بفضيلة التواضع، فهم يعتقدون بالامام المهدي عليه السلام اعتقادا لائقا به، فتراهم يتمسحون بالسرج الموضوع للامام المهدي ويتبركون به - لان الامام المهدي - عجل الله فرجه - منبع كل خسر وتتفجر الخيرات من جوانبه ونواحيه، ويلتفون حوله كالحرس ويجعلون أنفسهم وقاية دونه في الحروب، ويلبون طلباته بسرعة. وأما من ناحية العبادة فهم عباد خاشعون، يقضون الليل بالصلاة والتضرع الى الله سبحانه، ولهم في الصلاة دوي كدوي النحل، بين ركوع وسجود، وقيام وقعود. وفي النهار تجدهم فرسانا علي خيولهم علي أهبه الاستعداد كأنهم في حالة الطواريء يطيعون أوامر الامام المهدي عليه السلام بلا توقف أو تأمل أو تثاقل، بل بأقصي سرعه ممكنة. قلوبهم مضيئة بنور المعرفة، وهم بعيدون عن الجهل، لأنهم يفهمون الواقع وعندهم الوعي الكامل. ويكتسب أصحاب الامام المهدي عليه السلام أهميتهم من جهه كونهم ناجحين وممحصين بالتمحيص الالهي الذي كان جاريا علي المؤمنين في عصر الغيبة الكبري، فقد أثبتوا جدارتهم واخلاصهم من خلال ما تعرضوا له من امتحانات، وقدرتهم علي التضحيه الكبرى في سبيل الأهداف الاسلاميه العليا. علائم ظهور الامام المهدي ان لمعرفة علامات الظهور أهمية كبيرة والا لما تكلم بها أهل البيت عليهم السلام ولما أمروا شيعتهم بالتعرف عليها. فقد ورد عن الصادق عليه السلام: اعرف العلامة، فاذا عرفت لم يضرك تقدم هذا الأمر أم تأخر.(18) وتبرز أهمية هذه المعرفة في عدة جوانب: منها: أنها تحفظ المومن في عصر الغيبة من الضلال، فهي ترشده الى راية الحق وتحذره من رايات الباطل فقد قال تعالى: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون).(19) ومنها: أنه من خلالها يعلم وقت الظهور فيستعد الناصر، ففي رواية عن الصادق عليه السلام قال: يا سدير،... فاذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل الينا ولو علي رجلك.(20) وقد ورد عن امام الزمان عليه السلام في توقيعه لأبي اسحاق: اذا بدت لك أمارات الظهور والتمكن فلا تبطيء باخوانك عنا.(21) ويمكننا أن نقسم علائم ظهور المهدي عليه السلام المروية في كتب الأحاديث الى قسمين: القسم الأول: العلائم العامة، التي تتحدث عن الانحرافات التي تنتشر في الاوساط الاسلامية وغيرها، وتتلوث بها المجتمعات البشرية. وهذه العلائم قد تحدث قبل ظهور الامام بعشرات السنين. القسم الثاني: العلائم الخاصة التي تحدث قريبا من ظهور الامام المهدي عليه السلام بسنوات غير كثيرة، أو مقارنة لسنة الظهور. وهذا القسم الأخير ينقسم الى نوعين: النوع الأول: العلائم غير المحتومة، ومعني ذلك أنها ليست قطيعة فيمكن أن تقع ويمكن أن لا تقع. النوع الثاني: العلائم المحتومة التي لا تقبل الشك والترديد، وهي قطيعة الوقوع. لا محالة. الهوامش: (1) الزام الناصب 116:1 اشاره الى ما ورد في بحار الانوار 223:52 ب (25) علامات ظهوره، ح 87. (2) الزام الناصب 116:1. بحار الانوار 223:52 ب (25) علامات ظهوره، ح 87. (3) بحار الانوار 333:52 ب (27) سيره واخلاقه، ح 63. (4) بحار الانوار 368:52. (5) بحار الانوار 307:52 يوم خروجه وما يدل عليه ب (26) ح 82. (6) قزع: جمع قزعه: وهي القطعه من السحاب، اي كما ان السحاب احيانا يري قطعا صغيره متفرقه ثم تجتمع وتصير قطعه واحده، كذلك اصحاب الامام يجتمعون بعد ان كانوا مفترقين. (7) المستدرك علي الصحيحين للحكم النيسابوري 554:4. (8) بحار الانوار 308:52، ب (26) يوم خروجه وما يدل عليه، ح 82. (9) الخرائج والجرائح 1149:3، ب (20)، ح 58. (10) بحار الانوار 308:52، ب (26) يوم خروجه وما يدل عليه، ح 82. (11) بحار الانوار 308:52 ب (26) يوم خروجه وما يدل عليه، ح 82. (12) وسائل الشيعه 138:15، ب 56، ح 3. (13) البرهان في تفسير القرآن 559:4، في تفسير قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) من سوره الاسراء: 33. (14) العبقري الحسان 69:2. (15) النمل: 40-38. (16) البقره: 148. (17) بحار الانوار 368:52 ب (27) سيره وأخلاقه، ح 153، وتفسير العياشي 67:1. (18) بحار الانوار 142:52 ب (22) فضل انتظار الفرج، ح 57. (19) النحل: 16. (20) بحار الانوار 303:52 ب (26) يوم خروجه، ح 69. (21) كمال الدين 451:2 ب 43، ح 19. ****************** فساد المجتمع البشري يقول الامام علي عليه السلام: اذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكذب، وكلوا الربا وأخذوا الرشا... وباعوا الدين بالدنيا وقطعوا الأرحام، وكان العدل ضعفا والظلم جورا، وحليت المصاحف وزخرفت المساجد، وطولت المنارات، وكرم الأشرار، وازدحمت الصفوف واختلفت الأهواء. فالصلاة التي هي عمود الدين تفقد جوهرها والأمانة تضيع، ويصبح الكذب حلالا، والربا مباحا، ويكون احتراما القرآن باناقة الطباعة وتلوين الغلاف، لا تلاوته ولا العمل به. وصفوف الجماعة تكون مزدحمة بالمصلين الذين يحملون قلوبا متنافرة فالأجساد متقاربة والقلوب متباعدة. الرجال في آخر الزمان عن عبدالله بن بشر قال: سمعت حديثا منذ زمانه: اذا كنت في قوم عشرين رجلا أو أقل أو كثر، فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم رجلا يهاب في الله، فاعلم أن الأمر قد قرب.(1) يعني لن تجد رجلا مهابا في الله، لانا يأمر بالمعروف وينكر المنكر، ثم يكون محترما مسموع الكلمة علي هذا الاساس... انك لن تجده لا حين تتصفح وجوه العشرين رجلا ولا حين تتصفح المئات في مجتمعنا الحاضر، لأن الهيبة للسلاح وفرض الاحترام منوط بالقوة والمال وكثرة حطام الدنيا، وهذا من الموسف حقا، لأن الرجال هم المسوولون عن كل انحراف بين الشباب والشابات، وهم باستهانتهم لما يجري حولهم، وبسكوتهم عن احتراق أولادهم، وبسخائهم في تلبية الرغبات الشاذة عند نسائهم، قد جروا المجتمع الى التراجع والفواضي والفساد. فكل ما في المجتمع من فساد تقع تبعته علي عاتق الرجال دون غيرهم لانهم هم القوامون علي النساء، وهم الممسكون بعري تربية الأجيال. وقال صلى الله عليه واله وسلم: هلكت الرجال حين أطاعت النساء.(2) وقال صلى الله عليه واله وسلم: يطيع الرجل زوجته، ويعصي والديه، ويسعي في هلك أخيه، ويجفو جاره، ويقطع رحمه، وترتفع أصوات الفجار. طبعا المقصود من النساء في حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هن اللواتي يتبعن الهوي والشهوات وبعيدات عن التقوي والورع والعفة. وقال صلى الله عليه واله وسلم: يزف الرجال للرجال كما تزف المرأة لزوجها.(3) وقد حصل هذا كثير، اذ أخذت تباشير هذه الأمة المخزيه تحل العالم، فقد سجلت محكمة الدانمارك زواجا بين شابين رجلين، وتلتها محكم اخرى في غربي وأواسط أوربا، وحفلت صحف العالم بتصاريح وافية عن سعادة العريس مع العريس. وقال الصادق عليه السلام: تنكح البهائم.(4) وقال صلى الله عليه واله وسلم: يتحلي ذكور متى بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج.(5) وقال الامام علي عليه السلام: ويعير الرجل علي صون النساء.(6) والواقع ما كثر من يعير علي صون زوجته وبناته، وما كثر النساء والبنات اللاتي لا يردن الصون ولا يرغبن في سماع هذه اللفظة البالية، وكم من رجل اتهم بالرجعية لانه يصون أهل بيته ويغار عليهم. وأما التشبه بالنساء. فتراه في كل مكان، فالرجل يلبس القميص الملون والبنطلون الضيق، ويضع السلسلة الذهبية في رقبته، ويتختم بالذهب ويحلق اللحية مع الشارب ويرقق حاجبيه عند الحلاق ويستعمل المساحيق الخاصة للوجه، وكأنه يجلب الأنظار الى نفسه. النساء في آخر الزمان ان النساء هم جوهرة عقد الحياة، وكمال معناها حين يدركن قيمتهن، ويعرفن واجباتهن، ويعلمن أنه بدونهن تتدمر الأسرة وينهار المجتمع لانهم حافظات النسل: أقدس ما في الحياة. فان النساء في آخر الزمان يفقدن كرامتهن، ويفتتن بزخارف الدنيا ويتركن دينهن وحياتهن. قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: كيف بكم اذا فسدت نساوكم، وفسق شبانكم.(7) وشاركت النساء أزواجهن في التجارة حرصا علي الدنيا.(8) وتزين الرجال بثياب النساء، وسلب عنهن قناع الحياء.(9) ويعني هذا أن النساء تشارك أزواجهن في التجارة حرصا علي الدنيا وتتشبه بالرجال من حيث الزي الظاهري من الملبس والسلوكيات الرجولية وبهذا تفقد حياء ها بل وتعتبره أمرا غير حضاري أن تكون المرأة تتصف بالحياء والخجل. وأما تشبه النساء بالرجل فقد صار من أرقي مراتب الحضارة والتقدم، فالفتاة تلبس البدلة الرجالية، وتقصر شعر رأسها، بحيث يصعب التمييز بينها وبين الرجل. ثم قال صلى الله عليه واله وسلم: لا تقوم الساعة حتى تظهر ثياب تلبسها نساء كاسيات عاريات.(10) أي تلبس النساء الملابس الشفاقة والعارية التي لا يستر شيئا من مفاتنها، وتصير النساء كالبهائم أي طائشات كأولاد البقر، بمعني أنهن لا يسمعن النصيحة ولا يرتدعن عما هن فيه، ولا يأبهن بحلال ولا بحرام. وقال الامام علي عليه السلام: تكون النسوة كاشفات عاريات، متبرجات، من الدين خارجات، داخلات في الفتن، مائلات الى الشهوات، مسرعات الى اللذات، مستحلات للمحرمات، في جهنم خالدات.(11) وقال عليه السلام: ورأيت النساء يتزوجن بالنساء،... ورأيت ورأيت الرجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال.(12) نعم هاهن يغرقن في السحاق، ويعقدن الاجتماعات، ويخضن في كل مكان، ولا يهتمن ببيوتهم وتربية أولادهن والسهر علي تنظيم أسرهن. بعد التطرق الى الفساد الذي ينتشر في آخر الزمان ويعتبر من علائم ظهر الامام عليه السلام فان البعض من البسطاء يرفضون الوقوف امام انتشار الفساد والظلم ويعتبرونه سببا لتأخير ظهور الامام، لان انتشار الظلم والفساد مقدمة لظهوره؟؟ الجواب: والآن سنقوم بتحليل هذا الاشكال الذي وقع فيه شبابنا، ولدينا هنا جوابان، بامكان كل منهما أن يزيل الاشكال: 1- انتشار الفساد ليس كافيا بل يحتاج الأمر الى الوعي: ان أساس الاشكال موضوع واحد وهو أن يتصور أن انتشار الفساد وتصاعد الأزمة يكفيان لحدوث الثورة وظهور الامام، بينما الى جانب انتشار الفساد يجب وجود شرط أساس آخر لا تحدث الثورة بدونه، وهذا الشرط هو: استعداد الناس، عن طريق رفع مستوي الوعي لدي جميع الطبقات. والمقصود من رفع مستوي الوعي هو أن يشعر الأشخاص بموقعهم وقيمة وجودهم، وأن يعتبروا تحمل الظلم والفساد حياه مخزية مميتة لا تليق بالانسان، ثم يقوموا بعد ذلك بتقييم ظروفهم وامكانياتهم، وظلم وقوة الطاغوت، ويبذروا بذور الثورة في أرض مستعدة، ويجتهدوا في اروائها. والجدير بالذكر أنه اذا لم يحصل مثل هذا الوعي، ولم يدرك الأشخاص قيمة وجودهم، لم يتعرفوا علي امكانياتهم وامكانيات عدوهم، فان الثورة ستكون ثورة عمياء لا تضمن مصالح الشعب. وبعبارة أوضح؛ لحصول ثورة لا يكفي انتشار الفساد ووجود قائد كفوء وانما اضافة الى ذلك يجب توفر الروحية المعنوية والفكر اللازم الذي يجعل الشعب يدفع الثمن المناسب بالتضحية والشهادة في سبيل الهدف لتحقيق الثورة، والا دب الارتخاء والضعف والكتفاء بالوضع الموجود في المجتمع، وابتعدت فكرة الثورة عن الأذهان. ثم تشيع مثل هذه العبارات بين الناس: موسى بدينه وعيسي بدينه وليهتم كل بنفسه ومالي وللاخرين، ويفضل كل واحدا راحة علي الانتفاضة والثورة والسجن والتعذيب والقتل والاعدام. ويجب أن نعرف أن الفساد منذ مدة طويلة قد انتشر في العالم، وقد وصل الفساد في كثير من مناطق العالم، وخاصة أفريقيا وآسيا الى ذروته، ومنذ اليم الذي نبتت لدي الغرب فكرة السيطرة علي الشرق، زاد الغرب مظالمه في النقاط المختلفة من العالم واستعبد الملايين، ودراسة الأوضاع في الدول المستعمرة في أفريقيا وجنوب آسيا وثيقة دافعة لهذا الموضوع. 2- اعداد قوة للمنتظر: يلزم لتحقيق ثورة المهدي عليه السلام اعداد جيش وقوة ضاربة تدعم الامام عليه السلام وتطيع أوامره، ولذا يجب تربية واعداد أشخاص مضحين داخل جهنم الظلم والفساد والتفرقة، ليكونوا رسل العدالة، وهذه المجموعة يجب أن تتسلح بقوي الايمان والتقوي، ويكونوا فدائيين مضحين، ولا يغفلون عن ذلك ابدا. ولذا لا يمكن أن يخلي الانسان عاتقه من مسوولية انجاز الاعمال الاسلامية التي تودي الى اعداد مثل هولاء الأشخاص بحجة واهية هي أن نشر الفساد هو سبب الانفجار والثورة. بالاضافة الى كل ذلك، علينا قبل كل شيء أن نشخص موقعنا من ثورة المهدي -عجل الله فرجه -، ومن البديهي أننا اذا عملنا علي نشر الفساد فاننا سنكون ضمن من ستعمل ثورة الهدي -عجل الله فرجه -علي ضربهم، واذا كنا ضمن مصلحي المجتمع فاننا سنكون من بين اصحابه عليه السلام المضحين، ولو افترضنا أننا ساعدنا علي نشر الفساد للتسريع بظهور المهدي صلوات الله تعالى عليه فاننا نكون قد وقعنا في موقف خطر. ثم أليس أن بقية الله -عجل الله فرجه - يثور لقمع الفاسدين وازالة الظلم والجور؟ اذن كيف نستطيع - بنشر الفساد - أن نكون من المستفيدين من ثورته؟! وعليه فان السكوت علي الفساد أو المساعدة علي نشره لا يصح كليا بالنسبة لظهور المهدي الموعود -عجل الله فرجه -، ولا شخصيا. ويظهر أن هذا الاشكال والمغالطة انما هو من صنع الاشخاص الذين يتهربون من المسوولية أو الملوثين بالفساد والخلاصة، أن نشر الفساد والظلم، اذا كان يودي الى قبول الظلم، فانه لن يكون أبدا تمهيدا للثورة عليه، وانما يكون ذلك مفيدا عند ما يكون مقدمة للجهاد في سبيل تحقيق العدالة والصلاح، ومن البديهي أن هذه المقدمة لن تكون عملية الا عند ما يحس الناس بجور الظلم، ثم يعرفون قبال ذلك مظاهر الصلاح والتقوي الشخصي والاجتماعي أيضا. والطريقة الوحيدة لذلك دعوة الناس نحو الصلاح والتقوي. من جهة اخرى فان أحاديث الرسول الكرم صلى الله عليه واله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام قد عينت واجبات المنتظرين، وكلها أحاديث عن التقرب الى الله تعالى، وكمثال قال الامام الصادق عليه السلام: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة.(13) علماونا السابقون كتبوا رسائل مستقلة عن واجبات وتكاليف المنتظرين في زمن الغيبة، وربما كتبوا فصولا من كتبهم الخاصة بذلك، مثل النجم الثاقب تأليف المرحوم ميرزا حسين نوري المتوفي عام 1320 ه- وكتاب مكيال المكارم تأليف المرحوم الميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني المتوفي عام 1348 ه-، وكتابه واجبات الناس في زمن غيبة الامام صاحب الزمان عليه السلام. في هذه الكتب وأشباهها المكتوبة علي أساس الروايات المنقولة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يذكر أبدا كلام عن ملء الدنيا بالظلم كواجب من واجبات المنتظرين في زمن الغيبة. في الحقيقة لا يوجد عاقل له معرفة بأبسط أحاديث المعصومين يعتقد بذلك، الا اذا كان من زمرة اليسارين ذوي الأراد الغريبة الذين يتمسكون بذلك بهدف قمع بعض الفئات والمجموعات. العلائم الخاصة وهي علي قسمين: 1- علائم غير حتمية 2- علائم حتمية العلائم غير الحتمية وهي التي يحتمل وقوعها كما يحتمل عدمها، فهي ليست قطيعة الوقوع وهي: السيد الحسني الهاشمي ان خروج السيد الحسني من العلائم غير المحتومة لظهور الامام المهدي عليه السلام وكما تنقل الروايات فانه رجل من بني هاشم ومن ذرية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وانه في سنن الشباب وبكفه اليمني خال، وانه يخرج من خراسان، وان خراسان فيما مضي كانت اسم منطقة واسعة تشمل جزء ا من ايران والأفغان وبعض الدول المتحررة من روسيا الاتحادية. ويقال: أنه يصل بجيشه الى العراق بعد خروج جيش السفياني من الكوفة، وارتكابه الفجائع واراقته للدماء وسبيه للنساء، وبعد أن يعلم الحسني أن السفياني، ويلتقيان ويقع بينهما قتل كبير، وأخيرا ينتصر السيد الحسني الهاشمي ويقضي علي جيش السفياني بكامله، ويرجع الى الكوفة. وعندما يظهر الامام في مكة يذهب اليه ويبايعه هو وجيشه. الكسوف والخسوف عادة أن كسوف يحدث في أواخر الشهر القمري، وخسوف القمر يحدث في أواسط الشهر القمري أيضا. والظاهر أن هذه المسألة من المسائل المتفق عليها عند علماء الفلك منذ مئات السنين، لكن هذه القاعدة الطبيعية الفلكية سوف تنخرق قبيل قيام الامام المهدي عليه السلام فتكسف الشمس في وسط الشهر وينخسف القمر من آخره، علي خلاف المعتاد. قال الامام الباقر عليه السلام: اثنان بين يدي هذا الأمر - أي ظهور الامام - خسوف القمر لخمس - أي خمسة أيام قبل نهاية الشهر - وكسوف الشمس لخمس عشرة، ولم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السلام الى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين.(14) ومما لا شك فيه أن هذه التصرفات لا يمكن أن تكون من صنع البشر كما لا يمكن اسنادها الى الطبيعه أو الصدفة. والغريب أن الكسوف والخسوف يقعان في شهر واحد وهو شهر رمضان المبارك. وتعتبر هذه الظاهرة الكونية من العلائم السماوية التي لا يمكن لاحد تجاهلها والتغافل عنها، لئلا يكون للناس علي الله حجة. الحرب العالمية الثالثة لم نجد في المصادر وكتب الحديث، اسما أو ذكرا صريحا للحرب العالمية الثالثة. ولكن وردت أحاديث متعددة تصرح بهلك الناس بسبب الجوع أو المرض أو القتل، فهل معنى ذلك هو الحرب العالمية التي تطحن الملايين؟ أو أنها شيء آخر؟ وأما الروايات فهي: قال الامام علي عليه السلام: لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث، ويموت ثلث ويبقي ثلث.(15) وقال الصادق عليه السلام: قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر: السيف، والموت الأبيض: الطاعون.(16) فنحن هنا لا نري أن الأحاديث تصرح عن وقوع حرب عالمية ثالثة، انما تخبر عن هلك مئات الألوف أو الملايين من البشر بالقتل أو مرض الطاعون. العلائم المحتومة وأما العلائم المحتومة لظهور الامام المهدي عليه السلام وهي التي تحدث قطعا ولها أشد الارتباط بالظهور وتكون مقارنة لظهور الامام. فهي خمس، وتحدث بعضها قبل ظهور الامام بأيام، أو بعدة شهور. قال الامام الصادق عليه السلام: خمس قبل قيام القائم عليه السلام، اليماني والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية.(17) وقال عليه السلام: النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم.(18) الصيحة السماوية تعتبر الصيحة السماوية أو النداء السماوي - من أبرز الآيات، وأوضح العلامات، واقوي البراهين علي ظهور الامام المهدي عليه السلام. وان الصيحة بمنزلة اعتراف السماء بشرعية قيام المهدي عليه السلام. وقد صرحت الأحاديث أن الصيحة السماوية تكون من جبرئيل، وأنه هو المنادي، وليس المقصود هو صود رعد أو صوت المدافع وما شابه ذلك مما هو من فعل البشر، بل هم كلام واضح المعني، مفهوم عند الناس أجمعين. وان هذا الصوت سوف يكون له أثر في نفوس أهل الارض، فالنائم يستقيظ فزعا، والقاعد يقوم ذعرا، والواقف يقعد انهيارا، والمرأة المخدرة تخرج من خدرها خوفا. وتجتاح المجتمع البشري موجة من الاضطراب، وتسلب من الناس كل قرار واستقرار، بحيث لا يستطيع أحد أحد يتجاهل تلك الصيحة، ويسندها الى الطبيعة، لأن الصوت مسموع ومفهوم للجميع. وحيث أن نهضة الامام عالمية لذلك ينبغي أن يطلع العالم كله علي هذا الحدث العظيم، الذي سوف يغير مجري حياة البشر جميعا. وقد قال الصادق عليه السلام: يسمعه كل قوم بألسنتهم. ولم يصرح بكيفية ذلك، هل بشكل الاعجاز أو بالطرق العلمية الموجودة الان من وسائل الترجمة. يعني أن يكون صوت جبرائيل بالعربية ثم وكالت الأعلام تترجمه الى العالم؟ قال الامام الباقر عليه السلام: ينادي مناد من السماء باسم القائم عليه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقي راقد الا استيقظ، ولا قائم الا قعد، ولا قاعد الا قام علي رجليه، فزعا من ذلك الصوت فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأحاب، فان الصوت الأول هو صوت جبرائيل. ثم قال عليه السلام: يكون الصوت في شهر رمضان، في ليلة الجمعة، ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا واطيعوا. وفي آخر النهار صوت الملعون ابليس، ينادي: ألا ان فلانا قتل مظلوما ليشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شك متحير قد هوي في النار.(19) وقال الامام علي عليه السلام:...فيقول جبرئيل في صيحته: يا عباد الله، اسمعوا ما أقول: ان هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فاجيبوه.(20) الهوامش: (1) كنز العمال 565:14، ح 39610. (2) كنز العمال 287:16، ح 44504. (3) الزم الناصب: 121 ومجمع النورين: 313. (4) منتخب الأثر: 428، ح 9. (5) منتخب الأثر: 428، ح 9. (6) بشارة الاسلام: 133. (7) بحار الانوار 91:97، ب (1) من أبواب الأمر بالمعروف، ح 82. (8) الخرائج والجرائح 1134:3، ب 20، ح 53. (9) بحار الانوار 263:52، ب (25) علامات ظهوره ح 148. (10) منتخب الأثر: 426. (11) منتخب الأثر: 426. (12) بحار الانوار 52: 257 -256، ب (25) علامات ظهوره ح 147. (13) الغيبة النعماني 207 ب (11)، ح 16. (14) كمال الدين 655:2، ب (57) ح 25. (15) معجم أحاديث الامام الهدي -عجل الله فرجه -21:3، ح 575، وكنز العمال 587:14 ح 39663. (16) كمال الدين 655:2، ب 57، ح 27. (17) كمال الدين 649:2، ب 57، ح 1. (18) الغيبة للنعماني: 252، ب 14، ح 11. (19) الغيبة للنعماني 254، ب 14، ح 13. (20) الزام الناصب 220:2. ****************** السفياني لقد ورد ذكر السفياني في أحاديث كثيرة جدا وتحدثت عن أعماله وجرائمه التي تقشعر منها الجلود، وتفزع منها القلوب، فهو من أقسي البشر قلبا، ولا يعرف معنى العاطفة والرحم، وكثرهم جناية وجريمة وجرأة علي الله. وهو اموي النسب، سفك للدماء يقتل البشر كما تقتل الحشرات ويهتك ستور النساء المسلمات بكل استهتار، ولا يدع حراما الا أباحه، ولا جريمة الا ارتكبها. وهو وأصحابه قد امتلأت قلوبهم حقدا وبغضا وعداوة لآل رسول الله لأن السفياني وارث أسلافه الأمويين، الذي تلطخت أيديهم - الى المرافق - بدماء آل رسول الله وشيعتهم. والحق أن الفترة التي يحكم فيها السفياني هي من شر الفترات في تاريخ الاسلام، وأيام حكومته الطاغية هي من شر أيام الدنيا، فهو يسير وينشر الظلم، ويقيم المجازر والمذابح بين الرجال والنساء والأطفال، فهو بلاء عظيم مبين، ومحنة كبري علي الشرق الأوسط: مثل سوريا والعراق والمدينة المنورة والمناطق المجاورة، لتلك الأقطار. واليك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بشأن السفياني: روي عن حذيفة بن اليمان، أن النبي صلى الله عليه واله وسلم ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال: فبينما هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك(1) حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشين: جيشا الى المشرق.(2) وآخر الى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة - يعني بغداد - فيقتلون كثر من ثلاثة آلاف، ويفضحون كثر من مئة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمئة كبش من بني العباس.(3) ثم ينحدرون الى الكوفة فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين الى الشام، فتخرج راية هدي من الكوفة فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم، لا يفلت منهم مخبر، وينقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم. ويحل الجيش الثاني بالمدينة، فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها ثم يخرجون متوجهين الى مكه، حتى اذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرائيل فيقول: يا جيرائيل، اذهب فأبدهم، فيضربها - أي يضرب الارض - برجله، ضربة يخسف الله بهم عندها، لا يفلت منها الا رجلان من جهينة.(4) ان هذه الأحاديث - التي مرت عليك حول السفياني وعاقبة أمره - تعتبر بمنزلة الاضبارة السوداء لحياته المليئة بالجرائم والجنايات، ويمكن أن نلخصها فيما يلي: ان السفياني رجل اباحي مستهتر، أموي النسب والنزعة، يثور في سوريا، وتنحج ثورته بعد أن يقضي علي طائفتين معارضتين له، احداهما يقودها رجل أحمر، والثانية يقودها رجل أبرص، ويصفو له الجو، ويستولي علي دمشق وحمص وحلب والأردن وفلسطين، ويتبعه اليهود وغيرهم من أولاد الشوارع واللقطاء، كل ذلك في خلال ستة أشهر. ثم يجهز جيشا مولفا من حوالي مئة واثنين وأربعين ألف رجل فيرسل قسما من الجيش الى المدينة، وقسما آخر الى العراق. ويتوجه الجيش المولف من 12000 رجل نحو المدينة لالقاء القبض علي الامام المهدي عليه السلام، بعد سماعهم خبر ظهوره، ويمكثون في المدينة ثلاثة أيام ويكثرون فيها النهب، ثم يتجه عدد كبير منهم نحو مكة المكرمة لملاحقة الامام، لأنهم يعلمون أن الامام خرج من المدينة نحو مكة، فاذا وصل الجيش الى الصحراء - بين المدينة ومكة - تبتلعهم الأرض، ولا ينجو منهم الا رجلان: رجل يسعي الى الامام المهدي عليه السلام ليبشره بهلك العدو ورجل يذهب الى السفياني ليخبره بمصير جيشه. وأما الجيش الذي يقصد العراق، فينزل بالروحاء - وهي منطقة تقع في ضواحي مدينة النجف الأشرف، وتشمل مدينة الحلة وبابل - ثم يتجه ستون ألفا أو سبعون ألفا منهم نحو النجف والكوفة، ويكون ذلك في يوم عيد من الأعياد، ويخرج من بغداد خمسة آلاف جندي الكوفة لمحاربة جيش السفياني، وتقام المذابح الرهيبة بين العسكرين، ويكون الانتصار لجيش السفياني. ويبقي جيش السفياني في الكوفة ويكثر فيها الفساد، من اراقة الدماء والصلب وسبي العوائل، ويثور ثائر من أهل الكوفة ضدهم، فيقتله امير جيش السفياني. وأخيرا: يرجع السفياني نحو الشام ويقدر عددهم بمئة ألف ولكن طائفة تخرج من الكوفة لملاحقتهم، فتقضي علي جيش السفياني بكامله، ولا يفلت منهم ذو حياة، وتستنقذ هذه الطائفة جميع الأسري وتأخذ الغنائم.(5) وأما نهاية السفياني وعاقبة أمره: فان الامام المهدي عليه السلام - بعد أن يظهر ويقصد الكوفة وتستقيم له الأمور - يتوجه نحو الشام للقضاء علي السفياني، حتى يصل الامام الى الشام، وقد التحق به عليه السلام أناس كثيرون والسفياني - يومذك - بوادي الرملة(6) ويلتقي الجيشان هنك، ويلتحق أناس من جيش السفياني بمعسكر الامام المهدي عليه السلام وأناس يخرجون من جيش الامام ويلتحقون بالسفياني. وفي هذه المجال.. روي عن الامام محمد الباقر عليه السلام أن السفياني - اذا بلغه خبر توجه الامام المهدي اليه من ناحية الكوفة - يتحرك بجيشه حتى يلتقي بجيش الامام، فيخرج ويقول: أخرجو الى ابن عمي؟.(7) فيخرج الامام المهدي عليه السلام ويلتقي بالسفياني ويجري بينهما حوار ينتهي الى مبايعة السفياني للامام عليه السلام. ثم ينصرف السفياني الى أصحابه(8) فيقولون له: ما صنعت؟ فيقول: أسلمت وبايعت! فيقولون: قبح الله رأيك، بينما أنت خليفة متبوع صرت تابعا؟! فيستقيل السفياني وينكث البيعة ويستعد لمحاربة الامام. وفي الصباح تقع الحرب بين الجيشين ويقتتلون يومهم ذلك. ثم ان الله تعالى ينصر الامام المهدي عليه السلام وأصحابه عليهم، فيقتلونهم حتى يفنوهم.(9) وفي رواية أخري: ان السفياني يعتبر مما جري علي جيشه المرسل الى مكة، وكيف ابتلعتهم الأرض، فيحاول أن ينقاد للامام المهدي عليه السلام فيبايع ثم ينكث البيعة وينقض عهده، ويتمرد علي الامام ويقاتله. وأخيرا... يوخذ اسيرا، فيذبحه الامام المهدي عليه السلام. وفي رواية ثالثة: فيأمر الامام به فيذبح علي بلاط باب ايليا.(10) وهكذا يريح الله العباد والبلاد من شرور تلك الجراثيم التي يستاصلها الامام عليها السلام ويزيلها عن الوجود. ويأتي - هنا - سوال وهو: لماذا تنزل بالناس هذه المصائب والكوارث والفجائع التي تشيب الأطفال وتشمل الرجال والنساء، والصغار والكبار؟! وبماذا استحق البشر هذه البلايا والمحن والالام، حتى يسلط عليه الأشرار ويلعبون به تلاعب الصبيان بالكرة؟ لماذا؟. الجواب: قبل كل شيء يجب أن لا ننسي أن الانسان الذي يخالف القانون مرة واحدة يعاقب بالسجن أو الغرامة أو التعذيب أو التسفير، وقد يحكم عليه بالسجن الموبد مع الأعمال الشاقة، كل ذلك لمخالفته مادة واحدة من القانون البشري. فكيف بمن خالف القوانين الالهية، بل اعتاد علي ترك القانون ومخالفته في كل يوم مرات وكرات؟. فالواجبات الشرعية كثرها متروكة، والمحرمات الممنوعة كثرها أصبحت مباحة عند البشر، ولا تسال عن الانحرافات العقائدية المنتشرة بين الشباب فتيات وفتيان حتى بلغ الأمر عند بعض المسلمين أنه أصبح ملحدا ينكر الخالق ويجحد الصانع، ويستهزيء بجميع المقدسات والمعتقدات؟. ولو أردنا استعراض هذه الجوانب لتبدل طابع الكتاب الى طابع آخر، ولكننا نراعي الأيجاز والاختصار، فنقول: ان الكثيرين من المسلمين لا يصلون، والكثير منهم لا يصومون شهر رمضان، والذين يودون الزكاة المفروضة عليهم قليلون جدا، وفي كثر البلاد الاسلامية والأجنبية بلدة واحدة لا توجد فيها جريمة السرقة؟. ولقد راينا الكثير من الحجاج، الذين سرقت نقودهم في حال الطواف حول الكعبة في المسجد الحرام!! وقد شواهد بعض السراق وهو يسرق المصاحف من المساجد ويبيعها بأسعار زهيدة، جلبا للمال التافه!!. والخمور تصنع أو تستورد بكل حرية، وتباع وتشرب علنا بلا مانع، بل ان القانون يعطيهم الحق لممارسة هذه الأعمال!. ثم البغاء والفواحش... فهي من متطلبات هذا العصر! والسفور والخلاعة تكيف مع المد الحضاري! وتحرر من الأفكار القديمة البالية!!. والربا جزء لا يتجرا من الاستيراد والتصدير والتجارة العامة، فالبنوك تبتلع الملايين من الأموال الربوية بمساعدة القانون، ولا تسال عن الذين يعيشون بالربا، وتنبت لحومهم من الربا؟. ثم اللحوم المثلجة والمعلبة المستوردة من بلاد الكفار يكلها المسلمون بصورة عادية، مع العلم أنها فاقدة لشروط الذباحة الشرعية ومحكومية بالحرمة في الاسلام. والأفظع الأفجع: هو أن الكثرين - في بعض البلاد الاسلامية- قد تعودوا علي سب الدين والمذهب وبقية المقدسات، مما يخجل الانسان عن ذكره، وتندي جبهة الاسلام عن تصوره!! والأحزاب الباطلة والتنظيمات المنحرفة قد غزب بلادنا، وجرفت شبابنا، واستهزأت بمقدساتنا. الي غير ذلك من ملايين الخطايا والمعاصي والذنوب التي أصبحت أشياء طفيفة، وفاقدة لكل أهمية عند بعض المسلمين. انك لا تجد في قاموس المعاصي معصية الا وجدتها عند بعض المسلمين. وأما غير المسلمين فجميع المعاصي مباحة في دينهم وفلسفتهم وقد تجاوزوا حتى حدود الانسانية وخالفوا حتى نواميس الفطرة!. ففي كثر بلاد الغرب وشرق آسيا توجد نوادي للعراة، يدخلها الرجال والنساء والأطفال وهم عراة بلا أي ساتر، كأنهم حيوانات وبهائم لا تعرف معنى الحياء والعفة!. ثم المراقص التي ترقص فيها الفتيات عاريات بجميع معنى الكلمة والملايين من الناس يرتادون تلك المراقص، ويتفجرون علي تلك الأبدان العارية وكأنهم لم يصنعوا شيئا!. أيها القاريء: هذه رووس أقلام عن المجتمع الاسلامي أو المجتمع البشري المعاصر، الذي نبذ الأخلاق والقيم والعقائد والفضائل، وتبرأ عنها عمليا. وبامكانك أن تراجع معلوماتك الشخصية التي رأيتها وسمعت بها وقرأتها في الصحف والمجلات، من حوادث القتل والسرقة، والاختطاف والاعتصاب، والاعتداء، وأنواع الظلم والجور. أما يستحق هذا البشر أن يتسلط عليه السفياني وجيشه السفك الاباحي، ويحصد الرووس حصد السنبل، ويقتل البشر قتل الحشرات؟؟؟!!! نعم... انه يستحق هذا وكثر من هذا ولعذاب الآخرة أخزي!. وهنا يسهل عليك أن تعرف السبب الأصلي للحرب العالمية الثالثة المتوقعة، التي يفني فيها كثر أهل الأرض، وتصبح البلاد خالية عن البشر والمسكن معطلة أو مدمرة. ان السبب الأصلي هي كثرة المعاصي والذنوب والجرائم والانحرافات الأخلاقية والعقائدية التي تنتشر في كل بلدة وفي كل بيت!أ فما قيمة هذا البشر وما كرامته؟! ولماذا يدفع الله البلاء عن هذا الموجود المستهتر الذي تمرد علي أحكام خالقه؟!. ان الله تعالى يطهر الأرض عن هذه الكائنات القذرة، كما يعقم الجو والزارع من الجراثيم الضارة، والميكروبات التي تقضي علي الزرع والضرع وعلي الانسان والحيوان. اليماني خروج اليماني من جملة العلائم المحتومة لظهور الامام المهدي عليه السلام وقد ورد ذكر اليماني في أحاديث كثيرة، في عداد العلائم المحتومة. ومن الموسف أن تلك الأحاديث - بسبب اختصارها - غير كافيه لمعرفة هذه الشخصية. ونحن نكتفي بذكر حديث واحد في هذا الموضوع، مع ما فيه من الايجاز والاختصار: روي عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال - في ضمن حديث طويل -: وخروج السفياني واليماني والخراساني (أي: الهاشمي) في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز(11) يتبع بعضه بعضا... وليس في الرايات أهدي من راية اليماني، هي راية هدي لأنه يدعوكم الى صاحبكم(12) فاذا خرج اليماني حرم(13) بيع السلاح علي الناس وكل مسلم واذا خرج اليماني فانهض اليه، فان رايته راية هدي. الخسف بالبيداء الخسف بالبيداء من العلائم المحتومة لظهور الامام المهدي عليه السلام وقد تكرر ذكر الخسف في الأحاديث التي تحدثت عن السفياني، ولا نعيد شيئا من تلك الأحاديث، بل نكتفي بالاشارة الى هذه العلامة بصورة مستقلة، لانها احدي العلائم المحتومة. لقد عرفنا من الأحاديث المتقدمة أن السفياني يرسل جيشا الى المدينة المنورة لملاحقة الامام المهدي ومحاربته، فاذا وصل الجيش الى المدينة يسمع بأن الامام قد خرج نحو مكة، فيخرج الجيش من المدينة نحو مكة، وعند ما يصل الى وسط الصحراء - بين المدينة ومكة - يخسف الله بهم الأرض، فتبتلعهم جميعا، بما معهم من الوسائل النقلية، ولا ينجو منهم الا رجلان - كما سبق ذكره -. ومن الواضح أن هذا الخسف لا يكون بسبب هزة أرضية أو زلزال أو ما شابه ذلك من القضايا الطبيعية التي تتكرر في كثير من المناطق، وانما يكون عذابا لجيش السفياني وانتقاما منهم، - بأمر الله تعالى وارادته التكوينية، قال عز وجل: (انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).(14) وهذا الخسف يعني حدوث انشقاق عظيم في الأرض وفجوة كبيرة وحفرة لا نستطيع أن نقدر أبعادها، تنشق فجأة ويتساقط الجيش في أعماقها ثم تنهار عليهم ملايين الأطنان من التراب، فيهلكون جيمعا. وفي هذا المجال روي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال - في حديث طويل تحدث فيه عن ما بعد ظهور الامام المهدي -: وسيدنا القائم مسند ظهره الى الكعبه،... ثم يقبل علي القائم رجل وجهه الى قفاه، وقفاه الى صدره، ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، وأبشرك بهلك جيش السفياني بالبيداء، فيقول له القائم: بين قصتك وقصة أخيك؟. فيقول الرجل: كنت واخي في جيش السفياني، وخربنا الدنيا من دمشق الى الزوراء(15) وتركناها جماء(16) وخربنا الكوفة وخربنا المدينة، وكسرنا المنبر، وراثت بغالنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخرجنا منها نريد اخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها (17) فصاح بنا صائح: يا بيداء أبيدي القوم الظالمين، فانفجرت الأرض وبلعت كل الجيش، فو الله ما بقي علي وجه الارض عقال ناقة فما سواه غيري وغير أخي، فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت الى وراثنا كما تري، فقال لأخي: ويلك امض الى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد، وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء. وقال لي: يا بشير الحق بالمهدي بمكة وبشره بهلك الظالمين، وتب علي يده فانه يقبل توبتك، فيمر القائم يده(18) فيرده سويا كما كان، ويبايعه ويكون معه.(19) النفس الزكية يعتبر ذبح النفس الزكية بين الركن والمقام - في المسجد الحرام - من العلائم المحتومة لظهور الامام المهدي عليه السلام وقد اختلف في نسبه، فقيل: هو حسني وقيل: وهو حسيني، ولا يضر الاختلاف في نسبه، بعد أن ثبت أنه من آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وقد ورد في الأحاديث التعبير عنه ب- غلام فيمكن أن يكون في أوائل شبابه. يرسله الامام المهدي عليه السلام الى أهل مكة ليستنصرهم فينقضون عليه ويذبحونه بين الركن والمقام،(20) فعند ذلك يحل عليهم غضب الله تعالى. ويكون بين قتل النفس الزكية وقيام الامام المهدي خمسة عشر يوما. وانما سمي بالنفس الزكية لانه يقتل بلا أي ذنب، وانما يقتل لأنه يبلغ أهل مكة رسالة شفوية من الامام المهدي عليه السلام لا غير. والرسالة لا تشتمل علي شيء من السب والشتم أو التهديد، وانما تشتمل علي الاستنصار والاستنجاد بأهل مكة. قال تعالى - علي لسان موسى عليه السلام للخضر -: (أقتلت نفسا زكية)(21) أي: بريئة من الذنوب. والان.. اليك شيئا من الأحاديث المروية في هذا المجال: قال الامام الباقر عليه السلام: يقول القائم لأصحابه: يا قوم ان أهل مكة لا يريدونني، لكني مرسل اليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم فيدعو رجلا من أصحابه فيقول له: امض الى أهل مكة فقل: يا أهل مكة.. أنا رسول فلان(22) اليكم وهو يقول لكم: انا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين. وانا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا، وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا الى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فاذا تكلم هذا الفتي بهذا الكلام أتوا اليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية.(23) وقال الامام الباقر عليه السلام:... وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن: النفس الزكية،... فعند ذلك خروج قائمنا.(24) وقال الامام الصادق عليه السلام: وليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية الا خمس عشرة ليلة.(25) أقول: لقد أطلق لقب النفس الزكية - في بعض الأحاديث الشريفة- علي رجل يقتل مع سبعين رجلا من الصالحين في ضواحي الكوفة، عند دخول جيش السفياني. وأطلق هذا اللقب - أيضا- علي السيد الهاشمي، الذي مر ذكره في العلائم غير المحتومة. لكن لا شك في أن النفس الزكية الذي يعتبر قتله من العلائم المحتومة هو ذلك الرجل الذي يذبح بين الركن والمقام، قبل ظهور الامام بخمس عشرة ليلة. الهوامش: (1) الواري اليابس: منطقة من ضواحي دمشق. في فور ذكل: أي في أوج تلك الفتنة المشار اليها. (2) لعل المراد من كلمة المشرق هو مدينة الكوفة. (3) الكبش: سيد القوم. (4) بحار الانوار 186:52 ب (25) علامات ظهوره، ح 11، عن مجمع البيان 228:8. (5) الطائفة التي تخرج لملاحقة جيش السفياني هي: السيد الهاشمي وجيشه، واليماني وجيشه الزاحف. وقد تقدم بعض التفصيل حول ذلك عند الحديث عن الهاشمي في العلائم غير المحتومة. (6) الرملة: بلدة في فلسطين شمال شرق القدس. (7) باعتبار ان بني أمية كانوا يعترون أنفسهم أولاد عم لبني هاشم، وقد تقدم أن السفياني أموي النسب. (8) وفي رواية: انه ينصرف الى أخواله من قبيلة كلب. نقلناها بالمعني. (9) نقلناها بالمعني. (10) بلاط باب ايليا: صخرة عند مدخل مدينة القدس. عقد الدرر: 85، والحديث مروي عن الامام الباقر عليه السلام. (11) الخرز- جمع خرزة، علي وزن قصب وقصبة -: وهي الحبات المثقوبة، تصنع من الزجاج ونحوه، تجعل في الخيط بشكل منظم، احداها تتلو الأخري مباشرة، يصنع منها السبحة والقلادة. (12) أي الامام المهدي عليه السلام. (13) العبارة تحتمل قراء تين: 1- حرم 2- حرم. (14) يس: 82. (15) الزوراء: بغداد. (16) جماء: ملساء، ولعل المعني: تركنا الأرض قاعا صفصفا. (17) عرس في المكان: نزل به. (18) أي: يمسحها. (19) بحار الأنوار 10:53، ب (25) ما يكون عند ظهوره رواية المفضل بن عمر. (20) المقصود من الركن: هو الزاوية التي يستقر فيها الحجر الأسود، والمقام: هو مقام ابراهيم عليه السلام بالقرب من الكعبة. (21) الكهف: 74. (22) يقصد الامام من كلمة فلان نفسه المقدسة. (23) بحار الأنوار 307:52 ب (26) يوم خروجه، ح 81. (24) بحار الأنوار 192:52، ب (25) علائم ظهوره، ح 24. (25) بحار الأنوار 203:52، ب (25) علائم ظهوره، ح 30 نقلا عن كمال الدين 649:2 ب 57 ح 2 ورواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: 445، ح 440، والشيخ المفيد في الارشاد 374:22. ****************** ظهور الامام المهدي ان الحديث عن ظهور الامام في غاية الأهمية، لأن الكلام يدور حول كيفية الظهور، والخروج عن الاستتار والاختفاء الذي دام كثر من ألف سنة. كما يدور الكلام حول كيفية الشروع بالنهضة التي ستحقق أعظم الأهداف، وتثمر أغلي الثمرات. ان الأحاديث الواردة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام تغنينا عن كل تنبو وكل تكهن في هذا الأمر، فهي تصف كيفية ظهور الامام المهدي عليه السلام وقيامه ولا شك أن الامام المهدي عليه السلام يسير وفق مخطط سماوي، يضمن له النجاح الكامل، ويمنع عنه الفشل بجميع أنواعه.. الفرق بين الظهور والقيام ويجب أن لا ننسي الفرق بين الظهور وبين القيام، فالظهور هو الخروج عن الاستتار والاختفاء، والقيام هو النهضة والثورة والشروع بالعمل. كيفية ظهور الامام وقيامه وكما تطرقنا في علائم الظهور فان الصيحة السماوية تكون في شهر رمضان، والظاهر أن ظهور الامام المهدي عليه السلام يكون مقارنا لتلك الصيحة. وعلي كل تقدير. يظهر الامام المهدي عليه السلام في المدينة المنورة ولا نستطيع أن نعلم مدي سعة ظهوره، ولكننا نستطيع أن نعرف أن الظهور لا يكون في مستوي ضيق. ويصل خبر ظهوره الى السفياني وقد استولي علي بلاد سوريا والأردن وفلسطين، فيرسل السفياني جيشا الى المدينة لأجل القضاء علي الامام المهدي عليه السلام ولكن الامام يخرج من المدينة - قبل وصول الجيش - قاصدا مكة، اتقاء ا من شر جيش السفياني. ويدخل جيش السفياني - لالقاء القبض علي الامام - فلا يجد له أثرا فيها، ولهذا يتوجه نحو مكة، لنفس الغرض، وقد قرأت أن الأرض تبتلعهم في البيداء. ويصل الامام المهدي عليه السلام الى مكة وينزل في دار قريبة من جبل الصفا - كما في بعض الأحاديث - وفي حديث آخر: أنه ينزل في ناحية ذي طوي وهي في ضواحي مكة(1) وتمر الأيام: ويقترب وقت قيام الامام فيجتمع ثلاثمئة وثلائة عشر رجلا - وهم الخواص من أصحاب الامام المهدي عليه السلام - يجتمعون من شرق الأرض وغربها في مكة. روي عن الامام علي عليه السلام أنه قال: ... ألا وان المهدي أحسن الناس خلقا وخلقا، ثم اذا قام يجتمع اليه أصحابه، علي عدة أهل بدر وهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، كأنهم ليوث قد خرجوا من غاباتهم، مثل زبر الحديد، لو أنهم هموا بازالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها فهم الذين وحدوا الله حق توحيده، لهم باليلل أصوات كأصوات الثوكل، خوفا وخشية من الله تعالى، قوام الليل، صوام النهار، كأنما رباهم أب واحد وأم واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة.(2) وأخيرا: يجتمع العدد المذكور ثلاثمئة وثلاثة عشر عند الامام، ويكون اجتماعهم معه في مكة. فاذا صار اليوم الخامس والعشرون من شهر ذي الحجة أرسل الامام المهدي عليه السلام الرجل الملقب بالنفس الزكية - والذي تقدم ذكره في العلائم المحتومة - الى أهل مكة فينقضون عليه ويذبحونه بين الركن والمقام، ويرسلون برأسه الى السفياني بالشام. بعد مقتل صاحب النفس الزكية وبعد خمس عشرة ليلة يحضر الامام في المسجد الحرام لاعلان قيامه العالمي وذلك في تاريخ 10 محرم الحرام، يوم عاشوراء. قال الامام الصادق عليه السلام: وليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية الا خمس عشر ليلة.(3) في المسجد الحرام يصلي الامام ركعات عند مقام ابراهيم عليه السلام ويخطب في الناس الخطبة الآتية، وحوله أصحابه المذكورون. قال الامام الباقر عليه السلام: فيجتمع عليه أصحابه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا ويبايعونه. نعم أصحابه يبايعونه بعد أن يبايعه جبرائيل فان بيعة أمين وحي الله جبرائيل للامام المهدي عليه السلام تسبق بيعة الناس له، وهي تدل علي اعتراف السماء بمشروعية تلك البيعة المباركة، وأنها بيعة يشترك فيها أهل السماء والأرض. وبعد بيعة جبرائيل تكون بيعة الأصحاب، ثم بيعة الملائكة فانه ينزل عليه كثر من أربعين ألفا من الملائكة علي اختلاف درجاتهم ومراتبهم، وهولاء الملائكة رهن تصرف الامام عليه السلام ينفذون أوامره التي قد يعجز عنها البشر. واليلك الآن نص خطبة الامام المهدي في المسجد الحرام وقت القيام: خطبة الامام المهدي حين القيام روي أن الامام المهدي عليه السلام يسند ظهره الى البيت الحرام مستجيرا به ثم يبتديء خطبته التاريخية. تري ماذا يقول الامام في خطبته؟! انه يفتتحها بحمد الله تعالى واثناء عليه، والصلاة علي محمد وآله الطاهرين. ثم ماذا يقول؟ هنا نستمع الى الامام محمد الباقر عليه السلام ليخبرنا عما سيقوله الامام المهدي في أول خطبة له عند القيام: قال الامام الباقر عليه السلام:... والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره الى البيت الحرام مستجيرا به، فينادي: أيها الناس! انا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس(4) فانا أهل بيت نبيكم محمد، ونحن أولي الناس بالله وبمحمد صلى الله عليه واله وسلم فمن حاجني في آدم فأنا اولي الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولي الناس بنوح، ومن حاجني في ابراهيم فأنا أولي الناس بابراهيم، ومن حاجني في محمد صلى الله عليه واله وسلم فأنا أولي الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولي الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه: (ان الله اصطفي آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).(5) فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفي من ابراهيم، وصفوة من محمد صلي الله عليهم أجمعين. ألا: فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولي الناس بكتاب الله. ألا: ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولي بسنة رسول الله. فأنشد الله من سمع كلامي اليوم، لما بلغ الشاهد منكم الغائب. وأسألكم بحق الله وحق رسوله وبحقي - فان لي عليكم حق القربي من رسول الله - الا أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا، وافتري أهل الباطل علينا. فالله الله فينا، لا تخذلونا، وانصرونا ينصركم الله تعالى.(6) ورويت للامام عليه السلام خطبة اخرى تختلف عن هذه بعض الاختلاف كقوله عليه السلام: أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولي بموسي. أيها الناس من يجاجني في عيسي فأنا أولي الناس بعيسي. شرح بعض كلمات الخطبة قبل أن أتحدث عن كلمات هذه الخطبة، أجلب انتباه القاريء الى أن هذه الخطبة - التي سيخطب بها الامام المهدي عليه السلام عند قيامة - قد ذكرها وأخبر بها جده السادس الامام محمد الباقر عليه السلام قبل أن يولد الامام المهدي بكثر من مئة وأربعين سنة. وهذا ان دل علي شيء فانما يدل علي أن جميع حركات الامام المهدي عليه السلام وسكناته، وجميع أقواله وأفعاله وسيره وسلوكه، مخططة معلومة مسبقا وليست حركات ارتجالية تفرضها الظروف. وقد روعيت - في هذه الخطبة - جوانب البلاغة، واشتملت علي نقاط حساسة ومواضيع فريدة لا يستطيع أحد أن يدعيها الا الامام الحق. وقبل كل شيء يأتي الامام المهدي عليه السلام الى المسجد الحرام، الذي من دخله كان آمنا وليكون بيت الله مركز انطلاقه المبارك الميمون. ويسند ظهره الى الكعبة، عائذا بالبيت الحرام، ليأمن شر الأعداء. ويستقبل الجماهير المجتمعة حوله، بما فيها أصحابه الخواص الثلاثمئة والثلاثة عشر. في البداية.. يفتتح خطبته بحمد الله والثناء عليه، والصلاة علي محمد وآله الطاهرين. ثم يعرف نفسه بكل صراحة، ويكشف الغطاء عن شخصيته، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الأول ما ينطق به عليه السلام هو قوله تعالى: (بقية الله خير لكم ان كنتم مومنين).(7) ثم يقول: أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم.(8) انه عليه السلام يذكر تأويل هذه الآية وانطباقها علي نفسه، فالبقية: معناها ما يبقي من الشيء ويفضل، والامام المهدي عليه السلام هو البقية الباقية من فصيلة أولياء الله الذين هم أفضل طبقات البشر، فالامامة ختمت بالامام المهدي عليه السلام فلا امام جديد بعده فهو بقية الصفوة التي اختارها الله تعالى لاصلاح البشر وهو الوحيد الباقي علي خط الأنبياء والأوصياء، بجميع معنى الكلمة. وورد في بعض الأحاديث أن التسليم علي الامام المهدي عليه السلام يكون بهذه الجملة: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.(9) والامام المهدي عليه السلام هو الخليفة الباقي المقصود من قوله تعالى: (اني جاعل في الأرض خليفة).(10) فالخليفة - في اللغة - تطلق علي معان متعددة، منها ما يلي: 1- من استخلف في الأمر مكان من كان قبله، فهو مأخوذ من أنه خلف غيره وقام مقامه. 2- الامام الذي ليس فوقه امام. 3- السلطان الأعظم.(11) وبناءا علي هذا، يكون المعني: أنا صاحب السلطة العليا التي ليست فوقها سلطة الا الله تعالى. وقد ورد ذكر الخليفة في القرآن الكريم: فقد قال تعالى: (يا داوود انا جعلنك خليفة في الأرض)(12) أي: صيرنك خليفة تدير أمور العباد من قبلنا بأمرنا. وقيل: ان معناه: جعلنك خلف من مضي من الأنبياء، في الدعوة الى توحيد الله تعالى وبيان أحكامه. والامام المهدي عليه السلام خليفة الله بجميع هذه المعاني، فالله تعالى جعله خليفة لرسوله، لا الناس، أي: لم تأته الخلافة بانتخاب الناس اياه، بل اختاره الله تعالى وانتخبه للخلافة في الأرض، للقيام بما يلزم من هداية البشر الى الدين الصحيح، والتصرف في أمور العباد والبلاد واصلاح شوونهم وتوفير وسائل الخير لهم. وأما قوله عليه السلام: وحجته عليكم. فالحجة: ما يحتج به، ومن يحتج به، فالامام حجة الله، لأن الله تعالى يحتج به علي عباده، وقال الامام أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم بلي! لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، اما ظاهرا مشهورا، او خائفا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته....(13) والآن نبدا بشرح بعض كلمات الخطبة: يقول عليه السلام: انا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس. انه عليه السلام يطلب النصرة - أولا - من الله تعالى الذي بيده كل شيء وهو علي كل شيء قدير، ثم يطلب النصرة من الناس المستمعين الى كلامه وخطابه. ثم يذكر عليه السلام الأمور التي تفرض طاعته علي الناس فيقول: انا أهل بيت نبيكم محمد، ونحن أولي الناس بالله وبمحمد صلى الله عليه واله وسلم. يذكر شدة اتصاله برسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وأنه من أهل بيت رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. أهل البيت الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عدل القرآن يوم قال: اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانكم لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. والامام المهدي عليه السلام هو أقرب أهل العالم الى الله تعالى، لأن جميع وسائل القرب متوفرة فيه، من حيث أنه حجة الله في أرضه، وكثر هذه الأمة عبادة وتقوي من الله تعالى، وأنه أعز أهل زمانه وأشرفهم وكرمهم عند الله تعالى. هو أقرب الناس الى الرسول الأقدس صلى الله عليه واله وسلم لأنه خليفته ووصيه ووارثه، وأنه كثر الخلائق اتباعا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال تعالى: (ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)(14) أي: هم الذين يحق لهم أن يقولوا: انا علي دين ابراهيم. وقال الامام أمير المؤمنين عليه السلام: ان أولي الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاوا به.(15) وبهذه الآية التي مرت عليك، والحديث المروي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام يتضح لك معنى كلام الامام المهدي عليه السلام في اولويته بأنبياء الله: آدم ونوح وابراهيم وموسي وعيسي ومحمد وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، ثم يستدل الامام المهدي عليه السلام بهذه الآية: (ان الله اصطفي آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).(16) والمقصود من الاستدلال بهذه الآية الكريمة: هو الاستشهاد بكلمة: وآل ابراهيم فالمقصود من آل ابراهيم - الذين اصطفاهم اللهو اختارهم - هم الأنبياء الذين من نسله، وآل محمد الطاهرون عليهم السلام الذين هم من نسل ابراهيم أيضا. والاصطفاء مشتق من الصفوة، وهذا من أحسن البيان، وذلك لأن الصافي هو النقي من شائب الكدر فيما يشاهد، فمثل الله تعالى خلوص هولاء الطاهرين من الفساد، بخلوص الصافي من شائب الأدناس. ومن الواضح أن الأنبياء - من آدم الى نبينا محمد صلوات الله عليهم - هم علي خط واحد، وهو خط الاسلام والايمان والتوحيد والطاعة. وفي القرآن الكريم تجد تصريحات الأنبياء بأنهم علي خط الاسلام واليك بعض تلك الآيات: قال تعالى: 1- (ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين ووصي بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن الا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحق الها واحدا ونحن له مسلمون).(17) 2- (قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل الى ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون).(18) 3- وقال سبحانه علي لسان النبي نوح عليه السلام: (فان توليتم فما سألتكم من أجر ان أجري الا علي الله وأمرت أن كون من المسلمين).(19) 4- ويقول عز وجل علي لسان النبي يوسف عليه السلام: (توفني مسلما).(20) 5- ويقول سبحانه علي لسان ابراهيم واسماعيل عليهما السلام: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك).(21) ومن البديهي أن الاسلام المذكور في هذه الآيات هو الايمان بالله وتوحيده واتباع أحكامه سبحانه، وهو خط الأنبياء وأتباعهم، ولا شك أن الامام المهدي عليه السلام هو أقرب الناس الى هذا الخط. وأما قوله - عليه السلام -: فأنا بقية من آدم فقد مر عليك شرحه في توضيح كلمة أنا بقية الله في بداية شرح الخطبة. وأما قوله سلام الله عليه: وذخيرة من نوح. فلعل المقصود من الذخيرة - هنا -: هو أن نوحا عليه السلام هو الذي طهر الكرة الأرضية كلها من الكفار حين دعي ربه قائلا: (رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا)(22) فاستجاب الله دعاء ه وأغرق الناس كلهم.. الا من كان مع النبي نوح في السفينة، ولم يتهيأ لبقية الأنبياء والأوصياء أن يطهروا الأرضين كلها من الكفار، وأما الامام المهدي عليه السلام فانه يقوم بعملية التطهير العام، حينما ينشر الاسلام في جميع بقاع العالم، ولا يعيش علي وجه الأرض الا المسلمون فقط لأن بقية الملل والشعوب يخيرون بين اعتناق الدين الاسلامي وبين القتل والابادة، وبالنتيجة لا يبقي أحد علي وجه الأرض علي غير دين الاسلام. ويستمر الامام المهدي عليه السلام في خطابه، ويزيد الناس معرفة بشخصيته فيقول: ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولي الناس بكتاب الله. أي فمن جادلني وخاصمني في القرآن فأنا أولي الناس وأقربهم الى القرآن، لأني أعلم الناس وأعرفهم بالقرآن، من حيث المعاني والمفاهيم، والتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والحلال والحرام، والفرائض والسنن، والغوامض والأسرار، والعجائب والنكات، والعبر والأمثال وغير ذلك. وخلاصة القول: انه عالم بالقرآن كما نزل من عند الله، من دون زيادة أو نقصان، ولا حاجة له الى أقوال المفسرين أو القراء ات المختلفة أو ما شابه ذلك، لأنه عليه السلام يعلم ما أرادة الله وقصده بكلامه. أليست التفاسير متضاربة، والقراء ات متغايرة، والمقصود الالهي غير معلوم في كثير من الآيات؟. ومن الذي يستطيع أن يعلم علم اليقين، التفسير الصحيح المطابق للواقع، أو القراء ة الصحيحة التي نزلت من عند الله؟!. انه الامام المعصوم. وهكذا يجب أن يكون والا لما كان اماما. ولهذا قال الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية، في ليلة أنزلت أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، وسفريها وحضريها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها متشابهها، وتأويلها وتنزيلها....(23) وعن الأصبغ بن نباته قال: لما قدم علي عليه السلام الى الكوفة، صلي بهم أربعين صباحا فقرأ بهم: (سبح اسم ربك الأعلي). فقال المنافقون: والله ما يحسن أن يقرأ ابن أبي طالب القرآن!! ولو احسن أن يقرأ، لقرأ بنا غير هذه السورة. قال: فبلغه ذلك.. فقال عليه السلام: ويلهم!! اني لأعرف ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وفصله من وصله، وحروفه من معانيه. والله ما حرف نزل علي محمد الا وأنا أعرف فيمن أنزل، وفي أي يوم نزل، وفي أي موضع... الى آخر الحديث.(24) ويواصل الامام المهدي عليه السلام خطابه فيقول: ألا: ومن حاجني في سنة رسول الله، فأنا أولي الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. أي من جادلني وخاصمني في سنة رسول الله فأنا أولي وأعلم بالسنة النبوية الصحيحة من غيري. قسما بالله فأنا أولي وأعلم بالسنة النبوية التي قد تغير كثرها عند بعض المسلمين، وتبدل معظمها وطرأت عليها الزيادة والنقصان. ابدأ من الوضوء الى الأذان... الى الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من العبادات. وهكذا قوانين الأحوال الشخصية من النكاح الى الطلاق.. الى بقية المعاملات والعقود والحدود والديات. وهذا التلاعب بالسنة النبوية.. وهذه التغييرات والتبديلات انما جاء ت من حكام الجور، أو علماء السوء، أو من الأفراد الذين وضعوا القوانين الوضيعة المضادة للسنة النبوية. ولو أردنا الشرح والتفصيل لهده المأساة، لتبدل أسلوب الكتاب وازداد حجمه الى مجلدات عديدة. ان الامام المهدي عليه السلام هو أولي الناس وأعلمهم بالسنة النبوية الصحيحة، المطابقة للواقع، السليمة من التلاعب والتزوير. انه لا يعتمد في علمه - بالسنة النبوية - علي المولفات المشحونة بأحاديث الوضاعين والكذابين الذين كانوا يختلفون الأحاديث كذبا وزورا وينسبونها الى الرسول الأقدس صلى الله عليه واله وسلم بلا خوف من الله ولا حياء من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وكأنهم معامل ومصانع لانتاج الأحاديث حسب الطلب والظروف!. ثم يقسم الامام المهدي عليه السلام علي الجماهير المتجهرة حوله فيقول: فأنشد الله أي: أقسم عليكم وأسألكم بحق الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد منكم الغائب انها أفضل وسيلة اعلامية، حيث أنه عليه السلام يقسم علي الحاضرين الذين يسمعون كلامه أن يبلغوه الى من لم يسمع ذلك. ثم يوكد عليهم القسم فيقول: وأسألكم بحق الله وحق رسوله. يقسم عليهم بحق الله العظيم، ذلك الحق الذي ليس شيء أعظم منه، وبحق رسوله علي الأمة الاسلامية، ذلك الحق الذي لا يعد له شيء وبحقي عليكم، فان لي عليكم حق القربي من رسول الله اشارة الى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) حيث أن الله تعالى أوجب علي المسلمين المودة لأقرباء الرسول صلى الله عليه واله وسلم وأن المقصود من القربي هم: علي وفاطمة والأئمة الطاهرون عليهم السلام. وقد كان أئمة أهل البيت عليهم السلام يستشهدون بهذه الآية يطبقونها علي أنفسهم. والامام المهدي عليه السلام أحد القربي فتجب لطاعته علي المسلمين، بالاضافة الى امامته وكونه خليفة الله وحجته علي خلقه. الا أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، يطلب منهم أن يكونوا من أعوانه وأنصاره، وأن يحموه ويحفظوه عمن يريد أن يظلمه. فقد أخفنا، وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا، وافتري أهل الباطل علينا. انها مآسي متسلسلة وحلقات متصلة منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والي يومنا هذا، فالحبل متصل منذ أربعة عشر قرنا من الاخافة والظلم، والطرد والبغي والاستيلاء علي الحقوق، والافتراء علي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مستمر ويمتد علي طول الخط. فلقد عاش آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حياة الرعب والتشريد والاضطهاد! ألم تكن المدينة المنورة موطنهم وأحب البلاد اليهم؟! فأين المدينة من النجف وكربلاء وبغداد وسامراء وخراسان وغيرها من البلاد؟! ولماذا غادروا المدينة المنورة وتفرقوا في الأرض، وقتلوا في بلاد الغربة؟! لقد غير بعض العلويين اسمه، وأخفي الآخر نسبه، كيلا يعرفه الأعداء فيقتلوا! وهكذا.. والي هذا اليوم. ان الامام المهدي عليه السلام انما اختفي من يوم وفاة والده الامام الحسن العسكري عليه السلام الى هذه الساعة خوفا علي حياته. وقد عرفت - فيما مضي - أنه عليه السلام أذا ظهر، يرسل اليه السفياني جيشا لمحاربته. وأما حقوق أهل البيت وفيئهم وأموالهم فكانت - ولا تزال - بيد الحكومات الكافرة والحكام الطغاة، يشربون بها الخمور ويرتكبون بها الفجور، ويصرفونها في الملاهي والمناهي والمنكرات، وشراء الأسلحة الفتكة وقتل الأبرياء!. وأما حقوقهم في الولاية والحكم فالتاريخ يشهد أن الأعداء منعوا آل محمد عن القيام بتدبير أمور العباد والبلاد، ونشر العلوم، وغير ذلك من وظائف الامام. الهوامش: (1) وادي بمكة، قيل هو الأبطح، راجع الغيبة للنعماني: ب (10) ح 30، وبحار الأنوار 306:52 ب 26، ح 80. (2) الزام الناصب 220:2، ومجمع النورين: 331. (3) بحار الأنوار 203:52 ب (25) علامات ظهوره، ح 30. (4) وفي نسخة: فمن أجابنا من الناس. (5) آل عمران: 34-33. (6) الغيبه للنعماني: 288 ب 14، ح 67. (7) هود: 86. ومصدر الحديث: بحار الأنوار 192:52 نقلا عن كمال الدين للشيخ الصدوق. (8) كمال الدين 331:1، ب 32، ح 16. (9) كمال الدين 653:2، ب 57، ح 18. (10) البقره:30. (11) مجمع البحرين 55:5، مادة (خلف). (12) ص:26. (13) نهج البلاغة 4: باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام، حكمة 147. (14) آل عمران: 68. (15) تفسير مجمع البيان 318:2 في تفسير الآية: (ان أولي الناس بابراهيم للذين...). (16) آل عمران:33. (17) البقرة: 133-130. (18) آل عمران:84. (19) يونس: 72. (20) يوسف:101. (21) البقرة: 128. (22) نوح: 26. (23) بحار الأنوار 153:40، ب (93) علمه عليه السلام، ح 53. (24) بحار الأنوار 138:40، ب (93) علمه عليه السلام، ح 31. ****************** انجازات الامام المهدي بعد القيام بعد أن تتم البيعة للامام المهدي عليه السلام يستلم الامام الحكم في مكة ويهيمن علي مركز القوة، فانه يقوم بأعمال وانجازات في عدة مناطق من العالم نشير الى بعض منها: اعادة المسجد الحرام الى ما كان عليه قال أبو عبد الله عليه السلام: القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده الى أساسه، ومسجد الرسول صلى الله عليه واله وسلم الى أساسه، ويرد البيت الى موضعه، وأقامه علي أساسه.(1) هنا لا بد من التوضيح وهو أن الامام سوف يهدم ما بناه الظالمون ويعيده الى البناء الأول الذي بناه جده ابراهيم عليه السلام وولده اسماعيل. اذ أن بناء قريش للمسجد الحرام قبل بعثة النبي صلى الله عليه واله وسلم بخمسين سنة، لم يكن علي قواعد ابراهيم واسماعيل بل أبدعوا فيه وأضافوا وغيروا. ولذا يحدثنا التاريخ أن النبي كان يريد تغيير بنائه واعادته الى حاله الأول الا أن الظروف الزمانية والاجتماعية حالت دون ذلك. ومن خبر المفضل بن عمر عن الامام الصادق عليه السلام قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت؟ قال عليه السلام: ينقضه فلا يدع منه الا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السلام والذي رفعه ابراهيم واسماعيل عليهما السلام منها، وان الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء الله.(2) اعادة مقام ابراهيم الى موضعه الأول عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اذا قام القائم عليه السلام هدم المسجد الحرام التي يرده الى أساسه وحول المقام الى الموضع الذي كان فيه.(3) مقام ابراهيم: هو الصخرة التي وقف عليها النبي ابراهيم خليل الرحمان حيث بناء الكعبة، وقد كان المقام بجوار الكعبة في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. ولما جاء عمر بن الخطاب الى الحكم، نقل المقام من مكانه وغير موضعه. ولما استلم الامام علي عليه السلام زمام الحكم قرر أن يرد علي كل شيء الى ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فثار المنافقون، فرأي الامام علي عليه السلام أن الأفضل هو تجميد القضية الى وقت آخر، نظرا لامور كانت أهم من ذلك. وهكذا بقي مقام ابراهيم في غير موضعه الى يومنا هذا. ومن جملة انجازات الامام المهدي عليه السلام في مكة، هو رد مقام ابراهيم الى موضعه الأول بجوار الكعبة المشرفة وهذا أيضا مما يسهل الطواف علي الحجاج، لأنه - عند ذلك - لا يجب الطواف بين الركن والمقام، بل يكفي الطواف حول الكعبة، مهما تباعد الطائفون عن الكعبة في حال الطواف. فان كان الطواف يجب - حاليا - بين الركن والمقام - حسب رأي بعض الفقهاء - فان هذا الوجوب سيرتفع اذا رد المقام الى موضعه الأول. أولوية الطواف الواجب علي المستحب قال الصادق عليه السلام: أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه ان يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة، الحجر الأسود والطواف.(4) والواقع الذي يودي الى سقوط الانسان تحت أقدام الطائفين حول الكعبة. وكل هذا.. بالرغم من الصعوبات التي يتعرض لها الحجاج - في كثر البلاد - من مشكل السفر فما نقول في عصر الامام المهدي عليه السلام؟ ذلك العصر الذي تلغي فيه كافة القوانين الوضيعة المرتبطة بمقدمات السفر 7 من جواز السفر والتأشيرة. فمن الطبيعي أن يكون السفر مباحا وميسورا لكل أحد، بل أي قيد أو شرط 7 وبالنتيجة: سوف يتضاعف عدد الحجاج بنسبة لا نستطيع تحديدها. ومن الواضح أن الطواف حول الكعبة واستلام الحجر الأسود سيكون صعبا جدا، وخاصة أن بعض الحجاج لا يكتفي بالطواف الواجب، بل يطوف استحبابا طلبا للثواب. ولهذا فان الامام المهدي عليه السلام يأمر الحجاج بالاقتصار علي الطواف الواجب وترك المستحب منه، افساحا للمجال أمام الذين يودون الطواف الواجب. هذه بعض انجازات الامام المهدي عليه السلام في مكة تجاه المسجد الحرام، ومن الواضح أن انجازاته العامة التي تشمل جميع البلاد، تشمل مكة بطريق أولي، وسوف نتحدث عن انجازاته العامة ان شاء الله. هدم مسجد النبي قال أبو عبد الله عليه السلام: القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده الى أساسه ومسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى أساسه.(5) ان الامام المهدي عليه السلام يهدم مسجد النبي صلى الله عليه واله وسلم ويرده الى حاله الأول الذي كان عليه في زمان خاتم الانبياء صلى الله عليه واله وسلم وذلك أن أيدي خلفاء الجور والكفر والنفاق لعبت في هذا المسجد كثيرا لطمس أعلام الولاية المرتضوية. وهدم آثار الفضائل العلوية، وتغطيه آثار جرائمهم علي أعتاب الفاطمية (والله متم نوره ولو كره الكافرون).(6) في الكوفة ان الكوفة سيكون لها شأن عظيم بعد ظهور الامام المهدي عليه السلام اذا انها تكون عاصمة حكومته، ودار خلافته ومقر دولته، كما أخبر بذلك الأئمة الطاهرون عليهم السلام. قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام:... ثم يقبل الى الكوفة فيكون منزله بها، فلا يترك عبدا مسلما الا اشتراه وأعتقه، ولا غارما الا قضي دينه، ولا مظلمة لأحد من الناس الا ردها. ويسكن هو وأهل بيته الرحبة، والرحبة انما كانت مسكن نوح، وهي أرض طيبة، لا يسكن رجل من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم ولا يقتل الا بأرض طيبة زكية، فهم الأوصياء الطيبون.(7) وقال الصادق عليه السلام: دار ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة.(8) وما ينجزه الامام في الكوفة هي: هدم مساجد الكوفة قال الامام الباقر عليه السلام: اذا قام القائم سار الى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد.(9) فقد تحدثت الروايات عن هدم مساجد أربعة في الكوفة. وتوضيح ذلك: ان السر في افتتان البعض بهذه الأمور كهدم المساجد وأمثالها، ويصبح عاملا للشك في حقانية الامام عليه السلام وأفعاله. وهذه النضرة منهم للامام راجعة الى المعرفة الناقصة، أو المخلوطة بأفكار المخالفين لأهل البيت عليهم السلام الذين يحملون من التقديس لهذه الأحجار والبنايات كثر مما يحملونه لما كان سببا في تقديسها، بل هو حقيقة تقديسها. فهذا أبو حنيفة يحدثنا عنه شيخنا أبو جعفر رشيد الدين المازندراني فيقول: جاء أبو حنيفة الى الامام الصادق عليه السلام ليسمع منه، وخرج أبو عبد الله عليه السلام يتوكأ علي عصا، فقال له أبو حنيفة: يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ما بلغت من السن ما تحتاج معه الى العصا. فقال عليه السلام: هو كذلك ولكنها عصا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أردت التبرك بها. فوثب أبو حنيفة اليه وقال له: أقبلها يا ابن رسول الله؟ فحسر أبو عبد الله عليه السلام عن ذرعه وقال له: والله: لقد علمت أن هذا بشر رسول الله، وأن هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصا!!.(10) والي هذا المعني يشير الحسين بن علي (أي الثائر الحسني صاحب: فخ) حين خطب بالحجاج في مسجد النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: أنا ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، علي منبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وفي حرم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أدعوكم الى سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. أيها الناس اتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود، وتتمسحون بذلك، وتضيعون بضعة منه.(11) وما غريب هذا اذ أن ابن سعد لعنه الله، هو الذي ينادي بالجيش كي يدوس صدر الحسين عليه السلام وفي الوقت ذاته يقول لأصحابه حين سقط امامنا المظلوم العطشان عليه أفضل الصلاة والسلام عن جواده: دونكم الفرس فانه من جياد خيل رسول الله!! عن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت علي أبي جعفر الامام الباقر عليه السلام: وهو جالس علي الباب الى المسجد وهو ينظر الى الناس يطوفون فقال عليه السلام: يا أبا حمزة بماذا أمر هولاء؟ فلم أدر ما أرد عليه. فقال عليه السلام: انما أمروا أن يطوفوا بهذه الأحجار ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم. وعن أبي جعفر عليه السلام أيضا قال: انما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم، وعنه عليه السلام قال: تمام الحج لقاء الامام.(12) فهذه الأحاديث الشريفة وغيرها تشير وتصرح بهذه الحقيقة: وهي أن حقيقة التقديس وروح المناسك لكل ما يقدس من المشاعر والمعالم والمواقف والمشاهد والمساجد والمعابد هي ولاية الامام المعصوم عليه السلام فتقديسه وقدسيته هي الأصل، وغير ذلك فرع. حيث لا قيمة لكل عمل من دون ولايته. فعن امامنا وسيدنا زين العابدين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ما بال أقوام اذا ذكر عندم آل ابراهيم عليه السلام فرحوا واستبشروا واذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم. والذي نفس محمد بيده، لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا، ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي.(13) بناء كبر مسجد في العالم عند ظهور الامام المهدي عليه السلام ووصوله الى الكوفة تتجه أنظار المؤمنين اليها، لأن من الواضح أن كثر الشيعة القاطنين علي الكرة الأرضية سيبذلون جهودهم للهجرة الى الكوفة. لأنها موطن سكني الامام وعاصمة دولته العالمية. والامام المهدي عليه السلام يصلي صلاة الجمعة في المسجد الجامع بالكوفة. ومن الطبيعي أن يتفايض المسجد من المصلين، والسبب في ذلك: هو أن جميع الناس بمختلف طبقاتهم وبلا - استثناء - يشتاقون الى الصلاة خلف الامام ويتسابقون اليها، ولا يتخلف عن الصلاة الا العاجز عن المشي كالمقعد والهرم. قال الامام الباقر عليه السلام - في حديث طويل -: يدخل المهدي الكوفة، وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها، فتصفوله فيدخل حتى يأتي المنبر ويخطب، ولا يدري الناس ما يقول من البكاء، فاذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يابن رسول الله الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والمسجد لا يسعنا؟ فيقول عليه السلام: أنا مرتاد لكم أي: أطلب لكم مسجدا يسعكم. فيخرج الى القري فيخط مسجدا له ألف باب يسع الناس.(14) علي كل حال.. فالمستفاد من هذا الحديث أن الامام المهدي عليه السلام يأمر بتخطيط مسجد لم يشيد مثله في تاريخ البشر، له ألف باب وهذا العدد الكثير من الأبواب انما هو لتسهيل دخول المصلين وخروجهم، وقاية من الازدحام ومضاعفاته. وهذا الانجاز العظيم والمشروع الكبير هو أحد انجازات الامام المهدي في عصره الزاهر، المشرق. قتل الدجال في الكوفة قال الامام الصادق عليه السلام: القائم يقتل الدجال، ويصلبه علي كناسة الكوفة.(15) الدجال: اسم مشتق من الدجل، ومعناه: التمويه والتغطية والخداع. والدجال صفة لرجل يخرج قبل ظهور الامام المهدي عليه السلام في ظروف قحط وجدب، ولا يتعه الا سفلة الناس وأراذلهم، ومن الطبقة الملوثة، كنساء الشوارع وأولادهم واليهود. ويستفاد من الأحاديث أن الدجال رجل أعور وأنه يعرف شيئا من الشعوذة والسحر والتصرف في العيون، ولهذا يقوم بأعمال سحرية يخيل الى الناس أنها حقائق، فلا عجب اذا ادعي النبوة - أولا - ثم الربوبية - ثانيا - وقال: أنا ربكم الأعلي. قال رسول الله: الدجال عريض، عينه اليمني مطموسة، واليسري كأنها كوكب، بين عينيه مكتوب: كافر بالله وبرسول الله. يخرج ويدعي أنه الرب، ولا يسمعه أحد الا تبعه الا من عصمه الله عز وجل. تكون له جنة ونار، فيقول: هذه جنتي لمن سجد لي، ومن أبي أدخلته النار.(16) وهنك تفسير ان لفهم الدجال: الأول: تقليدية تقول أن الدجال شخص معين طويل العمر، سيظهر آخر الزمان من أجل اضلال الناس وفتنتهم عن دينهم. الثاني: أن الدجال عبارة عن مستوي حضاري ايدلوجي معين معاد للاسلام والاخلاص الايماني. ونحن نعلم فيما يخص الحضارة المادية المعاصرة، كيف استطاعت غزو المجتمع المسلم فكريا وعسكريا ونادت بأعلي صوتها فأسمعت ما بين الخافقين عن طريق وسائل الاعلام الحديثة، فجمعت اليها أولياء ها، وهم كل من يومن بعظمتها وصدقها وأغراه العيش بين كنافها. ونري كيف أنها مدت هولاء بالخير الوفير والمال والقوة والسيطرة، علي حين نري الخاصة المخلصين، الذين شجبوا هذه الحضارة، وأنكروا عليها ماديتها وأخلاقيتها وظلمها، يعيشون في الضيق والضرر، وكما يذكر من صفات الدجال: 1- أن له عينا واحدة. 2- ومركبه أبيض سريع، كل خطوة له بميل، ويطوي الأرض بسرعة. 3- أنه يدعي الالوهية، وعندما يجمع أصحابه معه فان صوته ودعوته تصل الى مسمع جميع العالم. 4- أنه يغوص البحار. 5- وعند ظهوره يبتلي الناس بالقحط والفقر في المواد الغذائية.(17) والواقع لا يبعد أن يكون صفات الدجال اشارة وكناية الى الدجالين والمتكبرين والماديين في كل الدنيا وذلك: 1- أنهم يملكون عينا واحدة، أي ينظرون لكل شيء ببعد واحد وهو النظر والبعد الاقتصادي والمادي، ويتوسلون بكل الأسباب والوسائل للوصول الى منافعهم المادية والاستعمارية، فهم دجالون قد فقدوا العين والبعد المعنوي والانساني في وجودهم. وبوسيلة هذه العين المادية استطاعوا التقدم في مجال الصناعة والتكنلوجيا. 2- فهم يملكون وسائل النقل السريعة ويمكنهم بواسطتها الدوران حول الأرض بزمن قصير وسرعة الصوت. 3- فانهم عمليا يدعون الالوهية، ويتحكمون في العالم ويملكون زمام اقتصاد العالم. وبسبب التقدم الصناعي وصعودهم الى القمر يرون أحقيتهم في وجوب طاعة الأمم والشعوب لهم. والاستجابة لطلباتهم. 4- ومع ما يملكون من سفن الغوص المجهزة بأدق الوسائل يمكنهم التحكم في البحار واستخراج كنوزها. 5- والأمم بسبب القحط والجفاف وسوء الاقتصاد واستغلال الاستعمار يبتلون بالفقر ونقص الغذاء، وبما أن الدجال هو العامل الأساس في وجود هذا الفقر ونقص الغذاء، فانه يستغل الوضع وبعنوان مساعدة الدول الضعيفة وتحويل الغذاء يوسع من استعماره للبلاد والأمم. ولكن أنصار المهدي عليه السلام فئة واعية تدرك وتعي ألا عيب الدجال وتسعي لتهيئة الأرضية لظهور الامام عليه السلام وتربية الأفراد لعصر الظهور. طبعا ان ما فسرناه انما هو لفهم معنى الدجال الذي لا يقصد به شخص فرد بعينه وانما كناية عن واقع.(18) القضاء علي السفياني لقد ذكرنا سابقا أن الامام المهدي عليه السلام يتوجه نحو الشام للقضاء علي السفياني، وذلك بعد ما يقصد الكوفة وتستقيم له فيها الأمور. ويكون السفياني - يومذك - بوادي الرملة، في فلسطين، شمال شرق القدس. ويصل الامام المهدي عليه السلام بجيشه الكبير الى فلسطين، وتقع الحرب بين الجيشين هنك، وينتهي الأمر بانتصار الامام وهزيمة السفياني وفنائه. نزول عيسي بن مريم من السماء يعتبر نزول النبي عيسي بن مريم عليه السلام من السماء - عند قيام الامام المهدي عليه السلام - من الحقائق الثابتة عند جميع المسلمين - علي اختلاف مذاهبهم - ومن الأمور التي لا تقبل الشك والجدل. ولعل الحكمة الوحيدة في نزوله عند قيام الامام المهدي عليه السلام هي تقوية جانب الامام المهدي، والاعتراف والتصديق بأنه حق لا ريب فيه، وخاصة بعد اقتدائه بالامام المهدي في الصلاة - كما ستعرف ذلك -. ويعتبر نزول عيسي الى الأرض من أعجب الأعاجيب وأهم الحوادث، وأعظم الآيات وكبر الدلالات. أليس من العجيب أن انسانا كان يعيش علي الأرض، ثم عرج به الى السماء، وعاش هنك كثر من ألفي سنة ثم يهبط الى الأرض؟! مع الانتباه الى أن هذا الانسان يمتاز عن غيره بانه: أولا: نبي من أنبياء الله تعالى، ومن أولي العزم. ثانيا: أنه صاحب شريعة وكتاب سماوي - وان امتدت يد التحريف والتشويه الى شريعته من بعده -. ثالثا: أنه خلق من غير أب. رابعا: أن أمته - اليوم - حوالي الف مليون نسمة، بما فيهم الملوك والأمراء وروساء الجمهوريات، وغيرهم من كافة الطبقات. خامسا: أن ملايين من تماثيله منصوبة علي الكنائس والمدارس، ومعلقة علي صدور أتباعه، وموجودة في البيوت والمحلات. أضف الى ذلك: العقائد الشاذة الموجودة عند المسيحيين تجاه عيسي بن مريم، فمنهم من يعتقد أنه ابن الله، أو أنه الله، تعالي عما يقول الكافرون والمشركون. وعلي كل حال، فالنبي عيسي أقدس موجود عند المسيحيين، ومن الطبيعي أن بقية الملل والأديان لا تتجاهل هذه الشخصية. وكذلك المسلمون يضعون المسيح في المكان اللائق به، اتباعا للقرآن الكريم الذي ذكر المسيح بالنزاهة والتبجيل، في مواضع عديدة منه. ونظرا لأهمية هذه الحقيقة - وهي نزول عيسي من السماء - تجد أحاديث كثيرة متواترة، تصرح بهذا المعني. وعندما نراجع موسوعات الحديث نجد الكثير من علماء السنة وحفاظهم وأئمة الحديث يذكرون نزول عيسي بن مريم من السماء عند قيام الامام المهدي عليه السلام: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: منا الذي يصلي ابن مريم خلفه.(19) وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يلتفت المهدي وقد نزل عيسي بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء(20) فيقول المهدي: تقدم وصل بالناس!. فيقول عيسي بن مريم: انما أقيمت الصلاة لك. فيصلي عيسي خلف رجل من ولدي، فاذا صلي قام عيسي حتى يجلس في المقام فيبايعه.(21) وعن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:... والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل عيسي بن مريم فيصلي خلفه...(22) وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - في قصة الدجال -:... ويدخل المهدي عليه السلام بيت المقدس ويصلي بالناس اماما، فاذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصلاة، نزل عيسي بن مريم عليه السلام بثوبين مشرقين، أحمر، كأنما يقطر من رأسه الدهن، رجل الشعر(23) صبيح الوجه، أشبه خلق الله بأبيكم ابراهيم خليل الرحمان، فيري المهدي عيسي، فيقول لعيسي: يابن البتول صل بالناس.(24) فيقول: لك أقيمت الصلاة. فيتقدم المهدي عليه السلام فيصلي بالناس، ويصلي عيسي خلفه ويبايعه.(25) أما الأحاديث الواردة في كتب الشيعة المروية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والأئمة الطاهرين عليهم السلام فكلها تصرح باقتداء عيسي بن مريم عليهما السلام بالامام المهدي عليه السلام ولا نبالغ اذا قلنا: ان نزول عيسي من السماء واقتداء ه بالامام المهدي يعتبر - عند الشيعة - من الأمور القطعية، بل من أشهر القضايا، حتى جاء في كتاب عيون المعجزات:(26) ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخبر الأئمة بخروج المهدي خاتم الأئمة، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأن عيسي ينزل عليه وقت خروجه وظهوره ويصلي خلفه. ثم قال: وهذا خبر قد اتفقت عليه الشيعة، والعلماء وغير العلماء والسنة، والخاص والعام، والشيوخ والأطفال، لشهرة هذا الخبر. الهوامش: (1) الغيبة للطوسي: 472، ح 492. (2) بحار الأنوار 11:53، ب (25)، رواية المفضل بن عمر. (3) الارشاد 383:2. (4) بحار الأنوار 374:52، ب (27) سيره وأخلاقه، ح 169. (5) الغيبة الطوسي: 472، ح 492. (6) الصف: 8. (7) تفسير العياشي 66:1. (8) بحار الأنوار 11:53، ب (25)، رواية المفضل بن عمر. (9) الارشاد: 385. (10) بحار الأنوار 28:47، ب (4) مكارم سيره ومحاسن أخلاقه، ح 28. (11) مقاتل الطالبين: 298، في ذكر مقتل الحسين بن علي بن الحسن صاحب فخ. (12) بحار الأنوار 374:96، ب (66) ان من تمام الحج لقاء الامام، ح 2. (13) أمالي الطوسي: 140، المجلس الخامس، ح 42. (14) بحار الأنوار 331:52، ب (27) سيره وأخلاقه، ح 53. (15) بحار الأنوار 308:52 ب (26) يوم خروجه، ح 84. (16) الزام الناصب ج 228:1. (17) اقتباس من حديث صعصعة بن صوحان، راجع بحار الأنوار 192:52. (18) اقتباس من كلام المرجع مكارم الشيرازي في كتاب بالفارسية: حكومت جهاني مهدي عجل الله فرجه. (19) بحار الأنوار 84:51، ب (1) ما ورد من الاخبار بالقائم، ح 37، ومعجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام 335:1، والجامع الصغير للسيوطي 546:2، ح 8262، وكنز العمال 266:14، ح 38673، وينابيع المودة للقندوزي 81:2، ح 109. (20) أي: ان شعر رأسه يلمع كمن دهن شعره، أو غسله بالماء. (21) عقد الدرر: 230 -229، طبع مصر 1399 ه- وقال بعد ذكر الحديث: أخرجه الحافظ أبو نعيم في مناقب المهدي والطبراني في معجمه. (22) فرائد السمطين للجويني الشافعي 312:2. (23) أي: مسرح الشعر، كالذي استعمل المشط. (24) البتول: هي المرأة التي لا تري دم الحيض والنفاس، وقد كانت السيدة مريم - والدة عيسي - طاهرة لا تري دما، كما ورد ذلك في الأحاديث. (25) عقد الدرر: 274. (26) للحسين بن عبد الوهاب، وهو من علماء القرن الخامس الهجري. ****************** مميزات دولة الامام المهدي ان لدولة الامام المهدي عليه السلام مميزات عظيمة تمتاز بها عن كل الدول التي قبلها، وان سيرته عليه السلام تمتاز كذلك عن سيرة أجداده عليهم السلام في ادارة هذه الدولة - دولة الحق -. ومن أهم وأبرز ما تمتاز به هذه الدولة هي: دولة عالمية واحدة فبعد ثورة الامام المهدي عليه السلام سيدار المجتمع الانساني من قبل دولة وحكومة واحدة فقط ونظام وقانون واحد فقط في ظل العدل. وان البعض يستصعب تحقق هذا الأمر، فالجواب الى هولاء هو: اننا عندما نرجع الى التاريخ نلاحظ: أن أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما كان الغرب يستغرق في القومية والعنصرية، ويغرق موسوليني وهيتلر العالم، بحجة العنصر الأفضل، في حمام دم، ويفكر السياسيون بتوسيع سلطتهم علي اعتبار العنصر والقومية، وفجأة تقوي نظرية العالمية(1) (internationalism) وضرورة تشكيل حكومة عالمية واحدة لدي قسم من علماء الغرب ويضعون لذلك برامج ومشاريع. وسبب ظهور هذه الفكرة، أو بالأحري تجديد هذه الفكرة التي كانت موجودة لذي الأقوام السابقين، هو الخوف من امثال الحربين العالميتين الأولي والثانية اللتين أظهرتا بجلاء بشاعة الحروب، فالحرب العالمية الأولي قدمت حوالي تسعة ملايين قتيل و22 مليون جريح وعشر ملايين مفقود، وخسائر الحرب الثانية أفظع من الأولي. لقد أثبتت هذه الحروب عمليا أن وجود الحدود المصطنعة بين الشعوب هو سبب الحرب وسفك الدماء، كما أن للقومية والعنصرية نفس هذه العواقب. ان تأسيس عصبة الامام بعد الحرب العالمية الأولي، التي كان أعضاوها 26 دولة فقط في البدء، وتأسيس مجمع عالمي باسم منظمة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية التابعة لها، كلها نابعة من فكرة تأسيس الحكومة العالمية الواحدة التي ما تزال واردة كفكرة بين المفكرين. قسم من هولاء المفكرين يتوقعون بأن منظمة الأمم المتحدة باعتبارها برلمانا عالميا ستكون في المستقبل مركزا لحكومة عالمية واحدة، ثم يتحدثون عن سلطة قانونية، وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية. هذه المجموعة ذكرت في بيان موتمر طوكيو عام 1963: بما أن السلام الدائم لا يمكن ضمانه بواسطة المعاهدات والاتفاقات، وأن منظمة الأمم المتحدة تفتقر الى سلطة تنفيذية وقراراتها لا تعدو أن تكون نصائح، لذا ومن أجل الحفاظ علي سلام دائم وحفظ شرف ودم ومال الناس فانه لا يوجد من حل سوي تشكيل حكومة عالمية واحدة. ولتحقيق هذا الهدف اقترحت هذه المجموعة مشروعا يقول: - لتشكيل حكومة عالمية واحدة، لا بد من تحقيق الأمور التالية: 1- بارلمان عالمي: ويجب أن تشترك في عضويته جميع دول العالم، وممثل كثر دول العالم نفوسا له رأي كثر من بقية الدول. 2- جيش عالمي: والهدف من تشكيله حفظ السلام في العالم، وهذه القوة تكون تحت اشراف المجلس التنفيذي الأعلي. 3- المجلس النتفيذي الأعلي: هذا المجلس هو السلطة التنفيذية للبرلمان العالمي. 4- ديوان العدل الدولي: ان جميع هذه الاجتماعات والمشاريع والاقتراحات كلها تدل علي أن المفكرين هم علي عتبة قبول فكرة تحقيق حكومة عالمية واحدة، وقد كانت هذه الفكرة في السابق مجرد نظرية تعتبر مستحيلة التحقيق. بينما أمثال هذه الأفكار والمشاريع تبعث علي السرور والارتياح، ولكن مما لا شك فيه أن تشكيل مثل هذه الحكومة مستحيلة نظرا للأخلاق المادية لدي الانسان، لأن المقترحين والمخططين والمنفذين والمشرفين جميعا أناس فيهم روح الغرور وصفة الانفراد، ولم يشعروا يوما بعطف علي الانسان. واذا كانوا في البداية يمتلكون نية حسنة، فانهم اثناء العمل يسيطر عليهم الغرور وطلب المقام، والقومية والعنصرية وعشرات العوامل الأخلاقية المادية التي تنحرف بهم، وفي الختام يصيب المشروع ما أصاب عصبة الأمم، ومنظمة الأمم المتحدة حاليا اذ أصبحت العوبة بيد القدرات الكبري. وطالما يفتقد مخططو وموسسو ومنفذو الحكومة العالمية الواحدة للمعنويات، والطهر، والتقوي، وخشية الله، والايمان به تعالي وبالعالم الآخر فان هذه المشاريع ذات الظاهر الجميل لن تتحقق، وتصبح في النهاية سلاحا بيد القوي العظمي لمحو حقوق المستضعفين والشعوب في العالم. فان هذه الفكرة دليل علي نوع من اليأس لدي المفكرين والعماء في العالم بجميع المنظمات البشرية والتنظيمات المادية التي يتطلع اليها المفكرون بأمل أن تعالج أدواء هم، بينما ان لم تكن هذه المنظمات مصدرا للألم والمصائب فانها بالتكيد ليست مصدرا للخير، ولا بد من القول لها: طالما لا يرجي خير منك، فلتكف شرك عنا. ثورة المهدي والحكومة الواحدة في الوقت الذي أصبحت فكرة تشكيل الحكومة العالمية الواحدة بالنسبة للبشر - الغارق في المادية، ومعنوياته واحساساته الطيبة بالنسبة للانسان قد تدهورت - أملا مستحيلا وحلما ذهبيا، فان الأحاديث الاسلامية تعتبر تشكيل الحكومة العالمية الواحدة من مميزات ثورة المهدي -عجل الله فرجه - وتدل هذه البيانات الالهية بأن العالم يخضع تحت لواء حكومة واحدة ودولة واحدة وقانون واحد وقوة واحدة، في ظل العدل، وتزول جميع القدرات الأخري والفراعنة وقارون وأشباه قارون، الكبار والصغار، وترفوف راية العدل في جميع أنحاء العالم، ويسود الصفاء والمحبة بين البشر. يقول الامام الباقر عليه السلام: اذا قام القائم ذهبت دولة الباطل.(2) - ويقول عليه السلام في حديث آخر: يبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(3) ويقول عليه السلام في تفسير الآية: (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).(4)،(5) ان هذه الآية تدل علي حكومة المهدي عليه السلام، والله تعالى يسلطه وأصحابه علي الشرق والغرب لاظهار دين الله والقضاء علي البدع كما يحارب الجاهلون الحق، حتى لا يبقي أثر للظلم، ويدعون الناس الى المعروف وينهونهم عن الباطل ولله عاقبة الأمور. دولة عالمية واحدة كل جملة من الحديث المذكور تشير الى مبدأ من مباديء الحكومة العالمية الواحدة للامام عليه السلام، أو تشير الى ميزة من مميزات حكومته. من الجدير ملاحظة المعالم التالية: - يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها. وهذا يعني أن حكومته شاملة، وليست اقليمية. - ويظهر الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل. وهذا يعني أن قوانين حكومته هي قوانين الهية من رسالة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه واله وسلم. ويقول ايضا: - حتى لا يري أثر من الظلم، ويأمرون بالمعروف. وهذا يعني أن هذه الحكومة تمتلك قدرة تنفيذية واسعة، تمحو كل نوع من أنواع الظلم في كافة أرجاء العالم وتنشر الخير. مثل هذه الميزات هي فقط من ميزات الحكومة الاسلامية العالمية، التي يحققها المهدي صاحب الزمان -عجل الله فرجه -. احدي مميزات حكومة الامام، توسيع العمران في أرجاء العالم وسيطرة البشر علي معادن باطن الأرض. ووصول الانسان الى التكامل في ظلال العدل، يقول النبي الكرم صلى الله عليه واله وسلم في هذا الصدد: - تزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتخرج الكنوز.(6) وابن عباس الذي تربي في حضن الرسول الكرم صلى الله عليه واله وسلم ومدرسة أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام يصف زمن المهدي -عجل الله فرجه - فيقول؛ ان المهدي سيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وتخرج الأرض ما في جوفها. وكنموذج لذلك قال: مثل الاسطوانة من الذهب والفضة.(7) مثل هذه الأحاديث وردت في كتب الحديث بطريق التواتر المعنوي وتتحدث عن حكومة عالمية الهية واحدة ذات حضارة عميقة ذات جذور مادية حيث تتحقق مسألة العصر الذهبي لظهور الحجة بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه. تكامل العقل والفكر الانساني نعم، لا يمكن اقامة حكومة عالمية واحدة ذات عدل في جميع الشوون بالحراب والمدافع والدبابات، رغم أن كل دولة بحاجة الى القوة، ولكن في نفس الوقت ليست القدرة والقوة التنفيذية بقادرة علي قلع الفساد أو نشر العدل، بل يجب أن يصل المجتمع الانساني الى مرحلة من العقل والفكر والعلم لدرجة يطلب اقامة حكومة الحق والقانون والقضاء علي الظلم والطغيان، ومثل هذه الحالة لا يمكن أن تتحقق الا في ظل التكامل الثقافي الانساني. والكثير من المشكلات تحل عن هذا الطريق في عصر ظهور الامام -عجل الله فرجه -. ويصرح الامام الباقر عليه السلام، بهذا العنصر من عناصر تحقيق الحكومة العالمية للامام صاحب الزمان -عجل الله فرجه- بقوله: اذا قام قائمنا وضع الله يده علي رووس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم.(8) ان الظلم والاستبداد، والاعتداء علي الحقوق الالهية والانسانية، كلها وليدة الجهل، والبعد عن الثقافة الانسانية الأصلية، وكذلك فان الجهل ليس مانعا من صنع الغواصات أو السفن الفضائية ووصول الانسان الى سطح القمر وأعماق البحار. والامام يضع يده علي رووس العباد فانه يظهر باطن من يضع يده الشريفه علي رأسه ويحرر العباد الصالحين من اللوث والكدورة التي أصيبوا بها. ونوضح الآن نتقطين أساسيتين في الرواية الشريفة: أولا: ان الامام أرواحنا فداه لا يضع يده علي رووس أصحابه وأنصاره فقط بل يضع يده الشريفه علي رووس جميع العباد. يعني جميع اولئك الذين يومنون بعبادة الله تعالى؛ حتى ولو لم يكونوا من أنصاره في الحرب أمثال كبار السن والأطفال. ثانيا: ينجي الامام عقول جميع الناس من التفرقة والتبعثر ويصير الكل من أصحاب العقول الكاملة التي تكون منشأ للأفهام الراقية والادركات الخارقة للعادة. كمال العقول يعني أن الناس يستطيعون أن يستفيدوا من جميع قدراتهم العقلية. واذا ما استفيد من القدرة العقلية الكاملة التي أودعها الله تعالى في العبد كانت في الواقع قدرة استثنائية وخارقة للعادة قياسا للانجازات الضخمة التي تحققت في تاريخ البشر رغم أنها من معطيات نسبة قليلية من التمركز العقلي. نعم في اليوم الذي توضع فيه اليد الالهية علي رووس أهل الدنيا وتلاطف بدلال ورحمة اولئك الذين ذاقوا العذاب والألم في تاريخ الغيبة حينئذ تتجلي وتظهر القوي الكامنة والمخفية علي أثر التكامل العقلي ويصل المجتمع الانساني الى أعلي مراحل التكامل والرشد العلمي والعملي ويتحقق التمدن المدهش لزمان الظهور. ولكي تتعرف كثر علي آثار وقدرات التكامل العقلي العجيبة اليك هذا التوضيح عن قدرة الدماغ الكبيرة. كل انسان أعم من كونه نابغة أو شخصا عاديا لا يستعمل كثر من نسبة واحد في المليارد من قدرته العقلية في حياته. واذا كانت النسبة التي تستعمل من قدرة الدماغ الكلية هي واحد من المليارد وبنحو أعم من قدرة دماغ نابغة أو انسان عادي، فان التفاوت الذي يشاهد بينهما هو تفاوت كيفي لا كمي.(9) يعني حتى النوابغ الذين يحملون قدرات فكرية عجيبة هم أيضا يستعملون فقط نسبة واحدة في المليارد لا كثر من قوة أدمغتهم، ولكن الكيفية التي ينتفعون بها من تلك النسبة أفضل من الآخرين. قبل بضع سنين ملأ أحد الرياضيين المعاصرين الأجواء صيتا في مطلب رياضي. وقد خمن هذا الرياضي أن دماغ الانسان يستطيع من الناحية العملية أن يدخر نسبة عشرة أقسام من المعلومات. واذا ما أردنا أن نبين هذا الرقم بنسبة واضحة وبسيطة سوف يكون هذا، أن كل واحد من أبناء الانسان يستطيع أن يختزن في حافظته جميع المعلومات التي تحتويها ملايين الكتب الموجودة في كبر مكتبة عالمية في موسكو. وهذا الكلام في النظرة الأولي - كما كدت وأيدت المحاسبات الأولي التي أجريت حوله - كلام محير ومدهش.(10) والآن تأمل في ما يلي: اذا استطاعت قدرة الدماغ الانساني ببركة نور الولاية للمصلح العالمي الأعظم أرواحنا فداه أن تبلغ حد التكامل واستفاد الانسان من جميع قدرته العقلية المودعة فيه، وليس نسبة واحد فقط في المليارد، وأصبح العلم والتمدن حكما علي كل الارض فكيف سيكون وجه العالم وحقيقته يومئذ؟! عندما يتحقق التكامل العقلي باستغلال كل الطاقة الدماغية الموجودة وتمكن الانسان أن يستفيد من قدرات الروح الكامنة والمختفية عن التجلي، واستطاع أن يوقضها وينتفع منها، أمكنه حينئذ أن يجعل من جسمه تابعا لروحه وأن يتمسك بقدرة التروح. يعني يتمكن أن يبدل جسمه المادي الى قوة وطاقة معنوية فيتحرر من الحالة الجسمية والمادية، واذا ما كان الانسان قادرا علي ذلك؛ تتحقق علي يديه كرامات كثيرة في زمانه العادي. في زمان الغيبة أفراد قليلون هم الذين يملكون قدرة طي الأرض وقد استفادوا ذلك من هذا الطريق أي بسلب الحالة الجسمية والمادية من أجسامهم، وتبدلوا الى طاقة من الأمواج، فيظهرون بلحظة واحدة في نقطة اخرى من العالم، هولاء بالقدرة التي يملكونها يستطيعون هداية وتوجيه الجسم المتروح - المتبدل الى روح - الى أية نقطة يريدونها ثم يتجسمون في تلك النقطة الجديدة. التحول العظيم في العالم في يوم الظهور المشرق سيقع تحول عظيم في الأرض وبحسب التعبير القرآني: (يوم تبدل الأرض غير الأرض)،(11) وليس هذا فحسب بل الزمان نفسه يتبدل كما في الرواية الشريفة: اذا اتسع الزمان، فأبرار الزمان أولي به.(12) واليوم يعتقد جميع العلماء أن المادة تكونت من الارتعاشات، ويمكن ارسال هذه الارتعاشات الى أبعد نقطة بواسطة الأمواج الصوتية، كالتصاوير والأصوات، وفي النتيجة يمكن تبديل أركانيزم الانسان الذي خلق من المادة الى ارتعاش وارساله بواسطة الألكترونيك الى أي نقطة في العالم، ويعتقد أن في المستقبل القريب يمكن العثور علي طرق وسبل يمكن بها تحليل بدن الانسان الى ارتعاشات وارسالها الى الفضاء وهنك يتم جمع الذرات التي انفصلت عن بعضها. والآن بامكان القرآء أن يحكموا أن الانسان روح وأن جسمه ليس الا مجموعة ذرات مادية متمركزة ويمكن بتقليص الارتعاشات وخفضها أن يحول البدن الى أي شكل يراد.(13) في يوم ما يمكن أن تري عين الانسان أن جسمه يتبدل الى جريان من الالكترون وفي ظل ذلك التبدل يرسل هذا الجريان الالكتروني الى نقطة بعيدة وهنك يتم تجمع الذرات التي تكون البدن مجددا.(14) وبناء ا علي تكامل القوي العقلية بشكل تام كما صرح بذلك في الرواية تتغلب الروح علي المادة بشكل كامل ويصبح الانسان حكما علي جسمه، ويمكنه أن يستفيد كثيرا من هذا التحول. في ذلك اليوم المملوء جلالا وبهاء ا، والمجهول بنفس الوقت، تتبدل حياة البشر المعتمدة علي المادة الى نحو آخر وكيفية أخري. وفي ظل تجلي ولاية أهل البيت عليهم السلام الكامل يصل علي الانسان وفكره الى أعلي نقطة ممكنه، ويستيطع الناس أن يستفيدوا من تقدم العلم في جميع آفاقهم الحياتية بسهولة وراحة، وتظهر أسرار أولياء الله التي كتموها بسبب عدم استعداد وتحمل البشر، ويعلمون الناس الأسرار المدهشة الكامنة في وجودهم والمختفية في عالمهم العيني والخارجي ويفتح لهم باب التربية العليا والتكامل النهائي. ربما يكون تقبل هذه الامور صعبا علينا ولا نصدق ذلك المستوي من التقدم العلمي؛ مع أننا نعلم أن عقل الانسان لو تحرر من أسر الشيطان وقيود الجهل لكانت النتيجة الحتمية تكامل الانسان في جميع الأبعاد بحيث لا يبقي سر في الوجود مختفيا عن الادرك الانساني وتصبح جميع المسائل العلمية الصعبة والمعقدة واضحة وفي متناول الجميع. يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام في كلام تفجر من أعماق وجوده المقدس، امام الحق والهدي، في حال أن غاصبي الخلافة والي الآن بين ملآيين البشر وبين بلوغهم مراحل الكمال العالية قد حرموا الانسانية من أفضل تمدن كبير في ظل الايمان بولايته المقدسة، يقول الامام عليه السلام: يا كميل ما من علم الا وأنا أفتحه، وما من سر الا والقائم يختمه.(15) نعم حينما تشرق الأنوار الالهية علي يد الامام بقية الله في أرضه أراحنا فداه تتكامل - في ظل ولايته وحكميته الدينية التامة - عقول البشر وأفهامهم، البشر الذي كتوي بنار الظلم والعذاب، والذي ارتوي من الحرمان والاضطهاد يتمكن أن يعتمد علي قدرات مدهشة وجبارة. آنذك تتمكن البشرية من استغلال قدرة التعقل الكاملة - لا نسبة واحد من المليارد - فتتقبل حينئذ أسرار مذهب الحياة والنور، الساطعة أنواره من أهل الوحي ويبلغون أعلي درجة من العلم والكمال. في ذلك اليوم البهي ذي الجلال والعظمة تظهر الأسرار وتتجلي الحقائق لجميع الموجودات. وتنطوي والي الأبد صفحات الظلام والضلال وتدفن هي والجبارون الذين أوجدوها، والطغاة الذين دافعوا عنها، والجهلاء الحمقي الذين برروا وجودها، واستسلموا لها خانعين. يدفن الكل تحت أقدام المؤمنين الغياري والأحرار أصحاب العزائم الصلبة والبصائر النافذة والقلوب الحية الواعية الذين ينظوون تحت لواء القائم من آل محمد عجل الله فرجه وفرجنا به. فهل انتظار هكذا يوم لا يبعث الصفاء في قلبك والتحمس في ضميرك؟! ظهور العلم الواقعي في العلوم الدينية تزدهر الحياة العلمية في عصر الامام المهدي عليه السلام، وخاصة العلوم الدينية والأحكام الشرعية والمعارف الاسلامية، الواقعية والصحيحة ولهذا فان كثيرا من كتب الفقه والحديث سوف تنقح، والكثير من مواضيع أصول الفقه سوف ينتهي دورها ويبطل مفعولها، لأن الامام المهدي عليه السلام يبين القواعد العامة للمسائل الشرعية. وكذا بالنسبة الى كتب الدارية وعلم الرجال وتقسيم الأحاديث الى صحيح وضعيف، فان تلك كتب يستغني عنها - لأن كثرها مبني علي الحدس والظن، وانما كان يستفاد منها في عصر الغيبة وانقطاع الناس عن الامام المعصوم عليه السلام. وكذلك فان كثر كتب التفسير يسقط من الاعتبار، اذ لايعبأ الناس بالتفاسير المنبعثة من الأراء الشخصية، وتبقي فقط التفاسير المروية صحيحة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. وهكذا بالنسبة الى القراء ات المختلفة فان الناس يتعلمون القرآن من الامام المهدي عليه السلام كما أنزله الله تعالى، ويعرفون تفسيره كما قصده الله وأراده. والخلاصة: ان العلم الصحيح ينتشر في كل بيت، وتتكون حلقات التدريس في المجتمعات، للرجال والنساء. قال الامام الباقر عليه السلام:... توتون الحكمة في زمانه أي زمان الامام المهدي حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم.(16) وكذلك فان جميع المذاهب المستحدثة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تلغي لأنها مذاهب لا تجد لها موضعا في كتاب الله وسنة رسوله. وهذا ما قاله - كذلك - أحد علماء المذاهب الأربعة المعروف بابن العربي في كتابه الفتوحات المكية باب 366 في كلامه عن الامام المهدي عليه السلام... يظهر من الدين ما هو الدين عليه نفسه ما لو كان رسول الله حيا لحكم به، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقي الا الدين الخالص... نعم، سوف تتحقق الوحدة الاسلامية الكبرى ويكون المذهب هو مذهب التشيع، مذهب أهل البيت عليهم السلام. قال الامام علي عليه السلام في حديث عن عصر الامام المهدي عليه السلام:... ويهلك الأشرار، ويبقي الأخيار، ولا يبقي من يبغض أهل البيت...(17) وأخرج السيوطي عن ابن عسكر عن الحسين عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: ابشري يا فاطمة، المهدي منك.(18) وعن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا قام قائمنا عليه السلام وضع يده علي رووس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها احلامهم.(19) الأحلام: رشد العقل وقوله: وضع يده علي رووسهم كناية عن تربية القائم عليه السلام للأمة الاسلامية. وانما عبر بالرووس باعتبار كونها وعاء العقل والفكر باعتقاد الناس. ووضع اليد عليها كناية عن السيطرة عليها بالاقناع والتربية. والمراد من اجتماع العقول، الجانب العلمي والثقافي من حياة الانسان والمراد من اجتماعها تسالمها علي مفهوم عقائدي واحد، بحيث يكون من الصعب أن نتصور وقوع الخلاف بين شخصين مندمجين في الايدلوجية العامة لدولة المهدي عليه السلام العالمية. والمراد من تكامل الأحلام: ارتفاع مستوي الأناة والرشد. وهو الجانب العاطفي والنفسي للانسان. ذلك الجانب الذي يمثل بأول درجاته مستوي العدالة الفردية في الاسلام. وهذه النتيجة بجانبيها العلمي والعاطفي هي التي تمثل الوعي العالمي الذي يوجده، المهدي عليه السلام في دولته ومجتمعه. الهوامش: (1) انترناشيناليزم - الدولية، الاستشراف أو الصفة أو المباديء أو المصالح الدولية. سياسة التعاون بين الدول وبخاصة في الحلقين السياسي والاقتصادي. (2) الكافي 287:8، ح 432. (3) كمال الدين 330:1، ب 32، ح 16. (4) الحج: 41. (5) تفسير البرهان 96:3، تفسير نور الثقلين 506:3. (6) منتخب الأثر: 472، ح 3. (7) منتخب الأثر: 472، ح 4. (8) الكافي 25:1، كتاب العقل، ح 21. (9) اعرف قدراتك الذاتية: 347. (10) اعرف قدراتك الذاتية: 44. (11) ابراهيم: 48. (12) بحار الأنوار 354:47، ب (11) أحوال أصحابه، ح 62. (13) تبقي الروح حية: 158. (14) تبقي الروح حية: 188. (15) مستدرك سفينة البحار 350:10 باب وصية أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد. (16) الغيبة للنعماني: باب 13 ح 30. (17) عقد الدرر: 159 ب 7، ح 83. (18) معجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام 144:1، ح 76. (19) منتخب الأثر: 483، ب 12، ح 1. ****************** ازدهار الحياة الاقتصادية عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: ليأتين علي الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحدا يأخذها.(1) لعل من أهم مشكل الحياة هي مشكلة الاقتصاد وما يدور حوله، من الفقر والغلاء وتحديد التجارة، مما هو من نتائج الاقتصاد الفاسد السائد في العالم، وخاصة في البلاد الاسلامية. وينبغي أن لا ننسي بأن كثر الجرائم - التي تقع في العالم - منشأها الفقر والحاجة الى المال، وكثيرا من النزاعات العائلية انما هو من نتائج الفقر، وكثر الأمراض انما هو بسبب سوء التغذية الذي هو من آثار الفقر. قال الامام عليه السلام في عصر الظهور يعالج المشكل الاقتصادية في المجتمعات البشرية، وذلك عن طريق تطبيق الاقتصاد الاسلامي في المجتمع ومن أهم بنود ذلك: 1- اباحة الانتفاع بما خلق الله تعالى. 2- اعطاء الحريات للناس في اطارها الاسلامي. 3- استثمار المواهب والطاقات، وافساح المجال - في حدوده المعقولة- للأيدي العاملة. وخلاصة القول أن الامام المهدي عليه السلام: يفسح المجال أمام الناس ليستثمروا الأرض وما فيها من المعادن أو ما عليها من المزارع، فتكثر الأموال بين البشر، وتتضاعف البركات، وتنزل السماء بركاتها. قال الامام علي عليه السلام في ضمن حديث طويل:... ولو قدم قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها... حتى تمشي المرأة بين العراق والشام، لا تضع قدميها الا علي النبات....(2) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أبشروا بالمهدي... ويقسم المال بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غني، ويسعهم عدله، حتى أنه يأمر مناديا فينادي: من له حاجة الى المال يأتيه؟ فما يأتيه أحد الا رجل واحد يأتيه فيسأله، فيقول له المهدي: انت السادن الذي بيده مفاتيح بيت المال حتى يوتيك. فيأتيه، فيقول: أنا رسول المهدي اليك لتعطيني. فيقول: أحث أنت خذ ما تريد، فيحثي فلا يستطيع أن يحمله فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج به، فيندم فيقول: أنا كنت أجشع الأمة نفسا كلهم دعي الى هذا المال فتركوه، غيري، فيرد عليه فيقول السادن: انا لا نقبل شيئا أعطيناه...(3) فهل يمكن أن نتصور مدي الخيرات والبركات والرخاء والرفاه الذي سيكون من نصيب مئات الملايين من البشر الذين يسكنون في هذه الأرجاء الواسعة. وما يرويه البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: - في حديث - ومتى يكثر فيكم المال فيفضي، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتي يعرضه فيقول الذي يعرض عليه لا أرب أي: لا حاجة لي به.(4) انتشار الأمن علي الأرض تعيش المجتمعات البشرية- اليوم - حالة عصبية من فقدان الأمن والأمان في مختلف المجالات، فسرقة الأموال من البيوت والمحلات والبنوك، والجرائم التي يقوم بها قطاع الطرق. وفقدان الأمن يعود الى احدي الأسباب التالية: 1- الفقر والحرمان، فيكون ارتكاب السرقة بسبب الفقر والحرمان وبالسرقة يسعي السارق أن يومن حياة نفسه وأهله من هذا الطريق القذر. 2- ضعف الايمان بالله، بأن لا يكون سبب السرقة هو الفقر، بل الطمع في المزيد من المال، أو خبث النفس وانحراف السلوك. 3- ضعف الدولة، بأن تكون عاجزة عن ملاحقة المجرمين ومعاقبة العصابات المفسدة. أما في عصر الامام المهدي عليه السلام فتزول جميع هذه الأسباب: فالفقر ينتفي من المجتمع ويعيش الجميع في رفاه ورفاء، حتى أن منادي الامام المهدي عليه السلام ينادي: من له حاجة الي؟ ما يأتيه الا رجل واحد يريد المزيد من المال.. لا أنه فقير محروم. والايمان بالله يتركز في القلوب، علي أثر المناهج التربويه التي يطبقها الامام في المجتمع وبذلك تنتفي الجرائم التي تقع بسبب ضعف الايمان بالله تعالى. هذا بالاضافة الى أن الناس يصلون الى مراتب عالية في التكامل وعلو النفس بحيث يجلون أنفسهم ويترفعون عن ارتكاب جريمة السرقة. والجدير بالذكر: أن الأمن والأمان لا يختص بالبشر، بل يشمل البشر مع الحيوان، والحيوانات بعضها مع بعض، فالانسان لا يخاف من الحيوان، والحيوانات الضعيفة لا تخشي من الحيوانات القوية، ويسود بينها روح التآلف والمحبة. قال الامام الباقر عليه السلام:... وتخرج العجوزة.. الضعيفة من المشرق، تريد المغرب لا يوذيها أحد...(5) وقال الامام علي عليه السلام:... حتى تمشي المرأة بين العراق والشام، لا تضع قدميها الا علي النبات، وعلي رأسها زبيلها، لا يهيجها سبع، ولا تخافه.(6) وهكذا يكون عصر الامام المهدي عليه السلام عصر السلم والسلام والأمن والأمان، بجميع معنى الكلمة. يقضي بعلمه الشخصي ان قضاء الامام المهدي عليه السلام في دولته العالمية يمتاز عن قضاء أجداده الطاهرين عليهم السلام بمزية خاصة وهي: انه يحكم بعلمه واطلاعه بالحوادث والوقائع، ولا ينتظر شهادة الشهود، ولا الأدلة التي تثبت الادعاء. قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ان الامام المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطا وعدلا كما تملأ ظلما وجورا. ومن الطبيعي أن الامام الذي يريد أن يقضي علي كل ظلم، ويقلع كل جذور الجور من كل مكان وعن كل انسان، لا يتوقع منه أن ينتظر حتى يرفع المظلوم، اليه الشكوي، ويطلب الامام من المدعي اقامة البينة. كلا، اذ قد يمكن أن لا يجد المدعي الأدلة والبراهين لاثبات دعواه أو يعجز عن اثبات حقه، أو لا يستطيع أن يزيف ادعاء ات الظالم. ومن الممكن أن يقع الظلم في كثير من بقاع العالم ولا يستطيع المظلوم أن يرفع أمره الى الامام المهدي عليه السلام، ومن الممكن أيضا أن انسانا يقتل ظلما وسرا، ولا يعلم أحد بقتله، ولا يعرف أحد قاتله، فيهدر دمه فكيف تملأ الارض قسطا وعدلا؟؟. اذن فان الامام المهدي عليه السلام يقيم الحد، ويقتص ممن صدر منه ما يوجب القصاص حتى اذا لم يشهد الشهود ولم تقم البينة. وسيكون هذا هو الرادع القوي لكل من يريد ارتكاب الجرائم. وبهذا يتورع الناس عن كل انحراف في جميع المجالات. ومما يويد ذلك ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: بينا الرجل علي رأس القائم عليه السلام يأمر وينهي اذ أمر الامام بضرب عنقه، فلا يبقي بين الخافقين شيء الا خافه.(7) وهنك أحاديث كثيرة تشير الى ما قلنا سابقا منها: قال الباقر عليه السلام: اذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه واله وسلم حكم بحكم داوود، لا يسأل البينة.(8) قال الصادق عليه السلام: اذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه واله وسلم حكم بين الناس بحكم داوود لا يحتاج الى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه.(9) وطبعا ليس المقصود بحكم داوود هو شريعته، لأن جميع الشرائع نسخت بعد ظهور الاسلام، ولكن المقصود أن المهدي بحكم كما حكم داوود من قبل بالعلم الواقعي الذي كان ينكشف عنده باذن الله، ولم يكن يبالي بقول المدعي او المدعي عليه. وهنا سوال يقول: كيف يستطيع الامام المهدي عليه السلام أن يطبق هذه العدالة في كل مكان وفي جميع البلدان، مع العلم أنه يعمل بعلمه في القضايا والمرافعات التي تقع في بلده؟؟. يمكن الجواب بقول الصادق عليه السلام: اذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض، في كل أقليم رجلا يقول له الامام: عهدك في كفك، فاذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر الى كفك، واعمل بما فيها.(10) فان هذا الحديث له ثلاث احتمالات: 1- اما أن يحمل علي الاعجاز، بأن تظهر الأحكام الشرعية مكتوبة علي كف الحكام، عند الحاجة اليها. 2- واما أن يكون المقصود من قوله عليه السلام: عهدك في كفك، جهاز اللاسلكي أو الهاتف النقال الذي يمكن الانسان الاتصال بمركز القيادة. 3- واما أن يكون له معنى آخر يعلمه الله، وسيكشف عنه بعد ظهوره عليه السلام. وخلاصة القول: ان الامام المهدي عليه السلام يكون علي اتصال دائم مع الحكام الذين نصبهم ووزعهم في جميع الأقاليم. مدة حكم الامام من الواضح أننا لا نستطيع أن نعرف المدة التي يحكم فيها الامام المهدي عليه السلام الا عن طريق الأحاديث الشريفة التي تحددها. والأحاديث الواردة في مدة حكم الامام المهدي بعد الظهور مختلفة، فبعضها تحددها بسبع سنين، وبعضها بعشرين سنة تقريبا وبعضها بسبعين سنة. وبعضها باعداد اخر. فلهذا كل ما نأمل من الله أن تكون مدة حكمه سنوات طويلة ومديدة باذن الله تعالى. ويوفقنا جميعا للحياة في ظل دولته والتنعم بتربيته... آمين. وفي الختام نبث شوقنا الى زمن الوصال ونذكر مولانا في كل حال بهذه الأبيات التي ذكرها العلامة الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني في كتابه مكيال المكارم: اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام وأهله... وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين. تولي شبابي في الفراق فأسرعا حييت بشوق الوصل دهرا ولم كن قد اشتد شوقي فيك يا غاية المني ويا خير مقصود ويا خير موئل وقد طال صبري في النوي(11) اذ تركتني فيا مهجتي(13) يا روح قلبي وراحتي نظرت بأبواب الملوك فلم أجد واذ نزل المعروف والعدل والسخا أغثني بفيض من ندك(16) فانه فلولك ساخ الأرض بالخلق(17) كلهم ولولك اندك(18) الجبال جميعها وما نبتت في الأرض لولك حبة ولا أشرقت شمس ولا نير بدا وصيرنا الأعداء لولك طعمة وما فاز ناج بالنجاة بغيركم حبيبي حبيبي طال همي وكربتي(25) تعاليت عن مدحي ومدح الخلائق وآذن عمري بالرحيل فودعا بشيء سوي تذكاره متمتعا ويا خير من صلي ويا خير من دعا ويا خير من لبي ويا خير من سعي كئيبا (12) غريبا بكيا متوجعا أغثني فقلبي كاد أن يتصدعا (14) سوي بابك العالي ملاذا (15) ومفزعا فما اختار الا في فنائك موضعا لقد صار منه البر والبحر مترعا وصار بطون الأرض للناس مضجعا ولولك أركان السماء تزعزعا (19) ولا شجر لولا وجودك أينعا (20) ولا نبعت عين ولا البرق أمصعا (21) وكان علينا الذل ثوبا ملفعا (22) ومن أمها (23) من غيركم كان ألكعا (24) أغثني سريعا قبل أن أتضيعا وما قيل في عليك قد كنت أرفعا برنامج المنتظر في زمن الغيبة (البرنامج اليومي) 1- قراء ة دعاء العهد بعد صلاة الصبح. 2- التصدق بمبلغ معين لسلامة صاحب العصر. 3- الصلاة علي محمد وآل محمد 100 مرة بنية تعجيل الفرج. 4- قراءة دعاء: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن... بعد الصلوات الواجبة. 5- أداء صلاة الغفيلة بين العشائين بنية تعجيل الفرج. (البرنامج الاسبوعي) 1-أداء صلاة الامام المهدي عجل الله فرجه مساء الثلاثاء ليلة الأربعاء. 2- قراءة زيارة آل يس مساء الخميس ليلة الجمعة. 3- قراءة دعاء الندبة صباح الجمعة. الجدول البياني للبرنامج اليومي والاسبوعي دعاء العهد: السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة التصدق: السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة الصلوات 100 مرة: السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة دعاء اللهم كن لوليك : السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة صلاة الغفيلة: السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة صلاة الامام المهدي: الثلاثاء زيارة آل ياسين: الخميس دعاء الندبة: الجمعة تذكرة: (ان قضاء الحاجة وزوال الهم والغم واستجابة الدعاء تكمن في الاستغاثة بالحجة قبل سواه بعبارة: يا أبا صالح المهدي أغثني) الهوامش: (1) البخاري 114:2 باب وجوب الزكاة، ومسند أبي يعلي 284:13، ح 7299، وكنز العمال 222:14، ح 38483. (2) بحار الأنوار 319:52، ب (27) سيره وأخلاقه، ح 12. (3) ينابيع المودة 344:3، ب 85. (4) صحيح البخاري 113:2. (5) ينابيع المودة: 240:3، ب 71، ح 18. (6) بحار الأنوار 316:52، ب (27) سيره وأخلاقه، ح 11. (7) الغيبة للنعماني: 246 ب 13، ح 33. (8) وسائل الشيعة 230:27، ح 33660. (9) بحار الأنوار 339:52 ب (27) سيره وأخلاقه، ح 86. (10) الغيبة للنعماني: ب (21)، ح 8. (11) النوي -بالفتح -:البعد. (12) منكسرا من الحزن. (13) المهجة: دم القلب والروح. (14) يتفرقا ويتقطعا. (15) ملجأ. (16) ندي - بالفتح والقصر: المطر والبلل وما سقط آخر الليل، واستعمل لمعان: الجود والكرم وغير ذلك. (17) أي دخلوا فيها وغابوا، وساخت بهم الأرض: خسفت. (18) دككت الشيء: اذا خربته وكسرته حتى سويته بالأرض. (19) تحركا شديدا. (20) أينع الثمر: اذا أدرك ونضج وحان قطافه. (21) مصع البرق: أو مض: لمع خفيفا وظهر. (22) التفع بالثوب: اشتمل به حتى يجلل جسده. (23) قصدها. (24) أحمقا. (25) غمي.