علائم الظهور نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علائم الظهور - نسخه متنی

عبد الرحیم موسوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
علائم الظهور
المؤلف: سيد عبد الرحيم الموسوي
تفهرست الموضوعات
1كلمة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
2المقدمة
3علامات الظهور في بعدها العقائدي
4واقعية علامات الظهور
5معطيات علامات الظهور
6علامات الظهور في كتب العامة
7علامات الظهور أضواء في طريق الجهاد
8نفي التوقيت
9البعد التربوي لعلامات الظهور
10الضعف والاختلاف في داخل الصف الشيعي
11شمول المحن والابتلاء لكل الناس
12كثافة المحن وتسارعها
13الشرط والعلامة
14أنواع علامات الظهور
15العلامات التي تحققت في التاريخ
16علامات الانحلال الاخلاقي والاجتماعي
17العلامات الطبيعية
18ظاهرة الحروب
19السفياني
20ملامح شخصية السفياني في روايات أهل البيت عليهم السلام
21السفياني يحكم الشام
22معركة قرقيسيا والسفياني
23ماذا بعد قرقيسيا
24الخراساني
25الدجال في روايات اهل البيت عليهم السلام
26الدجال في روايات العامة
27التفسير الرمزي لعلامات الظهور
28خلاصة البحث
******************
كلمة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
إنّ تراث أهل البيت عليهم السلام الذي اختزنته مدرستهم وحفظه من الضياع أتباعهم يعبّر عن مدرسة جامعة لشتي فروع المعرفة الإسلامية. وقد استطاعت هذه المدرسة أن تربّي النفوس المستعدة للاغتراف من هذا المعين، وتقدّم للأمة الإسلامية كبار العلماء المحتذين لخُطي أهل البيت عليهم السلام الرسالية، مستوعبين إثارات وأسئلة شتي المذاهب والاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلامية وخارجها، مقدّمين لها أمتن الأجوبة والحلول على مدى القرون المتتالية.
وقد بادر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - منطلقاً من مسؤولياته التي أخذها على عاتقه - للدفاع عن حريم الرسالة وحقائقها التي ضبّب عليها أرباب الفرق والمذاهب وأصحاب الاتجاهات المناوئة للإسلام، مقتفياً خطي أهل البيت عليهم السلام وأتباع مدرستهم الرشيدة التي حرصت في الرد على التحديات المستمرة، وحاولت أن تبقى على الدوام في خطّ المواجهة وبالمستوي المطلوب في كلّ عصر.
إنّ التجارب التي تختزنها كتب علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام في هذا المضمار فريدة في نوعها؛ لأنها ذات رصيد علمي يحتكم إلى العقل والبرهان ويتجنّب الهوى والتعصب المذموم، ويخاطب العلماء والمفكرين من ذوي الاختصاص خطاباً يستسيغه العقل وتتقبله الفطرة السليمة.
وقد حاول المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ان يقدم لطلّاب الحقيقة مرحلة جديدة من هذه التجارب الغنيّة في باب الحوار والسؤال والرد على الشبهات - التي اُثيرت في عصور سابقة أو تثار اليوم ولا سيّما بدعم من بعض الدوائر الحاقدة على الإسلام والمسلمين من خلال شبكات الانترنيت وغيرها - متجنّبة الإثارات المذمومة وحريصة على استثارة العقول المفكرة والنفوس الطالبة للحق، لتنفتح على الحقائق التي تقدّمها مدرسة أهل البيت الرسالية للعالم أجمع، في عصر يتكامل فيه العقول ويتواصل النفوس والأرواح بشكل سريع وفريد.
ولابدّ أن نشير إلى أن هذه المجموعة من البحوث قد اُعدت في لجنة خاصة من مجموعة من الأفاضل. ونتقدم بالشكر الجزيل لكل هؤلاء ولأصحاب الفضل والتحقيق لمراجعة كلّ منهم جملة من هذه البحوث وابداء ملاحظاتهم القيّمة عنها.
وكلّنا أمل ورجاء بأن نكون قد قدّمنا ما استطعنا من جهد أداءً لبعض ما علينا تجاه رسالة ربّنا العظيم الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه وكفي باللَّه شهيداً.
المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المعاونية الثقافية - قم المقدسة
المقدمة
المعركة بين الحقّ والباطل بدأت منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض، ومنذ تلقّي آدم أوّل نبي مقاليد الخلافة الربّانية حتى هذا اليوم، وستستمر حتى ظهور المهدي وقيام دولة الحق على يديه وتحقيق ما جاءت به الرسالات السماوية.
وقد تعددت أساليب الصراع بين الحق والباطل واتخذت أشكالاً مختلفة، إلّا أنه يبقي المحور الأساس في ذلك الصراع هو الخلافة، ولما استدعت المعركة أن يجنّد لها كل القوي بين الطرفين لأجل إحراز هزيمة الطرف الآخر كانت الدولة كهدف يسعي إليها الطرفان ليتم بواسطتها تطبيق اُطروحته واستخدامها كقوة لإذلال الآخر، قال الإمام الصادق عليه السلام: (للحق دولة وللباطل دولة وكلاهما ذليل في دولة صاحبه).(1)
ولكن ثمة سؤال: من هو الذي يكتب له البقاء والي صالح مَن ستحسم المعركة؟ إن علم اللَّه بالماضي والحاضر والمستقبل هو الذي يقرر المسألة، فقد وردت أخبار عن الأنبياء قبل الإسلام وعزّزها النبي الخاتم ومن بعده الأوصياء عليهم السلام على أن الأرض ستورث من قبل الصالحين من عباده.
وإنطلاقاً من ذلك فقد هيأ النبي والأئمة عليهم السلام ذهنية الأمة لأجل قبول ذلك المخطط الإلهي الذي سينتهي بدولة الحقّ المرتقبة، وربط حاضر الأمة بذلك المخطط المستقبلي ضمن آلية تتكفل برقيها من حالة إلى أخرى في ضوء السنن الإلهية، ولذا لم يكن الواقع المستقبلي في مفهومه عند مدرسة أهل البيت وحتمية انتصار خط العصمة قائماً على أساس فكرة نبوءة أو هاجس حالم، وإنما هي واقع حتمي التحقق عبر تمكين المؤمنين من طغاة الأرض.
وعلى هذا التأسيس نجد اليوم الموعود والتخطيط له من جملة ما يهدف إليه النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده، وترسيخ الاعتقاد به واستخدامه كعنصر تربوي يساهم في رفع وعي الأمة باستمرار حتى يوم الظهور.
علامات الظهور المذكورة في كتبنا تشكل مفردة من ذلك التخطيط وقد ساهمت وستساهم في تأهيل الأمة من أجل قبولها لمنطق العدالة والعمل من أجل تحقيق ذلك اليوم الذي تقام فيه، فهي إذا جزء منه ومندكة فيه، ولا يمكن تناولها بمعزل عنه، وقد اُريد لها أن تكون مرجعاً لوعي الأمة والارتقاء بها إلى أسلم المواقف وأرفعها وذات التأثير في مستقبلها الموعود.
والدراسة التي بين أيدينا عن علامات الظهور واحدة من تلك الجهود التي نأمل منها أن تساهم في رفد حركة الأمة وهي تسعي من أجل رضي اللَّه سبحانه عن طريق الارتباط بخط العصمة المتمثل في المهدي.
وقد ركز الحديث فيها ضمن عدد من الفصول على أمل أن تكون بمثابة عرض لمسألة علامات الظهور ومدي الفائدة والهدف الذي تمنحه للقارئ حين الاطلاع عليها.
علامات الظهور في بعدها العقائدي
علامات الظهور من المفردات التي تناولتها الكتب الحديثية والتفسيرية بمساحة واسعة وفي مجالات مختلفة، والتي تكشف بدورها عن مدي ضخامة وحجم الاهتمام الذي كان يوليه النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده إلى هذه المسألة، وما تحملها من دلالات وأبعاد، لذا جاء الحديث عنها مفصّلاً مما دفع بالمسلمين أن يدوّنوها بعناية فائقة.
ثم إن علامات الظهور تعني الكلام عن أحداث مستقبلية لم تحدث إلّا بعد حين كلام المعصوم ولم تكن من الكلام الظرفي الذي يهتم بشؤون الأشخاص، وإنّما هي حديث عن معاناة الأمة وما يصيبها من آلام في حياتها ومستوي الكلام فيها ذا منحي عقائدي مندك في صميم الرسالة.
وبمعني آخر أن علامات الظهور ما هي إلّا إخبارات عن حوادث غيبية ومنعطفات تاريخية ستقع في المستقبل سواء كانت تلك الحوادث كاشفة عن ضعف في حياة الأمة أو عن قوة فيها والروايات في علامات الظهور وإن اختلفت وتعددت إخباراتها فهي تبقي تدور حول الرمز والشخص الذي يمثل المحور في حركتها الذي نعتته الإخبار بالمهدي المنتظر.
والملاحظ لتراث النبي والأئمة يجده وإن اتسع لأكثر من كونها علامات تتحدث عن وقائع عامة تصيب الأمة بعد النبي إلّا أن التكريس حول المحور الأساسي - المهدي عليه السلام - في تلك الأحاديث كان له الحصة الأكبر وكأن حركة التاريخ وأحداثه العالمية كلها تدور حول هذا العنصر الأساسي، وبالنتيجة فإن تلك الإخبارات التي دُرجت تحت عنوان علامات الظهور، إذا لوحظت من هذه الوجهة نري فيها شخص المهدي وعقيدته ودولته وشريعته، الأمر الذي يؤكد الصلة في التخطيط الإلهي، الذي أسسه صاحب الرسالة النبي صلى الله عليه وآله من خلال الإخبارات التي تشير إلى إنجازات المهدي ذات الصبغة الإسلامية في الخلافة ومستقبلها وانسجام إنجازات الإمام المهدي ذات الصبغة الإسلامية مع ذلك التأسيس الإسلامي.
وهذا الجهد الاستثنائي والمميز الذي أعدته الرسالة لعلامات الظهور قد يترك أثراً بالغاً في ثقافة الأمة وحركتها السياسية منها:
1 - إن علامات الظهور والحديث عن الإخبارات المستقبلية، أو قل الإخبارات عن آخر الزمان كان له عمقه التاريخي حيث تناولتها الثقافة اليهودية وكذا المسيحية، فلا غرابة في أن تتناوله ثقافتنا الإسلامية الخاتمة. فإذا كانت اليهودية توظّف البشارات لصالح أغراضها السياسية والاقتصادية في صراعها مع المشركين في المدينة وتطبق سياسة الانتقاء للنصوص الشريفة بما يوافق مصالحها الدنيوية، فنجد الرسالة الإسلامية قد أعطت بعداً آخر للتوظيف أوسع دلالة واستهدافاً، حيث ساهمت علامات الظهور في رسالتنا في وعي الأمة وتربيتها حيث بيّنت للاُمة أنّ مصيرها هو التمكن في الأرض وقدرتها على أنها خير الاُمم وأنها الأمة التي سينتصر بها اللَّه لدينه.
ومنحت وعياً تفسيرياً لحاضر الأمة بما يؤهلها أن تختار المواقف المثلي ليكون مستقبلها منسجماً مع ذلك التخطيط وذلك الهدف.
2 - علامات الظهور تناولتها الكتب السنّية أكثر من الكتب الشيعية وقد خصص لها كتب مستقلة وهذا ما يكشف عن مدي اهتمام الرسالة والغرض الذي توليه لهذه المسألة، فإذا كان من الضروري أن تمرّ الأمة بظروف ظالمة يضطر فيها إمام الزمان للاختفاء، وممارسة دوره الإصلاحي من خلال هذا الاستتار، يأتي هنا دور الفائدة التي تمنحها علامات الظهور في ثقافتنا الإسلامية للإنسان المنتظر من أجل أن يتدارك مستقبله من خلال هذا الوعي ويتفادى الأحداث المخبر عنها ضمن منظومة علامات الظهور أي الحوادث والظواهر التي تسبب في ضياع الأمة ودخولها في مطبّات تؤخر مسيرتها وهذا التفسير لا مانع من قبوله فيما لو قلنا بأن التفادي يستهدف الحوادث التي لم تثبت حتميتها. وهذه هي المساحة التي يتحرك فيها الإنسان الذي يعني حركة التاريخ بهذا التصوير، باعتبار أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقانون العلية الذي لا يمنع من دخول الإرادة الإنسانية حين تكون هادفة في وعيها وحركتها حين تختار الموقف الأفضل.
3 - توفر علامات الظهور مزيداً من وعي الأمة برسالتها حيث تدرك بأنها لم تك رسالة طارئة أو محصورة بمكان معين، بل هي رسالة ممتدة لا إلى المجتمعات كلها فحسب، بل حتى إلى الكون كله فالمجتمع والكون يسيران بنسق واحد فعلامات الظهور التي تتحدث عن ظواهر اجتماعية نجدها تتحدث بالوقت نفسه عن حوادث كونية متزامنة مع اُختها الاجتماعية كما برز أشخاص كأبطال ورموز في تلك الأحداث، فالنظرة الاجتماعية لعلامات الظهور تشير بما لا يقبل الشك بأن حركة المهدي عليه السلام تخفي هذا البعد الضخم التي تتداخل فيه حركة الوجود كلها، بل وتتعاقد في حركتها ليساهم كلٌّ منها بطريقته. فهذا التسخير الكلّي لحركة الحياة، يكشف بأنه يستهدف قضية واحدة انطلقت من قبل الرسالة وتوّجتها الرسالة فيما بعد لتُفهم الإنسان بأن الإرادة الإلهية ستنتصر بتخطيطها آخر الزمان في المهدي عليه السلام، فحين يسمع الإنسان المسلم أنّ من علامات الظهور، ظهور الصيحة في السماء فهذا يعني أنّ المهدي يمثل إرادة السماء، والعلامات الحتمية تعني حتمية انتصار الرسالة الإسلامية في ظل قيادة المهدي بن الحسن عليه السلام.
4 - لما كان الكلام عن علامات الظهور كلاماً عن حوادث غيبية مستقبلية لذا ينبغي أن يكون المتحدث بها له صلة مع الغيب وهذا ما يتأكد من كون المتحدث عنها إما النبي أو أحد المعصومين عليهم السلام، فهي إذن كاشفة عن المخطط الإلهي البعيد وأنّ المهدي المنتظر قد حظي بالعناية الغيبية، التي كانت تدعم الأنبياء من قبل، فهو إذن جزء من ذلك المخطط وستنتصر الرسالات جميعاً على يديه.
5 - الرسالة الإسلامية الخاتمة للرسالات قد أرست قواعد الأحكام كلها وشملت بخطابها الأجيال جميعاً، ف(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة). فلم يترك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله شيئاً إلّا وبلغ به، وأهم مسألة قد بيّنها بعناء وبذل من أجلها جهوداً تبعاً لضخامتها وسمو منزلتها تلك هي الولاية والقيادة بعد الرسول صلى الله عليه وآله، حيث تكمن ضخامتها من خلال ضخامة دورها لذا سلك الرسول صلى الله عليه وآله أساليب متعددة لترويض الأمة وتربيتها على قبول الإمامة والقيادة من بعده في علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الولاية تستلزم الطاعة لأن مهمة الإمامة هي هداية الناس بتطبيق ما جاءت به الرسالة المحمدية.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد بلغ أمر اللَّه في حديث الإنذار، وتبعه بعد ذلك بجهود أخرى حتى توج آخر المطاف بحادثة الغدير، التي وضعت النقاط على الحروف، فلا مجال من كون الولاية والخلافة لعلي عليه السلام دون غيره.
ولم يقتصر جهد النبي إلى هذا الحد، لأن الخلافة والإمامة لا تتوقف بحدود حياة الإمام علي بن أبي طالب وان كان الجهد المحمدي الذي تركز بالنص على ولايته من قبل النبي ثم بروز طاقات الإمام التي تفوّق بها على غيره حتى تأكد عند المسلمين جميعاً من أنه الشخص المعد من قبل اللَّه لحمل الرسالة بعد صاحبها.
جاء الجهد الآخر الذي يحيط مسألة الإمامة، وبيّن منزلتها ودوامها واستمراريتها بعد الرسول في اثني عشر خليفة من خلال الكلام عن علامات الظهور التي تتركز في الإمام الثاني عشر إذن تعني الكلام عن الإمامة والقيادة بعد الرسول وانها ستستمر في خط العصمة، والذي سينتصر في خاتم الأوصياء المهدي بن الحسن.
واقعية علامات الظهور
إن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتي لها أن تحقق هدفها إلّا عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.
وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تتم عن طريق الأنبياء بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية، لأن الرسالة التي تعتمدها عملية التغيير هنا ربانية وليست من صنع الظروف؛ نعم لكنها من جهة التنفيذ تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف.
من هنا فإن علامات الظهور التي تحدثت عن بروز ظواهر اجتماعية، ثم إشارتها إلى وقوع بعض الأحداث كالحروب وغيرها ما هي إلّا تعبير عن ظواهر قد أنتجتها ظروف موضوعية، ولهذا فهي نبوءات صادرة عن الغيب تكشف عن تحولات في حياة الاُمة، والغرض منها توعية الأمة بمستقبلها واستفادة ذلك لغرض الهداية وتفادي الظواهر السيئة منها وعدم الوقوع فيها، ثم التفاعل مع الظواهر الصحيحة والارتباط معها.
إذاً فعلامات الظهور تكشف لنا عن ثلاث حقائق:
الأولى: إن عملية التغيير لا ترتبط بالظروف والمعادلات الآنية، بقدر ما تشكل الظروف مناخاً ملائماً لعملية التغيير والإصلاح.
الثانية: إن التخطيط لليوم الموعود خاضع لإرادة ربّانية والكلام في علامات الظهور كلام عن إرادة غيبية.
الثالثة: لما كانت عملية التغيير التي يتولّاها الإمام المهدي عليه السلام ترتبط من الناحية التنفيذية بظروف موضوعية كأي عملية تغيير أخرى تساهم في توفير المناخ الملائم لها، وأنها لا تقتصر على مساحة معينة من العالم، بل تشمل عملية التغيير كل العالم إنطلاقاً من شمولية الرسالة؛ من هنا جاءت علامات الظهور كتعبير عن تلك التحولات الاجتماعية الشاملة لكل العالم.
معطيات علامات الظهور
الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته بخصوص المهدي كثيرة، فمنها التي تحدثت عن ولادته، ومنها التي أشارت إلى فوائد غيبته وأثرها في حياة الأمة. ومنها التي ذكرت فوائد انتظاره، وهكذا..
وفي هذه الفقرة من البحث سنتناول فوائد علامات الظهور والآثار التي تمنحها للأمة وقد أوجزناها بما يلي:
1 - ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين روايات كان في معرض صدورها كعلامات لظهور القائم وهي في الحقيقة إخبارات غيبية تنبئ عن وقوع أحداث في المستقبل، ومن المعروف أن قسماً منها قد تحقق في الخارج، وهذا يعني وكما قلنا في الفقرة السابقة أنّ للمخبر علاقة واتصالاً مع الغيب، لأنه ليس بمقدور الإنسان العادي أن يتحدث عن ذلك ويكشف عن مفردات لها علاقة بالمخطط الإلهي الموعود من دون هذا الاتصال.
وهذا اللون من النشاط الذي برز في حياة المعصومين يؤدي بما لا يقبل الشك إلى الاعتقاد بإمامتهم، كما يعدّ شاهداً على صحتها، وسبباً للتعريف بشخص الإمام.
2 - من فوائد مرحلة استتار المهدي عن الأمة وقيامه بأنشطة وأعمال من خلال ذلك الاحتجاب، مسألة تهيئة الأمة وتربيتها لقبول العدالة الإلهية، وتولّي زمام المبادرة في الصراع مع الظالمين، الأمر الذي يستوجب مرور الأمة بظروف صعبة من محن وابتلاء يتم من خلالها فرز المواقف القوية من الضعيفة وتمييز الطيب من الخبيث.
ولهذا جهد النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته من أجل تسليح الأمة بعناصر تقيها من السقوط وتساهم في وعيها وتدخلها عملياً في تحقيق مصيرها، وقد مثلت علامات الظهور أحد تلك العناصر وهي من جهة أخرى تمثل اُسلوباً وقائياً يستطيع المسلم في عصر الانتظار بواسطتها أن يطرد الأدعياء من ساحته خصوصاً أدعياء الإمامة أو النبوة، حيث أشارت بعض العلامات إلى هذا الادعاء، وبهذا ستغلق علامات الظهور كل الطرق والمنافذ التي يتخذها شياطين الأرض كأساليب لإظلال الناس.
3 - جاء في القرآن الكريم عدد من الآيات، وكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عدد من الروايات، تؤكد بأن الأرض سيرثها الصالحون من عباد اللَّه وهذا الوعد الإلهي الصادق سيتم آخر المطاف.
أما مرحلة ما قبل تمكين المؤمنين من الطغاة فقد ورد فيها أخبار أيضاً شُكلت كعلامات تطمئن المؤمنين بقرب موعد الظهور، وهي تساهم في ترسيخ الثقة بالنصر وتؤكد حتميته، ثم تبعث الأمل في نفوس المنتظرين وتدعوهم لمواصلة الصراع وإدامة المعركة لأن المنتظر عادة يكون بين علامتين الأولى تحققت، والثانية مترقبة الحدوث.
من هنا تشكل علامات الظهور محطات وعي وأمل في حياة الاُمة.
علامات الظهور في كتب العامة
تنتفي في هذه الفقرة من البحث بعضٌ من النصوص التي تناولتها المصادر الحديثة لدي الفريقين باعتبارها إخبارات عن أحداث مستقبلية ولها صلة بعلامات الظهور ضمن عدد من الطوائف فيها أنها جزءٌ من ذلك النسيج الإلهي الذي خطّه نبي الإسلام. ويتأكد في الوقت نفسه أن علامات الظهور ليس مورد اهتمام طائفة خاصة وإنما قضية كبرى كانت قبل الإسلام ولازالت حديث الساعة وكل مذهب أو مدرسة تناولتها بطريقتها الخاصة ولذا شكلت علامات الظهور عاملاً مشتركاً لدي الاتجاهات التي تحدثت عن موضوع المهدي المنتظر أو المنقذ.
1 - أخرج ابن أبي شيبة عن أبي الجلد قال: (تكون فتنة بعدها فتنة، الأولى، والآخرة كثمرة السوط(2) يتبعها ذباب السيف، ثم تكن بعد ذلك فتنة تستحل فيها المحارم كلها، ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته هنياً).(3)
2 - وأخرج الطبراني عن عوف بن مالك(4) أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: (يجيء فتنة غبراء مظلمة تتبع الفتن بعضها بعضاً حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين).(5)
3 - وأخرج نعيم بن حماد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (ستكون بعدي فتن منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب، ثم بعدها فتنة أشد منها، ثم تكون فتنة كلما قيل: انقطعت، تمادت حتى لا يبقي بيت إلّا دخلته، ولا مسلم إلّا ملّته حتى يخرج رجل من عترتي).(6)
4 - وأخرج نعيم بن حماد، عن علي بن أبي طالب قال: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية عشر شهراً، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت).(7)
5 - وأخرج أيضاً عن أبي هريرة قال: (تكون في المدينة وقعة يغرق فيها أحجار الزيت، ما الحرة عندها إلّا كضربة سوط، فيتنحي عن المدينة قدر بريدين، ثم يبايع المهدي).(8)
6 - وأخرج نعيم من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس (رضي اللَّه عنهما) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج الهرج حتى يموت السابع، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، كذلك حتى يقوم المهدي).(9)
7 - وأخرج الطبراني في الأوسط، ونعيم، وابن عساكر، عن علي عليه السلام أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: (تكون في آخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبّوا أهل الشام ولكن سبّوا أشرارهم، فان فيهم الأبدال، يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب من السماء فيغرق جماعتهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي على ثلاث رايات (المكثر يقول: هم خمسة عشر ألفاً، والمقلل يقول: هم اثنا عشر ألفاً، أمارتهم (أمت أمت)، يلقون سبع رايات)تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم اللَّه جميعاً، ويرد اللَّه إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم).(10)
8 - وأخرج نعيم بن حماد، وأبو الحسن الحربي في الأوّل من الحربيات، عن علي بن عبد اللَّه بن عباس (رضي اللَّه عنهما) قال: (لا يخرج المهدي حتى تظهر مع الشمس آية).(11)
9 - عن كثير بن مرة الحضرمي قال: (آية الحوادث: في رمضان، علامة في السماء بعدها اختلاف في الناس، فإذا أدركها أحد منكم فليحتكر من الطعام ما استطاع) أخرجه نعيم بن حماد.(12)
10 - وأخرج نعيم أيضاً، عن كعب قال: (يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذنب يضيء).(13)
11 - وأخرج أيضاً، عن شريك قال: (بلغني أنّه قبل خروج المهدي ينخسف القمر في شهر رمضان مرتين) أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن.(14)
12 - حسر الفرات على جبل من ذهب، أخرجه ابن ماجة، والحاكم وصححه وأبو نعيم:
13 - (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه الناس، ويقتل تسعة أعشارهم)رواه ابن ماجة عن أبي هريرة والطبراني عن اُبيّ.(15)
14 - وأخرج الحاكم عن أبي هريرة، قال، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني فيبعث اللَّه إليه جنداً من جنده فيهزمهم).(16)
15 - وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، وأبو يعلي، والطبراني، عن اُم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتونه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأي الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وآله، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، يلبث سبع سنين، ثم يتوفي ويصلي عليه المسلمون).(17)
16 - وأخرج البزار، عن أنس رضي الله عنه: (إنّ النبي صلى الله عليه وآله كان نائماً في بيت اُم سلمة فانتبه وهو يسترجع قالت: يا رسول اللَّه لِمَ تسترجع؟ قال: من قبل جيش يجيء من قبل العراق في طلب رجل من أهل المدينة، فيمنعه اللَّه منهم، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم فلا يدرك أعلاهم أسفلهم ولا يدرك أسفلهم أعلاهم إلى يوم القيامة).
17 - وأخرج الطبراني في الأوسط، والحاكم عن اُم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (يبايع الرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر، فيأتيه عصائب أهل العراق وأبدال أهل الشام، فيغزوه جيش من أهل الشام، حتى إذا انتهوا بالبيداء خسف بهم).(18)
18 - وأخرج الطبراني في الأوسط عن اُم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (يسير ملك المشرق إلى ملك المغرب فيقتله، ثم يسير ملك المغرب إلى ملك المشرق فيقتله، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيخسف بهم ثم يبعث جيشاً فينشأ ناس من أهل المدينة فيعوذ عائذ بالحرم، فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرقة حتى تجمع إليه ثلاثمائة وأربعة عشر، فيهم نسوة، فيظهر على كل جبار وابن جبار، ويظهر من العدل ما يتمني له الأحياء أمواتهم، فيحيي سبع سنين، ثم ما تحت الأرض خير ممّا فوقها).(19)
19 - وأخرج الطبراني في الأوسط، عن اُم حبيبة قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: (يخرج الناس من قبل المشرق يريدون رجلاً عند البيت حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بهم).(20)
قلت: قال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر): (يجيء جيش من قبل العراق في طلب رجل من أهل المدينة أي المهدي، فيمنعه اللَّه منهم فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم، فلا يدرك أعلاهم أسفلهم ولا أسفلهم أعلاهم إلى يوم القيامة).(21)
وكونهم من أهل العراق في هذه، ومن قبل المشرق في رواية أخرى لا ينافي أنهم من أهل الشام المصرح به في عدة روايات.
20 - أخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فيجتمع لهم قيس فيقتلها).(22)
21 - أخرج نعيم بن حماد عن أبي أرطأة، قال: يدخل السفياني الكوفة فيستلها ثلاثة أيام، ويقتل من أهلها ستين ألفاً، ثم يمكث فيها ثمان عشرة ليلة يقسم أموالها، ودخول الكوفة بعد ما يقاتل الترك والروم بقرقيسياء، ثم ينفتق عليهم خلفهم فتق فترجع طائفة منهم إلى خراسان، فيقبل السفياني، ويهدم الحصون حتى يدخل الكوفة، ويطلب أهل خراسان، ويظهر بخراسان قوم تذعن إلى المهدي، ثم يبعث السفياني إلى المدينة فيأخذ قوماً من آل محمد صلى الله عليه وآله حتى يؤديهم الكوفة، ثم يخرج المهدي ومنصور هاربين، ويبعث السفياني في طلبهما، فإذا بلغ المهدي والمنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء، فيخسف بهم، ثم يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم، وتقبل الرايات السود حتى تنزل على الماء، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون، ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم، ثم يخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم: العصب، ليس معهم سلاح إلّا قليل، وفيهم بعض أهل البصرة قد تركوا أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة، وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي).(23)
22 - أخرج أبو نعيم عن عمرو بن العاص قال: (علامة خروج المهدي إذا خسف بجيش في البيداء فهو علامة خروجه).(24)
الهوامش:
(1) بحار الأنوار: 365:52، عن الغيبة للنعماني.
(2) في النهاية: ومنه حديث الحد (فأتي بسوط لم تقطع ثمرته) أي طرفه الذي يكون في أسفله.
(3) المصنّف ابن أبي شيبة: 703:8 ح101.
(4) الظاهر هو عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني الذي شهد خيبر وفتح مكة، ونزل حمص وبقي إلى خلافة عبد الملك ومات سنة ثلاث وسبعين.
(5) مجمع الزوائد: 324:7، المعجم الكبير: 51:8.
(6) راجع معجم أحاديث المهدي: 81:1.
(7) كنز العمال: 589:14، ح 39669، كتاب الفتن ابن حماد: 198.
(8) معجم أحاديث المهدي: 423:1، كتاب الفتن ابن حماد: 81، عقد الدرر: 56.
(9) كنز العمال: 247:11، نقلاً عن كتاب الفتن لابن حماد: 125.
(10) كتاب الفتن ابن حماد: 216، تاريخ ابن خلدون: 318:1 بتفاوت يسير.
(11) كتاب الفتن لابن حماد: 91، الغيبة للطوسي: 466، المصنف لعبد الرزاق: 373:11.
(12) كتاب الفتن: 123، فيض القدير للمناوي: 465:1.
(13) كتاب الفتن: 133.
(14) كتاب الفتن: 133.
(15) سنن ابن ماجة: 1343:2، ح 4046 بتفاوت يسير، المعجم الكبير للطبراني: 200:1 ح 537، مسند الشاميين، الطبراني: 51:3.
(16) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 520:4، كنز العمال للمتقي الهندي: 272:14، الدر المنثور للسيوطي: 241:5.
(17) معجم أحاديث المهدي عليه السلام: 442:1، ح 303، مصنف ابن أبي شيبة: 45:15 ح 19070.
(18) المعجم الأوسط، الطبراني: 176:9، المعجم الكبير: 296:23.
(19) مجمع الزوائد: 315:7، عنه في معجم أحاديث المهدي: 500:1.
(20) المعجم الأوسط للطبراني: 221:4، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 205:29.
(21) تاريخ المدينة لابن شبة النميري: 279:1، لمزيد من الاطلاع راجع معجم أحاديث المهدي:495:1 و496.
(22) المستدرك للحاكم: 520:4.
(23) كتاب الفتن لابن حماد: 187.
(24) كتاب الفتن: 202.
******************
علامات الظهور أضواء في طريق الجهاد
عملية فرز الروايات الخاصة بعلامات الظهور من الحكم الروائي المتعلق بالإمام المهدي يجعل الباحث نفسه أمام روايات أخرى بنفس الاتجاه، إلّا أنها تؤطر معني العلامة وتجعل التعامل معها ذات بعد تربوي مقصود وبهذا الصدد نشير إلى جملة من الأبعاد التي ترتفع بمستوي العلامات من كونها مجرد إخبارات عن حوادث إلى مستوى مادة عمل وتحريك:
نفي التوقيت
إنّ مسألة تحقق الظهور وقيام الدولة وإن كان أمراً حتمياً، إلّا أنه لم يخرج عن وعي الإنسان وإرادته ودوره في التمهيد، وأنّ من أسرار الغيبة هو انتظار الظرف الملائم للظهور، والذي يستوجب أن يكون العالم البشري قد نضج وتأهل لقبول الرسالة الإسلامية، ثم القناعة المطلقة بقيادة الإمام المهدي عليه السلام بمحض الإرادة؛ ولذا لم تكن إرشادات المعصوم ووصاياه تعمد إلى التصريح بتحديد المدة التي يظهر بها الإمام لئلا تكون مدعاة للاتكال والاسترخاء والعزلة، فالملاحظ للأخبار الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده بخصوص مسألة الظهور يجدها قد واجهت هذا اللون من التفكير، فقد روي النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه، قال: قلت له: جعلت فداك متى خروج القائم عليه السلام؟
فقال عليه السلام: (يا أبا محمد، إنّا أهل البيت لا نوقّت، وقد قال محمد صلى الله عليه وآله كذب الوقّاتون).(1)
وروي بسنده عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: (يا محمد، من أخبرك عنا توقيتاً فلا تهب أن تكذبه، فإنّا لا نوقّت لأحد وقتاً).(2)
وبسنده عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: قال: قلت إنّ لهذا الأمر وقتاً؟ فقال عليه السلام: (كذب الوقاتون، كذب الوقاتون).(3)
وجاء عن الإمام المهدي عليه السلام نفسه عن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري النائب الثاني: (وأما ظهور الفرج فإنّه إلى اللَّه وكذب الوقاتون).(4)
وإذا كانت مسألة الظهور تجري وفق أسباب وعلل تتفاعل فيما بينها سلباً وإيجاباً، فمنها ما هو الثابت المرتبط بالإرادة الإلهية، ومنها ما هو واقع وفق قانونه، كما هي السنن المشروطة تحت الخيار الإنساني، كما يكون البعض منها في موقع المقتضي أو الشرط، وأن بعضها قد يكون بمنزلة المانع.
وعليه، فإنّ هذا اللون من العلاقة بين المقتضيات والشروط والموانع الذي يتعلق بالأهداف (علامات الظهور) يدعونا أن نتعامل معها لا بمعزل عن عللها وأسبابها، لذا فقد يتأخر الحدث وقد يتقدم وقد تلغي بعض المقدمات والصور المتوقعة قبله أو معه، وقد تحدث أخرى لم تكن من قبل؛ وهو معني البداء الذي يمنع من الإخبارات القاطعة بالأحداث الواقعة ضمن نطاق القوانين الطبيعية القابلة للتغير).(5)
وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: (لولا آية في كتاب اللَّه لأخبرتكم بما كان وما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة) وهذه الآية هي: (يمحو اللَّه ما يشاءُ ويُثبت وعنده اُم الكتاب)(6).(7)
وبناءً على ذلك فإنّ تحديد زمن مجيء الظرف المقدر لظهور الإمام المنتظر عليه السلام غير وارد، ولهذا رفض الأئمة من أهل البيت عليهم السلام التوقيت وكذّبوا من نقله عنهم.
البعد التربوي لعلامات الظهور
قام النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده بتزويد الأمة في عصر حضور الإمام المعصوم، أو غيبته بوعي يمكنها من التعامل مع الأحداث المستقبلية، ضمن ما عرف بعلامات الظهور، وقد اتّخذ هذا التراث نسقاً معرفياً متجهاً نحو أشكال مختلفة وهو بطبيعة الحال تراث يتكلم عن أحداث غيبية، فمنها الذي قد تحقق ومنها ما لم يتحقق.
أ - الأخبار التي تنبئ ببقاء الأمة الإسلامية واستمراريتها وعدم تعرضها للموت والانهيار أو السقوط، لأن الثقة ببقاء الأمة يكون دافعاً للتضحية ومواصلة العمل، والتغيير من أجل تحقيق الهدف التاريخي، الذي أقرته الرسالة:
1 - قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم قالوا: يا رسول اللَّه نحن كنا معك ببدر واُحد وحنين ونزل فينا القرآن، فقال: إنّكم لو تُحَمَّلوا ما حُمّلوا لم تصبروا صبرهم).(8)
2 - قال صلى الله عليه وآله: (إنّه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقاتلون أهل الفتن).(9)
3 - وقال صلى الله عليه وآله أيضاً: (يا علي! واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، وحجتهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض).(10)
4 - وعنه صلى الله عليه وآله: (لا تزال طائفة من اُمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسي بن مريم عليه السلام، فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول لا، إنّ بعضكم على بعضٍ أمر ليكرم اللَّه هذه الاُمة).(11)
5 - وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً: (لا تبرح عصابة من اُمتي ظاهرين على الحق لا يبالون من خالفهم، حتى يُخرج المسيح الدجال فيقاتلونه).(12)
6 - (لا يزال هذا الدين قائماً، تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة).(13)
7 - (إنّ اللَّه تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها).(14)
8 - (يوشك أن تداعي عليكم الاُمم من كل اُفق، كما تداعي الأكلَةَ على قصعتها، قال قلنا: يا رسول اللَّه! أمن قلة بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غُثاء كغثاء السّيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت).(15)
9 - ويشير الإمام علي بن أبي طالب في إحدى خطبه، إلى شدة المحن والبلاء في آخر الزمان الذي يطال المؤمنين إلّا أنه تبقي ثلة صامدة لا يزيدها البلاء إلّا تقوي وتعلقاً في الدين.
قال عليه السلام: (وذلك زمان لا ينجو فيه إلّا كل مؤمن نُومَة، إن شهد لم يُعرف وإن غاب لم يفقد، اُولئك مصابيح الهدي وأعلام السُري.. أيها الناس! إنّ اللَّه قد أعاذكم من أن يجور عليكم أو يُعذبكم من أن يبتليكم؛ وقد قال جلّ من قائل: (إن في ذلك لآيات وإن كنا لمُبتلين)(16).(17)
ب - الأخبار الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين ذات العلاقة بعلامات الظهور، أو الأخبار التي تتحدث عن المستقبل الإسلامي، لو أراد الباحث تصنيفها مثلاً، أو ملاحظتها من حيث بعدها السنني، أو ملاحظتها من جهة علاقتها وارتباطها بالمخطط الإلهي، الذي ينتهي بظهور القائم عليه السلام، والذي يصف الإمام الصادق عليه السلام نظام أحداثه كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.(18) أو تطبيق العدالة الإسلامية المرتقبة على وجه الأرض، لو أراد الباحث ذلك كلّه لوجد أن العلامات من خلال تلك الرؤية تكشف عن اُمور منها:
أولاً: إن الأخبار الواردة عن بيت العصمة تستهدف تربية الأمة وترويضها جيلاً بعد جيل من أجل قبول العدالة والتضحية من أجلها.
ثانياً: ومن تلك الأخبار التي تتحدث عن علامات الظهور ما يكشف عن كون العلامة تبدأ صغيرة وتتحدث عن المستقبل القريب، ثم تتسع فتأتي علامات تتحدث عن المستقبل البعيد، حتى تصبح شاملة لكل العالم.
ثالثاً: كثافة المحن وشدتها حين اقتراب الظهور.
ولما كانت العلامات تمتلك قصداً تربوياً، أو تكشف عن مخطط تربوي يستهدف كل العالم، من أجل أن يكون مؤهلاً لقبول الإسلام كمنهج ثم الارتباط بخط العصمة - العدل الثاني للرسالة - كقيادة للعالم لابد من مرورها بمخطط شامل، من هنا نجد العلامات قد شملت كل الصنوف من الابتلاءات.
الضعف والاختلاف في داخل الصف الشيعي
1 - قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: (لو قام قائمنا بدأ بكذّابي الشيعة فقتلهم).(19)
2 - وعنه عليه السلام: (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدي ولا عَلَم يُري يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين، وإمارة من أوّل النهار، وقتل وخلع من آخر النهار).(20)
3 - عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: (لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه).(21)
4 - عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: (أما واللَّه ليغيبن عنكم صاحب هذا الأمر، وليُحملنّ هذا حتى يقال مات، هلك في أي واد سلك؟ ولتكفأنّ كما تكفأ السفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلّا من أخذ اللَّه ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيّده بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدري أيّ من أيّ). قال: فبكيتُ فقال: ما يُبكيك يا أبا عبد اللَّه؟ فقلت: جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدري أي من أيّ؟
قال: - وفي مجلسه كوّة تدخل فيها الشمس فقال: أبيّنة هذه؟ فقلت: نعم، قال: أمرنا أبين من هذه الشمس؟.(22)
5 - (كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون اللَّه عزّ وجل).(23)
6 - (يكون قبل خروج الدجال نيف على سبعين دجالاً).(24)
7 - (إنّ بين يديّ الساعة كذّابين، فقال كلمة لم أفهمها، فقلت ما قال؟ فقال: القول قال: فاحذروهم).(25)
8 - (كيف بكم إذا التفتم يميناً فلم تروا أحداً والتفتم شمالاً فلم تروا أحداً، واستوت بنو عبد المطلب، ورجع عن هذا الأمر كثير ممّن يعتقده، يُمسي أحدكم مؤمناً ويُصبح كافراً، فاللَّه اللَّه في أديانكم، هنالك فانتظروا الفرج).(26)
9 - (أني يكون ذلك ولم يستدر الفلك حتى يقال: مات أو هلك في أي وادٍ سلك؟ فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم).(27)
10 - (كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين فيأزر العلم كما تأزر الحية في جُحرها، واختلف الشيعة وسمّي بعضهم بعضهم كذّابين، وتفلَ بعضهم في وجوه بعض؟ قلت: جعلت فداك، ما بعد ذلك من خير، فقال لي: الخير كله عند ذلك) ثلاثاً.(28)
11 - عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت بنت الحسن بن علي عليه السلام تقول: (لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضاً ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض، قلت: ما في ذلك خير؟ قالت: الخير كله في ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كله).(29)
شمول المحن والابتلاء لكل الناس
أما شمول المحن فقد جاء فيها ما يلي:
1 - (ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقي صنف من الناس إلّا وقد ولّوا على الناس حتى لا يقول قائل إنا لو وُلينا لعدَلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل).(30)
2 - (لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثي الناس، فقيل له: إذا ذهب ثلثي الناس فما يبقي؟ فقال عليه السلام: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي).(31)
3- (قدام القائم موتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف والموت الأبيض الطاعون).(32)
كثافة المحن وتسارعها
أما العلامات التي تحدثت عن كثافة المحن وشدّتها قبل الظهور فقد جاء فيها ما يلي:
1 - قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: (كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية. ومعلوم أن وجوب العمل بالتقية يأتي حين شدة المحن وعدم القدرة على المواجهة).(33)
2 - وعنه عليه السلام: (اُكتب وبث علمك في إخوانك، فإنّ مت فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم).(34)
3 - (نعم ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ويظهر السفياني، ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل، يلجئون فيه إلى حرم اللَّه وحرم رسوله صلى الله عليه وآله).(35)
4 - (من يضمن لي موت عبد اللَّه أضمن له القائم، ثم قال: إذا مات عبد اللَّه لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللَّه، ويذهب مُلك السنين، ويصير مُلك الشهور والأيام، فقلت يطول ذلك؟ قال: كلا.(36)
5 - (يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم، فينادي منادٍ صادق من شدة القتال فيم القتل والقتال؟ صاحبكم فلان).(37)
الشرط والعلامة
يشترك مفهوم الشرط مع مفهوم العلامة على أنهما مما يجب تحققه قبل الظهور، ولا يمكن أن يوجد الظهور قبل تحقق كل الشرائط والعلامات فإنّ تحققه - أي الظهور - قبل ذلك، مستلزم لتحقق المشروط قبل وجود شرطه، أو الغاية قبل الوسيلة، كما أنّه مستلزم لكذب العلامات التي أحرز صدقها وتوافرها.
إذاً، فلابد أن يوجدا معاً قبل الظهور خلال عصر الغيبة الكبرى، أو ما قبل ذلك.
ومع هذا الاشتراك إلّا أنه توجد بينهما بعض الفروق:
1 - إنّ إناطة الظهور بالشرائط إناطة واقعية، وإناطته بالعلامات إناطة كشف وإعلام.
ولذا فإن انعدام بعض الشرائط يقتضي إنعدام الظهور أساساً، وعليه فلابد من اجتماع لكي يمكن تحقق الظهور ونجاحه.
أما العلامة فليس لها دخل سوي الدلالة والإعلام والكشف عن وقوع الظهور بعدها، مثالها مثل هيجان الطيور الدال على تساقط المطر بعده من دون أن يقال إنّ العاصفة لا يمكن أن تقع بدون هيجان الطيور بل يمكن وقوعها.
نعم، إلّا أنّ بعض العلامات مربوطة بالشروط إرتباطاً عضوياً، بمعني أنّ العلامات تعتبر من مسببات ونتائج عصر الفتن والانحراف الذي هو سبب التمحيص، والذي يكون سبباً إلى إيجاد أحد شرائط الظهور، فترتقي العلامات المذكورة إلى مستوي مفهوم الشرائط.
2 - علامات الظهور عبارة عن عدّة حوادث قد تكون مبعثرة وليس من بد من وجود ترابط واقعي بينها سوي كونها سابقة على الظهور... الأمر الذي جعلها علامة للظهور في الأدلة الإسلامية لكنها تقع مبعثرة في الزمان.
أما الشرائط فلها ترابط واقعي ومسببي.
3 - علامات الظهور حادثة طارئة لا يمكن أن تدوم مهما طال زمانها، بخلاف الشرائط فبطبعها قابلة للبقاء وهي باقية فعلاً بحسب التخطيط الإلهي.
ولهذا يمكن تقسيم العلامات وفق هذا الفهم إلى عدة أقسام:
فمنها الحوادث التي لها علاقة في التخطيط الإلهي، أو العلامة بمستواها الواقعي لا الكشفي.
ومنها الحوادث التي لا ترتبط بالتخطيط الإلهي بل لها صبغة تكوينية مستقلة مثل خسوف القمر في آخر الشهر وكسوف الشمس في وسطه.
ومنها ما هو قريب من عصر الظهور بحيث يمكن أن يعدّ من مقدماته الأخيرة كقتل النفس الزكية، أو ظهور الدجال.
ومنها الأحداث التي تسبق الظهور بزمن طويل.
أنواع علامات الظهور
نكتفي في هذا الفصل إلى عرض جملة من أنواع العلامات والحقول الاجتماعية، أو السياسية التي تمتد إليها ليكون الاطلاع عليها بهذا النحو الإجمالي، بمثابة وعي تاريخي لمسيرة الأمة والظواهر التي ستبرز في حياتها.
أنواع علامات الظهور
تنقسم علامات الظهور حسبما تصرح بذلك الروايات إلى قسمين، فمنها ما هو حتمي الوقوع، ومنها ما هو غير حتمي وكلا القسمين قد تحقق بعضاً منه والبعض الآخر لم يتحقق.
أما بخصوص العلامات الحتمية، فقد ذكر أنّ خروج الدجال الذي يدعي الإلوهية وأتباعه من اليهود الذي يبيح المحرمات ويرتكب أنواع الفسق والفجور ويسخر آفاق الأرض باستثناء مكة والمدينة ومراقد الأئمة، كما ذكر أنّ الصيحة من العلامات الحتمية، حيث ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم (ألا إنّ الحق في علي وشيعته) وإنها تكون في رمضان. والثالثة: خروج السفياني، والرابعة: الخسف بالبيداء، أي خسف البيداء بجيش السفياني، والخامسة: قتل النفس الزكية بين الركن والمقام، والسادسة: خروج السيد الحسني، والسابعة: طلوع كف في السماء، والثامنة: كسوف الشمس، والتاسعة: النداءات الثلاثة، الأوّل: (ألا لعنة اللَّه على القوم الظالمين)، والثاني: (أزفت الآزفة)، والثالث: هذا أمير المؤمنين رجع إلى الدنيا لهلاك الظالمين، والعاشرة: اختلاف بني العباس وانقراض دولتهم.
والقسم الآخر: العلامات غير الحتمية، كالبلايا العامة التي ابتلي بها أكثر الناس في أكثر الأزمنة، ومنها ظهور ستين شخصاً يدّعون النبوّة، ومنها: ظهور اثني عشر نفراً من السادة يدّعون الإمامة، ومنها اتصال جسر بغداد بمحلة الكرخ وخراب بغداد وعمارة بلدة الكوفة بعد خرابها، وطغيان الماء في النجف، وظهور القحط الشديد وخراب البصرة بيد صاحب الزنج، وظهور اليماني من اليمن، والخراساني، ثم المغربي إلى ناحية مصر واختلاف الرايات في الشام، وخراب الشام من القتل والانتهاب وانقطاع دوام سلطنة كثير من السلاطين، ووقوع زلزلة في الشام قبل خروج السفياني يهلك منها أكثر من مائة ألف نفر. هذا وسنتناول عدداً من هذه العلامات بمزيد من التفصيل ضمن عدد من النقاط:
العلامات التي تحققت في التاريخ
1 - انحراف القيادة الإسلامية بعد الرسول صلى الله عليه وآله
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (ستكون اُمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم).(38)
وعنه صلى الله عليه وآله: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس).(39)
2 - زوال الحكم الاُموي
قال الإمام الباقر عليه السلام: (يقوم القائم في وتر من السنين: تسع، واحدة، ثلاث، خمس وقال: إذا اختلف بنو اُمية وذهب ملكهم).(40)
ومن المعروف أنّ الإمام الباقر عليه السلام قد توفي قبل زوال ملكهم بثمانية عشر عاماً.
3 - زوال الحكم العباسي:
فقد جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: (ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش، حتى يختلفوا فيما بينهم فإذا اختلفوا ذهب ملكهم).(41)
وفعلاً تم ذلك فيما بعد حين سيطر الأتراك على الحكم وبعدهم البويهيّون ثم السلاجقة، وبعد كلّ هذا التمزيق أصبح المجتمع الإسلامي عرضة لغزو المغول حتى اختفت الحكومة العباسية عن المسرح السياسي بالكامل.
4 - الإخبار بالرايات السود، التي تخرج من خراسان بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي مهّد - لمجيء العباسيين حين دخل الكوفة بجيوشه الخراسانية الرافعة للرايات السود - للعباسيين للحكم.(42)
5 - ثورة الزنج:
عن ابن عباس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج).(43)
6 - الحروب الصليبية:
عن النبي صلى الله عليه وآله: (ستصالحون الروم صلحاً أمناً فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي قلول فيرفع من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم وتجتمع للملحمة).(44)
7 - فتح القسطنطينية:
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذٍ... - إلى أن يقول - فيفتحون قسطنطينية).(45)
الهوامش:
(1) الغيبة، النعماني: 156.
(2) الغيبة، النعماني: 155.
(3) الغيبة، النعماني: 158.
(4) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 452 - 451.
(5) الإمام المهدي، عدنان البكاء: 232.
(6) الرعد: 39.
(7) بحار الأنوار: 97:4.
(8) الغيبة للطوسي: 457، الخرائج والجرائح للراوندي: 1149:3.
(9) معجم أحاديث المهدي عليه السلام: 49:1، عن الدلائل: 513:6، تهذيب تاريخ دمشق: 60:1.
(10) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 288.
(11) مسند أحمد بن حنبل: 345:3.
(12) مجمع الزوائد للهيثمي: 306:7، المعجم الكبير للطبراني: 386:19.
(13) فتح الباري للعسقلاني: 249:3، مسند أبي داود الطيالسي: 104، مجمع الزوائد: 288:7.
(14) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 522:4، سنن أبي داود: 311:2، درر السمط في خير السبط ابن البار: 121.
(15) مسند أحمد بن حنبل: 278:5، للتفصيل راجع معجم أحاديث المهدي عليه السلام: 78:1.
(16) المؤمنين: 30.
(17) نهج البلاغة، الخطبة 152:103.
(18) غيبة النعماني: 262.
(19) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 589:2، الرقم 533، معجم رجال الحديث للخوئي: 265:15، ترجمة محمد أبي زينب رقم 10012، ح9.
(20) الإمامة والتبصرة ابن بابويه: 130، كمال الدين: 348، ح 36.
(21) الإرشاد: 358، غيبة الطوسي: 267، معجم أحاديث المهدي: 429:3،ح985.
(22) اُصول الكافي: 339:1، ح11 معجم أحاديث المهدي: :429ظ، ح 987.
(23) اُصول الكافي: 295:8، ح 452، معجم أحاديث المهدي: 431:2، ح988.
(24) معجم أحاديث المهدي: 38:2 و276 ح401.
(25) معجم أحاديث المهدي: 39:2 ح402.
(26) رسائل الشيخ المفيد: 400.
(27) غيبة النعماني: 157.
(28) الكافي: 340:1.
(29) الغيبة للشيخ الطوسي: 207 ،206.
(30) غيبة النعماني: 274.
(31) كمال الدين: 655:2.
(32) كمال الدين: 655:2.
(33) المحاسن: 259.
(34) الكافي: 52:1.
(35) غيبة النعماني: 172.
(36) غيبة الشيخ الطوسي: 271.
(37) غيبة النعماني: 267.
(38) صحيح مسلم: 23:2.
(39) المصدر السابق: 20:2.
(40) غيبة الشيخ النعماني: 139.
(41) الإرشاد للشيخ المفيد: 245.
(42) بحار الأنوار: 142:11.
(43) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 251.
(44) سنن أبي داود: 425:2 وابن ماجة: 1369.
(45) الفتوحات: 124:2.
******************
علامات الانحلال الاخلاقي والاجتماعي
1 - يكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهنّ كأسنمة البخت العجاف.(1)
2 - (إنّ القائم منّا منصور بالرّعب، مؤيد بالنصر، تُطوي له الأرض، وتظهر له الكنوز كلها، ويظهر اللَّه تعالى به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ولا يبقي في الأرض خراب إلّا عمّر، وينزل روح اللَّه عيسي بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه. قال ابن حمران: قيل له يا بن رسول اللَّه متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبّه الرّجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور وردّت شهادات العدل، واستخف الناس بالدماء، وارتكب الزنا وأكل الربا والرشا، واستيلاء الأشرار على الأبرار، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن ولقبه النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنّ الحق مع علي وشيعته، فعند ذلك خروج قائمنا عليه السلام.
فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوّل ما ينطق به هذه الآية: (بقية اللَّه خير لكم إن كنتم مؤمنين)، ثم يقول: أنا بقية اللَّه وحجته وخليفته عليكم، فلا يُسلّم عليه مُسلِّم إلّا قال: السلام عليك يا بقية اللَّه في أرضه، فإذا اجتمع له العقد وهو أربعة آلاف رجل خرج من مكة، فلا يبقي في الأرض، معبود دون اللَّه عزّ وجل من صنم وغيره إلّا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة).(2)
3 - إذا فعلت اُمتي خمس عشرة خصلة، حلّ بها البلاء، فقيل: وما هنّ يا رسول اللَّه؟ قال: إذا كان المغنم دُولاً، والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته وعق اُمه، وبرّ صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شرّه، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولَعن آخر هذه الأمة أوّلها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، أو خسفاً ومسخاً.(3)
4 - ليكونن من هذه الأمة قوم قردة وقوم خنازير، وليُصبحنّ فيقال خسف بدار بني فلان ودار بني فلان، وبينما الرجلان يمشيان يُخسف بأحدهما، قالوا يا رسول اللَّه! وبِمَ ذلك؟ قال: بشرب الخُمور ولباس الحرير والضرب بالمعازف والزمارة.(4) يستعلن الفجور ويذهب العفاف (ويستحلون الزنا ويرى الرجل من زوجته القبيح فلا ينهاها ولا يردّها عنه، ويأخذ ما تأتي به من كدّ فرجها ومن مفسد خدرها حتى لو نكحت طولاً وعرضاً لم تهمه ولا يسمع ما قيل فيها من الكلام الرديء(5) وتصانع المرأة زوجها على نكاح الرجال... ويبذل النساء أنفسهنّ لأهل الكفر فيكثر أولاد الزنا ثم تتزوج الإمرأة بالإمرأة وتزف كما تزف العروس إلى زوجها... وتكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء.(6)
حتى ينقاد الناس كما تنقاد البهائم ويؤجر الرجل زوجته وبنته.(7)
5 - وينشر الغش فيكذب التاجر في تجارته والصائغ في صياغته وكل صاحب صنعة في صناعته(8) وعند ذلك تكثر الخيانة ويؤتمن الخونة لا المخلصون(9) - وتتفشي ظاهرة التآمر العائلي - فيكون هلاك الرجل على يدي زوجته وولدها فتظهر الفتن ويعم القتل واللَّه لترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.(10)
6 - يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى اللَّه تمام الرابعة، يا جُند المرأة وأعوان البهيمة رغا فأجبتم وعُقر (فهربتم) فانهزمتم، أخلاقكم رقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق، بلادكم أنتنُ بلاد اللَّه تربة وأبعدها من السماء، بها تسعة أعشار الشرّ، المحتبس فيها بذنبه، والخارج منها بعفو اللَّه، كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يُري منها إلّا شرف المسج كأنّه جؤجؤ طير في لُجة بحر.
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال: يا أبا بحر إنّك لن تدرك ذلك الزمان وأن بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلّغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلّغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحوّلت أخصاصُها دوراً وآجامها قصوراً فالهرب الهرب فإنّه لا بصيرة لكم يومئذٍ، ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي واُمي أربعة فراسخ. قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصّه بالرسالة وعجّل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أنه قال: يا علي هل علمت أن بين التي تُسمي البصرة والتي تسمي الأبلة أربعة فراسخ، وقد يكون في التي تُسمي الأبلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من اُمتي سبعون ألفاً، شهيدهم يومئذٍ بمنزلة شهداء بدر، فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي واُمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجنّ هم جيل كأنهم الشياطين سود ألوانهم مُنتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم، طوبي لمن قتلهم وطوبي لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلّة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء، تبكي السماء عليهم وسُكانها والأرض وسكانها، ثم هملت عيناه بالبكاء، ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لا رهج له ولا حسّ، قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يُصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت، ما الويح، وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة، والويل باب العذاب، يا بن الجارود نعم، ثارات عظيمة، منها عصبة يقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهنّ حديث عجب، منها أن يستحلّ بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمني والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء، فيتبعه من أهلها عدة من قُتل بالأبلّة من الشهداء، أناجيلهم في صدورهم يقتل من يُقتل ويهرب من يهرب، ثم رجف، ثم قذف، ثم خسف، ثم مسخ، ثم الجوع الأغبر، ثم الموت الأحمر وهو الغرق، يا منذر،إنّ للبصرة ثلاثة أسماء سوي البصرة في الزّبر الأوّل لا يعلمها إلّا العلماء، منها الخُريبة، ومنها تدْمُر، ومنها المؤتكفة، يا منذر والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة، وإن عندي من ذلك علماً جماً، وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أخطئ منه علماً).(11)
7 - التحيّة خاصة للطبقات العالية في المجتمع لا لعامته: روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة، وأنّ هذا عرفني من بينكم فسلّم عليّ).(12) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: لا تقوم الساعة حتى يكون التسليم على الخاصة دون العامة).(13)
8 - القلوب الشيطانية: روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (سيجيء في آخر الزمان أقوام تكون وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري، ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، سفّاكين للدماء، لا يرعون عن قبيح، إن تابعتهم واروك وإن تواريت عنهم اغتابوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك. صبيّهم عارم، وشابّهم شاطر، وشيخهم لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر. الاغترار بهم ذلّ، وطلب ما في أيديهم فقر. الحليم فيهم غاوٍ، والآمر بالمعروف متّهم، المؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم مشرّف، السنّة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنّة، فعند ذلك يُسلط اللَّه عليهم شرارهم، ويدعو خيارهم فلا يُستجاب لهم).(14) وهذا الخبر لا يحتاج إلى تعليق.
وروي عنه صلى الله عليه وآله قال: (سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف. يعمّهم اللَّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم).(15)
9 - المساجد محافل لأغراض دنيوية: روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (يأتي في آخر الزمان اُناس من اُمتي يأتون المساجد، يقعدون حلَقاً ذكرهم الدنيا وحبّ الدنيا، لا تجالسوهم فليس للَّه بهم حاجة).(16)
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (سيكون في آخر الزمان رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال، ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهنّ كأسنمة البُخت(17)، فالعنوهنّ فإنهنّ ملعونات...).(18) وفي رواية اُخرى، قال صلى الله عليه وآله: (يكون في هذه الأمة رجال يركبون على المياثر(19) حتى يأتوا أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهنّ كأسنمة البخت العجاف).(20)
10 - قتل العلماء: روي عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله أنه قال: (يأتي على الناس زمان يُقتل فيه العلماء كما يقتل اللصوص، فيا ليت العلماء تحامقوا في ذلك الزمان).(21)
العلامات الطبيعية
وتتمثل بالزلازل وآيات تظهر في الشمس والقمر عموماً، كدمار ودخان وخسف.
1 - الزلازل: ورد عن لسان الرسول صلى الله عليه وآله: (اُبشركم بالمهدي يُبعث في اُمتي على اختلاف من الناس وزلازل...).(22)
وهذه الزلازل تضرب في مصر(23) على ما ورد على لسان الإمام علي عليه السلام وتضرب في الشام (فينقعر غربي مسجدها ويخسف بقرية يقال لها حرستا)(24)، وزلازل تضرب نجد التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وآله: (هنالك الزلازل والفتن)(25)، وزلازل تضرب البصرة فيكون فيها (خسف وقذف ورجف)(26) وخسف يصيب بغداد وخراب بالري(27) وخسف في جزيرة العرب(28)، والي هذا خسف بالمشرق وخسف بالمغرب(29)، وخسوف متكررة في هذه الدار أو تلك وبهذا الرجل أو ذاك.(30)
2 - الظواهر السماوية: تشير المصادر إلى كسوف وخسوف في شهر رمضان والي نجم مذنّب، والي علامات في السماء والقمر، فقد ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وآله ظهور آية متعلقة بالشمس وأنها: (تنكسف.. في شهر رمضان مرتين).(31)
وورد عن الإمام علي عليه السلام من بين علامات الظهور: (أولها طلوع الكوكب ذي الذنب)(32) هذا وتشير أحاديث كثيرة إلى طلوع الشمس من المغرب.(33)
وورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذناب).(34)
والي كل هذا صواعق تصعق أفراداً من الناس(35) وقذف من السماء.(36)
3 - النار: تكثر أحاديث النار في المصادر الإسلامية وهي تشب في الحجاز وفي بصري وفي اليمن ونار من الشرق ونار من السماء ونار في الحجارة والمدر.
فعن نار الحجاز ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصري).(37)
كما ورد عن علي عليه السلام: (إذا وقعت النار في حجازكم... فتوقعوا ظهور قائمكم)(38) كما ورد عنه في أشراط الساعة: (إذا أنارت النار بصري...).(39)
وأما عن نار اليمن فقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من بين أشراط الساعة: (... ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر)(40) ونار تخرج من قبل حضرموت.(41)
أما نار المشرق فقد أشار إليها الإمام الباقر عليه السلام بقوله: (إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد).(42)
أما النار من السماء فقد ذكرها الإمام الصادق عليه السلام بقوله: (إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس وهي قدام القائم عليه السلام بقليل)(43) كما جاء عنه عليه السلام: (يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء...).(44)
وهذه النيران تشعل الحجر والمدر كما ورد عن الإمام السجاد علي بن الحسين(45) عليهما السلام.
4 - حوادث في البصرة: تتعرض البصرة للزلازل والخسف والغرق. فقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حديثه إلى أنس بن مالك: (يا أنس إن الناس يمصّرون أمصاراً، وأن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلأها وسوقها وباب اُمرائها، وعليك بضواحيها، فإنّه يكون بها خسف وقذف ورجل وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير).(46)
كما جاء عن علي في خطبته في أهل البصرة بعد معركة الجمل: (.. كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يري منها إلّا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر).(47) وجاء عنه أيضاً: (إذا صاح الناقوس... واضطربت البصرة وغلب بعضها بعضاً...، ألا، وهو الوقت الذي وعدتم به).(48)
5 - فيضان نهر الفرات: وردت الأحاديث عن أئمة أهل البيت حول حصول فيضان في الفرات، ويبدو أن هذا الفيضان ناجم عن الأمطار الغزيرة التي ستسقط في السنة المطيرة التي تسبق قيام القائم والتي يصفها الإمام الصادق بقوله: (إن قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والثمر في النحل فلا تشكوا في ذلك).(49)
ثم إن المطر سيصل إلى أزقة النجف، حيث ورد عن لسان الإمام السجاد عليه السلام: (إذا ملأ هذا نجفكم السيل المطر.. فتوقعوا ظهور القائم المنتظر).(50)
ويؤكد الإمام علي عليه السلام دخول ماء الفرات إلى الكوفة، حيث ورد عن الإمام علي عليه السلام في جوابه على سؤال ابن عباس: ما أقرب الحوادث الدالة على الظهور؟ إذ يقول عليه السلام: (إذا فتق بثق في الفرات فبلغ أزقة الكوفة)(51) كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل أزقة الكوفة).(52)
6 - جفاف الفرات وانحساره عن كنز: ورد في عدد من المصادر حديث شريف يؤكد انحسار الفرات عن كنز من ذهب يؤدي إلى قتال شديد: (يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعون، أو قال: تسعة وتسعون، كلهم يري أنه ينجو).(53)
وهناك أحاديث تتحدث عن اقتتال على الفرات بسبب الأموال وربما كانت تشير إلى الأمر نفسه، منها حديث يقول: (يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم).(54) ومنها حديث يقول: (يكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها بقليل مجتمع عظيم، فيقتتلون على الأموال، فيقتل من كل تسعة سبعة وذلك بعد الهدّة والواهية في شهر رمضان، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه، فيهم رجل اسمه عبد اللَّه).(55)
7 - الموت المتمادي: ينتشر الموت قبل قيام القائم سواء في الحرب أو نتيجة للأمراض، فيقتل أغلب الناس، يقول علي عليه السلام: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه أحمر كالدم. فأما الموت الأحمر فبالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون).
8 - دابة الأرض: يقول اللَّه تعالي: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكلِّمُهُمْ إنَّ النَّاسَ كانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ)..(56)
وقد جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وآله إن هذه الدابة هي من علامات الساعة إذ ورد: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها والدجال والدابّة).(57) كما ورد: (إن الساعة لا تقوم حتى يكون عشر آيات: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها وثلاثة خسوف... ونزول عيسي بن مريم وفتح يأجوج ومأجوج ونار تخرج من قعر عدن...).(58)
9 - بناء مدينة على شاطئ الفرات: جاء في خبر أورده الصدوق في الإكمال أن بني العباس في آخر ملكهم يقومون ببناء مدينة على شاطئ الفرات، فإذا تم بناؤها لم يبق من مدة ملكهم إلّا سنة واحدة، وإليك الخبر: عن علي بن الحسين عليه السلام: (إذا بني بنو العباس مدينة على شاطئ الفرات كان بقاؤهم بعدها سنة).(59)
الهوامش:
(1) على رؤوسهن كأسنمة البخت: ربما تسريحة تكوير الشعر بما يشبه سنام البعير وهذه تخالف الحجاب ولا تنسجم معه فيما إذا كان المقصود منها النساء زمن الأئمة عليهم السلام. المستدرك على الصحيحين للحاكم: 436:4، كنز العمال للمتقي الهندي: 401:16، ح45106.
(2) الغيبة، الفضل بن شاذان - على ما في مستدرك الوسائل: 335:12، باب 39، ح6. وكشف النوري: 222.
(3) الترمذي: 494:4.
(4) ابن حماد: 172.
(5) الزام الناصب: 186:2.
(6) الزام الناصب: 184:2.
(7) الكافي: 37:8.
(8) الزام الناصب: 185:2.
(9) تفسير القمي: 302:2.
(10) مسند أحمد: 230:1.
(11) شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 290 - 289:1، الخطبة 13.
(12) مجمع الزوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيتمي: 329:5.
(13) نوائب الدهور، محمد حسين ميرجهاني: 233.
(14) مجمع الزوائد: 287:7 و326، المعجم الأوسط للطبراني: 228:6.
(15) الكافي للكليني: 296:2، ح14، وثواب الأعمال للصدوق: 253.
(16) وسائل الشيعة: 493:3، ح4 باب جواز تعليق السلاح في الدنيا.
(17) الأسنمة جمع سنام: حدبة في ظهر البعير، والبخت: الإبل.
(18) مجمع الزوائد، نور الدين الهيثمي: 137:5.
(19) المياثر: السروج العظيمة، كناية عن المركبات الحديثة.
(20) المستدرك للحاكم: 436:4، الدر المنثور للسيوطي: 55:6.
(21) نوائب الدهور، محمد حسن ميرجهاني: 558، روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 485، كنز العمال: 192:11، وفي الأخير تحامقوا تحامق: تكلف الحماقة.
(22) شرح الأخيار للقاضي المغربي: 562:3، مسند أحمد: 37:3.
(23) ملاحم ابن طاووس: 124، عقد الدرر: 53.
(24) النعمان: 272، مرسلاً والبحار: 242:52، وبشارة الإسلام: 125، وهما عن النعماني، كنز العمال للمتقي الهندي: 283:11.
(25) مسند أحمد: 118:2، صحيح البخاري: 23:2.
(26) كنز العمال: 307:12، ح 3515، سنن أبي داود: 113:4 ح 4307.
(27) الإرشاد: 361.
(28) المصنف لابن أبي شيبة: 662:8، ح 88.
(29) المصدر السابق.
(30) الحاكم في مستدركه: 515 ،4، الدر المنثور: 324:2.
(31) ابن حماد: 91 ،61 ،60. وعقد الدرر: 11 - 106، وملاحم ابن طاووس: 46.
(32) ملاحم ابن طاووس: 136، وكفاية الأثر: 213، ومشارق البرسي: 166 - 164.
(33) غيبة الطوسي: 267، صحيح البخاري، فتن: 25، رقاق 40 توحيد 22... الترمذي، فتن: 21، سنن ابن ماجة فتن: 32 ،28 ،25، سنن الدارمي، سير 69، مسند أحمد: 192:1 و275 ،231 ،201 ،124:2 و324 ،313 و327 و395 و398 و407 و427 و446 و495 و511 و530 و31:3 و98 و6:4 و7 و395 و404. وابن أبي شيبة: 178:15، وتفسير ابن جرير: 76:8، والبدء والتاريخ: 197:2، المعجم الكبير للطبراني: 214:9.
(34) ابن حماد: 11، وعقد الدرر: 111، وعرف السيوطي في الحاوي في الفتاوى: 82:2، وبرهان المتقي: 108، وملاحم ابن طاووس: 46.
(35) الحاكم: 444:4، ومجمع الزوائد: 9:8، وكنز العمال: 235:14، ومسند أحمد: 65:3.
(36) راجع ملاحم ابن طاووس: 124.
(37) راجع مسلم بشرح النووي، دار الكتب العلمية: 1995، كتاب الفتن وأشراط الساعة...
(38) الصراط المستقيم: 258:2، إثبات الهداة: 578:3.
(39) مشارق البرسي: 166، الإيقاظ من الهجعة: 375.
(40) غيبة الطوسي: 67:2، والبحار: 209:52، والطيالسي: 143، والحميري: 364:2، ومسند أحمد: 6:4 و144:5 ،7، ومسلم: فتن 39، وأبو داود: ملاحم 12.
(41) الترمذي: فتن42، ومسند أحمد: 119 ،99 ،69 ،53 ،8:2.
(42) غيبة النعماني: 253، غيبة الطوسي: 274، عقد الدرر: 64 و137 ولوائح السفاريني: 8:2.
(43) غيبة النعماني: 267، وعقد الدرر: 106.
(44) الإرشاد: 361، وإعلام الورى: 429.
(45) الصراط المستقيم: 259:2، بشارة الإسلام: 83.
(46) سنن أبي داود: ملاحم 10، ومسند أحمد: 136:5، راجع كذلك ملاحم ابن المنادي: 3 و93، ومصابيح البغوي: 486:3، وكنز العمال: 307:12.
(47) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13:1 م 1.
(48) معجم أحاديث الإمام المهدي: 27:3 ح581.
(49) الإرشاد: 361، وغيبة الطوسي: 272، وإعلام الورى: 428، الخرائج: 1164:3، ومنتخب الأنوار المضيئة: 35.
(50) الصراط المستقيم: 259:2، وإثبات الهداة: 578:3، وبشارة الإسلام: 83.
(51) الصراط المستقيم: 258:2، وإثبات الهداة: 578:3.
(52) الإرشاد: 361، وغيبة الطوسي: 273 و274، وإعلام الورى: 42، والخرائج: 1164:3.
(53) صحيح البخاري، فتن 24، وصحيح مسلم، فتن: 29 و30، وسنن أبي داود: ملاحم12 و13، والترمذي: جنة26.
(54) ابن ماجة، فتن34، الروياني: 123، وملاحم ابن المنادي: 44، الداني: 93، ودلائل النبوة: ؤ515:6، وبيان الشافعي: 489 و520، وعقد الدرر: 57 و126، وتذكرة القرطبي: 699، وفتن ابن كثير: 42:1، وعرف السيوطي الحاوي: 60:2، والخصائص الكبرى: 119:2، والدر المنثور: 58:6، ومجمع الجوامع: 1006:1، والبحار: 83:51.
(55) معجم أحاديث المهدي عليه السلام: 433:1، ح296، عن ابن حماد: 92، عقد الدرر:58 ب 4.
(56) النمل: 82.
(57) صحيح مسلم، إيمان249، ومسند أحمد: 164:2 و201 و324 و337 و407 و445 و357:5، والترمذي تفسير سورة الصف: 27 - 9 ،61، وابن أبي شيبة: 178:15، وتفسير الطبري: 76:8، والطبراني: 197:9، ومنتخب الأثر: 462.
(58) مسلم، فتن39 و40 و118 و129، ومسند أحمد: 6:4 و7، وابن ماجة، فتن: 28 و31، والترمذي فتن 21، وغيبة الطوسي: 267.
(59) إكمال الدين: 655 باب 57 ح 26.
******************
ظاهرة الحروب
مرّ بنا حديث ضعف المسلمين وتداعي الاُمم عليهم لضعفهم وخوفهم من الموت وتعلّقهم بالدنيا، أما الاُمم والشعوب التي يكون المسلمون على تماس معها عند ظهور الإمام المنتظر فمنهم الروم والترك واليهود، وهم الشعوب التي جرت الحروب بينها وبين المسلمين في عصور التاريخ المختلفة، فكيف ستكون العلاقات مع هذه الجهات قبل ظهور الإمام؟
الصراع مع الغرب:
الشعوب الاُوربية التي غزت شاطئ بلاد الشام فيما سمي بالحروب الصليبية، والتي كانت على علاقة متوتّرة مع الدول الإسلامية منذ بداياتها، وهم الذين مارسوا الاستعمار في العصر الحديث ونال البلدان الإسلامية منه القسط الأوفر - وقد مرّ عليك البرنامج الغربي الذي تنفذه إسرائيل في قلب العالم الإسلامي - وقد أكدت المصادر قوة الروم، حيث ورد عن لسان الرسول صلى الله عليه وآله: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس)(1)، وتثور الحروب بين الروم وبين المسلمين وتقع بينهم هدنة، وتحصل فتنة تدخل كل بيت، وربما تفسير الروم بالحضارة الغربية، يقول الرسول صلى الله عليه وآله: (إن بين يدي الساعة.. فتنة تكون في اُمتي)، قال: وعظّمها (وقيل: فتنة تقع فيكم لا يبقي بيت عربي إلّا دخلته..) والخامسة: (يفيض المال فيكم حتى يعطي الرجل المائة دينار فيتسخطها.. والسادسة: هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر(الروم))(2)، وقال: (سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن).(3)
ولعلّ موضوع المال هو ما نعرفه بعد اكتشاف البترول وشمول خيراته بعض الدول والقبائل. أما الحروب والهدن بين المسلمين وبين الروم فهي أيضاً ما نعرفه منذ بداية التاريخ الإسلامي.
الصراع مع إسرائيل:
ما جري بين المسلمين واليهود أمر معروف في المرحلة النبوية، ثم في هذا القرن، ولقد أشارت المصادر إلى قتال بين المسلمين واليهود قبل ظهور الإمام، على أن تحسم المعارك بعد ظهوره. فقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (يقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله).(4) ولقد بدأ قتال اليهود للمسلمين ولما ينته بعد.
معركة قرقيسيا
روي عن أبي جعفر عليه السلام في حديثه مع مُيسّر: (يا ميسر، كم بينكم وبين قرقيسيا؟ قلت: هي قريب على شاطئ الفرات، فقال: أما أنه سيكون بها وقعة لم يكن منذ خلق اللَّه تبارك وتعالي السموات والأرض، ولا يكون مثلها مادامت السموات والأرض، مأدبة للطير تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء. يهلك فيها قيس ولا يدعي لها داعية. وينادي منادٍ هلمّوا إلى لحوم الجبارين).(5)
إن أكبر رقم تم رصده للقتلي في الحروب هو أربعون مليون إنساناً وذلك بحسب آخر الاحصائيات، وكان ذلك في الحرب العالمية الثانية. وبحسب ما جاء في هذا الحديث فإن عدد الخسائر في الأرواح سوف يتجاوز هذا الرقم بكثير. ولا يمكن بطبيعة الحال أن نتصور حدوث هذا الحجم الرهيب من القتلى في حرب تقليدية تستخدم فيها الأسلحة الاعتيادية، لا سيما إذا أضيف إلى ذلك أنّ تلك الحرب لا تتجاوز تسعة أشهر كما جاء في الكثير من الروايات، وهي الفترة التي يعتلي فيها السفياني سدة الحكم في بلاد الشام.
السفياني
قال علي عليه السلام: (... رجفة تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها اللَّه رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك، فانظروا إلى أصحاب البراذين - نوع من الخيل غير الأصيلة - الشهب المحذوقة، والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، فإن كان ذلك، فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا، فإن كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك، فانتظروا خروج المهدي عليه السلام).(6)
كما ورد عن أبي جعفر عليه السلام: (إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً فيظهر عليهما جميعاً. ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فوقة شديدة يستقل الناس قبل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملوّنة، فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه، ثم يظهر الروم ويدخلون إلى الشام، ثم يظهر الأخوص، ثم يظهر الكندي في شارة حسنة، فإذا بلغ تل سما فأقبل ثم يسير إلى العراق، وترفع قبل ذلك اثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة، ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين عليه السلام يدعو إلى أبيه، ويظهر رجل من الموالي، فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني).(7)
يقاتل أوّلاً من في الشام من أهل المشرق في موضع يقال له: البنية(أو الثنية)، ثم يسير إلى موضع يقال له: (مدين) شرق حمص يقاتل فيه بجيش من دمشق وحمص، أهل المشرق الذين وصلوا إلى هناك، فينتصر عليهم، ثم يتوجه إلى الكوفة فيحتلها ويمعن في القتل.(8) ويخرب بغداد والكوفة وبابل(9)، وعندما يبلغ السفياني خبر ظهور المهدي عليه السلام في الحجاز يأمر قائده في الكوفة أن يتوجه إلى المدينة فيصلها ويحتلها فيقتل من قريش والأنصار أربعمائة رجل ويبقر البطون ويقتل الولدان، ومن بين قتلاه رجل واُخته يقال لهما: (محمد وفاطمة) ويصلبهما على باب المسجد في المدينة.(10)
ملامح شخصية السفياني في روايات أهل البيت عليهم السلام
لابد لنا قبل كل شيء، أن نحدد ملامح هذه الشخصية لكي نتعرف على بعض صفاتها ونوازعها وتطلعاتها.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس(11)، وهو رجل ربعة وحش الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان حتى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها).(12)
وروي عن الباقر عليه السلام، قال: (السفياني أحمر أزرق أشقر لم يعبد اللَّه قط، ولم ير مكة ولا المدينة قط. يقول: يا رب ثأري والنار، يا رب ثأري والنار).(13) ويظهر من هذا الحديث أن السفياني رجل موتور يطلب ثاراً، وفي رواية أخرى عن علي عليه السلام: (لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس: أشقر أحمر أزرق، يقول: يا رب ثأري ثأري، ثم النار. ولقد بلغ من خبثه أن يدفن اُم ولد له وهي حية مخافة أن تدل عليه).(14) ويبدو من بعض الأخبار أن ثأر السفياني مع كل من شيعة آل محمد وبني العباس.
روي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل: (... ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلّا آل محمد صلى الله عليه وآله وشيعتهم، فيبعث بعثاً إلى الكوفة، فيصاب باُناس من شيعة آل محمد قتلاً وصلباً...)(15) وعن الصادق عليه السلام: (كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادي مناديه: من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم. فيثب الجار على جاره، ويقول: هذا منهم، فيضرب عنقه فيأخذ ألف درهم).(16)
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق وأهل المغرب، قال: (فبيناهم كذلك إذ يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك من المدينة الملعونة.. فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون ثلاثمائة كبيش من بني العباس).(17)
أما مسألة عمالة السفياني للغرب فهي كذلك ثابتة في كثير من الأخبار:
روي عن بشر بن غالب: (يقبل السفياني من بلاد الروم منتصراً، في عنقه صليب، وهو صاحب القوم).(18)
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (يخرج في سبعة نفر مع (كل) رجل منهم لواء معقود، يعرفون به في النصر، يسير بين يديه ثلاثين ميلاً، لا يري ذلك العلم أحد يريده إلّا انهزم).(19)
وفي هذا الخبر الأخير إشارة إلى تلقي السفياني الدعم من سبعة دول كبري وذلك بقرينة اللواء المعقود فإنه رمز للدولة، كما نعرفه هذه الأيام.
السفياني يحكم الشام
عن جابر، قال الإمام الباقر عليه السلام: (فأوّل أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات، راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني).(20) فالاختلاف المذكور هنا قد يعني: أن أصحاب تلك الرايات يختلف بعضهم بعضاً على تولّي منصب رئاسة الدولة، ولا يعني بالضرورة التصارع أو التنازع، وإن استلزم ذلك من جهة اُخرى.
معركة قرقيسيا والسفياني
بالوقت الذي تكون الحرب في قرقيسيا مستعرة يتولي السفياني زمام الاُمور في بلاد الشام ويخضعها تحت سلطانه، فعن علي عليه السلام: (... إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين والأردن، وقنسرين، فتوقعوا عند ذلك الفرج...).(21) ويظهر من بعض الأخبار، أنه يبادر فور سيطرته على أرض الشام بتتبع الحركات والأحزاب الثورية التي تتركز خصوصاً في فلسطين أو بالقرب من حدودها. وقد اُشير إلى تلك الحركات بعبارة (أهل المشرق) كما في هذا الخبر: (يبايع السفياني أهل الشام، فيقاتل أهل المشرق فيهزمهم من فلسطين حتى ينزلوا مرج الصّفر(22)، ثم يلتقون فتكون الدائرة على أهل المشرق حتى ينزلوا الثنيّة(23) ثم يقتتلون فتكون الدائرة على أهل المشرق حتى يأتوا الحُص(24)، ثم يقتتلوا فتكون الدائرة على أهل المشرق حتى يبلغوا المدينة الخربة يعني قرقيسيا، ثم يقتتلون فتكون الدائرة على أهل المشرق حتى ينتهوا إلى عاقرقوفا،(25) ثم يقتتلون فتكون الدائرة على أهل المشرق. فيحوز السفياني الأموال).(26)
ويظهر أنّ السفياني يدخل في معركة قرقيسيا إلى جانب الروم وهم أسياده الذين مهّدوا له السيطرة على دول المنطقة، أو يكون هو واجهة الروم في تلك المعركة، من دون أن يشترك الروم فيها مباشرة. ويظهر من بعض الأخبار أنّ الحلف الذي يبرمه مع الترك ضد المسلمين في هذه الوقعة، سوف ينحل بعد أو أثناء معركة قرقيسيا، فقد روي عن الحكم بن نافع: (يقاتل السفياني الترك، ثم يكون استئصالهم على يد المهدي...)(27) ولابد لنا أن نفترض أنّ مقاتلة السفياني للترك إما أن تكون إبان المعركة أو في نهايتها أو على إثرها مباشرةً، لأن فترة حكم السفياني كما صرحت بها الأخبار قصيرة لا تتجاوز التسعة أشهر، فحركته كلها اعتباراً من أوّل ظهوره ومطالبته بالسلطة وحتى آخر عهده لا تزيد على خمسة عشر شهراً، ومن غير المحتمل أن تكون مقاتلته للترك خلال الستة أشهر الأولى قبيل توليه للسلطة في الشام، لأنه في تلك الفترة يكون منشغلاً بتدبير المؤامرات وإثارة الفتن، فمتى يتسنى له فرصة مقاتلتهم؟
فعن أبي جعفر عليه السلام يسأل بعض أصحابه: (كم تعدون بقاء السفياني فيكم؟ قال: قلت: حمل امرأة: تسعة أشهر.قال: ما أعلمكم يا أهل الكوفة)(28) وعن الصادق عليه السلام: (أنّ السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة، ثم قال: استغفر اللَّه حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه).(29)
وعنه عليه السلام: (السفياني من المحتوم، وخروجه من أوّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس، ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً).(30)
إنّ أكبر الخسائر في هذه المعركة سوف تكون من نصيب الترك، فقد روي في بعض الأخبار: (ترد الترك الجزيرة حتى يسقوا خيلهم من الفرات، فيبعث اللَّه عليهم الطاعون فيقتلهم فلا يفلت منهم إلّا رجل واحد).(31) والمراد من الطاعون ليس بالضرورة المرض المعروف، بل ربما كان كناية عن الموت السريع الذي يحصل باستعمال بعض الأسلحة ذات الدمار الشامل كالسلاح الكيمياوي والذري. فقد روي عن الصادق عليه السلام في حديث مهزم الأسدي، أنه قال: (... يا أبا محمد، أنه لابد أن يكون قدام ذلك طاعونان: الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر؟ قلت: جعلت فداك، أي شيء الطاعون الأبيض، وأي شيء الطاعون الأحمر؟ قال عليه السلام: الطاعون الأبيض: الموت الجارف، والطاعون الأحمر: السيف).(32)
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: (للترك خرجتان خرجة منها خراب اذربايجان، وخرجة يخرجون في الجزيرة.. فيهم ذبح اللَّه الأعظم لا ترك بعدها).(33) وهذه الخسائر التي سوف يمني بها الترك في هذه المعركة تضاف إلى ما تتكبده قوات ولد العباس والمراوني، كما أسلفنا. والحصيلة النهائية لتلك الخسائر يصعب تصورها. فعن علي عليه السلام: (لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلاث ويموت ثلاث ويبقي ثلاث).(34) وفي رواية اُخرى: (لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة، ومنها قتل النفس الزكية).(35)
يتلقي السفياني علاوة على الدعم الغربي دعماً من بعض نصارى العرب القاطنين في بلاد الشام. روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب. فيقتل حتى تبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فيجتمع له قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة...).(36)
ماذا بعد قرقيسيا
يظهر من الأخبار أنّ السفياني بعد أن يغزو العراق على أثر معركة قرقيسيا، تكون له وقعات ومعارك كبيرة مع أهل المشرق، فما أن يفرغ من القضاء على بني العباس حتى يبادر بالهجوم على دولة إيران، وهي الدولة الممهدة التي ورد ذكرها في كثير من الأخبار، تمهد لظهور المهدي عليه السلام.. أخرج نعيم بن حماد عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (يبعث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة وبغداد، فيبلغه فزعة من وراء النهر من أرض خراسان، عليهم رجل من بني اُمية. فتكون له وقعة بقومس(37)، ووقعة بدولاب(38) الري، ووقعة بتخوم زرنج.(39) فعند ذلك تقبل الرايات السود في خراسان، على جميع الناس شاب من بني هاشم بكفّه اليمني خال، يُسهل اللَّه أمره وطريقه. ثم تكون له وقعة بتخوم خراسان. ويسير الهاشمي في طريق الري، فيسرّح رجل من بني تميم من الموالي يقال له: شعيب بن صالح إلى اصطخر(40) إلى الاُموري، فيلتقي هو والهاشمي ببيضاء.(41) اصطخر، فيكون بينهما ملحمة عظيمة، حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها. ثم تأتيه جنود من سجستان عظيمة، عليهم رجل من بني عدي، فيظهر اللَّه أنصاره وجنوده. ثم تكون وقعة بالمدائن، بعد وقعة الري، وفي عاقرقوفا (42) صليبة(43) يخبر عنها كل ناج. يكون بعدها ذبح عظيم ببابل ووقعة في أرض نصيبين(44)، ثم يخرج على الأقوص(45) قوم من سوادهم: وهم العُصب(46)، عامتهم من الكوفة والبصرة، حتى يستنقذوا ما في يديه من سبي كوفان).(47)
ويلاحظ في هذا الحديث، أنّ السفياني سوف يغزو إيران، ويتوغل في عمق أراضيها حتى يصل قريباً من طهران (الرّي). فيُسلم الهاشمي وهو حاكم إيران آنذاك رايته إلى رجل اسمه: شعيب بن صالح، فيتمكن هذا القائد الفذ من إنزال أفدح الهزائم بجيش السفياني حتى يردّه على أعقابه، فينسحب إلى الشام.
وفي رواية اُخري: (يبعث السفياني خيله وجنوده، يبلغ عامة المشرق من أرض خراسان وأرض فارس، فيثورون بهم أهل المشرق فيقاتلونهم، وتكون بينهم وقعات في غير موضع. فإذا طال عليهم قتالهم إياه، بايعوا رجلاً من بني هاشم، وهو يومئذٍ في أهل المشرق(48)، فيخرج بأهل خراسان على مقدمته رجل من بني تميم، موليً يقال له شعيب بن صالح. أصفر قليل اللحية يخرج إليه في خمسة آلاف، فإذا بلغه خروجه شايعه فيصيّره على مقدمته، لو استقبل بهم الجبال الرواسي لهدّها. فيلتقي هو وخيل السفياني فيهزمهم...).(49)
الهوامش:
(1) مسند أحمد: 230:4، وتاريخ البخاري: 16:8، صحيح مسلم: فتن 36 ،35.
(2) مسند أحمد: 174:2 و228:5 و25:6، وصحيح مسلم، جزية 15.
(3) المعجم الكبير، الطبراني: 120:8، بيان الشافعي: 514، عقد الدرر: 36.
(4) صحيح البخاري: 175:4، مسند أحمد: 149 - 135 :2، صحيح مسلم: 188:8، سنن ابن ماجة: 345:3.
(5) روضة الكافي، الكليني: 451 ،295 :8.
(6) راجع النعماني: 305 و306، وابن كثير: 177:2، والطوسي: 277، والخرائج: 1151:3، والعدد القوية: 76، والبحار: 216:25.
(7) فتن ابن حماد: 82 ،76 ،59، راجع كذلك نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد: 193:2 م 2 وما بعدها.
(8) فتن ابن حماد: 81 و82.
(9) ملاحم ابن طاووس: 137، وابن حماد: 82، والطوسي: 269، وتفسير الطبري: 72:22، والداني: 104، والكشاف: 467:3 و468، وتذكرة القرطبي: 693:2، وتفسير القرطبي: 314:14، وعقد الدرر: 74، وعرف السيوطي، الحاوي: 81:2، ومجمع البيان: 398:4، ومنتخب الأثر: 456.
(10) ابن حماد: 288، وابن طاووس: 56.
(11) وهو وادي في ناحية مدينة دمشق، روي عن أمير المؤمنين بخبر آخر، قوله: (السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري، بعينه نكتة بيضاء، يخرج من ناحية دمشق في واد يقال له الوادي اليابس...) إعلام الورى: 457، باب علامات خروجه.
(12) كمال الدين، الصدوق: 651:2 ب 57 ح 9.
(13) بحار الأنوار، المجلسي: 254:52.
(14) بحار الأنوار، المجلسي: 651:52 ب 57 ح 10.
(15) بحار الأنوار، المجلسي: 222:52.
(16) بحار الأنوار، المجلسي: 215:52.
(17) مجمع البيان، الطبرسي: 398:4.
(18) الغيبة، الطوسي: 278.
(19) إعلام الورى، أبي الفضل الطبرسي: 457.
(20) الغيبة، الطوسي: 269.
(21) اكمال الدين، الصدوق: 651:2.
(22) مُرج الصُفر: موضع بدمشق(مراصد الاطلاع): 1254:3.
(23) الثنية: (وهي ثنية العُقاب): هي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد إلى دمشق من حمص: 301:1، تاريخ دمشق: 81:26 الهامش - نقلاً عن معجم البلدان للحموي.
(24) الحص: موضع بنواحي حمص المصدر: 406:1.
(25) وهي عقرقوف بالقرب من بغداد.
(26) الفتن، ابن حماد: 79 مخطوط.
(27) الملاحم والفتن، ابن طاووس: 41، البرهان، المتقي الهندي: 694 ح153.
(28) الغيبة، الطوسي: 278.
(29) الغيبة، الطوسي: 273.
(30) بحار الأنوار، المجلسي: 248:52.
(31) الملاحم والفتن، ابن طاووس: 40.
(32) الغيبة، النعماني: 290.
(33) نوائب الدهور في علائم الظهور، محمد حسن ميرجهاني: 122.
(34) البرهان، المتقي الهندي: 644 ح119.
(35) البرهان: 645 ح 120.
(36) المصدر السابق: 148، ح 123.
(37) قومس: كورة كبيرة واسعة بها مدن وقري ومزارع، في ذيل جبل طبرستان، قصبتها دامغان، بين الري ونيسابور، وبسطام من مدنها (مراصد اطلاع: 1134:3).
(38) دولاب: من قري الري. (مراصد الاطلاع: 541:2).
(39) وردت في المصدر زرنيخ وهو تحريف لأن زريخ قرية من قري الصعيد بأعلاه من شرق النيل كما وردت في كتاب الفتن بلفظة زرنج وهو تصحيف وزريخ هذه مدينة هي قصبة سجستان (مراصد الاطلاع: 663:2).
(40) اصطخر: بلدة بفارس، يقال: إن كور فارس خمسة أكبرها وأوصلها كورة اصطخر (مراصد الاطلاع: 87:1).
(41) بيضاء: مدينة مشهورة بفارس، وهي أكبر مدينة باصطخر، وسميت بالبيضاء، لأن لها قلعة ببيضاء تبين من بُعد (مراصد الاطلاع: 242:1).
(42) عقرقوف: مدينة بالقرب من بغداد.
(43) وفي بعض النسخ: صلحية وصنية. وربما إشارة إلى جهاز للاتصالات أو رادار، بواسطته يتم نقل ما يجري من الملاحم بين السفياني وشعيب إلى الجهات المستفيدة.
(44) نصيبين: مدينة عامرة في بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام وبينها وبين سنجار تسعة فراسخ. (مراصد الاطلاع: 1374:3).
(45) في بعض النسخ الأحوص.
(46) العُصب جمع عصبة، وهم عصائب العراق من أصحاب المهدي عليه السلام كما جاء ذكرهم في الأخبار.
(47) البرهان، المتقي الهندي: 670 ح141.
(48) يشير إلى أن الهاشمي رجل من أهل خراسان. ولذا سمي بالخراساني في بعض الأخبار.
(49) البرهان، المتقي الهندي: 673 ح 142.
******************
الخراساني
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:
(تخرج من المشرق رايات سود، تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان، ويؤدّون طاعة للمهدي).(1)
-... ورود الرايات السود من خراسان، حتى تنزل ساحل دجلة.(2)
- تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة. فإذا ظهر المهديّ بعثت إليه بالبيعة).(3)
- تخرج رايات سود صغار، تقاتل رجلاً من آل أبي سفيان، يردّون الطاعة للمهدي. على مقدمتهم رجل من بني تميم يقال له: تميم بن صالح (والتحريف من كثرة تداول نقل اسمه فهو من بني تميم ولكنه لا يُدعي تميماً، ومن هنا جاء الوهم)يقتتل مع جيش السفياني ثم يهرب إلى بيت المقدس، ثم يبايع المهدي ويكون من قوّاده.(4)
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال:
- إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها الخليفة المهدي(5) يعني أنّ فيها دعوة الخليفة المهديّ.
فالرايات السود مهدوية الهوى، وسينضوي أتباعها تحت راية المهدي بُعَيْد خروجهم بأشهر... وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله في الموضوع:
- تجيء الرايات السود من قِبَل المشرق، كأن قلوبهم زُبر الحديد. فمن سمع بهم فليأتهم فليبايعهم).(6)
قال الإمام علي عليه السلام في تأويل الآية الكريمة: (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يومٍ أليم).(7)
- انتظروا الفرج من ثلاث: اختلاف أهل الشام فيما بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان!.(8)
وقال عليه السلام:
- إذا وقعت الملاحم، بعث اللَّه رجلاً من الموالي، أكرم العرب فرساناً وأجردهم سلاحاً، يؤيّد اللَّه بهم الدين...).(9)
الدجال في روايات اهل البيت عليهم السلام
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:
- (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال).(10)
وقال صلى الله عليه وآله:
- (من قاتلني في الأولى وفي الثانية فهو في الثالثة مع الدجال، إنّما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لُجة البحر من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ألا هل بلغت؟).(11)
وقال صلى الله عليه وآله:
- (من أبغضنا أهل البيت بعثه اللَّه يهودياً، قيل: يا رسول اللَّه وإن شهد الشهادتين؟ قال: نعم إنّما تجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدي الجزية وهو صاغر، ثم قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه اللَّه يهودياً. قيل: وكيف يا رسول اللَّه؟ قال: إن أدرك الدجال آمن به).(12)
وقال صلى الله عليه وآله:
- (ازرعوا واغرسوا، فلا واللَّه ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه واللَّه ليُزرعنّ وليُغرسنّ بعد خروج الدجال).(13)
قال الإمام الرضا عليه السلام:
- (إنّ ممّن يتخذ مودتنا أهل البيت لمن هو أشد فتنة على شيعتنا من الدّجال! فقلت: يا بن رسول اللَّه بماذا؟ قال: بمولاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا! إنّه كان كذلك، اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر، فلم يُعرف مؤمن من منافق).(14)
عن إمامنا الرضا عليه السلام أيضاً قال:
- (رجل قد استخفته الأحاديث كلّما وضع اُحدوثة كذبٍ وانقطعت، مَدّها بأطول منها، إن يُدرك الدجال يتبعه).(15)
الدجال في روايات العامة
بعض الروايات تتحدث عن طول عمر الدجّال وتسميته، وأنّه من معاصري الرسول صلى الله عليه وآله، حيث لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله بالرغم من طلبه منه شخصياً، ثم ادّعاءه الرسالة وحاول عمر بن الخطاب قتله، فقال له رسول للَّه صلى الله عليه وآله: (إن يكنه فلن تسلط عليه وان لم يكنه فلا خير لك في قتله).(16)
وأن النبي صلى الله عليه وآله قال فيه: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال).(17)
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: (إنّه يخرج على حمار ما بين اُذنيه ميل).
- جاء في صحيح مسلم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في بعض حديثه عن الدجال: (فيقول الدجال: أرأيتم أن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر، فيقولون: لا، قال: فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: واللَّه ما كنت فيك أشد قط بصيرة مني الآن، قال: فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلّط عليه).(18)
- (يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهراً من ماء).(19)
النبي يحذّر اُمته من الدجال ثم يستعيذ من فتنته.(20) ويخبر النبي صلى الله عليه وآله من أنه يدّعي الربوبية.(21) ثم يقول صلى الله عليه وآله من أنّه يسمع ما بين الخافقين.(22)
ثم يأمر السماء أن تمطر فتمطر.(23) وأخيراً يقتله المسيح.(24)
التفسير الرمزي لعلامات الظهور
تحدثت الأخبار السابقة عن قدرات الدجال وإمكانياته، وهناك أخبار اندرجت بنفس السياق، وكلها تتحدث عن مستوي الانحراف السائد في عصر الغيبة، لتشكل أسباباً له أو مسببات سواء حملنا هذه العلامات على وجهها الصريح أو على وجهها الرمزي:
أما إذا حملناها على صراحتها، فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى مزيد كلام. سواء في ذلك انحراف القيادة الإسلامية، بعد النبي صلى الله عليه وآله أو حدوث دولة بني العباس أو خروج الرايات السود بقيادة أبي مسلم الخراساني. أو اختلاف أهل المشرق والمغرب، أو ثورة صاحب الزنج، أو الحروب الصليبية، أو مقاتلة الترك، أو نزول الترك بالجزيرة، أو نزول الروم الرملة، أو قتل النفس الزكية، أو ظهور الدجال والسفياني، طبقاً للفهم الكلاسيكي لهما... إلى آخر ما عددناه من أمثال هذه العلامات.
وأما إذا حملناها على أنها مسوقة مساق الرمز، فهو المهم الذي نستطيع به أن نقدّم فهماً متكاملاً لمجموع العلامات. وإن كان سيكلفنا هذا الفهم الاستغناء عن بعض التفاصيل الواردة في الأحاديث. وقد سبق أن قلنا إنّ شيئاً من التفاصيل لم يثبت بعد التشدد السندي ولكن بعد الحمل الرمزي ستكون أكثر التفاصيل قد تحققت في الخارج في التاريخ البشري. وكل ما تحقق في التاريخ فالإخبار عنه صادق، وكل شيء من التفاصيل، لا يدخل في هذا الفهم الرمزي العام يبقي لا دليل على ثبوته وصدقه، ومن ثم يقتضي التشدد السندي نفيه.
وإنّ أهم وأعم ما يواجهنا في هذا الصدد مفهوم الدجال، الذي يمثل الحركة أو الحركات المعادية للإسلام في عصر الغيبة عصر الفتن والانحراف... بادئً بالأسباب الرئيسية وهي الحضارة الاُوربية بما فيها من بهارج وهيبة وهيمنة على الرأي العام العالمي، ومخططات واسعة... ومنتهياً إلى النتاج وهو خروج عدد من المسلمين عن الإسلام واعتناقهم المذاهب المنحرفة، وما يعم الأفراد والمجتمعات من ظلم وفساد.
فليس هناك ما بين خلق آدم إلى يوم القيامة خلق منحرف أكبر من الدجال، باعتبار هيبة الحضارة الاُوربية وعظمتها المادية ومخترعاتها وأسلحتها الفتاكة، وتطرفها الكبير نحو سيطرة الإنسان والإلحاد بالقدرة الإلهية... بشكل لم يعهد له مثيل في التاريخ، ولن يكون له مثيل في المستقبل أيضاً. لأنّ المستقبل سيكون في مصلحة نصرة الحقّ والعدل.
ويؤيد هذا الفهم قوله في الخبر الآخر: (ليس ما بين خلق آدم إلى يوم القيامة أمر أكبر من الدجال). والتعبير بالأمر واضح في أنّ الدجال ليس رجلاً بعينه وإنما هو اتجاه حضاري معاد للإسلام.
(وإنّ من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، وأن يأمر الأرض أن تنبت فتنبت).(25) وكل هذا وغيره ممّا هو أهم منه من أنحاء السيطرة على المرافق الطبيعية مما أنتجته الحضارة الاُوربية.
ولا يخفي ما في ذلك من الفتنة، فانّ أعداداً مهمة من أبناء الإسلام حين يجدون جمال المدنية الاُوربية، فانهم سوف يتخيلون صدق عقائدها وأفكارها وتكوينها الحضاري بشكل عام. وهذا من أعظم الفتن والأوهام التي يعيشها الأفراد في العصور الحاضرة. وهي غير قائمة على أساس صحيح. إذ لا ملازمة بين التقدم التكنيكي المدني والتقدم العقائدي والفكري والأخلاقي.. يعني لا ملازمة بين الجانب الحضاري والجانب المدني في المجتمع فقد يكون المجتمع متقدماً إلى درجة كبيرة في الجانب المدني ومتأخراً إلى درجة كبيرة في الجانب الحضاري... كما عليه المجتمع الاُوربي. كما قد يكون العكس موجوداً أحياناً في مجتمع آخر.
وإنّ من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقي لهم سائمة إلّا هلكت، وأنّ من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمدّه خواصراً وأدرّه ضروعاً).(26)
وهذا يعني على وجه التعيين: أن المكذب للمد المادي الاُوربي والواقف أمام تياره يمني بمصاعب وعقبات ويكون المال والقوة إلى جانب السائرين في ركابها المتملقين لها المتعاونين معها. والتعبير بالحي يعني النظر إلى المجتمع على العموم. وهذا هو الصحيح بالنسبة إلى المجتمع المؤمن في التيار المادي، إذ لو نظرنا إلى المستوي الفردي، فقد يكون في إمكان الفرد المعارض أن ينال تحت ظروف معينة قسطاً من القوة والمال.
والدجال أيضاً يدعي الربوبية إذ ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين.. يقول: (إليّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى أنا ربكم الأعلى).(27)
وكل ذلك واضح جداً من سير الحضارة الاُوربية واُسلوبها. فانها ملأت الخافقين بوسائل الإعلام الحديثة بماديتها، وعزلت البشر عن المصدر الإلهي والعالم العلوي الميتافيزيقي، فخسرت بذلك العدل والأخلاق والفكر الذي يتكلفه هذا المصدر. وأعلنت عوضاً عن ذلك ولايتها على البشرية وفرضت أيديولوجيتها على الأفكار وقوانينها على المجتمعات، بدلاً عن ولاية اللَّه وقوانينه. وهذا يعني ادعاءها الربوبية على البشر أي أنها المالكة لشؤونهم من دون اللَّه تعالى.
ومن الملحوظ في هذا الصدد، أنّ الوارد في الخبر أنّ الدجال يدعي الربوبية، لا أنه يدعي الاُلوهية... والربوبية لا تحمل إلّا المعني الذي أشرنا إليه.
وأما دعوتها، لأوليائها من أطراف الأرض، ليتم تثقيفهم الفكري وتربيتهم الأخلاقية والسلوكية تحت إشرافها، ولترتبط مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية بها.. فهذا أوضح من أن يذكر أو يسطر.
(ولا يبقي شيء من الأرض إلّا وطئه وظهر عليه)(28) وهو ما حدث فعلاً بالنسبة إلى انتشار التفكير الاُوربي في كل البسيطة. فليس هناك دولة في العالم اليوم لا تعترف بالاتجاهات العامة للفكر والقانون الاُوربي. ونريد باُوربا بكلي قسميها الرأسمالي والشيوعي. فانّ كليهما معاد للإسلام، وممثل للدجال بأوضح صوره.
وأما استثناء مكة والمدينة من ذلك، فقد يكون محمولاً على الصراحة، وقد يكون محمولاً على الرمز. أما حملها على الصراحة، فيعني أن سكان هاتين المدينتين المقدستين سوف لن يعمهما الفكر الاُوربي والمد الحضاري المادي. بل يبقي سكانها متمسكين بالإسلام، بمقدار ما يفهونه، صامدين تجاه الإغراء الاُوربي إلى حين ظهور المهدي عليه السلام.
وأما حملها على الرمزية، فهو يعني أنّ الفكرة الإلهية المتمثلة بمكة، والفكرة الإسلامية المتمثلة بالمدينة المنورة، لا تنحرف بتأثير المدّ الاُوربي، بل تبقي صامدة، محفوظة في أذهان أهلها وإيمانهم. وهذا يدل على انحراف الحقّ في الجملة بين البشر، وأنّ الانحراف لا يشمل البشر أجمعين، وإن كانت نسبة أهل الحقّ إلى غيرهم، كنسبة مكة والمدينة إلى سائر مدن العالم كله.
وهذا مطابق لما عرفناه من نتائج التخطيط الإلهي، ببقاء قلة من المخلصين الممحصين المندفعين في طريق الحقّ. وأكثرية من المنحرفين والكافرين. ويكون لاُولئك القلة المناعة الكافية ضد التأثر بالأفكار المادية والشبهات المنحرفة. بل إنّ هذه الشبهات لتزيدهم وعياً وإيماناً واخلاصاً.
وهذا هو معني ما ورد في بعض أخبار الدجال من منعه عن مكة والمدينة بواسطة ملك بيده سيف مصلت يصده عنها، وأنّ على كل نقب ملائكة يحرسونها. فان تشبيه العقيدة الإسلامية بالملك ومناعتها بالسيف مما لا يخفي لطفه. وأما كون الملائكة على كل نقب، فهو يعني الإدراك الواعي للمؤمن بأنّ للإسلام حلاً لكل مشكلة وجواباً على كل شبهة، فلا يمكن لشبهات الآخرين أنّ تغزو فكره، أو تؤثر على ذهنه.
والدجال طويل العمر، باق من زمن النبي صلى الله عليه وآله حين لم يؤمن برسالته من ذلك الحين، بل ادعي الرسالة دونه، ولا زال على هذا الحال إلى الآن.
فان الدجال أو المادية، تبدأ اُسسها الأولى من زمن النبي صلى الله عليه وآله حيث كان للمنافقين أثرهم الكبير في إذكاء أوارها ورفع شأنها. فكانوا النواة الأولى التي حددت تدريجاً سير التاريخ على شكله الحاضر، بانحسار الإسلام عن وجه المجتمع في العالم وسيطرة المادية والمصلحية عليه.
إذاً فالمنافقون الذين لم يؤمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله - اُولئك الذين كان مسلك الدجل والخداع مسلكهم إذ يظهرون غير ما يبطنون - هم النواة الأولى للمادية المخادعة التي تظهر غير ما تبطن، وتبرقع قضايا بمفاهيم العدل والمساواة، فهذا هو الدجال، بوجوده الطويل.
ومن هنا نفهم معني ادعائه للرسالة، فإن المادية كانت ولا زالت تؤمن بفرض ولايتها على البشر، غير أنها كانت في المجتمع النبوي ضعيفة التأثير جداً، لا تستطيع الارتباط بأي إنسان. ولكن حين اُذِن للدجال المادي بالخروج، في عصر النهضة الاوربية، استطاعت المادية أن تفرض ولايتها وسلطتها على العالم.
ومن هذا المنطلق نفهم بكل وضوح معني أنه عند الدجال ماء ونار، وماؤه في الحقيقة هو النار، وناره هي الماء الزلال، وقال النبي صلى الله عليه وآله في الحديث: (فمن أدرك ذلك فليقع في الذي يراه ناراً فانّه ماء عذب طيب).(29)
فإنّ ماء الدجال هو المغريات والمصالح الشخصية التي تتضمنها الحضارة المادية لمن تابعها وتعاون معها. وناره عبارة عن المصاعب والمتاعب والتضحيات الجسام التي يعانيها الفرد المؤمن الواقف بوجه تيار المادية الجارف. تلك المصالح هي النار أو الظلم الحقيقي، وهذه المصاعب هي الماء العذب أو العدل الحقيقي.
ومن الطبيعي أنّ النبي صلى الله عليه وآله بصفته الداعية الأكبر للإيمان الإلهي، ينصح المسلم بأن لا ينخدع بماء الدجال وبهارج الحضارة ومزالق المادية، وأن يلقي بنفسه فيما يراه ناراً ومصاعب، فانه ينال بذلك طريق الحق والعدل.
ونستطيع في هذا الصدد أن نفهم: أن نفس سياق الحديث ولهجته دال على ذلك. فانّ قوله: (فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب)يكاد يكون أيضاً واضحاً في أنه ليس الماء والنار على وجه الحقيقة، بل هو ماء ونار على وجه الرمز. وإلّا لزم نسبة المعجزات إلى المبطلين، وقد برهنا على فساده.
ومن طريف ما نستطيع أن نلاحظه في المقام: أنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يقل في الخبر: إنّ الناس جميعاً حين يقعون في الماء فإنهم يجدونه ناراً، أو حين يقعون في النار يجدونها ماء. بل يمكن أن نفهم أنّ بعض الناس وهم المؤمنون خاصة هم الذين يجدون ذلك. وإلّا فانّ أكثر الناس حين يقعون في ماء الدجال أو بهارج المادية لا يجدون إلّا اللذة وتوفير المصلحة، كما أنهم حين يقعون في المصاعب والمتاعب لا يجدون إلّا الضيق والكمد.
والدجال أعور - نعم بكل تأكيد - من حيث إنّ الحضارة المادية تنظر إلى الكون بعين واحدة، تنظر إلى مادته دون الروح والخلق الرفيع والمثل العليا. ومن يكون الأعور إلّا غير المدرك للحقائق رباً صالحاً للولاية على البشرية... وإنما تكون الولاية خاصة بمن ينظر إلى الكون بعينين سليمتين، بما فيه من مادة وروح ويعطي لكل زاوية حقها الأصيل (وإنّ ربكم ليس بأعور).
والدجال كافر، لأنه مادي ومن أعداء الإسلام وأبعدهم عن الحقّ والصواب. (مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) فان هذه الكتابة ليست من جنس الكتابة! وإنّما هي تعبر عن معرفة المؤمنين بكفر المنحرفين ونفاقهم، وهذا لا يتوقف على كون الإنسان قارئاً وكاتباً، أو لم يكن. ومن المعلوم اختصاص هذه المعرفة بالمؤمنين (يقرؤه كل مؤمن) لأنهم يعرفون الميزان الحقيقي العادل لتقييم الناس. وأما المنحرفون، فهم لا يقرأون هذه الكتابة، وإن كانوا على درجة كبيرة من الثقافة، لأنهم مماثلون لغيرهم في الكفر والانحراف. ومن الطبيعي أن لا يري الفرد أخاه في العقيدة كافراً.
ومن أجل هذا كله حذر النبي صلى الله عليه وآله منه اُمته واستعاذ من فتنته، لأجل أن يأخذ المسلمون حذرهم على مدى التاريخ من النفاق والانحراف والمادية. بل قد حذّر كل الأنبياء اُممهم من فتنة الدجال. لما سبق أن فهمنا أن المادية السابقة على الظهور هي من أعقد وأعمق الماديات على مدى التاريخ البشري (ما بين خلق آدم إلى يوم القيامة) وتشكل خطراً حقيقياً على كل الدعوات المخلصة للأنبياء أجمعين.
وهو - بالرغم من ذلك كله - (أهون على اللَّه من ذلك)باعتباره حقيراً أمام الحق والعدل. مهما كانت هيمنته الدنيوية وسعة سلطته. وليس وجوده قدراً قهرياً أو أثراً تكوينياً اضطرارياً، وإنما وجد من أجل التمحيص والاختبار بالتخطيط الإلهي العام، وسوف يزول عندما يقتضي هذا التخطيط زواله عند الظهور، وتطبيق يوم العدل الموعود.
ومن هنا نفهم أنه لا تعارض بين الخبر الدال على أنّ معه جبل خبز ونهر ماء، والخبر الدال على هو أنه على اللَّه من ذلك. فانّ هوانه عند اللَّه لا ينافي حصوله على السلطة والإغراء، أخذاً بقانون التمحيص والإمهال الإلهي طبقاً لقوله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً؛ فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس. كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكرون).(30) فهذه هي الفكرة العامة الرمزية عن الدجال.
وأما السفياني، فهو يمثل خط الانحراف في داخل المعسكر الإسلامي، أو الفكرة الإسلامية العامة. يندرج في ذلك كل الحركات والعقائد الخاطئة التي تدعي الانتساب إلى الإسلام، مما كان أو يكون إلى يوم الظهور الموعود.
ومن هنا اعتبر أبو طاهر القرمطي، في بعض الروايات: السفياني الأوّل، والسفياني الموعود هو الثاني. مع أن هذا القرمطي لا ينتسب إلى أبي سفيان بحال. وإنما صفته الأساسية هو أنه قائد لحركة كبيرة من حركات الانحراف في المجتمع الاسلامي. إذا فهو ينتسب إلى أبي سفيان عقيدة وإن لم ينتسب نسباً.
وفي الإمكان معرفة اتجاهه الفكري والعسكري، مستنتجاً مما نسب إليه في الأخبار من الأفعال والمشاغبات في المجتمع المسلم. يكون آخرها إرساله الجيش ضد الجماعة الممثلين للحق المستجيرين بالبيت الحرام في مكة. وحينما يصل جيشه إلى البيداء يخسف بهم أجمعين، لا ينجو منهم إلّا المخبر... حفظاً لحرمة البيت الحرام من ناحية، وحفظاً للجماعة الممحصين الذين يجب أن يقوموا بمهام اليوم الموعود. ولعل المهدي عليه السلام نفسه يكون من بينهم يومئذٍ.
وهذه الحركة بالذات تقوم بها بعض السلطات المنحرفة في المجتمع المسلم، فهي أوضح أشكال الفكرة العامة للسفياني، بالشكل الذي فهمناها.
وخروج السفياني من الوادي اليابس، محمول على المستوى الفكري الذي يتصف به، فانّه ينطلق فكرياً عن أيديولوجية ممحلة وضحلة وجافة. بمعني أنها تتجافي مع الحق وتقوم على الفهم الخاطئ.
وعلى أي حال، فكل من الدجال والسفياني طبقاً لهذا الفهم، مما قد حدث في التاريخ فعلاً، وليس أمراً منتظراً. نعم، لم تصل حركة السفياني إلى نتائجها النهائية التي هي الخسف.(31)
بهذا القدر من البحث نكتفي على أمل أن نوفّق لدراسة أخرى أكثر توسعاً وتحليلاً.
خلاصة البحث
صرّح القرآن الكريم وتبعته السنّة الشريفة على أنّ الأرض ستورث من قبل الصالحين من عباد اللَّه سبحانه.
وإنطلاقاً من ذلك فقد هيّأ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة ذهنية الأمة لأجل قبول ذلك المخطط الإلهي والتفاعل معه، والذي سينتهي بدولة الحقّ المرتقبة بقيادة آخر الأوصياء عليه السلام، محمد المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام، وربط حاضر الأمة بمستقبلها الإلهي ضمن آلية تكفل برقيها في ضوء السنن الإلهية، وعلامات الظهور أحد تلك المفردات المرتبطة بالمخطط الكبير لليوم الموعود.
وعمليات التغيير الاجتماعي التي تتم عن طريق الأنبياء والأئمة في مرحلة الرسالة الخاتمية هي عمليات ربانية فهي إذن لا ترتبط بالظروف الموضوعية، نعم الظروف تشكل مناخاً لنجاحها.
من هنا فعلامات الظهور التي تتحدث عن ظواهر اجتماعية أو سياسية ما هي إلّا تعبير عن ظواهر أنتجتها ظروف موضوعية فهي إذن نبؤات صادرة عن الغيب تكشف عن تحولات في حياة الاُمة.
والغرض منها وعي الأمة بمستقبلها واستفادة ذلك لغرض الهداية.
ثم تكشف علامات الظهور عن خط العصمة لتؤكد نهاية الأمر في الإمام المهدي الأمر الذي لم يهضم بداية الرسالة في علي فهذا هو ما حوله إلى مهد آخر خصوصاً إذا تأكد في المهدي.
ولم يقتصر الحديث عن علامات الظهور في التراث الإمامي وإنّما نجد العامة قد تناولت هذا الموضوع بشكل موسّع.
ونفت الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت مسألة توقيت ظهور الإمام المعصوم وإن كان الظهور وقيام الدولة من الاُمور الحتمية، إلّا أنه لم يخرج عن وعي الإنسان وإرادته ودوره في التمهيد، وأنّ من أسرار الغيبة انتظار الظرف الملائم للظهور والذي يستوجب أن يكون العالم قد تأهل لقبول الرسالة بمحض الإرادة الأمر الذي أدّي بأئمة اهل البيت أن يتجنّبوا التصريح بتحديد المدة لئلّا تكون مدعاة للاتّكال وصرّحوا بأنّ أمر الظهور موكول للَّه سبحانه.
والملاحظ لعلامات الظهور وأنواعها وشموليتها حين يتبنّاها المكلف سيجدها خريطة متكاملة ووصفة عمل ومنهج تحريك تقيه من الضياع، أو الوقوع في الانحراف الذي يشتد آخر الزمان.
ولمّا كان لعلامات الظهور دور بهذا المستوي من حيث إسهامها في إيجاد الوعي في حياة الأمة وقدرتها على فرز الظواهر السيئة من الصحيحة، فلا فرق إذا بين العلامة المفسرة على أساس الرمز، أو المفسّرة على أساس الحقيقة.
وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين وصلّى اللَّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
(1) الملاحم والفتن: 44، الحاوي للفتاوي: 141:2 ما عدا آخره.
(2) بشارة الإسلام: 186 - 175 بلفظ قريب: 98 - 97 عن الباقر عليه السلام، وإلزام الناصب: 185، والمحجة البيضاء: 342:4، والإمام المهدي: 233 ما عدا آخره.
(3) الملاحم والفتن: 44، وإلزام الناصب: 188، والغيبة للطوسي: 274، والبحار: 267:5، والمحجة البيضاء: 343:4، والإمام المهدي: 223، والحاوي للفتاوى: 139:2 و141 و145، وقد رُويَ عن الإمام الباقر عليه السلام في بعضها.
(4) بشارة الإسلام: 184 و212، بلفظ آخر، والمهدي: 190 باختلاف يسير.
(5) البحار: 82:51، وكشف الغمة: 262:3 و263 بلفظ آخر، ومثله في البيان: 17، والصواعق المحرقة: 163، والملاحم والفتن: 42، وبشارة الإسلام: 285 و286 مع زيادة، والحاوي للفتاوي: 133:2، وينابيع المودة: 88:3 و166 بلفظ آخر، والمهدي: 212 نقلاً عن عقد الدرر، وإلزام الناصب: 100.
(6) الحاوي للفتاوي: 133:2.
(7) الزخرف: 65.
(8) والخبر في الغيبة للنعماني: 133، والبحار: 229:52 و234 و285 و304، والإمام المهدي: 54 و220 ومنتخب الأثر: 220، رُوي عن الإمام الرضا عليه السلام، وينابيع المودة: 109:3 بلفظ قريب، بشارة الإسلام: 409 القسم الأخير منه ومثله في ص 120 و161 عن الإمام الرضا عليه السلام أيضاً، والمهدي: 9.
(9) بشارة الإسلام: 29.
(10) الطبراني الصغير: 139:1.
(11) رجال الكشي: 29.
(12) المحاسن: 90.
(13) الكافي: 260:5.
(14) بحار الأنوار: 391:75.
(15) ابن حماد: 146.
(16) صحيح مسلم: 192:8.
(17) صحيح مسلم: 207:8.
(18) صحيح مسلم: 199:8.
(19) مجمع الزوائد للهيثمي: 350:7، فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 81:13، مع اختلاف يسير.
(20) صحيح البخاري: 76 - 75 :9.
(21) شرح ابن ماجة: 1360:2.
(22) المعجم الأوسط للطبراني: 300:4 و319 و223:7.
(23) شرح ابن ماجة: 1360:2.
(24) صحيح مسلم: 198:8.
(25) مسند أحمد بن حنبل: 21:4، صحيح مسلم: 207:8.
(26) سنن ابن ماجة: 1360:2، ح 4077، تفسير ابن كثير: 593:1، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 224.
(27) الخرائج والجرائح للراوندي: 1136:3.
(28) سنن ابن ماجة: 1361:2، ح 4078، الدر المنثور للسيوطي: 244:2.
(29) فتح الباري: 88:13.
(30) يونس: 24.
(31) راجع الغيبة الكبرى محمد الصدر: 541 - 510.
/ 1