مهدي المنتظر المجلد الأول نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مهدي المنتظر المجلد الأول - نسخه متنی

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
المهدي المنتظر المجلد الأول
المؤلف: حسين الشاكري
تفهرست الموضوعات
1المقدمة
2ملامح شخصيته
3نسبته
4في تسميته
5الاخبار الدالة علي المنع
6راي السيد محسن الامين
7امه
8ولادته
9الادلة علي ولادته
10اخبار آبائه المعصومين بولادته
11اخبار الامام العسکري بولادة ابنه المهدي
12شهادة القابلة وخدم وجواري الدار بولادته
13شهادة أصحاب الائمة بولادته
14تصرف السلطة وتفتيشها الدار
15اعتراف علماء الانساب بولادته
16اعتراف علماء العامة بولادته وبکونه ابن الامام الحسن العسکري
17شهادة الوکلاء وغيرهم برؤيته
18القابه
19في علة تسميته بالمهدي والقائم والمنتظر
20کنيته
21نقش خاتمه
22نوابه
23تواريخه
24غيبته
25صفته وحليته
26عالمية الاعتقاد بالمهدي والبشارات السماويّة
27فکرة المهدي عند الشعوب والاديان
28اجماع المسلمين
29البشارات السماوية بالامام المهدي
30اشعيا يبشر بالقائم
31الامام المهدي والنداء السماوي
32الايات المفسرة بالامام المهدي
33سوره بقره
34سوره آل عمران
35سوره النساء
36سوره المائدة
37سوره الأنعام
38سوره الأعراف
39سوره الأنفال
40سوره التوبة
41سوره يونس
42سوره هود
43سوره يوسف
44سوره الرعد
45سوره ابراهيم
46سوره الحجر
47سوره النحل
48سوره الاسراء
49سوره مريم
50سوره طه
51سوره الأنبياء
52سوره الحج
53سوره النور
54سوره الشعراء
55سوره النمل
56سوره القصص
57سوره السجدة
58سوره الأحزاب
59سوره سبأ
60سوره يس
61سوره فصلت
62سوره شورى
63سوره زخرف
64سوره فتح
65سوره ذاريات
66سوره حديد
67سوره صف
68سوره ملک
69سوره تکوير
70سوره انشقاق
71النص علي امامته
72نص الرسول الاعظم علي الامام المهدي عليهما السلام
73نص أميرالمؤمنين علي الامام المهدي عليهما السلام
74نص الزهراء علي الامام المهدي عليهما السلام
75نص الامام الحسن علي الامام المهدي عليهما السلام
76نص الامام الحسين علي الامام المهدي عليهما السلام
77نص الامام زين العابدين علي الامام المهدي عليهما السلام
78نص الامام الباقر علي الامام المهدي عليهما السلام
79نص الامام الصادق علي الامام المهدي عليهما السلام
80نص الامام الکاظم علي الامام المهدي عليهما السلام
81نص الامام الرضا علي الامام المهدي عليهما السلام
82نص الامام الجواد علي الامام المهدي عليهما السلام
83نص الامام الهادي علي الامام المهدي عليهما السلام
84نص الامام العسکري علي الامام المهدي عليهما السلام
85نص الامام القائم على نفسه وعلى الائمة عليهم السلام
86الادلّة علي إمامته عليه السلام
87حديث الثقلين
88دلالة الحديث علي إمامة الحجّة عليه السلام
89حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
90دلالة الحديث علي إمامة الحجّة عليه السلام
91استدلال الشيخ المفيد بالحديث علي إمامة الحجّة عليه السلام
92حديث أن الارض لا تخلو من حجة
93دلالة الحديث علي إمامة الحجة
94حديث الخلفاء اثنا عشر
95رواية الامامية
96رواية النعماني
97رواية الشيخ الطوسي
98دلالة الحديث علي إمامة الحجة
99استدلال القندوزي
100استدلال الشيخ الطوسي
101استدلال الشهيد الصدر
102النص علي الائمة الاثني عشر
103في حجية هذه الاخبار
104الدلالات
105الدليل العقلي
106اثبات النص علي إمامته من طريق الاعتبار
107المهدي في حديث العامة
108المنکرون لاحاديث المهدي عليه السلام
109تصحيحات ابن خلدون
110المهدي في الصحيحين
111المهدي علي لسان المحدثين والمصنفين والفقهاء
112اسماء الصحابة الذين رووا عن رسول الله أحاديث المهدي
113الذين قالوا بصحة أحاديث المهدي من العامة
114الذين حکوا تواتر أحاديث المهدي من العامة
115اسماء المصنفين الذين خرجوا الاحاديث الواردة في المهدي
116المصنفون في شأن المهدي من العامة
117المصنفات في المهدي عليه السلام
118الذين احتجوا بأحاديث المهدي من العامة
119فتاوي علماء المذاهب الاربعة في مکة (سنة 952 هـ)
120الفقيه الشافعي
(1) / (2)
******************
المقدمة
من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية
الامام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) غنيّ عن التعريف في شخصيّته العالمية، ودوره التأريخي، لا خلاف فيه بين الاديان السماوية کافة وغيرها، وإنّما وقعت الشبهات واُثيرت الشکوک حول مسألة من هو المهدي؟
لذا نقدّم هذا السفر الميمون المبارک ليلقي الاضواء حول هذه المسألة، اعتماداً علي المصادر المعتبرة عند الفريقين، لينير الدرب للسالکين.
عزيزي القارئ... أکتب إليک... لاُفاتحک، واُصارحک، ولاُطلِعَک، لا لاُقنِعَک. وقبل أن تتطلّع علي ما في هذا الکتاب من المواضيع الحسّاسة، في عصرنا الحاضر المضطرب، يهمّني أن اُلفت نظرک، واُجيب علي حيرتک وتساؤلک، بأنّ إنکار الناس لوجود الخالق تبارک وتعالي، لا يدلّ علي عدم وجوده، کما أنّ إنکارهم للبعث والحساب لا يعني أنّه لا يکون هناک بعث ولا حساب، ومثل ذلک إنکار المهدي... صاحب العصر والزمان (عليه السلام).
فاقرأ، وتحقّق، وتفهّم، فقد يسّرت لي الظروف وتيقّنت أنّي وأنت من أهل آخر الزمان، بعد استعراض وصفهم إجمالاً وتفصيلاً، فقد وجدت لزاماً عليّ أن أقول بصراحة.
ولا يخفي أنّ الناس صنفان: إمّا جاهل في هذا الموضوع، ولم يستوعب قضيّة المهدي في حجمها وأبعادها، ويخشي إن هو تعرّض لها أن يضيع، فلا غروَ أن أضعه في الطريق، وإمّا عالم عارف في غير هذا الموضوع، لا يريد أن يخوض فيه عن عمد أو عن غير عمد، فيرغب عن الکلام فيه، فلا مانع من تشجيعه علي الافصاح بالرأي، وتدريبه علي الصراحة في قول الحقّ.
وبهذه النيّة أنقل إلي الاثنين کلّ ما توصّلت إليه بعد بحث طويل وجهد مضن، وسبر أغوار الموسوعات والسير والتأريخ، تارکاً لهما حرية الاختيار عندما يتنازع فکرهما عاملا التصديق والانکار.
وهدفي أن يعرف الجاهل، وتتجلي في ذهنه الحقيقة، ويتشجّع العالم علي قول الحقّ، قبل أن يضيع الناس عن کلمة الحقّ التي ينبغي أن لا تضيع.
هذا.. وإنّي لن أتکلّم عن المکابرين... ولن أقف مع المماحکين، ولن اُحاجج الشاکّين بکلّ ما يصدر عن السماء، ولن تکون لي مناظرة مع المعاندين الذين يتجاهلون بديهيات العقل، ولن اُحاول مناقشة منکري الخالق وإن کانوا يقفون أمام عظمة الکون حائرين بذاتهم، کما لا اُحبّ أن يقع کتابي هذا في أيدي جَهَلَة المثقّفين الذين تقوم حياتهم علي الکفر بالقيم، ويرکضون وراء سراب زائف من الافکار التافهة، من ذوي العلم الناقص، الذين تسلّحوا بشهادات معيّنة من بعض التخصّصات، فقد عَلِموا شيئاً وغابت عنهم أشياء. ولا في أيدي الذين نبذوا کلّ عقيدة وترکوا القيم وتحلّلوا من کلّ عرف، وانهزموا أمام الرجولة.
وليس کتابي هذا للنساء الحائدات عن طريق العفّة والکرامة، من اللواتي لبسن القميص المکشوف والسروال الضيّق وتشبّهن بالرجال، وخالفن طبيعة الاُنوثة فارتدين الثوب القصير وکدن أن يکشفن عن أقبح ما فيهن لذئاب البشر.
ولا للجيل الذي إن ردعته لا يرتدع، وإن زجرته لا ينزجر، وإن کنتُ اُحِبُّ أن اُفصِحَ عن الحقيقة التي يجهلونها، کي لا يقعوا فرائس الطيش، فيندم کلّ واحد منهم، يوم يعضّ الظالم علي يديه، ويقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلاً؟
قال إمامنا الباقر (عليه السلام): کلّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول، وهو ضالّ متحيّر - والله شانئ لاعماله - وإن مات علي هذه الحالة مات ميتة کفر ونفاق(1)، وقال سبحانه وتعالي: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّ نْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنّهمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
أنا أکتب.. عن أمر واقع ليس له دافع؟ رضي به الکلّ أو أباه البعض، لأنّه کالشمس في رائعة النهار التي تدخل کلّ بيت فتحت نافذته عليها ولو رفض دخولها، ولا يحول دون إشراقها حائل، من ذي الفکر الصدي، ولا ممانع من النظر الاخفش.
فليعتبر الناس إلي محتوم من أمرهم، صدّقوا به أو أنکروه، فکتابي هذا لمن يظهر له فيه الحقّ، فيتّبعه عن دليل، ولمن يفکّر ويتدبّر عواقب الاُمور، وهو لسائر روّاد الحقيقة، في أيّ وطن کانوا، ومن أيّ اُمّة.
ولا إکراه في فرض عقيدة... ولا إجبار في اعتناق مبدأ، ولکنّي ناقل حقيقة، لا يضرّها کفر من کفر بها، لانّ شعارنا شعار المؤمن بالعقيدة، يعرضها ولا يفرضها، کما قال سبحانه وتعالي: (لا إکْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ)، وقال: (يَا أ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْکُمْ أنفُسَکُمْ لا يَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ).
أمّا من کان يعيب عقيدة المتشيّعين للمهدي شکلاً وأساساً فإنّنا لا نأخذ عليه إلاّ ما أخذه الناس علي أحبار اليهود يوم عرفوا محمّداً (صلي الله عليه وآله) بذاته وصفاته وعلاماته المذکورة في کتبهم، ثمّ کفروا به لأنّه بُعِثَ من العرب لا من بني إسرائيل!!! فهل يرضي العائب علينا أن نتحدّث عن مهديٍّ لا قرشيّ ولا هاشميّ ولا فاطمي ولا حسيني، حتّي نلتقي معه علي طمس حقيقة عرفناها کما هي في جوهرها، وآمنّا بها کما وردت من طرقنا وطرق غيرنا؟ مع أنّ النبيّ الکريم الذي لا ينطق عن الهوي قال: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ واحد، لطوّل الله ذلک اليوم وبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما مُلئت ظلماً وجوراً).(2)
علي أنّ انتظار دولة الحقّ والعدل وتقويض اُسس الظلم والجور والعدوان، أمرٌ عالميّ قبل أن يکون إسلامياً، وأمرٌ إسلاميّ قبل أن يکون شيعياً.
فاليهودي - من أيّ سبط کان - ينتظر مجيء المسيح الذي يحقّق العدل المطلق علي وجه الارض - في آخر الزمان -. والمسيحي - من أيّ طائفة کان - ينتظر عودة المسيح المطهّر، ليرسي قواعد العدل الاسمي علي وجه هذه البسيطة - في آخر الزمان -. والمسلم - إلي أيّ فرقة انتمي - ينتظر المهدي والمسيح، يلتقيان في دولة حقٍّ، وحکومة عدل مثالي - في آخر الزمان -.
وعليه فإنّ جميع أهل الاديان يعطون حکومة آخر الزمان المنتظرة أهميّتها القصوي، ويعرفون لوقتها علامات ودلائل هي من صميم ما عندهم من تراث ديني، وحتّي الزرادشة وعبدة النار يعتقدون ذلک بطرقهم الخاصّة، هذا ما نقلته إلي القارئ من المصادر الموثوقة من جميع الفرق الاسلامية، فضلاً عن ما نقلته من الاحاديث والروايات المستفيضة عن الرسول الکريم وعترته الطاهرة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
إلي هنا أختتم هذه المقدّمة التي اقتطفت شذرات منها من مقدّمة يوم الخلاص للاُستاذ کامل سليمان، لانّي وجدته يحکي عن ما في نفسي وما أدين الله سبحانه تعالي به في عقيدتي، مع بعض التصرّف في العبارة دون المساس بالمعني.
والله أسأل أن يهدي الجميع إلي سواء السبيل.
حسين الشاکري
ملامح شخصيته
الکوکب الثاني عشر من شمس النبوّة، حجّة الله علي عباده، والبقيّة الباقية في بلاده، الغائب عن الابصار، والحاضر في قلوب الاخيار، کاشف الاحزان، وخليفة الرحمن، الحجّة بن الحسن العسکري صاحب الزمان، صلوات الله عليه وعلي آبائه ما توالت الازمان.
في ما يلي نقدّم موجزاً عن تسميته وألقابه وولادته وتواريخه وما يتعلّق بحليته وصفته وغيرها، وسنأتي علي تفاصيلها في ثنايا فصول الکتاب.
نسبته
هو مولانا الامام المنتظر الخلف الحجّة صاحب الزمان محمّد بن الحسن العسکري بن عليّ النقي بن محمّد التقي بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي سيّد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي المرتضي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
إذا ما وصل الجمعُ
فما أجدرنا بالشکـ
إمامٌ نتولاّه
رآنا الله في عطل
وأولانا به لطفاً
ونرجو أ نّنا نلقا
عسي يُروي به قلبٌ إلي أخبار مولانا
ر لِلّه وأولانا
فطوبي لو تولاّنا
وبالمهديّ حلاّنا
وتأييداً وإحسانا
هُ في الدنيا ويلقانا
له ما زال ظمآنا (3)
في تسميته
لقد تواترت الروايات عن نبيّ الهدي (صلي الله عليه وآله) وعترته المعصومين والائمة الطاهرين أنّ اسم الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وخلفاء الله في العالمين هو عين اسم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أو أنّه يواطئ اسم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنّ کنيته کنية رسول الله (صلي الله عليه وآله) (أبو القاسم).
وأوّل ما يواجه الباحث عن ملامح شخصيّة الامام الحجّة (عليه السلام) هو کثرة الاخبار التي تنهي عن تسميته (عليه السلام) وتکنيته إلي أن يزيّن الله تعالي الارض بطلعته وظهور دولته، لذا تعارف عند الشيعة الامامية ذکره بألقابه (عليه السلام) کالحجّة والقائم والمهدي والخلف الصالح وصاحب الزمان والصاحب وغيرها من الالقاب التي جاءت بها الاخبار والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم.
وفي زمان غيبته الاُولي عبّروا عنه بصاحب الدار والحضرة والناحية المقدّسة والرجل والغلام والغريم وغير ذلک ممّـا جاء علي لسان الاخبار وکلام الرواة من التسميات التي تدلّ علي الرمز والتقيّة.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): والغريم رمز کانت الشيعة تعرفه قديماً بينها، ويکون خطابها عليه للتقيّة.(4)
الاخبار الدالة علي المنع
في ما يلي نذکر أهمّ الاخبار الواردة في النهي عن ذکر الامام الحجّة (عليه السلام) باسمه، ونستدلّ فيما بعد ببعض الروايات لرفع التعارض بين ما يدلّ علي التحريم وما يدلّ علي الاباحة.
1 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: سأل عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي، فقال: يا ابن أبي طالب، أخبرني عن المهدي ما اسمه؟
قال (عليه السلام): أمّا اسمه فلا، إنّ حبيبي وخليلي عهد إليّ أن لا اُحدّث باسمه حتّي يبعثه الله عزّ وجلّ، وهو ممّـا استودع الله عزّ وجلّ رسوله في علمه.(5)
2 - وروي بالاسناد عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: صاحب هذا الامر رجل لا يسمّيه باسمه إلاّ کافر.(6)
3 - وعن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) أنّه قال: المهدي من ولدي، الخامس من ولد السابع، يغيب عنکم شخصه، ولا يحلّ لکم تسميته.(7)
4 - وعن محمّد بن زياد الازدي، عن موسي بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال عند ذکر القائم (عليه السلام): يخفي علي الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته حتّي يظهره الله عزّ وجلّ، فيملا به الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(8)
5 - وعن الريّان بن الصلت، قال: سئل الرضا (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) فقال: لا يري جسمه، ولا يسمّي باسمه.(9)
6 - وروي الخصيبي بالاسناد عن الريّان بن الصلت، قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: القائم المهدي بن الحسن، لا يري جسمه، ولا يسمّيه باسمه أحد بعد غيبته حتّي يراه ويعلن باسمه ويسمعه کلّ الخلق.
فقلنا له: يا سيّدنا، وإن قلنا صاحب الغيبة وصاحب الزمان والمهدي؟
قال: هو کلّه جائز مطلق، وإنّما نهيتکم عن التصريح باسمه، ليخفي اسمه علي أعدائنا فلا يعرفوه.(10)
7 - وبالاسناد عن السيّد عبد العظيم الحسني، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنّه قال في القائم (عليه السلام): لا يحلّ ذکره باسمه حتّي يخرج فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.(11)
8 - وروي السيّد عبد العظيم الحسني، عن الامام محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام)، قال: القائم هو الذي يخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکَنِيّه.(12)
9 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسکري (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني، فکيف لکم بالخلف من بعد الخلف؟
قلت: ولم جعلني الله فداک؟ قال: لا نّکم لا ترون شخصه ولا يحلّ لکم ذکره باسمه.
قلت: فکيف نذکره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه.(13)
10 - وعن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمکان، فخرج الجواب: إنّ دللتم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المکان دلّوا عليه.(14)
هذه هي بعض الاحاديث الواردة في النهي عن التسمية للامام الحجّة (عليه السلام)، وقد حمل الشيخ الصدوق وجملة من الاصحاب النهي الوارد في هذه الاحاديث علي ظاهره، فأفتوا بالتحريم.(15)
لکنّ الظاهر من الاحاديث الاُخري المتواترة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) التصريح باسمه (عليه السلام) نصاً أو تلويحاً، حتّي أ نّنا لو أمعنّا النظر في الاحاديث المتقدّمة سيّما الحديث الثامن الذي جاء فيه لفظ تحريم التسمية، نلاحظ في آخره التصريح باسمه وبکنيته، حيث قال الامام الجواد (عليه السلام): (يحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکنيّه).(16) واسم رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليس خافياً علي أحد وکذلک کنيته، والاحاديث التي وردت فيها التسمية کثيرة جدّاً سنذکر بعضها في الفصل الرابع.
وعليه فالظاهر من النهي الوارد في الاحاديث المتقدّمة أنّه محمول علي زمان الغيبة الصغري، وذلک بسبب الخوف علي الامام (عليه السلام) من السلطة، والتي کانت في صدد البحث عنه (عليه السلام)، فلو ذُکِر الاسم فلا بدّ من البحث عن المسمّي، ومن ثمّ لا بدّ من البحث عن المکان، ذلک لانّ رؤوس السلطة کانوا يعتقدون أنّ الثاني عشر من أئمة أهل البيت هو الذي يستأصل ملکهم ويقوّض أرکانه، ويدلّ علي ذلک جملة أحاديث منها:
1 - ما رواه الشيخ الکليني بالاسناد عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمکان، فخرج الجواب: إن دللتم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المکان دلّوا عليه.(17)
2 - وما رواه الشيخ الصدوق بالاسناد عن الحميري، قال: کنت مع أحمد ابن إسحاق عند العمري (رضي الله عنه) فقلت للعمري: إنّي أسألک عن مسألة کما قال الله عزّ وجلّ في قصّة إبراهيم: (أوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَلکِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي)(18) هل رأيت صاحبي؟ قال: نعم، وله عنق مثل ذي - وأشار بيده جميعاً إلي عنقه -. قال: قلت: فالاسم؟ قال: إيّاک أن تبحث عن هذا، فإنّ عند القوم أنّ هذا النسل قد انقطع.(19)
3 - وما رواه النعماني بالاسناد عن أبي خالد الکابلي، قال: لمّـا مضي عليّ بن الحسين (عليه السلام) دخلت علي محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداک، قد عرفت انقطاعي إلي أبيک واُنسي به ووحشتي من الناس. قال: صدقت يا أبا خالد، تريد ماذا؟ قلت: جعلت فداک، قد وصف لي أبوک صاحب هذا الامر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لاخذت بيده. قال: فتريد ماذا يا أبا خالد؟ قال: اُريد أن تسمّيه لي حتّي أعرفه باسمه. فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما لو کنت محدّثاً به أحداً لحدّثتک، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا علي أن يقطّعوه بضعة بضعة.(20)
4 - وحديث الريّان بن الصلت عن الامام الرضا (عليه السلام) المتقدّم، قال (عليه السلام): وإنّما نهيتکم عن التصريح باسمه ليخفي اسمه علي أعدائنا فلا يعرفوه.(21)
5 - وحديث عبد الله بن جعفر الحميري عن العمري، قال: أنت رأيت الخلف من أبي محمّد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل هذا، وأومأ بيده. فقلت: بقيت واحدة؟ فقال: هات. قلت: الاسم؟ قال: محرّم عليکم أن تسألوا عن ذلک، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن اُحلّل ولا اُحرّم، ولکن عنه (صلوات الله عليه) فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمّد (عليه السلام) مضي ولم يخلّف ولداً، وقسم ميراثه، وأخذ من لا حقّ له، فصبر علي ذلک، وهو ذا عمّـاله يجولون، فليس أحد يجسر أن يتقرّب إليهم ويسألهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فالله الله، اتّقوا الله وأمسکوا عن ذلک.(22)
وکان من بين أبناء فاطمة (عليها السلام) الذين لو عرفوه لحرصوا علي تقطيعه بضعة بضعة کما هو منطوق الحديث الثالث المتقدّم، جعفر الکذّاب بن الامام عليّ النقي (عليه السلام)، وهو عمّ الامام المهدي (عليه السلام)، الذي طمع في ميراث أخيه الحسن (عليه السلام) وادّعي الامامة کذباً وزوراً، وساعد السلطة العباسية علي تفتيش دار أخيه الحسن العسکري (عليه السلام) بعد وفاته، ولقد ساعد علي ذلک أنّ الامام العسکري (عليه السلام) قد توفّي في زمان المعتمد العباسي الذي تولّي السلطة العباسية سنة 256 هـ وتوفّي سنة 279 هـ، والذي کان شديد التعصّب والحقد علي آل البيت (عليهم السلام)، ومن تصفّح کتب التأريخ المشهورة کالطبري وغيره واستقرأ ما في حوادث سنة 257 - 260 هـ، وهي السنوات الاُولي من حکمه، علم مدي حقده علي أهل البيت (عليهم السلام). ومن مواقفه الدنيئة أنّه أمر شرطته بعد وفاة الامام الحسن العسکري (عليه السلام) مباشرةً بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً، والبحث عن الامام المهدي (عليه السلام)، والامر بحبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقال حلائله، يساعدهم في ذلک جعفر الکذّاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه الحسن العسکري (عليه السلام) بين أوساط الشيعة.
يقول الشيخ المفيد (رحمه الله): وتولّي جعفر بن عليّ أخو أبي محمّد (عليه السلام) أخذ ترکته، وسعي في حبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقال حلائله، وشنّع علي أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغري بالقوم حتّي أخافهم وشرّدهم، وجري علي مخلّفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلک کلّ عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل.(23)
وروي محمّد بن يعقوب الکليني (رحمه الله) بالاسناد عن رشيق صاحب المادراي، قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يرکب کلّ واحد منّا فرساً، ونجنب آخر، ونخرج مخفّين، ولا يکون معنا قليل ولا کثير إلاّ علي السرج مصلّي، وقال لنا: الحقوا بسامراء، ووصف لنا محلّةً وداراً، وقال: إذا أتيتموها تجدون علي الباب خادماً أسود، فاکبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه.
فوافينا سامراء، فوجدنا الامر کما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تکّة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال: صاحبها. فوالله ما التفت إلينا وقلّ اکتراثه بنا، فکبسنا الدار کما اُمرنا، فوجدنا داراً سَرِيّة، ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلي أنبل منه، کأنّ الايدي رفعت عنه في ذلک الوقت، ولم يکن في الدار أحد، فرفعنا الستر، فإذا بيت کبير کأنّ بحراً فيه ماء، وفي أقصي البيت حصير، قد علمنا أنّه علي الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئةً قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلي شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّي البيت، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتّي مددت يدي إليه فخلّصته وأخرجته وغشي عليه، وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلي فعل ذلک الفعل فناله مثل ذلک، وبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلي الله وإليک، فوالله ما علمت کيف الخبر، ولا إلي من أجيء، وأنا تائب إلي الله، فما التفت إلي شيء ممّـا قلنا، وما انتقل عمّـا کان فيه.
قال: فهالنا ذلک وانصرفنا عنه، وقد کان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدّم إلي الحجّاب أذا وافيناه أن ندخل عليه في أيّ وقت کان، فوافيناه في بعض الليل، فاُدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر فحکينا له ما رأينا، فقال: ويحکم لقيکم أحدٌ قبلي؟ وجري منکم إلي أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا. فقال: أنا نفيٌ من جدّي، وحلف بأشدّ أيمان له، أنّه إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا، فما جسرنا أن نحدّث به إلاّ بعد موته.(24)
ولقد توسّم الائمة (عليهم السلام) هذه الاحداث وصعوبة الظروف التي يولد فيها الامام الحجّة (عليه السلام) بالخبر عن جدّهم المصطفي (صلي الله عليه وآله)، کما هو مدلول کثير من الاخبار والتي سيأتي بعضها في الفصل الثامن، فنهوا عن التصريح بالتسمية خوفاً وتقيّةً علي الامام المهدي (عليه السلام). ولقد اتّخذ الامام الحسن العسکري (عليه السلام) قبل وفاته التدابير اللازمة والاحتياطات الکافية لصيانة ولده المأمول لاقامة القسط والعدل علي وجه الارض وتقويض دعائم الظلم والجور والتعسّف، فحرص علي أن لا ينتشر خبر ولادته (عليه السلام) إلاّ بين الخُلّص الذين يأمن الاذاعة منهم، ونهاهم عن التصريح باسمه أو بخبر ولادته، وامرهم بکتمان أمره خوفاً عليه من الطواغيت.
ومن مجمل ما تقدّم يمکن القول: إنّ النهي عن التسمية مقصور علي زمان الغيبة الصغري في شدّة الطلب للامام (عليه السلام) والتحرّي عنه، وقد ذکر ذلک الاربلي في (کشف الغمّة) حيث قال: من العجب أنّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد رحمهما الله تعالي قالا: إنّه لا يجوز ذکر اسمه ولا کنيته، ثمّ يقولون: اسمه اسم النبيّ (صلي الله عليه وآله) وکنيته کنيته عليهما الصلاة والسلام، وهما يظنّان أنّهما لم يذکرا اسمه ولا کنيته، وهذا عجيب، والذي أراه أنّ المنع من ذلک إنّما کان للتقيّة في وقت الخوف عليه، والطلب له، والسؤال عنه، فأمّا الان فلا، والله أعلم.(25)
الهوامش:
(1) الکافي 1: 183 و371، وإلزام الناصب: 4 ـ 5، والمحجّة البيضاء 1: 54.
(2) عدّة مصادر، منها: الصواعق المحرقة: 161، وينابيع المودّة 3: 81 و86 و16، وبشارة الاسلام: 282 و287، وکشف الغمّة 3: 264، وإعلام الوري: 402.
(3) کشف الغمّة 3: 233.
(4) الارشاد 2: 362.
(5) کمال الدين: 648 / 3، بحار الانوار 51: 33 / 13.
(6) کمال الدين: 648 / 1، بحار الانوار 51: 33 / 11.
(7) بحار الانوار 51: 32 / 4.
(8) بحار الانوار 51: 32 / 5.
(9) کمال الدين: 648 / 2، بحار الانوار 51: 33 / 12.
(10) الهداية الکبري: 364، مستدرک الوسائل 12: 285 / 15.
(11) بحار الانوار 51: 32 / 3.
(12) بحار الانوار 51: 32 / 6.
(13) کمال الدين: 648 / 4، بحار الانوار 51: 31 / 2.
(14) بحار الانوار 51: 33 / 8.
(15) المجالس السنيّة 5: 677.
(16) تقدّم تخريجه في الحديث الثامن آنفاً.
(17) بحار الانوار 51: 33 / 8.
(18) سورة البقرة: 2 / 260.
(19) بحار الانوار 51: 33 / 7.
(20) بحار الانوار 51: 31 / 1.
(21) تقدّم تخريجه في الحديث السادس من المجموعة المتقدّمة.
(22) غيبة الشيخ الطوسي: 147.
(23) الارشاد 2: 336.
(24) غيبة الطوسي: 149 ـ 150.
(25) کشف الغمّة 3: 326.
******************
راي السيد محسن الامين
وللسيّد محسن الامين العاملي رأي مقارب لما ذکرناه يجمع بين الاخبار التي تحرّم التسمية والاُخري التي تبيح ذلک، وذلک بأن جعل التصريح بالاسم مکروه مطلقاً، والتسمية صريحاً وکنايةً محرّمة في زمن الخوف.
قال (رحمه الله): ويمکن الجمع بأنّ التصريح بالاسم مکروه مطلقاً، والتسمية صريحاً وکناية محرّمة في زمن الخوف، وبذلک يرتفع جميع التنافي بين الاخبار والله أعلم(1)، وله تفصيل في المسألة من أراد التوسّع فليراجع (المجالس السنيّة) وکتاب (في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)).(2)
امه
اُمّه (عليه السلام) اُمّ ولد رومية يقال لها نرجس، وصقيل، ومُليکة، وريحانة، وسوسن.(3)
وکان الغالب عليها بين أفراد عائلة الامام (عليه السلام) نرجس، وهو وارد في أغلب الروايات.
ويبدو أنّ اسمها الاوّل مُليکة، لما روي عن محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسين ابن عبيد الله بن العباس بن عليّ بن أبي طالب، أنّه قال: اُمّه مليکة التي يقال لها بعض الايام سوسن، وفي بعضها ريحانة، وکان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها.(4)
وقال الشيخ عباس القمّي: اُمّه (عليه السلام) مُليکة بنت يشوعا بن قيصر ملک الروم، واُمّها من ولد الحواريّين، تنسب إلي شمعون وصيّ المسيح (عليه السلام)، ولمّـا اُسرت سمّت نفسها نرجس، لئلاّ يعرفها الشيخ الذي وقعت إليه، ولمّـا اعتراها النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر سمّيت صقيلاً،(5) واستناده في ذلک علي رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أبي الحسن محمّد بن بحر الشيباني(6)، وستأتي لاحقاً.
ويؤيّد کون جدّها قيصر ما رواه الفضل بن شاذان بالاسناد عن محمّد بن عبد الجبّار، قال: قلت لسيّدي الحسن بن عليّ (عليه السلام): يا بن رسول الله، جعلني الله فداک، اُحبّ أن أعلم من الامام وحجّة الله علي عباده من بعدک؟ فقال (عليه السلام): إنّ الامام وحجّة الله من بعدي ابني، سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکنيّه، الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه.
قال: ممّن هو يا بن رسول الله؟ قال: من ابنة ابن قيصر ملک الروم، ألا إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبةً طويلةً ثمّ يظهر.(7)
ويدلّ علي أنّ صقيل سمّيت به بعد الحمل ما رواه الشيخ الصدوق بالاسناد عن غياث بن أسد، قال: ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة، واُمّه ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صقيل، ويقال: سوسن، إلاّ أنّه قيل لسبب الحمل صقيل(8)، الحديث.
وقد کانت رضي الله عنها قبيل حملها بولدها المهدي (عليه السلام) أمة مملوکة جلبت بواسطة الفتوحات من الروم إلي بغداد، واشتراها الامام عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) وهو الذي قام بتزويجها لابنه الحسن العسکري (عليه السلام).
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي الحسين محمّد بن بحر الشيباني، قال: وردت کربلاء سنة ستّ وثمانين ومائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ثمّ انکفأت إلي مدينة السلام متوجّهاً إلي مقابر قريش في وقت قد تضرّمت الهواجر وتوقّدت السمائم، فلمّـا وصلت منها إلي مشهد الکاظم (عليه السلام) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران، أکببت عليها بعبرات متقاطرة وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي من النظر، فلمّـا رقأت العبرة وانقطع النحيب، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحني صلبه، وتقوّس منکباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لاخر معه عند القبر: يا بن أخي، لقد نال عمّک شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض العيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلاّ سلمان، وقد أشرف عمّک علي استکمال المدّة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه.
قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقّة ينالان منک بإتعابي الخفّ والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلّ علي علم جسيم وأثر عظيم.
فقلت: أيّها الشيخ هو من السيّدان؟
قال: النجمان المغيّبان في الثري بسرّ من رأي.
فقلت: إنّي اُقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الامامة والوراثة إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الايمان المؤکّدة علي حفظ أسرارهما.
قال: إن کنت صادقاً فيما تقول، فأحضر ما صحبک من الاثار عن نقلة أخبارهم. فلمّـا فتّش الکتب وتصفّح الروايات منها قال: صدقت، أنا بشر ابن سليمان النخّاس، من ولد أبي أيوب الانصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام) وجارهما بسرّ من رأي.
قلت: فأکرم أخاک ببعض ما شاهدت من آثارهما.
قال: کان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسکري (عليه السلام) فقّهني في أمر الرقيق، فکنت لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذنه، فاجتنبت بذلک موارد الشبهات حتّي کملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام.
فبينما ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأي، وقد مضي هويٌ(9) من الليل، إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً، فإذا أنا بکافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي ابن محمّد (عليه السلام) يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد، واُخته حکيمة من وراء الستر، فلمّـا جلست قال: يا بشر، إنّک من ولد الانصار، وهذه الولاية لم تزل فيکم يرثها خلفٌ عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزکّيک ومشرّفک بفضيلة تسبق بها شأو(10) الشيعة في الموالاة بها، بسرّ اُطلعک عليه واُنفذک في ابتياع أمة.
فکتب کتاباً ملصقاً بخطّ رومي ولغة روميّة، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه بها إلي بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة کذا، فإذا وصلت إلي جانبک زواريق السبايا وبرزت الجواري منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وکلاء قوّاد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلک فأشرف من البعد علي المسمّي عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارک إلي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها کذا وکذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمّل مکاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم أنّها تقول: وا هتک ستراه، فيقول بعض المبتاعين، عليّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان وعلي مثل سرير ملکه، ما بدت لي فيک رغبة، فأشفق علي مالک.
فيقول النخّاس: فما الحيلة، ولا بدّ من بيعک؟ فتقول الجارية: وما العجلة، ولا بدّ من اختيار مبتاع يسکن قلبي إليه وإلي أمانته وديانته؟
فعند ذلک قم إلي عمر بن يزيد النخّاس، وقل له: إنّ معي کتاباً ملصقاً لبعض الاشراف، کتبه بلغة روميّة وخطّ رومي، ووصف فيه کرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وکيله في ابتياعها منک.
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حَدّ لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلمّـا نظرت في الکتاب بکت بکاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الکتاب، وحلفت بالمحرّجة المغلّظة(11) إنّه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت اُشاحّه(12) في ثمنها حتّي استقرّ الامر فيه علي مقدار ما کان أصبحنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحکة مستبشرة، وانصرفت بها إلي حجرتي التي کنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّي أخرجت کتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتضعه علي خدّها وتطبقه علي جفنها وتمسحه علي بدنها.
فقلت تعجّباً منها: أتلثمين کتاباً ولا تعرفين صاحبه؟
قالت: أ يّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الانبياء، أعرني سمعک وفرّغ لي قلبک، أنا مليکة بنت يشوعا بن قيصر ملک الروم، واُمّي من ولد الحواريين تنسب إلي وصيّ المسيح شمعون. ثمّ ذکرت قصّتها ورؤيتها الامام أبا محمّد الحسن العسکري (عليه السلام) في المنام.
إلي أن قال بشر: فقلت لها: وکيف وقعت في الاسر؟
فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أنّ جدّک سيسرّب جيوشاً إلي قتال المسلمين يوم کذا، ثمّ يتبعهم، فعليک باللحاق بهم متنکّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق کذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّي کان من أمري ما رأيت وما شاهدت، وما شعر أحدٌ بي بأ نّي ابنة ملک الروم إلي هذه الغاية سواک، وذلک بإطلاعي إيّاک عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنکرته، وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
فقلت: العجب إنّک رومية ولسانک عربي؟
قالت: بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي علي تعلّم الاداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إليّ، فکانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتّي استمرّ عليها لساني واستقام.
قال بشر: فلمّـا انکفأت بها إلي سرّ من رأي، دخلت علي مولانا أبي الحسن العسکري (عليه السلام) فقال لها: کيف أراک الله عزّ الاسلام وذلّ النصرانيّة وشرف أهل بيت محمّد (صلي الله عليه وآله)؟
قالت: کيف أصف لک يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟
قال: فإنّي اُريد أن اُکرمک، فأ يّما أحبّ إليک عشرة آلاف درهم، أم بشري لک فيها شرف الابد؟ قالت: بل البشري.
قال (عليه السلام): فأبشري بولد يملک الدنيا شرقاً وغرباً، ويملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت: ممّن؟ قال (عليه السلام): ممّن خطبک رسول الله (صلي الله عليه وآله) له في ليلة کذا من شهر کذا من سنة کذا، بالرومية.
قالت: من المسيح ووصيّه؟
قال: فممّن زوّجک المسيح ووصيّه؟ قالت: من ابنک أبي محمّد.
قال: فهل تعرفينه؟ قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيّدة نساء الاُمّة.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا کافور، ادعُ لي اُختي حکيمة، فلمّـا دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: ها هي، فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها کثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله، أخرجيها إلي منزلک وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم (عليهما السلام).(13)
وفي رواية اُخري أنّ مالکها هو حکيمة عمّة الامام الحسن العسکري (عليه السلام) وتتّفق مع سابقتها في عدّة مسائل، منها: أنّ اُمّ المهدي (عليه السلام) کانت جارية مملوکة، وأنّ اسمها نرجس، وأنّ زواج الامام العسکري (عليه السلام) کان في حياة أبيه وإذنه.
وليس ثمّة منافاة بين الحديث المتقدّم والحديث الذي سنذکره، حيث انتهي الحديث المتقدّم بقول الامام الهادي (عليه السلام): أخرجيها إلي منزلک وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم (عليهما السلام)، فکانت هي عند حکيمة في تلک الحالة حتّي اشتهرت بجارية حکيمة، وإليک الخبر الذي يبدو وکأنّ أحداثه هي تتمّة لاحداث الخبر السابق.
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمّد بن عبد الله الطهوي، قال: قصدت حکيمة بنت محمّد (عليه السلام) بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) أسألها عن الحجّة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست، ثمّ قالت: يا محمّد، إنّ الله تبارک وتعالي لا يخلي الارض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يکون في الارض عديلهما، إلاّ أنّ الله تبارک وتعالي خصّ ولد الحسين (عليه السلام) بالفضل علي ولد الحسن (عليه السلام)، کما خصّ ولد هارون علي ولد موسي (عليه السلام)، وإن کان موسي حجّة علي هارون، والفضل لولده إلي يوم القيامة، ولا بدّ للاُمّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون، کيلا يکون للخلق علي الله حجّة، وإنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن (عليه السلام).
فقلت: يا مولاتي، هل کان للحسن (عليه السلام) ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إذا لم يکن للحسن (عليه السلام) عقب، فمن الحجّة من بعده؟ وقد أخبرتک أنّه لا إمامة لاخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام).
فقلت: يا سيّدتي، حدثّيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام).
قالت: نعم، کانت لي جارية يقال لها نرجس، فزارني ابن أخي (الحسن بن علي)، فأقبل يحدّق النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي، لعلّک هويتها فاُرسلها إليک؟ فقال لها: لا يا عمّة، ولکنّي أتعجّب منها. فقلت: وما أعجبک منها؟
فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد کريم علي الله عزّ وجلّ، وهو الذي يملا الله به الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.
فقلت: فاُرسلها إليک يا سيّدي؟ فقال: استأذني في ذلک أبي (عليه السلام).
قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عليه السلام) فسلّمت وجلست، فبدأني (عليه السلام) وقال: يا حکيمة ابعثي نرجس إلي ابني أبي محمّد.
قالت: فقلت: يا سيّدي، علي هذا قصدتک علي أن أستأذنک في ذلک.
فقال لي: يا مبارکة، إنّ الله تبارک وتعالي أحبّ أن يشرکک الاجر ويجعل لک في الخير نصيباً.
قالت حکيمة: فلم ألبث أن رجعت إلي منزلي وزيّنتها ووهبتها لابي محمّد (عليه السلام)، وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياماً، ثمّ مضي إلي والده (عليه السلام) ووجّهت بها معه(14)، الحديث.
ولادته
ولد الامام أبو القاسم الحجّة بن الحسن العسکري (عليه السلام)، مهديّ هذه الاُمّة، وأملها المرتجي، الذي يحيي الله به الحقّ والعدل، ويعيد إلي الاُمّة کرامتها ودينها الذي ارتضاه، ويملا الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ولد (عليه السلام) في سامراء ليلة الجمعة في النصف من شعبان سنة 255 هـ،(15) في زمان محمّد بن الواثق المهتدي، الذي تولّي الخلافة العباسية في رجب سنة 255 هـ، أي قبل ولادة الامام المهدي (عليه السلام) بشهر تقريباً، وقتله الاتراک في رجب سنة 256 هـ، وتولّي بعده أحمد ابن جعفر المتوکّل العباسي المعروف بالمعتمد في اليوم الذي قتل فيه المهتدي.
وتوفّي والده الامام الحسن بن محمّد العسکري (عليه السلام) وکان له من العمر خمس سنوات کما جاء في أکثر الروايات، فآتاه الله الحکمة وجعله آية للعالمين وإماماً للمسلمين کما جعل عيسي بن مريم (عليه السلام) وهو في المهد نبيّاً.
وقيل: ولد (عليه السلام) في غرّة شهر رمضان سنة 254 هـ.(16)
وقيل: ولد (عليه السلام) سنة 256 هـ في الثامن من شعبان.(17)
وقيل: ولد (عليه السلام) سنة 258 هـ في الثالث والعشرين من شهر رمضان(18)، أي في ملک المعتمد بن المتوکّل (المتوفّي سنة 279 هـ).
والقول المعتبر والمشهور هو الاوّل أي في النصف من شعبان سنة 255 هـ.
وعقّ الامام العسکري (عليه السلام) عن ابنه إجراءً للسنّة الشريفة وأمر بتوزيع الخبز واللحم، فقد روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي جعفر العمري، قال: لمّـا ولد السيّد (عليه السلام) قال أبو محمّد (عليه السلام): ابعثوا إلي أبي عمرو - يعني عثمان بن سعيد - فبُعِث إليه، فصار إليه فقال له: اشترِ عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم وفرّقه - أحسبه قال: علي بني هاشم - وعقّ عنه بکذا وکذا شاة.(19)
وعن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم الکوفي أنّ أبا محمّد (عليه السلام) بعث إلي بعض من سمّـاه لي بشاة مذبوحة، وقال: هذه من عقيقة ابني محمّد.(20)
وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن إبراهيم بن إدريس، قال: وجّه إليّ مولاي أبو محمّد (عليه السلام) بکبشين، وکتب: بسم الله الرحمن الرحيم، عقّ هذين الکبشين عن مولاک، وکُل هنّأک الله، وأطعم إخوانک.(21)
ودخل بعض خواصّ الامام العسکري (عليه السلام) وثقاته ممّن کانوا يعلمون خبر ولادة الامام الحجّة (عليه السلام) فهنّأوا الامام العسکري (عليه السلام) بوليده الذي سيطهّر الارض من براثن الظلم والجور.
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي الفضل الحسن بن الحسين العلوي، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) بسرّ من رأي، فهنّأته بولادة ابنه القائم (عليه السلام).(22)
الادلة علي ولادته
لعلّه من العبث أن يقوم الباحث والدارس بإثبات ولادة شخص قد اُخبر عن ولادته قبل حدوثها من قبل عترة النبيّ المعصومين سلام الله عليهم، وقامت جميع الشواهد علي ولادته وإمامته علي نحو اليقين، مضافاً إلي الاخبار الکثيرة الواردة عن أبيه (عليه السلام)، وشهادة القابلة التي تولّت أمر اُمّه حين ولادته (عليه السلام)، وفي ذلک کفاية لمن أراد الانصاف والاذعان للحقّ.
وعلي الرغم من أنّ ولادة الامام الحجّة (عليه السلام) لم تکن خافية علي الخواصّ والثقات من أصحاب الائمة (عليهم السلام) ووکلائهم، فقد شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرّخون بولادته، وصدرت عنه توقيعات وتعليمات ورسائل وتوجيهات، وأقوال مشهورة وکلمات مأثورة، وکان له وکلاء معروفون وسفراء معلومون، علي الرغم من ذلک فإنّنا سنقيم بعض الادلّة علي هذه الولادة المبارکة لتکون ذکري لمن کان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.
اخبار آبائه المعصومين بولادته
لقد تواترت الاخبار عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) متّفقة علي أنّه سيولد الامام القائم، وهو التاسع من ولد الامام الحسين (عليه السلام)، والثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّ له غيبتين، وأنّه سيظهر في آخر الزمان ليملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.
وسنذکر جملة وافية من الروايات والاخبار في البشارة بولادة الامام المهدي (عليه السلام) علي لسان الائمة الهداة من آبائه المعصومين (عليهم السلام) وذلک في الفصل الرابع والثامن.
اخبار الامام العسکري بولادة ابنه المهدي
1 - روي الشيخ الکليني بالاسناد عن محمّد بن علي بن بلال، قال: خرج إليّ من أبي محمّد (عليه السلام) قبل مضيّه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده.(23)
2 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لابي محمّد (عليه السلام): جلالتک تمنعني من مسألتک، فتأذن لي أن أسألک؟ فقال: سل. قلت: يا سيّدي، هل لک ولد؟ فقال: نعم. فقلت: فإن حدث بک حدث، فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة.(24)
3 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال: لمّـا ولد الخلف الصالح (عليه السلام) ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن علي (عليه السلام) إلي جدّي أحمد بن إسحاق کتاب، فإذا فيه مکتوب بخطّ يده (عليه السلام) الذي کان ترد به التوقيعات عليه، وفيه: (ولد لنا مولود، فليکن عندک مستوراً، وعن جميع الناس مکتوماً، فإنّا لم نظهر عليه إلاّ الاقرب لقرابته والوليّ لولايته، وأحببنا إعلامک ليسرّک الله به مثل ما سرّنا به، والسلام).(25)
4 - وروي الحسين بن حمدان الخصيبي بالاسناد عن عيسي بن مهدي الجوهري، قال: خرجت أنا والحسين بن غياث، والحسين بن مسعود، والحسين بن إبراهيم، وأحمد بن حسّان، وطالب بن إبراهيم بن حاتم، والحسين بن محمّد بن سعيد، ومحجّل بن محمّد بن أحمد بن الخصيب إلي سرّ من رأي، في سنة 257، فعدنا من المدائن إلي کربلاء، فزرنا أبا عبد الله (عليه السلام) في ليلة النصف من شعبان، فتلقّانا إخواننا المجاورون لسيّدنا أبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام) بسرّ من رأي، وکنّا خرجنا للتهنئة بمولد المهدي (عليه السلام) فبشّرنا إخواننا بأنّ المولود کان قبل طلوع الفجر يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان، وهو ذلک الشهر.
فقضينا زيارتنا، ودخلنا بغداد، فزرنا أبا الحسن موسي وأبا جعفر الجواد محمّد بن عليّ (عليهما السلام) وصعدنا إلي سرّ من رأي، فلمّـا دخلنا علي سيّدنا أبي محمّد (عليه السلام) بدأنا بالتهنئة قبل أن نبدأه بالسلام، فجهرنا بالبکاء بين يديه ونحن نيّف وسبعون رجلاً من أهل السواد، فقال: إنّ البکاء من السرور من نعم الله مثل الشکر لها، فطيبوا أنفساً وقرّوا أعيناً، فوالله إنّکم لعلي دين الله الذي جاءت به الملائکة والکتب.
إلي أن قال: فقال عيسي بن مهدي الجوهري: فأردنا الکلام والمسألة، فقال لنا قبل السؤال: فيکم من أضمر مسألتي عن ولدي المهدي وأين هو، فقد استودعته الله کما استودعت اُمّ موسي موسي (عليه السلام) حيث قذفته في التابوت فألقته في اليم إلي أن ردّه الله إليها. فقالت طائفة منّا: إي والله يا سيّدنا، لقد کانت هذه المسألة في أنفسنا.(26)
الهوامش:
(1) المجالس السنيّة 5: 678.
(2) راجع في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ـ القسم الخامس: 5 ـ 6.
(3) راجع إثبات الوصيّة: 219، إعلام الوري: 418، الفصول المهمّة: 292، کمال الدين: 421، تاج المواليد: 138، تأريخ مواليد الائمة (عليهم السلام) ووفياتهم: 201، التتمّة في تواريخ الائمة (عليهم السلام): 146.
(4) معجم أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) 4: 240 / 1281، منتخب الاثر: 320 / 1.
(5) الانوار البهيّة: 275.
(6) راجع کمال الدين: 417 / 1.
(7) معجم أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) 4: 240 / 1280، مستدرک الوسائل 12: 280 / 3.
(8) بحار الانوار 51: 15 / 15.
(9) أي زمان غير قليل.
(10) الشأو: الغاية والامد.
(11) المحرّجة: اليمين التي يضيق المجال معها علي الحالف ولا يبقي له مندوحة عن برّ قسمه، والمغلّظة: المؤکّدة.
(12) أي اُناقصه.
(13) کمال الدين: 417 / 1، غيبة الطوسي: 124، روضة الواعظين: 252، مناقب ابن شهرآشوب 4: 440، بحار الانوار 51: 6 / 12 و10 / 12.
(14) کمال الدين: 426 / 2.
(15) راجع الکافي 1: 431، الارشاد 2: 339، کشف الغمّة 3: 243 و326، إثبات الوصيّة: 219، عيون المعجزات: 139، إعلام الوري: 418، وفيات الاعيان 4: 176، الفصول المهمّة: 292.
(16) کمال الدين: 474.
(17) کمال الدين: 432 / 9 و12.
(18) کشف الغمّة 3: 234.
(19) کمال الدين: 430 / 6.
(20) کمال الدين: 342 / 10.
(21) غيبة الطوسي: 148.
(22) کمال الدين: 434 / 1، غيبة الطوسي: 138 و151. وفيها: أبو الفضل الحسين بن الحسن ابن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(23) الکافي 1: 328 / 1.
(24) الکافي 1: 328 / 2.
(25) کمال الدين: 433 / 16.
(26) الهداية الکبري: 344.
******************
5 - وروي الشيخ الکليني بالاسناد عن عمر الاهوازي، قال: أراني أبو محمّد (عليه السلام) ابنه وقال: هذا صاحبکم من بعدي.(1)
6 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن علاّن الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّه لمّـا حملت جارية أبي محمّد (عليه السلام) قال: ستحملين ذکراً، واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي.(2)
7 - وروي الفضل بن شاذان بالاسناد عن محمّد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: ولد وليّ الله وحجّته علي عباده وخليفتي من بعدي مختوناً، ليلة النصف من شعبان سنة 255 عند طلوع الفجر، وکان أوّل من غسّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائکة المقرّبين بماء الکوثر والسلسبيل، ثمّ غسّلته عمّتي حکيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام).(3)
شهادة القابلة وخدم وجواري الدار بولادته
وکانت قابلته (عليه السلام) هي عمّة أبيه السيّدة العلويّة الطاهرة حکيمة بنت الامام محمّد الجواد (عليه السلام) واُخت الامام الهادي (عليه السلام) وعمّة الامام العسکري (عليه السلام)، وهي التي تولّت أمر اُمّه (عليه السلام) في حين الولادة، وصرّحت بمشاهدته (عليه السلام) بعد ولادته.
کما شاهد الامام المهدي (عليه السلام) بعد ولادته مجموعة من خدم الامام العسکري (عليه السلام) في داره مع بعض الجواري والاماء، وسنأتي علي ذکر الروايات والاخبار الواردة في ذلک.
1 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن حکيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسي ابن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قالت: بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) فقال: يا عمّة، اجعلي إفطارک هذه الليلة عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، وإنّ الله تعالي سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته في أرضه. قالت: فقلت: ومن اُمّه؟ قال لي: نرجس.
قلت له: جعلني الله فداک، ما بها أثر. فقال: هو ما أقول لکِ.
قالت: فجئت، فلمّـا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفّي، وقالت لي: يا سيّدتي وسيّدة أهلي کيف أمسيتِ؟ فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي. قالت: فأنکرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة، إنّ الله تعالي سيهب لکِ في ليلتکِ هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والاخرة. قالت: فخجلت واستحيت.
فلمّـا أن فرغت من صلاة العشاء الاخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلمّـا أن کان في جوف الليل، قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي، وهي نائمة، ليس بها حادث، ثمّ جلست معقّبة، ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمّ قامت فصلّت ونامت.
قالت حکيمة: وخرجت أتفقّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الاوّل کذنب السرحان وهي نائمة، فدخلني الشکوک، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس، فقال: لا تعجلي يا عمّة، فهاک الامر قد قرب.
قالت: فجلست وقرأت أ لم السجدة ويس، فبينما أنا کذلک إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليک. ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة. فقلت لها: اجمعي نفسک، واجمعي قلبک، فهو ما قلت لک.
قالت: فأخذتني فترة، وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فکشفت الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً، يتلقّي الارض بمساجده، فضممته إليّ، فإذا أنا به نظيف متنظّف، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): هلمّي إليّ ابني يا عمّة. فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره، ووضع قدميه علي صدره، ثمّ أدلي لسانه في فيه، وأمرّ يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: تکلّم يا بنيّ. فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريک له، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ثمّ صلّي علي أمير المؤمنين وعلي الائمة (عليهم السلام) إلي أن وقف علي أبيه ثمّ أحجم.
ثمّ قال أبو محمّد (عليه السلام): يا عمّة اذهبي به إلي اُمّه ليسلّم عليها وائتيني به، فذهبت به فسلّم عليها، ورددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال: يا عمّة، إذا کان يوم السابع فأتيناه.
قالت حکيمة: فلمّـا أصبحت جئت لاُسلّم علي أبي محمّد (عليه السلام) وکشفت الستر لاتفقّد سيّدي (عليه السلام) فلم أره، فقلت: جعلت فداک، ما فعل سيّدي؟ فقال: يا عمّة، استودعناه الذي استودعته اُمّ موسي موسي (عليه السلام).
قالت حکيمة: فلمّـا کان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست، فقال: هلمّي إليّ ابني. فجئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة، ففعل به کفعلته الاُولي، ثمّ أدلي لسانه في فيه کأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: تکلّم يا بني. فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثنّي بالصلاة علي محمّد (صلي الله عليه وآله) وعلي أمير المؤمنين وعلي الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتّي وقف علي أبيه (عليه السلام)، ثمّ تلا هذه الاية: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ، وَنُمَکِّنَ لَهُمْ في الارْضِ وَنُريَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنْهُمْ ما کانوا يَحْذَرون).(4)
قال موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) - وهو راوي الحديث عن حکيمة -: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقالت: صدقت حکيمة.(5)
2 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمّد بن عبد الله الطهوي، قال: قصدت حکيمة بنت محمّد (عليه السلام) أسألها عن الحجّة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هُم فيها...
إلي أن قال: فقالت حکيمة: فمضي أبو الحسن (عليه السلام) وجلس أبو محمّد (عليه السلام) مکان والده. وکنت أزوره کما کنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي، فقالت: يا مولاتي، ناوليني خفّک. فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي، والله لا أدفع إليک خفّي لتخلعيه ولا لتخدميني، بل أنا أخدمک علي بصري.
فسمع أبو محمّد (عليه السلام) ذلک، فقال: جزاک الله يا عمّة خيراً، فجلست عنده إلي وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لانصرف، فقال (عليه السلام): لا يا عمّتا، بيتي الليلة عندنا، فإنّه سيولد الليلة المولود الکريم علي الله عزّ وجلّ، الذي يحيي الله عزّ وجلّ به الارض بعد موتها. فقلت: ممّن يا سيّدي؟
ولست أري بنرجس شيئاً من أثر الحبل. فقال: من نرجس لا من غيرها.
قالت: فوثبت إليها، فقلّبتها ظهراً لبطن، فلم أرَ بها أثر حبل، فعدت إليه(عليه السلام) فأخبرته بما فعلت، فتبسّم ثمّ قال لي: إذا کان وقت الفجر، يظهر لک بها الحبل، لانّ مَثلها مَثل اُمّ موسي (عليه السلام) لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلي وقت ولادتها، لانّ فرعون کان يشقّ بطون الحبالي في طلب موسي (عليه السلام)، وهذا نظير موسي (عليه السلام).
قالت حکيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال، وسألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أري بي شيئاً من هذا. قالت حکيمة: فلم أزل أرقبها إلي وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلي جنب حتّي إذا کان آخر الليل وقت طلوع الفجر، وثبت فَزِعة، فضممتها إلي صدري، وسمّيت عليها، فصاح إليّ أبو محمّد (عليه السلام) وقال: اقرئي عليها (إنَّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ) فأقبلت أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالکِ؟ قالت: ظهر بي الامر الذي أخبرک به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها کما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها مثل ما أقرأ، وسلّم عليّ.
قالت حکيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): لا تعجبي من أمر الله عزّ وجلّ، إنّ الله تبارک وتعالي ينطقنا بالحکمة صغاراً، ويجعلنا حجّة في أرضه کباراً ; فلم يستتمّ الکلام حتّي غيّبت عنّي نرجس، فلم أرها کأنّه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد (عليه السلام) وأنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمّة، فإنّک ستجدينها في مکانها.
قالت: فرجعت فلم ألبث أن کشف الغطاء الذي کان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بالصبيّ (عليه السلام) ساجداً لوجهه، جاثياً علي رکبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريک له، وأنّ جدّي محمّداً رسول الله، وأنّ أبي أمير المؤمنين، ثمّ عدّ إماماً إماماً إلي أن بلغ إلي نفسه. ثمّ قال: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبّت وطأتي، واملا الارض بي عدلاً وقسطاً.
فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) فقال: يا عمّة تناوليه وهاتيه، فناولته وأتيت به نحوه، فلمّـا مثلت بين يدي أبيه وهو علي يدي، سلّم علي أبيه، فتناوله الحسن (عليه السلام) منّي، والطير ترفرف علي رأسه، وناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: امضي به إلي اُمّه لترضعه وردّيه إليّ. قالت: فتناولته اُمّه فأرضعته، فرددته إلي أبي محمّد (عليه السلام) والطير ترفرف علي رأسه، فصاح بطير منها، فقال له: احمله واحفظه وردّه إلينا في کلّ أربعين يوماً، فتناوله الطير، وطار به في جوّ السماء، وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: أستودعک الله الذي أودعته اُمّ موسي موسي. فبکت نرجس، فقال لها: اسکتي، فإنّ الرضاع محرّم عليه إلاّ من ثديک، وسيعاد إليک کما ردّ موسي إلي اُمّه، وذلک قول الله عزّ وجل: (فَرَدَدْناهُ إلي اُمِّهِ کَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَن).(6)
قالت حکيمة: فقلت: وما هذا الطير؟ قال (عليه السلام): هذا روح القدس الموکّل بالائمة (عليهم السلام)، يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم بالعلم.
قالت حکيمة: فلمّـا کان بعد أربعين يوماً ردّ الغلام ووجّه إلي ابن أخي (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه، فإذا أنا بالصبيّ متحرّک يمشي بين يديه، فقلت: يا سيّدي، هذا ابن سنتين؟ فتبسّم (عليه السلام)، ثمّ قال: إنّ أولاد الانبياء والاوصياء إذا کانوا أئمةً ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإنّ الصبيّ منّا إذا کان أتي عليه شهرٌ کان کمن أتي عليه سنة، وإنّ الصبيّ منّا ليتکلّم في بطن اُمّه، ويقرأ القرآن، ويعبد ربّه عزّ وجلّ، وعند الرضاع تطيعه الملائکة وتنزل عليه صباحاً ومساءً.
قالت حکيمة: فلم أزل أري ذلک الصبيّ في کلّ أربعين يوماً إلي أن رأيته رجلاً قبل مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) بأيام قلائل، فلم أعرفه، فقلت لابن أخي (عليه السلام): من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي.
قالت حکيمة: فمضي أبو محمّد (عليه السلام) بعد ذلک بأيام قلائل، وافترق الناس کما تري، ووالله إنّي لاراه صباحاً ومساءً، وإنّه لينبئني عمّـا تسألون عنه فاُخبرکم، ووالله إنّي لاُريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، وإنّه ليَرِد عليّ الامر، فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئک إليّ، وأمرني أن اُخبرک بالحقّ.
قال محمّد بن عبد الله الطهوي: فوالله لقد أخبرتني حکيمة بأشياء لم يطّلع عليها أحدٌ إلاّ الله عزّ وجلّ، فعلمت أنّ ذلک صدق وعدل من الله عزّ وجلّ، لانّ الله عزّ وجلّ قد أطلعه علي ما لم يُطلِع عليه أحداً من خلقه.(7)
3 - وممّن شهد الامام (عليه السلام) بعد ولادته نسيم خادمة الامام الحسن العسکري (عليه السلام)، فقد روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن إبراهيم بن محمّد العلوي، قال: حدّثتني نسيم خادمة أبي محمّد (عليه السلام)، قالت: دخلت علي صاحب هذا الامر (عليه السلام) بعد مولده بليلة، فعطست عنده، قال لي: يرحمک الله. قالت نسيم: ففرحت بذلک، فقال لي (عليه السلام): ألا اُبشّرک في العطاس؟ قلت: بلي. قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام.(8)
4 - وروي بالاسناد عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسي بن جعفر (عليه السلام)، عن السياري، قال: حدّثتني نسيم ومارية، قالتا: إنّه لمّـا سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن اُمّه جاثياً علي رکبتيه، رافعاً سبّابتيه إلي السماء، ثمّ عطس فقال: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد وآله، زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة، لو اُذن لنا في الکلام لزال الشکّ.(9)
5 - وروي بالاسناد عن أبي علي الخيزراني، عن جارية له کان أهداها لابي محمّد (عليه السلام)، فلمّـا أغار جعفر الکذّاب علي الدار جاءته فارّة من جعفر، فتزوّج بها.
قال أبو علي: فحدّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد (عليه السلام)، وأنّ اسم اُمّ السيّد صيقل، وأنّ أبا محمّد (عليه السلام) حدّثها بما يجري علي عياله(10)، الحديث.
6 - وروي بالاسناد عن محمّد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) أنّه قال: ولد السيّد (عليه السلام) مختوناً، وسمعت حکيمة تقول: لم يُرَ باُمّه دمٌ في نفاسها، وهکذا سبيل اُمّهات الائمة (عليهم السلام).(11)
7 - وروي بالاسناد عن محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي غانم الخادم، قال: ولد لابي محمّد (عليه السلام) ولد فسمّـاه محمّداً، فعرضه علي أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبکم من بعدي، وخليفتي عليکم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الاعناق بالانتظار، فإذا امتلات الارض جوراً وظلماً خرج فملاها قسطاً وعدلاً.(12)
8 - وروي بالاسناد عن أبي الاديان، وأبي محمّد بن خيرويه التستري، وحاجز الوشّاء، وأبي سهل بن نوبخت، کلّهم حکوا عن عقيد الخادم، أنّه قال: ولد وليّ الله الحجّة بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين، ليلة الجمعة غرّة شهر رمضان سنة 254 من الهجرة، ويکنّي أبا القاسم، ويقال: أبو جعفر، ولقبه المهدي، وهو حجّة الله عزّ وجلّ في أرضه علي جميع خلقه، واُمّه صقيل الجارية، ومولده بسرّ من رأي في درب الراضة، وقد اختلف الناس في ولادته، فمنهم من أظهر، ومنهم من کتم، ومنهم من نهي عن ذکر خبره، ومنهم من أبدي ذکره، والله أعلم به.(13)
شهادة أصحاب الائمة بولادته
وشهد ولادة الامام الحجّة (عليه السلام) جمعٌ من أصحاب أبيه (عليه السلام) وغيرهم، أمّا الذين رأوه (عليه السلام) من الاصحاب فعدّتهم تصل إلي أکثر من مائة، وذلک في غيبته الصغري في سنة (260 هـ - 290 هـ) وسنأتي إلي ذکر بعضهم في الفصل الثاني عشر، ونقتصر هنا علي ذکر جملة من روايات الاصحاب (رضوان الله عليهم) الدالّة علي ولادته (عليه السلام):
1 - روي الشيخ الکليني والشيخ المفيد بالاسناد عن حمدان القلانسي، عن العمري، قال: مضي أبو محمّد (عليه السلام) وخلّف ولداً له.(14)
2 - وعن معلّي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) حين قُتِل الزُّبيري(15) لعنه الله: هذا جزاء من اجترأ علي الله تعالي في أوليائه، زعم أنّه يقتلني وليس لي عقب، فکيف رأي قدرة الله فيه.
قال محمّد بن عبد الله: وولد له ولد سمّـاه محمّداً.(16)
3 - وعن حمدان القلانسي أنّه قال: قلت لابي عمرو العمري: قد مضي أبو محمّد (عليه السلام)، فقال لي: قد مضي، ولکن قد خلّف فيکم من رقبته مثل هذه، وأشار بيده.(17)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمّد بن الحسن الکرخي، قال: سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزمان (عليه السلام)، وکان مولده يوم الجمعة(18)، الحديث.
5 - وروي بالاسناد عن الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة، ولد البارحة في الدار مولود لابي محمّد (عليه السلام) وأمر بکتمانه. قلت: وما اسمه؟ قال: سمّي بمحمّد، وکنّي بجعفر.(19)
6 - وروي بالاسناد عن غياث بن اُسيد، قال: ولد الخلف المهدي (عليه السلام) يوم الجمعة، واُمّه ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صقيل، ويقال: سوسن، إلاّ أنّه قيل لسبب الحمل: صقيل، وکان مولده (عليه السلام) لثمان ليال خلون من شعبان سنة 256 ه(20)، ووکيله عثمان بن سعيد، فلمّـا مات عثمان أوصي إلي ابنه أبي جعفر محمّد ابن عثمان، وأوصي أبو جعفر إلي أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصي أبو القاسم إلي أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري (رضي الله عنهم).
قال: فلمّـا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضيّ السمري (رضي الله عنه).(21)
7 - وروي بالاسناد عن غياث بن اُسيد، قال: شهدت محمّد بن عثمان العمري قدّس الله روحه يقول: لمّـا ولد الخلف المهدي (عليه السلام) سطع نور من فوق رأسه إلي أعنان السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالي ذکره، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: (شَهِدَ اللهُ أنّه لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِکَةُ وَاُولوا العِلْمِ قائِماً بِالقِسْطِ لا إلهَ إلاّ هُوَ العَزيزُ الحَکيمُ، إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاسْلام)(22)، قال: وکان مولده يوم الجمعة.(23)
8 - وبالاسناد عن محمّد بن الحسن الکرخي، قال: سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزمان (عليه السلام) ووجهه يضيء کأنّه القمر ليلة البدر، ورأيت علي سرّته شعراً يجري کالخطّ، وکشفت الثوب عنه، فوجدته مختوناً، فسألت أبا محمّد (عليه السلام) عن ذلک فقال: هکذا ولد، وهکذا ولدنا، ولکنّا سنمرّ الموسي عليه لاصابة السنّة.(24)
9 - وروي الشيخ الطوسي عن محمّد بن علي الشلمغاني في کتاب (الاوصياء)، قال: حدّثني حمزة بن نصر - غلام أبي الحسن (عليه السلام) - عن أبيه، قال: لمّـا ولد السيّد (عليه السلام) تباشر أهل الدار بذلک، فلمّـا نشأ خرج إليّ الامر أن أبتاع في کلّ يوم مع اللحم قصب مخّ، وقيل: إنّ هذا لمولانا الصغير.(25)
10 - وروي بالاسناد عن أبي سليمان داود بن عنان البحراني، قال: قرأت علي أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، مولد محمّد بن الحسن بن علي ابن محمّد بن علي الرضا بن موسي بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين، ولد (عليه السلام) بسامراء سنة 256 هـ، اُمّه صقيل، ويکنّي أبا القاسم، بهذه الکنية أوصي النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: اسمه کاسمي، وکنيته کنيتي، لقبه المهدي، وهو الحجّة، وهو المنتظر، وهو صاحب الزمان.(26)
تصرف السلطة وتفتيشها الدار
استشهد الامام الحسن العسکري (عليه السلام) في زمان المعتمد أحمد بن جعفر المتوکّل العباسي الذي تولّي الخلافة سنة 256 هـ، وکان المعتمد شديد العداوة والحقد علي آل البيت (عليهم السلام)، فعانوا محنة عصيبة ومعاناة لا تطاق وملاحقات ظالمة، وحدثت في أيامه ثورات وانتفاضات علوية کثيرة سجّلتها کتب التأريخ وذکرت أسماء الطالبيين من ذرية الحسن والحسين (عليهما السلام) وجعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) الذين قتلوا أو حبسوا أو ماتوا بالسجن والتعذيب.(27)
ومن أعمال المعتمد المشينة بعد شهادة الامام الحسن العسکري (عليه السلام) أمره شرطته وعمّـاله بتفتيش دار الامام (عليه السلام) وإلقاء القبض علي اُمّ القائم (عليه السلام) ومطالبتها بالحجّة (عليه السلام)، واعتقال جواري الامام العسکري (عليه السلام) وحلائله، علي الرغم من أنّ جعفر الکذّاب بن علي الهادي (عليه السلام) قد ادّعي أوّلاً أنّ الامام العسکري (عليه السلام) لم يخلّف ولداً وأنّه وارث أخيه العسکري (عليه السلام).
ولا ريب أنّ مداهمة دار الامام (عليه السلام) بعد وفاته مباشرة، يدلّ علي تيقّن السلطة من ولادة الامام المهدي (عليه السلام) وهو الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذي سيملا الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، لما سبق من علمهم، ولما تواتر من الاخبار في ولادته (عليه السلام)، ولهذا جاءت تبحث عنه (عليه السلام)، لا لاجل إعطاء ميراث الامام العسکري (عليه السلام) لمن يستحقّه من بعده، بل للقبض عليه والفتک به بعد أن لم يجدوا لذلک سبيلاً في حياة الامام العسکري (عليه السلام)، ولهذا فإنّ الخوف علي حياته الشريفة کان من أسرار غيبته (عليه السلام)، ولذلک نري الامام الحسن العسکري (عليه السلام) کان حريصاً علي أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي (عليه السلام) إلاّ بين الخلّص من شيعته ومواليه، متّخذاً التدابير اللازمة لصيانة ولده الموعود لاقامة دولة الحقّ، ويحذّر شيعته من الاختلاف بعد وفاته (عليه السلام).
وفي ما يلي بعض الاخبار التي تؤيّد ما ذکرناه:
1 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي الحسن علي بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: سمعت أبا الحسين الحسن ابن وجناء يقول: حدّثنا أبي، عن جدّه، أنّه کان في دار الحسن بن علي (عليه السلام)، فکبستنا الخيل، وفيهم جعفر بن علي الکذّاب، واشتغلوا بالنهب والغارة، وکانت همّتي في مولاي القائم (عليه السلام)، قال: فإذا أنا به (عليه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب، وأنا أنظر إليه، وهو (عليه السلام) ابن ستّ سنين، فلم يره أحدٌ حتّي غاب.(28)
2 - وروي بالاسناد عن محمّد بن الحسين بن عبّاد، قال: قدمت اُمّ أبي محمّد (عليه السلام) من المدينة، واسمها حديث، حين اتّصل بها الخبر إلي سرّ من رأي، فکانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إيّاها بميراثه، وسعايته بها إلي السلطان، وکشفه ما أمر الله عزّ وجلّ بستره، فادّعت عند ذلک صقيل أنّها حامل، فحُملت إلي دار المعتمد، فجعل نساء المعتمد وخدمه، ونساء الموفّق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدون أمرها في کلّ وقت، ويراعون، إلي أن دهمهم أمر الصفّار وموت عبيد الله بن يحيي بن خاقان بغتة، وخروجهم من سرّ من رأي، وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلک، فشغلهم ذلک عنها.(29)
الهوامش:
(1) الکافي 1: 328 / 3، غيبة الطوسي: 140، کشف الغمّة 3: 239، بحار الانوار 52: 60 / 48.
(2) کمال الدين: 408 / 4، بحار الانوار 51: 2 / 2.
(3) معجم أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) 4: 240 / 1281، منتخب الاثر: 320 / 1.
(4) القصص: 28 / 5 ـ 6.
(5) کمال الدين: 424 / 1.
(6) القصص: 13.
(7) کمال الدين: 426 ـ 430 / 2.
(8) کمال الدين: 441 / 11.
(9) کمال الدين: 430 / 5.
(10) کمال الدين: 431 / 7.
(11) کمال الدين: 433 / 14.
(12) کمال الدين: 431 / 8.
(13) کمال الدين: 474.
(14) الارشاد 2: 348، الکافي 1: 264 / 4.
(15) قال العلاّمة المجلسي: الزُّبيري، کان لقب بعض الاشقياء من ولد الزُّبير، کان في زمانه (عليه السلام) فهدّده وقتله الله علي يد الخليفة أو غيره. وصحفه بعضهم وقرأ بفتح الزاي وکسر الباء من الزَّبير بمعني الداهية، کناية عن المهتدي العباسي حيث قتله الموالي. مرآة العقول 4: 3 / 5.
(16) الارشاد 2: 349، الکافي 1: 264 / 5، کمال الدين: 430 / 3.
(17) الارشاد 2: 352، الکافي 1: 264 / 4، بحار الانوار 52: 60 / 45. وقال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): قوله (وأشار بيده) أي فرّج من کلّ من يديه إصبعيه الابهام والسبّابة، وفرّج بين اليدين، کما هو الشائع عند العرب والعجم في الاشارة إلي غلظ الرقبة، أي شاب قوي رقبته هکذا. (مرآة العقول 4: 2).
(18) کمال الدين: 432 / 9.
(19) کمال الدين: 432 / 11، بحار الانوار 51: 15 / 18.
(20) ذکرنا آنفاً أنّ المشهور في ولادته (عليه السلام) سنة 255 هـ في النصف من شعبان.
(21) کمال الدين: 432 / 12.
(22) آل عمران: 18 و19.
(23) کمال الدين: 433 / 13.
(24) کمال الدين: 434 / 1، غيبة الشيخ الطوسي: 151.
(25) غيبة الشيخ الطوسي: 148.
(26) غيبة الشيخ الطوسي: 164.
(27) راجع مقاتل الطالبيين: 670 ـ 689، وتأريخ اليعقوبي 2: 506 ـ دار صادر، بيروت.
(28) کمال الدين: 473 / 25، بحار الانوار 52: 47 / 33.
(29) کمال الدين: 474.
******************
وهذا الحديث يدلّ علي أنّ جعفر الکذّاب کشف أمر الامام الحجّة (عليه السلام) أمام رجال السلطة، فتصرّفوا علي ضوء مدّعاه، وهو أيضاً يدلّ علي المراد، حيث إنّه يعني أنّ جعفر الکذّاب کان علي علم بولادته (عليه السلام)، وإنّ إقدام السلطة علي استدعاء اُمّه وتعاهد أمرها، وادّعائها الحمل حفظاً عليه، کلّها مؤشّرات واضحة لتيقّن السلطة من وجود المولود.
3 - وروي بالاسناد عن أبي الاديان - في حديث - قال: قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته، فقالوا: من نعزّي؟ فأشار الناس إلي جعفر بن علي، فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه، وقالوا: إنّ معنا کتباً ومالاً، فتقول ممّن الکتب؟ وکم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، وعشرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا إليه الکتب والمال وقالوا: الذي وجّه بک لاخذ ذلک هو الامام، فدخل جعفر بن عليّ علي المعتمد، وکشف له ذلک، فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا علي صقيل الجارية فطالبوها بالصبيّ فأنکرته، وادّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبيّ، فسُلّمت إلي ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيي بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلک عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين.(1)
4 - وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) في ذکر وفاة الامام الحسن العسکري (عليه السلام): وخلّف ابنه المنتظر لدولة الحقّ، وکان قد أخفي مولده وستر أمره، لصعوبة الوقت، وشدّة طلب سلطان الزمان له، واجتهاده في البحث عن أمره، ولمّـا شاع من مذهب الشيعة الاماميّة فيه، وعرف من انتظارهم له، فلم يُظهِر ولده (عليه السلام) في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته.
وتولّي جعفر بن عليّ أخو أبي محمّد (عليه السلام) أخذ ترکته، وسعي في حبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقال حلائله، وشنّع علي أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغري بالقوم حتّي أخافهم وشرّدهم، وجري علي مخلّفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلک کلّ عظيمة، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل.
وحاز جعفر ظاهر ترکة أبي محمّد (عليه السلام)، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلک ولا اعتقده فيه، فصار إلي سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، وبذل مالاً جليلاً، وتقرّب بکلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به فلم ينتفع بشيء من ذلک.(2)
ومن مجمل ما تقدّم يتّضح أنّ أحد الاهداف الکبري للسلطة آنذاک هو القبض علي الامام (عليه السلام) لأنّها تعلم أنّ وجوده (عليه السلام) معناه تهديد لسلامة حکمهم، ومن هنا جاءت محاولاتهم المستميتة لتحصين دولتهم ضدّ خطره، وتجريد الحملات للقبض عليه، والتجسّس المستمرّ من قبل جميع الحکّام المعاصرين لاحداث تلک الفترة لکشف مکان اختفائه (عليه السلام) والقبض عليه، وجميع هذه التحرّکات تدلّ علي ولادته واختفائه (عليه السلام) عن أعين السلطان بإذن الله تعالي ومشيئته.
اعتراف علماء الانساب بولادته
وممّـا يدلّ علي ولادة الامام المهدي (عليه السلام) ذکر علماء الانساب له (عليه السلام) في کتبهم وفي فترات زمنيّة متعاقبة، ومنهم:
1 - أبو نصر، سهل بن عبد الله بن داود البخاري، من أعلام القرن الرابع، قال في کتابه (سرّ السلسلة العلويّة) معدّداً أولاد الامام علي الهادي (عليه السلام): وولد علي بن محمّد التقي (عليه السلام) جعفراً، وهو الذي تسمّيه الاماميّة جعفر الکذّاب، وإنّما تسمّيه الامامية بذلک، لادّعائه ميراث أخيه الحسن (عليه السلام) دون ابنه القائم الحجّة (عليه السلام) لا طعن في نسبه.(3)
2 - علي بن محمّد العلوي العمري، من أعلام القرن الخامس الهجري، قال في کتابه (المجدي في أنساب الطالبيين):
مات أبو محمّد (عليه السلام)، وولده من نرجس معلوم عند خاصّة أصحابه وثقات أهله، وامتُحن المؤمنون، بل کافّة الناس، بغيبته، وشره جعفر بن علي إلي مال أخيه وحاله، فدفع أن يکون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة علي قبض جواري أخيه.(4)
3 - الفخر الرازي الشافعي، المتوفّي سنة 606 هـ، قال في کتابه (الشجرة المبارکة في أنساب الطالبيّة) معدّداً أولاد الامام الحسن العسکري (عليه السلام): أمّا الحسن العسکري الامام (عليه السلام) فله ابنان وبنتان: أمّا الابنان، فأحدهما صاحب الزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف، والثاني موسي درج في حياة أبيه، وأمّا البنتان: ففاطمة درجت في حياة أبيها، واُمّ موسي درجت أيضاً.(5)
4 - عزيز الدين أبو طالب إسماعيل بن الحسين المروزي الازورقاني، المتوفّي سنة 614، في کتابه (الفخري في أنساب الطالبيين) وصف جعفر بن الامام الهادي (عليه السلام) بالکذّاب لانکاره ولد أخيه الحجّة (عليه السلام)، ممّـا يدلّ علي اعتقاده بولادة الامام المهدي (عليه السلام).(6)
5 - جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الداودي، المتوفّي سنة 828 هـ، قال في کتابه (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) معدّداً أولاد الامام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي (عليه السلام): وأعقب من رجلين هما: الامام أبو محمّد الحسن العسکري (عليه السلام)، وکان من الزهد والعلم علي أمر عظيم، وهو والد الامام محمّد المهدي (صلوات الله عليه) ثاني عشر الائمة عند الاماميّة، وهو القائم المنتظر عندهم، من اُمّ ولد اسمها نرجس.
واسم أخيه أبو عبد الله جعفر الملقّب بالکذّاب، لادّعائه الامامة بعد أخيه الحسن (عليه السلام).(7)
6 - محمّد أمين السويدي، المتوفّي سنة 1246 هـ، قال في کتابه (سبائک الذهب في معرفة قبائل العرب): محمّد المهدي. وکان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وکان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقني الانف، صبيح الوجه.(8)
7 - محمّد ويس الحيدري، في کتابه (الدرر البهيّة في الانساب الحيدريّة) قال - معدّداً أولاد الامام الهادي (عليه السلام) -: فالحسن العسکري أعقب المهدي صاحب السرداب... وقال: الامام محمّد المهدي: لم يذکر له ذرية ولا أولاد له أبداً.(9)
اعتراف علماء العامة بولادته وبکونه ابن الامام الحسن العسکري
هناک شهادات واعترافات کثيرة سجّلها بعض أعلام العامّة في مصادر معروفة أکّدوا فيها علي ولادة الامام المهدي (عليه السلام)، وذلک خلال فترات متعاقبة تمتدّ من عصر الغيبة (260 هـ - 329 هـ) إلي وقتنا الحاضر، وقد تصدّي البعض لجمع هذه الشهادات والاعترافات في بحوث خاصّة.(10)
هذا فضلاً عن الاعترافات الاُخري من علماء العامّة التي لا تقتصر علي ذکر ولادة الامام المهدي (عليه السلام) وحسب، بل تقرّ بکون الحجّة بن الحسن العسکري (عليه السلام) هو الامام المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان لاقامة دولة الحقّ والاسلام والعدل، وأنّه حيّ غائب حتّي يأذن الله بظهوره (عليه السلام).
وقد ذکرنا نخبة من هذه الشهادات في الفصل السابع.
شهادة الوکلاء وغيرهم برؤيته
وشهد الامام المهدي (عليه السلام) جماعة کثيرة من وکلائه (عليه السلام) وغيرهم ممّن وقف علي معجزاته، وقد بلغوا من الکثرة حدّاً يمتنع معه اتّفاقهم علي الکذب، سيّما وإنّهم من بلدان شتّي، ورأوه في فترات متعاقبة خلال الغيبة الصغري الممتدّة من سنة 260 هـ إلي سنة 329 هـ، وسنذکر تفصيل ذلک في الفصل العاشر والحادي عشر والثاني عشر.
هذه هي أهمّ الادلّة علي ولادة الامام الحجّة (صلوات الله عليه) وأکثرها يعتمد علي الرواية والاخبار، وهناک أدلّة اعتباريّة علي ولادته (عليه السلام) ذکرها الشيخ الطوسي في (الغيبة) حيث قال: فأمّا الکلام في ولادة صاحب الزمان وصحّتها، فأشياء اعتباريّة وأشياء إخباريّة.
فأمّا الاعتباريّة، فهو أنّه إذا ثبتت إمامته بما دللنا عليه من الاقسام، وإفساد کلّ قسم منها إلاّ القول بإمامته(11)، علمنا بذلک صحّة ولادته، وإن لم يرد فيه خبر أصلاً.
وأيضاً ما دللنا عليه من أنّ الائمة اثنا عشر(12)، يدلّ علي صحّة ولادته، لانّ العدد لا يکون إلاّ لموجود.
وما دللنا علي أنّ صاحب الامر لا بدّ له من غيبتين(13) يؤکّد ذلک، لانّ کلّ ذلک مبنيّ علي صحّة ولادته.(14) ثمّ ذکر طرفاً من الاخبار الدالّة علي صحّة ولادته (عليه السلام).
وممّـا يدلّ أيضاً علي ولادة الامام القائم (عليه السلام) وصحّة إمامته ما تواتر عن أئمة الهدي (عليهم السلام) من أنّ الله تعالي لا يخلي الارض من حجّة إمّا ظاهر مشهور أو غائب مستور، وأنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وسنذکر تفصيل ذلک في الفصل الخامس إن شاء الله تعالي.
القابه
ورد في الاخبار والروايات المتواترة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وکذلک في التواريخ والانساب، الکثير من ألقاب الامام الحجّة (عليه السلام) وأشهرها:
صاحب الزمان، والمهدي، والقائم، والحجّة، والخلف، والمنتظر.(15)
وفي دلائل الطبري أضاف لما ذکرناه:
الثائر، والمأمول، والمنتظر، والوتر، والمديل، والمنتقم، والوارث، وغاية الطالبين، وفرج المؤمنين، ومنية الصبر، وکاشف الغطاء، واليوم الموعود، وطالب الترات، والمحسن، والعدل، والقسط، والامان، والضياء، والنصر، والفتح، والقوّة، والعزّة، والقدرة، والملک(16)، وغيرها کثير ممّـا ورد في الاخبار والروايات.
في علة تسميته بالمهدي والقائم والمنتظر
1 - روي الشيخ الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) - في حديث طويل يذکر فيه أسماء محمّد وعليّ وفاطمة والائمّة (عليهم السلام) - قال (صلي الله عليه وآله): وسمّي القائم قائماً لأنّه يقوم بعد موت ذکره.(17)
2 - وروي الشيخ المفيد والفتّال بالاسناد عن محمّد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلي الاسلام جديداً، وهداهم إلي أمر قد دُثِر فَضَلّ عنه الجمهور، وإنّما سمّي القائم مهديّاً لأنّه يهدي إلي أمر مضلول عنه، وسمّي بالقائم لقيامه بالحقّ.(18)
3 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن الصقر بن أبي دلف، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) - في حديث - قال: قلت له: يا بن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبکي (عليه السلام) بکاءً شديداً، ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر.
فقلت له: يا بن رسول الله، لم سمّي القائم؟
قال: لأنّه يقوم بعد موت ذکره وارتداد أکثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟
قال: لانّ غيبته تکثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينکره المرتابون، ويستهزئ بذکره الجاحدون، ويکذّب فيها الوقّاتون، ويهلک فيها المستعجلون، وينجو فيها المُسلّمون.(19)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) - في حديث - قال: قلت له: يا بن رسول الله، کلّکم قائمون بالحقّ؟ قال: بلي.
قلت: فلم سمّي القائم قائماً؟
قال: لمّـا قتل جدّي الحسين (عليه السلام) ضجّت الملائکة إلي الله عزّ وجلّ بالبکاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيّدنا انتقم ممّن قتل صفوتک وابن صفوتک وخيرتک من خلقک، فأوحي الله عزّ وجلّ إليهم، قرّوا ملائکتي فوعزّتي وجلالي لانتقمن منهم ولو بعد حين.
ثمّ کشف الله عزّ وجلّ عن الائمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائکة، فسرّت الملائکة بذلک، فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله عزّ وجلّ: بذلک أنتقم منهم.(20)
5 - وروي بالاسناد عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال (عليه السلام): وإنّما سمّي المهدي لأنّه يهدي لامر خفيّ، يستخرج التوراة وسائر کتب الله من غار بأنطاکية، فيحکم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الانجيل بالانجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا کلّها، ما في بطن الارض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلي ما قطعتم فيه الارحام، وسفکتم فيه الدماء، ورکبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد کان قبله.
قال: وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): هو رجل منّي اسمه کاسمي، يحفظني الله فيه، ويعمل بسنّتي، يمـلا الارض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً.(21)
6 - وروي الطبري بالاسناد عن محمّد بن علي السلمي، عن أبي جعفر محمّد ابن علي (عليه السلام)، قال: إنّما سمّي المهدي مهديّاً، لأنّه يهدي لامر خفي، يهدي لما في صدور الناس، ويبعث إلي الرجل فيقتله، لا يُدري في أيّ شيء قتله، ويبعث ثلاثة راکب - قال: هي بلغة غطفان رکبان - أمّا راکب فيأخذ ما في أيدي أهل الذمّة من رقيق المسلمين فيعتقهم، وأمّا راکب فيظهر البراءة منهما: يغوث ويعوق في أرض العرب، وراکب يخرج التوراة من مغارة بأنطاکية، ويُعطي حکم سليمان.(22)
7 - وروي بالاسناد عن أنس بن مالک، قال: خرج علينا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذات يوم فرأي علياً (عليه السلام)، فوضع يده بين کتفيه، ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): يا علي، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يملک رجل من عترتک، يقال له المهدي، يهدي إلي الله عزّ وجلّ، ويهتدي به العرب، کما هديت أنت الکفّار المشرکين من الضلالة.(23)
کنيته
کنيته (عليه السلام) کنية جدّه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فهو أبو القاسم، وعليه فهو شريکه (صلي الله عليه وآله) في الاسم والکنية، وهذا هو المشهور والمتواتر عن النبيّ (صلي الله عليه وآله): يخرج في آخر الزمان رجل يدعي من ولدي، اسمه کاسمي، وکنيته ککنيتي، يملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً، وقال: فذلک هو المهدي.(24)
ويکنّي (عليه السلام) أبا عبد الله، لما روي عن النبي (صلي الله عليه وآله) قوله: لو لم يبق في الدنيا إلاّ يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يکنّي أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الرکن والمقام(25)، الحديث.
ويکنّي أيضاً أبا جعفر(26)، وقال الطبري في (الدلائل): وله (عليه السلام) کُني أحد عشر إماماً.(27)
نقش خاتمه
أنا حجّة الله وخاصّته.(28)
نوابه
عثمان بن سعيد، ثمّ ابنه محمّد بن عثمان، ثمّ الحسين بن روح، ثمّ عليّ بن محمّد السمري.(29)
تواريخه
ولد الامام المهدي (عليه السلام) کما تقدّم في النصف من شعبان سنة 255 هـ في عهد محمّد بن الواثق المهتدي، وقتل المهتدي سنة 256 هـ، ثمّ تولّي بعده أحمد بن جعفر المتوکّل العباسي، المعروف بالمعتمد.
وتوفّي الامام الحسن بن علي العسکري (عليه السلام) سنة 260 هـ، فيکون عمر الامام المهدي (عليه السلام) عند وفاة أبيه (عليه السلام) خمس سنين علي القول الاوّل المشهور الذي ذکرناه في ولادته (عليه السلام)، وستّ سنين علي القول الثاني في ولادته، أي 254 هـ، وأربع سنين علي القول الثالث، أي 256 هـ، وسنتين علي القول الرابع، أي سنة 258 هـ.(30)
ولقد آتاه الله تعالي الحکمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحکمة کما آتاها يحيي صبيّاً، وجعله إماماً في حال الطفولة الظاهرة کما جعل عيسي ابن مريم (عليه السلام) في المهد نبيّاً.
غيبته
لقد تواتر في الاخبار عن أئمة الهدي (عليهم السلام) أنّ للقائم (عليه السلام) غيبتين، وقد وقعتا بالفعل، فالغيبة الاُولي تبدأ من وفاة والده الامام الحسن العسکري (عليه السلام) في الثامن من شهر ربيع الاوّل سنة 260 هـ، وتنتهي بوفاة السفير الرابع من سفرائه (عليه السلام) وهو أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري في النصف من شعبان سنة 329 هـ.
فعمر الغيبة الصغري سبعون عاماً حافلة بالاحداث الجسام والتقلّبات العظام، انتقلت الخلافة العباسية فيها بين ستّة من خلفاء بني العباس، بينهم المعتمد الذي عاصر وفاة الامام العسکري (عليه السلام) ومبدأ الغيبة الصغري حتّي عام 279 هـ، حيث آلت الخلافة إلي المعتضد إلي عام 289 هـ، فاستخلف المکتفي إلي عام 295 هـ، وبعده المقتدر إلي عام 320 هـ، ثمّ القاهر بالله حتّي سنة 322 هـ، ثمّ الراضي بالله حتّي عام 329 هـ، وهو عام وفاة النائب الرابع السمري عليه الرحمة، ونهاية عهد الغيبة الصغري والسفارة.
وفي زمان الغيبة الصغري انتقلت الوکالة الخاصّة أو السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام) بين أربعة من خيار خلق الله وخاصّته، حيث تخرج منه (عليه السلام) التوقيعات إلي شيعته بالامر والنهي علي أيديهم، ويوصلون إليه مسائل الشيعة وحوائجهم، ويوصلون أجوبته (عليه السلام)، والسفراء هم:
1 - أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، وکان باباً لابيه وجدّه (عليهم السلام) من قبل وثقة لهما، ثمّ تولّي الوکالة للامام الحجّة (عليه السلام) وظهرت المعجزات علي يده.
2 - أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، فلمّـا مضي عثمان بن سعيد العمري إلي رحمة ربّه، قام ابنه محمّد بن عثمان مقامه بنص الامام أبي محمّد الحسن العسکري (عليه السلام) المتقدّم عليه، ونص أبيه عثمان عليه بأمر الامام الحجّة (عليه السلام).
قال الامام العسکري (عليه السلام): اشهدوا علي أنّ عثمان بن سعيد العمري وکيلي، وأنّ ابنه محمّداً وکيل ابني مهديّکم.(31) والشيعة مجمعة علي عدالته وثقته وأمانته، ومضي علي منهاج أبيه في آخر جمادي الاخرة سنة 304 هـ، أو 305 هـ.
3 - أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، فلمّـا مضي أبو جعفر محمّد بن عثمان العمري إلي رحمة ربّه ورضوانه، قام بأمر السفارة والوکالة أبو القاسم الحسين بن روح، وذلک بالنص عليه من قبل محمّد بن عثمان العمري، وقد نص عليه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين، وذلک بأمر الامام الحجّة (عليه السلام)، وتوفّي الحسين بن روح سنة 326 هـ.
4 - أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري، وهو آخر السفراء، وقد نص عليه أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قبل وفاته بأمر الامام الحجّة (عليه السلام)، ولمّـا حضرت أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمرٌ هو بالغه، ومضي سنة 329 هـ.(32)
الهوامش:
(1) کمال الدين: 476.
(2) الارشاد 2: 336.
(3) سرّ السلسلة العلويّة: 39.
(4) المجدي: 130.
(5) الشجرة المبارکة: 78 ـ 79. معني درجت أي ماتت.
(6) راجع الفخري في أنساب الطالبيين: 7.
(7) عمدة الطالب: 199.
(8) سبائک الذهب: 346.
(9) الدرر البهيّة: 73 ـ حلب ـ سوريا 1405 هـ.
(10) منهم الشيخ علي اليزدي الحائري في إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب (عليه السلام) 1: 321 ـ 440، والشيخ مهدي فقيه إيماني في کتاب المهدي المنتظر: 16 ـ 30، والسيّد محمّد سعيد الموسوي في کتاب الامام الثاني عشر (عليه السلام): 27 ـ 70، والشيخ نجم الدين العسکري في کتاب المهدي الموعود المنتظر عند أهل السنّة والاماميّة 1: 220 ـ 226، ومنهم المحدّث النوري الطبرسي في کشف الاستار، والاُستاذ علي محمّد دخيل في کتاب الامام المهدي (عليه السلام)، والسيّد ثامر العميدي في دفاع عن الکافي 1: 568 ـ 592، وقد ذکر هذا الاخير (128) علماً من العامّة من الذين اعترفوا بولادة الامام المهدي (عليه السلام) مع ترتيبهم بحسب القرون.
(11) سنذکر الادلّة علي إمامته (عليه السلام) في الفصل الخامس.
(12) وذلک بدليل ما تواتر عن النبيّ الاکرم (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: (الخلفاء بعدي اثنا عشر کلّهم من قريش)، وسنذکر ذلک مفصّلاً، وأنّ المراد بهم الائمة من عترته (صلي الله عليه وآله)، في الفصل الخامس إن شاء الله تعالي.
(13) وقد تواتر عن أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام): أنّ للقائم (عليه السلام) غيبتين، وسنذکر ذلک في الفصل الثامن.
(14) الغيبة للشيخ الطوسي: 137.
(15) تأريخ مواليد الائمة ووفياتهم (عليهم السلام): 200، الفصول المهمّة: 292، نور الابصار: 185.
(16) دلائل الامامة: 502.
(17) معاني الاخبار: 64 ـ 65 / 17، بحار الانوار 51: 30 / 6.
(18) روضة الواعظين 2: 264، إعلام الوري: 431، بحار الانوار 51: 30 / 7 عن الارشاد.
(19) کمال الدين: 378 / 3، إعلام الوري: 409، الخرائج والجرائح 3: 1172، بحار الانوار 51: 30 / 4.
(20) علل الشرائع: 160 / 1، بحار الانوار 45: 221 / 4، و51: 28 / 1.
(21) علل الشرائع: 161 / 3، بحار الانوار 51: 29 / 2.
(22) دلائل الامامة: 466 / 451، الخرائج والجرائح 2: 862 / 78، بحار الانوار 52: 390 / 212.
(23) دلائل الامامة: 469 / 457، الملاحم والفتن: 139.
(24) تذکرة الخواصّ: 363، عقد الدرر: 32، منتخب الاثر: 182 / 1.
(25) البيان في أخبار صاحب الزمان: 127.
(26) المجالس السنيّة 5: 678.
(27) دلائل الامامة: 502.
(28) مصباح الکفعمي: 523.
(29) المجالس السنيّة 5: 678، تأريخ الائمة (عليهم السلام): 33، مصباح الکفعمي: 523.
(30) والقول الاوّل أصحّ الروايات ـ في ولادته (عليه السلام) في النصف من شعبان سنة 255 هـ.
(31) المجالس السنيّة 5: 683.
(32) راجع التتمّة في تواريخ الائمة: 149، تاج المواليد: 141 ـ 145.
******************
وروي الشيخ الطوسي في کتاب (الغيبة) بسنده عن عليّ بن محمّد السمري، أنّه أخرج قبل وفاته بأيام إلي الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانک فيک، فإنّک ميّت ما بينک وبين ستّة أيام، فاجمع أمرک ولا توصي إلي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالي ذکره، وذلک بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جوراً...(1).
وتولّي الوکالة عن السفراء في زمان حياتهم أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة، وهم کثيرون منهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن عليّ بن بلال، وعمر الاهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم، وأبو الحسين محمّد بن جعفر الاسدي، وإبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع(2) وغيرهم ممّن وردت الرواية بهم، أو خرجت التوقيعات بمدحهم أو علي أيديهم، وسنأتي علي تفصيل أحوالهم وأحوال السفراء الاربعة وأحوال المدّعين للسفارة کذباً وافتراءً في الفصل الثامن إن شاء الله.
أمّا الغيبة الکبري فتبدأ بموت السفير الرابع علي بن محمّد السمري سنة 329 هـ، وهي السنة التي مات فيها الشيخ علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي (رحمه الله) والشيخ محمّد بن يعقوب الکليني (رحمه الله).
وبعد مضيّ السمري وقعت الغيبة التامّة، حتّي يجيء وقت الظهور والنهوض بالمهمّة الکبري، بإذن الله تعالي ذکره ومشيئته، وذلک بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض ظلماً وجوراً.
قال الله تعالي: (وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ، وَنُمَکِّنَ لَهُمْ في الارْضِ)(3)، وقال تعالي: (وَلَقَدْ کَتَبْنا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحون).(4)
ولقد اختلف في رؤيته (عليه السلام) خلال الغيبة الکبري، فقد ورد عنه (عليه السلام): سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو کذّاب مفتر.(5)
ونقل عن کثير من الصلحاء والاخيار أنّهم رأوه وسمعوا منه خلال الغيبة الکبري، والله العالم بحقيقة الاحوال، علي أنّا سنأتي علي تفصيل ذلک وتحقيقه في الفصل الثامن والثاني عشر إن شاء الله تعالي.
نسأل الله تعالي أن يرزقنا ويسعدنا بما أسعد به أهل الاخلاص من رؤية وليّه والتشرّف به، وکشف الحيرة والجهل بعلمه وفرجه، ونسأله تعالي أن يعجّل في فرج مولانا صاحب الزمان لنسعد برؤية طلعته الکريمة، ونعيش في ظلّ دولته العادلة، وأن يوفّقنا لان نکون من أعوانه وأنصاره علي إظهار الحقّ وإزالة حجب الجور والظلم، إنّه تعالي علي کلّ شيء قدير.
صفته وحليته
وممّـا ورد في صفة الامام المهدي وحليته (عليه السلام) علي لسان النبيّ (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين:
1 - عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو علي المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض مشرب بالحمرة، مبدح البطن(6)، عريض الفخذين، عظيم مشاش(7) المنکبين، بظهره شامتان: شامة علي لون جلده، وشامة علي شبه شامة النبيّ (صلي الله عليه وآله).(8)
2 - وعن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): المهدي من ولدي، وجهه کالکوکب الدرّي، واللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي.(9)
3 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ليبعثن الله تعالي من عترتي رجلاً أفرق الثنايا، أجلي الجبهة، يملا الارض قسطاً وعدلاً، ويفيض المال فيضاً.(10)
4 - وعن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وکنيته کنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تکون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الاُمم، ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، يملؤها عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.(11)
5 - وعن أبي اُمامة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، کأنّ وجهه کوکب درّي، في خدّه الايمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيّتان(12)، کأنّه من رجال بني إسرائيل، يملک عشرين سنة، يستخرج الکنوز ويفتح مدائن الشرک.(13)
6 - وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: المهدي مولده بالمدينة، من أهل بيت النبيّ (صلي الله عليه وآله)، واسمه اسم ابني، ومهاجرته بيت المقدس، کثّ اللحية، أکحل العينين، برّاق الثنايا، في وجهه خال، وفي کتفه علامة النبيّ (صلي الله عليه وآله)، يخرج براية النبيّ (صلي الله عليه وآله) من مرط معلّمة سوداء مربّعة فيها حجر، لم تنشر منذ توفّي (صلي الله عليه وآله)، ولا تنشر حتّي يخرج المهدي يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائکة، يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلي الاربعين.(14)
7 - وروي عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: سأل عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟
فقال (عليه السلام): أمّا اسمه، فإنّ حبيبي (عليه السلام) عهد إليّ أ لاّ اُحدّث به حتّي يبعثه الله.
قال: فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شابّ مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره علي منکبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الاماء.(15)
8 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: إنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: ليقومنّ علي اُمّتي رجل من أهل بيتي، أقني أجلي(16)، يوسع الارض عدلاً کما اُوسِعت جوراً، يملک سبع سنين.(17)
9 - وعن أبي وائل، قال: نظر أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) إلي الحسين (عليه السلام) فقال: إنّ ابني هذا سيّد کما سمّـاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) سيّداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيّکم، يشبهه في الخَلق والخُلق، يخرج علي حين غفلة من الناس، وإماتة للحقّ، وإظهار للجور، يفرح بخروجه أهل السماوات وسکّانها، وهو رجل أجلي الجبين، أقني الانف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمني شامة، أفلج الثنايا.(18)
10 - وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له (عليه السلام): سألتک بقرابتک من رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنت صاحب هذا الامر والقائم به؟ قال: لا.
قلت: فمن هو بأبي أنت واُمّي؟ فقال: ذاک المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنکبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسي.(19)
11 - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام)، قال: يا أبا محمّد، بالقائم علامتان: شامة في رأسه، وداء الحزاز برأسه، وشامة بين کتفيه من جانبه الايسر، تحت کتفه الايسر ورقة مثل ورقة الاس، ابن سبيّة وابن خيرة الاماء.(20)
12 - وعن عبد الرحيم القصير، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): قول أمير المؤمنين (عليه السلام): بأبي ابن خيرة الاماء، أهي فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: إنّ فاطمة (عليها السلام) خيرة الحرائر، ذاک المبدح البطن المشرب حمرة.(21)
13 - وروي ثعلبة بن ميمون، عن يزيد بن أبي حازم، قال: خرجت من الکوفة، فلمّـا قدمت المدينة دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) فسلّمت عليه، فسألني هل صاحبک أحد؟ فقلت: نعم، صحبني رجل من المعتزلة.
قال: فما کان يقول؟ قلت: کان يزعم أنّ محمّد بن عبد الله بن الحسن يرجي هو القائم، والدليل علي ذلک أنّ اسمه اسم النبيّ (صلي الله عليه وآله) واسم أبيه اسم أبي النبيّ (صلي الله عليه وآله).
فقلت له في الجواب: إن کنت تأخذ بالاسماء، فهو ذا في ولد الحسين (عليه السلام) محمّد ابن عبد الله بن عليّ. فقال لي: إنّ هذا ابن أمة - يعني محمّد بن عبد الله بن عليّ - وهذا ابن مهيرة - يعني محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): فما رددت عليه؟ فقلت: ما کان عندي شيء أردّ عليه. فقال لي: أوَ لم تعلموا أنّه ابن سبيّة، يعني القائم (عليه السلام).(22)
14 - وعن زيد الکناسي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) يقول: إنّ صاحب هذا الامر فيه شبه من يوسف، من أمة سوداء، يصلح الله أمره في ليلة.(23)
15 - وعن الريّان بن الصلت، عن الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) - في حديث - قال: إنّ القائم هو الذي إذا خرج کان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قوياً في بدنه حتّي لو مدّ يده إلي أعظم شجرة علي وجه الارض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدکدکت صخورها، يکون معه عصا موسي وخاتم سليمان (عليهما السلام)(24)، الحديث.
16 - وعن أبي الصلت الهروي، قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامات القائم منکم إذا خرج؟ قال: علامته أن يکون شيخَ السنّ، شابّ المنظر، حتّي أنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإنّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الايام والليالي حتّي يأتيه أجله.(25)
إلي هنا انتهي الفصل الاوّل عن ملامحه (عليه السلام).
عالمية الاعتقاد بالمهدي والبشارات السماويّة
ليس المهدي (عليه السلام) تجسيداً لعقيدة إسلاميّة ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتّجهت إليه البشريّة بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لالهام فطري، أدرک الناس من خلاله - علي الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلي الغيب - أنّ للانسانيّة يوماً موعوداً علي الارض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الکبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المکدودة للانسان علي مرّ التأريخ استقرارها واطمئنانها، بعد عناء طويل، لتـُملا الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر علي المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ إلي غيرهم أيضاً وانعکس حتّي علي أشدّ الايديولوجيات والاتجاهات العقائديّة رفضاً للغيب والغيبيات، کالمادّية الجدليّة التي فسّرت التأريخ علي أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود، تصفّي فيه کلّ تلک التناقضات، وسيسود فيه الوئام والسلام. وهکذا نجد أنّ التجربة النفسيّة لهذا الشعور التي مارستها الانسانيّة علي مرّ الزمان، من أوسع التجارب النفسيّة اطمئناناً وأکثرها أملاً بين المجتمع الانساني.
وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العامّ، ويؤکّد أنّ الارض في نهاية المطاف ستملا قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، يعطي لذلک الشعور قيمته الموضوعيّة ويحوّله إلي إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الانسانيّة. وهذا الايمان ليس مجرّد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوّة وأمل، فهو مصدر عطاء، لانّ الايمان بالمهدي إيماناً برفض الظلم والجور حتّي يسود الدنيا کلّها العدل، وهو مصدر قوّة ودفع لا ينضب، لأنّه بصيص نور وأمل يقاوم اليأس في نفس الانسان، ويحافظ علي الامل المشتعل في الصدور مهما ادلهمّت الخطوب وتعمّق الظلم، لانّ اليوم الموعود، يثبت أنّ بإمکان العدل أن يسود ويواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أرکان الظلم، ويقيم بناءه من جديد کصرح شامخ، وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر علي مقدّراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بدّ أن ينهزم. وتلک الهزيمة الکبري المحتومة للظلم وهو في قمّة جبروته، تضع الامل کبيراً أمام کلّ فرد مظلوم، وکلّ اُمّة مظلومة في القدرة علي تغيير الميزان وإعادة البناء مجدّداً.
وإذا کانت فکرة المهدي (عليه السلام) أقدم من الاسلام وأوسع منه، فإنّ معالمها التفصيليّة التي حدّدها الاسلام جاءت أکثر إشباعاً لکلّ الطموحات التي انشدّت إلي هذه الفکرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغني عطاءً وأقوي إثارةً لاحاسيس المظلومين والمعذّبين علي مرّ التأريخ ; وذلک لانّ الاسلام حوّل الفکرة من غيب إلي واقع، ومن مستقبل إلي حاضر، ومن التطلّع إلي منقذ تتمخّض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول، إلي الايمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلّعه مع المتطلّعين إلي اليوم الموعود، واکتمال کلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره الفعّال العظيم، فلم يعد المهدي (عليه السلام) فکرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلّع إلي مصداقيّتها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليّته وإنساناً معيّناً يعيش بيننا ويرانا ولا نراه، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشارکنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد کلّ ما تزخر به الساحة علي وجه الارض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، سواءً کان ذلک من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يده إلي کلّ مظلوم وکلّ محروم، وکلّ بائس ليقطع دابر الظالمين.
وقد قدّر لهذا القائد العظيم المنتظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يکشف للاخرين حياته علي الرغم من أنّه يعيش معهم انتظاراً للّحظة الموعودة لانقاذهم.
ومن الواضح أنّ الفکرة بهذه المعالم الاسلاميّة، تقرّب الهوّة الغيبيّة بين المظلومين - کلّ المظلومين - والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.
ونحن حينما يراد منّا أن نؤمن بفکرة المهدي، بوصفها تعبيراً عن إنسان حيّ محدّد يعيش فعلاً کما نعيش ويترقّب کما نترقّب، يراد الايماء إلينا بأنّ فکرة الرفض المطلق لکلّ ظلم وجور التي يمثّلها المهدي، تجسّدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم کما في الحديث، وأنّ الايمان به إيمانٌ بهذا الرفض الحيّ القائم فعلاً ومواکبةٌ له.
وقد ورد في الاحاديث الحثّ المتواصل علي انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنين بالمهدي أن يکونوا بانتظاره، وفي ذلک تحقيق لتلک الرابطة الروحيّة، والصلة الوجدانيّة بينهم وبين القائد الرافض، وکلّ ما يرمز إليه من قيم، وهي رابطة وصلة ليس بالامکان إيجادها ما لم يکن المهدي قد تجسّد فعلاً في إنسان حيّ معاصر.
وهکذا نلاحظ أنّ هذا التجسيد أعطي الفکرة زخماً جديداً، وجعل منها مصدر عطاء وقوّة بدرجة أکبر، إضافة إلي ما يجد أيّ إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من آلام الظلم والحرمان، حين يحسّ أنّ إمامه وقائده يشارکه هذه الالام ويتحسّس بها فعلاً بحکم کونه إنساناً معاصراً، يعيش معه وليس مجرّد فکرة مستقبليّة.(26)
فکرة المهدي عند الشعوب والاديان
إنّ فکرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي علي الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم، ويحقّق العدل والمساواة في دولته الکريمة، فکرة آمن بها أهل الاديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب.
فقد آمن اليهود بها، کما آمن النصاري بعودة عيسي (عليه السلام)، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظاهم عودة بهرام شاه، واعتنقها مسيحيّو الاحباش بترقّبهم عودة ملکهم تيودور کمهديّ في آخر الزمان، وکذلک الهندوس اعتقدوا بعودة فيشنو، ومثلهم المجوس إزاء ما يعتقدونه من حياة (أوشيدر).
وهکذا نجد البوذيّين ينتظرون ظهور بوذا، کما ينتظر الاسبان ملکهم روذريق، والمغول قائدهم جنکيزخان.
وقد وجد هذا المعقتد عند قدامي المصريين، کما وجد في القديم من کتب الصينيّين.
وإلي جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد، منهم: الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل B. Rusil، قال: (إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت علم واحد وشعار واحد).
ومنهم: العلاّمة آينشتاين Ainshtayn صاحب (النظرية النسبية)، قال: (إنّ اليوم الذي يسود العالم کلّه الصلح والصفاء، ويکون الناس متحابّين متآخين ليس ببعيد).
والاکثر من هذا کلّه هو ما جاء به الفيلسوف الانکليزي الشهير برنارد شو Birnard Sho، حيث بشّر بمجيء المصلح في کتابه (الانسان السوبرمان SuperMan).
وفي ذلک يقول الاُستاذ الکبير عباس محمود العقّاد في کتابه (برنارد شو) معلّقاً: (يلوح لنا أنّ سوبرمان برناردشو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة).(27)
اجماع المسلمين
أمّا عن المسلمين فهم علي اختلاف مذاهبهم وفرقهم يعتقدون بظهور الامام المهدي في آخر الزمان وعلي طِبق ما بشّر به النبيّ (صلي الله عليه وآله)، ولا يختصّ هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر، ولا فرقة دون اُخري، وما أکثر المصرّحين من علماء أهل السنّة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلي اليوم بأنّ فکرة الظهور محلّ اتفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، والاکثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم بوجوب قتل من أنکر ظهور المهدي، وبعضهم قال بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاهانة، حتّي يعود إلي الحقّ والصواب علي رغم أنفه - علي حدّ تعبيرهم -. کما سنشير إليه في الفتوي الصادرة علي طبق معتقد المذاهب الاربعة في الفصل السادس.
ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي: (إعلم أنّ المشهور بين الکافّة من أهل الاسلام علي ممرّ الاعصار، أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيّد الدين، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي علي الممالک الاسلامية، ويسمّي المهدي).
وقد وافقه علي ذلک الاُستاذ أحمد أمين الازهري المصري - علي الرغم ممّـا عرف عنه من تطرّف إزاء هذه العقيدة - فقال معبّراً عن رأي أهل السنّة بها: (فأمّا أهل السنّة فقد آمنوا بها أيضاً) ثمّ ذکر نص ما ذکره ابن خلدون.
ثمّ قال: (وقد أحصي ابن حجر الاحاديث المرويّة في المهدي فوجدها نحو الخمسين).
ثمّ ذکر ما قرأه من کتب أهل السنّة حول المهدي فقال: (قرأت رسالة للاُستاذ أحمد بن محمّد الصديق في الردّ علي ابن خلدون سمّـاها: (إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون)، وقد فنّد کلام ابن خلدون في طعنه علي الاحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الاحاديث، وقال: إنّها بلغت التواتر).
وقال في موضع آخر: (قرأت رسالة اُخري في هذا الموضوع عنوانها: (الاذاعة لما کان ويکون بين يدي الساعة) لابي الطيّب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني).
وقال أيضاً: (قد کتب الامام الشوکاني کتاباً في صحّة ذلک سمّـاه: التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجّال والمسيح).
إذن لا فرق بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الايمان بظهور المنقذ ما دام أهل السنّة قد وجدوا في ذلک خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان کلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الاحاديث الواردة في ذلک، وأنّهم ألّفوا في الردّ أو القول بالتواتر کتباً ورسائل، بل لا فرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الاديان والشعوب الاُخري من حيث المبدأ والايمان بأصل الفکرة وإن اختلفوا في مصداقها، مع اتفاق المسلمين علي أنّ اسمه (محمّد) کاسم النبيّ (صلي الله عليه وآله)، ولقبه عندهم هو (المهدي).
ومن هنا يعلم أنّ اتفاق أهل الاديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفتهم - مع تعداد الاديان، وتباين المعتقدات، واختلاف الافکار والاراء والعادات - علي أصل الفکرة، لا يمکن أبداً أن يکون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتفاق جزافاً.(28)
البشارات السماوية بالامام المهدي
إنّ اعتقاد أهل الکتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لا يبعد أن يکون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت (عليهم السلام) کتبشيرها بنبوّة نبيّنا (صلي الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّهم أخفوا ذلک عناداً وتکبّراً إلاّ من آمن منهم بالله واتّقي.(29)
ويدلّ علي ذلک وجود ما يشير في أسفار التوراة إلي ظهور المهدي في آخر الزمان، کما في النص الذي نقله الکاتب أبو محمّد الاردني من (سفر أرميا) وإليک نصه: (اصعدي أ يّتها الخيل وهيّجي المرکبات، ولتخرج الابطال: کوش وقوط القابضان المجنّ، واللوديّون القابضون القوس، فهذا اليوم للسيّد ربّ الجنود، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه، فيأکل السيف ويشبع... لانّ للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات).
وهناک ما هو أوضح من هذا بکثير جدّاً، فقد قال الاُستاذ سعيد أيوب في کتابه (المسيح الدجّال): (ويقول کعب: مکتوب في أسفار الانبياء: المهدي ما في عمله عيب)، ثمّ علّق علي هذا النص بقوله: (وأشهد أ نّني وجدته کذلک في کتب أهل الکتاب).
الهوامش:
(1) المجالس السنيّة 5: 686.
(2) راجع إعلام الوري: 444، المجالس السنيّة 5: 687.
(3) القصص: 5 ـ 6.
(4) الانبياء: 105.
(5) إعلام الوري: 445، الاحتجاج: 478، تاج المواليد: 145.
(6) مبدح البطن: واسعه وعريضه.
(7) المشاشة: رأس العظم الممکن المضع، والجمع مشاش.
(8) کمال الدين: 653 / 17، بحار الانوار 51: 35 / 4.
(9) دلائل الامامة: 441 / 413، نوادر المعجزات: 196 / 5، الفردوس 4: 221 / 6667، والمراد باللون العربي: أي الحنطي أو الابيض، وقد ورد في صفة المهدي (عليه السلام) أنّ لونه لون النبيّ (صلي الله عليه وآله) أبيض مشرب حمرة، وجسم إسرائيلي: أي طويل ممتلئ کأجسام أبناء يعقوب (عليه السلام) المعروفين بهذه الصفة.
(10) عقد الدرر: 16، فرائد السمطين 2: 321 / 582، کشف الغمّة 3: 260، بحار الانوار 51: 96، منتخب الاثر: 150 / 28، البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 137.
(11) کمال الدين: 286 / 1، بحار الانوار 36: 309 / 148، و51: 71 / 16.
(12) العباءة القطوانيّة: البيضاء القصيرة الخمل. وفي بعض المصادر: قطريتان.
(13) المعجم الکبير للطبراني 8: 12 / 7495، اُسد الغابة 4: 353، مجمع الزوائد 7: 318، کنز العمّـال 14: 268 / 38680، بحار الانوار 51: 80.
(14) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 100.
(15) الارشاد 2: 382، کشف الغمّة 3: 263.
(16) الاجلي: الخفيف شعر ما بين النزعتين من الصدغين، والقنا في الانف: طوله ورقّة أرنبته مع حَدَب في وسطه.
(17) دلائل الامامة: 469 / 458، مسند أحمد 3: 17، مجمع الزوائد 7: 314.
(18) الغيبة للنعماني: 144، بحار الانوار 51: 39 / 19، والازيل: الذي انفرج فخذاه وتباعد ما بينهما.
(19) الغيبة للنعماني: 144، بحار الانوار 51: 40 / 20، والمشرف الحاجبين: أي في وسطهما ارتفاع، والحزاز: ما يکون في الشعر مثل النخالة.
(20) الغيبة للنعماني: 145، بحار الانوار 51: 41 / 22، وفي البحار: ابن ستّة بدل ابن سبيّة.
(21) الغيبة للنعماني: 151، بحار الانوار 51: 42 / 24.
(22) الغيبة للنعماني: 152، بحار الانوار 51: 42 / 26، وفيه: ابن ستّة بدل ابن سبيّة.
(23) بحار الانوار 51: 42 / 23، والشبه من يوسف (عليه السلام) يراد به الغيبة.
(24) کمال الدين: 376 / 7، بحار الانوار 52: 322 / 30.
(25) کمال الدين: 652 / 12، بحار الانوار 52: 285 / 16.
(26) بحث حول المهدي للشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (رضي الله عنه) منشور في مقدّمة کتاب البرهان للمتّقي الهندي، من الصفحة 5 ـ 8.
(27) المهدي المنتظر في الفکر الاسلامي: 8 و9.
(28) المهدي المنتظر في الفکر الاسلامي: 10 ـ 12.
(29) راجع المزيد من النصوص التي تدلّ علي البشارات السماوية بالامام المهدي (عليه السلام) في الديانات المتقدّمة علي الاسلام، في کتاب إلزام الناصب 1: 115 ـ 162.
******************
لقد تتبّع أهل الکتاب أخبار المهدي کما تتبّعوا أخبار جدّه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فدلّت أخبار سفر الرؤيا إلي امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثمّ أشار إلي امرأة اُخري، أي: التي تلد الرجل الاخير الذي هو من صُلب جدّته، وقال السفر: إنّ هذه المرأة الاخيرة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم (التنّين) وقال: (والتنّين وقف أمام المرأة العتيدة حتّي تلد يبتلع ولدها متي ولدت)، سفر الرؤيا 12/ 3، أي: أنّ السلطة کانت تريد قتل هذا الغلام، ولکن بعد ولادة الطفل يقول بارکلي Barkly في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه).
والنص (واختطف الله ولدها) سفر الرؤيا 12/ 5، أي: أنّ الله غيّب هذا الطفل کما يقول بارکلي.
وذکر السفر أنّ غيبة الغلام ستکون ألفاً ومئتين وستّين يوماً، وهي مدّة لها رموزها عند أهل الکتاب، ثمّ قال بارکلي عن نسل المرأة عموماً: إنّ التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة کما قال السفر: (فغضب التنّين علي المرأة، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله) سفر الرؤيا 12/ 13).
وهذا وإن لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به، لما مُنيت به کتب العهدين من تحريف وتبديل، إلاّ أنّه يدلّ بوضوح علي معرفة أهل الکتاب بالمهدي، ثمّ اختلافهم فيما بعد في تشخصيه، إذ ليس کلّ ما جاء به الاسلام قد تفرّد به عن الاديان السابقة، فکثير من الاُمور الکلّية التي جاء بها الاسلام کانت في الشرائع السابقة قبله.
قال الشاطبي: (وکثير من الايات اُخبر فيها بأحکام کلّية کانت في الشرائع المتقدّمة وهي في شريعتنا، ولا فرق بينهما).
وإذا تقرّر هذا فلا يَضُرُّ اعتقاد المسلم بصحّة ما بشّر به النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان، أن يکون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الکتاب (اليهود والنصاري) أو عند غيرهم ممّن سبق الاسلام، ولا يخرج هذا المعتقد عن إطاره الاسلامي بعد أن بشّر به النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد الايمان بأنّه (صلي الله عليه وآله وسلم) (ما يَنْطِقُ عَنِ الهَوي إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يوحي).
وأمّا عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفکرة کما مرّ، فيمکن تفسيرها علي أساس أنّ فکرة ظهور المنقذ لا تتعارض مع فطرة الانسان وطموحاته وتطلّعاته، ولو فکّر الانسان قليلاً في اشتراک معظم الشعوب بأصل الفکرة لادرک أنّ وراء هذا الکون حکمة بالغة في التدبير، يستمدّ الانسان من خلالها قوّته في الصمود إزاء ما يري من انحراف وظلم وطغيان، ولا يُترک فريسة يأسه دون أن يزوّد بخيوط الامل والرجاء بأنّ العدل لا بدّ له أن يسود.
وأمّا عن اختلاف أهل الاديان السابقة والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر، فلا علاقة له في إنکار ما بشّر به النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، وليس هناک ما يدعو إلي بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ، ما دام الاسلام قد تصدّي بنفسه لهذه المهمّة فبيّن اسمه، وحسبه، ونسبه، وأوصافه، وسيرته، وعلامات ظهوره، وطريقة حکمه، حتّي تواترت بذلک الاخبار واستفاضت بکثرة رواتها من طرق أهل السنّة، کما صرّح بذلک أعلامهم وحفّاظهم وفقهاؤهم ومحدّثوهم، وقد روي تلک الاخبار عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ما يزيد علي خمسين صحابياً.
وأمّا عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم المهدي کما هو معلوم بين أهل السنّة والشيعة، فليس فيه أدني حجّة للمستشرقين وأذنابهم، بل هو - علي العکس - من الادلّة القاطعة عليه، لأنّه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقّق الوجود، کاختلافهم في القرآن الکريم بين القول بقِدَمه وحدوثه من الله تعالي، مع اتفاقهم علي تکفير منکره، وقس عليه سائر اختلافاتهم الاُخري في تفاصيل بعض العقائد دون اُصولها.(1)
فالايمان بوجود مصلح ومنقذ للبشريّة لم تکن مسألة تنفرد بها الشيعة الامامية، بل إنّ جميع المذاهب والاديان تؤمن بذلک، فاليهودية تؤمن بوجود منقذ ومخلّص يظهر في (جبل صهيون) وقد جاءت في (سفر أشعيا) الاشارة إلي هذا المعني:
ستخرج من القدس بقيّة من (جبل صهيون).
غيرةُ ربّ الجنود ستصنع هذا.
وکما ورد التأکيد علي هذا المعني في (سفر زکريا):
ابتهجي کثيراً يا بنت صهيون.
هو ذا ملکک سيأتي إليکِ.
عادل ومنصور.
فالايمان بمنقذ للبشريّة مسألة لا غبار عليها مهما حاول الفکر اليهودي - الصهيوني تشويه ولبس الحقائق المتعلّقة بظهور هذا المنقذ، لانّ ذلک نابع من الطبيعة الصهيونية المعاندة للحقّ والمحبّة للذات والاستعلاء وعدم الاعتراف بالشعوب الاُخري.
اشعيا يبشر بالقائم
وفي جانب آخر من سفر (أشعيا) نجد إشارات صريحة بظهور المنقذ وکيفية حکمه وارتباطه بالله تعالي، التي لها دلالات لما ورد عن الرسول (صلي الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) بخصوص الامام المهدي (عليه السلام) وفيما يلي نموذج لهذه الاشارات من (سفر أشعيا):
ـ ويحلُّ عليه روح الربّ وروح الحکمة والفهم، وروح المشورة والقوّة، وروح المعرفة ومخافة الربّ.
ـ ولذّته في مخافة الربّ، ولا يقضي بحسب مرأي عينيه، ولا بحسب مسمع اُذنيه.
ـ ويحکم بالانصاف لبائسي الارض ويضرب الارض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه.
ـ ويسکن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معاً، وصبي صغير يسوقها.
ـ ويلعب الرضيع علي سَرَب الصلّ، ويمدّ الفطيم يده علي حُجرْ الافعوان.
ـ لا يسيئون ولا يفسدون في کلّ جبل قدسيّ.
لانّ الارض تمتلئ من معرفة الربّ.
کما تغطّي المياه البحر.
وأمّا في الفقرة (10) فقد جاءت الاشارة إلي الامام (عليه السلام) بأحد ألقابه وهو (القائم):
ـ وفي ذلک اليوم سيرفع (القائم) رايةً للشعوب والاُمم التي تطلبه وتنتظره ويکون محلّه مجداً.
لذا فإنّ هذه (البشارة) تنطبق علي محمّد (صلي الله عليه وآله) وآل محمّد (عليهم السلام) لأنّه لم يکن في (بني إسرائيل) ولا في ولد إسماعيل (عليهم السلام) رؤساء بهذا العدد، وإنّ البرکة والخير الکثير لا يناسب إلاّ الشجرة المحمّدية المبارکة، ويؤيّد ذلک قوله تعالي: (إنَّا أعْطَيْناکَ الکَوْثَر) أي: الخير الکثير وکثرة النسل من الصدّيقة الطاهرة (فاطمة الزهراء) سلام الله عليها.
الامام المهدي والنداء السماوي
يمکن أن نلحظ من خلال بشارة (يوحنا) الاشارة إلي الامام المهدي (عليه السلام) حيث جاء في (سفر يوحنا):
ثمّ رأيت ملاکاً طائراً في وسط السماء.
معه بشارة أبدية ليبشّر الساکنين علي الارض.
وکلّ اُمّة وقبيلة ولسان وشعب.
منادياً بصوت عظيم: خافوا الله وأعطوه مجداً.
لأنّه قد جاءت ساعة حکمه.
واسجدوا لصانع السماء والارض والبحر وينابيع المياه.
نجد في هذا النص الذي أخبر عنه (يوحنا) إشارة إلي (الصيحة الحقّ)، قال تعالي: (فَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ المُنادِ مِنْ مَکان قَريب، يَوْمَ يَسْمَعونَ الصَّيْحَةَ بِالحَقِّ ذلِکَ يَوْمُ الخُروج).(2)
فالقائم (عليه السلام) ينادي باسمه واسم أبيه حسب ما جاء في تفسير الاية (41) من سورة (ق)، وما جاء في تفسير الاية (42) (الصيحة بالحقّ) هي صيحة القائم من السماء، وذلک يوم الخروج.
ولا تنحصر فکرة المنقذ بالاديان السماوية، بل إنّ هذه الفکرة نجدها في مختلف المذاهب والفلسفات بما فيها الوثنية والالحادية.
ولخّص الشهرستاني عقيدة النصاري في العبارة الاتية: (نؤمن بالله الواحد الاب مالک کلّ شيء وصانع ما يُري وما لا يُري، وبالابن الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد، بکر الخلائق کلّها، الذي ولد من أبيه قبل العوالم کلّها، وليس بمصنوع، إله حقّ من إله حقّ، من جوهر أبيه الذي بيده اُتقنت العوالم وخلق کلّ شيء من أجلنا ومن أجل معشر الناس ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسّد من روح القدس وصار إنساناً، وقُتل وصُلب أيام فيلاطوس، ودفن ثمّ قام في اليوم الثالث وصعد إلي السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعدّ للمجيء تارةً اُخري للقضاء بين الاموات والاحياء...).
بينما استقرّت أوضاع الديانة البرهمية علي الاعتقاد بتثليث الالهة، وإن کان ثالوثها يختلف عن ثالوث المسيحيين في نشأه کلّ أقنوم من أقانيمه وعمله وصفاته، وذلک أنّها تقرّر أنّ الاله براهما کان قبل الوجود وأنّه خلق العالم وسمّي نفسه الخالق.
ثمّ انبثق منه الاله سيفا Civa وهو الاله المدمّر الموکل بالخراب والفناء، ولو تُرک هذا الاله وشأنه لفنيت السماوات والارض ومن فيهنّ ولهذا انبثق من (براهما) إله ثالث محافظ مجدّد هو الاله (فيشنو).
ويظهر أنّ فکرة الخلاص بتقديم الاله نفسه فداءً لتکفير خطيئة أزليّة متلبّسة بها الانسانية، قد انتقلت إلي المسيحية من الديانات الهندية کذلک، فالبرهميون يعتقدون أنّ کريشنا هو الاله (فيشنو) قد خلّص الانسان بتقديم نفسه ذبيحةً عنه، ويصوّرون (فيشنو) مصلوباً مثقوب اليدين والرجلين وعلي قميصه قلب الانسان معلّقاً.
ويعتقد البوذيون في (بوذا) حتّي أنّه ليسمّونه (المسيح) المولود الوحيد ومخلّص العالم، ويقولون: إنّه إله کامل تجسّد (بالناسوت) وأنّه قدّم نفسه ذبيحةً ليکفّر ذنوب البشر.
وتجدر الاشارة هنا إلي أنّ (المسيح) في (العقيدة المانوية) کلّ حياته وولادته وآلامه من أجل التکفير عن خطايا البشر، فالشخص الذي رُبط علي الصليب في رأيهم لم يکن المسيح بعينه، وإنّما کان عميلاً للشيطان الذي أراد أن يوقف نشاط المسيح، فربطه المسيح علي الصليب بنفسه عقاباً علي سوء سلوکه، أمّا المسيح فإنّه اختفي وسيعود في المستقبل.
ومن هنا يتّضح أنّ جميع الديانات والفلسفات تؤکّد علي مسألة ظهور المنقذ والمخلّص في آخر الزمان.
فالحقائق والاشارات التي ورد ذکرها في (الکتاب المقدّس) بشأن الرسول (صلي الله عليه وآله) أکّد القرآن المجيد علي وجودها فيه، کما أکّد علي وجود منتظرين للرسول الاکرم (صلي الله عليه وآله وسلم) من اليهود والنصاري في المدينة المنوّرة قبل ظهور دعوة الاسلام.(3)
الايات المفسرة بالامام المهدي
إنّ ظهور الامام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان وإقامته دولة القسط والعدل علي أنقاض دول الظلم والفساد ومؤسسات الظلم والجور، أمرٌ منقول بالتواتر عن نبيّ الهدي والرحمة (صلي الله عليه وآله) ومن طرق صحيحة متّفق عليها عند المسلمين کافة.
والروايات الواردة عن أئمة الهدي عترة المصطفي (عليهم السلام) في الامام المهدي(عليه السلام) کثيرة لا يبلغها الاحصاء، وقد ورد أغلبها بطرق صحيحة متّفق عليها بشتّي الالفاظ، ولا يرقي إليها أدني ريب أو شکّ.
وممّـا لا ريب فيه أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم عدول القرآن بنص حديث جدّهم رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إنّي تارک فيکم الثقلين: کتاب الله وعترتي أهل بيتي) لذا فإنّ فهم تأويل القرآن وتفسيره فهماً صحيحاً منوطٌ بفهم وإدراک حديثهم (عليهم السلام) سيّما في مثل مسألة ظهور الامام المصلح الذي سيغيّر وجه التأريخ ومصير الانسانية بإقامة اُسس العدل والمساواة والاخاء والرخاء.
وإذا تأمّلنا النصوص القرآنيّة نجد أنّ القرآن الکريم هو الاخر يؤيّد ما ورد في السنّة المبارکة في هذه المسألة المصيرية، من خلال الاحاديث الکثيرة المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) والاخبار والاقوال المرويّة عن الصحابة والتابعين والمفسّرين الواردة في الايات القرآنية المفسّرة بالامام المهدي (عليه السلام) الذي سيظهر في آخر الزمان، أو المؤوّلة بالاحداث التي تقارن ظهوره (عليه السلام) کنزول عيسي وظهور الدجّال والسفياني وخسف البيداء والصيحة والنداء وغيرها.
ولقد اقتصرنا في هذا الفصل علي ذکر الايات المفسّرة بالامام المهدي (عليه السلام) دون أن نذکر تفاصيل الايات المفسّرة بالاحداث المقارنة لظهوره المبارک، وذلک رعايةً للاختصار أوّلاً، ولا نّنا سنذکر مجمل هذه الاحداث في علامات الظهور بشيء من التفصيل.
ولا يفوتنا أن نذکر في مقدّمة هذا الفصل أنّ الروايات التي سنذکرها في هذا الفصل جاء بعضها مؤيّداً بأقوال الصحابة أو التابعين أو المفسّرين وبعض المصنّفين من العامّة، کما سيلاحظ القارئ الکريم في الاية 148 من سورة البقرة، والاية 41 من سورة المائدة، والاية 33 من سورة التوبة، والاية 5 من سورة القصص، والايتين 61 و62 من سورة الاحزاب، والاية 61 من سورة الزخرف.
علي أنّ ما سنذکره في هذا الفصل يشتمل علي مجموع ما اخترناه من الايات المفسّرة في ظهور الامام (عليه السلام) أو ذکر غيبته أو أصحابه، وقد رتّبناه وفقاً لترتيب السور القرآنية والايات ليکون أسهل تناولاً.
أمّا الاحاطة بجميع الايات المفسّرة بالامام (عليه السلام)، فهو أمرٌ يحتاج إلي کتاب مستقلّ ينهض بهذه المهمّة، ويمکن للقارئ الکريم أن يراجع کتاب (المحجّة في ما نزل في القائم الحجّة (عليه السلام))(4) للسيّد هاشم البحراني، فهو من الکتب الاختصاصيّة بهذا الموضوع، أو الجزء الخامس من کتاب (معجم أحاديث المهدي (عليه السلام))(5) فهو کتاب يلمّ بأطراف الموضوع بشکل ميسور وشيّق.
وفيما يلي نذکر الايات المفسّرة بالامام المهدي (عليه السلام) مرتّبة وفقاً لترتيب السور والايات.
سوره بقره
قوله تعالي: (الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ).(6)
1 - روي الخزّاز بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) - في حديث طويل - قال (صلي الله عليه وآله) في آخره: طوبي للصابرين في غيبته، طوبي للمتّقين علي محجّتهم، اُولئک وصفهم الله تعالي في کتابه وقال: (الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ)، وقال: (اُوْلئِکَ حِزْبُ اللهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحون).(7)
2 - وروي البرسي، عن عمّـار بن ياسر، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في کتاب الواحدة، قال: قوله تعالي: (الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ) الغيب: يوم الرجعة، ويوم القيامة، ويوم القائم، وهي أيام آل محمّد (عليهم السلام) وإليها الاشارة بقوله تعالي: (وَذَکِّرْهُمْ بِأيَّامِ اللهِ)(8)، الحديث.(9)
3 - وروي السيّد شرف الدين النجفي بالاسناد عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال: (الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ) وهو البعث والنشور وقيام القائم والرجعة.(10)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن يحيي بن أبي القاسم، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (ألم، ذلِکَ الکِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُديً لِلْمُتَّقينَ، الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ) فقال: المتّقون: شيعة علي (عليه السلام)، والغيب: فهو الحجّة الغائب، وشاهد ذلک قول الله عزّ وجلّ: (وَيَقولونَ لَوْلا اُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبَّهِ فَقُلْ إنَّما الغَيْبُ للهِ فَانْتَظِروا إنِّي مَعَکُمْ مِنَ المُنْتَظِرين).(11)
5 - وروي أيضاً بالاسناد عن داود بن کثير الرقّي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: (الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ)، قال: من أقرّ بقيام القائم أنّه حقّ.(12)
قوله تعالي: (لَهُمْ في الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الاخِرَةِ عَذابٌ عَظيم).(13)
6 - روي الطبري في تفسيره والشيخ الطوسي في التبيان وغيرهما بالاسناد عن السدّي، في قوله تعالي: (لَهُمْ في الدُّنْيا خِزْيٌ) قال: أمّا خزيهم في الدنيا، فإنّه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم، فذلک الخزي.(14)
قوله تعالي: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً إنَّ اللهَ عَلي کُلِّ شَيْء قَدير).(15)
7 - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: کان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا يزال الناس ينقصون حتّي لا يقال (الله). فإذا کان ذلک ضرب يعسوب الدين بذنبه(16)، فيبعث الله قوماً من أطرافها، يجيئون قَزَعاً کقَزَع الخريف، والله إنّي لاعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم، وهم قوم يحملهم الله کيف يشاء، من القبيلة الرجل والرجلين - حتّي بلغ تسعة - فيتوافون من الافاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدّة أهل بدر، وهو قول الله: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً إنَّ اللهَ عَلي کُلِّ شَيْء قَدير) حتّي أنّ الرجل ليحتبي فلا يحلّ حبوته حتّي يبلغه الله ذلک.(17)
8 - عن أبي خالد الکابلي، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال:
المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدّة أهل بدر فيصبحون بمکّة، وهو قول الله عزّ وجلّ: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً)، وهم أصحاب القائم.(18)
9 - وعن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) - في حديث طويل يذکر فيه علامات ظهور الامام الحجّة (عليه السلام) - قال: ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمکّة علي غير ميعاد قزعاً کقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً، وهي الاية التي قال الله تعالي: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً إنَّ اللهَ عَلي کُلِّ شَيْء قَدير)، فيبايعونه بين الرکن والمقام، ومعه عهد من رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد توارثته الابناء عن الاباء،(19) الحديث.
10 - وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) - في حديث طويل يذکر فيه غيبة الامام الحجّة (عليه السلام) وأحداث ظهوره - قال (عليه السلام): يکون أوّل خلق الله يبايعه جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، فمن ابتلي في المسير وافاه في تلک الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقِد عن فراشه، ثمّ قال: هو والله قول عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): المفقودون عن فرشهم، وهو قول الله تعالي: (فَاسْتَبِقوا الخَيْراتِ أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً) أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً.
قال: هم والله الاُمّة المعدودة التي قال الله في کتابه: (وَلَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلي اُمَّة مَعْدودَة).(20)
قال: يجمعون في ساعة واحدة قزعاً کقزع الخريف، فيصبح بمکّة فيدعوا الناس إلي کتاب الله وسنّة نبيّه (صلي الله عليه وآله)(21)، الحديث.
11 - وعن المفضّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد نزلت هذه الاية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام)، قوله تعالي: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً) إنّهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمکّة، وبعضهم يسير في السحاب، يُعرَف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.
قال: قلت: جعلت فداک، أ يّهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً.(22)
12 - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالي: (فَاسْتَبِقوا الخَيْراتِ أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً) قال: نزلت في القائم وأصحابه، يُجْمَعون علي غير ميعاد.(23)
13 - وعن أبي سمينة عن مولي لابي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قوله تعالي: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً)، قال: وذلک والله أن لو قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان.(24)
14 - وعن السيّد عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه)، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسي (عليه السلام): إنّي لارجو أن تکون القائم من أهل بيت محمّد (صلي الله عليه وآله) الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً؟
فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلي دين الله، ولکن القائم الذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الارض من أهل الکفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکنيّه، وهو الذي تطوي له الارض، ويذلّ له کلّ صعب، ويجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الارض، وذلک قول الله عزّ وجلّ: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً إنَّ اللهَ عَلي کُلِّ شَيْء قَدير).
فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فإذا کمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّي يرضي الله عزّ وجلّ(25)، الحديث.
قوله تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَيْء مِنَ الخَوْفِ وَالجوعِ وَنَقْص مِنَ الامْوالِ وَالانْفُسِ وَالَّثمَراتِ وَبَشِّرَ الصَّابِرين).(26)
الهوامش:
(1) المهدي المنتظر في الفکر الاسلامي: 12 ـ 15.
(2) سورة ق: 41 و42.
(3) أهل البيت في الکتاب المقدّس: 121 ـ 135.
(4) مطبوع بتحقيق السيّد محمّد منير الميلاني ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت، عدد الصفحات (284).
(5) طبع وتأليف مؤسسة المعارف الاسلامية ـ عدد الصفحات (551).
(6) البقرة 2: 3.
(7) کفاية الاثر: 56 ـ 57، بحار الانوار 36: 304 / 144. والاية من سورة المجادلة 58: 22.
(8) إبراهيم 14: 5.
(9) مشارق أنوار اليقين: 159.
(10) تأويل الايات 1: 31 / 1، بحار الانوار 24: 351 / 69.
(11) کمال الدين: 340 / 20، تأويل الايات 1: 32 / 2، بحار الانوار 51: 52 / 29. والاية الاخيرة من سورة يونس 10: 20.
(12) کمال الدين: 340 / 19، بحار الانوار 51: 52 / 28.
(13) البقرة 2: 114.
(14) تفسير الطبري 1: 399، التبيان 1: 420، مجمع البيان 1: 190، الدرّ المنثور 1: 108، البرهان للمتّقي الهندي: 156 / 3.
(15) البقرة 2: 148.
(16) الضرب بالذنب هاهنا مثلٌ للاقامة والثبات، يعني أنّه يثبت هو ومن تبعه علي الدين.
(17) الغيبة للطوسي: 284، الاُصول الستّة عشر: 64، بحار الانوار 52: 334 / 65.
(18) کمال الدين: 654 / 21، الخرائج والجرائح 3: 1156، بحار الانوار 52: 323 / 24.
(19) تفسير العياشي 1: 64 / 117، الاختصاص: 255، الغيبة للطوسي: 269، الخرائج والجرائح 3: 1156، عقد الدرر: 49 الفصل الاوّل من الباب الرابع، والصفحة 87، کشف الغمّة 3: 249، الفصول المهمّة: 301، بحار الانوار 51: 56 / 44، و52: 212 / 62.
(20) هود 11: 8.
(21) تفسير العياشي 2: 56 / 49، عقد الدرر: 133 ـ الباب الخامس بتفاوت يسير، بحار الانوار 52: 341 / 91.
(22) کمال الدين: 672 / 24، بحار الانوار 52: 286 / 21.
(23) بحار الانوار 51: 58، حلية الابرار 2: 622.
(24) تفسير العياشي 1: 66 / 117، بحار الانوار 52: 291 / 37.
(25) کمال الدين: 377 / 2، کفاية الاثر: 277، الاحتجاج 2: 449، بحار الانوار 51: 157 / 4، و52: 283 / 10.
(26) البقرة: 2: 155.
******************
15 - عن الثمالي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: (وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَيْء مِنَ الخَوْفِ وَالجوعِ) فقال: ذلک جوع خاصّ وجوع عامّ، فأمّا بالشام فإنّه عامّ، وأمّا الخاصّ بالکوفة يخصّ ولا يعمّ، ولکنّه يخصّ بالکوفة أعداء آل محمّد عليه الصلاة والسلام، فيهلکهم الله بالجوع، وأمّا الخوف فإنّه عامّ بالشام، وذاک الخوف إذا قام القائم (عليه السلام)، وأمّا الجوع فقبل قيام القائم (عليه السلام)، وذلک قوله تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَيْء مِنَ الخَوْفِ وَالجوعِ).(1)
16 - وروي محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، قال: إنّ قدّام القائم علامات تکون من الله عزّ وجلّ للمؤمنين.
قلت: ما هي جعلني الله فداک؟ قال: ذلک قول الله عزّ وجلّ: (وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) (بِشَيْء مِنَ الخَوْفِ وَالجوعِ وَنَقْص مِنَ الامْوالِ وَالانْفُسِ وَالَّثمَراتِ وَبَشِّرَ الصَّابِرين).
قال: يبلوهم (بِشَيْء مِنَ الخَوْفِ) من ملوک بني فلان في آخر سلطانهم (وَالجوعِ) بغلاء أسعارهم (وَنَقْص مِنَ الامْوالِ) قال: کساد التجارات وقلّة الفضل، (وَ) نقص من (الانْفُسِ)، قال: موت ذريع، (وَ) نقص من (الَّثمَراتِ)، قال: قلّة ريع ما يزرع، (وَبَشِّرَ الصَّابِرين) عند ذلک بتعجيل خروج القائم (عليه السلام).
ثمّ قال لي: يا محمّد، هنا تأويله إنّ الله تعالي يقول: (وَما يَعْلَمُ تَأويلَهُ إلاّ اللهُ وَالرَّاسِخونَ في العِلْمِ).(2)
17 - وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا بدّ أن يکون قدّام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الاموال والانفس والثمرات، فإنّ ذلک في کتاب الله لبيّن، ثمّ تلا هذه الاية: (وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَيْء مِنَ الخَوْفِ وَالجوعِ وَنَقْص مِنَ الامْوالِ وَالانْفُسِ وَالَّثمَراتِ وَبَشِّرَ الصَّابِرين).(3)
قوله تعالي: (فَلَمَّـا فَصَلَ طالوت بِالجُنودِ قالَ إنَّ اللهَ مُبْتَليکُمْ بِنَهَر)(4)، الاية.
18 - روي أبو بصير عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّ أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالي: (مُبْتَليکُمْ بِنَهَر) وإنّ أصحاب القائم (عليه السلام) يبتلون بمثل ذلک.(5)
سوره آل عمران
قوله تعالي: (إنَّ أوْلي النَّاسِ بِإبْراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعوهُ وَهذا النَّبِيُّ وَالَّذينَ آمَنوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنين).(6)
19 - عن عبد الاعلي الحلبي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) - في حديث طويل يذکر فيه خطبة الامام المهدي (عليه السلام) عند الکعبة -: والله لکأ نّي أنظر إليه وقد أسند ظهره إلي الحجر، ثمّ ينشد الله حقّه، ثمّ يقول: يا أ يّها الناس، من يحاجّني في الله، فأنا أولي الناس بالله، ومن يحاجّني في آدم فأنا أولي الناس بآدم، يا أ يّها الناس من يحاجّني في نوح، فأنا أولي الناس بنوح، يا أ يّها الناس من يحاجّني في إبراهيم، فأنا أولي الناس بإبراهيم.(7)
قوله تعالي: (وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السَّماواتِ وَالارْضِ طَوْعاً وَکرْهاً وَإلَيْهِ يُرْجَعون).(8)
20 - قال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عندما تطلع الشمس، يا أهل الهدي اجتمعوا، وينادي من ناحية المغرب بعدما تغيب الشمس: يا أهل الضلالة اجتمعوا، ومن الغد عن الظهر تکوّر الشمس فتکون سوداء مظلمة، واليوم الثالث يُفرَق بين الحقّ والباطل بخروج دابّة الارض.
وتقبل الروم إلي قرية بساحل البحر عند کهف الفتية، ويبعث الله الفتية من کهفهم إليهم رجل يقال له تمليخا، والاخر کمسلمينا، وهما الشهداء المُسلِّمون للقائم، فيبعث أحد الفتية إلي الروم، فيرجع بغير حاجة، ويبعث بالاخر فيرجع بالفتح، فيومئذ تأويل هذه الاية: (وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السَّماواتِ وَالارْضِ طَوْعاً وَکرْهاً).(9)
21 - وروي رفاعة بن موسي عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال: (وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السَّماواتِ وَالارْضِ طَوْعاً وَکرْهاً) إذا قام القائم (عليه السلام) لا تبقي أرض إلاّ نودي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله.(10)
22 - وعن ابن بکير، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله تعالي: (وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السَّماواتِ وَالارْضِ طَوْعاً وَکرْهاً)، فقال: اُنزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصاري والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والکفّار في شرق الارض وغربها، فعرض عليهم الاسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزکاة وما يُؤمَر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتّي لا يبقي في المشارق والمغارب أحدٌ إلاّ وحّد الله.
قلت له: جعلت فداک، إنّ الخلق أکثر من ذلک؟
فقال: إنّ الله إذا أراد أمراً قلّل الکثير وکثّر القليل.(11)
قوله تعالي: (بَلي إنْ تَصْبِروا وَتَتَّقوا يُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ بِخَمْسَةِ آلاف مِنَ المَلائِکَةِ مُسَوّمين).(12)
23 - روي ضريس بن عبد الملک، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إنّ الملائکة الذين نصروا محمّداً (صلي الله عليه وآله) يوم بدر في الارض ما صعدوا بعدُ ولا يصعدون حتّي ينصروا صاحب هذا الامر، وهم خمسة آلاف.(13)
قوله تعالي: (إنْ يَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْکَ الايَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ).(14)
24 - روي زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تعالي: (وَتِلْکَ الايَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)، قال: ما زال مذ خلق الله آدم دولة لله ودولة لابليس، فأين دولة الله؟ أما هو إلاّ قائم واحد.(15)
قوله تعالي: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلوا الجَنَّةَ وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرين).(16)
25 - روي أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الامام الرضا (عليه السلام) قال: کان جعفر (عليه السلام) يقول: والله لا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تميّزوا وتمحّصوا، ثمّ يذهب من کلّ عشرة شيء، ولا يبقي منکم إلاّ الاندر، ثمّ تلا هذه الاية: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلوا الجَنَّةَ وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرين).(17)
قوله تعالي: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا اصْبِروا وَصابِروا وَرابِطوا وَاتَّقوا اللهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحون).(18)
26 - روي بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، في معني قوله تعالي: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا اصْبِروا وَصابِروا وَرابِطوا)، قال: اصبروا علي أداء الفرائض، وصابروا عدوّکم، ورابطوا إمامکم المنتظر.(19)
سوره النساء
قوله تعالي: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الامْرِ مِنْکُمْ).(20)
27 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: لمّـا أنزل الله عزّ وجلّ علي نبيّه محمّد (صلي الله عليه وآله): (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الامْرِ مِنْکُمْ) قلت: يا رسول الله عَرَفنا الله ورسوله، فمن اُولو الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتک؟
فقال (صلي الله عليه وآله): هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدرکه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر ابن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسي، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وکنيّي، حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده ابن الحسن ابن عليّ، ذاک الذي يفتح الله تعالي ذکره علي يديه مشارق الارض ومغاربها، ذاک الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها علي القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للايمان.
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (صلي الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته کانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب، يا جابر هذا من مکنون سرّ الله ومخزون علمه، فاکتمه إلاّ عن أهله.(21)
قوله تعالي: (وَإنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ کُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَکانَ اللهُ واسِعاً حَکيماً).(22)
28 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من خطبة طويلة تسمّي المخزون، قال (عليه السلام) في وصف الحياة في ظلّ دولة المهدي (عليه السلام): فتستبشر الارض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والارض نباتها، وتتزيّن لاهلها، وتأمن الوحوش حتّي ترتعي في طرق الارض کأنعامهم، ويُقذَف في قلوب المؤمنين العلم، فلا يحتاج مؤمن إلي ما عند أخيه من العلم، فيومئذ تأويل هذه الاية: (يُغْنِ اللهُ کُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَکانَ اللهُ واسِعاً حَکيماً).(23)
قوله تعالي: (وَإنْ مِنْ أهْلِ الکِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيامَةِ يَکونُ عَلَيْهِمْ شَهيداً).(24)
29 - روي أبو حمزة عن شهر بن حوشب، قال: قال لي الحجّاج: إنّ آية في کتاب الله قد أعيتني.
فقلت: أ يّها الامير أ يّة آية هي؟
فقال: قوله: (وَإنْ مِنْ أهْلِ الکِتابِ إلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) والله إنّي لامر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثمّ أرمقه بعيني، فما أراه يحرّک شفتيه حتّي يخمد!
فقلت: أصلح الله الامير، ليس علي ما تأوّلت.
قال: کيف هو؟
قلت: إنّ عيسي ينزل قبل يوم القيامة إلي الدنيا، فلا يبقي أهل ملّة يهودي ولا نصراني إلاّ آمن به قبل موته، ويصلّي خلف المهدي.
قال: ويحک أ نّي لک هذا، ومن أين جئت به؟
فقلت: حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
فقال: جئت بها والله من عين صافية.(25)
30 - وقال الشيخ الطوسي في تفسيره: واختلفوا في الهاء (في قوله: ليؤمنن به) إلي من ترجع. فقال قوم: هي کناية عن عيسي (عليه السلام)، کأنّه قال: لا يبقي أحد من اليهود إلاّ يؤمن بعيسي قبل موت عيسي بأن ينزله الله إلي الارض إذا خرج المهدي (عليه السلام) وأنزله الله لقتل الدجّال، فتصير الملل کلّها ملّة واحدة، وهي ملّة الاسلام الحنيفيّة دين إبراهيم (عليه السلام)، ذهب إليه ابن عباس وأبو مالک والحسن وقتادة وابن زيد، وذلک حين لا ينفعهم الايمان.
واختاره الطبري، قال: والاية خاصّة لمن يکون في ذلک الزمان، وهو الذي ذکره عليّ بن إبراهيم في تفسيره من أصحابنا.(26)
سوره المائدة
قوله تعالي: (لَهُمْ في الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الاخِرَةِ عَذابٌ عَظيم).(27)
31 - روي الشيخ الطوسي والسيّد ابن طاووس عن السدّي في هذه الاية، قال: خزيهم في الدنيا أنّهم إذا قام المهدي وفتحت قسطنطينة قتلهم.(28)
قوله تعالي: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقَوْم يُحِبَّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).(29)
32 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سيأتي الله بقوم يحبّهم الله ويحبّونه، ويملک من هو بينهم غريب، فهو المهدي، أحمر الوجه، بشعره صُهبة، يملا الارض عدلاً بلا صعوبة، يعتزل في صغره عن اُمّه وأبيه، ويکون عزيزاً في مُربّاه، فيملک بلاد المسلمين بأمان، ويصفو له الزمان، ويسمع کلامه ويطيعه الشيوخ والفتيان، ويملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً.(30)
33 - وروي سليمان بن هارون العجلي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ صاحب هذا الامر محفوظ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتي الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: (فَإنْ يَکْفُرُ بِها هؤلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسوا بِها بِکافِرين)(31) وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقَوْم يُحِبَّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذِلَّة عَلي المُؤْمِنينَ أعِزَّة عَلي الکافِرين).(32)
34 - وعن عليّ بن إبراهيم القمّي في قوله تعالي: (فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقَوْم يُحِبَّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قال: نزلت في القائم (عليه السلام) وأصحابه (يُجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ وَلا يَخافونَ لَوْمَةَ لائِم).(33)
سوره الأنعام
قوله تعالي: (حَتَّي إذا فَرِحوا بِما اُوتوا أخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإذا هُمْ مُبْلِسون).(34)
35 - روي محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة، أنّه سأل الامام أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن هذه الاية فقال (عليه السلام): يعني قيام القائم.(35)
قوله تعالي: (يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آياتِ رَبِّکَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيْمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ کَسَبَتْ في إيْمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِروا إنَّا مُنْتَظِرونَ).(36)
36 - روي خثيمة، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالي: (يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آياتِ رَبِّکَ) الاية، قال (عليه السلام): يعني صَفوتنا ونُصرتنا.
قلت: إنّما قَدَر الله عنه باللسان واليدين والقلب.
قال (عليه السلام): يا خثيمة، ألم تکن نصرتنا باللسان کنصرتنا بالسيف، ونصرتنا باليدين أفضل، والقيام فيها.
إلي أن قـال: يا خثيمة، إنّ الاسـلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبي للغرباء.
يا خثيمة، سيأتي علي الناس زمان لا يعرفون الله ولا ما هو التوحيد، حتّي يکون خروج الدجّال، وحتّي ينزل عيسي بن مريم من السماء، ويقتل الله الدجّال علي يده، ويصلّي بهم رجل منّا أهل البيت، ألا تري أنّ عيسي يصلّي خلفنا وهو نبيّ إلاّ ونحن أفضل منه.(37)
37 - وروي الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آياتِ رَبِّکَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيْمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ).
قال (عليه السلام): الايات هم الائمة، والاية المنتظرة هو القائم (عليه السلام)، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تکن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدّمه من آبائه (عليهم السلام).(38)
38 - وروي أبو بصير، عن الامام الصادق (عليه السلام)، في قوله عزّ وجلّ: (يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آياتِ رَبِّکَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيْمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ کَسَبَتْ في إيْمانِها خَيْراً)، قال (عليه السلام): يعني خروج القائم المنتظر منّا.
ثمّ قال (عليه السلام): يا أبا بصير، طوبي لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره (اُولئِکَ أوْلِياءُ اللهِ الَّذينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنون).(39)
39 - وروي عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ما زالت الارض ولله فيها حجّة يعرف الحلال والحرام، ويدعو إلي سبيل الله، ولا ينقطع الحجّة من الارض إلاّ أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجّة اُغلق باب التوبة، ولم ينفع نفساً إيمانها لم تکن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، اُولئک شرار من خلق الله، وهم الذين تقوم عليهم القيامة.(40)
الهوامش:
(1) تفسير العياشي 1: 68 / 125، بحار الانوار 52: 229 / 94.
(2) کمال الدين: 649 / 3، الخرائج والجرائح 3: 1153 / 20، کشف الغمّة 3: 52، حلية الابرار 2: 608، بحار الانوار 52: 202 / 28. والاية من سورة آل عمران 3: 7.
(3) بحار الانوار 52: 228 / 93، منتخب الاثر: 453 / 4، حلية الابرار 3: 608.
(4) البقرة 2: 249.
(5) الغيبة للطوسي: 282، بحار الانوار 52: 332 / 56.
(6) آل عمران 3: 68.
(7) تفسير العياشي 2: 56 / 49.
(8) آل عمران 3: 83.
(9) مختصر بصائر الدرجات: 201، بحار الانوار 53: 77 / 86.
(10) تفسير العياشي 1: 183 / 81، بحار الانوار 52: 340 / 89.
(11) تفسير العياشي 1: 183 / 82، بحار الانوار 52: 340 / 90.
(12) آل عمران 3: 125.
(13) تفسير العياشي 1: 197 / 138، بحار الانوار 19: 284 / 26.
(14) آل عمران 3: 140.
(15) تفسير العياشي 1: 199 / 145، بحار الانوار 51: 54 / 38.
(16) آل عمران 3: 142.
(17) قرب الاسناد: 162، بحار الانوار 52: 113 / 25.
(18) آل عمران 3: 200.
(19) تأويل الايات 1: 127 / 47، بحار الانوار 24: 219 / 14.
(20) النساء 4: 59.
(21) کمال الدين: 243 / 3، کفاية الاثر: 53، کشف الغمّة 3: 299، تأويل الايات 1: 135 / 13، بحار الانوار 36: 249 ـ 250 / 67.
(22) النساء: 130.
(23) مختصر بصائر الدرجات: 201.
(24) النساء 4: 159.
(25) تفسير القمّي 1: 158، بحار الانوار 14: 349 / 13.
(26) التبيان 3: 386.
(27) المائدة 5: 41.
(28) التبيان 1: 420، الملاحم والفتن: 143، الباب 72.
(29) المائدة 5: 54.
(30) ينابيع المودّة: 467، منتخب الاثر: 157 / 49.
(31) الانعام 6: 89.
(32) بحار الانوار 52: 370 / 160، ينابيع المودّة: 422، منتخب الاثر: 475 / 2.
(33) تفسير القمّي 1: 170، تأويل الايات 1: 150.
(34) الانعام 6: 44.
(35) بصائر الدرجات: 78 / 5، بحار الانوار 35: 371 / 14.
(36) الانعام: 158.
(37) تفسير فرات: 44، بحار الانوار 24: 328 / 46.
(38) کمال الدين: 18، بحار الانوار 51: 51 / 25، منتخب الاثر: 302 / 1.
(39) کمال الدين: 357 / 54، بحار الانوار 52: 149 / 76، منتخب الاثر: 514 / 6. والاية من سورة يونس 10 / 62.
(40) المحاسن: 236 / 202، بصائر الدرجات: 484 / 1، بحار الانوار 6: 18 / 1.
******************
سوره الأعراف
قوله تعالي: (هَلْ يَنْظُرونَ إلاّ تَأويلَهُ يَوْمَ يَأتي تَأويلُهُ يَقولُ الَّذينَ نَسوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبَّنا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءُ فَيَشْفَعوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَل غَيْرَ الَّذي کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِروا أنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما کانوا يَفْتَرون).(1)
40 - قال عليّ بن إبراهيم القمّي: ذلک في القائم (عليه السلام) ويوم القيامة.(2)
قوله تعالي: (فَانْتَظِروا إنِّي مَعَکُمْ مِنَ المُنْتَظِرين).(3)
41 - روي محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن شيء في الفرج، فقال: أوَ ليس تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ الله يقول: (فَانْتَظِروا إنِّي مَعَکُمْ مِنَ المُنْتَظِرين).(4)
42 - وروي أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج! أما سمعت قول العبد الصالح: انتظروا إنّي معکم من المنتظرين.(5)
قوله تعالي: (إنَّ الارْضَ للهِ يورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقين).(6)
43 - روي أبو صادق عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: دولتنا آخر الدول، ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلاّ ملکوا قبلنا، لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملکنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزّ وجلّ: (وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقين).(7)
قوله تعالي: (وَمِنْ قَوْمِ موسي اُمَّةٌ يَهْدونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلون).(8)
44 - روي المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمّد استخرج من ظهر الکعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسي الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الکهف، ويوشع وصيّ موسي ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الانصاري، ومالک الاشتر.(9)
قوله تعالي: (إذْ أخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلي أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالوا بَلي شَهِدْنا).(10)
45 - روي حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّه قال في حديث ذکر فيه الذرّ والميثاق: ثمّ أخذ الميثاق علي النبيّين، فقال: ألست بربّکم؟ ثمّ قال: وإنّ هذا محمّد رسولي؟ وإنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟ قالوا: بلي. فثبتت لهم النبوّة، وأخذ الميثاق علي اُولي العزم: ألا إنّي ربّکم، ومحمّد رسولي، وعليّ أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي، وإنّ المهدي أنتصر به لديني، واُظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، واُعبَدُ به طوعاً وکرهاً. قالوا: أقررنا وشهدنا يا ربّ.(11)
قوله تعالي: (يَسْألونَکَ عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرساها قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلاّ هُوَ ثَقُلَتْ في السَّماواتِ وَالارْضِ لا تَأتيکُمْ إلاّ بَغْتَةً).(12)
46 - روي الکميت عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) - في حديث سأله فيه عن وقت قيام المهدي (عليه السلام) - قال (عليه السلام): قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّما مثله کمثل الساعة، لا تأتيکم إلاّ بغتة.(13)
وعن دعبل بن علي الخزاعي، قال: أنشدت مولاي الرضا عليّ بن موسي(عليه السلام) قصيدتي التي أوّلها:
مدارسُ آيات خَلَت من تلاوة ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ
فلمّـا انتهيت إلي قولي:
خروجُ إمام لا محالة خارجٌ
يميّز فينا کلّ حقٍّ وباطل يقوم علي اسم الله والبرکاتِ
ويجزي علي النعماء والنعماتِ
بکي الرضا (عليه السلام) بکاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس علي لسانک بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام؟ ومتي يقوم؟
فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أ نّي سمعت بخروج إمامٌ منکم يطهّر الارض من الفساد ويملؤها عدلاً کما ملئت جوراً.
فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، ولو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلک اليوم حتّي يخرج فيملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً.
وأمّا متي فإخبار عن الوقت، فقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله، متي يخرج القائم من ذرّيتک؟
فقال (صلي الله عليه وآله): (مثله مثل الساعة التي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السماوات والارض لا تأتيکم إلاّ بغتة).(14)
سوره الأنفال
قوله تعالي: (وَقاتُلوهُمْ حَتَّي لا تَکونَ فِتْنَةٌ وَيَکونَ الدِّين کُلّهُ للهِ فَإنْ انْتَهَوا فَإنَّ اللهَ بِما يَعْمَلونَ بَصير).(15)
47 - عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ: (وَقاتُلوهُمْ حَتَّي لا تَکونَ فِتْنَةٌ وَيَکونَ الدِّين کُلّهُ للهِ)؟ فقال: لم يجيء تأويل هذه الاية بعد، إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يُقبل منهم، لکنّهم يُقتَلون حتّي يُوحّد الله عزّ وجلّ وحتّي لا يکون شِرک.(16)
48 - وعن عبد الاعلي الحلبي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) - في حديث طويل - قال: ولا يقبل صاحب هذا الامر الجزية کما قبلها رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وهو قول الله تعالي: (وَقاتُلوهُمْ حَتَّي لا تَکونَ فِتْنَةٌ وَيَکونَ الدِّين کُلّهُ للهِ)، قال أبو جعفر (عليه السلام): يقاتلون والله حتّي يوحّد الله ولا يشرک به شيئاً، وحتّي تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب، ولا ينهاها أحد، ويخرج الله من الارض بذرها، وينزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم علي رقابهم إلي المهدي (عليه السلام)، ويوسّع الله علي شيعتنا.(17)
49 - وعن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سئل أبي عن قول الله تعالي: (قاتِلوا المُشْرِکينَ کافَّةً کَما يُقاتِلونَکُمْ کافَّةً حَتَّي لا تَکونَ فِتْنَةٌ وَيَکونَ الدِّينُ کُلّهُ لله)، فقال: إنّه لم يجيء تأويل هذه الاية، ولو قد قام قائمنا بعده سيري من يدرکه ما يکون من تأويل هذه الاية، وليبلغنّ دين محمّد (صلي الله عليه وآله) ما بلغ الليل، حتّي لا يکون شرکٌ علي ظهر الارض، کما قال الله.(18)
سوره التوبة
قوله تعالي: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَکوا وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرين).(19)
50 - عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): والله لا يکون الذي تمدّون إليه أعينکم حتّي تميّزوا وتمحّصوا حتّي لا يبقي منکم إلاّ الاندر، ثمّ تلا: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَکوا وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرين).(20)
قوله تعالي: (هُوَ الَّذي أرْسَلَ رَسولَهُ بِالهُدي وَدينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون).(21)
51 - عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)، وقد سأله عن قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ) فقال (عليه السلام): يظهره علي جميع الاديان عند قيام القائم.(22)
52 - وعن عباية، أنّه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (هُوَ الَّذي أرْسَلَ رَسولَهُ بِالهُدي وَدينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ)، أظهر بعد ذلک؟ قالوا: نعم، قال: کلا، فوالذي نفسي بيده حتّي لا تبقي قرية إلاّ وينادي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله بکرةً وعشيّاً.(23)
53 - وعنه (عليه السلام) - في حديث طويل - قال: کلّ ذلک لتتمّ النَّظِرة التي أوحاها الله تعالي لعدوّه إبليس، إلي أن يبلغ الکتاب أجله، ويحقّ القول علي الکافرين، ويقترب الوعد الحقّ، الذي بيّنه في کتابه بقوله: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ کَما اسْتخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).(24)
وذلک إذا لم يبقَ من الاسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه، وغاب صاحب الامر بإيضاح الغدر له في ذلک، لاشتمال الفتنة علي القلوب، حتّي يکون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوةً له، وعند ذلک يؤيّده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيّه (صلي الله عليه وآله) علي يديه (عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون).(25)
54 - وعن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): منّا اثنا عشر مهديّاً، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الامام القائم بالحقّ، يحيي الله به الارض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ علي الدين کلّه ولو کره المشرکون.(26)
55 - وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون) قال (عليه السلام): إنّ ذلک يکون عند خروج المهدي من آل محمّد، فلا يبقي أحدٌ إلاّ أقرّ بمحمّد (صلي الله عليه وآله).(27)
56 - وروي محمّد بن حمران عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال: إنّ القائم منّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوي له الارض، وتظهر له الکنوز کلّها، ويظهر الله به دينه علي الدين کلّه ولو کره المشرکون.(28)
57 - وعن المفضّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) - في حديث طويل -: يا مفضّل، لو کان ظهر علي الدين کلّه ما کان مجوسيّة ولا نصرانيّة ولا يهوديّة ولا صابئة ولا فرقة ولا خلاف ولا شکّ ولا شرک ولا عبدة أصنام ولا أوثان ولا اللات ولا العُزّي ولا عبدة الشمس ولا القمر ولا النجوم ولا النار ولا الحجارة، وإنّما قوله (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ) في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة، وهو قوله (وَقاتِلوهُمْ حَتَّي لا تَکونَ فِتْنَةٌ وَيَکونَ الدِّينُ کُلُّهُ للهِ).(29)
58 - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالي: (هُوَ الَّذي أرْسَلَ رَسولَهُ بِالهُدي وَدينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون)، قال (عليه السلام): والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّي يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبقَ کافر بالله العظيم ولا مشرک إلاّ کره خروجه، حتّي أن لو کان کافر أو مشرک في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني کافر فاکسرني واقتله.(30)
59 - وعن عليّ بن إبراهيم، في قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون) قال: فإنّها نزلت في القائم من آل محمّد، وهو الذي ذکرناه ممّـا تأويله بعد تنزيله.(31)
60 - وقال عليّ بن إبراهيم في موضع آخر من تفسيره: وقوله: (هُوَ الَّذي أرْسَلَ رَسولَهُ بِالهُدي وَدينِ الحَقِّ) الاية، وهو الامام الذي يظهره الله علي الدين کلّه، فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا ممّـا ذکرنا أنّ تأويله بعد تنزيله.(32)
61 - ومن طريق العامّة عن سعيد بن جبير، في قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ)، قال: هو المهدي من عترة فاطمة (عليها السلام).
وقال الشافعي صاحب (البيان): وأمّا من قال إنّه عيسي (عليه السلام) فلا تنافي بين القولين، إذ هو مساعد للامام علي ما تقدّم.(33)
62 - ومن طريق العامّة، روي عن أبي هريرة أنّه قال: هذا وعد من الله بأنّه تعالي يجعل الاسلام عالياً علي جميع الاديان.
إلي أن قال: وقال السدّي، ذلک عند خروج المهدي، لا يبقي أحد إلاّ دخل في الاسلام أو أدّي الخراج.(34)
سوره يونس
قوله تعالي: (حَتَّي إذا أخَذَتِ الارْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أهْلُها أنّهمْ قادِرونَ عَلَيْها أتاها أمْرُنا لَيْلاً أوْ نَهاراً).(35)
63 - روي المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - أنّه قال: قوله عزّ وجلّ: (حَتَّي إذا أخَذَتِ الارْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أهْلُها أنّهمْ قادِرونَ عَلَيْها أتاها أمْرُنا لَيْلاً أوْ نَهاراً) يعني القائم بالسيف (فَجَعَلْناها حَصيداً کَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالامْسِ).(36)
قوله تعالي: (وَيَقولونَ مَتي هذا الوَعْدُ إنْ کُنْتُمْ صادِقين).(37)
64 - روي عبد الرحمن بن سليط، عن الحسين بن عليّ (عليه السلام) - في حديث يذکر فيه الامام القائم (عليه السلام) - قال: له غَيبة يرتدّ فيها أقوامٌ، ويثبت فيها علي الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: (مَتي هذا الوَعْدُ إنْ کُنْتُمْ صادِقين).
أما إنّ الصابر في غيبته علي الاذي والتکذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله).(38)
سوره هود
قوله تعالي: (وَلَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلي اُمَّة مَعْدودَة لَيَقولُنَّ ما يَحْبِسُهُ).(39)
65 - روي عليّ بن إبراهيم بالاسناد عن هشام بن عمّـار، عن أبيه - وکان من أصحاب عليّ (عليه السلام) - عن عليّ (عليه السلام)، في قوله تعالي: (وَلَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلي اُمَّة مَعْدودَة لَيَقولُنَّ ما يَحْبِسُهُ)، قال (عليه السلام): الاُمّة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر.(40)
66 - وعن عبد الاعلي الحلبي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، هم والله الاُمّة المعدودة التي قال الله في کتابه: (وَلَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلي اُمَّة مَعْدودَة) قال: يجمعون له في ساعة واحدة قزعاً کقزع الخريف.(41)
67 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: العذاب هو القائم (عليه السلام)، وهو عذاب علي أعدائه، والاُمّة المعدودة هم الذين يقومون معه بعدد أهل بدر.(42)
68 - وعن الخزّاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالي: (وَلَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلي اُمَّة مَعْدودَة) قال (عليه السلام): هو القائم وأصحابه.(43)
قوله تعالي: (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمينَ بِبَعيد).(44)
الهوامش:
(1) الاعراف 7: 53.
(2) تفسير القمّي 1: 235.
(3) الاعراف 7: 71.
(4) تفسير العياشي 2: 138 / 50، کمال الدين 2: 645 / 4، بحار الانوار 52: 128 / 22.
(5) تفسير العياشي 2: 20 / 52، بحار الانوار 52: 129 / 23.
(6) الاعراف 7: 128.
(7) الغيبة ـ للشيخ الطوسي: 282، بحار الانوار 52: 332 / 58.
(8) الاعراف 7: 159.
(9) تفسير العياشي 2: 32 / 90، بحار الانوار 52: 346 / 92.
(10) الاعراف 7: 172.
(11) بصائر الدرجات: 70 / 2، الکافي 2: 8 / 1، تأويل الايات 1: 319 / 18، بحار الانوار 26: 279 / 22.
(12) الاعراف 7: 187.
(13) کفاية الاثر: 248، بحار الانوار 36: 390 / 2.
(14) کمال الدين: 372 / 6، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 265 / 35، کفاية الاثر: 371، فرائد السمطين 2: 337 / 591، بحار الانوار 49: 237 / 6، و51: 154 / 4.
(15) الانفال 8: 39.
(16) الکافي 8: 201 / 243، منتخب الاثر: 290 / 3، ينابيع المودّة: 423.
(17) تفسير العياشي 2: 56 / 49.
(18) تفسير العياشي 2: 56 / 48، بحار الانوار 51: 55 / 41.
(19) سورة التوبة 9: 16.
(20) الغيبة ـ للشيخ الطوسي: 204، بحار الانوار 52: 113 / 24.
(21) التوبة 9: 33.
(22) الکافي 1: 432 / 91، تأويل الايات 2: 686 / 5، بحار الانوار 23: 318 / 29، و51: 60 / 57.
(23) مجمع البيان 5: 280، تأويل الايات 2: 689 / 8، بحار الانوار 51: 60 / 59.
(24) النور 24: 55.
(25) الاحتجاج 1: 256، بحار الانوار 93: 125.
(26) کمال الدين: 317 / 3، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 68 / 36، کفاية الاثر: 231، مقتضب الاثر: 23، بحار الانوار 36: 385 / 6، و51: 133 / 4.
(27) مجمع البيان 3: 25.
(28) إثبات الهداة 3: 570 / 686.
(29) الهداية الکبري: 74، مختصر بصائر الدرجات: 178، بحار الانوار 53: 1.
(30) کمال الدين: 670 / 16، تأويل الايات 2: 688 / 7، بحار الانوار 51: 60 / 58، و52: 324 / 36.
(31) تفسير القمّي 1: 289، بحار الانوار 51: 50 / 22.
(32) تفسير القمّي 2: 317، بحار الانوار 51: 50 / 22.
(33) البيان للشافعي: 528، الباب 25، نور الابصار: 186، کشف الغمّة 3: 280، بحار الانوار 51: 98 / 38.
(34) التفسير الکبير للفخر الرازي 16: 40، تفسير القرطبي 8: 121، بحار الانوار 17: 182 عنه.
(35) يونس 10: 24.
(36) دلائل الامامة: 468.
(37) يونس 10: 48.
(38) کمال الدين: 317 / 3، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 68 / 36، کفاية الاثر: 231، مقتضب الاثر: 23، بحار الانوار 36: 385 / 6، و51: 133 / 4.
(39) هود 11: 8.
(40) تفسير القمّي 1: 323، بحار الانوار 51: 44 / 1.
(41) تفسير العياشي 2: 57 / 49.
(42) تأويل الايات 1: 223 / 3، بحار الانوار 51: 58 / 51 نحوه عن غيبة النعماني.
(43) تفسير العياشي 2: 141 / 9، بحار الانوار 51: 55 / 43.
(44) هود 11: 83.
******************
69 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في خطبة طويلة -: ثمّ يخرج عن الکوفة مائة ألف بين مشرک ومنافق حتّي يضربوا دمشق، لا يصدّهم عنها صادّ، وهي إرم ذات العماد، وتُقبِل رايات من شرقي الارض ليست بقطن ولا کتّان ولا حرير مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيّد الاکبر، يسوقها رجل من آل محمّد (صلي الله عليه وآله) يوم تطير بالمشرق...
إلي أن قال: ويأتيهم يومئذ الخسف والقذف والمسخ، فيؤمئذ تأويل هذه الاية (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمينَ بِبَعيد).(1)
قوله تعالي: (بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَکُمْ إنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنين).(2)
70 - عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام) يقول: القائم منّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوي له الارض، وتظهر له الکنوز.
وعدّد علامات ظهوره (عليه السلام)، إلي أن قال: وجاءت صيحة من السماء بأنّ الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلک خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلي الکعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوّل ما ينطق به هذه الاية (بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَکُمْ إنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنين) ثمّ يقول: أنا بقيّة الله في أرضه وخليفته، وحجّته عليکم، فلا يسلّم عليه مسلم إلاّ قال: السلام عليک يا بقيّة الله في أرضه(3)، الحديث.
71 - وعن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأله رجل عن القائم يُسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟
فقال: لا، ذاک اسم سمّي الله به أمير المؤمنين (علي) (عليه السلام)، لم يُسمّ أحد قبله، ولا يتسمّي به بعده إلاّ کافر.
قلت: جعلت فداک، کيف يسلّم عليه؟
قال: يقولون: السلام عليک يا بقيّة الله، ثمّ قرأ (بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَکُمْ إنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنين).(4)
قوله تعالي: (وَارْتَقِبوا إنِّي مَعَکُمْ رَقيب).(5)
72 - عن محمّد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن انتظار الفرج، فقال: أوَ ليس تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟
ثمّ قال: إنّ الله تبارک وتعالي يقول: وارتقبوا إنّي معکم رقيب.(6)
سوره يوسف
قوله تعالي: (حَتَّي إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَّنُّوا أنّهمْ قَدْ کُذِبوا جاءَهُمْ نَصْرُنا).(7)
73 - عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: جاء رجل إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فشکا إليه طول دولة الجور، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لا يکون ما تأملون حتّي يهلک المبطلون، ويضمحلّ الجاهلون، ويأمن المتّقون، وقليل ما يکون حتّي لا يکون لاحدکم موضع قدمه، وحتّي تکونوا علي الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم کذلک، إذ جاء نصر الله والفتح، وهو قول ربّي عزّ وجلّ في کتابه: (حَتَّي إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أنّهمْ قَدْ کُذِبوا جاءَهُمْ نَصْرُنا).(8)
وزاد في ينابيع المودّة: وذلک عند قيام قائمنا المهدي.(9)
سوره الرعد
قوله تعالي: (طوبي لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب).(10)
74 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي بصير، قال: قال الصادق جعفر بـن محمّد (عليه السلام): طوبي لمن تمسّک بأمرنا في غَيبة قائمنا فلم يَزِغ قلبه بعد الهداية.
فقلت له: جعلت فداک، وما طوبي؟
قال: شجرة في الجنّة أصلها في دار عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وليس من مؤمن إلاّ وفي داره غصن من أغصانها، وذلک قوله الله عزّ وجلّ: (طوبي لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب).(11)
سوره ابراهيم
قوله تعالي: (وَذَکِّرْهُمْ بِأيَّامِ الله).(12)
75 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن مُثنّي الحنّاط، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيام الله ثلاثة: يوم القائم، ويوم الکرّة، ويوم القيامة.(13)
وروي موسي الحنّاط عن الامام الصادق (عليه السلام) مثله.(14)
سوره الحجر
قوله تعالي: (وَحَفَظْناهُما مِنْ کُلِّ شَيْطان رَجيم).(15)
76 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن السيّد عبد العظيم بن السيّد عبد الله الحسني، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن محمّد العسکري (عليه السلام) يقول: معني الرجيم أنّه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع الخير، لا يذکره مؤمن إلاّ لعنه، وإنّ في علم الله السابق أنّه إذا خرج القائم (عليه السلام) لا يبقي مؤمن في زمانه إلاّ رجمه بالحجارة، کما کان قبل ذلک مرجوماً باللعن.(16)
قوله تعالي: (قالَ رَبِّ فَأنْظِرْني إلي يَوْمِ يُبْعَثونَ قالَ فَإنَّکَ مِنَ المُنْظَرينَ إلي يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلوم).(17)
77 - روي إسحاق بن عمّـار عن الامام عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام)، قال: سألته عن إنظار الله تعالي إبليس وقتاً معلوماً ذکره في کتابه، فقال: (فَإنَّکَ مِنَ المُنْظَرينَ إلي يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلوم).
قال (عليه السلام): الوقت المعلوم يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله کان في مسجد الکوفة، وجاء إبليس حتّي يجثو علي رکبتيه فيقول: يا ويلاه من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلک يوم الوقت المعلوم، منتهي أجله.(18)
78 - وعن وهب بن جميع، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس في قوله: (رَبِّ فَأنْظِرْني إلي يَوْمِ يُبْعَثونَ قالَ فَإنَّکَ مِنَ المُنْظَرينَ إلي يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلوم).
قال (عليه السلام): يا وهب، أتحسب أنّه يوم يبعث الله تعالي الناس؟ لا، ولکنّ الله عزّ وجلّ أنظره إلي يوم يبعث قائمنا، فإذا بعث الله عزّ وجلّ قائمنا، فيأخذ بناصيته، ويضرب عنقه، فذلک يوم الوقت المعلوم.(19)
79 - وعن الحسين بن خالد، قال: قال عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام): لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّ أکرمکم عند الله أعملکم بالتقيّة.
فقيل له: يا ابن رسول الله، إلي متي؟
قال (عليه السلام): إلي يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترک التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا.
فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منکم أهل البيت؟
قال (عليه السلام): الرابع من ولدي، ابن سيّدة الاماء، يطهّر الله به الارض من کلّ جور، ويقدّسها من کلّ ظلم.(20)
قوله تعالي: (إنَّ في ذلِکَ لايات لِلْمُتَوَسِّمين).(21)
80 - روي جابر عن الامام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: کأ نّي أنظر إلي القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الکوفة کأنّ علي رؤوسهم الطير، فنيت أزوادهم، وخَلِقت ثيابهم، متنکّبين قِسيّهم، قد أثّر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، ورهبان بالليل، کأنّ قلوبهم زبر الحديد، يعطي الرجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويعطيهم صاحبهم التوسّم، لا يقتل أحد منهم إلاّ کافراً أو منافقاً، فقد وصفهم الله بالتوسّم في کتابه (إنَّ في ذلِکَ لايات لِلْمُتَوَسِّمين).(22)
81 - وروي أبان بن تغلب عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلاّ عرفه صالح هو أم طالح، لانّ فيه آية للمتوسّمين، وهي بسبيل مقيم.(23)
سوره النحل
قوله تعالي: (أتي أمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلوه).(24)
82 - روي أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنّ أوّل من يبايع القائم جبرئيل (عليه السلام)، ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثمّ يضع رجلاً علي البيت الحرام، ورجلاً علي البيت المقدّس، ثمّ ينادي بصوت رفيع: أتي أمر الله فلا تستعجلوه.(25)
قوله تعالي: (هَلْ يَنْظُرونَ إلاّ أنْ تَأتِيَهُمُ المَلائِکَةُ أوْ يَأتي أمْرُ رَبِّکَ).(26)
83 - روي عليّ بن إبراهيم بالاسناد عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: قوله تعالي: (هَلْ يَنْظُرونَ إلاّ أنْ تَأتِيَهُمُ المَلائِکَةُ أوْ يَأتي أمْرُ رَبِّکَ) من العذاب، والموت، وخروج القائم.(27)
سوره الاسراء
قوله تعالي: (فَإذا جاءَ وَعْدُ اُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْکُمْ عِباداً لَنا اُولي بَأس شَديد فَجاسوا خِلالَ الدِّيار).(28)
84 - روي حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: کان يقرأ (بَعَثْنا عَلَيْکُمْ عِباداً لَنا اُولي بَأس شَديد) ثمّ قال: وهو القائم وأصحابه، اُولي بأس شديد.(29)
قوله تعالي: (يَوْمَ نَدْعو کُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ).(30)
85 - روي الشيخ الکليني بالاسناد عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارک وتعالي: (يَوْمَ نَدْعو کُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ)، فقال: يا فضيل، اعرف إمامک، فإنّک إذا عرفت إمامک لم يضرّک تقدّم هذا الامر أو تأخّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر، کان بمنزلة من کان قاعداً في عسکره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه.(31)
86 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): (يَوْمَ نَدْعو کُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ)؟ فقال: إمامهم الذي بين أظهرهم، وهو قائم أهل زمانه.(32)
قوله تعالي: (وَقُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ کانَ زَهوقاً).(33)
87 - روي الشيخ الکليني بالاسناد عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر(عليه السلام)، في قوله عزّ وجلّ: (وَقُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل.(34)
سوره مريم
قوله تعالي: (فَاخْتَلَفَ الاحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذينَ کَفَروا مِنْ مَشْهَدِ يَوْم عَظيم).(35)
88 - روي بالاسناد عن داود الدجاجي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام)، قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالي: (فَاخْتَلَفَ الاحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)، فقال (عليه السلام): انتظروا الفرج في ثلاث.
فقيل: يا أمير المؤمنين وما هنّ؟
فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان.(36)
سوره طه
قوله تعالي: (فَتَرَبَّصوا فَسَتَعْلَمونَ مَنْ أصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدي).(37)
89 - عن عيسي بن داود النجّار، عن أبي الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام)، قال: سألت أبي (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (فَسَتَعْلَمونَ مَنْ أصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدي) فقال: الصراط السويّ هو القائم (عليه السلام)، والهُدي من اهتدي إلي طاعته، ومثلها في کتاب الله عزّ وجلّ: (وَإنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدي)، قال: إلى ولايتنا.(38)
سوره الأنبياء
قوله تعالي: (فَلَمَّـا أحَسُّوا بَأسَنا إذا هُمْ مِنْها يَرْکُضونَ لا تَرْکُضوا وَارْجِعوا إلي ما اُتْرِفْتُمْ فيهِ وَمَساکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْئَلون).(39)
90 - روي الشيخ الکليني بالاسناد عن بدر بن الخليل الاسدي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قول الله عزّ وجلّ: (فَلَمَّـا أحَسُّوا بَأسَنا) الاية، قال: إذا قام القائم وبعث إلي بني اُميّة بالشام، فهربوا إلي الروم، فيقول لهم الروم: لا ندخلنکم حتّي تتنصروا، فيعلّقون في أعناقهم الصلبان، فيُدخِلونهم.
فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم (عليه السلام) طلبوا الامان والصلح، فيقول أصحاب القائم (عليه السلام): لا نفعل حتّي تدفعوا إلينا مَن قِبَلَکم منّا.
قال: فيدفعونهم إليهم، فذلک قوله تعالي: (لا تَرْکُضوا وَارْجِعوا إلي ما اُتْرِفْتُمْ فيهِ وَمَساکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْئَلون)، قال: يسألهم عن الکنوز وهو أعلم بها.
قال: فيقولون: (يا وَيْلَنا إنَّا کُنَّا ظالِمين فَما زالَت تِلْکَ دَعْواهُمْ حَتَّي جَعَلْناهُمْ حَصيداً خامِدين) بالسيف.(40)
91 - وعن عليّ بن جعفر الحضرمي، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (فَلَمَّـا أحَسُّوا بَأسَنا إذا هُمْ مِنْها يَرْکُضونَ)، قال: ذلک عند قيام القائم عجّل الله فرجه.(41)
92 - وعن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: (فَلَمَّـا أحَسُّوا بَأسَنا) قال: وذلک عند قيام القائم (عليه السلام) (إذا هُمْ مِنْها يَرْکُضونَ) قال: الکنوز التي کانوا يکنزون (قالوا يا وَيْلَنا إنَّا کُنَّا ظالِمينَ فَما زالَت تِلْکَ دَعْواهُمْ حَتَّي جَعَلْناهُمْ حَصيداً) بالسيف (خامِدين) لا تبقي منهم عين تطرف.(42)
قوله تعالي: (وَيَقولونَ مَتي هذا الوَعْدُ إنْ کُنْتُمْ صادِقين).(43)
93 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - في حديث يذکر فيه القائم (عليه السلام) - قال: له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها علي الدين آخرون، فيؤذنون ويقال لهم: (مَتي هذا الوَعْدُ إنْ کُنْتُمْ صادِقين) أما إنّ الصابر في غيبته علي الاذي والتکذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله).(44)
قوله تعالي: (وَجَعَلْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ وَإقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّکاةِ وَکانوا لَنا عابِدين).(45)
94 - روي الخزّاز بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: يا جابر، إذا أدرکت ولدي الباقر فاقرئه منّي السلام، فإنّه سميّي وأشبه الناس بي، علمه علمي، وحکمه حکمي، سبعة من ولده اُمناء معصومون أئمة أبرار، والسابع مهديّهم الذي يملا الدنيا قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، ثمّ تلا رسول الله (صلي الله عليه وآله): (وَجَعَلْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ) الاية.(46)
قوله تعالي: (وَلَقَدْ کَتَبْنا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُها عِباديَ الصَّالِحون).(47)
95 - وعن محمّد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالي: (وَلَقَدْ کَتَبْنا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ) قال: الکتب کلّها ذِکر، و(أنَّ الارْضَ يَرِثُها عِباديَ الصَّالِحون) قال: القائم (عليه السلام) وأصحابه.(48)
الهوامش:
(1) مختصر بصائر الدرجات: 200.
(2) هود 11: 86.
(3) کمال الدين: 330 / 16، کشف الغمّة 3: 324، بحار الانوار 52: 191 / 24.
(4) الکافي 1: 411 / 2، تأويل الايات 1: 186 / 32، بحار الانوار 24: 211 / 1.
(5) هود 11: 93.
(6) تفسير العياشي 2: 159 / 62، بحار الانوار 12: 379.
(7) يوسف 12: 110.
(8) دلائل الامامة: 471 / 462.
(9) ينابيع المودّة: 424.
(10) الرعد 13: 29.
(11) کمال الدين: 358 / 55، معاني الاخبار: 112 / 1، بحار الانوار 52: 123 / 6.
(12) إبراهيم 14: 5.
(13) الخصال: 108 / 75، معاني الاخبار: 365 / 1، روضة الواعظين: 392، بحار الانوار 7: 61 / 13، و53: 63 / 53.
(14) مختصر بصـائر الدرجات: 18، تأويـل الايـات 2: 576 / 3، بحار الانوار 53: 63 / 53.
(15) الحجر 15: 17.
(16) معاني الاخبار: 139 / 1، بحار الانوار 63: 242 / 91.
(17) الحجر 15: 36 ـ 38.
(18) بحار الانوار 52: 376 / 178.
(19) دلائل الامامة: 452 / 430، تفسير العياشي 2: 242 / 14، حلية الابرار 2: 681، بحار الانوار 63: 221 / 63.
(20) کمال الدين: 371 / 5، کفاية الاثر: 270، فرائد السمطين 2: 336 / 590، بحار الانوار 52: 321 / 29.
(21) الحجر 15: 75.
(22) بحار الانوار 52: 386 / 202.
(23) کمال الدين: 671 / 20، بحار الانوار 52: 325 / 38.
(24) النحل 16: 1.
(25) تفسير العياشي 2: 254 / 3، کمال الدين: 671 / 18، بحار الانوار 52: 285 / 18.
(26) النحل 16: 33.
(27) تفسير القمي 1: 384.
(28) الاسراء 17: 5.
(29) تفسير العياشي 2: 281 / 21، بحار الانوار 51: 57 / 47.
(30) الاسراء 17: 71.
(31) الکافي 1: 371 / 2، غيبة الطوسي: 276، بحار الانوار 52: 131 / 30.
(32) الکافي 1: 536 / 3، نور الثقلين 3: 191 / 330.
(33) الاسراء 17: 81.
(34) الکافي 8: 287 / 432، بحار الانوار 51: 62 / 62، منتخب الاثر: 471 / 3.
(35) مريم 19: 37.
(36) حلية الابرار 2: 611، بحار الانوار 52: 229 / 95، تأويل الايات 1: 387 / 4.
(37) طه 20: 124.
(38) تأويل الايات 1: 323 / 26، بحار الانوار 24: 150 / 34.
(39) الانبياء 21: 12 ـ 13.
(40) الکافي 8: 51 / 15، تأويل الايات 1: 326 / 8، بحار الانوار 52: 377 / 180.
(41) تأويل الايات 1: 326 / 6، إثبات الهداة 3: 562 / 637.
(42) تأويل الايات 1: 326 / 7، إثبات الهداة 3: 563 / 638.
(43) الانبياء 21: 38.
(44) کمال الدين: 317 / 3.
(45) الانبياء 21: 73.
(46) کفاية الاثر: 297، بحار الانوار 36: 360 / 230.
(47) الانبياء 21: 105.
(48) تأويل الايات 1: 332 / 22، تفسير القمي 2: 77، بحار الانوار 51: 47 / 6.
******************
سوره الحج
قوله تعالي: (اُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأنّهمْ ظُلِموا وَأنَّ اللهَ عَلي نَصْرِهِمْ لَقَدير).(1)
96 - عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (اُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأنّهمْ ظُلِموا) الاية، قال: هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه.(2)
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.(3)
قوله تعالي: (الَّذينَ إنْ مَکَّنَّاهُمْ في الارْضِ أقاموا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّکاةَ وَأمَروا بِالمَعْروفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْکَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الاُمور).(4)
97 - روي أبو الجارود عن الامام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في هذه الاية، قال (عليه السلام): وهذه الاية لال محمّد (عليهم السلام)، والمهدي وأصحابه يملّکهم الله مشارق الارض ومغاربها، ويظهر الدين، ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل، کما أمات السَّفَهُ الحقَّ، حتّي لا يُري أثرٌ للظلم.(5)
98 - وروي فرات الکوفي بالاسناد عن زيد بن عليّ (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم من آل محمّد (صلي الله عليه وآله) يقول: يا أ يّها الناس نحن الذين وعدکم الله في کتابه (الَّذينَ إنْ مَکَّنَّاهُمْ في الارْضِ أقاموا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّکاةَ) الاية.(6)
سوره النور
قوله تعالي: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ کَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(7) الاية.
99 - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث طويل - قال (عليه السلام): (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ کَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وذلک إذا لم يبقَ من الاسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه، وغاب صاحب الامر بإيضاح الغدر له في ذلک، لاشتمال الفتنة علي القلوب، حتّي يکون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوةً له، ويظهر دين نبيّه (صلي الله عليه وآله) علي يديه علي الدين کلّه ولو کره المشرکون.(8)
100 - وروي بالاسناد عن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، أنّه قرأ الاية وقال: هم شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلک بهم علي يدي رجل منّا، وهو مهديّ هذه الاُمّة، وهو الذي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يلي رجل من عترتي اسمه اسمي، يملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.(9)
101 - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معني قوله تعالي: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ) الاية، قال: نزلت في القائم وأصحابه.(10)
102 - وعن صفوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: اللهمّ أنجز لنا ما وعدتنا إنّک لا تخلف الميعاد.
قال: قلت: يا سيّدي، فأين وعد الله؟
قال: قول الله عزّ وجلّ: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ)(11) الاية.
سوره الشعراء
قوله تعالي: (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين).(12)
103 - روي محمّد بن العباس، بالاسناد عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) الاية، قال: نزلت في قائم آل محمّد صلوات الله عليهم، ينادي باسمه من السماء.(13)
104 - وعن فضيل بن محمّد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: أما إنّ النداء من السماء باسم القائم في کتاب الله لبيّن.
فقلت: فأين هو أصلحک الله؟
فقال: في (طسم تِلْکَ آياتُ الکِتابِ المُبين) قوله: (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين) قال: إذا سمعوا الصوت أصبحوا وکأ نّما علي رؤوسهم الطير.(14)
105 - وعن الحسن بن زياد الصيقل، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول: إنّ القائم لا يقوم حتّي ينادي مناد من السماء يُسمع الفتاة في خدرها، ويسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الاية (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين).(15)
106 - وروي الشيخ الکليني بالاسناد عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزکيّة، واليماني.
فقلت: جعلت فداک، إن خرج أحد من أهل بيتک قبل هذه العلامات، أنخرج معه؟ قال: لا، فلمّـا کان من الغد تلوت هذه الاية (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين). فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: أما لو کانت خضعت أعناق أعداء الله عزّ وجلّ.(16)
107 - وعن الحسين بن خالد، عن الامام عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) - في حديث - قال: قيل له: يا ابن رسول الله، ومن القائم منکم أهل البيت؟ فقال: الرابع من ولدي، ابن سيّدة الاماء، يطهّر الله به الارض من کلّ جور، ويقدّسها من کلّ ظلم، وهو الذي يشکّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الارض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الذي تطوي له الارض، ولا يکون له ظلّ، وهو الذي ينادي مناد من السماء، يسمعه جميع أهل الارض بالدعاء إليه، يقول: ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنّ الحقّ معه وفيه، وهو قول الله عزّ وجلّ: (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين).(17)
قوله تعالي: (فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّـا خِفْتُکُمْ).(18)
108 - روي المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) تلا هذه الاية (فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّـا خِفْتُکُمْ).(19)
سوره النمل
قوله تعالي: (أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيَکْشِفُ السُّوءَ).(20)
109 - روي النعماني في الغيبة بالاسناد عن إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) أنّه قال في القائم (عليه السلام): هو والله المضطرّ الذي يقول الله فيه (أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيَکْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلَکُمْ خُلَفاءَ الارْضِ).(21)
110 - وروي عبد الاعلي، عن الباقر (عليه السلام) - في حديث عن القائم (عليه السلام) - قال: هو والله المضطرّ في کتاب الله، وهو قوله الله (أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ)(22)، الاية.
111 - وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالي: (أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ) قال: نزلت في القائم (عليه السلام)، وکأنّ جبرئيل (عليه السلام) علي الميزاب في صورة طير أبيض، فيکون أوّل خلق الله مبايعة له، ويبايعه الناس الثلاثمائة وثلاثة عشر.(23)
112 - وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في هذه الاية، قال (عليه السلام): هذه نزلت في القائم (عليه السلام)، إذا خرج تعمّم وصلّي عند المقام وتضرّع إلي ربّه فلا تُردّ له راية أبداً.(24)
113 - وعن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نزلت في القائم من آل محمّد (عليهم السلام)، هو والله المضطرّ إذا صلّي في المقام رکعتين ودعا الله فأجابه ويکشف السوء، ويجعله خليفةً في الارض.(25)
114 - وعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنّ القائم (عليه السلام) إذا خرج دخل المسجد الحرام، فيستقبل القبلة، ويجعل ظهره إلي المقام، ثمّ يصلّي رکعتين، ثمّ يقوم فيقول:
يا أ يّها الناس أنا أولي الناس بآدم، يا أ يّها الناس أنا أولي الناس بإبراهيم، يا أ يّها الناس أنا أولي الناس بإسماعيل، يا أ يّها الناس أنا أولي الناس بمحمّد (صلي الله عليه وآله)، ثمّ يرفع يديه إلي السماء، فيدعو ويتضرّع حتّي يقع علي وجهه، وهو قوله عزّ وجلّ: (أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيَکْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلَکُمْ خُلَفاءَ الارْض).(26)
سوره القصص
قوله تعالي: (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثين).(27)
115 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الاية: هم آل محمّد يبعث الله مهديّهم بعد جهدهم فيعزّهم ويذلّ عدوّهم.(28)
116 - وقال (عليه السلام): لتعطفنّ علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس علي ولدها، ثم قرأ (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثين وَنُمَکِّنَ لَهُمْ في الارْضِ).(29)
117 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن المفضّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) نظر إلي عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) فبکي وقال: أنتم المستضعفون بعدي.
قال المفضّل: فقلت له: ما معني ذلک يا بن رسول الله؟
قال: معناه أ نّکم الائمة بعدي، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثين) فهذه الاية جارية فينا إلي يوم القيامة.(30)
سوره السجدة
قوله تعالي: (وَلَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ العَذابِ الادْني دونَ العَذابِ الاکْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجعون).(31)
118 - روي المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله: (وَلَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ العَذابِ الادْني دونَ العَذابِ الاکْبَرِ) فقال: الادني غلاء السعر، والاکبر المهدي بالسيف.(32)
119 - وروي عنه (عليه السلام) أنّه قال: إنّ الادني القحط والجدب، والاکبر خروج القائم المهدي (عليه السلام) بالسيف في آخر الزمان.(33)
قوله تعالي: (قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذينَ کَفَروا إيْمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرون).(34)
120 - روي ابن درّاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول في هذه الاية: يوم الفتح يوم تفتح الدنيا علي القائم لا ينفع أحداً تقرّب بالايمان ما لم يکن قبل ذلک مؤمناً وبهذا الفتح موقناً.(35)
سوره الأحزاب
قوله تعالي: (هُنالِکَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنونَ وَزُلْزِلوا زِلْزالاً شَديداً).(36)
121 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في معرض احتجاجه علي بعض الزنادقة: أما إنّه سيأتي علي الناس زمان يکون الحقّ فيه مستوراً، والباطل ظاهراً مشهوراً، وذلک إذا کان أولي الناس بهم أعداهم له، واقترب الوعد الحقّ، وعظم الالحاد وظهر الفساد، هنالک ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، ونحلهم الکفّار أسماء الاشرار، فيکون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثمّ يتيح الفرج لاوليائه، ويظهر صاحب الامر علي أعدائه.(37)
قوله تعالي: (مَلْعونونَ أيْنَما ثُقِفوا اُخِذوا وَقُتِّلوا تَقْتيلاً سُنَّةَ اللهِ في الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلاً).(38)
122 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فانظروا أهل بيت نبيّکم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروکم فانصروهم، فليفرّجنّ الله الفتنة برجل منّا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الاماء، لا يعطيهم إلاّ السيف هَرجاً هَرجاً، موضوعاً علي عاتقه ثمانية أشهر، حتّي تقول قريش: لو کان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، يُغريه الله ببني اُميّة حتّي يجعلهم حطاماً ورفاتاً (مَلْعونونَ أيْنَما ثُقِفوا اُخِذوا وَقُتِّلوا تَقْتيلاً سُنَّةَ اللهِ في الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلاً).(39)
سوره سبأ
قوله تعالي: (وَلَوْ تَري إذْ فَزَعوا فَلا فَوْتَ وَاُخِذوا مِنْ مَکان قَريب).(40)
123 - روي أبو خالد الکابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: يخرج القائم (عليه السلام) فيسير حتّي يمرّ بمَرّ، فيبلغه أنّ عامله قد قُتل، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة، ولا يزيد علي ذلک شيئاً، ثمّ ينطلق فيدعو الناس حتّي ينتهي إلي البيداء، فيخرج جيشان للسفياني، فيأمر الله عزّ وجلّ الارض أن تأخذ بأقدامهم، وهو قوله عزّ وجلّ: (وَلَوْ تَري إذْ فَزَعوا فَلا فَوْتَ وَاُخِذوا مِنْ مَکان قَريب وَقالوا آمَنَّا بِهِ) يعني بقيام القائم (وَقَدْ کَفَروا بِهِ مِنْ قَبْلُ) يعني بقيام قائم آل محمّد (عليهم السلام) (وَيقْذِفونَ بِالغَيْبِ مِنْ مَکان بَعيد وَحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهونَ کَما فُعِلَ بِأشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إنَّهُمْ کانوا في شَکٍّ مُريب).(41)
سوره يس
قوله تعالي: (وَآيَةٌ لَهُمُ الارْضُ المَيْتَةُ أحْيَيْناها وَأخْرَجْنا مِنْها حَبَّاً فَمِنْهُ يَأکُلون).(42)
124 - روي الکابلي عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: يقتل القائم (عليه السلام) من أهل المدينة حتّي ينتهي إلي الاجفر ويصيبهم مجاعة شديدة، قال: فيضجّون وقد نبتت لهم ثمرة يأکلون منها ويتزوّدون منها، وهو قوله تعالي شأنه: (وَآيَةٌ لَهُمُ الارْضُ المَيْتَةُ أحْيَيْناها وَأخْرَجْنا مِنْها حَبَّاً فَمِنْهُ يَأکُلون) ثمّ يسير حتّي ينتهي إلي القادسية وقد اجتمع الناس بالکوفة وبايعوا السفياني.(43)
الهوامش:
(1) الحجّ 23: 39.
(2) تأويل الايات 1: 338 / 16، بحار الانوار 24: 227 / 23.
(3) بحار الانوار 51: 58 / 53.
(4) الحجّ 23: 41.
(5) تفسير القمّي 2: 87، تأويل الايات 1: 343 / 25، بحار الانوار 51: 47 / 9.
(6) تفسير فرات: 100، بحار الانوار 52: 373 / 166.
(7) النور 24: 55.
(8) الاحتجاج 1: 256.
(9) مجمع البيان 7: 152، تأويل الايات 1: 369 / 23.
(10) بحار الانوار 51: 58 / 50، ينابيع المودّة: 425، منتخب الاثر: 161 / 61.
(11) بحار الانوار 51: 64 / 65، إثبات الهداة 3: 581 / 764.
(12) الشعراء 26: 4.
(13) تأويل الايات 1: 386 / 2، حلية الابرار 2: 613، بحار الانوار 52: 284 / 13.
(14) بحار الانوار 52: 293 / 41، حلية الابرار 2: 614.
(15) الغيبة للطوسي: 110، بحار الانوار 52: 285 / 15.
(16) الکافي 8: 310 / 483، کمال الدين: 649 / 1 عن ميمون اللبّان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، غيبة الطوسي: 267، عقد الدرر: 111، بحار الانوار 52: 203 / 29، و204 / 24، و209 / 49، و304 / 74.
(17) کمال الدين: 371 / 5.
(18) الشعراء 26: 21.
(19) بحار الانوار 52: 292 / 39.
(20) النمل 27: 62.
(21) الغيبة للنعماني: 121.
(22) تفسير العياشي 2: 56 / 49.
(23) بحار الانوار 52: 369 / 156.
(24) تأويل الايات 1: 403 / 6، بحار الانوار 51: 59 / 56.
(25) تفسير القمّي 2: 129، تأويل الايات 1: 403 / 6، بحار الانوار 51: 48 / 11.
(26) تأويل الايات 1: 402 / 5، بحار الانوار 51: 59 / 56.
(27) القصص 28: 5.
(28) الغيبة للشيخ الطوسي: 113، بحار الانوار 51: 54 / 35.
(29) خصائص الائمة: 70، نهج البلاغة: 506 / الحکمة 209، شواهد التنزيل 1: 431 / 590، و432 / 595، شرح ابن أبي الحديد 19: 29 / الحکمة 205، بحار الانوار 24: 167 / 49.
(30) معاني الاخبار: 79 / 1، بحار الانوار 24: 168 / 1.
(31) السجدة 32: 21.
(32) الصراط المستقيم 2: 262، تأويل الايات 2: 444 / 6، بحار الانوار 51: 59 / 55.
(33) المحجّة: 173، منتخب الاثر: 303 / 3.
(34) السجدة 32: 29.
(35) تأويل الايات 2: 445 / 9، منتخب الاثر: 470 / 2.
(36) الاحزاب 33: 11.
(37) الاحتجاج 1: 251، بحار الانوار 93: 116 / 129.
(38) الاحزاب 33: 61 ـ 62.
(39) شرح ابن أبي الحديد 7: 58، بحار الانوار 8: 641 ـ الطبعة الحجريّة ـ، منتخب الاثر: 238 / 1.
(40) سبأ 34: 51.
(41) تأويل الايات 2: 478 / 12، بحار الانوار 52: 187 / 13.
(42) يس 36: 33.
(43) بحار الانوار 52: 387 / 204.
******************
سوره فصلت
قوله تعالي: (وَلا تَسْتَوي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئةُ ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أحْسَنُ فَإذا الَّذي بَيْنَکَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ کَأنّه وَلِيٌّ حَميم).(1)
125 - روي سورة بن کليب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لمّـا نزلت هذه الاية علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) (ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أحْسَنُ) الاية، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): اُمرت بالتقيّة، فسار بها عشراً حتّي اُمر أن يصدع بما اُمِر، ثمّ اُمِر بها عليّ (عليه السلام)، فسار بها حتّي اُمِر أن يصدع بها، ثمّ أمَر الائمة بعضهم بعضاً فساروا بها، فإذا قام قائمنا سقطت التقيّة، وجرّد السيف، ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلاّ السيف.(2)
قوله تعالي: (سَنُريهِمْ آياتِنا في الافاقِ وَفي أنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنّه الحَقُّ أوَ لَمْ يَکْفِ بِرَبِّکَ أنّه عَلي کُلِّ شَيْء شَهيد).(3)
126 - روي الشيخ الکليني بالاسناد عن الطيّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في هذه الاية، قال: خسف وقذف. قال: قلت: (حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ)؟ قال: دع ذا، ذاک قيام القائم.(4)
127 - وروي بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (سَنُريهِمْ آياتِنا في الافاقِ وَفي أنْفُسِهِمْ) الاية، فقال: يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الافاق انتقاض الافاق عليهم، فيرون قدرة الله عزّ وجلّ في أنفسهم وفي الافاق.
قلت له: (حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنّه الحَقُّ)؟ قال: خروج القائم هو الحقّ من عند الله عزّ وجلّ، يراه الخلق لا بدّ منه.(5)
سوره شورى
قوله تعالي: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَاُوْلئِکَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيل).(6)
128 - روي جابر وأبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالي: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ)، قال: القائم وأصحابه، قال الله: (فَاُوْلئِکَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيل) القائم إذا قام انتصر من بني اُميّة والمکذّبين والنصاب، وهو قوله: (إنَّما السَّبيلُ علي الَّذينَ يَظْلِمونَ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْم).(7)
سوره زخرف
قوله تعالي: (وَجَعَلَها کَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يِرْجِعون).(8)
129 - روي الخزّاز بالاسناد عن أبي هريرة، قال: سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن قوله عزّ وجلّ: (وَجَعَلَها کَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ)، قال: جعل الامامة في عقب الحسين، يخرج من صلبه تسعة من الائمة، ومنهم مهديّ هذه الاُمّة، ثمّ قال (عليه السلام): لو أنّ رجلاً ضعن بين الرکن والمقام ثمّ لقي الله مبغضاً لاهل بيتي دخل النار.(9)
قوله تعالي: (وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقيم).(10)
130 - روي من طرق العامّة عن مقاتل بن سليمان وغيره من المفسّرين في تفسير هذه الاية، قال: هو المهدي (عليه السلام) يکون في آخر الزمان وبعد خروجه يکون قيام الساعة وأمارتها.(11)
سوره فتح
قوله تعالي: (لَوْ تَزَيَّلوا لَعَذَّبْنا الَّذينَ کَفَروا مِنْهُمْ عَذاباً أليماً).(12)
131 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمّد بن أبي عمير، عمّن ذکره، عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل مخالفيه في الاوّل؟ قال (عليه السلام): لاية نزلت في کتاب الله تعالي: (لَوْ تَزَيَّلوا لَعَذَّبْنا الَّذينَ کَفَروا مِنْهُمْ عَذاباً أليماً).
قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم کافرين، وکذلک القائم (عليه السلام) لم يظهر أبداً حتّي تخرج ودائع الله عزّ وجلّ، فإذا خرجت ظهر علي من ظهر من أعداء الله عزّ وجلّ فقتلهم.(13)
قوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ).(14)
132 - روي الشيخ الکليني بالاسناد عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) - في حديث - قال: يظهره علي جميع الاديان عند قيام القائم.(15)
سوره ذاريات
قوله تعالي: (وَفي السَّماءِ رِزْقُکُمْ وَما توعَدون).(16)
133 - روي الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي صالح، عن ابن عباس، في هذه الاية، قال: هو خروج المهدي (عليه السلام).(17)
قوله تعالي: (فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالارْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلُ ما أ نَّکُمْ تَنْطِقون).(18)
134 - روي الشيخ الطوسي بالاسناد عن إسحاق بن عبد الله، عن الامام زين العابدين (عليه السلام)، في هذه الاية، قال: قيام القائم (عليه السلام) من آل محمّد (صلي الله عليه وآله).(19)
قوله تعالي: (يَعْرف الُمجْرِمونَ بِسيمـاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصي وَالاقْدامِ).(20)
135 - روي الصفّار بالاسناد عن معاوية الدهني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الاية قال (عليه السلام): يا معاوية، ما يقولون في هذا؟
قال: قلت: يزعمون أنّ الله تبارک وتعالي يعرف المجرمين بسيماهم يوم القيامة، فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويلقون في النار.
قال: فقال لي: وکيف يحتاج الجبّار تبارک وتعالي إلي معرفة خلق أنشأهم وهو خلقهم؟
قال: فقلت: فما ذاک جعلت فداک؟ قال: ذلک لو قد قام قائمنا، أعطاه الله السِّيما فيأمر بالکافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسيف خبطاً.(21)
136 - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالي: (يَعْرف الُمجْرِمونَ بِسيمـاهُمْ)، قال: الله يعرفهم، ولکن نزلت في القائم، يعرفهم بسيماهم فيخطبهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً.(22)
سوره حديد
قوله تعالي: (وَلا يَکونوا کَالَّذينَ اُوتوا الکِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الامَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَکَثيرٌ مِنْهُمْ فاسِقون).(23)
137 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن سماعة وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نزلت هذه الاية في القائم (عليه السلام).(24)
قوله تعالي: (اعْلَموا أنَّ اللهَ يُحْيي الارْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَکُمُ الاياتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلون).(25)
138 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في هذه الاية، قال: يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم (عليه السلام) بعد موتها - (يعني) بموتها کفر أهلها - والکافر ميّت.(26)
139 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن ابن عباس في هذه الاية، قال:
(اعْلَموا أنَّ اللهَ يُحْيي الارْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يعني يصلح الارض بقائم آل محمّد من بعد موتها، يعني من بعد جور أهل مملکتها (قَدْ بَيَّنَّا لَکُمُ الاياتِ) بقائم آل محمّد (لَعَلَّکُمْ تَعْقِلون).(27)
سوره صف
قوله تعالي: (هُوَ الَّذي أرْسَلَ رَسولَهُ بِالهُدي وَدينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون).(28)
140 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في هذه الاية، قال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّي يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم لم يبق کافر بالله العظيم ولا مشرک بالامام إلاّ کره خروجه، حتّي أن لو کان کافراً أو مشرکاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن، في بطني کافر، فاکسرني واقتله.(29)
سوره ملک
قوله تعالي: (قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُکُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأتيکُمْ بِماء مَعين).(30)
141 - روي الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في هذه الاية، قال: هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامکم غائباً لا تدرون أين هو، فمن يأتيکم بإمام ظاهر يأتيکم بأخبار السماء والارض، وحلال الله جلّ وعزّ وحرامه.(31)
سوره تکوير
قوله تعالي: (فَلا اُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوارِ الکُنَّسِ).(32)
142 - روي الشيخ الکليني وغيره بالاسناد عن اُمّ هانئ، قالت: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) عن هذه الاية، فقال: إمام يخنس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يظهر کالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء، فإن أدرکت زمانه قرّت عينک.(33)
143 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن اُمّ هانئ الثقفيّة، قالت: غدوت علي سيّدي محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) فقلت له: يا سيّدي، آية في کتاب الله عزّ وجلّ عرضت بقلبي فأقلقتني وأسهرت ليلي.
قال: فسلي يا اُمّ هانئ. قالت: قلت: يا سيّدي، قول الله عزّ وجلّ:(فَلا اُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوارِ الکُنَّسِ).
قال: نعم المسألة سألتني يا اُمّ هانئ، هذا مولود في آخر الزمان، هو المهدي من هذه العترة، تکون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها أقوام، ويهتدي فيها أقوام، فيا طوبي لکِ إن أدرکته، ويا طوبي لمن أدرکه.(34)
سوره انشقاق
قوله تعالي: (لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق).(35)
144 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها.
فقلت له: يا بن رسول الله، ولِمَ ذلک؟ قال: لانّ الله عزّ وجلّ أبي إلاّ أن تجري فيه سنن الانبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنّه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مُدَد غيباتهم، قال الله تعالي: (لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق) أي سنن من کان قبلکم.(36)
النص علي امامته
لقد جاء عن الرسول المصطفي (صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والائمة الهداة من ولده (عليهم السلام) ذکر النص علي أئمة المسلمين وخلفاء رسول ربّ العالمين الاثني عشر من عترته المعصومين واحداً بعد واحد، مع بيان فضلهم وعدّتهم من طرق رجال الشيعة الموثّقين عند الائمة الهداة (عليهم السلام)، وقد ورد ذلک عنهم متواتراً، بشکل يجلو القلوب من العمي، وينفي الشکّ ويزيل الارتياب عمّن أراد سلوک طريق الحقّ ولم يجعل للشيطان علي نفسه سبيلاً بالاصغاء إلي زخارف المموّهين وفتنة المفتونين.
ويضاف إلي ما تقدّم من النص علي الائمّة الاثني عشر (عليهم السلام)، النصوص الخاصّة بإمامة الثاني عشر منهم (عليه السلام)، وکونه مهديّ هذه الاُمّة الذي يغيب ثمّ يظهر ليملا الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ولقد سبق النص عليه من جدّه النبيّ الاکرم (صلي الله عليه وآله) في عشرات المناسبات وتواترت النصوص عليه من الائمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد لتؤکّد بأنّه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، والثامن من ولد زين العابدين (عليه السلام)، والسابع من ولد الباقر (عليه السلام)، والسادس من ولد الصادق (عليه السلام)، والخامس من ولد الکاظم (عليه السلام)، والرابع من ولد الرضا (عليه السلام)، والثالث من ولد الجواد (عليه السلام)، والثاني من ولد علي الهادي (عليه السلام)، وکونه ابن الامام العسکري (عليه السلام)، علي ما سيأتي في النصوص التي اخترناها کنماذج لما ذکرناه في هذا الفصل.
فالامام بعد أبي محمّد الحسن بن عليّ العسکري (عليه السلام) هو ابنه المسمّي باسم جدّه المصطفي (صلي الله عليه وآله) المکنّي بکنيته، ولم يخلف أبوه ولداً غيره بعد وفاته، وهو القائم المنتظر لاقامة دولة الحقّ، وکان أبوه (عليه السلام) قد أخفي مولده وستر أمره، وذلک لصعوبة الزمان وشدّة طلب سلطان الزمان له والخوف عليه من الحاکمين الذين اجتهدوا في البحث عن أمره، وفتّشوا دار أبيه بعد وفاته (عليه السلام)، وذلک لما شاع من مذهب الشيعة الامامية فيه، وعُرِف من انتظارهم له، لذا فلم يظهره أبوه (عليه السلام) إلاّ لخواصّه وثقات أصحابه، حيث أراهم إيّاه بشخصه کما تدلّ عليه الروايات التي سنذکرها في نص أبيه عليه من هذا الفصل، وأشار إليه بالامامة استظهاراً في الحجّة وتثبيتاً علي المحجّة.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): وقد سبق النص عليه في ملّة الاسلام من نبيّ الهدي (صلي الله عليه وآله) ثمّ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ونص عليه الائمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد إلي أبيه الحسن (عليه السلام)، ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصّة شيعته.
وکان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمة الهدي (عليهم السلام) والقائم بالحقّ، والمنتظر لدولة الايمان.(37)
وفي ما يلي نذکر شذرات من مئات الروايات الواردة عن الائمة الهداة (عليهم السلام) والتي تنص علي الامام الثاني عشر (عليه السلام) مهديّ هذه الاُمّة، الحجّة بن الحسن العسکري، وتصف زمانه وغيبته وما سيقوم به بعد ظهوره، وهذه الاحاديث إذا لم يکن جلّها من الصحيح، فممّـا لا شکّ فيه بأنّ عدداً کبيراً منها يفوق حدّ التواتر، وهو ممّـا تطمئنّ له النفس، ذلک لانّ رواتها من المعروفين بالوثاقة والاستقامة.
فلنستمع إلي النصوص مرتّبة وفقاً لروايتها عن المعصومين الاربعة عشر:
نص الرسول الاعظم علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي المسعودي والشيخ الصدوق وابن عياش والشيخ الطوسي وغيرهم بالاسناد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: إنّ الله عزّ وجلّ اختار من الايام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان، واختارني من الرسل، واختار منّي علياً، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الاوصياء، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وهو باطنهم.(38)
2 - وروي الشيخ الصدوق والفتّال وابن شهرآشوب وغيرهم بالاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): الائمة بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عزّ وجلّ علي يديه مشارق الارض ومغاربها.(39)
3 - وروي الشيخ الطوسي والنعماني بالاسناد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: يا علي، الائمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدک أحد عشر إماماً، وأنت أوّلهم، وآخرهم اسمه اسمي، يخرج ويملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(40)
4 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: لمّـا أنزل الله عزّ وجلّ علي نبيّه محمّد (صلي الله عليه وآله) (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الامْرِ مِنْکُمْ)(41)، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن اُولو الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتک؟
فقال (عليه السلام): هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدرکه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر ابن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسي، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وکنيّي حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده ابن الحسن ابن علي، ذاک الذي يفتح الله تعالي ذکره علي يديه مشارق الارض ومغاربها، ذاک الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها علي القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للايمان.(42)
5 - وروي النعماني وابن عياش بالاسناد عن جابر بن يزيد الجعفي، عن محمّد ابن عليّ الباقر (عليه السلام)، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ الله أوحي إليّ ليلة اُسري بي: يا محمّد، من خلّفت في الارض علي اُمّتک؟ وهو أعلم بذلک. قلت: يا ربّ، أخي. قال: يا محمّد، عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا ربّ.
قال: يا محمّد، إنّي اطّلعت إلي الارض اطّلاعة فاخترتک منها، فلا اُذکر حتّي تذکر معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ إنّي اطّلعت إلي الارض اطّلاعة اُخري فاخترت منها عليّ بن أبي طالب وصيّک، فأنت سيّد الانبياء، وعليّ سيّد الاوصياء، ثمّ شققت له اسماً من أسمائي، فأنا الاعلي وهو عليّ.
يا محمّد، إنّي خلقتُ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والائمة من نور واحد، ثمّ عرضت ولايتهم علي الملائکة، فمن قبلها کان من المقرّبين، ومن جحدها کان من الکافرين.
الهوامش:
(1) فصّلت 41: 34.
(2) تأويل الايات 2: 539 / 13، بحار الانوار 24: 47 / 21.
(3) فصّلت 41: 53.
(4) الکافي 8: 166 / 181، بحار الانوار 52: 303 / 71.
(5) الکافي 8: 381 / 575، بحار الانوار 51: 62 / 63.
(6) الشوري 42: 41.
(7) تفسير فرات: 150، تفسير القمّي 2: 278، تأويل الايات 2: 549 / 18، بحار الانوار 24: 229 / 29.
(8) الزخرف 43: 28.
(9) کفاية الاثر: 86، مناقب ابن شهرآشوب 4: 26.
(10) الزخرف 43: 61.
(11) البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 528، کشف الغمّة 3: 280، الفصول المهمّة: 300، الصواعق المحرقة: 162 وفيه عن مقاتل: أنّ هذه الاية نزلت في المهدي، إسعاف الراغبين: 153.
(12) الفتح 48: 25.
(13) کمال الدين: 641 / 54، علل الشرائع: 147 / 2، بحار الانوار 8: 149.
(14) الفتح 48: 28.
(15) الکافي 1: 432 / 91.
(16) الذاريات 51: 22.
(17) الغيبة للشيخ الطوسي: 109، بحار الانوار 51: 53 / 31.
(18) الذاريات 51: 23.
(19) الغيبة للشيخ الطوسي: 110.
(20) الرحمن 55: 41.
(21) بصائر الدرجات: 356 / 8، الاختصاص: 304، بحار الانوار 52: 320 / 26.
(22) تأويل الايات 2: 639 / 21، بحار الانوار 51: 58 / 54.
(23) الحديد 57: 16.
(24) کمال الدين: 668 / 12، العدد القويّة: 69 / 102، بحار الانوار 51: 54 / 36.
(25) الحديد 57: 17.
(26) کمال الدين: 668 / 13، العدد القويّة: 69 / 103، تأويل الايات 2: 663 / 15، بحار الانوار 51: 54 / 37.
(27) الغيبة للشيخ الطوسي: 109، بحار الانوار 51: 53 / 32.
(28) الصفّ 61: 9.
(29) کمال الدين: 670 / 16.
(30) الملک 67: 30.
(31) کمال الدين: 325 / 3، الغيبة للشيخ الطوسي: 101، بحار الانوار 51: 52 / 27.
(32) التکوير 81: 15 ـ 16.
(33) الکافي 1: 341 / 22، الهداية الکبري: 88، إثبات الوصيّة: 224، غيبة النعماني: 97، کمال الدين: 324 / 10، غيبة الطوسي: 101، بحار الانوار 51: 51 / 26.
(34) کمال الدين: 330 / 14، بحار الانوار 51: 137 / 4.
(35) الانشقاق 84: 19.
(36) کمال الدين: 480 / 6، علل الشرائع: 245 / 7، بحار الانوار 51: 142 / 2.
(37) الارشاد 2: 339.
(38) إثبات الوصيّة: 225، کمال الدين: 281 / 32، مقتضب الاثر: 9، غيبة الطوسي: 93، بحار الانوار 36: 256 / 74، والصفحة 260 / 80، وقال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): قوله (عليه السلام) (وهو ظاهرهم) أي يظهر ويغلب علي الاعادي (وهو باطنهم) أي يبطن ويغيب عنهم زماناً.
(39) کمال الدين: 282 / 35، أمالي الصدوق: 97 / 9، عيون أخبار الرضا 1: 56 / 34، روضة الواعظين 1: 102، إعلام الوري: 370، کشف الغمّة 3: 297، بحار الانوار 36: 226 / 1، و52: 378 / 184.
(40) غيبة الطوسي: 90، بحار الانوار 36: 259 / 78، والصفحة 281 / 101.
(41) سورة النساء: 59.
(42) کمال الدين: 253 / 3، کفاية الاثر: 53، إعلام الوري: 397، تأويل الايات 1: 135 / 13، بحار الانوار 23: 289 / 16، و36: 249 / 67.
******************
يا محمّد، أتحبّ أن تراهم؟ فقلت: نعم. فقال: تقدّم أمامک، فتقدّمت أمامي، فإذا عليّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعليّ بن موسي، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجّة القائم کأنّه الکوکب الدرّي في وسطهم.
فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الائمة، وهذا القائم، محلّل حلالي، ومحرّم حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمّد، أحببه فإنّي اُحبّه، واُحبّ من يحبّه.(1)
6 - وروي الخزّاز بالاسناد عن اُمّ سلمة، قالت: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لمّـا اُسري بي إلي السماء، نظرت فإذا مکتوب علي العرش: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أيّدته بعلي، ونصرته بعلي، ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين، وأنوار علي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعليّ ابن موسي، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، ورأيت نور الحجّة يتلالا من بينهم کأنّه کوکب درّي.
فقلت: يا ربّ من هذا، ومن هؤلاء؟ فنوديت: يا محمّد، هذا نور عليّ وفاطمة، وهذا نور سبطيک الحسن والحسين، وهذه أنوار الائمة بعدک من ولد الحسين، مطهّرون معصومون، وهذا الحجّة الذي يملا الدنيا قسطاً وعدلاً.(2)
7 - وروي بعدّة أسانيد عن عائشة، قالت: کان لنا مشربة(3)، وکان النبيّ(صلي الله عليه وآله) إذا أراد لقاء جبرئيل (عليه السلام) لقيه فيها، فلقيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرّة فيها، وأمرني أن لا يصعد إليه أحد، فدخل عليه الحسين بن عليّ (عليه السلام) ولم نعلم حتّي غشاها، فقال جبرئيل: من هذا؟ فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ابني، فأخذه النبيّ (صلي الله عليه وآله) فأجلسه علي فخذه، فقال له جبرئيل: أما إنّه سيُقتَل. فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ومن يقتله؟ قال: اُمّتک. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): اُمّتي تقتله؟!
قال: نعم، وإن شئت أخبرتک بالارض التي يقتل فيها، فأشار جبرئيل إلي الطفّ بالعراق، وأخذ منه تُربةً حمراء فأراه إيّاها، وقال: هذه من تربة مصرعه. فبکي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقال له جبرئيل: لا تبکِ يا رسول الله، فسوف ينتقم الله منهم بقائمکم أهل البيت.
فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): حبيبي جبرئيل، ومن قائمنا أهل البيت؟
قال: هو التاسع من ولد الحسين، کذا أخبرني ربّي جلّ جلاله، إنّه سيخلق من صلب الحسين ولداً وسمّـاه عنده علياً خاضعاً لله خاشعاً، ثمّ يخرج من صلب عليّ ابنه وسمّـاه عنده محمّداً قانتاً لله ساجداً، ثمّ يخرج من صلب محمّد ابنه وسمّـاه عنده جعفراً ناطقاً عن الله صادقاً في الله، ويخرج الله من صلبه ابنه، وسمّـاه عنده موسي، واثقاً بالله، محبّاً في الله، ويخرج من صلبه ابنه وسمـاه عنده علياً الراضي بالله، والداعي إلي الله عزّ وجلّ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّـاه عنده محمّداً المرغّب في الله، والذابّ عن حرم الله، ويخرج من صلبه ابنه وسمّـاه عنده علياً المکتفي بالله والوليّ لله، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّـاه الحسن مؤمناً بالله مرشداً إلي الله، ويخرج من صلبه کلمة الحقّ ولسان الصدق، ومظهر الحقّ، حجّة الله علي بريّته، له غيبة طويلة، يظهر الله تعالي به الاسلام وأهله، ويخسف به الکفر وأهله.(4)
8 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز والطبرسي بالاسناد عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال: من علم أنّه لا إله إلاّ أنا وحدي، وأنّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الائمة من ولده حججي، أدخلته الجنّة برحمتي، ونجّيته من النار بعفوي...
إلي أن قال: فقام جابر بن عبد الله الانصاري، وقال: يا رسول الله، ومن الائمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ وستدرکه يا جابر، فإذا أدرکته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الکاظم موسي بن جعفر، ثمّ الرضا عليّ بن موسي، ثمّ التقيّ محمّد بن عليّ، ثمّ الهادي عليّ بن محمّد، ثمّ الزکيّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي اُمّتي الذي يملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.
هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنکرهم أو أنکر واحداً منهم فقد أنکرني، بهم يمسک الله السماوات أن تقع علي الارض إلاّ بإذنه، وبهم يحفظ الله الارض أن تميد بأهلها.(5)
9 - وروي الطبري الامامي والخصيبي والخزّاز بالاسناد عن سلمان (رضي الله عنه) ـ في حديث - قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ الله تبارک وتعالي لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلاّ جعل له اثني عشر نقيباً.
إلي أن قال: فقلت: فأ نّي لي بهم وقد عرفت إلي الحسين؟
قال (صلي الله عليه وآله): ثمّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ باقر علم الاوّلين والاخرين من النبيّين والمرسلين، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق، ثمّ ابنه موسي بن جعفر الکاظم غيظه صبراً في الله عزّ وجلّ، ثمّ ابنه عليّ بن موسي الرضي لامر الله، ثمّ ابنه محمّد بن علي المختار من خلق الله، ثمّ ابنه عليّ بن محمّد الهادي إلي الله، ثمّ ابنه الحسن بن عليّ الصامت الامين لسرّ الله، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحقّ الله(6)، الحديث.
10 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قلت يا رسول الله، أرشدني إلي النجاة، فقال (صلي الله عليه وآله): يا بن سمرة، إذا اختلفت الاهواء وتفرّقت الاراء فعليک بعليّ بن أبي طالب، فإنّه إمام اُمّتي، وخليفتي عليهم من بعدي.
إلي أن قال: وابناه إماما اُمّتي، وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم اُمّتي، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(7)
11 - وروي الشيخ الصدوق والطبرسي بالاسناد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال لابن مسعود: يا بن مسعود، إنّ عليّ بن أبي طالب إمامکم بعدي وخليفتي عليکم، فإذا مضي فالحسن ثمّ الحسين ابناي إماماکم بعده وخليفتاي عليکم، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد أئمتکم وخلفائي عليکم، تاسعهم قائم اُمّتي يملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً،(8) الحديث.
12 - وروي الخزّاز بالاسناد عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه، قال: دخلت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعنده الحسن والحسين يتغدّيان والنبيّ (صلي الله عليه وآله) يضع اللقمة تارةً في فم الحسن (عليه السلام) وتارةً في فم الحسين (عليه السلام)، فلمّـا فرغا من الطعام، أخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) الحسن علي عاتقه، والحسين علي فخذه، ثمّ قال لي: يا سلمان، أتحبّهم؟ قلت: يا رسول الله، کيف لا اُحبّهم ومکانهم منک مکانهم؟
قال: يا سلمان، من أحبّهم فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ثمّ وضع يده علي کتف الحسين فقال: إنّه الامام ابن الامام، تسعة من صلبه أئمة أبرار اُمناء معصومون، والتاسع قائمهم.(9)
13 - وروي الخزّاز والجويني بالاسناد عن ابن عباس، قال: قدم يهودي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقال له: نعثل، فقال: يا محمّد، إنّي أسألک عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أنت أجبتني عنها أسلمت علي يدک. قال: سل يا أبا عمارة...
إلي أن قال: فأخبرني عن وصيّک من هو؟ فما من نبيّ إلاّ وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسي بن عمران أوصي إلي يوشع بن نون. فقال (صلي الله عليه وآله): نعم، إنّ وصيّي والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، يتلوه تسعة من ولد الحسين أئمة أبرار. قال: يا محمّد، فسمّهم لي. قال: نعم، إذا مضي الحسين فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه الحسن، فإذا مضي الحسن فبعده ابنه الحجّة بن الحسن بن علي، فهذه اثنا عشر إماماً علي عدد نقباء بني إسرائيل...
إلي أن قال: ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): طوبي لمن أحبّهم، وطوبي لمن تمسّک بهم، والويل لمبغضيهم، فانتفض نعثل وقام بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنشأ يقول:
صلّي العليّ ذو العلي
أنت النبيّ المصطفي
بک اهتدينا رشدنا
ومعشرٌ سمّيتهم
حباهمُ ربّ العلي
قد فاز من والاهمُ
آخرهم يشفي الظما
عترتک الاخيار لي
من کان عنکم معرضاً عليک يا خير البشر
والهاشميّ المفتخر
وفيک نرجو ما أمر
أئمّة اثني عشر
ثمّ صفاهم من کدر
وخاب من عفّي الاثر
وهو الامام المنتظر
والتابعون ما أمر
فسوف يصلي بسقر(10)
14 - وروي الخزّاز بالاسناد عن ابن عباس، قال: قلت لرسول الله (صلي الله عليه وآله): کم الائمة بعدک؟
قال: بعدد حواري عيسي وأسباط موسي ونقباء بني إسرائيل.
قلت: يا رسول الله، فکم کانوا؟
قال: کانوا اثني عشر، والائمة بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضي الحسين فابنه علي، فإذا انقضي علي فابنه محمّد، فإذا انقضي محمّد فابنه جعفر، فإذا انقضي جعفر فابنه موسي، فإذا انقضي موسي فابنه علي، فإذا انقضي علي فابنه محمّد، فإذا انقضي محمّد فابنه علي، فإذا انقضي علي فابنه الحسن، فإذا انقضي الحسن فابنه الحجّة.(11)
15 - وروي بالاسناد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال: معاشر الناس، إنّي راحل عنکم عن قريب ومنطلق إلي المغيب، اُوصيکم في عترتي خيراً، وإيّـاکم والبدع، فإنّ کلّ بدعة ضلالة، وکلّ ضلالة وأهلها في النار.
معاشر الناس، من افتقد الشمس فليتمسّک بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسّک بالفرقدين، ومن افتقد الفرقدين فليتمسّک بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولکم.
إلي أن قال: فقلت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، سمعتک تقول: إذا افتقدتم الشمس فتمسّکوا بالقمر، وإذا افتقدتم القمر فتمسّکوا بالفرقدين، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّکوا بالنجوم الزاهرة، فما الشمس، وما القمر، وما الفرقدان، وما النجوم الزاهرة؟
فقال (صلي الله عليه وآله): أمّا الشمس فأنا، وأمّا القمر فعلي، فإذا افتقدتموني فتمسّکوا به بعدي، وأمّا الفرقدان فالحسن والحسين، فإذا افتقدتم القمر فتمسّکوا بهما، وأمّا النجوم الزاهرة فالائمة التسعة من صلب الحسين، والتاسع مهديّهم.
ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): إنّهم هم الاوصياء والخلفاء بعدي، أئمة أبرار، عدد أسباط يعقوب وحواري عيسي، قلت: فسمّهم لي يا رسول الله.
قال: أوّلهم وسيّدهم عليّ بن أبي طالب، وسبطاي، وبعدهما زين العابدين عليّ بن الحسين، وبعده محمّد بن عليّ باقر علم النبيّين، وجعفر بن محمّد، وابنه الکاظم سميّ موسي بن عمران، والذي يقتل بأرض الغربة ابنه علي، ثمّ ابنه محمّد، والصادقان عليّ والحسن، والحجّة القائم المنتظر في غيبته، فإنّهم عترتي من دمي ولحمي، علمهم علمي، وحکمهم حکمي، من آذاني فيهم فلا أناله الله تعالي شفاعتي.(12)
16 - وروي الخزّاز بالاسناد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): الائمة من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل، وکانوا اثني عشر، ثمّ وضع يده علي صلب الحسين (عليه السلام)، وقال: تسعة من صلبه، والتاسع مهديّهم، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، فالويل لمبغضيهم.(13)
17 - وروي الخزّاز بالاسناد عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول للحسين (عليه السلام):
أنت الامام ابن الامام وأخو الامام، تسعة من صلبک أئمّة أبرار، والتاسع قائمهم.(14)
18 - وعنه، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: الائمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم، فطوبي لمن أحبّهم، والويل لمن أبغضهم.(15)
19 - وعنه، بالاسناد عن أبي سعيد، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: الائمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والمهدي منهم.(16)
20 - وعنه، بالاسناد عن أبي ذرّ، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): الائمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، تاسعهم قائمهم.
ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): ألا إنّ مثلهم کمثل سفينة نوح، من رکبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل.(17)
21 - وروي الديلمي بالاسناد عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ الله تبارک وتعالي اطّلع إلي الارض اطّلاعةً فاختارني منها فجعلني نبيّاً، ثمّ اطّلع ثانيةً فاختار منها علياً فجعله إماماً، ثمّ أمرني أن أتّخذه أخاً ووصيّاً وخليفة ووزيراً، فعليّ منّي، وهو زوج ابنتي، وأبو سبطيّ الحسن والحسين، ألا وإنّ الله جعلني أنا وهم حججاً علي عباده، وجعل من صلب الحسين أئمّةً يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائمهم.(18)
22 - وروي الخزّاز بالاسناد عن أبي هريرة، قال: قلت لرسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ لکلّ نبيّ وصيّاً وسبطين، فمن وصيّک وسبطاک؟
إلي أن قال:
ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): إنّ الله بعث أربعة آلاف نبيّ، وکان لهم أربعة آلاف وصيّ، وثمانية آلاف سبط، فوالذي نفسي بيده لانا خير النبيّين، ووصيّي خير الوصيّين، وإنّ سبطيّ خير الاسباط.
ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): والحسن والحسين سبطا هذه الاُمّة، وإنّ الاسباط کانوا من ولد يعقوب، وکانوا اثني عشر رجلاً، وإنّ الائمة بعدي اثنا عشر رجلاً من أهل بيتي، عليّ أوّلهم، وأوسطهم محمّد، وآخرهم محمّد، وهو مهدي هذه الاُمّة الذي يصلّي عيسي خلفه، ألا إنّ من تمسّک بهم بعدي فقد تمسّک بحبل الله، ومن تخلّي منهم فقد تخلّي من حبل الله.(19)
23 - وروي بالاسناد عن زيد بن ثابت، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: عليّ بن أبي طالب قائد البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، الشاکّ في عليّ هو الشاکّ في الاسلام، وخير من اُخلّف بعدي، وخير أصحابي علي، لحمه لحمي ودمه دمي، وأبو سبطي، ومن صلب الحسين الائمة التسعة، ومنهم مهدي هذه الاُمّة.(20)
24 - وروي بالاسناد عن زيد بن ثابت، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: لا تذهب الدنيا حتّي يقوم بأمر اُمّتي رجل من صلب الحسين يملاها عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.
قلنا: من هو يا رسول الله؟
قال: هو الامام التاسع من صلب الحسين.(21)
25 - وروي بالاسناد عن زيد بن ثابت - في حديث - قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): منّا مهديّ هذه الاُمّة الذي يصلّي عيسي بن مريم خلفه.
قلنا: من هو يا رسول الله؟
قال: هو التاسع من صلب الحسين، أئمة أبرار، والتاسع مهديّهم يملا الدنيا قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(22)
26 - وروي بالاسناد عن زيد بن أرقم، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول لعليّ (عليه السلام): أنت الامام والخليفة بعدي، وابناک هذان إمامان وسيّدا شباب أهل الجنّة، وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون، ومنهم قائمنا أهل البيت.(23)
27 - وروي بالاسناد عن زيد بن أرقم، قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال بعدما حمد الله وأثني عليه: اُوصيکم عباد الله بتقوي الله الذي لا يستغني عنه العباد.
إلي أن قال: معاشر الناس، اُوصيکم في عترتي وأهل بيتي خيراً، فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم، وهم الائمة الراشدون بعدي والاُمناء المعصومون.
قال: فقام إليه عبد الله بن العباس فقال: يا رسول الله، کم الائمة بعدک؟
قال: عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسي، تسعة من صلب الحسين، ومنهم مهدي هذه الاُمّة.(24)
28 - وروي عن أبي اُمامة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لمّـا عرج بي إلي السماء رأيت مکتوباً علي ساق العرش بالنور: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أيّدته بعلي، ونصرته بعلي، ثمّ بعده الحسن والحسين، ورأيت علياً علياً علياً ثلاث مرّات، ورأيت محمّداً محمّداً، وجعفراً وموسي والحسن والحجّة، اثني عشر اسماً مکتوباً بالنور.
فقلت: أسامي من هؤلاء الذين قرنتهم بي؟ فنوديت، يا محمّد، هم الائمة بعدک والاخيار من ذرّيتک.(25)
29 - وعنه، بالاسناد عن أبي اُمامة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): الائمة بعدي اثنا عشر کلّهم من قريش، تسعة من صلب الحسين، والمهدي منهم.(26)
الهوامش:
(1) الغيبة للنعماني: 59، ومقتضب الاثر: 23 و26، بحار الانوار 36: 222 / 21 و280 / 10، وروي ابن عياش في المقتضب: 10، والشيخ الطوسي في الغيبة: 95، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) 1: 95، وابن طاووس في الطرائف: 173 / 270 عن أبي سلمي راعي رسول الله (صلي الله عليه وآله) نحوه، وروي الشيخ الصدوق نحوه في کمال الدين: 252 / 2، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 58 / 27 عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
(2) کفاية الاثر: 185، بحار الانوار 36: 348 / 217، العوالم 15: 42 / 7.
(3) المشربة: الغرفة.
(4) کفاية الاثر: 187، بحار الانوار 36: 348 / 218، العوالم 15: 46 / 1.
(5) کمال الدين: 258 / 3، کفاية الاثر: 143، الاحتجاج: 87، إعلام الوري: 398، بحار الانوار 36: 251 / 98، و68: 118 / 45.
(6) دلائل الامامة: 448 / 24، الهداية الکبري: 375، مقتضب الاثر: 6، المحتضر: 152.
(7) أمالي الصدوق: 31 / 3، وعنه بحار الانوار 36: 226 / 2، العوالم 15: 91 / 1، ونحوه في کمال الدين: 256 / 1، وعنه بحار الانوار 36: 227 / 3.
(8) کمال الدين: 261 / 8، الاحتجاج: 88، بحار الانوار 36: 246 / 59، العوالم 15: 118 / 42.
(9) کفاية الاثر: 44، بحار الانوار 36: 304 / 143.
(10) کفاية الاثر: 11، فرائد السمطين 2: 133 / 431، بحار الانوار 36: 283 / 106.
(11) کفاية الاثر: 16، بحار الانوار 36: 285 / 107.
(12) کفاية الاثر: 40، بحار الانوار 36: 289/ 111، العوالم 15: 144 / 83.
(13) کفاية الاثر: 47، بحار الانوار 36: 290 / 112، العوالم 15: 145 / 84.
(14) کفاية الاثر: 28، بحار الانوار 36: 290 / 113.
(15) کفاية الاثر: 30، بحار الانوار 36: 290/ 115.
(16) کفاية الاثر: 33، بحار الانوار 36: 292 / 120.
(17) کفاية الاثر: 38، بحار الانوار 36: 292 / 123.
(18) إرشاد القلوب: 415، بحار الانوار 36: 301 / 139.
(19) کفاية الاثر: 79، بحار الانوار 36: 313 / 157.
(20) کفاية الاثر: 96، بحار الانوار 36: 318 / 168.
(21) کفاية الاثر: 97، بحار الانوار 36: 318 / 169.
(22) کفاية الاثر: 98، بحار الانوار 36: 319 / 170، العوالم 15: 168.
(23) کفاية الاثر: 100، بحار الانوار 36: 319 / 171، العوالم 15: 168 / 134.
(24) کفاية الاثر: 102، بحار الانوار 36: 319 / 173، العوالم 15: 169 / 137.
(25) کفاية الاثر: 105، بحار الانوار 36: 321 / 174، العوالم 15: 170 / 138.
(26) کفاية الاثر: 106، بحار الانوار 36: 321 / 175، العوالم 15: 170 / 139.
******************
30 - وعنه، بالاسناد عن أبي اُمامة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتّي يقوم قائم بالحقّ منّا، وذلک حين يأذن الله عزّ وجلّ له، فمن تبعه نجا، ومن تخلّف عنه هلک، فالله الله عباد الله، ائتوه ولو علي الثلج، فإنّه خليفة الله.
قلنا: يا رسول الله، ومتي يقوم قائمکم؟ قال: إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وهو التاسع من صلب الحسين.(1)
31 - وعنه، بالاسناد عن عمّـار - في حديث - قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا عمّـار، إنّ الله تبارک وتعالي عهد إليّ أنّه يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلک قوله عزّ وجلّ: (قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُکُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأتيکُمْ بِماء مَعين)(2) تکون له غيبة طويلة، يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا کان في آخر الزمان يخرج فيملا الدنيا قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، ويقاتل علي التأويل کما قاتلت علي التنزيل، وهو سميّي وأشبه الناس بي.(3)
32 - وروي بالاسناد عن حذيفة بن اُسيد، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد سأله سلمان عن الائمة (عليهم السلام)، فقال: الائمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، ومنّا مهديّ هذه الاُمّة، ألا إنّهم مع الحقّ والحقّ معهم، فانظروا کيف تخلفوني فيهم.(4)
33 - وروي بالاسناد عن سعد بن مالک، قال: إنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: يا عليّ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، تقضي ديني، وتنجز عدتي، وتقاتل بعدي علي التأويل کما قاتلت علي التنزيل، يا عليّ حبّک إيمان وبغضک نفاق، ولقد نبّاني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسين تسعة من الائمة معصومون مطهّرون، ومنهم مهديّ هذه الاُمّة الذي يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت في أوّله.(5)
34 - وروي بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لي يوماً: يا جابر، إذا أدرکت ولدي الباقر فاقرأه منّي السلام، فإنّه سميّي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحکمه حکمي، سبعة من ولده اُمناء معصومون أئمة أبرار، والسابع مهديّهم، الذي يملا الدنيا قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، ثمّ تلا رسول الله (صلي الله عليه وآله): (وَجَعَلْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ وَإقامَ الصَّلاةِ وَإيْتاءَ الزَّکاةِ وَکانوا لَنا عابِدينَ).(6)
35 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله علي الخلق بعدي اثنا عشر، أوّلهم أخي، وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول الله، ومن أخوک؟ قال: عليّ بن أبي طالب.
قيل: فمن ولدک؟ قال: المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الارض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(7)
36 - وروي الخزّاز بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري - في حديث - قال: قلت لرسول الله (صلي الله عليه وآله): يا رسول الله، ومن المهدي؟
قال: تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار، والتاسع قائمهم، يملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً، يقاتل علي التأويل کما قاتلت علي التنزيل.(8)
37 - وروي النعماني بالاسناد عن عبد خير، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا علي، الائمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدک أحد عشر إماماً، وأنت أوّلهم، وآخرهم اسمه علي اسمي، يخرج فيملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، يأتيه الرجل والمال کدس، فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ.(9)
38 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز والشيخ الطوسي بالاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث الوصيّة - قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): وأنا أدفعها إليک يا علي، وأنت تدفعها إلي ابنک الحسن، والحسن يدفعها إلي أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلي ابنه علي، وعلي يدفعها إلي ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلي ابنه جعفر، وجعفر يدفعها إلي ابنه موسي، وموسي يدفعها إلي ابنه علي، وعلي يدفعها إلي ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلي ابنه علي، وعلي يدفعها إلي ابنه الحسن، والحسن يدفعها إلي ابنه القائم، ثمّ يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، وتکون له غيبتان إحداهما أطول من الاُخري. ثمّ قال (صلي الله عليه وآله): الحذر الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي.(10)
39 - وروي الخزّاز بالاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنت منّي وأنا منک، وأنت أخي ووزيري، فإذا متّ ظهرت لک ضغائن في صدور قوم، وستکون بعدي فتنة صمّـاء صيلم، تسقط فيها کلّ وليجة وبطانة، وذلک عند فقدان شيعتک الخامس من ولد السابع من ولدک، يحزن لفقده أهل الارض والسماء، فکم من مؤمن ومؤمنة متأسّف متلهّف حيران عند فقده.
قال: ثمّ أطرق مليّاً، ثمّ رفع رأسه وقال: بأبي واُمّي سميّي وشبيهي وشبيه موسي بن عمران، عليه جيوب النور - أو قال: جلابيب النور - يتوقّد من شعاع القدس، کأ نّي بهم آيس ما کانوا، ثمّ نودي بنداء يسمعه من البعد کما يسمعه من القرب، يکون رحمة علي المؤمنين وعذاباً علي المنافقين.(11)
40 - وروي بالاسناد عن الامام الحسن بن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) - في حديث عدد فيه الائمة من عترة المصطفي (عليهم السلام) إلي أن قال -: ويخرج الله من صلب الحسن الحجّة القائم إمام زمانه، ومنقذ أوليائه، يغيب حتّي لا يري، يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون (وَيَقولونَ مَتي هذا الوَعْدُ إنْ کُنْتُمْ صادِقين)(12) ولو لم يبقَ في الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلک اليوم حتّي يخرج قائمنا، فيملاها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(13)
41 - وروي بالاسناد عن الامام الحسين (عليه السلام) عن جدّه رسول الله (صلي الله عليه وآله) - في حديث ذکر فيه الائمة (عليهم السلام) إلي أن قال -: فإذا مضي علي فابنه الحسن أولي به من بعده، فإذا مضي الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدک، فهذه الائمة التسعة من صلبک، أعطاهم الله علمي وفهمي، طينتهم من طينتي.(14)
42 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لمّـا عرج بي إلي ربّي جلّ جلاله أتاني النداء: يا محمّد. قلت: لبّيک ربّ العظمة لبّيک - إلي أن قال -: فأوحي الله إليّ يا محمّد، إنّ عليّاً وارثک ووارث العلم من بعدک وصاحب لوائک لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضک، يسقي من ورد عليه من مؤمني اُمّتک... واُعطيک أن اُخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً کلّهم من ذرّيتک من البکر البتول، وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسي بن مريم، يملا الارض عدلاً کما ملئت منهم ظلماً وجوراً، اُنجي به من الهلکة، وأهدي به من الضلالة، واُبرئ به من العمي، وأشفي به المريض.(15)
43 - وروي بالاسناد عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - في حديث طويل - قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لمّـا عرج بي إلي السماء أذّن جبرئيل مثنيً مثنيً...
إلي أن قال: فقلت: يا ربّ ومن أوصيائي؟
فنوديت: يا محمّد، إنّ أوصياءک المکتوبون علي ساق العرش، فنظرت - وأنا بين يدي ربّي - إلي ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في کلّ نور سطر أخضر، مکتوب عليه اسم کلّ وصيّ من أوصيائي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم مهدي اُمّتي.
فقلت: يا ربّ، أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدک علي بريّتي، وهم أوصياؤک وخلفاؤک وخير خلقي بعدک، وعزّتي وجلالي لاُطهّرنّ بهم ديني، ولاُعلينّ بهم کلمتي، ولاُطهّرنّ الارض بآخرهم من أعدائي، ولاُملّکنّه مشارق الارض ومغاربها، ولاُسخّرنّ له الرياح، ولاُذلّلنّ له الرقاب الصعاب، ولاُرقّينّه في الاسباب، ولانصرنّه بجندي، ولاُمدّنه بملائکتي حتّي يعلن دعوتي، ويجمع الخلق علي توحيدي، ثمّ لاُديمنّ ملکه ولاُداولنّ الايام بين أوليائي إلي يوم القيامة.(16)
44 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ الله تبارک وتعالي اطّلع إلي الارض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّاً، ثمّ اطلع الثانية فاختار منها علياً فجعله إماماً، ثمّ أمرني أن أتّخذه أخاً وولياً ووصيّاً وخليفةً ووزيراً، فعليّ منّي وأنا من عليّ، وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ الحسن والحسين.
ألا وإنّ الله تبارک وتعالي جعلني وإيّاهم حججاً علي عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهديّ اُمّتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله جلّ وعزّ، يؤيّد بنصر الله، وينصر بملائکة الله، فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(17)
45 - وروي بالاسناد عن يحيي بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): الائمة بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله علي اُمّتي بعدي، المقرّ بهم مؤمن، والمنکر لهم کافر.(18)
46 - وروي بالاسناد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: دخلت علي النبيّ (صلي الله عليه وآله) فإذا الحسين بن علي علي فخذه، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه، ويقول: أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة، أنت حجّة الله ابن حجّته، وأبو حجج تسعة من صلبک، تاسعهم قائمهم.(19)
47 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم.(20)
48 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن عباس - في حديث طويل - قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): الائمة بعدي الهادي علي، والمهتدي الحسن، والناصر الحسين، والمنصور عليّ بن الحسين، والشافع محمّد بن علي، والنفّاع جعفر بن محمّد، والامين موسي بن جعفر، والرضا عليّ بن موسي، والفعّال محمّد بن علي، والمؤتمن علي بن محمّد، والعلاّم الحسن بن علي، ومن يصلّي خلفه عيسي بن مريم (عليه السلام) القائم (عليه السلام).(21)
49 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز بالاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله):
الائمة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله علي اُمّتي بعدي، المقرّ بهم مؤمن، والمنکر لهم کافر.(22)
50 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قلت لرسول الله (صلي الله عليه وآله): أخبرني بعدد الائمة بعدک؟
قال: يا علي هم اثنا عشر، أوّلهم أنت، وآخرهم القائم.(23)
نص أميرالمؤمنين علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: الحادي عشر من ولدي يملؤها عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(24)
2 - وروي الخزّاز بالاسناد عن علقمة بن قيس، قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) علي منبر الکوفة خطبة اللؤلؤة، فقال فيما قال في آخرها: إنّه لعهد عهده إليّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّ الامر يملکه اثنا عشر إماماً، تسعة من صلب الحسين، ولقد قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): لمّـا عُرِج بي إلي السماء نظرت إلي ساق العرش، فإذا مکتوب عليه، لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ، ونصرته بعليّ، ورأيت اثني عشر نوراً، فقلت: يا ربّ، أنوار من هذه؟ فنوديت: يا محمّد، هذه الانوارُ الائمةُ من ذرّيتک.
قلت: يا رسول الله، أفلا تسمّيهم لي؟
قال: نعم، أنت الامام والخليفة بعدي تقضي ديني وتنجز عداتي، وبعدک ابناک الحسن والحسين، وبعد الحسين ابنه عليّ زين العابدين، وبعد عليّ ابنه محمّد يُدعي بالباقر، وبعد محمّد ابنه جعفر يدعي بالصادق، وبعد جعفر موسي يدعي بالکاظم، وبعد موسي ابنه علي يدعي بالرضا، وبعد عليّ ابنه محمّد يدعي بالزکي، وبعد محمّد ابنه علي يدعي بالنقي، وبعده ابنه الحسن يدعي بالامين، والقائم من ولـد الحسين، سميّي وأشبه الناس بي، يملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(25)
3 - وروي الشيخ الکليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وغيرهم بالاسناد عن الاصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) ذات يوم، فوجدته متفکّراً، ينکت في الارض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراک متفکّراً تنکت في الارض، أرغبة منک فيها؟
فقال (عليه السلام): لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا ساعة قطّ، ولکن فکري في مولود يکون من ظهر الحادي عشر من ولدي، وهو المهدي الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، تکون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون.(26)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن علي بن موسي الرضا، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: التاسع من ولدک يا حسين هو القائم بالحقّ، المظهر للدين، والباسط للعدل.
قال الحسين (عليه السلام): فقلت له: يا أمير المؤمنين، وإنّ ذلک لکائن؟
فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمّداً (صلي الله عليه وآله) بالنبوّة، واصطفاه علي جميع البريّة، ولکن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها علي دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله عزّ وجلّ ميثاقهم بولايتنا، وکتب في قلوبهم الايمان وأيّدهم بروح منه.(27)
5 - روي الفضل بن شاذان والشيخ الصدوق بالاسناد عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ (عليهم السلام)، قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معني قول رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إنّي مخلّف فيکم الثقلين: کتاب الله وعترتي) من العترة؟
فقال (عليه السلام): أنا والحسن والحسين والائمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم، لا يفارقون کتاب الله ولا يفارقهم حتّي يردوا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حوضه.(28)
6 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه ذکر القائم (عليه السلام)، فقال: أما ليغيبنّ حتّي يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة.(29)
7 - وروي بالاسناد عن الاصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: صاحب هذا الامر الشريد الطريد الفريد الوحيد.(30)
8 - وروي بالاسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (رضي الله عنه)، عن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: للقائم منّا غيبة أمدها طويل، کأ نّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعي فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم علي دينه ولم يَقْسُ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة.
ثمّ قال (عليه السلام): إنّ القائم منّا إذا قام لم يکن لاحد في عنقه بيعة، فلذلک تخفي ولادته ويغيب شخصه.(31)
9 - وروي بالاسناد عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - في حديث - قال: قلت: يا رسول الله، ومن شرکائي من بعدي؟
قال: الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي فقال: (أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الامْرِ مِنْکُمْ).(32)
فقلت: يا رسول الله، ومن هم؟ قال: الاوصياء منّي إلي أن يردوا عليّ الحوض، کلّهم هاد مهتد، لا يضرّهم من خذلهم، هم مع القرآن، والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر اُمّتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم البلاء، ويستجاب دعاؤهم.
قلت: يا رسول الله، سمّهم لي. فقال: ابني هذا - ووضع يده علي رأس الحسن - ثمّ ابني هذا - ووضع يده علي رأس الحسين - ثمّ ابن له يقال له علي، وسيولد في حياتک فاقرأه منّي السلام، ثمّ تکملة اثني عشر.
فقلت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، سمّهم لي (رجلاً فرجل) فسمّـاهم رجلاً رجلاً، فيهم والله يا أخا بني هلال مهديّ اُمّة محمّد الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، والله إنّي لاعرف من يبايعه بين الرکن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم.(33)
10 - وروي بالاسناد عن الاصبغ بن نباتة، قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن (عليه السلام) وهو يقول: خرج علينا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذات يوم ويدي في يده هکذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام کلّ مسلم، ومولي کلّ مؤمن بعد وفاتي.
ألا وإنّي أقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا، وهو إمام کلّ مؤمن، ومولي کلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّه سيظلم بعدي کما ظلمت بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض کربلاء، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه، خلفاء الله في أرضه وحججه علي عباده، واُمناؤه علي وحيه، وأئمة المسلمين، وقادة المؤمنين، وسادة المتّقين، تاسعهم القائم الذي يملا الله عزّ وجلّ به الارض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها.
والذي بعث أخي محمّداً بالنبوّة واختصّني بالامامة، لقد نزل بذلک الوحي من السماء، علي لسان الروح الامين جبرئيل، ولقد سئل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنا عنده عن الائمة بعده، فقال للسائل: (وَالسَّماء ذات البُروج)(34) إنّ عددهم بعدد البروج، وربّ الليالي والايام والشهور، إنّ عددهم کعدد الشهور.
فقال السائل: فمن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله (صلي الله عليه وآله) يده علي رأسي فقال: أوّلهم هذا، وآخرهم المهدي...(35) الحديث.
الهوامش:
(1) کفاية الاثر: 106، بحار الانوار 36: 322 / 176، العوالم 15: 170 / 140.
(2) الملک: 30.
(3) کفاية الاثر: 120، بحار الانوار 36: 326 / 183، العوالم 15: 175 / 146.
(4) کفاية الاثر: 127، بحار الانوار 36: 328 / 185، العوالم 15: 178 / 149.
(5) کفاية الاثر: 134، بحار الانوار 36: 331 / 190، العوالم 15: 180 / 153.
(6) کفاية الاثر: 297، بحار الانوار 36: 360 / 230، والاية من سورة الانبياء: 73.
(7) کمال الدين: 280 / 27، إعلام الوري: 391، بحار الانوار 51: 71 / 12، العوالم 15: 192 / 2.
(8) بحار الانوار 36: 308 / 147، العوالم 15: 193 / 3.
(9) بحار الانوار 36: 281 / 101، العوالم 15: 212 / 190.
(10) کفاية الاثر: 146، الامامة والتبصرة: 21 / 1، کمال الدين: 211 / 1، أمالي الصدوق: 328 / 3، الفقيه 4: 174 / 5402، أمالي الصدوق: 82، بحار الانوار 36: 333 / 195، العوالم 15: 214 / 191.
(11) کفاية الاثر: 156، بحار الانوار 36: 337 / 200، العوالم 15: 216 / 195.
(12) يس: 48.
(13) کفاية الاثر: 162، بحار الانوار 36: 338 / 201، العوالم 15: 220 / 198.
(14) کفاية الاثر: 175، بحار الانوار 36: 343 / 209، العوالم 15: 225 / 207.
(15) کمال الدين: 250 / 1.
(16) کمال الدين: 254 / 4.
(17) کمال الدين: 257 / 2.
(18) کمال الدين: 259 / 4.
(19) کمال الدين: 262 / 9.
(20) کمال الدين: 280 / 29.
(21) کمال الدين: 284 / 36.
(22) کفاية الاثر: 145 و153، بحار الانوار 36: 333 / 194، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 59 / 28، کمال الدين: 259 / 4، الفقيه 4: 179 / 5406.
(23) أمالي الصدوق: 502 / 10، بحار الانوار 36: 243 / 15.
(24) العدد القويّة: 70 / 107.
(25) کفاية الاثر: 213 ـ 219، بحار الانوار 36: 354 / 225.
(26) الکافي 1: 338 / 7، الغيبة للنعماني: 41، إثبات الوصيّة: 225، کمال الدين: 288 / 1، کفاية الاثر: 219، الاختصاص: 209، رسائل الشيخ المفيد: 400، الغيبة للطوسي: 103، الملاحم والفتن لابن طاووس: 185، بحار الانوار 51: 117 / 18.
(27) کمال الدين: 304 / 16، إعلام الوري: 400، کشف الغمّة 3: 311، بحار الانوار 51: 110.
(28) کمال الدين: 240 / 64، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 57 / 25، معاني الاخبار: 90 / 4، إعلام الوري: 375، کشف الغمّة 3: 299، بحار الانوار 25: 215 / 10، و36: 373 / 2.
(29) کمال الدين: 302 / 9، و303 / 15.
(30) کمال الدين: 303 / 13.
(31) کمال الدين: 303 / 14.
(32) النساء: 59.
(33) کمال الدين: 285 / 37.
(34) البروج: 1.
(35) کمال الدين: 259 / 5.
******************
نص الزهراء علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الخزّاز بالاسناد عن فاطمة (عليها السلام)، قالت: دخل إليّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند ولادتي ابني الحسين، فناولته إيّاه في خرقة صفراء، فرمي بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثمّ قال: خذيه يا فاطمة، فإنّه الامام وأبو الائمة، تسعة من صلبه أئمة أبرار، والتاسع قائمهم.(1)
2 - وروي بالاسناد عن سهل بن سعد الانصاري، قال: سألت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن الائمة، فقالت: کان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول لعلي: يا علي، أنت الامام والخليفة بعدي، وأنت أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت فابنک الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي الحسن فابنک الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي الحسين فابنه عليّ بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي علي فابنه محمّد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي محمّد فابنه جعفر أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي جعفر فابنه موسي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي موسي فابنه علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي علي فابنه محمّد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي محمّد فابنه علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي علي فابنه الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي الحسن فالقائم المهدي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله تعالي به مشارق الارض ومغاربها، فهم أئمة الحقّ وألسنة الصدق، منصور من نصرهم، مخذول من خذلهم.(2)
3 - وروي بالاسناد عن محمود بن لبيد - في حديث - قال: قلت لفاطمة(عليها السلام): يا سيّدتي، إنّي سائلک عن مسألة تتلجلج في صدري. قالت: سل.
قلت: هل نص رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل وفاته علي عليّ (عليه السلام) بالامامة؟
قالت: وا عجباه أنسيتم يوم غدير خم؟!
قلت: قد کان ذلک، ولکن أخبريني بما أسرّ إليک.
قالت: اُشهد الله تعالي، لقد سمعته يقول: عليّ خير من اُخلّفه فيکم، وهو الامام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار. إلي أن قالت: أما والله لو ترکوا الحقّ لاهله، واتّبعوا عترة نبيّه، لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف، وخلف بعد خلف، حتّي يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين...(3) الحديث.
4 - وروي بالاسناد عن الامام الحسين (عليه السلام)، قال: قالت لي اُمّي فاطمة(عليها السلام): لمّـا ولدتک دخل إليّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) فناولتک إيّاه في خرقة صفراء فرمي بها، وأخذ خرقةً بيضاء لفّک بها، وأذّن في اُذنک اليمني، وأقام في اليسري، ثمّ قال: يا فاطمة، خذيه فإنّه أبو الائمة، تسعة من ولده أئمة أبرار، والتاسع مهديّهم.(4)
5 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي نضرة، عن الامام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) - في حديث عهده (عليه السلام) إلي الامام الصادق - قال: ثمّ دعا (عليه السلام) بجابر بن عبد الله فقال له: يا جابر، حدّثنا بما عاينت في الصحيفة. فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت علي مولاتي فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) لاُهنّئها بمولد الحسين (عليه السلام)، فإذا بيدها صحيفة من درّة بيضاء، فقلت لها: يا سيّدة النساء، ما هذه الصحيفة التي أراها معکِ؟ قالت: فيها أسماء الائمة من ولدي...
فقلت لها: ناوليني لانظر فيها. قالت: يا جابر، لولا النهي لکنت أفعل، لکنّه قد نهي أن يمسّها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ، ولکنّه مأذون لک أن تنظر إلي باطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت فإذا فيها: أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفي اُمّه آمنة بنت وهب، أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضي اُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمّد الحسن بن عليّ البرّ، أبو عبد الله الحسين بن عليّ التقي، اُمّهما فاطمة بنت محمّد (صلي الله عليه وآله)، أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل اُمّه شهربانويه بنت يزدجر، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر اُمّه اُمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق اُمّه اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بکر، أبو إبراهيم موسي بن جعفر الثقة اُمّه جارية اسمها حميدة، أبو الحسن عليّ بن موسي الرضا اُمّه جارية اسمها نجمة، أبو جعفر محمّد بن عليّ الزکي اُمّه جارية اسمها خيزران، أبو الحسن عليّ بن محمّد الامين اُمّه جارية اسمها سوسن، أبو محمّد الحسن ابن عليّ الرفيق اُمّه جارية واسمها سمانة وتکنّي باُمّ الحسن، أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجّة الله علي خلقه القائم، اُمّه جارية اسمها نرجس (صلوات الله عليهم أجمعين).(5)
6 - وروي الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: دخلت علي فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح مکتوب فيه أسماء الاوصياء، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ.(6)
7 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: دخلت علي مولاتي فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقدّامها لوحٌ يکاد ضوؤه يغشي الابصار، فيه اثنا عشر اسماً، ثلاثة في ظاهره، وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر.
فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء الاوصياء، أوّلهم ابن عمّي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم.
قال جابر: فرأيت فيها محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعلياً علياً علياً علياً في أربعة مواضع.(7)
8 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن محمّد بن سنان، عن الامام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، قال: قال أبي لجابر بن عبد الله: لي إليک حاجة، اُريد أن أخلو بک فيها، فلمّـا خلا به في بعض الايام، قال له: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة (عليها السلام).
قال جابر: أشهد بالله، لقد دخلت علي فاطمة بنت محمّد رسول الله (صلي الله عليه وآله) لاُهنّئها بولدها الحسين (عليه السلام)، فإذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء، فيه کتاب أنور من الشمس وأطيب رائحة من المسک الاذفر.
فقلت: ما هذا يا بنت رسول الله؟
فقالت: هذا لوح أهداه الله عزّ وجلّ إلي أبي، فيه اسم أبي، واسم بعلي، واسم الاوصياء بعده من ولدي، فسألتها أن تدفعه إليّ لانسخه ففعلت، فقال له: فهل لک أن تعارضني به؟ قال: نعم.
فمضي جابر إلي منزله، وأتي بصحيفة من رقّ، فقال له: انظر في صحيفتک حتّي أقرأها عليک، فکان في صحيفته مکتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا کتاب من الله العزيز العليم، أنزله الروح الامين علي محمّد خاتم النبيّين، يا محمّد عظّم أسمائي، واشکر نعمائي، ولا تجحد آلائي، ولا ترجُ سواي، ولا تخشَ غيري، فإنّه من يرجو سواي ويخشي غيري اُعذّبه عذاباً لا اُعذّبه أحداً من العالمين.
يا محمّد إنّي اصطفيتک علي الانبياء، وفضّلت وصيّک علي الاوصياء، وجعلت الحسن عيبة علمي من بعد انقضاء مدّة أبيه، والحسين خير أولاد الاوّلين والاخرين، فيه تثبت الامامة، ومنه يعقّب علي زين العابدين، ومحمّد الباقر لعلمي والداعي إلي سبيلي علي منهاج الحقّ، وجعفر الصادق في القول والعمل، تنشب من بعده فتنة صمّـاء، فالويل کلّ الويل للمکذّب بعبدي وخيرتي من خلقي موسي، وعلي الرضا يقتله عفريت کافر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلي جنب شرّ خلق الله، ومحمّد الهادي إلي سبيلي الذابّ عن حريمي، والقيّم في رعيّته حَسَن أغرّ يخرج منه ذوا الاسمين علي والحسن، والخلف محمّد يخرج من آخر الزمان، علي رأسه غمامة بيضاء تظلّه من الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلان والخافقان، وهو المهدي من آل محمّد، يملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً.(8)
9 - وروي الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والطبرسي بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) نحوه، وروي النعماني والشيخ المفيد بالاسناد عن بکر بن صالح نحوه أيضاً، إلاّ أنّ في نهايته: وأختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي وناصري، والشاهد في خلفي، وأميني علي وحيي، اُخرج منه الداعي إلي سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثمّ اُکمل ذلک بابنه رحمةً للعالمين، عليه کمال موسي، وبهاء عيسي، وصبر أيوب، مستذلّ أوليائي في زمانه، ويتهادون برؤوسهم کما تتهادي رؤوس الترک والديلم، فيقتلون ويحرقون ويکونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الارض بدمائهم، ويغشو الويل والرنين في نسائهم، اُولئک أوليائي حقّاً، بهم أدفع کلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أکشف الزلازل وأرفع عنهم الاصار والاغلال، اُولئک عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واُولئک هم المهتدون.(9)
نص الامام الحسن علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق والخزّاز بالاسناد عن أبي سعيد عقيصا، قال: لمّـا صالح الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس، فلامه بعضهم علي بيعته، فقال (عليه السلام): ويحکم ما تدرون ما علمت، والله الذي عملت خيرٌ لشيعتي ممّـا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أ نّني إمامکم مفترض الطاعة عليکم، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصٍ من رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليَّ؟ قالوا: بلي.
قال: أما علمتم أنّ الخضر (عليه السلام) لمّـا خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام، کان ذلک سخطاً لموسي بن عمران، إذ خفي عليه وجه الحکمة في ذلک، وکان ذلک عند الله تعالي ذکره حکمةً وصواباً؟
أما علمتم أنّه ما منّا أحدٌ إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسي بن مريم خلفه؟ فإنّ الله عزّ وجلّ يخفي ولادته، ويُغيّب شخصه، لئلاّ يکون لاحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلک التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شابّ دون أربعين سنة، وذلک ليُعلم أنّ الله علي کلّ شيء قدير.(10)
2 - وروي الخزّاز بالاسناد عن الاصبغ، قال: سمعت الحسن بن عليّ (عليه السلام) يقول: الائمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين، ومنهم مهدي هذه الاُمّة.(11)
3 - وروي بالاسناد عن الامام عليّ بن الحسين (عليه السلام)، قال: قال الحسن بن عليّ (عليه السلام): الائمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) عدد نقباء بني إسرائيل، ومنّا مهديّ هذه الاُمّة.(12)
نص الامام الحسين علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن شريک، عن رجل من همدان، قال: سمعت الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: قائم هذه الاُمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يُقسَم ميراثه وهو حيّ.(13)
2 - وروي بالاسناد عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين (عليه السلام)، قال: قال الحسين بن عليّ (عليه السلام): في التاسع من ولدي سُنّةٌ من يوسف، وسُنّةٌ من موسي بن عمران (عليهما السلام)، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارک وتعالي أمره في ليلة واحدة.(14)
3 - وروي الفضل بن شاذان (رحمه الله) بالاسناد عن ثابت بن دينار، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - أنّ الحسين (عليه السلام) قال: يظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين.
فقيل له: يا بن رسول الله، من قائمکم؟
قال (عليه السلام): السابع من ولد ابني محمّد بن عليّ، وهو الحجّة بن الحسن بن عليّ ابن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابني، وهو الذي يغيب مدّة طويلة، ثمّ يظهر ويملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(15)
4 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز وابن عياش بالاسناد عن عبد الرحمن ابن سليط، قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): منّا اثنا عشر مهدياً، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ، يحيي الله به الارض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ علي الدين کلّه ولو کره المشرکون، له غَيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها علي الدين آخرون، فيؤذَون ويقال لهم: (مَتي هذا الوَعْدُ إنْ کُنْتُمْ صادِقين).(16)
أما إنّ الصابر في غيبته علي الاذي والتکذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله).(17)
5 - وروي الخزّاز بالاسناد عن يحيي بن نعمان، قال: کنت عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من العرب متلثّماً أسمر شديد السمرة، فسلّم وردّ الحسين (عليه السلام)، فقال: يا بن رسول الله مسألة؟ قال: هات - وسأله عن عدّة مسائل إلي أن قال -: فأخبرني عن عدد الائمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله). قال: اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل.
قال: فسمّهم لي. قال: فأطرق الحسين (عليه السلام) مليّاً، ثمّ رفع رأسه فقال: نعم، اُخبرک يا أخا العرب أنّ الامام والخليفة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، والحسن، وأنا، وتسعة من ولدي. منهم عليّ ابني، ومحمّد ابنه، وبعده جعفر ابنه، وبعده موسي ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده محمّد ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهدي، هو التاسع من ولدي، يقوم بالدين في آخر الزمان.
قال: فقام الاعرابي وهو يقول:
مسح النبيّ جبينه
أبواه من أعلي قريش فله بريقٌ في الخدودِ
وجدّه خير الجدود(18)
6 - وروي الخصيبي والطبري الامامي والشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي حمزة الثمالي، عن محمّد الباقر، عن أبيه علي، عن الحسين بن علي (عليه السلام)، قال: دخلت أنا وأخي الحسن علي جدّي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأجلسني علي فخذه، وأجلس أخي علي فخذه الاخر، ثمّ قبّلنا وقال: يا ابنيّ، أنعم بکما من إمامين زکيّين صالحين! اختارکما الله عزّ وجلّ منّي ومن أبيکما واُمّکما، واختار من صلبک يا حسين تسعة، تاسعهم قائمهم، وکلّهم في الفضل والمنزلة سواء عند الله تعالي.(19)
7 - وروي الخزّاز بالاسناد عن يحيي بن جعدة بن هبيرة، عن الحسين بن علي (عليه السلام) وسأله رجل عن الائمة، فقال: عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من ولدي، آخرهم القائم.(20)
8 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت الحسين بن عليّ (عليه السلام) يقول: لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلک اليوم حتّي يخرج رجل من ولدي فيملاها عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً، کذلک سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول.(21)
9 - وروي بالاسناد عن عيسي الخشّاب، قال: قلت للحسين بن علي (عليه السلام): أنت صاحب هذا الامر؟
قال: لا، ولکن صاحب الامر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المکنّي بعمّه، يضع سيفه علي عاتقه ثمانية أشهر.(22)
نص الامام زين العابدين علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق وغيره بالاسناد عن أبي خالد الکابلي، قال: دخلت علي سيّدي عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، فقلت له: يا بن رسول الله، أخبرني بالذين فرض الله عزّ وجلّ طاعتهم ومودّتهم، وأوجب علي عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟
فقال لي: يا کابلي، إنّ اُولي الامر الذين جعلهم الله عزّ وجلّ أئمة الناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ الحسن عمّي، ثمّ الحسين أبي، ثمّ انتهي الامر إلينا.
ثمّ سکت، فقلت له: يا سيّدي، روي لنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الارض لا تخلو من حجّة لله تعالي علي عباده، فمن الحجّة والامام بعدک؟
قال: ابني محمّد، واسمه في صحف الاوّلين باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجّة والامام بعدي، ومن بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق.
قلت: يا سيّدي، فکيف صار اسمه الصادق وکلّکم صادقون؟
قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: إذا ولد ابني جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فسمّوه الصادق، فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر، يدّعي الامامة اجتراءً علي الله وکذباً عليه، فهو عند الله جعفر الکذّاب، المفتري علي الله تعالي، والمدّعي لما ليس له بأهل، المخالف لابيه، والحاسد لاخيه، وذلک الذي يروم کشف ستر الله عزّ وجلّ عند غيبة وليّ الله.
ثمّ بکي عليّ بن الحسين (عليه السلام) بکاءً شديداً، ثمّ قال: کأ نّي بجعفر الکذّاب وقد حمل طاغية زمانه علي تفتيش أمر وليّ الله، والمغيّب في حفظ الله، والتوکيل بحرم أبيه جهلاً منه برتبته، وحرصاً منه علي قتله إن ظفر به، وطمعاً في ميراث أخيه حتّي يأخذه بغير حقّ.
فقال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول الله، وإنّ ذلک لکائن؟
فقال: إي وربّي، إنّ ذلک مکتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذکر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).
فقال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول الله، ثمّ يکون ماذا؟
قال: ثمّ تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلي الله عليه وآله) والائمة بعده.(23)
2 - وروي الخزّاز بالاسناد عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن أبيه الامام عليّ ابن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: ادعوا لي ابني الباقر - إلي أن قال -: فقلت له: يا أبه، ولم سمّيته الباقر؟
قال: فتبسّم، وما رأيته تبسّم قبل ذلک، ثمّ سجد لله تعالي طويلاً، فسمعته يقول في سجوده: اللهمّ لک الحمد سيّدي علي ما أنعمت به علينا أهل البيت. يعيد ذلک مراراً.
ثمّ قال: يا بني، إنّ الامامة في ولده إلي أن يقوم قائمنا (عليه السلام) فيملؤها قسطاً وعدلاً، وإنّه الامام أبو الائمة، معدن الحلم، وموضع العلم يبقره بقراً، والله لهو أشبه الناس برسول الله (صلي الله عليه وآله).
قلت: فکم الائمة بعده؟
قال: سبعة، ومنهم المهدي الذي يقوم بالدين في آخر الزمان.(24)
3 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن سعيد بن جبير، قال: قال عليّ بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام): القائم منّا تخفي ولادته علي الناس حتّي يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لاحد في عنقه بيعة.(25)
4 - ومن الادعية التي تضمّنت النص علي الائمة المعصومين (عليهم السلام)، ما رواه السيّد ابن طاووس عن الامام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال:
... اللهمّ صلّ علي محمّد المصطفي، وعلي عليّ المرتضي، وفاطمة الزهراء، وخديجة الکبري، والحسن المجتبي، والحسين الشهيد بکربلاء، وعلي عليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق، وموسي بن جعفر الکاظم، وعليّ بن موسي الرضا، ومحمّد بن عليّ التقي، وعلي بن محمّد النقيّ، والحسن ابن عليّ العسکري، والحجّة القائم المهدي بن الحسن الامام المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين.(26)
5 - ومنها ما رواه أبو حمزة الثمالي عنه (عليه السلام)، أنّه قال:
... يا محمّد يا أبا القاسماه، بأبي أنت واُمّي، إلي الله أتشفّع بک، وبالائمة من ولدک، وبعليّ أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعليّ بن موسي، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن علي، والخلف القائم المنتظر.(27)
الهوامش:
(1) کفاية الاثر: 193، بحار الانوار 36: 350 / 219، العوالم 15: 195 / 175.
(2) کفاية الاثر: 195، بحار الانوار 36: 251 / 221، العوالم 15: 195 / 177.
(3) کفاية الاثر: 197، بحار الانوار 36: 352 / 224، العوالم 15: 198 / 179.
(4) کفاية الاثر: 196، بحار الانوار 36: 352 / 222، العوالم 15: 199 / 180.
(5) کمال الدين: 305 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 40 / 1، بحار الانوار 36: 193 / 2، فرائد السمطين 2:140.
(6) کمال الدين: 311 / 3 و4، 269 / 13، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 46 / 6، 47 / 7، الخصال: 477 / 42، غيبة الطوسي: 92، بحار الانوار 36: 201 / 5، العوالم 15: 65 / 2.
(7) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 46 / 5، کمال الدين: 311 / 2، إعلام الوري: 394، إثبات الوصيّة: 258، بحار الانوار 36: 201 / 4، العوالم 15: 66 / 3.
(8) الامالي للشيخ الصدوق: 297، بحار الانوار 36: 202 / 6، العوالم 15: 67 / 5.
(9) کمال الدين: 308 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1: 41 / 1، الاحتجاج: 84، الاختصاص: 205، غيبة الطوسي: 93، غيبة النعماني: 62 / 5، بحار الانوار 36: 197 / 3، العوالم 15: 68 / 6.
(10) کمال الدين: 315 / 2، کفاية الاثر: 224 ـ 225، إعلام الوري: 401، الاحتجاج: 289، کشف الغمّة 3: 311 ـ 312، العدد القوية: 71 / 111، بحار الانوار 44: 19 / 3، و51: 132 / 1.
(11) کفاية الاثر: 223، الصراط المستقيم 2: 128، بحار الانوار 36: 383 / 1.
(12) کفاية الاثر: 224، بحار الانوار 36: 383 / 2، العوالم 15: 255 / 3.
(13) کمال الدين: 317 / 2، إعلام الوري: 401، العدد القويّة: 71: 113، بحار الانوار 51: 133 / 3.
(14) کمال الدين: 317 / 1، إعلام الوري: 401، کشف الغمّة 3: 312، العدد القويّة: 71 / 112، بحار الانوار 51: 132 / 2.
(15) إثبات الهداة 3: 569 ب 681، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.
(16) يس: 48.
(17) کمال الدين: 317 / 3، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 68 / 36، کفاية الاثر: 231، مقتضب الاثر: 23، إعلام الوري: 384، بحار الانوار 36: 385 / 6، و51: 133 / 4.
(18) کفاية الاثر: 232، الصراط المستقيم 2: 156، بحار الانوار 36: 384 / 5.
(19) دلائل الامامة: 337 / 423، الهداية الکبري: 374، کمال الدين: 269 / 12.
(20) کفاية الاثر: 230، بحار الانوار 36: 383 / 4، العوالم 15: 256 / 1.
(21) کمال الدين: 317 / 4.
(22) کمال الدين: 318 / 5.
(23) کمال الدين: 319 / 2، إعلام الوري: 384، الاحتجاج: 317 / 318، الخرائج والجرائح 1: 268 / 12، بحار الانوار 36: 386 / 1، و50: 227 / 2.
(24) کفاية الاثر: 237، الصراط المستقيم 2: 131.
(25) کمال الدين: 322 / 6.
(26) مهج الدعوات: 16 و233، بحار الانوار 94: 265 / 1.
(27) مهج الدعوات: 165، بحار الانوار 95: 230 / 28.
******************
نص الامام الباقر علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والکليني بالاسناد عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: دخلت علي فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء والائمة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً، آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم علي.(1)
2 - ورووا بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، قال: يکون بعد الحسين (عليه السلام) تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم.(2)
3 - وروي الخزّاز بالاسناد عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن الائمة (عليهم السلام).
فقال: والله لعهدٌ عهده إلينا رسول الله صلوات الله عليه وآله أنّ الائمة بعده اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، ومنّا المهدي الذي يقيم الدين في آخر الزمان، من أحبّنا حشر من حفرته معنا، ومن أبغضنا أو ردّنا أو ردّ واحداً منّا حشر من حفرته إلي النار، وقد خاب من افتري.(3)
4 - وروي بالاسناد عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم الانصاري، قال: دخلت علي مولاي الباقر (عليه السلام)، وعنده اُناس من أصحابه، فجري ذکر الاسلام - إلي أن قال -: فقلت: بأبي واُمّي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندکم، وإنّي قد کبرت سنّي ودقّ عظمي، ولا أري فيکم ما اُسرّ به، أراکم مقتّلين مشرّدين خائفين، وإنّي أقمت علي قائمکم منذ حين أقول: يخرج اليوم أو غداً.
فقال (عليه السلام): يا عبد الغفّار، إنّ قائمنا هو السابع من ولدي، وليس هو أوان ظهوره، ولقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ الائمة بعدي اثنا عشر، عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين (عليه السلام)، والتاسع قائمهم يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً.(4)
5 - وروي الخزّاز بالاسناد عن غالب الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: إنّ الائمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) کعدد نقباء بني إسرائيل، وکانوا اثني عشر، الفائز من والاهم، والهالک من عاداهم.
ولقد حدّثني أبي، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لمّـا اُسري بي إلي السماء نظرت، فإذا علي ساق العرش مکتوب: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ، ونصرته بعليّ، ورأيت مکتوباً في مواضع: علياً، علياً، علياً، ومحمّداً، محمّداً، محمّداً، وجعفراً، وموسي، والحسن والحسن والحسين والحجّة، فعددتهم فإذا هم اثنا عشر.(5)
6 - وروي بالاسناد عن الورد بن الکميت، عن أبيه الکميت أبي المستهل - في حديث - قال: دخلت علي سيّدي أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، فقلت: يا بن رسول الله، إنّي قد قلت فيکم أبياتاً، أفتأذن لي في إنشادها؟ إلي أن قال: فلمّـا بلغت إلي قولي:
متي يقوم الحقّ فيکم متي يقوم مهديّکم الثاني
قال (عليه السلام): سريعاً إن شاء الله سريعاً، ثمّ قال: يا أبا المستهل، إنّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لانّ الائمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) اثنا عشر، الثاني عشر هو القائم (عليه السلام).
قلت: يا سيّدي، فمن هؤلاء الاثنا عشر؟
قال: أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعد الحسين عليّ بن الحسين وأنا، ثمّ بعدي هذا - ووضع يده علي کتف جعفر -.
قلت: فمن بعد هذا؟
قال: ابنه موسي، وبعد موسي ابنه علي، وبعد علي ابنه محمّد، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وهو أبو القائم الذي يخرج فيملا الدنيا قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً، ويشفي صدور شيعتنا.
قلت: فمتي يخرج يا بن رسول الله؟ قال: لقد سئل رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن ذلک فقال: إنّما مثله کمثل الساعة لا تأتيکم إلاّ بغتة.(6)
7 - وروي النعماني بالاسناد عن أبي حمزة الثمالي، قال: کنت عند أبي جعفر محمّد الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلمّـا تفرّق من کان عنده، قال لي: يا أبا حمزة، من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شکّ فيما أقول لقي الله سبحانه وهو به کافر، وله جاحد.
ثمّ قال: بأبي واُمّي المسمّي باسمي، المکنّي بکنيتي، السابع من بعدي، بأبي من يملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً.(7)
8 - وروي النعماني والمسعودي بالاسناد عن البطائني، قال: کنت مع أبي بصير ومعنا موليً لابي جعفر الباقر (عليه السلام)، فقال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: منّا اثنا عشر محدّثاً، السابع من ولدي القائم. فقام إليه أبو بصير، فقال: أشهد أنّي سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقوله منذ أربعين سنة.(8)
9 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن اُمّ هانئ، قالت: لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فسألته عن هذه الاية: (فَلا اُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوارِ الکُنَّسِ)(9)، فقال: إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة 260، ثمّ يبدو کالشهاب الوقّاد في ظلمة الليل، فإن أدرکتِ ذلک قرّت عيناک.(10)
10 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): إنّ شيعتک بالعراق کثيرون، فوالله ما في أهل بيتک مثلک، فکيف لا تخرج؟ فقال: يا عبد الله بن عطاء، قد أمکنت الحشو(11) من اُذنيک، والله ما أنا بصاحبکم. قلت: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من تخفي علي الناس ولادته، فهو صاحبکم.(12)
11 - وروي بالاسناد عن أبي أيوب المخزومي، قال: ذکر أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) سِيَر الخلفاء الاثني عشر الراشدين (صلوات الله عليهم) فلمّـا بلغ آخرهم، قال: الثاني عشر الذي يصلّي عيسي بن مريم (عليه السلام) خلفه، (عليک) بسنّته والقرآن الکريم.(13)
12 - ومن الادعية المرويّة بالاسناد عن الامام الباقر (عليه السلام) المنصوص علي الائمة (عليهم السلام) فيها، ما رواه السيّد ابن طاووس بالاسناد عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) - في دعاء العهد -:... وأتقرّب إليک برسولک المنذر (صلي الله عليه وآله)، وبعليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه الهادي، وبالحسن السيّد، وبالحسين الشهيد سبطي نبيّک، وبفاطمة البتول، وبعليّ بن الحسين زين العابدين ذي الثفنات، وبمحمّد ابن عليّ الباقر عن علمک، وبجعفر بن محمّد الصادق الذي صدّق بميثاقک وبميعادک، وبموسي بن جعفر الحَصور القائم بعهدک، وبعليّ بن موسي الرضا الراضي بحکمک، وبمحمّد بن عليّ الحبر الفاضل المرتضي في المؤمنين، وبعليّ بن محمّد الامين المؤتمن هادي المسترشدين، وبالحسن بن عليّ الطاهر الزکيّ خزانة الوصيّين، وأتقرّب إليک بالامام القائم العدل المنتظر المهدي إمامنا وابن إمامنا صلوات الله عليهم أجمعين...(14).
13 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن عطاء، قال: حدّثني أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، أنّه قال:... وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعليّ بن موسي، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والخلف الصالح الحجّة المنتظر صلواتک يا ربّ عليه وعليهم السلام أجمعين، هم الائمة الهداة المهتدون، غير الضالّين ولا المضلّين، وأنّهم أولياؤک المصطفون، وحزبک الغالبون، وصفوتک من خلقک، وخيرتک من برّيتک، ونجباؤک الذين انتجبتهم لولايتک، واختصصتهم من خلقک، واصطفيتهم علي عبادک، وجعلتهم حجّة علي العالمين صلواتک عليهم والسلام ورحمة الله وبرکاته.(15)
نص الامام الصادق علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق والنعماني والمسعودي والخزّاز والشيخ الطوسي وغيرهم بالاسناد عن أبي الهيثم الميثمي(16)، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام)، أنّه قال: إذا توالت ثلاثة أسماء محمّد وعليّ والحسن، کان رابعهم قائمهم.(17)
2 - وروي الشيخ الطوسي عن الامام الصادق (عليه السلام) - في حديث طويل - قال: يظهر صاحبنا، وهو من صلب هذا - وأومأ إلي موسي بن جعفر (عليه السلام) - فيملؤها عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، وتصفو له الدنيا.(18)
3 - وروي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي بالاسناد عن المفضّل بن عمر، قال: دخلت علي سيّدي جعفر بن محمّد (عليه السلام) فقلت: يا سيّدي، لو عهدت إلينا في الخلف من بعدک؟ فقال (عليه السلام): يا مفضّل، الامام من بعدي ابني موسي، والخلف المأمول المنتظر محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن عليّ بن موسي.(19)
4 - وروي ابن عيّاش بالاسناد عن حسين بن علوان - في حديث طويل - عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال: هم اثنا عشر من آل محمّد (صلي الله عليه وآله): عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ، ومن شاء الله.
قلت: جعلت فداک، إنّما أسألک لتفتيني بالحقّ؟
قال: أنا وابني هذا - وأشار إلي ابنه موسي (عليه السلام) - والخامس من ولده يغيب شخصه، ولا يحلّ ذکره باسمه.(20)
5 - وروي النعماني والشيخ الصدوق بالاسناد عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الکرخي، قال: دخلت علي أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام)، فإنّي عنده جالس، إذ دخل أبو الحسن موسي وهو غلام، فقمت إليه فقبّلته وجلست. فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا إبراهيم، أما إنّه صاحبک من بعدي، أما ليهلکن فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف علي روحه العذاب.
أما ليخرجنّ لله من صلبه خير أهل الارض في زمانه، سميّ جدّه ووارث علمه وأحکامه وقضاياه، ومعدن الامامة، ورأس الحکمة، يقتله جبّار بني فلان بعد عجائب طريفة حسداً له، ولکنّ الله بالغ أمره ولو کره المشرکون، ويخرج الله من صلبه تکملة اثني عشر إماماً مهديّاً، اختصّهم الله بکرامته، وأحلّهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر منهم کالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يذبّ عنه.
إلي أن قال: يا إبراهيم، هو المفرّج للکرب عن شيعته بعد ضنک شديد وبلاء طويل وجوع وخوف، فطوبي لمن أدرک ذلک الزمان.(21)
6 - وروي الخزّاز بالاسناد عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الصادق(عليه السلام)، قال: الائمة اثنا عشر، قال: قلت: يا بن رسول الله، فسمّهم لي.
قال (عليه السلام): من الماضين: عليّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، ثمّ أنا.
قلت: فمن بعدک، يا بن رسول الله؟ فقال: إنّي أوصيت إلي ولدي موسي، وهو الامام بعدي.
قلت: فمن بعد موسي؟ قال: عليّ ابنه يدعي الرضا، يدفن في أرض الغربة من خراسان، ثمّ بعد عليّ ابنه محمّد، وبعد محمّد عليّ ابنه، وبعد عليّ الحسن ابنه، والمهدي من ولد الحسن.
ثمّ قال (عليه السلام): حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا عليّ، إنّ قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر.(22)
7 - وروي النعماني بالاسناد عن زيد الشحّام - في حديث - قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أخبرني بعدّتکم. فقال: نحن اثنا عشر، هکذا حول عرش ربّنا عزّ وجلّ في مبتدأ خلقنا، أوّلنا محمّد، وأوسطنا محمّد، وآخرنا محمّد.(23)
8 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث طويل عن ولادة إبراهيم الخليل (عليه السلام) - قال: فأخبر عليّ (عليه السلام) بأنّ القائم (عليه السلام) هو الحادي عشر من ولده، وأنّه المهدي الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، وأنّه تکون له غيبة وحيرة يضلّ فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون، وأنّ هذا کائن کما أنّه مخلوق.(24)
9 - وروي بالاسناد عن المفضّل بن عمر، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام): إنّ الله تبارک وتعالي خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا.
فقيل له: يا بن رسول الله، ومن الاربعة عشر؟
فقال: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولد الحسين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجّال، ويطهّر الارض من کلّ جور وظلم.(25)
10 - وروي بالاسناد عن أحمد بن هلال، قال: حدّثني اُميّة بن علي القيسي، عن أبي الهيثم التميمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا توالت ثلاثة أسماء: محمّد وعليّ والحسن، کان رابعهم قائمهم.(26)
11 - وروي بالاسناد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: منّا اثنا عشر مهديّاً، مضي ستّة وبقي ستّة، يصنع الله بالسادس ما أحبّ.(27)
12 - وروي بالاسناد عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: في القائم سنّة من موسي بن عمران (عليه السلام)، فقلت: وما سنّة موسي بن عمران؟ قال (عليه السلام): خفاء مولده، وغيبته عن قومه.(28)
13 - وروي بالاسناد عن صفوان بن مهران، قال: قال الصادق جعفر ابن محمّد (عليه السلام): أما والله ليغيبنّ عنکم مهديّکم حتّي يقول الجاهل منکم: ما لله في آل محمّد حاجة ; ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، فيملؤها عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.(29)
14 - وروي بالاسناد عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت له: ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلي بطنه - ثمّ قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشکّ الناس في ولادته، منهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أنّ الله تبارک وتعالي يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلک يرتاب المبطلون.(30)
15 - وروي ابن عياش بالاسناد عن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث - قال (عليه السلام): صاحبکم القائم بأمر الله عزّ وجلّ السادسُ من ولدي.(31)
16 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): علي رأس السابع منّا الفرج.(32)
17 - وروي ابن الخشّاب بالاسناد عن أبي القاسم طاهر بن هارون بن موسي العلوي، عن أبيه هارون، عن أبيه موسي، قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد (عليه السلام): الخلف الصالح من ولدي المهدي، اسمه محمّد، کنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لاُمّه صيقل.(33)
18 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن حيّان السرّاج، قال: سمعت السيّد ابن محمّد الحميري يقول: کنت أقول بالغلوّ، وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ بن الحنفيّة، وقد ضللتُ في ذلک زماناً، فمنّ الله عليّ بالصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام)، وأنقذني به من النار، وهداني إلي سواء الصراط، فسألته بعدما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة الله عليّ وعلي جميع أهل زمانه، وأنّه الامام الذي فرض الله طاعته، وأوجب الاقتداء به.
فقلت له (عليه السلام): يا بن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائک (عليهم السلام) في الغيبة وصحّة کونها، فأخبرني بمن تقع؟
فقال (عليه السلام): إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الائمة الهداة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله في الارض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتّي يظهر فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(34)
19 - وروي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي بالاسناد عن صفوان ابن مهران وعبد الله بن أبي يعفور، عن الامام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) أنّه قال: من أقرّ بجميع الائمة وجحد المهدي کان کمن أقرّ بجميع الانبياء وجحد محمّداً (صلي الله عليه وآله) نبوّته.
فقيل له: يا بن رسول الله، فمن المهدي من ولدک؟
قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنکم شخصه، ولا يحلّ لکم تسميته.(35)
20 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ سنن الانبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منّا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.
قال أبو بصير: فقلت: يا بن رسول الله، ومن القائم منکم أهل البيت؟
فقال: يا أبا بصير، هو الخامس من ولد ابني موسي، ذلک ابن سيّدة الاماء، يغيب غيبةً يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره الله عزّ وجلّ فيفتح الله علي يده مشارق الارض ومغاربها، وينزل روح الله عيسي بن مريم (عليه السلام) فيصلّي خلفه، وتشرق الارض بنور ربّها، ولا تبقي في الارض بقعة عُبد فيها غير الله عزّ وجلّ إلاّ عُبِد الله فيها، ويکون الدين کلّه لله ولو کره المشرکون.(36)
21 - وروي الخزّاز بالاسناد عن مسعدة، قال: کنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه شيخ کبير قد انحني متّکئاً علي عصاه، فسلّم فردّ أبو عبد الله (عليه السلام) الجواب، ثمّ قال: يا بن رسول الله، ناولني يدک اُقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بکي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يبکيک يا شيخ؟
قال: جعلت فداک، أقمت علي قائمکم منذ مائة سنة، أقول هذا الشهر وهذه السنة، وقد کبرت سنّي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، ولا أري ما اُحبّ، أراکم مقتّلين مشرّدين، وأري عدوّکم يطيرون بالاجنحة، فکيف لا أبکي؟
فدمعت عينا أبي عبد الله (عليه السلام) ثمّ قال: يا شيخ، إن أبقاک الله حتّي تري قائمنا کنت معنا في السنام الاعلي، وإن حلّت بک المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّد (صلي الله عليه وآله) ونحن ثقله، فقد قال (صلي الله عليه وآله): (إنّي مخلّف فيکم الثقلين، فتمسّکوا بهما لن تضلّوا: کتاب الله وعترتي أهل بيتي).
فقال الشيخ: لا اُبالي بعدما سمعت هذا الخبر.
قال (عليه السلام): يا شيخ، إنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمّد، ومحمّد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا - وأشار إلي موسي (عليه السلام) - وهذا خرج من صلبي، نحن اثنا عشر کلّنا معصومون مطهّرون.
إلي أن قال (عليه السلام):
يا شيخ، والله لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج قائمنا أهل البيت، ألا وإنّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناک يثبّت الله علي هداه المخلصين، اللهمّ أعنهم علي ذلک.(37)
22 - وروي الشيخ الصدوق مرسلاً عن الامام الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: کن لما لا ترجو أرجي منک لما ترجو، فإنّ موسي بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لاهله ناراً، فرجع إليهم وهو رسول نبيّ، فأصلح الله تبارک وتعالي أمر عبده ونبيّه موسي (عليه السلام) في ليلة، وهکذا يفعل الله تبارک وتعالي بالقائم الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام)، يصلح له أمره في ليلة کما أصلح أمر نبيّه موسي (عليه السلام)، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلي نور الفرج والظهور.(38)
الهوامش:
(1) الارشاد 2: 346، الکافي 1: 447 / 9، کمال الدين: 269 / 13، الخصال: 477 / 42، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 47 / 6 و7.
(2) الارشاد 2: 347، الکافي 1: 448 / 15، الخصال: 480 / 50، إثبات الوصيّة: 227.
(3) کفاية الاثر: 245، بحار الانوار 36: 358 / 227، العوالم 15: 234 / 224.
(4) کفاية الاثر: 250، بحار الانوار 36: 358 / 228، العوالم 15: 235 / 225.
(5) کفاية الاثر: 244، بحار الانوار 36: 244 / 1، العوالم 15: 262 / 1.
(6) کفاية الاثر: 248، بحار الانوار 36: 390 / 2، العوالم 15: 262 / 2.
(7) العوالم 15: 267 / 9 عن غيبة النعماني: 86: 17، تأويل الايات: 202 / 11، بحار الانوار 36: 393 / 9.
(8) العوالم 15: 268 / 11 عن غيبة النعماني: 96 / 8، بحار الانوار 36: 395 / 11، إثبات الوصيّة: 259.
(9) سورة التکوير: 16.
(10) کمال الدين: 324 / 1.
(11) الحشو: فضل الکلام.
(12) کمال الدين: 325 / 2.
(13) کمال الدين: 331 / 17.
(14) مهج الدعوات: 334 ـ 336، بحار الانوار 95: 337 ـ 338 / 8.
(15) جمال الاُسبوع: 454 ـ 464، بحار الانوار 90: 73 / 1.
(16) في کمال الدين: عن أبي الهيثم بن أبي حبّة، وفي کفاية الاثر: عن أبي الهيثم التميمي.
(17) الغيبة للنعماني: 120، إثبات الوصيّة: 227، کمال الدين: 333 / 2، کفاية الاثر: 280، غيبة الطوسي: 139، إعلام الوري: 403، بحار الانوار 51: 38 / 13 و143 / 5.
(18) غيبة الطوسي: 28، بحار الانوار 49: 26 / 44.
(19) کمال الدين: 334 / 4، إعلام الوري: 404، بحار الانوار 48: 15 / 5.
(20) مقتضب الاثر: 41، بحار الانوار 26: 308 / 73، و51: 149 / 24.
(21) الغيبة للنعماني: 57، بحار الانوار 36: 401 / 12، کمال الدين: 334 / 5.
(22) کفاية الاثر: 262، بحار الانوار 36: 409 / 18، و52: 303 / 72، العوالم 15: 269 / 1.
(23) العوالم 15: 273 / 10 عن غيبة النعماني: 85 / 16، بحار الانوار 36: 399 / 9.
(24) کمال الدين: 139 / 7، العوالم 15: 283 / 1.
(25) کمال الدين: 335 / 7، إعلام الوري: 408، بحار الانوار 51: 144 / 8.
(26) کمال الدين: 334 / 3.
(27) کمال الدين: 338 / 3.
(28) کمال الدين: 340 / 18.
(29) کمال الدين: 341 / 22.
(30) کمال الدين: 342 / 24.
(31) مقتضب الاثر: 40، بحار الانوار 51: 163.
(32) غيبة الطوسي: 36، وقال الشيخ الحرّ العاملي في إثبات الهداة 3: 499: المراد السابع منه (عليه السلام) لا من عليّ (عليه السلام)، والسابع منه هو الثاني عشر، ذکره الشيخ، قال: وهو الظاهر من قوله: منّا.
(33) تأريخ مواليد الائمة ووفياتهم: 200، کشف الغمّة 3: 265، بحار الانوار 51: 24 / 37.
(34) کمال الدين: 33 و342 / 23، بحار الانوار 51: 145 / 12.
(35) کمال الدين: 333 / 1، و338 / 12، و410 / 4، و411 / 5، إعلام الوري: 43، کشف الغمّة 3: 313، بحار الانوار 51: 32 / 4، و143 / 4، و145 / 10.
(36) کمال الدين: 345 / 31، بحار الانوار 51: 146 / 14.
(37) کفاية الاثر: 260، إرشاد القلوب: 405، بحار الانوار 36: 408 / 17.
(38) کمال الدين: 151، بحار الانوار 13: 42 / 9.
******************
23 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن إبراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: للامر المخوف العظيم تصلّي رکعتين، وهي التي کانت الزهراء (عليها السلام) تصلّيها، تقرأ في الاُولي الحمد و(قُلْ هُوَ اللهُ أحَد) خمسين مرّة، وفي الثانية مثل ذلک، فإذا سلّمت صلّيت علي النبيّ (صلي الله عليه وآله)، ثمّ ترفع يديک وتقول: اللهمّ إنّي أتوجّه بهم إليک... وأسألک أن تصلّي علي محمّد وآله، وأن تفرّج عن محمّد وآله، وتجعل فرجي مقروناً بفرجهم وتبدأ بهم فيه... وأسألک بذلک الاسم، فلا شفيع أقوي لي منه، وبحقّ محمّد وآل محمّد أن تصلّي علي محمّد وآل محمّد، وأن تقضي لي حوائجي، وتُسمع محمّداً وعليّاً وفاطمة، والحسن والحسين وعلياً ومحمّداً وجعفراً وموسي وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة صلوات الله عليهم وبرکاته ورحمته صوتي، ليشفعوا لي إليک.(1)
وممّـا لا ريب فيه أنّ ذکر الامام الحجّة (عليه السلام) في الدعاء المروي عن الامام الصادق (عليه السلام) هو بمثابة النص الصريح عليه، وکذا في سائر الادعية المرويّة عن الائمة (عليهم السلام) في کتب الدعاء المعتمدة.
24 - ومن ذلک أيضاً ما رواه الشيخ المفيد والشيخ الطوسي عن الامام الصادق (عليه السلام) في زيارة الحسين (عليه السلام): اللهمّ إنّي اُشهدک واُشهد ملائکتک وأنبياءک ورسلک وجميع خلقک، أ نّک أنت الله لا إله إلاّ أنت ربّي، والاسلام ديني، ومحمّد نبيّي، وعليّ إمامي، والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر وعليّ بن موسي ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة القائم بالحقّ المنتظر عليهم أفضل الصلوات والتسليم، أئمّتي بهم أتولّي، ومن عدوّهم أتبرّأ...(2) الدعاء.
25 - وروي الکفعمي عن الصادق (عليه السلام) في الدعاء لمن قلّ عليه رزقه أو ضاقت عليه معيشته، أنّه قال: سلام علي محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسي وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن والقائم سيّدنا ومولانا صلوات الله عليهم أجمعين...(3) إلي آخر الدعاء.
26 - وروي الشيخ الطوسي عنه (عليه السلام) في صلاة الحاجة والدعاء بعدها، قال: روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال:... وأسألک بالحقّ الذي جعلته عند محمّد وآل محمّد، وعند الائمّة عليّ والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسي وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن والحجّة (عليهم السلام)، أن تصلّي علي محمّد وآل محمّد.(4)
نص الامام الکاظم علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ المفيد عن الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال: إذا توالت ثلاثة أسماء محمّد وعليّ والحسن، فالرابع هو القائم (صلّي الله عليهم).(5)
2 - وروي الشيخ الکليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وغيرهم بالاسناد عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام)، قال: إذا فُقِد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانکم، لا يزيلکم عنها أحد، يا بنيّ أنّه لا بدّ لصاحب هذا الامر من غيبة حتّي يرجع عن هذا الامر من کان يقول به، إنّما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه، لو علم آباؤکم وأجدادکم ديناً أصحّ من هذا لاتّبعوه.
قال: فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بنيّ عقولکم تصغر عن هذا، وأحلامکم تضيق عن حمله، ولکن إن تعيشوا فسوف تدرکونه.(6)
3 - ورواه الخصيبي وفيه: فنموت بشکّ منه؟
فقال: لا، أنا السابع، وابني عليّ الرضا الثامن، وابنه محمّد التاسع، وابنه عليّ العاشر، وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمّد سميّ جدّي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وکنيته المهدي، الخامس بعد السابع.
قلت: فرّج الله عنک يا سيّدي کما فرّجت عنّي.(7)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن العباس بن عامر القصباني، قال: سمعت أبا الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) يقول: صاحب هذا الامر من يقول الناس: لم يولد بعد.(8)
5 - وروي بالاسناد عن داود بن کثير الرقّي، قال: سألت أبا الحسن موسي ابن جعفر (عليه السلام) عن صاحب هذا الامر، فقال: هو الطريد الوحيد الغريب، الغائب عن أهله، الموتور بأبيه.(9)
6 - وروي بالاسناد عن أبي أحمد محمّد بن زياد الازدي، قال: سألت سيّدي موسي بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (وَأسْبَغَ عَلَيْکُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَة).(10)
فقال (عليه السلام): النعمة الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب.
فقلت له: ويکون في الائمة من يغيب؟
قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذکره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل الله له کلّ عسير، ويذلّل له کلّ صعب، ويظهر له کنوز الارض، ويقرّب له کلّ بعيد، ويبير به کلّ جبّار عنيد، ويهلک علي يده کلّ شيطان مريد، ذلک ابن سيّدة الاماء الذي تخفي علي الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته حتّي يظهره الله عزّ وجلّ فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(11)
7 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز والعلاّمة الطبرسي بالاسناد عن يونس ابن عبد الرحمن، قال: دخلت علي موسي بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟
فقال: أنا القائم بالحقّ، ولکنّ القائم الذي يُطهّر الارض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملؤها عدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً علي نفسه، يرتدّ فيها أقوامٌ ويثبت آخرون.
ثمّ قال (عليه السلام): طوبي لشيعتنا المتمسّکين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين علي موالاتنا والبراءة من أعدائنا، اُولئک منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّةً، ورضينا بهم شيعةً، فطوبي لهم، ثمّ طوبي لهم، وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة.(12)
8 - وروي الشيخ الصدوق والشيخ الکليني والشيخ الطوسي بالاسناد عن عبد الله بن جندب، أنّه قال: سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عمّـا أقول في سجدة الشکر، فقد اختلف أصحابنا فيه؟
فقال: تقول في سجدة الشکر: اللهمّ إنّي اُشهدک واُشهد ملائکتک وأنبياءک ورسلک وجميع خلقک أ نّک أنت الله ربّي، والاسلام ديني، ومحمّداً نبيّي، وعليّاً والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر وعليّ بن موسي ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة بن الحسن ابن عليّ أئمّتي، لهم أتولّي ومن أعدائهم أتبرّأ.(13)
نص الامام الرضا علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي ابن الخشّاب بالاسناد عن صدقة بن موسي، قال: حدّثنا أبي، عن الرضا (عليه السلام)، قال: الخلف الصالح من ولد أبي محمّد الحسن بن عليّ، وهو صاحب الزمان، وهو المهدي.(14)
2 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا: أنت صاحب هذا الامر؟
فقال (عليه السلام): أنا صاحب هذا الامر، ولکنّي لست بالذي أملؤها عدلاً کما ملئت جوراً، وکيف أکون ذلک علي ما تري من ضعف بدني، وإنّ القائم هو الذي إذا خرج کان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قوياً في بدنه، حتّي لو مدّ يده إلي أعظم شجرة علي وجه الارض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدکدکت صخورها، يکون معه عصا موسي وخاتم سليمان (عليه السلام)، ذاک الرابع من ولدي، يغيّبه الله في ستره ما شاء، ثمّ يظهره فيملا به الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت جوراً وظلماً.(15)
3 - وروي الحسين بن حمران الخصيبي بالاسناد عن الريّان بن الصلت، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: القائم المهدي بن الحسن لا يري جسمه، ولا يسمّي باسمه بعد غيبته حتّي يراه ويعلن باسمه ويسمعه کلّ الخلق.
فقلنا له: يا سيّدنا، وإن قلنا: صاحب الغيبة، وصاحب الزمان، والمهدي؟
قال: هو کلّه جائز مطلق، وإنّما نهيتکم عن التصريح باسمه ليخفي اسمه عن أعدائنا فلا يعرفوه.(16)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنا سيّد من خلق الله... إلي أن قال: ومن ولد الحسين أئمة تسعة، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، تاسعهم قائمهم ومهديّهم.(17)
5 - وروي بالاسناد عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) - في حديث -: الحسن والحسين إماما اُمّتي بعد أبيهما، وسيّدا شباب أهل الجنّة، اُمّهما سيّدة نساء العالمين، وأبوهما سيّد الوصيّين، ومن ولد الحسين تسعة أئمّة، تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي.(18)
6 - وروي بالاسناد عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا عليّ بن موسي (عليه السلام) قصيدتي التي أوّلها:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ
فلمّـا انتهيت إلي قولي:
خروجُ إمام لا محالةَ خارجٌ
يميّز فينا کلّ حقٍّ وباطل يقوم علي اسمِ اللهِ والبرکاتِ
ويجزي علي النعماء والنقماتِ
بکي الرضا (عليه السلام) بکاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعيّ، نطق روح القدس علي لسانک بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام ومتي يقوم؟
فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أ نّي سمعت بخروج إمام منکم يطهّر الارض من الفساد ويملؤها عدلاً کما ملئت جوراً؟
فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلک اليوم حتّي يخرج فيملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً.
وأمّا متي فإخبار عن الوقت، فقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله، متي يخرج القائم من ذرّيتک؟
فقال (صلي الله عليه وآله): مثله مثل الساعة التي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السماوات والارض لا تأتيکم إلاّ بغتة.(19)
7 - وروي بالاسناد عن الحسين بن خالد - في حديث - قال: قيل لعليّ بن موسي الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ومن القائم منکم أهل البيت؟
قال (عليه السلام): الرابع من ولدي، ابن سيّدة الاماء، يطهّر الله به الارض من کلّ جور، ويقدّسها من کلّ ظلم، وهو الذي يشکّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الارض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الذي تطوي له الارض، ولا يکون له ظلّ، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الارض بالدعاء إليه، يقول: ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنّ الحقّ معه وفيه، وهو قول الله عزّ وجلّ: (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين).(20)
8 - وروي بالاسناد عن أيوب بن نوح، قال: قلت للرضا (عليه السلام): إنّا لنرجو أن تکون صاحب هذا الامر، وأن يردّه الله عزّ وجلّ إليک من غير سيف، فقد بويع لک وضربت الدراهم باسمک؟
فقال (عليه السلام): ما منّا أحد اختلفت إليه الکتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الاصابع وحملت إليه الاموال، إلاّ اغتيل أو مات علي فراشه حتّي يبعث الله عزّ وجلّ لهذا الامر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ غير خفيٍّ في نفسه.(21)
9 - وروي عن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا(عليه السلام)، قال: قال لي: لا بدّ من فتنة صمّـاء صيلم(22) يسقط فيها کلّ بطانة ووليجة، وذلک عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبکي عليه أهل السماء وأهل الارض وکلّ حرّي وحرّان، وکلّ حزين ولهفان.
ثمّ قال (عليه السلام): بأبي واُمّي سميّ جدّي (صلي الله عليه وآله) وشبيهي وشبيه موسي بن عمران، عليه جيوب النور، يتوقّد من شعاع ضياء القدس، يحزن لموته أهل الارض والسماء، کم من حرّي مؤمنة، وکم من مؤمن متأسّف حرّان حزين عند فقدان الماء المعين(23)، الحديث.
10 - وروي عن أحمد بن زکريا، قال: قال لي الرضا عليّ بن موسي (عليه السلام): أين منزلک ببغداد؟ قلت: الکرخ. قال: أما إنّه أسلم موضع، ولا بدّ من فتنة صمّـاء صيلم تسقط فيها کلّ وليجة وبطانة، وذلک عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي.(24)
11 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) أنّه قال: کأ نّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي کالنَّعَم يطلبون المرعي فلا يجدونه.
قلت له: ولم ذاک يا بن رسول الله؟
قال: لانّ إمامهم يغيب عنهم.
فقلت: ولم؟
قال: لئلاّ يکون لاحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف.(25)
12 - ونقل السيّد ابن طاووس عن أصل يونس بن بکير، قال: سألت سيّدي (الرضا (عليه السلام)) أن يعلّمني دعاءً أدعو به عند الشدائد، فقال لي: يا يونس، تحفظ ما أکتبه لک وادعُ به في کلّ شدّة تجاب وتعطي ما تتمنّاه، ثمّ کتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم - وذکر الدعاء - إلي أن قال: اللهمّ وقد أصبحت يومي هذا لا ثقة لي ولا رجاء ولا ملجأ ولا مفزع ولا منجي غير من توسّلت بهم إليک متقرّباً إلي رسولک محمّد (صلي الله عليه وآله)، ثمّ عليّ أمير المؤمنين والزهراء سيّدة نساء العالمين والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسي وعليّ ومحمّد وعليّ والحسن ومن بعدهم يُقيم الحجّة إلي الحجّة المستورة من ولده، المرجوّ للاُمّة من بعدُ...(26) إلي آخر الدعاء.
نص الامام الجواد علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسي (عليه السلام): إنّي لارجو أن تکون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً؟
فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلي دين الله، ولکنّ القائم الذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الارض من أهل الکفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکَنِيّه، وهو الذي تُطوي له الارض، ويذلّ له کلّ صعب، ويجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الارض، وذلک قول الله عزّ وجلّ: (أيْنَما تَکونوا يَأتِ بِکُمُ اللهُ جَميعاً إنَّ اللهَ عَلي کُلِّ شَيْء قَدير)(27) فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فإذا کمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّي يرضي الله عزّ وجلّ.(28)
2 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز والعلاّمة الطبرسي والراوندي بالاسناد عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يقول: إنّ الامام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمّ سکت.
فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟
فبکي (عليه السلام) بکاءً شديداً، ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر.
فقلت له: يا بن رسول الله، لم سمّي القائم؟
قال: لأنّه يقوم بعد موتِ ذکره وارتداد أکثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟
قال: لانّ له غيبةً تکثر أيامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينکره المرتابون، ويستهزئ بذکره الجاحدون، ويکذب فيها الوقّاتون، ويهلک فيها المستعجلون، وينجو فيها المُسَلّمون.(29)
الهوامش:
(1) مصباح المتهجّد: 266، بحار الانوار 91: 183 / 9.
(2) کتاب المزار / للشيخ المفيد: 95 ـ 105، التهذيب 6: 56 ـ 65 / 131، بحار الانوار 101: 206 ـ 220 / 33.
(3) البلد الامين: 157، مصباح الکفعمي: 402، بحار الانوار 102: 235 / 3.
(4) مصباح المتهجّد: 293، وروي نحوه في الصفحة 299، جمال الاسبوع: 164، بحار الانوار 90: 38 / 7.
(5) رسالة الغيبة للشيخ المفيد: 400.
(6) الکافي 1: 336 / 2، کمال الدين: 359 / 1، علل الشرائع 1: 244 / 4، کفاية الاثر: 264، غيبة الطوسي: 104، 150 / 1، و52: 113 / 26.
(7) الهداية الکبري: 361.
(8) کمال الدين: 360 / 2.
(9) کمال الدين: 361 / 4.
(10) لقمان: 20.
(11) کمال الدين: 368 / 6.
(12) کمال الدين: 361 / 5، کفاية الاثر: 265، إعلام الوري: 407، کشف الغمّة 3: 313، بحار الانوار 51: 151 / 6.
(13) الفقيه 1: 329 / 967، الکافي 3: 325 / 17، مصباح المتهجّد: 213، التهذيب 2: 110 / 416، بحار الانوار 86: 235 / 59.
(14) تأريخ مواليد الائمة ووفياتهم: 200، کشف الغمّة 3: 265، الفصول المهمّة: 292، بحار الانوار 51: 43 / 31.
(15) کمال الدين: 376 / 7، إعلام الوري: 407، کشف الغمّة 3: 314، الصراط المستقيم 2: 229، بحار الانوار 52: 322 / 30.
(16) الهداية الکبري: 364، مستدرک الوسائل 12: 285 / 15.
(17) کمال الدين: 261 / 7، بحار الانوار 36: 255 / 71، العوالم 15: 289 / 1.
(18) کمال الدين: 260 / 6، بحار الانوار 36: 254 / 70، العوالم 15: 289 / 1.
(19) کمال الدين: 372 / 6.
(20) کمال الدين: 371 / 5، والاية من سورة الشعراء: 4.
(21) کمال الدين: 370 / 1.
(22) الصيلم: الامر الشديد والداهية.
(23) کمال الدين: 370 / 3.
(24) کمال الدين: 371 / 4.
(25) کمال الدين: 480 / 4، علل الشرائع: 245 / 6، عيون أخبار الرضا 1: 273 / 6، بحار الانوار 51: 152 / 1، و52: 96 / 14.
(26) مهج الدعوات: 253 / بحار الانوار 94: 346 / 4.
(27) البقرة: 148.
(28) کمال الدين: 377 / 2.
(29) کمال الدين: 378 / 3، کفاية الاثر: 279، إعلام الوري: 409، الخرائج والجرائح 3: 1172، الصراط المستقيم 2: 230، بحار الانوار 50: 118 / 1، و51: 30 / 4.
******************
3 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز والعلاّمة الطبرسي والراوندي بالاسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلتُ علي سيّدي محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن القائم، أهو المهدي أو غيره؟
قال: فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن يُنتَظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، هو الثالث من ولدي، والذي بعث محمّداً (صلي الله عليه وآله) بالنبوّة وخصّنا بالامامة، إنّه لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج فيه، فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، وإنّ الله تبارک وتعالي ليصلح له أمره في ليلة، کما أصلح أمر کليمه موسي (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لاهله ناراً، فرجع وهو رسول نبيّ.
ثمّ قال (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.(1)
4 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمّد بن الفرج، قال: کتب إليّ أبو جعفر بن الرضا (عليه السلام) بهذا الدعاء وعلّمنيه، وقال: إذا انصرفت من صلاة مکتوبة فقل: رضيت بالله ربّاً، وبمحمّد نبيّاً، وبعليّ وليّاً، وبالحسن والحسين وعليّ ابن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر وعليّ بن موسي ومحمّد ابن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة بن الحسن بن عليّ أئمّةً، اللهمّ وليّک الحجّة، فاحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، وامدد له في عمره، واجعله القائم بأمرک، والمنتصر لدينک، وأره ما يحبّ وما تقرّ به عينه في نفسه وذرّيته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوّه، وأرهم منه ما يحذرون، وأره فيهم ما يحبّ وتقرّ به عينه، واشفِ صدورنا وصدور قوم مؤمنين.(2)
ورواه الشيخ الکليني بالاسناد عن محمّد بن الفرج مع اختلاف في بعض ألفاظه.(3)
نص الامام الهادي علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي والخزّاز بالاسناد عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يقول: إنّ الامام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(4)
2 - وروي الشيخ الصدوق والشيخ الکليني والمسعودي والخصيبي والخزّاز وغيرهم، بالاسناد عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن، فکيف لکم بالخلف من بعد الخلف؟
فقلت: ولم جعلني الله فداک؟
فقال: إنّکم لا ترون شخصه، ولا يحلّ لکم ذکره باسمه.
فقلت: فکيف نذکره؟
فقال: قولوا: الحجّة من آل محمّد (عليهم السلام).(5)
3 - وروي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي بالاسناد عن عليّ بن عبد الغفّار، قال: لمّـا مات أبو جعفر الثاني (عليه السلام) کتبت الشيعة إلي أبي الحسن صاحب العسکر (عليه السلام) يسألونه عن الامر.
فکتب (عليه السلام): الامر لي ما دمتُ حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله عزّ وجلّ آتاکم الله الخلف منّي، وأ نّي لکم بالخلف بعد الخلف؟(6).
4 - وروي الشيخ الصدوق والرزّاز والفتّال والطبرسي بالاسناد عن السيّد عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت علي سيّدي عليّ بن محمّد (عليه السلام)، فلمّـا بصر بي قال لي: مرحباً بک يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله، إنّي اُريد أن أعرض عليک ديني، فإن کان مرضيّاً ثبتُّ عليه حتّي ألقي الله عزّ وجل. فقال: هات يا أبا القاسم.
فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارک وتعالي واحد، ليس کمثله شيء، خارج عن الحدّين: حدّ الابطال وحدّ التشبيه، وإنّه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مُجسِّم الاجسام ومُصوِّر الصور، وخالق الاعراض والجواهر، وربَّ کلّ شيء ومالکه وجاعله ومحدّثه، وإنّ محمّداً (صلي الله عليه وآله) عبده ورسوله خاتم النبيّين، فلا نبيّ بعده إلي يوم القيامة، وإنّ شريعته خاتمة الشرائع، فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة.
وأقول: إنّ الامام والخليفة ووليّ الامر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسي بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسي، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ أنت يا مولاي.
فقال (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فکيف للناس بالخلف من بعده؟
قال: فقلت: وکيف ذلک يا مولاي؟
قال: لأنّه لا يري شخصه ولا يحلّ ذکره باسمه حتّي يخرج فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.
قال: فقلت: أقررت... إلي أن قال: فقال عليّ بن محمّد (عليه السلام): يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبّتک الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والاخرة.(7)
5 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن إسحاق بن محمّد بن أيوب، عن أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام)، أنّه قال: صاحب هذا الامر من يقول الناس: إنّه لم يولد بعد.(8)
6 - وروي بالاسناد عن عليّ بن محمّد بن زياد، قال: کتبت إلي أبي الحسن صاحب العسکر أسأله عن الفرج، فکتب إليّ: إذا غاب صاحبکم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج.(9)
نص الامام العسکري علي الامام المهدي عليهما السلام
1 - روي الشيخ الکليني والشيخ المفيد بالاسناد عن محمّد بن عليّ بن بلال، أنّه قال: خرج إليّ أمر أبي محمّد الحسن بن عليّ العسکري (عليه السلام) قبل مضيّه بسنتين، يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيام، يخبرني بالخلف من بعده.(10)
2 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لابي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام): جلالتک تمنعني عن مسألتک، فتأذن لي أن أسألک؟ فقال: سل.
قلت: يا سيّدي، هل لک ولد؟ قال: نعم.
قلت: إن حدث حدث، فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة.(11)
3 - وعن جعفر بن محمّد المکفوف، عن عمرو الاهوازي، قال: أراني أبو محمّد ابنه (عليه السلام)، وقال: هذا صاحبکم بعدي.(12)
4 - وعن حمدان القلانسي، قال: قلت للعمري(13): قد مضي أبو محمّد؟ فقال لي: قد مضي، ولکن قد خلّف فيکم من رقبته مثل هذه، وأشار بيده.(14)
5 - وعن أحمد بن محمّد بن عبد الله، قال: خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) حين قتل الزبيري(15) لعنه الله: هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه يزعم أنّه يقتلني وليس لي عقب، فکيف رأي قدرة الله عليه؟ وولد له ولد سمّـاه محمّداً في سنة 250.(16)
6 - وروي الشيخ الصدوق والخزّاز بالاسناد عن موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، أنّه خرج من أبي محمّد (عليه السلام) توقيع: زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد کذّب الله قولهم والحمد لله.(17)
7 - وروي الفضل بن شاذان بالاسناد عن محمّد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: ولد وليّ الله وحجّته علي عباده وخليفتي من بعدي مختوناً، ليلة النصف من شعبان سنة 250 عند طلوع الفجر، وکان أوّل من غسّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائکة المقرّبين بماء الکوثر والسلسبيل، ثمّ غسّلته عمّتي حکيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام).(18)
8 - وروي الفضل بن شاذان بالاسناد عن محمّد بن عبد الجبّار، قال: قلت لسيّدي الحسن بن عليّ (عليه السلام): يا بن رسول الله، جعلني الله فداک، اُحبّ أن أعلم من الامام وحجّة الله علي عباده من بعدک؟
فقال (عليه السلام): إنّ الامام وحجّة الله من بعدي ابني، سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکنيّه، الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه.
قال: ممّن هو يا بن رسول الله؟
قال: من ابنة ابن قيصر ملک الروم، ألا إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبةً طويلةً ثمّ يظهر.(19)
9 - وروي الفضل بن شاذان عن إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال: لمّـا همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، غلب عليّ خوف عظيم، فودّعت أهلي وتوجّهت إلي دار أبي محمّد (عليه السلام) لاُودّعه، وکنت أردت الهرب، فلمّـا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وکان وجهه مضيئاً کالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره وضيائه، وکاد ينسيني ما کنت فيه، فقال: يا إبراهيم، لا تهرب، فإنّ الله سيکفيک شرّه، فازداد تحيّري، فقلت لابي محمّد (عليه السلام): يا سيّدي يا بن رسول الله، من هذا، وقد أخبرني بما کان في ضميري؟
قال: هو ابني وخليفتي من بعدي.(20)
10 - وروي الشيخ الکليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والراوندي بالاسناد عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّـاه، قال: أتيت سامراء ولزمت باب أبي محمّد (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه وسلّمت، فقال: ما الذي أقدمک؟ قلت: رغبة في خدمتک.
قال: فقال لي: فالزم الباب، قال: فکنت في الدار مع الخدم، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وکنت أدخل عليهم من غير إذن إذا کان في الدار رجال.
قال: فدخلت عليه يوماً، وهو في دار الرجال، فسمعت حرکة في البيت، فناداني: مکانک لا تبرح. فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت عليّ جارية معها شيءٌ مغطّي، ثمّ ناداني: ادخل، فدخلت ونادي الجارية، فرجعت إليه، فقال لها: اکشفي عمّـا معکِ، فکشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وکشف عن بطنه، فإذا شعر نابت من لبّته إلي سُرّته، أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبکم، ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلک حتّي مضي أبو محمّد (عليه السلام).(21)
11 - وروي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي والراوندي بالاسناد عن يعقوب بن منقوش، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) وهو جالس علي دکّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: سيّدي، من صاحب هذا الامر؟
فقال (عليه السلام): ارفع الستر. فرفعته فخرج إلينا غلام خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلک، واضح الجبين، أبيض الوجه، دُرّي المقلتين، شثن الکفّين، معطوف الرکبتين، في خدّه الايمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس علي فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: هذا صاحبکم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل إلي الوقت المعلوم. فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت. فدخلت فما رأيت أحداً.(22)
12 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي غانم الخادم، قال: ولد لابي محمّد (عليه السلام) ولد فسمّـاه محمّداً، فعرضه علي أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبکم من بعدي، وخليفتي عليکم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الاعناق بالانتظار، فإذا امتلات الارض جوراً وظلماً خرج فملاها قسطاً وعدلاً.(23)
13 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن أحمد بن إسحاق، قال: إنّه سأل أبا محمّد (عليه السلام) عن صاحب هذا الامر، فأشار بيده، أي إنّه حيّ غليظ الرقبة.(24)
14 - وروي الشيخ الصدوق والرزّاز والعلاّمة الطبرسي بالاسناد عن محمّد ابن عثمان العمري (قدّس الله روحه)، قال: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن ابن عليّ (عليه السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): (إنّ الارض لا تخلو من حجّة لله علي خلقه إلي يوم القيامة، وإنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)؟
فقال (عليه السلام): إنّ هذا حقّ، کما أنّ النهار حقّ.
فقيل له: يا بن رسول الله، فمن الحجّة والامام بعدک؟
فقال (عليه السلام): ابني محمّد هو الامام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلک فيها المبطلون، ويکذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فکأ نّي أنظر إلي الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الکوفة.(25)
15 - وروي الشيخ الصدوق والرزّاز والبياضي وغيرهم بالاسناد عن أحمد ابن إسحاق بن سعد، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن علي العسکري (عليه السلام) يقول: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتّي أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله (صلي الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارک وتعالي في غيبته، ثمّ يظهره الله فيملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.(26)
16 - وروي الشيخ الصدوق والرزّاز والبياضي بالاسناد عن علاّن الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّه لمّـا حملت جارية أبي محمّد (عليه السلام) قال: ستحملين ذکراً، واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي.(27)
17 - وروي الشيخ الصدوق والرزّاز والعلاّمة الطبرسي والاربلي وغيرهم بالاسناد عن موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمّد الحسن ابن عليّ (عليه السلام) يقول: کأ نّي بکم وقد اختلفتم بعدي في الخَلَف منّي، أما إنّ المُقِرّ بالائمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) المُنکِر لولدي، کمن أقرّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنکر نبوّة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والمنکر لرسول الله (صلي الله عليه وآله) کمن أنکر جميع الانبياء، لانّ طاعة آخرنا کطاعة أوّلنا، والمنکر لاخرنا کالمنکر لاوّلنا، أما إنّ لولدي غيبةً يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه الله عزّ وجلّ.(28)
18 - وروي الشيخ الصدوق والراوندي والبياضي بالاسناد عن الحسن بن محمّد بن صالح البزّاز، قال: سمعت الحسن بن عليّ العسکري (عليه السلام) يقول: إنّ ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي تجري فيه سنن الانبياء بالتعمير والغيبة، حتّي تقسو القلوب لطول الامد، فلا يثبت علي القول به إلاّ من کتب الله عزّ وجلّ في قلبه الايمان وأيّده بروح منه.(29)
19 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن معاوية بن حکيم ومحمّد بن أيوب ابن نوح ومحمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) ابنه، ونحن في منزله، وکنّا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامکم من بعدي، وخليفتي عليکم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانکم فتهلکوا، أما إنّکم لا ترونه بعد يومکم هذا.
قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلاّ أيام قلائل حتّي مضي أبو محمّد (عليه السلام).
وروي الشيخ الطوسي في (الغيبة) نحوه.(30)
20 - وروي المسعودي بالاسناد عن أحمد بن إسحاق، قال: دخلت علي أبي محمّد (عليه السلام) فقال لي: يا أحمد، ما کان حالکم فيما کان الناس فيه من الشکّ والارتياب؟ قلت: يا سيّدي، لمّـا ورد الکتاب بخبر سيّدنا ومولده، لم يبقَ منّا رجلٌ ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلاّ قال بالحقّ.
فقال: أما علمتم أنّ الارض لا تخلو من حجّة لله؟ ثمّ أمر أبو محمّد (عليه السلام) والدته بالحجّ سنة 259 هـ وعرّفها ما يناله في سنة 260 هـ، وأحضر الصاحب (عليه السلام)، فأوصي إليه، وسلّم الاسم الاعظم والمواريث والسلاح إليه، وخرجت اُمّ أبي محمّد مع الصاحب (عليهما السلام) جميعاً إلي مکّة.(31)
21 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن محمّد بن إسماعيل وعليّ بن عبد الله الحسنيين، قالا: دخلنا علي أبي محمّد الحسن (عليه السلام) بسرّ من رأي، وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتّي دخل عليه بدر خادمه، فقال: يا مولاي، بالباب قوم شعث، غُبر؟
فقال لهم، هؤلاء نفرٌ من شيعتنا باليمن - في حديث طويل يسوقانه - إلي أن ينتهي إلي قول الحسن (عليه السلام) لبدر: فامضِ فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلاّ يسيراً حتّي دخل عثمان، فقال له سيّدنا أبو محمّد (عليه السلام): امضِ يا عثمان، فإنّک الوکيل والثقة المأمون علي مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حمّلوه من المال.
ثمّ ساقا الحديث إلي أن قالا: ثمّ قلنا بأجمعنا: يا سيّدنا، والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتک، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتک، وأنّه وکيلک وثقتک علي مال الله تعالي.
قال (عليه السلام): نعم، واشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد العمري وکيلي، وأنّ ابنه محمّداً وکيل ابني مهديّکم.(32)
22 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد - وکان الخادم أسود نوبياً، قد خدم من قبله عليّ بن محمّد (عليه السلام)، وهو ربّي الحسن (عليه السلام) - فقال: يا عقيد، أغلِ لي ماءً بمصطکي، فأغلي له، ثمّ جاءت به صقيل الجارية اُمّ الخلف (عليه السلام)، فلمّـا صار القدح في يديه وهَمّ بشربه، فجعلت يده ترتعد حتّي ضرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام)، فترکه من يده، وقال لعقيد: ادخل البيت، فإنّک تري صبيّاً ساجداً فائتني به.
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحّري، فإذا أنا بصبيّ ساجد رافع سبّابته نحو السماء، فسلّمت عليه، فأوجز في صلاته، فقلت: إنّ سيّدي يأمرک بالخروج إليه، إذ جاءت صقيل فأخذت بيده، وأخرجته إلي أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلمّـا مثل الصبيّ بين يديه سلّم، وإذا هو دُريّ اللون، وفي شعر رأسه قَطَطٌ، مفلّج الاسنان، فلمّـا رآه الحسن (عليه السلام) بکي وقال: يا سيّد أهل بيته، اسقني الماء، فإنّي ذاهبٌ إلي ربّي، وأخذ الصبيّ القدح المغليّ بالمصطکي بيده، ثمّ حرّک شفتيه ثمّ سقاه، فلمّـا شربه قال: هيّئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل، فوضّأه الصبيّ واحدة واحدة، ومسح علي رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمّد (عليه السلام): أبشر يا بنيّ، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجّة الله علي أرضه، وأنت ولدي ووصيّي، وأنا ولدتُک، وأنت محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولدک رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وأنت خاتم الائمة الطاهرين، وبشّر بک رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسمّـاک وکنّاک، بذلک عهد إليّ أبي عن آبائک الطاهرين، صلّي الله علي أهل البيت، ربّنا إنّک حميد مجيد، ومات الحسن بن عليّ (عليه السلام) من وقته (صلوات الله عليهم أجمعين).(33)
الهوامش:
(1) کمال الدين: 377 / 1، کفاية الاثر: 276، إعلام الوري: 408، الخرائج والجرائح 3: 1171 / 66، الصراط المستقيم 2: 231، بحار الانوار 51: 156 / 1.
(2) الفقيه 1: 327 / 960، مصباح الکفعمي: 25، البلد الامين: 13.
(3) الکافي 2: 547 / 6، بحار الانوار 86: 42 / 52.
(4) کمال الدين: 383 / 10، کفاية الاثر: 288، إعلام الوري: 410، الصراط المستقيم 2: 231، بحار الانوار 50: 239 / 4.
(5) کمال الدين: 381 / 5، الکافي 1: 328 / 13، الهداية الکبري: 87، إثبات الوصيّة: 208، علل الشرائع 1: 245 / 5، کفاية الاثر: 284، غيبة الطوسي: 121، روضة الواعظين 2: 262، إعلام الوري: 351، بحار الانوار 50: 240 / 5.
(6) کمال الدين: 382 / 8، إعلام الوري: 411، بحار الانوار 51: 16 / 5.
(7) کمال الدين: 379 / 1، أمالي الصدوق: 278 / 24، کفاية الاثر: 282، روضة الواعظين 1: 31، إعلام الوري: 409، کشف الغمّة 3: 315، بحار الانوار 50: 239 / 3، و51: 32 / 3.
(8) کمال الدين: 382 / 8.
(9) کمال الدين: 380 / 3.
(10) الارشاد 2: 348، الکافي 1: 264 / 1، الفصول المهمّة: 292، تقريب المعارف: 183، کشف الغمّة 3: 238، بحار الانوار 51: 333 / 58.
(11) الارشاد 2: 348، الکافي 1: 264 / 2، الفصول المهمّة: 292، تقريب المعارف: 184، غيبة الطوسي: 139، روضة الواعظين 2: 262، إعلام الوري: 413، کشف الغمّة 3: 239، بحار الانوار 51: 161 / 11.
(12) الارشاد 2: 348، الکافي 1: 264 / 3، بحار الانوار 52: 60 / 48، تقريب المعارف: 184، غيبة الطوسي: 140، إعلام الوري: 414، کشف الغمّة 3: 239.
(13) المراد به عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) من السفراء الاجلّة، وکان وکيلاً للامام الحسن العسکري (عليه السلام).
(14) الکافي 1: 264 / 4، بحار الانوار 52: 60 / 45، الارشاد 2: 350، حلية الابرار 5: 196 / 4.
(15) قال العلاّمة المجلسي: الزبيري کان لقب بعض الاشقياء من ولد الزبير، کان في زمانه (عليه السلام) فهدّده، وقتله الله علي يد الخليفة أو غيره، وصحّف بعضهم وقرأ بفتح الزاي وکسر الباء من الزَّبِير بمعني الداهية، کناية عن المهتدي العباسي حيث قتله الموالي.
(16) الکافي 1: 265 / 5، إعلام الوري: 414، الارشاد 2: 349، بحار الانوار 51: 4 / 4، غيبة الطوسي: 138، حلية الابرار 5: 196 / 5.
(17) کمال الدين: 407 / 3، کفاية الاثر: 289، بحار الانوار 51: 160 / 8.
(18) منتخب الاثر: 320 / 1، معجم أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) 4: 240.
(19) إثبات الهداة 3: 569 / 680، مستدرک الوسائل 12: 280 / 3.
(20) إثبات الهداة 3: 700 / 136، و3: 570 / 684، مستدرک الوسائل 12: 281 / 4.
(21) الکافي 1: 329 / 6، کمال الدين: 435 / 4، تقريب المعارف: 184، غيبة الطوسي: 140، الخرائج والجرائح 2: 957، بحار الانوار 52: 26 / 21.
(22) کمال الدين: 407 / 2، إعلام الوري: 413، الخرائج والجرائح 2: 958، کشف الغمّة 3: 317، بحار الانوار 52: 25 / 17.
(23) کمال الدين: 431 / 8، العدد القويّة: 72: 118، بحار الانوار 51: 5 / 11.
(24) غيبة الطوسي: 151، بحار الانوار 51: 161 / 12.
(25) کمال الدين: 409 / 9، کفاية الطالب: 292، إعلام الوري: 415، کشف الغمّة 3: 318، بحار الانوار 51: 160 / 7.
(26) کمال الدين: 408 / 7، کفاية الطالب: 290، الصراط المستقيم 2: 231، بحار الانوار 51: 161 / 9.
(27) کمال الدين: 408 / 4، کفاية الطالب: 289، الصراط المستقيم 2: 231، بحار الانوار 51: 2 / 2.
(28) کمال الدين: 409 / 8، کفاية الاثر: 291، إعلام الوري: 414، کشف الغمّة 3: 317، الصراط المستقيم 2: 232، بحار الانوار 51: 160 / 6.
(29) کمال الدين: 524 / 4، الخرائج والجرائح 2: 964، الصراط المستقيم 2: 238، بحار الانوار 51: 224 / 11.
(30) کمال الدين: 435 / 2، غيبة الطوسي: 217، إعلام الوري: 414، کشف الغمّة 3: 317، العدد القويّة: 73 / 121، بحار الانوار 51: 346، و52: 25 / 19.
(31) إثبات الوصيّة: 217، عيون المعجزات: 138، بحار الانوار 50: 335 / 13.
(32) غيبة الطوسي: 215، بحار الانوار 51: 345.
(33) غيبة الطوسي: 165، بحار الانوار 52: 16 / 14.
******************
23 - وروي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي بالاسناد عن أحمد بن إسحاق بن سعد الاشعري، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن الخلف بعده.
فقال مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارک وتعالي لم يخلِ الارض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجّة لله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الارض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج برکات الارض.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الامام والخليفة بعدک؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلي عاتقه غلام، کأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا کرامتک علي الله عزّ وجلّ وعلي حججه، ما عرضتُ عليک ابني هذا، إنّه سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکَنِيّه، الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الاُمّة مثل الخضر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبةً لا ينجو فيها من الهلکة إلاّ من ثبّته الله عزّ وجلّ علي القول بإمامته، ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربيّ فصيح فقال: أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّـا کان من الغد عدت إليه، فقلت له: يا بن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به عليّ، فما السُّنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد.
قلت: يا بن رسول الله، وإنّ غيبته لتطول؟
قال: إي وربّي حتّي يرجع عن هذا الامر أکثر القائلين به، ولا يبقي إلاّ من أخذ الله عزّ وجلّ عهده لولايتنا، وکتب في قلبه الايمان، وأيّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق، هذا أمرٌ من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيبٌ من غيب الله، فخذ ما آتيتک واکتمه وکن من الشاکرين، تکن معنا غداً في عِلّيّين.(1)
نص الامام القائم على نفسه وعلى الائمة عليهم السلام
1 - روي الشيخ الصدوق والعلاّمة الطبرسي والراوندي بالاسناد عن إبراهيم بن محمّد العلوي، قال: حدّثني ظريف أبو نصر، قال: دخلت علي صاحب الزمان فقال: عليّ بالصندل الاحمر، فأتيته (به)، ثمّ قال: أتعرفني؟ فقلت: نعم. قال: من أنا؟ فقلت: أنت سيّدي وابن سيّدي. فقال: ليس عن هذا سألتک.
قال ظريف: فقلت: جعلت فداک، فسّر لي. قال: أنا خاتم الاوصياء، وبي يدفع الله عزّ وجلّ البلاء عن أهلي وشيعتي.(2)
2 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني، الذي روي التوقيع في کيفيّة الصلاة علي النبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال (عليه السلام): إذا صلّيت علي النبيّ (صلي الله عليه وآله) فصّل عليه وعلي أوصيائه علي هذه النسخة.
ونسخة الدفتر الذي خرج: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ صلّ علي محمّد سيّد المرسلين، وخاتم النبيّين، وحجّة ربّ العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفي في الظلال، المطهّر من کلّ آفة، البريء من کلّ عيب، المؤمّل للنجاة، المرتجي للشفاعة، المفوّض إليه دين الله.
اللهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجّته، وارفع درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والدرجة (و) الوسيلة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الاوّلون والاخرون.
وصلّ علي أمير المؤمنين، ووارث المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الوصيّين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي الحسن بن عليّ إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي الحسين بن عليّ إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
(وصلّ علي عليّ بن الحسين إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين).
وصلّ علي محمّد بن عليّ إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي جعفر بن محمّد إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي موسي بن جعفر إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي عليّ بن موسي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي محمّد بن عليّ إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي عليّ بن محمّد إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي الحسن بن عليّ إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ علي الخلف الصالح الهادي المهدي إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين.(3)
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن حکيمة بنت الامام محمّد الجواد (عليه السلام)، قالت: بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام)، فقال: يا عمّة اجعلي إفطارک هذه الليلة عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، فإنّ الله تبارک وتعالي سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته في أرضه.
إلي أن قالت: فلمّـا کان في اليوم السابع، جئت فسلّمت وجلست، فقال: هلمّي إليّ ابني، فجئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة...، ثمّ أدلي لسانه في فيه کأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: تکلّم يا بني؟
فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثنّي بالصلاة علي محمّد، وعلي أمير المؤمنين، وعلي الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتّي وقف علي أبيه.(4)
4 - وفي رواية الراوندي في الخرائج، قالت حکيمة: دخلت يوماً علي أبي محمّد (عليه السلام)، فقال: بيتي عندنا الليلة، فإنّ الله سيظهر الخلف فيها، - إلي أن قالت -: فناداني أبو محمّد (عليه السلام) من الحجرة: هلمّي بابني إليّ يا عمّة. قالت: فأتيته به، فوضع لسانه في فيه، وأجلسه علي فخذه وقال: انطق بإذن الله. فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ، وَنُمَکِّنَ لَهُمْ في الارْضِ وَنُريَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنْهُمْ ما کانوا يَحْذَرون).(5)
وصلّي الله علي محمّد المصطفي وعليّ المرتضي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر وعليّ ابن موسي ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن علي أبي...(6) الحديث.
وهذا نزر يسير ممّـا جاء في النصوص علي الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، والروايات في ذلک کثيرة قد دوّنها أصحاب الحديث من الاماميّة وغيرهم، وأثبتوها في کتبهم المصنّفة، منهم الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني في کتاب (الغيبة)، والشيخ المفيد (رحمه الله) في رسائل متعدّدة في الغيبة، والشيخ الاقدم أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي في کتاب (کمال الدين وتمام النعمة)، وشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في کتاب (الغيبة)، والشيخ نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المالکي في (الفصول المهمّة)، وغيرهم. ومن يرد المزيد فليراجع المصادر المتقدّمة.
الادلّة علي إمامته عليه السلام
إذا تجاوزنا النصوص الکثيرة التي عُنيت بالنص علي الامام القائم (عليه السلام) منذ عهد الرسول الاعظم (صلي الله عليه وآله) إلي زمان الامام الحسن العسکري (عليه السلام)، والاحاديث الاُخري التي عَيّنت الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام عليّ (عليه السلام) وانتهاءً بالامام المهدي (عليه السلام)، فإنّنا سنجد في نصوص اُخري أدلّة حاسمة وبراهين ساطعة علي إمامة الامام المهدي (عليه السلام) وکونه الثاني عشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
ومن تلک الاحاديث التي تصرّح بأنّ الارض لا تخلو من حجّة، والتي تعتبر نصوصاً صريحة وخطابات واضحة من الرسول الاکرم (صلي الله عليه وآله) إلي کلّ المؤمنين فتقرّر أنّ لکلّ زمان إماماً حقّاً، وأنّ (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية)، وأنّ کمال معرفته هو أداء البيعة له، والتي تقتضي بداهة موالاته وطاعته، ومعاداة أعدائه، والبراءة من کلّ ولاية غير ولايته.
ومن ذلک أيضاً، الاحاديث الواردة في صحاح الفريقين بتحديد عدد الائمة باثني عشر إماماً، وجعلت البيعة لهم تمام الدين وحقيقته ومعناه، فضلاً عن أنّ نصوصاً کثيرة وردت من طرق الفريقين بتحديد الاثني عشر بأسمائهم وأعيانهم.
وإذا أضفنا إلي ذلک حديث الثقلين الذي ينص علي بقاء الامام مع القرآن في کلّ عصر وجيل حتّي يردا الحوض علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، عرفنا أنّ ذلک الامام هو من العترة النبويّة لا غير، کما حدّدها الرسول (صلي الله عليه وآله) في قوله: (إنّي تارکٌ فيکم الثقلين: کتاب الله وعترتي، فإنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض) وأنّ الزمان لا يمکن أن يخلو من إمام.
وفي ما يلي نعرض هذه الادلّة بشيء من التفصيل:
حديث الثقلين
لم يترک رسول الله (صلي الله عليه وآله) اُمّته هملاً، وحاشاه من ذلک ; لانّ ذلک يتنافي مع کون رسالته محکوماً ببقائها إلي يوم القيامة، باعتباره (صلي الله عليه وآله) خاتم الرسل ولا رسول بعده، إذن فلا بدّ من تعيين المنهج الرسالي والامتداد الصحيح لمسار النبوّة، الذي يحافظ علي الکتاب الکريم وسنّة النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله) حتّي قيام الساعة، ويراعي استمرارهما منهجاً وتطبيقاً في واقع الحياة.
ولا يمکن أن يوکل اُمّته إلي القرآن الکريم وحده، لما فيه من مجمل ومفصّل، ومحکم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فضلاً عن أنّه حمّـال ذو وجوه کما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإزاء هذا فلا يمکن أن نتصوّر أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) يدع الاُمّة دون أن يحدّد لها مرجعاً يبيّن القرآن ويعلمه حقّ علمه، ويعرف السنّة النبويّة المبارکة بکلّ تفاصيلها.
ولهذا ندرک معني حديث الثقلين (القرآن والسنّة) ومدي أهمّيته في إرجاع الاُمّة فيه إلي العترة النبويّة الطاهرة لاخذ معالم الدين الحقّ عنهم، وتتّضح لنا أسباب تأکيد النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي هذا الحديث في مناسبات کثيرة وحالات متعدّدة کما نطقت به السنّة المبارکة.
روي أبو سعيد الخدري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: إنّي تارک فيکم الثقلين، ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، أحدهما أعظم من الاخر ; کتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، فانظروا کيف تخلفوني فيهما.(7)
وعن زيد بن أسلم، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: کأ نّني قد دُعيت فأجبت، وإنّي تارک فيکم الثقلين، أحدهما أکبر من الاخر: کتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا کيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، إنّ الله مولاي، وأنا وليّ کلّ مؤمن، من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه.(8)
وواضح من الحديث المبارک أنّ المراد من عترة النبيّ (صلي الله عليه وآله) هم أهل بيته، وهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، ويلحق بهم الذرية الطاهرة، وهم الائمة التسعة المعصومون من ولد الامام الحسين (عليه السلام)، وهم أقرب الناس إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله) وشيجةً، وأخصّهم به من حيث العلم، وأعرفهم بدينه، وأعلمهم بسنّته ونهجه، وهناک جملة من الاحاديث الصحيحة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) المصرّحة بأسمائهم، فضلاً عن تواتر نصوص السابق من الائمة (عليهم السلام) علي إمامة اللاحق منهم، وهو ما يناسب الحديث الصحيح المصرّح بأنّ الائمة (عليهم السلام) اثنا عشر وکلّهم من قريش،(9) ولا يمکن أن ينطبق علي سواهم بأيّ حال من الاحوال.
وقد صار متعارفاً عند جميع المسلمين أنّ أهل البيت يراد بهم آل النبيّ(صلي الله عليه وآله)(10)، فقد نزلت آية التطهير في عليّ والزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) في حديث الکساء المشهور(11) الذي يصرّح بعصمتهم وطهارتهم من الدنس والرجس.
وجاء عن اُمّ سلمة (رض) أنّه عندما نزلت (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهيراً)(12) أرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: (هؤلاء أهل بيتي).(13)
وعن أبي الحمراء، قال: شهدنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) تسعة أشهر يأتي کلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت کلّ صلاة فيقول: السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته أهل البيت (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهيراً)(14)، وهذا تأکيد آخر منه (صلي الله عليه وآله) علي أنّ المراد من أهل البيت هم أصحاب هذا البيت المبارک لا غيرهم.
وقد صرّح أهل اللغة بأنّ المراد من قوله (صلي الله عليه وآله) (وعترتي) الوارد في حديث الثقلين أهل بيته (عليهم السلام) دون سواهم، واستدلّوا بقول رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إنّي تارک فيکم الثقلين: کتاب الله، وعترتي أهل بيتي). قال ابن منظور: فجعل العترة أهل البيت (عليهم السلام).(15)
دلالة الحديث علي إمامة الحجّة عليه السلام
وبعد أن تبيّن لنا ما المراد من عترة النبيّ (صلي الله عليه وآله) في حديث الثقلين، نخلص إلي دلالة هذا الحديث علي استمرار وجود إمام معصوم في کلّ عصر حتّي قيام الساعة (لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض) کاستمرار وجود الکتاب الکريم.
ومن هنا قال ابن حجر الهيتمي: وفي أحاديث الحثّ علي التمسّک بأهل البيت إشارة إلي عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّک به إلي يوم القيامة، کما أنّ الکتاب العزيز کذلک، ولهذا کانوا أماناً لاهل الارض، ويشهد لذلک الخبر: في کلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي.(16)
وعلي ضوء حديث الثقلين فلا يخلو أيّ عصر من وجود الامام المعصوم، سواء کان ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً، ولا ريب أنّ وجود الامام الغائب مع توقّع ظهوره في کلّ لحظة، من أکبر البواعث الهادية إلي التمسّک بالکتاب الکريم ونهج النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله) وآله المعصومين (عليهم السلام) ومنه نفهم المراد من حديث (انتظار الفرج عبادة).
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ترجع إلي معني واحد في اُمّهات کتب العامّة والشيعة، فمن طرق العامّة نورد ما يلي:
1 - قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (من مات بغير إمام، مات ميتةً جاهلية).(17)
2 - وقوله (صلي الله عليه وآله): (من مات وليس عليه إمام، فإنّ موتته موتة جاهلية).(18)
3 - وقوله (صلي الله عليه وآله): (من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهلية).(19)
4 - وقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتةً جاهلية).(20)
وأخرجه من الشيعة الشيخ الکليني، والصدوق، ووالده، والحميري، والبرقي، والکشّي، ومحمّد بن الحسن الصفّار، والنعماني، والطبري الامامي، والشيخ المفيد، وغيرهم.(21)
وفي ما يلي بعض ألفاظ الحديث وطرقه:
1 - روي يحيي بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من بات ليلةً لا يعرف فيها إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة.(22)
2 - وعن معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمامه، مات ميتةً جاهليّة.(23)
3 - وعن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من مات وليس له إمام، فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لامامه، کان کمن قام في فسطاطه.(24)
4 - وعن فضيل بن يسار، قال: ابتدأنا أبو عبد الله (عليه السلام) يوماً وقال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية. قلت: قال ذلک رسول الله؟ فقال: إي والله قد قال.
قلت: فکلّ من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم.(25)
وجاء في الحثّ علي معرفة الامام وکونها من ضرورات الدين، وأنّ من أنکر الامام الحجّة (عليه السلام) فقد أنکر آبائه (عليهم السلام):
1 - ما رواه زرارة عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال: إعرف إمامک، فإنّک إذا عرفته لم يضرّک تقدّم هذا الامر أو تأخّر.(26)
2 - وعن ابن مسکان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الائمة (عليهم السلام)، فقال: من أنکر واحداً من الاحياء فقد أنکر الاموات.(27)
3 - وعن فضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (يَوْمَ نَدْعُو کُلَّ اُنَاس بِإمَامِهِمْ)، فقال: يا فضيل، اعرف إمامک لم يضرّک تقدّم هذا الامر أو تأخّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر، کان بمنزلة من کان قاعداً في عسکره.
وفي رواية: کان بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلي الله عليه وآله).(28)
4 - وعن أبي بصير، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداک، متي الفرج؟
فقال: يا أبا بصير، أنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الامر، فقد فُرّج عنه بانتظاره.(29)
5 - وعن إسماعيل بن محمّد الخزاعي، قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع، وقال: أتراني اُدرک القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا بصير، ألست تعرف إمامک؟ فقال: بلي والله وأنت هو، فتناول يده وقال: والله ما تبالي يا أبا بصير أن لا تکون محتبياً بسيفک في ظلّ رواق القائم (عليه السلام).(30)
6 - وعن عمرو بن أبان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إعرف إمامک، فإذا عرفته لم يضرّک تقدّم هذا الامر أم تأخّر، إنّ الله تبارک وتعالي يقول: (يَوْمَ نَدْعُو کُلَّ اُنَاس بِإمَامِهِمْ) فمن عرف إمامه، کان کمن هو في فسطاط المنتظر.(31)
الهوامش:
(1) کمال الدين: 384 / 1، الخرائج والجرائح 3: 1174 / 68، إعلام الوري: 412، کشف الغمّة 3: 316، الصراط المستقيم 2: 231، بحار الانوار 52: 23 / 16.
(2) کمال الدين: 441 / 12، غيبة الطوسي: 148، دعوات الراوندي: 207 / 563، بحار الانوار 52: 30 / 25، إثبات الوصيّة: 252.
(3) غيبة الطوسي: 165، بحار الانوار 52: 17 / 15، جمال الاُسبوع: 494.
(4) کمال الدين: 424 / 1، و426 / 2، بحار الانوار 51: 2: 3، و11: 14.
(5) القصص: 5 و6.
(6) العوالم 15: 302 عن الخرائج والجرائح.
(7) روي هذا الحديث بهذا اللفظ وبألفاظ اُخري متواترة معنيً عن أکثر من ثلاثين صحابيّاً، راجع صحيح مسلم 4: 1873 / 2408، مستدرک الحاکم 3: 109، سنن الترمذي 5: 662 / 3786 و3788، مسند أحمد 3: 14 و17 و26 و59، 2: 371، 5: 182 و189، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل 2: 603 / 1035، الخصائص / النسائي: 21، مصابيح السنّة / البغوي 4: 185 / 4800 و190 / 4816، مجمع الزوائد / الهيثمي 9: 163، الجامع الصغير / السيوطي 1: 244 / 1608، الصواعق المحرقة / ابن حجر: 75 و89، الخصائص الکبري / السيوطي 2: 266، الدرّ المنثور / السيوطي 2: 60، تفسير الرازي 8: 163، حلية الاولياء / أبو نعيم 1: 355، سنن البيهقي 2: 148 و7: 30، اُسد الغابة 2: 13، تأريخ بغداد 8: 442، المعجم الکبير / الطبراني 3: 201 / 3052، وغيرها کثير.
(8) مستدرک الحاکم 3: 109.
(9) راجع صحيح البخاري 9: 147 / 79 ـ باب الاستخلاف، صحيح مسلم 4: 1883.
(10) مفردات الراغب الاصفهاني: 64 ـ بيت ـ.
(11) راجع صحيح مسلم 4: 1883 / 2424 ـ کتاب فضائل الصحابة، سنن الترمذي 5: 351 / 3205 ـ کتاب التفسير، مصابيح السنّة 4: 183 / 4796، مسند أحمد 4: 107، جامع الاُصول 9: 155 / 6702 و6703 و6705.
(12) الاحزاب: 33.
(13) السنن الکبري / البيهقي 7: 63.
(14) مشکل الاثار / الطحاوي 1: 338.
(15) لسان العرب ـ عتر ـ 9: 34.
(16) الصواعق المحرقة: 149.
(17) مسند أحمد 4: 96، حلية الاولياء 3: 224، کنز العمّـال 1: 103 / 464، مسند الطيالسي: 259.
(18) المستدرک / الحاکم 1: 77، مجمع الزوائد 5: 218 و224 و225، الدرّ المنثور / السيوطي 2: 286 ـ في تفسير الاية (103) من سورة آل عمران.
(19) ينابيع المودّة: 117.
(20) صحيح مسلم 3: 1478 / 58، السنن الکبري 8: 156، جامع الاُصول 4: 463 / 2065، مجمع الزوائد 5: 218، تفسير ابن کثير 1: 530 ـ في تفسير الاية 59 من سورة النساء. ومن مصادر العامّة التي اُخرجت حديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه)، مسند أبي داود الطيالسي: 259 / 1913، شرح ابن أبي الحديد 9: 155، المعجم الکبير / الطبراني 10: 350 / 10687، تفسير ابن کثير 1: 517.
(21) راجع الکافي 1: 303 / 5، و308 / 1 ـ 3، و377 / 3، و8: 129 / 123، المحاسن: 153 / 78 و154 / 80 و155 / 82، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 58 / 214، إکمال الدين: 412 ـ 413 / 10 ـ 12 و15، عقاب الاعمال: 244 / 1، غيبة النعماني: 80، رجال الکشّي: 235 / 428 في ترجمة سالم بن أبي حفصة، الامامة والتبصرة: 219 / 69 ـ 71، قرب الاسناد: 351 / 1260، بصائر الدرجات: 259 و509 و510.
(22) غيبة النعماني: 80.
(23) غيبة النعماني: 82.
(24) غيبة النعماني: 230.
(25) إلزام الناصب 1: 9.
(26) غيبة النعماني: 229.
(27) غيبة النعماني: 82.
(28) غيبة النعماني: 229.
(29) غيبة النعماني: 229.
(30) غيبة النعماني: 230.
(31) غيبة النعماني: 230.
******************
دلالة الحديث علي إمامة الحجّة عليه السلام
يتّضح ممّـا تقدّم من تخريج الحديث أنّه متواتر وصحيح، وأنّه يدلّ بشکل لا يحتمل التأويل علي وجوب معرفة الامام الحقّ علي کلّ مسلم ومسلمة، وإلاّ فإنّ مصيره سيکون الميتة الجاهلية والعياذ بالله. وتبيّن من خلال بعض ألفاظ الحديث أنّ من کمال معرفة الامام البيعة له، والتي تقتضي موالاته والبراءة من أعدائه، فمن يا تري يستحقّ في مثل هذا الزمان هذه المکانة؟ هل هو السلطان أو الحاکم أو الملک؟
وإذا کان السلطان أو الحاکم فاسقاً أو ظالماً، فهل إنّ موالاته وطاعته والبراءة من أعدائه، تبرئ ذمّة الانسان يوم يقف أمام ربّه؟ بل هل هي من الدين في شيء؟ وما هي الثمرة المترتّبة علي معرفة الظالم الفاسق؟
إذن فلا بدّ من وجود إمام حقّ في کلّ عصر وجيل، وذلک لا يتمّ إلاّ أن نقول بوجود الامام المهدي (عليه السلام) الذي فرض الله تعالي مودّته وأوجب التمسّک به، وبشّر بظهوره النبيّ الخاتم (صلي الله عليه وآله)، وهو الامام الذي يشفع لمحبّيه والمؤمنين به يوم يدعي کلّ اُناس بإمامهم.
ذکر اليعقوبي في تأريخه، باب خطب رسول الله ومواعظه، فقال: خطب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوماً فقال في خطبته: (اذکروا الموت فإنّه آخذ بنواصيکم - إلي أن قال: - إنّ العبد لا تزول قدماه يوم القيامة حتّي يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله ممّـا اکتسبه وفيما أنفقه، وعن إمامه من هو؟ قال الله عزّ وجلّ: (يَوْمَ نَدْعُو کُلَّ اُنَاس بِإمَامِهِمْ)، إلي آخر الاية).(1)
استدلال الشيخ المفيد بالحديث علي إمامة الحجّة عليه السلام
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): سأل سائل فقال: أخبروني عمّـا رُوِيَ عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: (من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) هل هو ثابت صحيح أم هو معتلّ سقيم؟
قيل له: بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الاثار ويقوّي معناه صريح القرآن، حيث يقول جلّ اسمه: (يَوْمَ نَدْعُو کُلَّ اُنَاس بِإمَامِهِمْ فَمَنْ اُوْتِيَ کِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَاُوْلَئِکَ يَقْرَأونَ کِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).(2) وقوله تعالي: (فَکَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ اُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِکَ عَلَي هَؤْلاءِ شَهِيداً)(3)، وآي کثيرة من القرآن.
فإن قال: فإذا کان الخبر صحيحاً، کيف يصحّ قولکم في غيبة إمام هذا الزمان وتغيّبه واستتاره علي الکلّ وعدم علمهم بمکانه؟
قيل له: لا مضادّة بين المعرفة بالامام وبين جميع ما ذکرت من أحواله، لانّ العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلي العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصحّ إدراکه بشيء من الحواسّ، فضلاً عمّن يجوز إدراکه وإحاطة العلم بما لا مکان له، فضلاً عمّن يخفي مکانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلاً عن المستخفي المستتر.
وقد بشّر الله تعالي الانبياء المتقدّمين بنبيّنا محمّد (صلي الله عليه وآله) قبل وجوده في العالم فقال سبحانه: (وَإذْ أخَذَ اللهُ مِيْثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُکُمْ مِنْ کِتَاب وَحِکْمَة ثُمَّ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهَ) يعني رسول الله (صلي الله عليه وآله) (قالَ ءأقْرَرْتُمْ وَأخَذْتُمْ عَلَي ذَلِکُمْ إصْرِي) يعني عهدي (قالُوا أقرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأنا مَعَکُمْ مِنَ الَّشاهِدِين)(4)، قال جلّ اسمه: (النَّبِيَّ الاُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَکْتوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراةِ وَالانْجيل).(5)
فکان نبيّنا عليه وآله السلام مکتوباً مذکوراً في کتب الله الاُولي، وقد أوجب علي الاُمم الماضية معرفته والاقرار به وانتظاره، وهو (عليه السلام) وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلي الوجود.
ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب، وهو معدوم غير موجود، وقد عرفنا آدم ونوحاً وإبراهيم وموسي وعيسي (عليهم السلام) ولم نشاهدهم ولا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم، ونعرف جبرئيل وميکائيل وإسرافيل وملک الموت (عليهم السلام) ولسنا نعرف لهم شخصاً، ولا نعرف لهم مکاناً، فقد فرض الله علينا معرفتهم والاقرار بهم، وإن کنّا لا نجد إلي الوصول إليهم سبيلاً، ونعلم أنّ فرض المعرفة لشخص في نفسه من المصالح ممّـا لا يتعلّق لوجود مشاهدة المعروف ولا يعرف مستقرّه ولا الوصول إليه في مکانه، وهذا بيّن لمن تدبّره.
فإن قال: فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذکرنا؟
قيل له: نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وکماله نفع لنا في اکتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدّي بها فرضاً ألزمناه ربّنا المالک للرقاب، کما کانت المعرفة بمن عددناه من الانبياء والملائکة من أجل النفع لنا في مصالحنا، واکتسابنا المثوبة في آجلنا ; وإن لم يصحّ المعرفة لهم علي کلّ حال، وکما أنّ معرفة الاُمم الماضية نبيّنا قبل وجوده، مع أنّها کانت من أوکد فرائضهم لاجل منافعهم، ومعرفة الباري جلّ اسمه أصل الفرائض کلّها، وهو أعظم من أن يدرک بشيء من الحواس.
فإن قال: إذا کان الامام عندکم غائباً، ومکانه مجهولاً، فکيف يصنع المسترشد؟ وعلي ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حکماً؟ وإلي من يرجع المتنازعون، لا سيّما والامام إنّما نصب لما وصفناه؟
قيل له: هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدّم، ولا وصلة بينه وبينه، وقد مضي السؤال الاوّل في معني الخبر وفرض المعرفة وجوابه علي انتظام، ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخلّ بمعني التمام فنقول وبالله التوفيق: إنّما الامام نصب لاشياء کثيرة:
أحدها: الفصل بين المختلفين.
الثاني: بيان الحکم للمسترشدين.
ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين، غير أنّه إنّما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمکّن من ذلک والاختيار، وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الايثار مع الاضطرار، ولم يؤت الامام في التقيّة من قبل الله عزّ وجلّ، ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين، وإنّما اُتي ذلک من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ودفعوا نسبه، وأنکروا حقّه، وحملوا الجمهور علي عداوته ومناصبة القائلين بإمامته، وکانت البليّة فيما يضيع من الاحکام، ويتعطّل من الحدود، ويفوت من الصلاح، متعلّقة بالظالمين، وإمام الانام بريء منها وجميع المؤمنين.
فأمّا الممتحن بحادث يحتاج إلي علم الحکم فيه، فقد وجب عليه أن يرجع في ذلک إلي العلماء من شيعة الامام، وليعلم ذلک من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدي المتقدّمين، وإن عدم ذلک - والعياذ بالله - ولم يکن فيه حکم منصوص علي حال، فيعلم أنّه علي حکم العقل، لأنّه لو أراد الله أن يتعبّد فيه بحکم سمعي لفعل ذلک، ولو فعله لسهل السبيل إليه.
وکذلک القول في المتنازعين، يجب عليهم ردّ ما اختلفوا فيه إلي الکتاب والسنّة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين، ويستعينوا في معرفة ذلک بعلماء الشيعة وفقهائهم، وإن کان - والعياذ بالله - لم يوجد فيما اختلفوا فيه نص علي حکم سمعي، فليعلم أنّ ذلک ممّـا کان في العقول ومفهوم أحکام العقول، مثل: أنّ من غصب إنساناً شيئاً، فعليه ردّه بعينه إن کانت عينه قائمة، فإن لم تکن عينه قائمة کان عليه تعويضه منه بمثله، فإن لم يوجد له مثل کان أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته، فإن لم يستطع ذلک، أو لم يفعله مختاراً، کان في ذمّته إلي يوم القيامة.
وإن کان جان جني علي غيره جناية لا يمکن تلافيها کانت في ذمّته، وکان المجني عليه ممتحناً بالصبر إلي أن ينصفه الله تعالي يوم الحساب، فإن کان الحادث ممّـا لا يعلم بالسمع إباحته من خطره، فإنّه علي الاباحة إلاّ أن يقوم دليل سمعي علي خطره.
وهذا الذي وصفناه إنّما جاز للمکلّف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الامام المرشد، ولو کان الامام ظاهراً ما وسعه غير الردّ إليه، والعمل علي قوله، وهذا کقول خصومنا کافة: إنّ علي الناس في نوازلهم بعد النبيّ (صلي الله عليه وآله) أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها، ولا يجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأي بحضرة النبيّ (صلي الله عليه وآله).
فإن قال: فإذا کانت عبادتکم تتمّ بما وصفتموه مع غيبة الامام، فقد استغنيتم عن الامام؟
قيل له: ليس الامر کما ظننت في ذلک، لانّ الحاجة إلي الشيء قد تکون قائمة مع فقد ما يسدّها، ولولا ذلک ما کان الفقير محتاجاً إلي المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً إلي الدواء وإن بَعُدَ وجوده، والجاهل محتاجاً إلي العلم وإن عدم الطريق إليه، والمتحيّر محتاجاً إلي الدليل وإن لم يظفر به.
ولو لزمنا ما ادّعيتموه وتوهّمتموه، للزم جميع المسلمين أن يقولوا: إنّ الناس کانوا في حال غيبة النبيّ (صلي الله عليه وآله) للهجرة وفي الغار أغنياء عنه، وکذلک کانت حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب (عليه السلام)، وکان قوم موسي (عليه السلام) أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربّه، وکذلک أصحاب يونس (عليه السلام) أغنياء عنه لمّـا ذهب مغضباً والتقمه الحوت وهو مليم، وهذا ممّـا لا يذهب إليه مسلم ولا ملّي. فيعلم بذلک بطلان ما ظنّه الخصوم وتوهّموه علي الظنّة والرجوم.(6)
حديث أن الارض لا تخلو من حجة
أخرج هذا الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع من کبار أعلام العامّة، وصحّحه بعضهم، فقد جاء في (نهج البلاغة) عن کميل بن زياد النخعي، قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأخرجني إلي الجبان، فلمّـا أصحر تنفّس الصعداء، ثمّ قال: يا کميل بن زياد، إنّ هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عنّي ما أقول لک.
الناس ثلاثة: فعالم ربّاني، ومتعلّم علي سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع کلّ ناعق، يميلون مع کلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلي رکن وثيق. إلي أن قال: اللهمّ بلي، لا تخلو الارض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً، وإمّا خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته.(7)
وقد أخرجه من علماء العامّة الاسکافي المعتزلي، وابن قتيبة الدينوري، وابن عبد ربّه الاندلسي، ومحمّد بن أحمد الازهري، وأبو طالب المکّي، والبيهقي، والخطيب البغدادي، والخوارزمي الحنفي، والرازي الشافعي، وابن أبي الحديد المعتزلي، وابن عبد البرّ التنّوخي، وسعد الدين التفتازاني، وابن حجر العسقلاني.(8)
وقال ابن حجر في شرح صحيح البخاري: وفي صلاة عيسي (عليه السلام) خلف رجل من هذه الاُمّة مع کونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الاقوال (إنّ الارض لا تخلو من قائم لله بحجّة) والله العالم.(9)
أمّا في مصادر الشيعة فقد روي هذا الحديث في اُمّهات الکتب الشيعية(10)، وفي ما يلي استعراض للاحاديث الدالّة عليه أو المشابهة له في الدلالة:
1 - روي يعقوب السرّاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: تبقي الارض يوماً بلا عالم منکم حيّ ظاهر، يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟
قال (عليه السلام): إذن لا يُعبد الله يا أبا يوسف.(11)
2 - وعن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الکريم وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنّ جبرئيل (عليه السلام) نزل علي النبيّ محمّد (صلي الله عليه وآله) بخبر عن ربّه تعالي، فقال له: إنّ الله يقول: يا محمّد، إنّي لم أترک الارض إلاّ وفيها عالم، تعرف به طاعتي وهدايتي، ويکون نجاة فيما بين قبض النبيّ إلي خروج النبيّ الاخر، ولم أکن أترک إبليس يُضلّ الناس، وليس في الارض حجّة لي، وداع لي، وهاد إلي سبيلي، وعارف بأمري، وإنّي قد قيّضت لکلّ قوم هادياً أهدي به السعداء، ويکون حجّةً علي الاشقياء.(12)
3 - وعن يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ألا والله لا يدع الله هذا الامر إلاّ وله من يقوم به إلي يوم تقوم الساعة.(13)
4 - وعن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: تبقي الارض بغير إمام؟ قال: لا. قلت: يکون إمامان؟ قال: لا، إلاّ وأحدهما صامت.(14)
5 - وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: والله ما ترک الله أرضه منذ قبض الله آدم إلاّ وفيها إمام يهدي به إلي الله، وهو حجّته علي عباده، ولا تبقي الارض بغير إمام حجّة لله علي عباده.(15)
6 - وعن محمّد بن الفضيل، عن الامام الرضا (عليه السلام)، قال: قلت له: أتبقي الارض بغير إمام؟
قال: لا.
قلت له: فإنّا نروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّها لا تبقي بغير إمام إلاّ أن يسخط الله علي أهل الارض، أو قال: علي العباد؟
قال (عليه السلام): لا تبقي الارض بغير إمام، ولو بقيت إذن لساخت.(16)
7 - وعن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه سمعه يقول: لو لم يکن في الارض إلاّ اثنان لکان أحدهما الامام.(17)
8 - وعن کرّام، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو کان الناس رجلين لکان أحدهما إماماً.(18)
9 - وقال (عليه السلام): إنّ آخر من يموت الامام، کي لا يحتجّ أحدٌ علي الله أنّه ترکه بغير إمام.(19)
10 - وعن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال (عليه السلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال علي منبر الکوفة: اعلموا أنّ الارض لا تخلو من حجّة لله عزّ وجلّ، ولکنّ الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم علي أنفسهم، ولو خلت الارض ساعة واحدة من حجّة لله لساخت بأهلها، ولکنّ الحجّة يعرف الناس ولا يعرفونه، کما کان يوسف يعرف الناس وهم له منکرون.
ثمّ تلا (عليه السلام): (يا حَسْرَةً عَلي العِبادِ ما يَأتيهِمْ مِنْ رَسول إلاّ کانوا بِهِ يَسْتَهْزِؤون).(20)
11 - وعن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لو لم يکن في الارض إلاّ اثنان لکان أحدهما الحجّة، ولو ذهب أحدهما بقي الحجّة.(21)
12 - وعن أبي هراسة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو أنّ الامام رفع من الارض ساعة لماجت باهلها کما يموج البحر بأهله.(22)
13 - وعن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لو بقيت الارض يوماً بلا إمام منّا، لساخت بأهلها ولعذّبهم الله بأشدّ عذابه.(23)
14 - وعن الحسن بن زياد، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): هل تکون الارض إلاّ وفيها إمام؟ قال: لا تکون إلاّ وفيها إمام عالم بحلالهم وحرامهم وما يحتاجون إليه.(24)
15 - وعن أبي بصير، عن أحدهما (عليه السلام) قال: قال: إنّ الله لم يدع الارض بغير عالم، ولولا ذلک لم يعرف الحقّ من الباطل.(25)
16 - وعن المعلّي بن خنيس، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): هل کان الناس إلاّ وفيهم من قد اُمروا بطاعته منذ کان نوح (عليه السلام)؟ قال: لم يزل کذلک، ولکن أکثرهم لا يعلمون.(26)
17 - وعن يزيد الکناسي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس تبقي الارض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجّة لله علي الناس، ولم يبقَ منذ خلق الله عزّ وجلّ آدم (عليه السلام) فأسکنه الارض.(27)
18 - وعن صفوان بن يحيي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إنّ الارض لا تخلو من أن يکون فيها إمام منّا.(28)
19 - وعن صفوان بن يحيي، عن أبي الحسن الاوّل - يعني الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) - قال: ما ترک الله عزّ وجلّ الارض بغير إمام قسط منذ قبض آدم (عليه السلام) يهتدي به إلي الله عزّ وجلّ، وهو الحجّة علي العباد، من ترکه ضلّ، ومن لزمه نجا، حقّاً علي الله عزّ وجلّ.(29)
20 - وعن الحسن بن زياد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ الارض لا تخلو من أن يکون فيها حجّة عالم، إنّ الارض لا يصلحها إلاّ ذلک، ولا يصلح الناس إلاّ ذلک.(30)
21 - وعن أحمد بن إسحاق، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام)، قال: إنّ الله تبارک وتعالي لم يخلِ الارض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجّة لله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الارض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج برکات الارض.(31)
دلالة الحديث علي إمامة الحجة
إنّ عدم خلوّ الارض من إمام قائم لِلّهِ بحجّة لا يستقيم مع فرض عدم وجود الامام المهدي (عليه السلام)، وقد ذکر ابن أبي الحديد في معرض شرحه لحديث أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تخلو الارض من قائم لِلّهِ بحجّة) ما يدلّ علي هذا المعني حيث قال: کي لا يخلو الزمان ممّن هو مهيمن لِلّهِ تعالي علي عباده، ومسيطر عليهم، وهذا يکاد يکون تصريحاً بمذهب الاماميّة، إلاّ أنّ أصحابنا يحملونه علي أنّ المراد به الابدال.(32)
وقال الشيخ البهائي (رحمه الله) في کتاب (الاربعين) بعد شرحه لمفردات حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي قدّمناه أوّلاً: استقامة ما دلّ عليه هذا الحديث من عدم خلوّ الارض من إمام موصوف بتلک الصفات، وکذا ما يفيده الحديث المتّفق عليه بين الخاصّة والعامّة من قوله: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة) ظاهرة علي ما ذهب إليه الاماميّة من أنّ إمام زماننا هذا هو مولانا الامام الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام)، ومخالفوهم من أهل السنّة يشنّعون عليهم بأنّه إذا لم يمکن التوصّل إليه، ولا أخذ المسائل الدينية عنه، فأيّ ثمرة تترتّب علي مجرّد معرفته حتّي يکون من مات وليس عارفاً به فقد مات ميتة جاهلية.
والاماميّة يقولون: ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه، بل نفس التصديق بوجوده (عليه السلام) وأنّه خليفة الله في الارض أمر مطلوب لذاته، ورکن من أرکان الايمان، کتصديق من کان في عصر النبيّ (صلي الله عليه وآله) بوجوده ونبوّته.
وقد روي عن جابر بن عبد الله الانصاري أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ذکر المهدي فقال: ذلک الذي يفتح الله عزّ وجلّ علي يديه مشارق الارض ومغاربها يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلاّ من امتحن الله قلبه للايمان.
قال جابر فقلت: يا رسول الله، هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟
فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): إي والله الذي بعثني بالحقّ إنّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته کانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب.
ثمّ قالت الاماميّة: إنّ تشنيعکم علينا مقلوب عليکم، لا نّکم تذهبون إلي أنّ المراد بإمام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوکة من ملوک الدنيا کائناً من کان، عالماً أو جاهلاً عدلاً أو فاسقاً، فأيّ ثمرة تترتّب علي معرفة الجاهل الفاسق ليکون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية.
ولمّـا استشعر هذا بعض مخالفيهم ذهب إلي أنّ المراد بالامام في هذا الحديث الکتاب، وقالت الاماميّة: إنّ إضافة الامام إلي زمان ذلک الشخص يشعر بتبدّل الائمة في الازمنة، والقرآن العزيز لا تبدّل له بحمد الله علي مرّ الازمان.
وأيضاً فما المراد بمعرفة الکتاب التي إذا لم تکن حاصلة للانسان مات ميتة جاهليّة؟ إنّ اُريد بها معرفة ألفاظه أو الاطلاع علي معانيه أشکل الامر علي کثير من الناس، وإن اُريد مجرّد التصديق بوجوده، فلا وجه للتشنيع علينا إذا قلنا بمثله.(33)
الهوامش:
(1) تأريخ اليعقوبي 2: 90.
(2) الاسراء: 71.
(3) النساء: 41.
(4) آل عمران: 81.
(5) الاعراف: 157.
(6) الرسالة الاُولي في الغيبة / المفيد: 11 ـ 16.
(7) نهج البلاغة، بشرح محمّد عبدة 4: 691 / 147، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18: 351.
(8) راجع المعيار والموازنة / الاسکافي: 81، عيون الاخبار / ابن قتيبة 1: 7، تأريخ اليعقوبي 2: 400، العقد الفريد 1: 265، تهذيب اللغة / الازهري 2: 70، قوت القلوب / أبو طالب المکّي 1: 227، المحاسن والمساوئ / البيهقي: 40، تأريخ بغداد 6: 479، المناقب / الخوارزمي: 13، شرح ابن أبي الحديد 18: 351، المختصر / ابن عبد البرّ: 12، شرح المقاصد / التفتازاني 5: 241، فتح الباري / ابن حجر 6: 385.
(9) فتح الباري / ابن حجر 6: 385.
(10) راجع تحف العقول: 169، کمال الدين 1: 287 / 4 و289 / 2 و302 / 10، الکافي 1: 136 و270 و274، غيبة النعماني: 87.
(11) دلائل الامامة: 433 / 397، الامامة والتبصرة: 27 / 5، علل الشرائع: 195 / 3.
(12) دلائل الامامة: 438 / 412، الامامة والتبصرة: 31 / 16، علل الشرائع: 196 / 7.
(13) الغيبة للنعماني: 36، الکافي 1: 136 / 1.
(14) الغيبة للنعماني: 88، الکافي 1: 136.
(15) الغيبة للنعماني: 89، بصائر الدرجات: 485.
(16) الغيبة للنعماني: 89، کمال الدين 1: 203.
(17) الغيبة للنعماني: 91، الکافي 1: 138.
(18) الغيبة للنعماني: 90.
(19) الغيبة للنعماني: 90، الکافي 1: 138.
(20) الغيبة للنعماني: 93، والاية من سورة يس: 36 / 30.
(21) کمال الدين: 233 / 38.
(22) الکافي 1: 137، کمال الدين: 203 / 9.
(23) کمال الدين: 204 / 14.
(24) کمال الدين: 223.
(25) الکافي 1: 136.
(26) کمال الدين: 231.
(27) کمال الدين: 233.
(28) کمال الدين: 228.
(29) کمال الدين: 221.
(30) کمال الدين: 203، بصائر الدرجات: 485.
(31) کمال الدين: 384.
(32) شرح ابن أبي الحديد 18: 351.
(33) الاربعين / البهائي: 431 / 36، مرآة العقول 4: 27 ـ 28.
******************
حديث الخلفاء اثنا عشر
روي هذا الحديث أعلام العامّة في صحاحهم ومسانيدهم ومن طرق شتّي، والحديث يوضح عدد الائمة (عليهم السلام) باثني عشر إماماً، وفي ما يلي نورد بعض رواياتهم.
1 - في صحيح البخاري: عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (يکون بعدي اثنا عشر أميراً) فقال کلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: (کلّهم من قريش).(1)
2 - وفي صحيح مسلم: أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (إنّ هذا الامر لا ينقضي حتّي يمضي فيهم اثنا عشر خليفة) قال: ثمّ تکلّم بکلام خفي عليَّ، فقلت لابي: ما قال؟ قال: قال: (کلّهم من قريش).(2)
3 - وأخرج مسلم أيضاً: أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (لا يزال الدين قائماً، حتّي تقوم الساعة، ويکون عليهم اثنا عشر خليفة، کلّهم من قريش).(3)
4 - وأخرج أحمد في مسنده بطريقين، عن عبد الله بن مسعود: أنّ رجلاً سأله ـ وهو يُقرئهم القرآن - يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) کم تملک الاُمّة من خليفة؟
فقال ابن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلک. ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: (اثنا عشر، کعدّة نقباء بني إسرائيل).(4)
رواية الامامية
وروي الاماميّة هذا الحديث في مصنّفاتهم بأسانيد تصل إلي حدّ التواتر، کالشيخ الصدوق والنعماني والشيخ الطوسي والطبرسي وغيرهم (رحمهم الله)، وفي ما يلي بعض رواياتهم:
رواية النعماني
1 - روي بالاسناد عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لا تزال هذه الاُمّة مستقيماً أمرها، ظاهرة علي عدوّها حتّي يمضي منها اثنا عشر خليفة.(5)
2 - وعنه أيضاً قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: لا يزال هذا الدين مستقيماً حتّي يقوم اثنا عشر خليفة، ثمّ قال کلمةً لم أفهمها، فسألت أبي فقال: کلّهم من قريش.(6)
3 - وعن ابن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: کنت عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يخطب وعمّي جالس بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقال: لا يزال أمرنا صالحاً حتّي يصير اثنا عشر خليفة کلّهم من قريش.(7)
4 - وعن أنس بن مالک، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لم يزل هذا الدين قائماً إلي اثني عشر خليفة کلّهم من قريش.(8)
رواية الشيخ الطوسي
1 - روي بالاسناد عن الاسود بن سعيد الهمداني، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: يکون بعدي اثنا عشر خليفة کلّهم من قريش، قال: فلمّـا رجع إلي منزله أتته قريش فقالوا: ثمّ يکون ماذا؟ فقال: ثمّ يکون الهرج.(9)
2 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا ابن أبي خيثمة، قال: حدّثني زهير بن معاوية، عن زياد بن علاقة، وسماک بن حرب، وحصين بن عبد الرحمن، کلّهم عن جابر بن سمرة، أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: يکون بعدي اثنا عشر خليفة، ثمّ تکلّم بکلام لم أفهمه، فقال بعضهم: سألت القوم فقالوا: کلّهم من قريش.(10)
3 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا ابن عون، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: ذکر أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: لا يزال أهل هذا الدين ينصرون علي من ناواهم إلي اثني عشر خليفة، فجعل الناس يقومون ويقعدون، وتکلّم بکلمة لم أفهمها، فقلت لابي أو لاخي: أيّ شيء قال؟ فقال: قال: کلّهم من قريش.(11)
4 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا عبد الله بن عمر، قال: حدّثنا سليمان بن أحمر، قال: حدّثنا ابن عون، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: إنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: لا يزال أهل الدين ينصرون علي ما ناواهم إلي اثني عشر خليفة. فجعل الناس يقومون ويقعدون ويتکلّم بکلمة لم أفهمها فقلت لابي أو لاخي: أيّ شيء قال؟ قال: فقال: کلّهم من قريش.(12)
5 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدّثنا يحيي ابن معين، قال: حدّثنا عبد الله بن صالح، قال: حدّثنا الليث بن سعد، عن خلف بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، قال: کنّا عند شُفيّ الاصبحي، فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: يکون خلفي اثنا عشر خليفة.(13)
6 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا عفّان ويحيي بن إسحاق المالجيني، قال: حدّثنا حمّـاد بن سلمة، قال: حدّثنا عبد الله بن عمر، عن أبي الطفيل، قال: قال لي عبد الله بن عمر: يا أبا الطفيل، عد اثني عشر من بني کعب ابن لؤي، ثمّ يکون النقف(14) والنقاف.(15)
7 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا المقدمي، عن عاصم بن علي بن مقدام، قال: حدّثني أبي، عن فطر بن خليفة، عن أبي خالد الوالبي، قال: حدّثنا جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: لا يزال هذا الدين ظاهراً لا يضرّه من ناواه حتّي يقوم اثنا عشر خليفة کلّهم من قريش.(16)
8 - وعن محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الرقّي، قال: حدّثنا عميس بن يونس، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: کنّا عند ابن مسعود فقال له رجل: حدّثکم نبيّکم کم يکون بعده من الخلفاء؟ فقال: نعم، وما سألني عنها أحد قبلک، وإنّک لاحدث القوم سنّاً، سمعته يقول: يکون بعدي عدّة نقباء موسي (عليه السلام)، قال الله عزّ وجلّ: (وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً).(17)
دلالة الحديث علي إمامة الحجة
الملاحظ أنّه لم تتّفق کلمة العامّة علي تحديد المراد بالائمة الاثني عشر أو الخلفاء الاثني عشر، فاتّفقوا علي عددهم، واختلفوا في أعيانهم، قال السيوطي: (لم يقع إلي الان وجود اثني عشر اجتمعت الاُمّة علي کلّ منهم).(18)
فجعل ابن کثير الخلفاء الاربعة، وعمر بن عبد العزيز، وبعض بني العباس من الخلفاء الاثني عشر، واستظهر کون الامام المهدي منهم.(19)
وروي عن وليّ الله المحدّث أنّهم الخلفاء الاربعة، ومعاوية، وعبد الملک بن مروان، وأولاده الاربعة، وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد.(20)
وقال ابن قيم الجوزيّة: وأمّا الخلفاء اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبو حاتم ابن حبان وغيره: إنّ آخرهم عمر بن عبد العزيز، فذکروا الخلفاء الاربعة، ثمّ معاوية، ثمّ يزيد ابنه، ثمّ معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحکم، ثمّ عبد الملک بن مروان، ثمّ الوليد بن عبد الملک، ثمّ سليمان بن عبد الملک، ثمّ عمر بن عبد العزيز.(21)
وعدّ المقريزي منهم الخلفاء الاربعة، ثمّ الامام الحسن (عليه السلام)، ولم يدخل أحداً من بني اُميّة وبني العباس.(22)
والملاحظ أنّ تحديدهم لبعض أعيان الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق مع مضمون الحديث إطلاقاً، ذلک لانّ الحديث يفيد استمرار أمر الخلافة إلي آخر الدهر، وهم حدّدوا ذلک إلي زمان الامام الحسن (عليه السلام)، وبعضهم إلي زمان عمر بن عبد العزيز، وبعضهم أدخل بعض ملوک بني العباس، ويلزم من ذلک خلوّ جميع العصور بعد المذکورين من الخليفة، بينما يفترض أنّ الدين لا يزال قائماً بوجودهم إلي قيام الساعة.
ثمّ إنّ مضمون الحديث يفيد أنّه (لن يزال هذا الدين قائماً إلي اثني عشر خليفة)، و(لا تزال هذه الاُمّة مستقيماً أمرها...).
فکيف يمکن أن نفسّر استقامة الامر وقيام الدين في مثل أيام حکم يزيد الفاجر الذي انتهک الحرمات، وسفک دماء العترة النبويّة الطاهرة، وقتل المهاجرين والانصار من صحابة النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله) في الحرّة وغيرها من أفعاله الشنيعة، فضلاً عن أنّهم أدخلوا في الخلفاء الاثني عشر بعض الملوک الذين ملاوا الارض ظلماً وجوراً، وساموا أهلها عدواناً، ومثل هؤلاء لا يصحّ أن نقول إنّهم مصداق لحديث النبيّ (صلي الله عليه وآله)، لانّ المراد بالخليفة هو من يستمدّ سلطته من الشارع المقدّس، ويحکم الناس بکتاب الله تعالي وسنّة نبيّه الکريم (صلي الله عليه وآله) (وَمَنْ لَمْ يَحْکُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وممّـا تقدّم يتبيّن أنّ المراد بالائمة الاثني عشر الذين يقوم بهم أمر الدين إلي آخر الدهر، هم عترة النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله)، وعددهم ينطبق مع ما تعتقده الشيعة الامامية في إمامة الائمة الاثني عشر المنصوص عليهم من قبل جدّهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فهم خلفاؤه وعترته الذين هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه حتّي يردّوا عليه حوضه.
استدلال القندوزي
قال القندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة): قال بعض المحقّقين: إنّ الاحاديث الدالّة علي کون الخلفاء بعده (صلي الله عليه وآله) اثني عشر، قد اشتهرت من طرق کثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الکون والمکان، عُلِم أنّ مراد رسول الله (صلي الله عليه وآله) من حديثه هذا: الائمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمکن أن يحمل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمکن أن نحمله علي الملوک الاُمويّة، لزيادتهم علي اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولکونهم غير بني هاشم، لانّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: کلّهم من بني هاشم، في رواية عبد الملک عن جابر، وإخفاء صوته (صلي الله عليه وآله) في هذا القول يرجّح هذه الرواية، لأنّهم لا يُحسنون خلافة بني هاشم، ولا يمکن أن يحمل علي الملوک العباسية لزيادتهم علي العدد المذکور، ولقلّة رعايتهم. ويؤيّد هذا المعني - أي أنّ مراد النبيّ (صلي الله عليه وآله) الائمة الاثنا عشر من أهل بيته - ويرجّحه حديث الثقلين.(23)
استدلال الشيخ الطوسي
استدلّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) بهذا الحديث علي إمامة الامام صاحب الزمان (عليه السلام) في (کتاب الغيبة) حيث قال: وممّـا يدلّ علي إمامة صاحب الزمان بن الحسن ابن عليّ بن محمّد بن الرضا (عليه السلام) وصحّة غيبته، ما رواه الطائفتان المختلفتان والفرقتان المتباينتان العامّة والاماميّة أنّ الائمة بعد النبيّ (صلي الله عليه وآله) اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، وإذا ثبت ذلک فکلّ من قال بذلک، قطع علي الائمة الاثني عشر الذين نذهب إلي إمامتهم، وعلي وجود ابن الحسن (عليه السلام) وصحّة غيبته، لانّ من خالفهم في شيء من ذلک لا يقصر الامامة علي هذا العدد، بل يجوّز الزيادة عليها، وإذا ثبت بالاخبار التي نذکرها هذا العدد المخصوص ثبت ما أردناه.(24)
استدلال الشهيد الصدر
قال الشهيد محمّد باقر الصدر (رحمه الله): إنّ الحديث المذکور سبق التسلسل التأريخي للائمة الاثني عشر، وضبط في کتب الحديث قبل تکامل الواقع الامامي الاثني عشري، إنّ هذا الحديث ليس انعکاساً لواقع، وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربّانية، نطق بها من لا ينطق عن هوي، فقال: إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر، وجاء الواقع الامامي الاثنا عشري ابتداءً من الامام علي وانتهاءً بالمهدي (عليهما السلام)، ليکون التطبيق الوحيد المعقول لذلک الحديث النبويّ الشريف.(25)
النص علي الائمة الاثني عشر
إنّ النص علي الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) هو الذي يوضّح المراد بالخلفاء الاثني عشر المذکورين في حديث النبيّ (صلي الله عليه وآله) وعترته المعصومين (عليهم السلام)، ويعيّن لنا شخص الامام المهدي (عليه السلام) واسمه ونسبه وغيبته وبقاءه حيّاً حتّي قيام دولته، دولة الحقّ والعدل.
وفي ما يلي طرف من النص علي الائمة الاثني عشر (عليهم السلام):
1 - روي أبو الحسن محمّد بن أحمد بن شاذان بإسناده عن الامام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): حدّثني جبرئيل، عن ربّ العزّة جلّ جلاله، أنّه قال: مَن علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي، وأنّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الائمة من ولده حججي، أدخلته الجنّة برحمتي، ونجّيتُه من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له کرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سکت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرّ منّي دعوته، وإن رجع إليّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.
ومن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي، أو شهد بذلک ولم يشهد أنّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلک ولم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وشهد بذلک ولم يشهد أنّ الائمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي، وکفر بآياتي وکتبي ورسلي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم استجب دعاءه، وإن رجاني خيّبت رجاءه منّي، وما أنا بظلاّم للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الانصاري، فقال: يا رسول الله، ومن الائمة من ولد عليّ بن أبي طالب؟
قال: الحسن والحسين، سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ، ستدرکه يا جابر، فإذا أدرکته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الکاظم موسي بن جعفر، ثمّ الرضا عليّ بن موسي، ثمّ التقيّ محمّد بن عليّ، ثمّ النقيّ عليّ بن محمّد، ثمّ الزکيّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهديّ اُمّتي الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً.
هؤلاء - يا جابر - خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنکرهم أو أنکر واحداً منهم فقد أنکرني، بهم يُمسک الله السماء أن تقع علي الارض، وبهم يحفظ الله الارض أن تميد بأهلها.(26)
2 - وروي الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول: کنّا عند معاوية أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن اُمّ سلمة، واُسامة بن زيد، فجري بيني وبين معاوية کلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد عليّ فالحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضي الحسن فالحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم وستدرکه يا علي، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم يا عليّ، ثمّ يکمّله اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين.
وقال عبد الله بن جعفر: استشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن اُمّ سلمة واُسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية، قال سليم بن قيس: وقد سمعت ذلک من سلمان وأبي ذرّ والمقداد، وذکروا أنّهم سمعوا ذلک من رسول الله (صلي الله عليه وآله).(27)
3 - وعن محمّد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا عليّ زرّ الارض - يعني أوتادها وجبالها - بنا أوتد الله الارض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الارض بأهلها ولم ينظروا.(28)
4 - وعن جعفر بن محمّد بن مالک، عن محمّد بن نعمة السلولي، عن وهب بن جعفر، عن عبد الله بن قاسم، عن عبد الله بن خالد، عن أبي السفاتج، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: دخلت علي فاطمة (عليها السلام) وبين يديها أسماء الاوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً، آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وثلاثة منهم علي.(29)
5 - وعن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: يکون تسعة أئمة بعد الحسين، تاسعهم قائمهم.(30)
6 - وعن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إنّ الله تعالي أرسل محمّداً (صلي الله عليه وآله) إلي الجنّ والانس عامّة، وکان من بعده اثنا عشر وصيّاً، منهم من سبقنا، ومنهم من بقي، وکلّ وصيّ جرت به السنّة، والاوصياء الذين من بعد محمّد (صلي الله عليه وآله) علي سنّة أوصياء عيسي إلي محمّد (صلي الله عليه وآله)، وکانوا اثني عشر، وکان أمير المؤمنين (عليه السلام) علي سنّة المسيح.(31)
7 - وعن أبي محمّد التلّعکبري، عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الاسدي، عن سهل بن زياد الادمي، عن الحسن بن عباس بن الحريش الرازي، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لابن عباس: إنّ ليلة القدر في کلّ سنة، وإنّه ينزل في تلک الليلة أمر السنة، ولذلک الامر ولاة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقال ابن عباس: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدّثون.(32)
8 - وعن أحمد بن هلال العبرتائي، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حديث له: إنّ الله اختار من الناس الانبياء الرسل، واختارني من الرسل، واختار منّي علياً، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الاوصياء، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم.(33)
9 - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أبي محمّد بن عليّ، لجابر ابن عبد الله الانصاري: إنّ لي إليک حاجة فمتي يخفّ عليک أن أخلو بک فأسألک عنها؟ قال له جابر: في أيّ الاوقات أحببت، فخلا به أبي في بعض الاوقات، فقال له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة (عليها السلام)، وما أخبرتک به اُمّي أنّه في ذلک اللوح مکتوب؟
فقال جابر: أشهد بالله أ نّي دخلت علي اُمّک فاطمة صلوات الله عليها في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فهنّأتها بولادة الحسين (عليه السلام)، ورأيت في يدها لوحاً أخضر، فظننت أنّه زمرّد، ورأيت فيه کتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي واُمّي يا ابنة رسول الله، ما هذا اللوح؟
فقالت: هذا اللوح أهداه الله إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الاوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرّني بذلک.
قال جابر: فأعطتنيه اُمّک فاطمة (عليها السلام) فقرأته فاستنسخته... إلي آخر الحديث، وقد ذکر فيه عدد الائمة (عليهم السلام) وما يجري عليهم.(34)
10 - عن سلام، قال: سمعت أبا سلمي راعي النبيّ (صلي الله عليه وآله) يقول: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: سمعت ليلة اُسري بي إلي السماء، قال العزيز جلّ ثناؤه: (آمَنَ الرَّسُولُ بِما اُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)، قلت: (وَالمُؤْمِنونَ)، قال: صدقت يا محمّد، من خلّفت لاُمّتک؟ قلت: خيرها، قال: عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا ربّ، قال: يا محمّد، إنّي اطّلعت علي الارض اطلاعة فاخترتک منها فشققت لک اسماً من أسمائي، فلا اُذکر في موضع إلاّ وذکرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ اطّلعت الثانية فاخترت منها علياً، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الاعلي وهو عليّ.
يا محمّد إنّي خلقتک وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين من شبح نور من نوري، وعرضت ولايتکم علي أهل السماوات والارضين، فمن قبلها کان عندي من المؤمنين، ومن جحدها کان عندي من الکافرين.
يا محمّد، لو أنّ عبداً من عبادي عبدني حتّي يتقطّع ويصير مثل الشنّ البالي ثمّ أتاني جاحداً بولايتکم ما غفرت له حتّي يقرّ بولايتکم، يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ.
فقال: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسي وعلي ومحمّد وعليّ والحسن والمهدي (عليهم السلام) في ضحضاح من نور قيامٌ يصلّون، المهدي في وسطهم کأنّه کوکب درّي، فقال: يا محمّد، هؤلاء الحجج وهذا الثائر من عترتک، يا محمّد وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لاوليائي والمنتقم من أعدائي.(35)
11 - وروي جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تأويل قول الله عزّ وجلّ: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً في کِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالارْضَ مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِکَ الدينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِموا فيهِنَّ أنْفُسَکُمْ).
قال: فتنفّس سيّدي الصعداء ثمّ قال: يا جابر، أمّا السنة فهي جدّي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وشهورها اثنا عشر شهراً، فهو أمير المؤمنين والي وإلي ابني جعفر وابنه موسي وابنه عليّ وابنه محمّد وابنه عليّ وإلي ابنه الحسن وإلي ابنه محمّد الهـادي المهدي، اثنا عشر إماماً حجج الله في خلقه واُمناؤه علي وحيه وعلمه.
والاربعة الحرم الذين هم الدين القيّم، أربعة منهم يخرجون باسم واحد: عليّ أمير المؤمنين، وأبي عليّ بن الحسين، وعليّ بن موسي، وعليّ بن محمّد، فالاقرار بهؤلاء هو الدين القيّم، ولا تظلموا فيهنّ أنفسکم، أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا.(36)
الهوامش:
(1) صحيح البخاري 9: 147 / 79 ـ کتاب الاحکام ـ باب الاستخلاف، سنن الترمذي 4: 501 / 2223 ـ کتاب الفتن.
(2) صحيح مسلم 3: 1452 / 5 ـ کتاب الامارة، وأخرجه من سبعة طرق، جامع الاُصول 4: 440 و442.
(3) صحيح مسلم 3: 1453 / 10، سنن أبي داود 4: 106 / 4280، مصابيح السنّة 4: 137 / 4680، جامع الاُصول 4: 440 و442.
(4) مسند أحمد 1: 398 و406، و5: 90 و93 و97 و100 و106 و107.
(5) الغيبة للنعماني: 75.
(6) الغيبة للنعماني: 76.
(7) الغيبة للنعماني: 78.
(8) الغيبة للنعماني: 79.
(9) الغيبة / الطوسي: 88.
(10) الغيبة / الطوسي: 88.
(11) الغيبة / الطوسي: 88.
(12) الغيبة / الطوسي: 89.
(13) الغيبة / الطوسي: 89.
(14) النقف: کسر الهامة وضربها أشدّ الضرب، ويريد به القتل والقتال وتهييج الفتن والحروب.
(15) الغيبة / الطوسي: 89.
(16) الغيبة / الطوسي: 89.
(17) الغيبة / الطوسي: 89.
(18) الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 85.
(19) تفسير ابن کثير 2: 34 ـ الاية 12 من سورة المائدة.
(20) عون المعبود في شرح سنن أبي داود 11: 362 / 4259.
(21) شرح ابن القيّم علي سنن أبي داود 11: 263 / 4259.
(22) راجع کتاب السلوک لمعرفة دول الملوک 1: 13 ـ 15.
(23) ينابيع المودّة 3: 105 / باب 77.
(24) الغيبة / الطوسي: 87 ـ 88.
(25) بحوث حول المهدي (عليه السلام): 54 ـ 55.
(26) مائة منقبة: 105 / 92 ـ طبع دار البلاغة.
(27) الغيبة / الطوسي: 91.
(28) الغيبة / الطوسي: 92، الارشاد 2: 345، الکافي 1: 447 / 10، کمال الدين: 326 / 4.
(29) الغيبة / الطوسي: 92.
(30) الغيبة / الطوسي: 92.
(31) الغيبة / الطوسي: 92.
(32) الغيبة / الطوسي: 93، الارشاد 2: 349، الکافي 1: 447 / 11، الخصال: 479 / 47.
(33) الغيبة / الطوسي: 93.
(34) الغيبة / الطوسي: 93 ـ 95.
(35) الغيبة / الطوسي: 95 ـ 96.
(36) الغيبة / الطوسي: 96.
******************
12 - وعن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسي التلعکبري، بإسناده عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) بصحيفة من عند الله علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيها اثنا عشر خاتماً من ذهب. فقال له: إنّ الله تعالي يقرأ عليک السلام، ويأمرک أن تدفع هذه الصحيفة إلي النجيب من أهلک بعدک يفکّ منها أوّل خاتم ويعمل بما فيها، فإذا مضي دفعها إلي وصيّه بعده، وکذلک الاوّل يدفعها إلي الاخر واحداً بعد واحد، ففعل النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ما اُمر به، ففکّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أوّلها وعمل بما فيها، ثمّ دفعها إلي الحسن (عليه السلام) ففکّ خاتمه وعمل بما فيها، ودفعها بعده إلي الحسين (عليه السلام) ثمّ دفعها الحسين إلي عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ثمّ واحداً بعد واحد، حتّي ينتهي إلي آخرهم (عليهم السلام).(1)
13 - وعن التلعکبري، عن أبي عليّ محمّد بن همام، عن الحسن بن علي القوهستاني، عن زيد بن إسحاق، عن أبيه، قال: سألت أبي عيسي بن موسي فقلت له: من أدرکت من التابعين؟
فقال: ما أدري ما تقول، ولکنّي کنت بالکوفة فسمعت شيخاً في جامعها يحدّث عن عبد خير، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا عليّ، الائمة الراشدون المهديّون المغصوبون حقوقهم من ولدک أحد عشر إماماً وأنت.(2)
14 - وعن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسي التلعکبري، عن محمّد بن أحمد بن عبد الله الهاشمي، قال: حدّثني أبو موسي عيسي بن أحمد بن عيسي بن المنصور، قال: حدّثني أبو الحسن عليّ بن محمّد العسکري، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن موسي عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي صلوات الله عليهم، قال: قال عليّ صلوات الله عليه: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): من سرّه أن يلقي الله عزّ وجلّ آمناً مطهّراً لا يحزنه الفزع الاکبر فليتولّک، وليتولّ بنيک الحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعليّ بن موسي، ومحمّداً، وعليّاً، والحسن، ثمّ المهدي، وهو خاتمهم وليکونن في آخر الزمان قوم يتولّونک يا عليّ يشنأهم الناس، ولو أحبّهم کان خيراً لهم لو کانوا يعلمون، يؤثرونک وولدک علي الاباء والاُمّهات والاخوة والاخوات، وعلي عشائرهم والقرابات صلوات الله عليهم أفضل الصلوات، اُولئک يحشرون تحت لواء الحمد، يجاوز عن سيّئاتهم، ويرفع درجاتهم جزاءً بما کانوا يعملون.(3)
15 - وعن أبي عبد الله الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر ابن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزکي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) - في الليلة التي کانت فيها وفاته - لعلّي (عليه السلام): يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وصيّته حتّي انتهي إلي هذا الموضع فقال: يا عليّ، إنّه سيکون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً، فأنت يا عليّ أوّل الاثني عشر إماماً، سمّـاک الله تعالي في سمائه علياً المرتضي، وأمير المؤمنين، والصدّيق الاکبر، والفاروق الاعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحّ هذه الاسماء لاحد غيرک.
يا علي، أنت وصيّي علي أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وأنت خليفتي علي اُمّتي من بعدي، إذا حضرتک الوفاة فسلّمها إلي ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابني الحسين الشهيد الزکيّ المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه موسي الکاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد الثقة النقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه عليّ الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد، فذلک اثنا عشر إماماً.(4)
16 - وعن محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الاشعري، عن الحسين بن عبد الله، عن الحسن بن موسي الخشّاب، عن الحسن بن سماعة، عن عليّ بن الحسن ابن رباط، عن ابن اُذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الاثنا عشر إمام من آل محمّد کلّهم هم المحدّثون، ولد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وولد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فرسول الله وعلي هما الوالدان.(5)
17 - وعن محمّد بن يحيي، عن محمّد الحسين، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله، ومحمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي يحيي المدني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: کنت حاضراً لمّـا هلک أبو بکر واستخلف عمر، فأقبل يهودي من عظماء يثرب يزعم يهود المدينة أنّه أعلم أهل زمانه حتّي رُفع إلي عمر، فقال له: يا عمر، إنّي جئتک اُريد الاسلام، فإن خبّرتني عمّـا أسألک عنه فأنت أعلم أصحاب هذا الکتاب والسنّة، وجميع ما اُريد أن أسأل عنه.
قال: فقال له عمر: إنّي لست هناک، لکنّي اُرشدک إلي من هو أعلم اُمّتنا بالکتاب والسنّة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاک، وأومأ إلي عليّ (عليه السلام).
فقال له اليهودي: يا عمر، إن کان هذا کما تقول، فما لک وبيعة الناس، وإنّما ذلک أعلمکم؟ فزبره عمر.
ثمّ إنّ اليهوديّ قام إلي عليّ (عليه السلام)، فقال: أنت کما ذکر عمر؟ فقال: وما قال عمر؟ فأخبره.
قال: فإن کنت کما قال عمر سألتک عن أشياء اُريد أن أعلم هل يعلمها أحد منکم، فأعلم أ نّکم في دعواکم خير الاُمم وأعلمها صادقون، ومع ذلک أدخل في دينکم الاسلام.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): نعم أنا کما ذکر لک عمر، سل عمّـا بدا لک اُخبرک عنه إن شاء الله تعالي.
قال: أخبرني عن ثلاثة وثلاثة وواحدة؟
قال له عليّ (عليه السلام): يا يهودي، لِمَ لَم تقل أخبرني عن سبع؟
فقال اليهودي: إنّک إن أخبرتني بالثلاث سألتک عن الثلاث، وإلاّ کففت، وإن أجبتني في هذه السبع فأنت أعلم أهل الارض وأفضلهم، وأولي الناس بالناس.
فقال: سل عمّـا بدا لک يا يهودي.
قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع علي وجه الارض، وأوّل شجرة غرست علي وجه الارض، وأوّل عين نبعت علي وجه الارض؟ فأخبره أمير المؤمنين (عليه السلام).
ثمّ قال له اليهودي: فأخبرني عن هذه الاُمّة کم لها من إمام هدي، وأخبرني عن نبيّکم محمّد أين منزله في الجنّة، وأخبرني من معه في الجنّة؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ لهذه الاُمّة اثني عشر إمام هدي من ذرية نبيّها وهم منّي، وأمّا منزل نبيّنا (صلي الله عليه وآله) في الجنّة فهو أفضلها وأشرفها جنّة عدن، وأمّا من معه في منزله منها فهؤلاء الاثنا عشر من ذرّيته واُمّهم وجدّتهم اُمّ اُمّهم وذراريهم لا يشرکهم فيها أحد.(6)
18 - وعن محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، قال: أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه الحسن بن علي (عليه السلام)، وهو متّکئ علي يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فردّ عليه السلام فجلس.
ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألک عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أنّ القوم قد رکبوا من أمرک ما قضي عليهم، وأنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تکن الاُخري علمت أ نّک وهم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سلني عمّـا بدا لک.
قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه، وعن الرجل کيف يذکر وينسي، وعن الرجل يشبه ولده الاعمام والاخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي الحسن (عليه السلام) فقال: يا أبا محمّد أجبه، فأجابه الحسن (عليه السلام)، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلاّ الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلک، وأشهد أ نّک وصيّ رسول الله والقائم بحجّته - وأشار إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) - ولم أزل أشهد بها، وأشهد أ نّک وصيّه والقائم بحجّته - وأشار إلي الحسن - وأشهد أنّ الحسين بن عليّ وصيّ أبيه والقائم بحجّته بعدک، وأشهد علي عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد علي محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد علي جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد ابن علي، وأشهد علي موسي أنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد علي عليّ بن محمّد أنّه القائم بأمر موسي بن جعفر، وأشهد علي محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ ابن موسي، وأشهد علي عليّ بن محمّد بأنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد علي الحسن بن عليّ بأنّه القائم بأمر عليّ بن محمّد، وأشهد علي رجل من ولد الحسين ولا يکنّي ولا يسمّي حتّي يظهر أمره فيملاها عدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، والسلام عليک يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبرکاته، ثمّ قام فمضي.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا محمّد اتبعه انظر أين يقصد.
فخرج الحسن (عليه السلام) فقال له: ما کان إلاّ أن وضع رجله خارجاً من المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته.
فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟
فقلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، فقال (عليه السلام): هو الخضر (عليه السلام).(7)
19 - وأخرج السيّد البحراني عن کتاب (الردّ علي الزيدية) للشيخ (أبي) عبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي، من طريق المخالفين، بإسناده عن سليمان ابن إسحاق بن عليّ بن عبد الله بن العباس، قال: حدّثني أبي، قال: کنت يوماً عند الرشيد، فذُکر المهدي وما ذُکر من عدله، فاُطنب في ذلک.
فقال الرشيد: إنّي أحسبکم تحسبونه أبي المهدي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطّلب، أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال له: يا عمّ، يملک من ولدي اثنا عشر خليفة، ثمّ يکون اُمور کريهة وشدّة عظيمة، ثمّ يخرج المهدي من ولدي، يصلح الله أمره في ليلة، فيملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً، ويمکُث في الارض ما شاء الله، ثمّ يخرج الدجّال.(8)
20 - وروي بالاسناد عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث - قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): فإن خفتم تنازعاً في شيء فردّوه إلي الله وإلي الرسول وإلي اُولي الامر منکم.
قلت: ومن هم يا نبيّ الله؟
فقال (صلي الله عليه وآله): الاوصياء إلي أن يردوا عليّ الحوض، کلّهم هاد مهتد، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم تنصر اُمّتي ويمطرون، ويدفع عنهم بمستجابات دعواتهم.
قلت: يا رسول الله سمّهم لي.
فقال (صلي الله عليه وآله): ابني هذا - ووضع يده علي رأس الحسن - ثمّ ابني هذا - ووضع يده علي رأس الحسين - ثمّ ابنٌ له علي اسمک يا علي، ثمّ ابن له اسمه محمّد بن علي، ثمّ أقبل علي الحسين فقال: سيولد محمّد بن علي في حياتک، فاقرأه منّي السلام، ثمّ تکمّله اثني عشر إماماً.
قلت: يا نبيّ الله سمّهم لي، فأسماهم رجلاً رجلاً منهم، والله يا أخا بني هلال مهدي اُمّة محمّد الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً.(9)
21 - وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أنّه قال: إنّ الله اختار من أهل بيتي بعدي وهم خيار اُمّتي، أحدَ عشرَ إماماً بعد أخي، واحداً بعد واحد، کلّما هلک واحد قام واحد، مثلهم کمثل نجوم السماء، کلّما غاب نجم طلع نجم.
إنّهم هداة مهديّون، لا يضرّهم کيد من کادهم، ولا خذلان من خذلهم، بل يضرّ الله بذلک من کادهم وخذلهم، هم حجج الله في أرضه، وشهداؤه علي خلقه، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصي الله، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه حتّي يردوا عليّ حوضي، أوّل الائمة علي خيرهم، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين.(10)
22 - وروي بالاسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) - في حديث - أنّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ألا إنّ الرضا والرضوان والحبّ لمن أحبّ علياً وتولاّه وائتمّ به وبفضله وبأوصيائي بعده، وحقّ علي ربّي أن يستجيب لي فيهم، إنّهم اثني عشر وصيّاً.(11)
23 - وبالاسناد عن عبد خيّر، قال: سمعت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا علي، الائمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدک أحد عشر إماماً، وأنت أوّلهم، وآخرهم اسمه اسمي، يخرج فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، يأتيه الرجل والمال کدوس، فيقول: يا مهدي أعطني. فيقول: خذ.(12)
24 - وروي الخزّاز بالاسناد عن جابر بن يزيد الجعفي، عن محمّد بن علي الباقر، عن علي بن الحسين زين العابدين، قال: قال الحسن بن علي (عليه السلام): الائمة عدد نقباء بني إسرائيل، ومنّا مهدي هذه الاُمّة.(13)
25 - وروي بالاسناد عن جنادة بن أبي اُميّة، قال: دخلت علي الحسن بن عليّ (عليه السلام) في مرضه الذي توفّي فيه وبين يديه طست يقذف فيه الدم ويخرج کبده قطعة قطعة من السمّ الذي سقاه معاوية، فقلت: يا مولاي، ما لک لا تعالج نفسک؟!
فقال: يا عبد الله، بماذا اُعالج الموت؟
قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ثمّ التفت إليّ وقال: والله إنّه لعهد عهده إلينا رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أنّ هذا الامر يملکه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام)، ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول.(14)
26 - وروي زرارة، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنّه قال: الاثنا عشر الائمة من آل محمّد کلّهم محدّث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعليّ هما الوالدان، صلّي الله عليهما.(15)
27 - وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال: الائمة اثنا عشر إماماً، منهم الحسن والحسين، ثمّ الائمة من ولد الحسين (عليهم السلام).(16)
28 - وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: قال لي: يا عليّ، إذا تمّ من ولدک أحد عشر إماماً، فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي.(17)
29 - وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لامير المؤمنين (عليه السلام): يا عليّ، إنّي مزوّجک فاطمة ابنتي سيّدة نساء العالمين، وأحبّهن إليّ بعدک، وکائن منکما سيّدا شباب أهل الجنّة، والشهداء المضرّجون المقهورون في الارض من بعدي، والنجباء الزُهر الذين يطفي الله بهم الظلم، ويحيي بهم الحقّ، ويميت الباطل، عدّتهم عدّة أشهر السنّة، آخرهم يصلّي عيسي بن مريم (عليه السلام) خلفه.(18)
30 - وروي الحسن بن عباس، عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لاصحابه: آمنوا بليلة القدر، فإنّه ينزل فيها أمر السنة، وإنّ لذلک ولاة من بعدي، عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده.(19)
31 - وذکر في السفر الاوّل من التوراة قصّة إسماعيل (عليه السلام) بعد انقضاء قصّة سارة وما خاطب الله به إبراهيم (عليه السلام) في أمرها وولدها، قوله عزّ وجلّ: وقد أجبت دعاءک في إسماعيل، وقد سمعتک ما بارکته: وسأکثره جدّاً جدّاً، وسيلد اثنا عشر عظيماً، أجعلهم أئمة کشعب عظيم.(20)
32 - وقال الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني: أقرأني عبد الحکيم بن الحسن السمري (رحمه الله) ما أملاه عليه رجل من اليهود باُرّجان، يقال له الحسن بن سليمان، من علماء اليهود (بالتوراة) من أسماء الائمة (عليهم السلام) بالعبرانية وعدّتهم، وکان فيها قراءة: أنّه يبعث من ولد إسماعيل - واسم إسماعيل في التوراة إشموعيل - يسمّي مابد، يعني محمّداً (صلي الله عليه وآله) سيّداً، ويکون من آله اثنا عشر رجلاً أئمة وسادة يقتدي بهم.
إلي أن قال: وتفسير هذا الکلام أنّه يخرج من صلب إسماعيل ولد مبارک، عليه صلاتي وعليه رحمتي، يلد من آله اثنا عشر رجلاً يرتفعون ويجلون، ويرتفع اسم هذا الرجل ويجلّ ويعلو ذکره.
قال: وقرئ هذا الکلام والتفسير علي موسي بن عمران بن زکريا اليهودي فصحّحه، وقال فيه إسحاق بن إبراهيم بن يحسون اليهودي مثل ذلک.(21)
33 - وروي ابن شاذان بالاسناد عن عبد الله بن أبي أوفي، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: لمّـا فُتِحَتْ خيبر قالوا له: إنّ بها حبراً قد مضي له من العمر مائة سنة، وعنده علم التوراة، فاُحضر بين يديه، وقال له: أصدقني بصورة ذکري في التوراة، وإلاّ ضربت عنقک.
قال: فانهملت عيناه بالدموع، وقال له: إن صدقتک قتلني قومي، وإن کذبتک قتلتني. فقال له: قل وأنت في أمان الله وأماني.
قال: إنّ في سِفر من أسفار التوراة اسمک ونعتک وأتباعک، وأنّک تخرج من جبل فاران، وهو جبل عرفات، وينادي باسمک علي کلّ منبر، فرأيت في علامتک بين کتفيک خاتماً تختم به النبوّة، أي لا نبيّ من بعدک، ومن ولدک أحد عشر سبطاً يخرجون من ابن عمّک، واسمه علي، ويبلغ ملکک المشرق والمغرب وتفتح خيبر وتقلع بابها، ثمّ يعبر الجيش علي الکفّ والزند، فإن کان فيک هذه الصفات آمنت بک وأسلمت علي يدک.
قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أ يّها الحبر، أمّا الشامة فهي لي، فکشفها، وأمّا العلامة فهي لناصري عليّ بن أبي طالب.
قال: فالتفت إليه الحبر وإلي عليّ (عليه السلام) وقال: أنت قاتل مرحب الاعظم؟ قال عليّ (عليه السلام): بل الاحقر، أنا جندلته بقوّة الله وحوله، وأنا معبّر الجيش علي زندي وکفّي.
قال: فعند ذلک قال: مدّ يدک، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأ نّک معجزته، وأنّه يخرج منک أحد عشر نقيباً، فإنّهم کنقباء بني إسرائيل أبناء يعقوب، فاکتب لي عهداً لقومي، فکتب له بذلک عهداً.(22)
34 - وروي ابن عياش في المقتضب بالاسناد عن أبي موزج حاجب بن سليمان، قال: لقيت ببيت المقدس عمران بن خاقان الوافد إلي المنصور، المنصوب علي يهود الجزيرة وغيرها، وقد أسلم علي يده، وکان قد حجّ اليهود ببيانه وعلمه، وکانوا لا يستطيعون جحده لما في التوراة من علامات رسول الله (صلي الله عليه وآله) والخلفاء من بعده. فقال لي يوماً: يا أبا موزج، إنّا نجد في التوراة ثلاثة عشر اسماً، منها محمّد واثني عشر من بعده من أهل بيته، هم أوصياؤه وخلفاؤه، مذکورون في التوراة، ليس فيهم القائمون بعده من تيم ولا عدي ولا بني اُميّة، وإنّي لاظنّ ما تقوله هذه الشيعة حقّاً.(23)
35 - وروي القندوزي الحنفي بالاسناد عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قدم يهودي يقال له نعثل فقال: يا محمّد أسألک عن أشياء تلجلج في صدري، إلي أن قال: فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.
قال: يا محمّد، فسمّهم لي. قال: إذا مضي الحسين فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه علي، فإذا مضي علي فابنه الحسن، فإذا مضي الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر.
إلي أن قال: وأنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّي لا يُري، ويأتي علي اُمّتي بزمن لا يبقي من الاسلام إلاّ اسمه، ولا يبقي من القرآن إلاّ رسمه، فحينئذ يأذن الله تبارک وتعالي له بالخروج، فيظهر الله الاسلام به ويجدده.(24)
36 - وروي بالاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: دخل جندل ابن جنادة بن جبير اليهودي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وساق الحديث إلي أن قال: فقال جنادة: أخبرني يا رسول الله عن أوصيائک من بعدک لاتمسّک بهم. قال: أوصيائي اثنا عشر، قال جندل: هکذا وجدناهم في التوراة. وقال: يا رسول الله، سمّهم لي. فقال: أوّلهم سيّد الاوصياء أبو الائمة علي، ثمّ ابناه الحسن والحسين، فاستمسک بهم، ولا يغرّنک جهل الجاهلين، فإذا ولد عليّ بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليک، ويکون آخر زادک من الدنيا شربة لبن تشربه.
فقال جندل: وجدناه في التوراة وفي کتب الانبياء إيليا وشبراً وشبيراً، فهذه أسماء علي والحسن والحسين فمن بعد الحسين؟ وما أسماؤهم؟ قال: إذا انقضت مدّة الحسين فالامام ابنه علي ويلقّب بزين العابدين، فبعده ابنه محمّد يلقّب بالباقر، فبعده ابنه جعفر يدعي بالصادق، فبعده ابنه موسي يدعي بالکاظم، فبعده ابنة علي يدعي بالرضا، فبعده ابنه محمّد يدعي بالتقي والزکي، فبعده ابنه علي يدعي بالنقي والهادي، فبعده ابنه الحسن يدعي بالعسکري، فبعده ابنه محمّد يدعي بالمهدي والقائم والحجّة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، طوبي للصابرين في غيبته، طوبي للمتّقين علي محبّتهم، اُولئک الذين وصفهم الله في کتابه وقال: (هُدَيً لِلمُتَّقينَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبَ)، ثمّ قال تعالي: (اُوْلَئِکَ حِزْبَ اللهَ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحونَ).(25)
37 - وروي الحموئي في فرائد السمطين بالاسناد عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم المهدي.(26)
38 - وروي بإسناده عن ابن عباس (رضي الله عنه) أيضاً، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله علي الخلق بعدي الاثنا عشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول الله، ومن أخوک؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قيل: فمن ولدک؟ قال: المهدي الذي يملاها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج فيه ولدي المهدي، ينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الارض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(27)
الهوامش:
(1) الغيبة / الطوسي: 90.
(2) الغيبة / الطوسي: 90.
(3) الغيبة / الطوسي: 91.
(4) الغيبة / الطوسي: 96 ـ 97.
(5) الغيبة / الطوسي: 97.
(6) الغيبة / الطوسي: 97 ـ 98.
(7) الغيبة / الطوسي: 98.
(8) حلية الابرار / البحراني 2: 720.
(9) الغيبة للنعماني: 52.
(10) الغيبة للنعماني: 53.
(11) الغيبة للنعماني: 58.
(12) الغيبة للنعماني: 61.
(13) کفاية الاثر: 224، بحار الانوار 36: 383 / 2.
(14) کفاية الاثر: 226، بحار الانوار 27: 217 / 19، و44: 138 ـ 139 / 6.
(15) الارشاد 2: 347، الکافي 1: 448 / 14، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 56 / 24، الخصال: 480 / 549.
(16) الارشاد 2: 347، الکافي 1: 448 / 16، الخصال: 478 / 44، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 56 / 22.
(17) دلائل الامامة: 447 / 421.
(18) الغيبة للنعماني: 39.
(19) الارشاد 2: 346، الکافي 1: 448 / 12، الخصال: 480 / 48.
(20) الغيبة للنعماني: 64.
(21) الغيبة للنعماني: 65.
(22) بحار الانوار 36: 212 / 14، عوالم النصوص: 77.
(23) مقتضب الاثر: 39، بحار الانوار 36: 225 / 22.
(24) ينابيع المودّة: 440، ورواه الحموئي في فرائد السمطين 2: 133.
(25) ينابيع المودّة: 442.
(26) فرائد السمطين 2: 313.
(27) فرائد السمطين 2: 312.
******************
في حجية هذه الاخبار
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) بعد إيراده الاخبار التي تنص علي إمامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام):
(فإن قيل:) دلّوا أوّلاً علي صحّة هذه الاخبار، فإنّها آحاد لا يعوّل عليها فيما طريقه العلم، وهذه مسألة علميّة، ثمّ دلّوا علي أنّ المعني بها من تذهبون إلي إمامته، فإنّ الاخبار التي رويتموها عن مخالفيکم وأکثر ما رويتموها من جهة الخاصّة، إذا سلّمت، فليس فيها صحّة ما تذهبون إليه، لأنّها تتضمّن العدد فحسب ولا تتضمّن غير ذلک، فمن أين لکم أنّ أئمّتکم هم المرادون بها دون غيرهم؟
(قلنا:) أمّا الذي يدلّ علي صحّتها، فإنّ الشيعة الامامية يروونها علي وجه التواتر خلفاً عن سلف، وطريقة تصحيح ذلک موجودة في کتب الامامية والنصوص علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، والطريقة واحدة.
(وأيضاً) فإنّ نقل الطائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدلّ علي صحّة ما قد اتّفقوا علي نقله، لانّ العادة جارية أنّ کلّ من اعتقد مذهباً، وکان الطريق إلي صحّة ذلک النقل، فإنّ دواعيه تتوفّر إلي نقله، وتتوفّر دواعي من خالفه إلي إبطال ما نقله أو الطعن عليه، والانکار لروايته، بذلک جرت العادات في مدائح الرجال وذمّهم وتعظيمهم والنقص منهم، ومتي رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها ولم تتعرّض للطعن علي نقله ولم تنکر متضمّن الخبر، ودلّ ذلک علي أنّ الله تعالي قد تولّي نقله وسخّرهم لروايته، وذلک دليل علي صحّة ما تضمّنه الخبر.
(وأمّا الدليل) علي أنّ المراد بالاخبار والمعني بها أئمّتنا (عليهم السلام)، فهو أنّه إذا ثبت بهذه الاخبار أنّ الامامة محصورة في الاثني عشر إماماً، وأنّهم لا يزيدون ولا ينقصون، ثبت ما ذهبنا إليه، لانّ الاُمّة بين قائلين: قائل يعتبر العدد الذي ذکرناه، فهو يقول: إنّ المراد بها من يذهب إلي إمامته، ومن خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد، فالقول مع اعتبار العدد أنّ المراد غيرهم، خروج عن الاجماع، وما أدّي إلي ذلک وجب القول بفساده.(1)
الدلالات
لا ريب أنّ الامامة هي رئاسة عامّة في اُمور الدين والدنيا، وإنّها امتداد للوجود النبويّ المقدّس وحفظ لعهده ووصاياه وحماية لامانته وقيام برسالته، ولهذا فإنّ الامام يتميّز بصفات ودلالات تميّزه عن غيره من سائر البشر، منها النص علي إمامته، والاستقامة وسلامة النشأة، والسبق في العلم والحکمة، والنسب الرفيع، والمعجزة.
ومرادنا من الدلالات هنا العلامات التي تدلّ علي إمامة الامام، ولقد کان شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يدقّقون کثيراً في هذا الامر، سيّما في أيام المحنة والتقيّة والظروف القاسية، فقد کانوا لا يسلّمون الاموال من الحقوق المترتّبة عليهم إلي الامام إلاّ بعد أن يروا الدلالة أو العلامة، وتأکّدت هذه المسألة في زمان الغيبة الصغري بشکل أکثر بسبب غيبة الامام (عليه السلام) وحيرة الناس.
قال الشيخ قطب الدين الراوندي: وکانت الاموال تحمل إلي بغداد إلي النوّاب المنصوبين بها، وتخرج من عندهم التوقيعات، أوّلهم وکيل أبي محمّد (عليه السلام) الشيخ عثمان بن سعيد العمري، ثمّ ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، ثمّ أبو القاسم الحسين ابن روح، ثمّ الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري، ثمّ کانت الغيبة الطولي، وکانوا کلّ واحد منهم يعرف کميّة المال جملةً وتفصيلاً، ويسمّون أربابها بأعلامهم ذلک من القائم (عليه السلام).(2)
وفي ما يلي بعض الاخبار التي توضّح دقّة الشيعة في معرفة الامام وتأکيدهم علي المطالبة بالدلالة.
1 - عن أحمد بن محمّد الدينوري السرّاج، قال: انصرفت من أردبيل(3) إلي الدينور(4) اُريد الحجّ، وذلک بعد مضيّ أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) بسنة، أو سنتين، وکان الناس في حيرة، فاستبشر أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معک، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها.
قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.
قال: فقالوا: إنّما اخترناک لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتک وکرمک، فاحمله علي أ لاّ تخرجه من يديک إلاّ بحجّة.
قال: فقبضت منهم المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلمّـا وردت بغداد لم يکن لي همّة غير البحث عمّن اُشير إليه بالنيابة، فقيل لي: إنّ ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الاحمر يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي بالنيابة.
قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخاً بهيّاً، له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان کثيرة، ويجتمع عنده الناس يتناظرون، قال: فدخلت إليه وسلّمت عليه، فرحّب وقرّب وبرّ وسرّ.
قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أکثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرّفته أ نّي رجل من أهل الدينور، ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه.
قال: فقال لي: احمله.
قال: فقلت: اُريد حجّة.
قال: تعود إليّ في غد.
قال: فعدت إليه في الغد، فلم يأتِ بحجّة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأتِ بحجّة.
قال: فصرت إلي إسحاق الاحمر، فوجدته شابّاً نظيفاً، منزله أکبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسري، وغلمانه أکثر، ويجتمع عنده من الناس أکثر ممّـا يجتمعون عند الباقطاني، قال: فدخلت وسلّمت، فرحّب وقرّب، قال: فصبرت إلي أن خفّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت کما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام فلم يأت بحجّة.
قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليه مبطنة بيضاء، قاعد علي لِبد(5)، في بيت صغير، ليس له غلمان، وليس له ما وجدت لغيره، قال: فسلّمت عليه، فردّ جوابي وأدناني، وبسط منّي(6)، ثمّ سألني عن حالي، فعرّفته أ نّي وافيت من الجبل، وحملت مالاً.
قال: فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشيء إلي من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلي سرّ من رأي، وتسأل عن دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوکيل، وکانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها، فإنّک تجد هناک ما تريد.
قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سرّ من رأي، وصرت إلي دار ابن الرضا، وسألت عن الوکيل، فذکر البوّاب أنّه مشتغل في الدار، وأنّه يخرج آنفاً، فقعدت علي الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلّمت عليه، وأخذ بيدي إلي بيت کان له، وسألني عن حالي، وعمّـا وردت له، فعرّفته أ نّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن اُسلّمه بحجّة.
قال: فقال: نعم، ثمّ قدّم إليّ طعاماً، وقال لي: تغدّي بهذا واسترح، فإنّک تَعِب، وإنّ بيننا وبين الصلاة ساعة، فإنّي أحمل إليک ما تريد، قال: فأکلت ونمت، فلمّـا کان وقت الصلاة نهضتُ وصلّيت... فجاءني ومعه دَرْج(7) فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم. وافي أحمد بن محمّد الدينوري، وحمل ستّة عشر ألف دينار، وفي کذا وکذا صُرّة، فيها صُرّة فلان بن فلان کذا وکذا ديناراً، وصُرّة فلان بن فلان کذا وکذا ديناراً - إلي أن عدّ الصُّرر کلّها - وصرّة فلان بن فلان الذرّاع ستّة عشر ديناراً).
ثمّ ذکر: (قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصوّاف کيساً فيه ألف دينار، وکذا وکذا تختاً ثياباً، منها ثوب فلاني، وثوب لونه کذا...) حتّي نسب الثياب إلي آخرها بأنسابها وألوانها.
قال: فحمدت الله وشکرته علي ما منّ به عليّ من إزالة الشکّ عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلي حيث ما أمرني أبو جعفر العمري.
قال: فانصرفت إلي بغداد وصرت إلي أبي جعفر العمري، فوردت رقعة علي أبي جعفر العمري من مولانا (صلوات الله عليه) ومعه دَرْج مثل الدرج الذي کان معي، فيه ذکر المال والثياب، وأمر أن يسلّم جميع ذلک إلي أبي جعفر محمّد بن أحمد ابن جعفر القطّان القمّي.
قال: فلبس أبو جعفر العمري ثيابه، وقال لي: احمل ما معک إلي منزل محمّد ابن أحمد بن جعفر القطّان. قال: فحملت المال والثياب إلي منزله، وسلّمتها، وخرجت إلي الحجّ.
فلمّـا انصرفت إلي الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وکيل مولانا (صلوات الله عليه) إليّ، وقرأته علي القوم، فلمّـا سمع ذکر الصُرّة باسم الذرّاع، سقط صاحبُها مغشياً عليه، فما زلنا نعلّله حتّي أفاق، فلمّـا أفاق سجد شکراً لله عزّ وجلّ، وقال: الحمد لله الذي منّ علينا بالهداية، الان علمت أنّ الارض لا تخلو من حجّة، هذه الصرّة دفعها والله إليّ هذا الذرّاع، ولم يقف علي ذلک إلاّ الله عزّ وجلّ(8)، الحديث.
2 - وروي الشيخ قطب الدين الراوندي، عن علاّن الکليني، قال: حدّثنا الاعلم المصري، عن أبي الرجاء المصري - وکان أحد الصالحين - قال: خرجت في الطلب(9) بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام)، فقلت في نفسي: لو کان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً: يا نصر بن عبد ربّه، قل لاهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فآمنتم به؟ قال أبو الرجاء: ولم أعلم أنّ اسم أبي عبد ربّه، وذلک أ نّي ولدت بالمدائن، فحملني أبو عبد الله النوفلي إلي مصر، فنشأت بها، فلمّـا سمعت الصوت لم اُعرّج علي شيء وخرجت.(10)
وسيأتي ما يدلّ علي ما ذکرناه طرفاً من الاحاديث والاخبار في الفصل العاشر عند ذکر معجزاته وکراماته (عليه السلام).
الدليل العقلي
إذا غضضنا الطرف عن الادلّة السمعية المتمثّلة بالنصوص الحديثية علي الائمة (عليهم السلام)، والادلّة الاُخري التي ذکرناها آنفاً والتي خلصنا من خلالها إلي وجوب الامامة في کلّ عصر، فإنّ العقل يدلّ أيضاً علي وجوبها، ليکون الناس أقرب إلي وقوع الصلاح، وعليه فإنّ العقل يدلّنا علي وجوب إمامة الحجّة (عليه السلام).
وفي ما يلي تحقيق للشيخ الطوسي (رحمه الله) في کتابه (الاقتصاد) حول الدليل العقلي.
قال (رحمه الله):
المخالف في وجوب الامامة طائفتان أحدهما يخالف في وجوبها عقلاً، والاخر يخالف في وجوبها سمعاً، والمخالف في وجوبها سمعاً شاذّ لا يعتدّ به لشذوذه، لأنّه لا يعرف قائل به، وعلماء الاُمّة المعروفون مجمعون علي وجوب الامامة سمعاً، والخلاف القوي في وجوب الامامة عقلاً، فإنّه لا يقول بوجوبها عقلاً غير الامامية والبغداديين من المعتزلة، وجماعة من المتأخّرين، والباقون يخالفون في ذلک ويقولون المرجع فيه إلي السمع.
ولنا في الکلام بوجوب الامامة عقلاً طريقان:
أحدهما: أن نبيّن وجوبها عقلاً، سواء کان هناک شرع أو لم يکن.
وثانيها: أن نبيّن أنّ مع وجود الشرع لا بدّ من إمام له صفة مخصوصة لحفظ الشرع باعتبار عقلي.
دليل الطريقة الاُولي:
والذي يدلّ علي الطريقة الاُولي أنّه قد ثبت أنّ الناس متي کانوا غير معصومين ويجوز منهم الخطأ وترک الواجب، إذا کان لهم رئيس مطاع منبسط اليد، يردع المعاند، ويؤدّب الجاني، ويأخذ علي يد السفيه والجاهل وينتصف للمظلوم من الظالم، کانوا إلي وقوع الصلاح وقلّة الفساد أقرب، ومتي خلوا من رئيس علي ما وصفناه وقع الفساد وقلّ الصلاح ووقع الهرج والمرج وفسدت المعائش.
بهذا جرت العادة وحکم الاعتبار.
إلي أن قال:
دليل الطريقة الثانية:
وأمّا الطريقة الثانية، وهو أنّه لا بدّ من إمام بعد ورود الشرع، فإنّه إذا ثبت أنّ شريعة نبيّنا (عليه السلام) مؤبّدة إلي يوم القيامة، وأنّ من يأتي فيما بعد يلزمه العمل بها، کما لزم من کان في عصر النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فلا بدّ من أن تکون علّتهم مزاحة، کما کانت علّة من شاهد النبيّ (صلي الله عليه وآله) مزاحة. ولا تکون العلّة مزاحة إلاّ بأن تکون الشريعة محفوظة. فلا تخلو من أن تکون محفوظة بالتواتر، أو الاجماع، أو الرجوع إلي أخبار الاحاد، أو القياس، أو بوجود معصوم عالم بجميع الاحکام في کلّ عصر، يجري قوله مثل قول النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فإذا أفسدنا الاقسام کلّها إلاّ وجود معصوم، ثبت أنّه لا بدّ من وجوده في کلّ وقت.
إلي أن قال:
فإن قيل: يلزم علي هذا أن يکون من لا يعرف الامام لا يعرف أحکام الشرع، والمعلوم خلافه؟
قلنا: من لا يعرف الامام لا يجوز أن يعرف من الشريعة إلاّ ما تواتر النقل به، أو دلّ دليل قاطع عليه من ظاهر قرآن، أو اجتمعت الاُمّة عليه، فأمّا ما عدا ذلک فإنّه لا يعلمه، وإن اعتقده فإنّما يعتقده اعتقاداً ليس بعلم، فلم يخرج من موجب الدلالة.
والشرع يصل إلي من هو في البلاد البعيدة، وفي زمن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أو الامام بالنقل المتواتر الذي من ورائه حافظ معصوم، ومتي انقطع دونهم أو وقع فيه تفريط، تلافاه حتّي يصل إليهم، وينقطع عذرهم.
فأمّا إذا فرضنا النقل بلا حافظ معصوم من وراء الناقلين، فإنّا لا نثق بأنّه وصل جميعه، وجوّزنا أن يکون وقع فيه تقصير أو کتمان لشبهة أو تعمّد، وإنّما نأمن من وقوع شيء منه لعلمنا أنّ من ورائه معصوماً متي وقع خلل تلافاه، وهذه حالنا في زمن الغيبة، فإنّا متي علمنا بقاء التکليف، وعلمنا استمرار الغيبة، علمنا أنّ عذرنا منقطع ولطفنا حاصل، لأنّه لو لم يکن حاصلاً لسقط التکليف، أو أظهر الله الامام ليبيّن لنا ما وقع فيه من الخلل، فلا يمکن التسوية بين نقل من ورائه معصوم، وبين نقل ليس من ورائه ذلک، فسقط الاعتراض.(11)
اثبات النص علي إمامته من طريق الاعتبار
قال العلاّمة الطبرسي: إذا ثبت بالدليل العقلي وجوب الامامة، واستحالة أن يخلي الحکيم سبحانه عباده المکلّفين وقتاً من الاوقات من وجود إمام معصوم من القبائح کامل غني عن رعاياه في العلوم ليکونوا بوجوده أقرب إلي الصلاح وأبعد من الفساد، وثبت وجوب النص علي من هذه صفته في الانام أو ظهور المعجز الدالّ عليه المميّز له عمّن سواه، وعدم هذه الصفات من کلّ أحد بعد وفاة أبي محمّد الحسن بن عليّ العسکري ممّن ادّعيت الامامة له في تلک الحال سوي من أثبت إمامته أصحابه (عليه السلام) وهو ابنه القائم مقامه ثبتت إمامته، وإلاّ أدّي إلي خروج الحقّ عن أقوال الاُمّة، وهذا الامر لا يحتاج معه في الامامة إلي رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الروايات والاخبار لقيامه بنفسه في قضيّة العقل وثبوته بصحيح الاعتبار علي أنّه قد سبق النص عليه من النبيّ (صلي الله عليه وآله) ثمّ من أمير المؤمنين، ثمّ من الائمة واحداً بعد واحد إلي أبيه (عليهم السلام) وإخبارهم بغيبته قبل وجوده وبدولته بعد غيبته.(12)
المهدي في حديث العامة
لقد زخرت کتب الحديث والسيرة والفضائل بمزيد من الاحاديث التي أخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيها اُمّته فوقعت طبقاً لاحاديثه (صلي الله عليه وآله)، وکان من الاُمور المستقبلية التي أخبر عنها الرسول (صلي الله عليه وآله) ولم تقع لحدّ الان، هي ظهور الامام المهدي (عليه السلام)، وقيام دولته دولة العدل والحقّ، فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.
وقد روي أحاديث المهدي (عليه السلام) جماعة من محدّثي السنّة في صحاحهم ومسانيدهم کالترمذي وأبي داود والحاکم وابن ماجة وأسندوها إلي جماعة من الصحابة کأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وطلحة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، واُمّ سلمة وغيرهم ممّن سمعوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) يردّد حديث مهدي أهل البيت (عليهم السلام) ويبشّر بظهوره.
قال الشيخ عبد المحسن العبّاد(13) في محاضرة له بعنوان (عقيدة أهل السنّة والاثر في المهدي المنتظر) نشرت في مجلّة الجامعة الاسلامية(14): أخبر الرسول اُمّته عن الاُمم الماضية بأخبار لا بدّ من التصديق بها، وأنّها وقعت وفق خبره (صلي الله عليه وآله)، کما أخبر عن اُمور مستقبلية لا بدّ من التصديق بها، والاعتقاد أنّها ستقع علي وفق ما جاء عنه (صلي الله عليه وآله) وما من شيء يقرّب إلي الله تعالي إلاّ وقد دلّ الاُمّة عليه، ورغّبها فيه، وما من شرّ إلاّ حذّرها منه.
إنّ من بين الاُمور المستقبلية التي تجري في آخر الزمان، عند نزول عيسي بن مريم (عليه السلام) من السماء، هو خروج رجل من أهل بيت النبوّة، من ولد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، يوافق اسمه اسم الرسول (صلي الله عليه وآله) ويقال له المهدي، يتولّي إمرة المسلمين، ويصلّي عيسي بن مريم (عليه السلام) خلفه، وذلک لدلالة الاحاديث المستفيضة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) التي تلقّتها الاُمّة بالقبول، واعتقدت موجبها إلاّ من شذّ منها.(15)
فالايمان بوجود الامام المهدي (عليه السلام) عقيدة إسلامية يؤمن بها المسلمون جميعاً، وليست فکرة شيعية ولّدتها ظروف الکبت والارهاب والبؤس، للتخفيف عن النفوس التي أرهقها الظلم والتسلّط، کما يحلو للبعض التجنّي علي العقائد الاسلامية والتنکّر لسنّة الرسول (صلي الله عليه وآله).
وذکر الدکتور أحمد صبحي في کتابه (نظرية الامامة) أنّه قد شاع الاعتقاد في انتظار المهدي (عليه السلام) عند جماعة من أهل السنّة، وإن لم يتقرّر کأصل من اُصول عقيدتهم کما هو الحال لدي الشيعة، بعد أن تحدّث فيه بعض علمائهم کالکنجي الشافعي في کتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) والسيوطي في کتابه (العرف الوردي) وابن حجر الهيثمي في کتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) ويوسف بن يحيي الدمشقي في (عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر).
ومضي يقول: وشارک في الاعتقاد بالمهدي المنتظر فريق آخر من علماء السنّة بالرغم من عدائهم التقليدي للشيعة وإنکارهم لاکثر عقائدهم، فيعتقد ابن تيمية بصحّة الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) وجاء فيه: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه کاسمي وکنيته کنيتي، يملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً وذلک هو المهدي.
وفي حديث آخر له: المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة، کما يري أنّ ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود حول المهدي (عليه السلام) من الصحاح.(16)
قال السيّد عبد الله شبّر: اعلم أنّه قد ورد في روايات متواترة وأحاديث متضافرة، البشارة بالمهدي (عليه السلام)، وبأنّه تکون له غيبة من طرق العامة والخاصة، وقد روي ذلک من العامة البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، ومؤلف جامع الاُصول وغيرهم.
وقد ورد في کتب العامّة المعتبرة والاُصول المقرّرة من الروايات في القائم المهدي (عليه السلام) ما يزيد علي ألف حديث، وفي الصواعق المحرقة لابن حجر في أحوال العسکري (عليه السلام) ما لفظه: ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة (عليه السلام)، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لکن آتاه الله فيها الحکمة، وسمّي القائم المنتظر، قيل لأنّه (عليه السلام) ستر بالمدينة وغاب، ولم يعرف أين ذهب، وذکر نحو ذلک غيره من العامّة، کابن خلکان، وصاحب الفصول المهمّة، ومطالب السؤول، وشواهد النبوّة.(17)
المنکرون لاحاديث المهدي عليه السلام
إنّ الاعتقاد بظهور الامام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان هو من الاُمور الثابتة في قطعيّ السنّة، وهو من الحقّ الذي لا يمکن العدول عنه أو التردّد فيه أو إنکاره، إذ أنّ عمدة أهل العلم في إثبات ذلک إنّما يرجع إلي الاحاديث الواردة عن الرسول (صلي الله عليه وآله)، ولا مجال للرأي فيها، لانّ سبيلها من لا ينطق عن الهوي إن هو إلاّ وحي يوحي، ولأنّها من الاُمور التي لا تزال بظهر الغيب.
ولم ينکر أحاديث المهدي (عليه السلام) أحدٌ من علماء العامة المتقدّمين إلاّ من لا يعتدّ به أو من لم يکن من أهل العناية بالحديث، ممّن تمسّکوا بذرائع واهية، أهمّها خلوّ صحيح البخاري ومسلم من أحاديث المهدي (عليه السلام)، ومن هؤلاء أبو محمّد بن الوليد البغدادي، الذي تمسّک بحديث ضعيف منکر مفاده أن لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم، ومنهم ابن خلدون الذي ضعّف بعض أحاديث المهدي (عليه السلام) الواردة في کتب العامّة.
وتابع ابن الوليد البغدادي وابن خلدون بعض المتأخّرين کأحمد أمين وأبو زهرة ومحمّد فريد وجدي وغيرهم ممّن أنکروا الاحاديث الدالّة علي الامام المهدي (عليه السلام) وقالوا: إنّ البخاري ومسلماً لم يرويا حديثاً في المهدي.(18)
قال الشيخ عبد المحسن العباد(19): سيکون الکلام حول هذا الموضوع لامرين:
الاوّل: أنّ الاحاديث الواردة في المهدي (عليه السلام) لم ترد في الصحيحين علي وجه التفصيل، بل جاءت مجملة، وقد وردت في غيرهما مفسّرة لما فيهما، فقد يظنّ ظانّ أنّ ذلک يقلّل من شأنهما، وذلک خطأ واضح، فالصحيح بل الحسن في غير الصحيحين مقبول معتمد عند أهل الحديث.
الثاني: إنّ بعض الکتّاب في هذا العصر أقدم علي الطعن في الاحاديث الواردة في المهدي (عليه السلام) بغير علم، بل جهلاً أو تقليداً لاحد لم يکن من أهل العناية بالحديث.
وقد اطّلعت علي تعليق لعبد الرحمن محمّد عثمان علي کتاب تحفة الاحوذي، الذي طبع أخيراً في مصر، قال في الجزء السادس - في باب ما جاء في الخلفاء في تعليقته -: يري الکثير من العلماء أنّ کلّ ما ورد من أحاديث عن المهدي، إنّما هو موضع شکّ، وأنّها لا تصحّ عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، بل إنّها من وضع الشيعة.
الهوامش:
(1) الغيبة / الطوسي: 100.
(2) الخرائج والجرائح 3: 1108 / 25، مدينة المعاجز 8: 206 / 2792.
(3) أردبيل: من أشهر مدن أذربيجان في إيران.
(4) الدينور: مدينة من اُمّهات مدن الجبال في کردستان إيران.
(5) اللِّبد: ضرب من البسط، والمبطنة: ما ينتطق به، وهي إزار له حجزة.
(6) بسط فلان من فلان: أي أزال عنه الاحتشام وعوامل الخجل.
(7) الدَّرْج: الورق الذي يکتب فيه.
(8) دلائل الامامة: 520 / 493، فرج المهموم: 239، بحار الانوار 51: 300 / 19.
(9) أي في طلب الامام (عليه السلام).
(10) الخرائج والجرائح 2: 698 / 16، فرج المهموم: 239، بحار الانوار 51: 295 / 10.
(11) وهذا ملخّص ما في کتاب الاقتصاد: 296 / 304.
(12) إعلام الوري: 423.
(13) مدرّس في الجامعة الاسلامية في المدينة المنوّرة.
(14) العدد الثالث / السنة الاُولي، ونشرت سنة 1391 هـ في مجلة الهادي في عدديها: الاوّل، والثاني من السنة الاُولي. نقلاً عن مجلة الجامعة، ونقلناها نحن ملخّصةً في مجلّة رسالة الثقلين.
(15) رسالة الثقلين ـ العدد (25) ـ السنة (7) الصفحة 168.
(16) سيرة الائمة الاثني عشر ـ القسم الثاني: 522.
(17) حقّ اليقين / عبد الله شبّر 1: 222.
(18) راجع الامام الصادق / أبو زهرة: 238 ـ 239، المهدي والمهدويّة / أحمد أمين: 41 و108، دائرة معارفة القرن العشرين / محمّد فريد وجدي 10: 481.
(19) في محاضرته التي أشرنا إليها آنفاً.
******************
وقال معلّقاً بشأن المهدي (عليه السلام) في باب ما جاء في تقارب الزمن وقصر الامل، في الجزء المذکور: ويري الکثير من العلماء الثقات الاثبات أنّ ما ورد في أحاديث خاصّة بالمهدي، ليست إلاّ من وضع الباطنية والشيعة وأضرابهم، وأنّه لا تصحّ نسبتها إلي الرسول (صلي الله عليه وآله).
بل لقد تجرّأ بعضهم إلي ما هو أکثر من ذلک، فنجد محيي الدين عبد الحميد في تعليقته علي الحاوي للفتاوي للسيوطي، يقول في آخر جزء في العرف الوردي في أخبار المهدي، الصفحة 166 من الجزء الثاني: يري بعض الباحثين أنّ کلّ ما ورد عن المهدي وعن الدجّال من الاسرائيليات.
لهذين الامرين، ولکون الواجب علي کلّ مسلم ناصح لنفسه أ لاّ يتردّد في تصديق الرسول (صلي الله عليه وآله) فيما يخبر به، رأيت أن يکون الکلام حول هذا الامر کما قلت، تحت عنوان: عقيدة أهل السنّة والاثر في المهدي المنتظر.(1)
وقال: إنّي لم أقف علي تسمية أحد في الماضين أنکر أحاديث المهدي، أو تردّد فيها، سوي رجلين اثنين:
أمّا أحدهما: فهو أبو محمّد بن الوليد البغدادي، الذي ذکره ابن تيمية في منهاج السنّة، وستأتي حکاية کلام ابن تيمية عنه، وأنّه قد اعتمد علي حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) وقال ابن تيمية: وليس ممّـا يعتمد عليه لضعفه. وسبق في أثناء الکلام الذين عنهم أنّهم لو صحّ هذا الحديث لکان الجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممکناً. ولم أقف علي ترجمة لابي محمّد المذکور.
وأمّا الثاني: فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرّخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه لاحاديث المهدي. وقد رجعت إلي کلامه في مقدّمة تأريخه، فظهر لي منه التردّد لا الجزم بالانکار، وعلي کلّ حال، فإنکارها أو التردد في التصديق بما دلّت عليه شذوذ عن الحقّ، ونکوب عن الجادّة المطروقة، وقد تعقّبه الشيخ صديق حسن في کتابه الاذاعة حيث قال: لا شکّ أنّ المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر أو عام، لما تواتر من الاخبار في الباب، واتّفق عليه جمهور الاُمّة خلفاً عن سلف، إلاّ من لا يعتدّ بخلافه.
وقال: لا معني للريب في أمر ذلک الفاطمي الموعود، والمنتظر المدلول عليه بالادلّة، بل إنکار ذلک جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة، البالغة إلي حدّ التواتر.
ولي ملاحظات علي کلام ابن خلدون أري أن اُشير إليها هنا:
الاُولي: أنّه لو حصل التردّد في أمر المهدي من رجل له خبرة بالحديث، لاعتبر ذلک زللاً منه، فکيف إذا کان من الاخباريين الذين هم ليسوا من أهل الاختصاص؟
وقد أحسن الشيخ أحمد شاکر في تخريجه لاحاديث المسند حيث قال: أمّا ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يکن من رجالها. وقال: إنّه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدّمته للمهدي تهافتاً عجيباً، وغلط أغلاطاً واضحة. وقال: إنّ ابن خلدون لم يحسن قول المحدّثين: الجرح مقدّم علي التعديل، ولو اطّلع علي أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً ممّـا قال.
الثانية: صدّر ابن خلدون الفصل الذي عقده في مقدّمته للمهدي بقوله: اعلم أنّ في المشهور بين الکافة من أهل الاسلام علي ممرّ الاعصار أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي علي الممالک الاسلامية، ويسمّي بالمهدي، ويکون خروج الدجّال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح علي أثره، وأنّ عيسي (عليه السلام) ينزل من بعده فيقتل الدجّال، أو ينزل معه فيساعده علي قتله، ويأتمّ بالمهدي في صلاته، ويحتجّون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة، وتکلّم فيها المنکرون لذلک، وربما عارضوها ببعض الاخبار.
أقول: هذه الشهادة التي شهدها ابن خلدون، وهي أنّ اعتقاد خروج المهدي هو المشهور بين الکافّة من أهل الاسلام علي ممرّ الاعصار، ألا يسعه في ذلک ما وسع الناس علي ممرّ الاعصار؟ کما ذکر ابن خلدون نفسه، وهل ذلک إلاّ شذوذ بعد معرفة أنّ الکافة علي خلافه؟ وهل هؤلاء الکافة اتّفقوا علي الخطأ؟ والامر ليس اجتهادياً، وإنّما هو غيبي لا يسوغ لاحد إثباته إلاّ بدليل من کتاب الله أو سنّة نبيّه (صلي الله عليه وآله)، والدليل معهم، وهم أهل الاختصاص.
الثالثة: أنّه قال قبل إيراد الاحاديث: ونحن الان نذکره هنا الاحاديث الواردة في هذا الشأن. وقال في نهايتها: فهذه جملة الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان.
وقال في موضع آخر بعد ذلک: وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا.
وأقول: إنّه قد فاته الشيء الکثير، يتّضح ذلک بالرجوع إلي ما أثبته السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي عن الائمة، بل إنّ ممّـا فاته الحديث الذي ذکره ابن القيّم في المنار المنيف عن الحارث بن أبي اُسامة وقال: إسناده جيّد.
الرابعة: أنّ ابن خلدون نفسه قد اعترف بسلامة بعض أحاديث المهدي من النقد(2)، حيث قال بعد إيراد الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان: وهي کما رأيت لم يخلص منها من النقد إلاّ القليل.
وأقول: إنّ القليل الذي يسلم من النقد يکفي للاحتجاج به، ويکون الکثير الذي لم يسلم عاضداً له ومقوّياً، علي أنّه قد سلم الشيء الکثير کما جاء في کلام القاضي محمّد بن عليّ الشوکاني، الذي حکي تواترها، وقال: إنّ فيها خمسين حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر.
ثمّ إنّه في آخر البحث ذکر ما يفيد تردّده في أمر المهدي، وذلک يفيد عدم ثبات رأيه، لکونه تکلّم فيه بما ليس باختصاصه.(3)
وأحسن السيّد أبو الفيض أحمد بن محمّد بن الصديق الغماري الحسني الشافعي في الردّ علي ابن خلدون في کتابه (إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون) فقد أثبت فيه تواتر أحاديث المهدي (عليه السلام)، وفنّد تضعيفات ابن خلدون لاحاديث المهدي، والتي تذرّع بها بعض من عاصر السيّد أبي الفيض کأحمد أمين ومحمّد فريد وجدي.
وقد تتبّع السيّد أبو الفيض طرق وأسانيد أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) في کتب أهل السنّة ابتداءً من طبقة الصحابة ثمّ التابعين ثمّ تابعي التابعين حتّي المصنّفين الذين أخرجوا هذه الاحاديث في کتبهم.
قال أبو الفيض الشافعي: ولا يخفي أنّ العادة قاضية باستحالة تواطئ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفساً فأزيد في جميع الطبقات، وذلک فيما بلغنا وأمکننا الوقوف عليه في الحال، فقد وجدنا خبر المهدي وارداً في حديث أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، واُمّ سلمة، وثوبان، وعبد الله بن جزء بن حارث الزبيدي، وأبي هريرة، وأنس بن مالک، وجابر بن عبد الله الانصاري، وقرّة بن إياس المزني، وابن عباس، واُمّ حبيبة، وأبي اُمامة، وعبد الله ابن عمرو بن العاص، وعمّـار بن ياسر، والعبّاس بن عبد المطّلب، والحسين بن عليّ (عليه السلام)، وتميم الداري، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وطلحة، وعليّ الهلالي، وعمران بن حصين، وعمرو بن مرّة الجهني، ومعاذ بن جبل، وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع.
قال: ولو تتبّعنا ذلک لذکرنا منه عدداً وافراً، ولکن في المرفوع منه الکفاية.(4)
وقال أيضاً: في الناس اليوم ممّن يخفي عليه هذا التواتر ويجهله، ويبعده عن صراط العلم جهله، ويصدّه من ينکر ظهور المهدي وينفيه، ويقطع بضعف الاحاديث الواردة فيه، مع جهله بأسباب التضعيف، وعدم إدراکه معني الحديث الضعيف، وتصوّره مبادئ هذا العلم الشريف، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنيّة بتواترها عن البيان لحالها والتعريف، وإنّما استناده في إنکاره مجرّد ما ذکره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المکذوبة، ولمز به ثقات رواتها من التجريحات الملفّقة المقلوبة، مع انّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مکان، ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن، ولا استوفي منه بمکيال ولا ميزان، فکيف يعتمد فيه عليه، ويرجع في تحقيق مسائله إليه، فالواجب دخول البيت من بابه، والحقّ الرجوع في کلّ فنّ إلي أربابه، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاط الحديث ونقّاده.(5)
تصحيحات ابن خلدون
تبيّن ممّـا تقدّم أنّ ابن خلدون لم يتبع منهجاً علمياً سليماً في تضعيفاته، ولو سلّمنا أنّ ابن خلدون ممّن يقبل قوله في التصحيح والتضعيف، فإنّه قد صحّح أربعة أحاديث من مجموع أحاديث المهدي (عليه السلام) الثلاثة وعشرين التي ذکرها، وعند ذلک تصبح حجّة المتمسّکين بتضعيفات ابن خلدون حجّة داحضة، فإليک الاحاديث التي صحّحها ابن خلدون:
1 - رواية الحاکم من طريق عون الاعرابي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، سکت ابن خلدون عن تضعيف هذا السند، وهو دليل علي اعترافه بصحّة الحديث، لوثاقة جميع رجال عند أهل السنّة قاطبة.
2 - رواية الحاکم أيضاً عن سليمان بن عبيد، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال عنه ابن خلدون: صحيح الاسناد.
3 - رواية الحاکم عن علي (عليه السلام) حول ظهور المهدي، وقد صحّحه الحاکم علي شرط البخاري ومسلم، وقال عنه ابن خلدون: وهو إسناد صحيح کما ذکر.
4 - رواية أبي داود في السنن، عن صالح بن الخليل، عن اُمّ سلمة، قال ابن خلدون: ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز.(6)
ولا ريب أنّ هذه الاربعة التي سلمت من النقد، واعترف ابن خلدون بصحّتها، هي کافية في موضع الاحتجاج، وتکون الاحاديث الاُخري التي ضعّفها مؤکّدة وعاضدة لهذه الاربعة، وفيه يعلم أنّه لا حجّة لاحد في تضعيفات ابن خلدون لانکار أحاديث المهدي (عليه السلام) التي تسالم علي نقلها ثقات المحدّثين والحفّاظ والرواة.
أمّا الشبهة الثانية التي تمسّکوا بها، وهي کون البخاري ومسلم لم يرويا حديثاً في المهدي، فسنأتي إلي مناقشتها في البحث اللاحق.
المهدي في الصحيحين
1 - روي البخاري ومسلم في باب نزول عيسي بن مريم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): کيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيکم، وإمامکم منکم؟(7)
2 - وروي مسلم في الصحيح عن جابر، أنّه سمع النبيّ (صلي الله عليه وآله) يقول: لا تزال طائفة من اُمّتي يقاتلون علي الحقّ ظاهرين إلي يوم القيامة. قال: فينزل عيسي بن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إنّ بعضکم علي بعض اُمراء تکرمة لهذه الاُمّة.(8)
فهذان الحديثان الواردان في الصحيحين، وإن لم يکن فيها التصريح بلفظ المهدي، تدلّ علي صفات رجل صالح يؤمّ المسلمين في ذلک الوقت، وقد جاءت الاحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسّرة لهذين الحديثين اللذين في الصحيحين، ودالّة علي أنّ ذلک الرجل الصالح اسمه محمّد، ويقال له المهدي، والسنّة يفسّر بعضها بعضاً.(9)
ومن الاحاديث المفسّرة لما ورد في الصحيحين دالاً علي ذکر الامام المهدي (عليه السلام)، ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: المهدي من هذه الاُمّة، وهو الذي يؤمّ عيسي بن مريم.(10)
وما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة، أنّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) - في حديث - يلتفت المهدي وقد نزل عيسي بن مريم کأ نّما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدّم صلّ بالناس، فيقول عيسي (عليه السلام): إنّما اُقيمت الصلاة لک، فيصلّي خلف رجل من ولدي.(11)
ثمّ إنّ شروح الصحيحين توضّح بصراحة المراد بلفظ (وإمامکم منکم) فقد صرّح في إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري بکون المراد به المهدي (عليه السلام)، وأنّ عيسي (عليه السلام) يقتدي به في الصلاة(12)، ومثله في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري.(13)
وأورد في فيض الباري علي صحيح البخاري حديثاً عن ابن ماجة يفسّر حديث البخاري ثمّ قال: فهذا صريح في أنّ مصداق الامام في الاحاديث هو المهدي.(14)
3 - وأخرج مسلم في الصحيح بسنده عن جابر بن عبد الله، أنّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يکون في آخر اُمّتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعدّه عدّاً.(15)
ولفظ الخليفة الوارد في صحيح مسلم، مفسّر بالامام المهدي (عليه السلام) في کتب أهل السنّة ومسانيدهم المعتبرة، فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: إنّ في اُمّتي المهدي - إلي أن قال (صلي الله عليه وآله) - فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.(16)
4 - وأخرج مسلم في الصحيح عن اُمّ سلمة قالت: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يعوذ عائذ في البيت، فيبعث إليه بعث، فإذا کانوا ببيداء من الارض خسف بهم.(17)
وخسف البيداء إنّما يکون بالجيش الذي يقاتل الامام المهدي (عليه السلام)، ولم يحدث هذا الامر في جميع مراحل التأريخ، ولو حدث لاشتهر أمره، بل هو من أشراط الساعة وعلامات الظهور.(18)
وروي الحاکم بالاسناد عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حديث السفياني، قال: ويخرج رجل من أهل بيتي فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جنداً من جنده، فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه حتّي إذا صار ببيداء من الارض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلاّ المخبر منهم.(19)
وأخرج السيوطي عن الزهري قال: يخرج المهدي بعد الخسف في ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً عدد أهل بدر.(20)
وسنذکر في الفصل الثالث عشر - عند ذکر علامات الظهور - مزيداً من الاخبار الدالّة علي أنّ الجيش الذي يقاتل الامام المهدي (عليه السلام) هو الذي يخسف به في البيداء.
المهدي علي لسان المحدثين والمصنفين والفقهاء
بعد أن تبيّن أنّ حجّة المنکرين أو المضعّفين لاحاديث المهدي (عليه السلام) لا تقوم علي دليل صحيح، ولا تثبت أمام النقد العلمي وما ثبت من صحيح السنّة الذي يصرّح بأنّه لا بدّ من ظهور الامام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان بعد علامات وأشراط حدّدتها السنّة المطهّرة، لا ينکرها إلاّ معاند مکابر، سنسلّط الضوء علي ما يعزّز ما ذکرناه، فنذکر أسماء الصحابة الذين رووا حديث الامام المهدي (عليه السلام) من طرق العامة، ونذکر المصنّفين الذين أخرجوا أحاديثه، أو الذين أفردوه بالتصنيف والتأليف، وکذلک الذين صحّحوا الاحاديث الواردة فيه، والذين حکوا تواترها، وفتاوي فقهاء المذاهب الاربعة التي تؤکّد صحّة أحاديث المهدي (عليه السلام) وتواترها.
اسماء الصحابة الذين رووا عن رسول الله أحاديث المهدي
روي حديث الامام المهدي (عليه السلام) جمع من الصحابة علي ما جاءت به الروايات في کتب العامة، ذکر منهم الشيخ العباد، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عثمان بن عفان، طلحة بن عبيد الله، عبد الرحمن بن عوف، الحسين بن علي (عليه السلام)، اُمّ سلمة، اُمّ حبيبة، عبد الله بن عباس، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو، أبا سعيد الخدري، جابر بن عبد الله، أبا هريرة، أنس بن مالک، عمّـار بن ياسر، عوف بن مالک، ثوبان مولي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قرّة بن إياس، علي الهلالي، حذيفة بن اليمان، عبد الله بن الحارث بن جزء، عوف بن مالک، عمران بن حصين، أبا الطفيل، جابر الصدفي.(21)
وأورد الاُستاذ علي محمّد علي دخيل ثبتاً بأسماء خمسين صحابياً من رواة حديث النبيّ (صلي الله عليه وآله) في الامام المهدي(عليه السلام)، وبيّن المصادر التي وردت فيها أحاديثهم.(22)
الذين قالوا بصحة أحاديث المهدي من العامة
1 - الحاکم النيسابوري، صاحب المستدرک، أخرج عدّة أحاديث في المهدي (عليه السلام) وصحّحها علي شرط الشيخين.(23)
2 - البغوي، صاحب مصابيح السنّة، ذکر عدداً من أحاديث المهدي (عليه السلام) وجعلها إمّا في فصل الصحاح(24) أو في فصل الحسان.(25)
3 - الترمذي، صاحب السنن، أخرج عدّة أحاديث في المهدي (عليه السلام) وصحّحها.(26)
4 - الذهبي، صرّح بصحّة بعض الاحاديث التي أخرجها الحاکم في المستدرک(27)، وسکت عن جميع الاحاديث التي صحّحها الحاکم موافقاً إيّاه علي ذلک.
5 - ابن کثير، أخرج حديث ابن ماجة في المهدي (عليه السلام) (فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً علي الثلج، فإنّه خليفة الله المهدي)، وقال: وهذا إسناد قوي صحيح.(28)
6 - التفتازاني، قال في شرح المقاصد: ممّـا يلحق بباب الامامة بحث خروج المهدي، ونزول عيسي (عليه السلام)، وهما من أشراط الساعة، وقد ورد في هذا الباب أخبار صحاح وإن کانت آحاداً).(29)
7 - نور الدين الهيثمي صاحب مجمع الزوائد، أخرج عدّة أحاديث في المهدي (عليه السلام)، وصرّح بصحّتها وثقة رجالها.(30)
8 - جلال الدين السيوطي، أخرج في (الجامع الصغير) عدّة أحاديث في المهدي (عليه السلام) وصرّح بصحّتها.(31)
الذين حکوا تواتر أحاديث المهدي من العامة
إنّ الاحاديث الواردة في ظهور الامام المهدي (عليه السلام) أحاديث معتبرة وبعضها متواترة، وقد صرّح بتواترها جمع من أعلام العامة نذکر منهم:
1 - الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الابري السجزي صاحب کتاب مناقب الشافعي، المتوفّي سنة 363 هـ.
قال في محمّد بن خالد الجندي راوي حديث: (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم): محمّد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذکر المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملک سبع سنين، وأنّه يملا الارض عدلاً، وأنّ عيسي (عليه السلام) يخرج فيساعده علي قتل الدجّال، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ويصلّي عيسي خلفه.
نقل ذلک عنه ابن القيّم في کتابه المنار وسکت عليه، ونقله عنه أيضاً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، في ترجمة محمّد بن خالد الجندي، وسکت عليه، ونقل عنه ذلک وسکت عليه أيضاً في فتح الباري، في باب نزول عيسي بن مريم (عليه السلام).
ونقل ذلک عنه أيضاً السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي، وسکت عليه، ونقل ذلک عنه مرعي بن يوسف في کتابه فوائد الفکر في ظهور المهدي المنتظر، کما ذکر ذلک صديق حسن في کتابه الاذاعة لما کان وما يکون بين يدي الساعة.
2 - محمّد البرزنجي المتوفّي سنة 1103 هـ في کتابه الاشاعة لاشراط الساعة، قال: الباب الثالث في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة، وهي أيضاً کثيرة، فمنها المهدي، وهو أوّلها، واعلم أنّ الاحاديث الواردة فيه علي اختلاف رواياتها لا تکاد تنحصر.
إلي أن قال:
ثمّ الذي في الروايات الکثيرة الصحيحة الشهيرة أنّه من ولد فاطمة...
إلي أن قال:
قد علمت أنّ أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان، وأنّه من عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) من ولد فاطمة، بلغت حدّ التواتر المعنوي، فلا معني لانکارها.
وقال في ختام کتابه المذکور، بعد الاشارة إلي بعض اُمور تجري في آخر الزمان:
وغاية ما ثبت في الاخبار الصحيحة الکثيرة الشهيرة، التي بلغت التواتر المعنوي، وجود الايات العظام التي فيها، بل أوّلها خروج المهدي، وأنّه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملا الارض عدلاً کما ملئت ظلماً.
3 - الشيخ محمّد السفاريني المتوفّي سنة 1188 هـ، في کتابه لوامع الانوار البهيّة، قال: وقد کثرت بخروجه - يعني المهدي (عليه السلام) - الروايات، حتّي بلغت حدّ التواتر المعنوي، وأورد الاحاديث في خروج المهدي، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها. ثمّ قال: وقد روي عمّن ذکر من الصحابة وغير من ذکر منهم رضي الله عنهم بروايات متعدّدة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالايمان بخروج المهدي واجب کما هو مقرّر عند أهل العلم، ومدوّن في عقائد أهل السنّة والجماعة.
الهوامش:
(1) رسالة الثقلين: 168 ـ 170 ـ العدد (25) ـ السنة (7) ـ 1419.
(2) لم يضعّف ابن خلدون من أحاديث المهدي (عليه السلام) سوي (19) حديثاً فقط من مجموع (23) حديثاً، واعترف بصحّة أربعة أحاديث من مجموع ما ذکره سنأتي علي ذکرها لاحقاً.
(3) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 192 ـ 194.
(4) إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون: 437.
(5) إبراز الوهم المکنون: 443.
(6) تأريخ ابن خلدون 1: 564 ـ 568، الفصل (52).
(7) صحيح البخاري 4: 205، باب ما ذکر عن بني إسرائيل.
(8) صحيح مسلم 1: 136، باب نزول عيسي (عليه السلام).
(9) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 178 ـ 179، مجلّة رسالة الثقلين ـ العدد (25) ـ السنة (7).
(10) المصنّف / ابن أبي شيبة 15: 198.
(11) الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 81.
(12) إرشاد الساري 5: 419.
(13) عمدة القاري 16: 39.
(14) فيض الباري 4: 44 ـ 47.
(15) صحيح مسلم بشرح النوري 18: 38.
(16) سنن الترمذي 4: 506 / 2232، وروي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة بعدّة طرق، راجع عقد الدرر: 61، باب (4)، البيان / الکنجي: 506 باب (11)، المصنّف / ابن أبي شيبة 15: 196، مسند أحمد 3: 80، المصنّف / عبد الرزّاق 11: 371، دلائل النبوّة / البيهقي 6: 514، المستدرک / الحاکم 4: 454، تأريخ بغداد 10: 48، مجمع الزوائد 7: 314، وغيرها کثير.
(17) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 4 ـ 7.
(18) راجع مسند أحمد 6: 379.
(19) المستدرک 4: 520.
(20) الحاوي للفتاوي 2: 74.
(21) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 171 ـ مجلة رسالة الثقلين ـ العدد (25) ـ السنة (7).
(22) راجع الامام المهدي (عليه السلام) / علي محمّد علي دخيل: 101 ـ 103.
(23) راجع المستدرک 4: 442 و457 و465 و553 و558.
(24) راجع مصابيح السنّة 3: 488 / 4199 ـ کتاب الفتن ـ باب أشراط الساعة.
(25) راجع مصابيح السنّة 3: 492 ـ 493.
(26) راجع سنن الترمذي 4: 505 ـ 506.
(27) راجع تلخيص المستدرک 4: 553 و558.
(28) النهاية في الفتن والملاحم 1: 55.
(29) شرح المقاصد / التفتازاني 5: 312.
(30) راجع مجمع الزوائد 7: 115 ـ 116، و313 ـ 314 و317.
(31) الجامع الصغير 2: 672.
******************
4 - القاضي محمّد بن علي الشوکاني المتوفّي سنة 1250 هـ، وهو صاحب التفسير المشهور، ومؤلف نيل الاوطار، قال في کتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجّال والمسيح: فالاحاديث الواردة في المهدي التي أمکن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شکّ ولا شبهة، بل يصدق وصف المتواتر علي ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاُصول، وأمّا الاثار عن الصحابة المصرّحة بالمهدي، فهي کثيرة جداً، لها حکم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلک.
وقال في مسألة نزول المسيح (عليه السلام): فتقرّر أنّ الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والاحاديث الواردة في الدجّال متواترة، والاحاديث الواردة في نزول عيسي (عليه السلام) متواترة.
5 - الشيخ محمّد صديق حسن القنوجي المتوفّي سنة 1307 هـ، قال في کتابه الاذاعة لما کان وما يکون بين يدي الساعة: والاحاديث الواردة في المهدي علي اختلاف رواياتها کثيرة جدّاً، تبلغ حدّ التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد.
إلي أن قال:
لا شکّ أنّ المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين شهر ولا عام، لما تواتر من الاخبار في الباب، واتّفق عليه جمهور الاُمّة خلفاً عن سلف، إلاّ من لا يعتدّ بخلافه.
إلي أن قال:
فلا معني للريب في أمر ذلک الفاطمي الموعود المنتظر، المدلول عليه بالادلّة، بل إنکار ذلک جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة، البالغة إلي حدّ التواتر.
6 - الشيخ محمّد بن جعفر الکتاني، المتوفّي سنة 1345 هـ، قال في کتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر: وقد ذکروا أنّ نزول سيّدنا عيسي (عليه السلام) ثابت بالکتاب والسنّة والاجماع. ثمّ قال: والحاصل أنّ الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وکذا الواردة في الدجّال، وفي نزول سيّدنا عيسي بن مريم (عليه السلام).(1)
7 - وأوضح عبد العزيز بن باز، رئيس الجامعة الاسلامية في المدينة المنوّرة أنّ ظهور المهدي (عليه السلام) حقيقة لا شکّ فيها، وأنّ أحاديثه متواترة، جاء ذلک بقوله: إنّ أمر المهدي أمر معلوم، والاحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة متعاضدة، وقد حکي غير واحد من أهل العلم تواترها، وهي متواترة تواتراً معنوياً، لکثرة طرقها، واختلاف مخارجها، وصحابتها، ورواتها وألفاظها، فهي بحقّ تدلّ علي أنّ هذا الشخص الموعود به، أمره ثابت، وخروجه حقّ.(2)
8 - وذکر أبو الفيض الغماري أنّ السيوطي قد نص علي تواتر أحاديث المهدي (عليه السلام) في (الفوائد المتکاثرة في الاحاديث المتواترة) وفي اختصاره المسمّي (الازهار المتناثرة) وغيرها من کتبه.(3)
9 - وذکر المغربي في (إبراز الوهم المکنون) تواتر أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) عند محمّد بن عبد الباقي الزرقاني المتوفّي سنة 1112 هـ، وأنّه صرّح بهذا التواتر في (شرح المواهب اللدنية).(4)
10 - وذکر الشبلنجي في (نور الابصار) تواتر الاخبار من النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّ المهدي (عليه السلام) من أهل بيته، وأنّه يملا الارض عدلاً، وذکر أيضاً تواتر الاخبار علي أنّ المهدي (عليه السلام) يعاون عيسي (عليه السلام) علي قتل الدجّال بباب لدّ بأرض فلسطين بالشام.(5)
11 - وقال أحمد زيني دحلان المتوفّي سنة 1304 هـ: الاحاديث التي جاء فيها ذکر ظهور المهدي (عليه السلام) کثيرة متواترة، فيها ما هو الصحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف وهو الاکثر، لکنّها لکثرتها وکثرة مخرجيها يقوّي بعضها بعضاً حتّي صارت تفيد القطع، لکن المقطوع به أنّه لا بدّ من ظهوره، وأنّه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأنّه يملا الارض عدلاً.(6)
12 - أبو الفيض الغماري الشافعي المتوفّي سنة 1380 هـ، قال بتواتر أحاديث الامام المهدي (عليه السلام) في کتابه (إبراز الوهم المکنون) وأورد أسماء الصحابة الذين رووا حديث المهدي (عليه السلام) وبيّن الطرق إليهم ثمّ قال: إنّ القدر المشترک في هذه الاسانيد جميعاً هو وجود الخليفة المهدي في آخر الزمان، لذا تواتر هذا الوجود باعتبار المجموع.(7)
وقال في کتابه (المهدي المنتظر): وهذا کتاب أبطلت فيه زعم من أنکر أحاديث المهدي المنتظر، وبيّنت أنّها متواترة، وأنّ منکرها يعتبر مبتدعاً ضالاً من جملة الفرق المبتدعة الضالّة وسمّيته المهدي المنتظر.
وقال: والاحاديث الواردة في المهدي التي أمکن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، منها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شکّ ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر علي ما دونها علي جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاُصول.(8)
13 - وقال الحافظ العسقلاني في تهذيب التهذيب: وقد تواترت الاخبار واستفاضت بکثرة رواتها عن المصطفي (صلي الله عليه وآله) في المهدي وأنّه من أهل بيته (صلي الله عليه وآله)، وأنّه يملک سبع سنين، ويملا الارض عدلاً، وأنّ عيسي (عليه السلام) يخرج فيساعده علي قتل الدجّال، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة وعيسي يصلّي خلفه في طول من قصّته وأمره.(9)
14 - وقال أبو الحسين الاجري علي ما نقله عنه ابن حجر الهيتمي في الصواعق: قد تواترت الاخبار واستفاضت بکثرة رواتها عن المصطفي (صلي الله عليه وآله) بخروج المهدي، وأنّه من أهل بيته وأنّه يملا الارض عدلاً، وأنّه يخرج مع عيسي علي نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فيساعده علي قتل الدجّال بباب لد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ويصلّي عيسي خلفه.(10)
15 - وقال الشيخ محمّد الحنفي المصري في (إتحاف أهل الاسلام): قد تواترت الاخبار عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) بخروج المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملا الارض عدلاً.(11)
16 - وقال محمّد بن الحسن الاسفوي في کتاب مناقب الشافعي: قد تواترت الاخبار عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذکر المهدي وأنّه من أهل بيته (صلي الله عليه وآله).(12)
17 - وقال الشيخ محمّد الصبّان: قد تواترت الاخبار عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) بخروج المهدي وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملا الارض عدلاً، وأنّه يساعد عيسي علي قتل الدجّال بباب لدّ بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة، ويصلّي عيسي خلفه.(13)
اسماء المصنفين الذين خرجوا الاحاديث الواردة في المهدي
خرّج أحاديث المهدي (عليه السلام) جماعة کثيرة من أئمة أهل السنّة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرهم، منهم:
أبو داود في سننه، والترمذي في جامعه، ابن ماجة في سننه، والنسائي في سننه، وأحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاکم في المستدرک، وأبو بکر ابن أبي شيبة في المصنّف، ونعيم بن حمّـاد في کتاب الفتن، والحافظ أبو نعيم في کتاب المهدي، وفي الحلية، والطبراني في الکبير والاوسط والصغير، والدراقطني في الافراد، والبارودي في معرفة الصحابة، وأبو يعلي الموصلي في مسنده، والبزّاز في مسنده، والحارث بن أبي اُسامة في مسنده، والخطيب في تلخيص المتشابه، وفي المتّفق والمفترق، وابن عساکر في تأريخه.
وابن مندة في تأريخ إصبهان، وأبو الحسن الحربي في الاوّل من الحربيات، وتمام الرازي في فوائده، وابن جرير في تهذيب الاثار، وأبو بکر بن المقري في معجمه، وأبو عمرو الداني في سننه، وأبو غنم الکوفي في کتاب الفتن، والديلمي في مسند الفردوس، وأبو بکر الاسکاف في فوائد الاخبار، وأبو حسين بن المناوي في کتاب الملاحم، والبيهقي في دلائل النبوّة، وأبو عمرو المقري في سننه، وابن الجوزي في تأريخه، ويحيي بن عبد الحميد الحماني في مسنده، والروياني في مسنده، وابن سعد في الطبقات.
وابن خزيمة، وعمرو بن شمر، والحسن بن سفيان، وأبو عوانة، وهؤلاء الاربعة ذکر السيوطي في العرف الوردي کونهم ممّن خرّج أحاديث المهدي (عليه السلام)، دون عزو التخريج إلي کتاب معيّن.(14)
وعدّ الاُستاذ علي محمّد علي دخيّل 32 مصنّفاً من العامة عقدوا فصلاً في کتبهم لاخراج أحاديث المهدي (عليه السلام)، وأثبت قائمة ذکر فيها 144 کتاباً من کتب العامة تعرّضت لذکر الامام المهدي (عليه السلام).(15)
وأحصي الاُستاذ الشيخ أبو طالب التجليل التبريزي (145) مصنّفاً من حفّاظ أهل السنّة ممّن أخرج حديث الامام المهدي (عليه السلام) في کتبهم في الحديث والتفسير والکلام والعرفان والتراجم واللغة والتأريخ.(16)
ومنه يتّضح مدي الاتّفاق علي رواية أحاديث المهدي والاحتجاج بها من قبل أعلام العامّة من المحدّثين والمؤرّخين وسائر المصنّفين.
المصنفون في شأن المهدي من العامة
اعتني علماء العامّة بجمع الاحاديث الواردة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) في شأن الامام المهدي (عليه السلام) ضمن مؤلفات خاصّة بهذا الموضوع، وهي تشکّل قسطاً وافراً من مصنّفاتهم، فمنهم من أدرجها ضمن المؤلفات العامة، کما في السنن والمسانيد وغيرها، ومنهم من أفردها بالتأليف.
فمن الذين أفردوها بالتأليف:
1 - أبو بکر بن أبي خيثمة زهير بن حرب، قال ابن خلدون في مقدّمة تأريخه: ولقد توغّل أبو بکر بن أبي خيثمة علي ما نقل السهيلي عنه في جمعه للاحاديث الواردة في المهدي.
2 - الحافظ أبو نعيم، ذکره السيوطي في الجامع الصغير، وذکره في العرف الوردي، بل لقد لخّص السيوطي الاحاديث التي جمعها أبو نعيم في المهدي، وجعلها ضمن کتابه العرف الوردي، وزاد عليها فيه أحاديث وآثاراً کثيرة جدّاً.
3 - السيوطي، فقد جمع فيه جزءاً سمّـاه العرف الوردي في أخبار المهدي، وهو مطبوع ضمن کتابه الحاوي للفتاوي في الجزء الثاني منه، قال في أوّله: الحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي، هذا جزء جمعت فيه الاحاديث والاثار الواردة في المهدي، لخّصت فيه الاربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم، وزدت عليه ما فات، ورمزت عليه صورة (ک).
والاحاديث التي أوردها السيوطي في شأن المهدي تزيد علي المئتين، وفيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وإذا أورد الحديث الواحد أضافه إلي کلّ من الذين خرّجوه، فيقول مثلاً في أحدها: أخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاکم عن اُمّ سلمة: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).
4 - الحافظ عماد الدين بن کثير، قال في کتابه الفتن والملاحم: وقد أفردت في ذکر المهدي جزءاً علي حدة، ولله الحمد والمنّة.
5 - الفقيه ابن حجر المکّي، وقد سمّي مؤلّفه المختصر في علامات المهدي المنتظر(17)، ذکر ذلک البرزنجي في الاشاعة، ونقل منه، وکذلک السفاريني في لوامع الانوار البهيّة وغيرهما.
6 - عليّ المتّقي الهندي صاحب کنز العمّـال، فقد أ لّف في شأن المهدي رسالة ذکرها البرزنجي في الاشاعة، وذکر ذلک قبله أيضاً ملاّ علي القاري الحنفي، في المرقاة في شرح المشکاة.
7 - ملاّ علي القاري، وسمّي مؤلّفه المشرب الوردي في مذهب المهدي، ذکره في الاشاعة، ونقل جملة کبيرة منه.
8 - مرعي بن يوسف الحنبلي، المتوفّي سنة 1033 هـ، وسمّي مؤلّفه فوائد الفکر في ظهور المهدي المنتظر، ذکره السفاريني في لوامع الانوار البهيّة، وذکره الشيخ صديق حسن القنوجي في کتابه الاذاعة لمّـا کان وما يکون بين يدي الساعة، وغيرها.
9 - القاضي محمّد بن علي الشوکاني، وسمّي مؤلّفه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجّال والمسيح، ذکر ذلک صديق حسن في الاذاعة، ونقل جملة منه، والشوکاني ممّن أ لّف بشأنه، وحکي تواتر الاحاديث الواردة فيه.
10 - الامير محمّد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام، المتوفّي سنة 1182 هـ، قال صديق حسن في الاذاعة: وقد جمع السيّد العلاّمة بدر الملّة المنير، محمّد بن إسماعيل الامير اليماني، الاحاديث القاضية بخروج المهدي، وأنّه من آل محمّد (صلي الله عليه وآله)، وأنّه يظهر في آخر الزمان. ثمّ قال: ولم يأتِ تعيين زمنه، إلاّ أنّه يخرج قبل خروج الدجّال.(18)
المصنفات في المهدي عليه السلام
ونضيف إلي هذه القائمة أسماء بعض المصنّفات الخاصّة بالامام المهدي (عليه السلام) ممّـا لم نذکره آنفاً:
1 - إبراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون، لابي الفيض أحمد بن محمّد بن صدّيق الغماري الشافعي، طبع بمطبعة الترّقي في دمشق سنة 1347 هـ.
2 - أحوال صاحب الزمان (عليه السلام)، لسعد الدين الحموي.
3 - أخبار المهدي (عليه السلام)، لحمّـاد بن يعقوب الرواجني.
4 - البيان في أخبار صاحب الزمان، تأليف الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد النوفلي القرشي الکنجي الشافعي، وقد طبع مراراً، منها طبعة النجف الاشرف في سنة 1382 بمقدّمة محمّد مهدي الخرسان.
5 - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان، لعليّ بن حسام الدين المتّقي الهندي، صاحب کنز العمّـال، وهو مطبوع مراراً، وله عدّة نسخ مخطوطة.
6 - تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر، لمحمّد بن عبد العزيز بن مانع، وهو من علماء نجد في القرن الرابع عشر، نسخة منه في دار الکتب المصريّة في فهرسها 1: 127.
7 - تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان، لکمال باشا الحنفي، المتوفّي سنة 940 هـ، له نسخة في مکتبة عاشر أفندي - استانبول ضمن المجموعة رقم 446.
8 - أربعين حديثاً في المهدي، لابي العلاء الهمداني، نقل عنه المحب الطبري في دخائر العقبي.
9 - تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان، لعلي بن حسام الدين المتقي الهندي، المتوفّي سنة 975.
10 - العطر الوردي في شرح القطر الشهدي في أوصاف المهدي، لمحمّد بن محمّد بن أحمد الحسيني البلبيسي، شرحه سنة 1308 هـ.
11 - عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، تأليف يوسف بن يحيي بن علي المقدسي الشافعي، المتوفّي سنة 685 هـ، وهو مطبوع ونسخته متداولة.
12 - علامات المهدي، لجلال الدين السيوطي الشافعي.
13 - القطر الشهدي في أوصاف المهدي، منظومة لشهاب الدين أحمد بن أحمد بن إسماعيل الحلواني الشافعي المتوفّي سنة 1308 هـ، طبعت ملحقة بکتاب فتح ربّ الارباب بمصر سنة 1345 - مطبعة المعاهد.
14 - المهدي، تأليف شمس الدين ابن قيّم الجوزيّة، المتوفّي سنة 751 هـ.
15 - المُهدي إلي ما ورد في المَهدي، لشمس الدين محمّد بن طولون، أشار إليه في کتابه الائمة الاثني عشر.
16 - صاحب الزمان (عليه السلام)، للقاضي أبي العنبس محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الکوفي قاضي صيمرة، المتوفّي سنة 275 هـ، ذکره ابن النديم في الفهرست، ولعلّه أقدم کتاب اُ لّف في المهدي (عليه السلام)، وقد ترجم ياقوت الحموي للمؤلف في معجم الاُدباء، وذکر أنّه أدرک المعتمد.
وقد أحصي العلاّمة ذبيح الله المحلاّتي أربعين کتاباً مصنّفاً في المهدي (عليه السلام) من قبل أعلام العامّة، وذکر قائمة اُخري للکتب المؤلّفة في الامام المهدي (عليه السلام) من قبل الشيعة فأوصلها إلي مائة وعشرة کتب.(19)
وأحصي الاُستاذ علي محمّد علي دخيل في کتابه الامام المهدي (عليه السلام) ثلاثين کتاباً من کتب أهل السنّة مصنّفة في الامام المهدي خاصّة.(20)
الذين احتجوا بأحاديث المهدي من العامة
1 - قال الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفّي سنة 322 هـ: أنّ في المهدي أحاديث جياداً، قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، في ترجمة علي بن نفيل بن زارع النهدي: قلت: ذکره العقيلي في کتابه وقال: لا يتابع علي حديثه في المهدي، ولا يعرف إلاّ به. قال: وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه.
2 - ويري ابن حبان البستي المتوفّي سنة 254 هـ أنّ الاحاديث الواردة في المهدي مخصّصة لحديث (لا يأتي عليکم زمان إلاّ والذي بعده شرّ منه).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في الکلام علي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في کتاب الفتن: إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: (لا يأتي عليکم زمان إلاّ والذي بعده شرّ منه حتّي تلقوا ربّکم) قال: واستدلّ ابن حبان في صحيحه علي أنّ الحديث ليس علي عمومه بالاحاديث الواردة في المهدي، وأنّه يملا الارض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً.
3 - وقال البيهقي المتوفّي سنة 458 هـ، بعد کلامه علي تضعيف: لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم، قال: والاحاديث في التنصيص علي خروج المهدي أصحّ البتة إسناداً.
نقل ذلک عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، في ترجمة محمّد بن خالد الجندي، راوي حديث: (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) ونقله عنه أيضاً ابن القيّم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف.
4 - وقال محمّد بن أحمد بن أبي بکر القرطبي، صاحب التفسير المشهور، المتوفّي سنة 671 هـ، في کتابه التذکرة في اُمور الاخرة، بعد ذکر حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم)، قال: إسناده ضعيف، والاحاديث عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) في التنصيص علي خروج المهدي (عليه السلام) من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصحّ من هذا الحديث، فالحکم بها دونه. وقال: يحتمل أن يکون قوله (صلي الله عليه وآله): (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم)، أي لا مهدي کاملاً إلاّ عيسي، قال: وعلي هذا تجتمع الاحاديث ويرتفع التعارض.
نقل ذلک عنه السيوطي في آخر جزء من العرف الوردي في أخبار المهدي.
5 - وقال ابن تيمية المتوفّي سنة 728 هـ في کتابه منهاج السنّة النبويّة (4: 211)، في التعليق علي الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبيّ (صلي الله عليه وآله): (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه کاسمي، وکنيته کنيتي، يملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً، وذلک هو المهدي): إنّ الاحاديث التي يحتجّ بها علي خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره، کقوله (صلي الله عليه وآله) في الحديث الذي رواه ابن مسعود: لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم، لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج فيه رجل منّي - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، ورواه الترمذي وأبو داود في رواية اُمّ سلمة. وفيه: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد، وفيه: يملک الارض سبع سنين.
ورواه عن عليّ (عليه السلام) أنّه نظر إلي الحسين وقال: إنّ ابني هذا سيّد کما سمّـاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيخرج من صلبه رجل يسمّي باسم نبيّکم، يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلق، يملا الارض قسطاً.
قال: وهذه الاحاديث غلط فيها طوائف، طائفة أنکروها، واحتجّوا بحديث ابن ماجة أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم)، وهذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمّد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس ممّـا يعتمد عليه، ورواه ابن ماجة عن يونس عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن، يقال له محمّد بن خالد الجندي، وهو ممّن لا يحتجّ به، وليس في مسند الشافعي، وقد قيل: إنّ الشافعي لم يسمعه من الجندي، وإنّ يونس لم يسمعه من الشافعي.
وطائفة قالت: جدّه الحسين، وکنيته أبو عبد الله، فمعناه محمّد بن أبي عبد الله، وجعلت الکنية اسماً، وممّن سلک هذا ابن طلحة في کتابه الذي سمّـاه غاية السؤول في مناقب الرسول.(21)
6 - وعقد ابن القيم في آخر کتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف، فصلاً في الکلام علي أحاديث المهدي وخروجه، والجمع بينها وبين حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) قال فيه: فأمّا حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) فرواه ابن ماجة في سننه عن يوسف بن عبد الاعلي عن الشافعي عن محمّد ابن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالک، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، وهو ممّـا تفرّد به محمّد بن خالد. قال أبو الحسن محمّد بن الحسين الابري في کتاب مناقب الشافعي: محمّد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل.
وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذکر المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملک سبع سنين، وأنّه يملا الارض عدلاً، وأنّ عيسي يخرج فيساعده علي قتل الدجّال، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ويصلّي عيسي خلفه.
وقال البيهقي: تفرّد به محمّد بن خالد هذا، وقد قال الحاکم أبو عبد الله: هو مجهول، وقد اختلف عليه في إسناده، فروي عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلاً عن النبيّ (صلي الله عليه وآله).
قال: فرجع الحديث إلي رواية محمّد بن خالد، وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش، وهو متروک، والاحاديث علي خروج المهدي أصحّ إسناداً.
قال ابن القيّم: قلت: کحديث عبد الله بن مسعود عن النبيّ (صلي الله عليه وآله): لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم، لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يبعث رجل منّي - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي، يملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وأبي سعيد، واُمّ سلمة، وأبي هريرة، ثمّ روي حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح.
ثمّ قال ابن القيّم: وفي الباب عن حذيفة بن اليمان، وأبي اُمامة الباهلي، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وثوبان، وأنس بن مالک، وجابر، وابن عباس وجابر. ثمّ أورد عدّة أحاديث رواها بنص أهل السنن والمسانيد وغيرها، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف أورده للاستئناس به.
ثمّ قال: وهذه الاحاديث أربعة أقسام: صحاح، وحسان، وغرائب، وموضوعة، وقد اختلف الناس في المهدي عن أربعة أقوال:
أحدها: أنّه المسيح بن مريم، واحتجّ أصحاب هذا القول بحديث محمّد بن خالد الجندي المتقدّم، وقد بيّنّا حاله، وأنّه لا يصحّ، ولو صحّ لم يکن به حجّة، لانّ عيسي (عليه السلام) أعظم مهدي بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبين الساعة، وقد دلّت السنّة الصحيحة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي نزوله علي المنارة البيضاء شرقي دمشق، وحکمه بکتاب الله، وقتله اليهود والنصاري، ووضعه الجزية، وإهلاک أهل الملل في زمانه، فيصحّ أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه، وإن کان غيره مهدياً، کما يقال لا علم إلاّ ما نفع، ولا مال إلاّ ما وقي وجه صاحبه، وکما يصحّ أن يقال: إنّما المهدي عيسي بن مريم، يعني المهدي الکامل المعصوم.(22)
الهوامش:
(1) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 175 ـ 176، مجلة رسالة ـ الثقلين ـ العدد (25) ـ السنة (7).
(2) مجلة الجامعة الاسلامية: 161 ـ 162، العد (3) ـ السنة الاُولي.
(3) إبراز الوهم المکنون: 434.
(4) إبراز الوهم المکنون: 434.
(5) نور الابصار: 187 ـ 189.
(6) الفتوحات الاسلامية 2: 211.
(7) إبراز الوهم المکنون: 441.
(8) المهدي المنتظر: 5 و8.
(9) تهذيب التهذيب 9: 144 ـ حيدر آباد الدکن.
(10) الصواعق المحرقة: 165 ـ مصر.
(11) من هو المهدي (عليه السلام) / التبريزي: 62.
(12) الاشاعة لاشراط الساعة / محمّد بن رسول البرزنجي: 87 ـ مصر.
(13) إسعاف الراغبين: 140 ـ مصر.
(14) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 172 ـ 173، مجلة رسالة الثقلين ـ العدد (25) ـ السنة (7).
(15) الامام المهدي (عليه السلام): 267 ـ 275.
(16) من هو المهدي: 62 ـ 68.
(17) والکتاب مطبوع عدّة طبعات محقّقة ونسخته متداولة.
(18) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 174 ـ 175، مجلّة الرسالة الثقلين ـ العدد (25) ـ السنة (7).
(19) في کتاب مهدي أهل البيت: 18 ـ 21.
(20) الامام المهدي (عليه السلام): 259 ـ 265.
(21) کذا، والظاهر مطالب السؤول في مناقب آل الرسول.
(22) وهذا التأويل بعيد ومردود بکون الامام المهدي (عليه السلام) غير عيسي (عليه السلام)، فقد ثبت أنّه الامام المعصوم الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّ عيسي (عليه السلام) يظهر في زمانه، ويأتمّ به، فالصواب أنّ الحديث لا يصحّ کما صرّح به أهل العلم.
******************
القول الثاني: أنّه المهدي الذي ولي من بني العباس، وقد انتهي زمانه، ثمّ ذکر حديثين منهما ذکر مجيء الرايات السود من قبل المشرق من جهة خراسان، وأشار إلي ضعفهما، ثمّ قال مشيراً إلي أوّلها وثانيها: هذا والذي قبله لو صحّ لم يکن فيه دليل علي المهدي الذي تولّي من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان.
القول الثالث: أنّه رجل من أهل بيت النبيّ (صلي الله عليه وآله) يخرج في آخر الزمان، وقد امتلات الارض جوراً وظلماً، فيملاها قسطاً وعدلاً، وأکثر الاحاديث علي هذا تدلّ.
ثمّ أورد بعض الاحاديث في خروج المهدي، ثمّ قال: وأمّا الامامية فلهم قول رابع، وهو أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسکري المنتظر، من ولد الحسين بن علي، لا من ولد الحسن، الحاضر في الامصار، الغائب عن الابصار.
7 - وقال أبو الحسن السمهودي، المتوفّي سنة 911 هـ: ويتحصّل ممّـا ثبت في الاخبار عن المهدي أنّه من ولد فاطمة.
8 - وقال ابن حجر المکّي المتوفّي سنة 974 هـ في کتابه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر: الذي يتعيّن اعتقاده ما دلّت عليه الاحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجّال وعيسي خلفه، وأنّه المراد حيث اُطلق المهدي.
9 - وقال الحافظ عماد الدين بن کثير، في کتاب الفتن والملاحم تحت عنوان في ذکر المهدي الذي يکون في آخر الزمان: وهو أحد الخلفاء الراشدين الائمة المهديين.
10 - وقال الترمذي: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، سمعت زيداً القمّي، سمعت أبا الصديق الناجي يحدّث عن أبي سعيد الخدري، قال: خشينا أن يکون بعد نبيّنا حدث، فسألت نبيّ الله (صلي الله عليه وآله) فقال: إنّ في اُمّتي المهدي، يخرج فيعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً - زيد الشاکّ.
قال: قلنا: وما ذاک؟ قال: سنين، قال: يجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني. قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) وأبو الصديق الناجي اسمه بکر ابن عمرو، ويقال: بکر بن قيس، وهذا دليل علي أنّ أکثر مدّته تسع، وأقلّها خمس أو سبع، ولعلّه هو الخليفة الذي يحثي المال حثياً. والله العالم.
وفي زمانه تکون الثمار کثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم.
11 - وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير، المتوفّي سنة 1032 هـ في کتابه المذکور: وأخبار المهدي کثيرة شهيرة، أفردها غير واحد في التأليف. إلي أن قال: أخبار المهدي لا يعارضها خبر: (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم).
وقال المناوي عند حديث (لن تهلک اُمّة أنا في أوّلها، وعيسي بن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها) أراد بالوسط ما قبل الاخر، لانّ نزوله (عليه السلام) لقتل الدجّال يکون في زمن المهدي، ويصلّي عيسي خلفه، کما جاءت به الاخبار، وجزم به جمع من الاخيار.
وذکر عند حديث (منّا الذي يصلّي عيسي بن مريم خلفه) أنّه بعد نزوله يجيء فيجد الامام المهدي يريد الصلاة، فيتأخّر ليتقدّم، فيقدّمه عيسي (عليه السلام) ويصلّي خلفه. قال: فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الاُمّة! ثمّ قال: ولا ينافي ما ذکر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الاثار، من أنّ عيسي هو الامام المهدي، وجزم به السعد التفتازاني، وعلّله بأفضليّته، لامکان الجمع بأنّ عيسي (عليه السلام) يقتدي بالمهدي أوّلاً ليظهر أنّه نزل تابعاً لنبيّنا حاکماً بشرعه...
12 - وقال الشيخ محمّد السفاريني في کتابه لوامع الانوار البهيّة وسواطع الاسرار الاثريّة، الذي شرح فيه نظمه في العقيدة المسمّي (الدرّة المغنية في عقد الفرقة المرضية).
وما أتي بالنص من أشراط
منها الامام الخاتم النصيح فکلّه حقٌّ بلا شطاط
محمّد المهدي والمسيح
منها: أي من أشراط الساعة التي وردت بها الاخبار، وتواترت في مضمونها الاثار، أي من العلامات العظمي، وهي أوّلها أن يظهر الامام المقتدي بأقواله وأفعاله، الخاتم للائمة ولا إمام بعده، کما أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) هو الخاتم للنبوّة والرسالة، فلا نبيّ ولا رسول بعد الفصيح اللسان، لأنّه من صحيح العرب أهل الفصاحة والبلاغة.
ثمّ قال: وقوله: محمّد المهدي، هذا اسمه وأشهر أوصافه، فأمّا اسمه فمحمّد، جاء ذلک في عدّة أخبار.
إلي أن قال: وفي رواية من حديث لابن مسعود، قال: إنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: لاتذهب الدنيا حيث يملک رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً. أخرجه الطبراني في معجمه الصغير، وأخرجه الترمذي، ولفظه: حتّي يملک العرب رجل من أهل بيتي، وقال: حديث حسن صحيح. وکذلک أخرجه أبو داود في سننه.
إلي أن قال: وأمّا تسميته ووصفه بالمهدي، فقد ثبتت له هذه الصفة في عدّة أخبار، وأمّا نسبه فإنّه من أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله). ثمّ إنّ الروايات الکثيرة والاخبار الغزيرة ناطقة أنّه من ولد فاطمة البتول ابنة النبيّ الرسول (صلي الله عليه وآله) ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين.
وجاء في بعض الاحاديث أنّه من ولد العباس، والاوّل أصحّ، قال ابن حجر في کتابه القول المختصر: وأمّا ما روي (إنّ المهدي من ولد العباس عمّي) فقال الدارقطني: حديث غريب، تفرّد به محمّد بن الوليد مولي بني هاشم. قال: ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس مرفوعاً: (ألا اُبشّرک يا عمّ أنّ ذرّيتک الاصفياء، ومن عترتک الخلفاء، ومنک المهدي في آخر الزمان، به ينشر الله الهدي، ويطفئ نيران الضلالة، إنّ الله فتح بنا هذا الامر، وبذرّيتک يختم).
ثمّ أورد ابن حجر عدّة أخبار في هذا المعني، ثمّ قال: فهذه الاخبار کلّها لا تنافي أنّ المهدي من ذرّية رسول الله (صلي الله عليه وآله) من ولد فاطمة الزهراء، لانّ الاحاديث التي فيها أنّ المهدي من ولدها أکثر وأصحّ، بل قال بعض حفّاظ الاُمّة وأعيان الائمة: إنّ کون المهدي من ذرّيته (صلي الله عليه وآله) ممّـا تواتر عنه ذلک، فلا يسوغ العدول ولا الالتفات إلي غيره.
ثمّ ذکر الشيخ السفاريني خمس فوائد، تکلّم علي کلّ واحدة منها، الاُولي في حليته وصفته، والثانية في سيرته، والثالثة في علامات ظهوره، والرابعة الاشارة إلي بعض الفتن الواقعة قبل خروجه، والخامسة في مولده وبيعته ومدّة ملکه ومتعلّقات ذلک.
ثمّ قال بعد الانتهاء من الکلام علي الفوائد الخمس: قد ذکرت الاقوال في المهدي، حتّي قيل: (لا مهدي إلاّ عيسي) والصواب الذي عليه أهل الحقّ أنّ المهدي غير عيسي، وأنّه يخرج قبل نزول عيسي، وقد کثرت بخروجه الروايات حتّي بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلک بين علماء السنّة حتّي عدّ من معتقداتهم.
ثمّ ذکر بعض الاثار والاحاديث في خروج المهدي، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها، ثمّ قال: وقد روي عمّن ذکر من الصحابة وغير من ذکر منهم روايات متعدّدة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالايمان بخروج المهدي واجب، کما هو مقرّر عند أهل العلم، ومدوّن في عقائد أهل السنّة والجماعة.
13 - وقال الشيخ محمّد بشير السهسواني الهندي المتوفّي سنة 1326 هـ في کتابه صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان: وبعد انقراض قرن الصحابة أتي اُمّته ما يوعدون من الحوادث والبدع، وکلّما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنّة، ولکن في قرن التابعين وأتباع التابعين لم تظهر البدع ظهوراً فاشياً، وأمّا بعد قرن أتباع التابعين فقد تغيّرت الاحوال تغيّراً فاحشاً، وغلبت البدع، وصارت السنّة غريبة، واتّخذ الناس البدعة سنّة، والسنّة بدعة، ولا تزال السنّة في المستقبل غريبة إلاّ ما استثني من زمان المهدي (رضي الله عنه) وعيسي (عليه السلام) إلي أن تقوم الساعة علي شرار الناس.
14 - وقال الشيخ شمس الحقّ العظيم آبادي المتوفّي سنة 1329 هـ في حاشيته المسمّـاة عون المعبود علي سنن أبي داود: وخرّج أحاديث المهدي (عليه السلام) جماعة من الائمة، منهم أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والبزّاز، والحاکم، والطبراني، وأبو يعلي الموصلي، وأسندوها إلي جماعة من الصحابة، مثل علي (عليه السلام)، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، واُمّ حبيبة، واُمّ سلمة، وثوبان، وقرّة بن إياس، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف.
15 - وقال الشيخ محمّد أنور شاه الکشميري المتوفّي سنة 1352 هـ في کتابه عقيدة الاسلام: أخرج مسلم في نزول عيسي (عليه السلام) عن جابر يقول: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: لا تزال طائفة من اُمّتي يقاتلون علي الحقّ ظاهرين إلي يوم القيامة. قال: فينزل عيسي بن مريم فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا. فيقول: لا، إنّ بعضکم علي بعض اُمراء تکرمة الله لهذه الاُمّة.
قال الکشميري: المراد به أنّه لا يؤمّ في تلک الصلاة، حتّي لا يتوهّم أنّ الاُمّة المحمّدية سلبت الولاية.(1)
16 - وقال الشيخ محمّد بن علي الصبّان المتوفّي سنة 1206 هـ في بيانه مزايا وخصائص أهل البيت (عليهم السلام): ومنها: أنّ منهم مهديّ آخر الزمان. أخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.
وقال: وصحّ مرفوعاً أنّه (صلي الله عليه وآله) قال: (ينزل عيسي بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إنّما بعضکم أئمة علي بعض).
ونقل کلام ابن حجر في (الصواعق) حيث قال: الاظهر أنّ خروج المهدي قبل نزول عيسي، وقيل: بعده، وقد تواترت الاخبار عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) بخروجه وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملا الارض عدلاً، وأنّه يساعد عيسي علي قتل الدجّال، بباب لدّ بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة، ويصلّي عيسي خلفه.(2)
فتاوي علماء المذاهب الاربعة في مکة (سنة 952 هـ)
نقل المتقي الهندي في کتابه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) الباب الثالث عشر اتّفاق علماء المذاهب الاربعة (الشافعية، والاحناف، والمالکية، والحنبلية) علي القول بصحّة أحاديث المهدي (عليه السلام) ووجوب الايمان بها، وذلک في جوابهم علي استفتاء ورد إليهم هذه صورته:
اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه.
ما يقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين (أيّدهم الله بروح القدس) في طائفة اعتقدوا شخصاً من بلاد الهند مات سنة 910 هـ ببلد من بلاد العجم يسمّي (فره) أنّه المهدي الموعود به في آخر الزمان، وأنّ من أنکر هذا المهدي فقد کفر؟ ثمّ حکم من أنکر المهدي الموعود؟ أفتونا رضي الله تعالي عنکم.
قال: وکان هذا الاستفتاء في سنة 952 هـ.
الفقيه الشافعي
قال: أفتي الشيخ العلاّمة أحمد بن حجر الشافعي:
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم، اللهمّ هدايةً لما اختلف فيه من الحقّ بإذنک وتوفيقاً للصواب.
اعتقاد هؤلاء الطائفة باطل قبيح، وجهل صريح، وبدعة شنيعة، وضلالة قطعيّة، لمخالفته لصرائح الاحاديث المستفيضة المتواترة بأنّه من أهل بيت النبيّ (صلي الله عليه وآله)، وأنّه يملک الارض شرقها وغربها، ويملاها عدلاً لم يسمع بمثله، وأنّه يخرج مع عيسي (عليه السلام) فيساعده علي قتل الدجّال بباب لدّ بأرض فلسطين قريب من بيت المقدّس، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة، وأنّ عيسي بن مريم (عليه السلام) يصلّي خلفه، وأنّه يذبح السفياني، وأنّه يخسف بجيشه الذي يرسل به إلي المهدي بالبيداء بين مکّة والمدينة عند ذي الحليفة، فلا ينجو منهم إلاّ اثنان.
وغير ذلک من العلامات الکثيرة، وقد أفردتها بتأليف سمّيته (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) ذکرنا فيه نحواً من مائة علامة، ممّـا يميّز بها عن غيره، جاءت عنه عليه الصلاة والسلام وعن أصحابه وتابعيهم، جمعته من کتب الائمة المؤلفة علي سعتها وکثرة أحاديثها وطرقها، وما فيه من الاثار الکثيرة، والاعاجيب الشهيرة، وکلّ ذلک يضلّل هؤلاء الطائفة المعتقدين في ذلک الميّت أنّه المهدي لم يوجد فيه أدني شبهة تحمل ذا عقل بلغته السنّة علي أن يعتقدوا فيه ذلک، إلي آخر فتواه.
الفقيه الحنفي
وهو الشيخ أحمد أبو السرور الحنفي، وقد قال في فتواه:
الحمد لله، ربّنا آتنا من لدنک رحمة، وهيّي لنا من أمرنا رشداً، اعتقاد هذه الطائفة المحکي عنهم هذه الاُمور الشنيعة والاحوال المنکرة القطعية باطل لا أصل له ولا حقيقة، ويجب قمعهم أشدّ القمع، وردعهم أشدّ الردع، لمخالفة اعتقادهم ما وردت به النصوص الصحيحة والسنن الصريحة التي تواترت الاخبار بها، واستفاضت بکثرة رواتها من أنّ المهدي (رضي الله عنه) الموعود بظهوره في آخر الزمان يخرج مع سيّدنا عيسي علي نبيّنا وعليه السلام، ويساعد سيّدنا عيسي علي قتل الدجّال، وأنّه يکون له علامات قبل ظهوره، منها السفياني، وخسوف القمر في شهر رمضان، وورد أنّه يخسف في شهر رمضان مرّتين، وکسوف الشمس في النصف من رمضان علي خلاف ما جرت به العادة عند حساب النجوم، کلّ ذلک لم يقع، فدلّ عدم ظهور شيء من هذه العلامات المنصوص عليها، علي فساد اعتقادهم وغلط مرادهم، إلي آخر فتواه.
الفقيه المالکي
وهو الشيخ محمّد بن محمّد الخطابي المالکي، وقد قال في فتواه:
الحمد لله وحده، ما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله، اعتقاد هؤلاء الطائفة في الرجل الميّت أنّه المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان باطل، للاحاديث الصحيحة الدالّة علي صحّة صفة المهدي وصفة خروجه، وما يتقدّم بين يدي ذلک من الفتن، کظهور السفياني، والخسف بالجيش الذي يخرج لمحاربته بالبيداء، وکسوف الشمس في نصف شهر رمضان، وخسوف القمر في أوّله، وغير ذلک من الفتن، والاحاديث الدالّة علي کون المهدي يملک الارض ويظهر الدجّال في أيامه، وغير ذلک، ولم توجد هذه الاُمور في الرجل الميّت المذکور، فظهر أنّ اعتقادهم فيه أنّه المهدي باطل لا أصل له، إلي آخر فتواه.
الفقيه الحنبلي
وهو الشيخ يحيي بن محمّد الحنبلي، وقد قال في فتواه:
الحمد لله، اللهمّ اهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنک، لا ريبة في فساد هذا الاعتقاد، لما اشتمل عليه من مخالفة الاحاديث الصحيحة بالعناد، فقد صحّ عنه عليه الصلاة والسلام، کما رواه الثقات عن الرواة الاثبات أنّه أخبر بخروج المهدي في آخر الزمان، وذکر مقدّمات لظهوره وصفات في ذاته، واُمور تقع في زمانه، من أعظمها ما لا يمکن لاحد دعوي أنّه وقع، وهو نزول سيّدنا عيسي صلوات الله علي نبيّنا وعليه في زمانه واجتماعه وصلاته خلفه، وخروج الدجّال وقتله إيّاه معه، وهذه اُمور لم تقع، ولا بدّ من وقوعها، وقد فات ذلک هذا الرجل بموته، نعوذ بالله من الخذلان وتزيين الشيطان إلي أن قال: وأمّا من کذّب بالمهدي الموعود به فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بکفره، إلي آخر فتواه.
دلالات أحاديث العامة
الاحاديث الواردة في کتب العامة شخّصت الامام المهدي (عليه السلام) بما لا مزيد عليه، حيث دلّت علي أنّه (عليه السلام) من هذه الاُمّة، ومن عترة النبيّ (صلي الله عليه وآله)، ومن أهل البيت (عليهم السلام)، ومن أولاد علي وفاطمة (عليهما السلام)، ومن أولاد الحسين (عليه السلام) ونصت بعض مصادر العامّة عليه بکونه محمّد بن الحسن العسکري (عليه السلام)، وفيما يلي نذکر هذه الدلالات:
المهدي من هذه الامة
1 - من کتاب (الفتن) عن هشام بن محمّد، قال: المهدي من هذه الاُمّة، هو الذي يؤمّ عيسي بن مريم.(3)
2 - وفي عقد الدرر في الباب الاوّل عن أبي مسلم عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): ليبعثن الله من اُمّتي رجلاً - إلي أن قال: - يملا الارض عدلاً، الحديث.(4)
3 - وفيه في الباب الثالث عن الحافظ أبي نعيم في کتابه (صفة المهدي) عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وسلم) أنّه قال: المهدي منّا أهل البيت، رجل من اُمّتي، الحديث.(5)
4 - وفي الفصول المهمّة، عن أبي داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يبعث فيه رجلاً من اُمّتي ومن أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، الحديث.(6)
5 - وفي ينابيع المودّة عن کتاب (جواهر العقدين) عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وسلم) أنّه قال: يکون في اُمّتي المهدي، الحديث.(7)
6 - الترمذي في صحيحه عن أبي سعيد الخدري، قال: خشينا أن يکون بعد نبيّنا حدث، فسألنا نبيّ الله (صلي الله عليه وسلم) فقال: إنّ في اُمّتي المهدي، الحديث.(8)
المهدي کناني قرشي هاشمي
1 - في (عقد الدرر) في الباب الاوّل، عن أبي عبد الله نعيم بن حمّـاد، عن ابن وائل، عن قتادة، وعن أبي الحسين أحمد بن جعفر المناوي، عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: أحقّ المهدي؟
قال: نعم، هو حقّ.
قلت: ممّن؟
قال: هو من قريش.
قلت: من أيّ قريش؟
قال: من بني هاشم.
قلت: من أيّ بني هاشم؟
قال: من ولد عبد المطّلب.
قلت: من أيّ ولد عبد المطّلب؟
قال: من ولد فاطمة.
قلت: من أيّ ولد فاطمة؟
قال: حسبک الان.(9)
وکنانة هو ابن خزيمة بن مدرکة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، واعلم أنّ کلّ هاشمي هو من قريش، وکلّ قرشي هو من کنانة، لانّ قريش هو النضر بن کنانة باتّفاق أهل الانساب.
2 - وفيه في الباب السابع، عن الحافظ أبي عبد الله نعيم بن حمّـاد في کتاب (الفتن) عن إسحاق بن يحيي بن طلحة، عن طاووس، قال: ودّع عمر بن الخطّاب البيت، ثمّ قال: والله ما أراني أدع خزائن البيت وما فيه من السلاح والمال لم اُقسّمه في سبيل الله.
فقال له عليّ (عليه السلام): امضِ فلست بصاحبه، إنّما صاحبه فتيً من قريش يقسّمه في سبيل الله تعالي في آخر الزمان.(10)
3 - وقال الحافظ ابن حجر في الصواعق: أخرج أحمد والماوردي عنه (صلي الله عليه وسلم) أنّه قال:
أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً.(11)
وروي الشيخ محمّد بن علي الصبّان في إسعاف الراغبين مثله.(12)
المهدي من بني عبد المطلب عليهما السلام
1 - من کتاب (الفردوس) لابن شيرويه، في باب الالف، قال: عن أنس بن مالک، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنّا معشر بني عبد المطّلب سادة أهل الجنّة، أنا وعليّ، وحمزة، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي.(13)
2 - وأخرجه في (عقد الدرر) بلفظ: نحن سبعة بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنّة: أنا، وأخي علي، وعمّي حمزة، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي.
ثمّ قال: أخرجه جماعة من أئمة الحديث في کتبهم، منهم الامام أبو عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه، وأبو القاسم الطبراني في معجمه، والحافظ أبو نعيم الاصبهاني وغيرهم.(14)
المهدي من ولد أبي طالب عليهما السلام
أخرج المقدسي في (عقد الدرر) في الفصل الثالث من الباب الرابع عن نعيم ابن حمّـاد في کتاب الفتن، بالاسناد عن سيف بن عميرة، قال: کنت عند أبي جعفر المنصور، فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة، لا بدّ من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.
قلت: يا أمير المؤمنين جعلت فداک، تروي هذا؟ قالم إي والذي نفسي بيده بسماع اُذني.
فقلت: ما سمعت هذا الحديث قبل وقتي هذا. فقال: يا سيف، إنّه لحقّ، وإذا کان فنحن أولي من يجيبه، أما إنّ النداء إلي رجل من بني عمّنا.
فقلت: رجل من بني فاطمة؟ قال: يا سيف لولا أ نّي سمعته من أبي جعفر محمّد بن علي وحدّثني به أهل الارض کلّهم ما قبلته منهم، ولکنّه محمّد بن علي.(15)
الهوامش:
(1) عقيدة أهل السنّة والاثر / الشيخ عبد المحسن العباد: 181 ـ 191، مجلّة رسالة الثقلين ـ العد (25) ـ السنة (7).
(2) إسعاف الراغبين: 145 و152.
(3) عقد الدرر: 293، الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 65.
(4) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 42 ـ 43.
(5) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 42 ـ 43.
(6) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 42 ـ 43.
(7) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 42 ـ 43.
(8) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 42 ـ 43.
(9) عقد الدرر: 42 ـ 44، وراجع مستدرک الحاکم 4: 553، ومجمع الزوائد 7: 115، الفتن / نعيم بن حمّـاد 1: 368 ـ 369.
(10) عقد الدرر: 205.
(11) الصواعق المحرقة: 99، الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 58.
(12) إسعاف الراغبين: 151.
(13) الفردوس 1: 53 / 142، سنن ابن ماجة 2: 1368 / 4087، البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 488، مستدرک الحاکم 3: 211.
(14) عقد الدرر: 195 ـ الباب السابع.
(15) عقد الدرر: 149 ـ الباب الرابع.
******************
المهدي من أهل البيت عليهم السلام
1 - بالاسناد عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قلت: يا رسول الله، أمِنّا آل محمّد المهدي، أم من غيرنا؟
فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا، بل منّا، يختم الله به الدين، کما فتح بنا، وبنا يُنقذون من الفتنة، کما اُنقذوا من الشرک، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتن إخواناً کما أصبحوا بعد عداوة الشرک إخواناً في دينهم.(1)
2 - وعن عليّ (عليه السلام)، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) (قال): قال رسول الله (صلي الله عليه وآله):
لو لم يَبق من الدنيا إلاّ يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملاها عدلاً کما ملئت جوراً، هکذا أخرجه أبو داود في سننه.(2)
3 - وعن زِرّ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم):
لا تذهب الدنيا حتّي يملک العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي. أخرجه أبو داود في سننه.(3)
4 - وعن أبي هريرة، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال:
لا تقوم الساعة حتّي يملک رجل من أهل بيتي، يفتح القسطنطينيّة وجبل الديلم علي يده، ولو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يفتحها.(4)
5 - وعن عبد الله بن مسعود بعدّة طرق، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لا تنقضي الايام، ولا يذهب الدهر، حتّي يملک العرب رجلٌ من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي.(5)
6 - وعن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتّي يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.(6)
7 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: المهدي منّا أهل البيت، أشمّ الانف، أجلي الجبهة، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.(7)
8 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتّي يملک رجل من أهل بيتي أجلي أقني، يملا الارض عدلاً کما ملئت قبله ظلماً، يکون سبع سنين.(8)
9 - روي أبو نعيم بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ ليلة، لملّک الله تعالي فيها رجلاً من أهل بيتي.(9)
10 - وعن حذيفة، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: ويح هذه الاُمّة من ملوک جبابرة، کيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلاّ من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقيّ يصانعهم بلسانه، ويفرّ منهم بقلبه، فإذا أراد تعالي أن يعيد الاسلام عزيزاً، قصم کلّ جبّار عنيد، وهو القادر علي ما يشاء أن يصلح الاُمّة بعد فسادها.
يا حذيفة، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ، لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يملک رجل من أهل بيتي، (تجري) الملاحم علي يديه، ويظهر الاسلام، والله لا يخلف وعده وهو سريع الحساب.(10)
11 - وعن جابر، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يکون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء اُمراء، وبعد الاُمراء ملوک، وبعد الملوک جبابرة، وبعد الجبابرة يخرج رجلٌ من أهل بيتي يملا الارض عدلاً.(11)
12 - وعن علقمة، عن عبد الله، قال: بينا نحن عند النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ أقبلت فتيةٌ من بني هاشم، فلمّـا رآهم النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) اغرورقت عيناه وتغيّر لونه، فقالوا: يا رسول الله، ما نزال نري في وجهک شيئاً نکرهه؟
فقال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة علي الدنيا، و(إنّ) أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتّي يأتي قومٌ من قِبَل المشرق، ومعهم راياتٌ سودٌ، فيسألون الحقّ فلا يُعطونه، فيقاتلون وينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلون حتّي يدفعوه إلي رجل من أهل بيتي، فيملاها قسطاً وعدلاً کما ملاوها جوراً، فمن أدرک ذلک منکم فليأتهم ولو حَبواً (علي الثلج).(12)
13 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يخرج رجل من أهل بيتي يعمل بسُنّتي، وتنزل له البرکة من السماء، وتخرج له الارض برکتها، ويملا الارض عدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، ويحکم علي هذه الاُمّة سبع سنين، وينزل بيت المقدس.(13)
14 - وعن زِرّ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يخرج رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، خلقه خلقي، يملاها قسطاً وعدلاً.(14)
15 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لُتملانّ الارض ظلماً وعدواناً، ثمّ ليخرجنّ رجلٌ من أهل بيتي حتّي يملاها قسطاً وعدلاً کما مُلئت جَوراً وظلماً وعدواناً.(15)
16 - وعن عبد الله بن عمر، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تقوم الساعة حتّي يملک رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً.(16)
17 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تنقضي الساعة حتّي يملک الارض رجلٌ من أهل بيتي، يملا الارض عدلاً، کما ملئت قبله جوراً، يملک سبع سنين.(17)
18 - وعن جابر (رضي الله عنه)، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، قال: إنّ الله تعالي يُلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهديّنا، کان الرجل أجرأ من ليث، وأمضي من سنان.(18)
19 - وعن أبي القاسم محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله عزّ وجلّ في ليلة - أو قال: في يومين -.(19)
20 - وعن زرّ بن حبيش، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتّي يملک رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(20)
المهدي من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
1 - عن سعيد بن المسيَّب، عن اُمّ سلمة، قالت: سمعت النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: المهديّ من عترتي من ولد فاطمة، أخرجه الحافظ أبو داود في سننه.(21)
2 - وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ليبعثنّ الله من عترتي رجلاً أفرَق الثنايا أجلي الجبهة، يملا الارض عدلاً، يفيض المال عليه فيضاً.(22)
3 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: ذکر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بلاءً يصيب هذه الاُمّة، حتّي لا يجد الرجل ملجأً يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي، فيملا به الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت جوراً وظلماً، يرضي عنه ساکن السماوات والارض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته مدراراً، ولا تدع الارض من نباتها شيئاً إلاّ أخرجته، حتّي يتمنّي الاحياء الاموات، يعيش في ذلک سبع سنين (أو ثماني سنين) أو تسع سنين.(23)
4 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال:
لا تقوم الساعة حتّي تمتلئ الارض ظلماً وعدواناً، ثمّ يخرج رجلٌ من عترتي - أو من أهل بيتي، الترديد من الراوي - يملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وعدواناً.(24)
5 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم):
تملا الارض جوراً وظلماً فيخرج رجل من عترتي، يملک الارض سبعاً - أو تسعاً - فيملا الارض قسطاً وعدلاً.(25)
6 - وأخرج ابن حجر في (الصواعق) عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجة عنه (صلي الله عليه وسلم) قال:
لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يوم لبعث الله فيه رجلاً من عترتي - وفي رواية: من أهل بيتي - يملاها عدلاً کما ملئت جوراً، الحديث.(26)
7 - وأخرج نعيم بن حمّـاد عن علي (عليه السلام) وعائشة، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: المهدي رجل من عترتي، يقاتل علي سنّتي کما قاتلت أنا علي الوحي.(27)
المهدي من ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
1 - عن حذيفة، أنّه قال: قال رسول الله: المهديّ رجل منّي، لونه لون عربيّ، والجسم جسمٌ اسرائيليّ(28)، علي خدّه الايمن خالٌ، کأنّه کوکبٌ دُرّيّ، يملا الارض عدلاً کما مِلئت جوراً، يرضي بخلافته أهل الارض وأهل السماء والطير في الجوّ.(29)
2 - وعن أبي اُمامة الباهلي، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): بينکم وبين الروم أربع هُدَن، يوم الرابعة علي يد رجل من آل هرقل، يدوم سبع سنين.
فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان: يا رسول الله، من إمام الناس يومئذ؟
قال: المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، کأنّ وجهه کوکبٌ دُرّي، في خدّه الايمن خالٌ أسود، عليه عباءتان قَطَوانيّتان(30)، کأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الکنوز، ويفتح مدائن الشرک.(31)
3 - وعن حذيفة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): المهديّ رجلٌ من ولدي، وجهه کالکوکب الدُّرّي.(32)
4 - وعنه قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فذکر ما هو کائن، ثمّ قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله تعالي ذلک اليوم حتّي يبعث رجلاً من ولدي اسمه اسمي.
فقام سلمان (رضي الله عنه) فقال: (ي) رسول الله (من) أيّ ولدک هو؟ قال: من ولد هذا، وضرب بيده علي الحسين (عليه السلام).(33)
5 - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): المهدي منّي، أجلي الجبهة، أقني الانف، يملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً، يملک سبع سنين.(34)
6 - وعن عليّ (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم، لبعث الله رجلاً منّا، يملاها عدلاً کما ملئت جوراً.(35)
7 - وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: المهدي من ولدي، تکون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الاُمم، يأتي بذخيرة الانبياء (عليهم السلام)، فيملؤها عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.(36)
8 - وعن سليمان بن إسحاق بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس، قال: حدّثني أبي، قال: کنتُ يوماً عند الرشيد، فذُکر المهدي وما ذُکر من عدله، واُطنب في ذلک.
فقال الرشيد: إنّي أحسبکم تحسبونه أنّه أبي المهدي؟ حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطّلب، أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: يا عمّ، يملک من ولدي اثنا عشر خليفة، ثمّ تکون اُمور کثيرة شديدة عظيمة، ثمّ يخرج المهدي من ولدي، يُصلح الله أمره في ليلة، فيملا الارض عدلاً کما مُلئت جوراً، ويمکث في الارض ما شاء الله، ثمّ يخرج الدجّال.(37)
9 - وروي أبو داود في سننه عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ (صلي الله عليه وسلم)، أنّه قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يبعث فيه رجلاً منّي(38)، الحديث.
ورواه الشبلنجي في (نور الابصار) عن الترمذي عن أبي سعيد الخدري عنه (صلي الله عليه وسلم) وقال: قال الترمذي: هذا حديث ثابت صحيح، قال: ورواه الطبراني وغيره.(39)
10 - وقال ابن حجر في الصواعق: أخرج الروياني والطبراني وغيرهما عنه (صلي الله عليه وسلم): المهدي من ولدي، الحديث، ورواه الصبّان في إسعاف الراغبين.(40)
ورواه الشبلنجي في نور الابصار عن ابن شيرويه، عن حذيفة بن اليمان، عن النبيّ (صلي الله عليه وسلم).(41)
11 - وعن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قلت: يا رسول الله، أمنّا آل محمّد المهدي أو من غيرنا؟ فقال (صلي الله عليه وآله): لا، بل منّا.(42)
الهوامش:
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 506، عقد الدرر: 46، کشف الغمّة 2: 473 عن الاربعين لابي نعيم.
(2) البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 482، سنن أبي داود 4: 107 / 4283. مسند أحمد 1: 99، المصنّف / ابن أبي شيبة 15: 198.
(3) البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 481، سنن أبي داود 4: 106 / 4282.
(4) الفردوس 5: 82 / 7523، کشف الغمّة / الاربلي 2: 474ـ عن الاربعين لابي نعيم، فرائد السمطين 2: 318 / 570.
(5) سنن الترمذي 4: 505 / 3230، سنن أبي داود 4: 107، المعجم الکبير 10: 164، مسند أحمد 1: 376 و377 و430، مصابيح السنّة 3: 492.
(6) سنن الترمذي 4: 505 / 3231، المعجم الکبير 10: 165 و167، مسند أبي يعلي الموصلي 12: 19 / 6665، الدرّ المنثور 6: 58.
(7) المستدرک / الحاکم 4: 557، المصنّف / عبد الرزّاق 11: 372.
(8) مسند أحمد 3: 17.
(9) کشف الغمّة 2: 473 عن أبي نعيم في (الاربعين).
(10) کشف الغمّة 2: 472 عن أبي نعيم في (الاربعين).
(11) الفردوس 5: 456 / 8731.
(12) کشف الغمّة: 2: 472 ـ عن الاربعين لابي نعيم.
(13) کشف الغمّة: 2: 472 ـ عن الاربعين لابي نعيم.
(14) کشف الغمّة: 2: 471 ـ عن الاربعين لابي نعيم.
(15) کشف الغمّة: 2: 471 ـ عن الاربعين لابي نعيم.
(16) کشف الغمّة: 2: 471 ـ عن الاربعين لابي نعيم.
(17) کشف الغمّة 2: 468، وإحقاق الحقّ 13: 143 ـ عن أبي نعيم في (الاربعين).
(18) حلية الاولياء 3: 184.
(19) حلية الاولياء 3: 177، الفردوس 4: 222 / 6669، الجامع الصغير / السيوطي 2: 580.
(20) الحاوي للفتاوي 2: 58، کنز العمّـال 14: 263 / 38655.
(21) سنن أبي داود 4: 107 / 4284، البيان في أخبار صاحب الزمان: 486.
(22) إحقاق الحقّ 3: 180، وکشف الغمّة 2: 470 عن أبي نعيم، فرائد السمطين 2: 331 / 582.
(23) مصابيح السنّة 3: 493 / 4215.
(24) مسند أحمد 3: 36، المستدرک / الحاکم 4: 557.
(25) مسند أحمد 3: 28 و70، فرائد السمطين 2: 322 / 573.
(26) الصواعق المحرقة: 97، إسعاف الراغبين: 147.
(27) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 95 / 21.
(28) أي من حيث تشبيهه في تمام جسمه وکماله، تشبيهاً له بأولاد النبيّ يعقوب (عليه السلام) الذين عرفوا بهذه الصفة، وقال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في البحار 51: 85: قوله: (جسمه جسم إسرائيلي) أي مثل بني إسرائيل في طول القامة وعظم الجثّة.
(29) البيان في أخبار صاحب الزمان: 513، الفردوس 4: 221 / 6667، إحقاق الحقّ 13: 161، وکشف الغمّة 2: 469 عن أبي نعيم.
(30) القطوانيّة: عباءة بيضاء قصيرة الخمل، تنسب إلي موضع بالکوفة، وفي بعض النسخ: قطريتان، والقطري: ضرب من البرود فيه حمرة، وله أعلام، وفيه بعض الخشونة، وقيل: هي حلل جياد تُحمل من قبل البحرين. راجع بحار الانوار 50: 85 نقلاً عن الجزري.
(31) إحقاق الحقّ 13: 269، وکشف الغمّة 2: 470 عن أبي نعيم في (الاربعين)، فرائد السمطين 2: 314 / 565، الاصابة 3: 407.
(32) إحقاق الحقّ 13: 118، وکشف الغمّة 2: 469 عن أبي نعيم.
(33) عقد الدرر: 45، ذخائر العقبي: 136، إحقاق الحقّ 13: 111، وکشف الغمّة 2: 469 عن أبي نعيم، فرائد السمطين 2: 325 / 575.
(34) مصابيح السنّة 3: 492 / 4212، سنن أبي داود 4: 107 / 4285، المستدرک 4: 557، الجامع الصغير / السيوطي 2: 672، المصنّف / عبد الرزّاق 11: 372.
(35) الجامع الصغير / السيوطي 2: 377.
(36) فرائد السمطين 2: 335 / 587.
(37) فرائد السمطين 2: 329 / 579.
(38) سنن أبي داود 4: 87.
(39) نور الابصار: 230.
(40) الصواعق المحرقة: 98، إسعاف الراغبين: 149.
(41) نور الابصار: 230.
(42) نور الابصار: 231.
******************
المهدي من ولد علي عليهما السلام
1 - أخرج أبو نعيم في الفتن، عن علي (عليه السلام) أنّه قال في المهدي (عليه السلام): هو رجل منّي.(1)
2 - وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنّ عليّ بن أبي طالب إمام اُمّتي، وخليفتي عليها (من) بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملا الله به الارض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جَوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً، إنّ الثابتين علي القول بإمامته في زمان غيبته لاعزّ من الکبريت الاحمر.(2)
3 - وعن ابن إسحاق، قال: إنّ عليّاً (رضي الله عنه) نظر إلي ابنه الحسين فقال: إنّ ابني هذا لسيّد کما سمّـاه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وسيخرج من صلبه رجل يسمّي باسم نبيّکم (صلي الله عليه وآله وسلم)، يشبهه في الخُلق، ولا يشبهه في الخَلق، يملا الارض عدلاً.(3)
المهدي من ولد فاطمة عليهما السلام
1 - عن سعيد بن المسيّب، قال: کنّا عند اُمّ سلمة، فتذاکرنا المهديّ، فقالت: سمعت النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: المهدي من ولد فاطمة، أخرجه ابن ماجة في سننه.(4)
2 - وأخرج أبو نعيم عن الحسين (عليه السلام) أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): يا بنيّة، المهدي من ولدکِ.(5)
3 - وعن اُمّ سلمة (رضي الله عنها)، قالت: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: المهديّ من عترتي، من ولد فاطمة.(6)
4 - وفي ينابيع المودّة عن عليّ بن هلال، عن أبيه، قال: دخلت علي النبيّ (صلي الله عليه وسلم) في مرضه، وعنده فاطمة تبکي، فقال: ما يبکيک يا ابنتي؟
فقالت: أخشي الضيعة من بعدک.
فقال: يا حبيبتي، إنّ الله اطّلع علي أهل الارض اطلاعة فاختار منهم أباک فبعثه برسالته، ثمّ اطّلع اطلاعة فاختار منهم بعلک فأوحي إليَّ أن اُنکحکِ إيّاه.
يا فاطمة، نحن أهل بيت قد أعطانا الله تبارک وتعالي سبع خصال لم يعطها أحداً قبلنا، ولا يعطيها أحداً بعدنا، أنا خاتم النبيّين وأکرمهم علي الله عزّ وجلّ أبوکِ، ووصيّي خير الاوصياء وأحبّهم إلي الله عزّ وجلّ بعلکِ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبّهم إلي الله عزّ وجلّ حمزة عمّ أبيکِ وعمّ بعلکِ، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة مع الملائکة حيث يشاء وهو ابن عمّ أبيکِ وأخو بعلکِ، ومنّا سبطا هذه الاُمّة وهما الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ابناکِ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً إنّ المهدي من ولدکِ، يملا الارض قسطاً کما ملئت جوراً.
قال: أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمداني في الاحاديث الاربعين في المهدي (رضي الله عنه)(7)، انتهي.
5 - وأخرج جميع من المحدّثين والحفّاظ عن اُمّ سلمة (رض)، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: المهدي حقّ، وهو من ولد فاطمة.(8)
6 - وأخرج نعيم بن حمّـاد، عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: المهدي حقّ هو؟ قال: نعم. قلت: ممّن هو؟ قال: من ولد فاطمة ابنته (صلي الله عليه وآله).(9)
7 - وأخرج أيضاً عن الزهري قال: المهدي رجل من ولد فاطمة ابنة النبيّ (صلي الله عليه وآله) وما الخلافة إلاّ فيهم.(10)
8 - وفي ينابيع المودّة عن الطبراني في الاوسط، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب الانصاري: قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لفاطمة رضي الله عنها: منّا خير الانبياء وهو أبوک، ومنّا خير الاوصياء وهو بعلکِ، ومنّا خير الشهداء وهو عمّ أبيکِ حمزة، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء وهو ابن عمّ أبيک جعفر، ومنّا سبطا هذه الاُمّة سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وهما ابناک، ومنّا المهدي وهو من ولدک.(11)
وروي نحوه عن کتاب فضائل الصحابة لابي المظفّر السمعاني، عن أبي سعيد الخدري، في حديث دخول فاطمة (سلام الله عليها) علي أبيها رسول الله (صلي الله عليه وسلم).(12)
9 - وأخرج نعيم بن حمّـاد بسنده عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: المهدي رجلٌ منّا، من ولد فاطمة.(13)
10 - وأخرج ابن عساکر عن الحسين (عليه السلام) أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: أبشري يا فاطمة، المهدي منکِ.(14)
المهدي من أولاد الحسن والحسين عليهم السلام
أخرج الطبراني في الکبير وأبو نعيم عن علي بن هلال أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): والذي بعثني بالحقّ منهما - يعني الحسن والحسين - مهديّ هذه الاُمّة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطّعت السبل، وأغار بعضهم علي بعض، فلا کبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقّر کبيراً، يبعث الله عند ذلک منهما من يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت به في أوّل الزمان، ويملا الدنيا عدلاً کما ملئت جوراً.(15)
وأمّا کون المهدي (عليه السلام) من أولاد الحسن والحسين عليهما أفضل الصلاة والسلام، فلانّ والدة الامام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر زوجة الامام أبي الحسن علي بن الحسين زين العابدين سلام الله عليهم جميعاً هي فاطمة بنت الامام أبي محمّد الحسن الزکي المجتبي سلام الله عليه، وقد ورد في حقّ هذه المخدّرة عن ابنها باقر العلوم أنّها کانت صدّيقة.
فأبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر من أولاد الحسن والحسين، فهو وأولاده الکرام عليه وعليهم السلام ممّن فاز بهذا الشرف، والمهدي المنتظر سلام الله عليه من هذه الدوحة الميمونة والشجرة المبارکة، لأنّه محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد ابن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم سلام الله.
وفي ينابيع المودّة عن کتاب (جواهر العقدين) قال: وقد ظهرت برکات دعائه (صلي الله عليه وسلم) وقت تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما في نسل الحسن والحسين، فکان من نسلهما من مضي ومن يأتي، ولو لم يأتِ في الاتين إلاّ الامام المهدي لکفي.(16)
المهدي من أولاد الحسين عليهما السلام
1 - عن حذيفة بن اليمان، قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، فذکر لنا ما هو کائن إلي يوم القيامة، ثمّ قال:
لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلک اليوم حتّي يبعث الله رجلاً من ولدي اسمه اسمي.
فقام سلمان وقال: يا رسول الله، إنّه من أيّ ولدک؟
قال: هو من ولدي هذا، وضرب بيده علي الحسين.(17)
2 - وفي عقد الدرر الباب الرابع - الفصل الثاني، عن عليّ (عليه السلام) قال: إنّ المهدي من ولد الحسين، ألا فمن تولّي غيره لعنه الله.(18)
3 - وعن جابر بن يزيد، عن الامام محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) - في حديث طويل - جاء فيه: والمهدي يا جابر رجل من ولد الحسين.(19)
4 - وفي شرح ابن أبي الحديد لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (وبنا تُختم لا بکم)، قال: إشارة إلي المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأکثر المحدّثين علي أنّه من ولد فاطمة، وأصحابنا المعتزلة لا ينکرونه، وقد صرّحوا بذکره في کتبهم، واعترف به شيوخهم.
إلي أن قال: وروي قاضي القضاة رحمه الله تعالي عن کافي الکفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد (رحمه الله) بإسناد متّصل بعليّ (عليه السلام) أنّه ذکر المهدي وقال: إنّه من ولد الحسين (عليه السلام)، وذکر حليته فقال: رجل أجلي الجبين، أقني الانف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا، بفخذه اليمني شامة.(20)
المهدي التاسع من ولد الحسين عليهما السلام
1 - روي موفّق بن أحمد الخوارزمي، بإسناده عن سلمان المحمّدي، قال: دخلتُ علي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وإذا الحسين علي فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه، ويقول: أنت سيّد ابن سيّد أبو سادة، أنت إمام ابن إمام أبو الائمة، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبک، تاسعهم قائمهم.(21)
2 - وعن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيوب الانصاري، وابن عباس، وعلي الهلالي بألفاظ مختلفة، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: يا فاطمة إنّا أهل بيت، اُعطينا ستّ خصال لم يعطها أحد من الاوّلين، ولا يدرکها أحد من الاخرين غيرنا أهل البيت.
إلي قوله (صلي الله عليه وآله):
ومنّا مهديّ الاُمّة الذي يصلّي عيسي خلفه، ثمّ ضرب علي منکب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا مهديّ الاُمّة.(22)
صفته واسمه
1 - عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لبعث الله رجلاً اسمه اسمي، وخُلقه خُلقي.(23)
2 - وعنه، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: المهدي (من ولدي) وجهه کالقمر الدرّي، لونه لون عربيّ، والجسم منه إسرائيلي، يملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً، يرضي بخلافته أهل (السماوات و) الارض والطير في الجوّ، يملک عشرين سنة.(24)
3 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): المهدي منّي، أجلي الجبهة، أقني الانف، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، يملک سبع سنين.(25)
4 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): المهدي منّا، أجلي الجبهة أقني الانف.(26)
5 - عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: المهدي منّا أهل البيت، رجل من اُمّتي أشمّ الانف، يملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً.(27)
6 - وروي الحموئي، بإسناده عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتّي يلي اُمّتي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.(28)
7 - وبإسناده عن عبد الله، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: لا تقوم الساعة حتّي يلي رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.(29)
النص علي الامام المهدي عليه السلام
ممّـا تقدّم أصبح واضحاً أنّ تلک الصفات التي جاءت علي لسان الرسول (صلي الله عليه وآله) في التعريف بالامام المهدي القائم بالحقّ (عليه السلام) جميعها تنطبق علي الامام محمّد بن الحسن العسکري (عليه السلام) فهو من عترة النبيّ (صلي الله عليه وآله) ومن أهل البيت (عليهم السلام) ومن أولاد الرسول (صلي الله عليه وآله)، ومن أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) والتاسع من أولاد الحسين (عليه السلام).
ولقد ذکرنا النص علي الامام المهدي (عليه السلام) بجملة وافية من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في الفصل الرابع من هذا الکتاب، ومرادنا هنا من ذکر النص هو بعض الروايات الواردة من طريق العامّة في هذا الخصوص، وهي من نوع الروايات والاخبار التي سلمت من يد التحريف والحذف والرقابة الشديدة التي فرضت علي مثل هذه الاخبار علي طول التأريخ، سيّما في العهدين الاُموي والعباسي.
وفي ما يلي أهمّ تلک الاخبار:
1 - روي أبو المؤيّد موفّق بن أحمد الخوارزمي، بالاسناد عن أبي سلمي راعي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: ليلة اُسري بي إلي السماء، قال لي الجليل جلّ جلاله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا اُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)، فقلت: (وَالمُؤْمِنُونَ)(30)، قال: صدقت يا محمّد.
قال: من خلّفت في اُمّتک؟ قلت: خيرها. قال: عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم، يا ربّ.
قال: يا محمّد، إنّي اطّلعت إلي الارض اطّلاعةً فاخترتک منها، فشققت لک اسماً من أسمائي، فلا اُذکر في موضع إلاّ ذُکرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ اطّلعت الثانية فاخترت منها عليّاً، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الاعلي وهو عليّ.
يا محمّد، إنّي خلقتک وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولده من نوري، وعرضت ولايتکم علي أهل السماوات والارض، فمن قبِلها کان عندي من المؤمنين، ومن جحدها کان عندي من الکافرين.
يا محمّد، لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّي يتقطّع، أو يصير کالشَّنّ(31) البالي، ثمّ جاءني جاحداً لولايتکم، ما غفرت له حتّي يقرّ بولايتکم.
يا محمّد، تحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم، يا ربّ. فقال: التفت عن يمين العرش فالتفتّ، فإذا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسي بن جعفر، وعليّ بن محمّد، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والمهديّ (عليهم السلام) في ضحضاح من نور قيامٌ يصلّون، وهو في وسطهم - يعني المهدي - کأنّه کوکب درّيّ، وقال: يا محمّد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتک، وعزّتي وجلالي، إنّه الحجّة الواجبة لاوليائي، والمنتقم من أعدائي.(32)
2 - وبإسناده عن الحارث وسعيد بن بشير، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أنا واردکم علي الحوض، وأنت يا عليّ الساقي، والحسن الذائد، والحسين الامِر، وعليّ بن الحسين الفارط، ومحمّد بن عليّ الناشر، وجعفر بن محمّد السائق، وموسي بن جعفر محصي المحبّين والمبغضين وقامع المنافقين، وعليّ بن موسي مزيّن المؤمنين، ومحمّد بن عليّ منزل أهل الجنّة في درجاتهم، وعليّ بن محمّد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين، والحسن بن عليّ سراج أهل الجنّة يستضيئون به، والمهديّ شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ لمن يشاء ويرضي.(33)
3 - وبإسناده عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم المهديّ.(34)
4 - وبإسناده عن عبد الله بن العباس، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله علي الخلق بعدي الاثنا عشر، أوّلهم أخي، وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول الله، ومن أخوک؟ قال: عليّ بن أبي طالب.
قيل: فمن ولدک؟ قال: المهدي، الذي يملاها قسطاً وعدلاً، کما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الارض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(35)
البشارة بالمهدي
1 - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): اُبشّرکم بالمهدي، يُبعث في اُمّتي علي اختلاف من الناس وزلازل، فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما مُلئت ظلماً وجوراً، يرضي عنه السماء وساکن الارض، يقسّم المال صحاحاً.
فقال له رجل: وما صحاح؟
قال: السويّة بين الناس.(36)
2 - وعن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: يکون في اُمّتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلاّ فتسع، فتنعم فيه اُمّتي نعمة لم ينعموا مثلها قطّ، تؤتي اُکلها، ولا تدّخر منهم شيئاً، والمال يومئذ کدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خُذ.(37)
الهوامش:
(1) الفتن / أبو نعيم 1: 369.
(2) فرائد السمطين 2: 335 / 589.
(3) أسمي المناقب / الجزري الشافعي: 165 ـ 168 / 61.
(4) سنن ابن ماجة 2: 1368 / 4086، الفردوس 4: 223 / 6670، الجامع الصغير / السيوطي 2: 579.
(5) البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 94 / 17، إحقاق الحقّ 13: 107، وکشف الغمّة 2: 468 عن أبي نعيم.
(6) مصابيح السنّة 3: 492 / 4211، البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 89.
(7) ينابيع المودّة / القندوزي: 223، کشف الغمّة 2: 468 عن أبي نعيم في الاربعين، البيان في أخبار صاحب الزمان: 501، وإحقاق الحقّ 13: 125 عن السمعاني.
(8) سنن أبي داود 4: 107 / 4284، المستدرک / الحاکم 4: 557، سنن ابن ماجة 2: 1368، المعجم الکبير / الطبراني 23: 267 / 566، کنز العمّـال 14: 264، الجامع الصغير / السيوطي 2: 672 / 9241، مصابيح السنّة 3: 492.
(9) البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 95 / 20.
(10) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 95 / 22.
(11) ينابيع المودّة / القندوزي: 434، الفصول المهمّة: 295.
(12) ينابيع المودّة / القندوزي: 490.
(13) کنز العمّـال 14: 591، الفتن / نعيم بن حمّـاد 1: 375.
(14) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 94 / 17.
(15) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 94 / 19.
(16) ينابيع المودّة: 432.
(17) عقد الدرر: 45، ذخائر العقبي: 136، إحقاق الحقّ 13: 118، وکشف الغمّة 2: 469 عن الحافظ أبي نعيم.
(18) عقد الدرر: 132.
(19) عقد الدرر: 126.
(20) شرح ابن أبي الحديد 1: 281 ـ 282، الخطبة (16).
(21) مقتل الحسين (عليه السلام) 1: 146.
(22) البيان في أخبار صاحب الزمان: 501 ـ 502، الفصول المهمّة / ابن الصبّاغ: 295 ـ 296، ينابيع المودّة: 258 عن مودّة القربي، ذخائر العقبي: 44 و135، مجمع الزوائد 9: 166.
(23) البيان في أخبار صاحب الزمان: 509، کشف الغمّة 2: 471 عن أبي نعيم في الاربعين.
(24) البيان في أخبار صاحب الزمان: 501، الفردوس 4: 221 / 6667.
(25) البيان في أخبار صاحب الزمان: 500، الفردوس 4: 222 / 6668، سنن أبي داود 4: 107 / 2485، مصابيح السنّة 3: 492 / 4212، مسند أحمد 3: 17، عقد الدرر: 59.
(26) کشف الغمّة 2: 469 عن أبي نعيم في (الاربعين).
(27) إحقاق الحقّ 13: 133، وکشف الغمّة 2: 469 عن أبي نعيم.
(28) فرائد السمطين 2: 328 / 577.
(29) فرائد السمطين 2: 328 / 576.
(30) البقرة 2: 285.
(31) الشنّ: القربة البالية.
(32) مقتل الحسين (عليه السلام) / الخوارزمي 1: 95.
(33) مقتل الحسين (عليه السلام) / الخوارزمي 1: 94.
(34) فرائد السمطين 2: 313 / 564.
(35) فرائد السمطين 2: 312 / 562.
(36) فرائد السمطين 2: 310 / 561.
(37) سنن ابن ماجة 2: 1366.
******************
انکاره کفر
عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): من أنکر خروج المهدي فقد کفر بما اُنزل علي محمّد، ومن أنکر نزول عيسي فقد کفر، ومن أنکر خروج الدجّال فقد کفر، ومن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه من الله فقد کفر، فإنّ جبرئيل (عليه السلام) أخبرني بأنّ الله عزّ وجلّ يقول: مَن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فليتّخذ ربّاً غيري.(1)
إلي غير ذلک من الروايات الکثيرة التي بشّرت بمهديّ أهل البيت (عليهم السلام) وظهوره وفضائله وخصائصه ممّـا سنذکره في محلّها إن شاء الله، والتي رواها العامة في مصنّفاتهم المعتبرة بأسانيد تنتهي أکثرها إلي ثقات.
اخبار معارضة
وردت في کتب العامة بعض الاخبار المعارضة للاحاديث الصحيحة والمتواترة التي قدّمناها، والتي صرّحت باسم الامام المهدي (عليه السلام) وصفته ونسبه، ومن تلک الاخبار ما ظاهره أنّ المهدي (عليه السلام) من ولد العباس، أو أنّه (عليه السلام) من ولد الحسن (عليه السلام)، أو أنّه لا مهدي إلاّ عيسي، وغيرها من الاخبار التي صرّح أعلام العامة ومحقّقوهم وعلماء الجرح والتعديل منهم بضعفها، فضلاً عن أنّها مختلقة لاغراض سياسية أو شخصية مختلفة، وفيما يلي نتعرّض لذکرها:
حديث المهدي من ولد العباس
1 - أخرج السيوطي في (الجامع الصغير) والمتقي الهندي في (البرهان) عن عثمان بن عفّان، قال: سمعت النبيّ (صلي الله عليه وآله) يقول: المهدي من ولد العباس عمّي، قال السيوطي: حديث ضعيف.(2) وقال الدارقطني: هذا حديث غريب تفرّد به محمّد ابن الوليد مولي بني هاشم.(3)
وقال المناوي: رواه الدراقطني في الافراد، وقال ابن الجوزي: فيه محمّد بن الوليد المقري، قال ابن عدي: يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الاسانيد والمتون، وقال ابن أبي معشر: هو کذّاب. وقال السمهودي: فيه محمّد بن الوليد، وضّاع.(4)
2 - وروي الخطيب البغدادي في تأريخه حديث ابن عباس عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال لعمّه العباس (رضي الله عنه): إنّ الله ابتدأ بي الاسلام، وسيختمه بغلام من ولدک، وهو الذي يتقدّم عيسي بن مريم.(5)
وفي هذا الحديث محمّد بن مخلّد، وهو ضعيف.(6)
3 - وروي الخطيب وابن عساکر عن اُمّ الفضل عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال لعمّه العباس (رضي الله عنه): يا عباس، إذا کانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لک ولولدک، منهم السفّاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي.(7)
وقد صرّح الذهبي بوضع هذا الحديث من قبل أحمد بن راشد الهلالي، وشهد ببطلانه.(8)
وشيء آخر أشار إليه الذهبي، هو جهل واضع الحديث بالتأريخ المذکور في الحديث، لانّ حکم العباسيين لم يبدأ بسنة 135 هـ، وإنّما بدأ حکمهم سنة 132 هـ.
ولو صحّ هذا الحديث فإنّ لفظ المهدي لا ينصرف إلي المهدي المنتظر (عليه السلام) الذي يظهر في آخر الزمان، بل هو ناظر إلي ما عطف عليه، وهو المنصور وقبله العباس، أي هو المهدي العباسي، لا المهدي القائم بالحقّ الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً.
فهذا هو حال الاحاديث التي نسبت المهدي (عليه السلام) إلي العباس (رضي الله عنه) في الضعف والوضع والشذوذ، فضلاً عن معارضتها بالاحاديث الصحيحة التي بيّنت وشخّصت نسب المهدي (عليه السلام) وکونه من أولاد أبي طالب، ومن ولد النبيّ (صلي الله عليه وآله)، ومن أهل البيت (عليهم السلام)، علي ما تقدّم بيانه.
حديث اسم أبيه اسم أبي
أخرج الطبراني والحاکم من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: لا تذهب الدنيا حتّي يبعث الله رجلاً يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي.(9)
وأخرج الخطيب بنفس الاسناد عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: لا تقوم الساعة حتّي يملک رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي.(10)
وهذا الحديث يعارض کون المهدي (عليه السلام) هو محمّد بن الحسن العسکري (عليه السلام) لأنّه صريح بأنّ المهدي هو محمّد بن عبد الله، لکنّ العبارة الاخيرة التي في الحديث لا تصحّ لجملة اُمور، نذکر منها:
أنّ قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (واسم أبيه اسم أبي)، لم ترد هذه العبارة في أغلب الروايات الصحيحة والمعوّل عليها، بل إنّ معظم روايات الحفّاظ والمحدّثين الثقات عن ابن مسعود تنتهي عند قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (اسمه اسمي).(11)
وقال المقدسي الشافعي في عقد الدرر: أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في کتبهم، منهم الامام أبو عيسي الترمذي في جامعه، والامام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بکر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني کلّهم هکذا، أي ليس فيه (واسم أبيه اسم أبي)، ثمّ أخرج جملة من الاحاديث المؤيّدة لذلک عن الائمة الحفّاظ ومن صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة، مشيراً إلي من أخرجها من الائمة الحفّاظ کالطبراني وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله ابن عمر، وحذيفة.(12)
وعليه فلا يعقل اتّفاق هؤلاء جميعاً وغيرهم علي إسقاط هذه العبارة من الحديث لو کانت فيه، لما فيها من الاهمية في النقض علي مخالفيهم فضلاً عن الجزم في تحديد هوية الامام المنتظر (عليه السلام).
ولا يستبعد أن کون هذه العبارة من زيادات أتباع العباسيين لتأييد مهدوية محمّد بن عبد الله المهدي العباسي، أو من قبل أتباع الحسنيين لترويج مهدوية محمّد ابن عبد الله بن الحسن المثنّي.
والثابت عن أئمة الهدي المعصومين (عليهم السلام) أنّ المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وأنّ اسمه کاسم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو ابن الامام الحسن العسکري (عليه السلام)، وقد ولد سنة 255 هـ وغاب غيبته الکبري سنة 329 هـ ولا يزال غائباً إلي اليوم حتّي يأذن الله تعالي له بالفرج فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.
ولو سلّمنا بصحّة الزيادة المشار إليها، فلعلّها مصحّفة عن (اسم أبيه اسم ابني) أي الحسن أو الحسين (عليهما السلام) نظراً إلي الجدّ الاکبر، أو عن (اسم ابنه اسم ابني) أي القاسم، ويؤيّده ما صحّ في الحديث (کنيته کنيتي).
وقال الکنجي: ذکر الترمذي الحديث في جامعه، ولم يذکر قوله: واسم أبيه اسم أبي.(13) وذکره أبو داود.(14) وفي معظم روايات الحفّاظ والثقات من نقلة الاخبار: (اسمه اسمي) فقط، والذي روي (واسم أبيه اسم أبي) فهو زائدة، وهو يزيد في الحديث.
وإن صحّ فمعناه (واسم أبيه اسم أبي) الحسين (عليه السلام)، وکنيته أبو عبد الله، فجعل الکنية اسماً کناية عنه أنّه من ولد الحسين دون الحسن، ويحتمل أنّه قال (صلي الله عليه وآله): (اسم أبيه اسم ابني) أي الحسن، ووالد المهدي اسمه الحسن، فيکون الراوي قد توهّم قوله ابني، فصحّفه فقال أبي، فوجب حمله علي هذا، جمعاً بين الروايات.
ثمّ قال: وهذا کلّه تکلّف في تأويل هذه الرواية، والقول الفصل في ذلک أنّ الامام أحمد مع ضبطه وإتقانه روي هذا الحديث في مسنده في عدّة مواضع: واسمه اسمي.
ثمّ قال: وجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث عن الجمّ الغفير في (مناقب المهدي) کلّهم عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ، عن عبد الله، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله). ثمّ عدّ أکثر من ثلاثين شخصاً رووه عن عاصم بدون هذه الزيادة.
وقال: ورواه غير عاصم عن زرّ - وهو عمرو بن مرّة - عن زرّ، کلّ هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلاّ ما کان من عبيد الله بن موسي عن زائدة عن عاصم فإنّه قال فيه (واسم أبيه اسم أبي)، ولا يرتاب اللبيب أنّ هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الائمة علي خلافها.(15)
وقال الشيخ الفاضل علي بن عيسي في (کشف الغمّة) بعد أن أورد ما ذکرناه: أمّا أصحابنا الشيعة فلا يصحّحون هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه واسم أبيه (عليه السلام)، وأمّا الجمهور فقد نقلوا أنّ زائدة(16) کان يزيد في الاحاديث، فوجب المصير إلي أنّه من زياداته جمعاً بين الاقوال والروايات.(17)
حديث المهدي من ولد الحسن عليهما السلام
روي أبو داود في السنن عن أبي إسحاق، قال: قال علي (عليه السلام) وقد نظر إلي ابنه الحسن: إنّ ابني هذا سيّد کما سمّـاه النبيّ (صلي الله عليه وآله) وسيخرج من صلبه رجل يسمّي باسم نبيّکم في الخُلق، ولا يشبهه في الخَلق، يملا الارض عدلاً.(18)
وإلي ظاهر هذه الرواية ذهب بعض علماء العامة، وزعموا أنّ المهدي المنتظر من أولاد أبي محمّد الحسن الزکي المجتبي (عليه السلام)، والحقّ أنّه لا يصحّ الاستناد إلي رواية أبي داود لجملة اُمور منها:
1 - اختلاف النقل عن أبي داود، ففي عقد الدرّ، نقل هذا الحديث عن أبي داود في السنن، وفيه (أنّ عليّاً (عليه السلام) نظر إلي ابنه الحسين (عليه السلام)) کما صرّح به السيّد صدر الدين الصدر في کتابه (المهدي (عليه السلام))(19)، وکذلک نقله عنه الجزري الشافعي في (أسمي المناقب) وفيه أيضاً: (أنّ عليّاً (عليه السلام) نظر إلي ابنه الحسين (عليه السلام)).(20)
2 - إنّ جماعة من الحفّاظ نقلوا هذه القصّة بعينها، وفيها: أنّ عليّاً نظر إلي ابنه الحسين (عليه السلام) کالترمذي والنسائي والبيهقي، کما أکّده السيّد صدر الدين الصدر في کتاب (المهدي (عليه السلام)).(21)
3 - احتمال التصحيف فيها، فإنّ لفظ الحسين والحسن يتشابهان في رسم الکتابة، ووقوع التصحيف فيهما وارد جدّاً.
4 - أنّها مخالفة لما عليه المشهور من علمائهم کما نص عليه بعضهم، وقد ذکرنا أقوالهم في أوّل هذا الفصل، ويأتي في الفصل السابع مزيد من أقوالهم المؤيّدة لکون الامام المهدي (عليه السلام) هو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام).
5 - إنّ هذه الرواية معارضة بأخبار کثيرة أصحّ منها سنداً وأظهر دلالة، وقد تقدّم بعضها وسيأتي في فصول الکتاب اللاحقة کثير منها. نذکر منها هنا حديث حذيفة بن اليمان، قال: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فذکّرنا بما هو کائن، ثمّ قال: لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله عزّ وجلّ ذلک اليوم حتّي يبعث فيه رجلاً من ولدي، اسمه اسمي، فقال سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله، من أيّ ولدک؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده علي الحسين (عليه السلام).(22)
6 - إنّه حديث مجهول، لانّ أبا داود قال في أوّله: (حُدّثت عن هارون بن المغيرة) دون أن يذکر الشيخ الذي حدّثه، ولا عبرة في الحديث المجهول.
7 - بالنظر إلي العلل التي قدّمناها، يبدو أنّ الحديث موضوع لاغراض سياسية أو شخصيّة، ويؤيّد هذا أنّ أتباع الحسنيين قد زعموا مهدوية محمّد بن عبد الله بن الحسن، الشهيد سنة 145 هـ، فلا يستبعد وضع هذا الحديث من قبلهم لتأييد مهدويّته وللاکثار من أنصاره ومؤيّديه.
وعليه فحديث أبي داود مخالف للصحّة من کلّ وجه قدّمناه، وإذا سلّمنا بصحّته فإنّه لا يعارض الاحاديث المؤکّدة بأنّ المهدي (عليه السلام) من ولد الامام الحسين (عليه السلام)، لانّ الامام المهدي (عليه السلام) حسيني الاب حسنيّ الاُمّ کما قدّمناه، لکون اُمّ جدّه الامام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) هي فاطمة بنت الامام الحسن المجتبي (عليه السلام)، ومنه يعلم أنّ الامام الباقر (عليه السلام) حسيني الاب حسنيّ الاُمّ وذرّيته تکون من ذرية السبطين حقيقة، ومنهم الامام المهدي (عليه السلام).
ويؤيّد هذا ما روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنّه قال لفاطمة (عليه السلام): والذي بعثني بالحقّ منهما - يعني الحسن والحسين - مهديّ هذه الاُمّة.(23)
حديث لا مهدي الا عيسي
أخرج ابن ماجة والحاکم عن يونس بن عبد الاعلي، عن الشافعي، عن محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالک، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: لا يزداد الامر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس، ولا مهدي إلاّ عيسي بن مريم.(24)
وقد نقلنا في أوّل الفصل أقوال جملة من الاعلام الذين قالوا بأنّ هذا الحديث منکر باطل، وأنّ في إسناده الذي قدّمناه بعض الضعفاء والمجاهيل، ونزيد هنا أقوالاً اُخري في هذا الحديث ليتبيّن لک سقوطه في ميزان الجرح والتعديل.
فقد نقل ابن حجر العسقلاني قدح أبي عمرو وأبي الفتح الازدي بمحمّد بن خالد الجندي.(25)
وقال الذهبي: قال الازدي: منکر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاکم: مجهول، قلت: حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) وهو خبر منکر أخرجه ابن ماجة.(26)
وقال ابن حجر الهيتمي: وصرّح النسائي بأنّه منکر، وجزم غيره من الحفّاظ بأنّ الاحاديث التي قبله - أي الناصّة علي أنّ المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام) - أصحّ إسناداً.(27)
ووصف أبو نعيم هذا الحديث بالغرابة، وقال: لم نکتبه إلاّ من حديث الشافعي.(28)
وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق: قال الحاکم أوردته تعجّباً لا محتجّاً به، وقال البيهقي: تفرّد به محمّد بن خالد، وقد قال الحاکم إنّه مجهول، واختلف عنه في إسناده، وصرّح النسائي بأنّه منکر.(29)
وذکر المقدسي في ديباجة کتابه (عقد الدرر): إنّ من الناس من يزعم أنّه لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم الطاهرة الزکيّة.
فقلت له: أمّا من ينکر هذا (يعني ظهور المهدي) بالکلية، فلا التفات إليه، إذ لا يعلم في ذلک مستند يرجع إليه.
وأمّا من يزعم أن لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم، وأصرّ علي صحّة هذا الحديث وصمّم، فربما أوقعه في ذلک الحميّة والالتباس، وإن کثر تداول هذا الحديث علي ألسنة الناس، فکيف يرتقي إلي درجة الصحّة وهو حديث منکر؟ أم کيف يحتجّ بمثله من أمعن النظر في إسناده وفکّر.
وصرّح بکونه منکراً الامام أبو عبد الرحمن، وإنّه لجدير بذلک، إذ مداره علي محمّد بن خالد الجندي.
وفي کتاب (العلل المتناهية) للامام أبي الفرج بن الجوزي ما نقله في توهين هذا الحديث من کلام الحافظ أبي بکر البيهقي، قال: فرجع الحديث إلي الجندي وهو مجهول، عن أبان بن عياش وهو متروک غير مقبول، عن الحسن عن النبيّ (صلي الله عليه وسلم) وهو منقطع غير موصول.
وحکي البيهقي عن شيخه الحاکم النيسابوري وناهيک به معرفة بعلم الحديث وعلي أحوال رواته مطّلع أنّه قال: الجندي مجهول، وابن عياش متروک، وهذا الحديث بهذا الاسناد منقطع.
الهوامش:
(1) فرائد السمطين 2: 334 / 585.
(2) الجامع الصغير 2: 672 / 9242، البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 95 / 25.
(3) البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان: 96.
(4) فيض القدير / المناوي 6: 278 / 9242.
(5) تأريخ بغداد 3: 323.
(6) راجع ميزان الاعتدال 1: 89 / 328.
(7) تأريخ دمشق 4: 178، تأريخ بغداد 1: 63.
(8) ميزان الاعتدال 1: 97.
(9) مستدرک الحاکم 4: 442، المعجم الکبير / الطبراني 10: 163 و166.
(10) تأريخ بغداد 1: 370.
(11) راجع مسند أحمد 1: 376 و377 و430 و448، وسنن الترمذي 4: 505 / 2230، والمعجم الکبير للطبراني الاحاديث 10214 و10215 و10217 ـ 10221 و10223 و10225 ـ 10227 و10229 و10230، مستدرک الحاکم 4: 442، وغيرها من کتب الحديث.
(12) عقد الدرر: 56.
(13) سنن الترمذي 4: 505 / 2230 و2231.
(14) سنن أبي داود 4: 106 / 4282.
(15) البيان في أخبار صاحب الزمان: 482، المطبوع في آخر کفاية الطالب.
(16) وهو راوي الحديث.
(17) کشف الغمّة 2: 477.
(18) سنن أبي داود 4: 108 / 4290، جامع الاُصول 11: 49 / 7814، کنز العمّـال 13: 647، الفتن / نعيم بن حمّـاد 1: 374.
(19) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 68.
(20) أسمي المناقب: 165 ـ 168 / 61.
(21) المهدي (عليه السلام) / صدر الدين الصدر: 68.
(22) عقد الدرر: 45، الباب الاوّل، فرائد السمطين 2: 325 / 575، ذخائر العقبي: 136، السيرة الحلبيّة 1: 193.
(23) البرهان / المتقي الهندي: 94 / 19.
(24) سنن ابن ماجة 2: 1340 / 4039، المستدرک 4: 441.
(25) تهذيب التهذيب 9: 125 / 202.
(26) ميزان الاعتدال 3: 535 / 7479.
(27) الصواعق المحرقة: 164.
(28) حلية الاولياء 9: 61.
(29) الصواعق المحرقة: 165.
******************
وعدّ علماء الحديث في حقّ الامام المهدي من الاحاديث ما لا يخفي کثرة، وکلّها معرّضة بذکره ومصرّحة باسمه، وفي ذلک أدلّ دليل علي ترجيحها علي هذا الحديث المنکر عند من له بهذا الحديث خبرة وبعضها لبعض مصحّحة.
وقد ذکر الحافظ أبو عبد الله الحاکم في مستدرکه علي الصحيحين من ذلک ما فيه غنية، ونبّه علي ترجيح رواية الجمّ الغفير من کان له في ذلک بغية، ولمّـا انتهي في کتابه إلي ذکر هذه الرواية بيّن حالها لمن له فهم ودراية، فقال: قد ذکرته بما انتهي إليّ من علم هذا الحديث تعجّباً لا محتجّاً به. وهذا غاية التوهين.
ثمّ قال: فإنّ أولي من هذا الحديث حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم، ثمّ ذکر الحديث الذي يقول فيه (صلي الله عليه وآله وسلم): يواطي اسمه اسمي، وقال: وقد قال العلماء الاماثل: إنّ معني قوله يواطئ يشبه ويماثل.(1)
فقد اتّضح لمن أنصف من جملة هذا الکلام أنّ المهدي من ولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) لا عيسي بن مريم (عليهما السلام).
علي أ نّا نقول: ولئن سلّمنا صحّة هذا الحديث، فإنّه يحمل علي تأويل، إذ لا نجد لالغاء ما يعارضه من الاحاديث الصحيحة سبيلاً، ولعلّ تأويله کتأويل: لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد، إذ ألفاظ الحديثين يقرب بعضها من بعض ولا يبعد، وفي الحديث من هذا النوع کثير، وليس ذلک بمحمول علي المَنْفِيّ، بل علي الترجيح والتوفير، أو لعلّ له تأويلاً غير ذلک.(2)
والذي يستفاد من کلمات هؤلاء الاعلام في الجواب عن الحديث المشار إليه اُمور:
الاوّل: إنّه موضوع.
الثاني: إنّه منکر ضعيف.
الثالث: إنّه معارض بالاخبار المتواترة.
الرابع: إنّه مؤوّل ومحمول علي غير ظاهره.
ويمکن أن يقال: إنّ الذي يظهر من الاحاديث أنّ ظهور المهدي (عليه السلام) ونزول عيسي (عليه السلام) من السماء متلازمان لا ينفکّ أحدهما عن الاخر، فيصحّ بالعناية إرادة کلّ منهما عند إطلاق الاخر، فکأنّهما رجل واحد، أو يقال في الرواية حذف هکذا (لا مهدي إلاّ وعيسي بن مريم معه) کما دلّت عليه الاخبار المستفيضة، فکأنّ عيسي أحد أمارات صدق المهدي عليهما أفضل الصلاة والسلام.
فمن کتاب (الفتن) للحافظ أبي عبد الله نُعيم بن حمّـاد، يرفعه إلي أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): منّا الذي يصلّي عيسي بن مريم خلفه.(3)
ومن کتاب (الفتن) يرفعه إلي هشام بن محمّد، قال: المهديّ من هذه الاُمّة هو الذي يؤمّ عيسي بن مريم (عليه السلام).(4)
وعن الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني، (في سننه) في حديث صحيح طويل في نزول عيسي (عليه السلام)، فمن ذلک: قالت اُمّ شريک بنت أبي العکر: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟
قال: هم يومئذ قليل، وجلّهم ببيت المقدس، وإمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح، إذ نزل بهم عيسي (عليه السلام)، فيرجع ذلک الامام يمشي القهقري ليقدّم عيسي(عليه السلام) ليصلّي بالناس، فيضع عيسي (عليه السلام) يده بين کتفيه، ثمّ يقول: تقدّم.(5)
وعليه فالمهدي (عليه السلام) غير عيسي (عليه السلام)، وأنّ عيسي (عليه السلام) يخرج في زمان الامام المهدي (عليه السلام) ويأتمّ به ويساعده علي قتل الدجّال، کما دلّت عليه الروايات الصحيحة.
الموافقون للشيعة من العامة
لقد اعترفت طائفة کبيرة من علماء العامّة بأنّ المهدي المنتظر في آخر الزمان هو محمّد بن الحسن العسکري، وأنّه ولد في حياة أبيه (عليه السلام)، ومات أبوه وعمره خمس سنين، وهو الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين هم أئمة المسلمين جميعاً وثقل الرسول الاکبر الذين أوصي بمحبّتهم وطاعتهم وأوجب الله مودّتهم والتمسّک بهم.
وفي إيراد أقوال هذه الطائفة الذين ذکرت سبعة وثلاثين عالماً منهم هو دليل واضح وبرهان ساطع علي أنّ القول بولادة الامام المهدي (عليه السلام) وطول عمره وکونه حيّاً غائباً حتّي يأذن الله تعالي له بالظهور لاقامة دولة الحقّ، لم يکن ممّـا تنفرد به الشيعة الاماميّة، کما يدّعي البعض، وفي ذلک أيضاً حجّة بالغة علي القائلين بأنّ الامام الحسن العسکري (عليه السلام) مات ولم يعقّب، فأنکروا ولادة الامام المهدي (عليه السلام)، فها نحن نقرأ لهم شهادات العلماء والمؤرّخين والمحدّثين من مختلف المذاهب والملل، وجميعها تحکي: أنّ التأريخ هو الذي يقول بولادة الامام المهدي (عليه السلام) وبقائه حيّاً إلي اليوم لا الشيعة الامامية وحسب، ولم يتّفق لامر تأريخي مثل هذه الشهادات التي اتفقت علي ولادة الامام المهدي (عليه السلام) وکونه هو المنتظر لاقامة دولة الحقّ.
وقد ذکر الدکتور أحمد صبحي في کتابه (نظريّة الامامة) أنّه قد شاع الاعتقاد في انتظار المهدي عند جماعة من أهل السنّة، وإن لم يتقرّر کأصل من اُصول عقيدتهم، کما هو الحال لدي الشيعة بعد أن تحدّث فيه بعض علمائهم کالکنجي الشافعي في کتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)، والسيوطي في کتابه (العرف الوردي في أخبار المهدي)، وابن حجر العسقلاني في کتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر)، ويوسف بن يحيي الدمشقي في (عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر).
ومضي يقول: وشارک في الاعتقاد بالمهدي المنتظر فريق آخر من علماء السنّة بالرغم من عدائهم التقليدي للشيعة وإنکارهم لاکثر عقائدهم، ويعتقد ابن تيمية بصحّة الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) وجاء فيه: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه کاسمي وکنيته کنيتي يملا الارض عدلاً کما ملئت جوراً، وذلک هو المهدي.
وفي حديث آخر له: المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة، کما يري أنّ ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود حول المهدي من الصحاح.(6)
وقد قسّمنا القائلين بولادة الامام (عليه السلام) والموافقين للاماميّة إلي طائفتين:
الطائفة الاُولي: الموافقون للشيعة من العامّة في ولادة الامام الحجّة (عليه السلام)، وأنّه ابن الامام العسکري (عليه السلام)، وکونه هو المهدي الموعود في آخر الزمان.
الطائفة الثانية: المعترفون بولادته (عليه السلام) من العامّة ولم يتّفقوا في کونه هو المهدي الموعود في آخر الزمان.
کمال الدين محمد بن طلحة الشافعي
الاوّل - أبو سالم کمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن أبي الحسن النصيبي الشافعي:
ذکر الامام المهدي (عليه السلام) في کتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) وهذا الرجل قد أثني عليه علماء أهل السنّة وذکروه بکلّ جميل، فذکره تقيّ الدين أبو بکر أحمد بن قاضي شهيد، المعروف بابن جماعة الدمشقي الاسدي في (طبقات فقهاء الشافعيّة) علي ما نقل عنه، وقال: إنّه کان أحد الصدور والرؤساء المعظّمين، ولد سنة 582 هـ وتفقّه وشارک في العلوم، وکان فقيهاً بارعاً عارفاً بالمذهب والاُصول والخلاف، ترسل عن الملک وساد وتقدّم وسمع الحديث، وتوفّي في سابع رجب سنة 652 هـ.
ومدحه أبو عبد الله بن أسعد اليمني المعروف باليافعي في (مرآة الجنان) في حوادث سنة 650 فيما حکي عنه.
وقال عبد الغفّار بن إبراهيم العکّي الشافعي فيما نقل عنه: إنّه أحد العلماء المشهورين.
وذکره وبالغ في مدحه جمال الدين عبد الرحيم بن حسن بن علي الاسنوي الشافعي في (طبقات الشافعيّة).
أمّا کتابه (مطالب السؤول) فهو کتاب مشهور معروف، وکونه من تأليفه مشهور معلوم أيضاً، حتّي إنّ ابن تيمية اعترف بأنّه له في کتابه (منهاج السنّة) علي ما حکي عنه، مع إنکاره جملة من الاحاديث المستفيضة.(7)
قال الشيخ کمال الدين: الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن عليّ المتوکّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا عليهم السلام والتحيّة، قد وقع من النبوّة في أکناف عناصرها، ووضع من الرسالة أخلاف أواصرها، ونزع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، واقتني من الانساب شرف نصابها، واعتلي عند الانتساب علي شرف أحسابها، واجتني جني الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بکونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصله، وإنّها لاشرف العناصر والاُصول.
فأمّا مولده بسرّ من رأي في ثالث وعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وماءتين للهجرة.(8)
وأمّا نسبه أباً واُمّاً، فأبوه أبو محمّد الحسن الخالص بن علي المتوکّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزکي بن عليّ المرتضي أمير المؤمنين.
وأمّا اُمّه فاُمّ ولد تسمّي صيقل، وقيل: حکيمة، وقيل غير ذلک.
وأمّا اسمه فمحمّد، وکنيته أبو القاسم، ولقبه الحجّة والخلف الصالح، وقيل: المنتظر.
ثمّ أورد عدّة أخبار في المهدي (عليه السلام) من طريق أبي داود والترمذي والبغوي ومسلم والبخاري والثعلبي.
ثمّ قال: فإن قال معترض: هذه الاحاديث النبويّة الکثيرة بتعدادها المصرّحة بجملتها وأفرادها متّفق علي صحّة إسنادها، ومجمع علي نقلها عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في کون المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأنّه من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومن عترته وأهل بيته، وأنّ اسمه يواطئ اسمه، وأنّه يملا الارض قسطاً وعدلاً، وأنّه من ولد عبد المطّلب، وأنّه من سادات الجنّة، وذلک ممّـا لا نزاع فيه، غير أنّ ذلک لا يدلّ علي أنّ المهدي الموصوف بما ذکره (صلي الله عليه وآله) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجّة الخلف الصالح (عليه السلام)، فإنّ ولد فاطمة (عليها السلام) کثيرون، وکلّ من يولد من ذرّيتها إلي يوم القيامة يصدق عليه أنّه من ولد فاطمة، وأنّه من العترة الطاهرة، وأنّه من أهل البيت (عليهم السلام)، فتحتاجون مع هذه الاحاديث المذکورة إلي زيادة دليل يدلّ علي أنّ المهدي المراد هو الحجّة المذکور ليتمّ مرامکم؟
فجوابه: أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) لمّـا وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعدّدة من ذکر نسبه واسمه ومرجعه إلي فاطمة (عليها السلام) وإلي عبد المطّلب، وأنّه أجلي الجبهة أقني الانف، وعدّد الاوصاف الکثيرة التي جمعتها الاحاديث الصحيحة المذکورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة علي أنّ الشخص الذي يسمّي بالمهدي، وتثبت له الاحکام المذکورة، هو الشخص الذي اجتمعت تلک الصفات فيه، ثمّ وجدنا تلک الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره، فيلزم القول بثبوت تلک الاحکام له، وأنّه صاحبها، وإلاّ فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله، قدح ذلک في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وذلک ممتنع.
فإن قال المعترض: لا يتمّ العمل بالدلالة والعلامة إلاّ بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعيينه لها، فأمّا إذا لم يعلم تخصّصه وانفراده بها فلا يحکم له بالدلالة، ونحن نسلّم أنّه من زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي ولادة الخلف الصالح الحجّة (عليه السلام) ما وجد من ولد فاطمة (عليها السلام) شخص جمع تلک الصفات التي هي الدلالة والعلامة، لکن وقت بعثة المهدي وظهوره وولادته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجّال ونزول عيسي بن مريم (صلوات الله عليه)، وذلک سيأتي بعد مدّة مديدة، ومن الان إلي ذلک الوقت المتراخي الممتدّ أزمان متجدّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (عليها السلام) کثرة يتعاقبون ويتوالدون إلي ذلک الابّان، فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبويّة من يجمع تلک الصفات، فيکون هو المهدي المشار إليه في الاحاديث المذکورة، ومع هذا الاحتمال والامکان کيف يبقي دليلکم مختصّاً بالحجّة المذکور (عليه السلام)؟
فالجواب: إنّکم إذا اعترفتم أنّه إلي وقت ولادة الخلف الصالح وإلي زماننا هذا لم يوجد من جمع تلک الصفات والعلامات بأسرها سواه، فيکفي ذلک في ثبوت تلک الاحکام له، عملاً بالدلالة الموجودة في حقّه، وما ذکرتموه من احتمال أن يتجدّد مستقبلاً في العترة الطاهرة من يکون بتلک الصفات لا يکون قادحاً في إعمال الدلالة، ولا مانعاً من ترتّب حکمها عليها، فإنّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتمال تجدّد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترک الراجح بالمرجوح، فإنّه لو جوّزنا ذلک لامتنع العمل بأکثر الادلّة المثبتة للاحکام، إذ ما من دليل إلاّ واحتمال تجدّد ما يعارضه متطرّق إليه، ولم يمنع ذلک من العمل به وفاقاً.
إلي أن قال: وکذلک قضيّة الخوارج الذين وصفهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بصفات ورتّب عليها حکمهم، ثمّ بعد ذلک لمّـا وجد عليّ (عليه السلام) تلک الصفات موجودة في اُولئک في واقعة حروراء والنهروان جزم بأنّهم هم المرادون بالحديث النبوي، وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يکون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال کثيرة، فعلم أنّ الدلالة الراجحة لا تترک لاحتمال المرجوح.
نزيده بياناً وتقريراً، فنقول بثبوت الحکم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعيّن العمل به والمصير إليه، فمن ترکه وقال: بأنّ صاحب الصفات المراد بإثبات الحکم ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف اللئيم.
ويدلّ علي ذلک أنّ الله عزّ وعلا لمّـا أنزل في التوراة علي موسي (صلوات الله عليه) أنّه يبعث النبيّ العربيّ في آخر الزمان خاتم الانبياء ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة علي إثبات حکم النبوّة وصار قوم موسي يذکرونه بصفاته، ويعلمون أنّه يبعث، فلمّـا قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهدّدون المشرکين به، ويقولون: سيظهر الان نبيّ لغته کذا وصفته کذا، نستعين به علي قتالکم، فلمّـا بعث (صلي الله عليه وآله) ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة علي نبوّته أنکروه، وقالوا: ليس هو هذا، بل هو غيره وسيأتي ; فلمّـا جنحوا إلي الاحتمال، وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنکر الله تعالي عليهم کونهم ترکوا العمل بالدلالة التي ذکرها لهم في التوراة وجنحوا إلي الاحتمال.
وهذه القصّة من أکبر الادلّة وأقوي الحجج علي أنّه يتعيّن العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحکم لمن وجدت تلک الدلالة فيه، فإذا کانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلک الاحکام المذکورة موجودة في الحجّة الخلف الصالح محمّد (ابن الحسن) (عليه السلام) تعيّن إثبات کونه المهدي المشار إليه من غير جنوح إلي الاحتمال بتجدّد غيره في الاستقبال.
فإن قال المعترض: نسلّم لکم أنّ الصفات المجعولة علامة ودلالة، إذا وجدت تعيّن العمل بها، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لکن نمنع وجود تلک العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمّد (بن الحسن) (عليه السلام)، فإنّ من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يکون اسم أبيه مواطئاً لاسم أبي النبيّ (صلي الله عليه وآله)، هکذا صرّح به الحديث النبويّ علي ما أوردتموه، وهذه الصفة لم توجد فيه، فإنّ اسم أبيه الحسن، واسم أب النبيّ (صلي الله عليه وآله) عبد الله، وأين الحسن من عبد الله، فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة، فإذا لم يثبت جزء العلّة فلا يثبت حکمها، إذ النبيّ (صلي الله عليه وآله) لم يجعل تلک الاحکام ثابتة إلاّ لمن اجتمعت تلک الصفات کلّها له، والتي جزؤها مواطاة اسمي الابوين في حقّه، وهذه لم تجتمع في الحجّة الخلف الصالح، فلا تثبت تلک الاحکام له، وهذا إشکال أقوي.
فالجواب: لا بدّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبني عليهما الغرض:
فالاوّل: إنّه سائغ شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الاب علي الجدّ الاعلي، وقد نطق القرآن الکريم بذلک، فقال الله تعالي: (مِلَّةَ أبيکُم إبْراهيم)(9)، وقال تعالي حکايةً عن يوسف (عليه السلام): (وَاتَّبَعْت مِلَّةَ آبائي إبْراهيمَ وَإسْحاق).(10) ونطق بذلک النبيّ (صلي الله عليه وآله) وحکاه عن جبرئيل في حديث الاسراء أنّه قال: قلت: من هذا؟ قال: أبوک إبراهيم. فعلم أنّ لفظة أب تطلق علي الجدّ وإن علا، فهذا أحد الامرين.
الامر الثاني: إنّ لفظة الاسم تطلق علي الکنية وعلي الصفة، وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم، ووردت في الاحاديث حتّي ذکرها البخاري ومسلم، کلّ واحد منهما يرفع ذلک بسنده إلي سهل بن سعد الساعدي، أنّه قال عن عليّ (عليه السلام): والله إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) سمّـاه بأبي تراب، ولم يکن له اسم أحبّ إليه منه، فأطلق لفظة الاسم علي الکنية، ومثل ذلک قول الشاعر:
اُجلّ قدرک أن تسمّي مؤننة ومن کنّاک فقد سمّـاک للعرب
ويروي: ومن يصفک، فأطلق التسمية علي الکناية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في کلام العرب.
فإذا وضح ما ذکرنا من الامرين فاعلم أيّدک الله بتوفيقه أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) کان له سبطان: أبو محمّد الحسن، وأبو عبد الله الحسين (عليهما السلام)، ولمّـا کان الحجّة الخلف الصالح (عليه السلام) من ولد أبي عبد الله، وکانت کنية الحسين أبا عبد الله، فأطلق النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي الکنية لفظة الاسم لاجل المقابلة بالاسم في حقّ أبيه، وأطلق علي الجدّ لفظة الاب، فکأنّه (عليه السلام) قال: يواطئ اسمه اسمي، فأنا محمّد وهو محمّد، وکنية جدّه اسم أبي، إذ هو أبو عبد الله، وأبي عبدُ الله، لتکون تلک الالفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنّه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز، فحينئذ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعةً للحجّة الخلف الصالح محمّد (عليه السلام)، وهذا بيان شاف کاف في إزالة ذلک الاشکال فافهمه... إلي آخر کلامه(11)، وجميعه يدلّ علي اعتقاد الشيخ کمال الدين الراسخ بکون الامام المهدي (عليه السلام) هو ابن الحسن العسکري.
محمد بن يوسف الکنجي الشافعي
الثاني - الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الکنجي الشافعي المقتول سنة 658 هـ:
ذکر الامام المهدي (عليه السلام) وکونه الحجّة بن الحسن العسکري (عليه السلام) في کتابيه: (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام))، و(کفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)).
وقد عبّر عنه ابن الصبّاغ المالکي في (الفصول المهمّة) بالامام الحافظ، واحتجّ بروايته ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) علي ما نقل عنه.
أمّا کتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام)) فذکره صاحب کشف الظنون، فقال: (البيان في أخبار صاحب الزمان) للشيخ أبي عبد الله محمّد بن يوسف الکنجي المتوفّي سنة 658 هـ.
وأورده بتمامه عليّ بن عيسي الاربلي في (کشف الغمّة)، وقال: إنّ مؤلّفه حمله هو وکتاب (کفاية الطالب) إلي الصاحب السعيد تاج الدين محمّد بن نصر بن الصلايا العلوي الحسيني، فقرأنا الکتابين علي مصنّفهما المذکور في مجلسين، آخرهما يوم الخميس 16 جمادي الاخرة سنة 648 هـ بإربل.(12)
أمّا کتاب (کفاية الطالب) فقد جاء فيه في الباب الثامن من الابواب التي ألحقها بأبواب الفضائل من الکتاب بعد ذکر الائمّة من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام): وخلّف - يعني عليّاً الهادي (عليه السلام) - من الولد أبا محمّد الحسن ابنه، مولده بالمدينة في شهر ربيع الاخر من سنة 232 هـ وقبض يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاوّل سنة 260 هـ، وله يومئذ 28 سنة، ودفن في داره بسرّ من رأي في البيت الذي دفن فيه أبوه، وخلّف ابنه وهو الامام المنتظر صلوات الله عليه.(13)
أمّا کتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام)) فيشتمل علي خمسة وعشرين باباً، أربع وعشرون منها في کلّ باب عدّة أحاديث في أحوال صاحب الزمان من طريق أهل السنّة، وقال في الباب الخامس والعشرين الذي عنونه: في الدلالة علي جواز بقاء المهدي حيّاً باقياً منذ غيبته إلي الان، قال: ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسي وإلياس والخضر من أولياء الله تعالي، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونين من أعداء الله تعالي، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالکتاب والسنّة، وقد اتّفقوا عليه ثمّ أنکروا جواز بقاء المهدي، وها أنا اُبيّن بقاء کلّ واحد منهم، فلا يسمع بعد هذا لعاقل إنکار جواز بقاء المهدي (عليه السلام).
ثمّ استدلّ بکلام طويل علي بقاء عيسي (عليه السلام) والخضر وإلياس والدجّال وإبليس من الکتاب والسنّة، إلي أن قال:
وأمّا بقاء المهدي (عليه السلام)، فقد جاء في الکتاب والسنّة، أمّا الکتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عزّ وجلّ: (لِيُظْهِرَهُ عَلي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ المُشْرِکون)(14)، قال: هو المهدي من عترة فاطمة (عليها السلام).
وأمّا من قال إنّه عيسي (عليه السلام)، فلا تنافي بين القولين، إذ هو مساعدٌ للامام.
وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسّرين في تفسير قوله عزّ وجلّ: (وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(15)، قال: هو المهدي (عليه السلام) يکون في آخر الزمان، وبعد خروجه يکون قيام الساعة وأماراتها.
وأمّا السنّة فما تقدّم في کتابنا من الاحاديث الصحيحة الصريحة(16)، إلي آخر ما ذکره من الادلّة علي بقاء الامام المهدي (عليه السلام) حيّاً علي طول الزمان.
نور الدين بن الصباغ المالکي
الثالث - نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المالکي المکّي، المتولّد سنة 734 هـ، والمتوفّي سنة 855 هـ:
ذکر الامام المهدي (عليه السلام) في کتابه (الفصول المهمّة في معرفة الائمة (عليهم السلام))، وقد ذکره أصحاب التراجم بکلّ وصف جميل، فعن شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي المصري، تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني، أنّه قال في کتابه (الضوء اللامع في أحوال أهل القرن التاسع): عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله، نور الدين الاسفاتي الغزّي الاصل المکّي المالکي، ويعرف بابن الصبّاغ، ولد في العشر الاُول من ذي الحجّة سنة 784 بمکّة، ونشأ بها، فحفظ القرآن، والرسالة في الفقه، وألفيّة ابن مالک، وعرضهما علي الشريف عبد الرحمن الفارسي، وعدّ معه جماعة.
ثمّ قال: وأجازوا له، وأخذ الفقه عن أوّلهم، والنحو عن الجلال عبد الواحد المرشدي، وسمع علي الزين المراغي سداسيّات الرازي، وله مؤلفات منها (الفصول المهمّة في معرفة الائمة) وهم اثنا عشر، و(العبر فيمن سفه النظر)، وأجاز لي، ومات في سابع ذي القعدة سنة 855 هـ، ودفن بالمعلاة، سامحه الله وإيّانا.
وعن أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي أنّه ذکره معظّماً في (ذخيرة المآل) في مسألة الخنثي.
وعن جماعة من الاعلام أنّهم نقلوا عن کتابه المذکور معتمدين عليه، مثل: عبد الله بن محمّد المطيري المدني الشافعي من النقشبندية من کتابه (الرياض الزاهرة)، ونور الدين علي السمهودي في (جواهر العقدين)، وبرهان الدين علي الحلبي الشافعي في سيرته المعروفة، وعبد الرحمن الصفوري في (زينة المجالس)، وغيرهم.
قال في (الفصول المهمّة) الفصل الثاني عشر، في ذکر أبي القاسم الحجّة الخلف الصالح بن أبي محمّد الحسن الخالص، وهو الامام الثاني عشر، وتأريخ ولادته ودلائل إمامته، وذکر طرف من أخباره وغيبته، ومدّة قيام دولته، وذکر لقبه وکنيته، وغير ذلک ممّـا يتّصل به، ثمّ ذکر بعض الاخبار الواردة في ذلک.
ثمّ ذکر أنّه ولد بسرّ من رأي ليلة النصف من شعبان سنة 255 من الهجرة، وقال: أمّا نسبه أباً واُمّاً، فهو أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم).
وأمّا اُمّه فاُمّ ولد يقال لها نرجس، خير أمة، وقيل: اسمها غير ذلک.
ثمّ قال: وهذا طرف يسير ممّـا جاءت به النصوص عليه الدالّة علي الامام الثاني عشر من الائمة الثقات، والروايات في ذلک کثيرة والاخبار شهيرة، وقد دوّنها أصحاب الحديث في کتبهم، واعتنوا بجمعها، ولم يترکوا منها شيئاً، ثمّ نقل عن محمّد بن يوسف الکنجي الشافعي ما ذکره في الباب الخامس والعشرين من کتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام)) وقد تقدّم نقله.(17)
وقال في (الفصول المهمّة) أيضاً في ذيل ترجمة والده الحسن بن علي (عليهما السلام) ما لفظه: وخلّف أبو محمّد الحسن (رضي الله عنه) من الولد ابنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ، وکان قد أخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان أن يطلبه من الشيعة وحبسهم والقبض عليهم.(18)
الهوامش:
(1) المستدرک 4: 440 ـ 441.
(2) عقد الدرر: 292، إحقاق الحقّ 13: 199.
(3) عقد الدرر: 292، إحقاق الحقّ 13: 199.
(4) عقد الدرر: 293، الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 65.
(5) سنن ابن ماجة 2: 1361 / 4077.
(6) سيرة الائمّة الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 523.
(7) المجالس السنيّة 5: 713، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 81.
(8) ذکرنا في الفصل الاوّل أنّ المشهور في ولادته (عليه السلام) هو النصف من شعبان سنة 255 هـ.
(9) الحجّ: 22 / 78.
(10) يوسف: 12 / 38.
(11) کشف الغمّة 3: 233 ـ 241، عن مطالب السؤول 2: 79، الباب 12.
(12) المجالس السنيّة 5: 715، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 82.
(13) منتخب الاثر: 324.
(14) التوبة: 33.
(15) الزخرف: 61.
(16) البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام): 155 ـ 156، باب 25.
(17) الفصول المهمّة: 287 ـ 300.
(18) المجالس السنيّة 5: 716 ـ 717، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 83 ـ 84.
******************
سبط ابن الجوزي
الرابع - الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قُزُغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي، المعروف بسبط ابن الجوزي، المتوفّي سنة 654 هـ:
وهو ابن بنت العالم الواعظ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن التيمي البکري البغدادي الحنبلي، المعروف بابن الجوزي.
قال ابن خلکان في ترجمة أحوال جدّه المذکور: وکان سبطه شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزاغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوک وغيرهم، وصنّف تفسير القرآن الکريم وتأريخاً کبيراً رأيته بخطّه في أربعين مجلّداً سمّـاه (مرآة الزمان) وتوفّي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجّة سنة 654 بدمشق بجبل قاسيون، ودفن هناک.
إلي أن قال: وکان أبوه عتيق الوزير عون الدين بن هبيرة، فزوّجه الحافظ ابن الجوزي ابنته، فولدت شمس الدين المذکور، فلهذا ينسب إلي جدّه، لا إلي أبيه. انتهي.
وعن محمود بن سليمان الکفوي في (أعلام الاخيار) أنّه قال بعد ذکر نسبه وولادته: وتفقّه وبرع وسمع من جدّه لاُمّه، وکان حنبليّاً تحنبل في صغره لتربية جدّه، ثمّ دخل إلي الموصل، ثمّ رحل إلي دمشق، وهو ابن نيّف وعشرين سنة، وسمع بها وتفقّه بها علي جمال الدين الحصيري، وتحوّل حنفيّاً لما بلغه أنّ قزغلي ابن عبد الله کان علي مذهب الحنفيّة، وکان إماماً عالماً فقيهاً جيّداً نبيهاً، يلتقط الدرر من کلمه، ويتناثر الجوهر من حکمه، وبالغ في مدائحه وفضائله في کلام طويل.
وذکره اليافعي في (المرآة) وابن الشحنة في (روضة المناظر) وتاج الدين في (کفاية المتطلّع) وغيرهم، کما حکي عنهم.
قال سبط ابن الجوزي في کتابه (تذکرة خواصّ الاُمّة في معرفة الائمة) بعد ترجمة الحسن العسکري (عليه السلام) ما لفظه: ذکر أولاده منهم محمّد الامام.
فصل: هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي الرضا بن جعفر ابن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وکنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجّة وصاحب الزمان والقائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الائمة.
ثمّ ذکر بعض الروايات الواردة فيه (عليه السلام)، ثمّ قال: وذکره في روايات کثيرة، ويقال له: ذو الاسمين محمّد وأبو القاسم، قالوا: اُمّه اُمّ ولد يقال لها: صقيل.
ثمّ حکي عن السدّي اجتماعه مع عيسي بن مريم، وتقديم عيسي (عليه السلام) له في الصلاة، وعلّل هو ذلک بوجهين:
الاوّل: إنّه يخرج عن الامامة بصلاته مأموماً فيصير تبعاً.
الثاني: لئلاّ يتدنّس وجه (لا نبيّ بعدي) بغبار الشبهة، إلي آخر ما ذکره، وختم کلامه بذکر جماعة طالت أعمارهم.(1)
محيي الدين بن عربي
الخامس - الشيخ الاکبر محيي الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن محمّد (بن عربي) الحاتمي الطائي الاندلسي، المتوفّي سنة 638 هـ:
ذکر الامام المهدي (عليه السلام) علي وفق ما تقوله الشيعة الاماميّة في کتابه (الفتوحات المکّية) وهو کتاب مشهور کشهرة صاحبه.
حکي الشعراني في (اليواقيت والجواهر) عن الفيروزآبادي صاحب القاموس مدحاً کثيراً في الشيخ محيي الدين (بن عربي) وثناءً عظيماً عليه، منه قوله: کان الشيخ محيي الدين بحراً لا ساحل له، ولمّـا جاور بمکّة شرّفها الله تعالي، کان البلد إذ ذاک مجمع العلماء والمحدّثين، وکان الشيخ هو المشار إليه بينهم في کلّ علم تکلّموا فيه، وکانوا کلّهم يتسارعون إلي مجلسه، ويتبرّکون بالحضور بين يديه، ويقرأون عليه تصانيفه.
قال: ومصنّفاته بخزائن مکّة إلي الان أصدق شاهد علي ما قلناه، وکان أکثر اشتغاله بمکّة بسماع الحديث وإسماعه، وصنّف فيها (الفتوحات المکّية) کتبها عن ظهر قلب جواباً لسؤال سأله عنه تلميذه بدر الحبشي.
وحکي عنه أيضاً في أوائل (اليواقيت والجواهر) أنّه کان يقول: لم يبلغنا عن أحد من القوم أنّه بلغ في علم الشريعة والحقيقة ما بلغ الشيخ محيي الدين أبداً.
وقال الفيروزآبادي: وأمّا کتبه فهي البحار الزواخر التي ما وضع الواضعون مثلها، ومن خصائصها ما واظب أحدٌ علي مطالعتها إلاّ وتصدّر لحلّ المشکلات في الدين ومعضلات مسائله، وهذا الشأن لا يوجد في کتب غيره أبداً، وهذا يسير من ثنائه عليه واستيفاؤه يطول به المقام.
وحکي في (اليواقيت والجواهر) الثناء عليه من جماعة کثيرة من العلماء منهم: الشيخ کمال الدين الزملکاني، وقطب الدين الحموي، وصلاح الدين الصفدي، وقطب الدين الشيرازي، وفخر الدين الرازي، والامام السبکي وغيرهم ممّن يطول الکلام بتعدادهم وذکر ثنائهم عليه.
أمّا عبارة الشيخ محيي الدين بن عربي في (الفتوحات المکّية) المصرّحة بذکر الامام المهدي (عليه السلام) والتي توافق ما ذهب إليه الامامية في أنّه ابن الحسن العسکري (عليه السلام)، فقد أوردها في الباب السادس والستين وثلاثمائة في المبحث الخامس من (الفتوحات) ونقلها عنه الشعراني المتوفّي سنة 973 هـ في أوائل المبحث الخامس والستّين من (اليواقيت والجواهر)(2) ونقلها عنه الحمزاوي في (مشارق الانوار) والصبّان في (إسعاف الراغبين).
قال ابن عربي: واعلموا أنّه لا بدّ من خروج المهدي (عليه السلام)، لکن لا يخرج حتّي تمتلئ الارض جوراً وظلماً، فيملاها قسطاً وعدلاً، ولو لم يکن من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله تعالي ذلک اليوم حتّي يلي ذلک الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، من ولد فاطمة (عليها السلام)، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، والده الحسن العسکري ابن الامام علي النقي ابن محمّد التقي ابن الامام علي الرضا ابن الامام موسي الکاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمّد الباقر ابن الامام زين العابدين علي ابن الامام الحسين ابن الامام عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه).
يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، يبايعه المسلمون ما بين الرکن والمقام، يشبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الخَلق، وينزل عنه في الخُلق، إذ لا يکون أحد مثل رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أخلاقه، والله تعالي: (وَإنَّکَ لَعَلي خُلُق عَظيم).(3)
هو أجلي الجبهة، أقني الانف، أسعد الناس به أهل الکوفة، يقسم المال بالسويّة، ويعدل في الرعيّة، يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني ; وبين يديه المال، فيجثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل.
يخرج علي فترة من الدين، يمسي الرجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً فيصبح عالماً شجاعاً کريماً، يمشي النصر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً.
يقفو أثر رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يخطئ، له ملک يسدّده من حيث لا يراه، يحمل الکَلّ، ويعين الضعيف، ويساعد علي نوائب الحقّ، يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، ويعلم ما يشهد.
يصلحه الله في ليلة، يفتح المدينة الروميّة بالتکبير مع سبعين ألفاً من المسلمين، من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمي مأدبة الله بمرج عکا، يبيد الظلم وأهله، ويقيم الدين وأهله، وينفخ الروح في الاسلام، يعزّ الله به الاسلام بعد ذلّه، ويحييه بعد موته.
يضع الجزية ويدعو إلي الله بالسيف، فمن أبي قُتِل، ومن نازعه خُذِل، يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه، حتّي لو کان رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيّاً لحکم به، فلا يبقي في زمانه إلاّ الدين الخالص عن الرأي، يخالف في غالب أحکامه مذاهب العلماء، فينقبضون منه لذلک، لظنّهم أنّ الله تعالي لا يحدث بعد أئمتهم مجتهداً.
وأطال في ذکر وقائعه (عليه السلام) معهم، ثمّ قال: واعلم أنّ المهدي إذا خرج يفرح به المسلمون خاصّتهم وعامّتهم، وله رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء له، يتحمّلون أثقال المملکة، ويعينونه علي ما قلّده الله تعالي.
ينزل عليه عيسي بن مريم (عليه السلام) بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متّکئاً علي ملکين، ملک عن يمينه، وملک عن يساره، والناس في صلاة العصر، فيتنحّي له الامام عن مکانه، فيتقدّم فيصلّي بالناس، يأمر الناس بسنّته (صلي الله عليه وآله)، يکسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقبض الله المهدي طاهراً مطهّراً.
وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق، ويخسف بجيشه في البيداء، فمن کان مجبوراً من ذلک الجيش مکرهاً، يحشر علي نيّته، وقد جاءکم زمانه، وأظلّکم أوانه، وقد ظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو قرن الصحابة، ثمّ الذي يليه، ثمّ الذي يلي الثاني، ثمّ جاء بينهما فترات، وحدثت اُمور، وانتشرت أهواء، وسفکت دماء، فاختفي إلي أن يجيء الوقت الموعود، فشهداؤه خير الشهداء، واُمناؤه أفضل الاُمناء.
وقد استوزر الله له طائفة خبأهم الله تعالي له في مکنون غيبه، يفتحون مدينة الروم بالتکبير، فيکبّرون التکبيرة الاُولي، فيسقط ثلثها، ويکبّرون الثانية فيسقط الثلث الثاني من السور، ويکبّرون الثالثة فيسقط الثالث، فيفتحونها من غير سيف.(4)
عبد الرحمن جامي
السادس - نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي، وقيل: الشافعي، صاحب (شرح کافية ابن الحاجب) المشهور:
قال صاحب (الشقائق النعمانيّة في علماء الدولة العثمانيّة) بعد ذکر الطريقة النقشبنديّة وذکر جمله من مشايخها ما لفظه: ومنهم الشيخ العارف بالله عبد الرحمن ابن أحمد الجامي، اشتغل أوّلاً بالعلم الشريف، وصار من أفاضل عصره، ثمّ صحب مشايخ الصوفيّة، وتلقّي کلمة التوحيد من الشيخ العارف بالله تعالي سعد الدين الکاشغري، وصحب الخواجة عبيد الله السمرقندي، وانتسب إليه أتمّ الانتساب.
إلي أن قال: وکان مشتهراً بالعلم والفضل، وبلغ صيت فضله إلي الافاق حتّي دعاه السلطان بايزيد خان إلي مملکته، وأرسل إليه جوائز سنيّة.
وعدّ من مصنّفاته: شرح الکافية، وشواهد النبوّة بالفارسيّة، ونفحات الاُنس بالفارسيّة، وسلسلة الذهب طعن فيها علي طوائف الرافضيّة. وقال: کلّ تصانيفه مقبولة عند العلماء الفضلاء.
وأثني عليه ثناءً بليغاً محمود بن سليمان الکفوي في (أعلام الاخيار) وقال عن کتابه (شواهد النبوّة): إنّه کتاب جليل معروف معتمد.
وفي (کشف الظنون) شواهد النبوّة فارسي، لمولانا نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي، وذکر أنّه ترجمه غير واحد من العلماء.
وعن صاحب (تأريخ الخميس)، أنّه قال في أوّله: إنّه انتخبه من الکتب المعتبرة، وعدّ منها شواهد النبوّة.
وقد روي الجامي في (شواهد النبوّة) ما يوافق مذهب الامامية في اعتقادهم بالامام المهدي (عليه السلام) وکونه الحجّة بن الحسن العسکري (عليه السلام) وأنّه آخر الائمة الاثني عشر.
فقد روي الجامي في (شواهد النبوّة) أخباراً في ولادة المهدي (عليه السلام)، وبعض معجزاته، هذا ملخّص ترجمتها:
روي عن حکيمة عمّة أبي محمّد الزکي (عليه السلام) أنّها قالت: کنت يوماً عند أبي محمّد (عليه السلام) فقال: يا عمّة، باتي الليلة عندنا، فإنّ الله تعالي يعطينا خلفاً. فقلت: يا ولدي، ممّن؟ فإنّي لا أري في نرجس أثر حمل أبداً. فقال: يا عمّة، مَثل نرجس مثل اُمّ موسي، لا يظهر حملها إلاّ في وقت الولادة. فبتّ عنده، فلمّـا انتصف الليل قمت فتهجّدت، وقامت نرجس وتهجّدت، وقلت في نفسي: قرب الفجر ولم يظهر ما قاله أبو محمّد (عليه السلام). فناداني من مقامه: لا تعجلي يا عمّة، فرجعت إلي بيت کانت فيه نرجس، فرأيتها وهي ترتعد، فضممتها إلي صدري، وقرأت عليها (قُلْ هُوَ اللهُ أحَد) و(إنَّا أنْزَلْناه) وآية الکرسي، فسمعت صوتاً من بطنها يقرأ ما قرأت، ثمّ أضاء البيت، فرأيت الولد علي الارض ساجداً فأخذته، فناداني أبو محمّد من حجرته: يا عمّة، ائتيني بولدي، فأتيته به، فأجلسه في حجره، ووضع لسانه في فمه، وقال: تکلّم يا ولدي بإذن الله تعالي.
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثين).(5)
ثمّ رأيت طيوراً خضراً أحاطت به، فدعا أبو محمّد (عليه السلام) واحداً منها، وقال: خذه واحفظه حتّي يأذن الله تعالي فيه، فإنّ الله بالغ أمره.
فسألت أبا محمّد (عليه السلام): ما هذا الطير، وما هذه الطيور؟
فقال: هذا جبرئيل، وهؤلاء ملائکة الرحمة، ثمّ قال: يا عمّة، ردّيه إلي اُمّه، کي تقرّ عينها ولا تحزن، ولتعلم أنّ وعد الله حقّ، ولکنّ أکثرهم لا يعلمون، فرددته إلي اُمّه.
ولمّـا ولد کان مقطوع السرّة، مختوناً، مکتوباً علي ذراعه الايمن: (جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ کانَ زَهوقاً).
قال: وروي غيرها أنّه لمّـا ولد جثا علي رکبتيه، ورفع سبّابته إلي السماء وعطس، وقال: الحمد لله ربّ العالمين.
وروي عن آخر قال: دخلت علي أبي محمّد (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول الله من الخلف والامام بعدک؟ فدخل الدار ثمّ خرج وقد حمل طفلاً کأنّه البدر في ليلة تمامه، في سنّ ثلاث سنين، فقال: لولا کرامتک عليّ لما أريتک هذا الولد، اسمه اسم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وکنيته کنيته، هو الذي يملا الارض عدلاً وقسطاً، کما ملئت جوراً وظلماً.
وروي عن آخر قال: دخلت يوماً علي أبي محمّد (عليه السلام)، فرأيت عن يمينه بيتاً أسبل عليه ستراً، فقلت: يا سيّدي، من صاحب هذا الامر بعدک؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج صبي في غاية النظافة، علي خدّه الايمن خال، وله ذوائب، فجلس في حجر أبي محمّد (عليه السلام)، فقال أبو محمّد (عليه السلام): هذا صاحبکم، ثمّ قام من حجره، فقال له: يا بني ادخل إلي الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: قم وانظر في البيت، فدخلت البيت فلم أرَ فيه أحداً.
وروي عن آخر، قال: بعثني المعتضد مع رجلين وقال: إنّ الحسن بن علي توفّي في سرّ من رأي، فأسرعوا في المسير، واهجموا علي داره، فکلّ من رأيتم فيها فأتوني برأسه.
فذهبنا ودخلنا داره، فرأينا داراً نَضِرة طيّبة، کأنّ البنّاء فرغ من عمارتها الساعة، ورأينا فيها ستراً فرفعناه، فرأينا سرداباً، فدخلنا فيه، فرأينا بحراً في أقصاه حصير مفروش علي وجه الماء، ورجلاً في أحسن صورة عليه وهو يصلّي، ولم يلتفت إلينا، فسبقني أحد الرجلين، فدخل الماء فغرق واضطرب، فأخذت بيده وخلّصته، فأراد الاخر أن يتقدّم إليه فغرق وخلّصته، فتحيّرت فقلت: يا صاحب البيت، المعذرة إلي الله وإليک، فإنّي والله ما علمت الحال، ولا علمت إلي أين جئنا، وقد تبت إلي الله ممّـا فعلت، فلم يلتفت إلينا أبداً، فرجعنا وقصصنا عليه القصّة، فقال: اکتموا هذا الامر وإلاّ أمرت بضرب أعناقکم.(6)
عبدالوهاب الشعراني
السابع - الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني المصري العارف المشهور، المتوفّي سنة 973 هـ، وقيل: 960 هـ:
وهو صاحب کتاب (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الاکابر)، وهذا الکتاب کصاحبه مشهور معروف، وقد طبع في مصر عدّة مرّات، وعليه تقاريظ لجماعة من العلماء، وهو شرح لما أغلق من (الفتوحات المکية) وللشعراني من الکتب أيضاً (الميزان) في المذاهب الاربعة، و(لواقح الانوار القدسيّة) الذي اختصره من الفتوحات المکية، و(الکبريت الاحمر في علوم الشيخ الاکبر) منتخب منه.
قال الشعراني في الجزء الثاني من (اليواقيت والجواهر) ما لفظه: المبحث الخامس والستون في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ، لا بدّ أن تقع کلّها قبل قيام الساعة، وذلک کخروج المهدي (عليه السلام).
إلي أن قال: وهو من أولاد الامام الحسن العسکري، ومولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان سنة 255 هـ، وهو باق إلي أن يجتمع بعيسي بن مريم (عليه السلام) فيکون عمره إلي وقتنا هذا، وهو سنة 958 سبعمائة سنة وثلاث سنين.(7)
هکذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق کوم الريش المطلّ علي برکة الرطلي بمصر المحروسة عن الامام المهدي حين اجتمع به، ووافقه علي ذلک شيخنا سيّدي علي الخوّاص رحمهما الله تعالي.
وقال الشعراني في (الطبقات) المسمّي باللواقح علي ما حکي عنه، بعد ذکر سياحة حسن العراقي: وسألت المهدي عن عمره، فقال: يا ولدي، عمري الان ستمائة سنة وعشرون سنة، ولي عنه الان مائة سنة.
قال الشعراني: فقلت ذلک لسيّدي علي الخوّاص، فوافقه علي عمر المهدي (رضي الله عنهما).(8)
السيد جمال الدين النيسابوري
الثامن - السيّد جمال الدين عطاء الله بن السيّد غياث الدين فضل الله بن السيّد عبد الرحمن النيسابوري المحدّث المعروف المتوفّي سنة 1000 هـ:
وهو صاحب کتاب (روضة الاحباب في سيرة النبيّ (صلي الله عليه وآله) والال والاصحاب)، وهو کتاب فارسي، ذکره صاحب کشف الظنون، فقال: (روضة الاحباب) فارسي، لجمال الدين عطاء الله الشيرازي النيسابوري، المتوفّي سنة ألف، في مجلّدين، وصنّفه بالتماس الوزير مير عليشير بعد الاستشارة مع اُستاذه وابن عمّه السيّد أصيل الدين عبد الله، وهو علي ثلاثة مقاصد.
وعن (تأريخ الخميس) أنّه عدّه في أوّل کتابه من الکتب المعتمدة.
قال في (روضة الاحباب) ما ترجمته:
کلام في بيان الامام الثاني عشر محمّد بن الحسن (عليهما السلام)، الميلاد السعيد لذلک، الذي هو درّ صدف الولاية، وجوهر معدن الهداية، في منتصف شعبان سنة 255 هـ في سامراء، وقيل: في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة 258، واُمّ تلک الدرّة العالية اُمّ ولد، اسمها صيقل، أو سوسن، وقيل: نرجس، وقيل: حکيمة.
وذلک الامام ذو الاحترام متوافق في الکنية والاسم مع خير الانام عليه وآله تحف الصلاة والسلام، ويلقّب بالمهدي المنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، وکان عمره عند وفاة أبيه الاعظم علي أقرب الروايات إلي الصحّة خمس سنين، وروي سنتان، وأعطاه الله الحکمة والکرامة في حال الطفوليّة مثل يحيي بن زکريا سلام الله عليهما، وأوصله في وقت الصبا إلي مرتبة الامامة الرفيعة، وغاب في سرداب سرّ من رأي سنة 265 أو 266 علي اختلاف القولين، في زمان الخليفة المعتمد.
ثمّ ختم کلامه بأبيات فارسيّة في خطاب المهدي (عليه السلام) وطلب ظهوره.(9)
الحافظ محمد بن محمد البخاري
التاسع - الحافظ محمّد بن محمّد بن محمود البخاري، المعروف بخواجه بارسا الحنفي:
قال عنه الکفوي في (أعلام الاخيار): قرأ العلوم علي علماء عصره، وکان مقدّماً علي أقرانه، وحصّل الفروع والاُصول، وبرع في المنقول، وکان شابّاً قد أخذ الفقه عن قدوة بقيّة أعلام الهدي الشيخ الامام العارف الرباني أبي طاهر محمّد بن علي بن الحسن الطاهري، ثمّ ذکر سلسلة مشايخه في الفقه، وأنّه أخذ من صدر الشريعة، وأنهاها إلي أبي حنيفة، قال: وهو أعزّ خلفاء الشيخ الکبير خواجه بهاء الدين نقشبند... إلي آخره.
وقال صاحب (الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية) بعد ذکر الطريقة النقشبندية، وأنّها تنتهي إلي الشيخ العارف بالله خواجه بهاء الدين النقشبندي، وذکر جملة من مناقبه ومحاسن طريقته، ما لفظه: ومن جملة مشايخ هذه الطريقة الشيخ العارف بالله تعالي خواجه محمّد بارسا البخاري، وهو من جملة أصحاب خواجه بهاء الدين المذکور. إلي آخر ما ذکره من مدحه والثناء عليه.
وللخواجه بارسا کتاب (فصل الخطاب) وهو کتاب معروف مشهور، ذکره في (کشف الظنون) فقال: (فصل الخطاب) في المحاضرات، للحافظ الزاهد محمد بن محمد الحافظي، من أولاد عبيد الله النقشبندي البخاري، المعروف بخواجه بارسا، المتوفّي بالمدينة المنوّرة سنة 822 هـ، وترجمته لابي الفضل موسي بن الحاج حسين الازنبقي وأمير بادشاه محمّد البخاري نزيل مکّة.
قال في (فصل الخطاب): ولمّـا زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي (رضي الله عنه) أنّه لا ولد لاخيه أبي محمّد الحسن العسکري (رضي الله عنه) وادّعي أنّ أخاه الحسن العسکري (رضي الله عنه) جعل الامامة فيه، سمّي الکذّاب، وهو معروف بذلک، وأبو محمّد الحسن العسکري ولده محمّد (رضي الله عنهما) معلوم عند خاصّة أصحابه وثقاته.
ويروي أنّ حکيمة بنت أبي جعفر محمّد الجواد عمّة أبي محمّد الحسن العسکري، کانت تحبّه وتدعو له وتتضرّع إلي الله أن تري له ولداً، وکان أبو محمّد الحسن العسکري اصطفي جارية يقال لها نرجس، فلمّـا کان ليلة النصف من شعبان سنة 255 هـ دخلت حکيمة عند الحسن العسکري، فقال لها: يا عمّة، کوني الليلة عندنا لامر، فأقامت کما رسم، فلمّـا کان وقت الفجر اضطربت نرجس، فقامت إليها حکيمة، فوضعت نرجس المولود المبارک، فلمّـا رأته حکيمة أتت به أبا محمّد الحسن العسکري (رضي الله عنه) وهو مختون مفروغ منه، فأخذه وأمرّ يده علي ظهره وعينيه، وأدخل لسانه في فمه، وأذّن في اُذنه اليمني، وأقام في الاُخري، ثمّ قال: يا عمّة، اذهبي به إلي اُمّه، فذهبت به وردّته إلي اُمّه.
قالت حکيمة: ثمّ جئت من بيتي إلي أبي محمّد الحسن العسکري (رضي الله عنه) فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر، وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي، فقلت: سيّدي، هل عندک من علم في هذا المولود المبارک، فتلقّيته إليّ، فقال: أي عمّة، هذا المنتظر، هذا الذي بشّرنا به، قالت حکيمة: فخررت لله تعالي ساجدة شکراً علي ذلک.
الهوامش:
(1) تذکرة الخواصّ: 363، المجالس السنيّة 5: 718 ـ 720، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 84 ـ 85، منتخب الاثر: 323.
(2) اليواقيت والجواهر 2: 143، مطبعة المصطفي البابي الحلبي بمصر ـ 1378 هـ.
(3) القلم: 4.
(4) المجالس السنيّة 5: 720 ـ 724، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 86 ـ 89.
(5) القصص: 28 / 5.
(6) المجالس السنيّة 5: 724 ـ 728، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 89 ـ 92، منتخب الاثر: 323.
(7) إلزام الناصب 2: 107.
(8) المجالس السنيّة 5: 729 ـ 730، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 93، إحقاق الحقّ 19: 636 ـ عن اليواقيت والجواهر: 143، طبعة عبد الحميد أحمد حنفي ـ مصر.
(9) المجالس السنيّة 5: 730 ـ 731، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 93 ـ 94، منتخب الاثر: 322.
******************
قالت: ثمّ کنت أتردّد إلي أبي محمّد الحسن العسکري فلا أري المولود، فقلت له يوماً: يا مولاي، ما فعل سيّدنا ومنتظرنا؟ قال: استودعناه الذي استودعته اُمّ موسي (عليه السلام) ابنها.
وذکر في حاشية الکتاب حکاية المعتضد العباسي المتقدمة عن الجامي في (شواهد النبوّة)، وبعض علامات قيام المهدي (عليه السلام)، وقال: والاخبار في ذلک أکثر من أن تحصي، ومناقب المهدي (رضي الله عنه) صاحب الزمان الغائب عن الاعيان الموجود في کلّ زمان کثيرة، وقد تظاهرت الاخبار علي ظهوره وإشراق نوره، يجدّد الشريعة المحمّدية، ويجاهد في الله حقّ جهاده، ويطهّر من الادناس أقطار بلاده، زمانه زمان المتّقين، وأصحابه خلصوا من الريب، وسلموا من العيب، وأخذوا بهديه وطريقه، واهتدوا من الحقّ إلي تحقيقه، به ختمت الخلافة والامامة، وهو الامام من لدن مات أبوه إلي يوم القيامة وعيسي (عليه السلام) يصلّي خلفه، ويصدقه علي دعواه إلي ملّته التي هو عليها، والنبيّ (صلي الله عليه وآله) صاحب الملّة.(1)
العارف عبدالرحمن الصوفي
العاشر - العارف عبد الرحمن من مشايخ الصوفية، صاحب کتاب (مرآة الاسرار):
وهو الذي ينقل عنه الشاه وليّ الله الهندي الدهلوي، والد الشاه صاحب عبد العزيز صاحب (التحفة الاثني عشرية) وکتاب (الانتباه) علي ما قيل.
قال العارف عبد الرحمن في کتابه (مرآة الاسرار) ما ترجمته: ذکر من هو شمس الدين والدولة وهادي جميع الملّة القائم في المقام المطهّر الاحمدي الامام بالحقّ أبو القاسم محمّد بن الحسن المهدي (رضي الله عنه)، وهو الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، اُمّه اُمّ ولد اسمها نرجس، ولادته ليلة الجمعة خامس عشر شهر شعبان سنة 255 هـ. وعلي رواية (شواهد النبوّة) في 23 من شهر رمضان سنة 258 هـ، في سرّ من رأي المعروفة بسامرة.
وهذا الامام الثاني عشر موافق في الکنية والاسم لحضرة ملجأ الرسالة (عليه السلام)، ألقابه الشريفة: المهدي، والحجّة، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وخاتم الاثني عشر، وکان عمره حين وفاة والده الامام حسن العسکري (عليه السلام) خمس سنين، وجلس علي مسند الامامة، وکما أعطي الحقّ تعالي يحيي بن زکريا (عليهما السلام) الحکمة والکرامة في حال الطفوليّة، وأوصل عيسي بن مريم إلي المرتبة العالية في زمن الصبا، کذلک هو في صغر السنّ جعله الله إماماً وخوارق العادات الظاهرة له ليست قليلة بحيث يسعها هذا المختصر.
وروي ملاّ عبد الرحمن الجامي عن حکيمة اُخت الامام علي النقي، وذکر ما تقدّم عن (شواهد النبوّة).
ثمّ حکي عن محيي الدين بن العربي في الباب 368 من (الفتوحات المکية) ما تقدّم نقله، وقال: إنّه بيّن في ذلک المحلّ من الکتاب المذکور أحوال الامام المهدي (عليه السلام) مفصّلة، فمن أرادها فليطالعها هناک.
ثمّ قال: وذکر مولانا عبد الرحمن الجامي الصوفي الشافعي المذهب تمام أحوال الامام محمّد بن الحسن العسکري وکمالاته وکيفيّة ولادته واختفائه مفصّلة في کتاب (شواهد النبوّة) علي الوجه الاکمل مرويّة عن أئمة أهل بيت العترة وأرباب السيرة.
قال: وذکر صاحب کتاب (المقصد الاقصي) أنّ حضرة الشيخ سعد الدين الحموي خليفة نجم الدين صنّف کتاباً في حقّ الامام المهدي، وذکر أشياء کثيرة في حقّه بحيث لا يمکن لاحد الاتيان بمثل ما أتي به من الاقوال والتصرّفات.
قال: وحيث يظهر المهدي يجعل الولاية المطلقة ظاهرة بلا خفاء، ويرفع اختلاف المذاهب والظلم وسوء الاخلاق حيث وردت أوصافه الحميدة في الاحاديث النبويّة أنّه في آخر الزمان يظهر ظهوراً تاماً، ويطهّر تمام الربع المسکون من الظلم والجور، ويظهر مذهب واحد.
وبوجه الاجمال إذا کان الدجّال القبيح الافعال قد وجد وظهر وبقي حيّاً مخفيّاً، وکذلک عيسي (عليه السلام) وجد واختفي عن الخلق، فابن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذا اختفي عن نظر العوام وظهر جهاراً في وقته المعيّن له بمقتضي التقدير الالهي مثل عيسي والدجّال، فليس ذلک بعجيب من أقوال جماعة من الاکابر وأئمة أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإنکار ذلک من باب التعصّب، ليس فيه کثير ضرر.(2)
الشيخ حسن العراقي
الحادي عشر - الشيخ حسن العراقي:
قال الشعراني في (الطبقات الکبري) المسمّـاة بلواقح الانوار في طبقات الاخيار، في الجزء الثاني منه: ومنهم العارف بالله سيّدي حسن العراقي (رحمه الله تعالي)، المدفون بالکوم خارج باب الشريعة بالقرب من برکة الرطلي وجامع البشري، تردّدت إليه مع سيّدي أبي العباس الحريثي، وقال: اُريد أن أحکي لک حکايتي من مبتدأ أمري إلي وقتي هذا، کأ نّک کنت رفيقي من الصغر.
کنت شاباً من دمشق، وکنت صانعاً، وکنّا نجتمع يوماً في الجمعة علي اللهو واللعب والخمر، فجاء لي التنبيه من الله تعالي يوماً: ألهذا خُلِقت؟ فترکت ما هم فيه وهربت منهم، فتبعوا ورائي، فلم يُدرِکوني، فدخلت جامع بني اُميّة، فوجدت شخصاً يتکلّم علي الکرسي في شأن المهدي (عليه السلام)، فاشتقت إلي لقائه، فصرت لا أسجد سجدة إلاّ وسألت الله تعالي أن يجمعني إليه، فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب اُصلّي صلاة السنّة إذا بشخص جلس خلفي وحسّ علي کتفي وقال لي: قد استجاب الله دعاءک، يا ولدي ما لک؟ أنا المهدي.
فقلت: تذهب معي إلي الدار؟ فذهب، وقال: أخلِ لي مکاناً أتفرّد فيه، فأخليت له مکاناً، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها، ولقّنني الذکر، وقال: اُعلّمک وردي تدوم عليه إن شاء الله تعالي، تصوم يوماً وتفطر يوماً، وتصلّي کلّ ليلة خمسمائة رکعة، وکنت شابّاً أمرد حسن الصورة، فکان يقول: لا تجلس قطّ إلاّ ورائي، وکانت عمامته کعمامة العجم، وعليه جبّة من وبر الجمال، فلمّـا انقضت السبعة أيام خرج فودّعته، وقال لي: حسن ما وقع لي قطّ مع أحد ما وقع معک، فدم علي وردک حتّي تعجز، فإنّک تعمّر عمراً طويلاً.
وقد تقدّم قول الشعراني أنّ حسن العراقي أخبره أنّه سأل المهدي عن عمره لمّـا اجتمع به، وإن علياً الخوّاص وافقه علي عمر المهدي، وبالغ الشعراني في طبقاته في الثناء علي عليّ الخوّاص وتعداد مناقبه حتّي أنّه قال: إنّه کان اُمّياً، وکان يتکلّم علي معاني الکتاب والسنّة کلاماً تحيّر فيه العلماء، وکان محلّ کشفه اللوح المحفوظ عن المحو والاثبات، فإذا قال قولاً لا بدّ أن يقع علي الصفة التي قال، بل کان يخبر الشخص بواقعته التي أتي لاجلها قبل أن يتکلّم، إلي غير ذلک.
قال السيّد محسن الامين (رحمه الله): إنّا وإن کنّا لا نعلم صحّة جميع ما ادّعي من مشاهدة بعض مشايخ الصوفيّة لصاحب الزمان (عليه السلام)، بل نعلم أنّ بعض ما ادّعوه من ذلک هو من جملة خرافاتهم وتمويهاتهم، إلاّ أنّا أوردنا ذلک حجّة علي من يستنکر ويستبعد وجود صاحب الزمان (عليه السلام) وغيبته، بل ينسب الامامية في اعتقادهم ذلک إلي الحمق، حتّي قال بعضهم: إنّهم عارٌ علي بني آدم، وقال آخر: إنّ من أوصي إلي أحمق الناس صرف إلي من يقول بغيبة المهدي... ومع ذلک لا يستنکر ولا يستعظم أن يکون الشيخ علي الخوّاص وهو اُمّي ينکشف له اللوح المحفوظ عن المحو والاثبات، ويخبر بما في النفوس ويطّلع علي الغيب، والشيخ محيي الدين بن العربي يجتمع بالانبياء والمرسلين في مکّة المکرّمة ويخاطبهم ويخاطبونه ويطوف بالکعبة وتطوف به حقيقة وتتکلّم ابنته في المهد، کما حکي ذلک کلّه الشعراني في (اليواقيت والجواهر) عن (الفتوحات المکية)، ويعتقد لامثال هؤلاء أعظم الکرامات ومع ذلک فهو ينسب الامامية إلي الحمق باعتقاد ما يعتقده هؤلاء، ويخبرون به عن أنفسهم من وجود صاحب الزمان والاجتماع به، ليس هذا بإنصاف.(3)
احمد بن ابراهيم البلاذري
الثاني عشر - أبو محمّد أحمد بن إبراهيم البلاذري:
قال السمعاني في (الانساب الکبير): إنّ المشهور بهذا الانتساب أبو محمّد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري الحافظ، کان حافظاً فهماً عارفاً بالحديث.
ثمّ عدّ جماعة ممّن سمع منهم، ثمّ قال: وأبو محمّد الواعظ الطوسي المذکور، کان واحد عصره في الحفظ والوعظ، ومن أحسن الناس عشرةً، وأکثرهم فائدةً.
إلي أن قال: وکان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجالسه، ويفرحون بما يذکره علي الملا من الاسانيد، ولم أرهم غمزوه قطّ في إسناد أو اسم أو حديث، وکتب بمکّة عن إمام أهل البيت (عليهم السلام) أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسي الرضا (عليه السلام).
إلي أن قال: قال الحاکم: استشهد بالطاهران سنة 339 هـ، انتهي.
والبلاذري المذکور روي حديثاً عن المهدي (عليه السلام) مشافهةً من جملة الاحاديث المسلسلة، والحديث المسلسل: هو ما تتابع فيه رجال الاسناد علي صفة واحدة أو حالة واحدة.
هذا الحديث ذکره الشاه وليّ الله الدهلوي والد عبد العزيز المعروف بشاه صاحب مؤلف (التحفة الاثني عشرية في الردّ علي الاماميّة) الذي وصفه ولده المذکور علي ما حکي عنه بخاتم العارفين وقاصم المخالفين، سيّد المحدّثين سند المتکلّمين المشهور بالفضل المبين حجّة الله علي العالمين، إلي آخر ما ذکره.
قال الشاه ولي المذکور في کتاب (النزهة) علي ما حکي عنه: إنّ الوالد روي في کتاب (المسلسلات) قلت: شافهني ابن عقلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته، ووجدت في مسلسلاته حديثاً مسلسلاً بانفراد کلّ راو من رواته بصفة عظيمة تفرّد بها.
قال (رحمه الله): أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي، أخبرنا حافظ عصره جمال الدين الباهلي، أخبرنا مسند وقته محمّد الحجازي الواعظ، أخبرنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، أخبرنا مجتهد عصره الجلال السيوطي، أخبرنا حافظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي، أخبرنا مقري زمانه الشمس محمّد بن الجزري، أخبرنا جمال الدين محمّد بن محمّد الجمال زاهد عصره، أخبرنا الامام محمّد ابن مسعود محدّث بلاد فارس في زمانه، أخبرنا شيخنا إسماعيل بن مظفّر الشيرازي عالم وقته، أخبرنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدّث زمانه، أخبرنا أبو بکر عبد الله بن محمّد بن شابور القلانسي شيخ عصره، أخبرنا عبد العزيز، حدّثنا محمّد الادمي إمام أوانه، أخبرنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد بن سليمان نادرة عصره، حدّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم(4) البلاذري حافظ زمانه، حدّثنا محمّد بن الحسن بن علي المحجوب إمام عصره، حدّثنا الحسن بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي جدّه عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام)، حدّثنا موسي الکاظم، حدّثنا أبي جعفر الصادق، حدّثنا أبي محمّد الباقر، حدّثنا أبي علي بن الحسين زين العابدين السجّاد، حدّثنا أبي الحسين سيّد الشهداء، حدّثنا أبي عليّ بن أبي طالب سيّد الاولياء، أخبرنا سيّد الانبياء محمّد بن عبد الله (صلي الله عليه وآله)، أخبرني جبرئيل سيّد الملائکة، قال: قال الله تعالي سيّد السادات: إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا، من أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي.
قال الشمس بن الجزري - أحد سلسلة السند -: کذا وقع هذا الحديث من المسلسلات السعيدة، والعهدة فيه علي البلاذري.
وعن الشاه ولي المذکور أيضاً في رسالة (النوادر) من حديث سيّد الاوائل والاواخر ما لفظه: حديث محمّد بن الحسن (عليه السلام) الذي يعتقد الشيعة أنّه المهدي عن آبائه الکرام، وجد في مسلسلات الشيخ محمّد بن عقلة المکّي، عن الحسن العجمي.
وفي تأريخ الجبرتي في حوادث ذي الحجّة سنة 1215 هـ في ترجمة الشيخ عبد العليم المالکي أنّه سمع علي الشيخ علي الصعيدي جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات ابن عقلة، انتهي، وهو يدلّ علي أنّ کتاب مسلسلات ابن عقلة الذي فيه الحديث المذکور من الکتب المشهورة.(5)
عبدالله بن احمد بن الخشاب
الثالث عشر - أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن الخشّاب:
وهو عالم معروف، قال ابن خلکان: إنّه العالم المشهور في الادب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب وحفظ القرآن العزيز بالقراءات الکثيرة.
قال: وکان متضلّعاً من العلوم، وله فيها اليد الطولي.
وبالغ السيوطي في (طبقات النحاة) في الثناء عليه، وقال: کان ثقةً في الحديث، صدوقاً نبيلاً حجّة. وکتابه (تواريخ مواليد الائمة ووفياتهم) معروف مشهور ينقل عنه مشاهير العلماء. روي فيه بسنده عن الرضا (عليه السلام): الخلف الصالح من ولد أبي محمّد الحسن بن علي، وهو صاحب الزمان، وهو المهدي.
وبسنده عن جعفر بن محمّد (عليه السلام): الخلف الصالح من ولدي هو المهدي، اسمه محمّد، وکنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لاُمّه: صقيل.
قال لنا أبو بکر الذارع: وفي رواية اُخري: بل اُمّه حکيمة، وفي رواية ثالثة: نرجس، ويقال: بل سوسن، وروي بسنده عن بعض أصحاب التأريخ: إنّ اُمّ المنتظر يقال لها حکيمة، والله أعلم بذلک.
قال: وهو ذو الاسمين: الخلف ومحمّد، يظهر في آخر الزمان علي رأسه غمامة تظلّه من الشمس، تدور معه حيثما دار، تنادي بصوت فصيح: هذا هو المهدي.(6)
الفضل بن روزبهان
الرابع عشر - القاضي الفضل بن روزبهان، شارح الشمائل للترمذي، المتوفّي سنة 909 هـ:
وهو صاحب کتاب (إبطال نهج الباطل) في ردّ کتاب (کشف الحقّ ومنهج الصدق) للعلاّمة الحلّي (رحمه الله)، وقد ردّ عليه السيّد الشهيد نور الله بن شريف المرعشي الحسيني في کتابه (إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل) نُصرةً للعلاّمة الحلّي (رحمه الله).
قال القاضي فضل بن روزبهان في المسألة الخامسة من القسم الثالث في شرح قول العلاّمة (رحمه الله): (المطلب الثاني في زوجته وأولاده (عليه السلام)... إلي آخره) ما هذا لفظه: أقول: ما ذکر من فضائل فاطمة صلوات الله علي أبيها وعليها وعلي سائر آل محمّد والسلام، أمرٌ لا ينکر، فإنّ الانکار علي البحر برحمته، وعلي البرّ بسعته، وعلي الشمس بنورها، وعلي الانوار بظهورها، وعلي السحاب بجوده، وعلي الملک بسجوده، إنکار لا يزيد المنکر إلاّ الاستهزاء به، ومن هو قادر علي أن ينکر جماعة هم أهل السداد وخزّان معدن النبوّة وحفّاظ آداب الفتوّة صلوات الله وسلامه عليهم، ونعم ما قلت فيهم منظوماً ; وذکر القصيدة، وقد أورد فيها أسماء الائمة الاثني عشر المعصومين (عليهم السلام)، وذکر فيها الامام المهدي (عليه السلام) وکونه الامام الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّه المهدي الموعود الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً.
وهذا نص قصيدته:
سلامٌ علي المصطفي المجتبي
سلامٌ علي ستّنا فاطمة
سلامٌ علي المسک أنفاسه
سلامٌ علي الاورعيّ الحسين
سلامٌ علي سيّد العابدين
سلامٌ علي الباقر المهتدي
سلامٌ علي الکاظم الممتحن
سلامٌ علي الثامن المؤتمن
سلامٌ علي المتّقي التقيّ
سلامٌ علي الاريحيّ النقيّ
سلامٌ علي السيّد العسکري
سلامٌ علي القائم المنتظر
سيطلع کالشمس في غاسق
قويّ يملا الارض من عدله
سلامٌ عليه وآبائه سلامٌ علي السيّد المرتضي
من اختارها الله خيراً النسا
علي الحسن الالمعيّ الرضا
شهيد يري جسمه کربلا
عليّ بن الحسين المجتبي
سلامٌ علي الصادق المقتدي
رضيّ السجايا إمام التقي
عليّ الرضا سيّد الاصفيا
محمّد الطيّب المرتجي
عليّ المکرّم هادي الوري
إمام يجهّز جيش الصفا
أبي القاسم العرم نور الهدي
ينجيه من سيفه المنتضي
کما ملئت جور أهل الهوي
وأنصاره ما تدوم السما (7)
شمس الدين محمد بن طولون الحنفي
الخامس عشر - شمس الدين محمّد بن طولون الحنفي، مؤرّخ دمشق، المتوفّي سنة 953 هـ:
قال في کتابه (الائمة الاثنا عشر) في ذکر الامام المهدي (عليه السلام): کانت ولادته (رضي الله عنه) يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة 255 هـ، ولمّـا توفّي أبوه کان عمره خمس سنين.
وقد نظم اُرجوزة في الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) ذکر فيها الامام المهدي (عليه السلام)
وذکرها في آخر کتابه، جاء فيها:
عليک بالائمة الاثني عشر
أبو تراب حسن حسين
محمّد الباقر کم علم دري
موسي هو الکاظم وابنه علي
محمّد التقيّ قلبه معمور
والعسکري الحسن المطهّر من آل بيت المصطفي خير البشر
وبُغض زين العابدين شين
والصادق ادعُ جعفراً بين الوري
لقبه بالرضا وقدره عليّ
عليّ النقيّ درّهُ منثور
محمّد المهدي سوف يظهر(8)
احمد بن يوسف القرماني
السادس عشر - أحمد بن يوسف، أبو العباس القرماني الحنفي، المتوفّي سنة 1019 هـ:
قال في الفصل الحادي عشر من کتابه (أخبار الدُوَل وآثار الاُوَل): في ذکر أبي القاسم محمّد الحجّة الخلف الصالح، وکان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، أتاه الله فيها الحکمة کما اُوتيها يحيي (عليه السلام) صبيّاً، وکان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقني الانف، أجلي الجبهة.
إلي أن قال: واتّفق العلماء علي أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الاخبار علي ظهوره، وتظاهرت الروايات علي إشراق نوره، وستسفر ظلمة الايام والليالي بسفوره، وينجلي برؤيته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الافاق، فيکون أضوأ من البدر المنير في مسيره.(9)
سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي
السابع عشر - العلاّمة سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي، المتوفّي سنة 1294 هـ:
نقل القندوزي الکثير من الروايات والاقوال عن ولادة الامام المهدي (عليه السلام) وغيبته(10)، واحتجاجاته في هذا الباب کثيرة جدّاً، وقال في الفصل (79) من کتابه (ينابيع المودّة): فالخبر المعلوم المحقّق عند الثقات أنّ ولادة القائم (عليه السلام) کانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة 255 هـ في بلدة سامراء.(11)
الهوامش:
(1) المجالس السنيّة 5: 731 ـ 734، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 94 ـ 96، منتخب الاثر: 332.
(2) المجالس السنيّة 5: 735 ـ 736، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 97 ـ 98، منتخب الاثر: 334.
(3) المجالس السنيّة 5: 737 ـ 739، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 98 ـ 100.
(4) کذا، والظاهر أنّ الصواب: أبو محمّد أحمد بن إبراهيم، کما تقدّم.
(5) المجالس السنيّة 5: 739 ـ 741، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 100 ـ 102.
(6) المجالس السنيّة 5: 742 ـ 743، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 102، منتخب الاثر: 328، إلزام الناصب 1: 329.
(7) دلائل الصدق 2: 574 ـ 575، المبحث الخامس، عن کتاب إبطال نهج الباطل، منتخب الاثر: 328، إلزام الناصب 1: 332.
(8) الائمة الاثنا عشر: 117 ـ 118.
(9) أخبار الدول وآثار الاُول: 353 ـ 354، الفصل 11.
(10) راجع إحقاق الحقّ 19: 641 ـ 644.
(11) ينابيع المودّة 3: 114، آخر الباب 79.
******************
احمد بن حجر الهيتمي المکي الشافعي
الثامن عشر - الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي المکّي الشافعي، المتوفّي سنة 974 هـ:
قال في کتاب (الصواعق المحرقة): الاية الثانية عشرة، قوله تعالي: (وَإنَّهُ لَعِلْمٌ السَّاعَةِ)، قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين: إنّ هذه الاية نزلت في المهدي. وسيأتي التصريح بأنّه من أهل البيت النبويّ، ففي الاية دلالة علي البرکة في نسل فاطمة وعليّ (عليهما السلام)، وأنّ الله يخرج منهما کثيراً طيّباً، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحکمة ومعادن الرحمة وسرّ ذلک أنّه تعالي أعاذها وذرّيتها من الشيطان الرجيم.
ودعا لعليّ (عليه السلام) بمثل ذلک، ثمّ ذکر في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصه: أبو محمّد الحسن الخالص، وجعل ابن خلکان هذا هو العسکري، ولد سنة 232 هـ... ومات بسرّ من رأي، ودفن عند ابيه وعمّه، وعمره 28 سنة، ويقال: إنّه سُمّ أيضاً، ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لکن أتاه الله فيها الحکمة، ويسمّي القائم المنتظر، قيل: لأنّه سُيّر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب.(1)
سعد الدين الحموي
التاسع عشر - الشيخ سعد الدين محمّد بن المؤيّد بن أبي الحسين بن محمّد بن حمويه، المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي:
وقد صنّف کتاباً مفرداً في أحوال صاحب الزمان (عليه السلام)، وقد وافق فيه الاماميّة، کما نقل عن عبد الرحمن الجامي في (مرآة الاسرار) عن صاحب (المقصد الاقصي).
ونقل عن صاحب (العقائد النسفيّة) أنّ سعد الدين هذا قد صرّح بإمامة المهدي (عليه السلام)، وأنّه صاحب الزمان، وأنّه آخر الاولياء الاثني عشر، وأنّه ليس هناک أزيد من هؤلاء الائمة، وأنّ الله تعالي جعلهم في دين محمّد نوّابه (العلماء ورثة الانبياء) قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حقّهم، وکذا قوله: (علماء اُمّتي کأنبياء بني إسرائيل)، قاله في حقّهم.(2)
ابوالمجد الدهلوي البخاري
العشرون - أبو المجد عبد الحقّ الدهلوي البخاري، المتوفّي سنة 1052 هـ:
صاحب التصانيف الکثيرة حتّي نقل أنّ تصنيفاته بلغت مائة مجلّد، وله رسالة في مناقب وأحوال الائمة (عليهم السلام)، کما نقل عنه في (کشف الاستار)، أنّه قال فيها: وأبو محمّد الحسن العسکري، ولده محمّد (رضي الله عنهما)، معلومٌ عند خواصّ أصحابه وثقاته، ثمّ نقل قصّة الولادة بالفارسيّة.(3)
صلاح الدين الصفدي
الحادي والعشرون - الشيخ صلاح الدين الصفدي، المتوفّي سنة 764 هـ:
نقل القندوزي في (ينابيع المودّة) عن (شرح الدائرة) للصفدي أنّه قال: إنّ المهدي الموعود هو الامام الثاني عشر من الائمة، أوّلهم سيّدنا عليّ، وآخرهم المهدي رضي الله عنهم.(4)
علي اکبر بن اسدالله المؤدي
الثاني والعشرون - المولي علي أکبر بن أسد الله المؤدّي:
وهو من متأخّري علماء الهند من العامّة، وله کتاب (المکاشفات) الذي جعله کالحواشي علي (نفحات الاُنس) للمولي عبد الرحمن الجامي.
وقد صرّح في (المکاشفات) في المبحث الحادي والثلاثين بإمامة الحجّة بن الحسن العسکري وآبائه وعصمتهم إلي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّه کان قطباً بعد أبيه الحسن العسکري (عليه السلام)، کما کان هو قطباً بعد أبيه عليّ الهادي (عليه السلام) وهکذا إلي الامام عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام).
وصرّح بکونه غائباً عن أعين العوامّ والخواصّ لا عن أعين أخصّ من الخواصّ، وصرّح بعصمة الائمة الاثني عشر.(5)
القاضي شهاب الدين ملک العلماء
الثالث والعشرون - القاضي شهاب الدين الهندي، المعروف بملک العلماء، المتوفّي سنة 849 هـ:
وهو صاحب التفسير المسمّي بـ (البحر الموّاج) بالفارسيّة و(مناقب السادات) بالفارسيّة أيضاً، وکتاب (المناقب) الموسوم بـ (هداية السعداء) وقد صرّح في هذا الکتاب علي ما حکي عنه في (النجم الثاقب) و(کشف الاستار) بإمامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) وأسمائهم، ونقل حديث اللوح، وقال في حقّ الحجّة ابن الحسن العسکري (عليه السلام): هو غائب، وله عمر طويل، کما عمّر بين المؤمنين عيسي وإلياس والخضر، وفي الکافرين الدجّال والسامري.(6)
القاضي جواد الساباطي
الرابع والعشرون - القاضي جواد الساباطي:
کان نصرانياً فأسلم، وصنّف کتاباً في الردّ علي النصاري اسمه (البراهين الساباطية) وقال فيه: قد اختلف المسلمون في المهدي (رضي الله عنه)، فقال أصحابنا أهل السنّة والجماعة: إنّه رجل من أولاد فاطمة، يکون اسمه محمّداً، واسم اُمّه آمنة. وقال الاماميّون: بل إنّه هو محمّد بن الحسن العسکري (رضي الله عنهما)، وکان قد ولد سنة 255 هـ من جارية للحسن العسکري (رضي الله عنه) اسمها نرجس في سرّ من رأي، بزمن المعتمد، ثمّ غاب سنة، ثمّ ظهر، ثمّ غاب، وهي الغيبة الکبري، ولا يؤوب بعدها إلاّ إذا شاء الله. ولمّـا کان قولهم أقرب بتناول هذا النص، وکان غرضي الذبّ عن ملّة محمّد (صلي الله عليه وآله) مع قطع النظر عن التعصّب في المذهب، ذکرت لک مطابقة ما يدّعيه الاماميون مع هذا النص.(7)
عبدالله بن محمد المطيري
الخامس والعشرون - الشيخ عبد الله بن محمّد المطيري المدني:
ذکر الامام المهدي (عليه السلام) في کتابه (الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبيّ(صلي الله عليه وآله) وعترته الطاهرة) وعدّ في هذا الکتاب الائمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، إلي أن قال: الحادي عشر ابنه الحسن العسکري (رضي الله عنه)، الثاني عشر: ابنه محمّد القائم المهدي (رضي الله عنه) وقد سبق النص عليه في ملّة الاسلام من النبيّ محمّد (صلي الله عليه وآله) ومن جدّه عليّ (رضي الله عنه) ومن بقيّة آبائه أهل الشرف والمراتب، وهو صاحب السيف، القائم المنتظر، کما ورد ذلک في صحيح الخبر، وله قبل قيامه غيبتان... إلي آخر ما قال.
قال الشيخ المحدّث النوري في کشف الاستار:
والنسخة التي عثرت عليها عتيقة، وکانت لمؤلّفها، وبخطّه علي ظهرها: کتاب (الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبيّ وعترته الطاهرة) تأليف الفقير إلي الله عبد الله بن محمّد المطيري شهرةً، المدني حالاً، الشافعي مذهباً، الاشعري اعتقاداً، والنقشبندي طريقة.(8)
محمد سراج الدين الرفاعي
السادس والعشرون - شيخ الاسلام أبو المعالي محمّد سراج الدين الرفاعي المخزومي:
قال في کتابه (صحاح الاخبار في نسب السادة الفاطمية الاخيار) في ترجمة أبي الحسن الهادي (عليه السلام): وأمّا الامام علي الهادي ابن الامام محمّد الجواد (عليه السلام)، ولقبه النقي والعالم والفقيه والامير والدليل والعسکري والنجيب... إلي أن قال: وکان له خمسة أولاد: الامام الحسن العسکري والحسين ومحمّد وجعفر وعائشة، فأمّا الحسن العسکري فأعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر وليّ الله الامام المهدي (عليه السلام).(9)
بهلول بهجت افندي
السابع والعشرون - القاضي المحقّق بهلول بهجت أفندي:
له کتاب (المحاکمة في تأريخ آل محمّد) بالترکية، وترجم إلي الفارسية، وهو کتاب جيّد حسن نافع، يبحث عن المواقع المهمّة في التأريخ، ويکشف عن کثير من الحجب التي جعلتها أيدي المتعصّبين وراء الحوادث التأريخية وغيرها، وقد صرّح في هذا الکتاب بإمامة الائمة الاثني عشر، وذکر بعض فضائلهم وأحوالهم، وذکر ولادة الامام الثاني عشر، وأنّه ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 هـ، وأنّ اسم اُمّه نرجس، وأنّ له غيبتين: الاُولي الصغري، والثانية الکبري، وصرّح ببقائه (عليه السلام)، وأنّه يظهر حين يأذن الله تعالي له بالظهور، فيملا الارض قسطاً وعدلاً، وقال: إنّ ظهوره أمرٌ اتّفق عليه المسلمون، فلا حاجة إلي ذکر الدلائل، ثمّ ذکر بعض کلمات الاعاظم في حقّه وبعض صفاته وعلاماته.(10)
ابوالفوز محمد امين السويدي
الثامن والعشرون - الشيخ النسّابة أبو الفوز محمّد أمين البغدادي السويدي:
وهو صاحب کتاب (سبائک الذهب في معرفة قبائل العرب) وقد ذکر فيه أسماء الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) وبعض فضائلهم ومناقبهم، وذکر الامام الحسن العسکري في الباب السادس من (سبائک الذهب) وقال: محمّد المهدي، وکان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وکان مربوع القامة حسن الوجه والشعر، أقني الانف، صبيح الوجه.(11)
الناصر لدين الله العباسي
التاسع والعشرون - الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله، الخليفة العباسي:
وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف، وجعل الصفّة التي فيه شبّاکاً من خشب صاج منقوش، عليه: بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ لا أسْألُکُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُرْبي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إنَّ اللهَ غَفورٌ شَکور)(12)، هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الامام المفترض الطاعة علي جميع الانام أبو العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين الذي طبق البلاد إحسانه وعدله، وعمّ البلاد رأفته وفضله، قرّب الله أوامره الشريفة باستمرار النجح والنشر، وناطها بالتأييد والنصر، وجعل لايامه المخلّدة حدّاً لا يکبو، ولارائه الممجّدة سعداً لا يخبو زناده في عزّ تخضع له الاقدار فيطيعه عواميها، وملک خشع له المملوک فيملکه نواصيها بتولّي المملوک معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلّدة ويتمنّي إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤيّدة، استجاب الله أدعيته وبلغه في أيامه الشريفة اُمنيته من سنة 606 هلاليّة، وحسبنا الله ونعم الوکيل، وصلّي الله علي سيّدنا خاتم النبيّين وعلي آله الطاهرين وعترته وسلّم تسليماً.
ونقش أيضاً في الخشب الساج داخل الصفّة في دائر الحائط: بسم الله الرحمن الرحيم، محمّد رسول الله، أمير المؤمنين عليّ وليّ الله، فاطمة، الحسن بن علي، الحسين بن علي، عليّ بن الحسين، محمّد بن علي، جعفر بن محمّد، موسي بن جعفر، عليّ بن موسي، محمّد بن عليّ، عليّ بن محمّد، الحسن بن عليّ، القائم بالحقّ (عجّل الله فرجه). هذا عمل عليّ بن محمّد ولي آل محمّد (رحمه الله).
ولولا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلي المهدي (عليه السلام) وبکونه محلّ ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز کرامته لامکان إقامته في طول غيبته کما نسبه بعض من لا خبرة له إلي الامامية وليس في کتبهم قديماً وحديثاً منه أثر أصلاً، لما أمر بعمارته وتزيينه، ولو کانت کلمات علماء عصره متّفقة علي نفيه وعدم ولادته لکان إقدامه عليه بحسب العادة صعباً أو ممتنعاً.(13)
جلال الدين السيوطي
الثلاثون - الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي:
حکي في (إلزام الناصب) عن عبد الله بن محمّد المطيري، عن جلال الدين السيوطي في رسالة (إحياء الميت بفضائل أهل البيت) أنّ من ذرّية الحسين بن علي المهدي المبعوث في آخر الزمان.
إلي أن قال: وجميع نسل الحسين (عليه السلام) وذرّيته يعودون إلي إمام الائمة المحقّق المجمع علي جلالته وغزارة علمه وزهده وورعه وکماله سلالة الانبياء والمرسلين وسلالة خير المخلوقين زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام).
إلي أن قال: فالامام الاوّل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)... وساق أسامي الائمة (عليهم السلام)، ثمّ قال: الحادي عشر ابنه الحسن العسکري، الثاني عشر ابنه محمّد القائم المهدي، وقد سبق النص عليه في ملّة الاسلام من النبيّ محمّد (صلي الله عليه وآله) وکذا من جدّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بقيّة آبائه أهل الشرف والمراتب، وهو صاحب السيف القائم المنتظر.(14)
المولوي محمد مبين الهندي الحنفي
الحادي والثلاثون - العلاّمة المولوي محمّد مبين الهندي الحنفي:
روي في (وسيلة النجاة) عن أبي محمّد العسکري أنّه سأله رجل عن الامام والخليفة من بعده، فدخل البيت فأخرج طفلاً کأنّ وجهه کالبدر، فقال: لو لم يکن لک عند الله کرامة لما أريتک. ثمّ قال: إنّ اسمه اسم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وکنيته کنيته، وهو الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.(15)
نجم الدين الشافعي
الثاني والثلاثون - العلاّمة نجم الدين الشافعي:
قال في القسم الثاني من کتابه (منال الطالب): في ذکر المعاني التي ذکر اختصاصهم بها، وهي الامامة الثابتة لکلّ واحد منهم، وکون عددهم مختصراً في اثني عشر إماماً، فأمّا ثبوت الامامة لکلّ واحد منهم، فإنّه حصل ذلک لکلّ واحد من قبله، فحصلت للحسن التقي (عليه السلام) من أبيه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وحصلت بعده لاخيه الحسين الزکي منه، وحصلت بعد الحسين لابنه عليّ زين العابدين منه، وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر، وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منه، وحصلت بعد الصادق لولده موسي الکاظم منه، وحصلت بعد الکاظم لولده عليّ الرضا منه، وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع (الجواد) منه، وحصلت بعد القانع لولده عليّ المتوکّل (الهادي) منه، وحصلت بعد المتوکّل لولده الحسن الخالص (العسکري) منه، وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجّة المهدي منه، وأمّا ثبوتها لامير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فمستقصي علي أکمل الوجوه في کتب الاُصول، فلا حاجة إلي بسط القول فيه في هذا الکتاب.(16)
سراج الدين الرفاعي المخزومي
الثالث والثلاثون - العلاّمة سراج الدين بن السيّد عبد الله الرفاعي المخزومي:
قال في (صحاح الاخبار): وکان له - أي للامام الهادي (عليه السلام) - خمسة أولاد: الامام الحسن العسکري، والحسين، ومحمّد، وجعفر، وعائشة، فالحسن العسکري أعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر وليّ الله محمّد المهدي.(17)
عبدالملک العصامي المکي
الرابع والثلاثون - المؤرّخ عبد الملک العصامي المکّي:
قال في الامام الحجّة (عليه السلام): وهو الامام محمّد المهدي بن الحسن العسکري بن علي النقي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين).
ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255 هـ، وقيل: سنة 256 هـ وهو الصحيح.(18) اُمّه اُمّ ولد اسمها صقيل، وقيل: سوسن، وقيل: نرجس، کنيته أبو القاسم، ألقابه: الحجّة، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، والمهدي وهو أشهرها.
صفته: شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقني الانف، أجلي الجبهة، ولمّـا توفّي أبوه کان عمره خمس سنين.(19)
محمود بن وهيب البغدادي الحنفي
الخامس والثلاثون - محمود بن وهيب القراغولي البغدادي الحنفي:
قال في المجلس الثلاثين من کتابه: في فضائل محمّد المهدي (رضي الله عنه)، هو محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم).
اُمّه اُمّ ولد يقال لها نرجس، وقيل: صقيل، وقيل غير ذلک، وکنيته أبو القاسم، وألقابه: المهدي، والقائم والمنتظر، وصاحب الزمان، والحجّة عند الاماميّة.
وصفته: شاب مربوع القامة حسن الوجه، وهو آخر الائمة الاثني عشر علي ما ذهب إليه الامامية، ولد (رضي الله عنه) بسرّ من رأي سنة 255 هـ.(20)
محمد بن الشحنة
السادس والثلاثون - العلاّمة أبو الوليد محمّد بن الشحنة:
قال في ترجمة الامام الحسن العسکري (عليه السلام): وولد لهذا الحسن ولده المنتظر، ثاني عشرهم، ويقال له: المهدي والقائم والحجّة محمّد، ولد في سنة 255 هـ، إلي آخر کلامه.(21)
شهاب الدين ياقوت الحموي
السابع والثلاثون - العلاّمة شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي:
قال في (معجم البلدان): منهم عليّ بن محمّد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم). يکنّي أبا الحسن الهادي، ولد بالمدينة ونقل إلي سامراء. وابنه الحسن بن علي، ولد بالمدينة أيضاً، ونقل إلي سامراء، فسميّا بالعسکريين لذلک، فأمّا عليّ فمات في رجب سنة 254 هـ ومقامه بسامراء عشرين سنة، وأمّا الحسن فمات بسامراء سنة 260 هـ، ودفنا بسامراء، وقبورهما مشهورة هناک، ولولدهما المنتظر هناک مشاهد معروفة.(22)
الهوامش:
(1) الصواعق المحرقة: 207، إلزام الناصب 1: 336.
(2) منتخب الاثر: 329.
(3) منتخب الاثر: 332، البرهان علي وجود صاحب الزمان: 75.
(4) ينابيع المودّة: 471، منتخب الاثر: 334.
(5) منتخب الاثر: 334.
(6) منتخب الاثر: 335، إلزام الناصب 1: 329 و2: 108.
(7) کشف الاستار: 53، منتخب الاثر: 336.
(8) منتخب الاثر: 336.
(9) منتخب الاثر: 337، إلزام الناصب 1: 336.
(10) منتخب الاثر: 337.
(11) سبائک الذهب: 78، منتخب الاثر: 338.
(12) الشوري: 42: 23.
(13) إلزام الناصب 1: 333، منتخب الاثر: 339.
(14) إلزام الناصب 1: 336 و2: 109، منتخب الاثر: 340.
(15) إحقاق الحقّ 19: 635، عن وسيلة النجاة: 418، مطبعة کلشن فيض ـ الهند.
(16) إحقاق الحقّ 19: 635 ـ 636.
(17) إحقاق الحقّ 19: 636 ـ عن صحاح الاخبار: 55 طبعة بومبي ـ 1306.
(18) بل المشهور الاوّل، أي سنة 255 منتصف شعبان.
(19) الامام المهدي (عليه السلام) / علي محمّد دخيل: 293 عن سمط النجوم العوالي 4: 138.
(20) الامام المهدي (عليه السلام) / علي محمّد دخيل: 297 عن جوهرة الکلام: 157.
(21) الامام المهدي (عليه السلام) / علي محمّد دخيل: 301 عن روضة المناظر في هامش الکامل لابن الاثير 11: 180.
(22) الامام المهدي (عليه السلام) / علي محمّد دخيل: 307 عن معجم البلدان 6: 175.
******************
المعترفون بولادته من العامّة
وهذه الطائفة من علماء العامّة الذين أقرّوا بولادة الامام المهدي (عليه السلام) ودوّنوا ذلک في تواريخهم منذ عصر الغيبة الصغري (260 - 329 هـ) إلي وقتنا الحاضر.(1)
إلاّ أنّ الاعلام الذين سنذکرهم في هذه الطائفة لم يصرّحو بکونه (عليه السلام) الامام الموعود بظهوره في آخر الزمان، بل نقلوا ذلک عن الشيعة، أمّا الذين ذکرناهم في الطائفة الاُولي فقد أقرّوا بولادته وبکونه (عليه السلام) الامام المنتظر الذي سيملا الارض قسطاً وعدلاً.
وفي ما يلي نذکر نخبة من هؤلاء الاعلام:
ابن الاثير الجزري
1- ابن الاثير الجزري، المتوفّي سنة 630 هـ، قال في حوادث سنة 260 هـ من کتابه (الکامل في التأريخ): وفيها توفّي أبو محمّد العلوي العسکري، وهو أحد الائمة الاثني عشر علي مذهب الامامية، وهو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظر.(2)
احمد بن خلکان
2- القاضي أحمد بن خلّکان، المتوفّي سنة 681 هـ، قال في وفيات الاعيان: أبو القاسم محمّد بن الحسن العسکري بن علي الهادي بن محمّد الجواد المذکور قبله، ثاني عشر الائمة الاثني عشر علي اعتقاد الاماميّة، المعروف بالحجّة، وهو الذي تزعم الشيعة أنّه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه کثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأي.
کانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255 هـ، ولمّـا توفّي أبوه کان عمره خمس سنين، واسم اُمّه خمط، وقيل: نرجس.
ثمّ نقل عن المؤرّخ الرحّالة ابن الازرق الفاروقي، المتوفّي سنة 577 هـ، أنّه قال في تأريخ ميافارقين: إنّ الحجّة المذکور ولد في تاسع شهر ربيع الاوّل سنة 258 هـ، وقيل: في ثامن من شعبان سنة 256 هـ وهو الاصحّ، وأنّه لمّـا دخل السرداب کان عمره أربع سنين، وقيل: خمس سنين، وقيل: إنّه دخل السرداب سنة 275 هـ، وعمره 17 سنة، والله أعلم أيّ ذلک کان، سلام الله ورحمته عليه.(3)
شمس الدين الذهبي
3- الحافظ شمس الدين الذهبي، المتوفّي سنة 748 هـ، ذکر ولادة الامام المهدي (عليه السلام) في عدّة مواضع من کتبه، منها:
قال في (العبر) في حوادث سنة 256: وفيها ولد محمّد بن الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم، الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجّة، وتلقّبه بالمهدي والمنتظر، وتلقّبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر.(4)
وقال في سير أعلام النبلاء: المنتظر الشريف أبو القاسم محمّد بن الحسن العسکري بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضي بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الشهيد بن الامام علي بن أبي طالب العلوي الحسيني، خاتمة الاثني عشر سيّداً.(5)
وقال في تأريخ دول الاسلام في الجزء الخاصّ بحوادث ووفيات سنة 251 - 260 هـ: الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسي بن جعفر الصادق، أبو محمّد الهاشمي الحسيني، أحد ائمة الشيعة الذي تدّعي الشيعة عصمتهم، ويقال له: الحسن العسکري، لکونه سکن سامراء، فإنّها يقال لها: العسکر، وهو والد منتظر الرافضة، توفّي إلي رضوان الله بسامراء في 8 ربيع الاوّل سنة 260 وله 29 سنة، ودفن إلي جانب والده.
وأمّا ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجّة فولد سنة 258 هـ، وقيل: سنة 256 هـ.(6)
ابن الوردي
4- ابن الوردي، المتوفّي سنة 749 هـ، قال في تأريخه: ولد محمّد بن الحسن الخالص سنة 255 هـ.(7)
الشبراوي الشافعي
5- الشبراوي الشافعي، المتوفّي سنة 1171 هـ، قال في کتابه (الاتحاف بحبّ الاشراف): الثاني عشر من الائمة أبو القاسم محمّد الحجّة الامام، قيل: هو المهدي المنتظر، ولد الامام محمّد الحجّة بن الامام الحسن الخالص رضي الله عنهما بسرّ من رأي ليلة النصف من شعبان سنة 255 قبل موت أبيه بخمس سنين، وکان أبوه قد أخفاه حين ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء، فإنّهم کانوا في ذلک الوقت يتطلّبون الهاشميين ويقصدونهم بالحبس والقتل ويريدون إعدامهم.
وکان الامام محمّد الحجّة يلقّب أيضاً بالمهدي والقائم والمنتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي، ولذلک ذهبت الشيعة إلي أنّه الذي صحّت الاحاديث بأنّه يظهر آخر الزمان.(8)
مؤمن بن حسن الشبلنجي
6- السيّد مؤمن بن حسن الشبلنجي، المتوفّي سنة 1308 هـ، قال في الباب الثاني من کتابه (نور الابصار): فصل في ذکر مناقب محمّد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم).
اُمّه اُمّ ولد يقال لها نرجس، وقيل: صقيل، وقيل: سوسن، وکنيته أبو القاسم، ولقّبه الاماميّة بالحجّة والمهدي والخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان وأشهرها المهدي.
صفته (رضي الله عنه): شابّ مربوع القامة حسن الوجه والشعر، يسيل شعره علي منکبيه، أقني الانف، أجلي الجبهة، نوّابه: محمّد بن عثمان، معاصره: المعتمد.
کذا في (الفصول المهمّة)، وهو آخر الائمة الاثني عشر علي ما ذهب إليه الاماميّة(9)، ثمّ نقل کلام ابن الوردي في ولادته (عليه السلام) وقد قدّمناه.
خير الدين زرکلي
7- خير الدين الزرکلي، المتوفّي سنة 1399 هـ، قال في (الاعلام): محمّد بن الحسن العسکري الخالص بن علي الهادي، أبو القاسم، آخر الائمة الاثني عشر عند الاماميّة، ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر خمس سنين، وقيل في تأريخ مولده: ليلة النصف من شعبان سنة 255 هـ.(10)
شمس الدين الزرندي
8- الشيخ شمس الدين محمّد بن يوسف الزرندي، قال في کتابه (معراج الوصول إلي معرفة فضل آل الرسول): الامام الثاني عشر، صاحب الکرامات المشتهر الذي عظم قدره بالعلم واتباع الحقّ والاثر القائم بالحقّ والداعي إلي منهج الحقّ الامام أبو القاسم محمّد بن الحسن.
وکان مولده علي ما نقلته الشيعة ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة 255 هـ بسرّ من رأي في زمان المعتمد، واُمّه نرجس بنت قيصر الروميّة، اُمّ ولد.(11)
ابوبکر البيهقي الشافعي
9- أبو بکر أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي، المتوفّي سنة 458 هـ.
قال في (وفيات الاعيان): الحافظ الکبير المشهور واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من کبار أصحاب الحاکم.
قال في کتابه (شعب الايمان): اختلف الناس في أمر المهدي... إلي أن قال: وطائفة يقولون: إنّ المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255، وهو الامام الملقّب بالحجّة القائم المنتظر محمّد بن الحسن العسکري، وإنّه دخل السرداب بسرّ من رأي وهو مختف عن أعين الناس منتظر خروجه، ويظهر ويملا الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً، ولا امتناع في طول عمره وامتداد أيامه کعيسي بن مريم والخضر (عليهما السلام)، وهؤلاء هم الشيعة خصوصاً الامامية ووافقهم عليه جماعة من أهل الکشف.(12)
والقائلون بوجود الامام المهدي (عليه السلام) من علماء أهل السنّة کثيرون، وفيما ذکرناه منهم کفاية، ومن أراد الاستقصاء فليراجع کتاب (البرهان علي وجود صاحب الزمان) للسيّد محسن الامين العاملي، ورسالة (کشف الاستار) لخاتمة المحدّثين النوري (رحمه الله)، و(دفاع عن الکافي) للسيّد ثامر العميدي 1: 568 - 592، و(الامام المهدي (عليه السلام)) لعلي محمّد علي دخيل، وقد سجّلت مجموع هذه الکتب ما يربو علي 130 اعترافاً من أعلام العامّة علي اختلاف مذاهبهم وفي ذلک کفاية لمن له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.
الغيبة الصغري والکبري
للامام المهدي عجّل الله فرجه غيبتان: صغري وکبري، کما جاءت بذلک الاخبار عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
روي إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: کان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لقائم آل محمّد غيبتان، واحدة طويلة، والاُخري قصيرة؟
قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الاُخري، ثمّ لا يکون ذلک - يعني ظهوره (عليه السلام) - حتّي يختلف ولد فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتدّ البلاء، ويشتمل الناس موت وقتل، ويلجأون منه إلي حرم الله تعالي وحرم رسول الله (صلي الله عليه وآله).(13)
وعن المفضّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ لصاحب هذا الامر غيبتين، في إحداهما يرجع إلي أهله، والاُخري يقال: مات أو هلک في أيّ واد سلک.(14)
وعن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: للقائم غيبتان، إحداهما أطول من الاُخري.(15)
وعن إسحاق بن عمّـار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول: للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والاُخري طويلة، فالاُولي لا يعلم بمکانه فيها إلاّ خاصّة من شيعته، والاُخري لا يعلم بمکانه فيها إلاّ خاصّة مواليه في دينه.(16)
وعن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إنّ لصاحب هذا الامر غيبتين: إحداهما تطول حتّي يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قُتِل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقي علي أمره من أصحابه إلاّ نفرٌ يسير، ولا يطّلع علي موضعه أحدٌ من وليّ ولا غيره إلاّ المولي الذي يلي أمره.(17)
وقال الامام الصادق (عليه السلام) لحازم بن حبيب: يا حازم، إنّ لصاحب هذا الامر غيبتين يظهر في الثـانية، فمن جاءک يقول: إنّه نفض يده من تراب قبره ; فلا تصدّقه.
وعن يحيي(18) المثنّي، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ للقائم غيبتين، يرجع في إحداهما، والاُخري لا يُدري أين هو، يشهد المواسم، يري الناس ولا يرونه.(19)
تاريخ الغيبة الصغري والکبري
تبدأ الغيبة الصغري من شهادة الامام الحسن العسکري (عليه السلام) سنة 260 هـ إلي انقطاع السفارة بين الامام المهدي (عليه السلام) وبين شيعته بوفاة السفراء وعدم نصب غيرهم، وکان آخر السفراء هو أبو الحسن علي بن محمّد السمري، وقد توفّي سنة 329 هـ، وعليه تکون مدّة الغيبة الصغري نحو سبعين سنة، أمّا بناءً علي أنّ وفاة السمري سنة 328 هـ علي ما قيل، فتکون مدّة الغيبة الصغري أقلّ من ذلک بسنة.
وقيل: إنّ مدّة الغيبة تبدأ من مولد الامام الحجّة (عليه السلام) وذلک سنة 255 هـ، وتنتهي عند وفاة السمري سنة 329 هـ، فتکون مدّتها علي هذا نحو خمس وسبعين سنة، والمشهور ما ذکرناه أوّلاً، ولا وجه لجعل ابتداء الغيبة الصغري من ابتداء ولادته (عليه السلام)، لا نّنا لا بدّ أن نؤرّخ لامامة المهدي (عليه السلام) باعتباره إماماً مفترض الطاعة بعد وفاة أبيه (عليه السلام).
أمّا الغيبة الکبري فتبدأ منذ سنة 329 هـ، وهي السنة التي توفّي فيها آخر السفراء، وإلي يومنا هذا، وفي آخرها يقوم المهدي (عليه السلام) بالسيف، ويقيم دولة الحقّ، ويملا الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وستکون دراستنا في هذا الفصل ضمن مبحثين:
الاوّل - الغيبة الصغري.
والثاني - الغيبة الکبري.
الغيبة الصغري
قدّر الله تعالي هذه الغيبة قبل وقوع الغيبة الکبري، ليستأنس الشيعة بمعرفة الامام (عليه السلام)، وليسمعوا فتاواه في الدين، وليطّلعوا علي تواقيعه الشريفة فتترسّخ عقيدتهم في القلوب، بعد أن يتأکّدوا من وجوده، ويعرفوا ما تکون عليه غيبته الکبري وعهد الانتظار المرّ.
وهي مقدّمة لغيبة طويلة موحشة يتعرّض فيها الموالون له للابتلاء والتمحيص والاختبار، وهو ما لا ترکن إليه النفوس إذا لم تتدرّب عليه تدريباً عملياً مقنعاً من فمه الشريف، وإذا لم تتمرّس عليه قبل الغيبة الکبري باعتقاد وجوده الشريف تمرّساً عميقاً راسخاً.
وتشير المرويّات التي وصفت حياة الامام المهدي (عليه السلام) خلال فترة الغيبة الصغري، إلي أنّه (عليه السلام) کان يلتقي سفراءه الاربعة ووکلائه المنتشرين هنا وهناک، وأحياناً کان (عليه السلام) يلتقي ببعض الخواص من شيعته ويحلّ مشاکلهم(20)، علي الرغم من أنّ السلطات الحاکمة کانت تتحرّاه بأقصي مراتب الدقّة، وتراقب سفراءه ووکلاءه وتلاحقهم أحياناً بواسطة أجهزتها، وقد هاجمت داره (عليه السلام) أکثر من مرّة بهدف القبض عليه.
وبعد فشل محاولات المعتمد العباسي التي بذلها للقبض علي الامام (عليه السلام) بتحريض من عمّه جعفر بن علي الهادي (عليه السلام)، المعروف بجعفر الکذّاب، بعد فشل هذه المحاولة، جرّب المعتضد الذي جاء إلي الحکم بعد تسعة عشر عاماً مرّت من حياة الامام (عليه السلام) فحاول أکثر من مرّة کما يبدو من بعض المرويّات أن يقبض عليه في داره، فکان يرسل الجيش تلو الجيش فيحاصر الدار ويفتّشها تفتيشاً دقيقاً،(21) وکان الله سبحانه يحول بينه وبين مراده تکريماً منه تعالي لمن اصطفاهم من عباده واجتباهم إليه من خلقه.
بالرغم من کلّ ذلک، فقد کان الامام المهدي (عليه السلام) يجتمع بخاصّته وشيعته، ويحلّ مشاکلهم حسب ما يراه صالحاً لهم، وأغلب الذين کانوا يجتمعون إليه کما تحدّث الروايات کانوا يصابون بما يشبه الذهول والغفلة حين اجتماعهم به لهيمنة عظمة الامامة، فيغيب عن أذهانهم کونه الامام (عليه السلام)، ولا يلتفتون إلي أنّه هو صاحبهم إلاّ بعد أن يفارقهم، وأحياناً کان (عليه السلام) هو الذي يعرّفهم بنفسه لمصلحة تقتضي ذلک.
وعليه فإنّ الامام (عليه السلام) خلال الفترة الاُولي من حياته المقدّسة التي انتهت بوفاة السفير الرابع الشيخ السمري سنة 329 هـ، کان له من العمر نحو 75 عاماً، قضي منها مع أبيه (عليه السلام) نحو خمس سنين، ونحو سبعين عاماً بعد أبيه (عليه السلام).
وخلال هذه الفترة لم يکن الامام (عليه السلام) منقطعاً عن الناس انقطاعاً کاملاً، بل کان يتّصل بالخواصّ من شيعته والسفراء عند الضرورات الملحّة وبعيداً عن عيون الناس خوفاً من عيون الحاکمين الذين أعجزهم أمره بمشيئة الله سبحانه.
ابوعمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري
ويقال له: العسکري أيضاً، لأنّه کان يسکن عسکر سرّ من رأي، ويقال له: السمّـان، لأنّه کان يتّجر بالسمن تغطية علي الامر، وکان الشيعة إذا حملوا إلي أبي محمّد العسکري (عليه السلام) ما يجب عليهم حمله من الاموال، وأنفذوا إلي أبي عمرو، فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلي أبي محمّد (عليه السلام) تقيّة وخوفاً.(22)
وله من الاولاد: محمّد، وهو السفير الثاني، وأحمد.
ولم يرد في المصادر التأريخية تحديد لعام ولادته، ولا عام وفاته، وإنّما يرد اسمه أوّل ما يرد کوکيل خاصّ للامام الهادي (عليه السلام)(23)، وکان الامام (عليه السلام) يستوثقه ويمدحه بمثل قوله (عليه السلام): هذا أبو عمرو الثقة الامين، ما قاله لکم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليکم فعنّي يؤدّيه.(24)
وهذا النص يدلّ علي نوع النشاط والعمل الذي کان يقوم به أبو عمرو، وهو نقل المال والمقال من الامام عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) إلي شيعته وبالعکس، فکان يمثّل مع جماعة آخرين دور الوساطة بين الامام وبين قواعده الشعبيّة.
وبعد وفاة الامام الهادي (عليه السلام) سنة 254 هـ، أصبح أبو عمرو وکيلاً خاصّاً موثوقاً للامام العسکري (عليه السلام)، ذا نشاط ملحوظ وبراعة خاصّة في العمل، فقد سمعنا کيف أنّه کان يحمل المال في زقاق السمن، ويسير علي المسلک الذي يخطّه له الامام في الاخفاء والتکتّم، ويظهر أمام الناس کتاجر اعتيادي بالسمن، تغطيةً وتقيّةً لحاله ومسلکه وعقيدته. وکان الامام العسکري (عليه السلام) يکثر من مدحه والثناء عليه في مناسبات مختلفة، وأمام اُناس کثيرين.
فمن ذلک أنّه (عليه السلام) قال: هذا أبو عمرو الثقة الامين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لکم فعنّي يقوله، وما أدّي إليکم فعنّي يؤدّي.(25)
وقال أمام وفد من اليمن: امضِ يا عثمان، فإنّک الوکيل والثقة المأمون علي مال الله.(26)
وقد اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي للامام (عليه السلام)، قال أبو العباس الحميري: فکنّا کثيراً ما نتذاکر هذا القول - يعني مدح الامام العسکري (عليه السلام) له - ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو.(27)
وقال وفد اليمن حين سمع من الامام (عليه السلام) المدح لابي عمرو: يا سيّدنا، إنّ عثمان لمن خيار شيعتک، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتک، وأنّه وکيلک وثقتک علي مال الله تعالي.(28) فلم تزل الشيعة مقيمة علي عدالته وتتسالم علي وثاقته وجلالة قدره.
ونص الامام العسکري (عليه السلام) في مجلس حافل بالخاصّة، يعدّون بأربعين رجلاً، علي إمامة ولده الامام المهدي (عليه السلام) بعد أن عرضه عليهم، وأکّد علي غيبته، ونص (عليه السلام) أيضاً علي وکالة عثمان بن سعيد عن المهدي (عليه السلام) وسفارته له قائلاً: فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلي أمره، أو اقبلوا قوله فهو خليفة إمامکم والامر إليه.(29)
وحين يلقي الامام العسکري (عليه السلام) ربّه سنة 260 هـ، يحضر أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري تغسيله، ويتولّي جميع أمره في تکفينه وتحنيطه وإقباره.(30)
وأکّد الشيخ الطوسي (رحمه الله) علي أنّه کان مأموراً بذلک للظاهر من الحال التي لا يمکن جحدها ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الاشياء في ظواهرها.(31)
يشير بذلک إلي اختفاء الامام المهدي (عليه السلام)، وعدم تمکّنه من القيام بتغسيل والده (عليه السلام) بأمره، ولکنّنا - علي أيّ حال - سبق أن أشرنا إلي أنّه لا يغسّل الامام إلاّ الامام (عليه السلام)، وإلي أنّ الامام المهدي (عليه السلام) أقام الصلاة علي أبيه بنفسه، ودفع عن ذلک عمّه جعفر أمام جماعة من الناس، منهم عثمان بن سعيد السمّـان نفسه.(32)
الهوامش:
(1) عدّ الشيخ مهدي فقيه إيماني في کتابه (المهدي المنتظر: 16 ـ 30) مائة ورجلين من علماء العامّة الذين اعترفوا بولادة الامام المهدي (عليه السلام)، وقد ذکر أسماءهم ومصادرهم دون التعرّض لاقوالهم.
(2) الکامل في التأريخ 7: 274 ـ آخر حوادث سنة 260 هـ.
(3) وفيات الاعيان 4: 176 / 562، إلزام الناصب 1: 338. واعلم أنّ المشهور عند جمهور الشيعة في ولادته (عليه السلام) هو ما ذکره ابن خلّکان أوّلاً، منتصف شعبان سنة 255 هـ، راجع الکافي 1: 514، باب 125، کمال الدين 2: 430 / 4، باب 42.
(4) العبر في خير من غبر 2: 31، طبعة الکويت، إحقاق الحقّ 19: 634.
(5) سير أعلام النبلاء 13: 119 / 60.
(6) تأريخ دول الاسلام: 113 / 159.
(7) تأريخ ابن الوردي 1: 318، حوادث سنة 255 هـ.
(8) إحقاق الحقّ 19: 632، عن الاتحاف بحبّ الاشراف: 68، طبعة مصطفي البابي الحلبي بمصر.
(9) نور الابصار: 168، إحقاق الحقّ 19: 633 عنه.
(10) الاعلام; للزرکلي 6: 80.
(11) إلزام الناصب 1: 339.
(12) منتخب الاثر: 324، البرهان علي وجود صاحب الزمان: 79.
(13) إعلام الوري: 444.
(14) الغيبة للنعماني: 115.
(15) دلائل الامامة: 530.
(16) الغيبة للنعماني: 113، منتخب الاثر: 251 / 1.
(17) الغيبة للنعماني: 114.
(18) الغيبة للنعماني: 114.
(19) الغيبة للنعماني: 117.
(20) ذکرنا نماذج من لقاءاته (عليه السلام) في الفصل الثاني عشر.
(21) راجع الفصل الاوّل من هذا الکتاب.
(22) غيبة الطوسي: 214.
(23) غيبة الطوسي: 215.
(24) غيبة الطوسي: 215.
(25) غيبة الطوسي: 215.
(26) غيبة الطوسي: 216.
(27) غيبة الطوسي: 215.
(28) غيبة الطوسي: 216.
(29) غيبة الطوسي: 217.
(30) غيبة الطوسي: 216.
(31) غيبة الطوسي: 216.
(32) في الفصل الاوّل.
******************
ومن ثمّ يمکن القول: بأنّه يمکن للامام المهدي (عليه السلام) أن يغسّل أباه في داره سرّاً قبل أن ينقل جثمانه أمام الجمهور، وظاهر عبارة الشيخ (رحمه الله) قيامه (عليه السلام) بالتغسيل بحضور أبي عمرو، ثمّ قيام أبي عمرو بنفسه بباقي شؤونه من تکفين وتحنيط وإقبار، والله العالم بحقائق الاُمور.
وعلي أيّ حال فقد أصبح العمري من ذلک الحين السفير الاوّل للامام المهدي (عليه السلام) بنص الامام العسکري (عليه السلام) کما تقدّم، وبنص الامام المهدي (عليه السلام) أمام وفد القمّيين، فاضطلع بالمهمّة العظمي في ربط الامام المهدي (عليه السلام) بقواعده الشعبيّة وتبليغ توجيهاته وتعاليمه واُمور تدبيره وإدارته إليهم، وإيصال أسئلتهم ومشاکلهم وأموالهم إليه، وبتنفيذ أوامر الامام (عليه السلام) وتوجيهاته فيهم.
وبقي العمري مضطلعاً بمهام السفارة، وقائماً بها خير قيام، إلي أن وافاه الاجل، فقام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان بتغسيله وتجهيزه.(1)
ودفن في الجانب الغربي من بغداد، في شارع الميدان، في أوّل الموضع المعروف بدرب جبلة، في مسجد الدرب، يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد، ذکر ذلک أبو نصر هبة الله بن محمّد.
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): رأيت قبره في الموضع الذي ذکره، وکان بُني في وجهه حائط، به محراب المسجد، وإلي جنبه باب يدخل إلي موضع القبر في بيت ضيّق مظلم، فکنّا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً، قال: وکذلک من وقت دخولي إلي بغداد وهي سنة 408 إلي سنة نيّف وثلاثين وأربعمائة.
ثمّ نقض ذلک الحائط الرئيس أبو منصور محمّد بن الفرج، وأبرز القبر إلي برّا - أي إلي الخارج - وعمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره.
قال الشيخ (رحمه الله): ويتبرّک جيران المحلّة بزيارته، ويقولون: هو رجل صالح، وربما قالوا: هو ابن داية الحسين (عليه السلام)، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلي يومنا هذا - وذلک سنة 447 هـ - علي ما هو عليه.(2)
وقبره الان مشيّد معروف ببغداد، يزار ويتبرّک به، ونستطيع أن نعرف من جهالة الناس لحقيقة قبره في زمان الشيخ الطوسي (رحمه الله) مقدار الغموض والکتمان الذي کان يحيط السفارة المهدويّة، في حياة السفير وبعد مماته، بل بعدما يزيد علي مائتي سنة علي دفنه.
أقول: کمّا إنّي تشرّفت بزيارة مرقده عدّة مرّات عندما سکنت بغداد من تأريخ 1360 إلي 1400 هـ.
ولم يفت أبو عمرو قبل وفاته، أن يبلغ أصحابه وقواعده الشعبيّة، ما هو مأمور به من قبل المهدي (عليه السلام)، من إيکال أمر السفارة بعده إلي ابنه محمّد بن عثمان، وجعل الامر کلّه مردود إليه.(3)
وکتب الامام المهدي (عليه السلام) إلي محمّد بن عثمان: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليماً لامره ورضاءً بقضائه، عاش أبوک سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلي الله عزّ وجلّ وإليهم، نضّر الله وجهه وأقال عثرته.
وقال (عليه السلام) في کتابه: أجزل الله لک الثواب، وأحسن لک العزاء، رُزيت ورُزينا، وأوحشک فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، کان من کمال سعادته أن رزقه الله تعالي ولداً مثلک يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحّم عليه. وأقول: الحمد لله، فإنّ الانفس طيّبة بمکانک، وما جعله الله تعالي فيک وعندک، أعانک الله وقوّاک وعضدک ووفّقک، وکان لک وليّاً وحافظاً، وراعياً وکافياً.(4)
محمد بن عثمان بن سعيد العمري
تولّي السفارة بعد أبيه (رحمه الله)، بنص من الامام العسکري (عليه السلام)، حيث قال (عليه السلام) لوفد اليمن الذي أشرنا إليه آنفاً: واشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد وکيلي، وأنّ ابنه محمّد وکيل ابني مهديّکم(5)، وبنص أبيه عثمان بن سعيد علي سفارة ابنه محمّد بأمر من الامام المهدي (عليه السلام).(6)
وکانت قواعده الشعبية مجتمعة علي عدالته وثقته وأمانته، لا يختلف في ذلک اثنان من الامامية، وکيف لا وفيه وفي أبيه قال الامام الحسن بن علي العسکري (عليه السلام) لبعض أصحابه: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا فعنّي أدّيا، وما قالا لک فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهما الثقتان المأمونان.(7)
وکلمات الامام المهدي (عليه السلام) فيه متظافرة ومتواترة، فقد سمعناه يعزّيه بوفاة أبيه، ويثني عليه الثناء العطر، ويشجّعه وهو في أوّل أيّام اضطلاعه بمهمّته الکبري، وقال في حقّه: لم يزل ثقتنا في حياة الاب (رضي الله عنه وأرضاه ونضّر وجهه) يجري عندنا مجراه ويسدّ مسدّه، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل(8)، وغير ذلک من عظيم الاجلال والاکبار(9): وکانت التوقيعات تخرج علي يده من الامام المهدي(عليه السلام) في المهمّات طوال حياته، بالخطّ الذي کانت تخرج في حياة أبيه عثمان، ولا يعرف الشيعة في هذا الامر غيره، ولا يرجعون إلي أحد سواه، وقد نقلت عنه دلائل کثيرة، وأغلب معجزات الامام ظهرت علي يده، واُمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الامر بصيرة.(10)
وبقي مضطلعاً بمسؤولية السفارة نحواً من خمسين سنة، حتّي لقي ربّه العظيم في جمادي الاُولي سنة 305 هـ، أو 304 ه(11)، ومعني ذلک أنّه توفّي بعد وفاة الامام العسکري (عليه السلام) بخمس وأربعين سنة، وحيث إنّ والده (رضي الله عنه) قد اضطلع بالسفارة عدّة أعوام فالاولي أن يقال: إنّ سفارته امتدّت حوالي الاربعين عاماً، لا نحواً من الخمسين، کما قال الشيخ في الغيبة.
وإذ يکون تأريخ وفاة أبيه مجهولاً، يکون مبدأ تولّيه السفارة مجهولاً أيضاً، غير إنّنا نعرف أنّه کان سفيراً قبل عام 267 هـ، لانّ ابن هلال الکرخي طعن في سفارته، وکان أحد المنحرفين عن خطّه، وکانت وفاة ابن هلال عام 267 هـ،(12) أي بعد وفاة الامام العسکري (عليه السلام) بسبع سنين، وبذلک يمکن القول علي وجه التقريب: إنّ الشيخ عثمان بن سعيد تولّي السفارة خمس سنوات، وتولاّها ابنه أربعين سنة.
وبهذا التحديد لمدّة سفارته، نستطيع أن نعرف أنّه (رضي الله عنه) أطول السفراء بقاءً في السفارة، ومن ثمّ يکون أکثرهم توفيقاً في تلقّي التعاليم من الامام المهدي (عليه السلام)، وأوسعهم تأثيراً في الوسط الذي عاش فيه، والذي کان مأموراً بقيادته وتدبير شؤونه.
وکان لابي جعفر العمري، کتب مصنّفة في الفقه، ممّـا سمعه من أبي محمّد الحسن العسکري (عليه السلام)، ومن الصاحب المهدي (عليه السلام)، ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمّد العسکري وعن أبي الحسن علي بن محمّد الهادي (عليه السلام)، فيها کتب ترجمتها: کتب الاشربة. ذکرت الکبيرة اُمّ کلثوم بنت أبي جعفر أنّها وصلت إلي أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) عند الوصيّة إليه، وکانت في يده. قال أبو نصر: وأظنّها قالت: وصلت بعد ذلک إلي أبي الحسن السمري (رضي الله عنه).(13)
وکان محمّد بن عثمان يعلم بزمان موته بإرشاد من الامام المهدي (عليه السلام)، إذ حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج. فسُئل عن ذلک، فقال: للناس أسباب، وقد اُمرت أن أجمع أمري، فمات بعد ذلک بشهرين.
وکان قد أعدّ لنفسه ساجة نقش عليها آيات من القرآن الکريم وأسماء الائمة (عليهم السلام) علي حواشيها. فقيل له: ما هذه الساجة؟ فقال: هذه لقبري، تکون فيه، اُوضع عليها، أو قال: اُسند عليها.
قال: وقد فرغت منه، وأنا في کلّ يوم أنزل فيه، فأقرأ جزءاً من القرآن، فإذا کان يوم کذا وکذا من شهر کذا وکذا من سنة کذا وکذا، صرت إلي الله عزّ وجلّ، ودفنت فيه وهذه الساجة معي.
قال الراوي: فلمّـا خرجت من عنده أثبتّ ما ذکره، ولم أزل مترقّباً به ذلک، فما تأخّر الامر، حتّي اعتلّ أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذکره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذکرها.(14)
وعندما توفّي أبو جعفر العمري، دفن عند والدته، في شارع باب الکوفة في الموضع الذي کانت دوره ومنازله فيه، قال الراوي: وهو الان في وسط الصحراء.
أقول: وقبره معروف في وقتنا الحاضر في وسط بغداد الرصافة وله مسجد کبير ومکتبة عظيمة معروف بـ (الخلاّني) ويقصده الناس للتبرّک والزيارة.
ابوالقاسم الحسين بن روح النوبختي
ولم نجد تحديداً لتأريخ ولادته، وأوّل ما يعرف کوکيل مفضّل لابي جعفر محمّد ابن عثمان العمري، يلقي إليه بأسراره لرؤساء الشيعة، وکان خصيصاً به، حتّي إنّه کان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه واُنسه به، فکان قريباً من نفوس الشيعة محبّباً إليهم لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم، وانتشار أخبار فضله ودينه، وما کان يحتمله من هذا الامر، فمُهّدت له الحال في طول حياة أبي جعفر العمري، إلي أن انتهت الوصيّة بالنص عليه في خلافته بالسفارة للناحية المقدّسة، فلم يختلف في أمره ولم يشکّ فيه أحد.(15)
وقد روي أنّه قدم بعض الموالين بمال علي أبي جعفر العمري مقداره أربعمائة دينار للامام (عليه السلام)، فأمره بإعطائها إلي الحسين بن روح، وحين تردّد هذا الشخص في ذلک، باعتبار عدم وصول السفارة إليه يومئذ، فأکّد أبو جعفر عليه ذلک، وأمره مراراً بإعطاء المال لابن روح، وذکر له أنّ ذلک بأمر الامام المهدي (عليه السلام)، وکأنّ ذلک تمهيد لتولّيه أمر السفارة في عهد أبي جعفر العمري، سيّما إذا عرفنا أنّ تحويله المال إلي أبي القاسم بن روح قبل موت أبي جعفر بسنتين أو ثلاث.(16)
وعندما اشتدّت بأبي جعفر العمري حاله، اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة، منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمّد الکاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والاکابر. فقالوا له: إن حدث أمر، فمن يکون مکانک؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينکم وبين صاحب الامر (عليه السلام)، والوکيل والثقة الامين، فارجعوا إليه في اُمورکم وعوّلوا عليه في مهمّاتکم، فبذلک اُمرت، وقد بلّغت.(17)
وروي عن جعفر بن أحمد بن متيل، وهو من متقدّمي أصحابه وأجلاّئهم، أنّه قال: لمّـا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري الوفاة، کنت جالساً عند رأسه أسأله واُحدّثه، وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه، فالتفت إليّ ثمّ قال: اُمرت أن اُوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح.
قال ابن متيل، فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مکاني، وتحوّلت إلي عند رجليه(18)، إلي غير ذلک من تأکيدات أبي جعفر عليه، وإعلانه لوکالته.
والسبب المهمّ في هذا التأکيد، هو کون الحسين بن روح، لم يکن قد عاش تأريخاً حافلاً بإطراء وتوثيق الائمّة (عليهم السلام) کالسفراء السابقين، ومن هنا احتاج أبو جعفر العمري أن يکرّر الاعراب عن مهمّته في إيکال الامر إلي الحسين بن روح، ودفع الاموال إليه في حياته، لاجل ترسيخ فکرة نقل السفارة إلي الحسين بن روح، وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخطّ الائمة (عليهم السلام).
وکان لابي جعفر غير الحسين بن روح بعض الوکلاء في بغداد يصل عددهم إلي عشرة رجال، وکان إذا احتاج إلي حاجة أو إلي سبب فإنّه ينجزه علي أيديهم، ولم تکن للحسين بن روح خصوصيّة دونهم، ولمّـا کان وقت مضيّ أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) وقع الاختيار علي الحسين بن روح، فکانت الوصيّة إليه(19)، واُوکلت السفارة إلي الحسين بن روح، فسلّم به الاصحاب، وکانوا معه وبين يديه، کما کانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه).
ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل من جملة أصحاب أبي القاسم بن روح وبين يديه کتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري، إلي أن مات (رضي الله عنه) فکلّ من طعن علي أبي القاسم الحسين بن روح فقد طعن علي أبي جعفر العمري، وطعن علي الحجّة (عليه السلام).(20)
تولّي الحسين بن روح مهام السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام) بموت أبي جعفر العمري سنة 305 هـ إلي أن لحق برضوان ربّه في شعبان سنة 326 هـ، فتکون مدّة سفارته حوالي 21 سنة.
وکان أوّل کتاب تلقّاه الحسين بن روح من الامام المهدي (عليه السلام)، کتاب يشتمل علي الثناء عليه، وتعريفه إلي الرأي العام والاصحاب ممّن سار علي خطّ الائمة (عليهم السلام)، وقد مثّل هذا الکتاب أهمّ وآخر خطوة في هذا الطريق، لکي يبدأ الحسين بن روح بعدها مهمّته بسهولة ويسر، وقد دعا له الامام المهدي (عليه السلام) في الکتاب، وقال: عرّفه الله الخير کلّه ورضوانه، وأسعده بالتوفيق، وقفنا علي کتابه، وثقتنا بما هو عليه، وإنّه عندنا بالمنزلة والمحلّ اللذين يسرّانه، زاد الله في إحسانه إليه، إنّه وليّ قدير، والحمد لله لا شريک له، وصلّي الله علي رسوله محمّد وآله وسلّم تسليماً کثيراً.
وقد وردت هذه الرقعة يوم الاحد لستّ خلون من شوّال سنة 305 هـ بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري، الذي توفّي في جمادي الاُولي من نفس العام.(21)
وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلک الحين بمهام السفارة، وقام بها خير قيام، وتولّي في أيام سفارته الحملة ضدّ ظاهرة الانحراف عن الخطّ، وادعاء السفارة زوراً، بتبليغ القواعد الشعبية توجيهات الامام المهدي (عليه السلام) في ذلک، وشجبه لهذه الظاهرة بکلّ ما اُوتي من أسباب القوّة.
وبقي أبو القاسم مضطلعاً بمهامه العظمي، حتّي لحق بالرفيق الاعلي عام 326 هـ، ودفن في النوبختية في الدار التي کانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذة إلي التلّ، أو إلي درب الاخر وإلي قنطرة الشوک (رضي الله عنه)(22) وقبره اليوم في بغداد معروف - في أهمّ أسواق بغداد المعروف بـ (الشورجة) - يقصده الناس للتبرّک والزيارة.(23)
ابوالحسن علي بن محمد السمري
ولم تحدّد لنا المصادر تأريخ ميلاده علي وجه الدقّة، وقد ذکرته المصادر بکونه من أصحاب الامام العسکري (عليه السلام) ثمّ بکونه قائماً بمهام السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام) ببغداد بعد الشيخ أبي القاسم النوبختي، بإيعاز من الشيخ أبي القاسم عن الامام المهدي (عليه السلام).
وقد تولّي أبو الحسن السمري السفارة من حيث وفاة أبي القاسم بن روح عام 326 هـ، إلي أن لحق بالرفيق الاعلي عام 329 هـ في النصف من شعبان، فتکون مدّة سفارته عن الامام المهدي (عليه السلام) نحو ثلاثة أعوام کاملة.
وقد أخرج إلي الناس قبل وفاته بأيام توقيعاً من الامام المهدي (عليه السلام)، أعلن فيه انتهاء الغيبة الصغري وعهد السفارة بموت السمري، وقال فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانک فيک، فإنّک ميّت ما بينک وبين ستّة أيام، فاجمع أمرک ولا توصي إلي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بإذن الله تعالي ذکره، وذلک بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جوراً.
وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو کذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم).
فکان هذا آخر خطاب خرج إلي السمري من الامام المهدي (عليه السلام)، عن طريق السفارة الخاصّة.
قال الراوي: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّـا کان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّک من بعدک؟ فقال: لله أمرٌ هو بالغه. وقضي (رحمه الله) فهذا آخر کلام سمع منه (رضي الله عنه).(24)
وکانت وفاته سنة 329 هـ کما قدّمنا، وللامام (عليه السلام) يومذاک من العمر نحو خمس وسبعين عاماً، قضي منها مع أبيه نحو خمس سنين، ونحو سبعين عاماً في غيبته الاُولي المسمّـاة بالصغري، وعاصر من الخلفاء العباسيين المعتمد والمعتضد والمکتفي والمقتدر والراضي، ومع أنّ خلافة بني العباس في هذه الفترة کانت کما يصفها المؤرّخون تتمثّل بالانحلال والتفکّک، ولا يملک الخليفة منها إلاّ توقيع المراسيم والشکليات، فلقد کانوا يراقبون تحرّکات ووکلائه المنتشرين في مختلف المناطق، وحاولوا القبض عليه أکثر من مرّة.
والظاهر أنّه دفن في داره، وله مقبرة شاخصة إلي جنب مسجد کبير واقع في وسط بغداد الرصافة - في سوق السراي المعروف اليوم قرب نهر دجلة - وقد زرته عدّة مرّات.
الهوامش:
(1) غيبة الطوسي: 221.
(2) غيبة الطوسي: 218.
(3) غيبة الطوسي: 221.
(4) غيبة الطوسي: 220، وقد اعتمدنا في ترجمته علي أمالي الشيخ الطوسي: 214، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 396، في رحاب أئمة أهل البيت / السيّد الامين 5: 16، المجالس السنيّة 5: 680، بحار الانوار 51: 344.
(5) غيبة الطوسي: 216.
(6) غيبة الطوسي: 218 و221.
(7) غيبة الطوسي: 219.
(8) غيبة الطوسي: 220.
(9) راجع غيبة الطوسي: 220.
(10) راجع الغيبة للطوسي: 221.
(11) غيبة الطوسي: 223.
(12) راجع الغيبة للطوسي: 245.
(13) غيبة الطوسي: 221.
(14) الغيبة للطوسي: 222، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 402، المجالس السنيّة 5: 682، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 17، بحار الانوار 51: 347.
(15) راجع غيبة الطوسي: 227.
(16) راجع غيبة الطوسي: 224 ـ 225.
(17) غيبة الطوسي: 227.
(18) غيبة الطوسي: 226.
(19) غيبة الطوسي: 225.
(20) غيبة الطوسي: 225.
(21) غيبة الطوسي: 228.
(22) ؟؟؟.
(23) الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 406، المجالس السنيّة 5: 684، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام): 5: 19، بحار الانوار 51: 352.
(24) غيبة الطوسي: 416، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 412، المجالس السنيّة 5: 686، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 20، بحار الانوار 51: 359.
******************
وکلاء الامام المهدي في الغيبة الصغري
جاء في کتاب الغيبة وتأريخها أنّ الامام المهدي (عليه السلام) اختار أربعة رجال خلال الغيبة الصغري، وأوکل إليهم مهمّة السفارة، وعهد إليهم بأن يکونوا واسطة بينه وبين الجماهير الشيعية في مختلف المناطق، وقد ذکرنا تراجمهم وبعض تواريخهم فيما تقدّم.
وجاء أيضاً أنّه (عليه السلام) قد اختار خلال فترة الغيبة الصغري جماعة من ثقات الشيعة، وأوکل إليهم مهمّة مساندة السفراء الاربعة في بعض مهامهم، لتذليل الصعوبات التي کانت تعترض تحرّکاتهم بسبب مراقبة الحکّام وأجهزتهم.
وکانت مهمّة الوکلاء محدودة بالقياس إلي مهمّة السفير، ذلک لانّ السفير کان يتّصل بالامام (عليه السلام) مباشرة، ويأخذ منه التعليمات والتواقيع، ويقوم بأکثر مسؤولياته حسب التوجيه الذي يتلقّاه منه، في حين أنّ مسؤولية الوکيل في الغالب في حدود منطقته، ولا تتعدّي استلام الاخماس، وتسهيل اتصال الشيعة بالسفراء ليرفعوا إليهم حوائجهم وتبليغ الاحکام والتوجيه ونحو ذلک.
و من الوکلاء
1 - جابر بن يزيد، وجاء فيه عن الحسن بن عبد الحميد أنّه قال: شککت في أمر حاجز، فجمعت شيئاً ثمّ صرت إلي سامراء، فخرج إلينا جواب الامام (عليه السلام): ليس فينا شکّ، ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، ردّ ما معک إلي حاجز بن يزيد.
2 - ومنهم أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال قبل انحرافه مع المنحرفين والمشعوذين، وقد عبّر عنه الامام المهدي (عليه السلام) في بعض التوقيعات المنسوبة إليه بالثقة المأمون العارف بما يجب عليه، وليس ببعيد أن يکون في بداية أمره من الموثّقين، ولکنّه انحرف بعد ذلک، کما حدث لغيره ممّن کانوا من الثقات بين أصحاب الائمة (عليهم السلام) ثمّ ظهر منهم ما يدلّ علي الانحراف عن الجادّة(1)، کما سيأتي بيانه.
3 - إبراهيم بن مهزيار، وکان من وکلاء الامام (عليه السلام)، وسيأتي بيان ذلک في ذکر ابنه محمّد بن إبراهيم.
4 - ومنهم محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، وعدّه ابن طاووس من السفراء والابواب الذين يختلف الامامية فيهم، کما جاء في جامع الرواة، ولا بدّ أن يکون المراد من سفارته ما يشمل الوکالة، لانّ انحصار السفراء بالاربعة من المتّفق عليه بين الامامية.
وجاء في غيبة الطوسي أنّ محمّد بن إبراهيم بن مهزيار کان يقول: شککت عند مضيّ أبي محمّد العسکري (عليه السلام)، وکان قد اجتمع عند أبي مال کثير، فحمله ورکب السفينة، وخرجت معه مشيّعاً، فوعک وعکاً شديداً، فقال: ردّني فهو الموت، واتّقِ الله في هذا المال، وأوصي إليّ ومات.
ومضي يقول: فحملت المال بعد الفراغ من أمره، وقدمت العراق، واکتريت داراً علي الشطّ، وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد، معک کذا وکذا من المال، وقصّ عليّ جميع ما ترکه أبي من المال، ولم أکن أعرفه علي حقيقته، فسلّمت المال إلي الرسول، وبقيت أياماً، فخرج إليّ التوقيع يقول (عليه السلام) فيه: قد أقمناک مقام أبيک فاحمد الله.(2)
5 - ومنهم أحمد بن إسحاق بن سعد بن مالک الاشعري، وکان واسطة بين القمّيين والائمة: الجواد، والهادي، والعسکري (عليهم السلام)، وأدرک شطراً من غيبة الامام المهدي (عليه السلام)، وهو الذي عرض عليه الامام العسکري (عليه السلام) ولده المهدي (عليه السلام) حينما سأله عن خليفته، وأراه إيّاه، وحدّثه ببعض ما يکون من أمره خلال غيبته الصغري والکبري. وقد خرج التوقيع في مدحه مع جماعة منهم: إبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن اليسع.(3)
6 - ومنهم محمّد بن صالح بن محمّد الهمداني الدهقان، وجاء في رجال الکشّي أنّه ورد في توقيع الامام المهدي (عليه السلام) إلي إسحاق بن إسماعيل: إذا وردت بغداد فاقرأه علي الدهقان وکلينا وثقتنا الذي يقبض من موالينا.
7 - ومنهم أبو الحسين محمّد بن جعفر الاسدي، وقد وصفه الامام المهدي (عليه السلام) بالامانة والثقة، وأمر بدفع الاموال إليه کما جاء في رواية النجاشي والشيخ في الغيبة، وخرج التوقيع بحقّه: محمّد بن جعفر العربي، فليدفع إليه، فإنّه من ثقاتنا، وفي توقيع آخر: إن أردت أن تعامل أحداً فعليک بأبي الحسين الاسدي بالريّ.(4)
8 - ومنهم: القاسم بن العلاء من أذربيجان.
9 - ومحمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري.
10 - والحسين بن علي بن سفيان البزوفري.(5)
وغير هؤلاء ممّن أوکل إليهم الامام (عليه السلام) بعض ما يهمّه من اُمور المسلمين وقبض الاخماس وقضاء الحاجات، وکانوا يتّصلون بالامام (عليه السلام) أحياناً عن طريق سفرائه الذين اعتمدهم لقضاء الحوائج وحلّ المشاکل، واُخري عن طريق المراسلة، وکان بعض وکلائه وسفرائه (عليه السلام) يتعاطي مهنة التجارة التي تساعده علي التجوّل وحريّة الحرکة لتضليل أجهزة الحکم الذين کانوا يراقبون الامام وتحرّکات سفرائه ووکلائه.
السفارات الکاذبة
ادّعي البعض السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام) کذباً وزوراً، طمعاً في ابتزاز الاموال والتزعّم علي الناس، والسفارة الکاذبة في الواقع تشويه منحرف لمفهوم السفارة الصادقة العادلة، وکان هؤلاء المدّعون للسفارة عن الامام (عليه السلام) لا يواجهون صعوبة في أوّل دعواهم، ذلک لأنّه معلوم لدي جميع الشيعة أنّ الاتّصال بالامام (عليه السلام) سرّ لا يمکن لاحد الاطلاّع عليه أو السؤال عن مکانه وزمانه، ولکنّهم لا يلبثون أن ينکشف أمرهم علي لسان السفارة الصادقة عن الامام (عليه السلام) ويتمّ تبليغ القواعد الشعبيّة بشأنهم.
ولقد بدأ التزوير في السفارة من قبل بعض النفعيين والوصوليين في عهد السفير الثاني الشيخ محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، وأمّا أبوه السفير الاوّل، فقد کان أقوي وأسمي من أن ينازعه منازع أو يعارضه معارض بعد تأريخه الحافل بالثناء مع الامامين العسکريين الماضيين (عليهما السلام)، وأدائه لمختلف أنواع الجهاد في عهدهما، وبموجب توجيهاتهما وتعاليمهما، فلن يکون للظنون أن تحوم، وللمطامع أن تطمح لمعارضته أو منازعته، لأنّها ستجابه بالنقد والانکار من کلّ جانب.
کما أنّ الظروف لم تکن مساعدة علي دعوي السفارة في أيام عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) لانّ الغيبة الصغري لا زالت في أوّلها، وتتبّع السلطات ومطاردتهم للامام المهدي (عليه السلام) ولکلّ من يمتّ إليه بصلة لا زالت قويّة، وعليه فکيف يعرض أحد نفسه للمطاردة والخطر تلقائياً بانتحال السفارة؟
وقد ادّعي السفارة زوراً عن الامام المهدي (عليه السلام) في زمان أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) عدّة أشخاص، منهم: أبو محمّد الشريعي، وهو أوّل من ادّعي مقاماً لم يجعله الله فيه(6)، ومحمّد بن نصير النميري، ادّعي ذلک الامر بعد الشريعي، وأحمد بن هلال الکرخي، وأبو طاهر محمّد بن علي بن بلال البلالي، وأبو بکر محمّد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي ابن أخي أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) وإسحاق الاحمر، ورجل يعرف بالباقطاني.(7)
وکان بعض هؤلاء صالحين في أوّل أمرهم، ومن أصحاب الامامين الهادي والعسکري (عليهما السلام)، فانحرفوا وسلکوا مسلک التزوير في آخر أمرهم، فجابههم العمري (رضي الله عنه) بکلّ قوّة حتّي کان النصر حليفه، وخرجت من المهدي (عليه السلام) التواقيع والبيانات تتري بلعنهم والبراءة منهم والتأکيد علي کذب دعواهم للسفارة وسوء سريرتهم.
وأمّا الشيخ الحسين بن روح السفير الثالث للامام المهدي (عليه السلام) فقد ابتلي بأشدّهم تأثيراً وأکثرهم أتباعاً، وهو محمّد بن علي الشلمغاني العزاقري(8)، وکان في مبدأ أمره مؤمناً مستقيماً، بل وکيلاً لابن روح، ثمّ ظهر انحرافه وسقم عقيدته.
وآخرهم في دعوي السفارة الکاذبة، أبو دلف الکاتب، حيث کان علي ذلک إلي ما بعد وفاة السمري السفير الرابع، فلعنه الشيعة وبرأوا منه، لأنّهم کانوا يعلمون أنّ من ادّعي السفارة بعد السمري فهو کافر ضالّ مضلّ.(9)
وممّن نسب إليه دعوي السفارة الحسين بن منصور الحلاّج، المعروف بمذهبه الصوفي، وله في هذه الدعوي مکاتبة مع أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، کشفه فيها أبو سهل وأفحمه، ويبدو أنّ ذلک کان في عهد الحسين بن روح.
ابومحمد الشريعي
قال الراوي: أظنّ أنّ اسمه کان الحسن، وکان من أصحاب أبي الحسن عليّ ابن محمّد الهادي (عليه السلام)، ثمّ من أصحاب الحسن بن علي العسکري (عليه السلام)، ثمّ أنّه انحرف، وکان أوّل من ادّعي مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يکن أهلاً له، فکذب علي الله تعالي وعلي حجّته (عليه السلام)، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرّأت منه، وخرج توقيع الامام (عليه السلام) بلعنه والبراءة منه، ثمّ ظهر منه القول بالکفر والالحاد.(10)
محمد بن نصير النميري الفهري
کان من أصحاب الامام العسکري (عليه السلام) فانحرف وافتتن، وأصبح يستخدم اسم صحبته للامام العسکري (عليه السلام) لاغراض ماديّة دنيئة ومنافع شخصية وضيعة.
فکتب الامام العسکري (عليه السلام) کتاباً شديد اللهجة ضدّه وضدّ شخص آخر يدعي ابن بابا القمّي، ويسمّي الحسن بن محمّد، کشف فيه انحرافهما وأظهر البراءة منهما، وقال مخاطباً أحد أصحابه: أبرأ إلي الله تعالي من الفهري والحسن بن محمّد ابن بابا القمّي، فابرأ منهما، فإنّي محذّرک وجميع مواليّ، وإنّي ألعنهما، عليهما لعنة الله، مستأکلين، يأکلان بنا الناس، فتّانين مؤذيين، آذاهما الله، وأرسلهما في اللعنة وأرکسهما في الفتنة رکساً، إلي آخر کتابه (عليه السلام).
وکان الفهري يدّعي أنّه رسول نبيّ، وأنّ عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) أرسله، وکان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن الهاي (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبيّة، ويقول بإباحة المحارم وتحليل نکاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أنّ ذلک من التواضع والاخبات والتذلّل في المفعول به، وأنّه من الفاعل إحدي الشهوات والطيّبات، وإنّ الله لا يحرّم شيئاً من ذلک.
فقد رآه بعض الناس وغلامٌ له علي ظهره، قال الراوي: فلقيته فعاتبته علي ذلک، فقال: إنّ هذا من اللذّات، وهو من التواضع لله وترک التجبّر.(11) وکان معروفاً بالاُبنة.
وتبعه في أقواله جماعة من الغلاة الملعونين سمّوا بالنميريّة، ذکروا أنّ منهم محمّد ابن موسي بن الحسن بن الفرات، وهو والد علي بن محمّد بن موسي بن الفرات الذي وزر بعد ذلک للمقتدر المعاصر لسفارة ابن روح (رضي الله عنه)، استوزره سنة 299 ه(12)، وبقي ما يزيد علي الثلاث سنين في الوزارة، فمن هذا يظهر کيف تؤيّد السلطات خطّ الانحراف عن الائمة (عليه السلام) بنحو خفي لا يکاد يلتفت إليه.
وأخيراً حين اعتلّ محمّد بن نصير النميري (لعنه الله) العلّة التي مات فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن الامر من بعدک؟ فقال بلسان ضعيف مُلجلج: أحمد. فلم يدروا من هو، فافترقوا بعده ثلاث فرق ; فرقة قالت: إنّه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمّد بن موسي بن الفرات، وهو أخو علي بن محمّد بن موسي وزير المقتدر، وفرقة قالت: إنّه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد، فتفرّقوا فلا يرجعون إلي شيء.(13)
احمد بن هلال الکرخي العبرتائي
ولد عام 180 هـ، وتوفّي عام 267 هـ، أي إنّه عاصر الامام الرضا (عليه السلام) ومن بعده حتّي الامام العسکري (عليه السلام) الذي توفّي سنة 260 هـ، وعاصر زمان الغيبة الصغري لمدّة سبع سنوات، ادّعي خلالها الوکالة عن الامام المهدي (عليه السلام) کذباً وزوراً، وقد عدّه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في قائمة المذمومين الذين ادّعو البابيّة، أي السفارة من الامام المهدي (عليه السلام).
وله کتاب يوم وليلة، وکتاب نوادر، يرويه الشيخ النجاشي في رجاله عنه بسنده إليه، اتّخذ مسلک التصوّف، وحجّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها علي قدميه، ولقيه أصحابنا بالعراق وکتبوا عنه.
وقد جاء ذمّه علي لسان الامام العسکري (عليه السلام)، وحذّر منه الامام المهدي (عليه السلام) أصحابه ونوّابه، فکتب (عليه السلام) إلي قوّامه بالعراق: احذروا الصوفي المتصنّع، وورد علي القاسم بن العلاء نسخة ما کان خرج من لعن ابن هلال، فأنکر رواة أصحابنا بالعراق ذلک، لما کانوا قد کتبوا من رواياته، فحملوا القاسم بن العلاء علي أن يراجع في أمره، فخرج إليه من الامام المهدي (عليه السلام) بيان مفصّل، نصه:
قد کان أمرنا نفذ إليک في المتصنّع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت، ولم يزل - لا غفر الله ذنبه، ولا أقال عثرته - يداخلنا في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضا، يستبدّ برأيه فيتحامي ديوننا، لا يمضي من أمرنا إيّاه إلاّ بما يهواه ويريده، أرداه الله في ذلک في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّي بتر الله بدعوتنا عمره.
وکنّا قد عرّفنا خبر قوماً من موالينا في أيامه لا رحمه الله، وأمرناهم بإلقاء ذلک إلي الخاصّ من موالينا، ونحن نبرأ إلي الله من ابن هلال - لا رحمه الله -.
وأعْلِم الاسحاقي(14) سلّمه الله وأهل بيته بما أعلمناک من حال هذا الفاجر، وجميع من کان سألک ويسألک عنه من أهل بلده والخارجين ومن کان يستحقّ أن يطّلع علي ذلک، فإنّه لا عذر لاحد من موالينا في التشکيک فيما روي عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأ نّنا نفاوضهم بسرّنا ونحمله إيّاه إليهم، وعرفنا ما يکون من ذلک إن شاء الله تعالي.
وأنکر قوم ما خرج في ابن هلال، ولم يؤثر فيهم هذا القول البليغ، فعاودوا القاسم بن العلاء علي أن يراجع فيه، فخرج إليهم من الامام المهدي (عليه السلام): لا شکر الله قدره، لم يدع المرء ربّه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما منّ به عليه مستقرّاً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما کان من أمر الدهقان لعنه الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالايمان کفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله، والحمد لله لا شريک له وصلّي الله علي محمّد وآله وسلّم.(15)
والذي يظهر أنّ ابن هلال بقي مؤمناً صالحاً خلال سفارة السفير الاوّل، ولکنّه بمجرّد أن ذهب السفير الاوّل إلي ربّه بدأ بالتشکيک بسفارة السفير الثاني، بحجّة إنکار النص عليه من قبل الامام العسکري (عليه السلام)، وکان يقول: لم أسمعه ينص عليه بالوکالة، وليس اُنکر أباه - يعني عثمان بن سعيد - فأمّا أن أقطع أنّ أبا جعفر وکيل صاحب الزمان، فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرک. فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف علي أبي جعفر، فلعنوه وتبرّأوا منه.
وترتّب علي تشکيکه هذا في أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) أن امتنع عن دفع أموال الامام (عليه السلام) إليه وعصيانه للاوامر الصادرة منه عن المهدي (عليه السلام) ممّـا أدّي به إلي منزلق الکفر والجحود.(16)
محمد بن علي بن بلال، أبوطاهر البلالي
کان من أصحاب الامام العسکري (عليه السلام)، وعدّه ابن طاووس من السفراء الموجودين في الغيبة الصغري والابواب المعروفين الذين لا يختلف الامامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم، وظاهره کونه بمنزلة القاسم بن العلاء والاشعري والاسدي ونحوهم في الوثاقة والجلالة، إلاّ أنّ الشيخ الطوسي ذکره في المذمومين الذين ادّعوا البابيّة.
قال الشيخ (رحمه الله): وقصّته معروفة فيما جري بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وتمسّکه بالاموال التي کانت عنده للامام (عليه السلام)، وامتناعه من تسليمها وادّعاؤه أنّه هو الوکيل، حتّي تبرّأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج فيه من صاحب الزمان (عليه السلام) ما هو معروف.
وکان له جماعة من الاصحاب والمؤيّدين، منهم أخوه أبو الطيّب وابن حرز وجماعة آخرون، وجاهد أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) واستعمل مختلف الاساليب في ردعه وتقويم انحرافه، وأخذ الاموال منه لايصالها إلي الامام المهدي (عليه السلام)، فلم يفلح، وبقي ابن بلال علي انحرافه وتمسّکه بالاموال والاصحاب.
فمن ذلک أنّ أبا جعفر قصد ابن بلال في داره، وکان عنده جماعة، فيهم أخوه أبو الطيّب وابن حرز، فدخل الغلام فقال: أبو جعفر العمري علي الباب، ففزعت الجماعة لذلک وأنکرته للحال التي کانت جرت، ولم يستطع ابن بلال أن يحجبه فقال: يدخل. فدخل أبو جعفر (رضي الله عنه) فقام له أبو طاهر والجماعة، وجلس في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر بين يديه، فأمهلهم إلي أن سکتوا.
ثمّ قال العمري: يا أبا طاهر، أنشدتک بالله، ألم يأمرک صاحب الزمان بحمل ما عندک من المال إليّ؟ فقال ابن بلال: اللهمّ نعم. فنهض أبو جعفر (رضي الله عنه) منصرفاً، ووقعت علي القوم سکتة، فلمّـا تجلّت عنهم قال له أخوه أبو الطيّب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر إلي بعض دوره، فأشرف عليّ - يعني صاحب الزمان (عليه السلام) - من علوّ داره، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه - يعني إلي العمري -.
فقال له أبو الطيّب: ومن أين علمت أنّه صاحب الزمان؟ قال: قد وقع عليّ من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنّه صاحب الزمان (عليه السلام).
فقال ذلک الرجل من أصحابنا: فکان هذا سبب انقطاعي عنه.(17)
محمد بن أحمد بن عثمان، أبوبکر البغدادي
وهو ابن أخي أبي جعفر العمري السفير الثاني (رضي الله عنه)، وحفيد عثمان بن سعيد السفير الاوّل (رضي الله عنه)، وأمره في قلّة محصوله العلمي وقلّة مروءته أشهر من أن تذکر(18)، وکان مشهوراً لدي عمّه أبي جعفر العمري بالانحراف، ولم يکن معروفاً لدي البعض الاخرين من أصحابه، ومن هنا کان جماعة من الاصحاب، وهم خاصّة الموالين، في مجلس العمري (رضي الله عنه) وهم يتذاکرون شيئاً من روايات الائمة (عليهم السلام)، فأقبل عليهم أبو بکر محمّد بن أحمد بن عثمان، ابن أخيه، فلمّـا بصر به أبو جعفر (رضي الله عنه) قال للجماعة، مشيراً إليه: أمسکوا، فإنّ هذا الجاني ليس من أصحابکم.(19)
وادّعي محمّد بن أحمد بن عثمان السفارة، وکان له أصحاب، منهم أبو دلف محمّد بن المظفّر الکاتب، وقد کان في ابتداء أمره مخمساً (20) مشهوراً بذلک، ثمّ صار إلي أبي بکر البغدادي.
ثمّ إنّ أبا بکر البغدادي، حين أرسل إليه وجوه الخاصّة وعلمائهم، وسألوه عن دعواه السفارة، أنکر ذلک وحلف عليه، وقال: ليس إليّ من هذا الامر شيء، وعرض عليه مال، لکي يأخذه بالوکالة عن الامام المهدي (عليه السلام)، وإنّما عرض عليه ذلک امتحاناً، فأبي قبوله، وقال: محرّم عليّ أخذ شيء منه، فإنّه ليس إليّ من هذا الامر شيء، ولا ادّعيت شيئاً من هذا.
قال الراوي: ولمّـا دخل بغداد، مال إليه أبو دلف الکاتب، وعدل عن الطائفة وأوصي إليه، فلم نشکّ أنّه علي مذهبه، فلعنّاه وبرئنا منه، لانّ عندنا أنّ کلّ من ادّعي الامر بعد السمري، فهو کافر ضالّ مضلّ.(21)
وکان أبو دلف يدافع عن أبي بکر البغدادي ويفضّله علي أبي القاسم الحسين ابن روح وعلي غيره، فلمّـا قيل له في وجه ذلک قال: لانّ أبا جعفر محمّد بن عثمان قدّم اسمه علي اسمه في وصيّته، فقلت له: فالمنصور أفضل من مولانا أبي الحسن موسي (عليه السلام). قال: وکيف؟ قلت: لانّ الصادق (عليه السلام) قدّم اسمه علي اسمه في الوصيّة. فقال لي: أنت تتعصّب علي سيّدنا ومولانا وتعاديه. فقلت: والخلق کلّهم يعادي أبا بکر البغدادي ويتعصّب عليه غيرک وحدک؟ وکدنا نتقاتل ونأخذ بالازياق.(22)
وحکي أنّ أبا بکر البغدادي توکّل لليزيدي بالبصرة، فبقي في خدمته مدّة طويلة، وجمع مالاً عظيماً، فسُعي به إلي اليزيدي، فقبض عليه وصادره، وضربه علي اُمّ رأسه حتّي نزل الماء من عينيه، فمات أبو بکر ضريراً.(23)
الهوامش:
(1) راجع ترجمته في المجالس السنيّة 5: 689، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 22، بحار الانوار 51: 369.
(2) بحار الانوار 51: 364 / 12.
(3) بحار الانوار 51: 363.
(4) بحار الانوار 51: 362 ـ 363.
(5) راجع سيرة الائمة الاثني عشر / الحسني 2: 554 ـ 556، المجالس السنيّة 5: 687، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 21، بحار الانوار 51: 362.
(6) غيبة الطوسي: 244.
(7) راجع الغيبة للطوسي: 244 ـ 245.
(8) غيبة الطوسي: 248.
(9) راجع غيبة الطوسي: 255.
(10) غيبة الطوسي: 244، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 497، المجالس السنيّة 5: 688، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 21، بحار الانوار 51: 367.
(11) اُنظر غيبة الطوسي: 244.
(12) مروج الذهب 4: 213.
(13) الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 498 ـ 500، المجالس السنيّة 5: 688، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 22، بحار الانوار 51: 367.
(14) لعلّ المراد أحمد بن إسحاق الاشعري القمّي.
(15) رجال الکشّي: 414، معجم رجال الحديث 2: 356.
(16) الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 500 ـ 504، المجالس السنيّة 5: 689، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 24، بحار الانوار 51: 368.
(17) غيبة الطوسي: 246، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 504 ـ 506، المجالس السنيّة 5: 689، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 22، بحار الانوار 51: 369.
(18) راجع غيبة الطوسي: 255.
(19) غيبة الطوسي: 256.
(20) المخمّسة من الغلاة، وهم يقولون: إنّ الخمسة: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وعمّـار، وعمرو ابن اُميّة الضمري، هم الموکلون بمصالح العالم من قبل الربّ.
(21) غيبة الطوسي: 255.
(22) غيبة الطوسي: 255.
(23) غيبة الطوسي: 256، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 507 ـ 509، المجالس السنيّة 5: 689، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 24، بحار الانوار 51: 377.
******************
اسحاق الاحمر والباقطاني
روي الطبري في الدلائل بسنده عن أحمد بن الدينوري السرّاج: أنّه حمل من أموال الموالي في الدينور ستّة عشر ألف دينار إلي بغداد، وبحث عمّن اُشير إليه بالنيابة - أي السفارة - فقيل له: إنّ ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدّعي النيابة، وآخر يعرف بإسحاق الاحمر يدّعي النيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي النيابة.
قال: فبدأت بالباقطاني، وصرت إليه، فوجدته شيخاً مهيباً، له مروّة ظاهرة وفرس عربي وغلمان کثير، ويجتمع الناس يتناظرون، قال: فدخلت إليه، وسلّمت عليه، فرحّب وقرّب، وسرّ وبرّ، قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أکثر الناس.
قال: فسألني عن ديني فعرّفته أ نّي رجل من أهل الدينور، وافيت ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه، فقلت: اُريد الحجّة - يعني برهاناً علي صحّة سفارته التي يدّعيها - فلمّـا أعوزه ذلک قال: تعود إليّ غداً. قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجّة، وعدت إليه في اليوم الثالث، فلم يأتِ بحجّة.
قال: فصرت إلي إسحاق الاحمر، فوجدته شاباً نظيفاً، منزله أکبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه، ومروته أسري، وغلمانه أکثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أکثر ممّـا يجتمع عند الباقطاني. قال: فدخلت وسلّمت، فرحّب وقرّب. قال: فصرت إلي أن خفّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت له کما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام، فلم يأت بحجّة.
قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء، قاعد علي لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره، إلي آخر الرواية.(1)
محمد بن علي الشلمغاني
وهو المعروف بابن أبي العزاقر أو العزاقري، أبو جعفر، نسبته إلي شلمغان، وهي قرية بنواحي واسط، وکان شيخاً مستقيم العقيدة والسلوک، صالحاً متقدّماً في أصحابنا، حتّي أنّ الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح نصبه وکيلاً عنه عند استتاره من المقتدر، وکان الناس يقصدونه ويلقونه في حوائجهم ومهمّاتهم، وکانت تخرج علي يده التوقيعات من الامام المهدي (عليه السلام) عن طريق ابن روح.
له من الکتب التي عملها في حال استقامته: کتاب التکليف، وکتاب التأديب، وکتاب الغيبة، وکتاب الاوصياء، وله کتب اُخري ذکرها النجاشي في رجاله.
ثمّ إنّه حمله الحسد لابي القاسم بن روح، علي ترک المذهب، والدخول في المذاهب الرديّة، وظهرت منه مقالات منکرة، وأصبح غالياً يعتقد بالتناسخ وحلول الاُلوهيّة فيه.
وکان ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذلک أنّ الشيخ أبا القاسم بن روح (رضي الله عنه) کان قد جعل له عند الناس منزلة ووجهاً، فکان عند ارتداده يحکي کلّ کذب وبلاء وکفر لبني بسطام، ويسنده إلي الشيخ أبي القاسم (رضي الله عنه) وهو منه براء، فأنکره الشيخ أبو القاسم (رضي الله عنه) وأعظمه، ونهي بني بسطام عن کلامه، وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا علي تولّيه، وذلک أنّه کان يقول لهم: إنّني أذعت السرّ، وقد اُخذ عليّ الکتمان، فعوقبت بالابعاد بعد الاختصاص، لانّ الامر عظيم، لا يحتمله إلاّ ملک مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو مؤمن ممتحن، فيؤکّد من نفوسهم عظم الامر وجلالته.
فبلغ أبا القاسم بن روح (رضي الله عنه) ذلک، فکتب إلي بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممّن تابعه علي قوله وأقام علي تولّيه، فلمّـا وصل ذلک إليهم وأظهروه عليه، بکي بکاءً شديداً، ثمّ قال: إنّ لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أنّ اللعنة الابعاد، فمعني قوله: لعنه الله، أي باعده الله من العذاب والنار، والان قد عرفت منزلتي، ومرّغ خدّيه في التراب، وقال: عليکم بالکتمان لهذا الامر.(2)
فلم يبقَ أحد ممّن تولاّه وصاحبه وغيرهم إلاّ وتقدّم إليه الشيخ أبو القاسم وکاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه، وممّن تولاّه ورضي بقوله أو کلّمه، ثمّ ظهر توقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمّد بن علي الشلمغاني والبراءة منه وممّن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام علي تولّيه، بعد المعرفة بهذا التوقيع.(3)
وکان خروج التوقيع ضدّه عام 312 هـ، وقال فيه الامام المهدي (عليه السلام): إنّ محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني، وهو ممّن عجّل الله له النقمة، ولا أمهله، قد ارتدّ عن الاسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعي ما کفر معه بالخالق جلّ وعلا، وافتري کذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، کذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.
وإنّنا قد برئنا إلي الله تعالي وإلي رسوله وآله (صلوات الله وسلامه ورحمته وبرکاته عليهم) منه، ولعناه عليه لعائن الله تتري من الظاهر والباطن في السرّ والعلن، وفي کلّ وقت وعلي کلّ حال، وعلي من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منّا، وأقام علي تولّيه بعده.
وأعلمهم أ نّنا من التوقّي والمحاذرة منه علي ما کنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله عندنا جميلة، وبه نثق، وإيّاه نستعين وهو حسبنا في کلّ اُمورنا ونعم الوکيل.
وقد صدر هذا التوقيع حين اُلقي القبض علي الشيخ الحسين بن روح (رضي الله عنه)، وأنفذه من السجن في دار المقتدر إلي أحد أصحابه، وهو الشيخ أبو علي بن همام، فوزّعه أبو علي توزيعاً عاماً، ولم يدع أحداً من الشيوخ إلاّ أقرأه إيّاه، وکتب بنسخته إلي سائر الامصار، فاشتهر ذلک في الطائفة، فاجتمعت علي لعنه والبراءة منه.(4)
قال الراوي: وجدت بخطّ أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) علي ظهر کتاب فيه جوابات ومسائل اُنفذت إلي قم، يسأل عنها: هل هي جوابات الفقيه (عليه السلام) - يعني الامام الحجّة (عليه السلام) - أو جوابات محمّد بن علي الشلمغاني، لأنّه حکي عنه أنّه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فکتب (عليه السلام) إليهم علي ظهر کتابهم: بسم الله الرحمن الرحيم، قد وقفنا علي هذه الرقعة، وما تضمّنته فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضالّ المضلّ المعروف بالعزاقري - لعنه الله - في حرف منها، وقد کانت أشياء خرجت إليکم علي يدي أحمد بن بلال(5) وغيره من نظرائه، وکان من ارتدادهم عن الاسلام مثل ما کان من هذا عليهم لعنة الله.
وأراد الراوي التثبّت عمّـا خرج من هؤلاء المنحرفين وهم في حال الاستقامة، هل هو صحيح أم مزوّر؟ فخرج الجواب من الامام المهدي (عليه السلام): علي من استثبت فإنّه لا ضرر من خروج ما خرج علي أيديهم، وإنّ ذلک صحيح.(6)
وعليه فلا تنافي بين الانحراف المتأخّر وصحّة القول والنقل المتقدّم حال إيمان الفرد واستقامته.
وسئل الشيخ ابن روح (رضي الله عنه) عن کتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: کيف نعمل بکتبه وبيوتنا منها ملاي؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن علي صلوات الله عليهما، وقد سئل عن کتب بني فضّال فقالوا: کيف نعمل بکتبهم وبيوتنا منها ملاي؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا.(7)
وحين أحسّ الشلمغاني بالتحدّي والمجابهة من قبل الشيخ ابن روح والمجتمع الموالي له، أراد أن يباهل ابن روح، فقد أنفذ محمّد بن علي الشلمغاني إلي الحسين بن روح يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل - يعني الامام المهدي (عليه السلام) - وقد اُمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني. فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله عنه) في جواب ذلک: أيّنا تقدّم صاحبه فهو المخصوم.
فتقدّم العزاقري فقتل وصُلب، واُخذ معه ابن أبي عون، وذلک في سنة 322 ه(8)، حيث أمر الراضي بالقبـض عليه وقتله، فقُتل، واستراحت الشيعة منه.(9)
قال ابن الاثير في الکامل في حوادث سنة 322 هـ: وفي هذه السنة قُتل أبو جعفر محمّد بن علي الشلمغاني، وسبب ذلک أنّه قد أحدث مذهباً غالياً في التشيّع والتناسخ وحلول الالهية فيه إلي غير ذلک ممّـا يحکيه...
إلي أن قال: فلمّـا کان في شوّال سنة 322 هـ، ظهر الشلمغاني فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه، وکبس داره، فوجد فيها رقاعاً وکتباً ممّن يدّعي عليه أنّه علي مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً، وفيها خطّ الحسين بن القاسم، فعرضت الخطوط فعرفها الناس، وعُرضت علي الشلمغاني فأقرّ أنّها خطوطهم، وأنکر مذهبه، وأظهر الاسلام، وتبرّأ ممّـا يقال فيه، واُخِذَ ابن أبي عون وابن عبدوس معه، واُحضرا معه عند الخليفة، واُمرا بصفعه فامتنعا، فلمّـا اُکرها مدّ ابن عبدوس يده وصفعه، وأمّا ابن أبي عون فإنّه مدّ يده إلي لحيته ورأسه فارتعدت يده، فقبّل لحية الشلمغاني ورأسه ثمّ قال: إلهي وسيّدي ورازقي.
فقال له الراضي: قد زعمت أ نّک لا تدّعي الالهيّة، فما هذا؟ فقال الشلمغاني: وما عليّ من قول ابن أبي عون والله يعلم أ نّني ما قلتُ له إنّني إلهٌ قطّ.
فقال ابن عبدوس: إنّه لم يدّعِ الالهيّة، وإنّما ادّعي أنّه الباب إلي الامام المنتظر مکان ابن روح، وکنت أظنّ أنّه يقول ذلک تقيّة، ثمّ اُحضروا عدّة مرّات ومعهم الفقهاء والقضاة والکتّاب والقوّاد.
وفي آخر الايام أفتي الفقهاء بإباحة دمه، فصلب الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة واُحرقا بالنار، وکان من مذهبه أنّه إله الالهة يحقّ الحقّ، وأنّه الاوّل القديم، الظاهر الباطن، الرازق التامّ، المومأ إليه بکلّ معني.(10) ثمّ ذکر جملة عقائده الباطلة، أعاذنا الله منها ومن القائل بها.
الحسين بن منصور الحلاج
لمّـا قدم الحسين بن منصور الصوفي المشهور إلي بغداد، أراد أن يغري أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وهو من علمائنا الاجلاّء في تلک الفترة، وکان يمتّ إلي الشيخ ابن روح النوبختي (رضي الله عنه) بصلة نسب.
وتخيّل أنّه ممّن تنطلي عليه حيله وخدعه، فکاتبه وادّعي له أنّه وکيل الامام المهدي (عليه السلام)، وقد أخرج الخطيب البغدادي شيئاً من ذلک، کما أخرج الشيخ في غيبته بعض التفاصيل حوله، ويبدو من الروايات أنّ أبا سهل استطاع أن يکشفه ويفحمه ويظهر عجزه، فأمسک الحلاّج عنه وأيس منه.(11)
وذهب الحلاّج إلي قم، فکاتب علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي(رحمه الله) وهو من أجلاّء علمائنا، وأبو الشيخ الصدوق (قدس سره)، وادّعي له الحلاّج أنّه رسول الامام (عليه السلام) ووکيله، فلمّـا وصل خطابه إلي ابن بابويه مزّقه، وقال لرسول الحلاّج: ما أفرغک للجهالات! فقال له الرجل: فإنّ الرجل قد استدعانا، فَلِمَ خرّقت مکاتبته؟ وضحکوا منه وهزءوا به.
ثمّ نهض ابن بابويه إلي دکّانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه، وعندما وصل نهض لاحترامه کلّ من کان هناک غير رجل رآه جالساً في الموضع، فلم ينهض له ولم يعرفه ابن بابويه.
فلمّـا جلس وأخرج حسابه ودواته کما يکون التجّار، أقبل علي بعض من کان حاضراً فسأله عنه فأخبره، فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه، وقال له: تسأل عنّي وأنا حاضر؟ فقال له ابن بابويه: أکبرتک أ يّها الرجل وأعظمت قدرک أن أسألک. فقال له: تخرق رقعتي وأنا اُشاهدک تخرقها. فقال له: فأنت الرجل إذن؟ ثمّ قال: خذ يا غلام برجله وقفاه، وسحبوه من الدار سحباً. ثمّ قال له: أتدّعي المعجزات عليک لعنة الله؟ فاُخرج بقفاه. قال الراوي: فما رأيناه بعدها بقم.(12)
وذکر ابن الاثير في حوادث سنة 309 هـ عقائد الحلاّج الباطلة، وأنّ الخلافة ألقت القبض عليه، وأفتي الفقهاء بإباحة دمه، ولمّـا سمع الحلاّج ذلک، قال: ما يحلّ لکم دمي واعتقادي الاسلام، ومذهبي السنّة، ولي فيها کتب موجودة فالله الله في دمي، وتفرّق الناس، وکتب الوزير إلي الخليفة المقتدر العباسي يستأذنه في قتله، وأرسل الفتاوي إليه، فأذِن في قتله، فسلّمه الوزير إلي صاحب الشرطة، فضربه الف سوط فما تأوّه، ثمّ قطع يده ثمّ رجله ثمّ يده ثمّ رجله، ثمّ قُتل واُحرق بالنار، فلمّـا صار رماداً اُلقي في دجلة ونصب الرأس ببغداد، ثمّ اُرسل إلي خراسان لأنّه کان له بها أصحاب.(13)
محمد بن المظفر
وهو المعروف بأبي دلف الکاتب، وکان من الُمخمّسة المشهورين کما قدّمنا، ثمّ إنّه تولّي أبا بکر البغدادي، واعتبر مذهبه هو الصحيح. وکان يدافع عنه بحرارة، ويقدّمه علي الحسين بن روح (رضي الله عنه)، حتّي أوصي له أبو بکر البغدادي بعد وفاته(14)، وأصبـح بذلک مدّعياً للسفارة بعد السمري، وکان هذا علامة کذبه لدي الاصحاب.
وکان أبو دلف معروفاً بالالحاد، ثمّ أظهر الغلوّ، ثمّ جُنَّ وسُلسل، ثمّ صار مفوّضاً، ونقل عن بعض الرواة أنّه قال: ما عرفناه قطّ، وما حضر في مشهد من الناس إلاّ استُخفّ به، ولا عرفته الشيعة إلاّ مدّة يسيرة، والجماعة تتبرّأ منه ومن يومئ إليه ويتولاّه، وأمره في الجنون أکثر من أن يحصي.(15)
ونکتفي بهذه اللمحات عن اُولئک المشعوذين والملحدين من الذين ادّعوا السفارة للامام المهدي (عليه السلام) کذباً ودجلاً ليعبروا منها إلي تنفيذ أهدافهم وترويج مقالاتهم المنافية لعقائد الاسلام واُصوله الواضحة، طمعاً في الاموال التي کانت تجبي إلي الامام (عليه السلام) بواسطة وکلائه وسفرائه الاربعة، وبدوافع اُخري لعلّ أصابع السلطة غير بريئة منها، وقد أعلن الامام المهدي (عليه السلام) ومن قبله آبائه المعصومون (عليهم السلام) عن کفر أمثال هؤلاء وإلحادهم، وأمروا أصحابهم بلعنهم والبراءة منهم.
الاتجاه العام للامام المهدي عليه السلام
کان الاتجاه العام لسياسة الامام المهدي (عليه السلام) في اتصاله بقواعده الشعبيّة، وقيادته لهم، علي ما يدلّنا عليه تأريخنا الخاصّ مندرجاً في عدّة نقاط:
1 - إقامة الحجّة علي وجوده الشريف بشکل حسّي واضح، لکي يکون مستمسکاً واضحاً وأکيداً لدحض ما قد يثار من الشبهات والاسئلة حول ولادته ووجوده.
وکانت هذه النقطة ممّـا سار عليه والده الامام العسکري (عليه السلام)، کما قدّمناه في فصل النص علي الامام المهدي (عليه السلام)(16)، حيث رأيناه (عليه السلام) يعرض ولده المهدي (عليه السلام) علي الخاصّة من أصحابه، وينص علي إمامته بعده، وأنّه هو الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً.
واستمرّ الامام الحجّة سائراً علي ما سار عليه أبوه في ذلک لاستمرار الاسئلة والاشکال عن قصد أو غير قصد، خاصّة مع اختفاء الامام وغموض مکانه، ووجود الانحرافات بين بعض أصحابه، کما حدث من عمّه جعفر، ومن بعض الغلاة کالشلمغاني وغيره ممّن قدّمنا ذکرهم.
وکان للامام المهدي (عليه السلام) لاثبات وجوده بالطريق الحسّي الواضح عدّة طرق:
الطريق الاوّل: تمکين عدد من الخاصّة من مشاهدته عياناً، وإيصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلي الناس، وخاصّة القواعد الشعبيّة الموالية للامام (عليه السلام)، مع إيصائهم بکتمان المکان وغيره من الخصوصيّات التي قد تدلّ عليه وتيسّر للسلطات طريق الوصول إليه.
الطريق الثاني: إقامة المعجزة بطريق غير مباشر لبعض الاشخاص ممّن لا يواجهه مباشرة، بإرسال رسالة شفوية إليه عن طريق خادم أو غيره تتضمّن اسم الشخص، إن کان ممّـا ينبغي عادة أن يکون مجهولاً، ووصفه للمال الذي يحمله والبلد الذي جاء منه ونحو ذلک ممّـا لا يمکن أن يصدر إلاّ عن حجّة الله تعالي علي خلقه، وسنذکر مصاديق لذلک في فصل معجزاته (عليه السلام)(17)، وفي فصل رسائله وتوقيعاته (عليه السلام).(18)
الطريق الثالث: الاجوبة علي المسائل وحلّ المشکلات وقضاء الحاجات عن طريق وکلائه بطريق منطقي حکيم منسجم مع اُسلوب آبائه (عليهم السلام) في مثل هذه المواقف، بنحو يعلم بعدم تمکّن السفير من أن يأتي بمثله أو أن يخطر علي باله، وخاصّة إذا اقترن ذلک بأمر يجهله السفير أساساً، ممّـا قد أثبته المهدي (عليه السلام) في توقيعه، وسنذکر له (عليه السلام) توقيعات عديدة في الاحکام والعقائد وغيرها.(19)
الطريق الرابع: التزام نحو معيّن من رسم الخطّ، الذي کان يعرفه الخاصّة من مواليه وموالي أبيه (عليه السلام)، فإنّ اختلاف الخطوط باختلاف الاشخاص من أوضح الواضحات، والخطّ يستخدم في التعرّف علي صاحبه في مختلف المجالات القانونيّة والفقهيّة وغيرها.
فکان لخطّ الامام المهدي (عليه السلام) مميّزاته الخاصّة التي يعرفها الخاصّة، والتي لا يمکن تقليدها، کخطّ أيّ شخص آخر، حتّي للسفير نفسه، علي أنّها کانت محفوظة بذاتها ومتشاکلة علي أيدي السفراء الاربعة علي اختلاف خطوطهم الشخصيّة وطبائعهم النفسيّة.(20)
2 - الاختفاء عن السلطات اختفاءً تاماً، بحيث يتعذّر وصولهم إليه مهما کلّفهم الامر، ويتمّ ذلک بعدّة طرق:
الطريق الاوّل: عدم تمکين المشاهدة، إلاّ ممّن يحرز فيه عمق الاخلاص وعدم إفشاء السرّ الذي قد يؤدّي إلي الخطر.
الطريق الثاني: إيصاء الشخص المشاهد تأکيداً لذلک بعدم الافشاء والاحتياط من هذه الناحية علي إمامه، بحيث يکون الفرد ذو مهمّة مزدوجة، فهو يجب عليه الالتزام في إخباره وتبليغه بأن لا يزلق إلي ما لا يحمد عقباه.
الطريق الثالث: تحريم التصريح بالاسم، ومنعه منعاً باتاً، إلي حدّ يمکن أن يقال: إنّه کان مجهولاً عن الکثير من الخاصّة الموالين، فضلاً عن سائر المسلمين، وخاصّة من يمتّ إلي السلطات بصلة.
ومن هنا کان يعبّر عنه الخاصّة عند الحاجة بتعبيرات مختلفة تشير إليه إجمالاً، ولا تعيّنه شخصياً، کالقائم، والغريم، والحجّة، والناحية، وصاحب الزمان ونحو ذلک، ويتجنّبون بالکلّية التعرّض لاسمه الصريح، فإنّهم إن وقفوا علي الاسم أذاعوه، وإن وقفوا علي المکان دلّوا عليه.(21)
الطريق الرابع: الاختفاء التامّ عن السلطات، وعن کلّ من لا يواليه اختفاءً تامّاً مطلقاً، فلئن کان (عليه السلام) في غضون الغيبة الصغري، قد يجتمع ببعض مواليه، فإنّه لا يجتمع بمن سواهم علي الاطلاق، إلاّ ما کان لاقامة الحجّة، وإظهار التحدّي للسلطات مع عدم إمکان إلقاء القبض عليه، کما حدث لرشيق صاحب المادرائي حيث أرسلته السلطات للکبس علي دار المهدي (عليه السلام) في سامراء.
الطريق الخامس: تحويل مکانه بين آونة واُخري، بنحو غير ملفت للانظار، وهذا هو المستنتج من مجموع الروايات الدالّة علي مکانه في الجملة، حيث تدلّ بعضها علي وجوده في مکان، وتدلّ بعضها علي وجوده في مکان ثان أو ثالث وهکذا، وهذا صحيح باختلاف الازمان وتعدّد الايّام والسنين خلال الغيبة الصغري.
الطريق السادس: السکوت التامّ، ومن ثمّ الغموض المطلق، بل الجهل الکامل بطريقة اتّصال الوکيل الخاصّ بالامام المهدي (عليه السلام)، هل هي بطريقة المواجهة أو بطريق آخر، وأين تحدث المواجهة وکيف؟ ولو لم تحدث المواجهة فکيف تصل أجوبة المسائل وحلول المشکلات. کلّ ذلک کان مجهولاً تماماً لدي کلّ إنسـان مهما کـان خاصّاً ومقرّباً، ما عدا السفير نفسه، الذي يضطلع بهذه المهمّة.
ومن الممکن القول بأنّ السفير کان منهيّاً عن التصريح به أساساً لکلّ أحد، ومن ثمّ کان الشخص يقدّم السؤال ثمّ يأتي بعد يومين أو أکثر ليأخذ جواب سؤاله، ولم يرد في الروايات أيّ إشارة لطريقة استحصال الجواب من الامام (عليه السلام).
الطريق السابع: إيکال الوکالة الخاصّة، أو السفارة، إلي أشخاص يتّصفون بدرجة عالية من الاخلاص، بحيث يکون من المستحيل عادة أن يشوا بالامام المهدي (عليه السلام)، أو أن يخبروا بما يکون خطراً عليه ولو مزّق لحمهم ودقّ عظمهم، ولا يتوخّي بعد ذلک أن يکون السفير هو الاعمق فقهاً، أو الاوسع ثقافة، فإنّ السفارة عن الامام (عليه السلام) لا تعني إلاّ التوسّط بينه وبين الاخرين، ولا دخل للافضليّة الثقافية فيها، ومن هنا قد تسند الوکالة الخاصّة إلي المفضول من هذه الجهة، توخّياً لتلک الدرجة من الاخلاص.
فقد اعترضوا علي أبي سهل النوبختي، فقيل له: کيف صار هذا الامر - أي السفارة - إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونک؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولکن أنا رجل ألقي الخصوم واُناظرهم، ولو علمت بمکانه کما علم أبو القاسم، وضغطتني الحجّة(22)، لعلّي کنت أدلّ علي مکانه، وأبو القاسم لو کان الحجّة(23) تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما کشف الذيل عنه.(24)
3 - قبض المال وتوزيعه بواسطة سفرائه ووکلائه، والمال المقبوض يکون عادة من الحقوق الشرعيّة التي يعطيها أصحابها من الموالين للامام (عليه السلام)، في مختلف البلاد الاسلامية، فکان إذا اجتمع عند قوم أموال من هذه الحقوق، أرسلوها بيد أحد اُمنائهم إلي الناحية.
وقد يکون المال المقبوض هبة شخصية للامام (عليه السلام)، من قبل أحد مواليه، عيناً أو ثوباً أو غير ذلک، وقد يکون موصيً به من قبل أحد الاشخاص للايصال إلي الامام (عليه السلام) بعد موته، أو غير ذلک من الوجوه.
وهذه الاموال منها ما يصل إلي الامام مباشرة، ومنها ما يبقي في يد الوکيل، يوزّعه بحسب نظر الامام وقواعد الاسلام.
کما أنّ حامل الاموال إلي الامام (عليه السلام) قد يوفّق إلي دفعها إلي السفير مباشرة، وقد لا يستطيع حتّي ذلک، بل يؤمر بوضع المال في مکان معيّن، وذلک بحسب اختلاف الظروف والاحوال التي يعيشها السفراء بشکل خاصّ والقواعد الشعبيّة الموالية بشکل عامّ.
4 - أجوبته (عليه السلام) عن الاسئلة التي کانت تصل إلي الامام (عليه السلام) عن طريق السفراء، والتي تعدّ من أهمّ مهامّ السفراء، فقد کانت تجتمع عند السفير بکثرة من مختلف طبقات الموالين، وهو ملزم بإيصالها إلي الامام (عليه السلام).
وجواب الامام (عليه السلام) قد يکون توقيعاً، أي جملة مختصرة مکوّنة من بعض کلمات، وقد يکون مطوّلاً مسهباً، بحسب ما يراه الامام المهدي (عليه السلام) من مصلحة السائل والمجتمع.
الهوامش:
(1) دلائل الامامة / الطبري: 519 ـ 524 / 493.
(2) غيبة الطوسي: 249.
(3) غيبة الطوسي: 248 ـ 250.
(4) راجع الغيبة / الطوسي: 252 ـ 254، معجم رجال الحديث 7: 50.
(5) کذا، ولعلّه أحمد بن هلال، لانّ ابن بلال هو محمّد بن بلال.
(6) راجع غيبة الطوسي: 228.
(7) غيبة الطوسي: 239.
(8) غيبة الطوسي: 186.
(9) غيبة الطوسي: 250، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 512 ـ 522، المجالس السنيّة 5: 689، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 23، بحار الانوار 51: 372.
(10) الکامل في التأريخ 7: 103 ـ 105.
(11) راجع غيبة الطوسي: 248.
(12) غيبة الطوسي: 248 ـ 249، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 529 ـ 532، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 22، بحار الانوار 51: 369.
(13) الکامل في التأريخ 7: 4 ـ 6.
(14) راجع غيبة الطوسي: 250 و255 ـ 256.
(15) غيبة الطوسي: 254 ـ 255.
(16) الفصل الرابع من کتابنا هذا.
(17) الفصل العاشر.
(18) الفصل الحادي عشر.
(19) في الفصل الحادي عشر.
(20) راجع غيبة الطوسي: 216 و220.
(21) الغيبة للطوسي: 222.
(22) أي في المناظرة.
(23) يريد الامام (عليه السلام).
(24) راجع غيبة الطوسي: 240.
******************
وتندرج في ذلک الاسئلة الفقهيّة والعقائدية التي کانت توجّه إليه والطلبات الشخصية، کما يندرج في ذلک مناقشاته للشبهات التي کانت قد تنجم بين الموالين، وللدعاوي الکاذبة بالسفارة عنه (عليه السلام) ولعن المدّعين وکشف اتجاهاتهم المنحرفة.
ويندرج في ذلک ما خرج عنه (عليه السلام) من الترحّم علي السفير الاوّل وتعزية ولده السفير الثاني، وما خرج من البيان عن انقطاع السفارة بعد السمري السفير الرابع (رضي الله عنه) وغير ذلک من التوقيعات التي جعلناها في فصل خاصّ.(1)
5 - قضاؤه (عليه السلام) لحوائج الناس من قواعده الشعبيّة من الناحية الشخصية، يندرج في ذلک المال الذي يأخذه بعضهم من المهدي (عليه السلام) مباشرة إذا وُفّقوا للقائه، والمال الذي يأخذه الاخرون من السفراء أو غيرهم ممّن يمتّ إلي الامام (عليه السلام) بصلة، وهي بمجموعها أموال مهمّة لا يستهان بها.
کما يندرج في ذلک نصحه (عليه السلام) لمستنصحيه، بالقيام بعمل معيّن، کالحجّ أو غيره او الامتناع عنه، بحسب ما يري من المصلحة التي يتّضح بعد ذلک للسائل مطابقتها لمقتضي الحال، کما يندرج في ذلک الاکفان والحنوط والاثواب التي کان يعطيها لبعض الخاصّة مع الطلب أو بدونه، وذلک قبل موت ذلک الشخص بقليل.
6 - عدم التعرّض في کلام المهدي (عليه السلام) إلي شيء من الحوادث العامة في المجتمع أو في الدولة أو في الخارج، وما يقوم به الخلفاء أو الوزراء أو الاُمراء أو القوّاد أو القضاة أو غيرهم ممّن له شأن أو ممّن ليس له شأن.
وهذا الاعراض الکامل، يشکّل احتجاجاً صامتاً وشجباً سلبيّاً لمجموع الخطّ الذي يسير عليه الناس المنحرفون وذوو المصالح الشخصيّة الصانعون لتلک الحوادث الممثّلون لها علي مسرح التأريخ ابتداءً من الدولة وانتهاءً بقواعدها الشعبيّة، ذلک الخطّ المنفصل عن خطّه (عليه السلام)، والمنهج المغاير لمنهجه.
کما أنّ التعرّض للحوادث العامّة ومن ضمنها الاحداث السياسيّة، إذا کان ممّـا يمسّ الدولة من قريب أو بعيد، أو بعض أجهزتها وأعوانها، فإنّ ذلک يعدّ إعلاناً صريحاً للخلاف علي الدولة، الامر الذي يعرّض سائر الافراد الموالين للامام (عليه السلام) إلي الخطر والتهديد، وهو ما لا يريده الامام المهدي (عليه السلام)، کما لم يکن يريده لهم آباؤه (عليهم السلام).
علي أنّ الامام (عليه السلام) کان مستوعباً للاحداث واعياً للمشاکل التي تنوء بالمجتمع ولحلولها الاسلامية علي المستوي القيادي الرسالي، وليس هو بعيداً عن الاحداث منصرفاً عن المسؤولية الکبري الملقاة علي عاتقه باعتباره حجّة الله تعالي في أرضه، وفکرة السفارة وما يترتّب عليها من المصالح الکبري في التوجيه العقائدي الرسالي هي دليل علي قربه من الناس وإحساسه بالمسؤولية الرسالية الملقاة علي عاتقه.
الاتجاه العام للشعب الموالي
کان الاتجاه العامّ للشعب الموالي لخطّ الامام (عليه السلام) خلال الغيبة الصغري مرکّزاً حول عدّة نقاط مترابطة:
1 - الاعتماد العامّ والتوثّق الکامل من السفراء وحسن الظنّ بهم بأفضل أشکاله، بما هم أهل لذلک، لما هو معروف عند الشعب الموالي من نصوص الائمة الماضين (عليهم السلام) في توثيق وتجليل ومدح السفيرين الاوّلين، مضافاً إلي التجربة الفعليّة، والمعاشرة من قريب أو من بعيد، التي عاشها الناس مع السفراء الاربعة، قبل سفارتهم وبعدها، فعرفوا بالاخلاص والايمان والصدق والتقوي، بنحو يجعلهم في السنام الاعلي من خاصّة الشعب الموالي. فکانوا لا يشکّون، بأيّ حال من الاحوال، بما ينقله أحد السفراء إليهم شفوياً أو کتبيّاً عن الامام المهدي (عليه السلام) مضافاً إلي ما عرفناه من استدلالهم علي صدق الرسالة من خطّها، ومن مضمونها، ومن اُسلوب تبليغها.
2 - الرجوع في مشکلات الاُمور العقائدية والفقهية والشخصية إلي الامام (عليه السلام) عن طريق سفرائه، لکي يذلّلها لهم برأيه وحکمته، وبذلک يکون الامام المهدي (عليه السلام) وهو في غيبته قد أخذ بزمام الادارة لقواعده الشعبية ومواليه، وتدبير اُمورهم وإرشادهم فيما ينبغي أن يفعلوا أو أن يترکوا.
3 - الاعتماد علي التسالم علي أمر من الاُمور الموجودة بين أفراد الشعب الموالي أو الرأي العامّ الذي يوجد لديه، تجاه أيّ مسألة أو مشکلة. وهذا التسالم تستقيه القواعد الشعبية من خاصّتها وموجّهيها وعلمائها علي وجه العموم، ومن السفراء علي وجه الخصوص، وکان السفراء يتسالمون علي الامر نتيجة للقواعد الاسلامية التي يعرفونها، أو باعتبار صدور النص فيها من قبل الامام المهدي (عليه السلام) علي يد أحد سفرائه، أو باعتبار تجربة حسّية عاشوها مع سلوک الفرد الذي تسالموا علي وثاقته أو الذي تسالموا علي انحرافه.
وذلک کالتسالم علي وثاقة السفيرين الاوّلين(2)، وعلي وثاقة السفير الثالث الحسين بن روح(3)، بل علي وثاقة السفراء الاربعة جميعاً، وکالتسالم علي انحراف ولعن الشلمغاني ابن أبي العزاقر(4)، والتسالم بأنّ کلّ من ادّعي السفارة بعد السمري فهو کافر ضالّ مضلّ.(5)
فکانت هذه الاُمور وأمثالها، من الاُمور الواضحة، غير القابلة للمناقشة، يتلقّاها الخلف عن السلف، والجاهل عن العالم، والعامّة عن الخاصّة، وتعتبر جزءاً من معالم الدين.
الاتجاه العام للسفراء
اضطلع السفراء الاربعة المنصوبون للسفارة من قبل الامام (عليه السلام) بعدّة مهام، منها:
1 - قيادة القواعد الشعبيّة الموالية للامام (عليه السلام) من الناحية الفکرية والسلوکية، طبقاً لاوامره (عليه السلام)، وبعبارة اُخري: التوسّط في قيادة المهدي (عليه السلام) للمجتمع وتطبيق تعاليمه فيه، طبقاً للمصالح التي يراها ويتوخّاها.
2 - الاخلاص في السفارة عن المهدي (عليه السلام)، وفي خدمة قواعدهم الشعبية المفتقرة إلي قيادتهم وسفارتهم کلّ الافتقار، والتضحية في سبيل ذلک بالغالي والنفيس.
3 - الکتمان والحذر من أن يکون عملهم ملفتاً للنظر، والحرص علي أن تکون حياتهم وتجاراتهم طبيعية جدّاً، غير مثيرة لايّ تساؤل أمام الدولة وعملائها وقواعدها الشعبيّة.
4 - التزامهم بالتقيّة مهما أحوجهم الامر إلي ذلک، ويجعلونها طريقاً لتهدئة الخواطر عليهم، وإبعاد النظر عنهم، لکي تنفسح لهم فرصة أوسع ومجال أکبر للعمل، ممّـا إذا کانوا مراقبين ومطاردين بشکل مستمرّ.
ولا بدّ أن يکون السفراء قد استقوا الخطوط العامّة لهذا الاتجاه من الامام (عليه السلام) بحسب ما يري من المصالح في ذلک الحين والظروف التي کانت تعيشها قواعده الشعبية تجاه الدولة والاخرين، وکان کلّ سفير منهم يطبّقه بمقدار ظروفه وشکل تطوّر الحوادث في زمنه، وقد استطاع السفراء بمسلک التقيّة قيادة قواعدهم الشعبيّة وهدايتها والمحافظة عليها.(6)
موقف جعفر الکذاب من الامام
تؤکّد الروايات الکثيرة أنّه لمّـا شبّ جعفر بن الامام الهادي (عليه السلام) وترعرع، انحرف عن أخلاق الاسلام وتعاليه، وعن الخطّ الرسالي الذي کان آباؤه (عليهم السلام) قد وضعوه بين أيدي المسلمين لاتمام الحجّة عليهم، وإنقاذهم ممّـا کانوا يعانون من شدّة وبلاء، واختار لنفسه منادمة الحکّام وأجهزتهم، والانغماس بکلّ ما من شأنه الابتعاد عن الدين کالخمور والملذّات المحرّمة والمنکرات، حتّي أنّ والده الامام الهادي (عليه السلام) حذّر أصحابه من جعفر ودعاهم إلي أن يتجنّبوه.
روي جماعة من أصحابنا منهم محمّد بن عبد الحميد البزّاز وأبو الحسين محمّد بن يحيي، ومحمّد بن ميمون الخراساني، والحسين بن مسعود الفزاري، قالوا: إنّ سيّدنا أبا الحسن الهادي (عليه السلام) کان يقول لهم: تجنّبوا ابني جعفراً، فإنّه منّي بمنزلة نمرود (کنعان) من نوح، الذي قال الله عزّ وجلّ فيه: (فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْني مِنْ أهْلي) فقال الله: (يا نوحُ إنَّهَ لَيْسَ مِنْ أهْلِکَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح).(7)
وقالوا: إنّ أبا محمّد العسکري (عليه السلام) کان يقول لنا بعد أبي الحسن (عليه السلام): الله الله أن يظهر لکم أخي جعفر علي سرٍّ ما، مثلي ومثله إلاّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم، حيث حسد قابيل هابيل علي ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل، ولکن الله غالبٌ علي أمره.(8)
ويستفاد من الاخبار أنّ لهذا الرجل ثلاث نشاطات منحرفة ومضادّة للحقّ وللامام المهدي (عليه السلام).
أ - ادّعاؤه الامامة بعد أخيه الحسن بن علي العسکري (عليه السلام)، وقد لجأ إلي عدّة وسائل في هذا السبيل، منها: محاولته الصلاة علي أخيه، ومنها توسّطه عند الدولة في أن تجعل له مرتبة أخيه في الزعامة علي القواعد الشعبية الموالية، وقد باء في کلتا المحاولتين بالفشل الذريع.
2 - إنکاره وجود الوريث الشرعي للامام العسکري (عليه السلام)، ومن ثمّ ادّعاؤه استحقاق الترکة، واستيلاؤه عليها بإذن من السلطات الحاکمة.
3 - الايعاز إلي الدولة باحتمال وجود الامام المهدي (عليه السلام)، فتبدأ سلسلة من المطاردات والاعتقالات، وتنتهي الحملة باضطهاد الموجودين من عائلة الامام العسکري (عليه السلام) وعدم العثور علي الامام المهدي (عليه السلام)، وهذا هو الذي عبّرت عنه الاخبار بکشف ما أوجب الله کتمانه وستره.
ولقد کان عامّة الناس يعرفونه بالفجور والفسق فضلاً عن خواصّهم.
فقد روي عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان وزير المعتمد العباسي، وقد سئل عن جعفر وعن أخيه أبي محمّد الحسن العسکري (عليه السلام) قال: ومن هو جعفر فيُسأل عن خبره أو يُقرن به؟! ومضي أحمد بن الوزير يقول: ولمّـا دُفِن أخوه الحسن العسکري (عليه السلام) جاء إلي أبي وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي، وأوصل لک في کلّ سنة عشرين ألف دينار. فزبره أبي وأسمعه ما يکره. وقال له: يا أحمق، إنّ السلطان قد جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنّ أباک وأخاک أئمّة ليردّهم عن ذلک، فلم يقدر عليه، وجهد أن يزيل أباک وأخاک عن تلک المرتبة فلم يتهيّأ له ذلک، فإن کنت عند شيعة أبيک وأخيک إماماً، فلا حاجة بک إلي سلطان يرتّبک مراتبهما، ولا غير سلطان، وإن لم تکن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا.(9)
وقال أبو الاديان خادم الامام العسکري (عليه السلام) الذي کان يتولّي نقل کتبه ورسائله إلي الشيعة في مختلف المناطق، وکان قد أرسله إلي المدائن وحمله رسائل إلي وجوه شيعته فيها، ولمّـا رجع وجد الامام قد توفّي وأخاه جعفر واقفاً بباب الدار يستقبل المعزّين والمهنّئين له بالامامة بعد أخيه، فقال کما جاء في الرواية عنه: إن يکن هذا هو الامام بعد الحسن بن علي فقد بطلت الامامة، وکان يعرفه بتعاطي المنکرات والاستهتار بأحکام الله سبحانه.
وکانت السلطة جادّة في مساندة جعفر وإحلاله محلّ أخيه، وقد قدّمته للصلاة عليه لهذه الغاية، ولمّـا وقف علي الجنازة فوجئ الناس بصبيّ لم يتجاوز السادسة من عمره، يخرج من الدار ويأخذ برداء عمّه إلي الوراء وهو يقول: تأخّر يا عم فأنا أحقّ منک بالصلاة علي أبي، فيتأخّر جعفر بدون أن تبدر منه أية معارضة ويربد وجهه وتعلوه صفرة تنمّ عن الخيبة والفشل.
ومع تلک الصدمة العنيفة التي اُصيب بها بظهور الوريث الشرعي لاخيه الذي کان يجهله عامّة الناس وتنحيته عن الصلاة عليه بحضور تلک الحشود المجتمعة لتشييع الجثمان الطاهر إلي مثواه الاخير، فقد بقي في نفسه شيء من الامل أن يتمّ له الاستيلاء علي مرکز أخيه ولو بواسطة السلطة الحاکمة وأجهزتها التي کانت تعمل لصالحه وتوجّه الوافدين وجباة الاخماس إليه.
لکن جهوده الخاصّة وجهود الحاکمين وأجهزتهم تعثّرت وباءت بالفشل، ذلک لانّ وکلاء الائمة وخاصّتهم وحتّي عامّة الشيعة يعرفون أنّ الذين اختارهم الله للامامة وقيادة الاُمّة، قد حباهم الله سبحانه بما يتعسّر علي غيرهم من الناس، وقد ادّعاها قبله اُناس بدافع الانانية وحبّ الشهرة وبتحريض الحاکمين ومساندتهم، ولکنّهم سرعان ما انکشفوا علي حقيقتهم وارتدّوا علي أعقابهم خاسرين.
ولم يکن جعفر الکذّاب بأوفر حظّاً من اُولئک الادعياء، لا سيّما وهو بالاضافة إلي جهله، معروف بالاستهتار بالدين وممارسة المنکرات ورکوب الموبقات، ورجع شيعة آبائه إلي الامام الشرعي بعد أن عرفوا سيرة جعفر وجهله وفقدانه مقوّمات الامامة ودلائلها المعروفة لديهم، فضلاً عمّـا أظهر لهم الامام المهدي (عليه السلام) من الدلائل وما کان يظهره أبوه وأجداده (عليهم السلام) من قبله.
روي الخصيبي عن جماعة من أصحابنا، قالوا: إنّ الشيعة بعد أبي محمّد العسکري (عليه السلام) زادوا في هجره وترکوا السلام عليه، وقالوا: لا تقيّة بيننا وبينه، فنحمل له، وإن نحن لقيناه وسلّمنا عليه ودخلنا داره وذکرناه، يضلّ الناس فيه، ويعملون علي ما يرونا نفعله، فنکون بذلک من أهل النار.(10)
وجاء في رواية أبي الاديان المتقدّمة، وهو الذي کان يحمل الکتب والرسائل من وإلي الامام أبي محمّد العسکري (عليه السلام)، أنّه لمّـا دُفِن الامام العسکري (عليه السلام) قال لي ولده القائم (عليه السلام): يا بصري، هات أجوبة الکتب التي معک، فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه بيّنتان: الصلاة علي أبيه، وعلمه بما أحمله من أجوبة الکتب، ولم يکن قد علم بذلک أحدٌ من الناس.
قال: ثمّ خرجت إلي جعفر بن علي وجلست عنده، وبينما نحن جلوس، وإذا بنفر من قم يقصدون الامام أبا محمّد (عليه السلام)، ولم يکونوا قد عرفوا بوفاته إلاّ بعد دخولهم سامراء، فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلي أخيه جعفر، فدخلوا عليه وعزّوه بأخيه وهنّوه بالامامة، ثمّ قالوا له: إنّ معنا کتباً وأموالاً، فإذا أخبرتنا ممّن الکتب وعن مبلغ المال دفعناها إليک، فقام ينفض ثيابه وهو يقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب!! فلم يدفعوا إليه شيئاً.
وفيما هو في حيرة من أمرهم، وإذا بالخادم يخرج من دار الامام (عليه السلام) فقال لهم: معکم کتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا إليه الکتب والاموال، وقالوا: إنّ الذي أخبرک بذلک هو الامام بعد أبي محمّد (عليه السلام).
فاغتاظ جعفر من ذلک، ودخل علي المعتمد العباسي، وقصّ عليه ما جري للقمّيين، فوجّه معه المعتمد أجهزته فقبضوا علي صقيل اُمّ المهدي (عليه السلام) وطالبوها به، فأنکرته، فسلّموها إلي ابن أبي الشوارب القاضي، ثمّ تشاغلوا عنها بموت عبيد الله ابن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج في البصرة، وخرجت من بين أيديهم.
وعن عليّ بن سنان، عن أبيه، أنّه قال: لمّـا قبض أبو محمّد الحسن العسکري (عليه السلام)، وقدم بالاموال وفود من قم والجبال، ولم يکن عندهم علم بوفاة الحسن العسکري (عليه السلام)، فلمّـا قدموا سامراء، وعلموا بوفاته، سألوا عن وارثه، فقيل لهم: أخوه جعفر بن علي، وکان قد خرج متنزّهاً في دجلة مع المغنّين والغلمان، فلمّـا رجع دخلوا عليه وقالوا: يا سيّدنا، نحن من قم وجهاتها، وکنّا نحمل إلي سيّدنا أبي محمّد الاموال، فخبّرنا عن مقدارها ومن أين جمعت؟
فقال لهم جعفر: کذبتم، تقولون علي أخي ما لا يفعله، وهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه غير الله، فلمّـا سمع القوم کلامه، جعل بعضهم ينظر إلي بعض، ثمّ قال لهم: ادفعوا المال. فقالوا: إنّا قوم مستأجرون، وإنّا لا نسلّم المال إلاّ بالعلامات التي کنّا نعرفها من أخيک، فإن کنت إماماً، فبرهن لنا، وإلاّ رددنا الاموال لاصحابها.
فقام جعفر ودخل علي الخليفة واستعداه عليهم، فأمرهم بدفع الاموال إلي جعفر، فقالوا: إنّا قوم مستأجرون، وقد اُمرنا أن لا ندفع المال إلاّ بعلامة ودلالة، کما جرت العادة مع أخيه، وکان يصف لنا الدنانير وأصحابها ومقدارها، فإن يکن هذا صاحب الامر من بعده، فليقم لنا ما کان يقيمه أخوه، وإلاّ رددنا المال لاصحابه.
ثمّ إنّهم خرجوا من سامراء، وفيما هم خارج البلدة، وإذا بشابّ قد لحق بهم، وقال: يا فلان ويا فلان، أجيبوا مولاکم، فرجعوا ودخلوا علي الامام (عليه السلام)، فأخبرهم بالمال ومقداره ومن أرسله، فدفعوا إليه المال، ثمّ أوصاهم بأن لا يحملوا إلي سامراء بعد ذلک شيئاً، وأن يرسلوا الاموال والکتب إلي نوّابه في بغداد.
وأضاف الراوي: أنّ جعفر حمل إلي الخليفة مبلغاً کبيراً من المال، وطلب منه أن يجعل له منزلة أخيه. فقال له: إنّ منزلة أخيک لم تکن بنا، وکنّا نجهد في حطّ منزلته ويأبي الله إلاّ أن يزيده رفعة، لما کان فيه من حسن السمت والعلم والعبادة، فإن کنت عند شيعته بمنزلته فلا حاجة بک إلينا، وإن لم تکن کذلک فلا نغني عنک شيئاً.
ولا ريب أنّ الحکّام وأجهزتهم قد بذلوا أقصي ما لديهم من جهد لارجاع الشيعة إلي جعفر لأنّه کان من أعوانهم، ويجلس علي موائدهم، وقد ساعدتهم الظروف الغامضة التي کانت تحيط بالامام المهدي (عليه السلام) واختفائه عن الناس علي الدعوة لعمّه جعفر بحجّة أنّه الوريث الوحيد لابيه وأخيه، في حين أنّ جعفراً لم يکن يجهل وجود الامام (عليه السلام) وحتّي أنّ الحاکمين کانوا يعرفون ذلک، ولکنّ الله سبحانه کان لهم بالمرصاد، فأحبط جميع مخطّطاتهم وردّ الذين کفروا بغيظهم لم ينالوا شيئاً، ورجع إلي الامام (عليه السلام) شيعة آبائه، وظلّوا علي اتصال به خلال الغيبة الصغري بواسطة سفرائه ووکلائه کما تؤکّد ذلک الروايات.
ولقد أذاق الله تعالي جعفراً الذلّ والفقر في الدنيا، ولعذاب الاخرة أشدّ وأخزي، فلقد روي أنّه قد بلغ به الفقر حدّاً إلي أن أمرت الجدّة، وهي جدّة أبي محمّد العسکري (عليه السلام) أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لدوابه وکسوة لاولاده واُمّهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم.(11)
ما الحکمة من غيابه؟
لم يستتر شخص الامام الحجّة (عليه السلام) عن أبصار معاصريه إلاّ بتقدير من الله العزيز، والله تعالي لا يُسأل عمّـا يفعل وهم يُسألون، فلامر ما لا تدرکه عقولنا ببداهة، کانت الغيبة، وکانت عن إرادة حکيم لا شکّ أنّ في تقديره حکمة لا تنالها الافهام القاصرة، وسينکشف سرّها يوم الظهور المبارک.
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول: إنّ لصاحب هذا الامر غيبة لا بدّ منها، يرتاب فيها کلّ مبطل.
فقلت: ولم جعلت فداک؟
قال: لامر لم يؤذن لنا في کشفه.
قلت: فما وجه الحکمة في غيبته؟
قال: وجه الحکمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالي ذکره، إنّ وجه الحکمة في ذلک لا ينکشف إلاّ بعد ظهوره، کما لا ينکشف وجه الحکمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسي (عليه السلام) إلاّ وقت افتراقهما.
يا بن الفضل، إنّ هذا الامر أمرٌ من أمر الله تعالي، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتي علمنا أنّه عزّ وجلّ حکيم صدّقنا بأنّ أفعاله وأقواله کلّها حکمة، وإن کان وجهها غير منکشف لنا.(12)
إذن علينا أن نتعبّد بالاعتقاد بغيبة الامام (عليه السلام) کما نتعبّد ونسلّم لکثير من المسائل الشرعيّة دون أن نعرف بالتحديد ما هي العلّة منها وما هو سببها، وذلک لا نّنا اُمرنا بذلک من الصادق الامين محمّد المصطفي (صلي الله عليه وآله)، أو نوّه به کتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد ورد في توقيع عن الامام المهدي (عليه السلام) قال: فاغلقوا باب السؤال عمّـا لا يعنيکم، ولا تکلّفوا علم ما قد کفيتم، وأکثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلک فرجکم.(13)
وعليه لا يمکن البتّ في هذا الامر، نعم يمکن إيراد بعض الاسباب الواردة في الاحاديث الواصلة إلينا من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وکما يلي:
1 - قد دلّت بعض الاخبار علي أنّه (عليه السلام) حينما يقوم ليس في عنقه بيعة لاحد، وعليه فلا بدّ من استتاره کي يتحرّر عن البيعة لاحد.
عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: يقوم القائم وليس في عنقه بيعة لاحد.(14)
عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: يقوم القائم وليس لاحد في عنقه عقد ولا عهد ولا بيعة.(15)
وورد عن الامام المهدي (عليه السلام) في توقيعه إلي إسحاق بن يعقوب، قال: وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَسْألوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسؤکُم)(16)، إنّه لم يکن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي.(17)
2 - ودلّت بعض الروايات علي أنّه لا بدّ من النظر في مسيرة الانبياء والمرسلين، فقد استتر نبيّنا محمّد (صلي الله عليه وآله) في شعب أبي طالب عدّة سنوات خوفاً من طواغيت قريش ومردتها، وکان يحميه عمّه أبو طالب، شيخ الابطح وسيّد الهاشميين، واستتر (صلي الله عليه وآله) قبلها في غار حرّاء، محافظة علي نفسه ورسالته، وهرباً ممّن کان يؤذيه في عبادته، ويقف في سبيل دعوته، وذلک حين قلّة المؤمنين بدعوته وفقدان الانصار، وکذلک فسّرت غيبة ولده المهدي (عليه السلام).
روي زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنّه قال: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولِمَ ذلک؟ قال: إنّه يخاف، وأومأ بيده إلي بطنه، يعني القتل.
وفي رواية اُخري عنه (عليه السلام)، قال: يخاف علي نفسه الذبح.(18)
وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: إنّ لصاحب هذا الامر غيبة يقول فيها: (فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّـا خِفْتُکُمْ فَوَهَبَ لي رَبِّي حُکْماً).(19)
وقد استتر إدريس (عليه السلام) عشرين سنة خوفاً من اُمّته الضالّة التي رفضت دعوة الحقّ وناصبته العداء، وقال موسي (عليه السلام) لقومه: (فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّـا خِفْتُکُمْ فَوَهَبَ لي رَبِّي حُکْماً وَجَعَلَني مِنَ المُرْسَلين).(20) وعليه فإنّ کلّ غيبة مهما طالت أو قصرت، هي بسبب الخوف من الظالمين، وليس هو خوفاً عادياً من مواجة القتل، بل هو خوف علي حجّة الله الذي اصطفاه ربّه لاقامة دعائم الحقّ والعدل، وادّخره ليمحق الظلم ويقيم العدل حين تتمّ الموازين التي قدّرها ربّه لظهوره، وحين تقتضي الحکمة تأديب الطواغيت من الخلق.
الهوامش:
(1) الفصل الحادي عشر.
(2) الغيبة للطوسي: 215.
(3) الغيبة للطوسي: 227.
(4) الغيبة للطوسي: 250.
(5) الغيبة للطوسي: 255.
(6) الغيبة الصغري: 367 ـ 386 باختصار وتصرّف.
(7) سورة هود 11: 45 ـ 46.
(8) مدينة المعاجز 8: 134 / 2736.
(9) الارشاد 2: 324.
(10) مدينة المعاجز 8: 135.
(11) مدينة المعاجز 8: 135.
(12) منتخب الاثر: 266 / 1.
(13) منتخب الاثر: 267، بحار الانوار 53: 181.
(14) غيبة النعماني: 126.
(15) غيبة النعماني: 114 و127.
(16) المائدة: 101.
(17) بحار الانوار 53: 181.
(18) کمال الدين: 481.
(19) غيبة النعماني: 116.
(20) الشعراء: 21.
******************
ثمّ إنّ حال الامام المهدي (عليه السلام) تختلف عن حال آبائه (عليه السلام)، فمع أنّ السلطة کانت تضيق عليهم لتدفعهم عن مراتبهم ولتدفع الخطر عن ملکها، لکنّها کانت تترک متنفّساً لشيعتهم وتغضّ الطرف عن الاجتماع إليهم والاستماع منهم، ولو بشکل محدود، لتمتصّ ما عند شيعتهم من النقمة والسخط، أمّا الحال مع الامام الثاني عشر (عليه السلام) فتختلف کثيراً، ذلک لأنّهم يعلمون أنّ القائم (عليه السلام) هو المرصود لمعاملة الظالمين بلا هوادة ولا مهادنة، لاحياء ما اندرس من معالم القرآن والسنّة والعقيدة، والحاکمون کانوا له بالمرصاد منذ ولادته وقبل ذلک، وقد کانت محاصرة رجال السلطة لدار أبيه أثناء الحمل به، وبثّوا الارصاد والعيون وراءه لاغتياله قبل أن يبصر النور، حتّي إنّهم حين فشلوا في الکشف عنه، قبضوا علي نساء أبيه وجواريه، وحبسوهنّ أکثر من سنة بأمل أن تضع من کانت منهنّ حبلي، وروي أنّ اُمّه لمّـا سئلت عن المولود أنکرته، وادّعت حملاً بها لتغطّي علي حال الصبي، فأودعت في غياهب السجن، ولولا أنّ الله تعالي قد شغل السلطة، في ذلک العهد بثورة البصرة وصاحب الزنج، لمّـا أفلتت من أيديهم بعد ادّعائها الحمل المتوهّم.(1)
فثمّة اختلاف واضح بين حال الامام المهدي (عليه السلام) وحال آبائه (عليهم السلام)، فالامام المهدي (عليه السلام) مقدّر له إزالة الظلم والاستبداد، وإقامة دولة الحقّ والعدل، وکان موقف آبائه (عليه السلام) سيّما بعد وقعة کربلاء المؤلمة، منحصراً بالامر بالمعروف والنهي عن المنکر، في إطار واجباتهم الرسالية التي تتضمّن تأصيل العقيدة الاسلاميّة الحقّة، وشرح الکتاب وتبيانه، وإقامة السنّة، ومع ذلک لم يسلموا من سجون الظالمين حتّي قضوا (سلام الله عليهم) بين مقتول ومسموم، فکيف إذا ظهر الامام المهدي (عليه السلام) وهم يعلمون أنّه القائم بالسيف لازالة قواعد الظلم واستئصال الظالمين؟ فلا سبيل له (عليه السلام) إلاّ أن يتواري کما شاء له الله، وأن يعدّ العدّة ويتحيّن الفرصة والاذن من الله تعالي بالخروج، ليخرج بسيف عدل يقطع رقاب الظالمين.
3 - ولا يخفي أنّ غيبة الامام المهدي (عليه السلام) هي اختبار للمسلمين وتمحيص للمؤمنين، ومصيبة المسلمين في غيبته (عليه السلام) تکون دافعاً وواعزاً للتوجّه نحو الله تبارک وتعالي والانقطاع إليه لنصرة الحقّ وإصلاح المجتمع وتعجيل الفرج، وفي هذا ما فيه من تکميل للنفوس وتهذيب لصفات الکمال وإصلاح الغرائز فيها لتسير في مدارج الکمال.
اعتراض وجواب
وقد يقال: لم لا يخرج ويحول الله تعالي بينه وبين من يريدون قتله ما زال في عين الله وکنفه؟ وما زال مسلّحاً بعناية الله، فإنّ الاُمور تستقيم له بالقوّة، ويصير الناس بخروجه علي خير ممّـا هم عليه الان؟
نقول: والجواب عن ذلک واضح، ذلک أنّ الله تعالي جعل الناس في دار امتحان وتمحيص، وجعلهم مکلّفين، بعد أن بيّن لهم صراط الحقّ علي لسان أنبيائه وحججه، وخروجه (عليه السلام) علي الطريقة المثارة في السؤال، أمرٌ يتنافي مع تکليفنا وتکليفه، إذ تصبح المسألة مسألة إله يواقع الناس في ساحة حرب ليکونوا مؤمنين رغم اُنوفهم، ولقد کان بين الناس الغابرين والحاضرين کثير من الاشرار الذين هم في دار امتحان، فمن آمن منهم بأوامر الله ونواهيه نجا، ومن استمرّ علي سيرته هلک، فهل يا تري لو خرج الامام (عليه السلام) يجد له أنصاراً صالحين بيننا اليوم، أم سنقول له: إذهب أنت وربّک فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون؟ فتصبح المسألة مسألة جبر وتدخّل إلهي لنصرته لارغام الناس علي الاسلام! ولا دخل فيها للانسان المکلّف بأن يختار لنفسه صفّ الاخيار أو صفّ الاشرار.
ومعلوم أنّ الله تعالي أقدر علي إبادة الظالمين من الامام في أيّ وقت شاء، لکنّه تعالي أمهلهم وترک لهم سبيل اختيار مصائرهم في دار الدنيا، حتّي يخرج لهم إماماً منقذاً، وهو أقدر علي هدايتهم أو علي البطش بهم، ذلک أنّ الله جلّ وعلا لا يعاجل بالعقوبة، ولا يقال له: لم وکيف ومتي، هو سبحانه يمهل العباد رأفةً بهم، ويبعث إليهم من يهديهم وينذرهم، ويستعمل معهم جميع الوسائل التي تصلح شأنهم، ولا يفعل إلاّ ما فيه الرحمة واللطف، فلا ينبغي أن تطرح عليه الحلول، فأمره بغيبة الامام (عليه السلام) کأمره بظهوره، وکلّ أمر منهما واحد من جملة ألطافه بالناس، والناس علي کلّ حال في قبضته، لا يخرجون عن سلطانه، ولا يهربون من فوق أرضه، ولا من تحت سمائه (فَمَهِّلِ الکافِرينَ أمْهِلْهُمْ رُوَيْداً).(2)
اعتراض آخر
وقد يقال: لِمَ لَمْ يبق ظاهراً، ويعتزل الحکم الدنيوي کآبائه، ويأمر بالقسط والعدل، ويصلح ما شاءت له ظروف الاصلاح في ظلّ تأييد الله وتسديده، إلي أن يسير بالانسانية إلي طريق الهدي ولو في مدي ألف عام؟
نقول: هکذا کان شأن آبائه (عليهم السلام) جميعاً، ولم يمت واحد منهم إلاّ بالقتل أو السمّ، ولم يستکمل واحد منهم عمره طبيعياً لسلامة بنيانهم وصفاء طينة أجسادهم الشريفة، وقد سبق في علم الله تعالي أنّه لا بدّ من خروجه بالسيف بعد أن يستحکم الظلم من أعمال أهل الفساد، وقد رصده الله تعالي لامره هذا، فتکليفه غير تکليف آبائه (عليهم السلام) الذين ماتوا بالقتل والسمّ لأنّهم أمروا بالقسط والعدل.
اعتراض آخر
وقد يقال: لماذا کان موجوداً ولا يسعي للحکم وردّ الانسانية عن العمه والحيرة والظلم؟
نقول: هو إشکال جري بحقّ آبائه (عليهم السلام) أيضاً، فإنّهما کانوا ظاهرين ولم يحکموا ولا سعوا للحکم الدنيوي، حتّي إنّ ولاية العهد للامام الرضا (عليه السلام) قد قبلها من المأمون الذي تهدّده بالقتل إن هو رفضها، وأظهر المأمون للناس خلاف ما يبطن، لکي يرضي عواطف شيعته بنصبه ولياً للعهد، ثمّ أمره بالخروج إلي مرو في خراسان... ثمّ لحق به إلي هناک، فدسّ إليه السمّ في العنب وقفل راجعاً يبکيه.
فقد أزاح الحکام آباءه عن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها، فسکتوا ولم يحاربوا حرصاً علي إکمال بيان السنّة المطهّرة وترسيخ العقيدة، اللهمّ إلاّ ما کان من حکم أمير المؤمنين (عليه السلام) في الکوفة، ذلک الحکم القصير المدّة، الذي قاتل فيه علي التأويل کما قاتل علي التنزيل مع الرسول المصطفي (صلي الله عليه وآله)، قاتل (عليه السلام) الناکثين والقاسطين والمارقين، والناس أبداً ناکثون أو قاسطون أو مارقون، أمس واليوم وفي کلّ زمان، إذن فلا بدّ من حرب تجتاح کلّ ظلم في آخر الزمان، وتقيم أرکان دولة الحقّ المنتظرة.
وأخيراً فإنّ غياب الامام المهدي (عليه السلام) تأديب لاهل زمان الغيبة، وإعلان صارخ لهم بأنّهم ليسوا في وضع يصلح لان يکونوا من الاُمناء، فضلاً عن عدم أهليّتهم لنصرته، فلا بدّ من أن يصلحوا أنفسهم، ويسيروا علي النهج الذي يريده، وهو نهج جدّه المصطفي (صلي الله عليه وآله) ونهج آبائه (عليهم السلام)، وغيابه (عليه السلام) امتحان لتمحيص المؤمنين الصابرين وتمييزهم عن غيرهم، وذلک لتتهيّأ النفوس لنصرته ولقبول قول المصلح الذي يحکم الدنيا بالعدل بعد تجرّع غصص الظلم.(3)
غيبات الانبياء
لم تکن غيبة الامام المهدي (عليه السلام) والبشارة بيوم الخلاص من الظلم والجور من العقائد المحدثة في تأريخ الاسلام فحسب، بل ورد في تأريخ الانبياء (عليهم السلام) والشعوب والاُمم السابقة للاسلام ما يدلّ علي غيبة الانبياء (عليهم السلام) وبعض أوصيائهم، وانتظار اُممهم للفرج علي يد النبيّ اللاحق، وقد قرن أهل البيت (عليهم السلام) بين غيبات الانبياء وغيبة الامام المهدي (عليه السلام) وبيّنوا وجوه الشبه بين غيبة الامام المهدي (عليه السلام) وبين سائر الانبياء الذين غابوا عن شعوبهم. فهذا أوّلاً غيبات الانبياء، ثمّ نبيّن الاحاديث التي قرنت بين تلک الغيبات وغيبة الامام الحجّة (عليه السلام).
غيبة ادريس
غاب إدريس (عليه السلام) عن قومه حتّي آل الامر بشيعته إلي أن تعذّر عليهم القوت، وقتل الجبّار من قتل منهم، وأفقر وأخاف باقيهم.
ثمّ ظهر (عليه السلام) فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده وهو نوح (عليه السلام)، ثمّ رفع الله إدريس إليه.
فلم تزل الشيعة يتوقّعون قيام نوح (عليه السلام) قرناً بعد قرن وخلفاً عن سلف صابرين من الطواغيت علي العذاب المهين حتّي ظهرت نبوّة نوح (عليه السلام).
وذکر الشيخ الصدوق حديثاً عن الباقر (عليه السلام) يتضمّن غيبة إدريس عشرين سنة مختفياً في غار لمّـا خاف من جبّار زمانه، وملک من الملائکة يأتيه بطعامه وشرابه.
ثمّ ذکر ظهور نبوّة نوح (عليه السلام) الذي مکث في قومه تسعمائة وخمسين سنة يبلّغهم رسالته.
وروي بسنده عن الصادق (عليه السلام) أنّه لمّـا حضرت نوحاً (عليه السلام) الوفاة، دعا الشيعة فقال لهم: اعلموا أنّه ستکون من بعدي غيبة يظهر فيها الطواغيت، وأنّ الله عزّ وجلّ يفرّج عنکم بالقائم من ولدي اسمه هود، فلم يزالوا يترقّبون هوداً (عليه السلام) وينتظرون ظهوره حتّي طال عليهم الامد، وقست قلوب أکثرهم، فأظهر الله تعالي ذکره نبيّه هوداً (عليه السلام) عند اليأس وتناهي البلاء، وأهلک الاعداء بالريح العقيم، ثمّ وقعت الغيبة بعد ذلک إلي أن ظهر صالح (عليه السلام).(4)
غيبة صالح
روي الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام) أنّ صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً، وکان يوم غاب عنهم کهلاً، مبدّح البطن(5) حسن الجسم وافر اللحية، ورجع خميص البطن خفيف العارضين مجتمعاً ربعة من الرجال، فلمّـا رجع إلي قومه لم يعرفوه، وکانوا علي ثلاث طبقات: طبقة جاحدة، واُخري شاکّة، واُخري علي يقين.
إلي أن قال: وإنّما مثل القائم مثل صالح (عليه السلام).(6)
غيبة إبراهيم
قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة: وأمّا غيبة إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) فإنّها تشبه غيبة قائمنا (صلوات الله عليه) بل هي أعجب منها، لانّ الله عزّ وجلّ غيّب أثر إبراهيم (عليه السلام) وهو في بطن اُمّه حتّي حوّله عزّ وجلّ بقدرته من بطنها إلي ظهرها، ثمّ أخفي أمر ولادته إلي بلوغ الکتاب أجله.
وروي الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام): أنّ أبا إبراهيم(7) کان منجّماً لنمرود ابن کنعان، فقال له: يولد في أرضنا مولود يکون هلاکنا علي يديه، فحجب النساء عن الرجال، وباشر أبو إبراهيم امرأته، فحملت به، وأرسل نمرود إلي القوابل:
لا يکون في البطن شيء إلاّ أعلمتنّ به، فنظرن إلي اُمّ إبراهيم، فألزم الله ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نري شيئاً في بطنها.
فلمّـا وضعت أراد أبوه أن يذهب به إلي نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بابنک إلي نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلي غار فأجعله فيه حتّي يأتي عليه أجله. فذهبت به إلي غار وأرضعته، ثمّ جعلت علي باب الدار صخرة وانصرفت، فجعل الله رزقه في إبهامه، فجعل يمصّها وجعل يشبّ في اليوم کما يشبّ غيره في الجمعة، ويشبّ في الجمعة کما يشبّ غيره في الشهر، ويشبّ في الشهر کما يشبّ غيره في السنة.
ثمّ استأذنت أباه في رؤيته، فأتت الغار، فإذا هي بإبراهيم وعيناه يزهران کأنّهما سراجان، فضمّته إلي صدرها وأرضعته وانصرفت، فسألها أبوه فقالت: واريته بالتراب، فمکثت تعتلّ فتخرج في الحاجة، وتذهب إلي إبراهيم فتضمّه إليها وترضعه وتنصرف، فلمّـا تحرّک وأرادت الانصراف أخذ ثوبها وقال لها: اذهبي بي معکِ، فقالت: حتّي أستأمر أباک، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفياً لشخصه کاتماً لامره حتّي ظهر فصدع بأمر الله تعالي، ثمّ غاب الغيبة الثانية، وذلک حين نفاه الطاغوت عن المصر - أي عن المدينة (أور) - فقال: (وَأعْتَزِلُکُمْ وَما تَدْعونَ مِنْ دونِ اللهِ)...(8) الاية.
قال الشيخ الصدوق: ولابراهيم (عليه السلام) غيبة اُخري سار فيها في البلاد وحده للاعتبار، ثمّ روي حديثاً يتضمّن ذلک.(9)
غيبة يوسف
قال الصدوق: وأمّا غيبة يوسف (عليه السلام) فإنّها کانت عشرين سنة، لم يدّهن فيها، ولم يکتحل، ولم يتطيّب، ولم يمسّ النساء حتّي جمع الله ليعقوب شمله، وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، کان منها ثلاثة أيام في الجبّ، وفي السجن بضع سنين، وفي الملک الباقي، وکان هو بمصر، ويعقوب بفلسطين، وبينهما مسير تسعة أيام، فاختلفت عليه الاحوال في غيبته من إجماع إخوته علي قتله، وإلقائهم إيّاه في غيابة الجبّ، ثمّ بيعهم إيّاه بثمن بخس، ثمّ بلواه بامرأة العزيز، ثمّ بالسجن بضع سنين، ثمّ صار إليه ملک مصر، وجمع الله تعالي شمله وأراه تأويل رؤياه.(10)
فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب حال يعقوب في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال إخوة يوسف الذين قالوا لابيهم: تالله إنّک لفي ضلالک القديم.
غيبة موسى
وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) أ نّ يوسف (عليه السلام) لمّـا حضرته الوفاة قال لشيعته وأهل بيته: إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليکم، ويسومونکم سوء العذاب، وإنّما ينجيکم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسي بن عمران، غلام طويل جعد آدم، فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران، ويسمّي عمران ابنه موسي.
وجاء في رواية عن سيّد العابدين (عليه السلام) أنّه وقعت الغيبة والشدّة ببني إسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتّي إذا بُشِّروا بولادته، ورأوا علامات ظهوره، اشتدّت البلوي عليهم، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي کانوا يستريحون إلي أحاديثه(11) فاستتر، فراسلوه فخرج بهم إلي بعض الصحاري، وجلس يحدّثهم حديث القائم ونعته، وقرب الامر، وکانت ليلة قمراء، فبينما هم کذلک إذ طلع عليهم موسي (عليه السلام) وهو حديث السنّ، وقد خرج من دار فرعون يُظهر النزهة، فعدل عن موکبه إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزّ، فعرفه الفقيه بالنعت، فانکبّ الفقيه علي قدميه، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتّي أرانيک، وعلم الشيعة أنّه صاحبهم، فسجدوا شکراً لله، فلم يزدهم علي أن قال: أرجو أن يعجل الله فرجکم.
ثمّ غاب وخرج إلي مدين فأقام عند شعيب، فکانت الغيبة الثانية أشدّ عليهم من الاُولي، وکانت نيّفاً وخمسين سنة، واشتدّت البلوي عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه فطيّب قلوبهم، وأعلمهم أنّ الله عزّ وجلّ أوحي إليه أنّه مفرج عنهم.(12)
غيبة الاوصياء والحجج من بعد موسي إلي زمان المسيح
روي الصدوق في إکمال الدين بإسناده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): أنّ يوشع بن نون (عليه السلام) قام بالامر بعد موسي صابراً من الطواغيت علي البلاء حتّي مضي منهم ثلاثة، فقوي بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسي بصفراء بنت شعيب امرأة موسي (عليه السلام) في مائة ألف، فغلبهم يوشع، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وهزم الباقين، وأسر صفراء.(13)
واستتر الائمّة بعد يوشع إلي زمان داود (عليه السلام) أربعمائة سنة، وکانوا أحد عشر (نبي)، حتّي انتهي الامر إلي آخرهم فغاب عنهم، ثمّ ظهر فبشّرهم بداود (عليه السلام)، وأخبرهم أنّ داود يطهّر الارض من جالوت وجنوده، وکانوا يعلمون أنّه قد ولد، وبلغ أشدّه ويرونه ولا يعلمون أنّه هو.
ولمّـا فصل طالوت بالجنود، خرج إخوة داود وأبوهم، وتخلّف داود، واستهان به إخوته، وقالوا: ما يصنع في هذا الوجه؟ فأقام يرعي غنم أبيه، واشتدّت الحرب، وأصاب الناس جهد، فرجع أبو داود وقال له: احمل إلي إخوتک طعاماً يتقوّون به، وکان داود (عليه السلام) قصيراً قليل الشعر، فمرّ بحجر فناداه: خذني واقتل بي جالوت، فإنّي إنّما خلقت لقتله، فأخذه ووضعه في مخلاته التي تکون فيها حجارته التي يرمي بها غنمه، واُدخل علي طالوت، فقال: يا فتي ما عندک من القوّة؟ قال: کان الاسد يعدو علي الشاة فآخذ برأسه وأقلب لحييه عنها، فآخذها من فيه، وکان الله أوحي إلي طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلاّ من لبس درعک فملاها، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوت عليه.
فقال داود: أروني جالوت، فلمّـا رآه أخذ الحجر، فرماه به فصکّ به بين عينيه فدمغه، وتنکّس من دابّته، وملّک الناس داود فانهزم جيش جالوت بإذن الله، وأنزل الله عليه الزبور، وعلّمه صنعة الحديد، فليّنه له، وأمر الجبال والطير أن يسبّحن معه، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حُسناً، واُعطي قوّة في العبادة، وأقام في بني إسرائيل نبيّاً.
وهکذا يکون سبيل القائم (عليه السلام) له علم إذا حان وقت خروجه، انتشر ذلک العلم من نفسه، وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه: اخرج يا وليّ الله، فاقتل أعداء الله، وله سيف مغمد، إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلک السيف من غمده، وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه السيف: اخرج يا وليّ الله، فلا يحلّ لک أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله، ويحکم بأحکام الله عزّ وجلّ.(14)
اوجه الشبه بين غيبة الامام وغيبات الانبياء
وقد قرن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديث کثيرة بين غيبة الامام المهدي(عليه السلام) وبين غيبات الانبياء، وأشاروا (عليهم السلام) إلي عامل الخوف کأحد أسباب الغيبة.
عن الحسن بن محمّد بن صالح البزّاز، عن الحسن بن علي العسکري (عليه السلام)، قال: إنّ ابني (هذ) هو القائم من بعدي، وهو الذي تجري فيه سنن الانبياء (عليه وعليهم السلام) بالتعمير والغيبة، حتّي تقسو القلوب لطول الامد، فلا يثبت علي القول به إلاّ من کتب الله عزّ وجلّ في قلبه الايمان وأيّده بروح منه.(15)
وعن الخضر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حمزة، عن کعب الاحبار، أنّه قال: ومن يشکّ في القائم المهدي الذي يبدّل الارض غير الارض؟ وبه عيسي بن مريم يحتجّ علي النصاري الروم والصين، إنّ القائم المهدي من نسل عليّ (عليه السلام) أشبه الناس بعيسي بن مريم خَلقاً وخُلقاً وسمتاً وهيبةً، يعطيه الله عزّ وجلّ ما أعطي الانبياء ويزيده ويفضله، إنّ القائم من ولد عليّ له غيبة کغيبة يوسف، ورجعة کرجعة عيسي بن مريم، ثمّ يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم الاحمر وخراب الزوراء (بغداد)... الخبر.(16)
وعن محمّد بن مسلم، قال: دخلت علي أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن القائم (عليه السلام)، فقال لي مبتدئاً: يا محمّد بن مسلم، إنّ في القائم من أهل بيت محمّد شبهاً بخمسة من الرسل: يونس بن متّي، ويوسف بن يعقوب، وموسي بن عمران، وعيسي بن مريم، ومحمّد (صلي الله عليه وآله).
فأمّا شبهه بيونس بن متّي، فرجوعه من غيبته وهو شابّ بعد کبر السنّ، وأمّا شبهه بيوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصّته وعامّته واختفاؤه من إخوته، وإشکال أمره علي أبيه يعقوب النبيّ (صلي الله عليه وآله) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.
وأمّا شبهه بموسي (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّـا لقوا من الاذي والهوان إلي أن أذن الله عزّ وجلّ في ظهوره ونصره، وأيّده علي عدوّه.
وأمّا شبهه بعيسي (عليه السلام) فاختلاف من اختلف فيه حتّي قالت طائفة: ما ولد، وطائفة منهم قالت: مات، وطائفة قالت: قُتِل وصُلِب.
وأمّا شبهه بجدّه المصطفي محمّد (صلي الله عليه وآله) فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت، وإنّه ينصر بالسيف والرعب، وإنّه لا تردّ له راية، وإنّ من علامات خروجه (عليه السلام) خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه.(17)
وعن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول: في القائم سنّة من سبعة أنبياء: سنّة من أبينا آدم، وسنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسي، وسنّة من عيسي، وسنّة من أيوب، وسنّة من محمّد (صلوات الله عليهم).
فأمّا من آدم (عليه السلام) ونوح (عليه السلام) فطول العمر، وأمّا من إبراهيم (عليه السلام) فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمّا من موسي (عليه السلام) فالخوف والغيبة (وخفاء الحمل والولادة)، وأمّا من عيسي (عليه السلام) فاختلاف الناس فيه، وأمّا من أيوب فالفرج بعد البلوي، وأمّا من محمّد (صلي الله عليه وآله) فالخروج بالسيف.(18)
وعن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: في القائم سنّة من موسي بن عمران، فقلت: وما سنّة موسي بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته من قومه.(19)
الهوامش:
(1) راجع إعلام الوري: 437، غيبة الطوسي: 74.
(2) الطارق: 7.
(3) يوم الخلاص: 115 ـ 118 بتصرّف.
(4) کمال الدين: 127 ـ 136.
(5) أي واسع البطن.
(6) کمال الدين: 136.
(7) قيل: إنّه عمّه ـ سمّـاه القرآن بأبيه لأنّه تربّي في بيته ـ لانّ آباء الانبياء موحّدون بالفطرة.
(8) مريم: 49.
(9) کمال الدين: 137 ـ 140.
(10) راجع کمال الدين: 141 ـ 145، غيبة النعماني: 96.
(11) أظنّه حزقيل مؤمن آل فرعون، والله العالم.
(12) کمال الدين: 145 ـ 152.
(13) کما قامت عائشة يوم الجمل ومعها طلحة والزبير، ضدّ الخليفة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
(14) کمال الدين: 153 ـ 158.
(15) منتخب الاثر: 274 / 1.
(16) غيبة النعماني: 96.
(17) منتخب الاثر: 284 / 1.
(18) منتخب الاثر: 300 / 1.
(19) منتخب الاثر: 300 / 4.
******************
وعن سدير الصيرفي، والمفضّل بن عمر، وأبي بصير، وأبان بن تغلب، عن الصادق (عليه السلام) - في حديث - قال (عليه السلام): إنّ الله تبارک وتعالي أدار للقائم منّا ثلاثة، أدارها لثلاثة من الرسل (عليهم السلام): قدّر مولده تقدير مولد موسي (عليه السلام)، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسي (عليه السلام)، وقدّر إبطائه تقدير إبطاء نوح (عليه السلام)، وجعل له من بعد ذلک عمر العبد الصالح - يعني الخضر (عليه السلام) - دليلاً علي عمره.
فقلنا: اکشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.
قال (عليه السلام): أمّا مولد موسي (عليه السلام)، فإنّ فرعون لمّـا وقف علي أنّ زوال ملکه علي يده، أمر بإحضار الکهنة ليدلّوه علي نسبه، حتّي قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول إلي قتل موسي (عليه السلام) بحفظ الله تبارک وتعالي إيّاه.
کذلک بنو اُميّة وبنو العباس، لمّـا وقفوا علي أنّ زوال ملک الاُمراء والجبابرة منهم علي يد القائم منّا، ناصبونا العداء، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول (صلي الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلي قتل القائم (عليه السلام)، ويأبي الله عزّ وجلّ أن يکشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو کره المشرکون.
وأمّا غيبة عيسي (عليه السلام) فإنّ اليهود والنصاري اتّفقت علي أنّه قُتِل، فکذّبهم الله جلّ ذکره بقوله عزّ وجلّ: (وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلَکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)، وکذلک غيبة القائم (عليه السلام)، فإنّ الاُمّة ستنکرها لطولها، فمن قائل يقول بأنّه لم يولد، وقائل يقول: إنّه ولد ومات، وقائل يکفر بقوله: إنّ حادي عشرنا کان عقيماً، وقائل يمرق بقوله إنّه يتعدّي إلي ثالث عشر وما عدّا، وقائل يعصي الله عزّ وجلّ بقوله إنّ روح القائم ينطق في هيکل غيره.
وأمّا إبطاء نوح (عليه السلام) فإنّه لمّـا استنزلت العقوبة علي قومه من السماء، بعث الله تبارک وتعالي جبرئيل الروح الامين معه سبع نوايات، فقال: يا نبيّ الله، إنّ الله تبارک وتعالي يقول لک: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأکيد الدعوة، وإلزام الحجّة، فعاود اجتهادک في الدعوة لقومک، فإنّي مثيبک عليه.
ثمّ إنّه تعالي امتحنهم ومحّصهم بأنواع الفتن، فما زالت تلک الطوائف من المؤمنين ترتدّ منه طائفة بعد طائفة، إلي أن عاد إلي نيّف وسبعين رجلاً، فأوحي الله تبارک وتعالي عند ذلک إليه وقال: يا نوح الان أسفر الصبح عن الليل، يغنيک حين صرح الحقّ عن محضه وصفا الکدر بارتداد کلّ من کانت طينته خبيثة، فلو أ نّي أهلکت الکفّار، وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي کانت آمنت بک، لما کنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومک، واعتصموا بحبل نبوّتک، فإنّي أستخلفهم في الارض، واُمکّن لهم دينهم، واُبدّل خوفهم بالامن، لکي تخلص العبادة لي بذهاب الشرک من قلوبهم، وکيف يکون الاستخلاف والتمکين، وبدل الامن منّي لهم، مع ما کنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا، وخبث طينتهم، وسوء سرائرهم التي کانت نتائج النفاق وسنوخ الضلالة؟! وکيف يکون التمکين بالدين وانتشار الامر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب؟! کلاّ، فاصنع الفلک بأعيننا ووحينا.
قال الصادق (عليه السلام): وکذلک القائم (عليه السلام) فإنّه تمتدّ أيام غيبته فيصرح الحقّ عن محضه، ويصفو الايمان من الکدر بارتداد کلّ من کانت طينته خبيثة.
إلي أن قال (عليه السلام): وأمّا العبد الصالح - يعني الخضر (عليه السلام) - فإنّ الله تبارک وتعالي ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له، ولا کتاب نزّله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من کان قبله من الانبياء، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلي إنّ الله تبارک وتعالي لمّـا کان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم (عليه السلام) ما يقدّر من عمر الخضر... وما يکون من إنکار عباده لمقدار ذلک العمر في الطول، طوّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب إلاّ لعلّة الاستدلال به علي عمر القائم (عليه السلام)، وليقطع بذلک حجّة المعاندين لئلاّ يکون للناس علي الله حجّة.(1)
وروي سدير الصيرفي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها. فقلت له: ولِمَ ذلک يا بن رسول الله؟
قال (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ أبي إلاّ أن يجري فيه سنن الانبياء في غيباتهم، وإنّه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عزّ وجلّ: (لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق) أي سنناً علي سنن من کان قبلکم.(2)
وعليه فالاُمّة الاسلامية لا تعدو خطي الاُمم السابقة، فکلّ نبيّ قد تواري عن قومه لمّـا اقتضت مصلحة دعوته ذلک، من إبراهيم إلي إدريس فصالح فيوسف فموسي فعيسي فمحمّد (صلوات الله عليهم) أفلا يصحّ ذلک في بقيّة الله في أرضه، وحجّته علي عباده، وحامل مواريث الانبياء؟
انتهي المبحث الاوّل
الغيبة الکبرى
ورد في الصحيح من الحديث المروي عن أئمة الهدي (عليهم السلام) أنّ للقائم (عليه السلام) غيبتين، فأمّا الغيبة الاُولي فهي الغيبة التي کانت السفراء فيها بين الامام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين، تخرج علي أيديهم توقيعاته وأجوبته (عليه السلام) علي عويص المسائل وعن کلّ ما يُسأل عنه من المعضلات والمشکلات، وهي الغيبة القصيرة المحدودة بين سنة (260 - 329 هـ)، وقد انقضت أيامها وتصرّمت مدّتها کما سبق ذکرها.
أمّا الغيبة الثانية فهي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط، للامر الذي يريده الله، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، وبوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والتصفية علي من يدّعي هذا الامر، کما قال الله عزّ وجلّ: (ما کانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلي ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَما کانَ اللهُ لِيُطْلِعَکُمْ عَلي الغَيْب)، وزمانها من عام 329 هـ وإلي يومنا هذا، جعلنا الله فيها من الثابتين علي الحقّ وممّن لا يخرج في غربال الفتنة، ونسأل الله تعالي أن يقرّب فرج وليّه المنتظر، ويجعلنا في حيّز حجزته، وجملة التابعين لصفوته، ومن خيار من ارتضاه وانتجبه لنصرة وليّه وخليفته، فإنّه وليّ الاحسان جوادٌ منّان.
وسنذکر البحث في هذا الفصل في ثلاثة محاور رئيسية:
الاوّل: سمات الغيبة الکبري، من حيث طولها وتعرّض الناس فيها للتمحيص والاختبار، واختلافهم في أمر الحجّة (عليه السلام) إلي حدّ التکذيب والانکار.
الثاني: التکاليف المطلوبة في عصر الغيبة الکبري، وأهمّها الالتزام بمبادئ الدين والسير علي خطّ الائمة الطاهرين (عليهم السلام)، والايمان بالمهدي (عليه السلام) ومعرفته کإمام للزمان، وانتظار ظهوره کلّ حين لاقامة دولة الحقّ وإزالة الظلم والجور.
الثالث: الفائدة من الامام الغائب، وأهمّ نشاطات وأعمال الامام المهدي (عليه السلام) في غيبته الکبري.
طول الغيبة والفتنة
ـ عن محمّد بن مسلم الثقفي، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إذا فقد الناس الامام مکثوا سبتاً لا يدرون أيّاً من أيّ، ثمّ يظهر الله عزّ وجلّ لهم صاحبهم.(3)
ـ عن عمر بن سعيد، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث - أنّه قال (عليه السلام) يوماً لحذيفة بن اليمان: إذا غاب المتغيّب من ولدي عن عيون الناس، وحاج الناس بفقده أو بقتله أو بموته، أطلعت الفتنة، ونزلت البليّة، والتحت العصبيّة، وغلا الناس في دينهم، وأجمعوا علي أنّ الحجّة ذاهبة، والامامة باطلة.
إلي أن قال (عليه السلام): فوربّ عليّ، إنّ حجّتها عليها قائمة، ماشية في طرقاتها، داخلة في دورها وقصورها، جوّالة في شرق هذه الارض وغربها، تسمع الکلام، وتسلّم علي الجماعة، تَري ولا تُري إلي الوقت والوعد، ونداء المنادي من السماء.(4)
ـ وعن صفوان بن مهران الجمّال، قال: قال الصادق (عليه السلام): أما والله ليغيبن عنکم مهديّکم حتّي يقول الجاهل منکم: ما لله في آل محمّد حاجة، ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، فيملاها عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً.(5)
ـ وعن فرات بن أحنف، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد ذکر القائم (عليه السلام) فقال: ليغيبنّ عنهم حتّي يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة.(6)
ـ وعن حرب بن أحنف، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: زاد الفرات علي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فرکبه هو وابناه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمرّ بثقيف، فقالوا: قد جاء عليّ يردّ الماء.
فقال عليّ (عليه السلام): أما والله لاقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثنّ الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان، يطالب بدمائنا، وليغيبنّ عنهم تمييزاً لاهل الضلالة، حتّي يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد من حاجة.(7)
ـ وعن يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ الناس ما يمدّون أعناقهم إلي أحد من ولد عبد المطّلب إلاّ هلک، حتّي يستوي ولد عبد المطّلب، لا يدرون أيّاً من أيّ، فيمکثون بذلک سنين من دهرهم، ثمّ يبعث لهم صاحب هذا الامر.(8)
ـ وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنّه قال: لا تزالون تمدّون أعناقکم إلي الرجل منّا، تقولون: هو هذا، فيذهب الله به، حتّي يبعث الله لهذا الامر من لا تدرون ولد أم لم يولد، خلق أم لم يخلق.(9)
الاختلاف والحيرة
تدلّ الاخبار علي اختلاف الناس بشأن الامام المهدي (عليه السلام) خلال غيبته الکبري، نتيجة لطول الغيبة واستبعاد الناس وجوده خلال الزمان الطويل وما يقترن بذلک من الدعاوي والتزويرات.
ـ عن حمّـاد بن عبد الکريم الجلاّب، قال: ذُکِرَ القائم عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أما إنّه لو قد قام لقال الناس: أنّي يکون هذا؟ وقد بليت عظامه مذ کذا وکذا.(10)
ـ وعن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: إنّما نحن کنجوم السماء، کلّماغاب نجم طلع نجم، حتّي إذا أشرتم بأصابعکم وملتم بحواجبکم، غيّب الله عنکم نجمکم، واستوت بنو عبد المطّلب، فلم تعرف أيّاً من أيّ، فإذا طلع نجمکم فاحمدوا ربّکم.(11)
ـ وعن المفضّل بن عمر، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما علامة القائم؟ قال (عليه السلام): إذا استدار الفلک، فقيل مات أو هلک، في أيّ واد سلک.
قلت: جعلت فداک، ثمّ يکون ماذا؟
قال (عليه السلام): لا يظهر إلاّ بالسيف.(12)
ـ وعن زائدة بن قدامة، عن عبد الکريم، قال: ذُکِر عند أبي عبد الله (عليه السلام) القائم (عليه السلام)، فقال: أنّي يکون ذلک ولم يستدر الفلک حتّي يقال مات أو هلک، في أيّ واد سلک.
فقلت: ما استدارة الفلک؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم.(13)
ـ وعن مسعدة، عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال: والله لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلک اليوم حتّي يخرج قائمنا أهل البيت، ألا إنّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناک يثبّت الله علي هداه المخلصين، اللهمّ أعنهم علي ذلک.(14)
ـ وعن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام)، أنّه قال: إذا فُقِد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانکم، لا يزيلنکم عنها شيء، فإنّه لا بدّ لصاحب هذا الامر من غيبة حتّي يرجع عن هذا الامر من کان يقول به، إنّما هي محنة من الله يمتحن بها خلقه، ولو علم آباؤکم وأجدادکم ديناً أصحّ من هذا الدين لاتّبعوه.
قال: قلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟
قال (عليه السلام): عقولکم تضعف عن هذا، وأحلامکم تضيق عن حمله، ولکن إن تعيشوا فسوف تدرکونه.(15)
ـ وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال لي: يا أبا الجارود، إذا دار الفلک، وقالوا: مات أو هلک، بأيّ واد سلک، وقال الطالب له: أنّي يکون ذلک، وقد بليت عظامه؟ فعند ذلک فارتجوه، وإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً علي الثلج.(16)
ـ وعن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن عليّ (عليه السلام) يقول: لايکون الامر الذي ينتظر حتّي يبرأ بعضکم من بعض، ويتفل بعضکم في وجوه بعض، ويشهد بعضکم علي بعض بالکفر، ويلعن بعضکم بعضاً.
قالت: فقلت له: ما في ذلک الزمان من خير.
فقال الحسين (عليه السلام): الخير کلّه في ذلک الزمان، يقوم قائمنا، ويدفع ذلک کلّه.(17)
ـ وعن مالک بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا مالک بن ضمرة، کيف أنت إذا اختلفت الشيعة هکذا؟ وشبک أصابعه وأدخل بعضها في بعض.
فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلک من خير.
قال: الخير کلّه عند ذلک يا مالک، عند ذلک يقوم قائمنا، فيقدّم سبعين رجلاً يکذبون علي الله وعلي رسوله فيقتلهم، ثمّ يجمعهم الله علي أمر واحد.(18)
المحنة والتمحيص
قد يقال: إذا کان الامام المهدي (عليه السلام) قد غاب خوفاً علي نفسه، وأنّ الله تعالي سيظهره بقوّة منه، ويؤمنه علي نفسه حين ظهوره، ويقيّض له أنصاره ومؤيّديه، فلماذا أخّر الله سبحانه ذلک، وجعل الغيبة بهذا الطول؟
والجواب علي هذا الاشکال مکرّر في أقوال النبيّ (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) وهو کون طول الغيبة محنة يکون فيها تمحيص المؤمنين وغربلة المکذّبين به علي مرّ العصور.
والتمحيص هو التنقية وإبعاد الرديء، والتمحيص يکون نتيجة الظروف الصعبة والظلم الذي يعيشه الفرد والمجتمع من ناحية الشهوات والمغريات والمصالح الضيّقة، وتبقي في نتيجة التمحيص الطويل عصابة لا تضرّها الفتنة شيئاً، لأنّهم يمثّلون الحقّ صرفاً، وينتمون إلي فسطاط الحقّ الذي لا کفر فيه.
وقانون التمحيص عام للبشرية مرافق لها في عمرها الطويل، وقد نطق به التنزيل العزيز، قال الله تعالي: (ما کانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلي ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).(19)
وقال عزّ وجلّ: (لَِيميزَ اللهُ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبيثَ بَعْضَهُ عَلي بَعْض فَيَرْکمَهُ فَيَجْعَلَهُ في نارِ جَهَنَّمَ وَاُوْلئِکَ هُمُ الخاسِرونَ).(20)
وقال: (وَلَيمحصَنَّ اللهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمْحَقَ الکافِرينَ، أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلوا الجَنَّةَ وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرينَ).(21)
وقانون التمحيص يکون أشدّ وآکد إذا اقترن بالاعداد لليوم الموعود، لأنّه إعداد لاقامة رکائز العدل والقسط في العالم کلّه، وتأسيس حکومة الحقّ التي يريدها الله سبحانه.
واعلم أنّ طول الغيبة هو موضع ابتلاء وتمحيص، وما علي المؤمن إلاّ الالتزام بالصبر والاناة وانتظار الفرج القادم إن شاء الله.
ـ روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: والله لتمحصنّ، والله لتطيرنّ يميناً وشمالاً حتّي لا يبقي منکم إلاّ کلّ امرئ أخذ الله ميثاقه، وکتب الايمان في قلبه، وأيّده بروح منه.(22)
ـ وعن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: لمّـا بويع لامير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، صعد المنبر وخطب خطبة ذکرها يقول فيها: ألا إنّ بليّتکم قد عادت کهيئتها يوم بعث الله نبيّکم (صلي الله عليه وآله)، والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلةً، ولتغربلن غربلةً، حتّي يعود أسفلکم أعلاکم، وأعلاکم أسفلکم، وليسبقنّ سابقون کانوا قصّروا، وليقصّرنّ سبّاقون کانوا سبقوا، والله لقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم.(23)
ـ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال:
لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق کثير.(24)
ـ وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ (الباقر) (عليه السلام) يقول: والله لتميزنّ، والله لتمحصنّ، والله لتغربلنّ کما يُغربل الزؤان(25) من القمح.(26)
الهوامش:
(1) منتخب الاثر: 258 / 12.
(2) منتخب الاثر: 263 / 18.
(3) الغيبة للنعماني: 104.
(4) الغيبة للنعماني: 94.
(5) منتخب الاثر: 256 / 6.
(6) بحار الانوار 52: 101 / 1.
(7) غيبة النعماني: 92.
(8) دلائل الامامة: 533 / 514.
(9) غيبة النعماني: 122.
(10) منتخب الاثر: 276 / 3.
(11) الغيبة للنعماني: 102.
(12) الغيبة للنعماني: 103.
(13) الغيبة للنعماني: 103.
(14) منتخب الاثر: 254 / 1.
(15) الغيبة للنعماني: 101، بحار الانوار 52: 113 / 26.
(16) الغيبة للنعماني: 101.
(17) الغيبة للنعماني: 138، بحار الانوار 52: 114 / 33.
(18) الغيبة للنعماني: 138، بحار الانوار 52: 115 / 34.
(19) آل عمران 3: 179.
(20) الانفال 8: 37.
(21) آل عمران 3: 141 ـ 142.
(22) الغيبة للنعماني: 15.
(23) الغيبة للنعماني: 135.
(24) الغيبة للنعماني: 137.
(25) الزؤان: نبات حبّه يشبه الحنطة إلاّ أنّه صغير، إذا اُکل يحدث استرخاء يجلب النوم، وينبت غالباً بين الحنطة.
(26) الغيبة للنعماني: 137، بحار الانوار 52: 114 / 32.
******************
ـ وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لتمخضنّ يا شيعة آل محمّد کمخيض الکحل في العين، لانّ صاحب الکحل يعلم متي يقع الکحل في عينه، ولا يعلم متي يخرج منها، وکذلک يصبح أحدکم وهو يري أنّه علي شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي علي شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها.(1)
ـ وعن مهزم بن أبي بردة الاسدي وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: والله لتکسرن تکسّر الزجاج، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود کما کان، والله لتکسرنّ کسر الفخار، وإنّ الفخار ليکسرنّ ولا يعود کما کان، ووالله لتغربلنّ ووالله لتميزنّ ووالله لتمحصن حتّي لا يبقي منکم إلاّ الاقلّ.(2)
ـ وعن إبراهيم بن هليل، قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام): جعلت فداک، مات أبي علي هذا الامر، وقد بلغت من السنين ما قد تري أموت ولا تخبرني بشيء.
فقال: يا أبا إسحاق، أنت تستعجل.
فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد بلغت أنا من السنّ ما قد تري؟
فقال: وأما والله يا أبا إسحاق، ما يکون ذلک حتّي تميزوا وتمحصوا وحتّي لا يبقي منکم إلاّ الاقلّ.(3)
ـ وعن محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه، قال: دخلت علي أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وعنده جماعة، فبينا نحن نتحدّث وهو علي بعض أصحابه مقبل، إذ التفت إلينا، وقال: في أيّ شيء أنتم، هيهات هيهات، لا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تمحّصوا، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تميّزوا، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تغربلوا، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم إلاّ بعد إياس، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي يشقي من شقي ويسعد من سعد.(4)
ـ وعن جابر الجعفي، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): متي يکون فرجکم؟ فقال (عليه السلام): هيهات هيهات، لا يکون فرجنا حتّي تغربلوا، ثمّ تغربلوا، ثمّ تغربلوا، - يقولها ثلاثاً - حتّي يذهب الکدر ويبقي الصفو.(5)
ـ وعن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنّه قال: کونوا کالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلاّ وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البرکة لم تفعل بها ذلک.
خالطوا الناس بألسنتکم وأبدانکم، وزايلوهم بقلوبکم وأعمالکم، فوالذي نفسي بيده، ما ترون ما تحبّون حتّي يتفل بعضکم في وجوه بعض، وحتّي يسمّي بعضکم بعضاً کذّابين، وحتّي لا يبقي منکم - أو قال: من شيعتي - کالکحل في العين، والملح في الطعام.(6)
ـ وروي ثقة الاسلام الکليني عن منصور، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا منصور، إنّ هذا الامر لا يأتيکم إلاّ بعد إياس، لا والله حتّي تميّزوا، لا والله حتّي تمحّصوا، لا والله حتّي يشقي من يشقي، ويسعد من يسعد.(7)
ـ وعن عبد الرحمن بن سيّابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: کيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدي ولا علم، يبرأ بعضکم من بعض، فعند ذلک تميّزون وتمحّصون وتغربلون، وعند ذلک اختلاف السنين(8)، وإمارة من أوّل النهار، وقتل وقطع في آخر النهار.(9)
ـ وروي البزنطي، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أما والله لا يکون الذي تمدّون إليه أعينکم حتّي تميّزوا وتمحّصوا، وحتّي لا يبقي منکم إلاّ الاندر.
ثمّ تلا (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَکوا وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرين).(10)
ـ وعن صفوان بن يحيي، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): والله ما يکون ما تمدّون أعينکم إليه حتّي تمحّصوا وتميّزوا، وحتّي لا يبقي منکم إلاّ الاندر فالاندر.(11)
ـ وعن معمر بن خلاّد، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (ألم أحَسِبَ النَّاسَ أنْ يُتْرَکوا أنْ يَقولوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنون)، ثمّ قال لي: ما الفتنة؟
فقلت: جعلت فداک، الذي عندنا أنّ الفتنة في الدين.
ثمّ قال: يفتنون کما يفتن الذهب.
ثمّ قال: يخلصون کما يخلص الذهب.(12)
ـ وعن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام): إنّما مثل شيعتنا مثل الاندر - يعني به بيتاً فيه طعام - فأصابه آکل فنُقّي، ثمّ أصابه آکل فنقّي، حتّي بقي منه ما لا يضرّه الاکل، وکذلک شيعتنا يميّزون ويمحّصون حتّي يبقي منهم عصابة لا تضرّها الفتنة.(13)
وهذه الثلّة القليلة التي تبقي علي هذا الامر مؤيّدة برحمة الله ولطفه وعنايته، وتقيم علي الحقّ، هي التي اُمرت بالصبر في حال الغيبة، فقد روي بُريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا اصْبِروا وَصابِروا وَرابِطوا)(14)، قال (عليه السلام): اصبروا علي أداء الفرائض، وصابروا عدوّکم، ورابطوا إمامکم المنتظر.(15)
التمسک بخط أهل البيت عليهم السلام
وفي غمرة الفتنة والشکّ في غيبة الامام (عليه السلام) لا بدّ من الرجوع إلي أهل البيت (عليهم السلام) لانّ أمرهم ظاهر کالشمس في رائعة النهار.
ـ قال المفضّل بن عمر: کنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في مجلسه، ومعي غيري، فقال لنا: إيّاکم والتنويه - يعني باسم القائم (عليه السلام) - وکنت أراه يريد غيري.
فقال (عليه السلام) لي: يا أبا عبد الله، إيّاکم والتنويه، والله ليغيبنّ سبتاً من الدهر، وليخملنّ حتّي يقال: مات أو هلک، بأيّ واد سلک؟ ولتفيضنّ عليه أعين المؤمنين، ولتکفأنّ تکفّئ السفينة في أمواج البحر حتّي لا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه، وکتب الايمان في قلبه، وأيّده بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يعرف أيّ من أيّ.
قال المفضّل: فبکيت، فقال لي: ما يبکيک؟ قلت: جعلت فداک، کيف لا أبکي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أيّ من أيّ؟
قال: فنظر إلي کوّة في البيت التي تطلع فيها الشمس في مجلسه، فقال: أهذه الشمس مضيئة؟
قلت: نعم.
فقال: والله لامرنا أضوأ منها.(16)
ـ وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبي للثابتين علي أمرنا في ذلک الزمان، إنّ أدني ما يکون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجلّ: يا عبادي، آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبتي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي حقّاً، منکم أتقبّل، وعنکم أعفو، ولکم أغفر، وبکم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاکم لانزلت عليهم عذابي.(17)
ـ وعن أبي الصلت الهروي، عن الامام الرضا، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال النبيّ (صلي الله عليه وآله): والذي بعثني بالحقّ بشيراً ليغيبنّ القائم من ولدي بعهد معهود إليه منّي، حتّي يقول أکثر الناس: ما لله في آل محمّد حاجة، ويشکّ آخرون في ولادته، فمن أدرک زمانه فليتمسّک بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشکّه فيزيله عن ملّتي، ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويکم من الجنّة من قبل، وإنّ الله عزّ وجلّ جعل الشيطان أولياء للذين لا يؤمنون.(18)
ـ وعن هانئ التمّـار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ لصاحب هذا الامر غيبة المتمسّک فيها بدينه کالخارط لشوک القتاد بيده، ثمّ أومأ أبو عبد الله (عليه السلام) بيده هکذا، قال: فأيّکم يمسک شوک القتاد بيده؟
ثمّ أطرق مليّاً، ثمّ قال: إنّ لصاحب هذا الامر غيبة، فليتّقِ الله عند غيبته وليتمسّک بدينه.(19)
ـ وعن منصور الصيقل، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أمسيت يوماً لا تري فيه إماماً من آل محمّد (صلي الله عليه وآله)، فأحبّ من کنت تحبّ، وأبغض من کنت تبغض، ووالِ من کنت توالي، وانتظر الفرج صباحاً ومساءً.(20)
ـ وعن الحارث بن المغيرة النضري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: إنّا نروي بأنّ صاحب هذا الامر يفقد زماناً، فکيف نصنع عند ذلک؟ قال: تمسّکوا بالامر الاوّل الذي أنتم عليه حتّي يبين لکم.(21)
ـ وعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: يأتي علي الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العَلَم(22) فيها کما تأرز الحيّة في حجرها، فبينما هم کذلک إذ طلع عليهم نجم.
قلت: فما السبطة؟
قال: الفترة.
قلت: فکيف نصنع فيما بين ذلک؟
فقال (عليه السلام): کونوا علي ما أنتم عليه حتّي يطلع الله لکم نجمکم.(23)
ـ وعن جابر، قال: دخلنا علي أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) ونحن جماعة بعدما قضينا نسکنا، فودّعناه وقلنا له: أوصنا يا بن رسول الله، فقال: ليعن قويّکم ضعيفکم، وليعطف غنيّکم علي فقيرکم، ولينصح الرجل أخاه کنصحه لنفسه، واکتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس علي أعناقنا.
وانظروا أمرنا وما جاءکم عنّا، فإن وجدتموه في القرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدو موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الامر عليکم فقفوا عنده، وردّوه إلينا حين نشرح لکم من ذلک ما شرح لنا، فإذا کنتم کما أوصيناکم ولم تعدوا إلي غيره، فمات منکم ميّت قبل أن يخرج قائمنا، کان شهيداً.(24)
ـ وعن أبي بصير، قال: قال الصادق (عليه السلام): طوبي لمن تمسّک بأمرنا في غيبة قائمنا، فلم يزغ قلبه بعد الهداية.
فقلت له: جعلت فداک، وما طوبي؟ قال: شجرة في الجنّة، أصلها في دار عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)، وليس من مؤمن إلاّ وفي داره غصن من أغصانها، وذلک قول الله عزّ وجلّ: (طوبي لَهُمْ وَحُسْنَ مَآب).(25)
ـ وعن عمرو بن ثابت، قال: قال سيّد العابدين (عليه السلام): من ثبت علي ولايتنا في غيبة قائمنا، أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر واُحد.(26)
ـ وعن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلک الزمان؟ قال: يتمسّکون بالامر الذي هم عليه حتّي يتبيّن لهم.(27)
الدعاء بمعرفة الحجة والثبات علي الدين
ـ عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ للقائم (عليه السلام) غيبة قبل أن يقوم.
قلت: ولِمَ؟
قال: يخاف.
ثمّ قال: وهو المنتظر، وهو الذي يُشَکّ في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلّف، ومنهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أنّ الله يمتحن قلوب الشيعة، فعند ذلک يرتاب المبطلون يا زرارة.
قال: فقلت له: جعلت فداک، إن أدرکت ذلک الزمان، أيّ شيء أعمل؟
قال (عليه السلام): يا زرارة، متي أدرکت ذلک الزمان، فَلتدعُ بهذا الدعاء (اللهمّ عرفّني نفسک، فإنّک إن لم تعرّفني نفسک لم أعرف نبيّک، اللهمّ عرّفني رسولک، فإنّک إن لم تعرّفني رسولک لم أعرف حجّتک، اللهمّ عرّفني حجّتک، فإنّک إن لم تعرفني حجّتک ضللت عن ديني).(28)
ـ وعن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ستصيبکم فتنة، فتبقون بلا عَلَم يُري، ولا إمام هدي، لا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق.
قلت: وکيف دعاء الغريق؟
قال: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي علي دينک.
فقلت: يا مقلّب القلوب والابصار، ثبت قلبي علي دينک.
فقال (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والابصار، ولکن قل کما أقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي علي دينک.(29)
الايمان بالمهدي ومعرفته
لا ريب أنّ أهمّ التکاليف المطلوبة حال الغيبة الکبري هو الاعتراف بالمهدي کإمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للاُمّة، وإن لم يکن عمله ظاهراً للعيان، ولا شخصه معروفاً، وذلک من ضروريّات مذهب الاماميّة.
فالامام المهدي (عليه السلام) هو الامام المعصوم المفترض الطاعة الحيّ منذ ولادته إلي زمان ظهوره، وحسب الفرد المسلم أن يعلم أنّ إمامه وقائده مطّلع علي أعماله وملمّ بأقواله، وأنّه يفرح للتصرّف الصالح، ويأسف للسلوک المنحرف، ويعضد المفرد عن الملمّات، وعلي ضوء ذلک لا بدّ للفرد أن يعي موقفه ويحدّد سلوکه تجاه إمامه الذي يمثّل العدل المحض، والذي رضاه رضا لله ورسوله، وغضبه غضب لله ورسوله.
وحسب الفرد أن يعلم أنّ عمله الصالح وتصعيد درجة إخلاصه وتعميق شعوره بالمسؤولية تجاه الاسلام والمسلمين، يشارک في تأسيس شرط الظهور ويقرّب اليوم الموعود، وعليه فالجهاد الاکبر لکلّ فرد تجاه نفسه يحمل في طيّاته المسؤولية الکبري تجاه العالم کلّه، وملئه قسطاً وعدلاً کما ملئ ظلماً وجوراً، فکيف لا ينطلق الفرد مجاهداً مضحّياً عاملاً في سبيل إصلاح نفسه وإرضاء ربّه.
وعليه فلا بدّ من المواظبة علي الصلوات وإيتاء الزکوات، والمسابقة إلي الخيرات، واجتناب الفواحش والمنکرات، والتنزّه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله تقدّس ذکره في الملا والخلوات، وشغل القلوب وإتعاب الانفس والابدان لحيازة القربات.
وأهمّ ذلک هو الحذر من الشکّ في إمام الزمان (عجّل الله فرجه) ووليّ الامر وحجّة الله الذي اختاره بعلمه کما قال جلّ وعلا: (وَرَبُّکُ يَخْلَقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الخِيَرَة).(30)
وأن لا تؤثّر بهم المحنة بطول الغيبة التي سبق من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذکرها، وتقدّم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من کلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها.
وحَمَل أهل العلم والرواية عن الائمة من ولده (عليهم السلام) واحداً بعد واحد أخبارها، حتّي ما منهم أحد إلاّ وقدّم القول فيها، وحقّق کونها ووقوعها، ووصف امتحان الله تبارک وتعالي اسمه خلقه بها، وحذّروا (صلوات الله عليه) شيعتهم من أن تميل بهم الاهواء، أو تزيغ بقلوبهم الفتن، واصفين ما يشمل الله خلقه به من الابتلاء عند وقوع الغيبة بتراخي مدّتها وطول الامد فيها (لِيَهْلَکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيي مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة).(31)
ـ وقد روي عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: نزلت هذه الاية (وَلا تَکونوا کَالَّذينَ اُوتوا الکِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهُمُ الامَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَکَثيرٌ مِنْهُمُ الکاذِبون)(32) في أهل زمان الغيبة، والامد أمد الغيبة.(33)
وعليه فإنّ تأويل هذه الاية جار في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم، وکأنّه أراد سبحانه أن ينهانا عن الشکّ في حجّته لطول الغيبة، أو أن نظنّ أنّ الله يخلي الارض منه طرفة عين، ويحذّرنا من الارتياب لطول الامد، أو أن تقسو قلوبنا.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في کلامه لکميل بن زياد: بلي، اللهمّ لا تخلو الارض من حجّة لله، إمّا ظاهر معلوم، وإمّا خائف مغمور، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته.(34)
ـ وروي عن الامام الباقر (عليه السلام) في تفسير الاية التالية للاية المتقدّمة أنّه قال (عليه السلام): قوله تعالي: (اعْلَموا أنَّ اللهَ يُحْيي الارْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يعني بموتها کفر أهلها، والکافر ميّت، فيحييها الله سبحانه بالقائم (عليه السلام) فيعدل فيها، فتحيا الارض ويحيا أهلها بعد موتهم.(35)
ـ وروي عن الامام الکاظم (عليه السلام) أنّه قال: ليس يحييها بالقطر، ولکن يبعث الله عزّ وجلّ رجالاً فيحيون العدل، فتحيا الارض لاحياء العدل.(36)
ـ وعن ثابت الثمالي، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَجَعَلَها کَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعون) قال (عليه السلام): فينا نزلت هذه الاية، وجعل الله الامامة في عقب الحسين إلي يوم القيامة، وإنّ للقائم منّا غيبتين، إحداهما أطول من الاُخري، فلا يثبت علي إمامته إلاّ من قوي يقينه وصحّت معرفته.(37)
ـ وعن عبد الله بن عجلان قال: من عرف هذا الامر ثمّ مات قبل أن يقوم القائم (عليه السلام)، کان له مثل أجر من قُتل معه.(38)
ـ وعن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): اعرف إمامک، فإنّک إذا عرفته لم يضرّک تقدّم هذا الامر أو تأخّر.(39)
ورواه فضيل بن يسار عنه (عليه السلام) وزاد في آخره: ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر، کان بمنزلة من کان قاعداً في عسکره، لا بل بمنزلة من کان قاعداً تحت لوائه.(40)
الهوامش:
(1) الغيبة للنعماني: 138، بحار الانوار 52: 101 / 2.
(2) الغيبة للنعماني: 139.
(3) الغيبة للنعماني: 140، بحار الانوار 52: 113 / 29.
(4) الغيبة للنعماني: 140، بحار الانوار 52: 112 / 23 عن الصادق (عليه السلام).
(5) بحار الانوار 52: 113 / 28.
(6) الغيبة للنعماني: 140 ـ 141، بحار الانوار 52: 115 / 37.
(7) بحار الانوار 52: 111 / 20.
(8) قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): اختلاف السنين، أي السنين المجدبة والقحط، أو کناية عن نزول الحوادث في کلّ سنة.
(9) بحار الانوار 52: 112 / 22.
(10) بحار الانوار 52: 113 / 24.
(11) بحار الانوار 52: 114 / 30.
(12) بحار الانوار 52: 115 / 35.
(13) بحار الانوار 52: 116 / 38.
(14) آل عمران: 200.
(15) تأويل الايات 1: 127 / 47.
(16) الغيبة للنعماني: 99.
(17) بحار الانوار 52: 145 / 66.
(18) منتخب الاثر: 262 / 17.
(19) الغيبة للنعماني: 112، بحار الانوار 52: 111 / 21.
(20) الغيبة للنعماني: 104، بحار الانوار 52: 133.
(21) الغيبة للنعماني: 105، بحار الانوار 52: 133.
(22) السبطة: السکوت خوفاً، والعَلَم: هو الحجّة علي الناس، والمراد به الامام (عليه السلام)، ويأرز: يتقبّض ويتجمّع ويختفي.
(23) الغيبة للنعماني: 105.
(24) بحار الانوار 52: 122 / 5.
(25) بحار الانوار 52: 123 / 6، والاية من سورة الرعد: 31.
(26) بحار الانوار 52: 125 / 13.
(27) بحار الانوار 52: 149 / 75.
(28) الغيبة للنعماني: 110، بحار الانوار 52: 146 / 70.
(29) بحار الانوار 52: 149 / 73.
(30) القصص: 28 / 68.
(31) الانفال: 8 / 42.
(32) الحديد: 57 / 16.
(33) تأويل الايات 2: 662 / 14.
(34) الغيبة للنعماني: 14.
(35) تأويل الايات 2: 663 / 15، والاية من سورة الحديد: 17.
(36) الکافي 7: 174 / 2.
(37) ينابيع المودّة: 427.
(38) بحار الانوار 52: 131 / 31.
(39) بحار الانوار 52: 141 / 52.
(40) بحار الانوار 52: 141 / 53.
******************
ـ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال (عليه السلام): من عرف هذا الامر فقد فرّج عنه بانتظاره.(1)
ـ وعن إسماعيل بن محمّد الخزاعي، قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع فقال: أتراني اُدرک القائم (عليه السلام)؟ فقال (عليه السلام): يا أبا بصير، ألست تعرف إمامک؟ فقال: بلي والله، وأنت هو، فتناول يده وقال: والله ما تبالي يا أبا بصير أن لا تکون محتبياً بسيفک في ظلّ رواق القائم.(2)
ـ وعن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: أقرب ما تکون هذه العصابة من الله وأرضي ما يکون عنهم، إذا افتقدوا حجّة الله، فحُجب عنهم، ولم يظهر لهم، ولم يعلموا بمکانه، وهم في ذلک يعلمون ويوقنون أنّه لم تبطل حجّة الله ولا ميثاقه، فعندها توقّعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإنّ أشدّ ما يکون غضب الله علي أعدائه إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم الله عزّ وجلّ أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب حجّته طرفة عين عنهم، ولا يکون ذلک إلاّ علي رأس شرار الناس.(3)
ـ وروي الکاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: تواصلوا وتبارّوا وتراحموا، فوالذي فلق الحبّة وبرئ النسمة، ليأتينّ عليکم وقت لا يجد أحدکم لديناره ودرهمه موضعاً - يعني لا يجد له عند ظهور القائم (عليه السلام) موضعاً يصرفه فيه، لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليّه -.
فقلت: أ نّي يکون ذلک؟
فقال (عليه السلام): عند فقدکم إمامکم، فلا يزالون کذلک حتّي يطلع عليکم کما تطلع الشمس، فإيّاکم والشکّ والارتياب، انفوا عن أنفسکم الشکوک، وقد حذّرتم فاحذروا من الله، أسأل الله توفيقکم وإرشادکم.(4)
ـ وعن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن بلغکم عن صاحبکم غيبة فلا تنکروها.(5)
انتظار الفرج
إنّ انتظار اليوم الموعود، هو الغرض الاساسي من إيجاد البشريّة... وقد خطّط الله تعالي لايجاده منذ فجر الخليقة، ولا زال هذا التخطيط سارياً إلي حين تحقّق نتيجته النهائية وغرضه الاصيل.
وقد کان انتظار البشر لليوم الموعود، موجوداً، منذ أن بلّغ الانبياء السابقون (عليهم السلام) البشرية عن وجوده... إلاّ أنّ الانتظار اکتسب صيغاً متعدّدة بتعدّد أزمنة تطوّر البشريّة نحو ذلک الغد المنشود، فإنّ البشرية قد مرّت - بهذا الاعتبار - بمراحل:
المرحلة الاُولي
فترة ما قبل الاسلام، وقد کان الناس خلالها يفهمون من کلّ نبيّ يبلغهم عن اليوم الموعود، أمرين مقترنين:
أوّلهما: الاهمال من التأريخ وإيکاله إلي إرادة الله تعالي محضاً.
وثانيهما: أنّ هذا النبيّ الذي يبلّغهم عنه، ليس هو القائد المذخور لهذه المهمّة، وإنّما سيوجد في المستقبل البعيد شخص آخر يکون مضطلعاً بها، وقائداً للبشرية من خلالها.
إذن، فالانتظار لم يکن حاملاً لنفس المفهوم الذي يحمله في عصر الغيبة الکبري... فبينما نري أنّ صيغته الاخيرة هي: توقّع حدوث اليوم الموعود في کلّ حين، علي ما سبق... نري أنّ صيغته يومئذ کانت تتضمّن العلم بعدم حدوثه السريع، والاکتفاء بالاعتقاد بأنّ هذا ممّـا سيحدث جزماً في المستقبل البعيد.
والناس في تلک العهود، وإن لم يکونوا ملتفتين إلي سرّ ذلک، إلاّ أ نّنا عرفنا باطلاعنا علي تفاصيل التخطيط الالهي. حيث عرفنا أنّ کلا شرطي اليوم الموعود، لم يکونا متوفّرين في تلک الفترة، فلم تکن البشرية علي مستوي فهم الاُطروحة العادلة الکاملة من ناحية، ولم تکن علي مستوي الاخلاص وقوّة الارادة المطلوب توفّرها في قيادة اليوم الموعود.
المرحلة الثانية
فترة ما بعد الاسلام إلي بدء الغيبة الصغري... حيث کانت البشرية قد تلقّت عن الله عزّ وجلّ اُطروحتها العادلة الکاملة، وبذلک توفّر أحد الشرطين السابقين.
إلاّ أنّ معني الانتظار لم يکن يختلف - مع ذلک - اختلافاً جوهرياً عمّـا سبق، بمعني أنّ الامل في ذلک الحين لم يکن منعقداً علي حدوث اليوم الموعود بغتة وفي أيّ وقت، بل کان المفهوم هو تحقّقه في المستقبل البعيد أيضاً، غاية الفرق عن المرحلة السابقة، هو إحراز المسلمين: أنّ اليوم الموعود سوف يکون طبقاً لاُطروحتهم ودينهم، دون غيره.
وهذا واضح جدّاً، لو لاحظنا طرق التبليغ عن ذلک اليوم من قبل النبيّ (صلي الله عليه وآله) والائمة المعصومين (عليهم السلام) بعده، أمّا بالنسبة إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله) فيکفينا إخباراته عن المهدي (عليه السلام) وأنّه من ولده وعترته، وأنّه من ذرّية فاطمة (عليها السلام)، وأنّه يظهر فيملا الارض قسطاً وعدلاً، وأنّه من ولد الحسين (عليه السلام) وأنّ صفته کذا وکذا... إذن فقائد اليوم الموعود ليس هو شخص النبيّ (صلي الله عليه وآله) ولن يقوم النبيّ (صلي الله عليه وآله) بهذه المهمّة الکبري خلال حياته، فالانتظار في عهد النبيّ (صلي الله عليه وآله) کان مقترناً بعدم حدوثه الفوري في ذلک الحين.
ويبقي الانتظار في عصر الائمة (عليهم السلام) يحمل نفس المفهوم، فقد بشّر الائمة (عليهم السلام) بالمهدي الموعود علي أنّه لا يکون خلال حياتهم، ونفوا عن أنفسهم أن يکون أحداً منهم هو المهدي.
ـ عن أيوب بن نوح، قال: قلت لابي الحسن الرضا (عليه السلام): إنّا نرجو أن تکون صاحب هذا الامر، وأن يسوقه الله إليک عفواً بغير سيف، فقد بويع لک، وقد ضُرِبت الدراهم باسمک؟
فقال (عليه السلام): ما منّا أحدٌ اختلفت الکتب إليه، واُشير إليه بالاصابع، وسُئل عن المسائل، وحملت إليه الاموال، إلاّ اغتيل أو مات علي فراشه، حتّي يبعث الله لهذا الامر غلاماً منّا خفيّ المولد والمنشأ غير خفيّ في نفسه.(6)
ـ وعن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): إنّ شيعتک بالعراق کثيرة، ووالله ما في بيتک مثلک، فکيف لا تخرج؟
فقال: يا عبد الله بن عطاء، قد أخذت تفرش اُذنيک للنوکي(7)، أي والله ما أنا صاحبکم.
قلت: فمن صاحبنا؟ فقال: انظروا من غيّب عن الناس ولادته، فذلک صاحبکم، إنّه ليس منّا أحد يشار إليه بالاصابع ويمضغ بالالسن إلاّ مات غيظاً أو حتف أنفه.(8)
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) مثله وفي آخره: إلاّ مات قتيلاً أو حتف أنفه. قلت: وما حتف أنفه؟ فقال: يموت بغيظه علي فراشه حتّي يبعث الله من لا يؤبه لولادته. قلت: ومن لا يؤبه لولادته؟ فقال: انظر من لا يدري الناس أنّه ولد أم لا، فذلک صاحبکم.(9)
يضاف إلي ذلک أنّ الاخبار الدالّة علي علامات الظهور وشروطه، لم تتحقّق في عصر الائمّة (عليهم السلام) السابقين للمهدي (عليه السلام) کالصيحة والخسف والسفياني وغيرها، ومعلوم أنّه إذا لم توجد هذه العلامات، لا يظهر المهدي (عليه السلام).
إذن فالمسلمون في زمن النبيّ (صلي الله عليه وآله) والائمّة (عليهم السلام) لم يکونوا ينتظرون ظهور المهدي (عليه السلام) علي الفور، وإنّهم قد بُلّغوا بشکل أکيد وشديد بظهوره في مستقبل الزمان، وإن سمعنا بعض التوقّع في زمان الائمّة (عليهم السلام) من قبل أصحابهم کما قدّمنا في الاحاديث الانفة، وکما مرّ بنا في أخبار التمحيص، فمنشؤه إبهام فکرة المهدي في أذهانهم وجهلهم لتفاصيلها، وقد انتفي ذلک في هذه المرحلة بعد ما صدر من الايضاحات والتفاصيل عن هذه العقيدة ممّـا له الاثر في جلاء الفکرة وارتفاع الابهام تدريجيّاً في مفهوم الانتظار.
المرحلة الثالثة
وهي التي تهمّنا هنا، وهي مرحلة الغيبة، فقد عرفنا بنحو القطع من هو المهدي، وعرفنا أنّه سيظهر بإذن الله إذا تحقّقت الشروط والعلامات، وإذا کنّا بمستويً عال من الاخلاص والاستقامة وقوّة الارادة المطلوب توفّرها في قيادة اليوم الموعود، فنحن إذن نتوقّع في الغيبة الکبري الظهور ونترقّبه في أيّ وقت.
إنّ المفهوم الاسلامي الواعي الصحيح للانتظار، هو التوقّع الدائم لتنفيذ الغرض الالهي الکبير، وحصول اليوم الموعود الذي تعيش فيه البشرية العدل الکامل بقيادة وإشراف الامام المهدي (عليه السلام).
وهذا المعني مفهوم إسلامي عام تشترک فيه المذاهب الکبري في الاسلام، إذ بعد إحراز هذا الغرض الکبير وتواتر أخبار المهدي عن رسول الاسلام (صلي الله عليه وآله) بنحو يحصل اليقين بمدلولها وينقطع العذر عن إنکاره أمام الله عزّ وجلّ، وبعد العلم بإناطة تنفيذ ذلک الغرض بإرادة الله تعالي وحده، من دون أن يکون لغيره رأي في ذلک. إذن فمن المحتمل في کلّ يوم أن يقوم المهدي (عليه السلام) بحرکته الکبري لتطبيق ذلک الغرض، لوضوح احتمال تعلّق إرادة الله تعالي به في أيّ وقت.
لا ينبغي أن تختلف في ذلک الاُطروحة الامامية لفهم المهدي (عليه السلام) عن غيرها... إذ علي تلک الاُطروحة، يأذن الله تعالي له بالظهور بعد الاختفاء، وأمّا بناءً علي الاُطروحة الاُخري القائلة: بأنّ المهدي (عليه السلام) يولد في مستقبل الدهر ويقوم بالسيف، فلاحتمال أن يکون الان مولوداً، ويوشک أن يأمره الله تعالي بالظهور. وهذا الاحتمال قائم في کلّ وقت أيضاً.
بل إنّ لمعني الانتظار مفهوم أعمّ من الاسلام وأقدم، أمّا قِدَمه فلما ذکرناه من تبشير الانبياء باليوم الموعود، فالبشرية کانت ولا زالت تنتظره، وإن تحرّفت شخصية القائد وعنوانه، وستبقي تنتظره ما دام في الدنيا ظلم وجور، وأمّا عمومه، فباعتبار التزام سائر أهل الاديان السماوية به، مع غضّ النظر عن الاسم.
وهذا بنفسه، ممّـا يجعل المسؤولية في عهدة کلّ مؤمن بهذه الاديان، وخاصّة المسلم منهم، في أن يهذّب نفسه ويکملها ويصعّد درجة إخلاصه وقوّة إرادته، لکي يوفّر لنفسه ولاخوانه في البشرية شرط الظهور في اليوم الموعود.
فلا يکون الفرد علي مستوي الانتظار المطلوب، إلاّ بتوفّر عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية ونفسية وسلوکيّة. ولولاها لا يبقي للانتظار أيّ معني إيماني صحيح، سوي التعسّف النفسي المبني علي المنطق القائل: إذهب أنت وربّک فقاتلا، إنّا ها هنا قاعدون...
فمن حيث الجانب العقائدي، لا بدّ من الاعتقاد بتعلّق الغرض الالهي بإصلاح البشريّة جميعاً، وتنفيذ العدل المطلق فيها في مستقبل الدهر، وأنّ ما تعلّق به الغرض الالهي والوعد الربّاني في القرآن لا يمکن أن يتخلّف.
والاعتقاد بأنّ القائد المظفّر الرائد في ذلک اليوم الموعود، هو الامام المهدي (عليه السلام)، کما تواترت بذلک الاخبار عند الفريقين، بل بلغت ما فوق حدّ التواتر، وقد علمنا أنّ ذلک ضروريّ الثبوت.
والاعتقاد بأنّ المهدي القائد هو محمّد بن الحسن العسکري (عليه السلام)... الامر الذي قامت ضرورة المذهب الامامي، وقامت عليه الاعداد الضخمة من أخبارهم. ووافقهم عليه جملة من مفکّري العامّة وعلمائهم کابن عربي في الفتوحات المکّية، والقندوزي في ينابيع المودّة، والحمويني في فرائد السمطين، والکنجي في البيان... وغيرهم.(10)
أمّا من الجانب النفسي للانتظار، فلا بدّ من الاستعداد الکامل لتطبيق الاُطروحة العادلة الکاملة عليه، کواحد من البشر، علي أقلّ تقدير، إن لم يکن من الدعاة إليها والمضحّين في سبيلها، وتوقّع البدء بتطبيق الاُطروحة العادلة الکاملة، أو بزوغ فجر الظهور في أيّ وقت... لما قلناه من أنّه منوط بإرادة الله تعالي، بشکل لا يمکن لغيره التعيين أو التوقيت. ومن المحتمل أن يشاء الله تعالي ذلک في أيّ وقت مضافاً إلي الاخبار الدالّة علي حصوله فجأة.
والجانب السلوکي للانتظار يتمثّل بالالتزام الکامل بتطبيق الاحکام الالهية السارية في کلّ عصر، علي سائر علاقات الفرد وأفعاله وأقواله، حتّي يکون متّبعاً للحقّ الکامل والهدي الصحيح، فيکتسب الارادة القويّة والاخلاص الحقيقي الذي يؤهّله للتشرّف بتحمّل طرف من مسؤوليات اليوم الموعود.
وهذا السلوک ضروري وملزم لکلّ من يؤمن باليوم الموعود، علي أيّ من المستويات السابقة، فضلاً عن مجموعها، وبخاصّة المسلمين الذين قام البرهان لديهم بأنّ المهدي (عليه السلام) يطبّق اُطروحته العادلة الکاملة متمثّلة في أحکام دينهم الحنيف.
وأمّا المسلم الامامي الذي يعلم بأنّ قائده معاصر معه، يراقب أعماله ويعرف أقواله، ويأسف لسوء تصرّفه... فهو مضافاً إلي وجوب إعداد نفسه لليوم الموعود، يجب أن يکون علي مستوي المسؤولية في حاضره أيضاً، وفي کلّ أيام حياته، لکي لا يکون عاصياً لقائده متمرّداً علي تعاليمه، وهذا الاحساس نفسه، يسرع بالفرد إلي النتيجة المطلوبة، وهو النجاح في التمحيص، والاعداد لليوم الموعود.
وإذا کان الفرد علي هذا المستوي الرفيع، استطاع أن يحرز الخير، علي مستويات أربعة:
1 - إحراز الخير لنفسه في دنياه وآخرته. أمّا في آخرته، فباعتبار رضا الله عزّ وجلّ، وأمّا في دنياه، فباعتبار أمرين:
أحدهما: السلوک العادل الذي يتّخذه الفرد والمعاملة الصالحة والعلاقات الجيّدة التي يعامل بها الاخرين.
وثانيهما: أنّه يصبح علي مستوي المسؤولية لتحمّل مواجهة القيادة في اليوم الموعود، إذا بزغ فجره.
2 - إحراز الخير لاُمّته، باعتبار أنّه إذ يعدّ نفسه الاعداد الصالح، فإنّه يشارک في تهيئة شرط اليوم الموعود، بمقدار تکليفه وقدرته، فيکون قد تسبّب إلي الخير کلّ الخير لاُمّته.
3 - إحراز الخير، لا لاُمّته فحسب، بل للبشرية جمعاء، فإنّ الخير الناتج من إيجاد شرط الظهور، عامّ لکلّ البشر، والمشارکة في إيجاده مشارکة في إيجاد العدل الکامل السائد في اليوم الموعود.
وهذه المستويات الثلاثة، ممّـا يقتضيه العقائد الاسلامية العامّة المشترکة بين سائر المذاهب... بل ممّـا يقتضيه الاعتراف باليوم الموعود، في أيّ دين من الاديان.
4 - إنّ الفرد بمساهمته في إيجاد شرط الظهور، يساهم في إرضاء إمامه المهدي (عليه السلام) وجلب الراحة إليه... بالنسبة إلي الشعور بزيادة المؤمنين وقلّة العاصين، والمشارکة الحقيقيّة في الاعداد للهدف الکبير، وهذا المستوي خاصّ بالاُطروحة الامامية لفهم المهدي (عليه السلام).
فهذه هي الجهات الاساسيّة التي يجب أن يتّخذها الفرد، لکي يکون علي المستوي الاسلامي المطلوب للانتظار.
الانتظار والعمل
قد يقال: إنّ انتظار الامام المهدي (عليه السلام) سبب للتکاسل عن الاصلاح وترک العمل الاجتماعي، وعدم معارضة الظلم والظالمين، اعتماداً علي اليوم الموعود والاصلاح المنشود.
أو انطلاقاً من الاعتقاد بأنّ المهدي (عليه السلام) لا يظهر حتّي تمتلئ الارض ظلماً وجوراً، إذن فيجب توفير الظلم والجور وترک العمل استعجالاً لظهور المهدي (عليه السلام).
والشبهة الاُولي تنطلق من أوساط المنکرين للمهدي (عليه السلام) علي الاساس المادّي، أو ما يمتّ إليه بصلة، اُولئک الذين لا يجدون دليلاً علي مدّعاهم إلاّ مجرّد الاستبعاد والتشکيک، فهم يحاولون أن يقنعوا أنفسهم بما يدّعون ولعلّهم يستطيعون إبعاد المهدويّين عن مهدوّيتهم وتشکيکهم في معتقدهم!! وذلک بادّعائهم أنّ الانتظار هو ترک العمل.
أمّا الشبهة الثانية فقد توجد حتّي عند أوساط المؤمنين بالمهدي الذين انطبعت المفاهيم الاسلامية في أذهانهم بشکل ناقص وخاطئ، بشکل تصلح تبريراً للواقع الفاسد، أکثر من أيّ شيء آخر.
وتنطلق الشبهة في هذه الاوساط من الاعتقاد الذي ذکرناه بأنّ المهدي (عليه السلام) لا يظهر حتّي تمتلئ الارض جوراً وظلماً، کما ورد في الحديث المتواتر عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، إذن يفهمون من ذلک: أنّه يجب توفير الظلم والجور، وترک العمل ضدّه، استعجالاً لظهور المهدي (عليه السلام).
والحقّ أنّ مشارکة الفرد في إيجاد شرط الظهور، لا يکون إلاّ بالعمل الجادّ المنتج لرفع درجة الاخلاص والشعور بالمسؤولية، ليکون في إمکان المخلصين المشارکة سواء ما کان منها علي المستوي الشخصي أو علي المستوي الاجتماعي، ولن يحرز رضا الامام (عليه السلام) بطبيعة الحال، بالاقتصار علي الجانب الشخصي من أحکام الاسلام، لانّ في ذلک عصياناً للاحکام الاجتماعية والاصلاحيّة، وهو ما لا يرضاه الله تعالي ولا رسوله (صلي الله عليه وآله) ولا المهدي (عليه السلام).
إذن فالاعتقاد بوجود القائد الرائد، باعث علي العمل الاجتماعي والاصلاحي، ولا يکاد يوجد هذا الباعث بدون هذا الاعتقاد إلاّ بشکل ضئيل، وإنّما انصرف عموم الناس عن العمل نتيجة لتناسيهم قائدهم وتغافلهم عن مسؤولياتهم تجاهه.
وسيکون ظهوره (عليه السلام) عندما تکون الاُمّة ساعة الظهور علي مستويً عال من الشعور بالمسؤولية الاسلامية، والاستعداد للتضحية في سبيل الله عزّ وجلّ، أو علي الاقلّ أن يکون فيها العدد الکافي ممّن يحمل هذا الشعور، ليکون هو الجندي الصالح الذي يضرب بين يدي المهدي (عليه السلام) ضدّ الکفر والانحراف، ويبني ساعده الغد الاسلامي المشرق، ويکون الجيش المکوّن من مثل هذا الشخص هو الجيش الرائد الواعي الذي يملا الارض بقيادة الامام المهدي (عليه السلام) قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً، وعليه فلا بدّ من العمل الجادّ للوصول إلي ذلک المستوي من الشعور بالمسؤولية والاستعداد للتضحية.
أمّا الظلم والجور في عصر ما قبل الظهور، فهو جزء من التخطيط الالهي لايجاد شرط الظهور، وهو توفّر قوّة الارادة والاخلاص في الاُمّة بشکل عام، ومعلوم أنّ هذا يحدث في نسبة ضئيلة من البشر، ويکون الباقون علي مستوي الانحراف والفساد الذي اختاروه بأنفسهم.
إذن فالارض تمتلئ ظلماً وجوراً، لکن لا بالجبر والاکراه من قبل الله تعالي، وإنّما باعتبار انصراف الاعمّ الاغلب من الناس إلي مصالحهم الشخصية وإشباع غرائزهم المريضة، ولم يسلم من ذلک إلاّ النسبة الضئيلة التي تسلم من غربال الفتنة.
ثمّ إنّ شرط الظهور يقتضي مستويً إيمانياً عالياً يقيم دولة الحقّ، وذلک ينافي کثرة الظلم وامتلاء الارض جوراً، لانّ الارض لو امتلات تماماً بالظلم وانعدم فيها عنصر الايمان، لما أمکن إصلاحها عن طريق الثلّة المؤمنة أو القيادة العامّة، بل لا بدّ أن يکون ذلک بالقهر والجبر أو منحصراً بالمعجزة الالهيّة، وذلک خلاف ما قدّمناه من الاحاديث والاخبار المصرّحة بالفتنة والاختبار والتمحيص للمؤمنين ليکونوا أنصاراً للامام (عليه السلام) في خلافة الله علي الارض وإقامة دولة العدل.
أخيراً، إنّ فکرة اليوم الموعود تتضمّن سيطرة الايمان علي الکفر، بعد سيطرة الکفر علي الايمان، مع وجود کلا الجانبين، وهو قول الله تعالي بالنسبة إلي المؤمنين (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ وَلَيُبْدِلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً)، وقوله (صلي الله عليه وآله): يملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً.(11)
فلسفة الانتظار
إنّ وجود الامام المهدي (عليه السلام) يمثّل الامتداد المتواصل للّطف الالهي، اللطف الذي دعي الانسان إلي انتظاره، کما کان يدعي إلي انتظار الانبياء، إلاّ أنّ هذا الانتظار مقرون بمسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنکر، والدعوة إلي الاسلام، والجهاد في سبيل الله، لئلاّ تتعطّل شريعة الهدي، ويسود الظلم والفساد.
ولم تکن هذه الدعوة إلي الانتظار دعوة استسلام أو خنوع، أو تخلٍّ عن المسؤوليّة، إلاّ أنّ البعض قد فهم قضيّة انتظار المهدي (عليه السلام) فهماً خاطئاً، فتصوّر أنّ الانتظار يعني تعطيل الاحکام الشرعيّة، والتوقّف عن تحمّل المسؤولية وإقامة رکائز الاصلاح، وإيکال هذه الاُمور إلي الامام المنتظر القائم بالحقّ، وذلک مخالف لصريح الرسالة الاسلاميّة وروح الدعوة الالهيّة.
فالقرآن کلّه دعوة إلي الايمان والعمل والتطبيق، وتکليف بالاصلاح وبالامر بالمعروف والنهي عن المنکر، ولم يأذن بتعطيل الشريعة والاحکام، لانّ ذلک يعني سيطرة الظلم والفساد والضلال، وهذا ما لا يأذن به الله سبحانه.
إنّ الانسان الذي لا يعيش في سلوکه وعواطفه وروحه ووعيه الوعد الالهي بوراثة الصالحين، وبظهور المهدي (عليه السلام) الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، يسيطر عليه اليأس، ويغيب عنه الامل، ويستسلم للامر الواقع.
لقد رکّزت الدعوة الاسلامية الامل والرجاء في النفوس، ودعت إلي اقتلاع ظاهرة اليأس من الاصلاح والاستسلام لسيطرة الجاهليّة والطاغوت، وبشّرت بالنصر والاستخلاف في الارض، فجاءت هذه البشارة للعاملين في سبيل الله، الداعين إلي رسالته کقانون حياتي تسير وفقه أحداث الحياة، قال تعالي: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ کَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلُيمَکِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذي ارْتَضي لَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً يَعْبُدونَني لا يُشْرِکونَ بي شَيْئاً وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَاُولَئِکَ هُمُ الفاسِقون).(12)
وقد تحدّث القرآن الکريم قبل أن يوضح للمؤمنين وعد الله سبحانه بالاستخلاف، عن مسؤولية الانسان المؤمن، فدعاه إلي طاعة الله والرسول (صلي الله عليه وآله) المتمثّلة بالعمل بکلّ ما جاء به النبيّ الهادي محمّد (صلي الله عليه وآله)، ودعا إليه بشکل جعل من الاستخلاف والتمکين في الارض نتيجةً طبيعيّة لطاعة الله والرسول (صلي الله عليه وآله)، واثراً سببياً لها، فقال: (قُلْ أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْکُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإنْ تُطيعوهُ تَهْتَدوا وَما عَلي الرَّسولِ إلاّ البَلاغُ المُبين).(13)
الهوامش:
(1) بحار الانوار 52: 142 / 54.
(2) بحار الانوار 52: 142 / 55.
(3) الغيبة للنعماني: 107، بحار الانوار 52: 145 / 67.
(4) الغيبة للنعماني: 98.
(5) الغيبة للنعماني: 125.
(6) الغيبة للنعماني: 112.
(7) أي تسمع ما يقول الحمقي.
(8) الغيبة للنعماني: 111.
(9) الغيبة للنعماني: 111.
(10) راجع الفصل المتقدّم من هذا الکتاب.
(11) الغيبة الکبري: 341 ـ 353 ـ باختصار وتصرّف.
(12) النور: 55.
(13) النور: 54.
******************
إنّ اليائسين من الاصلاح هم أسري حالة مرضيّة، وضحايا اليأس والانهزام أمام تيار الجاهلية، وعنصر إعاقة لحرکة الاُمّة وانطلاقتها التأريخية والحضارية.
إنّ الدعوة الحقّة التي دعا إليها القرآن، وأوضحها الرسول الهادي (صلي الله عليه وآله) هي دعوة العمل والجهاد والاصلاح، في الوقت الذي تنتظر فيه البشرية ظهور المصلح الموعود، ويمهّد المؤمنون العاملون لوراثة الصالحين، ولمرحلة الاستخلال المنتظر في الارض.
وإذا کان المنعطف التأريخي، والتحوّل الحضاري العملاق ويوم الخلاص الموعود، يحصل علي يدي هذا القائد العظيم، وهو الذي يحقّق حلم الانبياء، وينقذ الانسان من ضلال الجاهلية، وظلم الطواغيت، ويعيد صياغة البناء للانسان، علي أساس عقيدة التوحيد وقيم الرسالة الالهيّة، فإنّنا بحاجة إلي بحث هذه القضيّة، وتعميق الوعي من حولها، وتحويل الاهتمام إليها، لانّ الاهتمام بها يشکّل جزءاً من الاهتمام بالقضيّة الاسلامية والانسانية الکبري، وإعداد الانسان للثورة علي الظلم والطغيان، وبعث الامال في نفسه، وللانتصار علي حالة الضعف والهزيمة النفسيّة أمام قوي الطواغيت.
ومن أبرز الاثار التي ينتجها الاهتمام بقضية الامام المهدي (عليه السلام) وتعميق الدراسة حولها، ونقلها إلي مساحة الاعلام، هو ربط الاُمّة بقائدها المنتظر، والتهيّؤ للانضواء تحت لوائه، متي ما انطلقت دعوته، ولمع نجمه في اُفق السياسة والقيادة.
إنّ الايمان بالامام المهدي (عليه السلام) هو قضية غيبية، يعمّق الايمان بها روح الوعي الغيبي والارتباط النفسي بعالم الغيب، إلي جانب العمل الميداني في عالم الواقع المادي.
لقد کانت الاُمم والشعوب قبل بعثات الانبياء والرسل، تنتظر النبيّ المصلح، وتعيش حالة من الترقّب والرصد للعلامات والارهاصات، لتنضوي تحت لواء النبيّ المبعوث، وبعد انقطاع الوحي وختم النبوّات بنبوّة محمّد (صلي الله عليه وآله)، شاء الله أن يکون الاصلاح علي يد إمام من آل الرسول (صلي الله عليه وآله).
إذن لا بدّ من الاهتمام بقضيّة الامام المهدي (عليه السلام) وربط الانسانية بمصلح منتظر، والعمل الجادّ من أجل الالتحام بقيادته المرتقبة، والسير تحت لواء مصلح عظيم لتنمية روح الجدّ في الاصلاح، ولا بدّ من الاکثار من الدعاء والتوجّه إلي الله سبحانه أن يعجّل خروج الامام الحجّة (عليه السلام) ليمارس دوره ومهمّته في إقامة رکائز العدل ودولة السلام والقسط. (1)
ثواب الانتظار
ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال ذات يوم: ألا اُخبرکم بما لا يقبل الله عزّ وجلّ من العباد عملاً إلاّ به؟ فقلت: بلي.
فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا، والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام).
ثمّ قال: إنّ لنا دولةً يجيء الله بها إذا شاء.
ثمّ قال: من سرّه أن يکون من أصحاب القائم، فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده، کان له من الاجر مثل أجر من أدرکه، فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لکم أ يّها العصابة المرحومة.(2)
ـ وعن أبي خالد الکابلي، عن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، قال: تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلي الله عليه وآله). يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره، أفضل أهل کلّ زمان، لانّ الله - تعالي ذکره - أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلک الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالسيف، اُولئک المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلي دين الله سرّاً وجهراً. وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج.(3)
ـ وعن العلاء بن سيّابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: من مات منکم علي هذا الامر منتظراً له، کان کمن هو في فسطاط القائم (عليه السلام).(4)
ـ وفي خبر الاعمش قال: قال الصادق (عليه السلام): من دين الائمة (عليهم السلام) الورع والعفّة والصلاح - إلي قوله -: وانتظار الفرج بالصبر.(5)
ـ وعن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أفضل أعمال اُمّتي انتظار فرج الله عزّ وجلّ.(6)
ـ وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الاربعمائة، قال (عليه السلام): انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الاعمال إلي الله عزّ وجلّ انتظار الفرج، وقال (عليه السلام): مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملک مؤجّل، فاستعينوا بالله واصبروا، إنّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين، لا تعاجلوا الامر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنّ عليکم الامد فتقسوا قلوبکم.(7)
ـ وعن الامام الباقر (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أفضل العبادة انتظار الفرج.(8)
ـ وعن الفيض بن المختار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من مات منکم وهو منتظر لهذا الامر، کان کمن هو مع القائم في فسطاطه، قال: ثمّ مکث هنيئة، ثمّ قال: لا بل کمن قارع معه بسيفه، ثمّ قال: لا والله إلاّ کمن استشهد مع رسول الله (صلي الله عليه وآله).(9)
ـ وعن محمّد بن الفضيل، عن الامام الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن شيء من الفرج، فقال: أليس انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (فَانْتَظِروا إنِّي مَعَکُمْ مِنَ المُنْتَظِرين).(10)
ـ وعن البزنطي، قال: قال الرضا (عليه السلام): ما أحسن الصبر وانتظار الفرج! أما سمعت قول الله تعالي: (فَارْتَقِبوا إنِّي مَعَکُمْ رَقيب)، وقوله عزّ وجلّ: (فَانْتَظِروا إنِّي مَعَکُمْ مِنَ المُنْتَظرِين)، فعليکم بالصبر فإنّه إنّما يجيء الفرج علي اليأس، فقد کان الذين من قبلکم أصبر منکم.(11)
ـ وعن أبي بصير، قال الامام الصادق (عليه السلام): يا أبا بصير، طوبي لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، اُولئک أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.(12)
ما الفائدة من الامام غائباً؟
الامامة کالنبوّة لطف من الله تعالي بخلقه ودعوة منه تعالي لهم إلي سبيل الرشاد، لتکون له عليهم الحجّة، فَلِلّهِ تعالي الحجّة البالغة، ومهمّة النبيّ والامام هي القيام بأداء الرسالة وبثّ التعاليم ونشر الدين وإعلاء کلمة الله والدعوة إليه، وعلي الناس السمع والطاعة والامتثال لقوله والاهتداء بهديه والاخذ بتعاليمه وتطبيق مناهجه.
وإذا صدّ الناس النبيّ أو الامام عن أداء واجبه، واضطرّوه إلي الغيبة أو نحوها، فقد خالفوا واجبهم، وترکوا ما اُمروا به، وليس علي النبيّ أو الامام حينذاک بأس، لأنّهم صدّوه وأخافوه، وحالوا بينه وبين أداء رسالته ونشر تعاليمه، فعليهم يقع اللوم وعلي عاتقهم تقع المسؤولية.
ومع ذلک فإنّ غيبة الامام (عليه السلام) لم تخلُ من مصلحة للاُمّة وفائدة للمسلمين، ولا ضير علي الاُمّة إذا غاب عنها وجه المصلحة والفائدة المترتّبة علي هذه الغيبة شأن اُمور کثيرة من اُمور الدين لم نزل نجهل عللها والغاية منها.
وقد أجمع أهل القبلة عدا المعتزلة والخوارج علي وجود الخضر (عليه السلام) وبقائه عبر القرون المتطاولة والاجيال المتعاقبة ونحن نجهل الغاية من بقائه (عليه السلام)، والفائدة المتوخّاة من وجوده المبارک، ولا بدّ للحکيم جلّ شأنه أن جعل في بقائه من فائدة ولوجوده الشريف من منفعة، فجهلنا بفائدة بقاء الخضر والامام (عليه السلام) ليس مبرّراً لنکران الفائدة وجحد المنفعة أو جحد الامام (عليه السلام).
ونحن لا نزال نجهل الفائدة لکثير من الاُمور العبادية وغيرها، فها هي طقوس الحجّ من الاحرام والطواف والسعي والتقصير ورمي الجمار وذبح الفداء والحلق لم نهتدِ إلي الغاية منها والفائدة المترتّبة عليها.
ـ سأل جابر بن عبد الله الانصاري رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل يُنْتَفَع بالقائم في غيبته؟ فقال (صلي الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، کانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب.(13)
ـ وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: منّا المهدي الذي يسري في الدنيا بسراج منير، ويحذو فيها علي مثال الصالحين، ليحلّ ربقاً، ويعتق رقّاً، ويصدع شعباً، ويشعب صدعاً، يسري في سترة عن الناس، لا يُبصر القائف أثره، ولو تابع نظره.(14)
ـ وعن سليمان بن مهران، قال: قلت لجعفر الصادق (عليه السلام): کيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟
فقال (عليه السلام): کما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب.(15)
ـ وعن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اللهمّ لا بدّ لارضک من حجّة علي خلقک يهديهم إلي دينک، ويعلمهم علمک، لئلاّ تبطل حجّتک، ولا يضلّ أتباع أوليائک بعد إذ هديتهم، ظاهراً وليس بالمطاع، أو مکتتماً مترقّباً، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنة، لم يغب عنهم مثبوت علمه، فإذا به قلوب المؤمنين مثبتة، فهم به عاملون.(16)
ـ وفي توقيع للامام المهدي (عليه السلام) إلي إسحاق بن يعقوب، جاء فيه: وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فکالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الابصار السحاب، وإنّي أمانٌ لاهل الارض، کما أنّ النجوم أمان لاهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمّـا لا يعنيکم، ولا تتکلّفوا علي ما قد کفيتم، وأکثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلک فرجکم.(17)
وقد ذکر العلاّمة المجلسي عدّة وجوه في التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب، نذکر منها:
1 - أنّ نور الوجود والعلم والهداية، يصل إلي الخلق بتوسّطه (عليه السلام)، إذ ثبت بالاخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائية لايجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلي غيرهم، وببرکتهم والاستشفاع بهم والتوسّل إليهم تظهر العلوم والمعارف إلي الخلق، وتکشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، کما قال تعالي: (وَما کانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فيهِمْ).(18)
2 - کما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها، إذ ينتظرون في کلّ آن انکشاف السحاب عنها وظهورها، ليکون انتفاعهم بها أکثر، فکذلک في أيام غيبته (عليه السلام)، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في کلّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
3 - إنّ منکر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره، کمنکر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الابصار.
4 - إنّ الشمس قد تکون في غيبتها في السحاب أصلح للعباد، من ظهورها لهم بغير حجـاب، فکذلـک غيبته (عليه السلام) أصلح لهم في تلک الازمان، فلذا غاب عنهم.
5 - إنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد، فکذلک يمکن أن يظهر (عليه السلام) في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.(19)
وقد ذکرنا فيما تقدّم عدّة أحاديث تدلّ علي أنّ الامام المهدي (عليه السلام) يرعي شيعته، ويدخل دورهم، ويطأ بسطهم، ويکنفهم بفيض مداراته ومراعاته، ونضيف هنا أحاديث اُخري تحمل نفس الدلالة:
ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث - قال: فورّب عليّ، إنّ حجّتها عليها قائمة، ماشية في طرقها، داخلة في دورها وقصورها، جوّالة في شرق هذه الارض وغربها، تسمع الکلام، وتسلّم علي الجماعة، تَري ولا تُري إلي الوقت والوعد، ونداء المنادي من السماء.(20)
ـ وعن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يفقد الناس إمامهم، يشهد المواسم، يراهم ولا يرونه.(21)
ـ وورد في توقيع الامام المهدي (عليه السلام) إلي الشيخ المفيد (رحمه الله): نحن وإن کنّا ثاوين بمکاننا النائي عن مساکن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلک، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا يحيط علمنا بأنبائکم، ولا يعزب عنّا شيء من أخبارکم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابکم، قد جنح کثير منکم إلي ما کان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم کأنّهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتکم، ولا ناسين لذکرکم، ولولا ذلک لنزل بکم اللاواء، واصطلمکم الاعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا علي انتياشکم(22) من فتنة قد أنافت عليکم...(23).
إلي آخره.
نشاطات الامام في غيبته
ذکر السيّد محمّد الصدر (رحمه الله) عدّة أعمال وأهداف قام بها الامام المهدي (عليه السلام) خلال غيبته، وقد استقاها من أخبار المشاهدة، التي أفردنا لها فصلاً مستقلاً من کتابنا هذا،(24) ومنها:
الاغراض والمقاصد العامّة
1 - إنقاذ الشعب المسلم من براثن تعسّف وظلم بعض حکّامه المنحرفين، وخاصّة فيما يعود إلي قواعده الشعبية من الخير والسلامة.
فمن ذلک ما قام به الامام المهدي من إنقاذ شعبه في البحرين، من تعسّف حاکميه الذين تنص الرواية علي کونهم من عملاء الاستعمار ومن المنصوبين من قبل المستعمرين.(25)
حيث کان للوزير في تلک البلاد، وهو بمنزلة رئيس الوزراء في عالم اليوم... مکيدة کبيرة کادت أن تؤدّي إلي إرهاب القواعد الشعبية للامام المهدي (عليه السلام) إرهاباً غريباً بمعاملتهم معاملة الکفّار الحربيّين من أهل الکتاب... أمّا بأن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أو أن تقتل رجالهم وتسبي نساؤهم وأطفالهم. وقد کان للامام المهدي (عليه السلام) اليد الطولي في کشف هذه المکيدة ودفع هذا الشرّ المستطير.
2 - إنقاذ الشعب المسلم من براثن الاشقياء والمعتدين، وعصابات اللصوص المانعين عن الاعمال الاسلامية الخيّرة.
فمن ذلک(26): العمل الکبير الذي قام به المهدي (عليه السلام) من فتح الطريق إلي کربلاء المقدّسة، أمام زوّار جدّه الامام الحسين (عليه السلام)، في النصف من شعبان.
وکانت عشيرة (عنيزة) تترصّد لکلّ داخل إلي کربلاء وخارج منها، وتتعهّده بالسلب والنهب، فکان الطريق إليها موصداً يخافه الناس. فلولا قيادة المهدي (عليه السلام) للزائرين في الطريق إلي کربلاء وتهديده لعشيرة عنيزة بالموت والدمار إذا حاولت الاعتداء، لامتنع الناس من الذهاب إلي زيارة الامام سيّد شباب أهل الجنّة (عليه السلام)، ولتعطّل هذا الشعار الاسلامي الکبير. فمرحي للالطاف الکبري التي يسبغها المهدي (عليه السلام) علي اُمّته.
وکان ذلک خلال حکم الدولة العثمانية للعراق. وکان من قوّادهم يومئذ: کنج محمّد آغا وصفر آغا... کما تنص الرواية علي ذلک، ولکنّها - مع الاسف - تهمل التعرّض إلي التأريخ المحدّد للحوادث.
3 - إلفات نظر الاخرين إلي عدم تحقّق شرط الظهور الموعود. والتأکيد علي أنّ الاُمّة لم تبلغ إلي المستوي المطلوب من الوعي والشعور بالمسؤولية الذي تستطيع معه أن تحمل علي عاتقها الاثار الکبري في اليوم الموعود. ومعه فلا بدّ من أن يتأجّل الظهور إلي اليوم الذي يتحقّق فيه هذا الشرط مهما تمادي الزمن وطالت المدّة. وليس لاحد أن يقترح تقديمه أو يعيّن تأريخه، سوي الله عزّ وجلّ.
وقد حصل التأکيد علي هذا المفهوم الصحيح الواعي من قبل الامام المهدي (عليه السلام)، علي ملا من الناس، وذلک في خبر السيّد محمّد الصدر (رحمه الله) عن أبيه، وفي ما يلي اختصار لبعض تفاصيله:
قال: إنّ الناس في البحرين، في بعض الازمنة، لمقدار إحساسهم بالظلم وتعسّف الظالمين... تمنّوا ظهور الامام المهدي (عليه السلام) بالسيف ظهوراً عالمياً عامّاً، لکي يجتثّ أساس الظلم لا من بلادهم فحسب بل من العالم کلّه.
فاتّفقوا علي اختيار جماعة من أعاظمهم زهداً وورعاً وعلماً ووثاقة، فاجتمع هؤلاء واختاروا ثلاثة منهم، واجتمع هؤلاء واختاروا واحداً هو أفضلهم علي الاطلاق، ليکون هو واسطتهم في الطلب إلي المهدي بالظهور.
فخرج هذا الشخص المختار، إلي الضواحي والصحراء، وأخذ بالتعبّد والتوسّل إلي الله تعالي وإلي المهدي (عليه السلام) بأن يقوم بالسيف ويظهر فيملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً. وقضي في ذلک ثلاثة أيام بلياليها.
فلمّـا کانت الليلة الاخيرة، أقبل شخص وعرّفه بنفسه أنّه هو المهدي المنتظر، وقد جاء إجابةً لطلبه: وسأله عن حاجته، فأخبره الرجل بأنّ قواعده الشعبية ومواليه في أشدّ التلهّف والانتظار إلي ظهوره وقيام نوره. فأوعز إليه المهدي (عليه السلام) أن يبکّر في غد إلي مکان عامّ عيّنه له، ويأخذ معه عدداً من الغنم في الطابق الثاني علي السطح، ويعلن في الناس أنّ المهدي (عليه السلام) سيأتي في ساعة معيّنة، عليهم أن يجتمعوا في أرض ذلک المکان. وقال له المهدي (عليه السلام) أيضاً: إنّني سأکون علي السطح في ذلک الحين.
وامتثل الرجل هذا الامر، وحلّت الساعة الموعودة، وکان الناس متجمهرين في المکان المعيّن علي الارض، وکان المهدي (عليه السلام) مع هذا الرجل وغنمه علي السطح.
وهنا ذکر المهدي (عليه السلام) اسم شخص، وطلب من الرجل أن يطلّ علي الجماهير ويأمره بالحضور، فامتثل الامر وأطلّ علي الجمع ونادي باسم ذلک الرجل... فسمع الناس وصعد الرجل علي السطح، وبمجرّد وصوله أمر المهدي (عليه السلام) صاحبنا أن يذبح واحدة من غنمه قرب الميزاب، فما رأي الناس إلاّ الدم ينزل من الميزاب بغزارة، فاعتقدوا جازمين بأنّ المهدي (عليه السلام) أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.
ثمّ نادي المهدي (عليه السلام) بنفس الطريقة رجلاً آخر، وکان أيضاً من الاخيار الورعين، فصعد مضحّياً بنفسه واضعاً في ذهنه الذبح أمام الميزاب، وبعد أن وصل إلي السطح نزل الدم من الميزاب، ثمّ نادي شخصاً ثالثاً ورابعاً، وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود، بعد أن تأکّدوا أنّ کلّ من يصعد سيراق دمه من الميزاب، وأصبحوا يفضّلون حياتهم علي أمر إمامهم.
وهنا التفت المهدي (عليه السلام) إلي صاحبنا وأفهمه بأنّه معذور في عدم الظهور ما دام الناس علي هذا الحال.
فمن هنا نفهم بوضوح، کيف أنّ المهدي (عليه السلام) استهدف إفهام الاُمّة بشکل عملي غير قابل للشکّ، بأنّها ليست علي المستوي المطلوب من التضحية والشعور بالمسؤولية الاسلامية، وکشف أمامها واقعها بنحو أحسّه کلّ فرد في نفسه وأنّه علي غير استعداد لاطاعة أمر إمامه (عليه السلام) إذا کان مستلزماً لاراقة دمه، وإذا کانت الاُمّة علي هذا المستوي الوضيع لم يمکنها بحال أن تتکفّل القيام بمهام اليوم الموعود بقيادة المهدي (عليه السلام).
هذه الصورة ربما تکون واقعية وربما تکون استدلاليّة، وعلي کلّ حال لا تخلو من فائدة وتقريب المعني إلي الذهن.
4 - إرجاعه (عليه السلام) للحجر الاسود إلي مکانه من الکعبة، فإنّ القرامطة بعد أن قلعوه أثناء هجومهم علي مکّة المکرّمة عام 317 للهجرة، ونقلوه إلي هجر، وکان ذلک إبّان الغيبة الصغري، کما هو واضح من تأريخها بقي الحجر لديهم عشرين عاماً أو يزيد. وأرجعوه إلي مکّة عام 339، أو عام 337، فکان المهدي (عليه السلام) هو الذي وضعه في مکانه وأقرّه علي وضعه السابق، کما ورد في أخبارنا.
قال الراوي: لمّـا وصلت إلي بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عزمت علي الحجّ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلي مکانه إلي البيت، کان أکثر همّي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنّه يمضي في أنباء الکتب قصّة أخذه، فإنّه لا يضعه في مکانه إلاّ الحجّة في الزمان، کما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مکانه.
الهوامش:
(1) سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) 2: 702 ـ 705.
(2) الغيبة للنعماني: 134، بحار الانوار 52: 140 / 50.
(3) بحار الانوار 52: 122 / 4.
(4) غيبة النعماني: 133، بحار الانوار 52: 125 / 15.
(5) بحار الانوار 52: 122 / 1.
(6) بحار الانوار 52: 122 / 2.
(7) بحار الانوار 52: 123 / 7.
(8) بحار الانوار 52: 125 / 11.
(9) بحار الانوار 52: 125 / 18.
(10) بحار الانوار 52: 128 / 22.
(11) بحار الانوار 52: 129 / 23.
(12) بحار الانوار 52: 150 / 76.
(13) بحار الانوار 52: 93، إعلام الوري: 376، منتخب الاثر: 271.
(14) نهج البلاغة 2: 47 / 146، منتخب الاثر: 270.
(15) منتخب الاثر: 271، ينابيع المودّة: 477.
(16) منتخب الاثر: 272.
(17) بحار الانوار 53: 181، منتخب الاثر: 267.
(18) الانفال: 8 / 33.
(19) بحار الانوار 52: 93.
(20) غيبة النعماني: 94.
(21) دلائل الامامة: 482 / 477، الکافي 1: 272 / 6، کمال الدين: 346 / 33، غيبة النعماني: 116 ـ 117.
(22) اللاواء: الشدّة، والاصطلام: الاستئصال، والانتياش: الانقاذ والانتشال.
(23) بحار الانوار 53: 175.
(24) الفصل الثاني عشر.
(25) راجع تفاصيل ذلک في النجم الثاقب: 314 وما بعدها، منتهي الامال 2: 316.
(26) راجع تفاصيل ذلک في النجم الثاقب: 370، ومنتهي الامال 2: 326.
******************
وأوضح الراوي بأنّ الناس فشلوا في وضعه في محلّه، وکلّما وضعه إنسان اضطرب الحجر ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه، فتناوله فوضعه في مکانه، فاستقام کأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلک الاصوات.
ثمّ إنّ المهدي (عليه السلام)، خرج من المسجد ولاحقه الراوي طالباً منه حاجة، فقضاها له، وأقام الدلالة ساعتئذ علي حقيقته.
وهذه حقيقة تمثّل فجوة تأريخية، سکت عنها التأريخ العامّ، وقد ملاتها أخبارنا الخاصّة بکلّ وضوح، وهو أمر لا يمکن نفيه إلاّ بنفي فکرة غيبة المهدي (عليه السلام) من أصلها، وهو خلاف ما هو المفروض في هذا التأريخ.
نعم، يبقي في الذهن سؤالان حول ذلک لا بدّ من عرضهما ومحاولة الجواب عليهما:
الاوّل: أنّه من أين ثبت أنّ الحجر الاسود لا يضعه في محلّه إلاّ الحجّة في الزمان، کما ادّعاه الراوي؟
والواقع أ نّنا لم نجد رواية تتکفّل هذا المدلول الواسع، ولکنّنا إذا استعرضنا التأريخ المعروف، لم نجد واضعاً للحجر إلاّ من الانبياء والاولياء، فإبراهيم (عليه السلام) هو الذي وضع الحجر حين بني الکعبة ووضع اُسس البيت العتيق. ورسول الله (صلي الله عليه وآله) هو الذي وضع الحجر قبل نبوّته حين بنيت الکعبة في الجاهلية واختلفت القبائل فيمن يضع الحجر قبل نبوّته حين بنيت الکعبة في الجاهلية والحادثة معروفة، ومرويّة في التأريخ. وحين أخرب الحجّاج بن يوسف الکعبة المقدّسة في صراعه مع عبد الله بن الزبير... أعادوا بناءها من جديد، وکان واضع الحجر هو الامام زين العابدين (عليه السلام).
وهذا الراوي في الرواية التي نناقشها، ينسب وجود مثل هذه القاعدة العامّة، أعني أنّ الحجر الاسود لا يضعه إلاّ الحجّة في الزمان... ينسبها إلي الکتب، وظاهره کونها مسلّمة الصحّة، فلعلّه کانت هناک أدلّة أکثر وأوثق قد بادت خلال التأريخ والله العالم بحقائق الاُمور.
الثاني: لو ثبتت هذه الفکرة کقاعدة عامّة، وصادف أن زال الحجر الاسود من مکانه في بعض عصور الغيبة الکبري، فکيف يتسنّي للمهدي (عليه السلام) إرجاعه، وهو حجّـة الزمـان، إلاّ بانکشاف أمره وارتفاع غيبته واطلاع الناس علي شخصه.
والجواب علي ذلک: إنّ أهمّ ما يمکن أن يکون ساتراً لشأنه وصائناً لسرّه حين وضعه الحجر، هو عدم معروفية هذه الفکرة لدي الناس وعدم اشتهارها بينهم، بل وعدم قيام دليل واضح عليها، کما سمعنا. ولعلّه من أجل ذلک لم يصدر في الشريعة الاسلامية مثل هذا الدليل الواضح علي ذلک. ولعلّک لاحظت من خلال هذه الرواية التي نناقشها أنّ الذي عرف هذه الفکرة هو واحد من الالاف المحتشدة بما فيهم العلماء والکبراء، ومن هنا استطاع أن يشخّص في واضع الحجر کونه هو المهدي (عليه السلام).
وبناءً علي خفاء العنوان، يمکن أن نفترض أنّ الامام (عليه السلام) في عصر غيبته، يضع الحجر الاسود مع عمّـال البناء، ويکون آخر من يثبته، ويبقي مجهول الحقيقة علي طول الخطّ، بل قد يکون معروفاً بشخصيّته الثانية باسم آخر کفرد عادي في المجتمع. فيري الرائي أنّ هذه الفکرة العامّة قد انخرمت، في حين إنّه ليس واضع الحجر إلاّ المهدي (عليه السلام) لو انکشف الستر وظهرت الحقيقة.
الاهداف والمقاصد الخاصة
والمراد منها ما يمتّ بالنفع بشکل رئيسي ومباشر إلي شخص معيّن أو أشخاص قلائل، ممّن حظوا بمقابلة الامام المهدي (عليه السلام)، والاهداف المندرجة تحت هذا العنوان متعدّدة وأمثلتها کثيرة، نذکر منها:
1 - هداية الشخص وتقويمه، وضمّه في النتيجة إلي الشعب المسلم الذي يؤمن بالمهدي (عليه السلام)... بعد إحراز نيّته والعزم علي اتباع الهدي إن ظهر لديه.
مثاله: ذلک الشخص الذي ذهب لشراء السمن من الاعراب في أطراف الحلّة، فتخلّف عن القافلة وتاه في الصحراء. فکان ممّـا قال في نفسه: إنّني کنت أسمع من اُمّي أنّها تقول: إنّ لنا إماماً حيّاً يکنّي بأبي صالح يرشد التائهين ويغيث الملهوفين ويعين الضعفاء. ثمّ إنّه عاهد الله تعالي أنّه إن استغاث به وأنجاه، أن يتّبع دين اُمّه.
قال الراوي: ثمّ إنّني ناديته واستغثت به. وفجأة رأيت شخصاً يسير معي وعلي رأسه عمامة خضراء لونها کلون هذا - وأشار إلي الحشيش المزروع علي النهر -... وأشار لي إلي الطريق. وقال لي: إنّک ستصل بسرعة إلي قرية کلّ أهلها من الشيعة. فقلت له: يا سيّدي ألا تأتي معي إلي هذه القرية. فقال: لا، لانّ ألف شخص في أطراف البلاد يستغيثون بي، ولا بدّ أن اُنجيهم.(1)
2 - انتصاره لاحد طرفي الجدل عند وقوع الجدل بين اثنين، واقتضاء المصلحة الانتصار لاحد الطرفين.
مثاله: إنّ صديقين مسلمين مختلفين في المذهب، وقع بينهما جدل مذهبي طويل، في أحد المساجد بهمدان، ولم يستطع أحدهما أن يقنع الاخر بمدّعاه. فاقترح أحدهما أن يجعلا بينهما أوّل رجل يدخل المسجد حکماً، وخاف الاخر من هذا الاقتراح، لانّ أهل همدان کانوا علي مذهب صاحبه، لکنّه قبل بالشرط تحت ضغط المجادلة والمباحثة.
وبمجرّد أن قرّرا هذا الشرط، دخل المسجد شابّ تظهر علي سيماه آثار الجلالة والنجابة، وتظهر عليه معالم السفر. فتقدّم إليه صاحب الاقتراح وأظهر له مذهبه، واستدلّ عليه بعدّة أدلّة، وأقسم عليه بقسم مؤکّد أن يظهر عقيدته بالنحو الذي عليه الواقع. فقرأ هذا الشابّ بيتين من الشعر أظهر فيهما عقيدته بنحو لا يقبل الشکّ، ثمّ غاب عن الانظار. وکانت هذه هي المعجزة التي تثبت حقيقته وصحّة مذهبه أيضاً. فاندهش الاخر من فصاحته وبلاغته، واعتنق المذهب الذي انتصر له المهدي (عليه السلام).(2)
3 - حلّه لبعض المسائل المعضلة التي قد يشکل حلّها علي فطاحل العلماء.
مثاله: إنّ المحقّق الاردبيلي، وهو من أعظم العلماء تحقيقاً وورعاً حتّي لقّب بالمقدّس الاردبيلي أيضاً... أشکلت عليه مسائل، فخرج في جوف الليل سائراً من النجف إلي مسجد الکوفة حيث لاقي المهدي (عليه السلام) في محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) هناک، وسأله عن مسائله وعرف جوابها، وعاد.(3)
4 - إخباره ببعض الاخبار السياسية المهمّة في زمانها، قبل أن يعرفها الناس، نتيجة لضعف وسائل الاعلام في ذلک العصر.
مثاله: إنّ المهدي (عليه السلام) دخل في مجلس درس السيّد مهدي القزويني في الحلّة، فلم يعرفوه، بالطبع، واستمع إلي درسه. وحين انتهي الدرس، سأله السيّد المشار إليه: من أين جئت إلي الحلّة؟ فقال: من بلد السليمانية. فقال السيّد: منذ کم خرجت منها؟ فقال: في اليوم السابق. ولم أخرج منها حتّي دخل فيها نجيب باشا فاتحاً، وقد أخذها بقوّة السيف. وأزال عنها أحمد باشا الباباني الذي کان متمرّداً. وأجلس محلّه أخاه عبد الله باشا. وکان أحمد باشا المذکور قد خرج علي طاعة الدولة العثمانية، وادّعي السلطنة لنفسه.
قال السيّد: وکان والدي في السليمانية، فبقيت متفکّراً. ولم يکن قد وصل خبر هذا الفتح إلي حکّام الحلّة. ولم يجل في خاطري أن أسأله أ نّک کيف قلت: إنّي وصلت إلي الحلّة وخرجت بالامس من السليمانية. علي حين أنّ بين السليمانية والحلّة، أکثر من عشرة أيام للراکب المجدّ.
قال: ثمّ ضبطنا تأريخ ذلک اليوم الذي أخبر فيه بفتح السليمانية، ثمّ وصلت أنباء هذه البشارة إلي الحلّة بعد عشرة أيام من ذلک اليوم وأعلنها حکّام الحلّة، وحيّوا الخبر بضربات المدفع. کما کانوا يعملون عادة في أخبار الفتوحات.(4)
ومن هنا نفهم أهمية هذا الخبر لدي سلطات العثمانيين في الحلّة. ونعرف المصلحة المهمّة التي تترتّب علي إيصال المهدي (عليه السلام) لهذا الخبر خلال مدّة کانت في ذلک العصر إعجازية.
5 - نصحه للاخرين ورفعه لمعنويّاتهم، وتوجيههم التوجيه الصالح، بعد أن کانوا قد مرّوا في بعض الحالات الصعبة والمشکلات المحزنة بالنسبة إليهم.
مثاله: ما قاله بعض الرواة من مقابلته للمهدي (عليه السلام) في بعض طرقات الحلّة - وقد عرف حقيقته بعد ذلک -، فسلّم عليه فردّ عليه السلام، وقال له فيما قال: لا تغتمّ بما ورد عليک من الخسران وذهاب المال في هذا العام. لا نّک شخص يريد أن يمتحنک الله تعالي بالمال، فرآک تؤدّي الحقّ، وما هو الواجب عليک من الحجّ. وأمّا المال فهو عرض زائل يأتي ويذهب.
قال الراوي: وکنت قد خسرت في هذا العام خسراناً لم يطّلع عليه أحد، وسترته خوفاً من شهرة الانکسار الموجبة لتلف التجارة. فاغتممت في نفسي، وقلت: سبحان الله، شاع خبر انکساري بين الناس حتّي وصل إلي الغرباء. ولکنّني قلت في جوابه: الحمد لله علي کلّ حال.
فقال: إنّ ما فاتک من المال سوف يعود عليک بسرعة بعد مدّة، وتعود إلي حالک الاوّل، وستؤدّي ديونک. قال الراوي: فسکتّ مفکّراً في کلامه...(5) إلي آخر الحديث.
6 - مساعدته المالية للاخرين.
مثاله: إنّ جماعة من أهل البحرين عزموا علي ضيافة جماعة من المؤمنين، بشکل متسلسل في کلّ مرّة عند واحد منهم. وساروا في الضيافة، حتّي وصلت النوبة إلي أحدهم، ولم يکن لديه شيء. فرکبه من ذلک حزن وغم شديد، فخرج من أحزانه إلي الصحراء في بعض الليالي، فرأي شخصاً... حتّي إذا وصل إليه قال له: اذهب إلي التاجر الفلاني - وسمّـاه -، وقل له: يقول لک محمّد بن الحسن: ادفع لي الاثنا عشر أشرفياً التي کنت نذرتها لنا. ثمّ اقبض المال منه واصرفه في ضيافتک.
فذهب ذلک الرجل إلي ذلک التاجر، وبلغ الرسالة عن ذلک الشخص. فقال له التاجر: أقال لک: محمّد بن الحسن، بنفسه، فقال البحراني: نعم. فقال التاجر: وهل عرفته؟ قال: لا. فقال: ذاک صاحب الزمان (عليه السلام). وکنت نذرت هذا المال له. ثمّ إنّه أکرم هذا البحراني وأعطاه المبلغ وطلب منه الدعاء...(6).
7 - شفاؤه لامراض مزمنة بعد أن عجز عنها الاطباء، وأخذت من صاحبها مأخذاً عظيماً.
مثاله: ما روي(7) عن السيّد باقي بن عطوة العلوي الحسني: إنّ أباه عطوة کان لا يعترف بوجود الامام المهدي (عليه السلام)، ويقول: إذا جاء الامام وأبرأني من هذا المرض اُصدّق قولکم. ويکرّر هذا القول. فبينما نحن مجتمعون في وقت العشاء الاخيرة صاح أبونا فأتيناه سراعاً. فقال: الحقوا الامام، في هذه الساعة خرج من عندي. فخرجنا فلم نرَ أحداً.
فجئنا إليه، وقال: إنّه دخل إليَّ شخص، وقال: يا عطوة! فقلت: لبّيک، من أنت؟ قال: أنا المهدي قد جئت إليک أن أشفي مرضک. ثمّ مدّ يده المبارکة وعصر ورکي وراح. فصار مثل الغزال. قال علي بن عيسي الاربلي: سألت عن هذه القصّة غير ابنه فأقرّ بها.
فانظر إلي المهدي (عليه السلام) کيف يقرن شفاءه للمرضي بإقامة الحجّة علي وجوده وإمامته، بحيث لم يبقَ لمنکرها أيّ شکّ أو جدال.
8 - هدايته للتائهين في الصحراء والمتخلّفين عن الرکب إلي مکان استقرارهم وأمنهم. وقد يقرن ذلک بإقامة الحجّة علي الرائي للتوصّل إلي هدايته. کما سمعنا في الهدف الاوّل. وأمثلته کثيرة، نذکر الان واحداً منها:
وهو أنّ شخصاً ذهب إلي الحجّ مع جماعة قليلة عن طريق الاحساء. وعند الرجوع کان يقضي بعض الطريق راکباً وبعضه ماشياً. فاتّفق في بعض المنازل أن طال سيره ولم يجد مرکوباً. فلمّـا نزلوا للراحة والنوم، نام ذلک الرجل وطال به المنام من شدّة التعب، حتّي ارتحلت القافلة بدون أن تفحص عنه.
فلمّـا لذعته حرارة الشمس استيقظ، فلم يرَ أحداً، فسار راجلاً، وکان علي يقين من الهلاک. فاستغاث بالامام المهدي (عليه السلام)، فرأي في ذلک الحال رجلاً علي هيئة أهل البادية راکباً جملاً. وقال له: يا فلان، افترقت عن القافلة؟ فقال: نعم. فقال: هل تحبّ أن اُوصلک برفاقک؟ قال فقلت: نعم، والله. هذا مطلوبي وليس هناک شيء سواه. فاقترب منّي وأناخ راحلته، وجعلني رديفاً له، وسار. فلم نسر إلاّ قليلاً حتّي وصلنا إلي القافلة. فلمّـا اقتربنا منها، قال: هؤلاء رفقاؤک. ووضعني، وذهب.(8)
9 - تعليمه الادعية والاذکار ذات المضامين العالية الصحيحة، لعدد من الناس.
وأمثلة ذلک کثيرة، ممّـا يفهم منه اهتمام الامام (عليه السلام) بالادعية، لا بصفتها تمتمات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل بصفتها نصوصاً ذات معان توجيهية تربوية، ومسائل صالحة واعية، سائرة في طريق الله تعالي.
ومن المعلوم أنّ اُسلوب الدعاء أقرب إلي جوّ التکتّم والحذر، من أيّ شيء آخر، باعتبارها الوسيلة المعترف بمشروعيّتها عموماً، في الاتصال بالله عزّ وجلّ، ولا يمکن لايّ سلطة من السلطات المحاسبة علي ذلک. ومن هنا رأينا الامام زين العابدين (عليه السلام) قد اتّخذ في تربية الاُمّة اُسلوب الدعاء، وضمّن أدعيته أعلي المفاهيم وأجلّ الاساليب.
وکذلک سار الامام المهدي (عليه السلام) في هذا الطريق، وانتهج نفس المنهج فيما انتهجه من أعمال. فکان أن علّم عدداً من الافراد عدداً من الادعية. من أهمّها (دعاء الفرج) الذي يطلع الفرد علي واقعه السيّئ في عصور الفتن والانحراف، ويفهمه أمله المنشود ويربطه بالله تعالي ارتباطاً عاطفياً إيمانياً وثيقاً، إذ يقول: اللّهُمَّ عَظمَ البَلاء وَبَرحَ الخَفَاءُ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ وَانْکَشَفَ الغطَاءُ وَضَاقَتِ الارْضُ وَمنعَتِ السَّمَاءُ. وَإلَيْکَ يَا رَبِّ المُشْتَکَي وَعَلَيْکَ المُعَوَّلُ فِي الشِّدَّةَ وَالرَّخَاءِ. اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَي مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، اُولِي الامْرِ الَّذِيْنَ فَرَضْتَ عَلَيْنَا طَاعَتَهُمْ فَعَرَّفْتَنَا بِذلِکَ مَنْزِلَتَهُمْ. فَفَرِّجْ عَنَّا بِحَقِّهِمْ فَرَجَاً عَاجِلاً قَرِيْبَاً کَلَمْحِ البَصَرِ، أوْ هُوَ أقْرَبُ... إلي آخر الدعاء.(9)
10 - حثّه علي تلاوة الادعية الواردة عن آبائه المعصومين (عليهم السلام)، بما فيها من مضامين عالية وحقائق واعية تربوية وفکرية.
وأوضح أمثلته: ذلک الرجل الذي انقطع عن رکبه في ليل عاصف وماطر بالثلج، إذ رأي أمامه بستاناً وفيه فلاّح بيده (مسحاة) يضرب بها الاشجار ليسقط عنها الثلج.
قال الراوي: فجاء نحوي ووقف قريباً منّي، وقال: من أنت؟ فقلت: ذهب رفاقي وبقيت لا أعلم الطريق، وقد تهت فيه. فقال لي بالفارسية: صلّ النافلة حتّي تجد الطريق. قال: فاشتغلت بالنافلة. وبعد أن فرغت من التهجّد، جاء وقال: ألم تذهب؟ فقلت: والله لا أعرف الطريق. فقال: أقرأ الجامعة.(10) وأنا لم أکن حافظاً للجامعة، وإلي الان لست حافظاً لها بالرغم من زياراتي المکرّرة للعتبات المشرّفة. ولکنّني قمت من مکاني وقرأت الجامعة بتمامها عن ظهر قلب.
ثمّ ظهر تارةً اُخري، وقال: ألم تذهب، ألا زلت موجوداً، فلم أتمالک عن البکاء، وقلت: نعم... لا أعرف الطريق. فقال: اقرأ عاشوراء.(11) قال الراوي: وأنا غير حافظ لعاشوراء، وإلي الان لست حافظاً لها. ولکنّني وقفت واشتغلت بالزيارة، فقرأتها بتمامها عن حفظ.
قال: فجاء مرّة اُخري، وقال: ألم تذهب؟ فقلت: کلاّ... لا زلت موجوداً هنا إلي الصباح. فقال: أنا الان اُوصلک بالقافلة.
ثمّ ذهب ورکب حماراً وحمل مسحاته علي کتفه وجاء فأردفني به. قال الراوي: فوضع يده علي رکبتي وقال: أنتم لماذا لا تصلّون النافلة؟ النافلة، النافلة، النافلة... کرّرها ثلاث مرّات.
ثمّ قال: أنتم لماذا لا تقرأون عاشوراء؟... عاشوراء، عاشوراء، عاشوراء... کرّرها ثلاث مرّات.
ثمّ قال: أنتم لماذا لا تقرأون الجامعة؟ الجامعة، الجامعة، الجامعة. ثلاث مرّات. وکان يدور في مسلکه... وإذا به يلتفت إلي الوراء ويقول: اُولئک أصحابک. إلي آخر الخبر.(12)
وقد احتمل الشيخ النوري أنّ المراد بقوله (عليه السلام): النافلة، هي صلاة الليل(13)، فإنّ الراوي أتي بها في الليل. وهذه الصلاة من أفضل المستحبّات في الشريعة. وکلّ ما أمر به في هذه الرواية فهو من أفضل المستحبّات... علي أن يفهم فهماً حقيقياً واعياً، بصفته کجزء من کلّ، مرتبط بالکيان العامّ للعمل الاسلامي في سبيل الله تعالي وإعلاء کلمته. ولهذا أمر الامام المهدي (عليه السلام) بالالتزام بها أمراً مؤکّداً، بعد أن رأي الناس قد تسامحوا بها وتهاونوا في امتثالها.(14)
وأخيراً إليک هذه النماذج من الدعاء:
نماذج من الدعاء له والزيارة
وإليک نماذج من الادعية المأثورة للفرج والزيارة له (عليه السلام):
1 - (اللهمّ کن لوليّک الحجّة بن الحسن، صلواتک عليه وعلي آبائه، في هذه الساعة وفي کلّ ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً حتّي تسکنه أرضک طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً).(15)
2 - (اللهمّ وصلِّ علي وليّ أمرک، القائم المؤمَّل، والعَدل المنتظر، وحُفّه بملائکتک المقرّبين، وأ يّده منک بروح القدس يا ربّ العالمين.
اللهمّ اجعله الداعي إلي کتابک، والقائم بدينک. إستخلفه في الارض کما استخلفت الذين من قبله. مَکِّن له دينه الذي ارتضيته له. أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدک لا يشرک بک شيئاً.
اللهمّ أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنک سلطاناً نصيراً.
اللهمّ أظهر به دينک وسنّة نبيّک حتّي لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق.
اللهمّ إنّا نرغب إليک في دولة کريمة، تُعزّ بها الاسلام وأهله، وتُذلّ بها (الکفر) والنفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتک، والقادة إلي سبيلک، وترزقنا بها کرامة الدنيا والاخرة.
اللهمّ ما عرّفتنا من الحقّ فحمّلناه، وما قصرنا عنه فبلِّغناه.
اللهمّ المُم به شعثنا، واشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، وکثّر به قلّتنا، واعزز به ذلّتنا، واغنِ به عائلنا، واقضِ به عن مُغرمنا، واجبر به فقرنا، وسُدّ به خلّتنا، ويسّر به عسرنا، وبيِّض به وجوهنا، وفُکّ به أسرنا، وأنجِح به طلبتنا، وأنجز به مواعيدنا، واستجب به دعوتنا، وأعطنا به سؤلنا، وبلِّغنا به من الدنيا والاخرة آمالنا، وأعطنا به فوق رغبتنا.
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين، إشفِ به صدورنا، وأذهب به غيظ قلوبنا، واهدنا به لما اختُلف فيه من الحقّ بإذنک، إنّک تهدي من تشاء إلي صراط مستقيم، وانصرنا به علي عدوّک وعدوّنا إله الحقّ آمين.
اللهمّ إنّا نشکو إليک فقد نبيّنا صلواتک عليه وآله، وغيبة وليّنا، وکثرة عدوّنا، وقلّة عددنا، وشدّة الفتن بنا، وتَظاهر الزمان علينا، فصلِّ علي محمّد وآل محمّد، وأعِنّا علي ذلک کلّه بفتح منک تعجّله، وضُرٍّ تکشفه، ونصر تعزّه، وسلطان حقٍّ تُظهره، ورحمة منک تجلّلناها، وعافية منک تلبسناها، برحمتک يا أرحم الراحمين).(16)
شذرات من دعاء الندبة:
3 - (... اللهمّ لک الحمد علي ما جري به قضاؤک في أوليائک، الذين استخلصتهم لنفسک ودينک، إذ اخترت لهم جزيل ما عندک من النعيم المقيم، الذي لا زوال له ولا اضمحلال).
إلي أن يندب به الامام الحجّة (عليه السلام):
(فعلي الاطايب من أهل بيت محمّد وعليّ صلّي الله عليهما وآلهما فَليبکِ الباکون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون.
أين الحسن، وأين الحسين، أين أبناء الحسين، صالحٌ بعد صالح، وصادقٌ بعد صادق... أين السبيل بعد السبيل، أين الخِيَرة بعد الخِيَرة، أين الشموس الطالعة، أين الاقمار المنيرة، أين الانجم الزاهرة، أين أعلام الدين، وقواعد العلم...
أين بقيّة الله التي لا تخلو من العترة الطاهرة، أين المعدّ لقطع دابر الظَلَمة، أين المنتظر لاقامة الامتِ والعِوَج، أين المرتجي لازالة الجور والعدوان، أين المُدّخر لتجديد الفرائض والسنن، أين المتخيّر لاعادة الملّة والشريعة، أين المؤمّل لاحياء الکتاب وحدوده، أين مُحيي معالم الدين وأهله، أين قاصم شوکة المعتدين، أين هادم أبنية الشرک والنفاق.
أين مُعزّ الاولياء ومذلّ الاعداء، أين جامع الکلم علي التقوي، أين السبب المتّصل بين أهل الارض والسماء، أين صاحب يوم الفتح، وناشر رايات الهدي، أين مؤلّف شمل الصلاح والرضا، أين الطالب بذحول الانبياء وأبناء الانبياء، أين الطالب بدم المقتول بکربلاء.
بأبي أنت واُمّي، ونفسي لک الوقاء والحمي، يا بن السادة المقرّبين، يا بن النجباء الاکرمين، يا بن الهداة المهتدين، يا بن الخيرة المهديين...
عزيزٌ عَليَّ أن أري الخلق ولا تري، ولا أسمع لک حسيساً ولا نجوي، عزيزٌ عَليَّ أن لا تحيط بي دونک البلوي، ولا ينالک منّي ضجيجٌ ولا شکوي... بنفسي أنت من مُغَيَّب لم يخل منّا، بنفسي أنت من نازح لم ينزح عنّا...
إلي متي أحار فيک يا مولاي وإلي متي، وأيّ خطاب أصِفُ فيک وأيّ نجوي، عزيزٌ عَليَّ أن اُجاب دونک واُناغي، عزيزٌ عَليَّ أن أبکيک ويخذلک الوري، عزيزٌ عليَّ أن يجري عليک دونهم ما جري، هل من معين فاُطيلُ معه العويل والبکا، هل من جزوع فاُساعد جزعه إذا خلا، هل قَذِيت عينٌ فستعدها عيني علي القذي.
هل إليک يا ابن أحمد سبيلٌ فتُلقي، هل يتّصل يومنا منک بغده فنحظي، تُري أترانا نَحِفّ بک وأنت تؤمّ الملا، وقد ملات الارض عدلاً، وأذقت أعداءک هواناً وعقاباً، واجتثثت اُصول الظالمين، ونحن نقول الحمد لله ربّ العالمين.
اللهمّ أنت کشّاف الکَرب والبلوي، وإليک أستعدي فعندک العدوي، وأنت ربّ الاخرة والاُولي.
... اللهمّ ونحن عبيدک التائقون إلي وليِّک، المذکِّر بک وبنبيّک، الذي خلقته لنا عصمةً وملاذاً، وأقمته لنا قواماً ومعاذاً، وجعلته للمؤمنين منّا إماماً، فبلِّغه منّا تحيّةً وسلاماً.
... اللهمّ وأقِم به الحقّ، وادحض به الباطل، وأدِل به أولياءک، وأذلِل به أعداءک، وصِلِ اللهمّ بيننا وبينه وُصلةً تؤدّي إلي مرافقة سلفه، واجعلنا ممّن يأخذ بحجزتهم، ويکمن في ظلّهم، وأعِنّا علي تأدية حقوقه إليه، والاجتهاد في طاعته، والاجتناب عن معصيته، وامنُن علينا برضاه، وهَب لنا رأفته ورحمته ودُعاءه، وخير ما ننال به سعة من رحمتک، وفوزاً عندک، واجعل صلواتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، ودعاءنا به مستجاباً، واجعل أرزاقنا به مبسوطة، وهمومنا به مکفيّة، وحوائجنا به مقضيّة، وأقبِل إلينا بوجهک الکريم، واقبل تقرّبنا إليک، وانظر إلينا نظرة رحيمة، نستکمل بها الکرامة عندک، ثمّ لا تصرفها عنّا بجودک، واسقِنا من حوض جدّه (صلي الله عليه وآله)، بکأسه وبيده، ريّاً رويّاً، سائغاً هَنيّاً، لا ظمأ بعده...
يا أرحم الراحمين.(17)
خاتمة المطاف
بحمد الله وتوفيقه تمّ الفراغ من القسم الاوّل من سيرة الامام المهدي الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان - لتراب مقدمه الفدي - صلوات الله عليه وعلي آبائه الطاهرين، وهو المجلّد السادس عشر من (موسوعة المصطفي والعترة)، ويليه إن شاء الله القسم الثاني في المجلّد السابع عشر، وهو الخاتم لما سبق من سيرة آبائه الطاهرين.
وفي هذا المقام لا يسعني إلاّ أن أشکر الذوات الافاضل الذين آزروني وساهموا في إکمال الموسوعة، من مراجعة النصوص، وإخراج المصادر، وتقويم النص، وصفّ الحروف، وتتبّع مراحل الطباعة، وحسن التجليد، حتّي ظهر بهذه الحلّة القشيبة.
سائلاً المولي القدير أن يتقبّل منّا جميعاً هذا الجهد اليسير ويعفو عنّا الکثير، ويجعله ذخراً لنا في يوم عزّ فيه الشافع إلاّ رحمة الله سبحانه وتعالي، وشفاعة أهل هذه السيرة محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فهو أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
العبد المنيب الراجي عفو ربّه - حسين الشاکري
دار الهجرة - عش آل محمّد - قم المقدّسة
عيد الغدير الاغرّ 1420 هـ ق.
الهوامش:
(1) النجم الثاقب: 346.
(2) النجم الثاقب: 331.
(3) النجم الثاقب: 334، منتهي الامال 2: 319.
(4) النجم الثاقب: 367 وما بعدها.
(5) النجم الثاقب: 366.
(6) النجم الثاقب: 306 وما بعدها.
(7) راجع ينابيع المودّة: 548، کشف الغمّة 3: 287، منتهي الامال 2: 310.
(8) النجم الثاقب: 341.
(9) النجم الثاقب: 263.
(10) وهي الزيارة المرويّة عن الامام الهادي (عليه السلام) ويزار بها الائمّة (عليهم السلام)، راجع مفاتيح الجنان، وتبدأ الزيارة بقوله: السلام عليکم يا أهل بيت النبوّة، وراجع کتابنا الهادي علي (عليه السلام)، ففيه تفصيل لسندها وفضلها.
(11) يريد زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، راجع مفاتيح الجنان، وتبدأ الزيارة بقوله: السلام عليک يا أبا عبد الله.
(12) النجم الثاقب: 343.
(13) النجم الثاقب: 344.
(14) الغيبة الکبري / السيّد محمّد الصدر (رحمه الله): 133 ـ 149.
(15) بحار الانوار 97: 349 / 3.
(16) مفاتيح الجنان: 243.
(17) بحار الانوار 102: 107 / 2.
/ 1