عصمة في النبوّة والإمامة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عصمة في النبوّة والإمامة - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
العصمة في النبوّة والإمامة


خلق الله الإنسان بطريقة يكون مستعداً من خلالها لقبول الحقونداءاته والتفاعل معها، وهذه الأهلية تساعد على نشوء علاقة مع الغيب، يتقبلبواسطتها الهداية وبالتالي يُؤمن ارتباطه بسبل الهداية المتوفرة.

مقدمة
ومنذ البدء كان الإنسان يسعى بفطرته نحو الكمال المطلوب الذي قُدرأن يتحقق بفعل الارادة الحرة المودعة فيه، والتي ارتقى بواستطها على باقي المخلوقاتمما أهلته لحمل الأمانة السماوية، ولهذا فهو المخلوق الوحيد الذي تحمّل مسؤوليةأفعاله حين لا تكون موافقة لخط الهداية والاستقامة فكراً وسلوكاً كما خطتها يدالسماء.
ولكن يثور في المناسبة سؤالٌ مفاده: ماهو السبيل الذي يوفر لناالحصول على تلك المعارف والعلوم التي تكفل للإنسان بأن يميّز طريق الهداية الحقّةويفرق بين هذا العمل وكونه صالحاً أو غير صالح؟ لتدخل الارادة في خطوة لاحقة فتحركماهو نظري ذهني الى واقع عملي مشهود؟
التسليم بوجود عقبات تحول دون الهداية من جهة، ودور العلوموالمعارف الإلهية والقيم التي تؤدي الى وعي الإنسان بالهداية من جهة ثانية يدعوناللبحث عن معرفة الطريق الذي يوفر المعارف للإنسان. فالحل يأتي من جهة اللطف الإلهيالذي يقوم بربط الإنسان بالغيب ليقيه مزالق الانحراف والظلالة والشرك ـ لذا وصفاللطف الإلهي بأ نّه أشبه بمن دعا شخصاً الى طعام وهو يعلم أنه لا يجيبه إلاّ إذااستعمل نوعاً من التأدب، فإذا لم يفعل الإنسان المضيف هذا الاُسلوب كان نقضاً لهدفهوغرضه من الدعوى ـ فتأتي النبوة منه سبحانه تحمل خطابه وتعرف الإنسان معنى العدالةوالكمال المنشود.
النسق الإسلامي في معارفه الربّانية لا يقبل التجزئة والتفكيك،فرسله الذين يبلغون عنه أوامره وينقلون للناس صفاته قد تخلقوا بأخلاق الله واتّصفوابالعدل وانهم صفوة الناس. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَىآدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم )[1].
فالمصطفون هم الذين تحمّلوا مسؤولية البلاغ الإلهي وهم ورثةالعلوم الإلهية.
فسنّة الله في الهداية إرسال الرسل الذين هم موضع ثقة الله، فهذاالتأسيس القرآني الكاشف عن الإرادة والاختيار الإلهي في صفة الرسل، لا تخالفهالرسالة الإسلامية: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَالرُّسُلِ)[2]فخاتم الرسالات والمصدقلها، لا يغش الناس ويغطي عليهم الحقائق الإلهية، فيلبس الحق بالباطل هذا من جهة،ومن جهة اُخرى فهو الحريص لأن يطبق خطاب السماء القاضي بأنّ السلطة العقيديةوالقيادة السياسية تمنح لمن اصطفى من خلقه، ولهذا جاء صريح الوحي: (وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ...)[3].
وهذا التأسيس الثاني قد عمل فيه نبي الإسلام وجسّده، فيما كانيخطط لمستقبل الرسالة في غدير خم وغيرها من الأحداث، لتعي الاُمة بأن الولايةكالنبوة، إلاّ أن الإمام لا يوحى اليه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّهلا نبي بعدي»[4].
فالنبوّة كما أرادها تتصف باُمور وشروط، ومنها العصمة، فإذا كانتالعصمة شرطاً في النبوة فهل ياترى هي شرط في الإمامة أيضاً، ولماذا؟
ثم ماهي حدود العصمة عند النبي أو الإمام، وبالتالي ماهيضروراتها؟ وهل هناك أدلة نقلية تثبتها في الإمامة بشكل خاص بعد الاتفاق على وجودهافي النبي ؟ كل هذه الاُمور وغيرها سنسلط الضوء عليها في فقرات لاحقة من هذا البحثإن شاء الله.
وقبل الدخول في تفصيلات بحث العصمة نرى من اللازم تحرير محلالنزاع في مسألة موقع الإمامة لندرك بعد ذلك أن العصمة وغيرها تدخل كشرط فيها ،وبالتالي سيكون الكلام في ضرورتها في النبوة يعني ضرورتها في الإمامة وهكذا الحديثفي حدودها وفائدتها.
أولاً: العصمة لغة واصطلاحاً
ذكرت للعصمة لغة عدة معاني متقاربة منها:
1 ـ المنع[5]: يقال: عَصَمهالطعامُ، أي منعه من الجوع.
2 ـ الالتجاء: اعتصم به فلان أي التجأ إليه، واستعصم تحرى مايعصمه[6].
3 ـ العصم: الامساك والاعتصام والاستمساك، وإنّ العاصم والمعصوميتلازمان فأيّهما حصل حصل معه الآخر[7].
أما الاصطلاح فقد اختلف المعرفون لها تبعاً للمدارس الكلامية،فعلماء مدرسة أهل البيت قد اشتركوا في تعريفها عند نقطة واحدة وهي أن نفوسالمعصومين تأبى الانصراف الى الذنوب وترفض الخضوع للخطايا والشهوات، أما المدارسالاُخرى فاختلفت في هذه المسألة، فمنهم من قال بجواز الكبيرة على النبي قبل البعثةفقط، ومنهم من وسّعها فقال بجواز الكبيرة للنبي قبل البعثة وبعدها، وما الى ذلك منالآراء .
وفيما يلي نسلط الضوء على معناها عند المدرستين لننتهي منخلال فقرات البحث الى أيّهما أقرب الى مفهوم الرسالة عن العصمة.
ثانياً: نقطة الخلاف عند تناول الإمامة في المدرستين
الإمامة والخلافة في المدرسة السنّية اتجهت نحو محور واحد، تركّزفي أن الإمام والخليفة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) يعني هو القائد والزعيمالسياسي، الذي يتولى إدارة شؤون النظام الإسلامي بعد وفاة النبي(صلى الله عليهوآله).
وعلى هذا الأساس لا ترى هذه المدرسة داعياً لأن يكون هذا القائدبنص وتعيين من قبل الله وبيان الرسول(صلى الله عليه وآله) ،بل الأمر متروك للاُمةحيث تنصب من تختاره وتجده أهلاً للقيام بهذه المهمة. لأن دور الإمام والخليفة فينظر هذه المدرسة لا يتعدى مهمة القيادة السياسية وزعامة الاُمة في هذه الحدود، فمنالمنطقي أن تكون الطريقة لنصب الخليفة إما وفق نظرية الشورى ، أو أهل الحل والعقد ،أو بالوراثة.
بقي أن نعرف ماهي الشروط التي لابد من توفرها في هذا الشخصالمرشّح للخلافة السياسية بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ؟
إنّ الشروط التي لابد أن تتوفر في الخليفة المنتخب يمكن التوصلإليها انطلاقاً من نفس الرؤية التي ترى الإمامة والخلافة بعد الرسول زعامة وقيادةسياسية فحسب، وعليه فيكفي أن تتوفر العدالة في هذا الإنسان من الناحية السلوكية ،بالمعنى المتداول مع شرط العلمية المتعارفة، ولا يشترط فيه العصمة والعلم الممنوح ،فيكفي إذاً أن تتوفّر فيه قدرة ترفعه الى مستوى أداء المسؤوليات في النظامالإسلامي.
ومحصل رأي المدرسة السنيّة في الإمامة والخلافة هو أنها لا تتعدىكونها قيادة سياسية، وأن شرعية التصدي لها يتم عن طريق الانتخاب والشورى أوالاستيلاء بالقوة أو الوراثة أو الوصية، كما هو واضح من تطبيقاتها العملية المضطربةبعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، وشرطها العدالة والعلم بالمعنى المتعارف.
ولهذا ذهب البعض يتساءل عن ضرورة وجود إمام غائب أو ضرورة أن يكونمعصوماً، أو ضرورة تعيينه بنص الرسول(صلى الله عليه وآله).
أما مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) فقد اتجهت في تقويم الإمامةوالخلافة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)الى أنها مهمة إلهية ، كمهمة الرسولومستمرة حتى نهاية الأرض ، فاشترطت العصمة فيها حتىقبل البلوغ بالإضافة للعلم غيرالمكتسب، والنص الذي يمثل القيمة الشرعية للإمام.
ولهذا كانت المدرسة السنيّة لا ترى لهذه الشروط التي لابد منتوفرها في الإمام والخليفة معنىً، وغير منسجمة مع المسؤولية التي يتكفّل بأدائهاالخليفة، فالشروط هنا أوسع وأضخم من مهمة الزعامة السياسية.
هذه هي العقدة ونقطة الخلاف التي تفسر لنا الاضطراب في فهمالإمامة والتشكيك في مسألة العصمة أو المسوّغ لضرورة النص.
لكن الصحيح أن الإمامة في ضوء الكتاب والسنّة ، كما هو ثابت فيمحلّه تتعدى هذا الفهم ولها بُعد يختلف جوهرياً عن الفهم السطحي للإمامة الإلهيةبعد النبوة.
فمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) تعتقد أن دور الإمام هو المرجعيةالدينية، أو أن مهمته التشريعية تمتد الى أبعاد مختلفة في العقائد والأحكاموالأخلاق والقيادة، لذا وجبت طاعته ووجب اتّباعه والأخذ منه، ولهذا تكون أقوالالإمام المعصوم وأفعاله وتقريراته، حجة شرعية منجزة ومعذرة كحجية الرسول(صلى اللهعليه وآله) .
من هنا لزم أن يكون الإمام معصوماً كعصمة الرسول(صلى الله عليهوآله)، وضرورتها في شخصه في التلقي والتبليغ، ويتضح من هذا أن العصمة بهذا المعنىليست شرطاً لمهمة القيادة السياسية فقط.
يضاف أن مهمة الإمامة تستوجب أن يكون الإمام عالماً بما يحتاجإليه الناس، في اُمور معاشهم ومعادهم.
ولابد أن يكون أفضل من على وجه الأرض في زمانه ، كي يتأتى له أداءمسؤوليته.
والشيعة تعتقد بأنّ الرسول ليس له دور مستقل في تعيين الخليفة، بليتم نصبه والنص عليه بأمر من الله، لأن الغاية من الإمامة وملاكها مرتبط بموضوع ختمالنبوة واستمرار الهداية الربّانية على طول الخط، والحكمة من ختم النبوة، مرتبطةبتعيين الإمام المعصوم، والإمام هو الذي سيتكفل بتوفير المصالح الضرورية للاُمةالإسلامية بعد الرسول.
إذاً، فالإمامة قيمتها عقائدية لا كحكم فقهي فرعي ، وهذه النكتةهي التي تجعل شروط الإمامة بهذه الضخامة والسعة، وانّها تتجاوز شروط القيادةالسياسية.
فإذا كانت مهمة الإمامة تتسع لمهمة أكبر من القيادة السياسية،استلزم أن تكون العصمة أحد شروطها كما هي في النبوة.
المدارس الاُخرى
أصحاب الحديث:
يقول أصحاب الحديث بجواز الكبائر على الأنبياء قبل النبوة، وقالالبعض منهم بجواز الذنوب حال النبوة باستثناء الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة.
ومنهم من قال بجواز الذنوب حتى حال النبوة بشرط أن يكون الذنب فيالسرّ دون العلانية.
ومن أصحاب هذا الاتجاه مَن يذهب الى جواز الذنوب في كلالأحوال.
المعتزلة:
واختلف المعتزلة في مسألة العصمة وحدودها الى عدة آراء:
الأول:قالوا: إنّ وقت العصمة يبدأ من حين بلوغ المعصوم، ولا يجوزعليه الكفر والكبيرة قبل النبوة، ويجوز عليهم الصغائر، إلاّ الصغائر الخسيسةالمتفردة كسرقة حبة أو لقمة، وكل ما ينسب فاعله الى الدناءة والضعة.
الثاني: قالوا لا يجوز أن يأتي المعصوم بصغيرة ولا كبيرة على جهةالعمد، لكن يجوز على جهة التأويل أو السهو.
الثالث: قالوا لا يقع من المعصوم ذنب إلا على جهة السهو والخطأ،لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهواً وإن كان موضوعاً من اُممهم لقوة معرفتهم وعلومرتبتهم .
الرابع: لا تقع الكبائر ولا حتى الصغائر المستخفة من الأنبياء قبلالنبوة وفي حالها.
الأشاعرة:
قالوا كل ذنب دق أو جل فإنّه جائز على الرسل، فإنّ الأنبياءمعصومون في زمان النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد، أما على سبيل السهو فهوجائز.
وقالوا: بجواز صدور المعصية من النبي قبل النبوة.
وعرّفها البعض منهم بأنّها: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكنمنها[8].
ومنهم من قال: تعني أن لا يخلق الله في العبد الذنب[9].
فتعريف الأشاعرة على أنه سبحانه لا يخلق في المعصومين الذنوب يفهممنه أن خلق الذنب في غير المعصومين جائز على الله، وممكن في حقّه وهذا يعني نسبةالعمل القبيح الى الله تعالى، وفي اعتقادنا أن المولى لا يصدر منه إلاّ الحسن ولايفيض منه إلاّ الكمال، فالله لا يخلق الذنوب في أحد من العباد فضلاً عنالمعصومين.
وذهب أصحاب الحديث والمعتزلة معاً الى جواز الكبيرة والصغيرة فيالإمام، لكنهم قالوا: إن الكبيرة تفسد إمامته، ويجب عزله والاستبدال به.
وبعد أن اتّضح مفهوم العصمة وحدّها عند المدرستين نشرع في تناولباقي الفقرات، والتي بها نأمل أن يتأطّر المفهوم الإسلامي للعصمة من خلال رؤيةمدرسة أهل البيت(عليهم السلام).
مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)
قال الشيخ المفيد: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف ، بحيث يمتنعمنه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها[10].
وقال السيد المرتضى: العصمة ما يمتنع عنده المكلف عن فعل القبيحوالاخلال بالواجب، ولولاه لم يمتنع عن ذلك، ومع تمكينه في الحالين، الأمر الذي يفعلالله تعالى بالعبد، وعلم أنه لا يقدم مع ذلك الأمر على المعصية بشرط أن لا ينهي فعلذلك الأمر لأحد الى الالجاء[11]، وعرفها فيالرسائل فقال: هي اللطف الذي يفعله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعلالقبيح[12].
وقال الشيخ الطوسي: إنّها الملكة النفسانية الحاصلة للأنبياءوالأئمة(عليهم السلام) في تتابع الوحي وتصور الفجور ورذالة الموبقات وخسّتها،وإنّها القوة العقلية والطاقة النفسية في المعصوم الحاصلتان من أسباب اختيارية وغيراختيارية[13].
وقال العلامة الحلي: ذهبت الإمامية كافة الى أن الأنبياء معصومونعن الصغائر والكبائر، منزّهون عن المعاصي، قبل النبوة وبعدها، على سبيل العمدوالنسيان وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل على الخسة والضعة، وخالفت المذاهب الاُخرىكافة في ذلك وجوّزوا عليهم المعاصي وبعضهم جوّزوا الكفر قبل النبوة وبعدها، وجوّزواعليهم السهو والغلط[14].
وعرّفها الشيخ المظفر بأنّها: التنزّه عن الذنوب والمعاصي صغائرهاوكبائرها وعن الخطأ والنسيان[15].
ثالثاً: ضرورات العصمة
وضرورة العصمة في النبوة تتجلى من خلال معرفة الأدوار والمهامالإلهية التي جاء بها الأنبياء، وقد بيّن القرآن الكريم تلك المهام والمعالموالأهداف بما يلي:
1 ـ الدعوة الى التوحيد: سعى الأنبياء(عليهم السلام) الى تحريرالناس من كل ألوان العبوديات، واخلاص عبوديتهم لله ومن أجل تحقيق هذه المهمةوالارتقاء بالناس الى مستوى فهم الكمال والعبودية بمختلف صورها، وقد تعرضوا لشتىأنواع العذاب والاضطهاد ، قال تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةرَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)[16] ،وواضح أن أمر العبادة لم يكن أمراً يسيراً، لأنه المحور الذي تتفرع عنه أنشطهالحياة وهي الراية التي نشب الصراع حولها منذ خُلق الإنسان.
2 ـ حمل الرسالة وإيصالها للناس: يقوم الانبياء(عليهمالسلام)بايصال الرسالة، والنصائح الإلهية للبشرية، لتوقف إدراك المصالح والمفاسدعلى الرسالة ووضوحها، ولهذا مارس الأنبياء دورهم في بيان عجز البشرية عن إدراكالعدالة ومعرفة الهداية بأنفسهم مالم يرتبطوا بفكر السماء ويتولوا حمله، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْفَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ)[17] وقال تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْنَاصِحٌ أَمِينٌ )[18] .
3 ـ تحقيق العدالة: لم تقتصر مهمة الأنبياء على الانذار فقط ، أوبيان المعالم النظرية للرسالة وإثبات ضرورة الإيمان ونبذ الآلهة المتعددة التي لاتجر إلاّ الى الظلم والفساد. ولم تتركز باتجاه التربية الفعلية فقط ، بل تتعدى ذلكفتدخل في تفاصيل حياة الناس وتهدف الى إزالة الظلم ومواجهة المستكبرين ، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَامَعَهُمُ الْكِتـبَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَاالْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنيَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز) [19].
4 ـ البشرى والانذار: مهمة اُخرى في عمل الأنبياء (عليهم السلام) تلك هي النصح للاُمة والاخلاص لها وتحذيرها من مخاطر الشرك، وما سيؤول إليه منانهيار للحضارات، وتبصيرهم بسنن الله في الخلق، وأن بعد الموت حياة اُخرى يعاقبفيها المسيء ويثاب فيها المحسن ، قال تعالى: (رسلاً مبشرينومنذرين)[20] وقال تعالى: (يا أيّها النبي إنّا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا)[21].
فإذا كانت النبوّة تبلغ عن الله رسالته وأحكامه للناس، وتستهدفالأخذ بهم نحو الكمال الإنساني، وتتسع أهدافها لتشمل أكثر من بعد، فلابد لها إذاًمن لياقات وطاقات استثنائية تؤهل الرسول للقيام بهكذا مهمة، من هنا تأتي العصمةكواحدة من تلك المؤهلات ذات التأثير البالغ في عملية التربية والاصلاح، لأن حصولالثقة والاطمئنان يشكل عامل حب له من قبل الناس وبالتالي قبول أقوال النبيوالاقتداء بأفعاله التي تمثل رضى الله، فلو لم يحصل النبي على هذه الدرجة من الثقةلما أمكن التسليم لرسالته. قال الفيلسوف الطوسي: (يجب في النبي العصمة ليحصل الوثوقفيحصل الغرض)[22] ويمكن تلخيص ضروراتها بمايلي:
1 ـ لما قلنا إن الغرض من بعثة الأنبياء هو الهداية وإبعاد الناسعن الظلم والفساد، وهذا الغرض لا يحققه غير المعصوم، لأن الوسيلة للهداية هيالاقتداء بأفعال وأفكار هذا الإنسان ولا يقوى على حمل هذه المسؤولية إلاّ المعصوم ،لأنه أدرى الناس بمقاصد الله وأحكامه، والعقل يدرك بأن المعصوم دون غيره هو الأعرفبغرض الله وتعاليمه، لأنه أكمل الناس في الصفات ولولا ذلك لما كان معصوماً، والأكملأقوى حجة وأنفذ في تحقيق الغرض الكامل الذي يريده الله.
أما غير المعصوم فيكون عرضة للخطأ والنسيان، فلا يمتلك القابليةوالأهلية للهداية، وذلك لمساواته مع الناس، من حيث التصرف والسلوك.
2 ـ فلو قيل: رغم ضخامة مهمة النبوة أو الإمامة وسعة المسؤوليةفيهما إلاّ أن العصمة غير ضرورية في النبي أو الإمام، لإمكانية التبليغ بدونها. قلنا: هذا غير صحيح ، لأن مسألة تفهيم الناس معنى العبودية وتربيتهم وإرشادهم لطريقالحق وإبعادهم عن الفساد وتنازلهم عن مغريات الدنيا تحتاج الثقة والجاذبية نحو شخصالمرسل لأجل أداء دوره. أما النبي الذي يحتمل فيه الخطأ والنسيان والسهو أو ارتكابالجرائم والعصيان فسوف يؤدي الى ابتعاد الناس عن شخصه ، وبالتالي حصول النفرةوالاشمئزاز منه، ويصدق بحقه الخطاب الإلهي : (أتأمرون الناسبالبرّ وتنسون أنفسكم)[23] .
3 ـ والقول بعدم عصمة الأنبياء في السهو والخطأ والنسيان ، وكل ماأثبتناه لمعنى العصمة في المنظور الإمامي يجرنا الى جواز الطعن والشكّ في شرائعهم ،وهذا الشكّ يتفرع عنه عدم الوثوق بأقوالهم لاحتمال الخطأ والنسيان، فالزيادة محتملةفي أفعالهم وأقوالهم ، ومن المحتمل عندئذ أن تجر النبيّ الشهوة، ويسقط في الاغراء،وتضعف ذاته، فيأمر وينهى انطلاقاً من تلك المؤثرات والرغبات النفسية، كما هياعتراضات بعض الصحابة على رسول الله عندما قرر مثلاً الصلح مع المشركين، أو أمربعدم قتل عمّه العباس في بدر ظنّاً منهم بأن هذا ميل للعمومة.
4 ـ والقول بعدم عصمة النبي أو الإمام يعني القول باجتماع الأمرباتباعه والنهي عن امتثال أمره، فلو فعل النبي أو الإمام معصية واقترف خطيئة ،ففي هذه الحالة ماذا يفعل المكلف والمأمور باتباعه والمقتدي بأفعاله، فهل يجب عليهالاتباع والاقتداء بسيرته أم ماذا؟
فإذا فعل المكلف القبيح فمعناه أنه خالف أمر الله بهذا الفعلواستحق عقابه ، والحال انّه منهي ، لأن الله لا يأمر بالقبيح، وإذا لم يفعل فقدخالف ، لأنّه مأمور من قبل الله بطاعة النبي مطلقاً، وبهذا تنتفي فائدة البعثة،وهذا يعني اجتماع المفسدة والمصلحة والمبغوضية في موضوع واحد وفي مصداق واحد.
5 ـ والقول بعدم عصمة النبي أو الإمام سواء مطلقاً أو بالتفصيليستلزم منه أن يكون النبي أو الإمام أدون الناس ، لأنه في حالة ارتكاب المعصية أوالخطأ سيؤدي الى هبوط مقام النبي، فينزل به الى مستوى البساطة لا بل يكون أقل قيمةواعتباراً بين أفراد المجتمع، بينما المقام الذي تصدّى له مقام عظيم ، ولهذا نجدالقرآن الكريم يخاطب نساء النبي بغير لسان فكيف بالنبي.
رابعاً: العصمة والاختيار
لم تكن عصمة الأنبياء والأئمة هي عدم ارتكاب المعصية فحسب، إذ منالممكن أن لا يرتكب الفرد العادي معصية خلال عمره كلّه، وخاصة لو كان عمره قصيراً،بل نعني به توفره على ملكة نفسانية قوية، تمنعه من ارتكاب المعصية حتى في أشدالظروف، وهي ملكة تحصل من وعيه التام والدائم بقبح المعصية وارادة قوية على ضبطالميول النفسية، وبما أن هذه الملكة لا تتحقق إلاّ بعناية إلهية خاصة، لذلك تنسبفاعليتها الى الله، وإلاّ فإنّ الله لا يمنع المعصوم من اقتراف المعصية جبراً، ولايسلب منه الاختيار[24].
قال الشيخ المفيد : العصمة لطف يفعله الله بالمكلف حيث يمنع منهوقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها[25].
وقال نصير الدين الطوسي: العصمة هي أن يكون العبد قادراً علىالمعاصي، غير مريد لها مطلقاً.
وعدم إرداته أو وجود صارفة يكون من الله لطفاً في حقّه، فهو لايعصي الله، لا بعجزه، بل لعدم إرادته، أو لكون صارفه غالباً على إرادتها[26].
وتقسم العصمة على نحوين: اختيارية، وغير اختيارية .
الاُولى: فضيلة لهم لأنّهم الذين يتركون داعية الذنوب، فضلاً عننفسها، بالاختيار، وكفى به فضلاً.
الثانية: ليست بنفسها فضيلة لعدم مدخلية اختيارهم فيها ، ولكناختصاص هذه الموهبة بهم يكشف عن لياقتهم لإيهاب هذا اللطف العظيم في علم الحكيم،لأن لياقتهم حاصلة بحسن انقيادهم في علمه تعالى، ومن المعلوم أن أحسن الانقياد فعلاختياري لهم، فالعصمة فضيلة اختيارية باعتبارها أو باعتبار مكشوفها من حسنالانقياد.
ثم إنّ ترك داعية الذنوب فضلاً عن نفسها بالاختيار، إما ناشئٌ عنإيمانهم بالله واليوم الآخر ، وقوة إرادتهم مع علمهم بالحقائق وتأثير المعاصي فيالدنيا والآخرة، علماً بيّناً لا ستر فيه، أو عن حبهم لله تعالى حباً خالصاً لايخالطه شيء آخر[27].
خامساً: العصمة والعدالة
تُعرف العدالة بأنها ملكة أو هيئة أو حالة أو كيفية، باعثة نحوالاطاعة، بالاتيان بالواجبات وترك المعاصي والمحرمات[28].
وعرّفها البعض بأنها الإتيان بالأعمال الخارجية من الواجباتواجتناب المحرمات الناشئ من الملكة النفسانية.
وفي هذا التعريف اُشير الى المسبَّب عن العدالة، بخلاف الأوّلالذي أشار الى السبب.
وعرّفها آخر بأ نّها الاستقامة الدينية في العمل بوظائف الدين،ومانعة عن المعاصي الكبيرة، وعدم الاصرار على الصغيرة[29].
والظاهر من هذا التعريف أنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الىالملكة النفسانية، بل اعتبرها أمراً خارجياً ، وهي الاستقامة الدينية في العمل.
وقد ذكرت للعدالة دواع ومناشئ:
منها: تسلط القوة العاقلة على العلم العملي، والذي سيستنتج منهأعظم مراتب العدالة، وأقوى درجات الاستقامة لغير المعصوم ، ويكون رادعاً عن المعصيةومانعاً عن ارتكاب الخطيئة، رغم وجود المقتضي لفعلها والدافع لارتكابها.
ومنها: أن يتحرك الإنسان بداعي الثواب والخوف من العقاب.
ومنها: ما قد يكون الداعي لتبني العدالة عاملاً خارجياً، كالشرافةوالمنزلة الاجتماعية التي تمنعه من ارتكاب المعاصي.
لكن هذا الداعي لا ينسجم مع المعنى الاصطلاحي للعدالة، الذي يشترطفي العدالة أن تكون بدافع الانقياد للمولى والطاعة له، وهذا غير متحقق بهذا اللونمن الدوافع .
ومن هنا يتحصل أن المعصوم لا تصدر منه المعصية مطلقاً ، بل لايفكر بها أصلاً.
أما العادل فقد يصدر منه الخطأ والمعصية وقد لا يصدر ، وذلك لأنالمقتضي لها ودوافعها في النفس الإنسانية موجودة ، كما أن العادل إذا صدرت منهالمعصية ثم تاب يرجع الى حالة الاستقامة والعدالة.
وهذه الصفة لا تنطبق على المعصوم.
ولهذا قال العلامة الطباطبائي: بأنّ كليهما ـ أي العصمة والعدالةـ يمنعان من صدور المعصية، ولكن لا مقتضي للمعصية مع العصمة، وهناك مقتضي للمعصيةمع العدالة[30].
سادساً: العصيان والاستغفار والتوبة في حياة الأنبياء
احتجّ البعض ممّن يذهب الى جواز المعصية عند الأنبياء ضمن التفصيلالمعروف كعدم العصمة قبل النبوة أو جواز المعصية للنبي في غير الأحكام أو جوازالسهو والنسيان في حياتهم تماشياً مع المفردات التيوردت في القرآن الكريم، ظنّاًمنهم بأنها تشير الى جواز ارتكاب المخالفة عندهم كعصيان النبي آدم وتوبة النبي موسىوإباق النبي يونس واستغفار النبي داود وما الى ذلك ممّا ورد من هذا القبيل فيالقرآن الكريم، ولماكثر الحديث في هذه المسألة إرتأينا أن لا نخوض في تفصيلات تلكالإشكالات، ونكتفي بالقول الذي يضمن لنا الاجابة على جميعها ويزيح الغبار الذي طرأعلى مفهوم العصمة عندهم(عليهم السلام) .
وحين نمتلك المنظور الإسلامي إزاء تلك المشكلات فلا يبقى معنىللتمسك بتلك الايرادات كدليل لصحة القول بجواز ارتكاب المعصية عند الأنبياء.
لقد ورد النهي في القرآن الكريم على نحو ثلاثة أقسام:
1 ـ نهي مولوي إلزامي تحريمي، وملاكه المبغوضية الشديدة للمولىوالمفسدة، ومثاله: تحريم الخمر والزنا والكذب.. والى غيرها من المحرمات، فالشارع لايسمح بارتكابه ويعاقب ويعذب على فعله.
2 ـ نهي مولوي ولكن غير إلزامي ويصطلح عليه بالنهي الكراهتي وفيملاكه المبغوضية وفيه مفسدة، ولكن ليست بالشديدة التي تصل الى حد الإلزام ، بل يقالفيه مجال للترخيص والفعل مثل كراهة الأكل جنباً وغيرها ومرتكبها لم يخرم طاعة اللهوحدود مولويته ، نعم قد فاته الأولى والأفضل بفعله وتصرفه.
3 ـ نهي إرشادي، فليس في فعله مبغوضية، ولا بتحقيقه مفسدة اُخرويةوليس له بعالم الحساب والعقاب أي صلة، نعم يترتب على فعله مضار دنيوية ومفاسد آنيةفي دنيا العبد دون آخرته.
وبعد أن اتّضحت أقسام النهي نأتي الى مسألة أفعال الأنبياء التيقد تُفهم أنها معصية ومخالفة، فنقول: إذا كان النهي الوارد في القرآن بخصوصالأنبياء نهياً تحريمياً وتترتب عليه مبغوضية ومفسدة اُخروية ودنيوية فهذا يخلبالعصمة التي أقرها القرآن الكريم في أكثر من موضع ويلزم منه القول بعدم عصمةالأنبياء ، أما إذا استفدنا واستظهرنا أن المراد بالنهي في القرآن الكريم هو النهيالارشادي فلا يبقى محل للاشكال ولا مورد للاعتراض، وبنفس هذا التصوير يمكن التعاملمع المفردات الاُخرى التي وردت الاشارة اليها في القرآن الكريم.
فالاستغفار أو التوبة وأمثالهما لا تبرر لنا القول بجواز المعصيةعلى الأنبياء.
جاء في حديث علي بن محمد الجهم عن الرضا(عليه السلام) وقد سألهقائلاً:
«يابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: نعم، قال: فما تعملفي قوله تعالى: (وعصى آدم ربّه فغوى)...
فقال الرضا(عليه السلام): ويحك يا علي، اتق الله ولا تنسب أنبياءالله الى الفواحش، ولا تتأوّل كتاب الله برأيك، فإنّ الله يقول: (وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم)[31].
أما قوله عزّ وجلّ في آدم(عليه السلام) : (فعصى آدم ربّه فغوى) فإنّ الله عزّ وجل خلق آدم حجة في أرضهوخليفة في بلاده ، ولم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية في آدم في الجنة لا في الأرض،وعصمته يجب أن تكون في الأرض ليتم مقادير أمر الله عزّ وجل ، فلمّا أهبط الى الأرضوجُعل حجة وخليفة عصمه الله بقوله عزّ وجلّ: (إنّ الله اصطفىآدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين).
في هذه الرواية اشارة واضحة الى أن اختبار آدم لم يكن في هذهالأرض وليس ذاك عالم تكليف ، لأن عالم التكليف هو الذي يكون فيه آدم(عليه السلام) حجة على العباد وهو عالم الأرض.
كما يمكن القول بأن خطيئة آدم لم تكن معصية لأمر مولوي بل انهاتمثل معصية لنهي ارشادي ، ولهذا لم تستتبع عقوبة اُخروية أو طرداً من رحمة الله ،بل أدّت الى فقدان نعيم الجنة. وجعل النبي آدم حجة وخليفة يستلزم منه العصمة التيلا فيها ظلم و لاخطيئة تستوجب عقوبة وعذاب.
أما مفردة الاستغفار فلا شك في عدم حاجة النهي الارشادي الىالاستغفار، كما ليس بالضرورة دائماً أن يكون منشأ الاستغفار هو الذنب، فقد يكونصاحب الاستغفار ذا مقام شامخ فيأتي الاستغفار منه كتعبير عن مقام عالي في العبوديةله سبحانه، لأن الاعتراف بالتقصير والشعور بالذنب والذلة أمام عزّة المعبود من أعظمالتفاني في معرفة الله سبحانه، ولهذا كان نبي الرحمة(صلى الله عليه وآله) منالمستغفرين، وقد ورد في القرآن طلب الاستغفار من النبي رغم عدم ارتكابه أي ذنب أوخطيئة قال تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُإِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)[32].
وواضح أن مجيء نصر الله ودخول الناس في دين الله أفواجاً ليس بذنبليوجب الاستغفار.
أما التوبة فقد فسّرت بمطلق الرجوع بذنب وبدون ذنب، كما في قولهتعالى: (وإليه متاب)[33].
كما تعني التوبة الرجوع من التشديد الى التخفيف[34]ومنه قوله تعالى: (علم أنلن تحصوه فتاب عليكم)[35] ومن الحظرالى الاباحة ومنه قوله تعالى: (تختانون أنفسكم فتابعليكم)[36].
ثم لا تنحصر مناشئ التوبة بالذنب ، كما يشهد على ذلك قوله تعالى: (فلمّا أفاق قال سبحانك تبت اليك)[37].
أي رجعت الى معرفتي بك عن جهل قومي، فلا ذنب في مقام موسى ولا محلللخطيئة حتى يطلب موسى التوبة، وعليه فإنّ معنى التوبة أوسع من الذنب والخطيئة.
وأما الظلم فيمكن تقسيمه الى قسمين:
الأول: ظلم للنفس، وهو ايقاعها في مشاكل الدنيا ومتاعبها ، لأنهلم يرع مواضع الأشياء ومواقعها الطبيعية فينحرف عنها ويضّل وهذا ظلم للنفس، ولكنتحتمل النفس متاعبه ومشاقّه في الدنيا كالذين يظلّون الطريق ويتيهون عن الجادةالموصلة فيتحملون مشاق تيههم.
والثاني: ظلم للنفس بايقاعها في عقاب التحريم وغضب المخالفةالإلهية وكلا القسمين داخلان في تعريف الظلم ولا يصح حمل الظلم الذي ورد على لسانالأنبياء على الظلم الثاني.
وهذا القدر يكفي لتطبيقه على الموارد التي يفهم منها عدم عصمةالأنبياء(عليهم السلام) .
سهو النبي(صلى الله عليه وآله) ونسيانه
استدلّ البعض على وقوع السهو من النبي (صلى الله عليه وآله) ،بأنّ الله سبحانه أمر النبي(صلى الله عليه وآله) ـ بعد نسيانه ـ بعدم القعود معالظالمين ، حينما يذكر قوله تعالى: (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَالشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِالظَّالِمِينَ) بعد قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَالَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِيحَدِيث غَيْرِهِ)[38]،[39].
والنسيان في الآية المباركة لم يصدر من الرسول(صلى الله عليهوآله) ، فلم يكن الغرض من خطابه(صلى الله عليه وآله)بذلك هو توجيه التكليف إليه، بلالمراد من الخطاب هو جعل التكليف لسائر المؤمنين; وذلك لأن الخطابات القرآنية ـ كماذكر أهل البلاغة وأصحاب التفسير ـ نزلت على نحو: (إيّاك أعني واسمعي ياجارة)[40]، نظير نهي الأب عندما يريد أنينهى أولاده عن فعل شيء قبيح فيوجه الخطاب الى ولده الأكبر وهو يعلم أنه لا يفعلهفيرتدع الباقون، وهذا الاُسلوب في الخطاب من روائع الكلام، فإن توجيه النهي لأقربالناس من المتكلم ـ مع ثقته به واطمئنانه بعدم قيامه بالفعل المنهي عنه ـ موجب لردعالآخرين وزجرهم بنحو أقوى من اختصاص الخطاب بغيره وتوجيهه الى الآخر المقصودبالنهي، والمسوغ لهذا اللون من الخطاب مع علم المتكلم بعدم عصيان المخاطب هو وجودملاك النهي فيه، أي القدرة على المخالفة والعصيان وإلاّ كان الخطاب لغواً، وكذلكالأمر في الخطابات القرآنية ومنها الآية الكريمة المذكورة، فإنّ المصحح لها مع علمهتبارك وتعالى بعصمة النبي(صلى الله عليه وآله) ونزاهته هو وجود ملاك النهي وهوقدرته على المخالفة والمعصية ، إذ العصمة لا تسلب المعصوم قدرته على المخالفة كمامرّ الكلام عنها ، فالله سبحانه وتعالى يوجه الخطاب الى النبي(صلى الله عليهوآله)بعدم الجلوس في المكان الذي يساء فيه الى القرآن والدين حتى يعلم الناس بعدمجواز الجلوس في مثل ذلك المكان وأن هذا الحكم موجه للجميع من دون أن يراد(صلى اللهعليه وآله) بقوله: (وإما يُنسينك)أ نّه سيقع في هذاالنسيان بالفعل، وعليه فلا دلالة في هذه الآية على تحقق النسيان من النبي(صلى اللهعليه وآله)[41] .
ـــــــــــــــ
[1]آل عمران: 33ـ 34 .
[2]الاحقاف: 9 .
[3]المائدة: 67 .
[4]صحيح مسلمبشرح النووي: 15/174، مجمع الزوائد: 9/109، فتح الباري لابن حجر: 7/60، المصنفللصنعانى: 5/406، المصنف لابن أبى شيبة: 7/496.
[5]الصحاحللجوهري: 4/1986 .
[6]دائرة معارفالقرن العشرين: 6/505.
[7]الراغبالاصفهانى فى معجم مفردات القرآن: 249 .
[8]جامع العلوم: 2/325 .
[9]المصدرالسابق: 1/184 .
[10]النكتالاعتقادية مصنفات الشيخ المفيد: 10/37 .
[11]الحدودوالحقائق للسيد المرتضى: 167 .
[12]الرسائلللسيد المرتضى: 3/325.
[13]تلخيصالشافى للشيخ الطوسى: 1/71 .
[14]دلائلالصدق: 1/368 .
[15]عقائدالإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر: 54 .
[16]النحل: 36 .
[17]الروم: 47 .
[18]الأعراف: 68 .
[19]الحديد : 25 .
[20]النساء: 165 .
[21]الأحزاب: 45 .
[22]كشفالمراد: 217 .
[23]البقرة: 44 .
[24]دروس فىالعقيدة الإسلامية، مصباح اليزدي: 233 .
[25]النكتالاعتقادية، مصنفات الشيخ المفيد: 10/37 .
[26]تلخيصالمحصل المعروف بنقد المحصل: 525، باب العصمة.
[27]بدايةالمعارف الإلهية فى شرح عقائد الإمامية للسيد محسن الخرازي: 1/249 .
[28]الاجتهادوالتقليد، كتاب التنقيح على العروة الوثقى، السيد الخوئى: 254 .
[29]جامعالأحكام الشرعية : 118 .
[30]الميزان فىتفسير القرآن، للطباطبائى: 11/163 .
[31]آل عمران: 7.
[32]النصر : 3.
[33]الرعد: 20.
[34]مجمعالبحرين: 2/15.
[35]المزمل: 20.
[36]البقرة: 187.
[37]الأعراف: 143.
[38]الأنعام: 68 .
[39]ينقل هذاالقول عن الجبائى، راجع بحار الأنوار: 17/98 .
[40]مجمعالأمثال: 1/49، والقائل سهل بن مالك الفزاري.
[41]نفى السهوعن النبى(صلى الله عليه وآله)، لآية الله محمد جواد التبريزي: 38


RelatedArticle
المهدي من العترة الطاهرة:
الاعتقاد بالمهدي المنتظر(عليه السلام):
إخبار النبي ( ص ) بما وقع قبل ظهور القائم ( عج ) وبعده
إخبار النبي ( ص ) بما وقع قبل ظهور القائم ( عج ) وبعده
الإمَام الحجَّة محمَّد بن الحَسَن
الامام الحجة ( ع ) والحكمة من الغيبة
إذن صاحب الأمر ( عج ) لبعض شيعته بالدخول إلى الحرم :
النص من الامام الهادي
وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان عليه السلام:
ابن القيم الجوزية:
عقيدة الشيعة في الإمام المهدي عليه السلام:
العوامل المساعدة للإمام المهدي عليه السلام في هداية الشعوب:
الشعوب الغربية تدخل في الإسلام:
اتفاقية الهدنة بين الإمام المهدي عليه السلام والغربيين:
تحرير المدينة المنورة والحجاز:
الحركة الإختبارية ـ شهادة النفس الزكية:
فخرج منها خائفاً يترقب:
ظهور الخراساني وشعيب في إيران:
حديث رايات خراسان إلى القدس:
الإيرانيون وبداية التمهيد للمهدي عليه السلام:


/ 1