مهدویة عند أهل البیت علیهم السلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مهدویة عند أهل البیت علیهم السلام - نسخه متنی

مجمع العالمی لاهل البیت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
المهدوية عند اهل البيت

إن أصل الاعتقاد بفكرة ظهور المنقذ الذي يمثل جوهر الفكرة المهدوية في الإسلام يعتبر ظاهرة إنسانية عامة و ليس خاصاً بدين معين أو مذهب معين، و هذه الحقيقة من شأنها أن تساعد علي اسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.فهي توضح أولاً: بطلان الشبهة القائلة باختصاص الشيعة بالقول بالمهدوية، خاصة مع ثبوت اجماع المسلمين عليه.و توضح ثانياً: بطلان شبهة الاُسطورة القائلة بأن المهدوية فكرة اُسطورية منتزعة من الخيال، فإن الاُسطورة خيال ساذج منتزع من واقع قبلي أو قومي أو فئوي محدود، و ليست هناك اُسطورة تحضي بإجماع الأديان السماوية و غير السماوية و تُعبّر عن ضمير إنساني عام، و يتبناها العلماء و المفكرون و الفلاسفة.و توضح ثالثاً: بطلان الشبهة القائلة بدور اليهود في إيجاد الفكرة المهدوية، فإذا كان مضمون الفكرة المهدوية موجوداً في كل دين حتي الأديان غير السماوية فلماذا نستكثر علي الإسلام وجوده فيه؟ فإن مقتضي العقل والمنطق أن يكون الإسلام مشتملاً علي هذه الفكرة بمفهوم أوضح و أكمل، كما هو المتجسد في مدرسة أهل البيت (ع)، و حينئذ فمن مؤشرات الكمال في هذا الدين، و هذه المدرسة بالذات منه، احتواءهما علي الفكرة المهدوية، أليست الأديان تشترك في محاور عقائدية و تشريعية كثيرة كالحج، و الصوم، و الصلاة... إلخ، فهل أن تصريح اليهودية ـ و غيرها ـ بمثل هذه المحاور يقتضي ابتعاد الإسلام عنها؟ أم يقتضي تأكيد الإسلام عليها، و طرحها بمفهوم أكمل و أرقي؟ فهذه الشبهة تعود علي أصحابها بالنقص و علي الإسلام و التشيع بالكمال.كما توضح رابعاً: بطلان الشبهة القائلة بأن الفكرة المهدوية و ليدة ظروف الضغط السياسي التي عاشها أتباع الائمة (ع)، فإن الخوارج و اجهوا ضغطاً لا يقل عما و اجهه أتباع الأئمة (ع) منه، و لو كانت هناك قاعدة مطردة فما أكثر المظلومين و المضطهدين الذين لم يُعرف عنهم اعتقاد بمضمون الفكرة المهدوية، و ما اكثر الافراد و الجماعات التي آمنت بهذا المضمون بدون معاناة لظلم و اضطهاد، و لو كان هذا الاعتقاد ناشئاً من الظلم و الاضطهاد فما باله يظهر في الأجيال التالية غير المضطهدة؟نعم، الشيء الذي يمكن الاعتقاد به هو أن عوامل الضغط و الاضطهاد من شأنها أن تدفع باتجاه التمسك بالفكرة المهدوية أكثر، لا أنها تنشئ هذه الفكرة و توجدها من حيث الأساس.إن الدين هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإنسانية، و الإسلام هو التعبير الأكمل عن الحقائق الدينية، و مدرسة أهل البيت (ع) هي التعبير الأكمل عن الحقائق الإسلامية.و حينما تصرح الأديان بفكرة المنقذ العالمي فإنما تكشف ـ فضلاً عن الحقيقة الغيبية ـ عن ضمير إنساني أكيد و بنحو أكمل و حينما يصرح الإسلام بهذه الفكرة، انما يصرح بحقيقة دينية أكيدة و بنحو أكمل مما طرحته الأديان السابقة، و حينما يصرح أهل البيت (ع) بهذه الفكرة فإنما يقدمون البيان الأكمل عن الحقيقة الإسلامية في هذا المضمار.وحينئذ فالفرق بين المسألة المهدوية في مفهوم مدرسة الخلفاء و مدرسة أهل البيت (ع) هو الفرق بين مدرسة تبيّن الحد الأدني من الحقيقة و مدرسة تتصدي لبيان الحقيقة الإسلامية بحدها الأعلي، فتتصور الاُولي أن الثانية قد سلكت سبيل الغلو والتطرف، و لعل السرّ في اشتهار التشيع بالمهدوية حتي كأنها منخصائصه و ليست من العقائد المجمع عليها بين المسلمين يعود الي اختصاصه بحد الكمال، و تمتع المفهوم المهدوي لديه بخصائص فريدة بها يتحقق المعني المطلوب من المهدوية.وهذه الخصائص تتشعب من محور واحد هو أن المهدوية في مفهوم أهل البيت (ع) ليست نظرة مستقبلية صرفة، و ليست مجرد إخبار عن مستقبل سعيد للبشرية سيكون في نهاية المطاف، كماتري ذلك مدرسة الخلفاء، و إنما هي قبل ذلك جزء لا يتجزء من عقيدة الإمامة الاثني عشرية التي قدّر لها سماوياً أن تستوعب التاريخ من لحظة وفاة الرسول (ص) الي اللحظة الأخيرة من حياة البشرية، أو بتعبير آخر، هي مسألة الإمام الثاني عشر الذي بدأت إمامته منذ عام (260 هـ) و تواصلت حتي الآن، وستتواصل حتي ظهوره في خاتمة التاريخ.ونحن حينما نبحث في المسألة المهدوية في مفهوم أهل البيت (ع) لابد و أن نركّز علي هذا المحور العقائدي و ننظر إليه تارة من زاوية الدليل و البرهان بقصد الاثبات، و اُخري من زاوية الخصائص المترتبة عليه، و ثالثة من زاوية القيمة العقائدية التي ينطوي عليها، فهنا ثلاث مراحل من البحث نجعل كل مرحلة في فصل.
الاثبات العقائدي لمفهوم المهدوية عند أهل البيت

اشاره

مستدرك الحاكم علي الصحيحين، و يلاحظ هنا أن البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد (ع) و الإمامين الهادي و العسكري (ع)، و في ذلك مغزيً كبيراً; لأنه يبرهن علي أ ن هذا الحديث قد سُجّل عن النبي (ص) قبل أن يتحقق مضمونه و تكتمل فكرة الأئمة الاثني عشر فعلاً، و هذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري و انعكاساً له; لأن الأحاديث المزيفة التي تنسب الي النبي (ص) هي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي علي أن عشري ابتداءاً من الإمام علي و انتهاءاً بالمهدي (ع) ; ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف.لقد أخرج مسلم في صحيحه من طريق قتيبة بن سعيد، عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي علي النبي (ص) فسمعته يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي فيهم اثنا عشر خليفة».قال: ثمّ تكلم بكلام خَفي علَيَّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش».ثمّ أخرجه عن ابن أبي عمر، عنه، و عن هداب بن خالد، عنه، و عن نصر بن عليّ الجهضمي، عنه، و عن محمد بن رافع، عنه، كلّ من طريق.وأخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عنه، من طريقين. و عن قتيبة بن سعيد، عنه، من طريقين آخرين.فهذه تسعة طرق للحديث في صحيح مسلم فقط، ناهيك عن كثرة طرقه الاُخري في كتب الحديث لدي السُنّة و الشيعة.
اضطراب مدرسة الخلفاء في تفسير الشيعة

والسؤال هنا: من هم هؤلاء الخلفاء؟قبل ان نختار اجابة محدّدة علي هذا السؤال لابد من طرح الاحتمالات المتصورة في معني هذا كما أخرج هذا الحديث محدّثوا الشيعة أيضاً نذكر منهم الصدوق في كمال الدين 1: 272. و الخصال 2: 469 و 475، و قد تابع طرق الحديث و رواته من الصحابة في إحقاق الحق 13: 1 ـ 50.الحديث، و مقصود النبي الأعظم (ص) منه. و هنا احتمالان لاثالث لهما و هما:1 ـ أن يكون مقصود النبي (ص) هو بيان ما سيجري عليه الواقع السياسي للاُمة من بعده، بنحو من التنبؤ و الكشف عن المستقبل، علي غرار تنبؤات كثيرة صدرت منه (ص) في شؤون مختلفة. فيكون مفاد الحديث هو الإخبار عن الواقع المستقبلي للاُمة. و لنطلق علي هذا الاحتمال اسم التفسير المستقبلي.2 ـ أن يكون مقصوده (ص) اصدار قرار بتعيين اثني عشر إماماً و خليفة من بعده، فيكون مفاده الإنشاء و التنصيب بلحاظ مقتضيات الشريعة، لا الاخبار بلحاظ الواقع المستقبلي. و لنطلق علي هذا الاحتمال اسم التفسير العقائدي.ومقتضي البحث العلمي أن ننظر في هذين الاحتمالين و نختار ما تؤيده الشواهد و الأدلّة و البراهين العقلية و النقلية، إلاّ أن مدرسة الخلفاء لما آمنت منذ البدء بشرعية نظام الخلافة و رفضت نظرية التعيين، و أقامت تراثها الكلامي والفقهي علي هذا الأساس، وجدت نفسها أمام احتمال واحد لا مفرّ لها عنه وهو الاحتمال الأول، واضطرت الي تأويل كل ما يعارضه، والأخذ بهذه التأويلات مهما كانت تعسفية وبعيدة عن القواعد العقلية والعرفية، باعتبارها أمراً لا بديل عندها عنه.وكان عليها أن تنظر الي الحديث نظرة علمية متحررة من أي فكرة مُسبقة لتتأكد بنفسها من سقم التفسير المستقبلي للحديث، فإن كان النبي ينظر الي ما سيجري عليه الواقع فما الداعي الي التحديد باثني عشر خليفة مع امتداد المستقبل أكثر من هذا؟ وإن كان النبي ينظر الي الخلافة الصحيحة المطابقة للموازين الشرعية فإن مدرسة الخلفاء لم تقطع ولم تجمع علي شرعية غير الخلفاء الأربعة، ومن هنا اضطربت آراؤها في تحديد اشخاص الخلفاء الاثني عشر.فالخلفاء الاثنا عشر عند ابن كثير: الخلفاء الأربعة، وعمر بن عبدالعزيز، وبعض بني العباس، واستظهر أنّ المهديّ منهم.وعند القاضي الدمشقي: الخلفاء الأربعة، معاوية، ويزيد بن معاوية، وعبدالملك بن مروان وأولاده الأربعة (الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام)، وأخيراً عمر بن عبدالعزيز.وعند ولي الله المحدِّث في قرة العينين ـ كما جاء في عون المعبود: الخلفاء الأربعة، معاوية، وعبدالملك بن مروان، وأولاده الأربعة، وعمر بن عبدالعزيز، ووليد بن يزيد بن عبدالملك، ثمّ نقل عن مالك بن أنس أنّه أدخل عبدالله بن الزبير فيهم. ولكنه رفض قول مالك، مستدلاً بما روي عن عمر وعثمان; عن النبي (ص) ما يدل علي أنّ تسلط ابن الزبير كان مصيبة من مصائب هذه الاُمة، ثم ردّ من أدخل يزيد بينهم، مصرحاً بأنّه كان سـيّء السيرة.وقال ابن قيم الجوزية: «وأمّا الخلفاء: اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبوحاتم وابن حبّان وغيره: إنّ آخرهم عمر بن عبدالعزيز، فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثمّ يزيد ابنه، ثمّ معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحكم، ثم عبدالملك ابنه. ثمّ الوليد بن عبدالملك. ثمّ سليمان بن عبدالملك. ثم عمر بن عبدالعزيز، وكانت وفاته علي رأس المائة، وهو القرن المفضل الذي هو خير القرون، وكان الدين في هذا القرن في غاية العزّة، ثم وقع ما وقع».وقال النوربشتي: «السبيل في هذا الحديث وما يتعقبه في هذا المعني أنه يحمل علي المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة علي الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا علي الولاء، وإن قُدّر أنهم علي الولاء فإنّ المراد منه المسمون بها علي المجاز، كذا في المرقاة».وعند المقريزي: الخلفاء الأربعة، ثمّ الإمام الحسن (ع) قال: «وبه تمّت أيام الخلفاء الراشدين»، ولم يُدخِل أحداً من بني اُمية حيث صرّح بأنَّ الخلافة صارت بعد الإمام الحسن (ع) ملكاً عضوضاً، قال: «أي: فيه عسف وعنف»، كما لم يُدخل أحداً من بني العباس، مصرّحاً أنّ في خلافتهم «افترقت كلمة الإسلام وسقط اسم العرب من الديوان، واُدخل الأتراك في الديوان، واستولت الديلم، ثمّ الأتراك، وصارت لهم دول عظيمة جداً، وانقسمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكلّ قطر قائم يأخذ الناس بالعسف، ويملكهم بالقهر».وهكذا يلاحظ بوضوح اضطراب مدرسة الخلفاء تفسيرها لهذا الحديث، ووقوعها في مطبّات يتعذّر عليها الخروج منها ما دامت تصرّ علي التفسير المستقبلي له.وقد قال السيوطي في الحاوي: «لم يقع الي الآن وجود اثني عشر اجتمعت الاُمة علي كلّ منهم».ولو كان التفسير المستقبلي في نفسه صحيح ومقبول لآمن به صحابة النبي (ص) قبل غيرهم، ولظهر آثار ذلك علي لسان الخلفاء أنفسهم، ولقال أولهم: أنا أول الخلفاء الاثني عشر، ولقال الثاني والثالث الي الثاني عشر مثل ذلك، ولكان مثل هذا الادّعاء افتخاراً ومدركاً يساعد علي اثبات شرعية كل منهم، بينما لم يسجّل التاريخ ادعاءاً لأي من الاسماء المذكورة في سلسلة الخلفاء الاثني عشر الافتراضية بمثل ذلك.ثم إن الحديث يدل علي أن فترة إمامة الأئمة الاثني عشر تستوعب التاريخ الإسلامي الي نهايته بحيث تموج الأرض بأهلها من بعدهم. فقد روي أهل السنّة عن النبي (ص) أ نّه قال: «لا يزال هذا الدين قائماً الي اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها». ولم تمج الأرض بعد موت عمر بن عبدالعزيز بأهلها، بل كان انتشار علوم الدين كالفقه والحديث والتفسير في القرنين الثالث والرابع الهجريين، حتي بلغت علوم الدين قمتها في الاتساع والشمول بعد موت هؤلاء الخلفاء الاثني عشر عند أهل السنّة، والمفروض أن تموج الأرض بأهلها!ورووا أيضاً، عن جابر بن سمرة: «لا تزال هذه الاُمة مستقيماً أمرها، ظاهرة علي عدوّها، حتي يمضي منهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، ثم يكون المرج».وإذا كان المراد بالمرج هو القلق، والاضطراب، والالتباس، فيقتضي أن لا يكون شيء منه الي عهد عمر بن عبدالعزيز، ولكن التاريخ لا يعرف فتنة عظم بها القلق، واشتد الاضطراب، وكثر فيها التباس الحق بالباطل من فتنة معاوية وخروجه علي خليفة المسلمين، وهذا يدل علي أن المراد بالمرج هو أعظم من القلق والاضطراب والالتباس، ولعل المراد ترك الدين بالكلّية، وهذا ما لم يحصل إلاّ عند اقتراب الساعة، التي يسبقها ظهور الإمام المهدي (ع)، وما يعقب انتقاله الي الرفيق الأعلي من أحداث.ثم ما معني إدخال الملوك في عداد الخلفاء، فقد روي أهل السُنّة، عن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة، ومن رجال الشوري الذين عينهم عمر أنه دخل علي معاوية وقد تخلف عن بيعته، فقال: «السلام عليك أيها الملك، فقال له: فهلا غير ذلك؟ أنتم المؤمنون وأنا أميركم. قال: نعم، إن كنّا أ مّرناك، وفي لفظ: نحن المؤمنون ولم نؤ مّرك» وقد أنكرت عائشة علي معاوية دعواه الخلافة، كما أنكرها ابن عباس، والإمام الحسن (ع) حتي بعد الصلح، فهو من البغاة بالاتفاق; لحديث: «يا عمار تقتلك الفئة الباغية». ولست أدري كيف يصحُّ أن يكون الباغي علي الخليفة الشرعي خليفة لرسول الله (ص) علي المؤمنين!!وما معني إدخال يزيد الفاجر، المعلن فجوره وانتهاكه لحرمات الله تعالي، وهذا من أعجب العجب حقاً، إذ كيف يصحُّ للمسلم أن يجعل من يسفك دماء أهل بيت رسول الله (ص)، ويغزو جنده المدينة المنورة ويقتلوا عشرة آلاف من أهلها حتي أنه لم يبق بدرياً بعد موقعة الحرّة، خليفة لرسول الله (ص)، وكذلك الحال مع ملوك الشجرة الملعونة بنصّ القرآن الكريم، ولقد رآهم النبيّ في منامه ـ ورؤيا الأنبياء صادقة كفلق الصبح ـ بأنّهم ينزون علي منبره نزو القرود، باتفاق معظم المفسرين من أهل السنّة، وذلك عند تفسيرهم الآية الستين من سورة الإسراء، بما لا حاجة الي تتبع كلماتهم.وهكذا يظهر بوضوح ثلاث نتائج حاسمة هي:1 ـ فشل التفسير الإخباري المستقبلي لحديث الخلافة الاثني عشرية.2 ـ دور العامل السياسي في إلجاء مدرسة الخلفاء إليه.3 ـ انحصار الحقيقة الشرعية بالتفسير العقائدي الإنشائي القائل بدلالة الحديث المذكور علي نصب اثني عشر إماماً للمسلمين، وهو التفسير الذي قامت عليه أدلة عقلية وقرآنية ونبوية كثيرة جداً نجدها مبسوطة في التراث الإمامي القديم والحديث، في مجالات التفسير والحديث وعلم الكلام والتاريخ.ويبدو أن التاريخ قد أبي إلاّ أن يبقي الأئمة الاثنا عشر من أهل البيت (ع) مصداقاً وحيداً للحديث المذكور لاينازعون في ذلك حتي علي مستوي الإدّعاء، أولهم أمير المؤمنين (ع) وآخرهم الإمام المهدي بن الحسن العسكري (ع) وفي ذلك ما لا يحصي كثرة من الأحاديث الشريفة الدالة عليه، ولو شئت ذكرها جميعاً من طرق أهل السنّة وحدهم لما وسعها مجلد ضخم، ونشير هنا الي أحدها، وهو ما أخرجه الجويني الشافعي في فرائد السمطين، عن ابن عباس، عن النبي (ص) أ نّه قال: «أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم المهديّ».ومن هنا احتمل بعض المحققين أن ما ذكرته كتب الحديث من أن جابر بن سمرة حينما خفي عليه بعض كلام النبي (ص) فسأل أباه عما خفي عليه من كلامه (ص) أجابه أبوه بأنه (ص) قال: «كلهم من قريش»، احتمل أن جواب الأب فيه تحريف، ذلك أن الروايات علّلت خفاء الجواب بـ «ثم لغط القوم وتكلموا» و «ضجّ الناس» «فقال كلمة أصمنيها الناس» «فصرخ الناس فلم اسمع ما قال» «فكبّر الناس وضجّوا» «فجعل الناس يقومون ويقعدون». فكل هذه التعليلات لا تتناسب مع العبارة التي لم يسمعها الراوي، لأن جعل الخلافة في قريش أمر يسرّهم ولا يوجب اللغط والضجيج، والمتناسب مع هذه الحالات الموصوفة في الروايات أن تكون الإمامة في جماعة خاصة دون قريش، وهذا ما ذكره القندوزي في ينابيع المودّة حيث ذكر أن العبارة التي قالها النبي (ص) هي «كلهم من بني هاشم».وحينما يتّضح فشل التفسير الإخباري المستقبلي لحديث الإمامة الاثني عشرية من جهة وحقانية التفسير العقائدي له من جهة ثانية، وثبوت اسم الإمام المهدي (ع) في سلسلة أئمة أهل البيت (ع) وكونه هو الإمام الثاني عشر الذي يصلح الله به الأرض بعدما تمتلئ بالفساد من جهة ثالثة، ولا يبقي مجال للشك في ثبوت المفهوم العقائدي للمهدوية الذي تصرّ عليه مدرسة أهل البيت (ع).ذلك أن الترابط الصميمي بين مسألة الإمامة الاثني عشرية والمسألة المهدوية، من شأنه أن ينقل الي المسألة المهدوية النتائج الثلاثة الحاسمة التي ظهرت علي بساط البحث. فإن فشل التفسير المستقبلي للإمامة الاثني عشرية يعني بالنتيجة فشل هذا التفسير بالنسبة الي المهدوية أيضاً، كما أن ثبوت المنشأ السياسي لهذا التفسير علي صعيد الإمامة الاثني عشرية يعني بالنتيجة ثبوته بحق المهدوية أيضاً، حيث أن مدرسة الخلفاء كما جعلت حديث الخلافة الاثني عشرية إخبارياً مستقبلياً كتفريع منها علي القول بصحة نظرية السقيفة والخلافة وشرعيتها، كذلك رأت ضرورة الجنوح بالمسألة المهدوية صوب الرؤية المستقبلية فراراً من القول بإمامة أهل البيت (ع) وعدم شرعية نظام الخلافة، كما أن ثبوت حقّانية التفسير العقائدي لحديث الإمامة الاثني عشرية يعني بالنتيجة ثبوت حقّانية المفهوم العقائدي للمسألة المهدوية.
خصائص مفهوم المهدوية عند أهل البيت

اشاره

وبعدما تم الاثبات العقائدي لمفهوم المهدوية عند أهل البيت (ع) ندخل في مرحلة جديدة من البحث، وهي مرحلة البحث في الخصائص المترتبة علي هذا المفهوم، واثبات أنها خصائص واقعية لها تحقق تأريخي وشرعي، وأن الاعتقاد بها لا يلزم منه خدشة عقائدية ولا مفارقة تأريخية، وهي:
تحقق ولادة الإمام المهدي في أجواء سرّية مقصودة لابدمنها

اشاره

ومع ثبوت المفهوم المهدوي عند أهل البيت (ع) يصبح واضحاً أن من أبرز مقتضيات هذا المفهوم أن تكون ولادة الإمام الثاني عشر مقرونة بالسرّية والكتمان حتي تتسني له الغيبة بعد ذلك، والاختفاء عن الأنظار الي مكان آمن يختاره الله له الي حين يأذن له بالظهور، باعتباره الكوكب الأخير في سماء الإمامة، والإمام الذي لا إمام للمسلمين بعده، وهذا المعني يستلزم حياة خفية وعمراً مديداً وولادة سرّية، حتي يبقي موقع الإمامة مشغولاً علي مدي الدهر بإمام من الأئمة الاثني عشر (ع) حي أوغائب.وحينئذ فمن غير المناسب أن يقال: لماذا لم تكن ولادة الإمام، ووجوده بعد أبيه أمراً مشهوداً، ملموساً لكل من أراد حتي نصدق به؟ فأنه لو كان كذلك لما تيسرت له الغيبة والاختفاء عن الأنظار، ولما كان هو الإمام الثاني عشر، ولكان الأئمة أكثر من هذا العدد، وهذا ما يخالف الأدلّة النبوية المذكورة آنفاً، فالولادة السرّية من المستلزمات والمقتضيات الطبيعية لتلك الأدلة.وهذا ما يوضح أن الاثبات الخارجي لقضية، من نوع قضية ولادة الإمام المهدي (عج) ووجوده وحياته، لا يمكن الاكتفاء فيه بالبحث التاريخي، ما دمنا نؤمن منذ البداية أنها مقرونة بدرجة شديدة من السرّية والكتمان، بل هو إثبات عقائدي تاريخي تقوم فيه العقيدة بلعب دور أساسي، فيما يلعب البحث التاريخي فيها دوراً تكميلياً، لأننا نذعن منذ البدء بوجود المنكرين لها والمشككين فيها، مادامت القضية سرية مكتومة، والمطلعون عليها عدد محدود من الناس، بنحو يسمح للآخرين حتّي وإن كانوا من الحلقات القريبة من الإمام، ومن خلصاء الشيعة بالانكار والتشكيك ماداموا محجوبين عن الحقيقة السرية المكتومة. بحيث لو سألهم سائل عن ولادة الإمام المهدي (عج) ووجوده وحياته، لأنكروا ذلك، ولنقلوا عن سائر الناس أنهم أيضاً لم يروه ولم يسمعوا بخبر ولادته ووجوده. فنحن لا نتحدث عن قضية مادية محسوسة بكل أبعادها وجهاتها وتخضع لتسجيل تاريخي كامل حتي نعتمد في إثباتها وإنكارها علي المؤرخين والرواة، وإنما نتحدث من حيث الأساس عن قضية غيبية سوي أنها ليست غيبية بنحو مطلق وإنما لها شعاع محسوس يطلع عليه أفراد منتخبون، يطلعون علي ولادته فيشهدون عليها، وعلي غيبته الصغري فيشهدون عليها، وعلي غيبته الكبري فيشهدون عليها، ولهذا قلنا إن مفهوم أهل البيت (ع) عن المهدوية مفهوم عقائدي.بمعني أن إنكار المنكرين لا يكون في مثل قضية الإمام المهدي (ع) حجة تاريخية منطقية لإثبات عدم وجوده، ما دمنا قد اذعنا منذ البداية أن القضية سرية مكتومة، ومن الضروري الاكتفاء من ناحية البحث التأريخي باثبات وجود من رآه واطلع عليه وسمع بوجوده وأذعن له دون الالتفات الي إنكار المنكرين الذي يعتبر ظاهرة طبيعية بالنسبة الي قضية سرية مكتومة.وهنا سنطوي بحثين، بحث في الشواهد الدالة علي ولادة الإمام واستمرار وجوده، وبحث آخر نناقش فيه أدلة المنكرين له (ع).
الشواهد التاريخية الدالة علي وجود الإمام المهدي

اشاره

وهذه ناحية واسعة تظافرت عليها أرقام تاريخية كثيرة جداً نصنفها في عدّة نقاط:
شهادة الإمام الحسن العسكري بولادة ابنه الإمام المهدي

وفي ذلك أحاديث كثيرة نقلها اثبات الشيعة ورواتهم، ننقل منها:الحديث المروي عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن اسحاق،عن أبي هاشم الجعفري قال: «قلت لأبي محمد (ع): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سَلْ. قلت: يا سيدي هل لك ولد فقال: نعم».وفي هذا الحديث الكفاية سنداً ودلالة، فهذه كتب الرجال تشهد بجلالة محمد بن يحيي أبي جعفر العطار القمّي الذي لا زال قبره الي الآن معروفاً ومشهوراً يزار، وتشهد لعلو مكانة أحمد بن اسحاق بن عبدالله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري أبي علي القمّي، عند الإمام الحسن العسكري (ع)، وتشهد أيضاً لمنزلة داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب أبي هاشم الجعفري. ثمّ انظر قلّة الوسائط في إسناد هذا الحديث، الذي يُعبر عن أمثاله بقرب الإسناد الذي يعتبر من الشواهد المؤيدة للحديث.
شهادة القابلة

وهي اُخت إمام، وعمة إمام، وبنت إمام، العلوية الطاهرة حكيمة بنت محمد الجواد (ع)، واُخت الإمام الهادي (ع)، وعمة الإمام العسكري (ع)، حيث صرّحت بمشاهدة ولادة الإمام الحجة (ع) ليلة مولده،وهي التي تولّت أمر نرجس والدة الإمام الحجة (ع)، وبإذن من أبيه الحسن العسكري (ع).
عشرات الشهادات برؤية الإمام

وهنا قائمة طويلة من الاسماء، ممن رأي الإمام المهدي واتّصل به وشهد برؤيته إياه، سجلتها المصادر التاريخية وجمعها بعض المصنفين في مصنفات خاصة مثل: «كتاب تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهدي» للسيد هاشم البحراني ذكر فيه (79) شخصاً شهد برؤية الإمام (ع) في طفولته أو في غيبته الصغري، وذكر اسماء المصادر التي اعتمد عليها في ذلك، وأحصي الشيخ أبو طالب التجليل التبريزي زهاء (304) أشخاص ممن رأي الإمام (ع) وشهد به. وأحصي الشيخ الصدوق المتوفي سنة (381 هـ) وعهده بغيبة الإمام المهدي (ع) قريب جداً (64) شخصاً شهد برؤية الإمام (ع) وكان كثير منهم وكلاءاً له، وهم من مدن شتي.فمن وكلاءه:من أهل اذربيجان: القاسم بن العلاء.ومن الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار.ومن بغداد: حاجز البلالي، وعثمان بن سعيد العمري، ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري، والعطار.ومن الكوفة: العاصمي.ومن قم: أحمد بن إسحاق.ومن نيسابور: محمد بن شاذان.ومن همدان: البسامي، ومحمد بن أبي عبدالله الكوفي الأسدي، ومحمد بن صالح.أمّا من رآه (ع) من غير الوكلاء، منهم:من أهل اصفهان: ابن باشاذاله.ومن الأهواز: الحصيني.ومن بغداد: أحمد بن الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت، وأبو عبدالله الخيبري، وأبو عبدالله بن فروخ، وأبو عبدالله الكندي، وأبو القاسم بن أبي حليس، وأبو القاسم بن دبيس، ومسرور الطباخ مولي أبي الحسن (ع)، والنيلي، وهارون الفزاري.ومن الدينور: أحمد ابن أخي الحسن بن هارون، وعمه الحسن بن هارون.ومن الري: أبو جعفر الرفّاء، وعليّ بن محمد، والقاسم بن موسي، وابن القاسم بن موسي، وأبو محمد بن هارون، ومحمد بن محمد الكليني.ومن قزوين: عليّ بن أحمد، ومرداس.ومن قم: الحسن بن النضر، والحسين بن يعقوب، وعليّ بن محمد بن إسحاق، ومحمد ابن إسحاق، ومحمد بن محمد.ومن مصر: أبو رجاء.ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء النصيبي.ومن همدان: جعفر بن حمدان، ومحمد بن كشمرد، ومحمد بن هارون.ومن اليمن: ابن الأعجمي، والجعفري، والحسن بن الفضل بن يزيد، وأبوه الفضل بن يزيد، والشمشاطي.كما ذكر أيضاً من رآه من أهل شهرزور، والصيمرة، وفارس، وقابس ومرو.فهل يعقل اتفاق هؤلاء جميعاً وتواطؤهم علي الكذب؟ وفيهم اثبات ثقات صرحت كتب الرجال بتوثيقهم؟
تعامل السلطة العباسية مع الحدث

لقد تعاملت السلطة العباسية بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (ع) مع عائلته تعاملاً يدل علي خيفتها من مولود خطير خفي عنها، فراحت تبحث عنه بكل ما أوتيت من وسيلة وقدرة، حيث أمر المعتمد العباسي (ت 279 هـ) شرطته بتفتيش دار الإمام الحسن العسكري تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهدي (ع)، وأمر بحبس جواري أبي محمد (ع)، واعتقال حلائله يساعدهم علي ذلك جعفر الكذّاب، «وجري علي مخلّفي أبي محمد (ع) بسبب ذلك كلّ عظيمة، من اعتقال، وحبس وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذلٍّ».كلّ هذا والإمام المهدي (ع) في الخامسة من عمره، ولا يهم المعتمد العمر بعد أن عرف أ نّ هذا الصبي هو الإمام الذي سيهد عرش الطاغوت لما شاع وانتشر من الخبر، بأنّ ثاني عشر أهل البيت (ع) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، فكان موقفه من المهديّ، كموقف فرعون من موسي (ع) الذي ألقته اُمّه ـ خوفاً عليه ـ في اليمّ صبياً.ولم يكن المعتمد العباسي وحده قد عرف هذه الحقيقة، وإنّما عرفها من كان قبله كالمعتز، والمهتدي، ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (ع) حريصاً علي أن لا ينتشر خبر ولادة الإمام المهدي إلاّ بين أفراد منتخبين من شيعته ومواليه.لقد كان تصرُّف السلطة كاشفاً عن أ نّها وسائر الناس قد أدركوا تماماً أ نّ حديث جابر بن سمرة لا ينطبق عليهم ولا علي من سبقهم من الاُمويين، وإنّما مصداقه الوحيد هم أهل بيت النبوّة، ومهبط الوحي والتنزيل.وإلاّ فأيّ خطر يهدد كيانهم في طفل لم يتجاوز خمس سنين؟! لو لم يعتقدوا أ نّه هو المهدي المنتظر الذي تحدثت عنه الأحاديث المتواترة. يقول أحد الباحثين: ولو لم يكن مولوداً حقاً فما معني حبس الجواري وبث القابلات لتفتيش من بهنّ حمل، ومراقبتهنّ مدة لا تصدّق، إذ بقيت إحداهنّ تحت المراقبة لمدة سنتين! كلّ هذا مع مطاردة أصحاب الإمام العسكري (ع) والتشنيع عليهم، مع بث العيون للتجسّس عن خبر المهدي (ع)، وكبس داره بين حين وآخر.ثم ما بال السلطة لم تقتنع بما زعمه جعفر من أنّ أخاه (ع) مات ولم يخلّف؟أما كان بوسعها أن تعطيه حقّه من الميراث وينتهي كلّ شيء من غير هذا التصرُّف الأحمق الذي يدلّ علي ذعرها وخوفاً من ابن الحسن (عج)؟!نعم، قد يقال بأنّ حرص السلطة علي إعطاء كل ذي حقٍّ حقه هو الذي دفعها الي التحري عن وجود الولد لكي لا يستقل جعفر بالميراث وحده بمجرد شهادته!فنقول: ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أن تتحرّي عن هذا الأمر بمثل هذا التصرُّف المريب، بل كان علي الخليفة العباسي أن يحيل دعوي جعفر الكذاب الي أحد القضاة، لا سيّما وأنّ القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كلّ يوم مرات، وعندها سيكون بوسع القاضي أن يفتح محضراً تحقيقياً، فيستدعي مثلاً عمة الإمام الحسن العسكري (ع)، واُمه، وجواري الإمام، والمقربين الي الإمام الحسن العسكري من بني هاشم، ثمّ يستمع الي أقوالهم، ويثبت شهاداتهم، ثمّ ينهي كل شيء، ولكن وصول هذه القضية الي أعلي رجل في السلطة، وبهذه السرعة ولمّا يدفن الإمام الحسن العسكري (ع)، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع أ نّها من اختصاصاته، ومن ثم تصرف السلطة الغاشمة علي نحو ما مرّ، كل ذلك يقطع بأنّ السلطة كانت علي يقين بأن المهدي الموعود هو الحلقة الأخيرة من حلقات السلسلة المطهّرة التي لا يمكن أن تنقطع بموت الإمام الحادي عشر (ع)، خصوصاً بعد أن تواتر لدي الجميع قوله (ص): «وإنّهما ـ أي: الكتاب، والعترة ـ لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض» ومعني عدم ولادة المهدي (ع)، أو عدم استمرار وجوده، انقراض العترة، وهذا ما لا يقوله أحد ممّن تسمي (بإمرة المؤمنين) من العباسيين; لأ نّه تكذيب لنبيّنا الأعظم (ص)، بل لا يقوله أحد من المسلمين إلاّ من هان عليه أمر هذا التكذيب، أو من خدع نفسه بتأويل حديث الثقلين وصرف دلالته الي ما لم يأت به سلطان مبين».
اعترفات علماء السنة بولادة الإمام المهدي

قال السيد هاشم ثامر العميدي في هذا الصدد:«بلغت اعترافات الفقهاء، والمحدثين، والمفسرين، والمؤرخين، والمحققين، والاُدباء، والكتّاب من أهل السنّة أكثر من مائة اعتراف صريح بولادة الإمام المهدي (ع)، وقد صرح ما يزيد علي نصفهم بأنّ الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالي فرجه الشريف، هو الإمام الموعود بظهوره في آخر الزمان.وقد رتّبت هذه الاعترافات بحسب وفيات أصحابها، فوجدتها متصلة الأزمان، بحيث لا تتعذر معاصرة صاحب التصريح اللاحق، لصاحب التصريح السابق، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغري الي وقتنا الحاضر، وسوف نذكر أقوال بعضهم التي وقفت عليها في مصادرهم ريثما يأتي دورهم، مع الاكتفاء بذكر اسماء الآخرين فقط دون التعرض لأقوالهم; لتعذر تسجيلها في هذا الفصل، حيث بلغت أقوال تسعة وعشرين واحداً منهم في كتاب إلزام الناصب ما يزيد علي مائة صحيفة،في المتن دون الإشارة الي مصدره في الهامش، هو دليل أخذنا ذلك من كتب الشيعة الإمامية التي سبقت الي هذا المجال مع اعتنائها بتسجيل رقم الجزء، ورقم الصحيفة مع مكان وسنة الطبع; ولعلّ من أوسعها في هذا الباب وربما اضطرّ الي تعيين واسطته اليهم بدقة، وقد فاته ما يقرب من ثلاثين اسماً، وكان جلّ اعتمادنا عليه، ولم نستدرك عليه شيئاً; لأنّ ما فاته سبقني اليه غيري،والترتيب بحسب القرون».ثم ذكر اسماء (128) مصنفاً من مصنفات أهل السنّة، ذكر الإمام المهدي في كتاب من كتبه بعنوان الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع).
وقفة مع المنكرين

اتّضح مما سبق أن المسألة المهدوية مسألة عقائدية قبل أن تكون تاريخية، وإن الدليل عليها عقائدي قبل أن يكون تاريخياً، واتّضح أيضاً عدد من الأدلّة التاريخية الدالة عليه، واتّضح أيضاً أن قضية سرية غيبية، كقضية الإمام المهدي (ع) تستلزم بطبعها وجود المنكرين لها، فإن الذي يختفي عن أنظار الناس لغرض من الأغراض، يقصد من ذلك أن لا يراه أحد من الناس، بحيث إذا سُئل الناس عنه قالوا: لم نره، حتي لو كانوا من أقرب المقربين إليه، وذكرنا أن انكار مثل هؤلاء في قضية مخفية لا يصح دليلاً علي عدم الوجود، وهذه هي المفارقة الأساسية التي وقع فيها منكروا ولادة ووجود الإمام المهدي (ع)، فانّهم ذهبوا يفتشون في التاريخ عن شواهد من هذا القبيل فلما عثروا علي شيء منها اعتبروه دليلاً علي عدم ولادة ووجود الإمام المهدي (ع)، مثل اختلاف الشيعة في زمن الولادة وفي اسم الإمام، وشهادة جعفر الكذاب عم الإمام المهدي بأن أخاه مات ولم يعقّب.ومناقشتنا الأساسية مع هؤلاء أن المنهج التاريخي، صالح للتحكيم في مسائل محسوسة تقع بكاملها تحت نظر الرواة والمؤرخين، مثل واقعة صفين، وواقعة كربلاء... الخ، وليس صالحاً للتحكيم في مسائل غيبية عقائدية في جوهرها، ولها شعاع محسوس عند افراد مُنتخبين بحيث لو سُئل عامة الناس عنها لأنكروها. فكيف تجعلون إنكار عامة الناس دليلاً علي انعدام قضية يؤمن أصحابها سلفاً بأنها ليست قابلة للمشاهدة الحسيّة، إلاّ من قبل أفراد منتخبين؟إن علي من يريد مناقشة المسألة المهدوية أن يبدأ معها من بدايتها العقائدية، ولا يبدأ معها من ذيولها التاريخية، لأن القضية السرية المكتومة بنحو مقصود، عن أعين أقرب المقرّبين لا يمتنع عليها ظهور اختلافات فيها، من قبيل اختلاف زمن ولادة الإمام، واختلاف اسم اُم الإمام، ولا يضرها شهادة كشهادة جعفر الكذاب، لأن الجواب الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يقال: ان الاختلاف في سنة الولادة، واسم أم الإمام، كان ظاهرة طبيعية ناشئة من إصرار الإمام الحسن العسكري (ع) علي اخفاء تفاصيل القضية اخفاءاً تاماً، عن أعين أقرب المقربين تحرزاً من وصول النبأ الي السلطة العباسية، كما أن شهادة جعفر الكذاب بأن أخاه مات ولم يعقّب كانت من هذا القبيل، حيث أراد الإمام الحسن العسكري (ع)، أن يخفي مولوده علي أخيه ويظهر الأمر أمامه كما لو لم يكن للإمام (ع) نسل من بعده وكان هذا السلوك من قبل الإمام الحسن العسكري (ع)، تجاه أخيه منطقياً حتي لو لم يكن أخوه كذّاباً مشهوداً عليه بالفسق، كيف وجعفر الكذّاب مشهود عليه بذلك.
الامامة المبكرة

ومن مقتضيات المفهوم المهدوي عند أئمة أهل البيت (ع) الاعتقاد بالإمامة المبكرة للإمام المهدي (ع)، وهذه الخصوصية تارة ننظر إليها من الزواية الإسلامية بقصد البرهنة والإثبات ودفع ما يمكن أن يرد عليها من اشكال ديني، واُخري من زاوية الواقع لبيان أن هذه الإمامة ; إمامة واقعية تحمل المؤهلات الكافية، وليست إمامة مفترضة أو مدّعاة.وإذا نظرنا إليها من الزاوية الإسلامية وجدنا ضرورة تمييز مسألة الإمامة أوّلاً، هل هي مسألة عقائدية؟ أم أنها مسألة تشريعية؟ فإن كانت مسألة عقائدية كما هو معتقد الشيعة فإننا نجد القرآن يصرّح بثبوت النبوّة وهي مسألة عقائدية للصبي قال تعالي: (يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً)، وإن كانت مسألة تشريعية، فإن من واضحات الشريعة الاسلامية ثبوت الحجر علي الصغير، ومن كان محجوراً عليه، فاقداً للولاية علي نفسه كيف تتاح له الولاية علي غيره؟ فلا تكون إمامة الصبي مشروعة حينئذ.وقد اختلف المسلمون في هذه المسألة، فمدرسة المذاهب الأربعة جعلت الخلافة والإمامة والولاية من شؤون الشريعة، وأعمال المكلفين، بينما آمنت مدرسة أهل البيت (ع) بأنها مسألة عقائدية ومن جملة اُصول الدين التي هي من شؤون رب العالمين، وليست من خصائص المكلّفين وأعمال العباد. وحينئذ فمدرسة أهل البيت (ع) حينما تعتقد بالإمامة المبكرة لعدد من الأئمة (ع) ومن جملتهم الإمام المهدي (ع) منسجمة مع نفسها في هذا المضمار لا يرد عليها اشكال من جهة عقائدية مادام القرآن يصرّح بالنبوة المبكرة ليحيي (ع)، ولا من جهة تشريعية مادامت المسألة من وجهة نظر أهل البيت (ع) خارجة عن نطاق التشريع وداخلة في نطاق العقيدة، وأحكام الشريعة في باب الحجر علي الصغير تنطبق علي المكلّفين ولا تنطبق علي الله سبحانه وتعالي، لأن الشريعة خطابات إلهية موجهة إلي المكلّفين وليست موجهة إلي الله نفسه، فلا مُلزم له بها، والنبوة المُبكرة ليحيي (ع) تدلل علي أنه تعالي لم يُلزم نفسه بها.وهكذا يتّضح أن غرضنا من الاستشهاد بنبوة يحيي (ع) هو لبيان أن الإمامة كالنبوة مسألة عقائدية، وأن المسألة العقائدية لا تخضع لمقاييس الناس، بل لا تخضع حتي لمقاييس الشريعة التي جاءت لتنظيم سلوك المكلفين فلا يصح تطبيقها علي رب العالمين، فهي ـ أي نبوة يحيي ـ تفيدنا أن المسألة العقائدية تتقوم بالدليل والبرهان، فإذا قام البرهان العقائدي علي إمامة الصغير فلابد من الإذعان بها كما أذعنا بنبوة الصغير حينما قام البرهان العقائدي عليها، وحينئذ فلا معني لما قد يقال من أن الاستشهاد بنبوة يحيي (ع) لا محلّ له، لأنها مذكورة صراحة في القرآن بخلاف المسألة المهدوية.ومن هنا فإن اعتراض ابن حجر الهيثمي وأمثاله علي إمامة الإمام المهدي ساقط لا أساس له، حيث كتب وباُسلوب غير مناسب يقول: «ثم المقرر في الشريعة المطهرة أن الصغير لا تصح ولايته، فكيف ساغ لهؤلاء الحمقي المغفلين ان يزعموا إمامة من عمره خمس سنين...».فقد اتّضح ان هذا ليس من مقررات الشريعة وانما من مقررات فقههم الذي لا يصح لهم الزامنا به.وإذا نظرنا إليها من زاوية الواقع التأريخي وجدنا أن المهدي (ع) خَلفَ أباه في إمامة المسلمين وهو ابن خمس سنين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكلّ ما في الإمامة من محتويً فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.يقول السيد الشهيد الصدر (ره) في هذا المضمار:ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد، ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلي عدد من آباء المهدي (ع) تشكل مدلولاً حسيّاً عمليّاً عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولايمكن أن نُطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوي من تجربة اُمّة،النقاط التالية:أ ـ لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان، والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلي الابن، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته علي اُسس روحية وفكرية.ب ـ إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت علي عهد الإمامين الباقر والصادق (ع)، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي، يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتي قال الحسن بن علي الوشا: إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.ج ـ إن الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تُمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرف علي كفائته للإمامة، شروط شديدة; لأنها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان أعلم علماء عصره.د ـ إنّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود علي عقيدتها في الإمامة; لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية علي الأقل، الأمر الذي أدّي إلي قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريباً حملات من التصفية والتعذيب، فقُتل من قُتل، وسُجن من سُجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات، وهذا يعني أنّ الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلّفهم غالياً،يكن له من الإغراءات سوي ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلي الله تعالي والزلفي عنده.هـ ـ إنّ الأئمة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كلّ واحد من الأئمة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية اُخري، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمون الديار المقدسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحج مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.و ـ إن الخلافة المعاصرة للأئمة (ع) كانت تنظر إليهم وإلي زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير علي كيانها ومقدّراتها، وعلي هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلي ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمةأو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين علي اختلاف درجاتهم.إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك، أمكن أن تخرج بنتيجة وهي: أنّ ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام; لأنّ الإمام الذي يبرز علي المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيار الواسع، لابدّ أن يكون علي قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الاُفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد ; لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أنّ الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة أن تُسلّط علي حياتهم وموازين شخصيتهم. فهل تري أنّ صبيّاً يدعو إلي إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو علي مرأيً ومسمع جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟يتحركوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تكتشف الحقيقة علي الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره وعلمه حقاً ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يُتح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك علي السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من اُسلوب أن تقدم هذا الصبي إلي شيعته وغير شيعته علي حقيقته، وتبرهن علي عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية، فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقَدر كبير من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون،وقتئذ.إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة،المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها،واجه فيه الصبيّ الإمامُ إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.وهذا معني ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت (ع) وليست مجرد افتراض، كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عِبْرَ الرسالات والزعامات الربّانية.ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت (ع) يحيي (ع) إذ قال الله سبحانه وتعالي: (يا يحيي خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً).ومتي ثبت أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخصّ إمامة المهدي (ع) وخلافته لأبيه وهو صغيروأقصد بالإمكان العلمي: أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة، ولكن لا يوجد لدي العلم ولا تشير إتجاهاته المتحركة إلي ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقا لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلي كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلي إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك ; لأن الفارق بين الصعود إلي الزهرة والصعود إلي القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلي الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلي الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً. وعلي العكس من ذلك الصعود إلي قرص الشمس في كبد السماء فإنه غير ممكن علمياً، بمعني أن العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصور علمياً، وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الإحتراق بحرارة الشمس، التي تمثل اُتوناً هائلاً مستعراً بأعلي درجة تخطر علي بال إنسان.وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي: أن لا يوجد لدي العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ـ أي سابقة علي التجربة ـ ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته.فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلي نصفين ليس له إمكان منطقي ; لأن العقل
الغيبة المستلزمة لعمر مفتوح مع انفتاح الزمن

من مقتضيات وخصائص المفهوم المهدوي عند أهل البيت (ع) هو الاعتقاد بغيبة الإمام (ع) عن الأنظار، واستمراره علي ذلك إلي حين يأذن الله سبحانه وتعالي له بالظهور، وإثبات هذه الخصوصية ننجزه في مرحلتين:1 ـ مرحلة إثبات امكانية العمر الطويل.2 ـ مرحلة إثبات تحقق ذلك فعلاً بالنسبه للإمام المهدي (ع) وغيبته فيه.أولاً: مرحلة إثبات امكانية العمر الطويل الي آخر الزمانفأن المشكلة الأساسية التي تواجه المفهوم المهدوي عند أهل البيت (ع) تتمثل في ما يستلزمه هذا المفهوم من عمر مفتوح مع إنفتاح الزمن وممتد بامتداده وقد عولجت هذه المشكلة بإجابات كثيرة نورد هنا إجابة السيد الشهيد الصدر عليها، فقد كتب يقول:هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة، أي حوالي مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمر بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلي الشيخوخة؟كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي.وأقصد بالإمكان العملي: أن يكون الشيء ممكنا علي نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلي قاع البحر، والصعود إلي القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.1 ـ الكلام في وقته دقيق علمياً، فهو يقول: انه ممكن علمياً، ولكنه لم يكن قد تحقق فعلاً، والواقع أن كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المركبات الفضائية إلي كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبحت حقائق في أواخر القرن العشرين.يدرك ـ قبل أن يمارس أي تجربة ـ أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق،وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارته ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارةً إلي الجسم الأقل حرارةً، وإنما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارةً إلي الجسم الأقل حرارةً إلي أن يتساوي الجسمان في الحرارة.وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.ولا شك في أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً; لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض ; لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.كما لا شك أيضاً ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، علي نحو الإمكانات العملية للنزول إلي قاع البحر أو الصعود إلي القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصاً علي الحياة وقدرة علي تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرر رفضه من الناحية النظرية. وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدي الإنسان، فهل تعبر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض علي أنسجة جسم الإنسان وخلاياه ـ بعد أن تبلغ قمة نموها ـ أن تتصلب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلي أن تتعطل في لحظة معينة، حتي لو عزلناها عن تاثير أي عامل خارجي؟ أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الانسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلي الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف أو أي عامل آخر؟وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم علي نفسه، وهو جاد في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب علي الصعيد العلمي.فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلي تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة، فهذا يعني أن بالإمكان نظرياً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة، أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً.وإذا أخذنا بوجهة النظر الاُخري التي تميل إلي افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحية نفسها، بمعني أنها تحمل في احشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.أقول: إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معني هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو ـ علي افتراض وجوده ـ قانون مرن ; لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ; ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أن الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنية، قد تأتي مبكرة، وقد تتأخر ولا يظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتي أن الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء لينة، ولا تبدو عليه اعراض الشيخوخة كما نص علي ذلك الأطباء. بل إن العلماء استطاعوا عملياً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة إلي اعمارها الطبيعية ; وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.وبهذا يثبت علمياً أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلي كائن معقد معين كالإنسان، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلي الإنسان، وصعوبتها بالنسبة إلي أحياء اُخري. وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواءً فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.ويتلخص من ذلك: أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.وعلي هذا الضوء نتناول عمر المهدي (ع) وما اُحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الامكان النظري إلي إمكان عملي تدريجا، لا يبقي للاستغراب محتويً إلاّ استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه، فيتحول الإمكان النظري إلي إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلي مستوي القدرة الفعلية علي هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام ـ الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر ـ حركة العلم في مجال هذا التحويل؟فالجواب: إنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.اوليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟أوَلم تناد بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين؟أوَلَم تأت بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن؟أو لم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر علي بال إنسان، ثم جاء العلم ليثبتها ويدعمها؟فإذا كنا نؤمن بهذا كله، فلماذا نستكثر علي مرسل هذه الرسالة ـ سبحانه وتعالي ـ أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟ وانا هنا لم اتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمكن ان نضيف إلي ذلك مظاهر السبق التي تحدثنا بها رسالة السماء نفسها.لم يتح للعلم ان يحققه إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول (ص) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالي للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتي اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.ولكن! أوَليسَ الدور التغييري الحاسم الذي اُعد له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرت بهم من تطورات التاريخ؟أوَلَيسَ قد اُنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد علي أساس الحق والعدل؟فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب علي اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريدتاريخياً علي الرغم من انه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟ولا أدري!هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد علي أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهو النبي نوح، الذي نص القرآن الكريم علي أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتي الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.فلماذا نقبل نوح الذي ناهز الف عام علي أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟وقد عرفنا حتي الآن أن العمر الطويل ممكن علمياً، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم، ولا علي خطها الطويل أن تتغلب عليه، وتغير من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن إطالة عمر الإنسان ـ كنوح أو كالمهدي ـ قروناً متعددة، هي والجواب: إن المهمة أولا واحدة، وهي تغيير الظلم والفساد، وأن الوظيفة كما اوكلت إلي النبي، فقد اوكلت هنا إلي من إختاره الله تعالي أيضاً كما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم (ص): «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...» التاج الجامع للاصول 5: 343.وأما من جهة قطعية النص، فاحاديث المهدي بلغت حد التواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين. راجع: التاج الجامع للاصول 5: 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني، وانتهي المحققون من علماء الفريقين إلي القول بأن من كفر بالمهدي فقد كفر بالرسول محمد (ص) وليس ذلك إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنكر لذلك كافر اجماعا. وراجع: الإشاعة لاشراط الساعة / البرزنجي في بحثه حول المهدي. وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدمة أيضاً.ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالي عن عيونهم وهو يمشي بينهم. كل هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ علي حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلما توقف الحفاظ علي حياة حجة لله في الأرض علي تعطيل قانون طبيعي، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لانجاز مهمته التي أعد لها، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لانجاز ذلك، وعلي العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعد لها ربانياً فإنه سيلقي حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرره القوانين الطبيعية.ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطل القانون؟ وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلاّ مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدد هذه العلاقة الضرورية علي اُسس تجريبية واستقرائية؟!والجواب: ان العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي، وتوضيح ذلك: أن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم علي أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة اُخري يستدل بهذا الاطّراد علي قانون طبيعي، وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الاُولي وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها; لأن الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي اثباتها، ولهذا فإن منطق العلم الحديث يؤكد أن القانون الطبيعي ـ كما يعرفه العلم ـ لا يتحدث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين،فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدي الظاهرتين عن الاُخري في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.والحقيقة أن المعجزة بمفهومها الديني، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلي علاقات السببية.فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أن كل ظاهرتين اطّرد اقتران إحداهما بالاُخري فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أن من المستحيل ان تنفصل إحدي الظاهرتين عن الاُخري، ولكن هذه العلاقة تحولت في منطق العلم الحديث إلي قانون الاقتران أو التتابع المطرد بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية.وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطّراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدي إلي استحالة.وأما علي ضوء الاُسس المنطقية للاستقراء فنحن نتفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة، في أن الاستقراء لا يبرهن علي علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنا نري أنه يدل علي وجود تفسير مشترك لاطّراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته علي أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته علي أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلي ربط ظواهر معينة بظواهر اُخري باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً إلي الاستثناء فتحدث المعجزة.وهكذا يتّضح بنحو علمي منطقي مبرهن أن العمر الطويل أمر ممكن، ولا يلزم منه محذور علمي ولا فلسفي. وبهذا تنتهي المرحلة الأولي من البحث في خصوصية الغيبة.ثانياً: مرحلة إثبات تحقق ذلك فعلاً في الإمام المهدي (ع) والبحث في هذه المرحلة يتم بطريقين:1 ـ عقائدي 2 ـ وتاريخي1 ـ الطريق العقائديويمكن تقريره بثلاثة بيانات:أ ـ إن هذه الخصوصية من اللوازم الذاتية للمفهوم المهدوي عند أهل البيت (ع)، فثبوت هذا المفهوم ـ بالنحو الذي مرّ آنفاً ـ ثبوتاً برهانياً قاطعاً، واتضاح بطلان ما سواه، يقودنا بنحو طبيعي إلي الاعتقاد بغيبة الإمام الثاني عشر (ع). فما دام الأئمة اثني عشر فقط، وأنهم معينين من قبل الله سبحانه وتعالي، وليس للناس دور في إختيارهم، فليس بإمكاننا إلاّ أن نتصور استمرار حياة الإمام الثاني عشر ومواكبته للمسيرة البشرية وظهوره بعد ذلك في الشوط الأخير منها، ومن الطبيعي أن لا يتاح لإنسان يُقدّر له مثل هذا الهدف، وتقدر له مثل هذه الحياة الطويلة، أن يعيشها بصورة ظاهرة، ولابد له من ان يمارسها بنحو خفي غائب عن الأنظار، إلاّ أن يفترض وفاة الإمام المهدي (ع) في الزمان الطبيعي لامثاله ثم عودته للحياة في زمن الظهور، ولكن هذا الافتراض يلزم منه انقطاع الحجة في الفترة الفاصلة من وفاته إلي ظهوره، وهو مخالف لحديث الثقلين الذي يدل علي تلازم الكتاب والعترة وعدم افتراقهما في زمن من الأزمان حتي قيام الساعة والورود علي الحوض، كما يلزم منه الاعتقاد برجعة الإمام المهدي إلي الحياة بعد وفاته، وهو مما لا قائل به بين المسلمين.ب ـ الروايات الدالة علي اتصاف الإمام المهدي بالغيبة، وقد ذكرتها بعض مصادر أهل السنّة مثل: ينابيع المودّة وفرائد السمطين.ففي ينابيع المودّة (ص 447) عن كتاب فرائد السمطين عن الباقر عن أبيه عن جده عن علي (ع)، قال: قال رسول الله (ص): «المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».وفيه (ص 448) عنه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله (ص): «أن علياً وصيي ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً أن الثابتين علي القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر» فقام إليه جابر بن عبدالله فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: «اي وربي ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ـ ثم قال ـ يا جابر إن هذا أمر من أمر الله وسر من سرّ الله فإياك والشك فإن الشك في أمر الله عزّ وجل كفر».وفيه في الصفحة المذكورة عنه عن الحسن بن خالد، قال: قال علي بن موسي الرضا ـ رضي الله عنهما ـ: «أن الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهر الله به الأرض من كل جور وظلم وهو الذي يشك الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربّها».وفيه (ص 454) عنه عن أحمد بن زياد عن دعبل بن علي الخزاعي في حديث وروده علي الرضاوانشاده قصيدته التائية، إلي أن قال: «إن الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته والمطاع في ظهوره ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً وأما متي يقوم؟ فأخبار عن الوقت فقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (ص) قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة».وفيه (ص 488) عن غاية المرام عن فرائد السمطين عن جابر بن عبدالله رفعه: «المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً».وفيه عنه عن فرائد السمطين في الصفحة المذكورة عن الباقر عن آبائه عن علي بن أبي طالب (ع) رفعهُ: «المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم إلي أن قال ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».وفيه (ص 493) عن المناقب عن أبي جعفر محمد الباقر، قال: قال رسول الله (ص): «طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو أتم به في غيبته قبل قيامه ويتولي أولياءه ويعادي أعداءه ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم اُمتي عليَّ يوم القيامة».وفيه عنه عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع)، قال: قال رسول الله (ص): «المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وهو أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة في الاُمم حتي يضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً». وفيه عنه مثل ذلك غير أنه قال فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب يأتي بذخيرة الأنبياء (ع) الحديث.وفيه (ص 494) عنه عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: قال لي رسول الله (ص): «يا جابر إن اوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فاذا لقيته فاقرأه مني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسي بن جعفر ثم علي بن موسي ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي ابن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالي علي يديه مشارق الأرض ومغاربها ذلك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت علي القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان».ج ـ إن المهدي الموعود إن لم يكن إماماً معصوماً، وكان رجلاً عادياً من عامّة المسلمين سوف لن يكون هناك تناسب بينه وبين ظهور المسيح (ع) معه وهو نبي من اُولي العزم ليؤيد المهدي ويدعو المسيحيين الي الإذعان بنبوّة النبي (ص)، فلابد وان يكون المهدي الموعود إماماً معصوماً، وحيث إن الإمامة المعصومة ليست أمراً قابلاً للإدّعاء بل تحتاج الي تعيين سماوي ونص نبوي يكشف عنها ولم يجرِ ذلك في غير الأئمة الإثني عشر (ع) حتي علي مستوي الإدّعاء فضلاً عن الدليل والبرهان، وقد ثبتت وفاة الأئمة المتقدمين ودفنت أجسادهم في أماكن معلومة، وبقي الإمام الثاني عشر لم تُعلم له وفاة حتي الآن. فلابد منالاعتقاد باستمرار حياة هذا الإمام من حين ولادته الي حين ظهوره في آخر الزمان ليكون مؤهلاً لتأييد المسيح (ع) له يقول السيد سامي البدري في ذلك:«فإن ظهور عيسي سوف يكون بحاجة إلي استيعاب علمي وقيادي من قبل المهدي الموعود باعتباره يقوم شاهداً له وللرسالة التي يرفع شعارها وكتابها وتابعاً له. والمهدي علي التصور السنّي لن يكون قادراً علي استيعاب المسيح بل هو غير قادر علي استيعاب طوائف المسلمين.لن يكون قادراً علي استيعاب المسيح لأن المسيح نبي ورسول معصوم ومؤيد إلهياً بالمعجزات ومثله لا يمكن أن يستوعبه إنسان غير مؤيد بالمعجزات والعصمة والعلم التام.ولن يكون قادراً علي استيعاب الاُمة المسلمة بلا تأييد إلهي بالمعجزة والعصمة والعلم التام لوجود مشكلات أساسية:منها: مشكلة إثبات كونه المهدي الموعود، فهو من دون التأييد الإلهي الخاص لن يكون قادراً علي كسب القناعة الموضوعية التامة من الآخرين.ومنها: مشكلة إقناع علماء زمانه بالخضوع لآرائه في الجرح والتعديل وتخريج الحديث والاستنباط منه فهو علي أكثر تقدير مجتهد كباقي المجتهدين يجوز للعوام أن يرجعوا إليه ويخضعوا لأفكاره أما المجتهدون الآخرون فلا يوجد أي مبرر للخضوع لفهمه، أما تخريجه للحديث وأراؤه في الجرح والتعديل فستكون المشكلة فيها أعظم لو تجاوز فيها أئمة الجرح والحديث التاريخيين كالبخاري وأحمد بن حنبل ويحيي بن معين وغيرهم.ومنها: مشكلة النظام السياسي الذي يسمح له أن يشكل تجمعه الحركي، إذ الأنبياء مع التأييد الإلهي لم يسلموا من الاستضعاف فكيف بالمهدي غير المؤيد.ومنها: مشكلة الشيعة الذين لن يؤمنوا بمثل مهدي غير معصوم وغير منصوص عليه ولم يكن ابناً للحسن العسكري (ع) وليس هو إلا مهديهم.وقد يقول قائل: بأننا نفترض أن المهدي بالتصور السنّي مؤيد بالمعجزة والعلم التام والعصمة.قلنا: إن هذا الافتراض سيجعل من المهدي علي الاُطروحة السنّية نبيّاً لأننا افترضنا أن علمه علم تام لم يستمد من علم بشري، وليس من شك أن هذا الفرض سوف يكون خلاف القرآن الذي نصّ علي أن محمداً خاتم النبيين.وهذا بخلاف المهدي علي التصور الشيعي فهو ليس نبيّاً بل هو عالم مطهر معصوم وارث لتراث جده عن طريق آبائه ملهم بذلك العلم الموروث معرّف بالنص عليه من قبل أبيه المعرّف من قبل آبائه المعصومين حتي ينتهي الأمر إلي النبي (ص) الذي عرّف بهم جميعاً وبعلي في الغدير خاصه وقد وجدت مثل هذه الحالة ـ أي حالة عالم مطهر وارث للعلم ملهم به ـ وليس بنبيّ، في الاُمم السابقة وقص القرآن علينا خبرها.إذن لابد من مهدي مؤيد بالعلم والعصمة والمعجزة وليس بنبي وليس هو إلا المهدي علي الطرح الشيعي الذي يستوعب ما عجز عنه المهدي علي الطرح السنّي.يستوعب المهدي علي التصورالشيعي ظاهرة المسيح لأن هذا المهدي كان قد بشر به عيسي كما بشر بجده النبي (ص) وأبيه علي (ع)، وهو معصوم وارث لتراث النبوة الخاتمة الذي كتبه علي (ع) بيده وأملاه النبي (ص) عليه ووارث أيضاً لتراث النبوات الإسرائيلية الذي اجتمع عند عيسي ومنه انتقل عبر آخر أوصيائه إلي آباء النبي ثم إلي أبي طالب ثم إلي النبي ثم إلي علي والأئمة من ذريته. مضافاً إلي ذلك هو ملهم بهذا العلم كما اُلهم آباؤه من قبل، مضافاً إلي ذلك هو مؤيد بالخوارق التكوينية كما كان وصي سليمان آصف مؤيد بهايكن نبيّاً بل كان وصيّاً وارثاً للعلم وكذلك المهدي بن الحسن العسكري (ع).وإذا كان المهدي علي التصور الشيعي قادراً علي استيعاب ظاهرة عيسي (ع) وهو نبي ورسول وصار من جنوده وأنصاره ومؤيديه فهو علي استيعاب طوائف اُمة جده أقدر».2 ـ الطريق التأريخيويمكن تقريره بثلاثة بيانات:أ ـ إن التاريخ ـ وكما مرّ ـ قد شهد بولادة الإمام المهدي (ع) ولم يشهد بوفاته، مما يدل علي استمرار حياته، وحيث لا نتحسس وجوده ولا نشخص أحداً من الناس بعنوان أنه المهدي ابن الإمام الحسن العسكري، فلابد وأن تكون له حياة خفية غير ظاهرة للناس.ب ـ إن التاريخ قد شهد بحصول مشاهدات عينية متكررة للإمام المهدي (ع) في زمان غيبته، وقد أ لّفت في ذلك كتب مثل كتاب تبصرة الولي فيمن رآي القائم المهدي للسيد هاشم البحراني، وذكر الشيخ ابو طالب التجليل التبريزي في كتابه «من هو المهدي» 266 شخصاً ممن رأي الإمام المهدي في غيبته الصغري مع ذكر قصص أكثرهم، وخصص فصلاً لمن رأي الإمام في غيبته الكبري، وذكر عشرين كتاباً اورد أصحابها فيها القصص والأخبار التأريخية في ذلك، وهنا نحن نذكر قصة أوردها السيد صدر الدين الصدر في كتابه «المهدي» نقلاً عن الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه «طبقات العرفاء» في احوال الشيخ حسن العراقي:«قال: ترددت اليه مع سيدي أبي العباس الحريثي فقال: أتأذن لي أن احكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلي وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر فقلت له نعم فقال كنت شاباً من دمشق وكنت صانعاً وكنا نجتمع يوماً في الجمعة علي اللهو واللعب والخمر فجاءني التنبيه من الله تعالي يوماً ألهذا خلقت فتركت ماهم فيه وهربت منهم فتبعوا ورائي فلم يدركوني فدخلت جامع بني اُمية فوجدت شخصاً يتكلم علي الكرسي في شأن المهدي (ع) فاشتقت إلي لقائه فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالي أن يجمعني معه فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب اُصلي صلاة السنة وإذا بشخص جلس خلفي ومسح علي كتفي وقال لي: قد استجاب الله تعالي دعاءك يا ولدي مالك أنا المهدي. فقلت: تذهب معي إلي الدار، فقال: نعم، فذهب معي وقال: اخل لي مكاناً انفرد به فأخليت مكاناً فأقام عندي سبعة أيام بلياليها».وقال الشيخ علي بن عيسي الأربلي في كشف الغمة:«إن الناس ينقلون قصصاً وأخباراً في خوارق العادات للإمام المهدي (ع) يطول شرحها وأنا أذكر من ذلك قصتين قريب عهد بزماني وحدثني بها جماعة من ثقاة اخواني.الأولي: إنه كان في بلد الحلة بين الفرات ودجلة رجل اسمه إسماعيل بن الحسن قال اخواني حكي لنا إسماعيل أنه خرج علي فخذي الأيسر ثوثة مقدار قبضة الإنسان فعجزت الأطباء عن علاجها فجاء بغداد ورآه أطباء الأفرنج فقالوا لا علاج لها فتوجه إلي سامراء وزار الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ـ رضي الله عنهما ـ ونزل السرداب ودعا الله تعالي تضرعاً واستغاث بالإمام المهدي (ع) ثم مضي إلي دجلة فاغتسل ثم لبس ثوبه فرأي أربعة فرسان خارجين من باب سور البلد وواحد شيخ بيده رمح وشاب آخر عليه فرجية ملونة فصاحب الرمح يمين الطريق والشابان يسار الطريق والشاب صاحب الفرجية علي الطريق فقال له صاحب الفرجية: أنت تروح غداً إلي أهلك، فقا له: نعم، فقال صاحب الفرجية له تقدم اليّ حتي أبصر ما يوجعك فقدم إليه ومد يده إليه فعصر الثوثة بيده فأوجعه ثم استوي علي سرجه، فقال الشيخ صاحب الرمح: أفلحت يا إسماعيل هذا الإمام ثم ذهبوا وهو يمشي معهم، فقال الإمام: ارجع فقال لا اُفارقك ابداً فقال الإمام:المصلحة في رجوعك، فقال لا اُفارقك أبداً فقال الشيخ يا إسماعيل ما تستحي يقول لك الإمام ارجع مرتين فتخالفه فوقف وتقدم الإمام خطوات ثم التفت إليه وقال: يا إسماعيل اذا وصلت إلي بغداد فلابد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر بالله فإذا حضرت عنده واعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضا ليكتب لك إلي علي ابن عوض فإنني اُوحيه يعطيك الذي تريد ثم سار مع أصحابه فلم يزل قائماً يبصرهم حتي غابوا ثم قعد علي الأرض ساعة متأسفاً محزوناً وباكياً عن مفارقتهم ثم جاء إلي سامراء فاجتمع القوم حوله وقالوا نري وجهك متغيراً فما أصابك، فقال: هل عرفتم الفرسان الذين خرجوا من البلد وساروا ساحل الشط قالوا هم الشرفاء أرباب الغنم، فقال لهم بل هم الإمام واصحابه الشاب وصاحب الفرجية هو الإمام مس بيده المبارك مرضي فقالوا أرنيه، فكشف فخذه فلم يروا له أثراً فمزقوا ثيابه وادخلوه في خزانة ومنعوا الناس عنه لكيلا يزدحموا عليه، ثم إن الناظر من طرف الخليفة جاء الخزانة وسأله عن هذا الخبر وعن اسمه ونسبه ووطنه وعن خروجه من بغداد اول هذا الاسبوع ثم ذهب عنه. فبات إسماعيل في الخزانة وصلي الصبح وخرج مع الناس إلي أن بعُد من سامراء فرجع القوم ووادعوا فسار منفرداً حتي وصل موضع فرأي الناس مزدحمين علي القنطرة العتيقة يسألون عمن ورد عليهم عن اسمه ونسبه وموضع مجيئه فلما لاقوه عرفوه بالعلامات المذكورة فمزقوا ثيابه واخذوها تبركاً وكان الناظر كتب إلي بغداد وعرفهم الحال وكان الوزير طلب السعيد رضي الدين ليعرفه صحة الخبر فخرج رضي الدين الذي هو كان من أصدقاء إسماعيل وكان ضيفه قبل خروجه إلي سامراء فلما رآه رضي الدين وجماعة معه فنزلوا عن دابتهم وأراهم فخذه فلم يروا شيئاً فغشي علي رضي الدين ساعة ثم أخذه بيده وأدخله علي الوزير وهو يبكي ويقول: هذا أخي وأقرب الناس إلي قلبي فسأله الوزير عن القصة فحكاها له فأحضر الأطباء الذين رأوا مرضه وسألهم متي رأيتموه قالوا منذ عشرة أيام فكشف الوزير فخذ إسماعيل فليس فيها أثر قالوا هذا عمل المسيح (ع) فقال الوزير نحن نعرف من عملها ثم احضره الوزير عند الخليفة فسأله عن القصة فحكي له ما جري فأعطي له الف دينار فقال ما أجسر أن آخذ منه ذرّة فقال الخليفة ممن تخاف فقال من الذي فعل بي هذا قال لي لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً. فبكي الخليفة ثم قال علي بن عيسي كنت احكي هذه القصة لجماعة عندي وكان شمس الدين ولده حاضراً عندي لا أعرفه قال أنا ابنه من صلبه فقلت: هل رأيت فخذ أبيك وهي مجروحة؟ قال: إني كنت صبياً في وقت جراحة فخذه، ولكن سمعت القصة من أبي واُمي واقربائي وجيراني ورأيت فخذه بعدما صلحت ولا أثر فيها ونبت في موضعها شعر وقال أيضاً: سألت السيد صفي الدين محمد بن محمد ونجم الدين حيدر بن الأيسر اخبراني بصحة هذه القصة وإنهما رأيا إسماعيل في مرضه وصحته وحكي لي ولده أن أباه ذهب إلي سامراء بعد صحته أربعين مرة طمعاً أن يعود له الوقت الذي رآه.الثانية: حكي لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني أن أباه عطوة لا يعترف بوجود الإمام المهدي (ع) ويقول إذا جاء الإمام فيبرئني من هذا المرض أصدق قولهم ويكرر هذا القول فبينما نحن مجتمعون وقت العشاء الأخيرة صاح ابونا فأتيناه سراعاً فقال: إلحقوا الإمام في هذه الساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نر أحداً فجئنا إليه وقال أنه دخل اليّ شخص وقال: يا عطوة فقلت لبيك قال أنا المهدي قد جئت إليك أن اشفي مرضك ثم مد يده المبارك وعصر وركي وراح فصار مثل الغزال، قال علي بن عيسي سألت هذه القصة من غير ابنه فأقرّ بها».ومن هنا فقد آمن بعض الأعلام من أهل السنّة بحياته وبقائه أو هو لازم كلامهم. وقد ذكر السيد صدر الدين الصدر بعضهم فقال:«منهم: الشيخ محيي الدين العربي في الفتوحات علي رواية الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر الذي تقدم عيناً نقله عن كتاب اسعاف الراغبين، فان كون المهدي بن الحسن العسكري بلا فصل كما هو صريح كلامه مع وفاة الإمام الحسن العسكري في سنة مائتين وستين لازمه حياة المهدي وبقاؤه حتي يظهر أو أنه يموت ثم يحييه الله تعالي بقدرته. ولا أظن ان الشيخ محيي الدين يرضي بان ينسب إليه الاحتمال الأخير.ومنهم: الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر علي ما في اسعاف الراغبين (ص 157) حيث قال: المهدي بن الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلي أن يجتمع بعيسي بن مريم هكذا اخبرني الشيخ حسن العراقي عن الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه علي ذلك سيدي علي الخواص» انتهي.ومنهم: الشيخ أبو عبدالله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان علي ما نقله اسعاف الراغبين (ص 227) قال: «ومن الأدلة علي أن المهدي حيّ باق بعد غيبته إلي الآن وأنه لا امتناع في بقائه بقاء عيسي بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالي وبقاء الأعور الدجال وابليس اللعين من أعداء الله تعالي وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة» انتهي.ومنهم: الشيخ العارف الفاضل الخواجه محمد بارسا في كتابه فصل الخطاب علي ما في ينابيع المودّة (ص 451) بعد ان ذكر ولادة المهدي المنتظر وان الله تعالي آتاه الحكمة وفصل الخطاب في سن الطفولية كما منّ علي يحيي وعيسي بذلك قال: «وطوّل الله تبارك وتعالي عمره كما طوّل عمر الخضر (ع)». انتهي.ومنهم: الشيخ صدر الدين القونوي في بعض وصاياه لتلامذته عند موته علي ما في ينابيع المودة (ص 469) حيث قال: «إن الكتب التي كانت لي من كتب الطب وكتب الحكماء وكتب الفلاسفة فبيعوها وتصدقوا بثمنها للفقراء وأما كتب التفسير والأحاديث والتصوف فاحفظوها في دار الكتب واقرأوا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) سبعين ألف مرة في الليلة وبلّغوا مني سلاماً إلي المهدي (ع).» انتهي.أقول: يمكن أن يقال أن قوله ذلك لا يدل علي وجود المهدي وحياته إذ ربما قال ذلك برجاء أن يدركوا ظهوره، ولكن الأول أظهر.ومنهم: الشيخ سعد الدين الحموي علي ما في ينابيع المودّة (ص 474) نقلاً عن كتاب الشيخ عزيز بن محمد النسفي عند كلامه في ترتيب الأولياء وأن الله تعالي إختار في هذه الاُمة اثني عشر ولياً من أهل البيت فجعلهم خلفاء نبيّه المعظم (ص) إلي أن قال: «وأما آخر الأولياء الذي هو آخر خلفاء النبي والولي والنائب الثاني عشر وخاتم الأولياء فهو المهدي صاحب الزمان». انتهي.ومنهم: الشيخ شهاب الدين الهندي المعروف بملك العلماء في كتابه هداية السعداء علي ما في الدرر الموسوية، قال عند ذكره الأئمة الاثني عشر: التاسع يعني من ولد الحسين الإمام حجة الله القائم المهدي وهو غائب وله عمر طويل كما في المؤمنين عيسي وإلياس والخضر وفي الكافر الدجال والسامري. انتهي.ومنهم الشيخ الكامل الشيخ محمد المعروف بخواجه بارسا في حاشية له علي كتاب فصل الخطاب مضافاً إلي ما تقدم عنه علي ما في الدرر الموسوية، حيث قال: وبه (يعني بالمهدي) ختمت الخلافة والإمامة وهو إمام منذ وفاة أبيه إلي يوم القيامة وعيسي يصلي خلفه ويصدقه ويدعو الناس إلي ملته وهي ملة النبي (ص). انتهي.ومنهم: الشيخ المحدث الشهير ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري في شرح صحيح البخاري في كتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) قال: يتعين اعتقاد ما دلّت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر وهو الذي يخرج الدجال وينزل عيسي (ع) في زمنه وهو المراد حيث اطلق المهدي، وأما من قبله فليس واحد منهم هو المهدي المنتظر. انتهي. والشاهد قوله: من وجود المهدي المنتظر.ومنهم: غير واحد من الفضلاء والعرفاء فإن الذي يظهر من أشعارهم العربية والفارسية المذكورة في ينابيع المودّة وغيره من بعض كتب المناقب أنهم يرون حياة المهدي المنتظر وأنه حي يرزق لوصفهم له بالولاية والإمامة والخلافة والنيابة عن النبي (ص) وأنه الواسطة في الفيوضات الإلهية.ج ـ ونعتمد في تقريرالبيان الثالث علي ما كتبه السيد الشهيد محمدالصدر (ره) حيث كتب يقول:«إن الغيبة تجربة عاشتها اُمّة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغري، ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغري».الغيبة; لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً علي أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغري التي اختفي فيها الإمام المهدي عن المسرح العام، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوابه والثقات من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي.شَغَلَ مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة ممن أجمعت تلك القواعد علي تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها وهم كما يلي:1 ـ عثمان بن سعيد العمري.2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.3 ـ أبو القاسم الحسين بن روح.4 ـ أبو الحسن علي بن محمد السمري.وقد مارس هؤلاء الأربعةبتعيين من الإمام المهدي (ع).السمري هو آخر النواب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغري التي تتميز بنواب معينين، وابتداء الغيبة الكبري التي لا يوجد فيها أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحول من الغيبه الصغري إلي الغيبة الكبري عن تحقيق الغيبة الصغري لأهدافها وانتهاء مهمتها; لأنها حصّنت الشيعة بهذه العمليه التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة علي أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصينخط عام،والآن بإمكانك أن تقدّر المواقف في ضوء ما تقدم، لكي تدرك بوضوح أن المهدي حقيقة عاشتها اُمة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحدٌ، كل هذه المدة تلاعب في الكلام، أو تحايلاً في التصرف أو تهافتاً في النقل. فهل تتصور ـ بربّك أن بإمكان اُكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعة علي سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها، ويظلون يتعاملون علي أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشك، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟!لقد قيل قديماً: إنّ حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عملياً بحساب الاحتمالات أن تعيش اُكذوبة بهذا الشكل، وكل هذه المدة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثم تكسب ثقة جميع من حولها.وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغري يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات مالها من واقع موضوعي، والتسليم بالإمام القائد بولادتهعن المسرح ولم يكشف نفسه لأحدلكنها في الوقت نفسه تحث الإنسان المؤمن باتجاه التعقل والتدبّر المفضي في النتيجة إلي تصيّد الحِكَم المحتملة والأغراض الإنسانية التفصيلية المتوقعة في مختلف الجهات العقائدية والتشريعية من الإسلام.ونحن قد درسنا المسألة المهدوية من زاوية الدليل والبرهان، واتضح أن مفهوم مدرسة أهل البيت عن المهدوية بالقياس إلي مفهوم مدرسة المذاهب الأربعة عنها من ناحية الدليل والبرهان يمثل هذه المسألة في مستواها الأكمل والأتم.وكمالها في المجال العقائدي والبرهاني يقتضي ويؤدي بنا إلي الاعتقاد بكمالها في ما تقدمه من معطيات انسانية، والمفارقة التي تؤدي بالكثيرين إلي التشكيك وإثارة الشبهات حول مفهوم المهدوية عند أهل البيت تعود إلي أن هؤلاء لا ينظرون إلي زاوية الدليل والبرهان بقدر ما يركّزون علي الناحية الإنسانية التي تجعلهم يتساءلون:ما هي الثمرة المترتبة علي الاعتقاد بمفهوم عن المهدوية يتصف بمعاني غيبية غير مألوفة كالغيبة، والعمر الطويل، والإمامة المبكرة؟ وحينما لا يتوصلون إلي جواب كاف وتبقي الناحية الإنسانية لهذا المفهوم محاطة بالغموض والإبهام يدفعهم الجهل بها، والعجز عن تصورها إلي إنكار هذا المفهوم واتهامه بالغلو والخيال، والاستعاضة عنه بمفهوم آخر للمهدوية يخلو من هذه الأبعاد، ولا يتطلب كلفة غيبية كبيرة، دون أن يعلموا أ نّهم بعملهم هذا قد انتقلوا من الكمال إلي النقص، وأن اعتراضهم علي هذه الأبعاد الغيبية إنّما هو اعتراض علي الجوهر الغني لمفهوم المهدوية في الإسلام، فضلاً عن مخالفته للناحية المنطقية التي تقتضي في باب الاعتقاد متابعة الدليل والبرهان أينما إتجها، لا تحريفهما باتجاه ما تقتضيه الأهواء والأغراض والاعتقادات الشخصية.ولو أنهم تدبروا في مفهوم أهل البيت (ع) عن المهدوية لوجدوه في ناحيته الإنسانية أكمل من مفهوم مدرسة الخلفاء عنها، وقد تكفل السيد الشهيد الصدر ببيان هذه الناحية بياناً رائعاً حيث كتب يقول:«ونتناول الآن السؤال الثاني، وهو يقول: لماذا كل هذا الحرص من الله سبحانه وتعالي علي هذا الإنسان
القيمة العقائدية أو المعطي الإنساني لمفهوم المهدوية في مدرسة أهل البيت

العقائد سواءاً كانت أرضية تعود في نشأتها إلي الإنسان، أو سماوية تعود في منشأها إلي الله سبحانه وتعالي، لابد وأن يكون لها مدلول إنساني، فإن كانت أرضية فهي ناشئة من ظروف الإنسان ومعبّرة عن تطلعاته ورغبته في التوصل إلي حياة أفضل، وإن كانت سماوية فهي تجسد رحمة الله سبحانه وتعالي بالإنسان وحبّه له وحرصه علي إيصاله إلي ساحل السعادة، وهذا مما يقطع به المؤمن في أصل العقيدة الإسلامية سواء اتّضح له هذا المدلول الإنساني بنحو تفصيلي، أو بقيت تفاصيله مجملة مكنونة في طي الغيب.والإنسان يتعامل مع العقائد تارة عقلياً من زاوية الدليل والبرهان، واُخري حسياً من زاوية ما تحققه هذه العقائد من اغراض وما تقدمه من عطاء وحلول لمشاكل الإنسان في حياته اليومية. ومهما تكن هذه العقائد واضحة وأكيدة من زاوية الدليل والبرهان، فإن غموضها من الزواية الإنسانية يجعلها مورد شك وترديد أو ـ علي الأقل ـ نقطة غير فاعلة وغير مشعّة في النفس.والعقيدة الإسلامية كعقيدة سماوية ليس بوسعنا أن نتوقع منها أن تفصح عن اغراضها الإنسانية بنحو تفصيلي، لأن البيان التفصيلي يؤدي إلي تركيز الناحية الحسّية في الشخصية الإنسانية ويتنافي مع الشأن الأساسي للعقيدة المتمثل باجلاء الناحية العقلية وتركيز الناحية الروحية في الشخصية الإنسانية، ولذا فمن الطبيعي أن تكتفي هذه العقيدة ببيان الحد الأدني وبنحو كلّي لأغراضها الإنسانية، مثل قوله تعالي: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).بالذات، فتعطل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخص عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز علي الساحة ويمارس دوره المنتظر.وبكلمة اُخري: ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما المبرر لها؟وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جوابا غيبيا، فنحن نؤمن بأن الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدةاجتماعي للموقف، علي ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبري نفسها والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود.وعلي هذا الاساس نقطع النظر مؤقتا عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها في هؤلاء الائمة المعصومينونطرح السؤال التالي:إننا بالنسبة إلي عملية التغيير المرتقبة في اليوم الموعود، بقدر ما تكون مفهومة علي ضوء سنن الحياة وتجاربها، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدّخر عاملاً من عوامل إنجاحها، ويمكنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر؟ونجيب عن ذلك بالإيجاب، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي:إن عملية التغيير الكبري تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور.. بالتفوق والاحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعد للقضاء عليها، وتحويلها حضارياً إلي عالم جديد.فبقدر ما يعمر قلب القائد المغير من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها، واحساس واضح بأنها مجرد نقطة علي الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسيةوجهها ومواصلة العمل ضدها حتي النصر.ومن الواضح أن الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان اكبر ولحضارة ارسخ واشمخ تطلبت زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم وبالجور، تغييراً شاملاً بكل قِيَمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدال حضارة العدل والحق بها ; لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها ; لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبارة، وفتح عينيه علي الدنيا فلم يجد سوي أوجهها المختلفة.وخلافاً لذلك، شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن تري تلك الحضارة النور، ورأي الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الاُخري ثم تداعت وانهارت،ثم رأي الحضارة التي يقدر لها أن تكون الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبين.ثم شاهدها وقد اتخذت مواقعها في احشاء المجتمع البشري تتربص الفرصة لكي تنمو وتظهر..ثم عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة اُخري..ثم واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج علي مقدرات عالم بكامله، فإن شخصاً من هذا القبيل عاش كل هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين ينظر إلي هذا العملاق ـ الذي يريد أن يصارعه ـ من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسه لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا كما كان ينظر (جان جاك روسو) بدون ملك، علي الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكرياً وفلسفياً إلي تطوير الوضع السياسي القائم وقتئذ; لأن (روسو) هذا نشأ في ظل الملكية، وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغل في التاريخ، فله هيبة التاريخ، وقوة التاريخ، والشعور المفعم بأن ما حوله من كيان وحضارة وليد يوم من أيام التاريخ، تهيأت له الأسباب فوجد، وستتهيأ الأسباب فيزول، فلا يبقي منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد، وأن الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلاّ أيّاماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل.هل قرأت سورة الكهف؟وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدي؟ولا يتردد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودبّ إليها اليأس وسدت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلي الكهف يطلبون من الله حلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحق ويصفي كل من يخفق قبله للحق.هل تعلم ماذا صنع الله تعالي بهم؟إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنينبعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوته وظلمه قد تداعي وسقط، وأصبح تاريخاً لا يرعب أحداً ولا يحرك ساكناً، كل ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوته واستمراره، ويروا إنتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.ولئن تحققت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكل ما تحمل من زخم وشموخ نفسيين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدد حياتهم ثلاثمائة سنة، فإن الشيء نفسه يتحقق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم والشجرة الباسقة وهي بذرة، والاعصار وهو مجرد نسمةاضف إلي ذلك، أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود ; لأنها تضع الشخص المدخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر علي تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل علي أسبابها، وكل ملابساتها التاريخية.ثم إن عملية التغيير المدخرة للقائد المنتظر تقوم علي أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الاُولي، قد بنيت شخصيته بناءاً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة التي يقدر لليوم الموعود أن يحاربها.وخلافاً لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح افكاره ومشاعره في إطارها، فإنه لا يتخلص غالبا من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييرية ضدها.فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدخر بالحضارة التي اُعد لاستبدالها، لا بد أن تكون شخصيته قد بنيت بناءاً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلي الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلي تحقيقها بقيادته».ثم يطرح سماحته (ره) بعد ذلك سؤالاً آخراً مرتبط بالناحية الانسانية من العقيدة المهدوية وهو لماذا لم يظهر القائد العالمي طيلة هذه المدة؟ وإذا كان قد أعد نفسه للعمل الاجتماعي، فما الذي منعه عن الظهور علي المسرح في فترة الغيبة الصغري أو في اعقابها بدلاً عن تحويلها إلي غيبة كبري حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري وقتئذ أبسط وأيسر، وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغري تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قوية، ولم تكن القوي الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي والصناعي؟«والجواب: أن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتي لها أن تحقق هدفها إلاّ عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء علي الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعيةالموضوعية، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف. ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتي أنزلت آخر رسالاتها علي يد النبي محمد (ص) ; لأن الإرتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها علي الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.فبالنسبة إلي عملية التغيير التي قادها ـ مثلاً ـ لينين في روسيا بنجاح، كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الاُولي وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل اُخري جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلاً في سفره الذي تسلل فيه إلي داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها علي الظهور السريع علي المسرح.وقد جرت سنة الله تعالي التي لا تجد لها تحويلاً في عمليات التغيير الرباني علي التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاح عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلاّ بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قروناً من الزمن.الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب،العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب، والمناخ الملائم لعملية التغيير علي العموم قد تكون بالصورة الطبيعية ووفقا للظروف الموضوعية.وعلي هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي (ع) لنجد أن عملية التغيير التي اُعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي اخري بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقاً لذلك.ومن المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل إجتماعي محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر علي هذا الجزء من العالم أو ذاك; لأن رسالته التي ادخر لها من قبل الله ـ سبحانه وتعالي ـ هي تغيير العالم تغييراً شاملاً، وإخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلي نور العدل،الكبري هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلاّ لتمت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً، وجواً عاماً مساعداً، يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكون ويترسخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بني، مدركاً حاجته إلي العون، ملتفتاً بفطرته إلي الغيب أو إلي المجهول.ومن الناحية المادية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغري علي إنجاز الرسالة علي صعيد العالم كله، وذلك بما تحققه من تقريب المسافات، والقدرة الكبيرة علي التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها علي أساس الرسالة الجديدة.وأما ما اُشير إليه في السؤال من تنامي القوي والأداة العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما أجل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوي والأدوات؟ وكم من مرة في التاريخ إنهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية ; لأنه كان منهاراً قبل ذلك، وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلي واقعه» انتهي ما أفاده (ره).وبإمكاننا أن نتناول المعطي الإنساني للمهدوية في مفهوم أهل البيت (ع) من زاوية اُخري.فنقول: إن الاعتقاد بمهدوية غائبة عن الأنظار لكنها حية ومؤثرة في مجريات الأحداث لصالح الجماعة المؤمنة، وهي تحمل كل خصائص الإمامة من العصمة والنص النبوي والكمال العلمي والعملي، من شأنه أن يشيع في المجتمع أجواء هذه الإمامة ونفحاتها المعنوية والروحية الرفيعة، ويشبع الإنسان باحساس طيب بتواصل الصلة بين الأرض والسماء، واستمرار الرعاية السماوية للأرض، وتحويل ذلك إلي معان محسوسة أكثر فاعلية في النفس، بعد ما كانت في اُصولها العقائدية معان معقولة، ويكرس في الساحة الاجتماعية والسياسية حاكمية التوحيد، ويجعلها حاكمية قريبة من الحسّ الإنساني، بوصف أن المهدوية الغائبة ليست شخصاً عادياً وإنما هي الإمام الثاني عشر المعين سماوياً ليشغل موقع الإمامة حتي نهاية التاريخ، صحيح أن الناس لا يباشرونه حسياً، لكن الاعتقاد بكونه حقيقة حسية يقصر احساسنا عن ادراكها يجعل النفس في حالة تفاعل روحي إيجابي مع خط الإمامة الإلهية المعصومة بما هو تعبير وامتداد لحاكمية التوحيد في الأرض.ويشتد هذا التفاعل أكثر حينما تعبر المهدوية المعصومة الغائبة عن نفسها تعبيراً سياسياً بارزاً من خلال مبدأ النيابة الخاصة في فترة الغيبة الصغري ومبدأ النيابة العامة للفقهاء في فترة الغيبة الكبري كقيادة سياسية شرعية للمجتمع الإسلامي بما يحفظ للإمامة موقعها السامي كمشرف يراقب التجربة السياسية والاجتماعية وينصرها، وكمنبع يمدها بالشرعية حينما يجدها متطابقة مع الإسلام.ومن مجموع هذه البيانات يتجلي بوضوح معني الكمال فيما يقدمه المفهوم المهدوي عند أهل البيت (ع) من معطي إنساني وهو معطي ينسجم تماماً مع جوهر الفكرة المهدوية، فإن المهدوية المعصومة الغائبة مهدوية متحركة ومؤثرة وإيجابية بالنسبة إلي الواقع الإنساني بينما المهدوية في مفهوم أهل السنة ليس لها تأثير في الواقع الإنساني، وهي ليست أكثر من تنبؤ مستقبلي. وكأن مهدوية أهل البيت (ع) تتكفل بتحقيق ما تعد به من خلال تحريك الواقع الإنساني والتفاعل الإيجابي معه.وهذا بذاته خير ما يوضح المعني الإيجابي لمفهوم الإنتظار، فإن إنتظار الفرج ليس سكوتاً وانهزاماً، وإنما هو روح إيجابية فعالة باتجاه التغيير المطلوب مهدوياً.
خلاصة البحوث

وفي نهاية المطاف يمكننا استخلاص نتائج البحث بالنقاط التالية:1 ـ إن الدين هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإنسانية، والإسلام هو التعبير الأكمل عن الحقائق الدينية، والتشيّع هو التعبير الأكمل عن الحقائق الإسلامية وبالتالي، فمهدوية أهل البيت (ع) هي أكمل تعبير عن أصل المهدوية الذي أجمع المسلمون علي الاعتقاد به.2 ـ ان جوهر الفرق بين مهدوية أهل البيت (ع) ومهدوية الجمهور من علماء المسلمين يعود الي مسألة الإمامة، فالمهدي في مدرسة أهل البيت (ع) هو الإمام الثاني عشر (ع)، بينما هو في مدرسة الجمهور مسألة مستقبلية صرفة؟3 ـ ولماكانت المسألة المهدوية عند أهل البيت (ع) هي مسألة الإمام الثاني عشرالذي لا إمام للبشرية بعده، من هنا فقد اتّصف المفهوم المهدوي عندهم (ع) بثلاث خصائص هي: ولادة الإمام المهدي (عج)بنحو سرّي ومكتوم، وإمامته المبكرة، وغيبته المستلزمة لعمر مفتوح مع امتداد الزمن، وهذه الخصائص ثابتة بثبوت أصل الإمامة الاثني عشرية المعصومة الذي تفرعت عليه، فضلاً عن الأدلة التفصيلية التي كتبتها واحدة بعد الاُخري.4 ـ إن هذه الخصائص الثلاثة ليست ثابتة بأدلة عقائدية وعقلية ووجدانية كافية ولا يلزم منها أي ايراد عقلي أو ديني فقط، وإنّما هي التي تمنح معني الكمال للمفهوم المهدوي وتجعله مفهوماً ذا قيمة عقائدية ومعطيات انسانية عالية وخلاّقة علي الساحة الاجتماعيه تتكامل وتنسجم مع معطيات أصل الدين في الحياة الإنسانية.
تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.
/ 1