ان اليقين والشك في كل موضوع أو مسألة على نحوين أحدهما منطقي والآخر نفسي.
وينشأ المنطقي منهما نتيجة وضوح الأشياء والموضوعات والأحكام أو عدم وضوحها وعن ظهور المبادئ التصورية والتصديقية، فإذا ما اتضح أمر ما أو كان جلياً أو مبرهناً ومبيّناً إذ ذاك يحصل اليقين في نفس الإنسان، أما إذا وقعت حالة الإبهام في الموضوع أو الحكم، أو هيمنت حالة الاحتمال على المبادئ التصورية أو التصديقية حينذاك تبرز حالة الشك في نفس الإنسان.
أما النفسي من حالتي الشك واليقين فإنه يتعلق بالعناصر الداخلية والحالات النفسية للإنسان قبل ان يكون مرتبطاً بالأشياء والمسائل الخارجية، من هنا ربما يراود الشك المرء في قضية هي في غاية الوضوح والجلاء بالنسبة للآخرين، أو انه يرى يقينية وقطعية موضوع ما يلفه الغموض وموضع شك لدى الآخرين، والمطروح في مجال علم أصول الفقه تحت عنوان قطع القطّاع غالبا أما يكون من سنخ القطع النفسي لا المنطقي، وان ما يرد في علم الفقه تحت عنوان كثير الشك إنما هو الشك النفس الذي مرده الطبيعة النفسية للإنسان الشكاك.
من البديهي ان للبحث والحوار العلمي ـ ومن ضمنه ما يرد في هذا الفصل ـ تأثيره في دائرة البعد المنطقي من الشك واليقين ولا مجال له للتأثير في دائرة النفسي منها وذلك لتبعية الأوليين لعللهما الخاصة سواء في الوجود أو العدم.
وهذا الفصل ـ باعتباره فصل الختام ـ يأتي للرد على الاستفسارات والشبهات التي تثار أو ربما تثار حول ولاية الفقيه والحكومة الدينية، وهو يقدم صورة شاملة عن القضية ويميط اللثام عن مغالطات التصورات الإفراطية والتفريطية، والتصورات التي تظهر ولاية الفقيه على أنها تستدعي محجورية الأمة أو أنها زائدة على مبادئ القانون الأساسي، وكذلك التصورات التي ترى استحالة الجمع بين ولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية وتفسير ولاية الفقيه بأنها وكالة الفقه أو هي حالة وسطية بين الحكومة الإسلامية وسائر الحكومات في الشرق أو الغرب.
فلا نرى فارقاً يذكر بينها إلى غير ذلك .
القسم الأول الحكومة الدينية، الحكومة الإسلامية 1ـ هل الزعامة الدينية تمثل جانباً من النبوة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا لم يقم بعض الأنبياء الحكم؟ الجواب: نظراً لإقامة الدليل العقلي على ضرورة النبوة العامة، وكان محور ذلك البرهان بالإضافة إلى تهذيب النفوس وتركيزها وتنظيم علاقة الإنسان بنفسه ومع خالقه والعالم الخارجي المحيط به، هو إقامة نظام الحكم الذي يسود المجتمع في ضوء التعاليم الإلهية، بناء على ذلك فإنّ القيادة والزعامة السياسية للمجتمع أخذت في الحسبان في النبوة، وذلك لاستحالة مواصلة المجتمع لحياته عن طريق التعليم والإرشاد فقط دون الجهاد والدفاع وإقامة الحدود وتنظيم العلاقات الدولية .
ان النبوة ضرورية لكمال الحياة الإنسانية، ولو ان شخصاً واحدا فقط كان على ظهر الأرض فإنه يحتاج إلى الوحي وان خلا ذلك الوحي من الأوامر الحكومية، أما إذا عاش أكثر من فرد على ظهر الأرض فإنهما يصبحان بحاجة ماسة إلى قانون مدون وحكم لغرض تنظيم العلاقات الاجتماعية.
وربما يتعذر على نبي ما الإمساك بزمام الأمور في ظل ظروف معينة كما هو شأن الرسول الأكرم ص على مدى السنوات الأولى من بعثته، حيث لم يستطع ص إقامة الحكومة وقتذاك، وقد يتولى أحد الأنبياء زمام الأمور في عصر ما ويخضع لسلطته أنبياء آخرون تكون مهمتهم تبليغ التعاليم الدينية، دون ان يكون لديهم الإذن بإقامة حكومة مستقلة على حدة، كما هو الحال بالنسبة لنبي الله لوط ع حيث كان يخضع في نبوته لنبوة إبراهيم ع (فآمن له لوط) ولم تكن لديه حكومة مستقلة، وذلك مما لا يستبطن أي محذور لأن نبوة مثل هؤلاء تمثّل قبسا من نبوة تخلو من الحكومة سواء على نحو الاستقلال أو التبعية، ففي المثال المتقدم، كان النبي لوط ع يدير الحياة السياسية والاجتماعية له ولغيره في إطار محيطه في ظل حكومة النبي إبراهيم ع.
من هنا فقد ورد تواجد الأنبياء عليهم السلام في الميادين السياسية والاجتماعية وزعامتهم على نحو الموجبة الجزئية في القرآن الكريم: (وكأيّن من نبي قاتل معه ربيِّون كثير).
أما إذا لم يرد التصريح في القرآن الكريم بشأن كل من نوح وعيسى (عليهم السلام) وطائفة أخرى من الأنبياء (عليهم / 69