بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
وصیة الإمام الکاظم ( علیه السلام ) لهشام بن الحکم حول العقل
قال ( علیه السلام ) : ( إنّ الله تبارک وتعالى بشّر أهل العقل والفهم فی کتابه ، فقال : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِینَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) الزمر : 17 ـ 18 . یا هشام : بن الحکم إنّ الله عزّ وجل أکمل للناس الحجج بالعقول ، وأفضى إلیهم بالبیان ، ودلّهم على ربوبیته بالأدلاّء ، فقال : ( وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِیفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة : 163 ـ 164 . یا هشام : قد جعل الله عزّ وجل ذلک دلیلاً على معرفته ، بأنّ لهم مدبّراً ، فقال : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) النحل : 12 . وقال : ( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِینِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الزخرف : 1 ـ 3 . وقال : ( وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِیكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِی بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِی ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) الروم : 24 . یا هشام : ثمّ وعّظ أهل العقل ورغّبهم فی الآخرة ، فقال : ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِینَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) الأنعام : 32 . وقال : ( وَمَا أُوتِیتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِینَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) القصص : 60 . یا هشام : ثمّ خوَّف الذین لا یعقلون عذابه ، فقال عزّ وجل : ( ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِینَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الصافات : 136 ـ 138 . یا هشام : ثمّ بيّن أنّ العقل مع العلم ، فقال : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) العنکبوت : 43 . یا هشام : ثمّ ذمّ الذین لا یعقلون ، فقال : ( وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) البقرة : 170 . وقال : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِینَ لاَ يَعْقِلُونَ ) الأنفال : 22 . وقال : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) لقمان : 25 . ثمّ ذم الکثرة ، فقال : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِی الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ اللّهِ ) الأنعام : 116 ، وقال : ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) الأنعام : 37 . یا هشام : ثمّ مدح القلّة ، فقال : ( وَقَلِیلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ : 13 . وقال : ( وَقَلِیلٌ مَّا هُمْ ) ص : 24 . وقال : ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِیلٌ ) هود : 40 . یا هشام : ثمّ ذکر أولی الألباب بأحسن الذکر ، وحلاّهم بأحسن الحلیة ، فقال : ( يُؤتِی الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِیرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) البقرة : 269 . یا هشام : إنّ الله یقول : ( إِنَّ فِی ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) ـ ق : 37 ـ یعنی العقل . وقال : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) ـ لقمان : 12 ـ قال : الفهم والعقلَ . یا هشام : إنّ لقمان ، قال لابنه : تواضع للحق تکن أعقلَ الناس ، یا بنيّ إنّ الدنیا بحرٌ عمیقٌ قد غرق فیه عالم کثیر ، فلتکن سفینتک فیها تقوى الله ، وحشوها الإیمان ، وشراعها التوكّل ، وقیمتها العقل ، ودلیلها العلم ، وسكّانها الصبر . یا هشام : لکل شیء دلیل ، ودلیل العاقل التفكّر ، ودلیل التفكّر الصمت ، ولکل شیء مطيّة ، ومطيّة العاقل التواضع ، وکفى بک جهلاً ، أن ترکب ما نُهیت عنه . یا هشام : لو کان فی یدک جوزة ، وقال الناس : لؤلؤة ما کان ینفعک ، وأنت تعلم أنّها جوزة ، ولو کان فی یدک لؤلؤة ، وقال الناس : أنّها جوزة ، ما ضرّک وأنت تعلم أنّها لؤلؤة . یا هشام : ما بعث الله أنبیاءه ورسله إلى عباده إلاّ لیعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأعقلهم أرفعهم درجة فی الدنیا والآخرة . یا هشام : ما من عبد إلاّ وملک آخذ بناصیته ، فلا یتواضع إلاّ رفعه الله ، ولا یتعاظم إلاّ وضعه الله . یا هشام : إنّ لله على الناس حجّتین ، حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبیاء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول . یا هشام : إنّ العاقل ، الذی لا یشغل الحلال شکره ، ولا یغلب الحرام صبره . یا هشام : من سلّط ثلاثاً على ثلاث ، فکأنّما أعانَ هواه على هدم عقله : من أظلم نور فکره بطول أمله ، ومحا طرائف حکمته بفضول کلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فکأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد علیه دینه ودنیاه . یا هشام : کیف یزکو عند الله عملک ، وأنت قد شغلت عقلک عن أمر ربّک ، وأطعت هواک على غلبة عقلک . یا هشام : الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله تبارک وتعالى اعتزل أهل الدنیا والراغبین فیها ، ورغب فیما عند ربّه ـ وکان الله ـ آنسه فی الوحشة وصاحبه فی الوحدة ، وغناه فی العیلة ، ومعزّه فی غیر عشیرة . یا هشام : نصب الخلق لطاعة الله ، ولا نجاة إلاّ بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلّم ، والتعلّم بالعقل یعتقد ، ولا علم إلاّ من عالم ربانی ، ومعرفة العالم بالعقل . یا هشام : قلیل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وکثیر العمل من أهلِ الهوى والجهل مردود . یا هشام : إنّ العاقل رضی بالدّون من الدنیا مع الحکمة ، ولم یرض بالدّون من الحکمة مع الدنیا ، فلذلک ربحت تجارتهم . یا هشام : إن کان یغنیک ما یکفیک ، فأدنى ما فی الدنیا یکفیک ، وإن کان لا یغنیک ما یکفیک ، فلیس شیء من الدنیا یغنیک . یا هشام : إنّ العقلاء ترکوا فضول الدنیا فکیف الذنوب ، وترک الدنیا من الفضل ، وترک الذنوب من الفرض . یا هشام : إنّ العقلاء زهدوا فی الدنیا ، ورغبوا فی الآخرة ، لأنّهم علموا أنّ الدنیا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنیا حتّى یستوفی منها رزقه ، ومن طلب الدنیا طلبته الآخرة ، فیأتیه الموت فیفسد علیه دنیاه وآخرته . یا هشام : من أراد الغنى بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة فی الدین ، فلیتضرّع إلى الله فی مسألته ، بأن يُکمل عقله ، فمن عقل قنع بما یکفیه ، ومن قنع بما یکفیه استغنى ، ومن لم یقنع بما یکفیه لم يُدرک الغنى أبداً . یا هشام : إنّ الله جلّ وعزّ حکى عن قوم صالحین ، أنّهم قالوا : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) ـ آل عمران : 8 ـ حین علموا أنّ القلوب تزیغ وتعود إلى عماها ورداها ، إنّه لم یخف الله من لم یعقل عن الله ، ومن لم یعقل عن الله لم یعقد قلبه على معرفة ثابتة يُبصرها ویجد حقیقتها فی قلبه ، ولا یکون أحدٌ کذلک إلاّ من کان قوله لفعله مصدِّقاً ، وسرّه لعلانیته موافقاً ، لأنّ الله لم یدلّ على الباطن الخفی من العقل إلاّ بظاهر منه وناطق عنه . یا هشام : کان أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ، یقول : ما من شیء عبد الله به أفضل من العقل ، وما تمّ عقل امرأ حتّى یکون فیه خصال شتّى ، الکفر والشر منه مأمونان ، والرشد والخیر منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مکفوف ، نصیبه من الدنیا القوت ، ولا یشبع من العلم دهره ، الذلّ أحب إلیه مع الله من العزّ مع غیره ، والتواضع أحبّ إلیه من الشرف ، یستکثر قلیل المعروف من غیره ، ویستقل کثیر المعروف من نفسه ، ویرى الناس کلّهم خیراً منه ، وأنّه شرّهم فی نفسه ، وهو تمام الأمر . یا هشام : من صدق لسانه زکى عمله ، ومن حسنت نيّته زید فی رزقه ، ومن حسن برّه بإخوانه وأهله مدّ فی عمره . یا هشام : لا تمنحوا الجهّال الحکمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم . یا هشام : کما ترکوا لکم الحکمة ، فاترکوا لهم الدنیا . یا هشام : لا دین لمن لا مروّة له ، ولا مُرُوّة لمن لا عقل له ، وأنّ أعظم الناس قدراً الذی لا یرى الدنیا لنفسه خطراً ، أمّا إنّ أبدانکم لیس لها ثمن إلاّ الجنّة ، فلا تبیعوها بغیرها . یا هشام : إنّ أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) کان یقول : لا یجلس فی صدر المجلس إلاّ رجل فیه ثلاث خصال : یجیب إذا سئل ، وینطق إذا عجز القوم عن الکلام ، ویشیر بالرأی الذی فیه صلاح أهله ، فمن لم یکن فیه شیء منهنّ ، فجلس فهو أحمق . وقال الحسن بن علی ( علیهما السلام ) : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ، قیل : یا ابن رسول الله ومن أهلها ؟ قال : الذین قصّ الله فی کتابه وذکرهم ، فقال : ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) ـ الزمر : 12 ـ قال : هم أولوا العقول . وقال علی بن الحسین ( علیهما السلام ) : مجالسة الصالحین داعیة إلى الصلاح ، وأدب العلماء زیادة فی العقل ، وطاعة ولاة العدل تمام العز ، واستثمار المال تمام المروة ، وإرشاد المستشیر قضاء لحق النعمة ، وکف الأذى من کمال العقل ، وفیه راحة البدن عاجلاً وآجلاً . یا هشام : إنّ العاقل لا یحدّث من یخاف تکذیبه ، ولا یسأل من یخاف منعه ، ولا یعد ما لا یقدر علیه ، ولا یرجو ما یعنّف برجائه ، ولا یتقدّم على ما یخاف العجز عنه . وکان أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) یوصی أصحابه ، یقول : أوصیکم بالخشیة من الله فی السر والعلانیة ، والعدل فی الرضا والغضب ، والاکتساب فی الفقر والغنى ، وأن تصلوا من قطعکم ، وتعفوا عمّن ظلمکم ، وتعطفوا على من حرمکم ، ولیکن نظرکم عبراً ، وصمتکم فکراً ، وقولکم ذکراً ، وطبیعتکم السخاء ، فإنّه لا یدخل الجنّة بخیل ، ولا یدخل النار سخی . یا هشام : رحم الله من استحیا من الله حق الحیاء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذکر الموت والبلى ، وعلم أنّ الجنّة محفوفة بالمکارة ، والنار محفوفة بالشهوات . یا هشام : من کفّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته یوم القیامة ، ومن کفّ غضبه عن الناس ، کفّ الله عنه غضبه یوم القیامة . یا هشام : إنّ العاقل لا یکذب ، وإن کان فیه هواه . یا هشام : وجد فی ذؤابة سیف رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : إنّ أعتى الناس على الله من ضرب غیر ضاربه ، وقتل غیر قاتله ، ومن تولّى غیر موالیه فهو کافر بما أنزل الله على نبيّه محمّد ( صلى الله علیه وآله ) ، ومن أحدث حدثاً ، أو آوى محدثاً لم یقبل الله منه یوم القیامة صرفاً ولا عدلاً . یا هشام : أفضل ما یتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به الصلاة ، وبرّ الوالدین ، وترک الحسد والعجب والفخر . یا هشام : أصلح أيّامک الذی هو أمامک ، فانظر أی یوم هو وأعدّ له الجواب ، فإنّک موقوف ومسؤول ، وخذ موعظتک من الدهر وأهله ، فإنّ الدهر طویلة قصیرة ، فاعمل کأنّک ترى ثواب عملک لتکون أطمع فی ذلک ، واعقل عن الله وانظر فی تصرّف الدهر وأحواله ، فإنّ ما هو آت من الدنیا ، کما ولّى منها ، فاعتبر بها . وقال علی بن الحسین ( علیهما السلام ) : إنّ جمیع ما طلعت علیه الشمس فی مشارق الأرض ومغاربها ، بحرها وبرّها ، وسهلها وجبلها ، عند وليّ من أولیاء الله ، وأهل المعرفة بحق الله کفیء الظلال ـ ثمّ قال ( علیه السلام ) : أَوَلا حرّ یدع هذه اللمّاظة لأهلها ـ یعنی الدنیا ـ فلیس لأنفسکم ثمن إلاّ الجنّة ، فلا تبیعوها بغیرها ، فإنّه من رضی من الله بالدنیا ، فقد رضی بالخسیس . یا هشام : إنّ کل الناس یبصر النجوم ، ولکن لا یهتدی بها ، إلاّ من یعرف مجاریها ومنازلها ، وکذلک أنتم تدرسون الحکمة ، ولکن لا یهتدی بها منکم إلاّ من عمل بها . یا هشام : إنّ المسیح ( علیه السلام ) قال للحوّاریین : یا عبید السوء یهولکم طول النخلة ، وتذکرون شوکها ومؤونة مراقیها ، وتنسون طیب ثمرها ومرافقها ، کذلک تذکرون مؤونة عمل الآخرة ، فیطول علیکم أمده ، وتنسون ما تفضون إلیه من نعیمها ونورها وثمرها . یا عبید السوء نقّوا القمح وطيّبوه ، وأدقّوا طحنه تجدوا طعمه ویهنئکم أکله ، کذلک فأخلصوا الإیمان وأکملوه ، تجدوا حلاوته وینفعکم غبّه بحقّ أقول لکم : لو وجدتم سراجاً یتوقّد بالقطران فی لیلة مظلمة لاستضأتم به ، ولم یمنعکم منه ریح نتنه ، کذلک ینبغی لکم أن تأخذوا الحکمة ممّن وجدتموها معه ، ولا یمنعکم منه سوء رغبته فیها . یا عبید الدنیا بحق أقول لکم : لا تدرکون شرف الآخرة إلاّ بترک ما تحبّون ، فلا تنظروا بالتوبة غداً ، فإنّ دون غد یوماً ولیلةً ، وقضاء الله فیهما یغدوا ویروح . بحقّ أقول لکم : إنّ من لیس علیه دین من الناس أروح وأقل همّاً ممّن علیه الدین ، وإنّ أحسن القضاء ، وکذلک من لم یعمل الخطیئة أروح همّاً ممّن عمل الخطیئة ، وإن أخلص التوبة وأناب ، وإنّ صغار الذنوب ومحقّراتها من مکائد إبلیس ، یحقّرها لکم ویصغّرها فی أعینکم ، فتجتمع وتکثر فتحیط بکم . بحقّ أقول لکم : إنّ الناس فی الحکمة رجلان : فرجلٌ أتقنها بقوله وصدّقها بفعله ، ورجل أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله ، فشتّان بینهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وویل للعلماء بالقول . یا عبید السوء اتّخذوا مساجد ربّکم سجوناً لأجسادکم وجباهکم ، واجعلوا قلوبکم بیوتاً للتقوى ، ولا تجعلوا قلوبکم مأوىً للشهوات . إنّ أجزعکم عند البلاء لأشدّکم حبّاً للدنیا ، وإنّ أصبرکم على البلاء لأزهدکم فی الدنیا . یا عبید السوء لا تکونوا شبیهاً بالحداء الخاطفة ، ولا بالثعالب الخادعة ، ولا بالذئاب الغادرة ، ولا بالأُسُد العاتیة کما تفعل بالفرائس ، کذلک تفعلون بالناس ، فریقاً تخطفون ، وفریقاً تخدعون ، وفریقاً تغدرون بهم . بحق أقول لکم : لا یغنی عن الجسد أن یکون ظاهره صحیحاً ، وباطنه فاسداً ، کذلک لا تغنی أجسادکم التی قد أعجبتکم وقد فسدت قلوبکم ، وما یغنی عنکم أن تنقّوا جلودکم وقلوبکم دنسه ، لا تکونوا کالمنخل یخرج منه الدقیق الطيّب ، ویمسک النخالة ، کذلک أنتم تخرجون لحکمة من أفواهکم ، ویبقى الغلّ فی صدورکم . یا عبید الدنیا إنّما مثلکم مثل السراج ، یضیء للناس ویحرق نفسه ، یا بنی إسرائیل زاحموا العلماء فی مجالسهم ، ولو جثوّاً على الرکب ، فإنّ الله یحیی القلوب الميّتة بنور الحکمة ، کما یحیی الأرض الميّتة بوابل المطر . یا هشام : مکتوب فی الإنجیل : طوبى للمتراحمین ، أولئک المرحمون یوم القیامة ، طوبى للمصلحین بین الناس ، أولئک هم المقرّبون یوم القیامة ، طوبى للمطهّرة قلوبهم ، أولئک هم المتّقون یوم القیامة ، طوبى للمتواضعین فی الدنیا ، أولئک یرتقون منابر الملک یوم القیامة . یا هشام : قلّة المنطق حکم عظیم ، فعلیکم بالصمت ، فإنّه دعة حسنة ، وقلّة وزر ، وخفّة من الذنوب ، فحصّنوا باب الحلم ، فإنّ بابه الصبر ، وإنّ الله عزّ وجلّ یبغض الضحّاک من غیر عجب ، والمشّاء إلى غیر أرب ، ویجب على الوالی أن یکون کالراعی ، لا یغفل عن رعیته ، ولا یتکبّر علیهم . فاستحیوا من الله فی سرائرکم ، کما تستحیون من الناس فی علانیتکم ، واعلموا أنّ الکلمة من الحکمة ضالّة المؤمن ، فعلیکم بالعلم قبل أن یرفع ، ورفعه غیبة عالمکم بین أظهرکم . یا هشام : تعلّم من العلم ما جهلت ، وعلّم الجاهل ممّا علّمت ، عظّم العالم لعلمه ، ودع منازعته ، وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ، ولکن قرّبه وعلّمه . یا هشام : إنّ کل نعمة عجزت عن شکرها بمنزلة سیئة تؤاخذ بها ، وقال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : إنّ لله عباداً کسرت قلوبهم خشیته فأسکتتهم عن المنطق ، وإنّهم لفصحاء عقلاء ، یستبقون إلى الله بالأعمال الزکیة ، لا یستکثرون له الکثیر ، ولا یرضون لهم من أنفسهم بالقلیل ، یرون فی أنفسهم أنّهم أشرار ، وأنّهم لأکیاس وأبرار . یا هشام : الحیاء من الإیمان ، والإیمان فی الجنّة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء فی النار . یا هشام : المتکلّمون ثلاثة : فرابح وسالم وشاجب ، فأمّا الرابح فالذاکر لله ، وأمّا السالم فالساکت ، وأمّا الشاجب فالذی یخوض فی الباطل ، إنّ الله حرّم الجنّة على کلّ فاحش بذیء ، قلیل الحیاء لا یبالی ما قال ولا ما قیل فیه ، وکان أبو ذرّ ( رضی الله عنه ) یقول : یا مبتغی العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خیر ومفتاح شر ، فاختم على فیک کما تختم على ذهبک وورقک . یا هشام : بئس العبد یکون ذا وجهین وذا لسانین ، یطری أخاه إذا شاهده ، ویأکله إذا غاب عنه ، إنّ أُعطی حسده ، وإن ابتلی خذله ، إنّ أسرع الخیر ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبة البغی ، وإنّ شر عباد الله من تکره مجالسته لفحشه ، وهل یکبّ الناس على مناخرهم فی النار ، إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترک ما لا یعنیه . یا هشام : لا یکون الرجل مؤمناً حتّى یکون خائفاً راجیاً ، ولا یکون خائفاً راجیاً حتّى یکون عاملاً لما یخاف ویرجو . یا هشام : قال الله جلّ وعز : وعزّتی وجلالی وعظمتی وقدرتی وبهائی ، وعلوّی فی مکانی ، لا یؤثر عبد هوای على هواه إلاّ جعلت الغنى فی نفسه ، وهمّه فی آخرته ، وکففت علیه فی ضیعته ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وکنت له من وراء تجارة کلّ تاجر . یا هشام : الغضب مفتاح الشر ، وأکمل المؤمنین إیماناً أحسنهم خلقاً ، وإن خالطت الناس ، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم ، إلاّ من کانت یدک علیه العلیا فافعل . یا هشام : علیک بالرفق ، فإنّ الرفق يُمنٌ ، والخرق شُؤمٌ ، إنّ الرفق والبرّ وحسن الخلق یعمّر الدیار ، ویزید فی الرزق . یا هشام : قول الله : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) ـ الرحمن : 60 ـ جرت فی المؤمن والکافر ، والبرّ والفاجر ، من صنع إلیه معروف فعلیه أن یکافئ به ، ولیست المکافأة أن تصنع کما صنع حتّى ترى فضلک ، فإن صنعت کما صنع فله الفضل بالابتداء . یا هشام : إنّ مثل الدنیا مثل الحيّة مسّها ليّن ، وفی جوفها السمّ القاتل ، یحذرها الرجال ذوو العقول ، ویهوی إلیها الصبیان بأیدیهم . یا هشام : اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصی الله ، فإنّما الدنیا ساعة ، فما مضى منها فلیس تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم یأت منها فلیس تعرفه ، فاصبر على تلک الساعة التی أنت فیها ، فکأنّک قد اغتبطت . یا هشام : مثل الدنیا مثل ماء البحر ، کلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى یقتله . یا هشام : إيّاک والکبر ، فإنّه لا یدخل الجنّة من کان فی قلبه مثقال حبّة من کبر ، الکبر رداء الله ، فمن نازعه رداءه أکبّه الله فی النار على وجهه . یا هشام : لیس منّا من لم یحاسب نفسه فی کلّ یوم ، فإن عمل حسناً استزاد منه ، وإن عمل سیئاً استغفر الله منه وتاب إلیه . یا هشام : تمثّلت الدنیا للمسیح ( علیه السلام ) فی صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : کم تزوّجت ؟ فقالت : کثیراً ، قال : فکلّ طلّقک ؟ قالت : لا ، بل کلاّ قتلتُ ، قال المسیح ( علیه السلام ) : فویحٌ لأزواجک الباقین ، کیف لا یعتبرون بالماضین . یا هشام : إنّ ضوء الجسد فی عینه ، فإن کان البصر مضیئاً استضاء الجسد کلّه ، وإنّ ضوء الروح العقل ، فإذا کان العبد عاقلاً کان عالماً بربّه ، وإذا کان عالماً بربّه أبصر دینه ، وإن کان جاهلاً بربّه لم یقم له دین ، وکما لا یقوم الجسد إلاّ بالنفس الحيّة ، فکذلک لا یقوم الدین إلاّ بالنیة الصادقة ، ولا تثبت النیة الصادقة إلاّ بالعقل . یا هشام : إنّ الزرع ینبت فی السهل ، ولا ینبت فی الصفا ، فکذلک الحکمة تعمر فی قلب المتواضع ، ولا تعمر فی قلب المتکبّر الجبّار ، لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التکبّر من آله الجهل ، ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ، ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأکنّه ، وکذلک من لم یتواضع لله خفضه الله ، ومن تواضع لله رفعه . یا هشام : ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطیئة بعد النسک ، وأقبح من ذلک العابد لله ، ثمّ یترک عبادته . یا هشام : لا خیر فی العیش إلاّ لرجلین : لمستمع واع ، وعالم ناطق . یا هشام : ما قسّم بین العباد أفضل من العقل ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وما بعث الله نبیاً إلاّ عاقلاً ، حتّى یکون عقله أفضل من جمیع جهد المجتهدین ، وما أدّى العبد فریضة من فرائض الله حتّى عقل عنه . یا هشام : قال رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : إذا رأیتم المؤمن صموتاً فادنوا منه ، فإنّه یلقی الحکمة ، والمؤمن قلیل الکلام ، کثیر العمل ، والمنافق کثیر الکلام ، قلیل العمل . یا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود ( علیه السلام ) : قل لعبادی : لا یجعلوا بینی وبینهم عالماً مفتوناً بالدنیا ، فیصدّهم عن ذکری ، وعن طریق محبّتی ومناجاتی ، أولئک قطّاع الطریق من عبادی ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن انزع حلاوة محبّتی ومناجاتی من قلوبهم . یا هشام : من تعظّم فی نفسه لعنته ملائکة السماء وملائکة الأرض ، ومن تکبّر على إخوانه واستطال علیهم فقد ضاد الله ، ومن ادعى ما لیس له فهو أعنى لغیر رشده . یا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود ( علیه السلام ) : یا داود حذّر ، وأنذر أصحابک عن حبّ الشهوات ، فإنّ المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنیا قلوبهم محجوبة عنّی . یا هشام : إيّاک والکبر على أولیائی ، والاستطالة بعلمک فیمقتک الله ، فلا تنفعک بعد مقته دنیاک ولا آخرتک ، وکن فی الدنیا کساکن دار لیست له ، إنّما ینتظر الرحیل . یا هشام : مجالسة أهل الدین شرف الدنیا والآخرة ، ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبرکة ، ورشد وتوفیق من الله ، فإذا أشار علیک العاقل الناصح فإيّاک والخلاف ، فإنّ فی ذلک العطب . یا هشام : إيّاک ومخالطة الناس والأنس بهم ، إلاّ أن تجد منهم عاقلاً ومأموناً ، فآنس به واهرب من سایرهم ، کهربک من السباع الضاریة ، وینبغی للعاقل إذا عمل عملاً أن یستحیی من الله ، وإذا تفردّ له بالنعم أن یشارک فی عمله أحداً غیره ، وإذا مرّ بک أمران لا تدری أيّهما خیرٌ وأصوب ، فانظر أيّهما أقرب إلى هواک فخالفه ، فإنّ کثیر الصواب فی مخالفة هواک ، وإيّاک أن تغلب الحکمة وتضعها فی أهل الجهالة . قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلاً طالباً له ، غیر أن عقله لا یتّسع لضبط ما القی إلیه ؟ قال ( علیه السلام ) : فتلطّف له بالنصیحة ، فإن ضاق قلبه فلا تعرضنّ نفسک للفتنة ، وأحذر ردّ المتکبّرین ، فإنّ العلم يُذِلُّ على أن یملى على من لا یفیق ) . قلت : فإن لم أجد من یعقل السؤال عنها ؟ قال ( علیه السلام ) : ( فاغتنم جهله عن السؤال حتّى تسلم من فتنة القول ، وعظیم فتنة الردّ ، واعلم أنّ الله لم یرفع المتواضعین بقدر تواضعهم ، ولکن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم یؤمنّ الخائفین بقدر خوفهم ، ولکن آمنهم بقدر کرمه وجوده ، ولم یفرّح المحزونین بقدر حزنهم ، ولکن بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنّک بالرؤوف الرحیم الذی یتودّد إلى من یؤذیه بأولیائه ، فکیف بمن یؤذى فیه ، وما ظنّک بالتوّاب الرحیم الذی یتوب على من یعادیه ، فکیف بمن یترضاه ، ویختار عداوة الخلق فیه . یا هشام : من أحبّ الدنیا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتی عبدٌ علماً فازداد للدنیا حبّاً إلاّ ازداد من الله بعداً ، وازداد الله علیه غضباً یا هشام : إنّ العاقل اللبیب من ترک ما لا طاقة له به ، وأکثر الصواب فی خلاف الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله . یا هشام : لو رأیت مسیر الأجل لألهاک عن الأمل . یا هشام : إيّاک والطمع ، وعلیک بالیأس ممّا فی أیدی الناس ، وأمت الطمع من المخلوقین ، فإنّ الطمع مفتاح للذل ، واختلاس العقل ، وأخلاق المروات ، وتدنیس العرض ، والذهاب بالعلم ، وعلیک بالاعتصام بربّک والتوكّل علیه ، وجاهد نفسک لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب علیک کجهاد عدوّک . قال هشام : فقلت له : فأَيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال ( علیه السلام ) : أقربهم إلیک وأعداهم لک ، وأضرّهم بک وأعظمهم لک عداوة ، وأخفاهم لک شخصاً مع دنوه منک ، ومن یحرّض أعداءک علیک ، وهو إبلیس الموكّل بوسواس القلوب ، فله فلتشتد عداوتک ، ولا یکونن أصبر على مجاهدته لهلکتک منک على صبرک لمجاهدته ، فإنّه أضعف منک رکناً فی قوّته ، وأقلّ منک ضرراً فی کثرة شرّه ، إذا أنت اعتصمت بالله ، فقد هدیت إلى صراط مستقیم . یا هشام : من أکرمه الله بثلاث فقد لطف به : عقل یکفیه مؤونة هواه ، وعلم یکفیه مؤونة جهله ، وغنى یکفیه مخافة الفقر . یا هشام : أحذر هذه الدنیا وأحذر أهلها ، فإنّ الناس فیها على أربعة أصناف : رجل متردّ معانق لهواه ، ومتعلّم متقرّى ، کلّما ازداد علماً ازداد کبراً ، یستعلی بقراءته وعلمه على من هو دونه ، وعابد جاهل یستصغر من هو دونه فی عبادته ، یحبّ أن یعظّم ویوقّر ، وذی بصیرة عالم عارف بطریق الحق یحب القیام به ، فهو عاجزٌ أو مغلوب ولا یقدر على القیام بما یعرفه ، فهو محزون مغموم بذلک ، فهو أمثل أهل زمانه ، وأوجههم عقلاً . یا هشام : اعرف العقل وجنده ، والجهل وجنده تکن من المهتدین ، قال هشام : فقلت : جعلت فداک لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا . یا هشام : إنّ الله خلق العقل ، وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّین عن یمین العرش من نوره ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فأقبل ، فقال الله جلّ وعز : خلقتک خلقاً عظیماً ، وکرّمتک على جمیع خلقی ، ثمّ خلق الجهل من البحر الأجاج الظلمانی ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فلم یقبل ، فقال له : استکبرت فلعنه ، ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعین جنداً ، فلمّا رأى الجهل ما کرّم الله به العقل وما أعطاه ، أضمر له العداوة ، فقال الجهل : یا ربّ هذا خلق مثلی خلقته وکرّمته وقوّیته ، وأنا ضدّه ولا قوّة لی به ، أعطنی من الجند مثل ما أعطیته ، فقال تبارک وتعالى : نعم ، فإن عصیتنی بعد ذلک أخرجتک وجندک من جواری ومن رحمتی ، فقال : قد رضیت ، فأعطاه الله خمسة وسبعین جنداً . فکان ممّا أعطى العقل من الخمسة والسبعین جنداً : الخیر وهو وزیر العقل ، وجعل ضدّه الشر ، وهو وزیر الجهل ، الإیمان ، الکفر ، التصدیق ، التکذیب ، الإخلاص ، النفاق ، الرجاء ، القنوط ، العدل ، الجور ، الرضى ، السخط ، الشکر ، الکفران ، الیأس ، الطمع ، التوكّل ، الحرص ، الرأفة ، الغلظة ، العلم ، الجهل ، العفّة ، التهتک ، الزهد ، الرغبة ، الرفق ، الخرق ، الرهبة ، الجرأة ، التواضع ، الکبر ، التؤدة ، العجلة ، الحلم ، السفه ، الصمت ، الهذر ، الاستسلام ، الاستکبار ، التسلیم ، التجبّر ، العفو ، الحقد ، الرحمة ، القسوة ، الیقین ، الشک ، الصبر ، الجزع ، الصفح ، الانتقام ، الغنى ، الفقر ، التفكّر ، السهو ، الحفظ ، النسیان ، التواصل ، القطیعة ، القناعة ، الشره ، المؤاساة ، المنع ، المودّة ، العداوة ، الوفاء ، الغدر ، الطاعة ، المعصیة ، الخضوع ، التطاول ، السلامة ، البلاء ، الفهم ، الغباوة ، المعرفة ، الإنکار ، المداراة ، المکاشفة ، سلامة الغیب ، المماکرة ، الکتمان ، الإفشاء ، البر ، العقوق ، الحقیقة ، التسویف ، المعروف ، المنکر ، التقیة ، الإذاعة ، الإنصاف ، الظلم ، التقى ، الحسد ، النظافة ، القذر ، الحیاء ، القحة ، القصد ، الإسراف ، الراحة ، التعب ، السهولة ، الصعوبة ، العافیة ، البلوى ، القوام ، المکاثرة ، الحکمة ، الهوى ، الوقار ، الخفة ، السعادة ، الشقاء ، التوبة ، الإصرار ، المحافظة ، التهاون ، الدعاء ، الاستنکاف ، النشاط ، الکسل ، الفرح ، الحزن ، الألفة ، الفرقة ، السخاء ، البخل ، الخشوع ، العجب ، صون الحدیث النمیمة ، الاستغفار ، الاغترار ، الکیاسة ، الحمق . یا هشام : لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبی أو وصی ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإیمان ، وأمّا سایر ذلک من المؤمنین ، فإنّ أحدهم لا یخلو من أن یکون فیه بعض هذه الجنود من أجناد العقل ، حتّى یستکمل العقل ، ویتخلّص من جنود الجهل ، فعند ذلک یکون فی الدرجة العلیا مع الأنبیاء والأوصیاء ( علیهم السلام ) ، وفّقنا الله وإيّاکم لطاعته ) .