خطبه 145-در فناى دنيا
فى فناء الدنيا، و ذم البدعه (ايها الناس انما انتم فى هذه الدنيا غرض) الغرض الهدف الذى يرمى بالسهم (تنتضل فيه المنايا) جمع منيه، و هى الموت، و تنتضل بمعنى تترامى اليه، فان سهام الموت تقصد الانسان و تتوجه نحوه (مع كل جرعه) يتجرعها الانسان من الماء و نحوه (شرق) هو الماء يذهب فى مجرى التنفس، و احيانا يسبب هلاك الانسان، و كونه مع كل جرعه بمعنى ان كل جرعه معرض لذلك (و فى كل اكله غصص) هو اللقمه لا يتمكن الانسان من ازدرادها، و ربما سببت الهلاك.(لا تنالون منها نعمه الا بفراق اخرى) فمثلا نعمه النضج الفكرى تتوقف على فقد الشباب، و نعمه الزوجه لا تنال الا بفقد الفراغ، و نعمه الثروه لا تكون الا تكون بفقد الراحه، و هكذا.(و لا يعمر معمر منكم يوما من عمره الا بهدم آخر من اجله) فكل يوم يعمره الانسان، انما يكون قد هدمه و ازاله عن مدته المقرره كونه فى الدنيا.(و لا تجدد له زياده فى اكله الا بنفاد ما قبلها) اى ما قبل تلك الزياده (من رزقه) فمثلا قدر ان يصل الى الانسان فى يوم السبت دينار، و فى يوم الاحد ديناران، فان وصول الدينارين، انما هو بعد نفاد الدينار الاولى، اى بعد وصوله اليه و عدم ترقبه.(و لا يحيا له اثر الا مات له اثر) فان الاثر الذى يوثره الانسان فى الماء و الهواء و الارض و ما اشبه ياخذ فى الزوال- يمقتضى ان العالم كون و فساد فكل وقت جديد، ياتى فيه اثر جديد، يذهب الاثر القديم.(و لا يتجدد له جديد الا بعد ان يخلق له جديد) يخلق اى يبلى، فان الدنيا دار بلى (و لا تقوم له نابته) اى الشجره التى تنبت (الا و تسقط منه) اى من ملك هذا الانسان (محصوده) اى ثمره قد حصدت (و قد مضت اصول) من اجدادنا و آبائنا (نحن فروعها) فان الاولاد كالفرع بالنسبه الى الاباء (فما بقاء فرع بعد ذهاب اصله) بمعنى انه لا بقاء له.(منها) اى من تلك الخطبه، فى ذم البدعه (و ما احدثت بدعه) و هى التى يوتى بها بعنوان انه من الاسلام، و ليس من الاسلام، بان لم يدل على جوازه دليل عام او خاص، كصلاه التراويح و ما اشبه، اما ما يوتى به الا بعنوان انه من الاسلام، و ان لم يكن فى زمن الرسول، كركوب الطائره، او بعنوان انه من الاسلام حيث دل عليه دليل عام، و ان لم يدل دليل خاص، كبناء المدارس الدينيه و ما اشبه، فليست بدعه.(الا ترك بها سنه) فان البدعه انما توضع فى مكان السنه، فمثلا سنه الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عدم صلاه التراويح، فالاتيان بها موجب لترك السنه هى ضدها، و هكذا.(فاتقوا البدع و الزموا المهيع) هو الطريق الواضح، و المراد طريق الاسلام (ان عوازم الامور افضلها) جمع (عوزم) كجعفر بمعنى المتقادم، اى الامور التى كانت فى زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و جاء بها الدليل- مقابل البدعه التى هى شى ء جديد-.(و ان محدثاتها) اى ما يحدث و يبدع من الامور (شرارها) الشر كل شى ء ياتى منه الشقاء و العناء فان البدع توجب خسران الدنيا و الاخره.