خطبه 028-اندرز و هشدار
و فيها التحذير من الدنيا و الترغيب فى الاخره و الوعظ و الزجر (اما بعد) اصله مهما يكن من شى ء بعد الحمد و الصلاه، فبدلت (مهما) ب(اما) و حذفت سائر الجمله ما عدا (بعد) (فان الدنيا قدا دبرت) فان الانسان اذا جاء الى الدنيا، كانت الدنيا معدبره عنه اذ فى كل ساعه ينقص من عمره جزء و تتاخى الدنيا عنه (و اذنت بوداع) اى اعلنت بانها تودع اهلها للرحيل عنهم، و اذانها ما ترى الناس من مصرع ابائهم او صدقائهم (و ان الاخره قد اشرفت باطلاع) الاطلاع هو الاتيان فجئه، يقال اطلع فلان علينا اى اتانا فجئه و اشراف الاخره قربها، فان كل يوم تتقدم الاخره الى الانسان بمقدار تاخر الدنيا عنه (الا و ان اليوم المضار) محل ضمور الخيل، فان الخيل اذ اريد المسابقه عليها تضمر لتهزل فتتمكن من الجرى سريعا، و المعنى ان الانسان فى الدنيا كالخيل فى محل الاضمار فان عمل بما يجب عليه سبق هناك و ان لم يعمل تاخر.(و غدا) اى يوم القيامه (السابق) اى المسابقه، لانه يعرف هناك من السابق الى الجنه- باختلاف درجاتها- و من التاخر الى النار- باختلاف دركاتها- (و السبقه) هى الغايه التى يجب على السابق ان يصل اليها- و سياتى فى كلام السيد معنى اخر له- (الجنه)فان السابق يفوز بها (و الغايه النار) فان الموطن الاخير الذى ينتهى اليه الانسان الذى لم يعمل هى النار.ثم عطف الامام عليه السلام الى العظه و التحذير (افلا تائب من خطيئته)؟ استفهام ترغيبى يريد الامام عليه السلام الترغيب فى التوبه (قبل منيته) اى قبل موته (الا عامل لنفسه) اى لنجاتها و خلاصها (قبل يوم بوسه) البوس سوء الحاله، و اشتداد الحاله (الا) فليتنبه السامع (و انكم فى ايام امل) يامل كل حسن العاقبه (من ورائه اجل) اى من وراء الامل الموت.(فمن عمل فى ايام امله) فى الدنيا (قبل حضور اجله) و موته (فقد نفعه عمله) لانه يرى ثوابه فى الاخره (و لم يضره اجله) اذ غير العامل يضره اجله، لما يلاقى من الاهوال و العذاب (و من قصر فى ايام امله) بان لم يعمل كما ينبغى (قبل حضور اجله) و موته (فقد خسر عمله) الذى عمل من الاثام و المعاصى (و ضره اجله) لانه يبتلى هنا لك بالعذاب و النكال (الا فاعلموا) ايها الناس (فى الرغبه) اى فى السراء و الحالات الحسنه (كما تعملون فى الرهبه) اى فى الضراء و الحالات السيئه، فان من عاده الانسان ان ينسى الله سبحانه حاله السراء و يذكر حاله البوس و الشدائد (الا و انى لم اركالجنه نام طالبها) (نام) بمعنى (له
يعمل) (و لا) رايت (كالنار نام هاربها) اى الذى يخاف منها، و هذا كنايه لعدم العمل الموجب للجنه و الخلاص من النار مع عظم الامرين- بما لاعظم فوقهما-.(الا و انه من لا ينفعه الحق) بان لم يتبعه لينتفع به (يضره الباطل) اذ هناك طرفان فمن لم يلتحق بطرف الحق لابد و ان يلتحق بطرف الباطل و يضره ذلك فان لم يجد يبخل، و من لم يقدم يحجم، و من لم يشجع يجبن و هكذا (و من لم يستقم به الهدى) اى لم ينفعه الهدى فلم يقمه عن الاعوجاج و الضلال (يجر به الضلال الى الردى) اى الهلاك، كما قال سبحانه (انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا) (الا) فليتنبه السامع (و انكم قد امرتم بالظعن) اى الرحيل عن الدنيا (و دللتم على الزاد) اى دلكم الكتاب و السنه على لوازم هذا السفر الطويل و هو تقوى الله و العمل الصالح (و ان اخوف ما اخاف عليكم) اى اشد الاشياء التى اخافها عليكم (اثنتان) اى خصلتان (اتباع الهوى) الهوى ميل النفس الى الملذات حلالا كانت او حراما، و اتباع الهوى غالبا يردى الانسان.(و طول الامل) بان يامل الانسان البقاء فى الدنيا طويلا فان الانسان اذا امل البقاء الطويل يقترف الاثام و يقول سوف اتوب و بعد لامر انقلع (فتزودوا من الدنيا) اى خذوا زادكم
للاخره (ما تحرزون) اى تحفظون (انفسكم) عن النار (به) اى بذلك الزاد (غدا) فى الاخره، يقال حرز نفسه اذا حفظها عن العطب و الهلاك.قال السيد الشريف الرضى (ره): اقول: لو كان كلام ياخذ بالاعناق الى الزهد فى الدنيا و يضطر الى عمل الاخره لكان هذا الكلام، و كفى به قاطعا لعلائق الامال، و قادحا زناد الاتعاظ الازدجار، و من اعجبه قوله عليه السلام: (الا و ان اليوم المضمار و غذا السباق و السبقه الجنه و الغايه النار) فان فيه مع فخامه اللفظ و عظم فدر المعنى و صادق التمثيل و واقع التشبيه سرا عجيبا و معنى لطيفا و هو قوله عليه السلام: (و السبقه الجنه و الغايه النار) فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين.و لم يقل السبفه النار كما قال: البسقه الجنه لان الاستباق انما يكون الى امر محبوب و غرض مطلوب و هذه صفه الجنه و ليس هذا المعنى موجودا فى النار نعوذ بالله منها فلم يجز ان يقول و السبقه النار بل قال و الغايه النار، لان الغايه ينتهى اليها من لا يسره الانتهاء و من سيره ذلك، فصلح ان يعبر بها عن الامرين معا فهى فى هذا الموضوع كالمصير و المال، قال الله تعالى: (قل تمتعوا فان مصيركم الى النار) و لا يجوز فى هذا الموضع ان يقال سبقتكم (بسكون ال
باء) الى النار فتامل ذلك فباطنه عجيب و غوره بعيد و كذلك اكثر كلامه عليه السلام (و فى بعض النسخ) و قد جاء فى روايه اخرى (و السبقه الجنه) بضم السين، و السبقه عندهم اسم لما يجعل للسابق اذا سبق من مال او عرض و المعنيان متقاربان لان ذلك لا يكون جزاء فى فعل الامر المذموم و انما يكون جزاء على فعل الامر المحمود.