خطبه 085-صفات پرهيزكارى
و من خطبه له عليه السلام:و هذا الفصل يشتمل على بعض اوصاف الحق سبحانه:الاول:كونه عالما بالسرائر و هو كقوله تعالى (يعلم سركم و نجواكم). الثانى:كونه خبيرا بالضماير. و هو قريب من المرادف للعالم بالسراير فان الخبير هو الذى لا يغزب عنه الاخبار الباطنه و لا تضطرب نفس و لا تسكن الا و يكون عنده خبرها و ذلك بعينه هو العالم مضافا الى السراير و الخفايا الباطنه و ان كان مطلق العلم اعم. الثالث:كونه محيطا بكل شى ء. و هو اشاره الى علمه بكليات الاشياء و جزئياتها، و عليه اتفاق جمهور المتكلمين و الحكماء:اما المتكلمون فظاهر، و اما المحققون من الحكماء فملخص كلامهم اجمالا فى كيفيه علمه تعالى انه يعلم ذاته بذاته و يتحد هناك المدرك و المدرك و الادراك و لا يتعدد الا بحسب الاعتبارات العقليه التى تحدثها العقول البشريه. و اما معلولاته القريبه منه فيكون باعيان ذواتها و يتحد هناك المدرك و الادراك و لا يتعددان الا باعتبار عقلى و يغاير هما المدرك، و اما معلولاته البعيده كالماديات و المعدومات التى من شانها امكان ان توجد فى وقت او يتعلق بموجود فيكون بارتسام صورها المعقوله من المعلولات القريبه التى هى المدركات لها اولاو بالذات و كذلك الى ان ينتهى الى ادراك المحسوسات بارتسامها فى آلات مدركاتها. قالوا:و ذلك لان الموجود فى الحاضر حاضر و المدرك للحاضر مدرك لما يحضر معه فاذن لا يعزب عن علمه مثقال ذره فى السماوات و لا فى الارض و لا اصغر من ذلك و لا اكبر لكون ذوات معلولاته القريبه مرتسمه بجميع الصور و هى التى يعبر عنها تاره بالكتاب المبين و تاره باللوح المحفوظ و تسمى عندهم عقولا فعاله. الرابع:كونه تعالى غالبا لكل شى ء. الخامس:كونه قويا على كل شى ء، و هما اشارتان الى وصف قدرته تعالى بالتمام على كل مقدور فان القوه عليها و الغلبه لها من تمام القدره و يفهم من الغالب زياده على القوى و يعود الى معنى القاهر. و قد سبق بيانه، و اما بيان صدق هاتين لقضيتين فببيان انه تعالى مبدء كل موجود و ان كل ممكن مفتقر فى سلسله الحاجه اليه، و قد فرغ من ذلك فى الكتب الكلاميه. اقول:الفصل الى آخره شروع فى الموعظه و المشوره، و لما قدم الاشعار بان الله تعالى عالم بما فى الصدور غالب على كل مقدور امرهم بعده بالعمل و اراد الاعمال الصالحه المطلوبه بالتكاليف الشرعيه و ان يجعلوها مهادا لثبات اقدامهم على الصراط المستقيم المامور بسلوكه ثم تلطف بالجذب الى العمل
بتذكيرهم بانهم فى ايام مهله و فراغ و متنفس خناق يمكنهم فيه العمل و ان الذى يعملونه من الصالحات هو زاد لهم فى سفرهم لى الله و الى دار اقامتهم و ان وراء هذه المهله ادراك اجل بعده شغل باهوال الاخره و اخذ بالكظم، و كنى به عن عدم التمكن من العمل اذ لم تكن الاخره دار عمل ثم ابه بالناس
و حذرهم ربهم ان يخالفوا فيما امرهم بحفظه و هو كتابه، و عنى بحفظه تدبر ما فيه و المحافظه على العمل باوامره و نواهيه و هى حقوقه التى استودعم اياها ثم علل ذلك بتنبيههم على ان الله تعالى لم يخلقهم عبثا خاليا عن وجه الحكمه بل خلقهم ليستكملوا الفضايل النفسانيه بواسطه الالات البدنيه و لم يجعلهم فى وجودهم مهملين بل ضبط آثارهم و اعمالهم و كتب آجالهم فى كتابه المبين و الواحه المحفوظه الى يويم الدين و نظم وجودهم برسول كريم عمره فيهم و كتاب اوضح لهم فيه السبيل التى لسلوكها خلقهم و اكمل لهم و لنبيه دينهم الذى ارتضى لهم و ما اهلهم له من الكمالات المسعده فى الاخره كما قال تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الاسلام دينا) و بلغهم على لسانه ما احب لهم من الخيرات الباقيه و كرهه لهم عن الشرور المشقيه فى الاخره كما اشتملت عليه او امره و نواهيه و ابان لهم فيه الاعذار و اوضح فيه الحجج و شحنه بالوعيد و النذر بين يدى عذاب شديد، و استعار لفظ اليدين للعذاب و كنى ببين يديه عن الوقت المتقدم على عذاب الاخره المشارف له، و وجه المشابهه ان الانذار بالمخوف يكون من ذى سطوه و باس شديد فكانه نزل العذاب الشد
يد بمنزله المعذب فاستعار له يدين و جعل الانذار و التخويف منه متقدما له بين يديه و ذلك من الجواذب اللطيفه، ثم عاد الى امرهم باستدراك بقيه اوقاتهم فى الدنيا و ان يصبروا لها انفسهم:اى يلزموا انفسهم فيها الصبر على الاعمال الصالحه، و فى لفظ الاستدراك اشعار بتقديم تفريط منهم فى جنب الله و لذلك قال:فانها قليل فى كثير الايام التى تكون منكم فيها الغفله و التشاغل عن الموعظه. و انما قال:لها. لان كل وقت يستحق ان يوقع فيه ما ينبغى من الافعال فصدق عليها ان ذلك الفعل لها. قوله:و لا ترخصوا لانفسكم. الى قوله:المعصيه (المصيبه خ). اقول:ليس المقصود بالرخصه هنا الرخصه الشرعيه بل ما يتساهل الانسان فيه مع نفسه من تنويع الماكل و المشارب و المناكح و الخروج فيها الى ما لا ينبغى فى نفس الامر و يتاول له تاويلا و حيله يخيل انها جايزه فى الشريعه و يروج بها اتباعه لهواه، و نحوه الاجتماع فى السماع لغير اهله، و حضور مجالس الفساق، و معاشره الظالمين. و الضابط الكلى فى هذا الباب هو توسع الانسان فى الامور المباحه و استيفاوه حده فانه من فعل ذلك شارف المكروه ثم ربما لحظ انه لاعقاب فى فعله فقادته شهوته الى فعله فاستوفى حده فشارف المحظور، و
ذلك ان العقل اذا اطاع النفس الاماره بالسوء فيما تامر به مره و مره لم يبق له نفار عما تقوده اليه لوقوع الانس به. و ظاهر ان ارتكاب بعض ماموراتها يجر الى ارتكاب بعض فيودى ذلك الى تجاوز الحدود الشرعيه و عبورها الى الوقوع فى حبائل الشيطان و التهور فى المحظورات التى هى مهاوى الهلاك، لذلك ما ورد فى الخبر:من رتع حول الحمى او شك ان يقع فيه و قد شبه العارفون القلب بالحصن و الشيطان بعد و يريد ان يدخله و لم يمكن دفع ذلك العدو و التحفظ منه الا بضبط ابواب ذلك الحصن التى منها الدخول اليه و حراستها و هى ابواب كثيره كساير المحرمات و مساهله النفس فى التوسع فى المباحات و الدخول فى الامور المشتبهه من اعظم تلك الابواب و دخول الشيطان منه اسهل و هو عليه اقدر و ذلك قال عليه السلام:فتذهب بكم الرخص فيها مذاهب الظلمه، و لا تداهنوا فيهجم بكم الادهان على المعصيه (المصيبه خ). و مذاهب الظلمه مسالكها و طرقها العادله من العدول، و روى:ان ابليس ظهر ليحيى بن ذكريا عليه السلام فراى عليه معاليق كل شى ء فقال له:يا ابليس ما هذه المعاليق؟ قال:هذه هى الشهوات التى اصيب بهن قلوب بنى آدم فقال:هى بى فيها شى ء؟ قال:نعم ربما شبعت فشغلناك عن الصلوه
و عن الذكر قال:هل غير ذلك؟ قال:لا قال:لله على ان لا املا بطنى من طعام ابدا فقال ابليس:لله على ان لا انصح مسلما ابدا. و لا تداهنوا:اى لا تسالموا الظلمه و تساهلوا معهم فى السكوت عما ترونه من منكراتهم فيهجم بكم الادهان على المعصيه:اى اذا آنستم بمشاهده المعاصى و الفتم تكرارها كنتم بذلك عصاه و ربما ساقكم ذلك الى فعل المنكر و مشاركتهم فيه.و قوله:عباد الله. الى آخره اخبارات فى معنى الاوامر و النواهى و اوامر و نواهى صريحه مشتمله على جواذب الى طاعه الله و لزوم دينه. فالاول:قوله:ان انصح الناس لنفسه اطوعهم لربه، و بيانه انه لما كان غرض الناصح انما هو جلب الخير و المنفعه الى المنصوح، و كان اجل خير و منفعه هو السعاده الباقيه الابديه و مشاهده الحضره الربوبيه، و كانت تلك السعاده انما تنال بطاعه الله تعالى فكل من كانت طاعته الله اتم فكان هو انصح الناس لنفسه بمبالغته فى طاعته. الثانى:قوله:و ان اغشهم لنفسه اعصاهم لربه. و هو ظاهر مما قررناه فانه لما كانت غايه الغش انما هو جلب الشر و المضره الى المغشوش، و كان اعظم شر و ضرر يلحق العبد هو الشقاوه الابديه فى قرار الجحيم، و كانت تلك انما يحصل الانسان عليها بمعصيه الله تعالى فكل من كانت معصيته اتم كانت شقاوته اتم فكانت هو اغش الناس لنفسه بمبالغته فى معصيته. و حاصل القضيه الاولى الامر بالطاعه اتم ما يمكن و الثانيه النهى عن المعصيه اتم ما يمكن. و رغب فى الطاعات بذكر نصيحه النفس لما ان النصيحه محبوبه و نفس عن المعصيه بذكر غشها. الثالث:قوله:و المغبوبن من غبن نفسه. و المراد من غبنها بالمعصيه ال
مستلزمه لدخول النار فكان الانسان بمتابعه شيطانه خادع لنفسه، و قد بخسها ما تستحقه من ثواب الله، و لما كانت السعاده الاخرويه اعظم ما يتنافس فيه لاجرم كان اعظم مغبون من لم يفز بها فلذلك حصر المغبون فيه على طريق المبالغه و هو خبر فى معنى النهى عن المعصيه، و تفر عنها بذكر غبن النفس. الرابع:قوله:و المغبوط سن سلم له دينه، و الغبطه ان يتمنى الانسان مثل ما لغيره من حال او مال مع قطع النظر عن تمنى زوال تلك الحال عمن هى له، و بهذا القيد يتميز عن الحسد، و القضيه ظاهره مما قبلها فانه لما كان من سلم دينه فائزا بالسعاده الكبرى الباقيه مع كونها اجل ما يغبط به و يتنافس فيه لاجرم كان هو اعظم مغبوط و لذلك حصر المغبوط فيه مبالغه، و رغب فى المحافظه على الدين بكون من سلم له مغبوطا. الخامس:قوله:و السعيد من وعظ بغيره، و قد صارت هذه القضيه فى معنى المثل:اى السعيد فى الاخره من اعتبر حال غيره فشاهد بعين بصيرته مصير الظالمين فخاف عاقبتهم فعدل عن طريقهم و تذكر حال المتقين فمال الى جادتهم و سلم مسالكهم و رغب فى الاتعاظ بالغير بذكر استلزامه للسعاده. السادس:و كذلك الشقى فى الاخره من انخدع لهواه و غرور و نفر عن اتباع الهوى بذكر الخ
داع و الغرور. السابع:التنبيه على ان يسير الرياء شرك. و قد سبق منا بيان ان الرياء فى العباده و ان قل التفات مع الله الى غيره و ادخال له بالقصد بالعمل و الطاعه و ذلك فى الحقيقه شرك خفى اتفقت عليه ارباب القلوب. الثامن:قوله:و مجالسه اهل الهواء منساه للايمان و محضره الشيطان. اراد باهل الهوى الفساق المنقادين لدواعى الشيطان الى الشهوات الخارجه عن حدود الله، و نفر عن مجالستهم بانها محل للامرين:احدهما:نسيان الايمان و هو ظاهر فان اهل الهوى ابدا مشغولون بذكر ما هم فيه من لعب و لهو خائضون فى اصناف الباطل و انواعه فمجالستهم عن رغبه مظنه الغفله عن ذكر الله و الانجذاب الى ما هم عليه عن الاعمال الصالحه و تلك اركان الايمان و قواعده، و قد علمت ان كثره الغفلات عن الشى ء توول الى نسيانه و انمحائه عن لوح الخيال و الذكر، و ربما يتجوز فى مطلق الغفله عن اوقات العباده و الذكر بالنسيان تسميه للشى ء باسم ما يوول اليه. الثانى:كونها محلا لحضور الشيطان، و قد علمت معنى الشيطان و ان كل محل عصى الله فيه فهو محضر للشيطان و موطن له. التاسع:الامر بمجانبه الكذب و نفر عنه بقوله:فانه مجانب للايمان، و هو حديث نبوى، و معنى المجانبه كون
منهما فى جانب فان كانت الاعمال الصالحه داخله فى مسمى الايمان فالصدق من جملتها و مضاد الصدق مضاد للايمان و احد الضدين مجانب اللاخر فالكذب مجانب للايمان، و ان لم يكن كذلك قلنا:ان الكذب اعظم الرذايل الموبقه، و الايمان اعظم الفضايل المنقذه، و بين الفضايل و الرذايل منافاه ذاتيه فالكذب مناف للايمان و مجانب له، و يحتمل ان يكون معنى مجانبته له كونه غير لايق ان يجامعه فى محل واحد و غير مناسب له. و بالجمله كونه ليس منه فى شى ء، و قد بينا ما يشتمل عليه الكذب من المضار المهلكه، ثم اردف ذلك بالترغيب فى الصدق بكون الصادق على شرف منجاه:اى مشارف لنجاه و كرامه او لمحلهما و هو الجنه اذ الصدق باب من ابوابها ثم بالتنفير عن الكذب بكون الكاذب على شرف مهواه و مهانه:اى هوى و هوان او محلهما و هو حضيض الجحيم الذى هو محل الهوان اذ الكذب باب من ابوابها، و من انتهى الى الباب فقد شارف الدخول، و عن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم:اياكم و الكذب فانه يهدى الى الفجور، و ان الفجور يهدى الى النار، و ان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا، و عليكم بالصدق فان الصدق يهدى الى البر و ان البر يهدى الى الجنه و ان الرجل ليتحرى الصدق حتى يكتب عند ا
لله مصداقا، و قال صلى الله عليه و آله و سلم:الكذب راس النفاق. و هو ظاهر فان مدار النفاق على المصانعه بالقول الغير المطابق لما فى نفس الامر و هو حقيقه الكذب. العاشر:النهى عن الحسد، و قد اتفق ارباب القلوب على انه من اعظم ابواب الشيطان التى يدخل بها على القلب و هو احد العوارض الرديئه للنفس و يتولد من اجتماع البخل و الشريه فى النفس، و اعنى بالشرير من تلتذ طباعها بمضار تقع بالناس و يكره ما يوافقهم و ان كانوا ممن لا يرونه و لم يسيووا اليه، و قد علمت ان من هذه صفته مستحق للمقت من الله عز و جل و ذلك انه مضاد لارادته اذ هو تعالى المتفضل على المزيد للخير المطلق للكل. و قد رسم الحس بانه اغتمام الانسان بخير يناله غيره من حيث لا مضره منه عليه، و قد يوجد الحسد ممن له نفع ما من المحسود، و يسمى الحسد البالغ. و اما تعليله وجوب تركه بانه ياكل الحسنات كما تاكل النار الحطب:فاعلم ان العلماء قد اتفقوا على ان الحسد مضر بالنفس و الجسد:اما بالنفس فلانه يذهلها و يغرق فكرها بالاهتمام بامر المحسود حتى لا يفرغ للتصرف فيما يعود نفعه عليها بل و ينسى ما حصلت عليه من الملكات الخيريه التى هى الحسنات المنقوشه فى جوهرها و يضمحل على طول تع
ود الحسد و اشتغال الفكر فيه و طول الحزن و الهم لان نعم الله على عباده اكثر من ان تحصى فاذا كان الحسد بهادام فانقطع وقت الحاسد به عن تحصيل الحسنات، و اما بالجسد فلانه يعرض له عند حدوث هذه الاعراض للنفس طول السهر و سوء الاغتذاء و يعقب ذلك رداءه اللون و سوء السجيه و فساد المزاج. اذا عرفت ذلك فنقول:انه قد استعار هيهنا لفظ الاكل لكون الحسد ماحيا لما فى النفس من الخواطر الخيريه التى هى الحسنات و مانعا من صيرورتها ملكات و ذلك بسبب استغراقها فى حال المحسود و اشتغالها به، و شبه ذلك باكل النار الحطب. و وجه الشبه ما يشترك فيه الحسد و النار من افناء الحسنات و الحطب و استهلاكهما. الحادى عشر:النهى عن التباغض و تعليله ذلك بانها الحالقه، و اعلم انه لما كان امر العالم لا ينتظم الا بالتعاون و التضافر، و كان التعاون انما يتم بالالفه و كان اقوى اسباب الالفه هو الموده و المواخاه بين الخلق كانت الموده من المطالب المهمه للشارع، و لذلك آخا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، بين اصحابه لتخلص محبتهم و تصفو الفتهم و يصدق بينهم التعاون و التضافر و الاتحاد فى الدين، و قال صلى الله عليه و آله و سلم:المرء كبير باخيه و لا خير فى صحبه
من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له. فلذلك كان التباغض بينهم منهيا عنه مكروها فى الشريعه لما يستلزمه من التقاطع بينهم و عدم تعاونهم و تضافرهم، و بسبب ذلك تتخطف كلا منهم ايدى حاسديه و تتحكم فيه اهواء اعاديه فلم تسلم له نعمه و لا تصفو له مده بل يكون بذلك بواره و اضمحلال النوع و هلاكه، و لذلك قال عليه السلام:فانها الحالقه. و اصل هذا اللفظ مستعار مما يحلق الشعر كالموسى و نحوها للدواهى و اسباب الشر ثم صار مثلا و قد وقع هيهنا موقعه من الاستعاره، و وجه المشابهه ان الموسى مثلا كما انها سبب لحلق الشعر و استيصاله كذلك التباغض سبب لاستيصال الخلق بعضهم بعضا. الثانى عشر:التنبيه على مضار الامل للدنيا تنفيرا عنه و الامر بتكذيبه المستلزم للنهى عنه. فاما مضاره:فاحدها:انه يوجب سهو العقل:اى عما هو الاولى بالانسان فى معاشه و معاده و هو ظاهر فان الامل ابدا مشغول الفكر بما يامله و يرجوه و فى كيفيه تحصيله و كيفيه العمل به بعد حصوله و شغله بذلك يستلزم اعراضه عن غيره اذ ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه. الثانيه:انه ينسى الذكر:اى ذكر الله تعالى بعد الموت من احوال الاخره، و ذلك باستغراقه فيما يامله من احوال الدنيا كما مر. ا
لثالثه:انه غرور و صاحبه مغرور، و روى بفتج الغين من غرور و ضمها، و وجه الفتح ان الامل ليس هو نفس الغفله عن الذكر و غيره بل مستلزم لها فلذلك صدقت نسبه الغرور اليه، و وجه الضم انه مجاز من باب اطلاق اسم اللازم على ملزومه، و اما تكذيبه فبذكر الموت و دوام اخطاره بالبال و ملاحظه المرجع و المعاد، و انما سمى رد الامل تكذيبا له لان النفس حال توقعها للمامول تكون حاكمه حكما و هميا ببلوغه و نيله فاذا رجعت الى صرف العقل و ملاحظه الموت و جواز الانقطاع به عن بلوغ مارجته كان تجويزها ذلك مكذبا لما جزم به الوهم من الاحكام و رادا له. و بالله التوفيق.