خطبه 184-به همام درباره پرهيزكاران
اقول:و من هيهنا اختلفت نسخ النهج فكثير منها تكون هذه الخطبه فيها اول المجلد الثانى منه بعد الخطبه المسماه بالقاصعه، و يكون عقيب كلامه للبرج بن مسهر الطائى قوله:و من خطبه له عليه السلام الحمد لله الذى لاتدركه الشواهد و لاتحويه المشاهد، و كثير من النسح تكون هذه الخطبه فيها متصله بكلامه عليه السلام للبرج بن مسهر و يتاخر تلك الخطبه فيكون بعد قوله:و من كلامه له عليه السلام و هو يلى غسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و يتصل ذلك الى تمام الخطبه المسماه بالقاصعه. ثم يليه قوله:باب المختار من كتب اميرالمومنين و رسائله، و عليه جماعه الشارحين كالامام قطب الدين ابى الحسن الكيدرى و الفاضل عبدالحميد بن ابى الحديد، و وافقتهم هذا الترتيب لغلبه الظن باعتمادهم على النسخ الصحيحه. فاما همام هذه فهو همام بن شريح بن يزيد بن مره بن عمرو بن جابر بن عوف الاصهب، و كان من شيعه على عليه السلام، و اوليائه ناسكا عابدا، و تثاقله عليه السلام عن جوابه لما راى من استعداد نفسه لاثر الموعظه، و خوفه عليه ان يخرج به خوف الله الى انزعاج نفسه و صعوقها. فامره بتقوى الله:اى فى نفسه ان يصيبها فادح بسبب سواله، و احسن:اى احسن اليها بترك تكليفها فوق طوقها، و لذلك قال عليه السلام حين صعق همام:اما و الله لقد كنت اخافها عليه. فحيث لم يقنع همام الا بما سال، و عزم عليه بذلك:اى الح عليه فى السوال و اقسم، اجابه. فان قلت:كيف جاز منه عليه السلام ان يجيبه مع غلبه ظنه بهلاكه و هو كالطبيب انما يعطى كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء. قلت:انه لم يكن يغلب على ظنه عليه السلام الا الصعقه عن الوجد الشديد فاما ان تلك الصعقه فيها موته فلم يكن مطنونا له. و انما قدم بيان كونه تعالى غينا عن الخلق فى طاعتهم و آمنا منهم فى معصيتهم لانه لما كانت اوامره تعالى باسرها او اكثرها يعود الى الامر بتقواه و طاعته و كان اشرف ما يتقرب اليه البشر بالتقوى، و هو فى معرض صفه المتقين فربما خطر ببعض اوهام الجاهلين ان لله تعالى فى تقواه و طاعته منفعه، و له بمعصيته مضره فصدره الخطبه بتنزيهه تعالى عن الانتفاع و التضرر. و قد مر برهان ذلك غير مره. و قوله:فقسم. الى قوله:مواضعهم. تقرير و تاكيد لكمال غناه عنهم لانه اذا كان وجوده هو مبدء خلقهم و قسمه معايشهم و وضعهم من الدنيا فى مراتبهم و منازلهم من غنى و فقير و شريف و وضيع فهوا الغنى المطلق عنهم، و اليه الاشاره بقوله
تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى فى الحياه الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ثم اخذ فى غرض الخطبه، و هو وصف المتقين فوصفهم بالوصف المجمل. فقال:فالمتقون فيها هم اهل الفضايل:اى الذين استجمعوا الفضايل المتعلقه باصلاح قوتى العلم و العمل، ثم شرع فى تفصيل تلك الفضايل و نسقها:فالاولى:الصواب فى القول و هو فضيله العدل المتعلقه باللسان، و حاصله ان لايسكت عما ينبغى ان يقال فيكون مفرطا، و لايقول ما ينبغى ان يسكت عنه فيكون مفرطا بل يضع كلا من الكلام فى موضعه اللايق به، و هو اخص من الصدق لجواز ان يصدق الانسان فيما لاينبغى من القول. الثانيه:و ملبسهم الاقتصاد و هو فضيله العدل فى الملبوس فلايلبس ما يلحقه بدرجه المترفين، و لا ما يلحقه باهل الخسه و الدناءه مما يخرج به عن عرف الزاهدين فى الدنيا. الثالثه:مشى التواضع، و التواضع ملكه تحت العفه تعود الى العدل بين رذيلتى المهانه و الكبر، و مشى التواضع مستلزم للسكون و الوقار عن تواضع نفسهم. الرابعه:غض الابصار عما حرم الله، و هو ثمره العفه. الخامسه:وقوفهم اسماعهم على سماع العلم النافع، و هو فضيله العدل فى قوه السمع، و العلوم النافعه ما هو كمال القوه النظريه من العلم الالهى و
ما يناسبه، و ما هو كمال للقوه العمليه و هى الحكمه كما سبق بيانها. السادسه:نزول انفسهم منهم فى البلاء كنزولها فى الرخاء:اى لاتقنط من بلاء ينزل بها و لايبطر برخاء يصيبها بل مقامها فى الحالين مقام الشكر. و الذى صفه مصدر محذوف، و الضمير العايد اليه محذوف ايضا، و التقدير نزلت كالنزول الذى نزلته فى الرخاء، و يحتمل ان يكون المراد بالذى الذين محذف النون كما فى قوله تعالى كالذى خاضوا و يكون المقصود تشبيههم حال نزول انفسهم منهم فى البلاء بالذين نزلت انفسهم منهم فى الرخاء، و المعنى واحد. السابعه:غلبه الشوق الى ثواب الله و الخوف من عقابه على نفوسهم الى غايه ان ارواحهم لاتستقر فى اجسادهم من ذلك لو لا الاجال التى كتبت لهم، و هذا الشوق و الخوف اذا بلغ الى حد الملكه فانه يستلزم دوام الجد فى العمل و الاعراض عن الدنيا، و مبدء هما تصور عظمه الخالق، و بقدر ذلك يكون تصور عظمه وعده و وعيده، و بحسب قوه ذلك التصور يكون قوه الخوف و الرجاء، و هما بابان عظيمان للجنه. الثامنه:عظم الخالق فى انفسهم، و ذلك بحسب الجواذب الالهيه الى الاستغراق فى معرفته و محبته، و بحسب تفاوت ذلك الاستغراق يكون تفاوت تصور العظمه، و بحسب تصور عظمته تعالى يك
ون تصورهم لاصغريه مادونه و نسبته اليه فى اعين بصائرهم. و قوله:فهم و الجنه كمن رآها. الى قوله:معذبون. اشاره الى ان العارف و ان كان فى الدنيا بجسده فهو فى مشاهدته بعين بصيرته لاحوال الجنه و سعادتها و احوال النار و شقاوتها كالذين شاهدوا الجنه بعين حسهم و تنعموا فيها، و كالذين شاهدوا النار و عذبوا فيها. و هى مرتبه عين اليقين. فحسب هذه المرتبه كانت شده شوقهم الى الجنه و شده خوفهم من النار. التاسعه:حزن قلوبهم، و ذلك ثمره خوف الغالب. العاشره:كونهم مامونى الشر، و ذلك ان مبدء الشرور محبه الدنيا و اباطيلها و العارفون بمعزل عن ذلك. الحاديه عشر:نحافه اجسادهم، و مبدء ذلك كثره الصيام و السهر و جشوبه المطعم و خشونه الملبس و هجر الملاذ الدنيويه. الثانيه عشر:خفه حاجتهم، و ذلك لاقتصارهم من حوائج الدنيا على القدر الضرورى من ملبس و ماكل، و لا اخف من هذه الحاجه. الثالثه عشر:عفه انفسهم، و ملكه العفه فضيله القوه الشهويه، و هى الوسط بين رذيلتى خمود الشهوه و الفجور. الرابعه عشر:الصبر على المكاره ايام حياتهم من ترك الملاذ الدنيويه، و احتمال اذى الخلق، و قد عرفت ان الصبر مقاومه النفس الاماره بالسوء لئلا ينقاد الى قبائح اللذا
ت، و انما ذكر قصر مده الصبر و واستعقابه للراحه الطويله ترغيبا فيه، و تلك الراحه بالسعاده فى الجنه كما قال تعالى و جزاهم بما صبروا جنه و حريرا الايه. و قوله:تجاره مربحه. استعار لفظ التجاره لاعمالهم الصالحه و امتثال اوامر الله، و وجه المشابهه كونهم متعوضين بمتاع الدنيا و بحركاتهم فى العباده متاع الاخره، و رشح بلفظ الربح لافضليه متاع الاخره و زيادته فى النفاسه على ما تركوه، و ظاهر ان ذلك بتيسير الله لاسبابه و اعدادهم له بالجواذب الالهيه. الخامسه عشر:عدم ارادتهم للدنيا مع ارادتها لهم، و هو اشاره الى الزهد الحقيقى، و هو ملكه تحت العفه، و كنى بارادتها عن كونهم اهلا لان يكونوا فيها روساءا و اشرافا كقضاه و وزراء و نحو ذلك، و كونها بمعرض ان تصل اليهم لو ارادوها، و يحتمل ان يريد ارادهم اهل الدنيا فحذف المضاف. السادسه عشر:افتداء من اسرته لنفسه منها، و هو اشاره الى من تركها و زهد فيها بعد الانهماك فيها و الاستمتاع بها ففك بذلك الترك و الاعراض و المترن على طاعه الله اغلال الهيئات الرديئه المكتسبه منها من عنقه، و لفظ الاسر استعاره فى تمكن تلك الهيئات من نفوسهم، و لفظ الفديه استعاره لتبديل ذلك الاستمتاع بها بالاعراض عنه
ا و المواظبه على طاعه الله، و انما عطف بالواو فى قوله:و لم يريدوها، و بالفاء فى قوله:ففدوا. لان زهد الانسان فى الدنيا كما يكون متاخرا عن اقبالها عليه كذلك قد يكون متقدما عليه لقول صلى الله عليه و آله و سلم: