حکمت 125
الفرط:الذى يتقدم الوارده فيهيى ء الارشاء و الدلاء. و خاطبهم عليه السلام خطاب من يسمع اقامه لحالهم المعبوده مقام اشخاصهم الموجوده. و الديار الموحشه و المحال المقفره:القبور. و غرض الفصل ترقيق القولب القاسيه و تنبيه النفوس الغافله عن غايه الدنيا و متاعها لغايه العمل فيها كما ينبغى، و لما كان الحق هو ان خير الزاد التقوى كما نطق به القرآن الكريم و كان ذلك امرا شاهد، المتقون فى جزائهم بتقويهم و الفجار فى حرمانهم بعدمه لا جرم لو اذن لهم فى الجواب و اعطوا آلته لكان جوابهم ما عرفوا من الحق.حکمت 126
اقول:المتجرم:المدعى جريمه و استهوتك:طلبت هواك اليها و هواك فيها. و مثلت:صورت. و قوله:ايها الذام، الى قوله:غرتك. توبيخ له على الاغترار بها و ذمها مع ذلك و كذب دعواه انها هى ذات الجريمه عليه باستفهامه عن وقت استهوائها له استفهام منكر لذلك و موبخ عليه و اكد ذلك باستفهام ان ذلك الغرور له منها باى شى ء كان امن مصارع الاباء ام بمضاجع الامهات، و ذلك على وجه الاستهزاء منه و التنبيه له على ما يوجب النفره منها و عدم الاغترار بها من سوء صنيعها باهلها حتى كانها قاصده لذلك التنبيه و التنفير عنها. و قوله:كم عللت. الى قوله:مصرعك. صغرى ضمير دل به على ما ادعاه لها من كونها منبهه من الغفله و ليس قصدها الغرور و تقديرها:قد صورت لك الدنيا نفسك بمن اكثرت تعليله و تمريضه من اهلك طالبا له الشفاء و مستوصفا له الاطباء فلم ينفعه ذلك منك، و مثلت بمصرعه مصرعك. و تقدير الكبرى:و كل من مثل لك ذلك و صوره لك فليس من اهل التلبيس عليك و الغرور لك بل من نصحائك و منبهيك من غفلتك. ثم لما نفى عنها الذم اخذ فى مدحها و ذكر لها اوصافا ثمانيه:احدها:انها دار صدق لمن صدقها:اى فيما اخبر به بلسان حالها من فنائها و زوالها. و تصديقه لها اعترافه بذلك منها و العمل به. الثانى:و دار عافيه لمن فهم عنها ما اخبرت عنها من عظاتها حتى احترز من آفاتها و عوفى مى عذاب الله بها. الثالث:و دار غنى لمن اتخذ فيها التقوى زادا لسفره الى الله. و ظاهر ان التقوى و ثمرتها فى الاخره اعظم غنى للمتقين. الرابع:و دار موعظه لمن اعتبر بها فعلم وصفها و غايتها. الخامس:كونها مسجد احباء الله من رسله و اوليائه. السادس:كونها مصلى ملائكه الله الا رضيه الذين سجدوا لادم عليه السلام. السابع:كونها مهبط وحى الله. الثامن:كونها متجر اولياء الله الذين اكتسبوا بعبادتهم فيها رحمته و ربحوا جنته. ثم استفهم بعد هذه الممادح عمن يذمها منكرا عليه و مبينا لاحوال اخرى لها ينافى ذمها اى فمن ذا يذمها و لها الصفات المذكور و هى على هذه الاحوال؟ و ذكر منها سته:احديها:كونها آذنت اهلها و اعلمهم بفراقها. و الواو فى قوله. و قد. للحال. الثانى:و نادت بفراقها. الثالث:و نعت نفسها. كل ذلك بلسان حالها من التغير و الانتقال الموذن. بالزوال. الرابع:بكونها مثلت لهم ببلائها البلاء فى الاخره. الخامس:و شوقتهم بسرورها الى السرور فى الجنه. و انما كان كذلك لان كل ما فى هذا العالم فهو صوره و مثال لما ف
ى عالم الغيب و نسخه منه يعتبر به و يقاس اليه و لولا ذلك لانسد طريق الترقى الى الحضره الالهيه و تعذر الوقوف على شى ء من اسرارها. فالسالكون الى الله لما شاهد و ابلاء الاخره من بلاء الدنيا عملوا للخلاص منه و شاهدوا سرورها من سرور الدنيا و علموا ان بينهما فرقا عظميا و ان الاشرف لا يحصل الا برفض الاخس فاقتضت آراوهم الصالحه بيع سرور الفانى بالباقى. السادس:رواحها بعافيه و ابتكارها بفجيعه. و هو كنايه عن سرعه انتقال احوالها و تبدل اطوارها من رخاء الى شده و من صحه الى سقم و نسب هذه الافعال اليها لان لها سببيه ما فى ذلك، و لما نسب اليها لافعال الختياريه جعل لها منها غايات و هى ترغيب الناس الى الله و ترهيبهم نها ثم اشار الى سبب ذمها ممن ذمها و هو ندامه المفرطين فى اتخاذ زاد التقوى الى الاخره منها فنسبوا ذلك التفريط الى غرورها لهم و هو باطل كما بينه، ثم الى سبب مدحها ممن مدحها و هو ثلاثه:احدها تذكرها لهم بزوالها ان ورائها غياه باقيه يجب العمل لها فتذكروا ما ذكرتهم و عملوا. الثانى:حديثها لهم بذلك حتى صدقوا. الثالث:وعظها لهم بعبرها حتى اتعظوا.