حکمت 135
اما الاول:فلان الغنى المتعارف يكون بحصول المال و للمال اعتباران:احدهما:حصوله. و الثانى:عدم انفاقه. فحصوله يسار، و عدم انفاقه على العيال لقلتهم يسارثان. و اطلق اليسار على قله العيال مجازا اطلاقا لاسم المسبب على السبب. و اما الثانى:فاراد العقل العملى. و لفظه مجاز فى تصرفاته اطلاقا لاسم السبب على المسبب و من جمله تصرفاته فى التدبير التودد الى الخلق. و لما كان الانسان محتاجا فى اصلاح معاشه الى غيره و كانت معاملته لهم فى ذلك اما على وجه التودد و ما يلزمه من جميل المعاشره و حسن الصحبه و المسامحه و الترغيب، و اما على وجه القهر و الغلبه و الترهيب لا جرم كان التودد و ما يلزمه نصف العقل:اى نصف تصرفه فى تدبير امر معاشه. و اما الثالث:فلان الهرم اما طبيعى و اما لسبب من خارج و هوالهم و الحزن و الخوف المستلزم له فهو اذن قسيم للسبب الطبيعى. و قسم من اسباب الهرم كالنصف له فاستعار له لفظ النصف و اراد:و الهم نصف سبب الهرم.حکمت 136
ان الله سبحانه جعل للانسان قوه استعداد لان يصبر بمقدار مصيبه فمن تم استعداده افيض عليه ذلك المقدار من الصبر و من قصر فى الاستعداد لحصول هذه الفضيله و ارتكب ضدها و هو الجزع حبط اجره و هو ثوابه على الصبر، و كنى عن الجزع بما يلزمه فى العاده من ضرب اليدين على الفخذين. و قيل:بل يحبط ثوابه السابق لان شده الجزع يستلزم كراهيه قضاء الله و سخطه و عدم الالتفات الى ما وعد به من ثواب الصابرين و هو معد لمحو الحسنات من لوح النفس و سقوط ما يلزمها من ثواب الاخر.حکمت 137
اراد بذلك من اخل بشرط من شرائط صيامه و قيامه و لم يات على وجه الاجزاء، و اعظم شرط لهما توجههما الى المعبود الحق عز سلطانه، و كثره خلل العباده و فسادها من كثير من الخلق انما يكون للجهل بهذا الشرط. و كنى بالقيام عن الصلاه. و انما مدح نوم الاكياس لان الكيس هو الذى يستعمل ذكاه و فطنته فى طرق الخير و على الوجه المرضى للشارع و يضع كل شى ء موضعه. و من كان كذلك كان نومه و افطاره و جميع تصرفاته فى عباداته موضعه موضعها من رضاء الله و محبته.حکمت 138
سوسوا:اى املكوا. و ذلك ان الصدقه من الايمان التام مملكه و حفظه لا يكون بدونها، و اما تحصين المال بالزكاه فلان منعها انما يكون عن البخل و شده الحرص و ذلك باعث لمستحقها على ذمه و داع للخلق الى التسبب فى اذاه فكان مانعها متعرضا بذلك لتلف ماله و بادائها محصنا له. و استعار لفظ الامواج للحوادث المتواتره و قد مر ان الدعاء باخلاص مما يعد النفس للاجابه بالمطلوب. و غرضه الحث على الصدقه و الزكوه و الدعاء.حکمت 139
اقول:الجبان:الصحراء. و الصعداء:نوع من النفس يصعده المتلهف و الحزين. و الهمج:ذباب صغيره كالبعوض. و الرعاع:الاحداث و العوام. و اللقن:سريع الفهم. و الاحناء:الجوانب. و المنهوم باللذاه:الشره فيها الحريص عليها. و المغرم بالجمع:شديد المحبه له. و هجم:و فى الفصل نكت:احديهما:انه عليه السلام اعده و نبهه للفهم عنه بقوله:ان هذه القلوب. الى قوله:لك. الثانيه:قسم الناس الى ثلاثه اصناف. و وجه القسمه ان الناس اما عالم او ليس، و الثانى اما طالب للعلم او ليس. ثم قيد كلا من الاقسام الثلاثه بصفه اوصفات:فالاول:العالم. و وصفه بالربانى نسبه الى الرب تعالى على غير قياس:اى العالم علم ربوبيته و هو العارف بالله تعالى و زيدت الالف و النون للمبالغه فى النسبه قال الله تعالى (كونوا ربانيين) و قيل:سموا بذلك لانهم يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها. و قيل:لانهم يربون العلم:اى يقومون باصلاحه. الثانى:المتعلم. و وصفه بكونه على سبيل النجاه. و لما كان العلم سببا للنجاه فى الاخره و كان المتعلم فى طريق تحصيله كان على سبيل النجاه ليصل اليها بالعلم الذى هو غايته المطلبوه. الثالث:العوام. و وصفهم باوصاف:احدها:استعار لهم لفظ الهمج باعتبار حقارتهم. الثانى:وصفهم بالعاميه و الحداثه لكونهما مظنتى الجهل. الثالث:كونهم اتباع كل ناعق ملاحظه لشبههم بالغنم فى الغفله و الغباوه. الرابع:كنى بكونهم يميلون مع كل ريح عن ضعفهم عن التماسك فى مذهب واحد و الثبات عليه. الخامس:كونهم لم يستضيووا بنور العلم و هو كونهم على ظلمه الجهل. السادس:و لم يلجووا الى ركن و ثبق. و استعار الركن الوثيق للاعتقادات الحقه البرهانيه التى يعتمد عليها فى دفع مكاره الاخره. الثالثه:فى مدح العلم. و تفضله على المال من وجوه:احدها:ان العلم يحرس صاحبه من مكاره الدنيا و الاخره و المال يحرسه صاحبه، و الفرق بين ما يكون حارسا لصابحه و بين ما يحتاج صاحبه الى حراسته فى الفضيله و النفع ظاهر. الثانى:ان العلم يزكو و يزيد باخراجه و افادته لطالبيه لتذكر العالم بتعليمه و مذاكرته لما غفل منه و استنباط ما لم يكن عنده، و المال تنقصه النفقه و الاخراج منه. الثالث:ان ضيع المال و هو الاحسان به يزول بزوال المال، و الاحسان بالعلم باق لبقائه. و صنيع:فعيل بمعنى مفعول. الرابع:كون معرفه العلم- اى تحصيله- دينا يدان به. و قد علمت كونه الاصل فى الدين. الخامس:كونه يكسب الانسان طاعه الخلق له فى حياته و جميل الاحدوثه بعد وفاته. و هما من فضائله الخارجيه. السادس:كونه حاكما على المال و المال محكوما عليه:اى ان تصريفه فى جمعه و انفاقه انما يكون على وفق العلم بوجوه تحصيله و مصارفه. السابع:من افضليته على المال كون خزان المال هالكين فى الاخره محكوم عليهم بذلك فى الدنيا و ان صدق عليهم انهم احياء كما قال تعالى (و الذين يكنزون الذهب و الفضه) الايه، و اما العماء فباقون ابدا، و ان فقدت اعيانهم من الدنيا فصورهم فى القلوب مشاهده موجوده. الرابعه:اشار بعد تقرير كمال هذه الفضيله الى ان فى صدره منها شيئا كثيرا. و انما يمنعه عن اظهاره عدم وجدان من يحمله عنه و- ها- للتنبيه. و جواب- لو- محذوف تقديره لاظهرته. الخامسه:استثبت من يجده و نبه على عدم صلاحيتهم لحمل ما عنده من العلم، و اشار الى اربعه اصناف منهم، و وجه القسمه ان غير اهل العلم من الناس اما طالبون له او غير طالبين، و الطالبون اما قادرون على القيام بالحجه او غير قادرين، و غير الطالبين له هم المشغولون بغير عنه فاشتغالهم اما بالانهماك فى لذاتهم و سهوله الانقياد لشهواتهم، و اما بمحبه جمع المال و ادخاره:فالاول:هو الخبيث الموصوف برذيله الجربزه، و اش
ار اليه بقوله:بلى اصيب لقنا. الى قوله:على اوليائه. و اشار الى وجوه صلاحيته لحمله:احدها:كونه غير مامون عليه:اى هو مظنه ان يذيعه الى غير اهله (ان يديغه- خ-) و يضعه فى غيره مواضعه. و الضمير فى قوله:عليه. للعلم. الثانى:كونه مستعملا لاله الدين و هو العلم فى الدنيا و استعماله فيها كالتكسب به، و مستظهرا بنعم الله و هى العمل على عباده كالفخر عليهم و مغالبتهم و استعمال حجه الله و ما علمه منها فى مقابله اوليائه و تلبيس الحق بالباطل. و اما الثانى ممن لا يصلح لحمله فهو المقلد، و اشار اليه بقوله:و منقادا. الى قوله:شبهه. منقادا عطف على لقنا، و اراد بالانقياد للحق الايمان به و تسليمه على سبيل الجمله، و اشار الى كونه غير صالح لحمله من وجهين:احدهما:كونه لا بصيره له فى جوانب العلم و تفاصيله. الثانى:كونه ينقدح الشك فى قلبه لاول عارض من شبهه. و ذلك لعدم العلم و ثباته فى نفسه بالبرهان و الحجه الواضحه. و قوله:لا ذا و لا ذاك. اى من حمله العلم. الثالث:هو المشار اليه بقوله:او منهوما. الى قوله:للشهوه. و الرابع:هو المشار اليه بقوله:او مغرما بالجمع و الادخار. و اتبعهما فى معرض الذم لهما بوصفين:احدهما:كونهما ليسا من
رعاه الدين فى شى ء:اى لا تعلق لهما بالدين و اهله. الثانى:كونهما اقرب شبها بهما الانعام السائمه باعتبار غفلتهما عن الدين و ثمرته فى الاخره. و قوله:كذلك:اى تقارب تلك الحوال من عدم من يصلح لحمل العلم و وجدان من لا يصلح له موت العلم بموت حامليه لان التشبيه يفيد مقاربه الحوال، و عنى بحامله نفسه و من عساه يكون من اهله يومئذ.دخل بغته. ثم استدرك بقوله:اللهم بلى. عدم خلو الارض من قائم لله بحجه اما ظاهرا او مستترا مغمورا فى الناس. و اراد بالظاهر من عساه يتمكن من اظهار العلم و العمل به من اولياء الله و خلفاء اوليائه فى موضع من الارض، و بالخائف المغمور الى من لم يتمكن من ذلك. قالت الشيعه:هذا تصريح منه عليه السلام بوجوب الامامه بين الناس فى كل زمان مادام التكليف باقيا و ان الامام قائم بحجه الله على خلقه و يجب بمقتضى حكمته. و هو اما ان يكون ظاهرا معروفا كالذين سبقوا الى الاحسان و وصلوا الى المحل الاعلى من ولده الاحد عشر، و اما ان يكون خائفا مستورا لكثره اعدائه و قله المخلص من اوليائه كالحجه المنتظر لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل. و قوله:و كم ذا. استبطاء لمده غيبه صاحب الامر و تبرم من امتداد دوله اعدائه. قوله:اين هم. استقلال لعدد ائمه الدين. و لذلك نبه بقوله:اولئك و الله الاقلون عددا. و ذكر فى معرض مدحهم اوصافا:احدها:الاقلون عددا الا عظمون قدرا عند الله. الثانى:ان بهم يحفظ حججه و بيناته المشتمل عليها دينه حتى يودعوها امثالها و يزرعوها فى قلوب اشباههم بعدهم. الثالث:كونهم:يهجم بهم العلم على حقيقه البصيره:ا
ى فاجاهم و دخل على عقولهم دفعه لان علومهم لدنيه حدسيه، و قيل:ذلك على المقلوب:اى هجمت بهم عقولهم على حقيقه العلم. الرابع:و باشروا روح اليقين:اى وجدوا لذته. الخامس:و استلانوا ما استوعر منه المترفون من الامور اشاقه كجشوبه المطعم و خشونه المضجع و الملبس و مصابره الصيام و السهر. و ذالك فى جنب ما و جدوه من لذه اليقين و حلاوه العرفان هين لين عندهم. السادس:و انسوا بما استوحش منه الجاهلون، و هو الاحوال التى الفوها مما ذكرنا فان الجاهل لجهله بثمرتها ينفر منها و يستوحش من اهلها. السابع:و صحبوا الدنيا بابدان ارواح معلقه بالمحل الاعلى عاشقه لما شاهدته من جمال حضره الربوبيه و صحبه الملاء الاعلى من الملائكه. و لما ميزهم بالاوصاف المذكوره اشار فى معرض مدحهم ايضا الى ان هولاء لما اشتملوا عليه من هذه الاوصاف هم خلفاء الله فى ارضه و الدعاه الى دينه. ثم تاوه شوقا الى رويتهم و آه كلمه توجع اصلها- اوه- و الفصل من افصح ما نقل عنه عليه السلام.