قال الرضى:و هذه من الاستعارات العجيبه، كانه يشبه السه بالوعاء، و العين بالوكاء، فاذا اطلق الوكاء لم ينضبط الواعاء، و هذا القول فى الاشهر الاظهر من كلام النبى صلى الله و عليه و آله و سلم، و قد رواه قوم لاميرالمومنين عليه السلام، و ذكر ذلك المبرد فى كتاب (المقتضب) فى باب (اللفظ بالحروف) و قد تكلمنا على هذه الاستعاره فى كتابنا الموسوم (بمجازات الاثار النبوته) و اقول:انه استعار لفظ الوكاء و هو رباط القربه للعين باعتبار حفظ الانسان فى يقظته لنفسه من ان يخرج منه ريح و نحوها كما يحفظ الوكاء ما يوكى به، و فى ذلك ملاحظه تشبيه السه بالوعاء كالقربه. و من تمام الخبر عن رسول الله صلى الله و عليه و آله:فاذا نامت العينان استطلق الوكاء.
حکمت 459
المنقول:ان الوالى هو عمر بن الخطاب. و الكلام من خطبه طويله له عليه السلام فى ايام خلافته يذكر فيها قربه من رسول الله صلى الله و عليه و آله و اختصاصه له و افضائه باسراره اليه الى ان قال فيها:فاختار المسلمون بعده بارائهم رجلا منهم فقارب و سدد حسب استطاعته على ضعف و جد كانا فيه. ثم وليهم بعده وال فاقم و استقام حتى ضرب الدين بجرانه على عسف عجز كانا فيه. ثم استخلفوا ثالثا لم يكن يملك امر نفسه شيئا، غلب عليه اهله فقادوه الى اهوائهم كما يقود الوليده البعير المحطوم، و لم يزل الامر بينه و بين الناس يبعد تاره و يقرب اخرى حتى نزوا عليه فقتلوه. ثم جاوا فى مدب الدبى يريدون بيعتى. فى كلام طويل. و الجران:مقدم عنق البعير. و ضربه بجرانه كنايه بالوصف المستعار عن استقراره و تمكنه كتمكن البعير البارك من الارض.
حکمت 460
تنهد:اى ترتفع و تعلو. و ذكر للزمان مذاما:احدها:استعار له لفظ العضوض باعتبار شدته و اذاه كالعضوض من الحيوان. و فعول للمبالغه. الثانيه:بعض الموسر فيه على ما فى يديه. و هو كنايه عن بخله بما يملك. و نبه على صدق قوله:و لم يومر بذلك. بقوله تعالى (و لا تنسوا الفضل بينكم) فانه يفيد الندب الى بذل الفضل من المال و ذلك ينافى الامر بالبخل. الثالثه:انه تعلو فيه درجه الاشرار و تستذل الاخيار. الرابعه:و يبايع فيه المضطرون:اى كرها الائمه الجور. و نبه على قبح ذلك بنهى الرسول صلى الله و عليه و آله.
حکمت 461
قال الرضى:و هذا مثل قوله عليه السلام هلك فى رجلان:محب غال، و مبغض قال. فالمحب المطرى بكثره المدح كالغلاه هم فى طرف الافراط، و الذى يبهته و يفترى عليه بانه كافر و مخطى ء كالخوارج هم فى طرف التفريط. و كلاهما رذيلتان خارجتان عن فضيله العدل فيه. و قد علمت ان الرذايل مهاوى الهلاك الاخروى. و قد سبق مثله.
حکمت 462
و هاتان الكلمتان على و جازتهما فى غايه الشرف، و عليهما مدار العلم الالهى. و الكلمه الاولى اجل كلمه ربى بها على التوحيد و التنزيه، و قد بينا مفهومها فى اول الخطبه الاولى من الكتاب. و جلمه القول فيها هيهنا انه لما كان الوهم انما يدرك المعانى الجزئيه المتعلقه بالمحسوس و لابد ان يستعين فى ادراكه و ضبطه بالقوه المتخيله حتى يصوره و يلحقه بالامور المحسوسه و كان البارى تعالى منزها بمقتضى التعقل الصرف عن المحسوسات و ما يتعلق بها لا جرم لم يجز ان يوجه الوهم فى تصوره تعالى و يجرى على ذاته المقدسه احكامه. اذ لا يكون فى حقه الا كاذبه لاقتضائها كونه محسوسا او متعلقا بالمحسوس الذى من شانه الكثره و التركيب المنافيان للوحده المطلقه. فيكون قد عرف التوحيد بخاصه من خواصه و هى لازم سلبى. و اما الكلمه الثانيه:فالمراد من العدل اعتقاد جريان العدل فى جميع افعاله تعالى و اقواله و من لوازم ذلك الخاصه به ان لا يتهمه العبد انه يجبره على القبيح ثم يعاقبه عليه، او انه يكلفه ما لا يطيقه، و نحو ذلك من مسائل اصول الدين التى اعتمد فيها المعتزله على ظواهر كلامه تعالى.