علی و مناوئوه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی و مناوئوه - نسخه متنی

نوری جعفر؛ مقدمه نویس: عبدالهادی مسعود؛ تعلیق و تصحیح: سید مرتضی رضوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ولجأ الى معاوية كذلك مصقلة بن هبيرة الشيباني ـ عامل علي في احدى خطط فارس.

وسبب ذلك ان مصقلة كان قد اشترى اسرى الخوارج من جماعة الخريت بن راشد السامي ولكنه التوى بما شرطه على نفسه من ثمنهم. 'فلما طالبه ابن عباس بأداء الدين قال: لو طلبت اكثر من هذا المال الى ابن عفان مامنعني اياه.

ثم احتال حتى هرب من البصرة ولحق بمعاوية. فتلقاه معاوية احسن لقاء واطمعه وارضاه حتى طمع مصقلة في ان يحمل اخاه نعيم بن هبيرة على ان يلحق به.'

[الدكتور طه حسين 'الفتنة الكبرى، علي وبنوه' ص 127.]

وهكذا نجد ابن هند يحتضن الجناة ـ الفارين من وجه العدالة ـ ويغدق عليهم العطاء من بيت مال المسلمين فيزرع بتصرفه هذا بذور فساد الاخلاق في المسلمين ويشجع الناس على الخروج على مبادىء الدين الحنيف.

ولم تقتصر نتائج ذلك الزمن الذي عاش فيه ابن أبي سفيان بل تعدته فسارت في سجل الزمن منذ مصرع الإمام حتى يومنا هذا.

لقد تمرد معاوية على الخليفة وتنكر لمبادىء الدين متظاهرا بالطلب بدم عثمان ابن عفان

[في حين ان ولى عثمان الذي يسوغ له المطالبة بدمه من الناحية الشرعية هو ابنة عمرو كما ذكرنا.] ومعاوية ـ كما ذكرنا هو:

ابن هند آكلة الاكباد، وأبوه ابو سفيان: الذي حارب النبي... ولم يسلم الا بأخرة حين لم ير من الاسلام بداً، وحين لم يكن الا ان يختار بين الاسلام والموت...

ولم تكن ام معاوية بأقل من أبيه تنكراً للاسلام وبغضا لاهله وحفيظة عليهم.. حتى فتحت مكة فأسلمت كارهة كما اسلم زوجها كارها.

[عبدالفتاح عبدالمقصود 'الامام علي بن ابي طالب' 2 / 61.]

وكان على معاوية ـ اذا فرضنا انه يجوز له ان يطالب بدم عثمان ـ

[عبدالفتاح عبدالمقصود 'الامام علي بن ابي طالب' 2 / 301.] ولو انصف واخلص نفسه للحق ان يبايع كما بايع الناس.

ثم يأتي الى علي ـ مع اولياء عثمان ـ فيطالبون بالاقادة ممن قتله. ولكن معاوية لم يكن يريد ان يثأر لعثمان

[ليس لدى الباحث من الادلة المقنعة ما يمنعه من الاعتقاد باشتراك معاوية ـ بطريقة غير مباشرة ـ في التآمر على قتل عثمان، فقد وهن العظم من عثمان وبلغ من الكبر عتيا. وليس من الممكن او المعقول ان تنتقل الخلافة الى معاوية دون ان يقتل عثمان، وان بقاء عثمان سنتين او ثلاثا في الحكم ـ وتعديل سيرته السياسية ـ لم يكن في صالح معاوية واذا لم يكن معاوية قد الب الناس على الشيخ او خذلهم عن نصرته فقد تقاعس عن مساعدته في احرج الظروف، فقد ساهم في قتله من الناحية السلبية على أسوأ الفروض. ذلك لان معاوية، بحكم مركزه في الشام الذي استمر زهاء عشرين عاما كان هو الوالي الوحيد الذي باستطاعته انقاذ حياة ابن عفان. ويجمل بنا في هذا الصدد، ان نذكر القارىء بالمحاورة الطريفة التي جرت بين معاوية وابي الطفيل حول تقاعس كل منهما عن نصرة عثمان. فقد سأل معاوية ابا الطفيل ـ متخابثا ـ عن تقاعسه عن نصرة الخليفة، فأجاب هذا بأن تقاعسه كان ضمن التقاعس العام الذي ابداه المهاجرون والانصار. ثم وجه السؤال نفسه الى معاوية فأجابه بأن طلبه بدمه ـ في خلافة علي ـ نصرة له. فضحك ابو الطفيل ثم قال: انت وعثمان كما قال الشاعر:




  • لا الفينك بعد الموت تندبني
    وفي حياتي ما زودتني زادي



  • وفي حياتي ما زودتني زادي
    وفي حياتي ما زودتني زادي



هذا الى ان معاوية باسناده امارة مصر لابن العاص ـ الذي عزله عثمان عنها فجعله من المؤلبين عليه ـ قد برهن بوضوح على ان المطالبة بدم عثمان وسيلة للثورة على علي.] بمقدار ما كان يريد ان يصرف الامر عن علي. وآية ذلك ان الامر استقام له ـ بعد مصرع الامام ـ فتناسى ثأر عثمان ولم يتبع قتلته..

فالطلب بدم عثمان اذن لم يكن الا اقصوصة اشترك في صوغها كل منافس لعلي، حاقد عليه. وقد وسع كل شيء ووصل الى كثير من الغايات الا الثأر للشيخ القتيل'.

وكان رأي علي في الموضوع كما يذكر ابن حجر العسقلاني

[الاصابة في تمييز الصحابة 2 / 501 و 502.] 'أن يدخل معاوية واصحابه في الطاعة.

ثم يقوم ولي دم عثمان بن عفان فيعمل الامام معه ما فيه حكم الشريعة.'.

وقد اشار الامام علي الى ذلك في احدى رسائله الى اهل الامصار بعد صفين حين قال

[شرح نهج البلاغة 4 / 161 و 162.]:

'وكان بدء امرنا ان التقينا والقوم من اهل الشام والظاهر ان ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الاسلام واحدة... والامر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء. فقلنا تعالوا نداوي مالا يدرك باطفاء الثائرة وتسكين العامة حتى يشتد الامر ويستجمع فنقوى على وضع الحق في مواضعه.

فقالوا: بل نداويه بالمكابرة. فأبوا حتى ضجت الحرب.. فلما ضرستنا واياهم ووضعت مخالبنا فينا وفيهم اجابوا عند ذلك الى الذي دعوناهم اليه.'.

ويلوح للباحث ان الخروج على ما توطا الناس عليه من العرف والخلق كان هو القاعدة العامة للاسرة الاموية في الجاهلية والاسلام.

وكتب التاريخ العربي زاخرة بالامثلة على ذلك. وقد مر بنا ـ في فصل سابق ـ ذكر كثير من الشواهد والامثلة في هذا الباب عندما تظاهر رؤوس الامويين في الانضواء تحت لواء الاسلام.

أما في الجاهلية فيجد الباحث:

على الرغم من قلة الاخبار الموثوقة عن سيرتهم ـ قصصا ممتعة في هذا المضمار. من ذلك مثلا ماذكره ابن الاثير

[الكامل في التاريخ 2 / 9.] حين قال:

'كان لعبدالمطلب جار يهودي يقال له: أذينة: يتجر وله مال كثير. فغاظ ذلك

حرب بن امية.. فأغرى به فتيانا من قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله. فقتله عامر بن عبد مناف بن عبد الدار وصخر بن حرب بن عمرو بن كعب التيمي جد ابي بكر'.

وتتلخص حركة القاسطين ـ من حيث وقوع حوادثها من الناحية التاريخية ـ على الشكل التالي

[ابن الأثير: 'الكامل في التاريخ' 3 / 141 ـ 160.]:

'لما عاد علي الى البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة... وبعث جرير بن عبدالله البجلي... وكتب معه كتابا الى معاوية يدعوه فيه الى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والانصار من طاعته، فسار جرير الى معاوية.

فلما قدم عليه ماطله معاوية واستنظره، واستشار عمرو بن العاص فأشار عليه ان يجمع اهل الشام ويلزم عليا دم عثمان ويقاتله بهم. ففعل معاوية ذلك. وكان اهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان ـ الذي قتل فيه ـ مخضوبا بالدم..

وضع معاوية القميص مدة وهو على المنبر. واقسموا الا يمسهم الماء للغسيل من الجنابة والا يناموا على الفراش حتى يقتلوا: قتلة عثمان، ومن قام دونهم قتلوه.

فلما عاد جرير الى علي واخبره خبر معاوية واجتماع اهل الشام على قتاله. خرج علي فعسكر بالنخيلة.. وسرح الاشتر ببعض الجند امامه.. وقال له:

اياك ان تبدأ القوم بقتال: ولاتدن منهم دنو من يريد ان ينشب الحرب، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس. حتى اقدم عليك..

واصبح علي على غدوة الاشتر..

وكان معاوية قد سبق.. فأخذ شريعة الفرات.. فطلب اصحاب علي شريعة غيرها فلم يجدوا. فأتوا عليا فأخبروه بعطشهم.. فدعا صعصعة بن صوحان. فأرسله الى معاوية يقول له:

انا سرنا سيرنا هذا ونحن نكره قتالكم قبل الاعتذار اليكم. فقدمت لنا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل ان نقاتلك، ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك. وهذه اخرى قد فعلتموها، منعتم الناس عن الماء.. فأبعث الى اصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء... لننظر فيما بيننا وبينك، وفيما قدمنا له..

فأصر معاوية واصحابه على المنع..

فلما علم علي بذلك قال:

قاتلوهم على الماء... فقاتلوهم حتى خلوا بينهم وبين الماء.

وصار الماء في ايدي اصحاب علي، فقالوا:

والله لاتسقيه اهل الشام، فأرسل علي الى اصحابه ان خذوا من الماء حاجتكم وخلوا عنهم..

ثم ان عليا دعا أبا عمر وبشير بن عمرو بن محصن الانصاري، وسعيد بن قيس الهمداني، وشبث بن ربعي التميمي فقال لهم: ائتوا هذا الرجل وادعوه الى الله والى الطاعة والجماعة... فأتوه.. فبتدأ بشير... وقال يامعاوية:

انشدك الله ان تفرق هذه الامة وتسفك دماءها بينها..

فقطع معاوية عليه الكلام وقال:

ونترك دم عثمان؟ والله لا افعل ذلك ابداً. فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي... فقال: يامعاوية.

والله لايخفى علينا ما تطلب، انك لم تجد شيئا تستغوى به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم الا قولك قد قتل امامك مظلوما، فنحن نطالب بدمه.. وقد علمنا انك ابطأت عنه بالنصر واحببت له القتل لهذه المنزلة التي اصبحت تطلب.

فاتق الله يا معاوية ولا تنازع الامر اهله، قال معاوية:

ان اول ماعرفت به سفهك... ان قطعت على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه، ثم... كذبت ولؤمت ايها الاعرابي الجلف...

انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم الا السيف.. فأتوا عليا فأخبروه بذلك.. فجرت مناوشات بالسلاح بين الفريقين بدأها أهل الشام في اوخر عام 36 هـ.

ثم دخلت سنة 37 هـ وفيها جرت موادعة بين علي ومعاوية، توادعا على ترك الحرب بينهما حتى ينقضى المحرم طمعاً في الصلح.

واختلف بينهما الرسل.. فلم يسفر ذلك عن شيء.. فلما انسلخ المحرم.. خرج معاوية وعمرو يكتبان الكتائب ويعبثان الناس.. وعلي يقول لاصحابه:

لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، فأنتم على حجة وترككم قتالهم حجة اخرى، فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً، ولاتجهزوا على جريح، ولاتكشفوا عن عورة، ولاتمثلوا بقتيل.

ولاتهتكوا ستراً، ولاتدخلوا داراً، ولاتأخذوا شيئاً، ولاتهيجوا امرأة وان شتمن اعراضكم وسببن امراءكم وصلحاءكم.

وكان علي يقول بهذا المعنى لاصحابه في كل مكان'.

ذلك مايتصل بالمرحلة التمهيدية لحرب صفين قبل ان ينشب القتال بين الطرفين، ونحسب ان القارىء قد لاحظ معنا جملة أمور:

منها: سعى الامام الى دعوة ابن ابي سفيان ـ بالطرق السليمة المألوفة ـ الى عدم شقه عصا الطاعة على النظام، واحداث الفتنة بين المسلمين، ليتسنى للخليفة ـ بعد ذلك ـ ان ينظر في الطلب الذي يقدمه له عمرو بن عثمان بن عفان ـ ولى عثمان حسب منطوق الآية التي ذكرناها ـ بشأن المتهمين بقتل عثمان كي يجري التحقيق اللازم ويتخذ الاجراءات القانونية بحق الجناة.

ولكن معاوية ألب الناس على الامام واتخذ قميص عثمان ستاراً للخروج على النظام؛ وسار بجيوشه متمرداً باغيا يريد العراق. واستولى على ماء الفرات في موقع تجمع الجيشين ومنع اصحاب الامام الذين لم يخرجوا لقتاله بل للتفاوض معه عساه يثوب الى رشده فيحقن دماء المسلمين.

فاضطر الامام الى دعوة اصحابه لقتالهم على الماء فقط، بعد ان فشلت مساعي صعصعة ابن صوحان كما رأينا، وبعد أن بلغ العطش بأصحابه حداً لا يطاق.

وعندما اصبح الماء بحوزة اصحابه امرهم بالسماح لخصومه بالاستقساء.

ولم يثنه غدر ابن ابي سفيان وامشاجه ـ وخروجهم متمردين من الشام، وابتداؤهم اصحابه بالقتال وحجزهم الماء عنهم ـ عن مواصلة مساعيه السلمية.

فأرسل بشير الانصاري، وسعيد الهمداني، وشبث التميمي، لمفاوضة معاوية واقناعه بالانصياع الى اوامر الله وسنة الرسول.

فأغلظ معاوية لهم القول وشتمهم وطردهم بعد ان حاول ان يوقع ـ بين سعيد، وشبث ـ العداوة والبغضاء باثارة العصبية الجاهلية التي حاربها الاسلام. فأبى معاوية الا الاستمرار في الطيش والعبث بأرواح الناس ومقدراتهم والاستهانة بمبادىء الدين الحنيف.

فحدث القتال المرير بين الجانبين وانهزمت قوى الشر امام جيوش الامام. فلجأ معاوية الى الحيلة والغدر ـ كعادته ـ فرفعت المصاحف وحصل التحكيم وخرج المارقون واغتيل الامام كما سنرى.

وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع ان نقول مرة اخرى:

ان الصراع بين القاسطين وبين قوى الامام ماهو ـ في جوهره ـ الا صراع بين رجلين يختلفان ـ كل الاختلاف ـ في الخلق وفي العقيدة. فمعاوية: 'رجل لم يردعه وازع عن التماس اي اسلوب... مشروع او غير مشروع للوصول الى هدفه وهو انتزاع الحكم من الامام ـ ولم ير حرجا في الدس، ولافي الغدر ولافي الادعاء الباطل.

فقد كان همه ان يغدر وان وطئت قدمه الملوثة قدس الحق وقيم الاخلاق.

وكانت الخطة التي درج عليها الامام تغاير ذلك.

لهذا فقد تباينت الاسلحة. فهي في يد علي معدومة وفي يد خصمه وفيرة، وتعددت ميادينها امام معاوية وضاقت حلقتها على الامام ـ الا ما أقره منها الدين وارتضته المثل

الانسانية الرفيعة'

[عبدالفتاح عبدالمقصود: 'الامام علي بن ابي طالب' 5 / 66 و 67.]

وتباين المقربون كذلك في الخلق والدين والهدف. فهم عند علي من خيرة اصحاب النبي وهدفهم السير وفق مستلزمات الاسلام. وهم ـ عند معاوية ـ من الوصوليين الانتهازيين:

عمار بن ياسر ومن هم على شاكلته من جهة، وعمرو بن العاص ومن لف لفه من جهة اخرى.

وتباين الاتباع كذلك. فقد كان معاوية يحارب الامام 'بمئة الف ما فيهم ـ على حد قوله ـ من يفرق بين الناقة والجمل'

[عباس محمود العقاد: 'عبقرية الامام' ص 50.]

وقد بلغت طاعة اهل الشام لمعاوية حداً يفوق الوصف

[المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر 2 / 334.]

فقد صلى بهم على ما يذكر المسعودي ـ عند مسيرهم الى صفين ـ الجمعة: يوم الاربعاء، واعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها'.

وفي معرض التحدث عن موقف اهل الشام ازاء معاوية.

يقول المسعودي

[المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر 2 / 51.]: ان احد اخوته من اهل العلم قال له: 'كنا نقعد فنتناظر في ابي بكر وعمر، وعلي ومعاوية، فقالت لي ذات يوم بعض اهل الشام ـ وكان من اعقلهم. واكبرهم لحية ـ كم تظنون في علي ومعاوية؟

فقلت له: من هو علي؟ فقال... قتل علي في غزوة حنين مع النبي.

ولما خرج عبدالله بن علي في طلب مروان الى الشام... وجه الى ابي العباس السفاح اشياخا من اهل الشام من ارباب النعم والرئاسة، فحلفوا للسفاح انهم ما علموا لرسول الله قرابة ولا اهل بيت يرثونه غير بني امية حتى وليتم الخلافة'

وكان ذلك دون شك من آثار معاوية في تضليل الناس والتغرير بهم. فيكون معاوية ـ بالاضافة الى ما ذكرنا ـ مسئولا عن تشويه كثير من حقائق التاريخ الاسلامي وتزوير حوادثه.

أما أساليبه في الغدر بمناوئيه وتدبير المؤمرات لاغتيالهم فمعروفة لدى الكثيرين، فقد دبر قضية سم الاشتر والحسن، بعد ان نكث عهده.

وتتلخص قضية الاشتر النخعي في ان الامام عليا قد ولاه مصر بعد ان عزل عنها محمد بن ابي بكر. 'ولكن الاشتر لم يكد يصل الى القلزم حتى مات'.

واكثر المؤرخين يتحدثون بأن معاوية اغوى صاحب الخراج في القلزم... ان هو احتال في موت الاشتر، فدس هذا الرجل للاشتر سما في شربة من عسل فقتله ليومه.

وكان معاوية وعمرو يتحدثان فيقولان ان لله جنودا من عسل'

[الدكتور طه حسين: 'الفتنة الكبرى، علي وبنوه' ص 131.]، وكان غدره يترواح بين الشدة واللين حسب الظروف، فيلجأ الى القسوة اذا اعيته الحيلة والمراوغة والدس، من ذلك مثلا:

انه اختار بسر بن ارطأة المعروف بقساوته، وسيره على رأس جيش لتعقب خصومه.

وقد اوصى معاوية بسر بن ارطأة أن يقسو على البادية من شيعة علي.

فمضى بسر ونفذ وصية معاوية واضاف لها من عنده قسوة وغلظة واسرافاً في الاستخفاف بالدماء، والاموال، والحقوق والحرمات، فكان كثير الفتك في البادية، وجاء المدينة فروع اهلها... وامرهم بالبيعة لمعاوية ففعلوا مرغمين.

ومضى الى اليمن ففر عنها عامل علي واعوانه.

ونشر فيها الروع بالاسراف في القتل، ثم اخذ البيعة لمعاوية.

وبلغ خبره علياً فأرسل جارية بن قدامة ليرده عن اليمن، ففر عنها بسر بن ارطأة ورجع الى الشام مفسداً في الارض اثناء رجوعه ومسرفاً في القتل والنهب حتى ذبح ابنى عبيد الله بن العباس وكانا صبيين.

ورد جارية اليمن الى طاعة الامام، وعاد الى مكة فعرف فيها ان عليا قد قتل'

[الدكتور طه حسين 'الفتنة الكبرى علي وبنوه' ص 150.]

يتضح مما ذكرنا ان خلق معاوية كان اقرب الى الوحشية منه الى الانسانية، على انه كان في ـ وحشيته الخلقية ـ كالوحش المفترس تارة، وكالثعلب المراوغ تارة اخرى اما الامام فكان انسانا كاملا في دينه، وسياسته واخلاقه، فقد امتلأت نفسه الكبيرة من خشية الله، وحب الناس، ونشر العدالة والاخاء بين المسلمين.

وكان موقف اتباعه منه ـ على حقه ـ مغايراً لموقف اتباع معاوية له على باطله كما رأينا.

والى القارىء طائفة من اقوال الامام لاتباعه وهو في احرج ساعات نزاعه مع مناوئيه: 'أما والذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ليس لانهم اولى بالحق منكم ولكن لاسراعهم الى باطلهم وابطائكم عن حقي.

ولقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت اخاف ظلم رعيتي.

أيها الشاهدة ابدانهم الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة اهواؤهم المبتلى بهم امراؤهم، صاحبكم: يطيع الله وانتم تعصونه، وصاحب اهل الشام: يعصى الله وهم يطيعونه

والله لكأني بكم فيما اخالكم ان لو حمس الوغى وحمى الضرب قد انفرجتم عن ابن ابي طالب انفراج المرأة عن قبلها، واني لعلي بينة من ربي، ومنهاج من نبي، واني لعلى الطريق الواضح القطه لقطاً'

['شرح نهج البلاغة' لابن ابي الحديد 2 / 182 ـ 185.

"حمس الوغى. اشتد وعظم. الوغى في الاصل: الاصوات والجلبة، وسميت الحرب نفسها وغى لما فيها من ذلك. وانفراج المرأة عن قبلها أي وقت الولادة. وقوله القطه لقطا يريد ان الضلال غالب على الهدى وأنه التقط طريقه من ههنا وههنا كما يسلك الانسان طريقاً دقيقة قد اكتنفها الشوك والعوسج من جانبيها كليهما فهو يلتقط النهج التقاطا".]، وقال في مكان آخر:

'ولكن بمن والى من! أريد ان اداوي بكم وانتم دائي' كناقش الشوكة بالشوكة

/ 23