کنز الفوائد جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کنز الفوائد - جلد 1

ابو الفتح الکراجکی؛ مصحح: عبدالله نعمه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



فصل :



مما ذكر في تأويل قول الله عز و جل فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ
اعلم أن هذه الآية نزلت في قوم فرعون الذينأهلكهم الله عز و جل و أورث أرضهم و نعمهم غيرهم و فيها وجوه أحدها ما ورد بهالخبر الذي قدمناه عن رسول الله (ص) من ذكر البابين اللذين لكل مؤمن يصعد من أحدهماعمله و ينزل من الآخر رزقه و أنهما يبكيان عليه بعد موته و معنى البكاء هاهناالإخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده. قال مزاحم العقيلي :





  • بكت دارهم من أجلهم فتهللت
    أ مستعبرا يبكي من الهون و البلى
    و آخر يبكي شجوه و يهيم



  • دموعي فأي الجازعين ألوم
    و آخر يبكي شجوه و يهيم
    و آخر يبكي شجوه و يهيم



فإذا لم يكن لها و لا للقوم الذين أخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالحفي الأرض و لا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز إن يقال فما بكت عليهم السماء والأرض .


و قد روي عن ابن عباس رحمه الله أنه قيل له و قد سئل عن هذه الآية أ وتبكي السماء و الأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض و مصعد عمله في السماء .


و الوجه الثاني من التأويل أن يكون تعالى أراد المبالغة في وصف القومالذين أهلكهم بصغر القدر و سقوط المنزلة لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاببالهالك قال كسفت لفقده الشمس و أظلم القمر و بكاه الليل و النهار و السماء والأرض يريدون بذلك المبالغة و عظم الأمر و شمول المصيبة قال جرير يرثى عمر بن عبدالعزيز :





  • الشمس طالعة ليست بكاسفة
    تبكي عليك نجوم الليل و القمرا



  • تبكي عليك نجوم الليل و القمرا
    تبكي عليك نجوم الليل و القمرا



و في انتصاب النجوم و القمر في هذا البيت ثلاثة وجوه أحدها أنه أرادأن الشمس طالعة و ليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل و القمر لأن عظم الرزية قدسلبها ضوءها فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب .


الوجه الثاني أن يكون انتصابها على معنىقوله لا أكلمك الأبد و طول المسند و ما جرى مجرى ذلك فكأنه أخبر بأن الشمس تبكيهما طلعت النجوم و ما ظهر القمر. و الوجه الثالث أن يكون نجوم الليل و القمر باكيينالشمس على هذا المفقود فبكهن أي غلبتهن بالبكاء كما يقال باكاني عند الله فبكيته وكاثرني فكثرته أي فضلت عليه و غلبته .


و الوجه الثالث من التأويل أن يكون الله تعالىأراد بقوله فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ
أهل السماء و أهل الأرضو حذف أهل كما قال عز و جل وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و كما قال حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها و إنما أراد أصحابها و يجري ذلك مجرى قولهم السخاء سخاء حاتم قال الشاعر :





  • قليل عيبه و العيب جم
    و لكن الغنى رب غفور



  • و لكن الغنى رب غفور
    و لكن الغنى رب غفور



يريد و لكن الغنى غنى رب غفور .


و الوجه الرابع من التأويل أن يكونمعنى الآية الإخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم و لا أحد انتصر لهم لأن العرب كانتلا تبكي على قتيل إلا بعد الأخذ بثأره فكني بهذا اللفظ عن فقد الانتصار و الأخذبالثأر على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن.


و الوجه الخامس من التأويل أن يكونالبكاء المذكور في الآية كناية عن المطر و السقيا لأن العرب تشبه المطر بالبكاء ويكون معنى الآية أن السماء لم تسق قبورهم و لم تجد بقطرها عليهم على مذهب العربالمعهود بينهم لأنهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه من أعزائهم يتعشبونالزهر و الرياض لمواقع حفرهم قال النابغة .





  • فلا زال قبر بين تبنى و جاسم
    فينبت حوذانا و عوفا منورا
    سأتبعه من خير ما قال قائل



  • عليه من الوسمي طل و وابل
    سأتبعه من خير ما قال قائل
    سأتبعه من خير ما قال قائل



و كانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام و مسألة الله تعالى لهمالرضوان و الفعل إذا أضيف إلى السماء و إن كان لا تجوز إضافته إلى الأرض فقد يصحعطف الأرض على السماء بأن يقدر فعل يصح نسبته إليها و العرب تفعل مثل هذا قال الشاعر .





  • يا ليت زوجك قد غدا
    متقلدا سيفا و رمحا



  • متقلدا سيفا و رمحا
    متقلدا سيفا و رمحا



بعطف الرمح على السيف و إن كان التقلد لا يجوز فيه لكنه أراد حاملارمحا و مثل هذا يقدر في الآية فيقال إنه تعالى أراد أن السماء لا تسقي قبورهم والأرض لم تعشب عليها و كل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله عز و جل.


و ربما شبه الشعراء النبات بضحك الأرض كما شبهوا المطر ببكاء السماء و فيذلك يقول أبو تمام حبيب بن أوس :





  • إن السماء إذا لم تبك مقلتها
    و الزهر لا تنجلي أبصاره أبدا
    إلا إذا رمدت من كثرة المطر



  • لم تضحك الأرض عن شي ء من الخضر
    إلا إذا رمدت من كثرة المطر
    إلا إذا رمدت من كثرة المطر



ذكر مجلس جرى في القياس :



مع رجل من فقهاء العامة اجتمعت معه بدار العلم فيالقاهرة سألني هذا الرجل بمحضر جماعة من أهل العلم فقال ما تقول في القياس و هلتستجيزه في مذهبك أم ترى أنه غير جائز فقلت له القياس قياسان قياس في العقليات وقياس في السمعيات فأما القياس في العقليات فجائز صحيح و أما القياس في السمعياتفباطل مستحيل. قال فهل يتفق حدهما أم يختلف قلت الواجب أن يكون حدهما واحدا غيرمختلف قال فما هو قلت القياس هو إثبات حكم المقيس عليه في المقيس هذا هو الحدالشامل لكل قياس و له بعد هذا شرائط لا بد منها و لا يقاس شي ء على شي ء إلا بعلةتجتمع بينهما. قال فإذا كان الحد شاملا للقياسين فلا فرق إذا بين القياس الذيأجزته و القياس الذي أحلته قلت بل بينهما فروق و إن شملالحد قال و ما هي قلت منها أن علة القياس في العقليات موجبة و مؤثرة تأثير الإيجابو ليست علة القياس في السمعيات عند من يستعمله كذلك بل يقولون هي تابعة للدواعي والمصالح المتعلقة بالاختيار. و منها أن العلة في العقليات لا تكون إلا معلومة و هيعندهم في السمعيات مظنونة و غير معلومة و منها أنها في العقليات لا تكون إلا شيئاواحدا و هي في السمعيات قد تكون مجموع أشياء فهذه بعض الفروق بين القياسين و إنشملهما حد واحد قال فما الذي يدل على أن القياس في السمعيات لا يجوز قلت الدليلعلى ذلك أن الشريعة موضوعة على حسب مصالح العباد التي لا يعلمها إلا الله تعالى ولذلك اختلف حكمها في المتفق الصور و اتفق في المختلف و ورد الحظر لشي ء و الإباحةلمثله بل ورد الحكم في الأمر العظيم صغيرا و في الصغير بالإضافة إليه عظيما واختلف كل الاختلاف الخارج عن مقتضى القياس. و إذا كان هذا سبيل المشروعات علم أنهلا طريق إلى معرفة شي ء من أحكامها إلا من قبل المطلع على السرائر العالم بمصالحالعباد و أنه ليس للقائسين فيه مجال فقال أحد الحاضرين فمثل لنا بعض ما أشرت إليهمن هذا الاختلاف المباين للقياس قلت هو عند الفقهاء أظهر من أن يحتاج إلى مثال ولكني أورد منه طرفا لموضع السؤال. فمنه أن الله عز و جل أوجب الغسل من المني و لميوجبه من البول و الغائط و ليس هو بأنجس منهما و أكثر العامة يروون أنه طاهر وألزم الحائض قضاء ما تركته من الصيام و أسقط عنها قضاء ما تركته من الصلاة و هي أوكد من الصيام و فرض في الزكاة أن يخرج من الأربعين شاةشاة و لم يفرض في الثمانين شاتين بل فرضها بعد كمال المائة و العشرين و هذا خارجعن القياس و نهانا عن التحريش بين بهيمتين و أباحنا إطلاق البهيمة على ما هو أضعفمنها في الصيد. و جعل للرجل أن يطأ من الإماء ما ملكته يمينه و لم يجعل للمرأة أنتمكن من نفسها من ملكته يمينها و أوجب الحد على رمي غيره بفجور و أسقطه عن من رميبالكفر و هو أعظم من الفجور و أوجب قتل القاتل بشهادة رجلين و حظر جلد الزاني الذييشهد بالزناء عليه إلا أن يشهد بذلك أربعة شهود و هذا كله خارج عن سنن القياس. وقد ذكروا عن ربيعة بن عبد الرحمن أنه قال سألت سعيد بن المسيب فقلت كم في إصبعالمرأة قال عشر من الإبل قلت كم في إصبعين قال عشرون قلت كم في ثلاث قال ثلاثونقلت كم في أربع قال عشرون قلت حين عظم جرحها و اشتدت مصيبتها نقص عقلها فقال سعيدأعرابي أنت قلت بل عالم مثبت أو جاهل متعلم .


قال هي السنة يا ابن أخ. و نحو ذلك مما لو ذهبتإلى استقصائه لطال الخطاب و فيما أوردته كفاية لذوي الألباب قال السائل فإذا كانالقياس عندك في الفروع العقلية صحيحا و لم يكن في الضرورات التي هي أصولها مستمراو لا صحيحا فما تنكرون أن يكون كذلك الحكم في السمعيات فيكون القياس في فروعهاالمسكوت عنها صحيحا و إن لم يكن في أصول المنطوق بها مستمرا و لا صحيحا فقلت أنكرتذلك من قبل أن المتعبدات السمعية وضعت على خلاف القياس مما ذكرناه فوجب أن يكون ماتفرع عنها جاريا مجراها. و لسنا نجد أصول المعقولات التي هي الضرورات موضوعة علىخلاف القياس و إنما امتنع القياس فيها لأنها أصول لا أصول لها فوضح الفرق بينهما ومما يبين لك ذلك أيضا أنه قد كان من الجائز أن نتعبد بخلاف ما أتت فيه أصولالشرعيات و ليس بجائز أن يتعبد بخلاف أصول العقليات التي هي الضرورات فلا طريق إلىالجمع بينهما قال فما تنكرون على من زعم أن الله تعالى فرق لنا بين الأصول فيالسمعيات و فروعها فنص لنا على الأصول و عرفنا بها و أمرنا بقياس الفروع عليهاضربا من التعبد و التكليف ليستحق عليه الأجر و الثواب قلت هذا مما لا يصح أن يكلفهالله تعالى للعبادة لأن القياس لا بد فيه من استخراج علة يحمل عليها الفروع على الأصولليماثل بينهما في الحكم و الأحكام الشرعية لو كانت مما توجبه العلل لم يجز فيالمشروعات النسخ و في جواز ذلك في العقل دلالة على أنها لا تثبت بالعلل. و قدقدمنا القول بأن علل القائسين مظنونة و الظنون غير موصلة إلى إثبات ما تعلق بمصالحالخلق و لا مؤدية إلى العلم بمراد الله تعالى من الحكم و لو فرضنا جواز تكليفالعباد القياس في السمعيات لم يكن بد من ورود السمع بذلكفي القرآن أو في صحيح الأخبار و في خلو السمع من تعلق التكليف به دلالة على أنالله تعالى لم يكلفه خلقه قال فإنا نجد ذلك في آيات القرآن و صحيح الأخبار قالالله عز و جل فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
فأوجب الاعتبار و هو الاستدلالو القياس. و قال فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فأوجب بالمماثلة المقايسة .


و روي أن النبي (ص) لما أرسل معاذا إلى اليمن قال له بما ذا تقضي قال بكتابالله قال فإن لم تجد في كتاب الله قال بسنة رسول الله قال إن لم تجد في سنة رسولالله قال أجتهد رأيي فقال (ع) الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله .


و روي عن الحسن علي (ع) انه سئل فقيل له بما ذا كان يحكم أمير المؤمنين (ع) قال بكتابالله فإن لم يجد فسنة رسول الله (ص) فإن لم يجد رجم فأصاب .


و هذا كله دليل على صحة القياس و الأخذ بالاجتهاد و الظن و الرأيفقلت له أما قول الله عز و جل فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
فليس فيه حجةلك على موضع الخلاف لأنه تعالى ذكر أمر اليهود و جنايتهم على أنفسهم في تخريببيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين ما يستدل به على حق رسول الله (ص) و أن الله أمدهبالتوفيق و نصره و خذل عدوه و أمر الناس باعتبار ذلك لِيَزْدادُوا بصيرة في الإيمان .


و ليس هذا بقياس في المشروعات و لا فيه أمربالتعويل على الظنون في استنباط الأحكام و أما قوله سبحانه فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ
فليس فيه أن العدلينيحكمان في جزاء الصيد بالقياس و إنما تعبد الله سبحانه عباده بإنفاذ الحكم فيالجزاء عند حكم العدلين بما علماه من نص الله تعالى و لو كان حكمهما قياسا لكاناإذا حكما في جزاء النعامة بالبدنة قد قاسا مع وجود النص بذلك فيجب أن يتأمل هذا. وأما الخبران اللذان أوردتهما فهما من أخبار الآحاد التي لا يثبت بهما الأصولالمعلومة في العبادات على أن رواة خبر معاذ مجهولون و هم في لفظه أيضا مختلفون ومنهم من روى أنه لما قال أجتهد رأيي قال له (ع) لا أحب إلى أن أكتب إليك. و لو سلمناصيغة الخبر على ما ذكرت لاحتمل أن يكون معنى قوله أجتهد رأيي أني أجتهد حتى أجدحكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب و السنة و أما ما رويته عن الحسن (ع) من حكمأمير المؤمنين (ص) ففيه تصحيف ممن رواه .


و الخبر المعروف أنه قال فإن لم يجد في السنة زجر فأصاب .


يعني بذلك القرعة بالسهام و هو مأخوذ من الزجر و الفال و القرعةعندنا من الأحكام المنصوص عليها و ليست بداخلة في باب القياس فقد تبين أنه لا حجة لك فيما أوردته من الآيات و الأخبار فقال أحدالحاضرين إذا لم يثبت للقائسين نص في إيجاب القياس فكذلك ليس لمن نفاه نص في نفيهمن قرآن و لا أخبار فقد تساويا في هذه الحال فقلت له قد قدمت من الدليل العقلي علىفساد القياس في الشرعيات و ما يستغني به متأمله عن إيراد ما سواه.


ثم إن الأمر بخلاف ما ظننت و قد تناصرت الأدلة بحظر القياس من القرآن وثابت الأخبار قال الله عز و جل
وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُفَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ

و لسنا نشك في أن الحكم بالقياس حكم بغير التنزيل قالالله عز و جل
وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ

و مستخرج الحكم في الحادثةبالقياس لا يصح له أن يضيفه إلى الله و لا إلى رسول الله ص. و إذا لم يصح إضافتهإليهما فإنما هو مضاف إلى القائس دون غيره و هو المحلل و المحرم في الشرع بقول منعنده و كذب وصفه بلسانه فقال سبحانه
وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌإِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا

و نحن نعلم أن القائس معول على الظن دون العلم و الظن مناف للعلم أ لا ترى أنهمالا يجتمعان في الشي ء الواحد و هذا من القرآن كاف في إفساد القياس و أما المروي في ذلك من الأخبار فمنه قول رسول الله (ص) ستفترق أمتي على بضع و سبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتيقوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال و يحللون الحرام .


و قول أميرالمؤمنين (ع) إياكم و القياس في الأحكام فإنه أول من قاس إبليس .


و قال الصادقجعفر بن محمد (ع) إياكم و تقحم المهالك باتباع الهوى و المقاييس قد جعل الله تعالىللقرآن أهلا أغناكم بهم عن جميع الخلائق لا علم إلا ما أمروا به قال الله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ إيانا عنى .


و جميع أهل البيت (ع) أفتوا بتحريم القياس :



و روي عن سلمانالفارسي رحمه الله أنه قال ما هلكت أمة حتى قاست في دينها .


و كان ابن مسعود يقول هلك القائسون .


و في هذا القدر من الأخبار غنى عن الإطالة و الإكثار و قد روى هشامبن عروة عن أبيه قال إن أمر بني إسرائيل لم يزل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سباياالأمم فقالوا فيهم بالرأي فأضلوهم. قال ابن عيينة فما زال أمر الناس مستقيما حتىنشأ فيهم ربيعة الرأي بالمدينة و أبو حنيفة بالكوفة و عثمان البني بالبصرة و أفتوا الناس و فتنوهم فنظرنا فإذا هم أولاد سباياالأمم فحار الخصم و الحاضرون مما أوردت و لم يأت أحد منهم بحرف زائد على ما ذكرت و الحمد لله .


ذكر مجلس :



جرى لشيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضوان اللهعليه مع بعض خصومه في قولهم إن كل مجتهد مصيب قال شيخنا المفيد رضي الله عنه كنتأقبلت في مجلس على جماعة من متفقهة العامة فقلت لهم إن أصلكم الذي تعتمدون عليه فيتسويغ الاختلاف يحظر عليكم المناظرة و يمنعكم من الفحص و المباحثة و اجتماعكم على المناظرة يناقض أصولكم في الاجتهاد و تسويغ الاختلاف. فإما أن تكونوا مع حكم أصولكمفيجب أن ترفعوا النظر فيما بينكم و تلزموا الصمت و إما أن تختاروا المناظرة وتؤثروها على المتاركة فيجب أن تهجروا القول بالاجتهاد و تتركوا مذاهبكم في الرأي وجواز الاختلاف و لا بد من ذلك ما أنصفتم و عرفتم طريق الاستدلال فقال أحد القوم لمزعمت أن الأمر كما وصفت و من أين وجب ذلك قال شيخنا رضي الله عنه فقلت له علىالبيان عن ذلك و البرهان عليه حتى لا... على أحد من العقلاء. أ ليس من قولكم أنالله تعالى سوغ خلقه الاختلاف في الأحكام للتوسعة عليهم و دفع الحرج عنهم رحمة منهلهم و رفقا بهم و أنه لو ألزمهم الاتفاق في الأحكام و حظر عليهم الاختلاف لكانمضيقا عليهم معنتا لهم و الله يتعالى عن ذلك حتى أكدتم هذا المقال بما رويتموه عنالنبي (ص) انه قال اختلاف أمتي رحمة .


و حملتم معنى هذا الكلام منه على وفاق ما ذهبتم إليه في تسويغالاختلاف قال بلى فما الذي يلزمنا على هذا المقال. قال شيخنا رحمه الله قلت لهفخبرني الآن عن موضع المناظرة أ ليس إنما هو التماس الموافقة و دعاء الخصم بالحجةالواضحة إلى الانتقال إلى موضع الحجة و تتغير له عن الإقامة على ضد ما دل عليه البرهانقال لا ليس هذا موضوع المناظرة و إنما موضوعها لإقامة الحجة و الإبانة عن رجحانالمقالة فقط. قال الشيخ فقلت له و ما الغرض في إقامة الحجة و البرهان على الرجحانو ما الذي يجرانه إلى ذلك و المعنى الملتمس به أ هو تبعيدالخصم من موضع الرجحان و التنفير له عن المقالة بإيضاح حجتها أم الدعوة إليها بذلكو اللطف في الاجتذاب إليها به فإن قلت إن الفرض للمحتج التبعيد عن قوله بإيضاحالحجة عليه و التنفير عنه بإقامة الدلالة على صوابه قلت قولا يرغب عنه كل عاقل ولا يحتاج معه لتهافته إلى كسره و إن قلت إن الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليهبذلك و الدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها إلى اعتقاده ضرب بهذا القول و هو الحقالذي لا شبهة فيه إلى ما أردناه من أن موضوع المناظرة إنما هو للموافقة و رفعالاختلاف و المنازعة. و إذا كان ذلك كذلك فلو حصل الفرض في المناظرة و ما أجرى بهاعليه لارتفعت الرحمة و سقطت التوسعة و عدم الرفق من الله تعالى بعباده و وجب فيصفة العنت و التضييق و ذلك ضلال من قائله فلا بد على أصلكم في الاختلاف من تحريمالنظر و الحجاج و إلا فمتى صح ذلك و كان أولى من تركه فقد بطل قولكم في الاجتهاد وهذا ما لا شبهة فيه على عاقل. فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال ليس الغرض فيالمناظرة الدعوة إلى الاتفاق و إنما الغرض فيها إقامة الغرض من الاجتهاد فقال لهالشيخ رضي الله عنه هذا الكلام كلام صاحبك بعينه في معناه و أنتما جميعا حائدان عنالتحقيق و الصواب و ذلك أنه لا بد في فرض الاجتهاد من غرض و لا بد لفعل النظر منمعقول فإن كان الغرض في أداء الفرض بالاجتهاد البيان عن موضع الرجحان فهو الدعاءفي المعقول إلى الوفاق و الإيناس بالحجة إلى المقال. و إن كان الغرض فيه التعمية والإلغاز فذلك محال لوجود المناظر .


مجتهدا في البيان التحسين لمقاله بالترجيح له علىقول خصمه في الصواب و إن كان معقول فعل النظر و مفهوم غرض صاحبه الذب عن نحلته والتنفير عن خلافها و التحسين لها و التقبيح لضدها و الترجيح لها على غيرها و كنانعلم ضرورة أن فاعل ذلك لا يفعله للتبعيد من قوله و إنما يفعله للتقريب منه والدعاء إليه فقد ثبت بما قلناه. و لو كان الدال على قوله الموضح بالحجج عن صوابهالمجتهد في تحسينه و تشييده غير قاصد بذلك إلى الدعاء إليه و لا مزيد للاتفاق عليهلكان المقبح للمذهب الكاشف عن عواره الموضح عن ضعفه و وهنه داعيا بذلك إلى اعتقادهو مرغبا به إلى المصير إليه و لو كان ذلك كذلك لكان إلزام الشي ء مدحا له و المدحله ذما له و الترغيب في الشي ء ترهيبا عنه و الترهيب عن الشي ء ترغيبا فيه و الأمربه نهيا عنه و النهي عنه أمرا به و التحذير منه إيناسا به و هذا ما لا يذهب إليهسليم فبطل ذلك ما توهموه و وضح ما ذكرناه في تناقض نحلتهم على ما بيناه و اللهنسأل التوفيق قال شيخنا رضي الله عنه ثم عدلت إلى صاحب المجلس فقلت له لو سلمهؤلاء من المناقضة التي ذكرناها و لن يسلموا أبدا من الله لما سلموا من الخلاف علىالله فيما أمر به و الرد للنص في كتابه و الخروج عن مفهوم أحكامه بما ذهبوا إليهمن حسن الاختلاف و جوازه في الأحكام قال الله عز و جل
وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَتَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

فنهى الله تعالى نهيا عاما ظاهرا و حذر منه و زجر عنه وتوعد على فعله بالعقاب و هذا مناف لجواز الاختلاف و قال سبحانه وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا
فنهى عن التفرقو أمر الكافة بالاجتماع و هذا يبطل قول مسوغ الاختلاف و قال سبحانه وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
فاستثنى المرحومين منالمختلفين و دل على أن المختلفين قد خرجوا بالاختلاف عن الرحمة لاختصاص من خرج عنصفتهم بالرحمة و لو لا ذلك لما كان لاستثناء المرحومين من المختلفين معنى يعقل وهذا بين لمن تأمله.


قال صاحب المجلس أرى هذا الكلام كله يتوجه على من قال إن كلمجتهد مصيب فما تقول فيمن قال إن الحق في واحد و لم يسوغ الاختلاف. قال الشيخ رضيالله عنه فقلت له القائل بأن الحق في واحد و إن كان مصيبا فيما قال على هذا المعنىخاصة فإنه يلزمه المناقضة بقوله إن المخطئ للحق معفو عنه غير مؤاخذ بخطئه فيه واعتماده في ذلك على أنه لو أوخذ به للحقه العنت و التضييق فقد صار بهذا القول إلىمعنى قول الأولين فيما عليهم من المناقضة و لزمهم من أجله ترك المباحثة و المكالمةو إن كان القائلون بإصابة المجتهدين الحق يزيدون عليه في المناقضة و تهافت المقالةبقول الواحد لخصمه قد أخطأت الحكم مع شهادته له بصوابه فيما فعله مما به أخطأالحكم عنده فهو شاهد بصوابه و خطئه في الإصابة معترف له و مقر بأنه مصيب في خلافهمأجور على مباينته و هذه مقالة تدعو إلى ترك اعتقادها بنفسها و تكشف عن قبح باطنهابظاهرها و بالله التوفيق ذكروا أن هذا الكلام جرى في مجلس الشيخ أبي الفتح عبيدالله بن فارس قبل أن يتولى الوزارة .


مسألة :



إن سأل سائل فقال ما معنى :


قول رسول الله (ص) اختلاف أمتي رحمة .


الجواب :



قيل له المراد بذلك اختلاف الواردين من المدن المتفرقة علىرسول الله (ص) في وقته و على وصيه القائم مقامه من بعده ليسألوا عن معالم دينهم ويستفتوا فيما لبس عليهم فذلك رحمة لهم إذ يعودون إلى قومهم فينذرونهم قال اللهسبحانه
فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوافِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْيَحْذَرُونَ.

و ليس المراد بذلك اختلاف الأمة في اعتقادها و تباينها في دينها وتضاد أقوالها و أفعالها و لو كان هذا الاختلاف لها رحمة لكان اتفاقها لو اتفقتسخطا عليها و نقمة و قد تضمن القرآن من الأمر بالاتفاق و الائتلاف و النهي عنالتباين و الاختلاف ما فيه بيان شاف .



فصل في الاستدلال بهذه الآية على صحة الإمامة و العصمة :



قال الله تعالى فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .
فحث سبحانه و تعالىعلى طلب العلم و رغب فيه و أوجب على من به نهضة أن يلتمسه و يسارع إليه و هذا لازمفي وقت رسول الله (ص) و بعده و لا يصح أن يتخصص به زمان دون غيره لأن التكليف قائم لازمو الشرع شامل دائم. و قد علمنا و من خالفنا أن النافرين للتفقه في الدين أيامالنبي (ص) كانوا إذا وردوا عليه أرشدهم إلى الحق بعينه و هداهم إلى قول واحد من شرعهو دينه فرجعوا إلى قومهم متفقين و على شي ء واحد مجتمعين لا يختلفون في تأويل آيةو لا في حكم فريضة حلالهم واحد و حرامهم واحد و دينهم واحد فثبتت بهم الحجة و تتضحللمسترشدين المحجة و ينال الطالب بغيته و يدرك المستفيد فائدته. و الناس بعد رسولالله (ص) مكلفون من شرعه بما كلفه من كان في وقته فوجب في عدل الله و حكمته و فضله ورحمته أن يزيح علل بريته و يقيم لهم في كل زمان عالما أمينا حافظا مأمونا لا تختلفأقواله و لا تتضاد أفعاله و تثق النفوس بكماله و معرفته و تسكن إلى طهارته و عصمتهليكون النفير إليه و التعويل في الهداية عليه و لو لا ذلك لكان الله تعالى قد أمربالنفير إلى المختلفين و سؤل المتباينين المتضادين و التعويل على المرجحين الظانينالذين يحار بينهم المستجير و يضل المسترشد و يشك الضعيف و هذا عنت في التكليفتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.


/ 16