کنز الفوائد جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کنز الفوائد - جلد 1

ابو الفتح الکراجکی؛ مصحح: عبدالله نعمه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



سؤال في الغيبة :



يتعلق بما ذكرناه إن قال قائل إذاكانت علل المكلفين في الشريعة لا تنزاح إلا بحافظ للأحكام ينصب لهم مميز بالعصمة والكمال منهم يقصده المسترشدون و يعول على قوله السائلون و كان الإمام (ع) اليوم علىقولكم غائبا لا يوصل إليه و مستترا عن الأمة لا يقدر عليه فعلل المكلفين إذن غيرمزاحة في الشرع و وجود الحافظ لم يغن لكونه بحيث لا يقدرعليه الخلق فإلى من حينئذ يفزع الراغبون و من يقصد الطالبون و على من يعولالسائلون و من الذي ينفر إليه المسترشدون.


الجواب :



قلنا إن الله سبحانه قد أزاح عللالمكلفين في هذا العصر كما أزاح علل الأمم السابقة من قبل الذين بعث فيهم أنبياءهفكذبوهم و أخافوهم و شردوهم و ظفروا بكثير منهم فقتلوهم و لم يرسلهم الله تعالىإليهم إلا ليقيموا أحكامه بينهم و ينفذ أوامره فيهم و يعلموا جاهلهم و ينبهواغافلهم و يجيبوا سائلهم و ينفر إليهم الراغب و يقتبس منهم الطالب فحال بينهم و بينذلك الظالمون و منعهم مما بعثوا له الآفكون و قطعوهم عن الإبلاغ و حرموا أنفسهمالهداية منهم و الإنذار فكانوا في قتلهم أنبياءهم كمن قصد إلى نفسه و أعمى بصره عنالنظر إلى سبيل النجاة و وقر سمعه عن استماع ما فيه هداه ثم قال لا حجة لله علي ولا هداية منه وصلت إلي يقول الله عز و جل أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ
فلله الحجة البالغة على الناسو لو شاء لمنعهم من الضلال منع اضطرار و لأخرجهم بالجبر عن سنن التكليف و الاختيارتعالى الله الحكيم فيما قضى الحليم عمن عصاه. و الذي اقتضاه العدل و الحكمة في هذاالزمان من نصب الإمام للأنام فقد أزاح الله سبحانه العلة فيه و أوجده و دل عليهبحجة العقل الشاهدة في الجملة بأنه لا بد من إمام كامل معصوم في كل عصر و بحججالنصوص على التعيين المأثورة عن رسول الله رب العالمين و عن الأئمة من أهل بيتهالطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في التعريف بصاحب هذا الزمان (ع) بنعته و نسبهاللذين يتميز بهما عن الأنام و لكن الظالمين سلكوا سنن من كان قبلهم في قصدهملإهلاك هداتهم و حرصهم على إطفاء نور مصابيحهم فقصدوا قصده .


فأخافوه و انطوت نياتهم على قتله متى وجدوه فأمرهالله بالاستتار لما علمه من مباينة حاله لحال كل نبي و إمام أبدى شخصه فقتلهمالناس إذا كانت مصلحة الأمة بعد آبائه (ص) مقصورة على كونه إماما لهم و أن غيره لايقوم مقامه في مصلحتهم و سقط عنهم فرض التصدي للسائلين لعدم الأمن و التمكن فكانتالحجة لله تعالى على الظالمين الذين وجدوا سبيل الهداية و أرشدوا إليها فمنعواأنفسهم سلوكها و آثروا الضلالة عليها فكانوا كمن شد عينه عن النظر إلى مصالحه و سدسمعه عن استماع مناصحته ثم قال لو شاء الله لهداني قال الله سبحانه فيمن ماثلتأحواله لحاله وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى
تعالى الله ذو الكلمة العليا و الحجة المثلى. و لسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام علا يعرفه أحد و لا يصل إليه بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستراجتماعها به و تخفيه فأما الذي يجب أن يفعله اليوم المسترشدون و يعول عليهالمستفيدون فهو الرجوع إلى الفقهاء من شيعة الأئمة و سؤالهم في الحادثات عنالأحكام و الأخذ بفتاويهم في الحلال و الحرام فهم الوسائط بين الرعية و صاحبالزمان (ع) و المستودعون أحكام شريعة الإسلام و لم يكن الله تعالى يبيح لحجته صالاستتار إلا و قد أوجد للأمة من فقه آبائه (ع) ما تنقطع به الأعذار و ليس الرجوعإليهم كالرجوع إلى القائسين و لا التعويل عليهم بمماثل للتعويل على المستحسنينالمفتين في الشريعة و بالظن و الترجيح و إنما هو رجوع إلى ما استودعوه من النصوصالمفيدة للعلم و اليقين و تعويل على ما استحفظوه من الآثار المنقولة من فتاوىالصادقين التي فيها علم ما يلتمسه الطالبون و فيه ما يقتبسه السائلون و من أخذ منهذا المعدن فقد أخذ من الإمام (ص) لأنها علومه و أقوال آبائه ص.


و كثيرا ما يقول لناالمخالفون عند سماعهم منا هذا الكلام إذا كنتم قد وجدتمالسبيل إلى علم ما تحتاجونه من الفتاوي في الأحكام المحفوظة عن الأئمة المتقدمين عفقد استغنيتم بذلك عن إمام الزمان .


و هذا قول غير صحيح لأن هذه الآثار و النصوص فيالأحكام موجودة مع من لا يستحيل منه الغلط و النسيان و مسموعة بنقل من يجوز عليهالترك و الكتمان و إذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلا بوجود معصوم يكون منورائهم شاهد لأحوالهم عالم بأخبارهم إن غلطوا هداهم أو نسوا ذكرهم أو كتموا علمالحق منه دونهم.


و إمام الزمان (ع) و إن كان مستترا عنهم بحيث لا يعرفون شخصه فهوموجود بينهم يشاهد أحوالهم و يعلم أخبارهم فلو انصرفوا عن النقل أو ضلوا عن الحقلما وسعته التقية و لأظهره الله سبحانه و منع منه إلى أن يبين الحق و تثبت الحجةعلى الخلق.


و لو لزمنا القول بالاستغناء عن الإمام فيما وجدنا الطريق إلى علمه من غير جهته للزم مخالفينا القول بالاستغناء عن النبي (ص) في جميع ما أداه مما علم بالعقول قبل أدائه و في إطلاق القول بذلك خروج عن الإسلام و أحكامه . و قد ورد فيجواب هذا السؤال ما فيه بلاغ للمسترشدين و هداية و الحمد لله.


تأويل آية :



إن سأل سائل فقال ما عندكم في تأويل قول الله سبحانه
وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَالنَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ

و ظاهر هذه الآية يقتضي أنه لم يشأ أن يكون الناسأمة واحدة متفقين على الهدى و المعرفة .


و ما معنى قوله وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ
و ظاهرهيقتضي أنه خلقهم للاختلاف و لو كان عنى به الرحمة لقال و لتلك خلقهم لأن الرحمةمؤنثة و لفظة ذلك لا يكنى بها إلا عن مذكر و أما الرحمة فإنا لا نعرفها إلا رقةالقلب و الشفقة و هذا لا يجوز على الله سبحانه.


الجواب :


أما قوله تعالى
وَ لَوْشاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً

فإنما عنى به المشيئة التي يقارنها الإلجاء و الاضطرار و لم يعن بها المشيئة التي تكون معها على حكم الاختيارو مراده سبحانه في الآية أن يخبرنا عن قدرته و أن الخلق لا يعصونه على سبيل الغلبة له و أنه قادر على إلجائهم و إكراههم على ما أراده منهم. فأما لفظة ذلك في الآيةفحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف لدليل العقل و شهادة اللفظ . فأما

دليل العقل



فمن حيث علمنا أنه سبحانه كره الاختلاف في الدين و نهى عنه و توعد عليهو لا يجوز أن يخلقهم لأمر يكرهه و يشاء منهم ما نهى عنه و حظره و أما شهادة اللفظفلأن الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف و حمل اللفظ على أقرب المذكورينإليها أولى في لسان العرب من حمله على الأبعد.


و أما قول السائل إن الرحمة مؤنثة ولفظة ذلك لا يكنى بها إلا مذكر ففاسد لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي و إذا كني بهابلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى لأن معنى الرحمة هو الإنعام و التفضل و قدقال الله سبحانه هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي
و لم يقل هذه و إنما أراد هذا فضل من ربي.


قال إمرؤ القيس :





  • برهرهة رودة رخصة
    كخربوعة البانة المنفطر



  • كخربوعة البانة المنفطر
    كخربوعة البانة المنفطر



فقال المنفطر و لم يقل المنفطرة لأنه عنى الغصن فذكره .


و قال آخر :





  • قامت تبكيه على قبره
    تركتني في الدار ذا غربة
    قد ضاع من ليس له ناصر



  • من لي من بعدك يا عامر
    قد ضاع من ليس له ناصر
    قد ضاع من ليس له ناصر



فقال ذا غربة و لم يقل ذات غربة لأنه عنى شخصا ذا غربة و المرادبالاختلاف المذكور في الآية أنما هو الاختلاف في الدين و الذهاب عن الحق فيه بالهوى و الشبهة.


و قد ذكر بعضهم في قوله مُخْتَلِفِينَ
وجها غريبا و هو أن يكونمعناه إن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سالفهم في الكفر لأنه سواء قولك خلف بعضهم بعضاو قولك اختلفوا كما أنه سواء قولك قتل بعضهم بعضا و قولك اقتتلوا و منه قولهم لاأفعل كذا و كذا ما اختلف العصران و الجديدان أي جاء كل منهما بعد الآخر.


و أما الرحمة فليست رقة القلب و الشفقة لكنها فعل النعم و الإحسان يدل على ذلك أن منأحسن إلى غيره و أنعم عليه يوصف بأنه رحيم به و إن لم تعلم منه رقة قلبه عليه وشفقته بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقة القلب أقوى من وصفهم الرقيق القلببذلك لأن مشقة النعمة و الإحسان على من لا رقة عنده أكثر منها على الرقيق القلب. وقد علمنا أن من رق عليه أو امتنع من الإفضال و الإحسان لم يوصف بالرحمة و إذا أنعموصف بها فوجب أن يكون معناها ما ذكرناه و قد يجوز أن يكون معنى الرحمة في الأصلالرقة و الشفقة ثم انتقل بالتعارف إلى ما بلغ .


هذا آخر ما وجدنا من كتاب كنز الفوائد .


نصوص مفقودة من نسخة الكتاب المطبوعة


هناك طائفة كبيرة من نصوص هذا الكتاب مفقودة وجدناها في عدة مؤلفاتنقلها أصحابها عن كنز الفوائد رأينا إدراجها في خاتمة هذا الكتاب تتمة للفائدة وهذه النصوص هي :


1- قال المحدث الشيخ عباس القمي في كتابه


الأنوار البهية (ص) 134- 135 .


و عن كنزالفوائد قال جاء في الحديث أن أبا جعفر المنصور خرج في يوم جمعة متوكئا على يدالصادق جعفر بن محمد (ع) فقال رجل يقال له رزام مولى خالد بن عبد الله من هذا الذيبلغ من خطره ما يعتمد أمير المؤمنين على يده فقيل له هذا أبو عبد الله جعفر بنمحمد الصادق (ع) فقال إني و الله ما علمت لوددت أن خد أبي جعفر نعل لجعفر ثم قامفوقف بين يدي المنصور فقال له أسأل يا أمير المؤمنين فقال له المنصور سل هذافالتفت رزام إلى الإمام جعفر بن محمد (ع) فقال أخبرني عن الصلاة و حدودها فقالالصادق (ع) للصلاة أربعة آلاف حد لست تؤاخذ بها فقال أخبرني بما لا يحل تركه و لاتتم الصلاة إلا به فقال أبو عبد الله (ع) لا تتم الصلاة إلالذي طهر سابغ و اهتمام بالغ غير نازغ و لا زائغ عرف فوقف و أخبت فثبت فهو واقف بيناليأس و الطمع و الصبر و الجزع كان الوعد له صنع و الوعيد به وقع بذل عرضه و تمثلغرضه و بذل في الله المهجة و تنكب غير الحجة مرتغما بإرغام يقطع علائق الاهتماميعين من له قصد و إليه وفد و فيه استرفد فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي بهاأمر و عنها أخبر و إنها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء و المنكر فالتفت المنصورإلى أبي عبد الله (ع) فقال له يا أبا عبد الله لا نزال من بحرك نغترف و إليك نزدلفتبصر من العمى و تجلو بنورك الطخياء غير نازغ و لا زائغ .


النزغ الظن و الاغتياب و الإفساد و الوسوسة و الزيغ الميل و الطخياءفي قول المنصور الظلمة و تعوم أي تسبح ففي الخبر علموا صبيانكم العوم أي السباحة وسبحات وجه ربنا جلاله و عظمته و قيل نوره و طما البحر امتلأ فانظر إلى أعدائهمأقروا بفضلهم هل فوق ذلك فخر .


2- قال ابن طاوس في كتابه فرج المهموم


في تاريخ علماء النجوم (ص) 60- 74- ما يلي :


فصل :



و قال الشيخ الفقيه العالم الفاضل العارف بعلم النجوم المصنف بها عدةمصنفات أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي رحمه الله في كتاب كنز الفوائد في الردعلى من قال إن الشمس و القمر و النجوم علل موجبات ما هذا لفظه :


اعلم أنهم سئلوا عن مسألة حيرتهم و أظهرت عجزهم و أخرستهم فقيل لهم إذا كانسائر ما في العالم من النفع و الضرر و الخير و الشر و جميع أفعال الخلق و الشمس والقمر و النجوم واجبة و هي علته و سببه و ليس داخل الفلك غير ما أثرت و لا فعللأحد يخرج به عما أوجبت فما الحاجة إلى الاطلاع على الأحكام و أخذ الطوالع عندالمواليد و عمل الزوائج و تحويل السنين. قالوا الحاجة إلى ذلك حصول العلم بماسيكون من حوادث السعود و النحوس قيل لهم و ما المنفعة بحصول هذا العلم فإن الإنسانلا يقدر أن يزيد فيه سعدا و لا ينقص منه نحسا مما أوجبه مولده فهو كائن لا مغير لهفمنهم من استمر على طريقه و بنى على أصله فقال ليس في ذلك أكثر من فضيلة العلمبالحادثات قبل كونها فقيل له ما هذه الفضيلة المدعاة في علم لا ينال به مكتسبهنفعا و لا يدفع به عن نفسه و لا عن غيره ضرا و ما هذا العناء في اكتساب ما لا ثمرله و الجاهل به كالعالم في عدم المنفعة منه. و سئلوا أيضا عن هذا الاكتساب و سببهو هل الفلك موجبة أو غير موجبة فلم يرد منهم ما يتشبث العاقل به و منهم من تعذرعليه عند توجه الإلزام فأنزله الإحجام درجة عن قول أصحاب الأحكام فقال بل للعلم تأثيرفي اكتساب نفع كثير و هو أن يتعجل الإنسان بالسعادة و يتأهب لها فيكون في ذلك مادةفيها و يتحرز عن النحاسة و يتوقاها فيكون بذلك دفعا لها أو نقصا منها. فقيل له ماالفرق بينك و بين من عكس عليك قولك فقال بل المضرة باكتساب هذا العلم حاصلة والأذية إلى معتقده واصلة و ذلك أن متوقع السعادة و المساءة معه قلق المتوقع و حرقةالانتظار ففكره منقسم و قلبه معذب يستبعد قرب الساعات ويستطيل قرب الأوقات شوقا إلى ما يرد و تطلعا إلى ما وعد و في ذلك ما يقطعه عنمنافعه و يقصر به عن حركاته في مطامعه اتكالا على ما يأتيه و تعويلا على ما يصلإليه و ربما أخلف الوعد و تأخر السعد فليست جميع أحكامهم تصيب و لا الغلط منكمبعجيب فتصير المضرة حسرة و المنفعة مضرة. فأما متوقع المنحسة فلا شك أنه قد تعجلهالشدة رعبه بقدومها و عظم هلعه بهجومها فهو لا ينصرف بفكره عنها فيجعلها أكبر منهافحياته منغصة و نفسه متغصصة و قلبه عليل و تغممه طويل لا يهنيه أكل و لا شرب و لايسليه عذل و لا عتب ضعيف النبضات فاتر الحركات إذا احترز لا ينفع و ربما كان باحترازه لا ينتفع.


فهذا القول أشبه بالحق مما ذكرتم و هو شاهد يلزمكم الإقرار بهإن أنصفتم و نحن الآن نعترف في مقابلتكم به و لا نطالبكم بشي ء من موجبة و نعودإلى دعواكم التي ذكرتموها فنقول سائلين لكم عنها أخبرونا عن هذه المسرة التي تحصلللعالم و التأهب الزائد في السعد الواصل و عن هذا الاحتراز من المنحسة و التأتي منالمضرة و المهلكة هل جميع ذلك مما توجبه و تقضي به الكواكب أم هو عن أحكامها خارج مضاف في الحقيقة إلى اختيار الحي القادر.


فرأوا أنهم إن قالوا مما توجبه الكواكب و تقضي بكونه أحكام الفلك في العالم.


قيل لهم فيكون ذلك سواء اطلع الإنسان على أحكامالنجوم أم لم يطلع و سواء عليه اهتم لمولده و تحويل سنته أم لم يهتم فعرجوا عن هذا و قالوا إن أفعالنا منفصلة عما يوجبه الفلك فينا فتصح بذلك الزيادة و النقص الذي قلنا .


قلنا لهم لقد نقضتم أصولكم و خرجتم عن قوانين علمائكم فيما أقررتم به من جواز أفعال يحيط بها الفلك ليست حادثة من جهته و لا من تأثير كواكبه .


و ما نراكم قنعتم بهذا الإقرار حتى جعلتم الأفعالالبشرية واقعة لما توجب الأقضية النجومية و مانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكمإن الإنسان يمكن أن يحترز من المنحسة فيدفعها أو ينقص منها ما سلطته لها فلولا أنفعله أقوى و احترازه أمضى لم يرفع عن نفسه سوءا ثم سئلوا أيضا فقيل لهم إذا سلمتمأن أفعال الإنسان مختصة بهم و ليست مما توجبه النجوم فيهم و أنتم مع هذا تقولونللإنسان احذر على مالك من طروق سارق فقد أقررتم أن حذره من تأثير المختص بهفأخبرونا الآن عن طروق السارق و ما الموجب له فإن قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم ورددتم إليها أفعال العباد و نافيتم و إن قلتم إن طروق السارق مختص به و لا موجب لهغير اختياره أجبتم بالصواب و قيل لكم فما نرى للنجوم تأثيرا في هذا الباب. و اعلمأيدك الله أنهم لم يبق لهم ملجأ إلا أن ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى فيقولونإن النجوم دالة و ليست بفاعلة و علامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقولإنها موجبة قادرة و أبطلوا دعواهم أنها مدبرة و قيل لهم أ فتقولون كل أمر تدل عليهفإنه سيكون لا محالة.


فإن قالوا نعم نقضوا ما تقدم و إن قالوا قد يجوز أن يحرمتداولها و يحرم ما دلالته عليه منها لم تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها و اقتصرواعلى مقالة لا يضرك مناقشتهم فيها و أنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم و نكتمن إفساد استدلالهم و الأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولا لأحكامهم. اعلم أنتسمية البروج الاثني عشر بالحمل و الثور و الجوزاء إلى آخرها لا أصل لها و لاحقيقة و إنما وضعها الراصدون لهم متعارفا بينهم و كذلك جميع الصور التي عن جنبيمنطقة البروج الاثني عشر و غيرها و الجميع ثمان و أربعون صورة عندهم مشهورة وعلماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور و تشبيهها و قسمة الكواكب عليها و تسميتهاصنعه متقدموهم و وضعه حذاقهم الراصدون لها.


و قد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك و هو من جلتهم و له مصنفات لم يعمل مثلها فيعلمهم و قد بينه في الجزء الأول من كتابه المعمول في الصور و قد ذكر رصد الأوائلمنهم الكواكب و أنهم رتبوها في المقادير و العظم لست مراتب و بين أنهم الفاعلونلذلك ما أنا مبينه على حقيقته و ناقله من كتابه و هو أنهم وجدوا من هذه الكواكبالتي رصدوها تسعمائة و سبعة عشر كوكبا ينتظم منها ثمان و أربعون صورة كل صورةتشتمل على كواكبها و هي الصور التي أثبتها بطليموس في كتابه المجسطي بعضها فيالنصف الشمالي من الكرة و بعضها على منطقة البروج التي في طريقة الشمس و القمر والكواكب السريعة السير و بعضها في النصف الجنوبي. ثم سموا كل صورة باسم الشي ءالمشبه لها بعضها على صورة الإنسان مثل كواكب الجوزاء و كواكب الجاثي على ركبتيه وبعضها على صورة الحيوانات البرية و البحرية مثل الحمل و الثور و السرطان و الأسد والعقرب و الحوت و الدب الأكبر و الدب الأصغر و بعضها خارج عن شبه الإنسان و سائرالحيوانات مثل الإكليل و الميزان و السفينة.


و ليس ترتيبهم لها و تسميتهم إياها وما فعلوه فيها لدليل و ذكر عذرهم في ذلك فقال و إنما أنهوا هذه الصور و سموهابأسمائها و ذكروا كوكبا من كل صورة ليكون لكل كوكب اسم يعرف به إذا أشاروا إليه وذكروا موضعه من الصورة و موقعه في فلك الأبراج و مقدار عرضه في الشمال و الجنوبعلى الدائرة التي تمر بأوساط البروج لمعرفة أوقات الليل و النهار و الطالع في كلوقت و أشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب. و هذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع .

و هو دليل واضح



على أن الصور و الأشكال و الأسماء و الألقاب ليست علىسبيل الوجوب و الاستحقاق و إنما هي اصطلاح و اختيار و لو عزب عن ذلك إلى تشبيه آخرلأمكن و جاز.


ثم إنهم بعد هذا الحال جعلوا كثيرا من الأحكام مستخرجا من هذه الصورو الأشكال و منتسبا إلى الأسماء الموضوعة و الألقاب حتى أنهم على ما ذكروه على نحو واجب و دليل عقل ثابت فقالوا إن الحكم علىالكسوف على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف منذوات الأجنحة مثل العذراء و الرامي و الدجاجة و النسر الطائر و ما أشبهها فإنالحادث في الطير الذي يأكل الناس و إن كان الحيوان مثل السرطان و الدولفين فإنالحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية.


و هذه فضيحة عظيمة و حال قبيحة أ فمايعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة و الصور البحرية بحريةو أنهم لو لا ما فعلوه لم يكن شي ء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها وتشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن حكم الكسوف مستخرجا منها و صادرا عنها و هذا يؤديإلى أنهم المدبرون للعالم و أن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب .


فصل :



و لم يقنع ابن هبنتي بهذه الجملة حتى قال في كتابه المعروف بالمغني وهو كتاب نفيس عندهم قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم و ذوي الفضيلة منهم رأيته بدارالعلم في القاهرة بخط مصنفه قال فيه إن وقع الكسوف في المثلث أي في الدرج التيتحتوي عليه دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة و العلوم اللطيفة. و هذا المثلث أيدكالله هو من كواكب على شكل مثلث لأن في السماء عدة مثلثات و مربعات مما هو داخلالصورة التي ألفوها و خارج عنها فكيف صار الحكم مختصا بهذا دونها و ما نرى العلةفيه إلا تسميتهم له بذلك فكان سببا لوقوع أهل الهندسة في المهالك.


قال ابن هبنتي و إن كان الكسوف في الكأس دل على فساد الأشربة و هذا أعجبمن الأول و ذلك أن الكأس عندهم من سبعة كواكب شبهوها بالكأس و بالباطية أيضا فإنكان الحكم الذي ذكروه إنما اختص بذلك من أجل التشبيه و التسمية فإن هذه الكواكببأعيانها قد شبهتها بالمعلف و سميتها بهذا الاسم فكيف صار تشبيه المنجمين وتسميتهم لها بالكأس أولى من أن يكون تشبيه العرب لها بالمعلف و تسميتهم لها بهذا الاسمموجبا لانصراف الحكم فيها إلى الدواب اللهم إلا أن يقولوا إن المعول على تشبيههاللمنجمين دونهم فلا اعتراض. قال ابن هبنتي و قد شاهدنا بعض الحذاق من أهل هذهالصناعة قد نظر في مولد إنسان من الأصاغر فوجد النسر الطائر في درجة وسط السماءفقال يكون بإزاء دار الملك و زعم أن الأمر كما ذكر و هذا يؤكد ما ذكرناه منتعويلهم على الأسماء و الصور المدونة من اصطلاح البشر .


فصل :



و قد اطلعت أنا في مولد فوجدت فيه الكواكب التي يقولون إنها النسرالطائر في وسط السماء فلم يدل من حال صاحبه على نظيرها قال ابن هبنتي و كان هذاالرجل فقيرا فأثرى و لم أره قط إلا ماقتا لأنواع الطير غير مقيد بشي ء منها فيحالتي الفقر و الغنى. فإن صدق ابن هبنتي فيما ذكر فما هو إلا عن شي ء لا أصل لهيصح بعضه فيوافق الظنون و يبطل بعضه فلا يكون فإن كان اختلافه في حال لا يدل علىبطلان حكمهم فاتفاقه في حال أخرى لا يدل على صحة حكمهم و جزمهم.


و من هذيانهم أيضاالموجود في عيون كتبهم و المأثور من أحكامهم قولهم إن الحمل و الثور يدلان علىالوحوش و كل ذي ظلف و الجدي مشترك بينهما و الأسد و النصف الأول من القوس يدلانعلى كل ذي ناب و مخلب و إنما ذكروا نصف القوس لأن صورته التي ألفوها و شبهوها صورةدابة و إنسان فجعلوا النصف الأول للوحوش و النصف الآخر للناس.


قالوا و السرطان و العقرب يدلان على حشرات الأرض و الثور للفرس و السنبلةللبذر و هذا كله قياس على الصور و الأسماء التي لم يوجبها العقل و لا أتاهم بهاخبر من الله تعالى في شي ء من النقل و إنما هو شي ء من اختيارهم و قد كان يمكنغيره و يجوز خلافه قالوا و من يولد برأس الأسد يكون فتن الغم. فمن شبه تلك الكواكببصورة الأسد غيركم و من سماها بهذا الاسم سواكم و كيف لم تقولوا إنها الكلب أوتشبهوها بغير ذلك من دواب الأرض هذا أيدك الله و الصور عندهم لا تثبت في مواضعها ولا تستقر على إقامتها فصورة الحمل التي يقولون إنها أول البروج قد تنتقل إلى أنتصير البرج الثاني و يصير البرج الأول الحوت. و هذا عندهم هو القول الصحيح لأنالكواكب عندهم كلها تتحرك إلى جهة المشرق بخلاف ما يتحرك بها الفلك و الخمسةالمضافة إلى الشمس و القمر هي السريعة السير و حركاتها مختلفة في الإبطاء و السرعةو بقية الكواكب تتحرك عندهم بحركة واحدة خفيفة بطيئة و لخفاء حركتها سموها الثابتةو هي على رأي بطليموس و من قبله في كل مائة سنة تتحرك درجة واحدة. و على رأي أصحابسمين و من رصد في أيام المأمون و حسب في كل ست و ستين سنة درجة و الصوفي يقول فيكتاب الصور إن مواضع هذه الصور التي كانت على منطقة فلك البروج كانت منذ ثلاثةآلاف سنة على غير هذه الأجسام و إن صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر و صورةالثور كانت في القسم الأول و كان يسمى القسم الأول منالبروج الثور و الثاني الجوزاء و الثالث السرطان و لما جددت الأرصاد في أيامطيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من القسم الثاني عشر الذي هوبعد منطقة التقاطع فغيروا أسماءها فسموا القسم الأول الحمل و الثاني الثور والثالث الجوزاء. قال و لا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل بحركاتها على مرالدهور من أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم السابع الذي للميزان و الميزان فيالقسم الأول الذي هو الحمل فيسمى أول البروج الميزان و الثاني العقرب.


/ 16