بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید تمهيد بسم اللّه الرحمن الرحيم الـحمد للّه رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وامام المرسلين وعلى آله الطيبين واصحابه المنتجبين الى قيام يوم الدين , وبعد: ان مـمـا لا ريـب فيه هو: ان الاديان السماوية جميعا كانت تبتني على اسس فكرية ومبان تشريعية واصول محكمة في طرحها النظري والعملي لمسالة الدين ومافيه صلاح للبشر.ولايـخـفـى ان الدين الاسلامي الحنيف كان في طليعة الاديان السماوية , واكثرهااحتكاكا بالحياة , وانـجـحـها تطبيقا لمبادئه على الصعيد العملي , باعتبارتصديه لريادة وقيادة مختلف الامم على مدى عصور متتالية .فـمـن الـطـبـيـعـي والـمـنـطـقـي اذا ان يـمـتـلـك هـذا الـديـن الـرصـيـد الاعـلـى مـن الاسـس والمباني والاصول في تفكيره وطرحه ,فكان الكتاب العزيزوالسنة النبوية الشريفة هما اول واكبر منهلين استلهمت منهما بيانات واحكام الدين الاسلامي .وقد انفرد هذا الدين العظيم عن الاديان السماوية بان تكفل اللّه سبحانه وتعالى حفظ كتابه من الضياع والانـدثار والتحريف , فقال سبحانه (انا نحن نزلنا الذكروانا له لحافظون ) فلم يكن مصير القران الـمجيد مصيرالتوراة والانجيل وباقي الكتب السماوية التي طالتها يد التحريف والتزييف والتبديل , الا ان الـمـصـدرالـتشريعي الثاني ـ اعني سنة رسول اللّه قد منيت بالوضع والتحريف من لدن عهده (ص ). وقـد نـبه (ص ) على ذلك فقال : من كذب علي متعمدا فليتبوامقعده من النار ولاجله نراهم يقولون عن السنة النبوية : انها ظنية الصدور, وان كانت قطعية الدلالة وقد اثرت تلك الاختلافات التي ابتليت بها السنة النبوية على باقي مصادرالتشريع , فصار كل فرق يـفـسـر ويؤول الايات بما يطابق مروياته , ويدعي ان ذلك هو المراد منها, وربما نحى بعض آخر مـنـحـى سـلـبـيـا حين ظن ان ما يقننه من اصول وقواعد وكليات يغني عن المرويات ويحل محل اختلافاتها, وبذلك فقدتشعب الخلاف ومد جذوره في اغلب الاصول والفروع .وانـشعبت الامة الاسلامية الى مذاهب وفرق , كل تدعي انها تسير على هدى القران ونهج الرسول , وان الحق بجانبها, وان السنة بانقى صورها عندها.فـهـل يـمـكن تصديق الجميع والقول بان اتجاهات جميع الطوائف صحيحة وان اللّه ورسوله منحها الحجية , ام ان الحق واحد يجب العثور عليه ؟ وهل يصح ما قالته كل فرقة عن الاخرى ام لا؟ وهـكـذا ظل النزاع يدور في حلقة مفرغة من الاخذ والرد عند الاتجاهات ,والعقل السليم امام مثل هـذه النزعات لا يمكنه الا ان يرجح احدها او يميل اليه ,اذ من غير المعقول ان تصحح جميعا, ولا ان تغلط جميعا, لان الحق واحد,وان الفرقة الناجية ما هي الا واحدة فقط, وعليه فلا مفر للمسلم من وجوب البحث للعثور على السنة الصحيحة الموصلة الى الواقع الذي جاء به النبي .وهـنـا يكون مدار البحث لا عن حجية السنة النبوية , لان حجيتها لا يختلف فيه اثنان من المسلمين , وانما البحث عن ما هو الحجة او قل بتعبير اخر: اي نقل من النقول النبوية هو الحجة ؟ ربـما يقال في الاجابة : ان ما صح من الاحاديث الواردة في شتى الموضوعات طبقا للقواعد الرجالية , هو الصحيح , وما لم يصح فهو غير ذلك ,ولا سبيل سوى طرحه وعدم العمل به .وهـذا الكلام قد يبدو صحيحا لاول وهلة , لكن البصير بامور الشريعة يعلم بان الاصول المرسومة في معرفة الحديث لم تقتصر على الاسناد فهناك ضوابطومعايير يلزم مراعاتها في المتن كذلك .عـلـى ان الاصول والمقاييس الرجالية قد قننت طبق موازين خاصة بكل فرقة وان المعايير العلمية والاصول القرآنية لم تكن الحاكمة فيها, بل نجد غلبة الهوى الشخصي عند البعض في بعض الاحيان , وبـعـد هـذا فـلا يـقـف الباحث الا على ركام هائل وضباب كثيف من الموازين والمقاييس يغلب عليها الـحـس الـمـذهـبي , فكم من راو وثقوه وعدلوه فلم يكن كما قالوا فيه , طبقا لما دلت عليه نصوص اخرى .وكـم مـن راو جرحوه فلم يصيبوا الغرض , وكم من رواية صححت سندالكنهادلت متنا على خلاف ذلك , واخرى اسقطت سندا لكنها بلحاظ الواقع دلت على اكبر رصيد من الصحة .وعـلى هذا, وبملاحظة ما مر من ادوار وجدنا انه لا بد من دراسة السنة النبوية دراسة تمحيصية , طبق منهج اكثر جدة وجدية , انطلاقا من الاصول الثابتة في الشريعة والتاريخ والعقل والفطرة , عبر دراسة اطراف الحدث المرتبط بالحديث والاجواء الحاكمة وما اريد من اهداف .وهـذا لا يـعـنـي , انا نريد الغاء دور السند في معرفة الحديث , بل الذي نريدهوالاستعانة بشواهد وقرائن اخرى لتصحيح منحى بعض الاخبار التي لم تعطحقها من قبل بعض المسلمين .وعـلـى كـل حال فقد ال الامر اليوم الى ان نرى مجموعة من المسانيد الحديثية تسمى :بـ(الصحاح الـستة ) يعمل بها فريق ضخم من المسلمين ولايرتضون سواها ولو كان اكسيرا مجربا, ونرى في جـانب اخر مسانيد اخرى تسمى بـ(الكتب الاربعة ) يعمل بها فريق اخر من المسلمين ويذهبون الى انـهـا من اصح الاحاديث وانها ابعد شي ء عن الوضع والتحريف والتاثربالمؤثرات الخارجية , فما هو الصحيح ؟ واين هو؟ وهـل ان جميع احاديث الصحاح الستة صحيحة حقا؟ ام ان بينها ما هو الضعيف والمرسل وو.... مما يجب التوقف عنده ؟ وكيف نرى النقل عن اهل البيت , هل ان جميعه صحيح ؟ ام ان بينه المدسوس والضعيف ؟ مـن الـضـروري الاجـابة عن هذه التساؤلات , وذلك بعد عرض جذور القضية المبحوث عنها في النصوص التاريخية والحديثية .ولعل اهم وابرز حدث اثر في السنة النبوية ـ نصا ومعنى ـ هو منع الشيخين التدوين والتحديث عن رسول اللّه ودورهما في تطبيق هذه الرؤية واستمراره في عهد الخليفة عثمان بن عفان ومعاوية بن ابـي سفيان , ثم اتخذه الخلفاء من بعد منهجا يعملون عليه حتى اوقفه الخليفة عمر بن عبدالعزيز وامر بتدوين الحديث .لـكـن هـناك جماعة من الصحابة والتابعين قد اتخذوا التدوين مسلكا ومنهجاحتى على عهد الخليفة عـمر بن الخطاب ـالذي عرف بشدته وقسوته على من يخالفه في آرائه ـ ومن اولئك : علي بن ابي طـالـب , ومـعـاذ بـن جـبـل ,وابي بن كعب وعبداللّه بن مسعود وانس بن مالك وابو سعيد الخدري , وفاطمة الزهراء , وابوذر وغيرهم .فـترى هؤلاء يدونون ويحدثون ولا يرون مبررا للمنع , ولا يعيرون لراي الشيخين ـ ومن منع تبعا لـهـمـا ـ الـقـدسـيـة , كما انهم لم يخشوا ما خشيه آخرون ,ومن هنا حدث التخالف في الراي بين الاتـجـاهين , هذا يحدث ويدون , وذلك يقول بالاقلال في التحديث وعدم التدوين , وارتسمت اصول الطرفين الفكرية .فـلا بـد اذا مـن امـعان النظر في المدرستين الحديثيتين للتعرف علي ايهما الصق بالواقع وابعد عن الـدوافـع , ولا ينبغي ان يكون هذا الامعان والتقييم لمناهج المدرستين تخرصا وتقولا بقدر ما يكون دراسـة للظروف الحاكمة انذاك ,وتجسيما لنفسية الرجال المعنيين في الدراسة على مختلف اصعدة حـيـاتهم ,فنحن لانذهب الى كفاية الاقتصارعلى مجرداطلاق لفظالعدالة والوثاقة و... اومعاكساتها دون الـمام بكل ما يتعلق بهذا الشان , لان الكثير من الصحابة ـكماصرحوا كانوا يروون الرواية مع عدم العلم بان مفادها منسوخ ام لا؟ او ان النص الذي قاله النبي هو من القران ومبين له , ام من كلامه (ص )؟ او ان الحكم الوارد مخصوص به (ص ) او بشخص معين ام هو حكم عام لجميع المسلمين ؟ ومثل ذلك افتاؤهم ببعض الاراء مع تصريحهم بان ما يقولونه لا مستندله من الشرع اللّه وان اخطاءوا فمنهم ومن الشيطان .فـبسبب كل هذا راينا من الضروري القيام بدراسة نصوصية نوضح فيها المجمل والمبهم من الامور التي لابست السنة النبوية ومنقولاتها, وقد رسمنابعض المعايير لهذه الدراسة , منها: اتخاذ فقه بعض الصحابة كنموذج ندرسه وفق المنهجية العلمية الجديدة للوقوف على الواقع , لان القيام بدراسة مثلها يمكن ان يوقفنا على حقائق كثيرة .وقـد جـعلنا مسند الامام احمد بن حنبل المحور لهذا الاحصاء, فدرسنا مرويات :ابن مسعود, وابي سعيد الخدري , وابي ذر, ومعاذ بن جبل , وحذيفة بن اليمان ,والبراء بن عازب , وعمران بن الحصين وغـيـرهـم , لـنرى المشتركات الموجودة بينهم والمشتركات الموجودة بين المانعين من التحديث والتدوين في الصدرالاول للاسلام .واتضح من خلالها تخالف مرويات المانعين , امثال : معاوية بن ابي سفيان ,والمغيرة بن شعبة , وعمرو بـن الـعاص , ومروان بن الحكم مع مرويات المدونين المحدثين عن رسول اللّه , كما اتضح من خلال الـدراسـة اموركثيرة في التشريع ,وفقه الصحابة , والاتجاهات الفقهية التي كانت آنذاك ,والدوافع التي تكمن وراءهذا الاتجاه او ذاك , كما تبين ما هو الحجة من المرويات في الصحاح الستة والكتب الاربعة وباقي المسانيد الحديثية .وهنا نسير سوية لنرى اثر منع التدوين على السنة النبوية وفي طياته اثربل آثارمنع التحديث ايضا وما آلت اليه امور المسلمين الفقهية من خلال السنة النبوية المباركة .اسباب : منع تدوين السنة الشريفة ان موضوع نهي الشيخين عن تدوين حديث رسول اللّه , وامر عمر بن الخطاب الصحابة بالاقلال من حـديث رسول اللّه ـ كما في حديث قرظة لحري بالبحث والدراسة , لانه يرتبط بتاريخ ثاني مصدر مـن مـصـادر التشريع الاسلامي , وان دراستنا هذه وان كانت دراسة تخصصية تهم الباحثين , لكنها فـي الـوقت نفسه تعطي للمطالع صورة واضحة عن اهم قضية في تاريخ التشريع , وان توضيح مسالة كهذه كفيلة بان تحل لنا كثيرا من القضايا والامورالمطروحة في مسائل الخلاف وتساعدنا على تفهم واقع الاختلاف وجذوره .والاسباب المذكورة في ذلك تنحصر في ثمانية : السبب الاول : هو ما نقل عن الخليفة ابي بكر.السبب الثاني : هو ما نقل عن الخليفة عمر بن الخطاب .السبب الثالث : ما ذهب اليه ابن قتيبة وابن حجر.السبب الرابع : ما نقله اليه الاستاذ ابو زهو والشيخ عبدالغني .السبب الخامس : ما ذهب اليه الخطيب البغدادي .السبب السادس : ما ذهب اليه بعض المستشرقين .السبب السابع : ما ذهب اليه غالب كتاب الشيعة .السبب الاخير: ما توصلنا اليه .هـذا, وان مـنـاقـشـتـنا لتلك الاراء جاءت لتفهم واقع التشريع الاسلامي وملابساته ,ولم نقصد به الـتـعريض بمكانة احد, اذ الميدان ميدان بحث ومناقشه , والعصرعصر منطق ودليل , فطرح رآي احد لا يعني التجاوز على حدود ذلك والمساس بكرامة , بل الاقوال كلها قيد البحث والمناقشة حتى قـولـنافلا نراه يبتعد عن هذاالاصل لان الوصول الى الحقائق ـ والحقائق الدينية على نحو خاص ـ يظل هوالهدف السامي للانسان الذي يهمه امر المعرفة الصالحة , ويهمه كذلك امر تدينه والاستعداد للقاء اللّه تعالى على بصيرة ويقين .ان عـالم المعاني الدينية وعالم الحضور بين يدي اللّه عز وجل في الاخرة يقوم على الحق والصدق .ومـن هنا كان على من يفكر جادا في ذالكم الحضور الجليل المهيب ان يسعى للخروج من موازين دار الـوهـم والاشتباه الى موازين دارالفضل والحق , واللّه جل جلاله المستعان , وهو الهادي الى سواء السبيل .السبب الاول : هو ما طرحه الخليفة ابو بكر ويستنتج ذلك من نصين : ا ـ ورد عـن عـائشـة انها قالت : جمع ابي الحديث عن رسول اللّه (ص ) وكانت خمسمائة حديث , فبات ليلته يتقلب كثيرا.قالت : فغمني , فقلت : اتتقلب لشكوى او لشي ء بلغك ؟ فلما اصبح قال : اي بنية , هلمي الاحاديث التي عندك .فجئته بها, فدعا بنار فحرقها.فقلت : لم احرقتها؟ قال : خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيها احاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت [به ], ولم يكن كما حدثني فاكون نقلت ذلك ((1)) .ب ـ جـاء فـي تـذكرة الحفاظ: ومن مراسيل ابن ابي مليكة : ان الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم , فـقـال : انـكم تحدثون عن رسول اللّه (ص )احاديث تختلفون فيها, والناس بعدكم اشد اختلافا, فلا تـحـدثـوا عـن رسـول اللّه شـيـئا. فـمـن سـالـكـم فـقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه , فاستحلوا حلاله ,وحرمواحرامه ((2)) .وقبل مناقشة النصين , لنا استفهامان لا بد من الاجابة عنهما: الاول : هـل جمع الخليفة الاول احاديثه في زمن الرسول الاعظم , وبامرمنه (ص ), ام انه قد جمعها بعده نظرا للظروف السياسية والحاجة الاجتماعية ؟ الثاني : هل وقع المنع من التحديث وتدوين السنة الشريفة في زمن متاخر, ام ان رسول اللّه (ص ) قد نـهى عن التدوين في عهده (ص ). كما نقل عن ابي سعيدالخدري , عنه (ص ): ومن كتب عني غير القران فليمحه ((3)) ؟ مـن خـلال تعبير النص الاول جمع ابي الحديث يمكن ان نستشم ان تدوين الحديث من قبل الخليفة جـاء لاحـقا, خصوصا حينما عرفنا انه اخذهامن بعض الرجال , لقوله خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيها احاديث عن رجل ائتمنته ووثقت , ولم يكن كما حدثني , فاكون قد نقلت ذلك .فـخـشية الخليفة من نسبة تلك الاحاديث الى رسول اللّه لقوله ولم يكن كماحدثني فاكون قد نقلت ذلـك لا يـتـلاءم مع فرض وقوع عملية الجمع في عهده (ص ) , اذ لو كان الجمع في عهده (ص ) لامكن للخليفة عرض المنقول على رسول اللّه (ص ) للتثبت من المشكوك فيه .فـان قـيـل : انـه فات عليه ان يعرض ما سمعه بواسطة على رسول اللّه (ص ) للتاكدمن صحته او عـدمها, قلنا: اننا لا نعقل ان يخفى ذلك على ابي بكر مع قربه من النبي واستحكام الشك في نفسه , كما نستبعد ان يكون قد ترك هذاالامر المهم وسوف في الامر حتى كادت تدركه الوفاة , مع ان الصحابة كان لايخفى عليهم ضرورة ان يسالوا من النبي (ص ) في ابسط المسائل وعندادنى شك .وامـا احـراق الاحـاديـث وتخوفه من انتسابها الى رسول اللّه (ص ): لقوله : فاكون قد نقلت ذلك وتقارب ذلك مع موت الخليفة : خشيت ان اموت فانهاتوضح ان الخليفة قد جمعها في اواخر عهده , وانـه لم يسمع منها حديثا واحداعن رسول اللّه (ص ) مباشرة , والا فكيف يبيح لنفسه حرق ما سمعه شفاها من رسول اللّه (ص )؟ مـضافا الى ذلك :ان الخليفة لو كان قد جمع تلك المرويات في عهد النبي (ص )لذكر ذلك المؤرخون واصحاب السير, ولما تقلب ليلته ولما شك في جواز التدوين وعدمه بعد ذلك ولـجـاء في كلام عائشة : ان ابي قد جمع الحديث في زمن رسول اللّه (ص ) اواملى رسول اللّه (ص ) على ابي , فكتب او ما شابه ذلك .نـعـم ان الـخـلـيـفـة كـان قـد كـتـب لانـس بن مالك ـ كان عامله على البحرين كتابا فيه فرائض الصدقة ((4)) , وقد كتب الى عمرو بن العاص كذلك ((5)) .وهـذا لا يـنافي ما قيل عنه واحراقه صحيفته , لان ما كتبه لانس كان عبارة عن تدوين امر الصدقة وجـباية الاموال , وهو مما يقوم امر الدولة ولايمكن للخليفة ان يتناساه وقد جاء عن عمرو بن حزم انه دون كتابا فيه الصدقات عن رسول اللّه وللخليفة عمر بن الخطاب كتابا في نفس الامر كذلك ,كان موجودا عند حفصة ثم عند آل ابي الخطاب فالكتابة بما يقوم امرالدولة شي ء وما علل في منع التدوين شي ء آخر.امـا الاستفهام الثاني : فيمكن الاجابة عنه بجلاء من خلال فعل الشيخين وسيرة المسلمين , فقد جمع الـخـليفة الاول خمسمائة حديث , وهذادليل كاف على عدم ورود نهي منه (ص ) فيه , اذ لو كان قد صدر نهي سابق لما دون الخليفة مادون من احاديث .وهـكـذا الـحـال بـالـنسبة الى الخليفة الثاني , اذ لو كان التدوين محظورا من قبل لماجمع الصحابة واسـتشارهم بالامر. ولما ارشدوه الى التدوين ((6)) .وكذا لو صح المنع عن التدوين عموما وعن الـسـنـة خـصـوصـا, فـمـا مـعـنى ماجاءعنه (ص ) من انه امر المسلمين بكتابة خطبة يوم فتح مـكـة ((7)) , او انـه ـبـعـدهـجـرتـه من المدينة ـ امر بكتابة احكام الزكاة ومقاديرها, فكتب في صحيفتين وبقيتا محفوظتين في بيت ابي بكر الصديق وابي بكر بن عمر بن حزم ((8)) .وبـهـذا ندرك ان التدوين لم يكن محظورا في عهد رسول اللّه (ص ), وان الشيخين لم يدونا حديثه (ص ) في ايام حياته , بل ان الخليفة الاول دونهابعدوفاته (ص ).وان الكتابة , وتدوين العلم كان مما اكد عليه القران الحكيم بقوله :(ن , والقلم وما يسطرون ) ((9)) و(الـذي عـلـم بـالـقـلـم ) ((10)) و (لا تـسـئمـواان تـكـتـبـوه صغيرا او كبيرا) ((11)) و (فاكتبوه ) ((12)) و (علمها عند ربي في كتاب ) ((13)) .وان الـعـرب كانوا يجلون الكتاب , ويميلون الى الكتابة , وقد ذكر ابن حبيب البغدادي قائمة باسماء الاشراف المتعلمين وفقهائهم في العصر الجاهلي وصدر الاسلام ((14)) .قـال ابـن سـعد: كان الكامل عندهم في الجاهلية واول الاسلام : الذي يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي ((15)) .والـمـدينة ((17)) والطائف ((18)) والانبار ((19)) والحيرة ((20)) ((16)) وفـي مـكـة ودومة الجندل ((21)) كانت تعقد الكتاتيب للدراسة , وجاء عن رسول اللّه (ص ) انه انشافي مسجده صفة كان عبداللّه بن سعيد بن العاص يعلم فيها الراغبين الكتابة والخط ((22)) .وذكـر الـدكتور محمد عجاج الخطيب نصوصا عن الصحابة كانوا قد حثوا فيهاالناس على مذاكرة العلم , وقد عقدت لهم حلقات في ذلك ((23)) .قـال الـدكـتـور احمد امين : ان الامية لم تكن متفشية بين العرب بالشكل الذي يتصوره بعض الكتاب والـمستشرقين , وبخاصة عرب الحيرة وبادية الشام ,لانهم عاشوا زمنا طويلا مع جيرانهم الفرس والروم , وبحكم الظروف التي كانت تحيط بهم والمراحل التي مروا بها مع تلك الامم المتحضرة ليس مـن الـبعيدعليهم ان يتعلموا الكتابة , وان ياخذوا عنهم العلوم والعادات التي تمس حياتهم وتسهل لهم سبل العيش والحياة الحرة الكريمة ((24)) .فـاذا كـان القران يشرع الكتابة والتدوين , والسنة تعنى بامر الكتابة حتى تجعل فداء اسرى بدر من الـمـشركين في مقابل تعليم كل واحد منهم عشرة من اولادالمسلمين القراءة والكتابة ((25)) , فما معنى القول بمنع تدوين السنة الشريفة من قبل رسول اللّه (ص ) اذن ؟ الا يـلفت انظارنا عتاب الرسول لاقوام , وقوله : ما بال اقوام لا يفقهون جيرانهم ,ولا يعلمونهم ولا يـعـظـونـهـم , ولا يـامرونهم ولا ينهونهم ؟ يتعظون ؟ ((26)) .وقد سال رسول اللّه (ص ) وفد عبد القيس : كيف رايتم كرامة اخوانكم لكم وضيافتهم اياكم ؟ قالوا: خير اخوان , الانوا فراشنا, واطابوا مطعمنا, وباتوا واصبحوا يعلموننا كتاب ربنا وسنة نبينا (ص ).فـاعـجـب الـنـبـي (ص ) وفـرح بـنـا, ثـم اقـبـل عـلـيـنـا رجـلا رجـلا يـعـرضنا على ما تعلمناوعلمنا... ((27)) .وروى حـذيـفـة ان رسـول اللّه (ص ), قـال : اكتبوا لي من تلفظ بالاسلام من الناس ,فكتبنا له الفا وخمسمائة رجل ((28)) .وقـد دون اصـحـاب الـسير ان رسول اللّه (ص ) كان له ثلاثة واربعون او خمسة واربعون كاتبا للوحي .فـاذا ضـمـمنا هذا التاكيد على التعليم والتعلم والقراءة والكتابة , الى ما اسلفنا من امر النبي بالتدوين ومـمارسة الصحابة له على عصره (ص ) وبعده بمدة ـ حتى نهى ابو بكر عنه ـ علمنا ان نسبة منع الـتـدويـن والـتحديث الى رسول اللّه ما هو الامغالطة يهدف منها تصوير الاسلام بصورة مشوهة , وتـلـك صـارت مـبررا لاعداءالاسلام في القول بان المسلمين يخالفون العلم ولايرتضون التحديث عن رسول اللّه (ص ) وتدوين السنة , ثم نراهم ينقضون موقفهم ويذهبون الى تدوينه لاحقا؟ جائزا فلماذا منعوه , وان كان ممنوعا فلم دونوه ؟ نـعـم , ان الـقـول بـمـنـع الـتـدويـن يـنـاقـض مـا ورد عـنـه (ص ), مـن قـولـه : اكـتـبـوا ((29)) وقـيـدوا ((30)) وقـولـه : اكـتـب فـوالـذي نـفسي بيده ما خرج منه الاحـق ((31)) , اواسـتـعن على حفظك بيمينك ((32)) . ومثل هذا كثير مما لا نريد الاطالة فيه . واذااتضح ذلك , فلنناقش النص الاول متسائلين : لماذا بات ليلته يتقلب كثيرا؟ الـعـلـة كان يشكو منها, ام ان شيئا خطيرا من امر الخلافة وشؤون المسلمين قدارقه واذهب عنه النوم ؟ وقد وقفت سابقا على كلام عائشة : اتتقلب لشكوى , او لشي ء بلغك ؟,واستمعت لتعليل الخليفة .تـرى هـل يـصح هذا التعليل الذي ورد عن الخليفة : انها لم يكن كما حدثني ؟وهل ان فيه للسامع مقنعا؟ وهل ان تعليله يسوغ احراق ما جمعه ؟ ولماذا يحرقه ولا يميثه بالماء, او يدفنه في الارض مثلا؟ امـا الـسؤال الاول : فبقرينة فلما اصبح قال : اي بنية , هلمي الاحاديث التي عندك , فجئته ... نعرف سـبـب تقلب الخليفة وانه لم يكن لعله كان يشكومنها اولامر يتعلق بالغزوات والحروب , بل انه بات لـيلته يتقلب بسبب ماكان في هذه الصحيفة من احاديث , حتى بات يعتقد ان نقل الحديث عن رسول اللّه (ص )مـدعاة للاختلاف , من دون فرق بين المفردات المحدث بها,وبدون تمييز بين ماسمع مباشرة عـن الـنبي او بواسطة , او ان يكون مما حدث او روي , لقوله في مرسلة ابن ابي مليكة : لا تحدثوا شيئا في حين ان الخليفة كان لايذهب الى ذلك في بادى الامر.امـا تـعليله لاحراق الاحاديث بقوله : خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيهااحاديث عن رجل قد ائتمنته ,ووثقت [به ], ولم يكن كما حدثني , فاكون نقلت ذلك .. فان عدة مؤاخذات ترد عليه : الاولى : كيف انقلب المؤتمن الثقة الى غير موثوق و مؤتمن ؟ ثم ايحتاج ابو بكر ان تكون بينه وبين رسول اللّه في الحديث واسطة ؟ ان ما يقال من ملازمة ابي بكر للنبي طيلة حياته لا يتلاءم مع احتياج النقل عنه (ص ) بواسطة ؟ اذ ان ملازمته للنبي تنفي الحاجة الى الواسطة في النقل ,وخصوصا لمن يرى انه اول من اسلم .الـثـانـيـة : اذا كان ناقل الخبر ثقة مامونا لقوله (ائتمنته ووثقته ), فهل يمكن ان نسقط مروياته عن الاعتبار ولا ناخذ بها, بمجرد احتمال الكذب او السهو؟ الـم يكن لازم هذا القول انكار حجية خبر الثقة , ولا يمكننا بعده ان نعتمد على خبر اي ناقل لامكان احتمال الكذب فيه ؟ روى رافع بن خديج , قال :مر علينا رسول اللّه (ص ) يوما, ونحن نتحدث , فقال :ما تحدثون ؟ فقلنا: ما سمعنا منك يا رسول اللّه .قال : تحدثوا, وليتبوا مقعده ـ من كذب علي ـ من جهنم ومضى لحاجته , وسكت القوم , فقال (ص ): ما شانهم لا يتحدثون ؟ قالوا: الذي سمعناه منك يا رسول اللّه قال : اني لم ارد ذلك , انما اردت من تعمد ذلك , فتحدثنا.قال : قلت : يا رسول اللّه قال : اكتبوا, ولا حرج ((33)) .وهـذا النص صريح فيما قلناه , من ان التحديث كان جائزا مشروعا في عهد النبي (ص ), وان جملة تـحـدثـوا تؤكد جواز التحديث مع لزوم التثبت فيه حتى لايقع احد في الكذب عليه (ص ), وان احتمال كذب الراوي , او التخوف من الكذب لا يسوغ للخليفة اهمال الحديث .بـل ان رسـول اللّه (ص ) دعا الى التثبت في نقل الرواية , لمعرفة صحيحها من سقيمها, ولم يشرع (ص ) سـد باب الرواية والتحديث , فكان على الخليفة ان يصحح الاحاديث , ان كان فيه شي ء مكذوب حـذفـه , وان كـان فـيـه ما يوجب التوضيح وضحه , وان كان فيه امر اخر اشار اليه , لا ان يبيد ما جمعه ,بفرض الشك والاحتمال .ان الـعـلـم مـمـا لا يستساغ محوه , كيف بكلام النبي الكريم ؟ احراقها بحال من الاحوال خصوصا وان اكثرها مما فيه اسم اللّه واحكامه التي لايجوز اهانتها بتاتا.وانـه اذا اراد اتلافها كانت امامه سبل اخرى لاغبار عليها, مثل محوها بالماء, او دفنها في الارض او...ثم ان المسلمين احسوا بالترابط الجذري بين التحديث والتدوين ـ وذلك يدل على وعيهم وثقافتهم ـ فـسـالوا النبي (ص ) عن جواز كتابة احاديثه اذ احتملوا ان يمنع او ان يقيده النبي (ص ) بقيود او يـشـتـرط فـي كـتـابـتـه شـروط,فاجابهم النبي (ص ) بجواب اكتبوا ولا حرج . فنفى الضير فـي الـكـتـابة ورفع الحرج , اذ على المسلم ان يتثبت مما يدونه عن الرسول وان لايدون المكذوب , وليس بعد هذا شرط.الثالث : لو اعتقدنا ان احتمال الكذب يسقط الرواية من الاعتبار ـ كما قال الخليفة ـ للزم طرح جميع مـا روي عـن رسول اللّه في الصحاح والمسانيد,لامكان ورود مثل هذا الاحتمال فيها, وهذا مما لا يـقـول بـه احـد, لان الـقـول بـذلـك مـن شـانه ان يسقط اصلا من اصول التشريع الاسلامي , وان يقضي على السنة النبوية الشريفة قضاء تاما, وان يلغي كل الاحكام الفرعية المسلمة من الاحاديث .تـرى , كـيـف يقول الخليفة بهذا؟ اخفي عليه ان النبي (ص ) كان يعمل باخبارالصحابة العدول فيما يـتـصـل بالتهيؤ والاعداد للغزوات والحروب ؟ يعملون بخبر العدول , ويتوقفون عندخبر الفساق . ويبقى مجرد احتمال الكذب او الخطا او السهواو .... مرفوعاباصالة العدم في الجميع .وعـلـيـه يـكـون ما ذهب اليه ابن حجر من ان اللّه قد نفى عن الصحابة : الكذب ,والسهو, والريب , والـفـخـر.. مـخـالـفـا لـشهادة الخليفة بما علمت , حيث ظن ببعض الصحابة ظنا ـ يتناول فيهم هذه الاحـتـمـالات ـ ويرتقي الى يرقي الى درجة الكذب , وابو بكر ادرى بحال الصحابة من ابن حجر بداهة .ولـو سلمنا جدلا ان مجرد الشك والاحتمال يسقط الخبر عن الحجية عندالشاك , فلا نسلم سقوط الـخبر عن الحجية عند الاخرين غير الشاكين في المرويات , فكان على الخليفة ان ينقل المرويات ويشير الى شكه فيمن شك فيه لعدم مطابقة اخباره للواقع , لاي سبب كان . وللمخبر بالخبر ان يعمل به , او لايعمل وفقا لما يفرضه عليه الدين .والـثابت ان هذا التبرير ـ لو سلم ـ لا يوجب منع غيره , فالخليفة بمنعه كان يهدف المنع من التحديث مطلقا لقوله في النص الثاني : فلا تحدثوا عن رسول اللّه .فـلـو كان التدوين جائزا فما معنى النهي ؟ ولو صح النهي عنه (ص ) فلماذا جمع ابو بكر خمسمائة ((34)) ؟ ان مـنـع الخليفة من تناقل حديث رسول اللّه , وحرقه لما جمعه من احاديث عنه (ص ) لا يستند اذن الى اصل شرعي .اما النص الثاني : فانه يجسم حال الامة بعد رسول اللّه (ص ), وان الخليفة ارجع سبب اختلافهم الى اختلاف النقل عنه (ص ), لقوله : انكم تحدثون عن رسول اللّه احاديث تختلفون فيها, والناس بعدكم اشد اختلافا.فمهما يكن الامر, فان الحاجة الى التحديث من جهة ووجود الاختلاف في المرويات من جهة اخرى .كان امرا مهما قائما لا بد من حله بطريقة ما.وقـد نـحـا الـخليفة الاول منحى المنع من التحديث , والاقتصار على القران كحل لهذه الازمة التي ظـهرت بوضوح بعد فقد النبي (ص ), تخلصا من الروايات المختلفة التي يبدو ان الخليفة عجز عن الـجـمـع بـيـنها, مما اضطره الى منعهاجميعا دون استثناء, خصوصا مع علمه بتوسع دائرة الخلاف بتطاول الازمان في الحديث عن النبي (ص ).ولنا على موقف الخليفة ابي بكر, في منعه للتحديث , عدة اشكالات : اولـهـا: ان الـنبي (ص ) كان يبعث اعيان الصحابة معلمين للناس , ومنذرين . وكان يامر الناس بالاخذ عنهم , والتفقه على ايديهم , خصوصا بعداية الانذار.ومـنـع الـصـحـابي من رواية ما سمعه والعمل به , يعني الغاء وظيفة العالم الشرعية في تعليم الناس وتـبـصيرهم . واما حدوث التقول والافتراء من قبل بعض الصحابة , فان بالامكان ردع المتقول ومنع المفتري ذاته من التحديث ,ولا معنى لمنع الجميع .اما اذا استعصى حكم ولم يهتد فيه الى وجه الصواب , فبالامكان الرجوع الى النبي (ص ) ما دام حيا.وامـا بـعـد وفاته فيمكن مشاورة سائر الصحابة ممن سمع في ذلك اثرا عن النبي (ص ) للاطمئنان وللتاكد من صحة النقل ,وهو ما رايناه عند بعض الصحابة .ثـانـيـها: انه كان بامكان الخليفة جمع الصحابة ضمن لجنة , والاستماع الى منقولاتهم , وتثبيت ما هو الـصـحـيـح , وحذف المشكوك فيه , توحيدا للمنقول عنه (ص ). وكان ذلك الامر سهلا يسيرا, لان الـصـحـابـة لـم يـذهبوا بعد في اقطارالارض للغزو والفتح , كما حدث بعدئذ في زمن عمر, ولم يـفـصل بينهم زمن طويل عن زمان النبي (ص ), مما يعني قلة نسيانهم وندرة خطئهم ,ووجود فرصة ذهـبـيـة لتوحيد نقولاتهم بايسر سبيل , خصوصا مع امكان التعرف على حال الراوي من قريب دون تعدد الوسائط في النقل , اذ ان اغلبهم ما يزال في المدينة على قيد الحياة .ثـالـثـها: ان المنع من التحديث , وبتطاول الامد, سيضاعف من عدد الاحكام المجهولة عند المسلمين , وذلـك مـا يحدو بهم ان يستنبطوها من المسلمات والمرويات العامة ,وبذلك تختلف وجوه الاستنباط وتـتـعـدد وجـهـات الـنظر, بينماينتفي كل هذا الاختلاف لو كان التحديث محكما والتدوين جاريا.ونـظـرالالـتـفـات الخليفة الى نقطة : الناس بعدكم اشد اختلافاكان لزاما عليه ان لا يترك الناس يـتـخـبطون في الجهالة فيما يتصل بالاحكام الشرعية , او يرتكسون في اختلاف ادهى وامر بسبب ظـهـور حالة تعدد وجهات النظر الشخصية لكل مستنبط. وقد اقتضى هذا المنع ان الخليفة الاول ـ رغم سابقته في الاسلام ,وقربه من الرسول ـ لم يرو عنه الا مائة واثنتان واربعون رواية ـ كما قال ابن حزم ((35)) .فلو قيست المرويات المجموعة مع ما قد اتلف منها لاستبان ان ما اتلف وابيدكان كثرة كاثرة .رابـعـهـا: انه لا يمكن منع التحديث بالاحاديث مع العلم القطعي باحتوائهاامهات المسائل مما يحتاجه الـمـسـلـمـون في حياتهم الدينية والدنيوية ,اذ ان اضاعة الاحكام وابادتها يدخل في دائرة المحرم والـمـمـنوع , لانه يؤول الى اضاعة معالم الدين واحكامه , فكان الموقف المناسب ان توحدالمرويات وفـقا لمقياس مايتخذه الخليفة , وان يلجم الكذابين ويمنعهم من التحديث , وان يرفع الخلاف الظاهري بـعـرض الروايات على القران او منقولات الصحابة الاخرين المثبتين ,الى غير ذلك من سبل ضب ط الحديث , والاخذ به مما يتبعه المسلمون اليوم .امـا امـر الـخـليفة الصحابة ان يقولوا لمن يسالهم عن مسالة ما: بيننا وبينكم كتاب اللّه , فاستحلوا حلاله , وحرموا حرامه ... ففيه مسامحة واضحة , اذ كيف يمكن معرفة الاحكام الشرعية من القران وحـده دون الرجوع الى السنة الشريفة ؟ ثم الم يكن القران حمال اوجه , منه المجمل ومنه المبين , والـمـحـكم والمتشابه , والعام والخاص , والناسخ , والمنسوخ ؟ فكيف يمكن الوقوف على حلال اللّه وحـرامـه من القران وحده ؟ كان صحيحا فمن اللّه وان كان خطا فمن نفسي ولـمـاذا تـمـنى ان يسال الرسول (ص ) عن ميراث الجد والجدة بعد موته (ص ) اذاكان ما ورد في القرآن من حلال وحرام يكفيه ؟ ولـو صـح قـول الـخـلـيفة , فبم نفسر كلام رسول اللّه (ص ) في حديث الثقلين ,حيث رسم اصلين للتشريع الاسلامي هما (الكتاب والسنة ) او (الكتاب والعترة )كما في روايات اخرى ؟ الا يـعـنـي ذلك ان العترة او السنة ماثلان حاضران بين المسلمين , ولذلك تراه يقول (ص ): تركت فيكم ؟ وهـذا يعني انه لا بد من وجود مفسر للقران من سنة او عترة , استنادا الى كلام النبي (ص ), وهذا يعني ـ مرة اخرى ـ انه لا يمكن فهم احكام اللّه من القران وحده .ولا بد ان رسول اللّه قد ارشد المسلمين الى سنة مدونة وعترة شاخصة حين ارجع امته اليها.حديث الاريكة : ويـذكـرنـا قـول ابي بكر في هذا السياق بحديث الاريكة الذي روي عن رسول اللّه (ص ) بطرق متعددة : جاء في مسند احمد, وسنن ابن ماجة , وابي داود, والدارمي , والبيهقي ((36)) ,وغيرها: ان رسول اللّه قال : يوشك الرجل متكى على اريكته ,يحدث بحديثي ,فيقول بيننا وبينكم كتاب اللّه , فما وجدناه فيه من حلال احللناه ومن حرام حرمناه .وجاء في ذيل بعض النصوص السابقة : الا واني قد اوتيت القران ومثله ((37)) .وفي اخر: الا اني اوتيت الكتاب ومثله معه ((38)) .وفـي ثـالـث : يـاتـيـه الامر مما امرت به او نهيت عنه , فيقول : لا ادري , ما وجدناه في كتاب اللّه اتبعناه ((39)) .وروى الـخـطيب البغدادي في كتاب الكفاية عن جابر بن عبداللّه , ان رسول اللّه (ص ) قال : لعل احدكم ان ياتيه حديث من حديثي , وهو متكى على اريكته ,فيقول : دعونا من هذا, ما وجدنا في كتاب اللّه اتبعناه ((40)) .وروى ابـن حـزم بـسنده عن العرباص بن سارية : انه حضر رسول اللّه (ص )يخطب الناس , وهو يـقـول : ايحسب احدكم متكئا على اريكته , قد يظن ان اللّه تعالى لم يحرم شيئا الا ما في القران , الا واني واللّه قد امرت ووعظت ونهيت عن اشياء, انها لمثل القران .قال ابن حزم : صدق النبي (ص ) هي مثل القران , ولا فرق في وجوب كل ذلك علينا.وقد صدق اللّه تعالى هذا, اذ يقول : (من يطع الرسول فقد اطاع اللّه ) ((41)) .وهـي ايـضـا مثل القران في ان كل ذلك وحي من عند اللّه تعالى , قال اللّه عز وجل :(وما ينطق عن الهوى # ان هو الا وحي يوحى ) ((42)) .وقبل ان نترك حديث الاريكة لنقرا هذا النص .فـاذا كـانـت الاريـكـة كـمـا يقول اهل اللغة : سريرا منجدا في قبة او بيت ((43)) او مطلق الـسـريـر كـمـا فـسـر به الشافعي ((44)) والحازمي ((45)) .. فان اولى من تهيا له انما هو الـحـاكـم والخليفة الذي يحكم الناس ويتحكم بامورهم . واذالاحظنا الفعل (يوشك ) الوارد في كلام الـرسول (ص ) ـوهو لفظ يستعمل للدلالة على قرب تحقق العمل , لانه من افعال المقاربة , واذابحثنا عـن ذلـك بين الخلفاء ـ لماوجدنا اقرب عهدا الى زمان رسول اللّه (ص ) من الخليفة الاول الذي قعد عـلى اريكة الحكم بعد النبي مباشرة , وتصدى للحديث بعين ما انبا به النبي (ص ), فيمارواه الذهبي : ان الـصديق ـ ابا بكر ـ جمع الناس , بعدوفاة نبيهم , فقال : انكم تحدثون عن رسول اللّه (ص ) احاديث تـخـتـلفون فيها, والناس بعدكم اشد اختلافا,فلا تحدثوا عن رسول اللّه شيئا, فمن سالكم فقولوا: (بينناوبينكم كتاب اللّه فاستحلوا حلاله , وحرموا حرامه ) ((46)) .اذا عـلـمنا كل ذلك , فقد اتضح لنا ان ابا بكر لم ياب ان يكون هو ذلك الرجل الذي انبا الرسول (ص ) بمجيئه ,متكئا على اريكته , مجابها الحديث بقوله : (بينناوبينكم كتاب اللّه ...).فكان هذا من اعظم دلائل النبوة واوضح اعلامها ((47)) .والـغـريب ان التاريخ لم يحفظ لنا معارضة للحديث من حاكم مقتدر اشد واقرب عهدا من وفاة النبي (ص ) مـن ابـي بكر ومن عمر بن الخطاب . ومن هذا نفهم ان غيرهما لم يكن مقصودا بهذه الاحاديث .واما من جاء بعدهما فانمااستن بسنتهما, ولم يمنع الحديث باشد من منعهما. ((48)) اي المنعين اسبق : بـعـد هـذا كله نلتقي بمسالة اخرى , هي : هل كان منع الخليفة للتدوين والتحديث قد حدث في وقت واحد, ام على التعاقب ؟ ظـاهر الامر ان الخليفة الاول ـ لاسباب نذكرها في السبب الاخيردون الحديث , ثم حظر التدوين والـتحديث معا. وكان يتوخى من ذلك الحظرممارسة التشريع , والمحافظة على السلطة التشريعية , اضـافـة الـى مـا لـه مـن سـلـطـة سـيـاسـيـة , بـمـعنى انه كان يريد توحيد السلطتين الادارية والتشريعية ,ممايسهل له تحقيق ما يوطد الخلافة .وبعد ان منع التحديث تضاعفت الحاجة لتدوين الاثار النبوية , بسبب رحيل النبي (ص ), اولا, وبسبب حـظـر الـتـحديث من قبل الخليفة ثانيا, وبسبب بروز اتجاه الراي وتحركه في دائرة الفراغ , مما اضـطر بعض الصحابة الى ان يدونوا مسموعاتهم ويحتفظوا بها للاجيال القادمة , ولذلك ثنى الخليفة ابـوبـكربمنع التدوين بعد منعه التحديث .. وهذا التسلسل في المنع ليس بذي اهمية بالغة اذا ما قيس بـتاثير الحدث تاريخيا, لان المنع بكلا شقيه ـ التحديثي والتدويني ـ كان في امد لا يتجاوز الاربع سـنين , وكانت هي البذرة الاولى في هذاالسبيل , ثم سار على خطاها عمر بن الخطاب , ومن بعده من الخلفاء,واستمرت ـ الا في خلافة علي بن ابي طالب ـ حتى العهد الاموي .والـواقع ان ابا بكر وعمر وعثمان نجحوا في منع التدوين نجاحاكبيرا,ولكنهم لم يلاقوا مثل هذا الـنجاح في منع التحديث , فالصحابة والتابعون وتابعو التابعين لم يلتزموا بحظر التحديث , وان كانوا قد تظاهروابالانصراف عن التدوين , الى ان فتح عمر بن عبدالعزيز باب التدوين .