کنز الفوائد جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کنز الفوائد - جلد 2

ابو الفتح الکراجکی؛ مصحح: عبدالله نعمه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


والخليفة ابو بكر لما قال بعد وفاة رسول اللّه - كما في مرسلة ابن ابي مليكة المارة الذكر-: (بيننا وبـيـنـكـم كتاب اللّه ) اراد بقوله الاكتفاء بالقران , وقدسبقه الى هذا الراي عمر بن الخطاب عند
مـرض الـرسـول عندما قال (حسبناكتاب اللّه ). وان فاطمة بنت رسول اللّه احتجت عليه بالقران
وحـده فـي نـزاعـهامعه في فدك الزاما له بما الزم به نفسه حين قال : حسبنا كتاب اللّه فاستدلت
عـلـى احـقيتها بعموم ايات الارث والايات الارث والايات الدالة على ان الانبياءيورثون . ويورثون ,
فـاستدل هو بقوله (ص ): نحن معاشر الانبياءلا نورث ,فاستدل بالسنة بعد ان قال حسبنا كتاب اللّه ,
وهذا تضارب وتهافت واضح .

فماذا كانوا يعنون بكلامهم هذا وهم اقرب المسلمين زمنا للتشريع ؟
اكانوا يريدون ما اراده الخوارج لاحقا من والاستعانة بالقران في فهم جميع الامور والتشاغل به عن
السنة , ام كانوا يرجون غير ذلك ؟
ان الدعوة الى الاخذ بالقران ووضع السنة جانبا - مع تصريح الرسول في احاديث الاريكة بان كلامه
كـلام اللّه , وهـو الـمـبـين لاحكام اللّه - ثم احلال اجتهاداتهم محله ما هو الا قرار سياسي اتخذ
لتصحيح ما يذهب اليه الشيخان ,اذلا يخفى على ابي بكر وعمر ان الاحكام باسرها لا يمكن استقاؤها
من القران وحده , وقد جاء في كلام عمران بن الحصين مجيبا من قال :تحدث بالقران واترك السنة ان
ابن الحصين قال :
ارايت لو وكلت انت واصحابك ا لى القران , اكنت تجد فيه صلاة العصراربعا , وصلاة الظهر اربعا,
والـمـغـرب ثـلاثـا, والـصـبح تقرا في اثنيين ؟ واكنت تجد الطواف بالبيت سبعا, والطواف بالصفا
والمروة ((484)) ؟
فـلا يعقل اذن ان تخفى مثل هذه القضايا امور على ابي بكر وعمر,واذاكانت غير خافية عليهما فلم
يدعوان الى الاكتفاء بالقران ويقولان ب -(حسبناكتاب اللّه )؟ بـهـذا عـرفـنـا ان المحظور من الروايات هو ما لا يعرفه لا يعرفها الخليفة ,وما يسبب له مشاكل
مـحرجة . واما الاحاديث المعروفة التي تناقلهاالمسلمون وعرفوها والتي لا تخفى على الخليفة كما
لا تخفى على غيره فلاتخوف منها ولا نهي عن تناقلها.

وان في كلام ابي بكر: (والناس بعدهم اشد اختلافا) ما يكشف عن ان المسلمين ستختلف اتجاهاتهم
فيما بعد, لاخذ كل واحد منهم براي صحابي .ويعضد كلام ابي بكر ما جاء عن رسول اللّه (ص ) ان
امته مختلفة من بعده .

ولا ريب ان اختلاف نقول هؤلاء الصحابة سيتعارض اجتهادات الشيخين .

وان تـشريع سنة الشيخين بازاء سنة رسول اللّه او الارتقاء بها الى سنة رسول اللّه , ثم تعبد الخلفاء
بها من بعدهم وجعلها منهاج حياة ودستور دولة ..ماهو الا تعبير عن المصلحة التي دعا اليها الخليفة ,
والمفتاح الذي يفتح به كل مشكل لانـك قـد عرفت ان الخليفة قد تخوف من المحدثين , وحدد نشاطهم -بالفعل - وامرهم بلاقلال من
الـحـديث . وقد حد من تحديثهم عن رسول اللّه ,وعلل حبسه لهم بقوله : (اكثرتم الحديث عن رسول
اللّه ), وقوله : (افشيتم الحديث عن رسول اللّه ).

فـالافـشـاء والاكثار كان يؤذي الخليفة , لانه يؤدي الى تعارض ما نقل عنه (ص ) مع نقول الشيخين
واجتهاداتهم , فكان عليه -والحالة هذهـ ان يدعوهم للاخذ بالقران اولا, لا اعتقادا منهم بكونه كافيا
فـي مـعـرفـة الاحـكـام ,فـهـم - حـيـنـمـا ارجعوا الناس الى القران - كانوا يعلمون حق العلم ان
الـقـران مـحـتاج الى السنة وان رسول اللّه مكلف بتبيين الاحكام للناس في قوله تعالى (لتبينن ما نزل
الـيـهـم ), لـكن ابعادهم عن السنة المطهرة والدعوة الى الاكتفاءبالقران انما يمكن لهم رسم البديل
والذي هو اجتهاداتهم وان يصارالى الاعتقادبانهم اعلم من غيرهم : ياخذ منهم ويرد عليهم لـذا نـجـد بين الصحابة من لا يرتضي العمل باجتهادات الشيخين , لانه عرف ان الكتاب والسنة هما
الاصـلان الـرئيـسـيان في التشريع لا الاجتهاد. ولو كان قد ورد في اجتهاد الشيخين نص خاص
لسمعوه وتلقوه , ولما قالوا: اسنة عمرنتبع ام سنة رسول اللّه ؟ او قولهم : اراهم سيهلكون , اقول : قال رسول اللّه , ويقولون : نهى ابو بكروعمر.

ومـن الطريف ونحن ندرس الحوادث ان نرى في سجل اصحاب الراي والاجتهاد , - ذرا للرماد في
العيون وخلطا للحابل بالنابل - اسماءلرجال امثال ابن مسعود ومعاذ وابن عباس وغيرهم من اصحاب
الـمـدونات ومن البعيد ان تكون تلك النصوص المنسوبة الى هؤلاء هي مما وقع فعلافي التاريخ , لما
عـرفـنا من ملابسات الامور وحاحة انصار الخليفة الى مثلها. ولودرسنا هذه القضايا بروح علمية
لوقفنا فيها على كثير من المؤاخذات والاضطرابات فيها.

هـذا وقـد اكـد ابـن حـزم وغـيره على ان حديث معاذ في الاجتهادضعيف ,وذهب اخرون الى انه
موضوع .

وقال ضمن كلامه : وبرهان وضع هذا الخبر وبطلانه هو ان من الباطل الممتنع ان يقول رسول اللّه :
فـان لـم تجد في كتاب اللّه ولا في سنة نبيه ,وهويسمع قول ربه (واتبعوا احسن ما انزل اليكم من
ربـكـم ), وقـوله :(اليوم اكملت لكم دينكم ) وقوله : (ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه )مع الثابت
عنه (ص ) في تحريم القول بالراي في الدين .

ان دراسـة مـثـل هـذه القضايا في الشريعة ستحلق بالباحث للنظر في امورالشريعة من افق اوسع
وزاويـة علمية اجدر, مؤكدا عليه لزوم التجرد عمايحمله من عواطف واحاسيس , وليكن حرا في
تـفـكـيره وعقله وان يدرس النصوص مع ملابساتها كما هي , وان لا تسيره الاهواء والعواطف , ثم
فـلـيـنظراحقا ان رسول اللّه قد جوز القول بالراي وهو بين ظهراني الامة , ام كان يعني في سماحه
بـالاجـتـهـاد هو الاجتهاد طبق النصوص الصحيحة الموجودة عندالصحابي من الكتاب والسنة لا
الاجتهاد وفق الظن والتخمين ؟ والى غيرهامن الاسئلة .

نظرات في الراي :
نـقل عن المستشرق (جولد تسيهر) انه ذهب الى ان الراي لم يكن على عهد النبي وعمر, بل هو مما
طرا لاحقا على الشريعة . وقد نقل هذاالراي عنه الدكتور محمد يوسف موسى بقوله :
نـعـم ان هـذا المستشرق البحاثة الحفي بالدراسات الاسلامية يرى انه قدحصل العمل بالراي في
الـجـيـل الاول مـن التاريخ الاسلامي . ولكن الراي في هذه المرحلة كان غامضا, عاريا عن التوجيه
الايـجـابـي , وبـعـيدا عن المذهب والطريقة الخاصة به , ثم اكتسب في العصر التالي تحديدا معينا,
وبدايتحرك في اتجاه ثابت , وحينئذ اخذ هذه الصيغة المنطقية : القياس ((485)) .

ثـم تـهـجـم الدكتور موسى على (جولد تسيهر) وشك في قيمة رايه وراي زملائه المستشرقين ,
لـبعدهم عن فهم روح الاسلام , معللا بان الروايات التي ذكرها ابن القيم كافية للدلالة على ذلك . الا
انـه عـاد فـقاربه بقوله :حقا ان الراي في هذه الفترة من فترات تاريخ الفقه الاسلامي ليس هوالقياس
الـذي عـرف فـيـما بعد في عصر الفقهاء -اصحاب المذاهب الاربعة المشهورة - ولكن الراي الذي
اسـتعمله بعض الصحابة لا يبعد كثيرا عن هذاالقياس ان لم يكنه , وان كانوا لم يؤثر عنهم في العلة
ومـسـالـكـهـا وسـائرالـبـحـوث الـتـي لا بـد مـنها لاستعمال القياس شي ء مما عرفناه في عصر
اولئك الفقهاء) ((486)) .

ومهما تكن قيمة شك الدكتور, فلا يهمنا ان نعرفه بقدر ان نعرف موقف الشيخين من الراي , وهل حقا
كانا يذهبان اليه عند عدم علمهم بحكم اللّه ورسوله ؟ ام كانا يريان لارائهما الحجية مع وجود نص
من القران واثرعن رسول اللّه ؟
اكـدت الـنصوص السابقة على انهم كانوا يقولون بالراي مع وجود النص ,اذ لا يعقل ان يخفى قوله
تـعـالى : (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجايتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) ((487))
على ابي بكر في قضية خالد بن الوليد الذي تزوج بزوجة مالك بن نويرة , وهي في العدة وكيف يقول الخليفة ابو بكر لعمر: ما كنت اقتله , فانه تاول فاخطا ((488)) ,مع وقوفه على النص ؟
الم يكن هذا هو الاجتهاد قبال النص بعينه ؟
وليتني اعرف هل خفيت الاية على الخليفة , ام انه راى المصلحة فيماذهب اليه ؟
وهل المصلحة والقياس يعمل بهما عند فقدان النص ام يردان حتى مع وجود النص ؟
والـيك مجمل خبر خالد في رواية الطبري , قال : فلما دخل (خالد)المسجد, قام اليه عمر فانتزع
الاسهم من راسه فحطمها, ثم قال : ارئاء؟ بـاحـجـارك . ولايكلمه خالد بن الوليد ولا يظن الا ان راي ابي بكر على مثل ما راى عمرفيه ,حتى
دخل على ابي بكر, فلما... ((489)) .

وروى الـطبري : ان عمر بن الخطاب (رض ) لقي في خلافته رجلا له قضية نظر فيها علي بن ابي
طالب , فساله عمر: ماذا صنعت ؟
فقال : قضى علي بكذا.

قال عمر: لو كنت انا لقضيت بكذا قال الرجل : فما يمنعك والامر اليك ؟
قـال عـمـر: لو اردك الى كتاب اللّه او سنة رسوله لفعلت , ولكني اردك الى راي , والراي مشترك ,
ولست ادري اي الرايين احق ((490)) .

وجاء في الاحكام لابن حزم : (قال ابو محمد: فقد ثبت ان الصحابة (ره )لم يفتوا برايهم على سبيل
الالـزام , ولا عـلـى انـه حـق , لـكن على انه ظن يستغفرون اللّه تعالى منه , او على سبيل صلح بين
الخصمين ) ((491)) .

وقـال ابـن حـزم : ولـيس في تعليم عمر (رض ) الناس التشهد على المنبرمايدل على انه عن النبي
(ص ). وقـد نـهى عمر وهو على المنبر عن المغالاة في مهر النساء, وعلم الناس ذلك . ولا شك عند
احـد فـي ان نـهـيـه عـن ذلك ليس عن النبي (ص ), وان ذلك من اجتهاد عمر فقط, وقد امر (ره )
بذلك في ذلك الوقت , ورجع عن النهي عنه , اذ ذكر ان نهيه مخالف لما في القران .

واما التشهدات المروية عن ابن عباس وعائشة وابن مسعود وابي موسى - رضوان اللّه عليهم - فهي
الـتي لا يحل تعديها لصحة سندها الى النبي .وقد خالف تشهد عمر - الذي علمه للناس - على المنبر
ابـنـه عـبـداللّه وابـن مـسـعـودوابـن عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة رضوان اللّه عليهم ,
وقدشهدوه يخطب به ...) ((492)) .

وقـالـت الـدكـتوره نادية العمري , وهي بصدد نفي ما قيل عن عمر: انه اذااعياه ان يجد حكما في
القران والسنة نظر: هل فيه لابي بكر قضاء, فان وجدله قضاء اتبعه , قالت :
وبـنـاء عـلـى ذلك لم يكن يلتزم (اي عمر) براي ابي بكر التزاما مطلقا,برغم مكانته الكبيرة في
نفسه , الا اذا استند الى نص من كتاب او سنة . وهوفي هذا الالتزام انما يتبع هذا النص في الحقيقة ,
كـمـا حـصـل بـعـد وفـاة الـرسـول (ص ) عـنـدما ذكره ابو بكر باية من القران . اما حين يصبح
الامـرشـورى ورايـا خـاصا, فان الراي مشترك , كما قال عمر. وقد خالف ابا بكرفي مسالة اقطاع
المؤلفة قلوبهم , التي رجع ابو بكر فيها الى راي عمر,وخالفه ايضا في الاستخلاف حين جعل الامر
شـورى . وعـلـى هـذا فـان عـمـركـان يستانس براي ابي بكر, ولكن لا ياخذه على سبيل الالزام
كالنصوص القرانية والنبوية , بدليل مخالفته له في اكثر من قضية واكثر من موطن ((493)) .

والان نتساءل كيف يمكننا الاخذ بسيرة الشيخين ونرى الاختلاف بين نقولهما واجتهاداتهما يـمـكـن تـصـحـيـح مـا نـسـب الـى رسـول اللّه :(اقتدوابالذين من بعدي ) وقوله (عضوا عليها
((494))
وقد رايت الاختلاف بينهم واضحا بينا وفي اكثر من قضية وموطن ؟ افترى ان راي ابي بكر في قضية خالد هو الحجة ام هو راي عمر؟
وهـل يعقل ان يفرض علينا النبي اتباع راي شخص غير معصوم وهوالمطلع على ارائه واجتهاداته
في الشريعة ايام حياته (ص )؟ ومـاذا يمكننا ان نقول عن اجتهاد عمر - كما يقولون - في رد سهم المؤلفة قلوبهم , وصريح القران
يـفـرض الـصـدقـات فـي قـولـه : (انـمـا الـصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم ...) ((495)) ؟
وكـيـف يمكن تفسير رايه في ميراث الجد مع الاخوة , والطلاق ثلاثا,وبيع امهات الاولاد , وعول
الـفرائض , وعدم وجوب التيمم للصلاة مع فقدان الماء , ونهيه عن الصلاة بعد العصر, وصلاته على
الجنائز اربعا, وفي كل ذلك نصوص عن النبي تخالفه ؟ ليت شعري كيف يعذر الشيخان ويصير ما قالاه حسنا مع تصريح عمران صلاة التراويح كانت بدعة ,
ونعمت البدعة هي ؟ ثـم يـاتـي الـعـلـماء ليفسروا البدعة بمعناها اللغوي لا الشرعي فيذكرون خبراعن الرسول - في
شرعية صلاة التراويح - مجمله : انه خرج ليلا للصلاة في المسجد فائتم به الناس , وفي اليوم الثاني
كـثـر العدد, وفي اليوم الثالث اكثرحتى خرج بهم الى خارج المسجد, فترك الرسول الخروج الى
المسجدولم ينه عنها ثم يفسرو البدعة بمعناه اللغوي فـاتـساءل : لو كان الامر في صلاة التراويح شرعيا ولم ينه عنه الرسول (ص ) فما معنى حمل كلام
عمر على معناه اللغوي عند الاعلام ؟ وان كـان عمر يعني معناه الشرعي , فما معنى ما يقولونه في تاويل فعل عمر ؟ انها تناقضات الاخبار
وهي مشهودة للباحث .

لا ادري : ااصـدق الـنـصـوص ومـا جـاء في تراثنا العريق , ام اصدق ما يقوله الاساتذة من مبررات
للشيخين ؟ اتـرى ان اللّه قـد عـصـمـهـما من الخطا وخصا بدليل يجوز اجتهادهماولزوم التعبد برايهما دون
الاخـريـن , كـمـا روي مـن قـولـه (ص ): (عـلـيـكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من
بعدي ) ((496)) .

اكان هذا النقل صحيحا عن رسول اللّه , ام يستشم منه وجود خط اخرقبال سنة رسول اللّه ؟
وايـعـقل ان يجعل رسول اللّه سنته عديل سنة الخلفاء الراشدين من بعده وهو العالم باختلاف امته من
((497)) ونرى الاختلاف
؟ بين اقوالهم ولـو ارتـضينا هذا الحديث على علاته , واجهتنا مشكلة اخرى ,وهي تضارب وتناقض وتخالف اراء
الخلفاء من بعده , فايها المامور باخذه والالتزام به ؟ واي الخلفاء هم المقصودون , الاربعة الراشدون ؟
ام كـل مـن تـسـلم امور الحكم والسلطة ؟ واذا صح الحديث فلماذا لا يحمل على الخلفاءالاثنى عشر
الـذابين عن سنته والناشرين لحديثه (ص ) لما روى عن علي (ع ) (اللهم ارحم خلفائي الذي ياتون
مـن بعدي يروون احاديثي وسنتي ويعلمونها الناس ) ((498)) , والذي قال عنهم الرسول (ص ) في
حـديـث اخـر(فـلا تـقـدمـوهـمـا فـتهلكوا, ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولاتعلموهم فانهم اعلم
منكم ) ((499)) , وقوله (ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا) وقوله (..واهل بيتي امان لامتي
من الاختلاف ..) وغيرها.

نعم , قد اوقفنا رسول اللّه في حديث الحوض على ان من بين اصحابه من يذاد عن الحوض وليتني اعرف لم يكتف (ص ) بقوله : (عليكم بكتاب اللّه وسنتي ) حتى يضيف اليها شيئا اخر؟ ايعقل
ان تكون السنة ناقصة حتى يلزم اكمالها بسيرة الشيخين ؟ والا ينم وضع قيد (سنة الخلفاء من بعدي ) او (اقتدوا بالذين من بعدي )الى جنب السنة الشريفة عن
وجـود اجـتهادات جديدة حدثت في الحياة العلمية للمسلمين تخالف السنة المطهرة , اريد لها و على
لسان النبي تصحيح كلا الاتجاهين ؟
وهل يصح عقلا وشرعا هذا الذي قيل ؟ بل كيف يمكن الجمع بين ماقاله عمر وقول رسول اللّه ؟
فالمتعة اما مشروعة , لقول عمر: (كانتا على عهد رسول اللّه )..

او محرمة , لقوله : (انا احرمهما) ان ما يحتمل راجحا في هذه النصوص - التي جاء فيها ذكر اسماءالخلفاء, او التاكيد على (الذين من
بـعدي ) مرتبا طبق الترتيب الزمني للخلافة (ابو بكر, عمر, عثمان , علي ) - انها قد وضعت لاحقا
لـتـصـحـيـح مـا ذهب اليه الشيخان ومن تابع مدرستهما الاجتهادية , ولنا في ذلك ادلة مفصلة نرجئها
الى حينها.

تطورات وتغييرات
لا بد هنا من الاشارة الى ما وصل اليه امر الامة في العصور اللاحقة .

قالت الدكتورة نادية العمري في كتابها الاجتهاد في الاسلام :ومماثبت ان المتاخرين من الفقهاء قد
غـيروا كثيرا من الاحكام التي نقلت عن ائمتهم حين دعت الحاجة الى التغيير, كما فعل الشافعي من
قـبـل حـيـنما انتقل الى مصروترك العراق والحجاز, فقد غير من مذهبه القديم الى الجديد, واملى
كتابه الام والرسالة , وكما فعل ابن القيم الجوزية ((500)) .

وقـال الدكتور تركي : اما فيما يتعلق بالاستحسان - الذي هو طريقه للهرب من القياس لاسباب من
التقدير الشخصي - فقد ظهر في القرن الثالث للهجرة , على ما ذكره ابن حزم ((501)) .

وقال الوافي المهدي : وفي هذا الدور (اي زمن تاسيس المذاهب ) تاثرالتشريع الاسلامي بالعرف ,
فاصبح الكثير من الفقهاء يعتبرونه مخصصا للنص .ومن ذلك تخصيص البعض منهم منع بيع الانسان ما
لـيـس عـنـده الـوارد فـيـه الـمـنـع بـالاسـتـصـنـاع , وهو: ان يتفق شخص مع اخر على صنع
شـي ءيـوضـحـه بـالـوصـف ويـقـدر له الثمن , فقد اجيز هذا العقد مع انه من قبيل بيع ماليس عند
الانسان ((502)) .

وجـاء عن الاستاذ رشيد رضا: من المجازفة في القياس والجراة على اللّه القول بنسخ مئات الايات ,
ابطال اليقين بالظن وترجيح الاجتهاد على النص -ثم ذكر كلام الشافعي الذي ربما قاله بنفسه -ان
القياس لا يصار اليه الاعندالضرورة كاكل الميتة .

وقال الباحث المصري شفيق شحاته : ان ترقية القياس الى درجة ان يكون مصدرا للشريعة يجب ان
تعزى الى اسباب تاريخية خالصة ((503)) .

كانت هذه خلاصة لتاريخ التشريع الاسلامي وملابسات الفقه , ذكرناهاليكون القارى على بصيرة من
امـره , وليتعرف على بعض الاصول التي اوجدت في الصدر الاول الاسلامي وجذور الاختلاف بين
الـمسلمين ,وكيف اصبحت شريعة الفقهاء تجوز التعددية في الراي , مع علمنا ان اللّه واحد,ورسوله
واحـد, وكـتـابـه واحـد, وهـو سبحانه يدعونا الى الوحدة في الفقه والعقيدة ويحذرنا الاختلاف
والفرقة , مؤكدا(ص ) بان الفرقة الناجية من امته هي واحدة ,لا غير.

عود على بدء
الـثـابـت عـن رسول اللّه انه تصدى لامور الشريعة والدولة معا, فكان من المحتم على من يخلفه ان يـكون مؤهلا في كلا الجانبين . وقد عرفت ان الشيخين كانا حاكمين ولم يكونا عالمين . وبما ان مقام
الحاكمية في الاسلام كان يحتاج الى علم , فلا محيص اذن من التصرف في بعض الاصول , حتى يمكن
تشريع اقوالهما واخراجها عن دائرة اجتهادات شخصية يمكن تخطئتهافي العصور اللاحقة .

في حين كنا قد عرفنا ان الشيخين لم يكونا يدعيان - في اوائل خلافتهما-انهما قد حفظا جميع علم
رسـول اللّه ,بل نراهما يسالان الصحابة عما قال الرسول , واذا حدث تخالف بين رايهما وقول رسول
اللّه فانهما كانايتراجعان عما افتيا به , كما حصل في موارد كثيرة , لكن عمر -في الفترة الاخيرة من
خلافته - لم يرتض الرجوع عما افتى به , بل امر بحبس الصحابة عنده حتى وافاه الاجل .

ان الـشـيـخين - بل عامة المسلمين - كانوا يعلمون ان المشرع هو اللّه ورسوله , وليس لاحد حق
الـتـشـريـع امـام نص القران والسنة , وكل ما لهما هو ان يستنبطا الاحكام من القران والسنة . وان
تـراجـعـهما عما افتيا به واخذهمابكلام الصحابة والمحدثين عن رسول اللّه , ينبى بان الاصل كان
عندهما السنة لااجتهاداتهم .

لـكـنهم وبمرور الايام اخذوا يؤكدون على رايهم واجتهاداتهم , وان كان مخالفا لقول رسول اللّه او
مـخالفا لاجتهادتهم السابقة , فمثلا يقول عمر: (تلك على ما قضينا, وهذه على ما قضينا), معللا بانه
اعـلـم مـن غـيره بملاكات الاحكام واجتهاداته لواستمر فمن شانه ان يؤدي الى انفصال القيادتين السياسية والعلمية عمابينهما ,وهذا مما
لا يقبله الخليفة باي وجه من الوجوه .

ان السماح بتناقل حديث رسول اللّه يودي الى رفع مستوى الوعي والتبصر عند المسلمين بوقوفهم
على سنته (ص ). ولما كان الخليفة لا يعرف كل ما صدر عن رسول اللّه (ص ) فانه لا محالة سيخالف
بـاجتهاده قول الرسول ,وهذا سيضعه امام مشكلة مع الصحابة , ويؤدي الى تخالف ارائهم في الاحكام .

ومـن اجـل القضاء على كل هذا قال لمن جمعهم من الصحابة :(انكم افشيتم الحديث عن رسول اللّه )
وفي اخر: (اكثرتم الحديث عن رسول اللّه ).

لانه كان يرى ان في الافشاء والاكثار ثقل المواجهة نـعم انه جاء ليؤكد على القياس والاخذ بالراي , كما مر في رسالته الى ابي موسى الاشعري وشريح
القاضي - وكذا الحال بالنسبة الى احاديث الاجتهادالتي رويت عن معاذ وعمرو بن العاص وغيرهما
عن النبي لتصحيح الموقف .

وهـذا الـذي قـلناه من ان عمر بن الخطاب هو الذي استعمل الاجتهادواقتراحه اكثر من ابي بكر,
لايـتـنافى مع ما قيل من ان القياس حدث في العصورالمتاخرة والازمنة اللاحقة , نتيجة لضرورات
زمـنـيـة مـرت بـها الدولة وفقهاؤها انذاك . لان اصل نشوء فكرة الاجتهاد ببذراتها الاولى كان من
مـبتكرات عمر كما اتضح لك في البحوث السابقة , لكن ذلك النشوء لم يكن متكامل الجوانب والمباني ,
بـل ظل يتعثر في خطاه ويكبو واعترض عليه الكثير من الصحابة والتابعين - الى ان اكتملت اصوله
وصـارت لـه بـنـيوية متكاملة خاصة يميزه عن غيره من اصول الاجتهاد التي رسموها - وذلك في
الـعـصـور الـمـتـاخـرة فـي اوائل الـقـرن الـثـانـي الـهـجـري , فـلـذا نـرى بـروز اسـماء
اخـرى واصـطلاحات مستجدة اخرى الى جانبه كالاستحسان والمصالح المرسلة وو.. وهذا واضح
لاغبار عليه .

بيان الامام علي (ع )
وبـذلـك صارت الفتاوى تؤخذ عن راي وقياس , وليس جميعها عن نص ,فلذلك كان بعض الصحابة -كـمـا قـلـنا لايرتضون الاجتهاد فيما لا نص منه ,لقربهم من زمن التشريع ولمعرفتهم بمن عنده
نـصـوص عـن رسـول اللّه ,فـي الـقـضايا الحادثة , بيد ان خفاءها على الخليفة لايعذره ليفتح ابوابا
واسعة للاجتهاد, لان في ذلك خطرا على الفقه والعقيدة الاسلامية . وقد جسم الامام علي بن ابي طالب
واقع الامة والصدر الاول من تاريخ الاسلام وفي هذه الفترة الحساسة بقوله في الخطبة الشقشقية :
(... يـكـثر العثار فيها, والاعتذار منها, فصاحبها كراكب الصعبة : ان اشنق لهاخرم , وان اسلس لها
تقحم , فمني الناس - لعمر اللّه - بخبط وشماس ,وتلون واعتراض , فصبرت على طول المدة وشدة
المحنة ...).

قـال ابن ابي الحديد في شرح : قوله (ع ): ويكثر العثار فيهاوالاعتذارمنها قال : ليست هذه الجهة
جـددا مـهـيـعـا, بل هي كطريق كثيرالحجارة , لا يزال الماشي فيه عاثرا, واما قوله عليه السلام
(والاعـتـذار مـنـهـا)فـيـمكن ان تكون من على اصلها, يعني ان عمر كان كثيرا ما يحكم بالامر
ثـم يـنـقـضه ويفتي بالفتيا ثم يرجع عنها ويعتذر مما افتى به اولا. ويمكن ان يكون (من ) ههنا للتعليل
والسببية , اي ويكثر اعتذار الناس عن افعالهم وحركاتهم لاجلها, قال :
امن رسم دار مربع ومصيف ----- لعينيك من ماء الشؤون وكيف ؟
اي لاجل ان رسم المربع والمصيف هذه الدار وكف دمع عينيك . والصبعة من النوق : ما لم تركب ولم
ترض , ان اشنق لها راكبها بالزمام خرم انفها, وان اسلس زمامها, تقحم في المهالك , فالقته في مهواة او
ماء او نار, اوندت فلم تقف حتى ترديه عنها. فهلك واشنق الرجل ناقته اذا كفها بالزمام وهو راكبها)
الى ان يقول في معنى قوله عليه السلام (فمني الناس ): اي بلي الناس , قال :
منيت بزمرذة كالعصا...............................

و(الـخبط) السير على غير جادة . و(الشماس ) النفار. و(التلون ) التبدل .و(الاعتراض ) السير لا
عـلـى خـط مـسـتـقـيم , كانه يسير عرضا في غضون سيره طولا, وانما يفعل ذلك البعير الجامح
الخابط....

ويبدو لنا من قوله هذا ما يجسم مراحل التغير والتبدل الذي طرا على الامة في زمن حكومة الخليفة
عمر بن الخطاب , وكيف ان الناس منوا بهذاالداء العضال الذي ابعدهم عن الجادة التي كان يفترض
ان يـسـلـكـوها في حياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية , فيقول الامام علي في المرحلة الاولى
فـمـنـي الناس - لعمر اللّه - بخبط, وهو السير دون اهتداء وعلى غير الجادة , اذبعد وفاة النبي
(ص ) تـبـيـن واضـحـا عـجـز من قام بعده في كل المجالات الدينية والثقافية والارشادية وحتى
الـسـياسية , حيث خلطت السياسة انذاك بين المرتدين وغيرهم , بغية التخلص من الاعداء السياسيين
للخليفة الاول , فترى قتل مالك بن نويرة تبقى ظلامة دون رادع من الخليفة , لكن قصر فترة حكومة
ابـي بـكـرغـطت شيئا ما من الفجوات , ولم تظهر الخبط بمظهر صارخ ,بعكس حكومة عمر التي
امـتـدت عـمرا طويلا فتبينت فيها من الامور والاحداث ما لم يكن بائنامن ذي قبل , وهذا هو الذي
جعل الامام عليا يوكدعلى فترة حكومة عمر,باعتبار ان لها الحصة العظمى من التغير والتبدل .

بـمـا ان الـخليفة يجهل الكثير من الامور, فقد جهل الناس تبعا لذلك ,لان الخليفة والحاكم هو المقوم
للرعية , فاذا كان هو بحاجة الى التقويم ومعترفابالعجز والقصور, حصل الخبط والسير في مناهج
الـحـياة على غيرالجادة التي رسمها النبي (ص ) للمسلمين , فتشعبت الاراء والاجتهادات ,وراح كل
يدعي ان الصواب حليفه وان الخطا نصيب الاخرين بل الخليفة نفسه راح يفتي بشي ء ثم يفتي بضده او
مـخـالـفه ثم يدعي صحة الجميع وان كل ارائه حجة ملزمة , وبذلك ضاعت الجادة , ولم يبق الطريق
مهيعا لاحبا,فلذلك سار الناس على دروس ملتوية بعد ان فقدت الجادة التي ينبغي السيرعليها .

وهذا بعينه ما اشار اليه الامام علي في حديث اخر قال فيه لا يدري اصاب ام اخطا, فان اصاب خاف
ان يكون قد اخطا, وان اخطا رجا ان يكون قداصاب , جاهل خباط جهالات , عاش ركاب عشوات , لم
يعض على العلم بضرس , قاطع , يذري الروايات اذراء الريح الهشيم ...

بـعـد ذكـر الامـام المرحلة الاولى , جاء ليقول وشماس , اذ ان النتيجة الطبيعية للسير على غير
الجادة وبدون هدى ان يجر هذا السير الى النفاروالى ضروب من ردود الفعل الغير مدروسة , ولذلك
نـرى بـروز احـداث وسـلـوكـات غـيـر طـبـيعية عند المسلمين لم تكون من قبل , كانت نتيجة
طـبـيـعية لتركهم واضاعتهم للجادة الدينية الصحيحة , فترى ازدياد حالة قتل الاسيادلعبدانهم , مما
حـدا بـعـمر ان يحاول تقنين قانون قتل الحر بالعبد خلافالقوله (ص ) لا يقتل حر بعبد, فترى
النفار والتصرف الغير طبيعي من كلاالطرفين من الخليفة اولا اذ اضاع عليهم الجادة ومنهم ثانيا اذ
اسـاءواالاستفادة من هذا القانون الاسلامي , نتيجة لغياب حالة الوعي الديني المستوحى من النصوص
الـتـي تـفـتـرض حرمة قتل النفس والاساءة الى الاخرين ,وهذا هو عين النفار, او ما يقولون عنه
هـسـتيريا المجتمع . او الشيزوفيرينية بالمصطلحات الحديثة . وهذه حالة خطيرة في المجتمعات
تراكب فيه العقدوحالات الانتقام والشجار والانفلات الاجتماعي .

ومثل ذلك بروز ظاهرة هتف النساء بالرجال , وظاهرة اشمئزازالمجتمع من بعض المفردات الفقهية
الـتي قد لا تتلائم مع ذوقهم , متناسين حرمة الشارع المقدس , كتحريم المتعة , التي لها اكبر الاثر
في استقرارالمجتمع خصوصا في حالات الحرب وقلة الرجال و و...

واذا تـامـلـت فـيما اسلفناه من تصرفات الخليفة عمر ومخالفة بعض الصحابة له , وتاييد اخرين له ,
وحصول الانشقاق , وبروز حالات شاذة لم تكن في زمن النبي (ص ) يقف امامها الخليفة موقف العاجز.

او الـمـقوم لكن بشكل سلبي , كقضية مشاطرة عماله اموالهم , فمتى كان عمال النبي (ص )خونة لمال
اللّه ومـال المسلمين الـخـلـيـفـة تحري ذلك بالمقدار واخذه دون غيره , وعلى كل التقادير, فان المهم هو حصول حالة
الشماس او النفارفي المجتمع الاسلامي بعد ان سار على غير الجادة .

ثـم اشـار الامام علي (ع ) الى مرحلة ثالثة من مراحل التغير, وهي التلون اي التبدل اذ بدا تبدل
الاحـكـام في زمن الخليفة الثاني امرا طبيعيا,باعتبار ان الخليفة له ان يؤسس حكما او يلغي حكما,
وله ان يقيد مطلقا,اويطلق مقيدا, وله ان ينسخ ايات القران وعمل النبي (ص ), وله ان ينفي ويغرب ,
وله ان يعاقب او يصفح , كل ذلك بدليل انه خليفة مجتهد له رايه الخاص الذي لا بد من احترامه وانه
يـعـرف الـمـصلحة احسن من غيره وقدتركزت هذه الفكرة وانزرعت في نفوس الكثيرين ممن لم
يـكـونـوا على درجة كافيه من الوعي الاسلامي , فصار كل شي ء متبدلا عما هو عليه في واقع الامة
والتشريع , فالاعتداء على المسلمين صار امرا راجحا باعتباره تاديباللمنحرفين , وتحريم الحلال
وتـحـلـيـل الحرام صار حقا طبيعياللخليفة باعتباره مصلحة للمسلمين , وصار تعدد الافتاءات في
الـجـدة وغـيرهاامرا مالوفا باعتباره كل ما افتى به المجتهد فهو حكم اللّه , وكل حكم صحيح في
زمـانه , كما قال الخليفة تلك على ما افتينا العام وهذه على ماافتينا الان , وصار سهم المؤلفة قلوبهم
مغلى باعتبار ان الاسلام عزيز و وو...

وهـذا كـلـه تـبديل وتبدل طرا على المسلمين , فصير عندهم فقهامغلوطا,وقواعد غير صحيحة ,
وعقائد مرتبكة - في البكاء على الميت وغيره -واستنتاجات ارتجالية , وهل بعد هذا التلون من تلون .

وجاءت الطامة الكبرى في المرحلة الرابعة من مراحل التغير وهي مرحلة الاعتراض وهي السير
لا عـلـى خط مستقيم , كان الماشي يسيرعرضافي اثناء سره طولا فكلما زاد سيره زاد بعده وهذا
الـتـعـبـيـر مـن الامـام دقـيـق فـي غـايـة الـدقـة , وجـدير بالوقوف عنده والتامل في اختصاره
الاعتراض وكثرة مغزاه ومعناه .

ففي المراحل السابقة كان السير خبطا لا على الجادة , وكان يؤمل ان يرجع الناس الى جادة الصواب
لو اتيح لهم الدليل على ذلك الطريق المهيع ,لكن فقدان الدليل المقوم انجر عبر المرحلتين الاخريين
الـى ان يكون السير اعتراضا, بحيث لا يمكن تقويمه , فان الاصول تاصلت والسيراخذ مجراه الغير
طبيعي كقاعدة وليس كحالة شاذة في وقت معين بحيث يمكن معالجتها.

واذا تـصـورت معنى الاعتراض فهمت ان السير مهما امتد ازدادت شقة الانحراف , وكلما طالت
الـمدة زاد البعد عن الطريق الاول , فاذا رسمت الجادة خطا مستقيما, ثم رسمت الاعتراض خطا
مـائلا, ثـم مـددت الـخـطين رايت ان الاول مهما امتد فهو في مسار واحد وهو الاصل , واما الخ
ط الـمائل فكلما مددته زاد ابتعاده عن الخط الاول وهو معتقد بانه يسير على الجادة المستقيمه وهذا ما
نـلـحـظه بالفعل اليوم من اتساع هوة الخلاف بين المسلمين بحيث يتعذر التاليف بين فرقتين منهم , بل
يعسر توحيد وجهات نظرهم في مسالة خلافيه واحدة .

فـهـذا يـقـول ان الـقـياس حجة , وذلك يقول ان اول من قاس ابليس ,وهذايقول بان المتعة ما زالت
مـشـرعـة , وذلـك يـقول نسخت بقول عمر, اومانسب الى الرسول وهذا يقول ان الامامة بالنص
والـتـعيين , وذلك يقول تارة بالشورى واخرى بمن بايعه اهل الحل والعقد وهكذا ترى الاعتراض
في اغلب امور الشريعة الالهية النبوية الواحدة .

وقد اجاد الامام علي في وصفه تلك الحقبة وما طرح فيها من اراء.

فـالاجـتـهـاد وما يدعو اليه الخليفة من راي له من المطاطية والانسياب ما لايمكن لاحد الحد من
سيره , فهو كراكب الصعبة : ان اشنق لها خرم , وان اسلس لها تقحم .

ومـن اجـل كـل هـذا ترى ابن عوف - رغم اخذه العهد من عثمان في السيرعلى نهج الشيخين - لا
يـمـكنه الضغط عليه في اجتهاداته : كاتمامه الصلاة بمنى , لانه اتخذ الراي والاجتهاد الذي شرعه
عـمـر بـن الـخطاب , فلايمكن لابن عوف وغيره ان يحدد عثمان في فعله , لانه اجتهد في الحكم
رغم عرفانه ان النبي وابا بكر وعمر قد قصروا الصلاة في منى .

وبـعـد هـذا لـم يـعـد بـالامـكان ان يحدد غيره من الصحابة والخلفاءبالنصوص , كمعاوية ويزيد
وعبدالملك بن مروان لان ما يقولون به هواجتهادايضا وجـاء عـن الامام علي (ع ): واعلموا عباد اللّه ان المؤمن يستحل العام مااستحل عاما اول , ويحرم
الـعـام ما حرم عاما اول , وان ما احدث الناس لا يحل لكم شيئا مما حرم عليكم , ولكن الحلال ما احل
اللّه والـحـرام مـا حرم اللّه ((504)) .وفي قول له اخر: وانزل عليكم الكتاب تبيانا لكل شي ء,
وعمر فيكم نبيه ازمانا,حتى اكمل له ولكم فيما انزل من كتابه دينه الذي رضي لنفسه , وانهى اليكم
عـلـى لـسـانـه محابه من الاعمال ومكارهه ونواهيه واوامره , والقى اليكم المعذرة ,واتخذ عليكم
الحجة , وقدم اليكم بالوعيد, وانذركم بين يدي عذاب شديد ((505)) .

تاكيد لما استنتجناه
روى البيهقي بسند صحيح ان ابا بكر حين استخلف قعد في بيته حزينا,فدخل عليه عمر بن الخطاب فاقبل ابو بكر عليه يلومه , وقال : انت كلفتني هذاالامر مـا عـلـمـت ان رسول اللّه قال :ان الوالي اذا اجتهد فاصاب فله اجران , وان اجتهد فاخطا فله اجر
واحد؟ ونـقـل عـن ابـي بـكـر انـه كـان يـقـضـي بالقضاء فينقضه عليه اصاغرالصحابة كبلال وصهيب
ونحوهما ((506)) .

اتـرك هـذا الـنـص للقارى دون اي تعليق , ليقارن ما قلناه بما كان يواجه الشيخين من مشاكل علمية
اوجدت كثيرا من الاحراج النفسي .

قـال الدكتور محمد رواس قلعه جي في مقدمة كتاب من موسوعة فقه السلف , ابراهيم النخعي : ان
الاسـتـاذ لـمـدرسة الراي هو عمر بن الخطاب ,لانه واجه من الامور المحتاجه الى التشريع ما لم
يـواجـهـه خليفة قبله ولا بعده , فهو الذي على يديه فتحت الفتوح , ومصرت الامصار,وخضعت الامم
المتمدنة من فارس والروم لحكم الاسلام ((507)) .

وقال الاستاذ احمد امين في فجر الاسلام :
بـل يـظـهـر لي ان عمر كان يستعمل الراي في اوسع من المعنى الذي ذكرناه , ذلك ان ما ذكرنا هو
اسـتـعمال الراي حيث لا نص من كتاب ولا سنة ,لكننانرى عمر سار ابعد من ذلك , فكان يجتهد في
تـعـرف الـمصلحة التي لاجلهاكانت الاية او الحديث , ثم يسترشد بتلك المصلحة في احكامه . وهو
اقرب شي ء الى ما يعبر عنه الان بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيته .

وقال ايضا:
وعـلى كل حال , وجد العمل بالراي , ونقل عن كثير من كبار الصحابة قضايا افتوا فيها برايهم , كابي
بـكـر وعـمـر وزيـد بن ثابت وابي بن كعب ومعاذابن جبل . وكان حامل لواء هذه المدرسة او هذا
المذهب فيما: نرى عمر بن الخطاب ((508)) .

وقالت الدكتورة نادية شريف العمري في اجتهاد الرسول : ولم يكن الاجتهاد بالراي والعمل بالقياس
وتحقيق مقاصد الشريعة بدعة ابتدعها التابعون المقيمون في العراق , بل كان ذلك نموا لاتجاه سبقهم
فيه عدد من الصحابة ,منهم عمر بن الخطاب ... ((509)) .

وقال الدكتور محمد سلام مدكور في مناهج الاجتهاد:
.. وقـد اقـتـضت الفتوحات الاسلامية المتتالية , في عصر الصحابة , مواجهة مسائل جديدة نابعة من
طبيعة البلدان المفتوحة , واخرى ولدتها ظروف الحرب ,دفعتهم هذه المسائل الى الاجتهاد بالراي ,
اذ النصوص متناهية والوقائع غيرمتناهية , فضلا عن ان السنة لم تكن قد دونت بعد ((510)) .

ويـقـول فـي ص 244: اما اذا كان قول الصحابي صادرا عن رايه واجتهاده فيما يدرك بالعقل , وكان
مـوضـع خلاف من الصحابة , فهذا هو محل خلاف الفقهاء, فذهب فريق الى حجيته وان خالف القياس .

وذهـب اخـرون الى حجيته بالنسبة لقول ابي بكر وعمر دون غيرهما, وذهب الشيعة والشافعي في
احـد قـوليه , واحمد في احدى روايتين عنه , والكرخي من الحنفية الى انه ليس بحجة . وذهب مالك
وبعض الحنفية والشافعي في قول له واحمد بن حنبل في رواية عنه انه حجة مقدمة على القياس .

واخـتـار الامـدي انـه ليس بحجة . ويعلل الغزالي في المستصفى لذلك بقوله : ليس بحجة , لانتفاء
الـدلـيل والعصمة , ووقوع الاختلاف بينهم ,وتصريحهم بجواز مخالفتهم . كما يعلل الشوكاني ذلك
بـقـولـه : والـحـق انـه لـيـس بـحـجـة , فـان اللّه لـم يـبعث الى هذه الامة الا نبينا محمدا عليه
الـسـلام ,وجـمـيـع الامـة مـامـورة بـاتـبـاع كـتـابـه وسـنـة نبيه ولا فرق بين الصحابة ومن
بعدهم في ذلك ((511)) .

وقـال الـشيخ خلاف وفي عهد الصحابة واجهتهم وقائع , وطرات لهم طوارى لم تواجه المسلمين ,
ولم تطرا لهم في عهد الرسول , فاجتهد فيهااهل الاجتهاد منهم وقضوا وافتوا وشرعوا واضافوا الى
المجموعة الاولى عدة احكام استنبطوها باجتهادهم , فكانت مجموعة الاحكام الفقهية في طورهاالثاني
مـكـونـة مـن احكام اللّه ورسوله وفتاوى الصحابة واقضيتهم ,ومصادرها القران والسنة واجتهاد
الصحابة ... ((512)) .

/ 21