کنز الفوائد جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کنز الفوائد - جلد 2

ابو الفتح الکراجکی؛ مصحح: عبدالله نعمه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


اذ الشخص الذي يعد من اهل البيت لكثرة دخوله وخروجه عليهم حتى قالوا عنه : ما اراه الا عبد ال مـحـمد, واعتقاده بلزوم الصلاة على ال محمدفي الصلاة , وغيرها, لا يتفق مع ما علل سابقا. وعليه
فيلزم حمل الخبر على ما قلناه سابقا من التقية والمصلحة وما شابه ذلك .

وعليه فانا لا ننكر الراي السابع برمته وان كنا لا نعتقد في الوقت نفسه بصحته على نحو الاطلاق
وانـحصار السبب الاساسي فيه , وعليه فالسبب السابع حسب ما فصلناه راي قريب للصحة وانه جزء
العلة لاتمامها.

والان لـنـواصـل الـبـحـث عن السبب الواقعي في منع الشيخين لتدوين حديث رسول اللّه (ص )؟
ولـنـتـعـرف على سبب صرف الخلفاء الناس الى القران ,كما لوحظ في مرسلة ابن ابي مليكة وقول
الـخـلـيفة ابو بكر: (بيننا وبينكم كتاب اللّه ) ((177)) وقول عمر وعائشة : (حسبنا كتاب اللّه )
و(ليس بكتاب اللّه شي ء )وغيرها.

كـانـت هـذه مـبـررات ذكرها الشيخان وبعض الكتاب , مستشرقين ومسلمين , شيعة وسنة , قديما
وحديثا, واليك السبب الاخير عسى ان تقف على الحل فيه .

السبب الاخير: هو ما نذهب اليه
اتضح لنا بعد التجوال السريع , ان المبررات والاسباب المذكورة لمنع التدوين غير ناهضة لان تكون
سببا تاما او دليلا مقنعا يفسر دواعيه . فماهوالسبب اذن ؟
والجواب عن ذلك يتضح من خلال بيان مقدمتين :
المقدمة الاولى
يـقف المطالع في تاريخ الاسلام على مواقف الصحابة في عصر الرسالة والتشريع , فيجد انهم كانوا
طائفتين , باعتبار التعامل مع النصوص الصادرة عن الرسول (ص ).

امـا الـطائفة الاولى : فقد انتهجت منهاج الطاعة والامتثال لمطلق الاحكام الصادرة عن اللّه ورسوله ,
وذلك لعدة اعتبارات :
مـنها: قداسة تلك الاحكام , باعتبارها صادرة عن الواحد الاحد (عزوجل ), فضلا عن قداسة نفس
المشرع .

ومنها: وجوب طاعة المشرع , وعدم جواز مخالفته , لقوله تعالى (اطيعوااللّه ورسوله ) ((178)) ,
وقـولـه (ومـن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه ويتقه فاولئك هم الفائزون ) ((179)) , وقوله (وما
اتـاكـم الـرسـول فـخـذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ((180)) , وقوله (فلا وربك لا يؤمنون حتى
يـحـكموك فيماشجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ((181)) ,
وقـولـه (انـمـا كـان قول المؤمنين اذا دعوا الى اللّه ورسوله ليحكم بينهم ان يقولواسمعنا واطعنا
واولـئك هم المفلحون ) ((182)) , وقوله (وماكان لمؤمن ولامؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان
يكون لهم الخيرة من امرهم , ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ((183)) وغيرها.

ومنها: انه لا مجال للعمل باراء شخصية لتنظيم سلوك الفرد والمجتمع ,وذلك لتكامل الشريعة وبيان
جميع الاحكام في القران (فيه تبيان كل شي ء).

فـصـارت سمة هذه الطائفة تعبدها بالنصوص الصادرة عن الرسول (ص )وليس للراي عندهم في
مقابل ذلكم البيان الالهي اي اعتبار, مع ملاحظة وقوع الخطا والسهو والنسيان منهم , لعدم عصمتهم وستقف على مصاديق ومواقف لهذه الطائفة لاحقا.

امـا الـطـائفة الثانية : وهم الذين كانوا يتعاملون مع النبي كانه بشر غيركامل يصيب ويخطى ويسب
ويلعن ثم يطلب المغفرة لاولئك ((184)) . وهؤلاءهم الذين لم يعطوا للرسول مكانته , ولم يتعاملوا
معه كما امر اللّه , وهذه حقيقة دل عليها القران والاثر:
اما القران ففيه ايات عديدة :
مـنـهـا: قـوله تعالى : (يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض , ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون ) ((185)) .

فـالايـة تشير الى انعدام قدسية المشرع عند بعض الصحابة , مع وتاكيده سبحانه وتعالى على لزوم
مراعاة مكانته (ص ).

ومـنـهـا: قـولـه تـعـالـى : (يـا ايـها الذين امنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروافي سبيل اللّه اثاقلتم الى
الارض ...) ((186)) .

وهي تدل على عدم الطاعة والامتثال والتثاقل عن الجهاد عند البعض .

ومـنـها: قوله تعالى : (ان الذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه ...) ((187)) ,وقوله : (ومنهم الذين
يؤذون النبي ) ((188)) , وهي صريحة في ان البعض من الصحابة كانوا يؤذون الرسول .

ومنها: قوله : (الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لمانهواعنه , ويتناجون بالاثم والعدوان
ومعصية الرسول , واذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به اللّه ..) ((189)) .

كل هذه النصوص تدل على وجود رجال من بين الصحابة لا يدركون حقيقة النبوة , وما للنبي من مكانة
فـي التشريع الاسلامي , فتراهم يرفعون اصواتهم على صوت النبي (ص ) ويتثاقلون عن الجهاد في
سـبـيـل اللّه ويـعترضون على رسول اللّه في اعماله , ويتبعونه ما تمليه المصلحة مع وجودالنص
ويـفـتـون بـالـراي وهـم بـحضرته . وبعض هؤلاء كانوا من الذين يطلبون من رسول اللّه ان يغير
بـعض الاحكام تبعا للمصالح , وهو يقول (ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الا ما يوحى الي ),
وسـبحانه يؤكدعليه (ص ) في اكثر من سورة كقوله :(ثم جعلناك على شريعة من الامرفاتبعها ولا
تتبع اهواء الذين لايعلمون ) ((190)) .

وهناك نصوص كثيرة عن رسول اللّه في هذا السياق :
مـنـهـا قـولـه لـبـعـض اصـحـابـه : مـا لكم تضربون كتاب اللّه بعضه ببعض ؟ ((191)) , وقوله في حديث اخر: ايتلع بكتاب اللّه وانابين اظهركم ((192))
؟ وفـي ثـالـث : ابـهذا امرتم ؟ او لهذا خلقتم ؟ ان تضربوا كتاب اللّه بعضا ببعض انظروا ما امرتم به
فاتبعوه وما نهيتم عنه فانتوا ((193)) .

نعم , امثال هؤلاء قد نهوا عبداللّه بن عمرو بن العاص من تدوين حديث رسول اللّه , وهم الذين اشاعوا
افكارا واراء عدت لاحقا من ضمن شريعة سيد المرسلين ((194)) .

موقف الشيخين من المدرستين :
ولما كان ان بحثنا يدور حول سبب منع التدوين , فالذي يهمنا هومعرفة موقف الشيخين من النصوص ,
وهل انهما كانا من مدرسة التعبدالمحض , ام من مدرسة الاجتهاد والراي , كي يمكن رسم رؤيتنا في
المنع على ضوئه , وان كناا لا نحبذ الدخول في بحوث من هذا النوع , خوفا من اثارة امور طائفية نحن
في غنى عنها.

الا ان الـدراسـة الـزمتنا بحث هذا الموضوع وغيره , لان تركه يعني كتمان بعض الحقائق واسدال
الستار عليها وعدم العثور على السبب الحقيقي الكامن من وراء منع التدوين , بل تحجيم الفكر والعقيدة
وعدم الحرية في ابداءالنظريات والاراء.

وهـذه الـنـقاط هي التي الزمتنا عدم ترك هذا الجانب وان ارتبط بمكانة الشيخين وبعض الصحابة ,
واليك بعض النصوص في ذلك :
مـنـهـا: مـا جاء في قصة ذي الثدية , الذي رواه ابو سعيد الخدري وانس بن مالك وجابر بن عبداللّه
الانـصاري وغيرهم من اعيان الصحابة , واللفظللاول ,قال : ان ابا بكر الصديق جاء الى النبي (ص )
فقال : يا رسول اللّه اني بواد كذاوكذا, فاذا رجل متخشع , حسن الهيئة يصلي .

فقال له النبي : اذهب فاقتله .

قال : فذهب اليه ابو بكر, فلما راه على تلك الحال كره ان يقتله ,فرجع الى رسول اللّه .

فقال النبي لعمر: اذهب فاقتله , فذهب عمر, فراه على الحال الذي راه ابوبكر .

قال : فرجع , فقال : يا رسول اللّه اني رايته يصلي متخشعا, فكرهت ان اقتله .

قال : يا علي اذهب فاقتله , فذهب علي فلم يره , فرجع علي فقال : يارسول اللّه , لم اره .

فقال النبي : ان هذا واصحابه يقرؤون القران لا يتجاوز تراقيهم ,يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من الرمية , ثم لا يعودون فيه حتى يعودالسهم من فوقه ((195)) .

فالحقيقة ان موقف ابي بكر كان منطلقا من الاجتهاد وتعرفه على المصلحة وهو بحضرته (ص ) لعدم
ارتضائه قتل الرجل , لصلاته وخشوعه وكـذا الحال بالنسبة الى الخليفة عمر بن الخطاب فانه قد عرف المصلحة ولم يرتض قتل الرجل مع
تاكيد الرسول على قتله بعد سماعه بتعليل ابي بكر.

والان نتساءل : ماذا يعني تاكيد رسول اللّه على قتل ذي الثدية وهو (ص )قد سمع بتعليل ابي بكر؟ وهـل يـجـوز ان يامر رسول اللّه بقتل المصلي الخاشع ومن لم يستحق القتل ؟ خطئه (ص ) والامر يتعلق بالنفوس ؟ واذا جاز قتله او وجب , لقوله (ص ) (اذهب فاقتله ) فلم توانى الشيخان عن امره ؟
الـم يكونا يعلمان ان اللّه سبحانه قال : (وما اتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا) وقوله (انه
لقول رسول كريم # ذي قوة عندذي العرش مكين # مطاع ثم امين # وما صاحبكم بمجنون ) ((196)) .

وقوله (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون # ولا بقول كاهن قليلاماتذكرون ) ((197)) .

وقوله (ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ان هوالاوحي يوحى ) ((198)) .

ان عدم تعبد الشيخين في امتثال امر الرسول واجتهادهم بالراي وتعرفهم على المصلحة وهم بحضرة
الرسول لامر يجب الوقوف عنده وهوجدير بالدرس والتحليل .

ومن ذلك : اعتراض عمر على رسول اللّه في صلح الحديبية وقوله له :الست نبي اللّه حقا؟
قال : بلى .

قال : السنا على الحق , وعدونا على الباطل ؟
قال : بلى .

قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا؟
فقال : اني رسول اللّه , ولست اعصيه , وهو ناصري .

قال : اوليس كنت حدثتنا, انا سناتي البيت ونطوف به ؟
قال : بلى , افاخبرتك انا ناتيه العام ؟ قلت : لا.

قال : فانك اتيه ومطوف به .

قال عمر: فاتيت ابا بكر, فقلت : يا ابا بكر: اليس هذا نبي اللّه حقا؟
قال : بلى .

قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا اذن ؟
قـال : ايها الرجل , انه رسول اللّه , وليس يعصي ربه , وهو ناصره ,فاستمسك بغرزه فواللّه انه على
الحق .

قلت : اليس كان يحدثنا, انا سناتي البيت ونطوف به ؟
قال : افاخبرك انك تاتيه العام ؟
قلت : لا.

قال : فانك اتيه ومطوف به ((199)) .

فالشك في صحة قول الرسول وعدم الاطمئنان بكلامه (ص ) واضح في كلام عمر, ولا يمكن لاحد
ان يـمـاري في ذلك , لان تكرار عمر ومعاودة مسائله ابي بكر, يعني عدم الاطمئنان بما قاله رسول
اللّه , وقـول ابي بكر لعمر(ايها الرجل , انه رسول اللّه وليس يعصى ربه ) ليؤكد ذلك الامر, وكذا
تاكيده بلزوم التمسك بغرزه (فاستمسك بغرزه فواللّه انه على الحق ).

ثم ان عمر ومع سماعه كلام ابي بكر نراه يصر على السؤال ويشكك للمرة الثالثة فيقول : اليس كان
يحدثنا انا سناتي البيت ونطوف به ....

فـهـذا النص يوضح ان عمر بن الخطاب لم يكن من اتباع مسلك التعبدالمحض , فانه لو كان من اتباع
هذا المسلك لامتثل كلامه (ص ) ولمااحتاج الى قول ابي بكر او غيره من الصحابة .

وثـمـة مـواقف اخرى يفهم منها انه كان لعمر اراء خاصة كان يرجح الاخذبها على الرغم بمعرفته
بموقف الرسول فيها.

مـنـها: انه كان لا يرتضي البكاء على الميت , وقد ضرب بعض الباكين على رقية بنت النبي وابراهيم
ابـنه (ص ) بحضرته (ص ), وقول رسول اللّه :ان القلب ليحزن والعين لتدمع , مشيرا الى عدم جواز
ضـرب الـمـصـدومـين والمنكوبين , بل يجب اتخاذ اسلوب الرحمة معهم لا الشدة والضرب , وقد
جـاءعنه انه (ص ) عين فاطمة لما كانت تبكي على اختها رقية , وامر نساءالانصاربالبكاء على عمه
حمزة وقوله (ص )(ان حمزة لا بواكي له ) وقد بكي (ص ) عليه .

وجـاء عن عمر انه اعترض على رسول اللّه لما اراد ان يصلي على منافق ,واخذ بثوبه (ص ) وقال
((200)) ثم ندم عمرعلى ما فعله معه (ص ).
؟ لا ادري كـيـف يـمـكن الجمع بين الايات الكثيرة الواردة في القران التي مفادها: ان لا رجاء للكفار
والمنافقين , مع ما قيل في تفسير هذه الاية , رغم كونهاقد نزلت متاخرة عن جميع تلك الايات ؟
وليتني اعرف هل خفيت على الرسول تلك الايات وهو المبين لهاحتى يقول (لازيدن على السبعين )؟
ونزول الوحي عليه (سواء عليهم استغفرت لهم ام لم تستغفر..)؟ ولا تنحصر مواقف عمر بهذه المفردات بل تتعداها الى ابعد من ذلك ,فانه انكر على رسول اللّه فعله
في اخذ الفداء من الاسرى في بدر, لانه كان يرى ان يعمد حمزه الى اخيه العباس فيقتله , وياخذ علي
اخـاه عـقيلافيقتله ,وهكذا كل مسلم له قرابة في اسرى المشركين ياخذ قريبه ويقتله بيده حتى لا
يبقى منهم احد.

فاعرض رسول اللّه عن هذا الراي تعبدا بالوحي الموافق للرحمة والحكمة .

ولـمـا كـان الـتـاريـخ والـفقه في احد مدارسه مما رسمته ريشة الحكام واختطت اصوله في زمن
الـشـيخين , فاننا نجد من المؤرخين والمحدثين من ينال من رسول اللّه كي يبرر مافعله الشيخان معه
(ص ), والقول بان ما قالاه هوتفسير للاية السابقة وانها نزلت في التنديد برسول اللّه واصحابه حيث
اثرواحسب زعم هؤلاء - عرض الحياة الدنيا على الاخرة فاتخذوا الاسرى واخذوامنهم الفداء قبل
ان يثخنوا في الارض , وزعموا انه لم يسلم يومئذمن الخطيئة الا عمر. ونحن لا نريد التفصيل في
تفسير هذه الاية , بل نكتفي بماقاله السيد شرف الدين في ذلك , فقال :
وكذب من زعم انه (ص ) اتخذ الاسرى واخذ منهم الفداءقبل ان يثخن في الارض , فانه بابي وامي
انـمـا فعل ذلك بعدان اثخن في الارض , وقتل صناديد قريش وطواغيتها, كابي جهل وعتبة وشيبة
والـولـيـد وحـنـظـلـة , الـى سبعين من رؤوس الكفر وزعماء الضلال , كما هو معلوم بالضرورة
الاوليه ,فكيف يمكن بعد هذا ان يتناوله (ص ) اللوم المذكور في الاية , تعالى اللّه عما يقول الظالمون
علوا كبيرا؟ والـصواب ان الاية انما نزلت في التنديد بالذين كانوايودون العير واصحابه , على ما حكاه اللّه تعالى
عـنـهم في هذه الواقعة عز من قائل (واذ يعدكم اللّه احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات
الـشوكة تكون لكم ويريد اللّه ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابرالكافرين ) وكان (ص ) قداستشار
اصحابه , فقال لهم : ان القوم قد خرجوا على كل صعب وذلول فما تقولون : العير احب اليكم ام النفير؟
قـالـوا:بـل العير احب الينا من لقاء العدو,وقال بعضهم حين راه (ص ) مصرا على القتال : هلا ذكرت
لناالقتال لنتاهب له , اناخرجنا للعير لا للقتال ربـك مـن بـيـتـك بـالـحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ماتبين لهم كانما
يساقون الى الموت وهم ينظرون ).

وحيث اراد اللّه عز وجل ان يقنعهم بمعذرة النبي (ص ) في اصراره على القتال وعدم مبالاته بالعير
واصـحـابه قال عز من قائل (ما كان لنبي ) من الانبياء المرسلين قبل نبيكم محمد (ص ) (ان يكون له
اسرى حتى يثخن في الارض ).

فـنـبيكم لا يكون له اسرى حتى يثخن في الارض على سنن غيره من الانبياء (ع ), ولذلك لم يبال اذ
فاته اسرابي سفيان واصحابه (تريدون عرض الدنيا واللّه يريدالاخرة ) باستئصال ذات الشوكة , من
اعدائه (واللّه عزيزحكيم ) والعزة والحكمة تقتضيان يومئذ اجتثاث عز العدوواطفاء جمرته , ثم
قال تنديدا بهم وتهديدا لهم (لولاكتاب من اللّه سبق ) في علمه الازلي بان يمنعكم من اخذالعير واسر
اصـحـابـه لاسـرتم القوم واخذتم عيرهم , ولو فعلتم ذلك (لمسكم فيما اخذتم ) قبل ان تثخنوا في
الارض (عـذاب عـظـيـم ) هـذا مـعـنـى الايـة الـكريمة وحاشا اللّه ان يريدمنها ما ذكره اولئك
الجهلاء) ((201)) .

وقـال كـذلـك : (ولهم في احد حالات تشهد بماقلناه ,وذلك ان رسول اللّه (ص ) قد استقبل المدينة
في هذه الغزوة وترك احدا خلف ظهره وجعل الرماة وراءه , وكانواخمسين رجلا امر عليهم عبداللّه
بـن جبير , وقال له - فيمانص عليه المؤرخون والمحدثون كافة -:انضح عناالخيل بالنبل لا ياتونا
من خلفنا واثبت مكانك ان كانت لنااوعلينا. وحضهم على ذلك بما لا مزيد عليه وشددعليهم الامر في
طـاعـة امـيـرهـم عـبـداللّه بـن جـبير, لكنهم وااسفاه لم يتعبدوا يؤمئذ باوامره ونواهيه (ص )
ترجيحالارائهم عليها, وذلك حيث حمي الوطيس واشتد باس المسلمين على فيالق المشركين وعلى
اصحاب لوائهم ,فقتلهم امير المؤمنين واحدا بعد واحد, وبقي لواؤهم مطروحا على الارض لا يدنو
مـنه احد, فانكشف الكفارحينئذ عن المسلمين هاربين على غير انتظام , ودخل المسلمون عسكرهم
يـنـهـبـون مـا تـركـوه مـن اسـلـحـة وامتعة وذخائر ومؤن , فلما نظر الرماة الى المسلمين وقد
اكبواعلى الغنائم دفعهم الطمع في النهب الى مفارقة محلهم ,الذي امروا ان لا يفارقوه , فنهاهم اميرهم
عـبـداللّه بـن جبير,عنه فلم ينتهوا, وقالوا: ما مقامنا هاهنا وقد انهزم المشركون ؟ واللّه لا اجـاوز امـر رسـول اللّه , وثـبـت مـكـانـه مـع اقـل مـن عـشرة , فنظر خالد بن الوليد
الـمـخـزومـي الى قلة من في الجبل من الرماة فكر بالخيل عليهم ومعه عكرمة بن ابي جهل فقتلوهم
ومـثـلـوا بـعـبـداللّه بن جبيرفاخرجوا حشوة بطنه وهجموا على المسلمين وهم غافلون وتنادوا
بشعارهم يا للعزى يا لهبل ومـن الطريف هنا ان اشير الى نكته قال بها انصار مدرسة اجتهاد النبي واجتهادالصحابة , وهي : ان
لـلـمجتهد اجرين ان اصاب الواقع , واجرا ان اخطا,فانهم ومع قولهم بهذا يذهبون الى ان اللّه عاتب
رسوله لاخذ الفداء على اسرى بدر, فان كان رسول اللّه قد اجتهد في هذه المسالة - حسب زعمهم
- وان الـمـجـتـهـدمـاجـور, فـمـا معنى بكائه (ص ) وقرب العذاب منه وقوله (ص ) (ان العذاب
قرب نزوله , ولو نزل لما نحا منه الا عمر) ((202)) .

بـهذا فقد عرفنا: ان من بين الصحابة من كان يعتد برايه قبال قول النبي وفعله , فيسعى جادا لتصحيح
فعل النبي وهـنـاك - فـي الاتجاه المقابل - جماعة من الصحابة اخرون يعتقدون بلزوم امثتال اوامر الرسول
وعدم جواز مخالفة قول النبي وفعله لاعتقادهم بقوله تعالى (ما كان لهم الخيرة ....).

وفـي الذكر الحكيم الكثير من الايات التي توضح هذا المعنى , منهاقوله تعالى : (انما المؤمنون الذين
امنوا باللّه ورسوله واذا كانوا معه على امرجامع لم يذهبوا حتى يستاذنوه ان الذين يستاذنوك اولئك
الذين يؤمنون باللّه ) ((203)) .

وقـولـه تـعـالى (يا ايها الذين امنوا استجيبوا للّه وللرسول اذا دعاكم لمايحييكم , واعلموا ان اللّه
يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون واتقوافتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا
ان اللّه شديدالعقاب ) ((204)) .

وعـن الزبير بن العوام في تفسير قوله (واتقوا فتنة ):... ونحن مع رسول اللّه وما ظننا انا خصصنا
بها خاصة ((205)) .

وعنه ايضا: لقد قرانا هذه الاية زمانا وما ارانا من اهلها, فاذا نحن المعنيون بها.

وقال السدي : نزلت في اهل بدر خاصة , فاصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا.

ومـن تلك الامور التي عدت من المصلحة وتعرفها عمر وهو بحضرة الرسول هو ما وقع عند موته
(ص ) وقـوله (ص ): ائتوني بكتف ودواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي ابدا, فقال عمر: ان الرجل
ليهجر, حسبنا كتاب اللّه .

واود هنا ان الفت نظر القارى الى نكتة في هذه المسالة وهي : ان طلب الدواة والكتف من اجل الكتابة
كـانـت بـامـر من النبي (ص ) لئلا تضل امته من بعده . وقد رايت مخالفة عمر له (ص ), وذلك تماما
بعكس ما حدث عندموت ابي بكر - فان ابا بكر اراد عند موته ان يوصي , فذكر بعض الكلمات فاغمي
عـليه , فاضاف عثمان بن عفان اسم عمر كخليفة لابي بكر, ولما افاق ابوبكر امضى ما كتبه عثمان .

فتثبيت اسم عمر هنا لم يعدوه , واما تدوين رسول اللّه كتابا, كي لا تضل امته بعده فهو حسب زعمهم
الهجر؟ اتساءل : لماذا لا يرمى ابو بكر بالهجر ورمي الرسول في حين كانت حالة ابا بكر لدى اختضاره اشد
مـن حـالـة الـنـبي (ص )؟ مريض , ولا ياخذون بكلام رسول اللّه الذي لا ينطق عن الهوى ؟ ولـم انـقـسـمـوا بين يدي رسول اللّه ولم ينقسموا بين يدي عمر؟ ولماذا لانسمع احدا يقول عن
الفاروق انه قد هجر في فهله وقراره , مع لحاظ الفارق بين منزلة عمر ومنزلة النبي ؟ والم يكن من حق كل مسلم ان يوصي , فلم وقف عمر بن الخطاب امام وصية رسول رب العالمين اذا؟
فهل هو اقل شانا من اي مسلم عادي ؟ ان كان رسول اللّه لم يوص وترك الامة لتنتخب قائدها, فلم يعين ابوبكرمن يخلفه في الامر؟ اليس
هذا الفعل هو مخالفة لسنة رسول اللّه ؟ وهـل تصدق ان النبي ترك امته سدى وهو النبي الذي اخبر امته مافعلته الامم السابقة باديانها ويرى
الـناس لم يكمل ايمانهم بعد وهم قريبي عهدالجاهلية , دون راع , مع ما ثبت عنه (ص ) من انه ما كان
يترك المدينة الاوقدخلف عليها احدا, فكيف يتركها بعده هملا؟ مضافا الى ذلك ترى ابا بكرلايترك
الامـة الا ويـعين عمر مكانه , وكذا الحال بالنسبة الى عمر فانه لم يتركهم الاوعين الستة اصحاب
الـشـورى , فـهـل تصدق بعد هذا ان رسول اللّه تركهم سدى ولم يخلف عليهم احدا, في حين راينا
تـاكـيـده (ص ) عـلـى اتـبـاع جيش اسامة وحتى اخر لحظة من حياته (ص )بامر الخلافة والوصاية ؟ فـلـنـرجع الى صلب الموضوع منبهين على ان تفصيلنا لمثل هذه الامورسيساعد المطالع لمعرفة ما
نريد قوله في سبب منع التدوين .

بهذا فقد استبان لك ان الشيخين لم يكونا من المتعبدين بكل ما قاله الرسول , بل كانا يتعرفان المصلحة
وهم بحضرته .

وقـد اطلقنا خلال بحثنا هذا على كل من اخذ بقول الرسول وامتثل امره دون الشاك الباحث عن العلة
والمصلحة فيه اسم (التعبد المحض ).

وامـا الـذيـن كـانـوا يعتدون بارائهم ويرون لانفسهم حق البيان في الاحكام فقد اطلقنا عليهم اسم :
(الاجتهاد بالراي ).

وكـان كلا الاتجاهين قائمين في عهد الرسول ثم من بعده , فلو اخذناحكم صيام الدهر مثلا, فترى
الـبـعـض مـن الـصـحابة يصومه غير مبال بتكرار النهي عن النبي فيه وقوله (من صام اول الشهر
ووسطه واخره كانما صام الدهر).

نعم , ان من بين الصحابة من كان يصوم الايام الثلاثة في كل شهر كي يحصل على فضيلة صيام الدهر,
ومنهم من كان يصومها في جميع الايام مع سماعه نهي رسول اللّه .

وكذا الحال بالنسبة الى نحر الابل واكل لحومها يوم تبوك , فالنبي اجازها,لكن هناك من الصحابة من
انكرها ((206)) .

ومـثـله الحال بالنسبة الى غزوة احد, فالنبي (ص ) - لما هجم عليه خمسة من المشركين , فاصاب
احدهم جبهته والاخر كسر رباعيته وثالث فكم وجنته ورابع .... الخ
لم يرتض اعلام المشركين بانه حي لم يمت كي لا يعاودوا الكرة عليه ,فلما, عرف كعب بن مالك ان
رسول اللّه (ص ), حي نادى : يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول اللّه (ص ) لم يقتل , فاشار اليه
النبي (ص ) ان انصت , مخافة ان يسمعه العدو فيثب عليه , فسكت الرجل .

ثم اشرف ابو سفيان على المسلمين فقال : افي القوم محمد؟
فقال رسول اللّه : لا تجيبوه , مخافة ان يعرف انه حي فيشد عليه بمن معه من اعداء اللّه ورسوله .

ثم نادى : انشدك اللّه يا عمر, اقتلنا محمدا؟
فقال عمر: اللهم لا, وانه واللّه ليسمع كلامك .

فقال ابو سفيان : انت اصدق من ابن قما ((207)) .

نـعم اجاب عمر ابا سفيان مع تاكيد الرسول على عدم اجابته ونهيه عنه ,وما كان فعل عمر الالكونه
متاولا فاخطا وكـذا الحال بالنسبة الى قسمة قسمها رسول اللّه من الصدقات , فاتاه عمرقائلا : يا رسول اللّه لغير
هؤلاء احق منهم , اهل الصفة , فقال رسول اللّه :انكم تسالوني الفحش ... ((208)) .

وفي البخاري : قال عبداللّه : قسم النبي قسمة كبعض ما كان يقسم ,فقال رجل من الانصار: واللّه انها
لـقسمة ما اريد بها وجه اللّه . قلت : اما انالاقولن للنبي , فاتيته وهو في اصحابه فساررته , فشق ذلك
على النبي وتغيروجهه وغضب حتى وددت اني لم اكن اخبرته , ثم قال : قد اوذي موسى (ع )باكثر
((209))
؟ وعـن طـلـحـة وعثمان انهما قالا: اينكح محمد نساءنا اذا متنا ولا ننكح نساءه اذا مات ؟ اجلبنا على نسائه بالسهام .

وكان طلحة يريد عائشة , وعثمان يريد ام سلمة , وكانا يريدان بفعلهماايذاء الرسول , فانزل سبحانه
قوله (ما كان لكم ان تؤذوا رسول اللّه ولاان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا) ((210)) .

وقوله تعالى (ان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه ...) ((211)) .

وقـولـه تـعـالـى (ان الـذيـن يـؤذون اللّه ورسـوله لعنهم اللّه في الدنياوالاخرة واعد لهم عذابا
مهينا) ((212)) .

ومن تلك النصوص الكثيرة ما اخرجه البخاري في كتاب الاداب : ان النبي رخص في امر فتنزه عنه
ناس , فبلغ النبي فغضب ثم قال : ما بال اقوام يتنزهون عن الشي ء اصنعه , فواللّه اني لاعلمهم واشدهم
خشية ((213)) .

وبـهـذا فقد عرفنا ان القران قد صرح بوجود رجال بين الصحابة من يلمزه في الصدقات , وبينهم من
اذا راى تـجـارة او لـهوا انفض اليها وتركوه (ص )قائما , والرسول , ومنهم من يتخلف عن الجهاد,
ويرفع صوته على صوت الرسول ولا يمتثل امره و...

ومـنـهـم مؤمنون يتبعونه على امر جامع , مطيعين لاوامره منتهين عن نواهيه , غير مخالفين لحكمه
(ص ).

ومـمـا يخطر بالبال : ان النبي وبتاكيده على بعض المفردات كان يريدامتحان رجال معنيين من امته ,
فـمـا قـصـة ذي الثدية , وطلب تدوين كتاب عندموته (ص ) وتامير اسامة بن زيد - وهو شاب لم
يـتـجـاوز الـثامنة عشرة -على رجال امثال ابي بكر وعمر وابي عبيدة , الا نقاط جديرة بالوقوف
عندها.

فـنـحن لنتخذ مفردة من مفردات الدين وشعيرة من شعيرات الجهاد,فحنظلة (غسيل الملائكة ) لم
يـتـخلف عن المعركة الا بعد حصوله على اجازة من الرسول في البقاء عند زوجته ليلة الزفاف , في
الوقت نفسه نرى تخلف عددكثير من الصحابه عن الجهاد دون استئذان او...

الا يـعـنـي مـوقف حنظلة (غسيل الملائكة ) انه كان من اتباع التعبدالمحض , والاخرين من اتباع
مدرسة الاجتهاد والمصلحة ؟
ونـحن اطلقنا على الاخرين اسم الاجتهاد والمصلحة , نظرا الى اجوبتهم بها, فان قيل لهم : لم تخلف
فـلان عن الجهاد؟ قالوا: تعرف المصلحة ولاجله تخلف , او تاول فاخطا, او اجتهد, ولكل مجتهد ان
اصاب اجران وان اخطااجرواحد و...

ويـبدو لنا ان غالب المسائل المطروحة سابقا كانت بمثابة الامتحان لهؤلاءالصحابة ولتمييز المؤمن
المتعبد من غيره , لان الثابت في الشريعة هولزوم اطاعة اوامر الرسول والانتهاء عن نواهيه , وليس
لـلـمـؤمـنـيـن الخيرة في امرهم ,ولم يختص الامتثال ولزوم الطاعة فيما صدر بالتبليغ والاحكام
الـشـرعية حسب ,بل هو حكم مطلق عام شامل , فان حكم الاية بل الايات النازلة في ذلك مطلق وليس
فـيه قيد التبليغ وتبيين الاحكام (ليس لهم الخيرة من امرهم ) وبه يلزم ان يسلم المؤمن بما قضى به
الرسول ولا يجوز له التخلف عما امر به .

وعـليه فمن المحتمل المؤكد ان تكون رزية يوم الخميس وامتناع عمرمن جلب الدواة للنبي (ص )
ثـم رميه بالهجر انما كان لاجل ان يتعرف الاخرين على موقف هؤلاء الصحابة من رسول اللّه , وكذا
الـحـال بـالـنـسـبـة الـى تـامـيـره اسـامة بن زيد وهو ابن ثمان عشرة سنة على رجال امثال ابي
بـكـروعـمـر,فانها جاءت لارغام شموخ وانفة بعض القرشيين وتاكيده على لزوم السمع والطاعة
وعدم التخلف عن جيش الشاب اسامة فـجاء عنه (ص ) انه قال : ايها الناس , ما مقالة بلغني عن بعضكم في تاميري اسامة ؟ تاميري اسامة فقد طعنتم في تاميري اباه من قبل .

بـهذا اتضح لنا وجود اتجاهين في عصر الرسول , ا حدهما يشرع المصلحة ويقول بالراي قبال نص
الـرسـول , فترى هذا يرفع صوته على صوت الرسول ولم يتعبد بقوله بل يعترض على فعله (ص )
ويتعرف المصلحة مع وجود النص - كما رايت في قضية ذي الثدية - وغيرها وهناك رجال يتعبدون بقوله (ص ), ويرتضون المبيت على فراشه ليدرؤابانفسهم الخطر عن رسول
اللّه اذا اتـضـح ذلك نقول : ان الخليفة عمر بن الخطاب قد حدد سبب نهيه عن التدوين بامرين : احدهما:
التاثر باهل الكتاب , والاخر الخوف من الاخذباقوال الرسول وترك القران , لكن ابن حزم استبعد ان
يـكـون نـهـي عـمـرقـدتـعـلق بالسنة النبوية , وحمل نهيه على خصوص الاخبار عمن سلف من
الامم السابقة .

فـقـال : .. وانما معنى نهي عمر (رض ) من الحديث عن رسول اللّه (ص )لوصح فهو بين في الحديث
الذي اوردناه من طريق قرظة ((214)) , وانما نهى عن الحديث بالاخبار عمن سلف من الامم وعما
اشبه .

وامـا بالسنن عن النبي (ص ) فان النهي عن ذلك هو مجرد, وهذا مالا يحل لمسلم ان يظنه بمن دون
عـمـر مـن عامة المسلمين , فكيف بعمر (رض ).ودليل ما قلنا: ان عمر قد حدث بحديث كثير عن
النبي (ص ), فان كان الحديث عنه (ع ) مكروها, فقد اخذ عمر من ذلك باوفر نصيب , ولا يحل لمسلم
ان يظن بعمر انه نهى عن شي ء وفعله ((215)) ...

واستبعد اخرون - منهم الدكتور محمد عجاج الخطيب تبعا, لابن حزم ان يكون عمر بن الخطاب قد
مـنـع الـصحابة من التحديث , او انه سجن ابن مسعودوغيره , لعدم قبول العقل صدور ذلك من خليفة
كعمر بن الخطاب لكن الواقف على مجريات الاحداث في الصدر الاول يعرف سقم كلام ابن حزم ومن تبعه من الاعلام ,
وبـعـده عـن الـواقع , لان توارد الروايات عن عمر بالمنع مما لا يمكن انكاره او دفعه . وقد وردت
روايـات الـمـنـع مـطلقة لم تخص صحابيا دون اخر, ولا نوعا من الحديث دون نوع اخر, بل ثبت
ان عمرتشدد غاية التشدد على المحدثين والكاتبين للحديث , وهذا مما لا ينكره الامكابر, فلذلك راح
ابـن حزم ومن حذا حذوه يختلقون الاعذارويضعون المبررات لفعل الخليفة , ولم يكن عندهم اكثر
من مجردالاستبعاد والاستغراب الذي لا يقوم على اساس علمي .

وامره قرظة واصحابه بالاقلال من الرواية عن النبي لا يخلو من وجهين :
الاول : ان يكون عمر يتهمهم جميعا بالكذب على الرسول , وهذا فيه مافيه .

الثاني : ان يكون عمر قد امر بكتمان ما انزل اللّه على لسان نبيه .

وهـذان الـوجـهـان لا يلتزم بهما, ولا بواحد منهما ابن حزم واتباعه , وان كنانميل الى الاول - مع
ضـميمة شي ء اخر معه - منهما بقرينة اتهام عمرلعماله ومشاطرته اموالهم , وبملاحظة سيرته : من
شـدتـه عـلـى الـصحابة وضربه اياهم : فمجمل سيرة عمر مع الصحابة تدل بوضوح على انه كان
لايثق بالصحابة وانه كان يجابههم بانواع الكلام اللاذع , وكان يظهر معايبهم على ملا من المسلمين .

وعـلى كل حال , فان ابن حزم ومن جر جره لا يرتضي هذين الوجهين ,لذلك اضطروا الى حمل نهي
عـمـر عـلـى الـنـهـي عـن التحديث باخبارالامم السالفة , وهذا حمل تبرعي لم يدل عليه دليل من
روايـات مـنعه ,لانها جميعا مطلقة , ولان سيرته في المنع اعم من هذا التخصيص ,ولان قسوته بلغت
حـدا لا يـفـرق بـين التحديث بالسنة او باخبار الامم , حتى انه منع عمارا في تحديثه بواقعة قطعية
وقعت له في زمن النبي - التيمم -وكان عمر شاهدها.

وعـلـيه فالخبر لا يمت الى ما قيل عن الامم السالفة الا بنحو عناية ,وهي احدى الوجوه التي نذهب
اليها في منع الخليفة عمر بن الخطاب عن التحديث . وذلك يتصل بنفسية الخليفة عمر, اذ الثابت عنه
انه كان قد واجه منعانبويا صارما من التحديث على عهد رسول اللّه , وذلك بعد ان نهاه (ص )عن تتبعه
لاخبار اليهود وتحديثه بها في بدء الدعوة , فيحتمل ان يكون نهيه اليوم هونتيجة ردة فعل سلبية مني
بـها من عهد الرسول , فصار عمريكره التحديث والتدوين مطلقا, سواء كان من سنة النبي او غيرها,
وسـواءكـان من صحيح ماورد من اخبار الامم السالفة او سقيمها, فقد ورد عن خالد بن عرفطة ان :
انطلقت انا.. فانتسخت كتابا من اهل الكتاب ثم جئت به في اديم .

فقال لي رسول اللّه : ما هذا في يدك يا عمر؟
قلت : يا رسول اللّه , كتاب انتسخته لنزداد به علما الى علمنا.

فغضب رسول اللّه حتى احمرت وجنتاه , ثم نودي بـ الصلاة جامعة ,فقالت الانصار: اغضب نبيكم السلاح السلاح , فجاؤوا حتى احدقوابمنبر رسول اللّه .

فقال (ص ): يا ايها الناس , اني قد اوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ,واختصر لي اختصارا, ولقد اتيتكم
بها بيضاء نقية , فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون .

قـال عـمـر: فـقـمـت فـقـلـت : رضيت باللّه ربا, وبالاسلام دينا, وبك رسولا,ثم نزل رسول اللّه
(ص ) ((216)) .

وفـي اخر عن عبداللّه بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطاب فقال : يارسول اللّه يهود, فكتب لي جوامع من التوراة , قال :افلااعرضها عليك ؟
فـتـغـير وجه رسول اللّه (ص ), فقال عبداللّه [بن ثابت ]: مسخ اللّه عقلك اللّه ؟ فقال عمر: رضيت باللّه ربا, وبالاسلام دينا, وبمحمد رسولا ((217)) .

وقـد ثـبت ان عمر وقع منه الاختلاط باليهود, وانه كتب من كتبهم , وانه كان يقرا ويكتب , فاحب ما
ورد عـنـهـم , ولم يكن قراه ليرد عليه او يفنده ,وانما قراه معجبا به وليزداد علما الى علمه , لذلك
غـضـب رسـول اللّه هـذاالـغضب الشديد,لانه (ص ) كان قد حذر من اليهود, وبين القران الكريم
فـي اكـثـر مـن سـورة مـكـرهـم وخـداعهم منها قوله تعالى : (يا ايها الذين امنوا لاتتخذوا اليهود
والـنـصـارى اولـيـاء بـعـضـهـم اولـيـاء بـعـض ومـن يـتـولـهم منكم فانه منهم ان اللّه لا يهدي
القوم الظالمين ) ((218)) .

وقوله تعالى : (لتجدن اشد الناس عدواة للذين امنو اليهود...) ((219)) .

فـكان الخليفة عمر - بعد هذه الواقعة - حدثت في داخله هزة عنيفة وردة فعل سلبية , جعلته يتخذ
تـلـك الـمـواقف القاسية من المحدثين والمدونين ,فيحبس هذا ويضرب ذاك , وتراه يؤكد في منعه
(امنية كامنية اهل الكتاب ), وغيرها.

ويـوكد هذا ما جاء في مقدمة خبر خالد بن عرفطة , انف الذكر, قال :كنت جالسا عند عمر فاذا فاتى
برجل من عبد قيس , مسكنه بالسوس , فقال له عمر : انت فلان بن فلان العبدي ؟ قال : نعم .

قال : وانت النازل بالسوس ؟
قال : نعم , فضربه بقناة معه ؟
فقال الرجل : ما لي يا امير المؤمنين ؟ فقال له عمر: اجلس , فجلس فقرا عليه . بسم اللّه الرحمن الرحيم ,الر,تلك ايات الكتاب المبين , انا
انـزلـنـاه قـرانـا عربيا لعلكم تعقلون ,نحن نقص عليك احسن القصص ) الى (لمن الغافلين ) فقراها
عليه ثلاثا,وضربه ثلاثا.

فقال له الرجل : ما لي يا امير المؤمنين ؟
فقال : انت الذي انتسخت كتاب دانيال ؟
قال : مرني بامرك اتبعه ؟
قـال : انطلق فامحه بالحميم والصوف الابيض , ثم لا تقراه ولا تقريه احدامن الناس , فلئن بلغني عنك
انك قراته او اقراته احدا من الناس ,لانهكنك عقوبة . ثم قال : اجلس , فجلس بين يديه , وعند ذلك نقل
له قصته المارة مع رسول اللّه , فقال : انطلقت انا فانتسخت كتابا من اهل الكتاب ...الى اخره .

وقد حدثت مثل هذه الردة السلبية عند اسامة بن زيد حين قتل امرءامسلما, لانه ظن انه اسلم خوفا
مـن الـسـيـف , فـرجـع اسـامـة وقد نزل قوله تعالى (ولا تقولوا لمن القى اليكم السلم لست مسلما
# تـبـتغون عرض الحياة الدنيا..) فصار اسامه متخوفا وجلا حتى امتنع من الخروج والقتال مع علي بن
ابي طالب ضد الناكثين والقاسطين والمارقين .

فاذا جمعت هذا بالاضافة الى اتهامه الصحابة بالخيانة والكذب , وتهديده ابا هريرة لتحديثه , وسجنه
جماعة من المحدثين , وضربه اخرين ..

اذا جمعت هاتين المقدمتين عرفت سر اباحة عمر التحديث لنفسه ومنعه الاخرين منه .

فـهـو يرى لنفسه الاهلية الكاملة والحق المطلق في ذلك لانه خليفة رسول اللّه وان الاخرين موضع
للشك وعدم الاطمئنان , او انهم معرضون للخطاوالزلل .

فـلم يبق عذر لابن حزم في التمحل واختلاق الاعذار وتوجيه التهافت الذي وقع فيه الخليفة عمر
بن الخطاب .

فقد بينا وجه ذلك التهافت للباحثين , مع اننا لسنا بمسؤولين عن تهافت الخليفة واختلاف فعله مع قوله
بعد ثبوت ذلك عنه بلا خلاف .

هذا وقد حمل بعضهم نهي عمر عن التحديث والتدوين بقوله :
فهو اذ يطلب الاقلال من الرواية , فانما يطلبه من باب الاحتياطلحفظالسنن والترهيب في الرواية .

واما من كان يتقن ما يحدث به , ويعرف فقهه وحكمه فلا يتناوله امرعمر ((220)) .

والـلـبيب ليعجب من مثل هذه الاقوال , لان الاحتياط هنا لا مورد له ,لان المحدث ان كان ثقة صدوقا
فـلا معنى لمنعه عن التحديث ولا معنى للاحتياط وخصوصا كون بعض هؤلاء المنهيين من التحديث
قد ورد فيهم نص عن رسول اللّه (ص ) يدل على جلالة قدرهم .

/ 21